يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي

المؤلف

يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي

الكندي – هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي (185 – 256 هـ / 805 – 873م), مؤسس الفلسفة العربية الإسلامية كما يعده الكثيرون، كان كمعظم علماء عصره موسوعيا فهو رياضي و فيزيائي و فلكي وفيلسوف إضافة إلى أنه موسيقي، يعتبر الكندي واضع أول سلم للموسيقى العربية.

ولد الكندي بالكوفة وهو من قبيلة كنده، ويعرف عند اللاتينيين باسم(Alkindus)، وكان والده أميراً علي الكوفة ويقال عن يعقوب الكندي أنه أتم حفظ القرآن والكثير من الأحاديث النبوية الشريفة وهو في الخامسة عشر من عمره عندما كان يعيش في الكوفة مع أسرته الغنية بعد وفاة والده والي الكوفة الذي ترك له ولإخوته الكثير من الأموال.

أراد ” الكندي ” أن يتعلم المزيد من العلوم التي كانت موجودة في عصره فقرر السفر بصحبة والدته إلي البصرة ليتعلم علم الكلام وكان هذا العلم عند العرب يضاهي علم الفلسفة عند اليونان، وأمضى ثلاث سنوات في البصرة يدرس بها عرف من خلال دراسته كل ما يجب أن يعرف عن علم الكلام، لكن فضوله للمعرفة لم يتوقف عند حد قراءة الكتب المترجمة، فبدأ بدراسة اللغتين السريانية واليونانية على يد أستاذين كانا يأتيان إلى منزله ليعلماه، وأتقن اللغتين بعد سنتين، وبدأ بتحقيق حلمه، فكوّن فريقاً خاصاً به وصار صاحب مدرسة في الترجمة تعتمد علي الأسلوب الجميل الذي لا يغير الفكرة المترجمة.

وضع الكندي منهجا جديدا للعلوم وفق فيه بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية، وكانت له معرفة واسعة بالعلوم والفلسفة اليونانية، وعاصر ثلاثة من الخلفاء العباسيين وهم المأمون، والمعتصم، والمتوكل، كما عاصر الفلكيين الإخوة الثلاثة بنو موسى، والفلكي سند بن علي، وبلغ منزلة كبيرة عند المأمون والمعتصم، حتى إن المأمون عهد إليه بترجمة مؤلفات أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان، كما أن المتوكل استخدمه كخطاط، لكن نظراً لآرائه الفلسفية ووشاية بعض الحاسدين به، فقد أمر المتوكل بمصادرة جميع كتبه؛ غير أنها أعيدت إليه جميعها.

 
إسهاماته

أدرك الكندي أهمية الرياضيات في العلوم الدنيوية فوضع المنهج الذي يؤسس لاستخدام الرياضيات في الكثير من العلوم، واستعان الكندي بالرياضيات وبالسلم الموسيقي اليوناني الذى اخترعه فيثاغورث، ليضع أول سلم للموسيقى العربية مسميا العلامات الموسيقية، وهو أول من وصف مبادئ ما يعرف الآن بالنظرية النسبية، ففي حين أعتبر علماء الميكانيك التقليديين (غاليليو ونيوتن) الوقت والفراغ والحركة والأجسام قيما مطلقة، قال الكندي إن تلك القيم نسبية لبعضها البعض كما هي نسبية لمشاهدها.

ويلقب الكندي بفيلسوف العرب بل مؤسس الفلسفة العربية الإسلامية كما يعده الكثيرون، وعده ( كاردانو) من الإثني عشر عبقرياً الذين ظهروا في العالم وهو عالم موسوعي، فإضافةً إلى شهرته كفيلسوف، فقد كان عالماً بالرياضيات، والفلك، والفيزياء، والطب، والصيدلة، والجغرافيا, كان كمعظم علماء عصره موسوعيا فهو رياضي و فيزيائي وفلكي وفيلسوف إضافة إلى أنه موسيقي، حيث يعتبر الكندي واضع أول سلم للموسيقى العربية

وكتب أربعة كتب عن استعمال الأرقام الهندية، كما قدم الكثير في مجال الهندسة الكروية لمساعدته في دراساته الفلكية، وراقب أوضاع النجوم والكواكب ـ خاصة الشمس والقمر ـ بالنسبة للأرض وما لها من تأثير طبيعي وما ينشأ عنها من ظواهر، وأتى بآراء خطيرة وجريئة في هذه البحوث، وفي نشأة الحياة على ظهر الأرض، مما جعل الكثيرين من العلماء يعترفون بأن الكندي مفكر عميق من الطراز الرفيع.

أما في الكيمياء فقد عارض الفكرة القائلة بإمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة كالذهب من المعادن الخسيسة، وكتب في ذلك رسالة سماها “رسالة في بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخدعهم”.

وفي الفلك فلم يكن الكندي يؤمن بأثر الكواكب في أحوال الناس، ورفض ما يقول به المنجمون من التنبؤات القائمة على حركات الأجرام، ووجه اهتمامه إلى الدراسة العلمية للفلك وعلم النجوم وأرصادها، ويعدّه بعض المؤرخين واحداً من ثمانية أئمة لعلوم الفلك في القرون الوسطى لمساهمته في تطير المرصد الفلكي في بغداد.

وقدم الكندي في علم الفيزياء الكثير في البصريات الهندسية والفيزيولوجية، وألف فيها كتاباً كان له تأثير فيما بعد على روجر بيكون (Roger Bacon) ووايتلو (Witelo) وغيرهما.

وكان الكندي مهندساً بارعاً، يرجع إلى مؤلفاته ونــظرياته عند القيام بأعمال البناء، خاصة بناء القنوات، كما حدث عند حفر القنوات بين دجلة والفرات.

وتتجلى إسهامات الكندي في الطب في محاولته تحديد مقادير الأدوية على أسس رياضية، وبذلك يكون الكندي هو أول من حدد بشكل منظم جرعات جميع الأدوية المعروفة في أيامه.

 
مؤلفاته

كان الكندي غزير المادة، خصب الإنتاج في التأليف، لم يترك ناحية من نواحي العلم إلا كتب فيها، مما دعا العلماء القدامى إلى تصنيف كتبه بحسب موضوعاتها، فحين ترجم له ابن النديم أحصى مؤلفاته فإذا بها تبلغ نحو مائتين وثماني وثلاثين رسالة تناولت مواضيع مختلفة منها الفلسفة، والفلك، والحساب، والهندسة، والطب، والفيزياء، والمنطق، و المد والجزر، وعلم المعادن، وأنواع الجواهر، وأنواع الحديد، والسيوف.

وكان الكندي من أوائل مترجمي مؤلفات اليونان إلى العربية، وهذه بعض مؤلفاته، وذلك استناداً إلى ما ذكره كل من طوقان والزركلي :”رسالة في المدخل إلى الأرثماطيقى- خمس مقالات”، “كتاب رسالة في استعمال الحساب الهندسي – أربع مقالات”، “رسالة في علل الأوضاع النجومية”، “رسالة في صنعة الإسطرلاب”، “رسالة في التنجيم”، “إلهيات أرسطو”، “الأدوية المركبة”، “رسالة في الموسيقي”، “المد والجزر”،”السيوف وأجناسها”.

وترجم “جيرار الكريموني” في القرن الثاني عشر للميلاد، معظم كتب الكندي إلى اللغة اللاتينية، فكان لها تأثير كبير على تطور علوم كثيرة على امتداد عدة قرون وأهتم به إمبراطور الروم، وإمبراطور الدولة البيزنطية (القسطنطينية) وأرسلوا إليه الهدايا ورسائل التقدير والشكر على مؤلفاته التي كانت تطلب بشدة من جميع أنحاء العالم وخاصة أوروبا التي اتخذت من مؤلفاته عمدة لمكتباتها، وذلك بعد أن تكون عمدة لبيت الحكمة في بغداد .

 
موسيقى الكندي

يقول الكندي في أحد رسائله “الموسيقار الباهر الفيلسوف يعرف ما يشاكل كل من يلتمس إطرابه من صنوف الإيقاع والنغم والشعر، مثل حاجة الطبيب الفيلسوف إلى أن يعرف أحوال من يلتمس علاجه أو حفظ صحته”، وهكذا يمثل مفهوم الموسيقى في نظر الكندي معرفة لا بد اكتسابها بالدرس والتحصيل، وكما يتحتم على الطبيب أن يأخذ بعين الاعتبار أمورا كثيرة قبل أن يهيئ العلاج، كذلك يتحتم على الموسيقار أن يفعل قبل أن يصنع الألحان.

ويتناول الكندي موضوع الموسيقى من مختلف النواحي: النغمات، ما يتفق منها وما يتنافر عند التأليف، الإيقاعات وعدد نقراتها وما يرافق كل منها من الألحان، أثر الموسيقى في النفس وما تبعثه ألحانها فيها من سرور وحزن وشجاعة، أثر الألحان المختلفة في الصحة والأمزجة، المناسبة بين الأوتار والنغمات والأجرام السماوية وغير ذلك، فيضع لكل هذه الأمور، الدساتير التي ينبغي أن يسير بموجبها الموسيقار الباهر، مؤيدا أقواله بالبراهين الرياضية، والأدلة المنطقية.

ويعتبر الكندي أول من أدخل الموسيقى إلى الثقافة العربية، فأصبحت من ضمن مناهج الدراسة العلمية، وجزءا من الفلسفة الرياضية، وكان هذا بطبيعة الحال نتيجة التأثر بالمدرسة الإغريقية، بما نقله العرب من العلوم اليونانية إلى العربية في مختلف نواحي المعرفة ومنها الموسيقى.

فصارت كلمة ” الموسيقى” باللغة العربية تعني علم الموسيقى بينما كلمة “الغناء” التي كانت قديما تعني أداء الألحان والموسيقى بصورة عامة، صارت تطلق على الفن العملي فقط.

ويضع الكندي الموسيقى في تصنيفه للعلوم ضمن العلم الأوسط، فيوضح بذلك وضع هذا العلم بين علمين، علم ما فوقه وما تحته، ويقسمه إلى أربع أقسام هي:(علم العدد والمعدودات وهو الأرثماطيقي – علم التأليف وهو الموسيقى – علم الجاومطرية وهو الهندسة – علم الأسطرونومية وهو التنجيم)

ويتحدث الكندي في رسائله عن التأثير النفسي للموسيقى ويصنف الألحان حسب تأثيرها في النفس إلى ثلاثة صنوف: (اللهوي والطربي والتلذذي والتنعّمي، وهي الألحان المطلوبة – الجرأة والنجدة واليأس والإقدام، وهي الألحان الجريئة – للبكاء والحزن والنوح والرقاد، وهي الألحان الشجية) ويرى في رسائله أن للطفولة ألحانها، وللشباب والشيخوخة كذلك، والألحان في الصيف والشتاء وألحان الصباح والمساء والليل.

ويتناول أيضا الألحان من ناحية طبية، فيبين أن الألحان تؤثر في الجسم فتساعد على الهضم، وتبعث في الكيموسات التلطيف والتنظيف، ثم يتناول النغمات والأوتار والإيقاعات ويذكر ما يفيد منها لأعضاء الجسم.

ويعد الكندي أول من دون الموسيقى بالأحرف الأبجدية، ويشهد على ذلك السلم الموسيقي الذي دونه في مخطوطته الموسيقية، ومن مؤلفات الكندي الموسيقية الشهيرة : رسالته الكبرى في التأليف، رسالته في ترتيب النغم الدالة على طبائع الأشخاص العالية وتشابه التأليف، رسالته في الإيقاع، رسالة في المدخل إلى صناعة الموسيقى، رسالة في خبر صناعة التأليف، رسالة في صناعة الشعر، رسالة في الأخبار عن صناعة الموسيقى.

كتب للمؤلف في المكتبة: