الشيخ سعيد بن علي المغيري

المؤلف

الشيخ سعيد بن علي المغيري

بقلم: د. سليمان المحذوري
باحث في تاريخ وحضارة إفريقيا الشرقية
 

هو الشيخ سعيد بن علي بن جمعة بن سعيد بن علي بن مسعود المغيري المسكري، وُلد في عُمان ببلدة فلج المشايخ التابعة لولاية جعلان بني بوحسن بمحافظة جنوب الشرقية عام 1883م، وترعرع في رعاية جده العلاّمة جمعة بن سعيد بن علي المغيري. وكعادة العُمانيين آنذاك أرسله جده عام 1905م إلى إفريقيا الشرقية فنزل عند ابن عمه الشيخ محمد بن جمعة المغيري – أول من هاجرمن أجداده إلى شرق افريقيا هو الشيخ علي بن مسعود المغيري زمن دولة اليعاربة – الساكن يومئذ بمنطقة شكشك في جزيرة بيمبا التي سماها العُمانيون الجزيرة الخضراء وهي بالفعل اسم على مسمى؛ إذ تكتسي الجزيرة بأشجار القرنفل والنارجيل وأشجار استوائية أخرى مثمرة وغير مثمرة. وبالتالي وجد الشيخ نفسه في بيئة زراعية بالإمكان استثمارها اقتصادياً لا سيما وأنّ الجزيرة بها مرافئ تُستخدم للمبادلات التجارية، وبالفعل وبعد فترة وجيزة من العمل المضني أصبح الشيخ سعيد واحداً من كبار مزارعي القرنفل الذين يُشار لهم بالبنان. جاء في صدر كتاب الموسوعة الميسّرة ” فبزغ نجمه – أي الشيخ سعيد- في الجزيرة الخضراء بعد فترة ليست بطويلة بين مزارعي شجرة القرنفل وتجارها ، فغدا لسان حالهم ، والناطق باسمهم ، والناظرلمصالحهم لما عُرف في هذا الرجل من الصلاح والحنكة السياسية، فكان سفير عامة الشعب لدى الحكومة وذلك لقربه من السلطة الحاكمة”؛ ولأجل ذلك لُقب بديك الجزيرة. تجدر الإشارة إلى أنّه منذ رحيله إلى زنجبار واستقراره في الجزيرة الخضراء لم يزر عُمان إلا مرتين زار خلالهما والده وأقاربه؛ الأولى كانت بعد عشر سنوات تقريباً، أمّا الزيارة الثانية فكانت في عام 1915م.

اسهاماته الاصلاحيّة:


من أعمال الشيخ سعيد المغيري الخيرية في الجزيرة الخضراء بناء مسجد قي بلدة ويته بمشاركة أخوانه من المسلمين، وإقامة مدرسة دينية مُلحقة بهذا المسجد، كما شيّد مسجد آخر في بلدة مكواني، وبنى مصلى على نفقته الخاصّة بالقرب من ميناء الجزيرة. إضافةً إلى ذلك ساهم في تأسيس المدرسة السعيدية في الجزيرة الخضراء والتي اشترك في بنائها الطوائف الإسلاميّة وغير الإسلاميّة. ومن أعماله الخيرية كذلك بناء مدرسة إسلامية في كفوندي التي أوقف لها نحو ألف شجرة قرنفل، كما أوقف أحد بيوته في ويته للإفاق على المتحصل منه في افطار الصائمين، وإكرام فقراء المسلمين في العيدين.كما أوقف بيت آخر لتعليم الدين الإسلامي.

دوره السياسي:


حظي الشيخ سعيد المغيري بثقة الحكومة في زنجبار؛ إذ تمّ تعينه عضواً في المجلس التشريعي عام 1932م، وكانت آراؤه محلّ تقدير واحترام من قبل أعضاء المجلس والحكومة على حد سواء؛ فعلى سبيل المثال عارض بشدة مشروع اجتثاث 60 ألف شجرة قرنفل بسبب موتها المفاجئ ولولا هذا الرأي الذي أيدته الحكومة لحلّت خسارة اقتصادية عظيمة في زنجبار، كما أسهم بدور بارز في تنشيط الحركة التجارية بين جزيرة بيمبا وتنجانيقا بعد أن كانت متوقفة لمدة 40 عاماً.
وتتويجاً للدور السياسي والاصلاحي الي قام به الشيخ سعيد المغيري مُنح عدداً من الأوسمة والنياشين تكريماً له على جهوده البارزة والخدمات التي أسداها للحكومة في سلطنة زنجبار منها وسام الكوكب الدري من الدرجة الثالثة الذي قلّده إياه السلطان خليفة بن حارب في 19 يناير 1934م، وهو وسام يناله الأشراف والأعيان. كما منحته بريطانيا أربعة أوسمة أخرى مثل وسام MBE، ثم وسام OBE، ووسام CBE، وكذلك وسام KBE وبموجب هذا الوسام مُنح الشيخ لقب “السير”.

رحلاته:


سافرالشيخ المغيري خارج زنجبار إلى عدة بلدان ولأغراض شتى لعل أبرزها زيارة بيت الله الحرام حاجاً عام 1912م عن طريق قناة السويس ماراً ببورسعيد ثم يافا وبيروت، كما زار بيت المقدس والخليل وبعدها سافر بالقطار من حيفا إلى المدينة المنورة.
وبرفقة السلطان خليفة بن حارب الذي حكم خلال الفترة 1911-1960 زار الشيخ المغيري أوروبا ثلاث مرات الأولى لحضور حفل تتويج الملك جورج السادس عام 1937م ملكاً على بريطانيا ، والثانية لحضور حفل تتويج الملكة اليزابيث الثانية عام 1953م، أما رحلته الثالثة فكانت رحلة غير رسمية إلى لندن عام 1960م . وخلال هذه الرحلات أُتيحت له فرصة للاطلاع على معالم الحضارة الأوروبية، كما زار عدداً من الدول العربية ومنها مصر وهو في طريقه إلى وجهته.
سرد الشيخ سعيد تفاصيل الرحلة في كتاب صدر عن وزارة التراث والثقافة بعنوان “رحلة السلطان خليفة بن حارب إلى أوروبا” وضّح في مقدمة هذا الكتاب الغرض من تأليفه بقوله :”…شاهدت ورأيت العجب العجاب في سفرنا هذا، من غرائب الدنيا وعجائبها، اشتاقت نفسي إلى أن أرسم ما شاهدته على وجه القرطاس حتى تبقى أسفار هذا الملك السعيد-أي السلطان خليفة بن حارب- أياماً عديدة، وأعواماً مديدة”. وقد ضمّن هذا الكتاب أخبار وحقائق عن البلدان التي مرّ بها مع ذكر التواريخ الدقيقة للأحداث .كما أورد المؤلف وصفاً جميلاً لجغرافية ومعالم الموانئ والمدن التي زارها مثل عدن والسويس وبورسعيد والقاهرة وجزيرة كريت ومرسيليا وباريس وبشئ من التفصيل خصّ مدينة لندن بمزيد من الوصف إلى جانب وصف عادات وتقاليد سكانها وأعمالهم. وبالإضافة إلى ذلك تطرق المؤلف إلى بعض من المواقف والمشاهد التي صادفته؛ فعلى سبيل المثال يذكر المؤلف في معرض زيارته لباريس ما يلي: “وقد صارت العيون ترمقنا وعلينا اللباس العربي الذي نحن نلبسه، عمامة صحارية وبشت وقميص، فكان الذي يرانا لا بد أن يقف حتى يمتع نظره بمنظرنا العجيب الغريب”. وحول ذات الموضوع أثناء زيارته لمدينة لندن يذكر الآتي”وبعد خروجنا من الكنيسة وعليّ اللباس العربي،عمامة صحارية وجوخة وقميص وخنجر، وبيدي سيف مذّهب وسارت بنا السيارة ما بين صفوف بني آدم، فمن رآني في تلك الهيئة، واني على غير شكلهم يعجبهم نوع لباسي، فصاروا يزدحمون عليّ أفواجاً أفواجا”. وفي المجمل فإنّ هذه الرحلة تُعتبر من المصادر التاريخية الهامّة حول أدب الرحلات، ومادة تأريخية تعكس علاقة سلطنة زنجبار ببريطانيا آنذاك.

جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار:


بعد عودته من بريطانيا عام 1938م شرع الشيخ المغيري في تأليف كتاب “جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار” الذي يُعد مصدراً لا يستغني عنه الباحث في مجال الدراسات التاريخية عن شرق إفريقيا بوجه عام وعلى وجه الخصوص المهتم بتفاصيل تاريخ علاقة أهل عُمان بالديار الأفريقية. وكان الدافع لتأليف الكتاب غيرته الشديدة على مآثر العرب العُمانيين في تلك البقعة الإفريقية ساحلها وداخلها والتي لم تُوثق ولم تنل حظها من التدوين بما تستحق رغم العلاقات والصلات التجارية والحضارية المتجذرة التي تربطهم بساحل إفريقيا الشرقي منذ القرن الأول الميلادي وربما قبل ذلك؛ وبالتالي أضحى تاريخهم مادة خصبة لأقلام المغرضين يعبثون بها ويوجهونها وفقا لأهوائهم وأغراضهم. ويُبين المغيري في مقدمة الكتاب أنّ أكثر من ألّف حول أخبار إفريقيا الشرقية هم من الأوروبيين الذين وفدوا على المنطقة منذ بداية القرن التاسع عشر في صورة مُستكشفين ومُبشرين ومن خلال تجوالهم وأسفارهم سجّلوا كل مشاهداتهم بكل دقة؛ الأمر الذي ساعد على لفت أنظار أوروبا إلى قارة إفريقيا. ولا شك أنّ هذه المجهودات التي بذلوها -رغم أهدافهم – ساهمت في توثيق جانب من تاريخ المنطقة بشكل عام وتاريخ العُمانيين بشكل خاص. ورغم أنّ هذه المؤلفات حوت معلومات عن أخبار العُمانيين – وهم أقدم تاريخياً من غيرهم في هذه المنطقة- الذين سادوا وحكموا منطقة افريقيا الشرقية ردحا من الزمن؛ إلا أنّها تضمنت كذلك معلومات جانبها الصواب والدقة؛ ومن هنا جاء هذا الكتاب لتصحيح بعض من تلك المفاهيم المغلوطة وبوجهة نظرعربية.
ويُعتبر كتاب جهينة الأخبار بمثابة المعين الذي لا ينضب والذي ينهل منه الباحث والدارس التاريخ الحضاري المتواصل ما بين عُمان وإفريقيا الشرقية عبر الحقب التاريخية المختلفة. “والمتتبع لهذا الكتاب يرى ببصيرة فكره مدى الجهد الذي بذله مؤلفه في نتتبع الروايات، واستقصاء المعلومات ، ليضع في متناول أيدينا كتاباً تشكره على انجازه الأجيال المتعاقبة على هذه البسيطة ” ، كما “يمثل كتاب جهينة الأخبار محاولة لسد بعض الفراغ في جانب مهم من جوانب التاريخ الاسلامي في افريقيا ، وذلك هو الدور الذي قام به العرب العمانيون في دعم الوجود العربي والاسلامي في شرقإ افريقيا”. وقد تضمن الكتاب مواضيع شتى تتعلق بتاريخ عُمان بشكل عام، والقسم الأكبر منه خصّصه المؤلف للحديث بالتفصيل عن تاريخ زنجبار مبتدئاً بالعصور القديمة، ثم بيان تاريخ زنجبار في العصور الحديثة مُستشهداً بالأرقام والإحصائيات للتدليل على الحقائق التاريخية التي أوردها. وتكمن أهمية هذا الكتاب في أن مؤلفه كان شاهد عيان لكثير من الأحداث التي شهدتها سلطنة زنجبار لا سيما في عهد السلطان خليفة بن حارب حيث كان من المقربين للسلطان؛ وبالتالي بحكم هذه المكانة استطاع أن يجمع كثير من المعلومات حول تاريخ زنجبار سواء من المعاصرين له أو المصادر الأصلية المكتوبة والكتب المتنوعة العربية والأجنبية.
تُوفي الشيخ المغيري في ابريل عام 1962م عن عمر ناهز الثمانين عاماً، ودفن في بلدته ويته بالجزيرة الخضراء بعد أن قضى حياة مفعمة بالمآثر السياسية والاقتصادية والعلمية، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

المراجع:


• مصدر الصور والوثائق الفاضل علي بن جمعة بن سعيد بن علي المغيري.
• سعيد بن علي المغيري، رحلة السطان خليفة بن حارب إلى أوروبا 1937- 1960، سلطنة عُمان: وزارة التراث القومي والثقافة، 1985.
• سعيد بن علي المغيري، جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، تحقيق محمد علي الصليبي، ط4، سلطنة عُمان: وزارة التراث القومي والثقافة، 2001.
• الموسوعة الميسرة للتراث العُماني ، القسم التاريخي، جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، ط1، روي: المطابع العالمية ، 1995.

كتب للمؤلف في المكتبة: