‫ةنم ‪..-.‬‬ ‫‪.‬تي ‏‪ ٢‬تل‬ ‫ا تماكلت يمع يوت ‪.‬‬ ‫‏‪ ٧‬ا ‪.‬‬ ‫ه‬ ‫‪2‬‬ ‫‏‪٢‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ا‪.‬‬ ‫بم‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫‪--‬‬ ‫دا ذ‬ ‫ؤ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫اتتمتتنلالمتالاتلاين‬ ‫‏)‪(٣‬‬ ‫الففه و لتتعا يع‬ ‫مدخلا وثار خا‬ ‫تأليف‬ ‫مهني بن عمر التيواجني‬ ‫الطبعة الأولى ‪١٤١٧‬ه‏ ۔‪١٩٩٦‬م‏‬ ‫إن الحمد لله وحده ‪ ،‬نستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور‬ ‫أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ .‬من يهد الله فهو المهتدي‪ .‬ومن يضلل فلا هادي له‪.‬‬ ‫وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬ ‫وبعد ) فقد سبق أن قدمنا ضمن سلسلتنا « أشعة من الفقه الاسلامي»‬ ‫الحلقتين الأولى والنانية } بشكل يتناسب مع مستوى القراء من ذوي الثقافة‬ ‫المحدودة والمتوسطة ‪ ،‬فاقتصرنا في الحلقة الأولى على موجز ميسر لفقه العبادات‬ ‫آداب الإسلام‪ ،‬ثم توسعنا في الحلقة الثانية فعرضنا فقه العبادات‬ ‫وبعض من‬ ‫مدعما بالأدلة الشرعية‪ .‬وأضفنا إليه أحكام فقه الأسرة والمعاملات & وأوقفنا‬ ‫القارئ الكريم على أهم مبادئ الإسلام في الميدانين الاجتماعي والاقتصادي }‬ ‫وأطلعناه على أهم الضوابط التي يجب أن يلتزم بها المسلم في علاقاته الأسرية‬ ‫وتصرفاته المالية لتحقيق المجتمع الإسلامي النظيف ‪ .‬ثم ارتأينا أن نكتب في الحلقة‬ ‫الجديدة من سلسلتنا في موضوع يهم قراءنا الجامعيين والمتخصصين في الدراسات‬ ‫الفقهية أساسا‪ ،‬ملتزمين فيما نكتب بالموضوعية العلمية ما أمكن ‪ ،‬واخترنا‬ ‫لموضوعنا عنوانا هو «الفقه والتشريع‪ :‬مدخلا وتاريخا» وجعلنا كتابنا في‬ ‫سبعة فصول خصصنا\ الأول منها للحديث عن خصائص التشريع الإسلامي من‬ ‫ربانية وشمول وتوازن ‪ 0‬وجمعه بين الثبات والمرونة } وأصالة واستقلالية عن كل‬ ‫ما عداه من الأنظمة التشريعية والقانونية } ثم أشرنا إلى الأهداف والمقاصد التي‬ ‫يعمل التشريع الإسلامي على تحقيقها فشيتى مجالات حياة الناس الخاصة والعامة ‪.‬‬ ‫وعقدنا الفصل الثاني لمراحل التطور التشريعي ‪ ،‬وأشرنا إلى أن البحث الفقهي نما‬ ‫وتطور بحسب ما كانت عليه الحياة من بساطة أو تعقيد وتشعب إذ هو إلى حد‬ ‫ما ثمرة من ثمارها ونتيجة من نتائجها‪ .‬لقد سايرنا الفقه عبر تاريخه الطويل‬ ‫وأبرزنا الأدوار الزمنية التقريبية لكل مرحلة من مراحله “ وركزنا على مميزات كل‬ ‫دور من النشأة إلى البعث والتجديد مرورا بمرحلتي التوسع والركود‪ .‬وأشرنا إلى‬ ‫العوامل السياسية وغيرها التي ساهمت في تمييز كل دور عن سابقه ولاحقه‪ ،‬ولم‬ ‫ننس أن نخص دور التوسع بشيء من الإسهاب ‪ 0‬فتعرضنا لظهور المذاهب‬ ‫الفقهية‪ .‬وأوجزنا الكلام عن المشهور منها مما لا يزال قائما أو مما اندثر ‪ ،‬وذيلنا‬ ‫الفصل بالحديث عن اختلاف الأئمة الفقهاء وتلاميذهم‪ ،‬وأبرزنا حقيقة ذلك‬ ‫الخلاف وأسبابه حتى يتمكن القارئ من استيعاب ظاهرة المذاهب بحيث تبدوله‬ ‫أمرا طبيعيا وإيجابيا ‪،‬إذا فهمت بتجرد عن التعصب وضيق الأفق ‪.‬‬ ‫وفي دور الركود بحثنا عن الأسباب وأشرنا إلى أثر السياسة على الحياة‬ ‫الفكرية عامة ومنها الفقه‪ .‬وبينا خصائص التأليف الفقهي في هذا العهد وتوصلنا‬ ‫إلى أن إنتاجه لم يكن كله سلبيا بل فيه من الإيجابي مالا يخفى عند إمعان النظر‬ ‫فيه‪ 0‬ودراسته دراسة نقدية جديدة وموضوعية‪.‬‬ ‫وفي دور البعث والتجديد‪ ،‬أشرنا إلى أن الصدمة الحضارية التي أيقظت‬ ‫‪-٤‬‬ ‫مفكري الإسلام من سباتهم } ومن ضمنهم أهل الفقه } دفعت بهم‪ ،‬إلى تحدي‬ ‫أوروبا الغازية بالعودة إلى التراث ودراسته { وبعث الحياة فيه‪ ،‬والاستفادة منه‬ ‫على أساس المناهج الحديثة وما يتطلبه الوضع الراهن ‪ 8‬فانطلقت الأبحاث الفقهية‬ ‫والدراسات التشريعية‪ .‬وتعددت الرؤى والمواقف لشخمر وضعا فقهيا جديدا له‬ ‫خصائصه ومميزاته حما سبقه من أدوار‪ ،‬أهمها التيسير والبعد عن المذهبية قدر‬ ‫المستطاع والاستفادة من الجميع مادام الكل قد توصل إلى ما توصل إليه إنطلاقا‬ ‫من كتاب الله وسنة رسوله ر تله )‪ .‬ولا يزال هذا الاتجاه يصارع على كل‬ ‫الواجهات لينبت وجوده فيعود الفقه { في ثوبه الجديد ‪ ،‬إلى واقع الحياة كتشريع‬ ‫وحيد في حياة الأمة‪.‬‬ ‫والجديد في هذه الدراسة‪ .‬مقارنة مع كتب تاريخ الفقه العام المألوفة } والذي‬ ‫يعطيها طابعها الخاص وفائدتها المتميزة‪ .‬هو أننا خصصنا الفصول الأربعة الأخيرة‬ ‫من الكتاب للحديث عن الفقه الإباضي خاصة بسبب حاجة الناس إلى معرفته‬ ‫المعرفة الصحيحة والوقوف على تاريخه وخلفيته الفكرية لتتكون لديهم الصورة‬ ‫الصحيحة عن هذا الفقه عند من يجهله أو ليصحح بعض المهتمين بالبحث الفقهي‬ ‫تصوره الخاطئ للتراث الفقهي الإباضي‪ .‬ومرادنا من هذه الفكرة ليس إلا تسليط‬ ‫الضوء على هذه المدرسة الذرية من مدارس الفقه لتعرف على حقيقتها { فنكمل‬ ‫بذلك نقصا كبيرا فيما كتب عن تاريخ الفقه الإسلامي عموما‪ .‬كما أن قصدنا أن‬ ‫نيسر على المتخصصين سبيل الاستفادة من الثروة التشريعية التي أنتجها فقهاء‬ ‫المذهب‪.‬‬ ‫تعرضنا في الفصل الثالث لنشأة الفقه الإباضي ودور الإمام جابر بن زيد ‪3‬‬ ‫رحمه الله{ في إقامة أصوله التشريعية الأولى { من خلال ما تركه من مؤلفات ‪ ،‬وما‬ ‫كونه من تلاميذ ‪ 0‬سلكوا منهجه من بعده في إقامة هذا المذهب الذي سمي في‬ ‫وقت لاحق المذهب الإباضي ‪.‬‬ ‫وفي الفصل الرابع‪ .‬فصلنا الحديث في الأصول التشريعية التي قام عليها‬ ‫الفقه الإباضي عبر تاريخه من قرآن وسنة وإجماع وقياس ومصادر تبعية‪ .‬وعملنا‬ ‫ما أمكن على إبراز مواقف فقهاء المذهب من تلك المصادر ك وانتهينا إلى أنهم لم‬ ‫يختلفوا في شيء من ذلك عما هو موجود عند بقية المذاهب المشهورة الأخرى ‪6‬‬ ‫وإذا وجدت اختلافات في الرؤى والمواقف الفقهية في بعض المسائل { فهي لا‬ ‫تخلو أن تكون هامشية نجدها عند كل مذهب من المذاهب الإسلامية بحيث تميزه‬ ‫عن غيره فيزداد الفقه الإسلامي عامة ثراء ‪.‬‬ ‫وعقدنا الفصلين الخامس والسادس للكلام عن الفقه الإباضي في عمان ‪ ،‬ثم‬ ‫في بلاد المغرب‪ .‬وركزنا على التدرج التاريخي في نمو الذروة الفقهية ومناهج‬ ‫التأليف ‪ 0‬معتبرين في ذلك فترات القوة والضعفآ‪ ،‬فوجدنا أنه لم يختلف في‬ ‫شيء عن مسيرة الفقه الإسلامي العام‪ .‬وإن وجدت بعض الفوارق فانما هي نتيجة‬ ‫للظروف الجغرافية المتميزة‪..‬‬ ‫وفي الفصل السابع والأخير طرحنا علم أصول الفقه عند الإباضية نشأة‬ ‫وتدوينا في المشرق والمغرب ‪ 0‬وعرضنا لبعض المؤلفات الأصولية وطريقة التأليف‬ ‫عند أصحابها‪.‬‬ ‫أملنا أن يجد القارئ الكريم فيما جمعناه من المصادر والمراجع القديمة‬ ‫والحديثة‪ .‬وحارلنا عرضه بطريقتنا الخاصة أن يجد مبتغاه{ وأن نكون قد قدمنا‬ ‫له صورة واضحة المعالم ما أمكن عن حقيقة الفقه الإسلامي ومسيرته الحضارية }‬ ‫وأقنعناه بصلاح هذا الفقه لقيادة البشر إلى خير الدنيا والآخرة إذا وجد الرجال‬ ‫الخلصون لخدمته وجعله يتفاعل مع الواقع‪ ،‬باستغلال عناصر البقاء والاستمرارية‬ ‫التي ينطوي عليها‪ .‬ورجاؤنا أيضا أن نكون قد عرضنا ما يتعلق بالفقه الإباضي‬ ‫بشكل ينزله منزلته اللائقة به‪ .‬ولما كان هذا الإنتاج يدرس ويعرض لأول مرة‪ .‬من‬ ‫خلال مصادره الأصلية } وفي بيئته الخاصة { كان من البديهي أن تعترضنا صعوبات‬ ‫جمة يكون التعامل معها مهمة ليست باليسيرة ‪ .‬خاصة إذا تولاها شخص بمفرده ؛‬ ‫فإنه لن يسلم من الهنات والهفوات ‪ .‬وأملنا أن يتفهم القارئ الكرم ذلك فيعذرنا‬ ‫فيما جانبنا فيه الصواب ‪ ،‬وعذرنا أننا قد بذلنا ما في وسعنا؛ والله من وراء القصد ‪.‬‬ ‫ام‬ ‫‏‪٦ /٣ / ٢‬‬ ‫الموافق ليوم‬ ‫۔‪٧‬۔‪‎‬‬ ‫الفصل الاول‬ ‫الشريعة الاسلامية‬ ‫‏‪٩‬‬ ‫ه تمهيد‬ ‫‪ :‬تعريف الشري‬ ‫ه التعريف‬ ‫تعريف الفقه‬ ‫‪ :‬الربانية‬ ‫ه خصائصها‬ ‫الشمول‬ ‫التوازن‬ ‫الجمع بين النبات والمرونة‬ ‫الأصالة والاستقلالية‬ ‫ه أهداف التشريع الاسلامي ‪:‬‬ ‫المراد بالهدف التشريعي‬ ‫أقسام المقاصد ومجالاتها‬ ‫الفصل الأول‬ ‫الشريعة الإسلامية‬ ‫التمهيد ‪ :‬الحاجة إلىا لتشريع‬ ‫خلق الته الانسان كائنا مدنيا اجتياعيا بطبعه ؛ لا يستطيع أفراده العيش‬ ‫منتعزلين عن بعضهم البعض‪ .‬وجعل التكافل والتعا ون بينهم ضرورة‬ ‫تقتضيها طبيعتهم وفطرتهم البشريةا لتي أودعها الله فيهم ث ومن هنا كان من‬ ‫لوازم حياة الانسان بسبب تلك الطبيعة المعقدة والمركبة‪ ،‬أن تتضارب‬ ‫مصالح الأفراد بل والجياعات‪ ،‬فتتولد المنازعات بينهم فيشعرون بالحاجة‬ ‫مع تطور حياتهم المدنية‪ ،‬إلى وجود أنظمة تحسم بها النزاعات الواقعة أو‬ ‫المحتملة لنشر العدل والأمن بينهم‪ .‬وهكذا تولدت عند الانسان فكرة‬ ‫التشريع أو الفقه أو القانون ويقصد بذلك جملة القواعد المنظمة لحياة‬ ‫الناس‪ .‬وقد ظهرت في أول أمرها على شكل عادات موروثة اكتسبت مع مرور‬ ‫الزمن قوة الإلزام ثم تطورت بتطور المجتمعات المختلفة وأصبح لكل‬ ‫مجتمع تشريعه ونظامه القانوني؛ يحدده ويفرضه مستواه المدني والحضاري‪.‬‬ ‫والمجتمع العربي‪ ،‬قبل الإسلامإ لم يشذ عن هذه الحقيقة‪ .‬فرغم ما يوصف به‬ ‫‪ .‬من جهل وجهالة‪ ،‬فقد كان على مستوى معين من التنظيم والتشريع الذي‬ ‫كان في شكل أعراف تناقلتها الأجيال وورثها الخلف عن السلف بالتلقى‬ ‫الشفوي بسبب قلة الكتابة‪ .‬وقد اعتمدت هذه الأعراف في تنظيم العلاقات‬ ‫والحقوق والواجبات بين أفراد القبيلة فيما بينهم" وفيما بين الفرد وقبيلته‪ ،‬كيا‬ ‫كانت تنظم علاقات القبائل فييا بينها سواء على المستوى الديني أو‬ ‫الاجتماعي فو الاقتصادي أو الحربي‪ .‬فقد كان للعربث أيام الجاهليةء‬ ‫۔‪١١‬۔‪‎-‬‬ ‫عبادات وشعائر تعبدية ونظام يحدد العلاقة بين الرجل والمرأة وفق فلسفتهم‬ ‫الخاصة‪ .‬ولعرب الجاهلية قانون يحدد حقوق وواجبات الطبقات الاجتماعية‬ ‫من أسياد وموالي وعبيد؛ وقانون للبيع وانتقال الملكية والتصرفات المالية‪.‬‬ ‫ونظام للعقوبات من قود وديات‪ ..‬وآخر للحرب والسلم والعهود‬ ‫والمواثيق‪ ...‬ولاشك أن تلك التنظيمات والتشريعات كانت بسيطة كبساطة‬ ‫المجتمع العربي نفسه إلا أنها موجودة وتؤدي دورها في تنظيم الحياة‪.‬‬ ‫الإسلام والتشريع‬ ‫جاء الإسلام لينقذ اللإنسان مما يتخبط فيه من جاهلية وضلالك في بلاد‬ ‫العرب وغيرها من بلاد الدنيا‪ ،‬وليكون مجتمعا مدنيا جديدا وفق منهج رباني‬ ‫المنشا والغاية يكون فيه الانسان خليفة الله في أرضه‪ ،‬يعمره حسب أحكامه‬ ‫المستفادة من الأوامر والنواهي التي تكون في مجموعها التشريع الإسلامي أو‬ ‫الفقه الإسلامي‪ .‬ومن هنا كان لزاما علينا أن نعرف بهذين المصطلحين‪ ،‬وأن‬ ‫نبحث عن الخصائص التي تميز الفقه الإسلامي عن غيره وأن نكشف عن‬ ‫الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها‪ ،‬وأن نعرف كيف نشأ وتطور والعوامل التي‬ ‫كانت وراء ذلك‪ .‬سنحاول أن نفعل ما في وسعناء وفي إيحباز غير محل من‬ ‫البيان والكشف عن المراد‪.‬‬ ‫‏‪ - ١‬معنى الشردهة ‪:‬‬ ‫جاء في كتب اللغة‪ ،‬لفظ شرع والشرع والشرعة والشريعة‪ ،‬وأريد بها‬ ‫معان لغوية كثيرة‪ ،‬الذي يهمنا منها معنى السن والبيان والإظهار وجعل الشىء‬ ‫طريقا ومذهبا‪ .‬واستعمل القرآن الكريم هذه الألفاظ وأراد بها سن القواعد‬ ‫والاأحكام‪ ،‬أو جملة تلك القواعد والأحكام نفسها‪ .‬قال الله عز وجل‪:‬‬ ‫۔‪١٢‬‏ ۔‬ ‫وخاطب نبيه (يَلةة) موجها فقال‪:‬‬ ‫سرج‬ ‫ي ۔‬ ‫تجعلك عَلشَرىيَةمَرَالأمرفاتبهَمَا‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫مم ۔ے‬ ‫إ‬ ‫_ م مح‬ ‫س‬ ‫رمر‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫(الجاثية ‏‪.)١٨‬‬ ‫وقال أيضا‪:‬‬ ‫۔‪[ ,‬‬ ‫‪ ,‬إ‬ ‫۔‬ ‫‪ ,‬إي ۔ ي‬ ‫ء <‬ ‫ح ء‬ ‫‪..‬‬ ‫‪..‬‬ ‫سرع‬ ‫لكل جلنا عنكم شرعة و منهاجا‬ ‫(المائدة ‏‪.)٤٨‬‬ ‫‏‪١‬‬ ‫تشير الآيات السابقةة في جملة ما تشير إليه‪ ،‬إلى أن الشرع والشريعة‬ ‫هي جملة القواعد والانظمة (ذات المصدر الإلهي) التي سنها الله تعالى‬ ‫لعباده منهج حياة‪ ،‬تقام على أساسه الحضارة الإسلامية‪ .‬وبهذا المعنى فإن‬ ‫الشرع هو الدين وأن الشريعة تشمل العقيدة والأخلاق كيا تشمل الناحية‬ ‫العملية من عبادات ومعاملات خلا فالا يذهب إليه بعض مؤرخي‬ ‫التشريع من أن الشريعة هي الجانب العملي من الدين وحده‪ .‬وأن العقيدة‬ ‫شيء منفصل عنه‪ ،‬يكون مجموعهيا الدين‪ .‬وعلى أساس هذا الفهم قيل‪:‬‬ ‫الإسلام عقيدة وشريعة‪ .‬وبمراجعة تراث الفكر الإسلامي‪ ،‬ندرك أن هذا‬ ‫الفصل مستحدثڵ أملاه تطور الفكر وتشعب القضايا والموضوعات‬ ‫واستقلالها عن بعضها‪ .‬وهذا الانفصام لم يعرفه الأقدمون الذين يرون‬ ‫الشريعة جميع ما سن الله تعالى لعباده من الأحكام التي جاء بها النبي (َلة)‪.‬‬ ‫۔‪١٢٣‬‏ ۔‬ ‫وهذا الفهم الأصيل هو الذي تبناه فقهاء الإباضية في مؤلفاتهم‪ .‬ولا سييا‬ ‫العمانيين منهمإ إذ قلما يفصلون بين العقيدة والشريعة فيما صنفوا سواء في‬ ‫القديم أو الحديث‪.‬‬ ‫‏‪ ٢‬۔معنى الفقه‬ ‫قد تطلق كلمة «فقه‘ في أصل اللغة العربية ويراد بها الفهم والعلم‬ ‫وإدراك الشيء إلا أن في كلمة «الفقه‘‪ ،‬رغم التوافق الظاهر معنى أدق‬ ‫يتجاوز مجرد الفهم إذ تقول‪ :‬علمت بوصول فلان ولا تقول فقهت ذلك‪.‬‬ ‫ومن هنا فإن كلمة «فقه) توحي إضافة إلى الفهم والعلم‪ ،‬بمعاني ودلالات‬ ‫تحتاج إلى جهد ذهني قد لا يتوفر للجميع إذ أن كشف أسرار العلم‬ ‫واستنباط الاحكام والمقاصد والمصالح من الكتاب والسنة لا يتيسر إلا لفئة‬ ‫معينة من الناس سيطلق عليهم اسم «الفقهاء؟‪.‬‬ ‫وللفقه‪ ،‬في الاصطلاح‪ .‬تعاريف عدة‪ .‬فهو عند البعض معرفة النفس‬ ‫مالها وما عليها‪ .‬وهو بهذا المعنى مرادف لمصطلحي الدين والشريعة‬ ‫فتدخل تحته مباحث العقيدة والاخلاق والاحكام العملية‪ .‬وبتعبير آخر هو‬ ‫جموع أصول الدين وفروعه‪ .‬وفي الحديث ورد قوله (يَلة) ‪ :‬من يرد الله به‬ ‫خيرا يفقهه في الدين‪ .‬ومع الأيام تطورت المباحث الشرعية وتوسعت‬ ‫وبدأت مواضيعها تتما يز عن بعضها‪ ،‬فاستقل بكل موضوع علم خاص‬ ‫ونشأ مفهوم جديد للفقه ينص على أنه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية‬ ‫العملية من أدلتها التفصيلية‪ ،‬أو هو استنباط تلك الأحكام والكشف عنها‬ ‫معرفتها والإخبار بها لمن يسأل عنها‪.‬‬ ‫۔‪١٤‬‏ ۔‬ ‫الفقه الإسلامي‪:‬‬ ‫خصائص‬ ‫مانلطبيعي أن يصطبغ أي تشريع بالفلسفة التي أقيم على أساسهاء‬ ‫وأن تؤثر فيه العوامل المختلفة لنشأته & كذلك كان الشأن مع الفقه‬ ‫الإسلامي‪ ،‬فوصفه بصفة الإسلامية يستلزم حتيا أن تلحق به الخصائص‬ ‫العامة للإسلام نفسه من ربانية وشمول وتوازن وجمعه بين الثبات والمرونة‬ ‫ومن أصالة واستقلال‪.‬‬ ‫‏‪ ١‬الربانية‪:‬‬ ‫نعني بصفة الربانية أن التشريع الإسلامي من صنع الله تعالى‪ ،‬ذو‬ ‫مصدر رباني في فلسفته وأصوله العامة وقواعده الكلية‬ ‫(الأنعام ‏‪)٥٧‬‬ ‫الايه‬ ‫إنالحكم‬ ‫(الممتحنة ‏‪)١٠‬‬ ‫<<< ه عَلمحكيغ‬ ‫ليس للرسول (َيلة) فيه من أمر إلا التبليغ عن ربه‬ ‫(النجم ‏‪)٤‬‬ ‫ر‬ ‫و۔‪,‬۔۔‪.‬ءووو‬ ‫إلاوعى يوحى‬ ‫إنهو‬ ‫َتااالَسُولبَع مآأنرل ليد مندَيَكً‬ ‫ل‬ ‫>‬ ‫‪2‬‬ ‫۔۔۔ ر‪,‬‬ ‫م ے ‪.‬‬ ‫۔ >ح‪,‬‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫‪139‬‬ ‫سے‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫سہ۔‬ ‫سه ۔<۔<‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫(المائدة ‏‪)٦٧‬‬ ‫وإن لتفعل مابلَعتَرسَا لته‬ ‫الفقه الطظويل۔ إلا التفريع‬ ‫وليس للعلاء ‏‪ ١‬لمجتهدين ا عمر تاريخ‬ ‫والاستنباط وفق تلك الأصول والقواعد الربانية‪.‬‬ ‫۔_۔‪١٥‬‏ ۔‬ ‫والتشريع الإسلامي إلى جانب ربانية مصدر فإنه رباني الغاية والهدف‬ ‫يسعى من وراء إقامة الأمة المسلمة التي تقيم حكم الله وتحتكم إلى أوامره‬ ‫ونواهيه تعبيرا منها عن عبوديتها لله عز وجل تحقيقا لقوله تعالى‪:‬‬ ‫وما عََفْتَالنَوَالنرللا يدون‬ ‫(الذاريات ‏‪)٥٦‬‬ ‫وقوله‪ :‬مُزإِنَ صَلاقوَنُسُكوَْيَاىَوَمَمَاق يه رَبالْعَلَمبَ‬ ‫(الأنعام ‏‪)١٦٢‬‬ ‫والإنسان عند ما يدرك ويقتنع بأن الأحكام من اله خالقه‪ .‬العليم‬ ‫بحقيقة أمره وبيا يصلحه في الدنيا‪ ،‬ويسعده في‪:‬الآخرةء الحكيم في سنه ما‬ ‫يحقق ذلك من تشريعات وتوجيهات‪ ،‬ويدرك أيضا أن ليس للإنسان الذي‬ ‫تتنازعه الميول والأهواء والمؤثرات العديدة والمختلفة دور أساسى في جوهر‬ ‫التشريع؛ عندما يدرك كل ذلك ينشأ فيه الدافع الذاتي والقناعة الشخصية‬ ‫بالالتزام بمجموع تلك الأحكام باعتبار ذلك جزءا من الإيمان والعقيدة‪.‬‬ ‫فتنشأ الرقابة الداخلية التي هي من أهم العوامل الأساسية في إنجاح أي‬ ‫نظام تشريعي من الناحية التطبيقية فالعقوبة وحدها‪ ،‬وإصدار المراسيم‬ ‫التنظيمية في صياغات جميلة‪ ،‬غير كافية لجعل الناس يتفاعلون مع القانون‬ ‫والتشريع مهيا كان‪ .‬فربانية الأحكام تجعل المسلم يقبل ما سنه الله منها لأن‬ ‫في ذلك خضوعا وامتثالا له واستسلا ما لأمره ونهيه‪ ،‬والله يقول‪:‬‬ ‫ه ح‬ ‫سص‬ ‫س س صرے ‪,‬‬ ‫سر‬ ‫۔۔<‬ ‫‪4‬‬ ‫‪4.2‬‬ ‫ے س م ۔و۔ ه و‬ ‫‪7‬‬ ‫ِ‬ ‫م ص‬ ‫من ولامؤينَة إذ ا فقضى الله ورسولهر أمرا أن يكن‬ ‫‪٠‬‬ ‫سے‪‎‬‬ ‫وَمَاكًا ن‬ ‫هومو ‏‪٬‬ال]جي۔ر۔ةه من‪‌.‬ا ؟‪.‬مرهم ه۔۔ومني۔‪.‬عصر امنهيحورَس روُوحلون۔ْ۔ق۔َدَإصَ<لضَآكرلا‬ ‫‪ 2‬م‬ ‫(الألحزاب‪‎‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪(٣٦‬‬ ‫۔‪٦١‬۔‪‎-‬‬ ‫يه‪ :‬م مر‬ ‫سم‬ ‫غلا وَرَنك ل لؤمنور>۔‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫و‬ ‫ک مذ‬ ‫بنتهم ث‬ ‫كملك فيسَا سحر‬ ‫ه‪.‬‬ ‫حن‬ ‫ق آنشيهم حَرَجَامَمَاعَصَيتَ وَسَلَسُوأمَسلييمَا (النساء ه‪)٦‬‏‬ ‫وهو غاية ة اللغغاايات للإنسان‬ ‫الله سبيل إلى نيل رضاه‬ ‫إن تحكيم شرع‬ ‫‏‪ ١‬لمسلم ث وبالامتثال لمحكا مه يشعر ا لمسلم بتحرره من كل شرع فرضه غير‬ ‫من تم‪ .‬بكرامته الإنسانية‪.‬‬ ‫الله وانعتاق من عبوديته“ فيحس‬ ‫‪ ٢‬۔!اشمو ل‪: ‎‬‬ ‫لما كان التشريع يرادف إلى حد بعيد كلمة «دينا والدين عند الله‬ ‫الإاسلام‪ ،‬كان من الطبيعي أن يتصف الفقه بصفة الشمول التي نعني بها‬ ‫استيعابه لكل جوانب حياة الإنسان وشواغله بالحكم الشرعي التكليفي أي‬ ‫خطاب الله (أمره ونهينه) المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخيرا سواء‬ ‫أكانت تلك الأفعال والأحكام متعلقة بالمسائل العقدية أو الألحلاقية أو‬ ‫التعبديةا أو كانت متعلقة بالمعاملات الفردية والجماعية ؛ فالتشريع‬ ‫الإسلامي‪ ،‬من وجهة أصحاب النظرة الشمولية لمصطلح الفقه‪ ،‬يجمع بين‬ ‫كل هذه الجوانب ولا يرى إمكانية الفصل بينها ما دامت كلها أوامر‬ ‫ونواهي إلهية متعلقة بالإنسان الذي لا يمكن أن ينتفع بثمرة تشريع‬ ‫المعاملات إذا لم يكن مؤمنا بأن تلك الأأحكام صادرة عن إله عليم حكيم‪.‬‬ ‫يوجب عليه أن يلتزم بما شرع له من عقيدة وأخلاق وعبادات‪ ،‬إذ كل هذه‬ ‫القضايا إنما يراد مها تهيئة الفرد والجاعة لقبول ذاذل ثك التشريع العملي وتطبيقه‬ ‫لعيارة الكون وفق الأمر الإلاهي‪ .‬فالعقيدة تعتني بالجانب الروحاني في‬ ‫۔ ‏‪ ١٧‬۔‬ ‫الانسان وتبعد عنه أدران الوثنية والالحاد‪ ،‬وتهتتامملأتحلاق والعبادات برعاية‬ ‫النفس وتهيئتها لتطبيق القانون بتمتين علاقة الإنسان بربه وجعله على‬ ‫الدوام موصولا به كمصدر للتشريع ا منزل‪.‬‬ ‫وعلى رأي من يجعل الفقه مقصورا على جملة الأأحكام العملية دون غيرهاء‬ ‫فإنه لاينكر أثر الجانب العقدي والتعبدي على الفقه العملي الحياتي؛ وإن‬ ‫كان هؤلاء يذهبون إلى الفصل بين العلوم‪ ،‬فإن التشريع الإسلامي من وجهة‬ ‫نظرهم ‪ 3‬قد تعرض لكل شعب القانون من حقوق خاصة مدنية (إلتزامات‬ ‫وعقود) وجزائية (قانون العقوبات‪ :‬حدود وتعزيرات) كيا تعرض لأحكام‬ ‫الأسرة من زواج وفراق وتوابعها ونتائجهيا‪ ،‬من إنفاق وولاية ووصاية‬ ‫ومواريث‪ ،...‬وفي جانب الحقوق العامة تعرض للتشريع الداخلي الدستوري‬ ‫والإداري والمالي والخارجي أو الدولي من معاهدات وحروب وسلم‪...‬‬ ‫والتشريع الإسلامي قد تعرض لكل ذلك سواء بإجمال أو تفصيل بالنص‬ ‫او الاستنباط والتفريع‪ ،‬ومن هنا تقررت فكرة أنه ما من حادثة إلا ولها حكم‬ ‫‪٠‬‬ ‫سرعي ‪.‬‬ ‫‏‪- ٣‬۔التوازن ‪:‬‬ ‫التشريع الإسلامي كالإسلام نفسها قائم علن أساس التوازن أو‬ ‫الوسطية أو العدل والقسط‘ وهي صفات يقصد بها أن خير الأمور الوسط‪،‬‬ ‫وأن الفضيلة مابين رذ يلتين‪ ،‬وأن لا وكس ولا شطط في أي أمر كان‪.‬‬ ‫فالشرع يرفض من خلال أحكامه‪ .‬في مجال العقيدة الوثنية في كل صورها‬ ‫كيا يرفض الالحاد في كل أشكاله‪ ،‬وهو يوجب الايمان بمسائل الغيب كيا‬ ‫جاء بها الوحي ويلزم العقل بأن يستوعبها على ظاهرها أو بتأويل سليم‬ ‫‪-‬۔ ‏‪ ١٨‬۔‬ ‫دون السقوط في عالم الخرافة والاسطورة‪.‬‬ ‫وني مجال العبادات أقام الإسلام أحكامها على أساس تحقيق التواصل‬ ‫المستمر بين الإنسان وربه بأشكال مختلفة وأوقات متعددة حتى لا ينسيه‬ ‫تيار الحياة وزخرفها أنه إنسان مخلوق لخالق‪ ،‬لم يؤت به إلى الدنيا عبثا‬ ‫وسدى‪ .‬وأحكام العبادات كغيرها تراعي في الانسان ظروفه وإمكاناته‬ ‫وطبيعته البشرية من عواطف وغرائز وميول‪...‬‬ ‫وفيما يتعلق بالتشريع الحياتي فإن صفة الوسطية تظهر في كل شيء‪.‬‬ ‫فالعلاقه بين الرجل والمرأة قائمة على أساس منظم وهادفؤ لا يتوقف على‬ ‫مجرد الإشباع الغريزي الجنسي وإنيا يراد به بناء الأسرة السليمة التي هي النواة‬ ‫الأولى للمجتمع السليم؛ والتشريع الإسلامي‪ ،‬بناء على واقعيته‪ ،‬يعترف‬ ‫بالغريزة الجنسية التي أودعها الله في الرجل والمرأة فأباح إشباعها من خلال‬ ‫الزواج المشروع والمقيد بالأحكام التي تبين الحقوق والواجبات‪ ،‬وما ينبني‬ ‫على تلك العلاقة مآنثار ونتائج‪ ،‬ثم هو قد حرم السفاح ووضع له‬ ‫العقوبات الزاجرة لحي ية المجتمع من اثار الزنا الاجتياعية وغير الاجتماعية‬ ‫ما نراه اليوم كابوسا يقض مضجع الغرب الإأباحي‪ .‬ومن الوسطية في مجال‬ ‫الأسرة أن شرع الله الأحكام بيا يكفل الاستقرار ووزع الحقوق والواجبات بين‬ ‫الرجل والمرأة على أساس المصلحة المشتركة للمجتمع‪ .‬بعيدا عن المثالية‬ ‫الطباوية التي لا تتناسب مع طبيعة الزوجين‪.‬‬ ‫وفي الميدان المالي أباح الشرع حق الملكية الفردية إلا أنه ضبط أسبابها‬ ‫بالحلال والحرام وجعلها محدودة بمصلحة الجياعة‪ ،‬وفي خدمتها؛ وجعل‬ ‫العقود رضائية مالم تتعارض مع الأهداف الأساسية والبعيدة للتشريع‪.‬‬ ‫وأعطى الفرد حق التملك وسن قوانين تحمي هذا الحق لم يمنع إباحة الملك‬ ‫‪-‬۔ ‏‪ ١٩‬۔‬ ‫العام والملك المشاعع وإنيا شرعت جميعها وتنوعت لتتعاون على توفير‬ ‫أسباب الخير وإسعاد البشر في إطار من القيم والأخلاق‪ .‬ولعل أبرز ما يميز‬ ‫الفقه الإسلامي في مجال المعاملات إقامتها على أساس أخلاقي يحد من‬ ‫الميل الغريزي للكسب وينظمه‪ .‬فالبيع وغيره مباح وحق للفرد والجماعة‪،‬‬ ‫مالم يقم على إكراه أو غش أو احتيال‪ ،‬أو استغلال لحاجات الآخرين أو‬ ‫غرر أو ضرر يلحق بهم‪ ،‬فإن وقع شيء من ذلك فهو حرام إما بأصله أو‬ ‫وصفه‪ ،‬وهو إما أن يكون باطلا أساسا أو أن يعطى للمتضرر حق الفسخ‬ ‫والإلغاء‪ .‬إن الكسب عموما حق للفرد والجماعة ولكن إذا جاء من حرام‬ ‫كالقيار بأشكاله وغيره من المحظورات ولو مع رضا أطراف العقد فإنه‬ ‫كسب غير مشروع‪ .‬يمنعه الحكم الشرعي‪ ،‬وينص على عقوبة فاعليه‪.‬‬ ‫وي مجال الحكم والسياسة الشرعية يرفض الإسلام النزعة الفوضوية‬ ‫التي ترى في السلطة‪ ،‬مهيا كان شكلها‪ ،‬تقييدا لحرية الفرد ومؤسسة لاداعي‬ ‫لها‪ .‬ومن هنا أوجب الشرع إقامة الحاكم لرعاية شؤون الأمة بالعدل" وإقامة‬ ‫حكم الله فيها‪ .‬وقد ضبط الإسلام‪ ،‬بجملة من الأأحكام‪ ،‬طريقة الوصول إلى‬ ‫السلطة فمنع اغتصابها تحت أي مبرر كان‪ ،‬وجعل التجاوب الصادق بين‬ ‫الحاكم والمحكوم وتعاونهيا ضرورة‪ ،‬والتزام الجميع بأحكام النه وقيم الإسلام‬ ‫سبيلا إلى نجاح التجربة‪ .‬وكيا حرم الشرع استبداد الحاكم بالحكم فإنه منع‬ ‫أن يسلب سلطة السيادة على الأمة أو أن يكون صورة بلا مضون‪ ،‬إنه راعى‬ ‫مصالح الناس ومثل لأمة الإسلام وضميرها إذا اختير على أساس الدين‬ ‫والكفاءة‪.‬‬ ‫وفي حقل القضاء نجد الإسلام يقيم نظام حل المنازعات الناشئة بين‬ ‫الناس على قواعد ومبادىء خالدة‪ ،‬فيجعل الأصل في الإنسان البراءة} وأن‬ ‫۔_ ‏‪ ٢٠‬۔‬ ‫المدعى عليه بريء مما نسب إليه‪ ،‬وهو محفوظ الكرامة حتى تثبت إدانته‪.‬‬ ‫ومن العدل أن تضمن له أسباب المحاكمة العادلة‪ ،‬الخالصة من الأهواء‬ ‫مهيا كان مأتاها‪ ،‬وأن تدرأ الحدود بالشبهات‪ ...‬فإن ثبت الجرم بعد ذلك‬ ‫وتحقق وجب العقاب© وقاية للمجتمع وقضاء على الجريمة ما أمكن ‪ .‬وأن‬ ‫لا تأخذ هيئة القضاء رأفة ورحمة بالمجرمين فيقتل القاتل العمد وجلد‬ ‫يد السارق من المعصم‬ ‫الزاني إن كان بكرا‪ ،‬ويرجم إن كان حصنا وتقطع‬ ‫كيا تقطع يدي البغاة وأرجلهم من خلاف‪...‬‬ ‫‪ ٤‬۔انجمع بين التبات والمرونة‪: ‎‬‬ ‫من جملة ما يقوم عليه التشريع الإسلامي من أسس جمعه بين الثبات‬ ‫والمرونة‪ .‬ونعني بالثبات قيام التشريع على أصول‪ ،‬لا يمكن بحال من‬ ‫الأحوال أن تقبل التبديل والتغيير فالأحكام المتعلقة بأصول الاعتقاد‬ ‫كوجوب الإيمان باله الواحد ورسله وكتبه والملائكة والجنة والنارث وما يتعلق‬ ‫بكل ذلك من مسائل كلية ومثلها القيم الأخلاقية الإنسانية من عدل‬ ‫ومساواة وبر بالوالدين ومعاملة حسنة‪ . ..‬وتلحق بها أحكام العبادات من‬ ‫حيث الجملة كوجوب الصلاة والزكاة‪ . ..‬وبعض قضايا المجتمع كتعيين‬ ‫المحارم وأنصبة المواريث ووجوب النفقة على الزوج وأحكام العدة‬ ‫والطلاق‪ ...‬وفي مجال المعاملات‪ ،‬لا يختلف إثنان في إباحة البيع وتحريم‬ ‫الربا وأكل أموال الناس بالباطل‪ . ..‬وفي التشريع الدستوري أجمع المسلمون‬ ‫على وجوب إقامة الحاكم بالبيعة الحرة‪ ،‬وإقامة الحكم على الشورى والالتزام‬ ‫بالعهود والمواثيق‪ ...‬فكل هذه القضايا وأمثالها مما ورد فيها نص قطعي‬ ‫الثبوت والدلالة هي قضايا ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان فحرامها‬ ‫‏‪ ٢١‬۔‬ ‫۔‬ ‫حرام في الماضي والحاضر والمستقبل وكذا جائزها ومباحهاء إنها مسليات‬ ‫شرعية لا تقل قوة‪ ،‬من وجهة نظر إسلامية عن المسليات العقلية من قبيل‬ ‫الجزء أصغر من الكل‪ ...‬وهذه المسلمات الشرعية لا تقبل أبدا أن يحتال‬ ‫عليها فتغير تحت أي مبرر من المبررات كتطور المدنية والأنظمة الاجتماعية‬ ‫والاقتصادية وغلبة الحضارة الغربية وفرضها لواقع جديد مباين لتلك‬ ‫الأصول الثابتة في الشرع‪.‬‬ ‫وأما صفة المرونة التي تقابل ميزة الثبات إنيا تعني قابلية الشرع‬ ‫لاستيعاب القضايا المستجدة واعطاءها الحكم الشرعي المناسب وهي‬ ‫تعني أيضا امتلاك أسباب الدوام والاستمرارية في مواجهة الظروف‬ ‫ومتطلبات الحياة الدائمة التطور‪ .‬ولابد من التأكيد أن المرونة لا تعني أبدا‬ ‫تطويع الشرع للواقع عن طريق تبرير الأخطاء وإقرار كل وافد مهيا كان"‬ ‫بدعوى سعة التشريع وسنة التطور‪ .‬إن مثل هذا إفتئات على الله ورسوله؛‬ ‫ولكن المرونة التي نعنيها إنيا هي القدرة على فهم الواقع وإعطاؤه الحكم‬ ‫المناسب من إباحة أو حظر ونحوهما من الأحكام التكليفية" عن طريق‬ ‫الاجتهاد الصادر عن أهله‪ .‬القائم على فهم النصوص والوقوف على‬ ‫مقاصدها المعتبرة التي هي روح النص المصاغة في شكل قواعد ومبادىء‬ ‫عامة تدخل تحتها أعداد لا حصر لها من قضايا الناس ومشاغلهم‪.‬‬ ‫ومما يجدر ذكره أن المطلع على الفقه الإسلامي يلاحظ أن مجال المرونة‬ ‫فيه واسع‪ ،‬يستوعب كل جديد خلافا للأحكام الثابتة فإنها محدودة بعدد‬ ‫النصوص الواردة في شأنها بصفة عامة\ وقد أشرنا إلى بعض مضامينها والتى‬ ‫يتعلق أكثرها بقضايا شخصيةش عقدية وأخلاقية وتعبدية‪ .‬ومن المسلم به أن‬ ‫رفض التقليد‪ ،‬وتشريع الاجتهاد في الفقه أكبر دليل على مرونته وقابليته‬ ‫۔ ‏‪ ٢٢‬۔‬ ‫التطور وصلاحيته لكل زمان ومكان‪ .‬ونحن عندما نتكلم عن الإإجتهاد فإننا‬ ‫في واقع الأمر نتكلم عن دور العقل في الاستنباط والتفريع والبحث عن‬ ‫المقاصد سواء أكان موضوع الاجتهاد هو النص أو القضايا الحادثة التي‬ ‫لانص فيها‪ .‬وبالنسبة هذه الأخيرة يكون دور العقل فيها فهم المسألة‬ ‫والبحث عن العلل والرجوع إلى قواعد الفقه العامة بحثا عن إمكانية إدراج‬ ‫المسألة تحت ما يناسبها من تلك القواعد‪ ،‬ثم إصدار الحكم الشرعي الذي‬ ‫يوافقها‪ .‬ولابد من الإشارة هنا التي أن قواعد الفقه إنما هي عبارات مختصرة‬ ‫صيغت بعد استقراء النصوص الشرعية تيسيرا على المجتهدين في البحث‬ ‫عن الحكم الشرعي للمسائل الحادثة‪ .‬ومن هذه القواعد‪:‬‬ ‫اليقين لا يزول بالشك وإنيا بقين مثله‬ ‫لا اجتهاد مع وجود النص‬ ‫لا ضرر ولا ضرار‬ ‫الضرر يزال‬ ‫الضرورات تبيح المحظورات‬ ‫الأصل في الكلام الحقيقة‬ ‫المشقه تجلب التيسير‬ ‫الضرورات تقدر بقدرها‬ ‫درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ‪. ...‬‬ ‫العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني‬ ‫العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب‪...‬‬ ‫ومن خصوبة الفقه الإإسلامي‪ ،‬ودلائل سعته ورحابته تعدد أقوال‬ ‫المجتهدين واختلاف آرائهم التي تسمح لولي الأمر ۔ حاكم المسلمين أن‬ ‫۔‪٣٢٢‬۔‪‎‬‬ ‫يختار منها مايراه مناسبا لظروف الحادثة‪ ،‬وعدلا في السياسة الشرعية بحيث‬ ‫يدفع المفسدة ويجلب المصلحةا من غير أن يمنع المدنية من التطور في سبيل‬ ‫راحة الإنسان‪ ،‬بشرط أن تكون مدنية نظيفة قائمة على أسس ربانية وأهداف‬ ‫نبيلة‪ .‬فتنظيم المؤسسات الالية والاقتصادية وأنظمة التعليم والإدارةء‬ ‫وتحديد شكل مجلس الشورى ولوائحه التنظيمية‪ ،‬وعلاقات السلطات‬ ‫ببعضها البعض لضيان العدل وتحديد المسؤوليات لتتيسر محاسبة‬ ‫المسؤولين‪ ...‬كل ذلك وغيره أمور قابلة لاجتهاد المجتهدين بعد أن تراعى‬ ‫الأصول والمبادىء الثابتة‪.‬‬ ‫ومن مظاهر المرونة في الفقه الإسلامي والتكيف مع الأأحداث‬ ‫والأوضاع المختلفة عبر الزمان والمكان مسألة التعزيرات التي يحكم بها في‬ ‫القضايا التي لم يرد فيها حد من الحدود الخمسة‪ .‬والتعزيز يمثل أكثر‬ ‫العقوبات للمخالفات المدنية أو الجزائية" ومن ذلك أيضا دفع الحدود‬ ‫بالشبهاتؤ والإلتجاء إلى التقية دفعا لضرر محقق بنفس أو عرض أو مال‬ ‫ومن ذلك أيضا تشريع أحكام الرخص والضرورات والحالات الاستثنائية‬ ‫التي قد يمر بها الفرد أو الجماعة ‪...‬‬ ‫‪ ٥‬الأصالة والاستقلالية‪: ‎‬‬ ‫لم يكن البحث ني هذه المسألة حتى عهد قريب أمرا واردا عند الفقهاء‬ ‫المسلمين لكونهم لم يتصوروا أبدا أن للفقه الإسلامي جذورا غير إسلامية‪.‬‬ ‫قد استعيرت من هنا وهناك‪ ،‬من حضارات الأمم والشعوب المختلفة التي‬ ‫ورث المسلمون تراثها الفكري من روم وفرس وهنود‪ ...‬فقد كانت الفكرة‬ ‫المبدئية التي يؤمنون بها أن أصول الشريعة منزلة من الله تعالى بلغها النبي‬ ‫‏‪ ٢٤‬۔‬ ‫)( كيا نزلت عليه‪ .‬والقرآن نفسه يؤكد هذه الفكرة في أكثر من موضع ©‬ ‫فمن ذلك قوله تعالى‪ :‬في سورة المائدة في الآيات من ‏‪:٤٧ _ ٤٤‬‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫¡‬ ‫‪4‬‬ ‫س‬ ‫سم‬ ‫مر‬ ‫۔ ٭ س‬ ‫دت هادر!‬ ‫م‪.‬‬ ‫سے‬ ‫س‬ ‫الذب ‪-‬‬ ‫للتترسبو‬ ‫تَآأنرَذَالَوْ د فها هدى وئوز مة‪2 :‬‬ ‫د‬ ‫ى‬ ‫م ‪ 2‬‏‪٠‬‬ ‫س‬ ‫سمے مے‬ ‫س ه‬ ‫صَلا‬ ‫شاة آ‬ ‫ه‬ ‫‏‪٥‬رحاذو‬ ‫ألفه‬ ‫ب‬ ‫بما آش تخحفظوأ لو‬ ‫ا‪.‬‬ ‫يو ن ر الكة‬ ‫‪1‬‬ ‫‏‪٥‬‬ ‫بما أنزل‬ ‫"‪7‬‬ ‫الماس وا مون و لتَنةروأ اى تا‬ ‫تت‬ ‫بالنفس والمتر‬ ‫الة أ تبى ه؛ الكروت ) ‪ 3 3‬ا كناعلنهج فيهاآ آرَ التف‬ ‫والجوع‬ ‫نَياليَنَ‬ ‫والت‬ ‫الأدب‬ ‫و آ‬ ‫بالأنف‬ ‫رأ الخنه‬ ‫ل نف‬ ‫بالصين‬ ‫اض‬ ‫ً‬ ‫_‬ ‫_‬ ‫‪ -‬س‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫فمن تصك ة ک به ‪ 3‬حكا رة لذ وَمَن ء منكم ‪ 1‬زللأررَة ‪ :‬أ‪:‬ؤلآتتبا‬ ‫‪7‬‬ ‫‪ \3‬لما بَسَ ‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬ ‫ابن س‬ ‫عن ء ترهم بعدم‬ ‫ا‏‪١‬لشمُونَ ‪ : 5‬ارم‬ ‫هم الم ل‬ ‫ا`‬ ‫آر‬ ‫ر‬ ‫‪:‬‬ ‫۔ ‪42‬‬ ‫‪.‬۔ ‪9‬‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫هو‬ ‫‪1‬‬ ‫‏‪٣‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ا تور دل ؤ ع ارت‬ ‫ه من ‪ 7‬لوور لذ‬ ‫قا لمار وس ي‬ ‫إنجيل فيه هدد۔کى و دهور و صدر‬ ‫عملا ا وول ح كد أهلى] ‏‪ ١‬للإنجيل‬ ‫و هاى هوهموعخلة‬ ‫قره و م‬ ‫دبما ارالآ ل‬ ‫منكم‪ :.‬رد۔ أزل‬ ‫ا‬ ‫فأي باه‬ ‫أد‬ ‫‪50‬‬ ‫التمشثورت‬ ‫وهذه الآيات الثلاث وحدها كافية لتمنع أيا كان من أن يبحث عن الحكم في‬ ‫غير مظانه الشرعية‪ .‬والبحث التاريخي لتطور الفقه الإسلامي نفسه يقرر مبدأ‬ ‫الأصالة والاستقلالية‪ .‬فمراكز البحث القانوني التي عرفت في الولايات الرومانية‬ ‫الشرقية‪ .‬قد انطمس أثرها لأسباب عدةة أقلها أنها تمثل سلطة غريبة استعيارية‬ ‫ظالمة‪ ،‬ولم يكن لها وجود أيام نشأة الفقه الإسلامي وتطوره واكتياله ؛ بالإضافة إلى‬ ‫أنه من الطبيعي أن يستنكف فقهاء الإسلام عن أن يستعيروا شيئا من قوانين تلك‬ ‫الأمم المغلوبة التي كان القرآن الكريم يصفها بالضلال والكفر‪ .‬وكان من المعقول‬ ‫جدا أن يرفضوا قوانين اليهود الذين وصفهم الوحي الإلهي بأنهم قتلة الأنبياء‬ ‫يحرفون الكلم عن مواضعه‪ .‬وما من ريب أن القاعدة التاريخية تنص على أن‬ ‫الغالب يزدري ا غلوب وما عنده مماله صلة بالعقيدة خاصة‪ .‬والتشريع الإسلامي‬ ‫إنيا هو ثمرةعقيدة مستقلة ومميزةش كذلك وجب أن يكون نتاجها وما تفرع عنها‪.‬‬ ‫‏‪ ٢٥‬۔‬ ‫ومن جانب آخر فإن عملية الاستفادة من القوانين السائدة والتأثر بها‬ ‫تتطلب انتشار المؤلفات القانونية بين الفقهاء بصورة لا يمكن لأحد أن ينكرها‬ ‫كيا هو الحال مع كتب الفلسفة والطبيعة والطب والفلك ونحوها‪ ...‬ولسائل‬ ‫أن يسأل لم لم يخجل أهل الفكر من نقلهم لهذه الكتب فتواتر أمرهاء ي حين‬ ‫امتنعوا عن ذكر مصادرهم القانونية المزعومة ؟!! ‪ 0‬ونحن نعلم أن أول كتاب‬ ‫في القانون قد ترجم إلى اللغة العربية بأيدي وأقلام نصرانية إنما كان في القرن‬ ‫الحادي عشر الميلادي‪ ،‬وقد كان الفقه الإسلامي وقتها قد بلغ قمة تطوره‬ ‫واكتمل بناؤه وتحعددت معالمه با لمجهود الخالص والمستقل لفقهاء الإسلام‪.‬‬ ‫ونظرة فاحصة في مصدر الفقه الإسلامي ومضمونه‪ ،‬مقارنة مع القانون‬ ‫الروماني" تؤكد التباين التام في جل القضايا والمسائل‪ .‬ففي ما يتعلق‬ ‫بالتشريع الإسلامي فإن مصدره الوحي الالهي‪ ،‬وهو شامل للعبادات‪ ،‬بل‬ ‫والعقيدة عند البعض إضافة إلى المعاملات ومساواة الناس أمام القضاء‬ ‫أما القانون الروماني فإنه يقوم على مجرد العقل والعرف؛ ثم هو لا يتدخل في‬ ‫القضايا التعبدية فضلا عن القضايا العقدية لأنه يقول بمبدإ «اعط ما‬ ‫لقيصر لقيصر وما لله لله' والناس عنده سادة ورعاع ولكل حكم ‪ ...‬وإلى‬ ‫جانب هذا فإن الخلاف بين الفقه والقانون ظاهر في مسألة الرشد والأهلية‬ ‫وموانع الزواج والمهر والتبني والمواريث والوقف والشفعة ‪...‬‬ ‫وي ختام هذه الكلمة الموجزة نقرر أن البحث التاريخي والموضوعي‬ ‫يؤكدان إستقلالية الفقه الإسلامي عن كل ماعداه من أنظمة قانونية } فهو‬ ‫أصيل في مواضيعه وأحكامه ومنهج عرضها وأن دعوى التأثر بل الاستعارة‬ ‫لها أبعادها الدينية والسياسية‪ ،‬وذات دوافع وأغراض لاعلاقة ها بالعلم‬ ‫الرصين الذي يدعيه مثيرو الشبهات ‪...‬‬ ‫۔_‪٢٦‬‏ ۔‬ ‫أهداف التشريع الإسلامي ‪:‬‬ ‫نعني بالأهداف التشريعية المقاصد القريبة والبعيدة التي أراد الله من‬ ‫الإنسان أن يسعى إلى تحقيقها‪ .‬وهي نتائج الأعمال والتصرفات المقصودة‬ ‫لذاتها التي نكدح للحصول عليها‪ .‬وهي وإن تعددت صورها فإنها‬ ‫تتلخص في تحقيق سعادة الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة‪ .‬والسعادة إنيا‬ ‫تتوقف على دفع المفسدة وجلب المصلحة المعتبرتين شرعا‪ .‬والمفسدة هي‬ ‫كل ضرر في الشرع‪ ،‬يصيب الفرد والجماعة من وراء فعل ما دائيا أو غالبا‪.‬‬ ‫وقد اتفق علياء الإسلام حول هذه الحقيقة وإن اختلفوا في كون الأحكام‬ ‫الشرعية توقيفية‪ ،‬لا تدرك عللها وأسرارها‪ ،‬وتكون مما اختص الله بعلمه أو‬ ‫كونها قابلة للتعليل‪ ،‬وأن الله قد كشف بعض أسرارهاء وأقام العلامات‬ ‫والقرائن عليها‪ .‬والقول الوسط في ذلك أن من أحكام الشريعة ما يقبل‬ ‫التعليل وهي أكثرها ومنها مالا تقبله وإن كانت تتضمنه مع عجز العقل‬ ‫البشري عن كشفه أو القطع به‪ ،‬وإنيا يرجع أمر ذلك إلى الله تعالى‪.‬‬ ‫والمقاصد الشرعية قسيان‪ :‬عام وخاص‪ .‬فالمقاصد العامة هي الغايات‬ ‫والأهداف التي تشترك في تحقيقها الجميع الناس أكثر الأأحكام الشرعية‬ ‫كإقامة العدل وتحقيق المساواة وتوفير الحرية والأمن‪ ،‬وتكوين الفرد الصالح‬ ‫والمجتمع السعيد‪ .‬والأحكام الشرعية على اختلاف مواضيعها إنيا هي‬ ‫وسائل متفاوتة المستوى في تحقيق تلك المقاصد‪.‬‬ ‫والمقاصد الخاصة هي تلك التي تحققها أقسام الفقه المختلفة من‬ ‫عبادات ومعاملات مالية وإدارية وأحكام الأسرة وفقه السياسة الشرعية‪.‬‬ ‫فالعبادات في الإسلام ليست مجرد أشكال وطقوس تعبدية جامدة وإنيا‬ ‫هي أفعال ذات مغزى نحقق من خلالها عبوديتنا لله تعالى‪ ،‬ونعبر بها عن‬ ‫۔‪٢٧‬‏ ۔‬ ‫خضوعنا واستسلامنا له فذاك حقه علينا‪ ،‬وبها نحرر أنفسنا من عبوديتنا‬ ‫لغير الله من إنسان أو هوى‪ .‬فهي تغذي الروح وتصقلهاء وتميز الانسان عن‬ ‫عالم الحيوان بكل سلبياته‪ .‬ولأن ابن آدم بفطرته يشعر بقوة ما تهيمن عليه‪،‬‬ ‫ويشعر في الوقت ذاته بحاجته إليها‪ ،‬فإن العبادة تشبع فيه هذا الميل‬ ‫الطبيعي كيا يشبع الغذاء حاجته العضوية إلى الطعام‪ .‬والعبادة الاسلامية‬ ‫تدفع بالانسان إلى الخير والالتزام بالقيم الايبابية في واقع الحياة‪ ،‬وتوفر‬ ‫الأسباب الروحية للإقامة المجتمع الآمن والسعيد حين تجعل الناس‬ ‫موصولين بالخالق مدركين لموقعهم الحقيقي في الوجود‪ ،‬مدركين للغاية التي‬ ‫خلقوا من أجلها‪.‬‬ ‫وفي المجال الاجتماعي أقام الإسلام الأسرة وفق فلسفة جديرة بتحقيق‬ ‫التناسق بين عناصر النظام الاجتياعي‪ ،‬بدءا بالعلاقة بين الرجل والمرأة وما‬ ‫ينبني عليها من تبعات وآثار‪ .‬وانتهاء بالعلاقات الإجتماعية الأخرى من‬ ‫قرابات وأرحام وجيران ‪ ...‬فنظام الأسرة ينمي فينا الشعور بالمسؤولية وخدمة‬ ‫الآخرين وتحمل قسط من الإلتزامات إزاء المجتمع والمساهمة في إسعاده‪.‬‬ ‫فالحياة الزوجية تقوم على أساس التوادد والتراحم والتعاطف فكل من‬ ‫الزوجين سكن للآخر ومصدر للراحة واللذة الحلال وسند له عند الشدائد ‪،‬‬ ‫وحصن له يمنعه من الوقوع في المفاسدا ووقاية له من ارتكاب الفواحش‬ ‫التي هي سبب أساسى في انتشار الأمراض الجنسية المتجددة والخطيرة‪ .‬إن‬ ‫العلاقة الزوجية المنظمة‪ .‬وقاية ومن أسباب الصحة على كل المستويات‪.‬‬ ‫وبالزواج تتمتن العلاقات بين الأمم والشعوب فقد جعل الله للنسب أثرا‬ ‫على العلاقات إذ هو يقويها ويمتنها ‪. ..‬‬ ‫‏_ ‪ ٢٨‬۔‬ ‫ومن خلال فقه المعاملات المالية ندرك حكمة التشريع المتمثلة في‬ ‫الإشباع المنظم لغريزة التملك‪ ،‬وتبادل المنافع على أساس أخلاقي بعيدا عن‬ ‫كل الاستغلال والإضرار وإنا وجب أن تقوم على أساس العدل والاحسان‬ ‫والاشتراك في الانتفاع بيال الله الذي جعله ابتلاء واختبارا للإنسان ودعاه‬ ‫إلى التصرف فيه وفق أحكامه وتشريعاته‪ ،‬وإلى جعله من أسباب القوة المادية‬ ‫للأمة لتوفير الرخاء من ناحية‪ ،‬والاستفادة منه في تبليغ كلمة الله إلى الناس‬ ‫في كل مكان وزمان من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫وفي مجال الحكم والسياسة الشرعية ترمي الشريعة الإسلامية إلى إقرار‬ ‫حاكمية الله تعالى وحده؛ فهو مصدر التشريع حمل الهيئة الحاكمة مسؤولية‬ ‫رعاية شؤون الناس وصياغة حياتهم‪ ،‬وفق رؤية إسلامية منبثقه عن كتاب‬ ‫الله وسنة رسوله ( يَلة) من خلال المؤسسات القانونية المنظمة‪ .‬وإقامة‬ ‫العدل والمساواة في الحقوق والواجبات وتوزيع الثروة بين أفراد الأمة‬ ‫والاعتراف لهم بمبدإ الحرية الإيبابية البناءة‪ ،‬وتوزيع المسؤوليات بين الحاكم‬ ‫والمحكوم وضبط حد ودها‪ ،‬بحيث تتعاون على الخير بتوفير أسباب الراحة‬ ‫للأمة وإسعاد أفرادها‪ 5‬وتحقيق الكرامة الوطنية لهم وصيانتهم عن الفساد‬ ‫وقاية وعلاجا & من خلال توجيه الامكانات المتاحة لتنشئة الأجيال الملتزمة‬ ‫بالإسلام قولا وعملاء ومحاربة ما يمكن أن ينتج في المجتمع من جرائم‬ ‫بتطبيق التعازير والحدود التطبيق السليم توفيرا للأمن الداخلي بالضرب على‬ ‫أيدي المفسدين ورفع الظلم عن المظلومين تحقيقا هيبة الدولة وحماية‬ ‫مقاصد الشرع الضرورية من حفظ الدين والنفس والنسل والعرض والمال‬ ‫وأداء ما أمر الله به وترك ما نهى عنه‪.‬‬ ‫‏_ ‪ ٢٩‬۔‬ ‫وعلى المستوى الخارجي‪ ،‬تهدف السياسة الشرعية إلى إيصال الإسلام‬ ‫إلى الناس كافة‪ ،‬حيث ما كانوا بيا تراه مناسبا من الأساليب والطرائق‪ ،‬إلى‬ ‫جانب حماية بلاد الإسلام وأهله لأن في ذلك حفاظا على مقصدي الدين‬ ‫والنفس‪.‬‬ ‫وبالجملة فإن الشريعة الإسلامية تسعى إلى إيباد البيئة الصالحة التي‬ ‫تعين الناس على دينهم ودنياهم بتوفير الأسباب والقضاء على العوائق‪ .‬ولر‬ ‫الشرعية من أداء هذا الواجب‬ ‫تعذر أية سلطة تحملت مسؤولية السياسة‬ ‫أكثر المبادىء مسايرة للفطرة‬ ‫الهام حتى تجعل الشورى قاعدة لها لكونها‬ ‫الناس ومواقفهم؛ ففي الشورى‬ ‫الإنسانية ورغبتها ي التعبير الحر عن أفكار‬ ‫أطوع وأكثر امتثا لا للقرار‬ ‫احترام لعقل الانسان الفاعل وبها يكون‬ ‫الجماعي منه للقرار الفردي المفروض‪ .‬فالفرد حين يشعر بمساهمته بآرائه فية‬ ‫تسيير الشؤون" ومشاركته في سياسة الأمة يكون أكثر استعدادا لقبول نتائج‬ ‫الخطإ والرضا بهاء إن وقع إضافة إلى كون الشورى أبعد عن الزلل من رأي‬ ‫الفرد والاستبداد‪.‬‬ ‫‏‪ ١‬لفصل النا نى‬ ‫۔ مراحل التطور التشريعي‬ ‫ه تمهيد‬ ‫ه دور التاسيس‬ ‫ه دور التوسع‬ ‫ه الخصائص ‪:‬‬ ‫ه ظهور المذاهب الفقهية ‪:‬‬ ‫أ ۔ المذاهب القائمة‬ ‫ب ۔ المذاهب المندثرة‪.‬‬ ‫ه اختلاف الفقهاء ‪ :‬حقيقته وأسبابه‬ ‫ه درر الركود‬ ‫ه درر البعث والتجديد‬ ‫‪_ ٣١‬‬ ‫الفصل التانى‬ ‫مراحل التطور التشريعي‬ ‫تمهدد ‪:‬‬ ‫الفقه أو التشريع الإسلامي‪ ،‬باعتباره علياء مر كغيره من العلوم‬ ‫بمراحل وفترات زمنية متي يزة ث لكل مرحلة سيا تها الخاصة بها‪ .‬فمد بدأ الفقه‬ ‫بسيطا بعيدا عن التعقيد من حيث مصادره وعدد قضاياه‪ ،‬ثم تدرج نحو‬ ‫التوسع والتشعب©ؤ بفعل تطور المستوى المدني للمجتمع الإسلامي ح نتيجة‬ ‫لسنن الله في العمران والمدنية" وهذا أمر طبيعي‪ ،‬فالحياة في مكة على عهد‬ ‫رسول النه (يَيأة) تختلف نسبيا عنها في دمشق الأموية أو بغداد العباسية أو‬ ‫تيهرت الرستمية أو الأندلس أو عيان ‪ ...‬ونمط العيش أيام البعثة يتميز عن‬ ‫أنماط القرون اللاحقة فالناس غير الناس من حيث الأعراف والأصول‬ ‫الحضارية‪ ...‬إن عوامل كثيرة ساهمت في تطور الفقه حتى صار له تاريخ كيا‬ ‫كان لبقية العلوم تواريخها الخاصة بها‪ .‬وبتتبع الإنتاج الفقهي عبر تاريخه‬ ‫الطويل واستقرائه‪ ،‬يمكن أن نلاحظ أن التشريع الإسلامي قد مر بأدوار‬ ‫زمنية تقريبية أربعة ‪:‬‬ ‫‪١‬۔دور‏ التأسيس ث وينقسم إلى عهود ثلاثة ‪:‬‬ ‫ء‬ ‫‪ -‬العهد النبوي‬ ‫|‬ ‫ب عهد الصحابة‬ ‫ج_عهد التابعين‬ ‫‏‪_ ٢‬۔دور العطاء أو العصر الذهبي‬ ‫‏‪ _ ٣‬دور الركود‬ ‫‪٤‬۔دور‏ البعث والتجديد‪.‬‬ ‫_ ‪_ ٢٣٢٣‬‬ ‫سنحاول في الصفحات القادمة أن نقدم صورة مختصرة عن كل دور‬ ‫ونبين الخصائص والمميزات‪ ،‬كيا نبرز مظاهر التطور في الفقه وأثر العلماء في‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫أولا‪ :‬دور التأسيس‬ ‫‏‪ ١‬العهد النبوي ‪:‬‬ ‫بعث محمد (يَلة) نبيا رسولا ليقيم الحياة الدنيا الموصولة باقه يستعد‬ ‫فيها الناس للآخرة‪ .‬فقد جاء دينه وأنزلت تعاليمه لخير الإنسان في الحياتين‬ ‫معا‪ ،‬وفق تشريع إلهي محدد فاهتم" أول أمره‪ ،‬في مكة طيلة اثنتي عشرة سنة‬ ‫وخمسة شهور ونيف بإصلاح عقل اللإنسان وعقيدته فطغى على هذه الفترة‬ ‫التشريع العقدي من الوحدانية‪ ،‬وأمر الرسالات السياوية‪ ،‬وما يتعلق بعالم‬ ‫الغيب من ملائكة وجن ومصير وجنة ونار‪ .‬وكانت التعاليم الربانية في هذه‬ ‫الفترة تركز على أن الحياة جسر إلى الآخرة ومزرعة لها‪ .‬وكانت الآيات تترى‬ ‫لربط الإنسان بيا بعد الحياة ورفعه من درك الحيوانية إلى مستوى الإنسانية‪.‬‬ ‫إلا أن التأكيد على الجانب العقدي في الدور المكي لم يلغ الاهتمام بالجوانب‬ ‫السلوكية‪ .‬بل كانت التوجيهات القرآنية تحبب عمل الخير وتحث عليه؛‬ ‫فكانت تشجع على حسن معاملة الآخرين وتدعو إلى التعاون على الخير‬ ‫والإنفاق في سبيل الله ‪ ...‬وفي آخر هذا الدور فرضت الصلاة تطبيقا عمليا‬ ‫للمبادىء العقدية‪ .‬وكان القرآن في كل ذلك ينزل منجيا‪ ،‬مراعيا في ذلك‬ ‫الواقعية والتدرج في صياغة الإنسان المسلم‪ .‬وكان المبدأ العام والأساسي في‬ ‫التشريع المكي‪ :‬قل آمنت بالله ثم استقم‪.‬‬ ‫في السنة الثالثة عشرة يؤمر النبي (يَليآ) بالهجرة إلى المدينة وبناء‬ ‫_ ‪_ ٢٣٤‬‬ ‫المجتمع الجديد المتميز‪ .‬وهنا يبدأ التشريع الذي سيصوغ حياة هذه الأمة‬ ‫وينظم علاقات اللإنسان بربه وعلاقاته مع بقية الناس من المسلمين‬ ‫وغيرهم" في المدينة المنورة والجزيرة العربية وخارجها‪ .‬وقد قام التشريع المدني‬ ‫على أسس ثلاثة‪:‬‬ ‫_ عدم الحرج‬ ‫۔ تقليل التكاليف وبساطتها‬ ‫‪ -‬التدرج في التشريع ‪.‬‬ ‫لقد كان القرآن الكريم هو المصدر‪ .‬وكان الوحي الذي يتلقى منه النبي‬ ‫(َتيةة) الأوامر والنواهي التي كانت ترد بصور وأساليب عدة من صريح‬ ‫الأمر والإخبار بأن الفعل مكتوب على الآخرين وربط الفعل بجزائه أو‬ ‫وصفه‘ والتعبير بالفرض والتحريم والحل والندب ‪...‬‬ ‫والملاحظ في التشريع القرآني أنه اهتم أساسا بتفصيل أحكام العقيدة‬ ‫وبعض قضايا المعاملات والأمخحلاق‪ ،‬في حين اكتفى في الأمور التعبدية‬ ‫ومجمل مسائل السلوك وقضايا المجتمع والمال والسياسة الشرعية‪ 5...‬اكتفى‬ ‫في كل ذلك بالأحكام العامة لتكون فيما بعد مجالا لاجتهاد المجتهدين وفق‬ ‫روح الشريعة وقوانينها العامة‪ ،‬فقد جاء الأمر بالصلاة والزكاة والحج وأشار‬ ‫إلى العلاقات الزوجية‪ ،‬وأحل البيع وحرم الربا‪ ،‬وأمر بالجهاد ‪ ...‬ولكنه لم‬ ‫يفصل تلك القضايا والمواضيع وإنيا ترك ذلك للسنة التي هي المصدر الثاني‬ ‫للتشريع ونعني بها كل ما أثر عنه (يَية) وصح من قول أو فعل أو تقرير‪.‬‬ ‫فكان دورها بيان جمل القران وتوضيح مشكله وتقييد مطلقه وتخصيص‬ ‫عمومه‪ ،‬كيا كانت تستقل بالتشريع فتورد أحكاما لم ترد في القرآن الكريم" على‬ ‫أساس نفس القواعد والمبادىء العامة التي سبقت الإشارة إلى بعضها آنفا‪.‬‬ ‫_ ‪_ ٢٥‬‬ ‫إننا نجد أنفسنا ونحن نتحدث عن التشريع النبوي أن نتساءل إن كان‬ ‫وحياكله أم هو خليط من الوحي باعتبار النبوة والرسالة ومن الاجتهاد‬ ‫)& وباعتبار قيادته الزمانية ووظيفته‬ ‫البشري باعتبار ادمية الرسول‬ ‫القضائية؟ وبعبارة أخرى هل كان الرسول يجتهد في القضايا التشريعية؟‬ ‫لقد اختلف مؤرخو التشريع حول المسألة فأنكر البعض اجتهاد الرسول‬ ‫(يَلة) واعتبر أن كل ما صدر عنه وحي من الله تعالى‪ ،‬وهو () مجرد مبلغ‬ ‫أمين لما يتنزل عليه من ربه‪ ،‬ودليلهم على ذلك عموم قول الله عز وجل‪:‬‬ ‫(النجم ‏‪)٢‬‬ ‫وينطق عَانفون‬ ‫وإلى جانب هذا الموقفؤ يرى آخرون أن للنبي (يَلة) تشريعا بالوحي‬ ‫وآخر بالاجتهاد البشري‪ ،‬وننقل في هذا الصدد ما قرره الإمام السالمي بعد‬ ‫عرضه للآراء المختلفة‪« :‬والمختار من هذه المذاهب كلها جواز تعبده (يَلة)‬ ‫بالاجتهاد مطلقا في الأحكام الدينية والآراء السياسية لكنه لم يقع منه (يَية)‬ ‫في الأحكام الدينية وإنما وقع منه في الآراء السياسية في حروب العداء‪...‬‬ ‫والمختار أيضا أنه عليه الصلاة والسلام ينتطر في الحادثة الوحي الظاهر فإذا‬ ‫جاءه فيها أمر من ربه عمل به‪ ،‬وإن مضت المدة التي تعود فيها نزول الوحي‬ ‫اجتهد في تلك الحادثة برأيه فعمل بيا رآه أقرب إلى الصواب؛‪ .‬وقد انبنت‬ ‫على هذه القضية مسألة عقدية مضمونها جواز الخطإ على الرسول (يَلأة) أم‬ ‫لا؟ ‪ .‬والثابت أن النبي (يَل) قد اجتهد في المسائل الدنيوية كموضع النزول‬ ‫ببدر وأسرى تلك الغزوة‪ ،‬وتأبير النخلك ومسألة القضاء حسب الظاهر بين‬ ‫الناس‪...‬‬ ‫‪_ ٢٣٦‬‬ ‫وقبل أن نترك التشريع‪ ،‬في العهد النبوي‪ ،‬لا بد أن نشير إلى دور‬ ‫الصحابة في ذلك‪ .‬وإذا كان التشريع بصفة عامة يصدر عن النبي (يَي)‬ ‫وكان هو المستفتى من أصحاب القضايا‪ .‬فقد كان (تلة) يرسل ببعض‬ ‫أصحابه إلى القبائل والبلدان وفي الحروب ولاة وقضاة وقادة‪ ،‬وكان يأمرهم‬ ‫أن يقضوا بين الناس بيا جاء في القرآن وبما سمعوه ونقلوه عنه‪ ،‬وكان يأمرهم‬ ‫إن لم يجدوا في ذلك حكيا للحادثة أن يجتهدوا رأيهم وفق المبادىء العامة‬ ‫والقواعد الكلية المستنبطة من القرآن والسنة‪ ،‬خصوصا وأن الوحي لم يتوقف‬ ‫بعد ولا زالت الأحكام تتنزل وهم غائبون عن المدينة حيث كان رسول الله‬ ‫()‪ .‬بل ثبت أن النبى (يَلية) قد أذن للصحابة بحضرته أن يجتهدوا في‬ ‫غير المسائل العقدية والتعبدية‪ .‬تشريعا منه لمبد الاجتهاد الذي سيكون ‪،‬‬ ‫عبر تاريخ المسلمين ‪ ،‬المصدر الأساسي في تفريع الأحكام واستنباطها من‬ ‫ظواهر نصوص القرآن والسنة وروحها‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫عصر الصحابية‬ ‫‏‪ ٢‬۔التشريع ق‬ ‫توفي النبي (يََلِة) بعد أن أتم الله عليه نعمته ونزل قوله تعالى‪:‬‬ ‫الومككمت كم دديك‪ :‬وأمم‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫۔ ' دهر‪.‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫>‬ ‫(المائدة ‏‪)٣‬‬ ‫نعمت وَرَضِيتتلك ‏‪ ١‬لسَلَمَديًا‬ ‫عقيدة واضحة المعاا ‪ .‬وشعائر تعبدية بسيطة ميسرة خالصة من‬ ‫شوائب الجاهلية والوثنية وأصولا عامة وقواعد كلية يقيم عليها المسلمون‬ ‫من بعده حياتهم وأ نظمتهم المعاشية محاطة بسياج العقيدة والتحلاق؛‬ ‫ستكون تلك الأصول والقواعد أساس تفريع الأحكام للحوادث المستجدة‪.‬‬ ‫_ ‪_ ٢٣٧‬‬ ‫واستنباطها عن طريق الاجتهاد والرأي المتشرب لروح الإسلام‪.‬‬ ‫دخل المسلمون في هذا العهد وضعا جديدا لم يألفوه على عهد رسول‬ ‫الله (يَلو)‪ .‬ففي خلال مدة وجيزة وصل الإسلام إلى الشام وفارس ومصر‬ ‫وبرقة‪ ،‬ومن ثم إلى شيال إفريقيا وبلاد الفرنجة غربا‪ ،‬وإلى ما وراء النهر‬ ‫شيالا وإلى بلاد الهند شرقا‪ .‬وما من شك أن يكون لهذه الفتوحات أثرها‬ ‫الكبير؛ شعوب كثيرة ذات حضارات وثقافات وعادة مختلفة عيا ألف العرب‬ ‫في جزيرتهم‪ .‬غنائم وثروات تحتاج إلى نظر ‪ ،‬شعوب بأسرها تدخل في‬ ‫الإسلام" أقليات متعددة ستحافظ على عقائدها ونمط حياتها داخل الدولة‬ ‫الإسلامية سيكثر العبيد والموالي وتظهر نتيجة لكل ذلك اثار اجتياعية‬ ‫وسياسية يحتاج المسلمون إلى معرفة حكم الشرع فيها‪ ،‬فكان لزاما على فقهاء‬ ‫الصحابة من مواجهة هذا الكم الهائل من القضايا والمسائل‪ ،‬من خلال‬ ‫نصوص محدودة جدا غير مدونة‪ .‬وإنماهي محمولة في صدور الرجال‪.‬‬ ‫نعم لم يصل الوضع إلى هذا الحد من التعقيد دفعة واحدة وإنا تطور‬ ‫بتوسع الفتوحات‪ .‬ففي أيام الخليفة الأول القصيرة حافظ التشريع نسبيا‬ ‫على طابع العهد النبوي‪ ،‬فسنتان من الحكم غير كافيتين لإحداث ذلك‬ ‫الانقلاب‪ .‬ولكن الأمر بدأ يتنشعب مع خلافة سيدنا عمر الذي بقي في‬ ‫الحكم عشر سنين ثم عثمان من بعده‪ ،‬ومن بعد عثيان علي بن أي طالب‪.‬‬ ‫ومع وصول الأمويين للحكم حين دبروا الانقلاب على النظام الراشدي‪ ،‬إثر‬ ‫مقتل الخليفة الرابع‪ ،‬زادت الحياة تعقيدا على جميع مستوياتها‪.‬‬ ‫واجه الصحابة قضايا عصرهم بالرجوع إلى كتاب الثه‪ ،‬فإن لم يجدوا‬ ‫بغيتهم نظروا فييا أثر عن النبي (َلة) ‪ 5‬وسأل بعضهم بعضا عيا حفظ أو‬ ‫سمع من فتاوى الرسول (يَمَلة)‪ ،‬فإن لم يسعفهم شيء من ذلك استعملوا‬ ‫‪_ ٣٨‬‬ ‫رأيهم في فهم الحادثة ثم ربطوها بيا يناسبها من روح النص أو القاعدة العامة‬ ‫المستفادة منه‪.‬‬ ‫واستعمال الرأي ليس جديدا عليهم ‪ .‬بل أخذوه عن النبي (يَي)‬ ‫واستعملوه على عهده وأقرهم عليه‪ ،‬وإنما الجديد في ذلك توسعهم النسبي في‬ ‫الاعتماد على الرأي‪ .‬ولم يكن الصحابة في ذلك على مستوى واحد وإنيا كانوا‬ ‫يتفاوتون في اعتماده مصدرا من مصادر التشريع بين متوسع ومتشدد‪ .‬كان‬ ‫سيدنا عمر ومثله ابن عباس وابن مسعود وكثير غيرهم من أصحاب الاتجاه‬ ‫الأول‪ .‬وكان عبد الله بن عمر وعبدالله بن عمرو بن العاص وغيرهما من‬ ‫أصحاب الاتجاه الثاني الذين كانوا يخافون أن يقول الناس برأيهم في دين الله‬ ‫فيجانبوا الصواب ويتقولوا على الله‪ ،‬إلا أن الأولين لم يكونوا أقل خوفا من‬ ‫أولئلك‪ ،‬فقد اتخذوا لمنهجهم الاجتهادي عدته من الاحتياط إلى جانب ما‬ ‫وهبهم الله من حس وحدس صائبين أساسهيا العقيدة المتريسخة في أعماق‬ ‫أعماق قلوبهم‪ .‬ولعل السبب الذي دعاهم إلى أن يسلكوا هذا المسلك ما رأوه‬ ‫من كثرة الحوادث المستجدة غير المعهودة إلى جانب نصوص محدودة لا‬ ‫يستجيب ظاهرها ونصها إلى ما تحتاج إليه من حكم شرعي‪ ،‬إضافة إلى أن‬ ‫الصحابة لم يكونوا على مستوى واحد من معرفتهم بالسنة النبوية التي منها ما‬ ‫شاع أمره بينهم‪ ،‬ومنها ما قيل أو فعل في حضرة القليلين منهم" وقد أثر أن‬ ‫عمر رضي الله عنه كان ينهى عن كثرة الرواية خوف التقول على رسول الله‬ ‫(يَلة) ولو سهوا‪ .‬ومن شدة احترازه في الرواية أنه كان يشترط الشهادة على ما‬ ‫ينقله الناس وينسبونه إلى رسول النه (يتةة) ‪ .‬دعاهم كل هذا إلى التعويل على‬ ‫ما منحهم الله من قدرة عقلية على ربط الحوادث بفلسفة التشريع لا ستنباط‬ ‫الحكم ولكن قليا يفتي الواحد منهم قبل أن يعرض ما توصل إليه من حكم‬ ‫‪_ ٣٩‬‬ ‫على أصحابه ويطلب رأيهم ويستشيرهم فيه‪ ،‬وكثيرا ما ينتهي بهم الأمر إلى‬ ‫اتفاق حوله لا يخالفه أحد ليولد مصدر جديد من مصادر التشريع هو‬ ‫الإجماع الذي سيعرفه الأصوليون فييا بعد بأنه اتفاق علياء الأمة على حكم‬ ‫شرعي في عصر ما بلا إنكار من أحد منهم‪.‬‬ ‫وبالمناسبة فإنه تجدر الإشارة إلى أن الصحابة لم يكونوا جميعا على‬ ‫مستوى واحد من العلم والاهتمام بشؤون الناس فقد كان منهم البدوي‬ ‫المشتغل بباديته وحياة البادية‪ ،‬ومنهم الحضري المشتغل بتجارته وكسبه‬ ‫يصلي مع النبي (يَلة) ثم ينصرف لشأنه وخاصته‪ ،‬وكان منهم الذكي الفطن‬ ‫الذي أعده الله للعلم والفهم ومنهم الأقل ذكاء الذي كانت علاقته بالهيئة‬ ‫المسيرة وعلى رأسها رسول الله () محدودة ‪ .‬فهؤلاء إنما كانوا يستجيبون إذا‬ ‫دعوا إلى الصلاة أو الزكاة أو الجهاد ‪ ...‬ثم لا شأن لهم بيا وراء ذلك ‪ ،‬وكانوا‬ ‫مقتنعين بأن الله قد قيض للإدارة والفقه والفتوى رجالا لازموا النبي (يتثأة)»‬ ‫سمعوا منه وتعلموا بدرجات متفاوتة ما يكفيهم لخلافته في مسا تل الحكم‬ ‫والقضاء واستنباط الأحكام لما يستجد من حوادث ؛ وهذا أمر طبيعي في كل‬ ‫مجتمع بشري‪ .‬وني الختام ‪ ،‬إذا أردنا أن نوجز منهج الصحابة التشريعي‬ ‫لخصنا ذلك في النقاط التالية ‪:‬‬ ‫المحافظة على الطابع العام للتشريع النبوي بالرجوع الى الوحي‪ :‬قرآنا وسنة‪.‬‬ ‫ظهور اتجاهين تشريعيين يغلب على أحدهما استعيال الرأي وعلى‬ ‫الثاني الرواية والتقيد بالمأثور عن النبي (يَية) ما أمكن ‪.‬‬ ‫۔استعيال الرأي في أبسط صوره‪.‬‬ ‫۔ ظهور مصدر جديد للتشريع هو الإجماع‪.‬‬ ‫۔عدم ظهور المصطلحات الفقهية والأصولية بعد‪.‬‬ ‫_ ‪_ ٤٠‬‬ ‫‪- ٣‬۔التشريع في عصر التابعين‪: ‎‬‬ ‫يبدأ عصر التابعين ‪ ،‬بصورة تقريبية‪ ،‬من الحدث السياسي المعروف‬ ‫بالفتنة الكبرى أو قل تلك المأساة التي مكنت الأمويين من اغتصاب‬ ‫الحكم ممن اختارته الأمة بالبيعة الشرعية ليبدأ بذلك عصر الاستبداد‬ ‫الطويل‪ .‬وقد سبب هذا الحدث شرخافي الأمة فقسمها إلى اتحباهين‬ ‫متعارضين سياسيا‪ :‬اتجاه الأكثرية الصامتة التي آثرت‘ بسبب الصدمة‬ ‫السكوت وترك ما لقيصر لقيصر نتيجة اليأس والإحباط‪ .‬ورأى معظم‬ ‫أصحاب هذا الاتحباه مداراة المتسلطين على الحكم أفضل وأسلم‪ .‬وأقنعوا‬ ‫أنفسهم بأن «السلطان الغفشوم خير من فتنة تدوم" ‪ .‬وأما الاتجاه الثاني"‬ ‫ويمثله عدد أقل من الأولءرفض أصحابه الاستسلام ورفعوا لواء النضال‬ ‫لإعادة ما اغتصب لأصحابه الشرعيين بنفس السلاح‪ .‬وقد كان هذا الاتجاه‬ ‫بدوره منقسيا إلى فريقين متباينين‪ ،‬إن لم يكونا متضادين إلا أنهيا أمام عدو‬ ‫واحد‪ .‬يمثل الفريق الاول الناجون من واقعة النهروان أو الشراة‪ ،‬ويمثل‬ ‫الفريق الثاني المتشيعون لعلي بن أبي طالب من أهل العراق‪ ،‬الذين يطالبون‬ ‫بالثأر له وعودة الحكم إلى بنيه ‪.‬‬ ‫لقد اختار المهادنون للسلطة الجديدة إسيا مجببا إلى قلوب العامة‬ ‫والدهماء من الناس وهو في الوقت نفسه تبرير نفسي لموقفهم السلبي &‬ ‫فخلعوا على أنفسهم إسم «آهل السنة والجياعة' تماما كيا فعل ملوك بني أمية‬ ‫وبني العباس© من بعدهم حين تسموا باسم «الخليفة» و «أمير المؤمنين»‬ ‫لنفس الغرض من استيالة قلوب الرعية ‪ .‬ثم أطلق «أهل السنة والجياعة»‬ ‫بدورهم إسم «الشيعة» على المناضلين باسم الإمام علي ‪ ،‬واسم «الخوارج»‬ ‫على المناضلين باسم أمة الإسلام‪ .‬وقد تسمى هؤلاء الأأخيرون بأسياء عدة‬ ‫‪٤١‬‬ ‫فهم «أهل النهروان" و «أهل النخيلةا و «جماعة المسلمين" و «الشراة» ‪..‬‬ ‫وكانوا يعتبرون أنفسهم ممثلين لضمير الأمة المغتال‪.‬‬ ‫في هذه الظروف المأساوية كان عصر صغار الصحابة والتابعين‬ ‫التشريعى‪ .‬حروب أهلية طاحنة أنتجت مواقف سياسية متباينة‪ ،‬ولدت‬ ‫بدورها آراء عقدية متناقضة‪ .‬ومنها نشأت تحزبات وفرق‪ ،‬لا يطمئن بعضها‬ ‫إل بعض إلا بمقدار‪ .‬وي هذا العهد زادت رقعة البلاد اتساعا وتفرق من‬ ‫تبقى من الصحابة في الأمصار الجديدة وخاصة العراق والشام وآثر‬ ‫البعض البقاء في الحجاز وتحمل هؤلاء جميعا مسؤولية نشر ما عندهم من‬ ‫علم بالكتاب والسنة وأقوال كبار الصحابة وفتاويهم وأثارهم بنسب‬ ‫متفاوتة‪ ،‬وأقبل الناس يروون عنهم؛ كل ذلك لينقلوه لمن يأتي بعدهم‪.‬‬ ‫ومن آثار التمزق السياسي على التشريع‪ ،‬أنه بسبب تلك الفتن ضعف‬ ‫الوازع الديني & وبدا لبعض الناس لدوافع وأغراض عدة ‪ ،‬اختراع أقوال‬ ‫ينسبونها إلى رسول النه (يَلة) ويزعمون روايتها عنه‪ ،‬وقد عرفت هذه الظاهرة‬ ‫بمسألة «وضع الحديث‪ .‬وكان أكثر الناس اختراعا للأحاديث إنيا هم فئات‬ ‫القصاص والوعاظ والمتعصبين عقديا‪ ،‬والمتزلفين للسلطان ممن ينتمون إلى‬ ‫أهل «السنة والجياعةا‪ ،‬حتى أصبحت هذه الظاهرة خطرا على المصدر الثانى‬ ‫من مصادر التشريع فتتزعزعت ثقة الفقهاء والمجتهدين في السنة‪ ،‬وظهر‬ ‫اتجاه تشريعي يحترز كثيرا من الاعتماد عليها في استنباط الأحكام" وكان هذا‬ ‫الحذر‪ .‬ولأسباب موضوعية ‪.‬متفاوتا بين الأمصار‪ .‬ففي العراق (البصرة‬ ‫والكوفة) كان الحذر أكثر منه في الحجاز ‪ .‬ونتيجة هذاء توسع أهل العراق في‬ ‫الرأي‪ ،‬وأعطوا العقل مساحة أكبر في فهم النصوص والغوص عن معانيها‬ ‫وعللها ومقاصدها ‪ ...‬وأطلق على منهجهم مدرسة الرأي‪ .‬أما في المدينة‬ ‫‪_ ٤٢‬‬ ‫المنورة فكان تلاميذ عبدالله بن عمر وغيره يتهبيون إلى درجة ما من الرأي‪ ،‬ولا‬ ‫يطمئنون إلى تلك المصادر التبعية التي اعتمدها إخوانهم في الأمصار والتي‬ ‫نظروا إليها على أنها منافس للسنة النبوية‪ .‬وقد أطلق على هذا المنهج‬ ‫التشريعي «مدرسة الحديث! أو مدرسة الحجاز‪.‬‬ ‫شهد عصر التابعين" من الناحية التشريعية‪ .‬جملة من العناصر يمكن‬ ‫أن نجملها في النقاط التالية‪:‬‬ ‫‏‪ ١‬ظهور الفرق العقدية التي كان لها أثرها في التشريع‬ ‫‏‪ _ ٢‬ظهور الوضع في الحديث وتأثير ذلك في الفقه والاجتهاد‬ ‫‪_٢‬۔ظهور‏ مدرستي العراق والحجاز‬ ‫‏‪ ٤‬ظهور بدايات المذهبية الفقهية مع بقاء التواصل بين الفقهاء والعلماء‪.‬‬ ‫‏‪ ٥‬بدايات التدوين الفقهي في شكل رسائل موجزة وفتاوى قصيرة لفقهاء‬ ‫القرن الأول وبدايات القرن الثاني إلا أن الفقه الشفوي يبقى هو المسيطر‪.‬‬ ‫تانيا ‪ :‬دور التوسع والتطور ‪:‬‬ ‫استمر هذا الدور على وجه التقريب من القرن الثاني إلى القرن السادس‬ ‫المجريين‪ ،‬واعتبره مؤرخو الفقه العصر الذهبي للتشريع الإسلامي‪ .‬ففي‬ ‫هذا العهد استكمل الفقه نموه وتطوره كغيره من مجالات الثقافة العربية‬ ‫الإسلامية‪ .‬ومن أبرز عوامل هذا التطور اتصال الفكر العربي الإسلامي‬ ‫الغض بثقافات ومدنيات قديمة لها فلسفاتها ومناهجها الخاصة بهاء وظهور‬ ‫طبقة الموالي الذي حرموا‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬من المشاركة في الحكم الذي احتكره‬ ‫العرب من بني أمية وبني العباس‪ ،‬فوجدوا في العلم والفكر عزاء وسلوى‪.‬‬ ‫والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى فأبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة‬ ‫_ ‪_ ٤٣‬‬ ‫والإمام أبو حنيفة النعمان والبخاري ومسلم‪ ...‬كلهم من الأعاجم والموالي أو‬ ‫أبناء الموالي‪ .‬ومن ذلك أيضا تطور العلوم المساعدة للفقه كعلوم العربية من‬ ‫لغة ونحو وبلاغة وأدب؛ وظهور علوم الحديث دراية ورواية نتيجة للانتشار‬ ‫الوضع والاختلاق بسبب ضعف الوازع الديني وحب الغلبة‪ .‬وفي هذا‬ ‫العهد ظهر علم أسباب النزول والمصطلحات الفقهية والأصولية والقواعد‬ ‫العامة للفقه‪ ،‬وتقاربت مدرستا العراق والحجاز وتداخلتا وتقلصت الفوارق‬ ‫بينهيا‪ ،‬وتجذرت المذاهب الفقهية‪ .‬واتضحت معالمها‪ .‬وضبط الإمام الشافعي‬ ‫لأول مرة مسائل أصول الفقه في رسالته بعد انتشار التدوين وتيسر انتقال‬ ‫الكتاب بين الأمصار الإسلامية ومراكز الثقافة‪ .‬وقد كان للسياسة أثر في هذا‬ ‫التطور‪ .‬فمن جهة كانت جميع الاتجاهات تريد أن تنتج لتثبت وجودها‬ ‫العلمي والفقهي خاصة‪ .‬ولتستجيب لأتباعها تعليما وفتوى‪ .‬وكان الملوك‬ ‫من جهة ثانية قد وجدوا من الفقهاء المهادنين أنصارا‪ ،‬فأغدقوا عليهم‬ ‫الأموال‪ ،‬ورفعوا من منازلهم‪ .‬واتخذوهم أعوانا فشجعوهم على البحث‬ ‫والاجتهاد لأغراض خاصة؛ بعد أن فقدت دولة المسلمين رسالتها الحضارية‬ ‫وانشغلت برسالتها المدنية‪.‬‬ ‫قلنا في هذا الدور تشكلت معالم المذاهب الفقهية وتميزت عن بعضها‬ ‫وأصبح لكل مذهب أتباعه ‪ .‬والمراد بالمذهب الفقهي طريقة معينة في‬ ‫استنباط الاحكام الشرعية والنظر الفقهي‪ ،‬لها معالمها وخصائصها التي‬ ‫تميزها عن غيرها صاغتها عوامل موضوعية وذاتية متعددة أثرت في صاحب‬ ‫المذهب وتلاميذه من بعده‪ .‬والمذهب الفقهي يقابل «الفرقة» في مجال‬ ‫العقيدة وعلم الكلام‪ .‬ومن الناحية التاريخية فقد ظهر فقه «الشراة» وفقه‬ ‫«الشيعةا قبل غيرهما من المذاهب‪ .‬والمذهب الإباضي هو الذي وصلنا ممثلا‬ ‫‪_ ٤٤‬‬ ‫للفقه الأول‪ .‬وكان الإمام جابر بن زيد التابعي الجليل‪ ،‬وأحد أشهر تلاميذ‬ ‫ابن عباس هو الذي أرسى القواعد الأولى هذا الفقه الذي سيتطور على يد‬ ‫تلاميذه وتلاميذهم من بعده؛ إذ يعود إليهم الفضل في نشره وتدوينه والسير‬ ‫على نهجه التشريعي‪ .‬وسنفرد فهذه المدرسة الفقهية الخاصة حيزا من عملنا‬ ‫هذا لمزيد تعريف بها وبيان لمكانتها ومساهماتها‪.‬‬ ‫أما الفقه الشيعي فيمثله الإمامية الجعفرية والزيدية‪ .‬وتعود أصول هذه‬ ‫‪ .‬المدرسة إلى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين المعروف (بجعفر الصادق)‬ ‫(‪_٨٠‬۔‪١٤٨‬ه)‏ في أحد جناحيها؛ وإلى زيد بن علي زين العابدين (‪٨٠‬۔‏‬ ‫‏‪ ٢‬ه) في جناحها الثاني‪ .‬وقد واصل تلاميذ الرجلين وأتباعهم السير على‬ ‫منهجهيا تنظيرا وتطبيقا‪ ،‬فقها وعقيدة‪.‬‬ ‫وإلى جانب المذهبين السالفي الذكر ظهرت تباعا المذاهب الفقهية‬ ‫الأربعة التي كتب ها أن تنتشر بفضل مواقف أصحابها السياسية بالدرجة‬ ‫الأولى‪ ،‬فقد اختاروا طريق المهادنة وعدم الصدام مع الحكام المتعاقبين على‬ ‫سدة الحكم‪ .‬فضمنوا لمذاهبهم أن تكون بدرجات متفاوتة مذاهب رسمية‬ ‫وشعبية موزعة جغرافيا على غير أساس موضوعي غير أساس التاريخ‪ .‬وقد‬ ‫تصارعت فييا بينها صراعا خفيا كان للسياسة دور واضح فيه‪ .‬وكانت نتيجته‬ ‫أن انتصر أحدها على غيره‪ ،‬وانظم إلى المذهب الغالب أتباع المذهب‬ ‫المغلوب‪ .‬وخير مثال على ذلك غلبة المذهب الحنبلي في بلاد الحجاز على‬ ‫المذهبين الشافعي والملكي‪ ،‬إذ لا يجب أن ننسى أن المدينة المنورة هي المهد‬ ‫الأول للمذهب الأخير وأن إمامه كان يعرف بإمام دار الهجرة‪ ..‬وكذا الأمر‬ ‫فيما بعد حين فرض المذهب الحنفي منافسا للمذهبين ا لمالكي والشافعي في‬ ‫الولايات العثيانية حين اختارت الحكومة في الأستانة المذهب الحنفي مذهبا‬ ‫‪_ ٤٥‬‬ ‫رسميا للدولة فنشجعته وقدمته على غيره‪.‬‬ ‫ولأسباب غير علمية جملة وتفصيلاء استطاعت المذاهب الكبرى‬ ‫بسبب شعبيتها ودعم الحكام لها أن تبتلع مذاهب صغيرة بأكملهاء وأن‬ ‫تستحوذ على قطاع لا بأس به من عوام أتباع بعض المذاهب الأحرى تحت‬ ‫مبررات عدة‪ .‬ومن المفيد أن نعطي كلمة موجزة عن كل مذهب من هذه‬ ‫المذاهب الأربعة متبعين في ذلك الترتيب الزمني لحياة أصحابها‪.‬‬ ‫المذهب ا لحنفي‪: ‎‬‬ ‫‪١‬‬ ‫ينسب المذهب الحنفي إلى أي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي التيمي‬ ‫بالولاء‪ .‬عاش ما بين سنتي ‏‪ ٨٠‬و ‏‪ ١٥٠١‬ه‪ .‬نشا في الكوفة وإليها ينسب‪ .‬أخذ‬ ‫العلم عن عليا ئها من التابعين الميالين إلى الرأي المقلين من الرواية‪ ،‬والذين‬ ‫كانوا يستعملون عقولهم ويتحرون فييا ينقل إليهم من آثار‪ .‬ترك أبو حنيفة‬ ‫بصفة عامة‪ .‬أهمهم أبو‬ ‫تلاميذ مشاهير ليسوا أقل شهرة منه‪ ،‬أصلوا منهجه‬ ‫يوسف يعقوب بن إبراهيم الانصاري (‪١١٣‬۔‏ ‪)١٨٢‬وزفر‏ بن الهذيل بن‬ ‫قيس الكوفي ‏(‪ )١٨٥ _ ١١٠‬ومحمد بن الحسن الشيبانى ‏(‪ ١٣١‬‏‪٩٨١).‬۔‬ ‫‪ ٢‬المذهب المالكي‪: ‎‬‬ ‫يعود هذا المذهب كيا هو بين من نسبته إلى مالك بن أنس بن أبي عامر‬ ‫الأصبحي ‏(‪ _ ٩٣‬‏)ه‪ ٩٧١‬وهو من أهل المدينة‪ .‬تلقى العلم عن التابعين‬ ‫الذين استقروا بها‪ .‬يطغى على منهجه الفقهي طابع الرواية‪ .‬اشتهر عنه‬ ‫الاأحذ بعمل أهل المدينة الذي يتميز به عن غيره من الأئمة الفقهاء‪ .‬سار‬ ‫على منهج الإمام‪:‬مالك تلاميذه‪ :‬عبد الرحمن ابن القاسم ‏(‪.)١٩١_ ١٢٨‬‬ ‫‪_ ٤٦‬‬ ‫بن‬ ‫_ ‪ )١٩٧‬وأشهب‬ ‫بن مسلم ‏‪ ١‬لقرشي ‏(‪١٢٥‬‬ ‫وأبو محمد عبد الله بن وهب‬ ‫‏(‪ __ ١٤٠‬‏)ه‪ ٤٠٢‬وأسد بن الفرات النيسابوري‬ ‫عبدالعزيز القيسى العامري‬ ‫‏(‪.)٢٤٠_١٦٠‬‬ ‫‪ ٣‬المذهب الشافعى‪: ‎‬‬ ‫ينسب هذا المذهب إلى أبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي ‏(‪ ١٥٠‬۔‬ ‫‏‪ .)٠٤‬ولد في غزة‪ ،‬ونشأ في مكة وتعلم بهاء ثم انتقل إلى المدينة فأخذ العلم‬ ‫عن الإمام مالك ثم عمل باليمن‪ ،‬ومنها انتقل إلى العراق حيث تلقى علم‬ ‫أهلها على يد محمد بن الحسن تلميذ أي حنيفة‪ .‬ومن العراق سافر إلى مصر‬ ‫فدرس بها واشتهر مذهبه فيها‪.‬‬ ‫من تلاميذه أبو يعقوب يوسف بن يحيى البوطي (‪ _ ....‬‏‪ )٢٣ ١‬وأبو‬ ‫إبراهيم إسماعيل ابن يحي ‏(‪ )٢٦٤ ١٧٥‬والربيع بن سلييان بن عبد الجبار‬ ‫‏(‪ _ ١٧٤‬‏‪_).‬ه‪٠٧٢‬‬ ‫امرا دي‬ ‫‪٤‬المذهب الحنبلى‪: ‎‬‬ ‫ينسب هذا الاتجاه الفقهي إلى المحدث أحمد بن حنبل بن هلال‬ ‫الشيباني ‏(‪ )٢٤١-١٦٤‬من أهل بغداد‪ .‬تعلم على رجال عصره كسفيان بن‬ ‫عيينة والشافعي‪ .‬اشتهر بعنايته بالحديث النبوي‪ .‬وكانت قضية خلق القران‬ ‫دعاية كبيرة له‪ .‬من تلاميذه المباشرين أبو يعقوب إسحاق التميمي المروزى‬ ‫(ت ‪٢٥١‬ه)‏ وأبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الخراساني الملقب بالأثرم (ت‬ ‫‏‪). ٢٧٢‬‬ ‫‪_ ٤٧‬‬ ‫المذاهب المندثرة أو المنقرضة ‪:‬‬ ‫يوجب علينا الوفاء العلمي‪ ،‬ونحن في صدد الحديث عن الاتحباهمات‬ ‫الفقهية المختلفة‪ ،‬أن نعطي ملخصا عن فضل وعمل مجتهدين كان لهم أثر‬ ‫كبير في الفقه الإلسلامي‪ ،‬لا ينتمون إلى واحد من المذاهب المذكورة آنفا وإنما‬ ‫كانوا أنفسهم أئمة لمذاهب مستقلةا لم يكتب لها الانتشار كيا كتب لغيرها‬ ‫لأسباب عدة‪ :‬سياسية وغير سياسية‪ .‬فمنهم من اثر البعد عن السلطان‬ ‫فحرم نفسه الشهرة والإعلام الرسمي ومنهم من انعزل عن الناس فلم‬ ‫يلتف حوله التلاميذ والأتباع‪ ،‬أو كانت النظرة الخاصة لبعضهم في التفريع‬ ‫والاستنباط مختلفة عيا كان مألوفا بين الفقهاء ومنهم من ظهر على الساحة‬ ‫الفقهية متأخرا زمنيا بعد أن توزع إنتياء الأمة إلى المدارس التي سبق ذكرها‪.‬‬ ‫وقد حكمنا على هؤلاء بتلك المكانة من خلال ما وصلنا من مؤلفاتهم‬ ‫الفقهية أو من خلال الروايات المنسوبة إليهم‪ ،‬والنقول التي حوتها كتب‬ ‫غيرهم‪ .‬ونذكر من هؤلاء وبالترتيب التاريخي‪:‬‬ ‫‪ _ ١‬مذهب الأوزاعى أي عمرو عبد الرحمن بن محمد‪). ‎‬ه‪٧٥١‬۔‪(٨٨-‬‬ ‫انتشر مذهبه في الشام والأندلس ثم تراجع أمام المذهبين الشافعي‪‎‬‬ ‫والمالكي‪‎.‬‬ ‫‏‪ _ ٢‬مذهب الثورى المنسوب لأبي عبدالله سفيان بن سعيد الشوري‬ ‫الكوفي (‪-٩٧١‬۔‪١٦١‬ه)‪.‬‏‬ ‫‏‪ _ ٢‬المذهب الظاهري نسبة لأبي سلييان داود بن علي بن خلف‬ ‫الأصبهاني (‪٢٧٠_٢٠٢‬ه)‏ نشأ المذهب وعاش في العراق‪ .‬تقلص في‬ ‫المشرق وفقد الأتباع حتى جاء القرن الخامس فتبناه ابن حزم (‪٣٨٤‬۔‏‬ ‫‏‪ ٤٦‬ه) وبعثه في الأندلس فألف فيه كتب الأصول والفروع‪ ،‬من أهمها‬ ‫‪_ ٤٨‬‬ ‫الاحكام في أصول الاحكام في أصول الفقه‪ ،‬والمحلي في الفروع الفقهية‪.‬‬ ‫‏‪ ٤‬مذهب الإمام الطبري نسبة للعالم المويسوعي أبي جعفر محمد بن‬ ‫ها)‪.‬‬ ‫جرير بن يزيد الطبرى (‪_٢٢٤‬۔‏‬ ‫اختلاف الفقهاء ‪ :‬حقيقته وأسيايه‪.‬‬ ‫ذكرنا فيما سبق عند حديثنا عن المذاهب الفقهية ‪ 5‬أن أسباب تعددها‬ ‫كثيرة‪ ،‬منها ما هو عقدي وسياسي ومنها ما يعود إلى المنهج التشريعي‬ ‫المعتمد من أصحاب هذا المذهب أو ذاك‪ .‬ولئن اتفق الجميع على اتخاد‬ ‫القرآن والسنة مصدرين للتشريع بلا خلاف بين أحد منهم باعتبارهما‬ ‫نقطتين محوريتين يدور حوا اجتهاد المجتهدين وتستمد منهيا بقية المصادر‬ ‫قوتها‪.‬‬ ‫ولئن رأينا منذ عهد الصحابة اختلافهم في الأأحذ بالرأي بين موسع‬ ‫ومضيق وأن التباين قد ازداد في عصر التابعين وتابعيهم‪ ،‬ثم بين مدرسة‬ ‫الحجاز التي تعتمد فقه الرواية‪ .‬ومدرسة العراق حيث أعطي العقل مزيدا‬ ‫من الحرية والاعتبار على حساب الرواية التي تتعامل معها بحذر لأسباب‬ ‫‪.‬‬ ‫أوجزنا الإشارة إليها‪.‬‬ ‫ومع تطور الحياة العربية الإسلامية وتبدد الحوادث أصبحت النصوص‬ ‫المحدودة غير كافية لتفطيتها من حيث الحكم الشرعي© فظهرت المصادر‬ ‫التبعية التي اختلف في الأخذ بها أصحاب المذاهب‪ .‬ففي حين اتخذ الأأحناف‬ ‫وغيرهم الاستحسان مصدرا تشريعيا‪ ،‬ثار على ذلك الشافعي واعتبره حكيا‬ ‫بالهوى‪ .‬وتفرد الإمام مالك باعتماد عمل أهل المدينة فأنكر عليه الآخرون‬ ‫ذلك‪ ،‬وقالوا ليس للمدينة فضل على غيرها من الأمصار فهي قد شهدت‬ ‫‪_ ٤٩‬‬ ‫من الأحداث ما يكفي لإلغاء ما حضيت به من امتياز على عهد رسول الله‬ ‫(يَلة)‪ .‬واعتبر الجمهور الإجماع مصدرا تشريعيا في حين أنكره البعض أصلا‬ ‫وقصره اخرون على جماعة ال البيت واخرون على إجماع الصحابة عموما‪،‬‬ ‫وقصره غيرهم على إجماع الخليفتين أو الخلفاء ‪ ..‬وكذا الأمر مع القياس‪ ،‬عمل‬ ‫به الجمهور وأنكرته الظاهرية والشيعة وقالوا إن اللإنسان عاجز عن إدراك‬ ‫العلل التي أقام الله عليها أحكامه في القرآن والسنة فتعذر عليه لذلك‬ ‫القياس وكذا اختلفوا في الاحتجاج بقول الصحابي فألحقه البعض بالسنة‬ ‫وقالوا‪ :‬لا يمكن للصحابي أن يحكم في قضية ما إلا بحكم سمعه أو بلغه‬ ‫عن الرسول (يَلة) ومن هنا قدمه هؤلاء على القياس واختار آخرون عدم‬ ‫الاحتجاج به لكون من حق الصحابي أن يحبتهد رأيه فيصيب ويخطىعء\ فيا‬ ‫روي عنه إن هو إلا اجتهاد من الاجتهادات ورأي من الآراء يمكن مخالفته‪.‬‬ ‫وما قيل من اختلاف حول ما سبق من مصادر يمكن أن يقال مع غيرها‬ ‫كالاستصحاب والاستصلاح (المصالح المرسلة) والعرف وشرع من قبلنا‬ ‫وسد الذرائع ‪...‬‬ ‫وإلى جانب هذه الأصول الكبرى فإن قضايا فرعية كثيرة كانت وراء‬ ‫ظهور تلك المذاهب بل وكانت وراء اختلاف المجتهدين في المذهب‬ ‫الواحد كيا كانت من عوامل توسع الفقه وثرائه‪ .‬ومما تجدر الإشارة إليه أن‬ ‫تعدد الآراء الفقهية ليس دائيا أمرا سلبيا بل بالعكس من ذلك فإنه يعتر‬ ‫إحدى الايجابيات إذ يمكن أن يكون ذلك تيسيرا على السلطة التشريعية‬ ‫المحايدة أن تختار من تلك الآراء ما يكون مناسبا للأوضاع عبر الزمان‬ ‫والمكان دون الخروج عن الشرع الإسلامي‪ ،‬وعدم اضطرارها «لاقتراض»!‬ ‫تشريعات اجنبية وغريبة عن واقعنا وحضارتنا‪.‬‬ ‫ومن القضايا التشريعية المختلف فيها بين المجتهدين © بعد إجماعهم على‬ ‫الاحتجاج بالنص قرآنا كان أو سنة ثابتة‪ ،‬مسألة القراءات كحكم الشاذ منها‬ ‫وأثرها في الاجتهاد وكذا القراءات المشهورة‪ .‬ويأ الخلاف في السنة من‬ ‫جوانب عدة كأن لا يطلع المجتهد على حديث اطلع عليه غيره أو يشك في‬ ‫نسبته إلى رسول الله (يلة) في حين يطمئن إليه آخر‪ .‬أو أن يشترط في الرواية‬ ‫شروطا لا يراها آخرون‪ .‬فالشيعة مثلا يشترطون في صحة الحديث والاعتداد به‬ ‫أن يكون رواته من آل البيت‪ ،‬ويلحقون بالسنة أقول الأئمة الذين يعتقدون‬ ‫عصمتهم في حين يخالفهم في كل ذلك جمهور المسلمين الذين يؤمنون بأن‬ ‫الشريعة أمانة في يد مجتهدي الأمة‪ ،‬واجبهم المحافظة عليها‪ .‬ومن أسباب‬ ‫الخلاف أيضا ورود حديثين متعارضين فيختلف المجتهدون في مسألة النسخ‬ ‫بسبب اختلافهم في تاريخ ورود النصين‪ ،‬فتثبت عند بعضهم أقدمية هذا‬ ‫النص عن غيره ‪ ،‬ويذهب غيرهم إلى خلاف ذلك‪ .‬ونؤكد دائيا أن ذلك كله‬ ‫معقول جداء وأنه اختلاف لا يفسد للود قضية؛ فذلك راجع إلى أن التدوين‬ ‫جاء متأخرا خاصة فييا يتعلق با لمسائل الجزئية‪.‬‬ ‫وإضافة إلى ما أوردناه من أسباب الخلاف فييا يتعلق بالنص من حيث‬ ‫الحجية فإن الكثير منه واقع بسبب الاختلاف في دلالة الألفاظ على الأحكام‪.‬‬ ‫فلحكمة أرادها الله تعالى ۔ ولعل فيها تكمن قابلية الفقه الإسلامي للتطور‬ ‫والبقاء‪ ،‬أن جعل الله عز وجل الألفاظ العربية التي صيغت بها الشريعة‬ ‫قرآنا كانت أو سنة متفاوتة الدرجات في دلالتها على المعاني والأحكام؛‬ ‫فمنها النص والظاهر والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم" ومنها ما أطلق‬ ‫على حقيقته ومنها ما أريد به المجاز‪ .‬وتدخل تحت هذه الموضوعات قضايا‬ ‫ومسائل عدة بحثها الأصوليون‪ ،‬وبينوا الأقوال المختلفة في الاحتجاج بها‪.‬‬ ‫‪_ ٥١‬‬ ‫وكيا يختلف اللفظ في الدلالة على معناه أو معانيه فإنه يختلف في دلالته على‬ ‫شمول أفراده أو عدم شمولا فينقسم إلى عموم وخصوص ومطلق ومقيد أو‬ ‫قد يرا ‏‪٥‬‬ ‫‪ ...‬فيا يراه هذاا لمجتهد لفظا أر يد به ‏‪ ١‬لعموم‬ ‫عدة‬ ‫بن معا ف‬ ‫مشترك‬ ‫غيره مفيدا للخصوص لأن القضية تعتمد على القرائن وهي ليست دائيا‬ ‫واضحة ولا مصرحا بها‪ .‬ومثل ما ذكرنا‪ 5‬فقد اختلف في صيغتي الأمر والنهي‬ ‫من حيث دلالتهيا على الحكم التكليفي في حالتي التجرد عن القرائن أو‬ ‫وجودها‪ ...‬كل هذا وغيره كثير محله وموضعه المطولات الأصولية تركناه‬ ‫خوف الإطالة فطبيعة عملنا الاختصار وإلقاء الضوء على معالم الطريق‪.‬‬ ‫ما‬ ‫نوجز‬ ‫وني ختا م عرضنا للوضع ‏‪ ١‬لتشريعي في دور ‏‪ ١‬لنمو وا لعطاء‬ ‫عرضنا من أن فقهاء هذا الدور قد انطلقوا مما وصلهم من فقه الصحابة‬ ‫والتابعين ثم استفادوا من العلوم الشرعية المساعدة التي أنتجها هذا الدور‬ ‫وغيرها من مناهج العلوم الأخرى ومضامينها ومن هنا نشأت المذاهب‬ ‫‏‪ ١‬لفقهية وتبلورت واكتملت معا مها ‪ .‬وي هذاا لعهد كان نشاط ا لمجتهد ين‬ ‫قائيا على اعتياد أصول الشريعة الأصلية والتبعية بكل حرية‪ ،‬بعيدا عن‬ ‫التقليد‪ .‬وقد عرفت المساجد وغيرها حلقات علمية ومناظرات فقهية تولد‬ ‫عنها تشكل الأصول الفقهية التي اعتمدها المجتهدون في مناظراتهم‬ ‫ومحاوراتهم فدونت تلك الأنشطة‪ ،‬وظهرت أهم المصنفات في الأصول‬ ‫والفروع التي ستكون منطلقا للعمل في الدور اللاحق‪ .‬ولا داعي من أن‬ ‫نسرد قوائم مؤلفات ذلك العهد فقهية كانت أو أصولية لمختلف المذاهب‬ ‫فقد تكفلت فهارس المكتبات بذلك‪.‬‬ ‫_ ‪_ ٥٢‬‬ ‫تالتا ‪ :‬دور الركود‬ ‫بدأت مع مطلع القرن السادس الهجري‪ ،‬الصراعات السياسية الداخلية‬ ‫والخارجية‪ .‬وكذا الاضطربات الاجتياعية‪ ،‬إضافة إلى عوامل أخرى تنهك‬ ‫العالم الإسلامي ظهرت آثارها على كل المستويات بيا فيها الحياة الفكريةء‬ ‫ومنها مجال الفقه والتشريع‪ .‬فقد بدأ معه الانحدار التدريجي نحو الضعف‬ ‫والركود والجمود واختلفت الصورة عيا عرفته القرون السابقة تماما‪ .‬فقد‬ ‫انطفاً نور الاجتهاد والاستقلالية النسبية‪ ،‬ودعا البعض إلى غلقه والاكتفاء‬ ‫بمجهود السلف بدعوى أنهم لم يتركوا شيئا للخلفؤ وما على هؤلاء إلا‬ ‫البحث فييا كتبه السابقون‪ .‬ومن هنا أصبح التشريع كغيره قائما على تقليد‬ ‫أئمة المذاهب وعليا ئها‪ ،‬فغاب الفقهاء وظهرت المتفقهة الذين أوقفوا‬ ‫حياتهم على خدمة كتب المذهب الذي يتبناه كل متفقه؛ فتجذر الفقه‬ ‫المذهبي واعتني به اعتناء خاصا\ فرتبت كتب السابقين بتقسيم أبوابها‬ ‫وفصولها‪ ،‬وعللت الأأحكام التي اجتهد الأئمة في استنباطها‪ ،‬وخرجت على‬ ‫أصول معتبرة مدعمة بالدليل وكثر الترجيح بين الأقوال في المذهب‬ ‫الواحد‪ ،‬وتحديد المصطلحات التي ترتب الأحكام من حيث قوتها من راجح‬ ‫ومرجوح وصحيح وأصح ومشهور ومعمول به ‪ ...‬وفي هذا الدور أ يضا اهتم‬ ‫رجال الفقه بنسخ كتب المذهب والعمل على نشرها والدعاية لها كيا تأصل‬ ‫بسبب كل ذلك التعصب المذهبي بين أهل العلم الذي أدى إلى مزيد من‬ ‫الفرقة بين المسلمين؛ وقد شجعت على ذلك المناظرات الفقهية المذهبية‬ ‫المدفوعة بحب الغلبة والحط من مكانة «الخصم المزعوم'‪ ،‬دون إدراك منهم‬ ‫أن هذا الصنيع إنما هو حرب على العلم نفسه‪ .‬ولعل من الإيجابيات القليلة‬ ‫لتلك المناظرات ظهور كتب الفقه المقارن التي تبين نقاط الاتفاق والاختلاف‬ ‫_ ‪_ ٥٢٣‬‬ ‫بين العلياء المجتهدين‪ .‬وعلى إثر هذا ظهرت أيضا كتب علم الخلاف واعتني‬ ‫بكتب الأصول‪ .‬ولقد كان من اهتمامات متفقهة هذا الدور الحفظ الجاف‬ ‫على تدريس‬ ‫العلم يقتصر الشيخ‬ ‫وحلقات‬ ‫وني ‏‪ ١‬لمدارس‬ ‫مذاهبهم‪.‬‬ ‫لكتب‬ ‫كتاب معين لا يخرج عنه إلا نادرا‪ .‬وفي ميدان الكتابة شغل الناس أوقاتهم‬ ‫باختصار المؤلفات السابقة‪ ،‬وصياغة الفقه في عبارات وألفاظ موجزة إلى حد‬ ‫المسخ والإلغازن سميت هذه المختصرات «متونا» ‪ 5‬وقد تصاغ نثرا أو نظياء‬ ‫ثم يعود المختصر لها أو غيره بالشرح وكشف الألغاز ثم يأتي من يشرح‬ ‫الشرح فيطلق على عمله اسم هالحاشية» ثم يأتي من يعلق على «الحاشية»‬ ‫ويسمى صنيعه «تقريرا»‪ .‬إن الصورة البائسة التى قدمناها عن الفقه‬ ‫والتشريع ما هي إلا تعبير صادق لواقع الأمة في تلك العهود‪ ،‬لآن الأوضاع‬ ‫السياسية والإجتماعية المتدهورة لا يمكن فها إلا أن تثمر فكرا هزيلا في أي‬ ‫جال من مجالاته‪.‬‬ ‫وللإنصاف يجب أن ننبه إلى أن الدور الرابع من أدوار التشريع لم يكن‬ ‫لذلك العهد‪ ،‬ومن العدل أن نسجل ما هو إيجبابي‪ ،‬رغم محدوديته‪ ،‬فقد ظهر‬ ‫فيه علياء بارزون ثاروا على التقليد وحاولوا التجديد ورفضوا فكرة غلق‬ ‫باب الاجتهاد‪ ،‬وتركوا لنا آثا را رفعت من منزلتهم‪ ،‬وجعلتهم لا يقلون مكانة‬ ‫عن فقهاء العصر الذهبي؛ والأمثلة على هذا ‪ ،‬في كل المذاهب©‘ ليست نادرة‬ ‫وإن لم تكن كثيرة‪ .‬ومن فضل هذا الدور على الفقه أن تولى علماؤه تبليغنا‬ ‫أقوالا واراء فقهية لم يكتب لمؤلفات أصحابها أن تصل إلينا كما حافظوا على‬ ‫كتب كثيرة ضاعت نسخها الأصلية أو القريبة من عصر صاحبها؛ ولاريب‬ ‫أن هذا العمل في حد ذاته ليس خاليا من كل فضل أو جهد‪.‬‬ ‫_ ‪_ ٥٤‬‬ ‫رابعا ‪ :‬دور البعث والتجديد‪.‬‬ ‫مع بدايات القرن الثالث عشر الهجري" أفاق المسلمون من سباتهم‬ ‫الطويل على وضع عالمي جديدا يلخصه ضعف مادي وفكري لدى‬ ‫المسلمين‪ ،‬مقابل سيطرة أوروبية على مقدرات العالم الإسلامي في المجالات‬ ‫كلها‪ .‬فحرك هذا الوضع في بعض الرجال المخلصين‪ ،‬ممن وهبهم الله القدرة‬ ‫على التغيير والإصلاح الشعور بواجب الثورة على الوضع المتردي لإعادة‬ ‫الأمور إلى نصابها في كل مجالات الحياة بيا فيها الفقه والتشريع‪.‬‬ ‫التفت الفقهاء وأهل القانون من المسلمين إلى تراثهم التشريعي‪،‬‬ ‫فأدركوا أنهم يملكون ثروة كبيرة وغنية وأصيلة إلا أنها تفتقد إلى التنظيم‬ ‫والتيسير مما جعل الاستفادة منها أمرا صعبا مقارنة بما لاحظوه من تنظيم‬ ‫قانوني في بلاد الغرب‪ .‬وما من ريب أن الصحوة الفكرية _ وهي ثمرة عوامل‬ ‫عدة _ أصبحت لا تمانع من الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى فيما يتعلق‬ ‫بالشكل وما لا علاقة له بالعقيدة والمبدإ‪ ،‬ومن هنا نشأت فكرة العناية‬ ‫بالثروة الفقهية على أسس جديدة تبعث فيها روح التجديد‪ ،‬وتنقلها من واقع‬ ‫النظريات في الكتب والمجلدات إلى واقع العمل والتطبيق‪ ،‬من خلال‬ ‫التقنين وتجديد الصياغة وبعث المنظيات الخاصة بالفقه‪.‬‬ ‫الققه‪: ‎‬‬ ‫‪- ١‬تقندن‬ ‫اء والأقوال الفقهية في عبارات مختصرة وواضحة‬ ‫ويقصد به صياغة الآر‬ ‫على شكل قواعد ومواد مرقمة يأخذ بعضها برقاب بعض بحيث يسهل على‬ ‫القاضي الرجوع إليها واعتمادها في إصدار أحكامه‪.‬‬ ‫‪_ ٥‬‬ ‫‏‪ ٢‬۔صداغة الفقه صياغة جديدة‪:‬‬ ‫لاحظ المجددون أن اللغة القديمة التي كتب بها الفقه لم تعد في مجملها‬ ‫مفهومة لدى القارىء العادي بل والمتخصص أحيانا خصوصا مصنفات‬ ‫الدور الثالث من أدوار الفقه‪ ،‬فتحملوا مسؤولية إعادة كتابته وفق خطة تقوم‬ ‫على حسن العرض وسهولة الألفاظ وبساطتهاء مع البعد عن الخلاف‬ ‫والاكتفاء بالقول الذي يراعي الواقعية والتيسير من مجمل الأقوال الواردة في‬ ‫المسألة مالم يكن شاذ اغريبا‪.‬‬ ‫وظهر التجديد‪ .‬في التأليف الفقهي‪ ،‬من خلال دراسة مواضيع مستقلة‪.‬‬ ‫تعرض عرضا علميا قائما على المقارنة الفقهية والقانونية مع النقد والترجيح‬ ‫بعيدا عن التشنج والتعصب‪ .‬ولم يكتف مجتهدو هذا العهد بإعادة كتابة‬ ‫الفقه بأسلوب العصر وإنيا تعرضوا للقضايا المستحدثة في شتى المجالات‬ ‫من اقتصاد اجتياع وطب وسياسة‪ ...‬مما فرضته المدنية الحديثة على الناسك‬ ‫وحاولوا أن يكشفوا عن حكم الشرع فيها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا‪.‬‬ ‫‪ ٣‬الموسوعات الفقهية‪: ‎‬‬ ‫يقصد بالموسوعةً أو دائرة المعارف كيا يسميها البعض© شكل من‬ ‫أشكال التأليف الجماعي تستوعب فيه المادة العلمية بطريقة موجزة تتعلق‬ ‫بشعبة من شعب الفكر مرتبة ترتيبا أبجديا لا موضوعيا‪ .‬وهي طريقة‬ ‫مستعارة في شكلها دون مضمونها فقد عرف المسلمون التأليف الموسوعي‬ ‫منذ أواخر العصر الذهبي ومن خلال الفقه المذهبي والمقارن‪ ،‬جاءت في‬ ‫شكل مطولات استوعبت كل مسائل الفقه وهي ليست بالقليلة‪.‬‬ ‫وللتمثيل يمكن أن نذكر المصنف وبيان الشرع والضياء وقاموس‬ ‫‪_ ٥٦١‬‬ ‫الشريعة‪ ...‬في المذهب الإباضي كي أن لبقية المذاهب موسوعاتها أو‬ ‫مطولاتها الخاصة بها‪.‬‬ ‫وتظهر أمية الموسوعات الحديثة في أنها عمل جماعي من أهل المعرفة‬ ‫والاختصاص ترعاها لجان إشراف ومتابعة لتخرج على وجه مرضي من‬ ‫حيث تقصي الحقائق وعرضها بإيباز غير محل بعيدا عن الخلافيات‘ مع‬ ‫الإحالة على المصادر والمراجع المعتمدة لمن أراد التوسع والاستزادة‪ ،‬مع‬ ‫المحافظة على الأمانة العلمية ما أمكن‪ .‬ومن هنا كانت الموسوعة الفقهية‬ ‫شكلا من أشكال التجديد في الفقه‪.‬‬ ‫وقد شجع بعض المهتمين ببعث الدراسات الفقهية وتحبديدهاء على‬ ‫فكرة الموسوعات هذه‪ .‬وبيا أن مثل هذا العمل تحتاج إلى نفقات مالية كبيرة‬ ‫يعجز عنها الأفراد‪ ،‬فقد تبنت بعض الجحامعات الحكومية أو الحكومات‬ ‫نفسها مثل هذه المشاريع فبدأ التطبيق في جامعة دمشق ثم في مصر‬ ‫وحاولت جامعة الكويت أن تنافس إلا أن المحاولات الثلاث تعثرت مرارا‬ ‫لأسباب نفسية وسياسية‪ ،‬فلم تظهر إلى حد اليوم موسوعة متكاملة تكون‬ ‫مرجعا معتبرا ومعترفا به لدى الجميع‪ .‬وإذا أريد هذا المشروع أن يرى النور‬ ‫وأن يفيد يجب أن يترفع به عن النظرة الضيقة مهيا كانت وأن تتوقف‬ ‫«الموسوعات الضرارا‪.‬‬ ‫_ ‪٥٧‬‬ ‫الفصل النالث‬ ‫نشأة الفقه الإباضي‬ ‫ه الجذور التاريخية ‪ :‬الإمام جابر بن زيد‬ ‫ه آثار الإمام جابر الفقهية‬ ‫ه منهجه الفقهي‬ ‫ه الفقه الإباضي في البصرة بعد الإمام جابر‬ ‫ه الآثار الفقهية لعلماء البصرة‬ ‫الفصل التالث‬ ‫نشاة الفقه الإيباضى‬ ‫الجذور التاريخية ‪ :‬الإمام جابر بن زيد‬ ‫يتحتم علينا ونحن نقدم عملنا المتواضع هذا عن التشريع الإسلامي‪.‬‬ ‫من وجهة نظر إباضية\ أن نجيب عن جملة من التساؤلات التي يمكن أن‬ ‫تنير لنا الإجابة عنها السبيل الذي سنسلكه للوصول إلى غايتنا‪ .‬فيا همى‬ ‫الجذور التاريخية هذا الاتجاه الفقهي؟ كيف نشأ وكيف تتطور؟ وما هي‬ ‫حقيقة المنهج الذي اعتمده فقهاء المذهب وبمجتهدوه لإقامة هذا الفقه؟‬ ‫وهل بينهم وبين بقية المذاهب الإسلامية تشابه واتفاق أو تنافر وافتراق؟؛‬ ‫ثم هل بالإمكان أن نعرض مصادر الفقه الإباضي التي تعرف بمستواه‬ ‫وتصحح المفاهيمإ وتضع الحقائق في أماكنها؛ وأخيرا تساعد الباحثين على‬ ‫الاتصال بها ودراستها وتقييمها؟ ‪.‬‬ ‫إن مناقشة هذه المسائل المطروحة يمر ضرورة بالتعريف الموجز بالمذهب‬ ‫الإباضي نفسها وبمؤسسه الحقيقي‪ ،‬ذلك أنه لا يزال كثير من الباحثين‪ ،‬من‬ ‫غير الإباضية\ يعتقدون أن زعيم المذهب إنيا هو عبدالله بن إباض ولا‬ ‫يتصورون" بسبب التسمية طبعاء أنه التابعي أبو الشعثاء جابر بن زيد الذي‬ ‫أقر له الإباضية بالزعامة الفكرية والروحية بل لم يفكر أحدهم في غير ذلك‪.‬‬ ‫وقد قام الأستاد عوض خليفات نقلا عن الدكتور النامي بتحقيق الموضوع‬ ‫وأثبت صحة وجهة نظر الإباضيةا وبين الأسباب التي أت إلى هذا‬ ‫الاضطراب والتي هي أسباب سياسية حركية من جانب الإباضية\ ونفسية‬ ‫من جانب مخالفيهم إذ لا يستقيم ‪ ،‬في نظر هؤلاء‪ ،‬أن يكون جابر بن زيد‬ ‫‪_ ٦١١‬‬ ‫المشهود له بالثقة والعلم والورع إماما لفرقة «خارجية» حسب رأيهم" إلا أن‬ ‫ابن حزم الظاهري (ق ‪٤‬ه)‏ أشار إلى الحقيقة الثابتة وذكر أننا «لا نخرج من‬ ‫جملة العلماء من ثبتت عدالته وبحثه عن حدود الفتيا وإن كان مخالفا لنحلتناء‬ ‫بل نعتقد بخلافه كسائر العلياء ولا فرق كعمرو بن عبيد ومحمد بن اسحاق‬ ‫وقتادة بن دعامة السدوسي وشبابة بن سوار والحسن بن حيي وجابر بن زيد‬ ‫ونظرائهم وإن كان فيهم القدري والشيعي والإباضي والمرجىعء لأنهم كانوا‬ ‫أهل علم وفضل وخير واجتهاد رحمهم الله ‪ »...‬ولم تعجب هذه الحقيقة ناشر‬ ‫كتاب «مراتب الإجماع" فرد على كلام ابن حزم بأن «أبا الشعشاء جابر بن زيد‬ ‫البصري صحيح الحديث عند الجماعة إمام في الفقه باتفاق بعيد عن مذهب‬ ‫الخوارج!!! وهو من كبار أصحاب ابن عباس! فالمسألة في واقع الأمر لم تعد‬ ‫تحتاج إلى جدل عاطفي والنظر الموضوعي فيها يؤكد أن الإمام الحقيقي‬ ‫للمذهب وهو التابعي جابر بن زيد‪.‬‬ ‫عاش الإمام جابر جل حياته في البصرة إلا أنه كان كثير الترحال إلى‬ ‫الحجاز مكة والمدينة التي جاور فيها سنة كاملة إلى أن صار نبتة بصرية‬ ‫حجازية تتمتع بأحسن ما في البصرة من مميزات‪ ،‬وأفضل ما في الحجاز من‬ ‫خصائص؛ تأثر بهما جميعا‪ ،‬وكونت شخصيته الفكرية التي بوأته المكانة‬ ‫العالية عند أهل العقل وأهل النقل معا‪ .‬تعادلت جوانب شخصيته حتى‬ ‫استحق أبو الشعثاء‪ ،‬بجدارة‪ ،‬أن يكون إماما مذهب خاص على حسب‬ ‫تعبير النووي" وأن يوصف بأنه عالم عظيم‪ .‬ولا شك أن نشأة الإمام جابر في‬ ‫العراق" جعلت منه فقيها من فقهاء أهل الرأي؛ فقد نقل عنه أنه ممن يقول‬ ‫بالرأي‪ ،‬وأنه قائنس على الأصول مالم يجد نصا؛ وهذا أمر طبيعي فالرجل‪ ،‬إلى‬ ‫حد ماء ابن بيئته‪ ،‬ولا بد من أن يتأثر بيا فيها من فكر ومنهج‪ .‬وبالتالي فإنه‬ ‫‪٦١٢‬‬ ‫لابد للإمام جابر أن يستفيد من علم الصحابة الذين استقروا في العراق‬ ‫ولأسباب وجيهة كان علياء الكوفة والبصرة في أغلبهم من ذوي النزعة‬ ‫العقلية‪ ،‬فقد حمل ابن مسعود رضي الله عنه _ لواء مدرسة الرأي‪ ،‬ونهج‬ ‫يقة عمر بن الخطاب الذي كان يتعشقه ويعجب بارائه حتى روي عنه‬ ‫أنه قال‪ :‬إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم‪ .‬وإلى جانب ابن‬ ‫مسعود‪ ،‬كان أبو موسى الأشعري قد أقام في البصرة وكان يميل هو الآخر‬ ‫إلى الرأي‪ .‬وقد أقام بالبصرة ‪ 5‬بعد الصحابة‪ ،‬فقهاء كثيرون منهم عمر بن‬ ‫سلمة الجرمي‪ ،‬وقد أدرك النبي (يَثِة) ولأبيه صحبة\ وأبو مريم الحنفي‬ ‫وجابر بن زيد وهؤلاء لقوا أكابر الصحابة ‪...‬‬ ‫إن العنصر المؤثر في شخضية الإمام جابر أكثر من غيره إنما هو تتلمذه‬ ‫على الصحابي الجليل عبدالله بن عباس هذه الصحبة التي لم تكن في يوم من‬ ‫الأيام‪ ،‬موضع شك أو جدال‪ .‬وقد أحب الإمام جابر ابن عباس‪ ،‬فسلك‬ ‫منهجه الفكري‪ ،‬وتلقى عنه تفسير القرآن" فكان من علياء المسلمين العارفين‬ ‫به‪ ،‬واحتج بأقواله مجموعة من المفسرين وأشادوا بارائه ي هذا المجال‪،‬‬ ‫واعتمدت روايته لترتيب نزول القرآن الكريم‪ .‬وما من ريب أن ابن عباس في‬ ‫تعامله مع القران الكريم‪ ،‬كان ينحو منحى عقليا‪ ،‬وهذا واضح فييا نقل عنه‬ ‫من أقوال وآراء‪ ،‬أو ما قرره تلاميذه من بعده مثل مجاهد وعكرمة‪ ...‬ومن‬ ‫الطبيعي أن يتبع الإمام جابر المنهج نفسه وأن يكون للعقل في تفكيره بصفة‬ ‫عامة‪ ،‬وفي الفقه بصفة خاصة دور بارز وكان من الطبيعي أيضا أن يستعمل‬ ‫ابن عباس عقله في النصوص ولا يقف عند ظواهرها‪ ،‬بل كان يكلف نفسه‪،‬‬ ‫خلافا لابن عمر التفتيش عن معانيها؛ ومع ذلك لم يكن يعطي العقل أكثر‬ ‫ما يستحق من حرية‪ ،‬فقد كان مبغضا للفقه الافتراضي حتى أنه يروى عنه‬ ‫_ ‪_ ٦٣‬‬ ‫قوله لعكرمة‪ :‬اذهب فافت الناس وأنا لك عون‪ ،‬فمن سألك عيا يعنيه‬ ‫فافته‪ ،‬ومن سألك عيالا يعنيه فلا تفته»‪ .‬وقد كان ابن عباس ذا شخصية‬ ‫مستقلة‪ ،‬فكثيرا ماكان يخالف اجتهاد عمر كيا فعل في إنكار وقوع الطلاق‬ ‫الثلاث بلفظ واحد في الوقت التي كان عمر يفتي به‪.‬‬ ‫لقد انتقلت هذه الخصائص كلها‪ :‬العناية بالقرآن © استعمال العقل‬ ‫واستقلال الشخصية إلى الإمام جابر فهيأته ليكون إماما مذهب مستقل‪.‬‬ ‫وهذا اما يفسر تبني الإباضية‪ ،‬في عصر التدوين‪ ،‬لأهم اراء ابن عباس‬ ‫الفقهية‪ .‬وتفردوا بالأخذ ببعضها‪ ...‬فملامسة النساء على سبيل المثال‘ هي‬ ‫الجياع وليس مادونه ومجرد لمس المرأة لا ينقض الوضوء؛ وأن لا ربا إلا في‬ ‫النسيئة‪ ...‬عند بعض فقهاء المذهب‪ ...‬إن هذا الاتفاق في كثير من المسائل‬ ‫يبين أن الإمام جابر كان ناقلا فقه أستاذه متبنيا لآرائه‪ ،‬بل اتخذ منهجه‬ ‫أساسا أقام عليه المذهب‪ .‬أشاد الإمام جابر بأستاذه واعتبره بحر العلوم‪.‬‬ ‫وأنه كان أعجز من أن يحوي ما عنده فقد دعاله الرسول (يَلة) بذلك العلم‬ ‫الغزير حتى تبوأ الذروة بين فقهاء الصحابة‪ .‬حفظ سنة رسول النه (يَلة) كيا‬ ‫حفظ القرآن الكريم وجمع إلى ذلك علم من تقدمه من كبار الصحابة‪.‬‬ ‫وكان من المكثرين من رواية الحديث‪.‬‬ ‫لم يكن المنحى العقلي الذي امتاز به عبدالله بن عباس العامل الوحيد‬ ‫في تكوين شخصية الإمام جابر وإنما كانت إقامته بالبصرة هي الأخرى من‬ ‫العوامل المؤثرة‪ .‬فالبصرة‪ ،‬والعراق عموما‪ ،‬موطن الرأي والتحفظ في‬ ‫استعمال الحديث‪ .‬ولكن هل يعني هذا أن الرجل كان واحدا من أهل الرأي‬ ‫بكل ما يعنيه التعبير من معنى‪ ،‬كيا هو الحال مع أي حنيفة‘ ومن قبله‬ ‫أستاذه إبراهيم النخعي{ بل وحتى عبدالله بن مسعود في الكوفة‪.‬‬ ‫‪_ ٦٤‬‬ ‫إن البحث\ في شخصية الإمام‪ ،‬يكشف أن استعيال العقل هو أحد‬ ‫العوامل المميزة لفكره وتفكيره وليس هو العامل الوحيد ذلك أن أبا‬ ‫الشعثاء كان رجل أثر فهو تلميذ ابن عباس أحد المكثرين من رواية‬ ‫الحديث كيا ذكرنا‪ ،‬وتلميذ السيدة عائشة التي كان يسألها عن كل شيء‬ ‫وخاصة عيا يتعلق بفقه النساء والعلاقات الزوجية‪ .‬وقد استفاد من مجاورته‬ ‫بالمدينة من ابن عمر واستفاد من توجيهاته فقد روي أنه قال له‪ :‬بلغني يا أبا‬ ‫الشعشاء أنك من فقهاء البصرة وإنك تستفتى فلا تفتين إلا بقرآن ناطق أو‬ ‫سنة ماضية فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت‪ .‬وقد كان عبدالله‬ ‫ابن عمر هذا من أقوى الشخصيات تأثيرا في مدرسة الحديث بالمدينة{ لا‬ ‫ولا يستعمل‬ ‫يأخذ بالرأي وإنيا يتتبع النصوص ويقف غالبا عند ظواهرهاء‬ ‫كثرة الجمع‬ ‫رأيه حتى فيما لانص فيه‪ .‬وكانت شخصيته العلمية بارزة في‬ ‫جابر العلم‬ ‫ودقة النقل لا كثرة الاستناط ولا وفرة الفتوى‪ .‬وقد تلقى الإمام‬ ‫عن «سبعين‬ ‫والحديث على غير هؤلاء‪ ،‬فقد نسب إليه القول أنه أخذ العلم‬ ‫بدريا» من صحابة رسول الله (َة) مما جعله يتبوأ مكانة عالية بين أعلام‬ ‫الحديث ويعتبر من أئمة السنة في البصرة بلا منازع‪ .‬فقد وثقه جميع نقاد‬ ‫الحديث وأجمعوا على عدالته‪ ،‬بل اعتبر من رجال أصح الأسانيد‪ .‬وبامتلاك‬ ‫الإمام جابر للحديث يكون قد خفف من غلواء النزعة العقلية في تفكيره‪،‬‬ ‫وعادل بين العقل والنقل‪ ،‬وبذلك يكون وإن تأثر بمدرسة العراق‬ ‫فاستخدم الرأي" إلا أنه تردد‪ ،‬كيا فعل تلميذه من بعده في استعيال‬ ‫القياس‪ ،‬فقد طبع فقهه با لآثار التي رواها عن أساتذته في الحجاز‪.‬‬ ‫ولا ننسى قبل أن نختم حديثنا عن الإمام جابر أن نبرز بعض خصائصه‬ ‫النفسية التي بوأته المكانة التي وصل إليها‪ .‬فقد كان‪ ،‬مثل صديقه الحسن‬ ‫_ ‪٦٥‬‬ ‫البصري" زاهدا في الحياة‪ ،‬يعطي التقوى أمية كبيرة في صلاح الفرد‬ ‫والمجتمع‪ .‬وأن رسائله السبعة عشر التي بين أيديناء والتي أجاب بها عن‬ ‫أسئلة جاءته من بعض أصدقائه المعجبين به‪ ،‬ومن تلاميذه أيضا تؤكد هذه‬ ‫النقطة؛ فالمسلم عنده تقي أولا يكون‪ .‬ولاشك أنه كان من أكثر الناس‬ ‫التزاما بما يدعو إليه‪ ،‬ومواقف معاصريه منه شاهدة على ذلك‪.‬‬ ‫ضبط الإمام جابر أفكاره بمراجعة الصحابة الباقين على قيد الحياة‬ ‫والتابعين المشهورين وكان الحلقة الأساسية بين أتباع هذا المذهب وبين‬ ‫أولئنلك الصحابة الذين كان لهم الدور الرئيسي في تكوين ونقل الآراء في‬ ‫المسائل المتعلقة بالعبادات والأحكام‪.‬‬ ‫في سنة ‏‪ ٩٣‬للهجرة النبوية توفي أبو الشعثاء بعد أن ترك المعالم الكبرى‬ ‫لتفكيره عامة\ والفقهي خاصة بارزة‪ :‬القرآن والسنة والرأي المتمثل في‬ ‫الإجماع والقياس في أجلى صوره واعتبار المصلحة التي لم يرد في موضوعها‬ ‫نص شرعي‪ .‬نعم" سنة مقيدة بضوابط أهل العراق ورأي تراقبه التقوى‬ ‫وخوف الله تعالى‪.‬‬ ‫آثار الإمام جابر الفقهية‪:‬‬ ‫ترك لنا الإمام جابر تراثا فقهيا مدونا‪ ،‬أو روايات عنه دونها تلاميذه‬ ‫من بعده؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تصطدم بمسألة التدوين نفسه في‬ ‫القرن الأول للهجرة‪ .‬فقد اختلف في ذلك أيما اختلاف© فذهب بعض إلى‬ ‫أنه «قبل القرن الثاني لم يكن هناك ما يمكن أن نطلق عليه بحال (حركة‬ ‫تدوين العلوم الدينية) بل كانت هناك مكتوبات قليلة جداء فيها شيء قليل‬ ‫من العلم لأسباب خاصة! ولم تدون" في عصر التابعين والصحابة من قبلهم‬ ‫‪_ ٦١٦‬‬ ‫فتاويهم وأقضيتهم‪ ،‬بل كانت تروى كيا تروى السنن وأوجه التفسير المختلفة‬ ‫ولقد وجدت فكرة تدوين الأحكام الفقهية في نهاية عصر بني أمية‪ .‬ويذهب‬ ‫البعض إلى أكثر من ذلك‘ فيرى أن عصر التابعين انقضى ولم يدون فيه‬ ‫شيء من الفقه كيا أن السنة هي الأحرى لم تدون بعد‪ ،‬وإن وجد شيء من‬ ‫ذلك فهي محاولات أولية فحسب‪.‬‬ ‫وإلى جانب هذا الاتجاه من إنكار التدوين في القرن الأول نجد اتباها‬ ‫آخر يقرره يوؤكده‪ .‬فقد استحضر معاوية بن أبي سفيان ‏(‪ )٦٠._ ٤١‬عبيد بن‬ ‫شرية الجرمي من صنعاء اليمن‪ ،‬وأمره أن يدون له أخبار الأمم المتقدمة‬ ‫وغيرها‪ .‬وكان صحار العبدي وهو خارجي في نظر ابن النديم‪ ،‬إباضي في‬ ‫كتب المذهب _ أحد النسابين‪ ،‬له من الكتب «كتاب الأمثال‪ .‬وقد رأى ابن‬ ‫النديم نفسه كتبا من هذا العهد‪ ،‬وفني جملتها مصحف بخط خالد بن أي‬ ‫الهياج" صاحب علي ورأى فيها بخط الإمامين الحسن والحسين‪ .‬وقال‪:‬‬ ‫«ورأيت أما نات وعهودا بخط أمبر المؤمنين علي عليه السلام‪ ،‬وبخط غبره‬ ‫من كتاب النبي (يَلة)‪.‬‬ ‫لقد تتبع أحمد أمين المراجع والمصادر حول المسألة‪ ،‬واستخلص منها‬ ‫شهادات تثبت أنه‪« :‬لما جاء عصر التابعين‪ ،‬ومن بعدهم قويت الحركة‬ ‫العلمية بسبب الفتوح ودخول الأمم المتحضرة في الإسلام‪ ،‬والحاجة إلى‬ ‫تشريع واسع يتفق وما أحدثته المدنية من أحداث‪ ...‬ويبدو أن فؤاد سزكين‬ ‫كان‪:‬أكثر تحمسا لفكرة تدوين العلوم منذ عهد الصحابة ‪ ،‬فعبدالله بن عباس‬ ‫قد كتب بنفسه تفسيره الذي رواه عنه تلاميذه‪ .‬ويرجع أقدم الكتب المدونة‬ ‫في الفقه والأمثال والمثالب والتاريخ وغير ذلك إلى النصف الآول من القرن‬ ‫الآول‪ ،‬واستبعد أن يقصز ابن عباس فيتدوين معارفه فقد حفظ تلميذه‬ ‫_ ‪_ ٦١٧‬‬ ‫كريب بن أي مسلم لديه حمل بعير من مؤلفات أستاذه‪ .‬وكان عبدالله بن‬ ‫عباس يكتب إليه من وقت لآخر راجيا أن يرسل إليه صحيفة لينسخها‪ .‬فإذا‬ ‫صحت هذه الآراء والنقول التي تثبت عملية التدوين في القرن الأول وخاصة‬ ‫ماجاء من أن ابن عباس نفسه‪ -‬وهو شيخ الإمام جابر _ قد دون علمه فلا‬ ‫شك أن تلميذه قد اقتدى به لشغفه الكبير بعلمه وفكره ومنهجه في الحياة‪.‬‬ ‫بل ثبت فييا يتعلق بالإمام جابر أنه قد دون علمه} فقد نسبت إليه المصادر‬ ‫الإباضية ديوانا جمع فيه ما أخذ معنلم عن شيوخه‪ ،‬وما روى عنهم من‬ ‫أحاديث رسول الله (يَلة)‪ .‬وقد أكد هذا الرأي حاجي خليفة في كتابه كشف‬ ‫الظنون وهو بلا شك لم يورد المعلومة من مصادر إباضية بل أتى بها من‬ ‫مصادره الخاصة ذلك أنه كان يجهل كل شىء تقريبا عن مدونات المذهب©‪٥‬‏‬ ‫ومن المؤسف أنه لم يذكر المصدر الذي استقى منه تلك المعلومة‪.‬‬ ‫ومما يؤكد أن الإمام جابر كان يدون العلم ما تركه لنا من رسائل كان‬ ‫يبعث بها إلى أصحابه في مسائل فقهية وغيرها سألوه عنها‪ ،‬وهي إجابات‬ ‫تصور إلى حد بعيد حقيقة فقهه خاصة وفكره عامة‪ .‬إلا أن الظاهر أن الجانب‬ ‫الأعظم من فقه الإمام جابر قد دونه عنه تلاميذه وأصدقاؤه من بعده ولا‬ ‫يستبعد أن يكونوا قد نسخوا بعضه من ديوانه قبل أن يضيعك إذ تذكر المصادر‬ ‫أن أبا عبيدة‪-‬وهو أشهر تلاميذه كان يحتفط بنسخة منه‪ .‬والمهم أن بين‬ ‫أيدينا ثروة معتبرة من فقه الإمام جابرث سواء كانت في شكل رسائل مستقلة‬ ‫أو أقوال وآراء مبشدوثة في كتب الفقه الإباضي أو غيره يمكن لها أن تعطينا‬ ‫صورة أقرب ما تكون إلى حقيقة منهجه الفقهي وأصوله التشريعية‪ .‬لقد طبع‬ ‫أغلب ما وجد من فقه الإمام من نسخ احتفظت بها المكتبات الإباضية ولكن‬ ‫بدون تحقيق علمي وإنما كان عملا أوليا‪ ،‬قصد منه توفير النص للمحققين‬ ‫‪_ ٦١٨‬‬ ‫والباحثين‪ .‬ومن هذا التراث‪:‬‬ ‫أ ) من جوابات الإمام جابر بن زيد‪ :‬أثبت نصها ورتبها الشيخ سعيد‬ ‫ابن خلف الخروصي‪ .‬وهي رسالة صغيرة في شكل سؤال وجواب حول‬ ‫مسائل فقهية متنوعة في العبادات والأنكحة والبيوع والآداب والأحكام‬ ‫والشهادات‪ ...‬وهي مجموعة روايات رواها أبو صفرة عبد الملك بن أي‬ ‫صفرة عن المتيم عن الربيع بن حبيب عن ضيام بن السائب عن جابر بن‬ ‫زيد وروايات حبيب بن أبي حبيب صاحب الأنماط عن عمرو بن هرم عن‬ ‫جابر بن زيد‪ .‬وجاءت كلا الروايتين © في أصلهيا‪ ،‬في رسالة مفردة على غير‬ ‫ترتيب موضوعي فرأى الناشر ترتيبها مهيا؛ فضم كل مسألة في بابها وجمعها‬ ‫مع أترابها‪ .‬وقد ضمت الرسالتان بالإضافة إلى أقوال الإمام جابر فتاوى‬ ‫عن أئمة السلف الصالح كالربيع بن حبيب‪ ،‬ومحبوب بن الرحيل ووائل بن‬ ‫أيوب وأي عبيدة الكبير‬ ‫ب ) فتاوى الإمام جابر‪ :‬وهي مجموعة فتاوى في النكاح وما يتعلق به‬ ‫جاءت على أسلوب‪ :‬سؤال _ جواب ۔ والحوار‪ :‬قال ‪ -‬قلت ‪ ،‬أو ساعات‬ ‫وأخبار‪ :‬سمعت وأخبرني‪ .‬وقد طبعت هذه الفتاوى مع الرسالتين‬ ‫السابقتين‪ ،‬في آخر كتاب الجوابات‪.‬‬ ‫منهج الإمام جابر الفقهي ‪:‬‬ ‫إن الجهود العقلية عموما تستلزم بالضرورة وجود طريقة في التفكير‬ ‫تختلف من اتجاه فكري إلى آخر‪ .‬قد تؤدي بأصحابها إلى نتائج محتلفة أو‬ ‫متفقة‪ .‬وتصوغ هذه الطريقة وتحددها عوامل النشأة والتكوين والاستعدادات‬ ‫الفردية‪ .‬إذ هذه الحقيقة ثابتة في الفقه أيضا على أنه شكل من أشكال العلوم‬ ‫‪_ ٦٩‬‬ ‫والمعرفة إذ أن الأحكام التي استنبطها الفقهاء المجتهدون لم تكن قائمة على‬ ‫مجرد التشهي والهوى‪ ،‬بل قامت على أسس منهجية محددة‪ .‬وإذا كان الإمام‬ ‫جابر كغيره من فقهاء عصره لم يدون مذكرات عن خطته التشريعية ‪ ،‬فإن‬ ‫ذلك لا يعني أنه كان جاهلا بتلك الخطة‪ .‬وبتتبعنا التراث الفقهي الذي‬ ‫تركه لنا الإمام جابر نلاحظ أنه قد اتبع خطة أساتذته من الصحابة في‬ ‫رجوعهم إلى مصادر التشريع‪ ،‬وني مبادئهم العامة التي راعوها في تشريعهم‪.‬‬ ‫وقد أشرنا إلى أن ابن عباس بكل ما يمتاز به" يأتي في أعلى قائمة الصحابة‬ ‫الذين تأثر بهم الإمام جابر ثم تأتي السيدة عائشة وابن عمر وغير هؤلاء ممن‬ ‫أخذ عنهم‪ .‬وبتتبع تاريخ التشريع الإسلامي العام ابتداء من عهد التابعين‬ ‫نلاحظ حصول بين بعض المجتهدين مناظرات واختلافات كانت تؤذن‬ ‫بظهور خطة أو خطط تشريعية‪ .‬ففي فقه الإمام جابر ما يدل على ذلك؛ فقد‬ ‫روى الإمام الربيع بن حبيب عن ضيام عن أبي الشعثاء أنه لم يربأسا أن‬ ‫يتخذ الحذاء من جلد الحيار الأهلي‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬لا بأس إذا كان‬ ‫مدبوغا‪ .‬فكيا هو ظاهر الكلام فإن أبا الشعثاء يذهب في المسألة & إلى‬ ‫الجواز المطلق" وقاعدته في ذلك أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يقوم‬ ‫الدليل على غيرها فالقول باستصحاب حال الأصل واحد من مصادره‬ ‫التشريعية‪ .‬وسئل الإمام جابر عن المسح على الخفين فمنعه‪ ،‬ني الوقت الذي‬ ‫أباحه الكثيرون ‪ ،‬ولعل حجته في ذلك أنه لم يصح عنده شيء في ذلك عن‬ ‫رسول النه (يية) أو أنه لا يقبل أن تعارض السنة نصا قرآنيا قطعيا‪ ...‬ومن‬ ‫ذلك أيضا أنه سئل عن إمرأة أدركت (بلغت) في شهر رمضان‪ .‬قال‪ :‬تصوم‬ ‫ما أدركت من الشهر ثم تقضي ما فاتها من أوله‪ ،‬وكذلك الغلام إذا أدرك‬ ‫والمشرك إذا أسلم‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬إنيا يصوم من يوم أسلم أو بلغ فقط ولا‬ ‫‪٧٠‬‬ ‫قضاء في شيء من ذلك‪ .‬والظاهر أن الإمام جابر اعتمد في حكمه ذاك على‬ ‫ظاهر الآية‪ :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه“» وجعل من شهد بعض‬ ‫الشهر كمن شهده كله‪ .‬وسئل عن رجل تزوج إمرأة ولم يفرض لها صداقا ثم‬ ‫مات؟ قال‪ :‬لا صداق هاء وعليها العدة ولها الميراث‪ .‬قال أبو علي‪ :‬إجماع‬ ‫من الفقهاء أن لها صداق نسائها أو من كان مثلها من أهل بيتها‪ .‬وروى في‬ ‫ذلك عن ابن مسعود أن لهما الصداق‪ .‬قال جابر‪ :‬لو نجد هذا عن ابن‬ ‫مسعود‘ عن ثقة{‪ 5‬أخذ نابه‪ .‬فهو لا يلزم الزوج بالصداق من غير دليل‬ ‫صحيح وصله عن النبي (يَتية)» فلا إلزام إلا بنص‪.‬‬ ‫وهكذا يتبين لنا‪ .‬من خلال تلك النماذج التشريعية أن أبا الشعثاء كان‬ ‫يفتي ويصدر الأحكام وفق مبادىء وأصول اقتنع بصحتها وصوابها‪ ،‬وظهر‬ ‫من خلالها غير متهيب من الرأي كل التهيب© ولا جريئا فيه كل الجرأة‪ ،‬كيا‬ ‫لم يكن يقبل من الحديث كل ما ينقله الناس‪ ،‬ولم يكن يرد منه ما صح عنده‬ ‫بل كان من أخشى الناس أن يعرض عن حديث رسول الئه (يَية) ليعمل‬ ‫برأيه‪.‬‬ ‫وإلى جانب تلك الإشارات السريعة حول الأصول التشريعية للإمام‬ ‫جابر فإننا نلاحظ في فقهه خصائص التشريع في عهد التابعين الذي ينتمي‬ ‫إليه‪ ،‬من إتساع دائرة الفقه وكثرة الخلاف في مسائله‪ ،‬والذي يعود في أكثره‬ ‫إلى ازدياد الحوادث بسبب اتساع رقعة البلاد الإسلامية واختلاف عادات‬ ‫أهلها وتقاليدهم والأحوال الاجتماعية والاقتصادية‪ ،‬ونمط العيش& وأسلوب‬ ‫الملعاملات‘ ودرجة المدنية فإن البصرة التي قضى فيها جابر جل حياته‬ ‫كانت نموذجا للمدينة الإسلامية الناشئة التي تموج فيها كل تلك الظواهر‪.‬‬ ‫فمن العادات أن إمرأة غاب عنها ابنها‪ ،‬فأتت إلى جابر بن زيد فقالت‪ :‬إنى‬ ‫‪٧١‬‬ ‫جعلت لثه علي يمينا إن هو جاء لألجعلن في بيتي سرورا ولا أنام ليلي حتى‬ ‫أصبح في لهو وحديث‪ ،‬وقد جاء‪ .‬فيا تأمرني؟ قال لها‪ :‬إنآيمرك أن تعمدي‬ ‫إلى هذه الليلة التي جعلت له فيها ما جعلت‪ ،‬فتقعدين في المسجد فتصلين‬ ‫وتذكرين الله وكفري عن يمينك‪ .‬ومن الأعراف والتقاليد أنه سئل عن رجل‬ ‫زوج ابنته على ألف درهم في خادم‪ ،‬وألف درهم في جهاز وألف درهم تركة‪.‬‬ ‫فبلغ ابنته فرضيت‪ ،‬وقالت لمآذن لأبي أن يترك شيئا‪ .‬قال‪ :‬ليس لها ذلك أن‬ ‫تترك ما صنع أبوها إذا كان ذلك صنيع أهل بلادها وهو جائز‪ .‬ومن المسائل‬ ‫التي تكلم فيها الإمام جابر ذات العلاقة بالبيئة البصرية كثرة قضايا المماليك‬ ‫والفقد وإسلام النصارى وحكم الأولاد إذا أسلم أحد الأبوين‪.‬‬ ‫ومما يلاحظ عند الإمام جابر أنه إذا اجتهد في مسألة\ ولم يتبين وجه‬ ‫الحق فيه‪ ،‬استشار من يثق فيه أمثال الحسن البصري أو أساتذته في الحجاز‬ ‫إن أمكنه ذلك‪ ،‬وإذا لم يمكنه ذلك أو لم يطمئن إلى اجتهاد من استشاره من‬ ‫المجتهدين توقف عن إصدار الحكم خشية أن يفتي الناس بخلاف الشرع‬ ‫فيقع في المحظور ‪ ،‬فمن لك قوله في رجل قال لإمرأته ‪ :‬فرجي على فرجك‬ ‫حرام‪ .‬قال‪ :‬لا تحرم عليه‪ ،‬ولا يكون طلاقا ولا أدري أجعل عليه كفارة يمين‬ ‫أم لاك بناء على قاعدته المستنبطة من حديث رسول الله (يَلْة) إن الأمور‬ ‫ثلائة‪ :‬أمر بان لك رشده فاتبعه‪ .‬وأمر بان لك غيه فاجتنبه‪ ،‬وأمر أشكل‬ ‫وإلى جانب هذاء فقد يتفق الإمام في بعض أحكامه مع بعض المجتهدين‬ ‫كالقول بأن العمرة لا تجوز إلا مرة في السنة‪ ،‬وهو الرأي الذي يذهب إليه‬ ‫زميله الحسن البصري‪ .‬وقد يتفرد بآراء ‪ .‬يتبعه فيها أصحابه من بعده‪ .‬فهو‬ ‫على سبيل المثال لا يرى تزويج الصبيان حتى يعقلوا لحديث بلغه عن النبي‬ ‫‪_ ٧٢‬‬ ‫(لة)‪ .‬وعندما احتج عليه السائل بفعله (ية) أجاب بأن ذلك من‬ ‫خصوصيته‪ .‬ومن الأقوال التي خالفه فيها جمهور أصحابه إجازة شهادة‬ ‫النساء في غير الزنا‪ .‬وقد وافقه على ذلك تلميذه أبو عبيدة من بعده‪ ،‬خلافا‬ ‫للكوفيين الذين لا يجيزون شهادة النساء في الحدود والقصاص‪ .‬وقد خالفها‬ ‫ابن عبدالعزيز الذي كان يأخذ برأي الجمهور في المسألة‪ ،‬ويقول فيه‪« :‬هو‬ ‫أعدل وأحسن من الأول وقد سكت صاحب شرح النيل عن الخلاف وقال‬ ‫إن شهادة النساء ترد في الحدود مطلقا‪ .‬ولم يكن أبو الشعشاء يتحرج من‬ ‫مخالفة شيخه ابن عباس فلم يوافقه في بينونة الطلاق بلفظ الثلاث‘ ذلك‬ ‫أن ابن عباس يراه طلقه واحدة خلافا لعمر بن الخطاب الذي يراه طلاقا‬ ‫بائنا‪ 5‬فلا تحل الزوجة لمطلقها حتى تتزوج غيره‪.‬‬ ‫ومن معالم منهج الإمام جابر التشريعية أنه لا يتعدى في فتواه حديث‬ ‫رسول النه (يَلْة) إذا بلغه صحيحا وكذا أقوال الصحابة‪ .‬فقد سئل عن إمرأة‬ ‫خطبت إلى وليها فبلغها ذلك فصمتت‪ .‬قال‪ :‬بلغنا عن النبي (يَلة) آنه قال‪:‬‬ ‫«إن المرأة تستأمر في نفسها فإن كانت بكرا فصمتت فذلك رضاها ونكاحها‬ ‫جائز وإن كانت ثيبا فعليها أن تنكر أو ترضى تكلم بذلك"‪ .‬قال‪ :‬وبلغنا‬ ‫عن عمر بن الخطاب أنه قال لأولياء النساء‪ :‬شاوروهن في أنفسهن ولا‬ ‫تقصروهن عن الكفء ‪...‬‬ ‫وباستقراء أقوال الإمام‪ ،‬يمكن أن تخرج بجملة من الملاحظات حول‬ ‫فقهه فهو‪:‬‬ ‫أ ۔ فقه ملتزم بالسنة ۔في مفهومها الواسع _ فعلى الرجل _ عنده أن‬ ‫يعيد ما خالف فيه السنة من صلاته إذ لا يستقيم للناس أمر ما خالفوا فيه‬ ‫السنة‪.‬‬ ‫‪٧٢٣‬‬ ‫ب ‪ -‬فقه مبني على العناية بالمقاصد والنيات‪ .‬فالمخطىع في التلبية‬ ‫األأوعكس ليس عليه من غلطه شيء‪.‬‬ ‫بالحج إذا لبى بالعمرة خط‬ ‫ج_ النظر إلى مقاصد الشرع في إصدار الحكم‪ .‬فقد روى عمرو بن‬ ‫هرم أن جابر بن زيد سئل عن المرأة تحمل الصبي ثم تمس ذكره وقد‬ ‫توضأتڵ فهل عليها الوضوء؟ قال‪ :‬لاؤ لأن الصبي ليس كالرجل‪.‬‬ ‫د_۔اعتبار الضرورة بقدرها‪ .‬فقد سئل عن الصلاة في السفينة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫يقوم ما قدر على القيام؛ فإذا لم يستطع القيام فليصل قاعدا‪.‬‬ ‫ه۔استعيال الرأي والقياس ني أبسط صوره إلا أنه لم يكن يسمح بأن‬ ‫تدون آراؤه إلى جانب القرآن والسنة وآراء الصحابة مخافة الاختلاط‪ .‬ذكر‬ ‫الربيع بن سليم بن عبيد قال‪ :‬قلت لأبي الشعشاء إن أبي منعني أن أحج‬ ‫الفريضة فيا تقول؟ فقال أبو الشعشاء ‪ :‬فكم الصلوات؟ قلت‪ :‬خمس‪ .‬قال‬ ‫جابر أخبرني لو نهاك أن لا تصلي واحدةس أكنت تاركها؟ قلت‪ :‬لا‪ .‬قال‪ :‬فحج‪.‬‬ ‫و ۔ سد الذرائع‪ .‬فقد روى الربيع بن حبيب عن جابر بن زيد أنه كره‬ ‫أن تلبس المحرمة القرط والسوار‪.‬‬ ‫ز۔الميل إلى التعليل تعليلا عقليا‪ .‬من غير تعسف وقد رأينا كيف أنه‬ ‫فرق بين الصبي والرجل في انتقاض الوضوء وعدمه بمس الذكر إذ العلة‬ ‫عنده احتيال وجود اللذة‪.‬‬ ‫ح_ تعدد الأقوال في المسألة الواحدة أحيانا‪.‬‬ ‫ط _ الاستدلال بفعل الصحابة } فقد بلغه عن عائشة أم المؤمنين" لما‬ ‫قتل طلحة‪ .‬انطلقت بأختها أم كلثوم فاعتدت عندها في بيتها مستدلا‬ ‫بذلك على جواز اعتداد المرأة فى غير بيت زوجها‪.‬‬ ‫هذه بعض الملاحظات التي حاولنا استخلاصها من فقه الإمام جابر‬ ‫‪٧٤‬‬ ‫إليه من آراء ‪ .‬والقراءة‬ ‫وما نسب‬ ‫من مجرد قراءة سريعة ‪ 11‬روي عنه من أقوال‬ ‫المتفحصة والعميقة لفقهه تمكننا من استنباط المزيد من الأصول والملامح‬ ‫التي تصور أكثر حقيقة فقه الإمام أبي الشعثاء‪.‬‬ ‫الفقه الإباضي في البصرة بعد الإمام جابر بن زيد ‪:‬‬ ‫توي الإمام جابر بن زيد سنة ثلاث وتسعين للهجرة على أرجح الأقوال‪.‬‬ ‫بعد أن أتم تبذير الأصول العقدية والفقهية للجياعة التي عمل على تكوينها۔‪.‬‬ ‫في صمت بعيدا عن العيون الأموية‪ ،‬التي تعامل معها بحكمة السياسي العليم‬ ‫ببواطن الأمور لما علم أنها تضرب بعنف‘ وتقضي في المهد على كل حركة‬ ‫مناوئة تدعو إلى إسلام سني راشدي‪ .‬وقد بذل أبو الشعثاء جهودا مضنية في‬ ‫تأمين استمرارية تصوره وفهمه للإسلام من خلال الرجال الذين التفوا‬ ‫حوله‪ ،‬واقتنعوا بصواب آرائه وأفكاره في فهم الإسلام وتحليل الواقع المعاش‪.‬‬ ‫ومن المؤسف أن علياء الإباضية كغيرهم من معارضي السياسة‬ ‫المفروضة على الأمة‪ .‬لم ينالوا العناية التي يستحقونها فيما كتبه الجمهور الذين‬ ‫هادنوا إلى حد بعيد الأمر الواقع‪ ،‬وسايروه بل وتعاونوا معه من أجل السيادة‬ ‫الفكرية بقطع النظر إن كان ذلك عن حسن نية أو سوء قصد والمهم في‬ ‫الأمر أننا لا نجد في تلك الكتابات شيئا يذكر عدا إشارات مقتضبة في كتب‬ ‫المقالات والأدب ومصنفات الرجال" حتى أصبح هؤلاء العلياء الذين قدموا‬ ‫الكثير للفكر الإسلامي في عداد المجاهيل بالنسبة لغير الإباضية تنطبق‬ ‫عليهم أحكام مستوري الحال بل والمشكوك في نزاهتم وعلمهم‪ .‬وقد قام‬ ‫الإعلام الأموي والعباسي من بعده بأمر من السلطة الجائرة في نظر‬ ‫بإسدال ستار من التضليل والتعمية والتشويه حتى‬ ‫خصومهيا السياسيين‬ ‫_‪_٧٥‬‬ ‫ترسخ في اللاشعور الجمعي للأمة الاعتقاد بأن المعارضة للأمر الواقع‬ ‫المفروض إنيا هي معارضة لأصول الإسلام" أضف الى ذلك التباين في تفسير‬ ‫الأصول العقدية والفكرية عموما‪ .‬لقد تظافرت كل تلك العوامل في عزل‬ ‫المعارضة التى كان المذهب الإباضى شكلا من أشكالها‪ ،‬ولكن من حسن‬ ‫الطالع أن رجال هذا المذهب© بتحمسهم لأصوفهم وأفكارهم ونضالهم‬ ‫السياسي الطويل من أجل البقاء وعرض البديل الذي يرونه صوابا‬ ‫جهود‬ ‫مكنتهم من البقاء ‏‪ ٠‬إضافة إلى‬ ‫استطاعوا إقامة دول في ‏‪ ١‬لمشرق وا مغرب‬ ‫عليا ئهم في تدوين تلك الأصول والأفكار‪.‬‬ ‫لقد ترك الإمام جابر فريقا متياسكا من العلياء المحترمين اختاروا‬ ‫لقيادتهم أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة أحد أخلص تلاميذه وأكثرهم فقهاء‬ ‫وأصلحهم لفترة حرجة من تاريخ هذه الحركة الناشئة‪ ،‬خاصة وأن آل المهلب‬ ‫الأزديبن الذين كانوا يرتبطون بالإمام جابر من حيث الموطن والقبيلة‪،‬‬ ‫وينظرون إليهم نظرة خاصة من الاحترام والتقدير والعطف إذ هو كبير علياء‬ ‫الأزد إضافة إلى أن كثيرا منهم قد انخرط في حركته‪ ،‬وإلى النزعة القبلية التي‬ ‫كانت لاتزال قوية‪ ،‬على عهد الأمويين ثم العباسيين‪ ،‬في تثبيت السلطة أو‬ ‫حماية مناهضيها‪ .‬لقد دفعت هذه النزعة آل المهلب لحي ية الأزد العا نيين ومن‬ ‫ارتبط برجاههم‪ .‬لذا كان لمأساة تلك العائلة مع الأمويين أثر كبير على أتباع‬ ‫المذهب الإإباضى الذين اضطروا إلى العمل في الخفاء‪ ،‬الأمرالذي ضاعف من‬ ‫جهل الآخرين بهم‪ ،‬إلا أنهم استطاعوا أن يخططوا منهجية عملهم السياسى‬ ‫والعقدي والفقهي تحت زعامة هذا الرجل الذي هو أحد موالي بني تميم أو‬ ‫مولى لعروة بن أدية أخي بلال مرداس على رأي الجاحظ‪ .‬ومما لاريب فيه أن‬ ‫لطائفة الموالي أثرا كبيرا في نمو الحركة العلمية‪ ،‬وخاصة الشرعية‪ ،‬فقد كان‬ ‫‪٧٦١‬‬ ‫هؤلاء أصحاب حضارة ومدنية وكانوا يتمتعون بعقلية هي نتاج ما كان عند‬ ‫شعوبهم من العلوم والمعارف ولما اعتنقوا الإسلام‪ ،‬اسهموا إلى حد بعيدں في‬ ‫نشأة العلوم الشرعية واللغوية والأدبية بيا كانوا يتمتعون به من ملكة قوية في‬ ‫البحث والاستنباط وقدرة فائقة على الفوص وراء المعاني البعيدة والعلل‬ ‫واليكم الدقيقة ‪ .‬لقد نذروا حياتهم للبحث والنظر والاجتهاد العلمي" في‬ ‫حين انشغل العرب بالحكم والسياسة وقيادة الجيوش‪.‬‬ ‫لقد قاد أبو عبيدة الحركة العلمية والسياسية للمذهب الإباضي على‬ ‫نفس المنهج الذي حدده أستاذه الإمام جابر وعمل على تأصيله وتحجبذيره‬ ‫بين التجمعات الإباضية ‪ ،‬سواء في مركزها الرئيسي الذي هو البصرة‪ ،‬أو في‬ ‫الكوفة‪ ،‬أو في مكة‪ .‬أو في المدينة أو الموصل ونواحي خراسان‪ .‬ومن الطبيعي‬ ‫أن يستفيد العلياء الإباضية من هذا التوزع الجغرافي‪ ،‬بين أهم مراكز الفكر‬ ‫والعلم بكل خصائصها في العهود الأولى للإسلام" لبناء مدرستهم الفقهية‬ ‫والعقدية\ فيا من شك أنهم كانوا يتشاورون فييا بينهم عن طريق الاتصال‬ ‫وغير المباشر من خلال المراسلات الشخصية ورحلات القوافل‬ ‫المباشر‬ ‫الحج والعمرة‪ .‬لقد كان أتباع المذهب© من أهل العلم" يتابعون ما‬ ‫ومواسم‬ ‫هذه المراكز من مناظرات ودروسس ويبدون فيه آراءهم وفق‬ ‫يجري في‬ ‫الفقهي خاصة والفكري عامة‪ .‬وقد نشأت هذه التجمعات نتيجة‬ ‫منهجهم‬ ‫للعمل الدعوي الذي قام به أتباع المذهب وعلياؤه‪ ،‬وقد سبق أن ذكرنا أن‬ ‫الإمام جابر قد حج أكثر من عشرين مرة{ وأنه جاور عاما با لمدينة‪ ،‬وكون‬ ‫أصدقاء من هنا وهناك وأقنعهم بنشاطه وحقيقة عمله والغاية التي يصبو‬ ‫إليها‪ ،‬فكان من المعقول جدا أن يتردد الباحث كثيرا قبل أن يرسل حكيا‬ ‫عاما يربط فيه المذهب بمركز التجمع الإباضي في البصرة وحده‪ .‬فقد كانت‬ ‫‪٧٧١‬‬ ‫هناك تجمعات مماثلة في كل من الكوفة ومكة والمدينة وخرسان‪ ،‬عرف منها‬ ‫علياء بارزون وعديدون‪ ،‬سجلت أقوالهم في الآثار المبكرة لعلاء الإباضية‪.‬‬ ‫ليس من العدل أن نكتفي‪ ،‬في مرحلة ما بعد الإمام جابر‪ ،‬بشخصية أبي‬ ‫عبيدة‪ ،‬وإن كان" باتفاق أهل المذهب© الشخصية البارزة والفذة التي‬ ‫استطاعت أن تستر ‪ ،‬في انضباط وحزم" مختلف الاجتهادات الفردية لعلماء‬ ‫المذهب حتى لا تحرج عن منهجه العام ومع ذلك كله فإننا نجد علاء‬ ‫مرموقين آخرين ساهموا في صياغة شكل المذهب ومضمونه‪ ،‬نذكر منهم‪.‬‬ ‫على سبيل المثال لا الحصر حيان الأعرج‪ .‬وقد كان محدثا مرموقا‪ ،‬عاش في‬ ‫نفس البيئة التي نشأ فيها الإمام جابر درس معه وروى عنه أحاديث رسول‬ ‫الله (يَية) وكان الواسطة التي نقلت علم الإمام أبي الشعثاء‪ .‬روى عنه‬ ‫قتادة وسعيد بن أبي عروبة وابن جريج ومنصور بن زادان ومحمد بن يزيد‪.‬‬ ‫عده ابن حبان من أتباع التابعين" ووثقه ابن معين‪.‬‬ ‫ومن هؤلاء أيضا أبو نوح صالح بن نوح الدهان أحد الثلاثة الذين تلقى‬ ‫عنهم الربيع بن حبيب الفقه وروى عنه ابن عبدالعزيز جزءا مما جاء في كتابه‬ ‫نكاح الشغار‪ .‬ومنهم أيضا ضيام بن السائب‪ ،‬روى الحديث عن جابر وعنه‬ ‫الإمام أبو عبيدة‪ .‬مآنثاره التي وصلتنا رواياته عن جابر دونها عنه أبو صفرة‬ ‫عبد الملك بن صفرة عن الربيع وهو الكتاب المعروف بروايات ضيام‪.‬‬ ‫ومن رجال الفقه البارزين في القرن الثاني" نذكر المحدث أبا عمرو‬ ‫الربيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي‪ .‬تلقى العلم عن جابر في أخريات‬ ‫حياته‪ .‬إلا أن أكثر علمه أخذه عن ضيام بن السائب وأبي عبيدة وأي نوح‬ ‫صالح بن نوح الدهان‪ .‬نبغ في الحديث والفقه‪ ،‬فعينه أبو عبيدة مفتيا‪ ،‬وآلت‬ ‫إليه رئاسة المذهب بالبصرة‪.‬‬ ‫‪٧٨‬‬ ‫بعض الرجال الذين طبعوا الفقه الإباضي باجتهاداتهم الخاصة‪.‬‬ ‫هؤلاء‬ ‫ن‪ .‬‏‪١‬الفقها ء وا مجتهد ين سواءء في‬ ‫جا ع بعد هم من‪0‬‬ ‫‏‪١‬أسسا لن‬ ‫ا صبحت‬ ‫بحيث‬ ‫المشرق أو المغرب‪.‬‬ ‫الآنار الفقهية لعلماء البصرة‪:‬‬ ‫لقد حفظت لنا المكتبات الإباضية جملة من مؤلفات تلك المرحلة‬ ‫تناقلها اللف عن السلفتؤ نذكر منها رسالة أبي عبيدة في الزكاة‪ ،‬ورسالته‬ ‫في الشرطة وأحكامها إضافة إلى آراء فقهية كثيرة رواها عن شيوخه‪ .‬أو‬ ‫اجتهادات خاصة أفتى بها سائليه‪ ،‬دونها عنه تلاميذه من بعده‪ ،‬جاءت في‬ ‫أسلوب الرواية والحوار‪ .‬قال أبو عبيدة كذا؛ سألته عن كذا فأجاب بكذا ‪3‬‬ ‫سمعت أبا عبيدة يقول‪ ...‬إن دراسة ولو سريعة لرسالة الزكاة ‪ ،‬مثلاك‬ ‫تمكننا من تحديد منهج أي عبيدة التشريعي‪ .‬فهو يقوم بالدرجة الأولى على‬ ‫الاعتياد على ظاهر القرآن فلا يخرج عنه إلالقرينة صارفة‪ ،‬فقد سئل عن‬ ‫استعمال الزكاة‪ ،‬عند استغناء الفقراء عنها‪ ،‬في بناء المساجد آودار الحرب أو‬ ‫إصلاح طريق أو غزاة وما أشبه ذلك مما يراه الإمام والمسلمون‪ ،‬فأجاب بأن‬ ‫القول في ذلك أنه لايحل بناء المسجد من زكاة المسلمين لأنها لا تنصرف‬ ‫مصرفا عيا سياه الله في كتابه نصا مما أمر الله به‪ ،‬إلا أن عمله بظاهر النص لم‬ ‫يمنعه من تعليل الأحكام و بيان حكمها\ فالزكاة عنده مثلا شرعت لتقوية‬ ‫الفقراء لا لاتخاذ المساجد وغيرها‪.‬‬ ‫ومن منهجه أنه يورد الخلاف الواقع في المسألة مرجحا بطريقة ضمنية‬ ‫‪.‬‬ ‫الرأي الذي يعتبره صوابا مدعيا بالحجة والبيان‪ .‬فمن ذلك أنه سئل عن أطفال‬ ‫في حجر المسلم وهو خليفتهم" هل تجب الزكاة عنهم؟ فأجاب بأن «أصحابنا‬ ‫‪٧٩‬‬ ‫يأمرون الخليفة أن يزكي عنهم‪ ،‬ويروون ذلك عن عائشة وعمر بن الخطاب‬ ‫وعن علي بن أي طالب وجابر بن زيد‪ .‬وجميع فقهائنا على ذلك‪ .‬وزعم بعض‬ ‫أهل العلم أنه لازكاة على الطفل حتى يبلغ‪ ،‬واحتج الذين قالوا على اليتيم‬ ‫زكاة بقول عمر وعلي وعائشة واحتج الذين قالوا لازكاة على الطفل حتى يبلغ‬ ‫بابن عباس وجابر بن عبدالله وبالكتاب نصا‪ .‬قال عز وجل‪ :‬خذ من أموالهم‬ ‫صدقه تطهرهم وتزكيهم بها والتطهير إنما يكون من الذنوب©‪ ،‬أيضا على‬ ‫التقرب‪ ،‬ولاذنب على طفل ولا تقرب منه‪ .‬فالإمام أبو عبيدة يعتبر اراء‬ ‫الصحابة التي يستدل بها مصدرا من مصادر التشريع‪ ،‬سواء أكانت سنة‬ ‫منقولة عن رسول الله () أو اجتهادا منهم وفق منهج كل واحد منهم‪.‬‬ ‫ومما يلاحظ في منهجه التشريعي الترجيح بين أقوال الصحابة ‪ ،‬فقد‬ ‫يورد أكثر من رأي منسوب إلى بعضهم فيختار واحدا منها‪ ،‬ويعلق عليه‬ ‫بقوله‪« :‬هذا أحب إلينا وبه نأخذا دون تحليل وبيان لسبب الترجيح‪ .‬ومن‬ ‫الملاحظات أيضا في فقه الإمام أبي عبيدة استعيال الرأي والقياس إذ نجده‬ ‫يشير إلى المسائل المتشابهة ويعطيها نفس الحكم إذا رأى اتفاقا في العلة‪ ،‬كيا‬ ‫نلاحظ ميله إلى رأي الجماعة بعد اجتهادهم‪ ،‬فيشير إلى مبدإ الإجماع بقوله‪:‬‬ ‫«وإن كان الأمر كيا رأوا ليس له أن ينازعهم!‪.‬‬ ‫هذه بعض ملامح الخطة التشريعية التي كان أبو عبيده يتبعها في‬ ‫اجتهاده الفقهي‪ ،‬وهي وإن لم يصرح بها‪ ،‬شأنه في ذلك شأن معاصريه فإنه‬ ‫كان مستوعبا لها يستحضرها عند الفتوى وإبداء الرأي‪.‬لقد كان علم‬ ‫الأصول وتقعيد القواعد متأخرا عن علم الفقه‪ ،‬وإن كانت النظريات‬ ‫الأصولية معلومة لدى المجتهدين‪.‬‬ ‫ذكرنا أن بوادر تدوين العلوم الشرعية وجدت منذ النصف الثاني من‬ ‫‪٨٠‬‬ ‫_‬ ‫القرن الأول إلا أن التدوين الفعلي لفقه الإمام جابر ومعاصريه من علياء‬ ‫المذهب وقع في القرن الثاني & ويرجع الفضل الكبير فيه إلى الحلقة التالية أي‬ ‫إلى تلاميذ الرعيل الأول أمثال الإمام الربيع بن حبيب وأبي المهاجر هاشم‬ ‫وغيرهم كثير‪ .‬لقد كان هؤلاء فضل كبير في نقل أقوال شيوخهم الفقهية‬ ‫وتدوين مالم يدون منها‪ .‬فبالإضافة إلى تدوين الإمام الربيع بن حبيب‬ ‫هو أصح كتاب‬ ‫الذي‬ ‫الله ( تيا ) في مسنده‬ ‫رسول‬ ‫حديث‬ ‫من‬ ‫لماصح معه‬ ‫وتلاميذ هم من بعد هم بتدوين تلك ا لنقول‬ ‫تكفل هؤلاء‬ ‫‪1‬‬ ‫بعد كتا ب‬ ‫والأقوال المنسوبة لأصحابها لتصبح تلك المدونات منبعا رئيسيا يستقي منه‬ ‫‏‪ ١‬لمميد‬ ‫ومن‬ ‫في اجتهاداتهم على نفس ‏‪ ١‬لمنهج‪.‬‬ ‫ويسيرون‬ ‫الفقهاء من بعدهم‬ ‫هنا أن نذكر ببعض هذه المدونات المبكرة للفقه اللإباضي» والتي تمثل إلى حد‬ ‫بعيد عصره الذهبى‪:‬‬ ‫‏‪- ١‬مدونة أبي غانم بشر بن غانم الخراساني‪:‬‬ ‫وهي مجموعة روايات وسياعات وبلاغات وردت عن تلاميذ أبي عبيدة‬ ‫مسلم بن أبي كريمة‪ ،‬جمعها أبو غانم ودونها؛ منها ما سأل عنه مشافهة أولئك‬ ‫طريقة أهل‬ ‫التلاميذ ومنها ما أخبره بها من سألهم مشافهة‪ .‬يغلب على المدونة‬ ‫الحديث وعباراتهم من قبيل‪ :‬حدث فلان حدثني‪ ،‬سمعت بلغني وبلغنا‪...‬‬ ‫وقد تعرضت لأغلب المواضيع الفقهية التي تعارف الفقهاء على بحثها‪ ،‬مما‬ ‫يتعلق بحياة المسلم من عبادات ومعاملات‪ .‬ويبدوأن النسخة المطبوعة حديثا‬ ‫ليست هي الأصل وإنا هي جزء منها‪ .‬والظاهر أن النسخة الخطية التي اعتنى‬ ‫بها الشيخ يحيى بن عبدالئه النبهاني" أحد رجال العلم أخيرا والتي عثر عليها‬ ‫‪٨١‬‬ ‫في دار الكتب المصرية\ ولها نسخة ثانية في المكتبة البارونية بجربة أوسع‬ ‫بكثير من النسخة المتداولة التي يبدو أنها موجز للنسخة الأم‪ .‬ودون أن‬ ‫نقطع بهذا الاستنتاج فإن المسألة تحتاج إلى مزيد بحث وتحقيق‪.‬‬ ‫ومدونة أي غانم التي نشرت مصورة من مخطوط ثم طبعتها وزارة‬ ‫التراث القومي والثقافة العمانية‪ ،‬ينقصها الترتيب وتناسق المواضيع‪ .‬اتبع‬ ‫فيها صاحبها منهجا يكاد يكون واحدا في أغلبها فهو يعرض المسألة‬ ‫بصيغة‪ :‬سألت فلانا عن كذا‪ ...‬قال‪ ... :‬ويكون هذا القول إما رأيا‬ ‫للمجيب© وإما نقلا عن غيره‪ ،‬وإما تحديثا وإما إبداء للرأي فيما يروي‬ ‫وينقل‪ .‬يتبين لنا من هذا أنه إذا ثبت لديهم الحديث لا يترددون في الأتحذ‬ ‫والعمل به؛ وقد سبق أن ذكرنا أن الإمام جابر محدث من أهل البصرة يأخذ‬ ‫بالسنة مقيدة بضوابط أهل العراق‪.‬‬ ‫ومن مجمل ما تصور المدونة‪ ،‬إلى جانب تلك الملاحظات ‪ ،‬رجوع‬ ‫الفقهاء المجتهدين عن رأي توصلوا إليه‪ ،‬وحكم حكموا به إلى رأي آخر‬ ‫وحكم مختلف إذا تبين هم الصواب في غيره‪ ،‬فلم يكونوا يرون في ذلك‬ ‫غضاضة‪ .‬فمن ذلك أن أبا عبيدة كان يرى‪ ،‬في أول زمانه" أن الرجل يمرض‬ ‫في رمضان حتى يظله رمضان آخر‪ .‬قال‪ :‬يصوم الذي أظله ويطعم عن‬ ‫الأول؛ ثم تحول إلى قوله‪ :‬يصوم الذي هو فيه ثم يقضي الأول فكان رأيه‬ ‫الذي فارقه أصحابه عليه‪ .‬وقال تلميذه أبو المؤرج الذي أورد المسألة‪:‬‬ ‫«وأشياء كثيرة مما حفظنا عنه رجع عن أقاويله الأولى فيها»‪ .‬ولهذا السبب‬ ‫كثيرا ما نجد للفقيه الواحد أكثر من قول في المسألة الواحدة‪.‬‬ ‫وعلى المستوى الأخلاقي تعرض لنا المدونة أدب الجدل والنقاش الذي‬ ‫كان يلتزم به مؤسسو المذهب مع مخالفيهم‪ .‬فالمنهج العلمي الموضوعي‬ ‫‪٨٢‬‬ ‫_‬ ‫المجرد عن العواطف والاستفزاز هو أسلوب التعامل دون أن يعني ذلك‬ ‫أبدا التنازل عن المبدا والمعتقد‪ .‬إنه مستوى فكري رفيع يليق بأمثالهم‪ .‬ولا‬ ‫عجب في ذلك ماداموا قد تطبعوا بهدي رسول الله (يَلِة) وبمنهج أصحابه‬ ‫من بعده‪.‬‬ ‫إذا تتبعنا الفقه الإباضى خلال القرن الثاني للهجرة‪ ،‬نجده يتميز بيا‬ ‫امتاز به الفقه الإسلامي عامة‪ .‬فهو فقه ختلط بالسنة وما أثر عن الصحابة‬ ‫والتابعين‪ .‬وهذا ظاهر في المدونة التي استشهدنا ببعض ما جاء فيها‪ ،‬وكذا‬ ‫الشأن مع رسالة الزكاة لأي عبيدةء إلا أن هذه الملاحظة لا تمنع من وجود‬ ‫فقه مجرد عن السنة والآثار‪ .‬ففي جوابات الإمام جابر (ق‪)١‬‏ ورسالة الزكاة‬ ‫لأي عبيدة (ق‪٢‬ه)‏ نياذج من ذلك إذ كان الغرض هو التعريف بالحكم‬ ‫الشرعي في المسألة المطلوبة‪ .‬وهذه الملاحظة تشبه إلى حد بعيد مع ما اشتهر‬ ‫عن فقهاء الأأحناف ككتاب الخراج الذي دونه أبو يوسف© وكتب ظاهر‬ ‫الرواية الستة التي دونها محمد بن الحسن وضمنها فقه أبي حنيفة‪ .‬وما‬ ‫لاريب فيه أن هذا التشابه راجع إلى كون كل من الفقه الإباضي والفقه‬ ‫الحنفي فقها عراقيا‪ ،‬كتب وفق منهج مشترك بسبب الخوار والاتصال فقد‬ ‫كانت البصرة والكوفة متعاونتين كا كانتا متنافستين‪.‬‬ ‫لا تعني هذه الملاحظات أبدا أن الفقه الإباضىع‪ ،‬في تلك المرحلة‪ ،‬كان‬ ‫فقه أثر ورواية فحسب وإنيا كثيرا ما كان المفتي يعتمد في استنباط الحكم‬ ‫الشرعي المناسب للحادثة على الدليل ويصرح به سواء أكان قرآنا أو سنة أو‬ ‫إجماعا أو قياسا‪ .‬وفي آثار ذلك العهد أمثلة كثيرة لذلك‪.‬‬ ‫ومن الميزات البارزة‪ .‬في فقه ذلك العهد وباعتباره فقها عراقيا‪ ،‬بروز‬ ‫ظاهرة الافتراض واعتماد أسلوب «أرأيت إن كان كذا ‪ »...‬إلا أن هذا لا‬ ‫‪_ ٨٢٣‬‬ ‫يعني البتة أنه أصبح فقها يبحث في مسائل مستحيلة الوقوع‪ ،‬بعيدة عن‬ ‫واقع الناس فذلك تحويل للفقه عن غايته الحقيقية‪ .‬ولكن المقصود من‬ ‫الفقه الافتراضي هنا أنه الفقه الذي يبحث ثم يتعرض للخلاف الواقع في‬ ‫المسألة بين فقهاء المذهب أو بينهم وبين غيرهم" إن وجد ويشير الى الدليل‬ ‫الذي احتج به هؤلاء وأولئتلك‪ ،‬وعادة ما يكون قول صحابي‪ ،‬وقد يعلق‬ ‫المسؤول عن بعض ذلك للتوضيح والبيان إذا شعر بشيء من الإجمال أو‬ ‫الغموض‪ .‬ومن اليسير أن نستقرىء منهج المدونة من بعض قضاياها‬ ‫ومواضيعهاك ليتأكد ما نخن بصدد بيانه‪ ،‬فمن ذلك مسألة الرجل يجعل‬ ‫إمرته عليه حرام‪.‬‬ ‫حدث أبو المؤرج وعبدالله بن عبد العزيز عن أبى عبيدة بن أبي كريمة‬ ‫وقد رفع الحديث إلى عمر بن الخطاب وعبدالله بن مسعود أنهيا قالا‪ :‬إذا حرم‬ ‫الرجل إمرأته فكفارته كفارة يمين‪.‬‬ ‫قال ابن عبدالعزيز‪ :‬هو كفارة يمين إلا أن ينوي لها طلاقا‪ ،‬فإن نوى‬ ‫طلاقا‪ ،‬فهو واحد‪ ،‬ويكون أحق بها‪.‬‬ ‫وقد تقلب المسألة من كل وجوهها‪ ،‬وتعرض في كل صورها‪ ...‬لو‬ ‫قالت‪ ...‬لجاز كذا؛ فإذا طلقته فلا يجوز ‪ . ...‬مع تعليلالأقوال تعليلا عقليا‬ ‫مرتبطا بالشرع‪ .‬قال ابن عبدالعزيز في المرأة تجعل أمرها بيدها‪ :‬بلغنا عن ابن‬ ‫عباس أنه قال لو قالت طلقت نفسى لجاز ذلك لها‪ .‬قال ابن عبدالعزيز‪:‬‬ ‫لأنها وكيلة في ذلك‪ ،‬فإذا طلقت نفسها فهو جائز عليها لأنه قد جعل لا‬ ‫الامر بيدهاء فإذا طلقته فلا يبوز طلاقها لأن المرأة لا تطلق الرجل‪ .‬ثم‬ ‫تعرض المسألة فميختلف حالتها وصورها‪ .‬فجعل أمر المرأة بيدها يكون إما‬ ‫في حياة الزوج أو بعد وفاته إذ يختلف الحكم من حالة إلى أخرى‪.‬‬ ‫‪٨٤‬‬ ‫واجتهادات الرعيل الأول قائمة في أكثرها على الاستدلال النقلي من القرآن‬ ‫والسنة وأقوال الصحابة قبل أن تقوم على الاستدلال العقلي والتعليل‪،‬‬ ‫والبحث عن الأشباه والنظائر‪ .‬فعلى سبيل المثال فإن الحكم بأفضلية صوم‬ ‫المسافر مستفاد من عمل الرسول (يََية) وكذا المرأة يجعل أمر طلاقها يبدها‪.‬‬ ‫من منهج المدونة أيضا إيراد الأقوال المتباينة في المسألة الواحدة مع‬ ‫الترجيح وبيان المعمول به‪ .‬ربيا كان ذلك لثبوت الرواية والنقل فقول‬ ‫الرجل لزوجته أ نت طالق البتة روي فيه قولان‪:‬‬ ‫أ رواية عن أبي عبيدة عن جابر عن ابن عباس وعمر بن الخطاب أن‬ ‫ذلك طلاق واحد والزوج أملك هاء وهو القول عندنا وبه يأخذ أصحابنا‪.‬‬ ‫ب رواية عن علي بن أبي طالب‘ ورجال معه من أصحاب النبي‬ ‫و)‪ :‬في النية ثلاثة ‪.‬‬ ‫وقد تكون المسألة سؤالا عن حديث رواه غير اللإباضية‪ ،‬إذ نسب إلى أبي‬ ‫سعيد الخدري في نصاب الزكاة قول رفعه إلى النبي (يَلية)‪ ،‬فكان الجواب‪:‬‬ ‫كل حديثهم الذي ذكرت مستقيم‪ ،‬وسائر ما ذكرت من السنة‪ .‬ومن ذلك‬ ‫أيضا ما نسب إلى معاذ بن جبل عن رسول اله (يلة) عن مقدار ما يؤخذ‬ ‫من زكاة الأنعام‪ ،‬فيجيب المستفتى بقوله‪ :‬الأثر عند فقهائنا الذين نأخذ‬ ‫عنهم‪ .‬ونعتمد عليهم أن السنة في زكاة البقر كالسنة في زكاة الابل‪ ،‬وليس‬ ‫بينهم اختلاف© وأما حديث معاذ بن جبل اته أعلم به؛ ولو نعلم أن ذلك‬ ‫حق لأنحذنا به واعتمدنا عليه‪ ،‬غير أن أصحابنا أبا عبيدة وجابر بن زيد لا‬ ‫يأخذون بيا ذكرت‪ .‬لقد سئل مشايخ المذهب عن حوادث لم تقع ولكنها‬ ‫ممكنه الوقوع فقالوا رأيهم فيها‪ .‬وهذه الظاهرة أمر طبيعي مع كل مدرسة‬ ‫فقهية عراقية تقف من الآثار موقفا خاصاء وتقدر النظر‪ ،‬وتستعمل العقل‬ ‫_ ‪_ ٨٥‬‬ ‫بصورة موسعة‪ .‬وقد برز عبدالله ابن عبد العزيز أكثر من غيره ‪ ،‬في هذه‬ ‫النقطة‪ ،‬وكتابه نكاح الشغار شاهد على ذلك‪ .‬وللحق نقول إن الفقه‬ ‫الإباضي في القرن الثاني" ظل في مجمله فقها واقعيا عمليا يهتم بانزال الحكم‬ ‫الشرعي على قضايا الناس وحوادثهم المستجدة لتنظيم حياتهم في إطار‬ ‫الشرع الحنيف‪.‬‬ ‫ومن الملاحظات على فقه ذلك العصر ميل فقهاء الإباضية إلى اعتباز‬ ‫أن كثيرا من أحكام الشرع معقولة المعنى يمكن إدراك الحكمة من تشريعهاء‬ ‫فالزكاة‪ 5‬فرضها الله لتقوية الفقراء‪.‬‬ ‫لقد سبق أن أشرنا إلى أن علياء الجيل الأول من الإباضية سواء في‬ ‫العراق أو الحجاز كانوا يعتمدون علآىثار الصحابة ومن أمثلة ذلك ماجاء‬ ‫في المدونة من أن أبا المؤرج سئل عن جارية أصابها المشركون‪ ،‬ففتح الله‬ ‫للمسلمين على المشركين فأخذوا تلك الجارية‪ .‬فأقام ربها البينة أنها جاريته‪.‬‬ ‫قال‪ :‬حدثني أبو عبيدة مسلم أبن أبي كريمة أن أبا عبيدة بن الجراح كتب‬ ‫إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك فكتب إليه عمر‪ :‬إن لم تكن‬ ‫دخلت في السهام وأقام مولاها البينة فاردد إليه جاريته وإن دخلت في‬ ‫السهام فلا سبيل له إليها‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬رفع الحديث إلى أبي بكر (رضي‬ ‫الله عنه) أنه قال‪ :‬إذا أقام ربها البينة أنها جاريته‪ ،‬دخلت في السهام أو لم‬ ‫تدخل فهو أحق بها لأنه لا يحل مال المسلم مغصوبا على حال من الأحوال‬ ‫إلا ما أذن الله فيه‪ ،‬وطابت به نفسه؛ وكان رأي أي عبيدة الذي يأخذ به رأي‬ ‫أي بكر الصديق (رضي الله عنه)‪ .‬وقال عبدالله ابن عبدالعزيز‪ :‬قول أبي بكر‬ ‫في هذا أعدل‪ .‬ويتبين لنا ‪ ،‬من هذا المالك أن الفقهاء الإباضية يوردون آراء‬ ‫‪٨٦‬‬ ‫الصحابة في المسألة إذا لم يكن فيها قرآن أو حديث ويرجحون بينها‬ ‫ويختارون ما يرونه أقرب إلى روح الشريعة وقواعدها العامة‪ .‬فقد اختاروا رأي‬ ‫أي بكر في استصحاب حال الأصل من بقاء المال على ملك صاحبه‪ .‬ولم‬ ‫يعتبروا دخول الجارية في السهام مبيحا لأأحذها‪ .‬وهذا الرأي فهمه أبو بكر‬ ‫من عموم قوله (يتية) ‪ :‬لا يحل مال إمرىء مسلم إلا بطيب نفس‪.‬‬ ‫وفقهاء الإباضية‪ ،‬كغيرهم من فقهاء المذاهب الأحرى قد يختلفون في‬ ‫المسألة الواحدة بحسب ما يؤديهم إليه اجتهادهم‪ .‬فقد سئل أبو المؤرج عن‬ ‫رجل يشتري المتاع فيجد في بعضه عيبا‪ .‬قال‪ :‬إما أن يردهم جميعا ‪ ،‬وإما أن‬ ‫يأخذهم جميعاا ولا أحسبه رفع ذلك إلى أبي عبيدة‪ .‬قال ‪ :‬وقال عبد الله بن‬ ‫عبدالعزيز المشتري بالخيار إن شاء أخذ ماصح من المتاع بالقيمةش ويرد‬ ‫العيب بالقيمة وإن شاء رد المتاع كله‪ .‬قال‪ :‬وقال حاتم بن منصور‪ :‬رأي ابن‬ ‫عبدالعزيز في هذا أحب إلي من أبي المؤرج‪ .‬والأمثلة على هذا كثيرة في‬ ‫المدونة خاصة‪ .‬ومن الملاحظات الأخيرة التي يمكن أن نشير إليها فيما يتعلق‬ ‫بالفقه الإباضي أنه فقه عاش حرا بعيدا عن التعصب لأصحابه‪ ،‬رغم‬ ‫تقديمهم وتقديرهم" فلم يكن الجيل الأول _ وهو الأصل يرى غضاضة أن‬ ‫يؤخذ حكم مسألة ما‪ ،‬سبق أن قال به غير الإباضية‪ .‬ففي المدونة آراء‬ ‫للحسن البصري وقتادة السدوسي وإبراهيمالنخعي وغيرهم كثير من‬ ‫أعلام التابعين‪ ...‬وأكثر من هذا & فقد يترك قول الإمام جابر بن زيد إمام‬ ‫المذهبؤ إلى قول إبراهيمالنخعي‪ ،‬شيخ أبي حنيفة‪ .‬ففي إحدى مسائل‬ ‫الوصية‪ ،‬قال ابن عبدالعزيز‪ :‬قد جاء في ذلك اختلاف الفقهاءكثير‪ .‬بعضهم‬ ‫يجيزه وبعضهم لا يجيزهك وكان إبراهيم ممن لا يجيز ذلك‪ .‬وقول إبراهيم أعدل‬ ‫عندي" وبه نأخذ‪ .‬قلت (أبو غانم) لعبدالله بن عبد العزيز‪ :‬سبحان الله تأخذ‬ ‫_ ‪٨٧‬‬ ‫بقول إبراهيم‪ ،‬وتدع قول جابر وأبي عبيدة‪ .‬قال لي‪ :‬رجل مقلد؟! ومالي لا‬ ‫آخذ بقول من أرى قوله عدل؟!‪ .‬وهكذا يتبين لنا أن الفقه الإباضي قد نشا‬ ‫بعيدا عن الضغوط العصبية\ رافضا للتقليد محترما لأصحاب القول‬ ‫الأعدل مهيا كان اتجاههم الفكري" مادام في إطار الإسلام" ولكنه & في‬ ‫المقابل يرد على هؤلاء أقوالهم إذا رأى الصواب خلاف ماذهبوا إليه‪.‬‬ ‫ويجمل بنا في خاتمة هذا الفصل أن نشير إلى أنه‪ ،‬مع نهاية القرن الثاني‬ ‫للهجرة‪ ،‬تبينت ملامح الفقه الإباضي وتجذرت أصوله‪ ،‬وتم تدوين أقوال‬ ‫الفقهاء المؤسسين لهذه المدرسة بكل ما في كلمة التدوين من معنى‪ .‬فترك لنا‬ ‫هذا القرن والذي يليه ثروة فقهية كبيرة‪ ،‬أصبحت فييا بعد مادة لاجتهاد‬ ‫الفقهاء ومنهجا يتعاملون على أساسه مع الحوادث المستجدة‪.‬‬ ‫يعود الفضل؛ بالدرجة الأولى ‪ ،‬إلى الأستاذ النامي في البحث عن هذا‬ ‫الإنتاج في المكتبات العامة والخاصة‪ ،‬وحصر أهم ما تحصل عليه{ والتعريف‬ ‫به‪ .‬وسنكتفي بسرد هذه المؤلفات‪ .‬ونحيل من يرغب في مزيد من ا لاطلاع‬ ‫على أطروحة الأستاذ النامي‪ .‬ومن أهم ماذكر من هذا التراث‪:‬‬ ‫‏‪ ١‬جوابات الإمام جابر ورسائله‪.‬‬ ‫‏‪ ٢‬كتاب الزكاة لأبي عبيدة‪.‬‬ ‫‪_٢٣‬مدونة‏ أي غانم بشر بن غانم الخراساني‪.‬‬ ‫‏‪ ٤‬۔ نكاح الشغار لأبي سعيد بن عبدالعزيز‪.‬‬ ‫‏‪ _ ٥‬الديوان المعروض على علياء الإباضية‪ .‬وهو مجموعة كتب وروايات‬ ‫وأقوال نسب أكثرها إلى الإمام جابر أو أحد التلاميذه‪ ،‬أو إلى علياء الإباضية‬ ‫المتقدمين في الكوفة والمدينة وغيرهما‪ ،‬يضم هذا الديوان‪:‬‬ ‫أ ) كتاب الممتنعين من الحدود‪.‬‬ ‫_ ‪_ ٨٨‬‬ ‫ب) كتاب العيال ومن يلي الناس‪.‬‬ ‫ج) كتاب كفارات الأيمان‪ .‬وهو مجموعة آراء منسوبة إلى أهل الكوفة‪.‬‬ ‫د ) كتاب الديات‪.‬‬ ‫ه) كتاب القسمة وتفنين أصولها‪ .‬وهو مجموعة آراء منسوبة إلى أهل الكوفة‪.‬‬ ‫و ) كتاب البيوع ‪.‬‬ ‫ز ) كتاب الجعل والاجارات‪ .‬وهو مجموعة آراء منسوبة إلى أهل المدينة‪.‬‬ ‫أدرك الإمام أبو عبيدة‪ ،‬بعد وفاة شيخه أبي الشعثاء الذي كان يسير‬ ‫تلاميذه وأتباعه بوحي من شخصيته القوية التي اكتسبها من علمه الواسع‪.‬‬ ‫وتتلمذه على صحابة رسوله الله (يَلة)‪ ،‬أدرك ضرورة إقامة إمامة على نهج‬ ‫الخلافة الراشدة خاصة بعد أن نجحت مجالس البصرة السرية في توفير‬ ‫العنصر البشري اللازم لذلك فإنه كان يؤمن بأن قوة السلطة السياسية لا‬ ‫محيد عنها لضيان استمرار هذه الحركة لتحقيق الهدف المنشود على كل‬ ‫المستويات‪.‬‬ ‫راهن أبو عبيدةس منذ البداية‪ ،‬على الأطراف البعيدة عن مركز الحكم‬ ‫الأموي ثم العباسي حيث كان الثقل السياسي قويا‪ ،‬لقد آمن‪ ،‬بحنكته‬ ‫السياسية وتصور الحركي‪ ،‬أن البصرة لا يمكن أن تكون صالحة لنشر أصول‬ ‫الحركة‪ .‬واستقطاب الرجال المخلصين‪ .‬فقد كانت إلى جانب الكوفة‬ ‫«مصنعا لتخريج الرجال في ميادين السياسة والعلم‪ ،‬كيا كانت أيضا مركزا‬ ‫اقتصاديا كبيرا يأتيه الناس من كل مكان فيكثر الصادر والوارد إلى درجة‬ ‫تصعب معها مراقبة ما يجري فيها مراقبة تامة‪ .‬استغل أبو عبيدة ذلك‬ ‫الوضع فكون الرجال حتى إذا اطمأن إليهم حملهم مسؤولية إقامة كيان‬ ‫سياسي بعيدا عن أنظار السلطة المركزية مستغلين نقمة الأمة من جور ملوك‬ ‫_ ‪_ ٨٩‬‬ ‫بني أمية ووارئيهم من بني العباس‪.‬‬ ‫لقد عرف هؤلاء الرجال‪ ،‬وهم تلاميذ أي عبيدة‪ ،‬باسم خاص تطلقه‬ ‫عليهم كتب السير والطبقات الإباضية هو اسم «حملة العلم" كانوا قد وفدوا‬ ‫عليه من المغرب وجنوب الجزيرة وخراسان وغيان‪ ...‬وبجهودهم الدؤوبة‬ ‫تأسست دول إباضية هامة لعبت دورا سياسيا خطيرا سواء في المغرب أو‬ ‫الملشرق‪ ،‬وبفضل الله ثم هؤلاء الرجال انتقل الإباضية من الكتيان إلى‬ ‫الظهور‪.‬‬ ‫لقد كان أبو الخطاب عبدالأعلى بن السمح المعافري اليمني‪ ،‬أحد حملة‬ ‫العلم عن أبي عبيدة إلى المغرب أول إمام من أئمة الظهور& بايعه أصحابه في‬ ‫منطقة صياد سنة ‏‪ ٤‬‏ه‪ ٤١‬ولأسباب موضوعية سقطت محاولته التي لم تعمر‬ ‫طويلا‪ ،‬ولكن تلميذا آخر من حملة العلم{ هو عبدالرحمن بن رستم‪ ،‬جدد‬ ‫المحاولة‪ ،‬وأفلح في تأسيس الدولة الإباضية بتاهرت‪ ،‬من المغرب الأوسط‬ ‫‏‪ ١٦٠‬ه‪.‬‬ ‫سنة‬ ‫وفني المشرق‪ ،‬يكلف أبو عبيدة عبدالله بن يحي الكندي الملقب بطالب‬ ‫الحق أن يعلن لأول مرة‪ ،‬في تاريخ الحركة الإباضية إمامة الظهور سنة‬ ‫‏‪ ٩‬ه في حضرموت ثم يبسط نفوذه إلى الحجاز وفي كلتا الحالتين كان‬ ‫المام أبو عبيدة الرأس المدبر والقائد الموجه ثم تقام الدولة في عمان‬ ‫ليستمر الوجود الإباضي فيها وليسجلها تاريخ الإسلامإ في كل مراحله‪.‬‬ ‫بأنها موطن الإباضية الخالص وأن ماعدا ذلك‪ ،‬فهو الاستثناء الذي يؤكد‬ ‫القاعدة‪.‬‬ ‫لقد هيأت الإمامة الإباضية في عيان والمغرب (الجحزائر وتونس ومنطقة‬ ‫نفوسه بليبيا) ظروف الاستقرار لتزدهر حركة علمية رفيعة تركت ثروة معرفية‬ ‫‪_ ٩٠‬‬ ‫ذات قيمة كبيرة‪ .‬وبعد سقوط الدولة الإباضية في تاهرت سنة ‪٦٢٩٦‬ه‏‬ ‫احتفظت التجمعات الإباضية بنوع من الاستقلال الديني والسياسي مكنها‬ ‫من متابعة تلك النهضة العلمية التي قامت على رعايتها مجالس العلياء التي‬ ‫عرفت في اصطلاح الإباضية به ب «مجالس العزابة»‪..‬‬ ‫لقد دعمت مدرسة البصرة القادة السياسيين ‪ ،‬في المواطن الجديدة‬ ‫بالعلم والعلياء‪ ،‬فأرسلت إلى عيان حملة العلم بشير ين المنذر النزواني ومنير‬ ‫ابن النير الجعلاني وموسى بن أبي جابر الأزكوي وأباسفيان محبوب بن‬ ‫الرحيل ومحمد بن المعلى الكندي‪ .‬وحمل العلم إلى المغرب‪ ،‬بالاضافة إلى أبي‬ ‫الخطاب وعبدالرحمن بن رستم السالفي الذكر عاصم السدراتي وإسياعيل‬ ‫ابن درار الغدامسي وأبو داود القبلي النفزاوي‪ .‬واهتم أبو عبيدة بالأطراف‬ ‫الشرقية لبلاد الإسلام فأرسل تلاميذ آخرين لم يحفظ لنا التاريخ أسياء هم‬ ‫إلى خراسان لنشر مبادىء المذهب وفهمه للإسلام عقيدة وشريعة‪.‬‬ ‫لقد قام هؤلاء الرجال العلياء بدور كبير في نقل ثروة البصرة وغيرها‬ ‫الفقهية منها والعقدية‪ .‬وظل الاتصال العلمي بين مركز الحركة‪ ،‬والبلاد‬ ‫الجديدة مكثفاء وكانت القرارات السياسية والآراء الفقهية عند الاختلاف‬ ‫تأ من البصرة؛ ولم تتوقف هذه الاتصالات فييا بينها‪ ،‬أي بين المغرب وعيان‬ ‫وخراسان إلا في أواخر القرن الثالث‪ .‬وظل التشاور العلمي مستمرا رغم بعد‬ ‫الشقة‪ .‬وقد أدى موسم الحج دورا كبيرا في التقاء الفقهاء لمناقشة المسائل التي‬ ‫تعرض هم وفي تبادل الإنتاج الفكري‪ ،‬بل كان بعض المتحمسين يغتنمون‬ ‫الموسم لزيارة عيان أو المغرب مع وفود الحجاج العائدين‪ ،‬فيكون اتصال‬ ‫العلماء وتلاقح العقول ووحدة المنهج الفكري‪ .‬لقد استمر هذا التواصل‬ ‫والاتصال حتى العصور المتأخرة‪ .‬وكمثال على حرص الإباضية على نقل‬ ‫‪_ ٩١‬‬ ‫ثروتهم العلمية والاستفادة منها أن الإمام عبدالوهاب الرستمي ‏(‪- ١٧١‬‬ ‫‏‪ ٠‬ه) طلب من مشايخ البصرة‪ ،‬وكان على رأسهم الربيع بن حبيب أن‬ ‫يرسلوا إليه ما عندهم من دواوين‪ .‬وقد كانت مكتبته تشتمل على الاف‬ ‫المجلدات‪ .‬وفني عهده قدم أبو غانم بشر بن غانم الخرساني إلى تاهرت حاملا‬ ‫جبل نفوسة ‪.‬‬ ‫ونسخت ف‬ ‫معه مدونته ‏‪ ٠‬فرويت عنهك‬ ‫‪_ ٩٢‬‬ ‫الفصل الرابع‬ ‫الأصول التشريعية عند الاباضية‬ ‫ه الأصول التشريعية عند الإباضية‬ ‫ه القرآن الكريم‬ ‫ه السنة النبوية‬ ‫ه الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب‬ ‫ه الإجماع‬ ‫ه القياس‬ ‫التبعية‪. ‎‬‬ ‫‪ ٥‬المصادر‬ ‫_ ‪_ ٩٣‬‬ ‫الفضل الرابع‬ ‫الأصول التشريعية عند الإباضية‬ ‫القرآن الكريحه‪:‬‬ ‫لقد سبقت الاشارة إلى أن أبا الشعثاء جابر بن زيد إمام المذهب قد‬ ‫تبوأ «مكانة مرموقة بين علياء الإسلام العارفين بالقرآن" فقد احتج بأقواله‬ ‫مجموعة من المفسرين وأشادوا بآرائه في هذا المجال على أنه لم ينقل إلينا‬ ‫أنه كتب في التفسير كتابا خاصا‪ .‬وأورد السيوطى أن جابر بن زيد من علياء‬ ‫التابعين العارفين بالقرآن وقال ابن حجر‪ :‬إنه من أعلم الناس بكتاب الثه؛‬ ‫واعتمد الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره رواية جابر بن زيد بالنسبة‬ ‫لترتيب نزول القران‪ .‬إن هذه التنويه بالإمام جابر من حيث علمه بالقران‬ ‫يصور حقيقة موقفه وموقف تلاميذه وأتباعه من القران الكريم‪ .‬ففي القرن‬ ‫الرابع حرر ابن بركة هذا الموقف بعد أن استقى مادة كتابه من مؤلفات‬ ‫سابقة عنه‪ .‬فقد قرر حقائق لا تدع مجالا للشك والإرتياب‪ .‬فالقران الكريم‬ ‫هو كلام النه ووحيه وفرقانه‪ ،‬وعلى تعبير السالمي «هو النظم المعجز المنزل‬ ‫على نبينا محمد (يَي) المنقول عنه تواتر وأن «تفسير القرآن غير القرآن ‪...‬‬ ‫ومن قال‪ :‬تفسير القرآن كله هو القرآن فقد كفر فيما حكي عن أبي زكريا‬ ‫يحي بن الشيخ زكريا الزواغي وأنه لا تجوز قراءة القرآن بغير العربية‪ ،‬ويرى‬ ‫الإمام عبدالوهاب الرستمي (ق‪٦٢‬ه)‏ أنه «يكفي أن ينكر الرجل شيئا من‬ ‫القرآن ليكون مشركا حلال الدم وتحرم مناكحته وموارثته‘ ويسمى بالملة‬ ‫التي دخول فيها ويلحقه حكمها‪.‬‬ ‫لقد ساهم ابن بركة وغيره في الدفاع عن القرآن ضد خصومه فحاجج‬ ‫_ ‪_ ٩٥‬‬ ‫الذين ينتقدون ماجاء فيه من تكرار القصص والمعاني واختلاف القراءات‬ ‫وما زعم فيه من زيادة ونقصان وكذا مسألة جمع القرآن‪ .‬وخصص ابن بركة‬ ‫أربع صفحات لبيان اعجاز القرآن وتأكيد أصله الرباني‪ .‬وعن تنجيم القرآن‬ ‫ذكر أبو قحطان أنه كان «ينزل عليه (َة) شيئا فشيء»‪ .‬ويذكر معاصره أبو‬ ‫المؤثر الصلت بن خميس ان الله «أنزل عليه (ينية) قرآنا مبينا دليلاً على نبوته‬ ‫وعليا على رسالته وحجة على من أرسل إليه وجعل نظمه مخالفا لنظم‬ ‫الناظمين© وسرده مباينا لمعاني البشريين ليفصل بين كلام المختلفين»‪.‬‬ ‫إن في هذه المقتطفات من النصوص ما يكفى لتحديد طبيعة القرآن‬ ‫عند الإباضية‪ .‬أمامن الناحية التشريعية‪ ،‬فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال‬ ‫أن يترك القرآن إلى غيره إذا كان نصا محكما ظاهرا في المسألة «فالحق كله‬ ‫خارج بأسره من حكم التنزيل عن الله تبارك وتعالى‪ ،‬وهو أنه لايدرك الحق‬ ‫إلا منه وما خرج من أحكامه ومالم يوافقه ولم تخرج أحكامه منه فهو باطل‬ ‫لأن الحق من الله وسواه باطل وما بعد الحق إلا الضلال»‪.‬‬ ‫ليس هناك مجال للشك في أولوية مرتبة القرآن © ولم يؤثر أن واحدا ممن‬ ‫تكلم عن مصادر التشريع قدم على القرآن غيره‪ ،‬وكلهم أقروا وأكدوا أنه لا‬ ‫يجوز تخطي القرآن إلى غيره للبحث عن الحكم الشرعي‪.‬‬ ‫لقد تحدث علياء الإباضية عن كل مسائل القرآن المتعارف عليها‬ ‫كالمحكم والمتشابه والخاص والعام والناسخ والمنسوخ‪ ..‬ولم يلاحظ عليهم‬ ‫أي شذوذ في الآراء والمواقفؤ بل كانت نظرتهم نظرة إسلامية أصيلة‪ ،‬وأن‬ ‫تصورهم عنه هو نفسه تصور الصحابة والتابعين لهذا الكتاب الكريم ‪.‬‬ ‫‪_ ٩٦‬‬ ‫السنة النيوبة ‪:‬‬ ‫تأتي السنة في المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم‪ .‬لقد ذكر إبراهيم بدوى‬ ‫أن الإباضية «في اعتمادهم على سنة رسول الله (يَلْة) في أقوالهم أجد القدامي‬ ‫منهم يعتمدون اعتياد كليا على مسند الربيع بن حبيب©‪ ،‬دون ما سواه من‬ ‫المسانيد الصحيحة أما المحدثون منهم وخاصة في القرن العاشر فوجدتهم‬ ‫يتعرضون لحميع المسانيد‪.‬‬ ‫نلاحظ في هذا الكلام أمرين‪ :‬عدم الدقة وعدم الدليل‪ ،‬لأن الإباضية‬ ‫لم يكتفوا يوما بمسند الربيع بن حبيب الذي يشمل خمسة وألف حديث‘‬ ‫لإقامة ثروة فقهية كالتي بين أيدينا‪ .‬خاصة إذا علمنا أن جناحا من فقهاء‬ ‫أهل البصرة يقفون من القياس موقفاً متشدداء يصل حد الرفض ويتمسكون‬ ‫بالأثر في البحث عن حكم الحوادث والمستجدات‪ .‬كيا أنه يبدولي اعتبار‬ ‫القرن العاشر نقطة تحول في الإستفادة من كتب الحديث الأتخحرى‪ ،‬مجرد‬ ‫افتراض لا يؤيده الدليل‪ .‬فالإباضية منذ أيام البصرة كانوا يأخذون عن‬ ‫غيرهم" فقد روى حيان الأعرج وهو من علياء الإباضية الكبار ومحدثيهم‬ ‫عن قتادة وسعيد بن أبي عروبة وابن جريج ومنصور بن زاذان‪ ،‬وذكر ابن‬ ‫معين أنه ثقة‪ ،‬كيا روى الربيع بن حبيب صاحب المسند عن الوليد بن يحيي‬ ‫وعمرو بن هرم وابن جريج & وغيرهم كثير‪.‬‬ ‫وبالإضافة إلى الجامع الصحيح للربيع بن حبيب©ڵ فإن المدونة الكبرى‬ ‫التي جمعت فيها أقوال علياء القرن الثاني واراؤهم‪ ،‬قد ضمت طائفة من‬ ‫الأحاديث رويت عن غير الإباضية\ كيا يلاحظ فيها عدم التسرع إلى‬ ‫تكذيب أحاديث الغير بمجرد الإختلاف في الرؤى العقدية أو السياسية‪ .‬لم‬ ‫يكن هؤلاء العلماء الأجلة يرفضون حديث الآخرين ولو خالف حكرا ذهب‬ ‫_ ‪. ٩٧‬‬ ‫إليه مجتهد والمذهب وإنيا يكتفون بقولهم «لم يصح ذلك عندنا"‪.‬‬ ‫ويصرح ابن بركة بأننا السنا ننكر أخبار مخالفينا فييا تفردوا به دون‬ ‫أصحابنا من غير أن نعلم فسادها لأنا قد علمنا فساد بعضها‪ ،‬ويجوز أن‬ ‫يكون مالم يعلم بفساده أن يكون صحيحا وإن لم ينقلها معهم أصحابنا‪.‬‬ ‫ومما يسمح لنا برد الرأي المشار اليه‪ ،‬من أن الإباضية لم يقبلوا مافي‬ ‫الجوامع والمسانيد الصحيحة هذه الثروة من نصوص السنة النبوية التي‬ ‫يطفح بها جامع ابن بركة (ق‪٤‬ه)‏ فلو تم إحصاؤها لاحتمل أن تتجاوز‬ ‫أحاديث مسند الربيع‪ ،‬دون أن نجد لها مصدرا إباضياء بالإضافة إلى كونه‬ ‫كثيرا ما يعلق على الحديث بعبارة «إن صح الحديث" مما يوحي بأن المصدر‬ ‫ليس إباضيا‪.‬‬ ‫وني القرن السادس الهجري يصرح آبو يعقوب الوارجلاني بأن كتاب‬ ‫البخاري من الكتب الصحاح وكذلك كتاب الترمذي‪ .‬ويرد الشيخ اطفيش‬ ‫على أحد سائليه ي الموضوع «لا يمكنك الاستغناء عن فقه أصحابنا فإنه‬ ‫مأخوذ من أحاديث يرويها أصحابنا‪ ،‬وأحاديث يرويها قومنا ليس فيها مخالفة‬ ‫الأصل أو مما فيه مخالفتهيا‪ ،‬لكن وافقوا أصحابنا فيه‪ ،‬فإنه يجوز تقليد من‬ ‫عرف بالعلم" ولم يعلم منه خيانة في العلم‪ ،‬ولو مخالف‪ .‬فإنا مشتركون في‬ ‫العلوم العقلية والأحاديث والقرآن‪.‬‬ ‫إن النصوص الإباضية تنكر الموقف المشار إليه من أحاديث الصحابة‬ ‫ولم تجعل للمواقف السياسية المتباينة أثراً على رواية الحديث‪ ،‬فيكفي أن‬ ‫نذكر أن الربيع بن حبيب قد أورد في مسنده روايات عدة عن المسؤولين عن‬ ‫الفتنة إذ نجد أحاديث عن عثيان بن عفان" وعلي بن أبي طالب وعمرو بن‬ ‫العاص ومعاوية بن أبي سفيان ومروان بن الحكم من ملوك الدولة الأموية‪.‬‬ ‫_ ‪_ ٩٨‬‬ ‫فإذا كان عمدة الإباضية في الحديث قد نقل عن هؤلاء الصحابة وغيرهم‪،‬‬ ‫فإنه لا يبقى مجال للاحتفاظ بأقوال وآراء قديمة تخونها شبهة دليل فضلا عن‬ ‫الدليل نفسه ‪ ،‬وهي في ظني مجرد استنباط على أساس اختلاف الرؤى‬ ‫السياسية بين المسلمين‪.‬‬ ‫إن ما أوردناه من كلام عن موقف الإباضية من السنة النبوية الشريفة‬ ‫لا يمنعنا من الاعتراف بأنه قد وجد تيار قد نفهم منه عدم الاطمئنان إلى ما‬ ‫يرويه الآخرون والتحفظ الشديد من كل ذلكڵ فإنه يبدو أن هذا التيار‬ ‫ليس جديدا فإننا نجد في القرن الثاني من يقف هذا الموقف والظاهر أن‬ ‫الملتزمين بهذا الرأي ليسوا بالكثرة التي يمكن أن يطبع المذهب بموقفهم‪.‬‬ ‫فهي مجرد أقوال لا يعرف لها صاحبؤ منها أنه «لا يبوز الأخذ بحديثهم إلا‬ ‫أحاديث الترغيب والترهيبؤ والأحاديث التي لا تخالف ماصح عندنا من‬ ‫الأحاديث»‪ .‬ويحاول ابن بركة أن يدافع عن هذا التيار رغم أنه ليس من‬ ‫القائلين به‘ ويرد أسباب ذلك إلى السياسة والسلطة إذ يقول‪« :‬وخالفونا‬ ‫ينكرون منا أنا لا نقبل أحاديثهم ونقلدهم فيها‪ ،‬وفيهم عبدالملك بن مروان‬ ‫وأعوانه والمهلب بن أبي صفرة وأبو هارون العبدي وأمثالهم" إن هذا‬ ‫الموقف الرافض ليس في واقع الأمر إلا اتجاها محصورا جداء دفعت إليه‬ ‫السياسة وعدم الرغبة في مصادمة النصوص الصحيحة التي رواها علياء‬ ‫المذهب العدول‪ .‬وعل كل؛ فالمسألة ليست بهذه الصورة التقريرية التى‬ ‫نجدها عند «نقلة التراث» فرأي المذهب في حقيقته غير ذلك‘ فقد صرح‬ ‫الكندي (ق‪٦‬ه)‏ بأننا «لسنا ننكر أخبار مخالفينا فيما تفردوا به دون أصحابنا‬ ‫من غير أن نعلم بفساده أن يكون صحيحا وإن لم ينقلها معهم أصحابنا لما‬ ‫يجوز أن يكون البعض من أصحابه علم بالخبر أو ببعض الأخبار ولم يستبقوا‬ ‫‪_ ٩٩‬‬ ‫في الكل علم ذلك الخبر أو لم يشتهر بينهم"‪ .‬ويقبل الشيخ اطفيش أحاديث‬ ‫الآخرين إن وافقت ما عندنا أو وردت فييا ليس لنا فيه حديث وليسواطالبين‬ ‫فيه تصحيح مازاغوابه! كيا أن الإباضية كيا سبق أن ذكرنا‪ ،‬لا يردون السنة‬ ‫التي يرويها غيرهم لمجرد الإختلاف معهم بل كانوا يبحثون عن عذر إذا لم‬ ‫يعملوا بحديث صح عند هؤلاء‪ .‬فقد سأل صاحب المدونة أبا المؤرج وبا‬ ‫سعيد عن حديث عائشة من أن النبي (يَلة) يظل على الجنابة حتى صلاة‬ ‫الصبح ثم يصبح صائاً فكانت الإجابة داله ورسوله أعلم" ولو نعلم أن‬ ‫النبي () فعل ذلك لاخذ نابه غير أن أصحابنا الذين نأخذ عنهم ونعتمد‬ ‫عليهم لا يرون ذلك ولا يأخذون به والله أعلم بهذا الحديث»‪ .‬وقد قبل ابن‬ ‫بركة خبر تحريم النبي () في خيبر لحوم كل ذي ناب من السباع وذي‬ ‫خلب من الطير والحمر الأهلية‪ ،‬رغم مخالفته لقول الإمام أبي عبيدة في‬ ‫طهارة سؤر السباع ولحمها‪ .‬الذي وافقه عليه الإمام مالك‪ .‬وذكر ابن بركة‬ ‫أن النظر عنده يوجب صحة الخبر «للآن إسناده ثابت ورجاله معهم عدول‪،‬‬ ‫وانتشار الخبر في المخالفين وقولهم به كا لملشهور فيهم»‪.‬‬ ‫لم يرد الإباضية في حقيقة أمرهم الأحاديث التي رواها غيرهم إلا إذا‬ ‫تعارضت مع مبدأ عقدي صحيح ثبت عندهم بالدليل‪ ،‬ومعلوم أن‬ ‫الأحاديث الأحادية ليست حجة في العقائد‪ ،‬وهو مذهب الجمهورة كيا أنهم‬ ‫يردون الأحاديث المتعارضة مع أخرى ثبتت صحتها عند محدثي المذهب من‬ ‫الرعيل الأول‪ ،‬وهذا من باب الترجيح‪ ،‬وهو حق مشروع للجميع وإذا وجد‬ ‫رأي لا يعول عليه في رد أحاديث الآخرين فإنما هورد فعل نتيجة عوامل‬ ‫تاريخية" ومواقف عقائدية وسياسية‪ .‬ومما لاشك فيه أن هذا التيار قد وجد‬ ‫عند بقية المذاهب إذ يكفي أن يكون الراوي «إباضياً» لرفض خبره وروايته‪.‬‬ ‫‪_ ١٠٠‬‬ ‫في ختام هذا الفصل يمكن أن نقرر أن السنة النبوية عند الإباضية كيا‬ ‫هي عند غيرهم‪ .‬المصدر الثاني من مصادر التشريع‪ ،‬ولا يجوز أن يتجاوزه‬ ‫المجتهد إلى غبره إذا كان الحديث صحيحا وأن فقهاء المذهب قد أخذوا‬ ‫الحديث عن كل من كان أهلا للرواية‪ ،‬بقطع النظر عن مذهبه‪ ،‬وكان هذا‬ ‫منذ الأيام الآولى لظهور هذه المدرسة التشريعية‪ ،‬وأنهم قد رووا عن جميع‬ ‫الصحابة بمن فيهم المسؤولين عن الأحداث المؤلمة التي مربها المسلمون مند‬ ‫أواخر حياة الخليفة الثالث إلى وفاة علي بن أي طالب©ؤ ولم يجعلوا عنصر‬ ‫السياسة يؤثر في تلقي العلم‪ ،‬وأن نقاد الحديث على علمي لم يستطيعوا أن‬ ‫يذكروا لنا إباضياً واحدا في قائمة الوضاعين‪ ،‬إذ أن الكذب عند الإباضية‬ ‫النار‪.‬‬ ‫في‬ ‫مخلد صاحبها‬ ‫كبيرة‬ ‫مسند الإمام الربيع بن حبيب‪:‬‬ ‫أقدمها تاريخا‪ .‬وتظهر صحة أحاديثه من خلال دراسة قضايا الراوي‬ ‫والمروي وبعبارة أخرى مسائل الاسناد والمتن‪.‬‬ ‫أولا ‪ :‬الاسناد ‪ :‬يعتبر علياء الحديث الاسناد من مسائل الدين إن هو‬ ‫الحامي للسنة من الوضع والعلل‪ .‬ولقد كان الإمام الربيع مدركا لأهمية‬ ‫الاسناد رغم كونه من محدثي القرن الثاني في وقت ما يزال الناس فيه إلى خير‬ ‫القرون أقرب ودواعي التشدد في الاسناد لم تتأكد بعد‪ ،‬ومع ذلك اكتفى الإمام‬ ‫الربيع بالرواية من طريق واحدا أبو عبيدة عن جابر عن صحابي (يذكره)‬ ‫عن رسول اه (يَية)‪ .‬وقد بلغ عدد الأحاديث المروية بهذا الاسناد ستين‬ ‫وخمسيائة ‏(‪ )٥٦٠‬حديثا من مجموع واحد وأربعين وسبعيائة حديثا‪ .‬وجاءوت‬ ‫‪_ ١٠١‬‬ ‫البقية غير موصولة‪ ،‬ولكنها ثبتت من طرق أخرى عند غير الربيع‪ ،‬وصحت‬ ‫خلو السند من كل راو متهم بالكذب أو الشذوذ أو التدليس‪ .‬وبما يبرر‬ ‫وجود أحاديث غير موصولة هو كون المسند قد دون قبل أن تستقر قواعد نقد‬ ‫الحديث وتخريجه التي تأخرت نشأتها عن علم الحديث رواية‪ .‬بل كان الإمام‬ ‫الربيع نفسه قد أورد الكثير من تلك الأحاديث بأسانيد متعددة تتكامل في‬ ‫تصحيح الحديث من حيث الإسناد فضلا عن أن الطابع العام السائد عند‬ ‫محدثي القرن الثاني التساهل في التصريح بالتلقي المباشر لقرب العهد‬ ‫بالرسول الكريم ‪ ،‬وللإيمان العميق بصدق الرواة وأمانتهم‪ .‬فالامام الربيع‬ ‫يروي في غالب أحواله عن أقرب الناس إليه وأعرفه بهم‪ .‬إنهم خيرة شيوخه‬ ‫إضافة إلى أن صغار الصحابة من قبله ينهجون هذا المنهج‪ ،‬ولم ينكر أحد‬ ‫روايات ابن عباس وأنس بن مالك حين يرفعون الحديث إلى رسول الله (يَي)‬ ‫بيا يوحي بالسياع‪ .‬ومن الظواهر الاسنادية البارزة‪ ،‬ي الجامع الصحيح‬ ‫العنعنة‪ .‬فقليلا ما يستعمل الإمام الربيع العبارات الصريحة الدالة على‬ ‫التلقي المباشر التي ستصبح في القرن الثالث مصطلحات أساسية يعول‬ ‫عليها في تقييم الحديث إلا أنه لا اعتبار لهذه المسألة‪ .‬فا لمعنعن‪ ،‬على المعتمد‬ ‫من الأقوال‪ ،‬من قبيل المسند المتصل وهو بمنزلة «حدثنا» و «أخبرنا» إذا‬ ‫توفرت معه عدالة الرواة واللقاء والبراءة من التدليس‪ .‬والعناصر الثلاثة‬ ‫يفضل الله‪ ،‬متوفرة مع رجال الربيع‪ .‬وظاهرة العنعنة مما شارك الإمام الربيع‬ ‫أصحاب بقية الصحاح والسنن‪.‬‬ ‫تانيا ‪:‬المتن ‪:‬‬ ‫إن القراءة المتأنية لنصوص الجامع الصحيح" وهي في مجملها واردة ني‬ ‫‪_ ١٠٢‬‬ ‫الصحاح والسنن تؤكد سلامتها من كل ما يشين الحديث النبوي من‬ ‫ركاكة‪ .‬اللفظ" وركة في المعنى؛ لا يعتزضك فيه حديث مخالف للعقل أو‬ ‫الحس أو المشاهدة أو غير قابل للتأويل السليم ولا تعثر فيه على شذوذ أو‬ ‫علة لا يمكن دفعها‪ .‬والقارىء لأحاديث المسند لايجد فيها شيئا من‬ ‫علامات الوضع والاختلاق كالمجازفة بالوعد والوعيد‪ .‬ومعاني التقرب‬ ‫للسلطة لنيل رضا أصحابها وعطائهم‪.‬‬ ‫إوذا ظهر للبعض ضعف في جملة من أحاديث المسند لكونها رويت من‬ ‫طرق فيها وهن عند غير الإمام الربيع فان ذلك لا يستلزم بالضرورة أن تكون‬ ‫هذه الأحاديث ضعيفة من طريق الإمام الربيع لكون رواته عدولا ثقات‪ .‬كيا‬ ‫أن النظر الرصين لتلك الأحاديث لايوحى بشيء من علامات الوضع‪ .‬ولا‬ ‫هي متعارضة مع الأصول الكبرى التي قررها القرآن الكريم عقيدة وشريعة‬ ‫ومنهج حياة‪ .‬وقد تقرر‪ 6‬عند أهل الحديت‪ ،‬أن من معايير الصحة أن لا يكون‬ ‫الحديث شاذا بأن يخالف الراوي الثقة من هو أكثر ثقة منه‪ ،‬فكيف يمكن‬ ‫أن يكون الحديث معارضا لأصل من أصول القرآن الكريم أآوية مآنياته؟!‬ ‫‪:‬‬ ‫الخصائص‬ ‫ينتهي كل من تتبع المسند إلى ملاحظات نوجزها فا يلي ‪::‬‬ ‫‏‪ ١‬علو الاسناد ووفرة الثلاثيات‪.‬‬ ‫‏‪ _ ٢‬التكرار‪.‬‬ ‫أولا‪ :‬علو الاسناد ‪ :‬تمتاز أحاديث المسند بعلو اسنادها‪ .‬فأكثر‬ ‫أسانيدها ثلاثية‪ ،‬ليس بين الإمام الربيع والنبي (ينلة) في الغالب إلا ثلاث‬ ‫حلقات‪ .‬وتعتبر هذه الميزة من محاسن مسند الإمام الربيع لأن علو الاسناد‬ ‫‪_ ١٠٣‬‬ ‫يحمي الحديث من الخلل‪ .‬فكليا كان العدد أقل قل احتيال الخط في الغالب؛‬ ‫وكلا كانت الوسائط قليلة كانت الرواية أقرب إلى الصحة‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬التكرار ‪ :‬يشترك الربيع مع غيره من أصحاب الصحاح‬ ‫والسنن في صفة التكرار‪ .‬ولكن المسند يعتبر أقل كتب الحديث تكرارا‪.‬‬ ‫فنجد في نفس الباب نفس الحديث‪ ،‬والقصد من ذلك‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬بيان أن الحديث رواه أكثر من صحابي دفعا للغرابة عنه‪.‬‬ ‫ب _بيان أن الحديث روي بألفاظ مختلفة‪.‬‬ ‫ج_ إيراد الرواية المختصرة والمفصلة للحديث الواحد إذا روي من‬ ‫طرق عدة! فيفيد التكرار في هذه الحالة‪ ،‬إزالة شبهة عن ناقليه أو إفادة‬ ‫مكانة المسند‪:‬‬ ‫لا نبالغ إذا قررنا" بعد كل ما سبق بيانه ‪ 5‬أن مسند الإمام الربيع رصيد‬ ‫ثري في مجال السنة النبوية‪ ،‬يؤكد ما جاء في غيره من الصحاح والسنن من‬ ‫أحاديث مشتركة‪ ،‬بسند جديد؛ إضافة إلى كون المسند واحدا من مصنفات‬ ‫القرن الثاني القليلة التي وصلتنا‪ .‬فهو يصور إلى حد بعيد‪ ،‬مستوى التأليف‬ ‫الحديثي لذلك العهد‪ ،‬بكل مميزاته‪.‬‬ ‫والمسند‪ 5‬أصح كتاب بعد القرآن الكريم‪ .‬تليه بقية الصحاح والسنن‪.‬‬ ‫فيا فيه من أحاديث صحيح في الجملة‪ .‬ولا وجود للموضوع المختلق‪ .‬ولا غرابة‬ ‫أن يعتبر هذا الكتاب أصح كتب السنة لثقة رجاله والاعتقاد في صلاحهم‪.‬‬ ‫وبذلهم حياتهم في خدمة الدين وورعهم عن أن يتقولوا على رسول الله‬ ‫(يَلة) وهم الناقلون عنه‪« :‬من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النارا‪.‬‬ ‫‪_ ١٠٤‬‬ ‫اهتم الإباضية بمسند الإمام الربيع فقام الوارجلاني (ق‪٦‬ه)‏ بترتيب‬ ‫أحاديثه على شكل جامع وسياه الجامع الصحيح فيسر على الناس الاستفادة‬ ‫منه وأقبلوا عليه‪ ،‬ثم جاء الشيخ أبو ستة (ق‪١٢‬ه)‏ فشرحه وكان عمله أول‬ ‫شرح للمسند وصلنا _ حاليا على الأقل‪ .‬ثم جاء الشيخ السالمي (ق ‏‪- ١٣‬‬ ‫‏‪ ٤‬ه) فشرح جزئيه الأول والثاني‪ .‬وفي السنوات الأخيرة انتشر المسند بعد أن‬ ‫تعددت طبعاته‪ .‬فاستفاد منه المهتمون بالدراسات الشرعية عموما والحديثية‬ ‫خصوصا وما تزال العناية با لملسند ماضية وخدمته قائمة‪.‬‬ ‫ج الإجماع ‪:‬‬ ‫لقد كان الإجماع موضوعا للجدال والنقاش عند الأصوليين" فقد‬ ‫تكلموا في طبيعته وحجيته والمقصود منه‪ ،‬فتعددت الآراء وتباينت المواقف©‬ ‫وكان للإباضية حضور فكري في إطار هذا النقاش وكان لهذا الحضور‬ ‫جانبان‪ ،‬يمثل الجانب الأول مواقف غير الإباضية‪ ،‬ويمثل الجانب الثاني‬ ‫موقف أصحاب المذهب نفسه من الموضوع‪.‬‬ ‫يذهب أصحاب الموقف الأول من عرب ومستشرقين إلى أن الإباضية‬ ‫لا يعترفون بإجماع خارج جماعتهم‪ ،‬ولا يقرون إلا باتفاق فرقتهم وآن‬ ‫تعاليمهم تكونت بعيدة عن إجماع آهل السنة‪ .‬وضم الخوارج _ ومنهم‬ ‫الإباضية بالطبع إلى القائلين بأن الإجماع ليس بحجة لقوله تعالى‪:‬‬ ‫يَأمياالذنَءامنواآطيغوااللهوأطيغواالتسول ووأأزلى‬ ‫‪_ :‬‬ ‫مرنة ن رع ؤق شىى ء شوه إله و والرسول انكم‬ ‫دو ۔ے ۔ س ه ‪2‬‬ ‫۔‬ ‫مم‬ ‫‪7‬‬ ‫هم ے‬ ‫مر 'ہ‬ ‫ر‬ ‫قرم‬ ‫د‬ ‫د ‏‪٢‬وّمنون ياللهيهرداواليوما لآخردَلكَ حبر وا حسن‬ ‫(النساء ‏‪)٥٩‬‬ ‫ويلا‬ ‫وذكر صاحب فواتح الرحموت‪ ،‬في حديثه عن حجية الإجماع أنه «لا‬ ‫يعتد بشرذمة من الحمقى الخوارج والشيعة لأنهم حادثون بعد الاتفاق©‬ ‫يشككون في ضروريات الدين مثل السفسطائية في الضروريات العقلية"‪.‬‬ ‫ولم يعترف ابن حزم برأي الإباضية في الإجماع‪ .‬إذ العلماء الذين يعتد‬ ‫بإجماعهم هم الذين حفظ عنهم «الفتيا من الصحابة والتابعين وتابعيهم‬ ‫وعلماء أهل الحديث ومن تبعهم ‪ .‬رضي الله عنهم أجمعين _ ولسنا نعي أبا‬ ‫الهذيل ولا ابن الأصم ولا بشر بن المعتمر ولا ابراهيم السيار ‪ ...‬ولا جهال‬ ‫الإباضية ولا أهمل الرفض فإن هؤلاء لم يتعنوا من تثقيف الآثار ومعرفة‬ ‫صحيحها من سقيمها! ولم يعترف ناشر «مراتب الإجماع" بفقه الإباضية ولم‬ ‫يكن يراه مؤثرا ني الإجماع إذ «ليس هؤلاء الإباضية من الذين يعول على‬ ‫فقههم وهو أحدث من خضاب شيخهم وليس لهم علم بالسنة لابتعادهم‬ ‫عن الأمة وتكفيرهم لها‪ ...‬فيبقون من أجهل خلق الله بالسنة‪ .‬ولا فقه حيث‬ ‫لا تكون سنة وهذا ظاهر جداا‪.‬‬ ‫وبقطع النظر عن اللهجة الحادة التي عبر بها البعض عن مواقفهم ‪-‬‬ ‫وكان ذلك منهجا مألوفاً عند هؤلاء _ فإننا نستخلص من كلامهم أن‬ ‫الإباضية لم يعترفوا بإجماع الأمة وقصروه على إجماع عليا ئهم والنقطة الثانية‬ ‫تنص على عدم اعتداد المذاهب الأحرى بصفة عامةة برأي الإباضية في‬ ‫إجماع الأمة فما هو مدى صحة هذه الآراء وصدقها في التعبير عن حقيقة‬ ‫الموقف الإباضي؟‬ ‫إن الجواب عن هذا السؤال تتضمنه كتابات علياء المذهب©ؤ كيا هو‬ ‫الحال مع ما أشرنا إليه بالنسبة لموقفهم من القرآن ث وخاصة السنة\ فقد بينا‬ ‫أن اتهام الإباضية بجهلها بالحديث الذي يرويه الثقات مهيا كان مذهبهم‪.‬‬ ‫‪_ ١٠٦‬‬ ‫اتهام باطل‪ ،‬وأقمنا الحجة على ذلك‪ .‬أما فيما يتعلق بالنقطة الأولى في قضية‬ ‫الإجماع فإن المارغني السوفي ينكر ذلك ولا يعتبر إتفاق علياء المذهب‬ ‫إجماعا فإنه «إذا قال إن اجتمعت الوهبية على مسألة هل تقول اجتمعت‬ ‫الأمة قال لا‪ .‬ولكن لزمته الحجة'‪ .‬ويصرح الكندي بأن «الإجماع من أهل‬ ‫كل زمان إجماع إذا كانوا أهل رأي والاختلاف اختلاف»‪ .‬وتطبيق لهذا المبدأ‬ ‫فإنه يرى أن «الحدود لا يحكم بها على الغائب باتفاق الأمة» وبعد عصر‬ ‫الكندي يؤكد ابن خلفون أن مفهوم الإجماع عند الإباضية هو إجماع‬ ‫جتهدي الأمة في عصر من العصور في مسألة من المسائل الإجتهادية‪ .‬ومثل‬ ‫لذلك بقوله «أجمع أهل العلم أن الولد لا يلحق إلا في تمام ستة أشهر من‬ ‫يوم النكاح فصاعداً»‪ .‬ثم يذكر أنه «إذا وردت عليك مسألة فالتمسها في‬ ‫الأصول الذي هو نصوص الكتاب ومتواتر السنة واجماع الأمة" ونقل‬ ‫الشماخي عن أبي يوسف منيب أن من العلياء من يقول بتشريك الشاك فيمن‬ ‫دفع الرأي المجتمع عليه‪ ،‬وذكر الشقصي أن «الإجماع هو كل قول أو فعل‬ ‫صح لأمة محمد (يََلة) ولا يوجد فيه خالف‪.‬‬ ‫إن مفهوم الأمة في نظر الإباضية أنها «جميع مآنمن به وصدقه‪ .‬ودخل‬ ‫في جملة ذلك الافتراق والمذاهب الماضية من المرجئة والقدية والشيعة‬ ‫والخوارج والإباضية والمشبهة والمجسمة‪ .‬فهذه القولة أظهر وأشرح من أن‬ ‫يحتاج إلى دليل وهو الغالب على القلوب وتميل إليه النفوس‪ .‬وقد قال رسول‬ ‫الله ()‪« :‬ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة"‪ .‬وظاهر من خلال هذا‬ ‫الكلام أن الإباضية كانوا أكثر تساعحا مع الآأخرين‪ ،‬وعلى استعداد لقبول‬ ‫آرائهم والاعتراف بها إذا وافقت الحق‪ .‬وأن الإجماع عند هم هو إجماع علياء‬ ‫الأمة الإسلامية وأنه حجة بدليل الكتاب والسنة وأنه مقدم على القياس‬ ‫‪_ ١٠٧‬‬ ‫وأقوى منه‪.‬‬ ‫لقد تعرض أصوليو المذهب إلى كل المسائل المتعلقة بموضوع الإجماع‬ ‫كالتعريف والحجية والأنواع وإجماع الصحابة واشتراط انقراض العصر‬ ‫ونحو ذلك من المسائل‪.‬‬ ‫د ۔ القفقاس ‪:‬‬ ‫لقد كان القياس كيا هو الحال مع الإجماع موضوع حديث طويل عند‬ ‫أهل الأصول مع شيء من الاختلاف© ذلك أننا نجد الإجماع من حيث‬ ‫المبدأ متفقا على حجيته في حين تباينت المواقف من حجية القياس‬ ‫واعتباره أصلا من أصول التشريع‪ ،‬فذهب الجمهور إلى أنه أحد مصادر‬ ‫التشريع‪ .‬يلتجأ إليه إذا لم يوجد لحادثة ما حكم في الكتاب أو السنة أو‬ ‫الإجماع‪ .‬ورفض فريق من الأصوليين ذلك لأن القياس يقوم على العلة‪ ،‬في‬ ‫حين أن العقل عاجز عن إدراك علل الأأحكام التي نصبها الله تعالى‪.‬‬ ‫فالإقدام على ذلك في نظرهم مجازفة ودفع بالعقل فيما ليس له أن يدخله‬ ‫وقد تبنى هذا الرأي أهل الظاهر وحملوا على القائلين بالقياس واتهموهم‬ ‫بالزيادة في شرع القه وتحليل حرامه وتحريم حلاله‪.‬‬ ‫ليس من السهل أن يلحق الإباضية في أيامهم الأولىں على عهد‬ ‫الإمامين جابر بن زيد وأي عبيدة مسلم بن أي كريمة بأحد الفريقين‬ ‫فحتى ذلك الحين لم تكن المصطلحات الأصولية‪ ،‬ومنها القياس قد‬ ‫اتضحت وتبينت معالمهاء ولم يكن مجتهدو ذلك العصر يعرفون غير القرآن‬ ‫والسنة والرأي" ولم يكن الرأي ذامعنى محدد إذ يمكن أن يدخل تحته‬ ‫القياس والاستحسان والمصالح المرسلة ونحو ذلك‪ .‬والمهم أنه ليس في‬ ‫‪_ ١٠٨‬‬ ‫مقدورنا أن نرجع آراء الإمام جابر الفقهية على سبيل المثال إلى أحد هذه‬ ‫الأقسام إذ أن فقهاء القرن الأول في أغلب أحوالهم كانوا يكتفون بالتصريح‬ ‫بحكم المسألة المعروضة من غير ذكر الدليل‪ .‬وفي أخريات أيام أي عبيدة بد‬ ‫مصطلح القياس في الظهورك وأمسى موضوعا للجدل بين المجتهدين‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك لانعرف إن كان أبو عبيدة من القائسين في استخراج حكم الحوادث‬ ‫المسكوت عنها أم لاؤ في حين أنا نعلم أنه يقول برأيه‪ ،‬ولكن لا نعرف طبيعة‬ ‫هذا الرأي‪ .‬وليس غريباً أن تكون بعض أقواله الفقهية نتيجة القياس ولكنه‬ ‫قياس في أجلى صوره‪ ،‬قائم على علة منصوص عليهاا بعيد كل البعد عن‬ ‫التعقيد الذي عرف فييا بعد عند القائلين بالقياس من ذلك «اختلاف‬ ‫الفقهاء في ضم الذهب إلى الفضة والفضة إلى الذهب ليكتمل بهيا النصاب ©‬ ‫إذا عجز كل واحد منهيا عن النصاب© قال أصحابنا‪ :‬يضم كل واحد إلى‬ ‫صاحبه ويستكمل بهيا النصاب© وذلك أنهيا عندهم بمنزلة شيء واحد‬ ‫لاتفاقهيا في المنفعة كيا يقول الفقهاء أنهيا رؤوس الأموال وقيمة المتلفات‬ ‫وعليهما قاس أبو عبيدة رحمه الله ضم الحنطة إلى الشعير في استكيال النصاب»‪.‬‬ ‫وهذا الرأي قد رجع إليه أبو عبيدة إذ لم يكن يقول به قبل ذلك‪ ،‬فقد ذكر‬ ‫الشياخي نفسه أن ضم البر إلى الشعير والشعير إلى البر هو آخر كلام أبي‬ ‫عبيدة وكان أول قوله‪ :‬إنه لازكاة في البر ولا في الشعير إلا ما بلغ ثلاثيا ئة‬ ‫صاع ولا يضم بعضه إلى بعض ثم رجع عن ذلك فقاسه بالذهب والفضة‬ ‫يبد وأن في انتقال أبي عبيدة من رأي إلى آخر في الفروع دليلا على تغير موقفه‬ ‫من القياس فقد أجازه بعد أن منع إستعياله في أول الأمر إلا أنه لم يكن‬ ‫مغاليا ي استخدامه له‪ ،‬وقد سلك الربيع بن حبيب منهج شيخه واتبعه في‬ ‫ذلك جماعة‪ ،‬عرفوا بالتزامهم الشديد بالأثرأ وبموقفهم المتحرز من زميليهم‬ ‫‪_ ١٠١٩‬‬ ‫عبدالله بن عبدالعزيز وأبي المؤرج اللذين أظهرا ميلا كبيرا إلى استعمال‬ ‫القياس ربيا كان ذلك نتيجة تأثرهما بمنهج فقهاء الكوفة الذين كانوا‬ ‫يقدمون القياس على خبر الآحاد‪.‬‬ ‫لقد كان عدم الوضوح في موقف أبي عبيدة‪ ،‬ومن قبله الإمام جابر من‬ ‫استعيال القياس سببا في ظهور نزعتين متباينتين‪ ،‬عند فقهاء المذهب‬ ‫الإباضي إزاء هذه الطريقة في استنباط الأحكام إلا أن الأيام حسمت هذا‬ ‫الخلاف لصالح القائسين فاستعمل القياس على نطاق واسع‪.‬‬ ‫ومهيا يكن من أمر فقد كان لرفض القياس أنصار مدافعون احتفظ لنا‬ ‫تاريخ التشريع بعدد كبير من أقوالهم" من ذلك أنه "مما يدل على أن‬ ‫أصحابنا لم يكونوا يقولون بالقياس أنهم أجازو! طعام أهل الكتابيين لإجازة‬ ‫ظاهر الكتاب ولم يعتبروا نجاستهم! و الم يجز بعضهم التعريض للبوائن‬ ‫من المطلقات قياسا على البوائن المميتات‪ ،‬وتركوا القياس هاهنا‪ ،‬ولعلهم‬ ‫ذهبوا إلى ما روي عن ابن عباس آنه قال‪ :‬من حمل دينه على القياس لم يزل‬ ‫الدهر في التباس ضالا عن الدين قائلا غير الجميل"‪ .‬ونسب إلى هاشم بن‬ ‫غيلان عدم القول بالقياس فقد أفتى في رجل أفطر شهر رمضان متعمدا أن‬ ‫عليه كفارة قضاء شهر والتوبة إلى الله تعالى من فعله‪ ،‬ولم يوجب عليه كفارة‬ ‫النديم‬ ‫ابن‬ ‫ذكر‬ ‫الإطار‬ ‫هذا‬ ‫‪ .‬وي‬ ‫بالقياس‬ ‫ممن لا يقول‬ ‫ولا غيرها ‪ .‬ولعله كان‬ ‫أسياء لمؤلفات نسبها لعلماء الشراة ي المشرق منها كتاب هالرد على الشافعى‬ ‫في القياس! وفي المغرب نصح ابن سلام (ق‪٣‬ه)‏ بالتمسك بآراء فقهاء‬ ‫المذهب «فإن الذين مضوا من السلف الصالح أعلم بأمور الله ممن أنتم‬ ‫اليوم بين ظهرانيهم‪ .‬فلا تقولوا بقياس من القول ولا إهمال"‪.‬‬ ‫‪_ ١١٠‬‬ ‫لقد استقر فقهاء المذهب في واقع الأمر على العمل بالقياس منذ وقت‬ ‫مبكر‪ .‬فقد نصح الإمام عبدالوهاب الرستمي (ق‪٣_٢‬ه)‏ أهل طرابلس أن‬ ‫لا يستعملوا على القضاء «إلا الموثوق به في مثل صفة الإمام" في صلاحه‬ ‫وورعه وفقهه وفهمه وعلمه بالكتاب والسنة والآثار ووجه الفقه الذي يؤخذ‬ ‫منه القياس والرأي والقضاء"‪ .‬وقد نسب إلى هذا الإمام قوله‪ :‬الحمد لثه إذ‬ ‫وجدت جميع ما فيها (كتب أرسلت من المشرق) محفوظا عندي ولم أستفد‬ ‫منها إلا مسألتين لوسئلت عنهيا لأثجبت فيها قياسا ومدونة أبي غانم بشر‬ ‫بن غانم (ق‪٢‬‏ _ ‪٣‬ه)‏ التي نقلت لنا أقوال علياء القرن الثاني" حافلة‬ ‫بالأحكام المستنبطة بالقياس‪ ،‬وقد نقل عن موسى بن علي استعياله القياس‬ ‫فقد قاس استحقاق إمرأة المفقود إذا تزوجت بأزواج ثم قدم الأول‪ ،‬واختار‬ ‫الصداق فله أقل الصداقين الذي عليه والذي على زوجها الذي هو معها‬ ‫قاس ذلك على رجل باع شفعة لرجل ثم باع الآخر لآخر أنه يأخذها من‬ ‫الذي هي في يده‪ .‬وقيل إذا كانت مسألة لها أصل وصفة\ وجاءت مسألة‬ ‫فرعية تشبهها في الصفة أنها مثلها'‪ .‬وفي رسالة كتب بها أبو الحواري‬ ‫(ق‪٣‬ه)‏ إلى أهل حضرموت ذكر فيها «أن الذي فرق بين أموال أهل الشرك‬ ‫وأهل القبلة السنن الماضية التي يهتدي بهاء والآثار المتبعة التي يقتدي بهاء‬ ‫ليس لأحد فيها اختيار ولا رأي ولا قياس‪ ...‬فإذا جاء السنة والأثر عن‬ ‫رسول اه () فيبطل هاهنا الرأي والقياس؛‪ .‬ويذهب ابن جعفر وهو‬ ‫معاصر لابي الحواري إلى استعيال القياس‪ .‬ونقل «أن أحمد بن حسين‬ ‫الطرابلسي (ق‪٢٣‬ه‏ ) وشيعته يتناولون في مسائلهم القياس‪ .‬وفي القرن‬ ‫السادس ينقل لنا صاحب المصنف «أن الحاكم إلى رأيه أحوج منه إلى‬ ‫حفظه‪ .‬لأنه يرد عليه من الأمور مالم تأت به الآثار فيقيس بعضها ببعض‪.‬‬ ‫‪١١١‬‬ ‫وينظر الفرق بين أصوها وفروعها‪ .‬وهذا ما يدل ان الحاكم لايكون إلا ممن‬ ‫يجوز له القول بالرأي‪ ،‬وهو عن محمد بن محبوبه‪.‬‬ ‫إن هذه الثنائية في الموقف من القياس جعلت «شاخت" يذكر أن‬ ‫الإباضية وآخرين قد اعترفوا أخيرا بالقياس وأقروه مصدرا من مصادر‬ ‫التشريع إلا أنه لم يحدد بالضبط تاريخ هذا الإعتراف‪ ،‬وأغفل الاتباه‬ ‫الرئيسى عند علياء المذهب القائل منذ الأيام الأولى بالقياس سواء المغالين‬ ‫ومن حاء‬ ‫وأبي ‏‪ ١‬لمؤرج‪ .‬أو ‏‪ ١‬لمتحفظين كا لربيع بن حبيب‬ ‫عبدا لعزيز‬ ‫كابن‬ ‫بعده‪ .‬وعلى كل فإن رأي «اشاخت! أقرب إلى الصواب مما ذهب إليه‬ ‫الجويني (ق‪٥‬ه‏ ) من أن الإباضية وطوائف أخرى يجحدون القياس‬ ‫الشرعي في حين يقرون بالقياس العقلي‪ ،‬وقد ثبت بالدليل والبرهان حقيقة‬ ‫الموقف الإباضي من هذا الموضوع‪.‬‬ ‫لقد ذهب الإباضية مذهب الكثيرين من غيرهم إلى التوسع في استعمال‬ ‫كلا تبينت لهم‬ ‫‏‪ ١‬لمستجدة{‬ ‫ولم يكتفوا بمسائل المعاملات والحوادث‬ ‫القياس‪،‬‬ ‫العلة التي قام عليها حكم الأصل فاستعملوه في العبادات فأوجبوا التتابع‬ ‫في قضاء رمضان قياسا على التتابع في الأداء‪ ،‬ومن ذلك أيضا قولهم في‬ ‫المسافر والمريض إذا أخرا القضاء حتى يدخل رمضان آخر وقد أمكنهيا‬ ‫القضاء يصومان هذا الحاضر ويطعيان عن الماضى لكل يوم مسكينا غداء‬ ‫وعشاءَ‪ ،‬ويقضيانه بعد ذلك قياسا على وجوب الإطعام على المفطر تعمداً‪.‬‬ ‫لأن كليهما منتهك لحرمة الشهر‪ .‬وفي قواعد الإسلام للجيطالي (ق‪٨‬ه_)‏‬ ‫والإيضاح للشياخي في نفس العصر أمثلة كثيرة لاستعمال القياس في‬ ‫العبادات‪.‬‬ ‫‪_ ١١١‬‬ ‫المصادر التبيعية‪:‬‬ ‫أجمع المسلمون بلا خلاف على أن القرآن الكريم والسنة النبوية هما‬ ‫المصدر ان الأولان للتشريع الإسلامي‪ ،‬واتفقوا ايضآ على أن الإجماع هو‬ ‫المصدر الثالث من حيث المبدا‪ ،‬ولكنهم اختلفوا في فهمه وتحديد مدى‬ ‫حجيته وشكله وطبيعته ثم ذهب الجمهور إلى صحة القياس واعتبروه‬ ‫مصدرا تشريعياً ورفضته طائفة من الناس ورأت في ذلك خروجا عن حكم‬ ‫الله وقد بينا في المباحث الماضية بإيجاز مواقف الإباضية من هذه المصادر‬ ‫الأربعة‪ ،‬وتبين لنا أنهم لا يختلفون في شيء عن جمهور الأمة‪ ،‬بل كانوا بعضا‬ ‫من هذا الجمهور‪ .‬بقي لنا أن ننظر بإيحباز في المصادر المختلف في حجيتها بين‬ ‫الأصوليين من وجهة النظر الإباضية وهذه المصادر هي‪ :‬الاستصحاب ©‬ ‫والاستحسان‪ ،‬والمصالح المرسلة وشرع من قبلنا‪.‬‬ ‫‪-١‬الإستصحاب‏ ‪:‬‬ ‫وهو عبارة عن إبقاء ما كان على أصوله التي كان عليها من وجود وعدم‪.‬‬ ‫وقد أنكر الحنفية أن يكون استصحاب حال الأصل من أقسام الإستدلال‪.‬‬ ‫وهو حجة عند أكثر الإباضية والشافعية لأن الظن ببقاء ما كان على ما كان‬ ‫حاصل مالم يصح انتقاله إلى حال آخر‪ .‬وهو حجة عندنا فيما سكت عنه‬ ‫الشارع ومالم يصح فيه النقل عن أصله‪.‬‬ ‫‏‪- ٢‬۔الإستحسان ‪:‬‬ ‫لقد عرف الاستحسان تعاريف عديدة واختار السالمي آن يكون العدول‬ ‫عن دليل أوهى إلى دليل أقوى‪ .‬ولا فرق بين أن يكون المعدول عنه نصاً من‬ ‫الكتاب أو السنة أو الإجماع أو قياسا أو اجتهاداً أو استدلالاه بعد أن يكون‬ ‫‪_ ١١٣‬‬ ‫أقوى مما عدل عنه‪ .‬ولا فرق بين أن يكون المعدول عنه ثبت بظاهر الكتاب‬ ‫أو السنة أو القياس أو الإجتهاد‪ ،‬وقال عنه الوارجلاني أنه أحد قسمي‬ ‫القياس الخفي‪ .‬وقد اتفق الإباضية مع الحنفية في الأأحذ بالاستحسان مخالفين‬ ‫بذلك الشافعي الذي يرى أن من استحسن فقد شرع‪ .‬ويبدو أن أهل‬ ‫المذهب يحتاطون في استعياله ولا يتوسعون في ذلك‪ .‬فقد ذكر الوارجلاني أن‬ ‫« لأهل الدعوة في بعض المسائل طرفا منها ففي هذا التعبير إشارة إلى الاحتياط‪.‬‬ ‫ومثل لذلك برجل باع حرا أنه يسترده بيا عز وهان وليس عليه من الدية‬ ‫شيء إن علمت حياته أو موته‪ ،‬وإن لم تعلم حياته ولا موته فعليه الدية‬ ‫استحسانا‪...‬‬ ‫‪ ٣‬المصالح المربسلة‪: ‎‬‬ ‫وهي عبارة عن وصف مناسب ترتبت عليه مصلحة العباد واندفعت‬ ‫به عنهم مفسدة لكن الشارع لم يعتبر ذلك الوصف بعينه ولا بجنسه في شيء‬ ‫من الأحكام ولم يعلم منه إلغاء له‪ .‬وأنكر كل من الشافعية والأحناف هذا‬ ‫النوع من الإستدلال واشتهر به المالكية‪ .‬وقد قال الإباضية بالمصالح المرسلة‬ ‫واهتموا بها وفرعوا عليها جملة من الأحكام‪ .‬إلا أنهم لم يتوسعوا في استخدامها‪.‬‬ ‫وقد صرح الوارجلاني بأن اعتبار المصلحة من منهج التشريع في المذهب‬ ‫بشرط أن يكون سالما من المبطلات‪ .‬وقد آخذ الوارجلاني مالكا في إفراطه في‬ ‫القول بالمصلحة وذكر لذلك صورا لا يقرها الشرع‪ .‬وبقطع النظر عن هذا‬ ‫الموقف فإن الوارجلاني يثبتها للمذهب في إطار محدود‪ .‬ولكن ماهي حدود‬ ‫هذا الإطار؟ إن المسألة تحتاج إلى بحث مطول عن هذه المصلحة التي‬ ‫أرسلها الشرع وسكت عنها‪ .‬وأنا أتصور أن كتب الفروع كافية للإجابة عن‬ ‫ذلك التساؤل‪.‬‬ ‫‪_ ١١٤‬‬ ‫‪ ٤‬۔شرع من قبلنا‪: ‎‬‬ ‫ذهب الإباضية في هنه المسألة كجمهور الحنفية والمالكية وأكثر‬ ‫الشافعية خلافا للمعتزلة‪ .‬وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه‪ ،‬بأنه ليس‬ ‫شرعا لنا‪ .‬ذهب الأولون إلى القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا فيما لم ينسخ‬ ‫بشريعتنا‪ ،‬واشترط السالمي لاعتبار ذلك دليلا شرعيا أمرين‪:‬‬ ‫۔ أحدهما أن يقصه علينا الله أو نبيه من غير إنكار له‪.‬‬ ‫وثانيهما أن يكون ذلك على جهة التشريع لنا‪.‬‬ ‫ويظهر من خلال شرح المختصر أن الإباضية يأخذون بهذا الأصل‬ ‫بشيء من الاحتراز ولا يلجؤون إليه إلا نادرا‪.‬‬ ‫الإلهام ‪:‬‬ ‫لم أفكر أول الأمر في أن أتكلم عن هذا الموضوع‪ .‬ولم يخطر ببالي ذلك إلا‬ ‫أن إدراج الأستاذ بدوي هذه المسألة على أنها أحد أصول التشريع الإباضي©‬ ‫وإيراده لها بصيغة تقريرية لا إشكال فيها‪ ،‬حيث بدأ الفصل بقوله‪« :‬الإلهام‬ ‫عند الإباضيةء نوع من أنواع الاستدلال" ثم راح يفصل الحديث فيه‪.‬‬ ‫لقد دفعني هذا الكلام إلى مراجعة موضوع الإلهام قي كتابات الإباضية‬ ‫وتأملت فيه فأدركت أن في ما كتب الأستاذ بدوي كثيرا من التجني على‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وسوء فهم لما أشار إليه الشيخ السالمي في شرحه لطلعة الشمس‬ ‫نقلا عن أبي سعيد الكدمي من أن الإلهام حجة يضيق بها جهل الجاهل‪.‬‬ ‫ويلزم العمل بها في بعض المواضع كأن يعجز المرء عن إدراك القبلة عند‬ ‫الصلاة لعدم المرشد‪ ،‬ففي هذه الحالة يجتهد ثم يصلي إلى حيث اطمأن قلبه‪.‬‬ ‫وهذا ما أطلق عليه الإلهام‪.‬‬ ‫‪_ ١١٥١‬‬ ‫والدليل على أن الأستاذ بدوي لم يفهم القضية فهما صحيحا أنه لم يمثل‬ ‫ههذا النوع من الاستدلال بأدنى مثال يزول به الغموض وتتضح الصورة‪.‬‬ ‫وأنا لا أدري لماذا لم يشر إلى ماجاء في العدل والإنصاف للوارجلاني‪ ،‬وهو‬ ‫أحد مراجعه المثبتة في الفهرس» من أن الإلهام هو طريق المعرفة عند الملائكة‬ ‫ولماذا لم ينقل ماقرره صاحب فصول الأصول‪ ،‬وهو تلميذ السالمي من إنكار‬ ‫أن يكون الإلهام أصلا من أصول التشريع‪ ،‬كيا أن الشياخي في مختصره‬ ‫وشرحه لم يذكر هذه النقطة من قريب أو بعيد‪.‬‬ ‫إن القضية عند الشيخ السالمي‪ ،‬لا تعدو أن تكون مسايرة للكثيرين من‬ ‫أهل الأصول الذين أدرجوا هذه النقطة في كتبهم بشيء من التوسع يفوق ما‬ ‫في طلعة الشمس‪ .‬والغريب في الأمر أن الأستاذ بدوي نفسه نقل مسألة‬ ‫الإلهام عن السمرقندي الحنفي وغيره‪ .‬ثم إن مسألة الإلهام هذه بحثها كثير‬ ‫من الأصوليين" فخصص لها ابن النجار فصلا في شرح الكوكب المنير نقل‬ ‫فيه أقوال العلياء‪ ،‬كيا أن الأستاذ «مدكورا في «مناهج الاجتهاد» تعرض‬ ‫للموضوع اعتياداً على المصادر الأصولية‪ ،‬وبين مذاهب العلياء فيه‪ ،‬وعقد له‬ ‫الشوكاني فصلا تعرض فيه لآراء أهل السنة والجماعة مواقفهم منه‪ ،‬والغزالي‬ ‫في إحياء علوم الدين عر عن رأيه في المسألة وأطال في تصويرها‪ .‬فلماذا إذن‬ ‫يعمد الشيخ إبراهيم بدوي لتقديم الموضوع بطريقة توحي بأن القول بالإلهام‬ ‫أحد مصادر الإباضية في التشريع‪ ،‬بل مما اختصوا به دون بقية المدارس‬ ‫الأصولية الألخحرى؟!‪.‬‬ ‫إن الجواب الصحيح عن هذا السؤال في منتهى الصعوبة ولعل صاحب‬ ‫"المدرسة الإباضية وأثرها ني الفقه الإلسلامى' وحده يعرف الجواب‪.‬‬ ‫‪_ ١١٦١‬‬ ‫‏‪ ١‬لفصل الخامس‬ ‫الفقه الإباضي في عمان‬ ‫ه انتقال الحركة العلمية من البصرة إلى عُمان‬ ‫ه التأليف الفقهي من القرن الثالث الى القرن الخامس‬ ‫ه التأليف الفقهي من القرن السادس إلى القرن الرابع عشر‬ ‫‏‪ ٥‬تموذجان لفقهاء مجددين‬ ‫‪_ ١١٧‬‬ ‫الفصل الخامس‬ ‫الفقه الإباضي ف عمان‬ ‫انتقال الحركة العلمية من اليصرة إلى عمان‪:‬‬ ‫مع ظهور الدولة العيانية القوية التي وفرت أسباب الأمن والاستقرار‬ ‫منذ أوإ‪-‬خر القرن الثاني للهجرة‪ ،‬بدءا بحكم الإمام الوارث بن كعب‬ ‫الخروصي‪ .‬وحتى عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي ‪ ،‬ولدة قرن من‬ ‫الزمن تقريبا (‪١٩٢‬ه_‏ ‪٢٧٢‬ه)‏ ‪ ،‬مع ظهور تلك الدولة بدأت الحركة‬ ‫العلمية تنتقل من العراق إلى غيان‪ ،‬كيا انتقلت إلى حضرموت والمغرب‬ ‫وخراسان وغيرها من المواطن التي استقر بها الإباضية ث وقد قام حملة العلم‬ ‫بهذا الدور‪٬‬‏ دون أن يعني ذلك أن الصلة الثقافية كانت مقطوعة بين عيان‬ ‫والبصرة قبل ذلك بل بالعكس فالعلاقة وثيقة بينهما نظرا للقرب الجغرافي‬ ‫النسبي بين جنوب الخليج وشياله‪ ،‬وقد كان التنقل بين البلدين عادة جارية‬ ‫لالجل العلم والتجارة والإقامة ؛ وكان العلياء } قبل مجيىء حملة العلم ©‬ ‫يذهبون ويجيؤون إلا أن الحركة العلمية لم تتوطد إلا بعد استقرار أولئك‬ ‫العلماء القادمين من البصرة } وبدئهم ببعث حركة علمية عيانية خالصة ©‬ ‫يبدأ معها التأليف في علوم الشريعة أولا " ثم تلحق بها بقية مناحي الفكر‬ ‫من لغة وتاريخ وفلك وزراعة وطب وعلوم البحار ‪..‬س‪.‬يكتب العيانيون‬ ‫عبر التاريخ‪ ،‬كيا كتب غيرهم‪ .‬والذي يهمنا في بحثنا هذا من كل ذلك‬ ‫التراث الكبير إنيا هو الجانب التشريعي من تلك الجهود‪.‬‬ ‫لقد عرف القرن الثاني" إضافة إلى حملة العلم‪ ،‬عددا كبيرا من كبار العلماء‬ ‫الذين قاموا بدور مشهود في الحياة الفكرية والسياسية من أمثال علي بن عزرة ه‬ ‫‪_ ١١٩‬‬ ‫وهاشم بن غيلان ‪ ...‬والقائمة تطول‪ .‬ولكننا لم نعثر لواحد من هؤلاء‬ ‫وأمثالهم عن مؤلفات فقهية أو غيرها‪ ،‬تمكننا من الكشف عن منهجهم في‬ ‫التأليف ؛ ولعل الاضطراب السياسي الذي شهدته عيان قبل وصول الإمام‬ ‫الوارث إلى الحكم كان واحدا من العوامل التي لم تسمح بوصول كتاباتهم‬ ‫إلينا إلا ما ينسب من كتاب الجامع! لاي علي موسى بن علي ‪ ،‬والبيان‬ ‫والصفات في الفقه لأبي المؤثر الصلت بن خميس ‪ ..‬ومن حسن الحظ أن‬ ‫تلاميذ هؤلاء المتقدمين قد نقلوا إلينا جزء ا كبيرا من أقوالهم رواية عندهم‬ ‫لذا كانت مؤلفات القرن الثالث تصور إلى حد بعيد منهج علياء القرن‬ ‫الماضي" كيا يؤكد مستواها التأليفي أنها مسبوقة بمؤلفات واصلت هي‬ ‫طريقها واستفادت منهاء فكان منهجهم لا يختلف كثيرا عن منهج التلاميذ‬ ‫الرواة ‪ .‬ومن هنا ارتأينا اعتياد كتاب الجامع لا بن جعفر لتحديد معالم‬ ‫مناهج المؤلفين في القرنين الثاني والثالث للهجرة‪ ،‬إذ هو في اعتقادنا أفضل‬ ‫شاهد عيا كتب في زمانه‪ ،‬مما تيسر لنا الإطلاع عليه‪ .‬ولكن قبل أن نشرع في‬ ‫ذلك ‪ 0‬نود أن نعطي صورة عامة لأشكال التأليف الفقهي العياني لما ني‬ ‫ذلك من علاقة بموضوع المناهج المتبعة في تصنيف الكتب‪.‬‬ ‫لقد كتب العيا نيون لمستويات القراء ودرجاتهم المختلفة‪ .‬كتبوا للمبتدئين‬ ‫ولمتوسطي الثقافة كيا صنفوا للمتخصصين من أهل العلم والفقه والقضاء‬ ‫الذين يبحثون عن التوسع والتفصيل وكثرة الأقوال وسرد الحجج والأدلة‪.‬‬ ‫ومن أقدم أشكال التأليف الهامة والمتعددة هي الجوامع" إذ نجد مصنفات‬ ‫عدة تحمل اسم هالجامع! منذ القرن الثالث إن لم نقل القرن الثاني‪ .‬والراجح‬ ‫أن هذه الكتب لم يتركها أصحابها على الشكل الذي وصلتنا عليه‪ ،‬وإنيا‬ ‫يبدو أنهم تركوها أوراقا مبعثرة } وأبحاثا متفرقة‪ .‬جاء بعدهم من تولى جمعها‬ ‫‪_ ١١٠‬‬ ‫وأطلق عليها اسم «الجامع؛‪ .‬إلا آن عمله هذا لم يرق إلى المستوى المطلوب‬ ‫من التبويب والترتيب‪ .‬وأحسن ما يعبر عن هذه الحقيقة ما كتبه الشيخ مهنا‬ ‫بن خلفان البوسعيدي في مقدمته لكتاب الجامع لابن جعفر ‪ ،‬فميا قاله بعد‬ ‫الثناء على الكتاب ‪« :‬إلا أن هذا الجامع المشار إليه فييا تقدم من كلامنا‬ ‫بخلاف أسلوب المصنفين في تصانيفهم ‪ ،‬من أج;جل بعض المسائل فيه‬ ‫موضوعة في غير موضعها‪ ،‬وربيا بعض أبوابه قد احتوى على مسائل مختلطة‬ ‫في معان متفرقة} ومع ذلك فالبعض منه غير سالم من التقديم والتأخير على‬ ‫غير ما ينبغي فيه»‪.‬‬ ‫لقد اهتم الفقهاء بهذه الكتب المتقدمة ‪ ،‬وجعلوها منطلقا لتنمية‬ ‫البحث الفقهي ‪ ،‬فكان الواحد منهم يقرأ الكتاب فتبدو له ملاحظات‬ ‫وتعليقات على ما جاء فيه فيثبتها ي الحاشية‪ ،‬ثم يأتي بعده من يضيف‬ ‫ملاحظات جديدة أو تعليقات على ملاحظات قديمة إلى درجة أصبح من‬ ‫الصعب معها أن يميز القارىء بين أصل الكتاب وزياداته بل وزيادات‬ ‫الزيادة‪ .‬وقد أدرك الشيخ مهنا السابق الذكر تلك العقبات التي تمنع من‬ ‫الاستفادة من سفر عظيم الفائدة كالجامع لابن جعفر فتبرع وتكفل بإعادة‬ ‫تبويبه وترتيبه والتمييز بين الأصل والإضافات حسب منهج محدد ذكره ني‬ ‫المقدمة‪ .‬وقد كان عمله لونا من ألوان التحقيق العلمي للتراث‪ .‬وما قلناه مع‬ ‫جامع ابن جعفر يمكن أن يقال مع جامع الفضل بن الحواري أو جامع ابن‬ ‫بركة‪ ،‬خلافا لجامع أبي الحسن البسيوي الذي قد نجا من ذلك الاضطراب ‪،‬‬ ‫ولعل صاحبه أراد أن يخلصه مما تعاني منه الجوامع السابقة فأتى به في غاية‬ ‫الإتقان باستثناء زيادات قليلة جدا أضافها من جاء بعده‪.‬‬ ‫وإلى جانب الجوامع ‪ ،‬نجد علياء القرن الرابع يسلكون منهجا جديدا ‪.‬‬ ‫‪_ ١٢١١‬‬ ‫يقوم على الشرح والتعليق والتعقيب & فقد شرح ابن بركة جامع ابن جعفر‬ ‫وتعقبه أيضا أبو سعيد الكدمي في كتابه المعتبر ‪ ،‬وقام بنفس العمل مع‬ ‫كتاب الأشراف للنيسابوري والايباز في الفقه لأحمد بن خليل السيجاني‪ .‬كيا‬ ‫كتبت الرسائل الصغيرة في مواضيع محددة إجابة عن سؤال صديق أو‬ ‫مستفت يبحث عن حكم شرعي لمسألة ما‪ ،‬ومن أمثلة ذلك رسالة التعارف‬ ‫لابن بركة & والسير والجوابات التي تتضمن أحكاما شرعية هامة إلى جانب‬ ‫المواضيع السياسية التي هي الأصل فيها ‪ .‬وقد يسلك المصنف منهج‬ ‫التقييد والرواية عن شيخه ومعاصريه فيدون آثارهم في رسائل ‪ ،‬ومن أمثلة‬ ‫ذلك كتاب التقييد لابن بركة أيضا‪.‬‬ ‫ومن أشكال التأليف العماني الهامة جدا ‪ ،‬ولا نبالغ إن قلنا إنها خاصية‬ ‫عمانية ‪ 5‬تلك الموسوعات الفقهية المطولة التي ظهرت منذ القرن الخامس‬ ‫واستمرت حتى عصر متأخر ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك الضياء للعوتبي وبيان الشرع‬ ‫والمصنف للكنديين ‪ ،‬وقاموس الشريعة للسعدي ولباب الآثار للصائغي‪...‬‬ ‫بل قد نسبت موسوعات فقهية إلى رجال القرن الثالث والرابع ‪ .‬فقد قيل إن‬ ‫محمد بن محبوب (ق‪)٣‬‏ ألف كتابا في سبعين جزءا ‪ 3‬وألف ابنه بشير بن محمد‬ ‫(ق‪٤_٣‬‏ ) كتابا سياه الخزانة في سبعين جزءا أيضا‪.‬‬ ‫ومن الأمور التي تستوقف دارس تاريخ الفقه العماني فكرة التأليف‬ ‫الجماعي المبكر فقد اشترك ‪ ،‬في أوائل القرن الثالث الهجري & عدد من‬ ‫مشائخ العلم في تأليف كتاب مشترك عرف فيما بعد بكتاب الأشياخ ‪ ،‬ورد‬ ‫ذكره في المصنفات اللاحقة له ‪ .‬وقد كان ذلك في عهد الإمام غسان بن‬ ‫عبدالله ‏(‪ ٠٨_١٩٢‬‏‪).‬ه‪ ٢٦‬وقد ذهبت بعض أجزاء هذه الموسوعة وبقي‬ ‫بعضها الآخر على ما ذكره السيابي‪.‬‬ ‫‪. ١١٢‬‬ ‫وإلى جانب ما ذكرنامن أشكال التأليف ‪ :‬الجوامع والشروح‬ ‫والموسوعاتؤ فإننا نجد المختصرات كمختصر البسيوي ‪ 0‬ونجد مصنفات‬ ‫تعالج كتابا واحدا من كتب الفقه أو أبوابه فقد ذكر كتاب المناسك لابي‬ ‫الحسن البسيوى (ق‪.)٥_٤‬‏ والحوالة لنجاد بن ابراهيم المنحي (ق‪.)٥‬‏‬ ‫وكتاب الإمامة لآي المنذر سلمة بن مسلم (ق‪...)٥‬‏ وقبل هؤلاء جميعا‬ ‫وغيرهم ‪ .‬صنف محمد بن روح (ق‪)٤‬‏ كتاب الصلاة ‪ ...‬وكما طرق المؤلفون‬ ‫العمانيون الكتابة النثرية التي هي الأصل في الفقه‪ ،‬وفي العلوم العقلية‬ ‫والنقلية على حد سواء لكونها تستجيب لطبيعة تلك الأنشطة العقلية ‪.‬‬ ‫فإنهم قد صاغوا الفقه في شكل منظومات ‪ ،‬وطوعوا الوزن والقافية‬ ‫لاستيعاب علم الفقه تيسيرا له على الناس الميالين للنظم والشعر ‪ .‬وقد ظهر‬ ‫هذا النمط من التأليف منذ القرن الخامس فنظم الشيخ محمد بن إبراهيم‬ ‫الكندي © صاحب بيان الشرع ‪ ،‬أرجوزة في الفقه سياها «النعمةا } ثم اشتهر‬ ‫بعده أحمد بن النظر بكتابه «الدعائم" وتوالى النظم الفقهي وازدهر في القرون‬ ‫المتأخرة ‪ 3‬فألف الصانغي أرجوزته ‪ ،‬ونظم الشيخ السالمي ‪ .‬جوهره الذي‬ ‫كانت تلك الارجوزة أصلا له ‪.‬‬ ‫المنهج العام للتأليف الفقهي ‪:‬‬ ‫سنقدم‪ ،‬عن مناهج التأليف عند العيانيين‪ ،‬تصويرا جملا يجمع أهم‬ ‫العناصر المشتركة بين المصنفات الفقهية الكثيرة وذلك لصعوبة استقصاء‬ ‫خصائص كل كتاب على حدة ‪ ،‬ثم نحاول أن ندرس نياذج مختارة ى هي في‬ ‫غالب ظننا شاهدة على ما ألف في عصرها‪.‬‬ ‫وقبل الدخول في صميم الموضوع‪ .‬يجبدربنا أن نشير إلى ملاحظة هامة‬ ‫‪_ ١١٣‬‬ ‫تصادف كل من اشتغل بالفقه العياني } وهي محافظة علياء عيان على النظرة‬ ‫الصحيحة إلى الشريعة الاسلامية التي تمتاز بالوحدة والشمولية‪ .‬فالفقه‬ ‫عندهم كيا كان عند الصحابة والتابعين وتابعيهم‪ ،‬هو معرفة النفس مالها‬ ‫وما عليها‪ ،‬بلا فصل بين عقيدة وأخلاق وعبادات ومعاملات ‪ ...‬فالبحث‬ ‫في مسائل التوحيد جزء من الفقه‪ ،‬بل كان يطلق عليه الفقه الأكبر قبل أن‬ ‫يستقل ويتحول إلى علم قائم بذاته هو علم الكلام ونحوه من التسميات‪.‬‬ ‫والمؤلفات الإباضية عموما‪ ،‬والعيانية منها خصوصا الم تعترف بهذا الاستقلال‪،‬‬ ‫وظل أصحابها يصدرون مصنفاتهم بأبواب التوحيد أو الفقه الأكبر ثم أبواب‬ ‫العلم وآداب المتعلم ثم ينصرف إلى أحكام العبادات والمعاملات‪ .‬ويندر أن‬ ‫تبد كتابا فقهيا عيا نيا يشذ عن هذه القاعدة‪ ،‬كما حدث عند غيرهم" دون أن‬ ‫نعني بهذه الملاحظة أن العلياء العمانيين لم تكن فهم مؤلفات مستقلة في‬ ‫التوحيد‪ ،‬ولكن الطابع العام للمصنفات الفقهية أنها تجمع بين المواضيع‬ ‫الشرعية كلها بلا تفريق بين ما هو اعتقاد وبين ما هو عمل‪.‬‬ ‫وبعد هذا وذاك فيا هو هذا المنهج العام الذي سلكه الفقهاء العا نيون‬ ‫في دراستهم للقضايا وتكييفهم للحوادث المستجدة تكييفا فقهيا؟ وما هي‬ ‫ملامحه ومعا له؟‬ ‫إن تتبعنا لنماذج من المصنفات الفقهية يسمح لنا إلى درجة ما بالإجابة‬ ‫عن السؤال السابق ويكشف عن المنهج الذي اتبعه هؤلاء الفقهاء في بناء‬ ‫مدوناتهم وعرض مضمونها وما دتها العلمية والتي يتلخص في العناية‬ ‫بالنص الشرعي أو النقل من جهة وبالرأي المقيد بالنص فييا لا نقل فيه من‬ ‫جهة أخرى‪ .‬ومما لاريب فيه أنا نقصد بالنص المجموع المكون من القرآن‬ ‫الكريم والسنة النبوية واثار الصحابة والتابعين واثار السلف‪.‬‬ ‫‪١١٤‬‬ ‫‏‪ _ ١‬القرآن الكريم ‪ :‬تعامل الفقهاء العيانيون كغيرهم مع القرآن‬ ‫الكريم باعتباره المصدر الأول من مصادر التشريع فانطلقوا منه لفهم‬ ‫الاحكام وتنزيلها على الواقع‪.‬‬ ‫‏‪ ٢‬السنة النبوية هي المصدر الثاني ‪ :‬فقد كان المشائخ يحتاطون في‬ ‫الرواية ويأخذون بيا صح عندهم ويعرضون عيا لم يطمئن القلب إليه من‬ ‫الروايات‪ ،‬ويعبرون عن شكهم من خلال تعليقاتهم حول الحديث صحة‬ ‫وضعفا‪ .‬وترد العبارات الدالة على ذلك الموقف كثيرا من ذلك‪ :‬إن صح‬ ‫الحديث ‪ 0‬وهذا الحديث ل يصح عندنا ‪ ... .‬ونحو ذلك من التعابير‪ .‬وإلى‬ ‫جانب القرآن والسنة‪ ،‬اعتمد على الأثر من أقوال الصحابة والتابعين التي‬ ‫كان حضورها بارزا في المصنفات المبكرة إلا أنها تقل تدريجيا مع الايام‬ ‫لتغلب عليها في القرون المتأخرة أقوال علياء السلف من أهل المذهب‪ .‬لقد‬ ‫امتاز فقه القرون الأولى بالرواية المتضمنة لحكم مسألة ماء أو تدعيم حكم‬ ‫مستنبط لحوادث جديدة إلا أنها محدودة نسبيا‪ .‬ومن مظاهر الفقه بالرواية‬ ‫نقل الفقيه الأقوال المختلفة الواردة في موضوع ما عن علياء المذهب أساساء‬ ‫دون إعراض عن أقوال غيرهم إلا أن تلك النقول والروايات تتفاوت من‬ ‫فقيه إلآىخر‪ .‬فإذا كان ابن جعفر على سبيل المثال يكتفي في أغلب ما ينقل‬ ‫إلينا عن أشياخه‪ ،‬فإن سلمة بن مسلم الصحاري يورد إلى جانب أقوال‬ ‫علياء المذهب آراء المذاهب الأخرى منسوبة في أحيان كثيرة إلى أشهر‬ ‫أعلامهم وفقهائهم‪.‬‬ ‫والفقيه } في الغالب© لا يكتفي بإيراد الأقوال وجمعهاء خاصة في القرون‬ ‫الخمسة الأولى ‪ ،‬وإنما كان يوازن بينها ويقيم ويرجح أحدها عن بقيتها ني‬ ‫أغلب الأحوال‪ ،‬فيختار أعدها إن تبين له الصواب واطمأن إليه بناء على‬ ‫‪١١٥‬‬ ‫قوة الدليل مقارنة مع الحجج التي استند إليها أصحاب الاقوال المرجوجة‬ ‫وإذا تساوت الأقوال المتعددة في قوة الحجية اكتفى بتعدادها وإلا فإن‬ ‫التتجيح هو الأصل ‪ .‬ونجد عبارات الاختيار متعددة ومتنوعة من ذلك قول‬ ‫الفقيه‪ :‬هو أحب القولين ‪ ،‬أو الاقوال إلي ؛ وأنا من يقول بكذا ؛ أحب هذا‬ ‫الرأي ؛ ويعجبني هذا ؛ وبهذا نعمل ؛ وهو الصواب ؛ وهو العدل ‪ ...‬إلا أن‬ ‫تعليل الاختيار وإقامة الحجج على ذلك يختلف من كتاب إلىآخر ه‬ ‫ويتفاوت قوة وضعفا ‪ ،‬وقد يغيب أحيانا ؛ فابن جعفر (ق‪)٣‬‏ يكتفي بمجرد‬ ‫ذكر العبارة التي تتضمن الحكم وتشير إليه ‪ ،‬أما ابن بركة (ق‪)٤‬‏ لا يكتفي‬ ‫بذلك فهو يناقش الآراء المرجوحة ويدعم اختياره بالحجج والبراهين‬ ‫ويسلك طريقه من بعده تلميذه أبو الحسن البسيوى & ومن بعد هما سلمة‬ ‫بن مسلم في الضياء ‪ ،‬وصاحبا بيان الشرع والمصنف ‪...‬‬ ‫والفقهاء العيا نيون © بطبيعة علاقتهم التاريخية بمدرسة العراق الفقهية‬ ‫في البصرة والكوفة ‪ ،‬يرون إلى حد بعيد أن الأحكام الشرعية في أغلبها قابلة‬ ‫للتعليل‪ ،‬وأن الشارع الحكيم أقامها على أسس تحقيق العدل والمصلحة‪ .‬وما‬ ‫لاريب فيه أن القول بتعليل الأحكام يقود حتيا إلى القول بالرأي © فجل‬ ‫الفقهاء الذين تيسرلي أن أقرأ شيئا مما كتبوا يقولون بالرأي بمفهومه الواسع‪.‬‬ ‫ويستعملون العقل في فهم النص ‪ ،‬شكلا وروحا ‪ 6‬من حيث مفاهيمه‬ ‫ودلالاته وغاياته ‪ 0‬بناء على الأدلة والقرائن من لغة ونحوها من الأحوال‬ ‫والظروف ‪ .‬كيا أن إيما نهم العميق ببقاء باب الاجتهاد مفتوحا ‪ ،‬وإنكارهم‬ ‫للتقليد دفعهم إلى استعيال الرأي فيما لا نص فيه‪ ،‬وفق منهج «الغائية" أو‬ ‫المصلحة المعتبرة التي لا تصادم روح الشريعة ‪ 0‬ومن هنا نجد أكثر‬ ‫المجتهدين يستخدمون القياس والاستحسان واستصحاب حال الأصل‬ ‫‪_ ١٢١٦‬‬ ‫ؤسد الذرائع والعرف ‪ ...‬ويكفي أن نذكر هنا بأن ابن بركة ألف رسالة‬ ‫سياها التعارف ‪ ،‬تقريرا منه لمبدإ الرأي ‪ ،‬وبين فيها أسس العرف المعتبر &‬ ‫والعرف الذي لا اعتبار له ‪ ،‬ثم إننا نجد الفقهاء عند تعرضهم للقضايا‬ ‫المحلية " مثل أحكام الأفلاج والأموال والطرقات ‪ ...‬يسلكون في استنباط‬ ‫الأحكام منهج الرأي الذي يراعي بالدرجة الأولى المصلحة\ وفق معايير توحي‬ ‫بها روح الشريعة ونصوصها التي تقوم على دفع المفسدة وجلب المصلحة وأن‬ ‫دفع المضار مقدم على جلب المصالح وأن لا ضرر ولا ضرار ‪ ،‬وأن الضرر‬ ‫يزال ‪ 5‬وأن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي الدليل المانع ‪ ،‬وأن المصلحة‬ ‫الجماعية مقدمة على مصلحة الفرد عند التعارض ‪ ...‬وبالجملة فإن منهجهم‬ ‫كان ينص على ربط الحكم الشرعي بالفلسفة العامة للتشريع ما أمكن‪.‬‬ ‫ومما يستوقف القارىء للمؤلفات العمانية ‘ وخاصة «الجوامع» } عدم‬ ‫اهتمام أصحابها بمقدمات يعرفون فيها كتبهم‪ ،‬ويبينون منهجهم أو مناهجهم ©‬ ‫وفي أحيان قليلة يصوغون ديباجة قصيرة تضم البسملة والحمدلة والصلاة‬ ‫على النبي (يَقة) ‪ 0‬وسؤال اله التوفيق والتسديد‪ .‬ولعل مما يفسر هذا الغياب‬ ‫هو أن صاحب الكتاب لم يجمع ما كتب وليس هو الذي أعطى كتابه‬ ‫الصورة النهائية التي وصلنا عليها ‪ ،‬وإنما كان ذلك من فعل تلاميذه ومن‬ ‫جاء بعدهم من العلياء الذين قاموا بجمع ما وجدوه مدونا على غير نظام‬ ‫مما يفسر التقديم والتأخير في الفصول والمسائل بل والتكرار أيضا ۔ إلا أن‬ ‫من جاء بعد مرحلة «الجوامع" التزم إلى درجة ما بالتنظيم والترتيب & وهذا‬ ‫المنهج ملاحظ بيسر عند الشيخ سلمة بن مسلم في الضياء ‪ ،‬بل نجده قبل‬ ‫ذلك عند أبي الحسن البسيوي في مختصره وجامعه الذي نجامن الاضطراب‬ ‫ويظهر هذا التطور المنهجي في بيان الشرع والمصنف والمصنفات اللاحقة ‪.‬‬ ‫‪_ ١١٧‬‬ ‫ولا يخفى أن هؤلاء قد استفادوا من نمط التأليف عند الآخرين & فصنفوا‬ ‫مدوناتهم على ترتيب منطقي‪ ،‬فقسموها إلى أبواب وفصول ومسائل وفوائد‬ ‫‪ ...‬ومع هذا المجهود الكبير بقي شيء من الاضطراب ملازما لتلك الكتب‪.‬‬ ‫ففي مسائل الفصل الواحد تداخل بينها‪ ،‬يظهر في تقديم ما حقه التأخير &‬ ‫وتأخير ما حقه التقديم ‪ ،‬كيا أن منهج الرواية والنقل أوقع هؤلاء المؤلفين في‬ ‫تكرار المسائل ‪ ،‬فتأق المسألة في الفصل الواحد أكثر من مرة‪.‬‬ ‫التأليف الفقهي العماني من القرن التالث إلى القرن الخامس‬ ‫الكتابة التي هي وعاء الفكر والعلم؛ تتطور عبر الزمن‪ ،‬وتتطور معها‬ ‫طرائقها ‪ .‬وهذه حقيقة مشتركة لدى الجميع ‪ 3‬تنطبق على مناهج التأليف عند‬ ‫الفقهاء العيانيين كيا تنطبق على غيرهم " ومن ثم يلاحظ الاختلاف في تلك‬ ‫المناهج ‪ ،‬وتفاوت مستواها بصورة واضحة ‪ .‬وسنحاول فييا يأتي أن نكشف‬ ‫عن ذلك التطور الذي عرفته مناهج التأليف الفقهي عبر التاريخ من خلال‬ ‫نماذج تبدولنا شواهد أمينة قدر الإمكان على عصرها‪ .‬ولئن سبق أن أشرنا إلى‬ ‫أننا لم نتمكن من العثور على مؤلفات القرن الثاني ‪ ،‬فإننا سننطلق في رحلتنا‬ ‫مع القرن الثالث الهجري & ومن خلال كتاب الجامع لأي جابر حمد بن‬ ‫جعفر‪ .‬فقد كان منهجه في تأليف كتابه يصور حقيقة التأليف في المرحلة‬ ‫الانتقالية‪ ،‬بين فقه تابعي التابعين والمرحلة اللاحقة التي تأسست فيها‬ ‫المدارس الفقهية والمذاهب الإجتهادية‪ .‬فقد كان ابن جعفر فقيها يعتمد على‬ ‫الرواية أساسا ينقل في كتابهه أقوال شيوخه وشيوخهم ومما أثر عن التابعين‬ ‫وتابعيهمإ إضافة إلى أقوال الصحابة‪ .‬وقد يأتي هذا الفقه مجردا نسبيا عن‬ ‫السنة والآثار وقد يكون ختلطا بها‪ ،‬ومدعيا بالقرآن الكريم ‪ .‬فهو يشعرنا‬ ‫‪_ ١٢١٨‬‬ ‫ببواكير استعيال الإجماع والقياس في أبسط صوره‪.‬‬ ‫إن قراءتنا المتأنية والمتكررة لجامع ابن جعفر & بعد تخليصه من تلك‬ ‫الزيادات وحواشيها المضافة إليه ‪ ،‬تقودنا إلى استخلاص جملة من معالم‬ ‫منهج الرجل‪ .‬فهو يقوم على عرض المسائل وإيراد مختلف أقوال السلف‬ ‫فيها سواء شيوخه وغيرهم مثل الإمام جابر بن زيد وأبي عبيدة ووائل وأبي‬ ‫صفرة ومحمد بن محبوب ‪ ...‬ثم يختار ما يراه أكثر صوابا مستعملا في ذلك‬ ‫جملة من العبارات والصيغ كتلك التي سبق ذكرها‪ .‬وإذا كان في المسألة‬ ‫نص اكتفى بإيراده ‪ .‬ثم نجده كثيرا ما يورد محاوراته ومراسلاته مع شيخه‬ ‫أبي عبدالله حمد بن محبوب ‪ ،‬ومع معاصريه أبي المؤثر وأبي الحواري‪ ،‬وينقل‬ ‫آراء شيخه الفقهية التي كان يتبنى الكثير منها ويحتج بها‪.‬‬ ‫يلاحظ من الأقوال التي يذهب إليها يوتبناها ميله إلى الأخذ بالأحوط‪،‬‬ ‫خاصة في العبادات‪ .‬ورغم إكباره لشيخه أبي عبدالله & فإنه لا يرى حرجا في‬ ‫أن يختار قولا لغيره إذا رأى صوابه ويترك قول شيخه‪ .‬ومن منهجه نقله آراء‬ ‫الصحابة والتابعين وأعلام مدرسة الرأي © من أمثال مجاهد وعطاء وطاووس‬ ‫وإبراهيم النخعي‪ .‬ومن منهجه في تأليف كتابه أنه يبدا الفصل { عادة باية‬ ‫أو حديث ‪ ،‬فيعلق على النص ويقرع الكلام في الموضوع موردا أقوال العلماء‬ ‫في ذلك‪ .‬كيا أنه يكتفي أحيانا بإيراد المسألة بصيغة تقريرية‪ ،‬ثم يبحث فها‬ ‫عن مختلف الصور المحتملة ‪ ،‬مبينا حكمها اجتهادا منه‪ ،‬أو نقلا لقول بعض‬ ‫العلياء ‪ 3‬ويأتي أحيانا بالحكم الشرعي في مسألة ما ثم يعضدها بدليل من‬ ‫كتاب أو سنة أو رأي ‪.‬‬ ‫وفي القرن الرابع } تحدث نقلة نوعية في المناهج المتبعة في التأليف‬ ‫الفقهي الذي وصل ۔ في تلك الفترة ‪ 7‬عصره الذهبي ‪ ،‬ولعل أفضل ما يمثله‬ ‫‪_ ١٢٩‬‬ ‫من المصنفات الفقهية إنا هو الجامع لابن بركة & وا معتبر للكدمي والجامع‬ ‫لاي الحسن البسيوي‪.‬‬ ‫‪ ١‬۔منهج ابن بركة قي تأليف كتابه الجامع‪: ‎‬‬ ‫يعد كتاب الجامع أهم مؤلفات أبي محمد عبدالله بن بركة ‪ ،‬إن لم نقل‬ ‫أهم ما ألف في القرن الرابع من حيث التحقيق الفقهي‪ ،‬رغم ما يمكن أن‬ ‫يوجه إليه من انتقادات بسبب ما يلاحظ عليه من ضعف في ترتيب الأبواب‬ ‫وتقسيمها ‪ 0‬وتداخل القضايا وتكرارها } وإدراج عدة مسائل تحت عنوان‬ ‫جزئي يشمل بعضها دون بعض & فلا يتوافق العنوان مع المحتوى تمام‬ ‫التوافق ‪ .‬ويلاحظ الباحث التفاوت البين في أحيان عدة في طرح المسائل‬ ‫وبحثها ‪ ،‬فقد يطيل في بعضها ‪ ،‬ويختصر الكلام في البعض الآخر ‪ .‬ومهيا‬ ‫يكن من أمر فإن هذه الملاحظات لا يمكن أن تقلل بحال من قيمة جامع‬ ‫ابن بركة أو أن تغمز في مكانته ومنهج صاحبه الواضح المعالم‪ ،‬والذي كان‬ ‫يقوم أساسا على تحليل النصوص الشرعية وتوظيف اللغة العربية في فهمها‪.‬‬ ‫وإرساء اجتهاداته على أصول واضحة ‪ ،‬ويهتم ببيان أسباب اختلاف‬ ‫المجتهدين‪ .‬والجمع بين القول الفقهي ودليله الشرعي من قرآن أو سنة أو‬ ‫إجماع أو قياس أو غيرها من أصول التشريع المعتمدة مرتبة حسب قوتها في‬ ‫الدلالة والاحتجاج‪ .‬ثم إنه يحفل كثيرا با مقارنات بين أقوال الفقهاء والموازنة‬ ‫بينها داخل المذهبؤ وبين آراء المذهب وبقية المدارس الفقهية الأثحرى؛‬ ‫وكان يفعل ذلك بحس علمي ونقد نزيه ‪ ،‬ملتزما بآداب الجدال ‪ ،‬واحترام‬ ‫الرأي الآخر ‪ ،‬ولم يكن ليغفل في أحيان كثيرة نسبة الأقوال إلى أصحابها‬ ‫وإن لم يكن ذلك قاعدة عامة فقد كان يكتفي في بعض الأحيان بنسبة القول‬ ‫_ ‪_ ١٣٠‬‬ ‫إلى المجهول‪ :‬قيل } قال بعضهم » قال آخرون ‪ ...‬وعند عرضه للمسألة‬ ‫ودراستها‪ ،‬فإنه يحرص على التزام التسلسل المنطقي للمسائل والقضايا‪ .‬إنه‬ ‫يعرض المسألة _ موضوع البحث ‪ -‬ويتفحصها ثم يعطيها حكمها المناسب‬ ‫مدعيا بالدليل‪ ،‬وإن كانت لها أقوال أخر أوردها وأوضحها وأورد حجج‬ ‫أصحابها " وعاد عليها بالنقض إن هو رأى مخالفتها للصواب‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫التمثيل لكل ذلك فإنه نسب قولا لابن جعفر في جواز التميم لمن خاف‬ ‫فوت صلاة الجنازة في الحضر ‘ وخصص لناقشته ثلاث صفحات‪ .‬فكان‬ ‫يورد اعتراضاته عليه‪ ،‬وعلى حججه‪ .‬ويفترض الاعتراضات التي يمكن‬ ‫لصاحب القول أن يوردها على افتراضاته ثم ويعود عليها بالنقض ‪ .‬وكانت‬ ‫غايته من كل ذلك واضحة جلية‪ ،‬تكمن في إقناع القارىء ببطلان رأي ابن‬ ‫جعفر وصواب قوله هو ‪ ،‬وكان منهجه في ذلك منهجا حواريا جدليا تكثر‬ ‫فيه عبارات‪ :‬فإن قال ‪ ...‬قلنا ‪ .‬فلذلك قلنا إن قول النبي (يية) قاض على‬ ‫فساد قولك وليس للعقول مجال عند ورود الشرع ‪ ...‬ثم يقال فهم‪ :‬هب أننا‬ ‫سلمنا لك ما زعمت فخبرنا عن ‪ ...‬واخبرنا عن كذا وكذا ‪ ...‬فإن قال‪... :‬‬ ‫قيل له‪ ... :‬فإن قال‪ ... :‬قيل له‪ :‬الاشكال قائم ‪...‬‬ ‫هذا بعض ملامح منهج أبي محمد عبدالله بن بركة في كتابه الجامع‪ .‬وهو‬ ‫واحد من النماذج التي تصور إلى حد بعيد المنهج المتبع لدى فقهاء القرن‬ ‫الرابع الهجرى ‪ ،‬إلى جانب غيره من المؤلفين الذين تركوا بصيا تهم بارزة على‬ ‫التراث ‏‪ ١‬لفقهي في عصره الذ هبي‪.‬‬ ‫‏‪ ٢‬۔منهج الكدمي قي كتابيه المعتبر والجامع المفيد‬ ‫يتفق أهل الفقه العماني على أن كتاب الجامع المفيد في صورته الحالية‪.‬‬ ‫‪_ ١٣١‬‬ ‫ليس من صنع أبي سعيد الكدمي‪ ،‬وإنما هو من فعل تلاميذه أو من جاء بعده‬ ‫من المشتغلين بالعلم‪ ،‬فقد لاحظوا أهمية فتاوي أي سعيد وآرائه الفقهية‪.‬‬ ‫وسعة علمه وتعمقه في البحث\ؤ فأقدموا على جمعها في كتاب أطلقوا عليه اسم‬ ‫«الجامع المفيد من أجوبة أبي سعيدا ؛ ومن هنا لا يمكن أن نعتمد على هذا‬ ‫طريقة الشيخ الكدمي في التأليف من حيث الشكل والصورة‬ ‫الكتاب لمعرفة‬ ‫وإن كان ذلك لا يمنعنا من استقصاء الجانب الثاني ‪ 4‬فندرس مضمون‬ ‫الكتاب للوقوف على منهج الشيخ في الاجتهاد والبحث وعرض المسائل‪.‬‬ ‫وأما فيما يتعلق بكتاب هالمعتبر» فأغلب القول فيه أنه من تأليف أبي‬ ‫سعيد نفسه ‪ ،‬شكلا ومضمونا ‪ ،‬وإن ل ينج تماما من تدخل ا لنساخ والفقهاء‬ ‫اللاحقين ‪ ،‬إلا أن فعلهم ذلك لا يؤثر على الصورة العامة التي اختارها له‬ ‫الشيخ أبو سعيد ؛ وقد ذكر من تكلم عن أي سعيد وكتابه هالمعتبرا۔على‬ ‫قلتهم أن صاحب الكتاب قد تتبع فيه جامع ابن جعفر ففصل مسائله‪ ،‬وزاد‬ ‫فيه ما أغفله } وتوسع فيما رآه يحتاج إلى توسع واجتهاد‪ .‬وأجزاؤه الصغيرة‬ ‫الأربعة التي وصلتنا © وتيسر لهما أن تطبع" من جملة تسعة أجزاء كبار هي‬ ‫أصل الكتاب ‘ كافية لاعطاء صورة عن هذا المصنف ومنهج تأليفه‪.‬‬ ‫ا ) منهج الجامع المفيد‪:‬‬ ‫يتصف الجامع المفيد ‪ ،‬كغيره من كتب الفتاوى ‪ ،‬في ذلك العصر بميل‬ ‫صاحبه إلى الاختصار والاقتصار على تنزيل الحكم الشرعي على الحادثة‬ ‫فالكتاب مجموعة مسائل مرتبة نسبيا على مواضيع الفقه المعهودة‪.‬‬ ‫يعرض السؤال بصيغ متقاربة مثل‪« :‬سألته» ‪« .‬سئل أبوسعيد! ؛ وقد‬ ‫يسكت الجامع عن السؤال إلا أن صيغة الجواب ونصه كافيان للايحاء به‪.‬‬ ‫_ ‪_ ١٣٢‬‬ ‫ويكتفي الشيخ الكدمي في فتاويه برأي توصل إليه باجتهاده‪ .‬مستعملا في‬ ‫ذلك عبارة «معي أنه كذا» ؛ وقد يعرض الخلاف الوارد في المسألة ث ويبين‬ ‫أقوال فقهاء المذهب‪ ،‬مدعيا اختياره بدليل شرعي من قرآن أو حديث أو‬ ‫رأي بمفهومه الواسع ‪ ،‬وقد يفصل المسألة بقدر ما يوضحها على السائل ‪.‬‬ ‫وعند نقله الأقوال المتعددة ‪ ،‬يختار _ في العادة ما يراه صحيحا منها‬ ‫بعبارات لاتصرح بتعيين الحكم الشرعي من حلال وحرام ‪ ...‬وإنيا يقول‪:‬‬ ‫"أعجبني" } «لا يعجبني! ونحو ذلك ‪ ...‬وقد يحاور السائل أو المستفتي أبا‬ ‫سعيد للتدقيق والتحقيق في المسألة ‪ ،‬فيأي الحوار على أسلوب قلت ‪... :‬‬ ‫قال‪ ... :‬مبرزا من خلال الحوار ى سواء طال أو قصر ‪ ،‬اختلاف الأحكام‬ ‫وأدلتها ‪ .‬وعرض المسألة من كل وجوهها ‪.‬‬ ‫يلاحظ في فقه الإمام أي سعيدا تمسكه بالسنة والنظر إلى روح الشريعة‬ ‫ومقاصدها واعتبار المصلحة ‪ ،‬فهو يؤمن بأن ما يراه المسلمون حسنا فهو‬ ‫عند الله حسن ‪ ،‬وحيثما كانت المصلحة ‪ ،‬في الفروع © فثم شرع الله مالم‬ ‫يتعارض ذلك مع نص صريح أو قاعدة متفق عليها‪ .‬ثم هو يعلل الأحكام‬ ‫كليا أمكن دون تعسف ؛ فصلاة الجمعة ‪ ،‬عنده لاجتياع المسلمين ‪ ،‬فلا يجوز‬ ‫أن تكون في غير المسجد الجامع باختيار إلا إن عرض عارض لآنه إنما‬ ‫جاءت السنة بثبوت الجمعة في المساجد‪ .‬ويعجبه قول من يقول بإجازة‬ ‫الجمعة في غير المسجد الجامع لئلا تتعطل ‪ ...‬وهو ‪ ،‬إلى جانب ذلكث كثيرا‬ ‫ما يعود في اجتهاداته إلى القواعد العامة في الفقه كدفع الضرر الاكبر بالضرر‬ ‫الأصغر ودفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ‪ ،‬ويعطي العرف مكانة في‬ ‫تحديد الأحكام ويسميها سنة أهل البلد ‪...‬‬ ‫_ ‪_ ١٣٣‬‬ ‫ب منهج المعتبر ‪:‬‬ ‫يقرر الشيخ أبو سعيد أنه ألف كتابه «المعتبرا وسطابين المختصرات‬ ‫المخلة والمطولات المملة ‪ 5‬وقد صاغ جله بأسلوب عرض القضايا وتسلسلهاء‬ ‫إلى جانب الاسلوب الحواري الذي يقوم على منهج‪ :‬قال ‪ ...‬قلت ‪ ...‬ويلزم‬ ‫من قال كذا ‪ ...‬أن يكون كذا ‪ ...‬وقد سلك المؤلف منهجا متفاوتا من‬ ‫حيث الإطالة والإيجاز في تحليل القضايا وعرضها بحسب الباب والمسائل‬ ‫التي يتضمنها‪ .‬لم يكن يهتم كثيرا بتقسيم الكتاب وتبويبه بيا فيه الكفاية‬ ‫لكونه وجد نفسه ملتزما بما كان ينقله عن جامع ابن جعفر الذي اتخذه‬ ‫منطلقا للتوسع في بحث جملة مسائله‪.‬‬ ‫ويلاحظ أن الشيخ أبا سعيد لم يكن يحفل كثيرا بالتمهيد لأبواب‬ ‫الكتاب وفصوله‪ .‬فقد أراد أن يكون طابعه العام مجرد الاهتمام بالأحكام‬ ‫الفقهية الصرفة إلا أن ذلك لا يلغي تماما بعض ميله لبيان الفضائل‬ ‫والحكمة من التشريع ‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بأدلته التشريعية ومصادره في الاجتهاد ‪ ،‬فإنه لم يخرج عن‬ ‫الإطار العام الذي كان عليه الفقهاء عموما } فقد جاء عنه قوله‪« :‬فالحق كل‬ ‫الحق يدرك من كتاب اله تبارك وتعالى أو سنة رسوله (يَلةة) أو إجماع‬ ‫المحققين من أمة محمد (يَية) أو حجة العقل مما وافق فيه هذه الأصول‬ ‫الثلاثة‪ .‬لقد كان الشيخ أبو سعيد يعتمد على القرآن الكريم والسنة‬ ‫النبوية‪ ،‬ظاهرا وتأويلا لبيان أحكام المسائل التي ورد فيها نص‪ .‬وكان‬ ‫أحيانا ينطلق من الآية القرآنية يفتتح بها الباب أو الفصل كليا تيسر ذلك‪،‬‬ ‫وكان يعلق عليها بشيء من التفسير وبيان وجه الدلالة على حكم المسألة‪.‬‬ ‫وإلى جانب اعتياده القران الكريم" نجده يهتم بالسنة اهتماما بينا‪ ،‬في طول‬ ‫‪_ ١٣٤‬‬ ‫الكتاب وعرضه ‪ ،‬وقد لا يلتزم بنص الحديث بل يتصرف في ألفاظه أو‬ ‫بعضها‪ ،‬أو يكتفي بذكر معناه‪.‬‬ ‫وأما القضايا التي لم يرد فيها نص ‪ ،‬فكان يجتهد فيها للكشف عن‬ ‫الحكم على الإجماع والقياس والقواعد الفقهية العامة‪ ،‬وقد يعضد قوله في‬ ‫المسألة بآراء السلفؤ وأحيانا يكتفي بإيراد أقوالهم دون تعليق منه عليهاء‬ ‫وهو في غالب أمره لا يميل إلى الخروج عنهم خلافا معاصره ابن بركة الذي‬ ‫كان أكثر استقلالية في اجتهاداته‪ .‬لم يخل كتاب هالمعتبر» من المقارنات سواء‬ ‫بإيراد الأقوال المتعددة لعلماء المذهب المرخصين منهم والمتنشددين‪ ،‬أو‬ ‫أقوال المذاهب الأحرى ‪ ،‬بدرجة أقل ‪ ،‬التي لم يكن يذكرها ‪ ،‬في أغلب‬ ‫الأحوال & بالاسم وإنما يورذها بعبارة‪« :‬قال محخالفونا‪ »...‬ونحوها من‬ ‫العبارات‪ .‬ويظهر أثر أبي سعيد ‪ ،‬عند إيراده الأقوال المختلفة في الموازنة‬ ‫والتقييم والاختيار والترجيح ‪ ،‬فتكثر عنده عبارات مثل ‪ :‬وأصح القول معنا؛‬ ‫لكن القول بالاعادة هو الأكثر ‪ ،‬القول الأول أحب إلينا ؛ يعجبني كذا ‪...‬‬ ‫وإلى جانب هذا ‪ 0‬يلاحظ على أي سعيد شغفه بمسألة تعليل الأحكام‬ ‫وتحليل القضايا ‪ ،‬فقد أعطى عقله ذلك الحق فكان يبين الصور المختلفة‬ ‫للمسألة وأحوالها المحتملة من العمد والخطإ والنسيان ‪ ...‬وكان يفهم وينقد‬ ‫ويتعمق في بحث المسائل والقضايا وكان يقلبها من كل وجوهها المحتملة }‬ ‫فكأنما كان يذكرنا بأصوله الفكرية التي نشأت في العراق ‪ ،‬بلد الرأي‪.‬‬ ‫ومن الملاحظات الثانوية على منهج أبي سعيد في «المعتبر» بداية ظهور‬ ‫التعريف با لمصطلحات الفقهية تعريفا لغويا واصطلاحيا ‪ ،‬الشيء الذي لم‬ ‫نجده عند ابن بركة الذي كان يهتم بالجانب اللغوي فقط في بيان معاني‬ ‫الألفاظ‪ .‬ويظهرلي أن تأخر هذه الظاهرة يرجع & فييا أتصور ‪ ،‬إلى عدم‬ ‫_ ‪_ ١٣٥‬‬ ‫دخول الأبحاث المنطقية إلى الفكر العياني الذي ظل عربيا خالصا في أكثر‬ ‫جوانبه فلم تدخله الدراسات الفلسفية التي عرفتها المراكز العلمية في‬ ‫العراق وبلاد الشام وغيرهما‪.‬‬ ‫أبو الحسن البسيوي ومنهجه الفقهي ‪:‬‬ ‫يعتبر أبو الحسن واحدا من كبار فقها‪ ،‬القرن الرابع الهمجري‪ ،‬تتلمذ على‬ ‫يد أبي محمد عبدالله بن بركة وغيره‪ .‬وأبو الحسن هذا من الذين كتبوا للعامة‬ ‫والخاصة من أهل العلم‪ .‬فألف كتابه «المختصرا للصنف الأول من القراء‬ ‫وصنف كتابه «الجامع' للفريق الثاني‪.‬‬ ‫خصص البسيوي الجزء الأول من أجزاء الكتاب الأربعة لمسائل أصول‬ ‫الدين‪ ،‬وهي طريقة ظهرت مع ابن بركة لتنمو مع المؤلفين اللاحقين حتى‬ ‫تصل إلى ستة أجزاء ‪ 7‬عند صاحب بيان الشرع المؤلف من اثنين وسبعين‬ ‫جزءا‪ .‬وتوحي هذه الفكرة التي سار عليها البسيوي بأن مسائل التوحيد‬ ‫وأصول الدين عند المؤلفين العيانيين وغيرهم من الإباضية ما هي إلا‬ ‫أحكام الشرعية & على مستوى الفكر والاعتقاد" بل هي موضوعات الفقه‬ ‫الأكبر وهي جديرة بأن تصدر بها كتب الفقه والتشريع ‪ ،‬ولم يكتنف بعض‬ ‫الفقهاء بالمباحث العقدية ‪ 9‬فأضاف إليها مسائل علم الأأحلاق‪ ،‬إذ الكل‬ ‫في نظر الفقيه الإباضي‪ ،‬أحكام شرعية مستفادة من أصول التشريع النقلية‬ ‫والعقلية‪ .‬وهم بهذا الصنيع لا يفرقون بين الفقه والشريعة‪ ،‬ولا يجعلون بينهما‬ ‫حدا فاصلاء كيا يذهب إليه مؤرخو التشريع‪.‬‬ ‫‪_ ١٣٦١‬‬ ‫منهج البسيوي الفقهي ‪:‬‬ ‫تبدر الاشارة ‪ ،‬في بداية حديثنا عن جامع أي الحسن ‪ ،‬مقارنة مع‬ ‫جامع ابن جعقر إلى سلامته وخلوه من ‏‪ ١‬لتعليقات والاضافات التي تكاد‬ ‫تذهب بأصل الكتاب ويختلط فيها جهد المؤلف بجهد من جاء بعده ممن‬ ‫استهواهم الكتاب ودفعهم إلى التعليق والزيادة‪ ،‬إلا أن هذا لايعني سلامة‬ ‫الكتاب سلامة تامة من ذلك وإنما وجدت بعض الإضافات ۔ كتبها‬ ‫أصحاب النسخ في الحاشية ‪ ،‬أدرجها النساخ بعد ذلك في الكتاب© مع‬ ‫الاشارة الى تلك الزيادة بعبارة‪ :‬من غير الكتاب‘ وجدتها في الحاشية ‪...‬‬ ‫وهذا قليل جدا لايؤثر في شيء من جوانب جامع البسوي‪ .‬لقد صاغ أبو‬ ‫‏‪ ١‬لحسن كتابه في شكل سؤا ل وجواب وكان عرضه ا لفصول والمسا ثئل على نمط‬ ‫واحد‪ :‬سأل عن كذا ‪ ...‬قيل له‪ ...‬وتحتمل هذه الطريقة كون أصل الكتاب‬ ‫أسئلة توجه بها بعض أهل العلم والمعرفة إلى الشيخ فأجابهم عنها ثم قام‪.‬‬ ‫بعد ذلك بجمعها وتبويبها؛ وتحتمل أيضا أن ذلك اختيار من أي الحسن‬ ‫ورغبة منه في إعطاء كتابه طابعا شخصيا يميزه عن مؤلفات غيره‪ ،‬ولعل مما‬ ‫يؤكد هذا الاحتيال الأخير وحدة هذه الطريقة في أجزاء الكتاب الأربعة ‪..‬‬ ‫وكتاب الجا مع ‪ .‬رغم كونه من حيث الحملة قد رتب ترتيبا سليا إللى‬ ‫درجة ما‪ ،‬وعلى المألوف من كتب الفقه عموما فإنه يخلو من المنهج المنطقي‬ ‫الذي يقوم على التبويب والتفصيل والتفريع وتفريع الفروع ووضع العناوين‬ ‫الجانبية للفقرات بحسب لسائل والقضايا ‪ ،‬ولم يكن يحفل بالمصطلحات‬ ‫من ركن وشرط وعلة وسبب ‪ ...‬إلى غير ذلك مما يحتاجه الفقيه لتأصيل‬ ‫مسائله ‪ ،‬ثم إن أبا الحسن لم يهتم بالتعاريف _ وهي قضية منطقية أساسا‬ ‫وإن فعل ذلك أحيانا قليلة} فإنه يأتي بالتعريف ‪ ،‬في صورته البسيطة القائمة‬ ‫‪_ ١٣٧‬‬ ‫على التمثيل دون التعريف بالحد الحقيقي أو الرسمي ‪ ،‬إلا أن هذه‬ ‫منهجه في التأليف المتمثلة في حسن الربط بين مسائل الباب الواحد ‪ ،‬إلا‬ ‫فيما قل من الحالات فإنه قد يجد نفسه مضطرا إلى تقديم ما يحسن تأخيره‬ ‫وتأخير ما هو جدير بالتقديم‪ .‬وقد يترك المسألة التي بدأ بحثها‪ ،‬جريا وراء‬ ‫الاستطراد ثم يعود إلى المسألة التي انطلق منها } وقد يجمع بين المسائل‬ ‫المتقاربة بالحديث خشية نسيانها وسقوطها على ما يبدو إذا ظهرت له‬ ‫الحاجة إلى بيان مما هو قريب من المسألة المطروحة للبحث‪.‬‬ ‫ومن منهج الشيخ الفقهي أنه يورد المسألة مجملة ثم يقلبها من جميع‬ ‫وجوهها ‪ 0‬فيفصلها ويبينها ويولد مسائلها الفرعية حتى يستوعب أكثرها‬ ‫وأهمها مع البحث لما عن الاحتيالات والافتراضات‪ ،‬موردا ماجاء في شأنها من‬ ‫أقوال المجتهدين المختلفة غير منسوبة إلى أصحابها ني جل الأحيان ‪ ،‬فكان‬ ‫يكتفي بعبارات «قال قوم" ؛ «قال آخرون‪ .‬وقد يكتفي برأيه في المسألة فلا‬ ‫يذكر الخلاف الوارد فيها دون أن يغفل إيراد أدلة تلك الاجتهادات والأقوال‬ ‫النقلية والعقلية " في أكثر الأحيان وإن كان ‪ ،‬في بعض الحالات ‪ 0‬يهمل ذلك‬ ‫ويكتفي بإيراد القول خاليا من الدليل‪ .‬وقد يقتصر على ذكر المختار من‬ ‫الأقوال مما يراه أحوطك وقد يتدخل أحيانا فيتخذ لنفسه موقفا من بعض‬ ‫تلك الأقوال أو يتبنى رأيا ظهر له أنه الصواب ؛ ومن عباراته الكثيرة قوله‪.‬‬ ‫«وني ذلك نظر فإني لم أر ذلك ؛ «هو أحب إلي" ‪« 5‬هو أفضل!‪ ...‬ويظهر‬ ‫لنا آبو الحسن ‪ ،‬من خلال جامعه ‪ ،‬فقيها يميل إلى الحزم والتشدد في بعض‬ ‫القضايا الفقهية } خاصة فييا يتعلق بالروابط الزوجية‪ ،‬فيأخذ بالأمحوط من‬ ‫أحكامها إلا أن إيراده للاأقوال الكثيرة والمختلفة بين التشديد والتيسير‬ ‫‪_ ١٣٢٨‬‬ ‫يكشف عن اعتقاده أنه لا يجوز حمل الناس على ورع الفقيه وإنما على مبد!‬ ‫التيسير ورفع الحرج‪ .‬بل نجده في العديد من المرات يصرح بهذا المبدا نفسه‪.‬‬ ‫والبسيوي ليس من أولئك الفقهاء الذين يكتفونا بظاهر النص في استنباط‬ ‫الأحكام وإنما كان يغوص على معانيه وروحه ويراعي دفع المفسدة وجلب‬ ‫المصلحة ‪ .‬ويقدم الأهم عن المهم «فعن المسلم يقع في يده المال في أشهر‬ ‫الحج‪ ،‬فإن خاف العنت فأحب أن يتزوج بأقل الصداق الذي قالوا يجوز‬ ‫النكاح به ويحج؛\‪.٠‬‏ ومن خصائص منهجه الفقهي ابتعاده عن الفقه‬ ‫الافتراضي‪ ،‬فالحكم الشرعي عنده للعمل والتطبيق وليس للحذلقة والترف‬ ‫الفكري‪ .‬التزم أبو الحسن في أغلب كتاباته كيا أشرنا إليه سلفا‪ ،‬بالقول‬ ‫المتفق عليه في المذهب ويقيم عليه الدليل ‪ ،‬ويناقش المخالفين له‪ ،‬ملتزما‬ ‫بأدب الجدل الرصين ‪ ،‬بعيدا كل البعد عن الانغلاق والتعصب© وكان‬ ‫واسع الاطلاع على كتب المذهب وغيره من المذاهب الاسلامية الأأخرى؛‬ ‫ينقل منها ما صح من حديث رسول اله (َلة) كيا ينقل أقوال أصحابها ني‬ ‫مسائل الرأي والاجتهاد ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قوله‪« :‬وقد وجدت في بعض‬ ‫الكتب من غير أصحابنا أنه (يلّة) قال‪ :‬كنت هيتم أن تشربوا من الأديم‬ ‫فاشربوا في كل وعاء غير أنكم لا تشربوا مسكرا»‪6(.‬‬ ‫وفي ختام هذا التقرير الموجز عن منهج أبي الحسن فإنني أرى من‬ ‫الوفاء الإشارة إلى سلاسة التعبير في كتاباته وبساطة اللغة‪ ،‬وبعده ما أمكن‬ ‫عن الأسلوب الفقهي الجاف في عرض المادة العلمية كيا يلاحظ عن بعض‬ ‫المؤلفين الذين التزموا أسلوب الفتوى الذي يتميز به «لباب الآثار؛‬ ‫للصائغي‪ ،‬ومن قبله «منهج الطالبين» للشقصي ‪..‬‬ ‫(‪ )٢‬الجامع‪.٩٤ ,٤ ‎‬‬ ‫(‪ (١‬الجامع‪.٢٥٧ /٢ ‎‬‬ ‫‪_ ١٣٩‬‬ ‫العصر الذهبي للفقه العياني ‪ -‬وقد‬ ‫وقبل أن نترك القرن الرابع الهجري‬ ‫تبينا جملة من خصائص التأليف من خلال نياذج لمصنفات العصر » يجدر‬ ‫بنا أن نشير بإيجاز شديد لبعض الأعلام الذين ساهموا بمجهودهم العلمي©‬ ‫وتركوا بصيا تهم وآثارهم بارزة سواء فيما وصلنا من كتب منسوبة إليهم‬ ‫وأقوال نقلها عنهم معاصروهم أو ما جاء بعدهم‪ .‬ومن هؤلاء ‪:‬‬ ‫‏‪ ١‬الإمام أبو القاسم سعيد بن عبدالله بن محمد بن محبوب‪ .‬واحد من‬ ‫أسرة علمية ‪ .‬كان جد أبيه محبوب بن الرحيل واحدا من حملة العلم من‬ ‫البصرة إلى غميان ‪ .‬وجده المباشر حمد بن محبوب واحد من مشاهير علياء‬ ‫القرن الثالث ‪ ،‬وإذا ذكر في المصنفات العيانية إسم أبو عبدالله بإطلاق قصد‬ ‫به هذا الشيخ ‪ ،‬وقد درس على يديه كبار علياء عصره أمثال أبي المؤثر‬ ‫الصلت بن خميس وأبي معاوية عزان بن الصقر والفضل ابن الحواري‬ ‫صاحب الجامع ‪...‬‬ ‫لقد ورث أبو القاسم سعيد علم أبيه عبدالله وعمه أبي المنذر بشير بن‬ ‫محمد صاحب المصنفات العديدة ‪ .‬وأخذ العلم عن أبي القاسم جلة علياء‬ ‫القرن الرابع وعلى رأسهم آبو سعيد الكدمي وأبو محمد بن بركة وأبو قحطان‬ ‫خالد المجاري وأبو الحسن البسيوي وغيرهم كثير‬ ‫لم يؤثر أن أبا القاسم ترك مصنفات فقهية ولكن أقواله وآراءه نقلها‬ ‫تلاميذه في مؤلفاتهم‪.‬‬ ‫ختم أبو القاسم حياته بتولي إمامة عيان بين سنتي ‏‪ ٣٢٠‬‏‪.‬ه‪٨٢٣‬و‬ ‫فزاد أسرته بذلك شرفا‪ .‬فقد بايعه كبار العلياء وأهل الحل والعقد بعد فترة‬ ‫من الفوضى السياسية التي أعقبت مسألة عزل الإمام الصلت بن مالك وما‬ ‫تبعها من أحداث‪.‬‬ ‫‪_ ١٤٠‬‬ ‫‏‪ ٢‬أبو عبدالله حمد بن روح بن عربي الكندي‪ .‬والراجح أنه ولد في‬ ‫أواخر القرن الثالث وعاش في النصف الأول من القرن الرابع إذ أنه شارك‬ ‫في تنصيب الإمام أبي القاسم سعيد سنة ‪٣٢٠‬ه‏ ‪ .‬وقد زامن أيام القرامطة‬ ‫في عيان وحضر أفول نجمهم وأوثرت عنه فتوى تبيح إحراق أموالهم سدا‬ ‫لذريعة عودتهم‪ .‬شهد له معاصروه بالفضل والاستقامة وقد تلقى العلم عن‬ ‫أي الحواري محمد بن الحواري صاحب الجامع ‪ ،‬وتتلمذ عليه أبو سعيد‬ ‫الكدمي الذي جاء عنه ‪« :‬وأما أبو عبدالله محمد بن روح وأبو الحسن محمد‬ ‫بن الحسن فشاهدناهما وصحبناهما الزمان الطويل والكثير غير القليل‬ ‫وأخذنا عامة أمر ديننا عنهيا» ‪ .‬ومن أساتذته أيضا مالك بن غسان بن‬ ‫خليد‪ ،‬وقد كانت بينهما مراسلات تتعلق بقضايا عصرهما‪ .‬لا نعلم أن أبا‬ ‫عبدالله محمد بن روح ترك مؤلفات فقهيه أو غيرها باستثناء سيرة كتبها في‬ ‫قضية عزل الإمام الصلت ‪ ،‬ولكن أقواله الفقهية مبثوثة في مؤلفات عصره‬ ‫والعصور اللاحقة‪.‬‬ ‫‏‪ ٣‬آبو عثيان رمشقي بن راشد‪ .‬واحد من علياء أواخر القرن الثالث‬ ‫والنصف الأول من القرن الرابع في بلدة نزوى ‪ ،‬عاصر أبا عبدالله محمد بن‬ ‫وكانت بين أي عثهان وأي سعيد الكدمي‬ ‫حمد بن الحسن‪.‬‬ ‫روح وأبا الحسن‬ ‫مكاتبات في قضايا العصر ومسائل الفقه‪.‬‬ ‫‏‪ _ ٤‬أبو قحطان خالد بن قحطان المجاري نسبة إلى الهجار‪ .‬ولد في‬ ‫أواخر القرن الثالث الهجري وعاش أكثر حياته في النصف الأول من القرن‬ ‫بشر وعبدالله بني حمد بن‬ ‫الشيخين أي ‏‪ ١‬منذر‬ ‫على يدي‬ ‫الرابع ‪ .‬درس‬ ‫‪_ ١٤١‬‬ ‫محبوب‪ .‬عاصره جماعة من العلياء من أمثال أبي مالك غسان بن محمد بن‬ ‫الخضر الصلاني وأبي مروان سليمان بن حمد بن حبيب وغيرهما‪ .‬ينسب لأبي‬ ‫قحطان كتاب الجامع وكتاب الصلاة‪.‬‬ ‫‏‪ _ ٥‬أبو مالك غسان بن محمد بن الخضر الصلاني ‪ ،‬نسبة إلى صلاآن‬ ‫إحدى قرى صحار من الباطنة ‪ .‬كان معاصرا لأبي قحطان خالد ‪ ،‬ولد‬ ‫وعاش في نفس الفترة ‪ .‬كان أحد العلياء البارزين‪ ،‬أشاد بفقهه أبو حمد عبد‬ ‫الله بن بركة الذي لازمه طويلا وأخذ عنه العلم وقد تأثر به كثيرا حسب ما‬ ‫تدل عليه مؤلفاته‪ .‬وأخذ عنه منهجه في تحقيق المسائل الفقهية ‪ .‬من‬ ‫معاصريه أبو عبد الرحمن جيفر بن الريان ومحمد بن يزيد بن الربيع شيخ‬ ‫ابن بركة‪ .‬وقد تلقى أبو مالك أكثر علمه عن الشيخين بشير وعبدالله بني‬ ‫محمد بن محبوب كيا أخذ عن معاصريه وبخاصة مشايخ صحار وما حولا‪.‬‬ ‫وإلى جانب هؤلاء الأعلام فإن المؤلفات الفقهية تذكر شخصيات‬ ‫أخرى لاتقل أهمية عمن ذكرنا؛ لهم آراؤهم الفقهية المعتبرة‪ .‬ساهموا بها ني‬ ‫الثروة التشريعية للقرن الرابع منهم أبو محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر‬ ‫وحمد بن أبي الحسن النزواني وأبو مروان سليمان بن محمد بن حبيب وأحمد‬ ‫بن هارون إضافة إلى أي عبدالرحمن بن جيفر الريان ومحمد بن يزيد بن‬ ‫الربيع اللذين سبقت الإشارة إليهما‪.‬‬ ‫انتهى القرن الرابع المجرى ‪ ،‬وقد تجمعت ثروة فقهية كبيرة صيغت على‬ ‫مناهج تأليفية متقاربة ‪ 7‬وصيغت بأكثر من أسلوب ؛ وكانت أبرز معالم هذه‬ ‫الثروة تحليل المسائل وتحقيقها ‪ ،‬وشرح مؤلفات السابقين بتعقب مسائلها‬ ‫‪_ ١٤٢‬‬ ‫وإتمام ما غفل أو سكت عنها أصحابها ‪ ،‬أو بإيراد الاجتهادات المخالفة‬ ‫والتوسع فيما عرض موجزا وإزالة لبس ما غمض كيا فعل ابن بركة وأبو‬ ‫سعيد الكدمي ث كل على حدة ‪ ،‬مع جامع ابن جعفر وما انفرد به الكدضي‬ ‫من تعليق وتعقيب على كتاب الأشراف على مسائل الخلاف للنيسابوري‬ ‫الشافعي‪.‬‬ ‫لقد كان القرن الرابع © ومن قبله الثالث قرني هالجوامع؟‪ .‬فقد صنف‬ ‫أكثر من ستة «جوامع! لمؤلفين مختلفين‪ ،‬إلى جانب المؤلفات التي تبحث في‬ ‫موضوع فقهي مستقل‪ .‬فألف محمد بن روح كتاب الصلاة ‪ ،‬وصنف البسيوي‬ ‫كتاب المناسك إضافة الى الرسائل الفقهية المختلفة كالتعارف لابن بركة ‪..‬‬ ‫وإضافة لما سبق‪ ،‬عرف القرن الثالث أول تجربة في التأليف الجماعي‬ ‫حيث صنف عدد من المشائخ العلم موسوعة شرعية أطلق عليه فييا بعد‬ ‫إسم كتاب الأشياخ وقد استفاد منه من جاء بعده } وجعله صاحب بيان‬ ‫الشرع واحد من أهم مصادره في تأليف كتابه ‪.‬‬ ‫شهدت بلاد عيان ‪ ،‬مع أفول القرن الرابع الهجري ‪ ،‬فترة من عدم‬ ‫الاستقرار السياسي تميزت بتعاقب الإمام ات الضعيفة التي لم يكن بإمكانها‬ ‫أن تعمر طويلا ‪ ،‬وقد تعددت في الوقت الواحد فيظهر أكثر من إمام‬ ‫يقتسمون البلدان والجهات ‪ ...‬هذا إلى جانب سيطرة حكام بني نبهان ذوي‬ ‫النظام الملكي القبلي‪ .‬بل كانت عيان هدفا للاحتلال من الأجنبي القادم من‬ ‫الشيال والشرق وخاصة فارس التي كان أمراؤها ينتمون ولو إسميا إلى بني‬ ‫العباس‪ .‬فقد كان هؤلاء كثيرا ما يحتلون السواحل ‪،‬بل ويقتسمون الدواخل‬ ‫مع بني نبهان وتقع الحروب المتعاقبة لتكون الحضارة هي الخاسر الوحيد‪.‬‬ ‫ما من شك ان يكون لهذا الوضع السياسي المتأزم أثر على مستوى‬ ‫‪١٤٣‬‬ ‫الإنتاج الفكري تماما كما كان الحال في العراق إبان ضعف بني العباس‬ ‫وهجوم المغول والتتار على كل من العراق والشام‪ .‬ومن هنا كان لابد أن يتأثر‬ ‫التأليف الفقهي العياني بتلك المعطيات الجديدة‪ ،‬وستتحول الثروة الفقهية‬ ‫الموروثة‪ 5‬مع بداية القرن الخامس إلى قاعدة تنطلق منها مدرسة جديدة‬ ‫تحمل جملة من المعالم والخصائص التي تميز هذا العهد الذي يغلب عليه‬ ‫الاعتياد على الثروة الفقهية الموروثة و خدمتها‪ .‬وفي نظرنا الشخصي فإن القرن‬ ‫الخامس يمثل بداية الانحدار نحو عصر الضعف العلمي الذي سينتهي‬ ‫بعد قرون الى التقليد واللجترار كيا سيتبين لنا عند الحديث عن التأليف في‬ ‫القرون المتأخرة إلا أن القرن الخامس ثم السادس رغم بعض السلبيات‬ ‫التي قد نجدها في إنتاجه العلمي ومنه الفقه فإنهما يظلان يحتفظان بأكثر‬ ‫إيجابيات القرون السابقة إضافة إلى أخرى جديدة أملتها الظروف الحادثة؛‬ ‫وإذا وقف علياء هذا العصر من إنتاج السلف موقف الاعجاب والاكبار‬ ‫وظهر عندهم المبدأ القائل بأنه لم يترك السابق للاحق شيئا وفي هذا نوع من‬ ‫الشعور بالعجز عن المنافسة فإن مثل ذلك لا يلغي جهودهم الايجابية‬ ‫ومساهمتهم في تطوير الفقه وإثرائه‪ .‬ولاشك أن عنصر الزمن مكنهم أكثر‬ ‫من الاطلاع على ما عند الآخحرينء وتوفرت لهم أسباب لم تتيسر لمن سبقهم‪.‬‬ ‫لقد تعددت مناهج المؤلفين بداية من القرن الخامس كيا تنوعت‬ ‫أساليبهمإ وتميز هذا العصر بألوان من التأليف الفقهي أهمها‪:‬‬ ‫_ التأليف الموسوعي ‪ :‬اعتنى العلياء في هذه المرحلة من مراحل‬ ‫التأليف الفقهي بالمؤلفات المطولة التي يمكن اعتبارها بلا مبالغة خاصية‬ ‫عيانية في التأليف وقد وصلنا الكثير منها‪ ،‬نذكر بعضها مرتبا حسب ورودها‪:‬‬ ‫‪_ ١٤٤‬‬ ‫ا ) الضياء لأي منذر سلمة بن مسلم العوتبني الصحاري (ق‪٥‬ه)‏ في‬ ‫‏(‪ )٢٤‬أربعة وعشرين مجلدا‪.‬‬ ‫ب ) بيان الشرع لأبي عبدالله حمد بن إبراهيم الكندي النزوي (ق‪٥‬ه)‏‬ ‫في ‏(‪ )٧٣‬ثلاثة وسبعين مجلدا‪.‬‬ ‫ج) المصنف لأبي بكر أحمد بن عبدالله بن موسى الكندي النزوي (ق‪)٦‬‏‬ ‫في ‏(‪ )٤١‬واحد وأربعين مجلدا‪.‬‬ ‫ومن الموساعات التي لم تصلنا نذكر كتاب «الكفاية» للشيخ محمد بن‬ ‫موسى بن سلييان الكندي من علياء القرن الخامس قيل إنه في ‏(‪' )٥٠‬‬ ‫خمسين جزءا‪ ،‬ومنها كتاب «التاج للشيخ أبي عبدالله‪ ،‬وقيل‪ :‬أبي محمد عثهان‬ ‫بن أبي عبدالله ابن أحمد العزيزي النزوي ‪ ،‬الملقب بالأصم‪ .‬قيل إن الكتاب‬ ‫كان في ‏(‪ )٤٠‬أربعين جزءا ضاع معظمه ‪ .‬والأصم هذا من علياء القرنين‬ ‫السادس والسابع‪.‬‬ ‫‏‪ ٢‬ظهور النظم الفقهي ‪ 0‬أو ما يسمى بالأراجيز والأرجوزات الفقهية‪.‬‬ ‫وأهم هذه المنظومات كتاب النعمة لصاحب بيان الشرع & وكتاب «الدعائم'‬ ‫لابن ‏‪ ١‬لنضر‪.‬‬ ‫‏‪ _ ٣‬شروح المنظومات الفقهية ‪ .‬وقد وصلنا منها شرح ابن وصاف‬ ‫لدعائم ابن النضر‪ .‬من علياء القرن السابع‪ .‬وقد أشار في مقدمة شرحه إلى‬ ‫انتشار منهج النظم بين الفقهاء فقال‪ :‬أما بعدا فإني نظرت فييا ألفه أهل‬ ‫العلم من الكتب وصنفوه من العلم والأدب ودونوه من الرجز والشعر وأثره‬ ‫من النظم والنثر ‪. ...‬‬ ‫‪_ ١٤٥‬‬ ‫‏‪ ٤‬كتب الاحكام ‪ 3‬ويمثلها كتاب البصيرة لأبي محمد عثيان بن عبدالله‬ ‫الأصم؛ وستنمو هذه الطريقة في التأليف الفقهي مع الأيام لتكون الطابع‬ ‫العام للقرون اللاحقة ث وستصنف على أساسها كتب كثيرة مثل فواكه العلوم‬ ‫للخراسيني ‪ ،‬وفواكه البستان للشيخ سالم بن خميس بن عمر العبري‪.‬‬ ‫تكاد تكون الموسوعات الفقهية التي ذكرنا بعضها قد نسجت على‬ ‫منوال واحد بصورة عامة ى خصصت الأجزاء الاولى & في أغلبها ‪ ،‬لمواضيع‬ ‫الفقه الأكبر (التوحيد أو علم الكلام) ‪ 5‬وقد سبق أن أشرنا أكثر من مرة إلى‬ ‫أن التصور الاباضي لا يفرق بين الأحكام الشرعية العقدية والعملية ث ويؤكد‬ ‫على شمولية التشريع الاسلامي ‪ ،‬ثم تأتي مواضيع العبادات ‪ ،‬فالمعاملات‬ ‫بمفهومها الواسع من تصرفات مالية ‪ ،‬وعلاقات زوجية & ونظام قضاء‬ ‫وحكم ‪ ...‬وان وجدت فوارق بين تلك المصنفات فلا تعدو أن تكون شكلية‬ ‫كتقديم بعض المواضيع عن بعض أو إغفال هذه الموسوعة أو تلك بعض‬ ‫المواضيع ‪ .‬وسنكتفي خلال هذا الموجز ببيان المنهج العام للتأليف © مع‬ ‫الإشارة إلى الخصائص التي تميز هذا المصنف عن غيره‪ .‬وبصفة عامة فإن‬ ‫مؤلفي المطولات الفقهية اجتهدوا في جمع المسائل المفيدة في الأصول‬ ‫والفروع © من أمهات الكتب & وحشدوا فيها الكثير من الحكم والمواعظ‬ ‫والقصص التاريخية والشواهد اللغوية والأشعار النافعة وغير ذلك مما يجد‬ ‫فيه القارىء المتعة الروحية والراحة العقلية والثقافة الدينية المحيطة بكل ما‬ ‫في كتاب الثه الكريم وسنة رسوله الأمين ‪ ،‬فخرجت موسوعات دينية حافلة‬ ‫بمسائل الفقه أساسا_وعلوم الدين عموما يستغنى بها في مجال الثقافة‬ ‫والمعرفة عن عديد من الكتب ‪ .‬ومن مظاهر النسخ والجمع ‪ ،‬فإننا نجد على‬ ‫‪_ ١٤٦‬‬ ‫سبيل المشال أن ما كتبه ابن بركة في أصول الفقه قد نقل بتمامه تقريبا في‬ ‫كتاب «بيان الشرع ثم في «المصنف‘! وغيرهما‪ ،‬وللمقارنة فإنه إذا كان الفقيه‬ ‫في القرنين الثالث والرابع ينهج مسلك إيراد الاقوال المتعددة لبيان اختلاف‬ ‫الاجتهاد ‪ ،‬فإنه في القرن الخامس وما بعده أصبح ينسخ ما جاء في كتب‬ ‫المتقدمين الفقرات الطوال © إلا أن أهمية هذا الاتجاه تكمن في كون أصحابه‬ ‫قد حافظوا على كثير من المؤلفات العيانية التي أتت عليها عوادي الزمن ©‬ ‫أيام الفتن والحروب ‪.‬ونحن حين أنرزنا طابع النسخ في مؤلفات هذا العصر‬ ‫لا نعني أبدا به ذلك النسخ الجامد إن صح التعبير ‪ ،‬الخالي مانلجهد العقلي‬ ‫إذ أن صاحب «الضياءا وصاحب بيان الشرع! وغيرهما قد توسعوا في‬ ‫مصنفا تهم بما يدل على سعة اطلاعهم واستفادتهم مما قرؤوه ونقلوه‪ .‬فقد‬ ‫جمعوا ثم حللوا ودرسوا ونقدوا وأكملوا النقائص التي لااحظوها في اثار‬ ‫متقدميهم ووازنوا بين الأقوال والاجتهادات وقدموا لنا ما ارتأوه صوابا ولم‬ ‫تنطفىعءفيهم روح الاستقلالية والاجتهاد‪ .‬وهم و إن كانوا ميالين كثيرا إلى‬ ‫رأي الجمهور " أو منحازين إلى إتفاق الأصحاب فإننا نجد الواحد منهم‬ ‫يختار قولا مرجوحا ‪ ،‬أو يستحسن رأيا مخالفا به قول بعض السلفآ© أو يتبنى‬ ‫حكا قال به البعض دون البعض ‪ 0‬ويصوغ ذلك بالعبارات المعهودة من‬ ‫قبيل ‪ :‬والنظر يوجب كذا ‪ ،‬وهذا رأينا ‪ 0‬وهذا هو الصحيح ‪ ،‬قال أصحابنا ؛‬ ‫وقول أبي معاوية في هذا عندي أنظر والله أعلم ؛ ويعبر أحدهم عن وقوفه‬ ‫عند النص إذا تعارض النقل والعقل بالعبارة المشهورة‪ :‬للحظ للنظر مع‬ ‫الإجماع‪ .‬لاحظ للنظر مع كتاب الله ‪...‬‬ ‫ومما يلاحظ في هذه المطولات الغياب النسبي للتنظيم وترتيب المسائل‪،‬‬ ‫فصاحب الكتاب لم يكن يهتم بذلك كل الاهتيام ‪ .‬فلكثرة المسائل تجده‬ ‫‪١٤٧‬‬ ‫ولعله كان يعتمد في ذلك على الذاكرة ۔ثم يكدسها‬ ‫يورد ما استحضره منها‬ ‫في غير نظام دقيق مما يوقعه ‪ 5‬إضافة إلى استطراد القضايا ‪ ،‬في تكرار المسائل‪.‬‬ ‫وبسبب النقل من مصادر مشتركة يحس القارىء بالتشابه في محتوى‬ ‫تلك المطولات بصفة وعامة‪ ،‬وإن وجد اختلاف فإنما هو اختلاف في ترتيب‬ ‫الأبواب فقد تقدم مواضيع الأسرة عن البيوع أو تؤخر مسائل القضاء عن‬ ‫موضعها وهي مسألة شكلية لا تؤثر في المستوى العام لتلك المصنفات‪.‬‬ ‫هذه بعض الملاحظات العامة التي أمكن لنا تسجيلها من خلال‬ ‫مطالعاتنا العابرة لعدد من تلك الموسوعات والمدونات الفقهية ‪ .‬كيا ينبغي‬ ‫أن نشير إلى أن ملاحظاتنا حول طابعها العام لا تعني بالضرورة إلغاء أثر‬ ‫المؤلف الخاص وطابعه الشخصي ‪ .‬فالعوتبي في كتابه الضياء يبدي اهتياما‬ ‫خاصا باللغة في بيان معاني المفردات الفقهية‪ ،‬بالعودة إلى مراجع اللغة‬ ‫وأصحابها ويورد الأشعار والأقوال ونحوها مما يحدد المقصد أو المقاصد‬ ‫التي تنطوي عليها تلك المفردات ‪ .‬وأما الكندي في بيان الشرع فإنه يكثر من‬ ‫النقل من كتاب الأشراف للنيسابوري في الأجزاء التي تعرضت لنفس‬ ‫الموضوعات‘ ويعقب على نقله ذلك برأي أبي سعيد الكدمي مما يجعلنا نميل‬ ‫إلى أن الكندي لم ينقل من الأشراف مباشرة وإنا نقل من عمل أبي سعيد‬ ‫وتعقيباته على كتاب الأشراف‪ .‬ومن المفيد ونحن نتحدث عن بيان الشرع &‬ ‫أن نورد وصفاله كتبه جامعه ومرتبه الشيخ أبو بكر أحمد الكندي صاحب‬ ‫« المصنف! فقد قال عنه ‪« :‬حسن في العلم تصنيفه " وازدهر في الأعين‬ ‫تأليفه ‪ .‬وفاق في الكتب ‪ ،‬وضعه { وجاوز كثرته جمعه بوفرة مسائله © وسهولة‬ ‫مداخله ‪ ،‬واتضاح مناهجه ‪ ،‬وبيان خارجه ‪ ،‬ووثيق أصوله وأسبابه ‪ ،‬وكثرة‬ ‫فروعه وأبوابه ‪ .‬حوى جواهر الآثار المشهورة ‪ ،‬والجوامع المأثورة ‪ 5‬والسير‬ ‫‪١٤٨‬‬ ‫المصنفة؛ فجاء بحمد اله سالما من ‏‪ ١‬لدخل ‘ صحيحا من‬ ‫‏‪ ١‬مؤلفة } وا لكتب‬ ‫السقم والزلل‪ ».‬وما من ريب أن تحليل هذه الفقرة ودراستها تكشف عن‬ ‫بعض ما ذكرنا من الخصائص العامة لتأليف الموسوعات الفقهية‪ ،‬وتبقى‬ ‫معبرة عن رأي صاحيهاا لشخصي في كتا ب بيا نا لشرع } ومن وجهة نظره‬ ‫الخاصة‪.‬‬ ‫وفي ما يتعلق بالمصنف فقد سلك صاحبه منهجا يطغى عليه النقل مع‬ ‫ذكر المصادر التي ينقل منها ‪ 5‬ولئن كانت هذه الطريقة قد ظهرت في بيان‬ ‫‏‪ ١‬متأخرة‬ ‫‏‪ ١‬لعصور‬ ‫ف‬ ‫قد توسع فيها ‪ .‬وستعتمد‬ ‫‏‪ ١‬مصنف‬ ‫‏‪ ١‬لشرع ف ن صا حب‬ ‫كطريقة أساسية في التأليف بدءا من أي محمد عثيان الأصم في كتابه‬ ‫«البصيرة" ‪ 5‬ولعل ذلك أيضا في كتابه «التاج» الذي لم يصلنا كله‪.‬‬ ‫وفي طول كتاب هالمصنف! وعرضه بأجزائه الواحد والأربعين تقرأ ما‬ ‫جامع ابن جعفر ‪....‬‬ ‫يلي‪ :‬مسألة ‪ :‬وني الضياء ؟ مسألة ‪ :‬وفي الجامع ‘ وفي‬ ‫فهنو ينقل المصدر والنص ولا يحاول أن يدرج هذا الأخير بأسلوبه الخاص في‬ ‫كتابه © كيا تجده يبدأ المسألة التي لا يكلف نفسه تحديد عنوان لها بقوله‪:‬‬ ‫سألت أبا سعيد محمد بن سعيد ‪( ....‬أي الكدمي)ا ثم يأتي بالسؤال‬ ‫والجواب بشكل يوحي بالنقل المباشر رغم أن الرجلين (الكندي والكدمي)‬ ‫لم يلتقيا فالأول من أهل القرن السادس والثاني من أهل القرن الرابع ‪.‬‬ ‫والمنحى البياني هذا المنهج في التأليف تجده بين التطور والصعود ؛ وقد دفع به‬ ‫الكندي صاحب المصنف خطوة كبيرة إلى الأمام ‪ .‬وفي ذلك من الدلالات ما‬ ‫لا يخفى‪.‬‬ ‫‪_ ١٤٩‬‬ ‫التليف الفقهي من القرن السادس إلى القرن الرابع عشر‪:‬‬ ‫دخلت عيان منذ أواخر القرن الخامس الهجري مرحلة من الاضطراب‬ ‫السياسى استمرت ثيانية قرون ‪ ،‬باستثناء فترات قصيرة نعمت فيها البلاد‬ ‫بشىء من الاستقرار والأمن ‪ .‬وقد تداول على حكمها ملوك النباهنة على‬ ‫فترتين نافستهم عليه خلالها إمامات متعددة بين قوية وضعيفة حاولت‬ ‫استرجاع نظام البيعة في اختيار الحاكم‪ .‬وكانت هذه الإمامات‪ ،‬بحسب‬ ‫الظروف إمامات شراء أو دفاع أو ظهور‪ .‬وقد قامت أكثر من إمامة واحدة‬ ‫في وقت واحدا الأمر الذي أعطى القبائل القوية الفرصة لتثور على النظام‬ ‫السياسي الضعيف© فكانت تستقل بالحكم في بلدة أو أكثر‪ .‬وقد أغرى هذا‬ ‫الوضع الشعوب المجاورة باحتلالها مرات عديدة‪ .‬وبداية من القرن التاسع‬ ‫وصل البرتغاليون إلى السواحل العيانية} واحتلوا أهم مدنها واتخذوها منطلقا‬ ‫لتوغلهم في الخليج والهند وما وراءها ‪ .‬ونتيجة لكل ذلك كانت الحروب‬ ‫الداخلية والخارجية لا تكاد تنقطع ‪ .‬وفي بدايات القرن الحادي عشر‬ ‫شهدت البلاد بعض الاستقرار بوصول اليعاربة ‏(‪ ١١٦١-١٠٦٢ ٤‬ه) بقيادة‬ ‫الإمام ناصر ابن مرشد ‏(‪ )١٠ ٢٤‬إلى الحكم ‪ ،‬فقام ‪ 0‬وبحزم & ببسط نفوذ‬ ‫الدولة على كامل أرض عيان ‪ ،‬وأخمد الفتن & ودانت له القبائل ‪ ،‬وطهر‬ ‫السواحل من النصاري البر تغاليين © ثم واصل من بعده خلفاؤه الثلاثة‬ ‫سياسته القائمة على الحزم والعدل وبسطوا نفوذهم حتى سواحل إفريقيا‬ ‫الشرقية وسواحل الهند ودانت لهم البلاد القريبة وللأسف فإنه مع وفاة‬ ‫سلطان بن سيف بن سلطان ‏(‪ ١١٣ ١‬ه) دخلت عيان من جديد مرحلة‬ ‫مظلمة بسبب الحروب القبلية الطاحنة } وتولى الحكم الجهلة من شيوخ‬ ‫القبائل‪ ،‬ولم ينقذ الموقف إلا أحمد بن سعيد البوسعيدي ‪ ،‬أحد ولاة اليعاربة‪.‬‬ ‫_ ‪_ ١٥٠‬‬ ‫فقد استغل أحمد الوضع المتردي الذي كانت تمر به البلاد ليعلن قيام دولة‬ ‫جديدة هى دولة آل البوسعيد ‪ .‬وقد حاول مؤسسها أن يعيد الاستقرار المنشود‬ ‫لل البلاد فقام بحملات عسكرية لردع أصحاب الفتن ‪ 3‬فكانت أيامه "‬ ‫حسب ما ذكره الشيخ السالمي ‪ ،‬أيام راحة واستراحة بعد الفتن والمحن؛ إلا‬ ‫أنه بمجرد وفاة الإمام أحمد بن سعيد سنة (‪١١٩٠‬ه)‏ وتولى الأمر من بعده‬ ‫ابنه سعيد عاد الاضطراب من جديد بسبب الصراع العائلي على السلطة‬ ‫الأمر الذي أعطى الوهابيين على الحدود الشيالية فرصة ثمينة مكنتهم من‬ ‫الدخول بمعتقداتهم وآرائهم إلى أرض عيان إلا أن هذه الدولة الناشئة‬ ‫عرفت حكاما أقوياء عرفوا كيف يجنبون البلاد ما شهدت من أحداث في‬ ‫آخر دولة اليعاربة رغم ظهور منافس جديد لهم في الداخل يسعى لبعث‬ ‫النظام السياسي الذي ساد في عيان منذ أيام الجلندى‪ .‬ولكن الظروف‬ ‫الداخلية والخارجية فرضت على النظامين التحلي بالحكمة لتجنيب البلاد‬ ‫ويلات فتن جديدة ومزيد من المعاناة‪...‬‬ ‫يصور لنا هذا الملخص السياسى وضعا قاتما في أغلبه ‘ لا يمكن بحال‬ ‫أن يثمر شيئا ذابال على المستوى الفكري والحضاري ‪ .‬فقد شلت الحركة‬ ‫العلمية ولم تعد المدارس تقوم بدورها الإيجابي بعد أن هجرها العلياء‪ ،‬وغاب‬ ‫العطاء الفاعل بغياب الفقهاء الذين تركوا أماكنهم للعاجزين عن التجديد‬ ‫والاجتهاد‪ .‬فقد كان منتهى نشاطهم _ عموما_ اجترار ماكتبه السابقون‬ ‫الذين يشعرون بالعجز والدون أمامهم‪ .‬فقد أقنعوا أنفسهم بأن السلف لم‬ ‫يترك شيئا للخلف إلا كتبوا فيه بيا يغني عن المزيد ‪ .‬ومن هنا يمكن أن‬ ‫نلخص جهود متفقهة هذا العصر فييا يلي ‪:‬‬ ‫‪_ ١٥١١‬‬ ‫النقل والنسخ‬ ‫آ‬ ‫ب _ التعليق على كتب المتقدمين‬ ‫المصنفات القديمة‬ ‫حے۔۔ اختصار‬ ‫د ۔نظم المنثور ونثر المنظوم ‪.‬‬ ‫تحول الفقه في هذا العهد من أبحاث تحليلية نقدية تتسم بالتفريع‬ ‫والتحقيق والتأصيل & يظهر فيها جهد صاحب الكتاب وشخصيته العلمية &‬ ‫إلى فقه يقوم على منهج الرواية الصرف© يكتفي فيه المؤلف بالنقل والنسخ‪.‬‬ ‫فقد كان الفقيه يطالع ما يقع بين يديه من كتب السلف وينتقى منها ما يراه‬ ‫مفيدا ثم يجمع مطالعاته في مصنف يقسمه إلى أبواب وفصول ومسائل مما‬ ‫كان متعارفا عليه بدءا بقضايا العقيدة (الفقه اللأكبر) ومسائل الحلاق‬ ‫والآداب ثم أبواب العبادات والمعاملات بمفهومها الواسع ‪ ،‬وقد يحشر‬ ‫نقوله في الفصل الواحد حشرا على غير نظام منطقي يسمونه أسلوب‬ ‫المنشورات‪ .‬والمنشورة ‪ 7‬كما عرفها صاحب اتحاف الأعيان ‪ ،‬هي أن يجمع‬ ‫المؤلف مسائل وأجوبة متناثره غير مرتبة ولا مبوبة" ‪ ...‬وهو أسلوب يشبه‬ ‫تماما منهج اللقط التي عرفها الفقه المغربي وقد اشتهرت من مؤلفات هذا‬ ‫المنهج لقط أي عزيز التي أعاد ترتيبها قطب الأئمة ‪ .‬ومن أمثلتها في المشرق‬ ‫منثورة أي سعيد عمر بن علي المعقدي (آواخر القرن السادس)‪ .‬وقد سلك‬ ‫منهج المأثورات الشيخ الخراسيني (ق ‏‪ _ ١١‬‏)ه‪ ٢٦١‬في كتابه فواكه العلوم‬ ‫بأجزائه الثلاثة ؛ فقد قسمه إلى منشورات عدة جمع فيها ونقل منتخباته‬ ‫العقدية والتاريخية والوعظية والفقهية والقضائية ‪.‬‬ ‫)( اتححاف‪.٣٨١ /١ ‎‬‬ ‫‪_ ١٥٢‬‬ ‫إن الاستقراء المركز لمجموعة لا بأس بها من المؤلفات الفقهية الراجعة‬ ‫إلى ذلك العهد يسمح لنا بأن نطلق على تلك الجهود فقه الأديان والاأحكام أو‬ ‫فقه الفتوى } وهو فقه ذو طابع جاف أصبح التأليف فيه مرادفا لنسخ ماجاء‬ ‫في كتب الماضين وفتا ويهم ‪ .‬ومن المفيد أن ننقل هنا ما ذكره الشيخ فارس بن‬ ‫اسياعيل الخصيبى (ق‪)١٠‬‏ في اخر كتابه «غرائب الاثار» معبرا عن حقيقة‬ ‫التأليف في عصر ‪ .‬بقوله‪« :‬وقد نسخت هذا الكتاب مآنثار المسلمين‬ ‫السالفة ؛ من الضياء وبيان الشرع والمصنف وكتاب التاج وجامع أبي الحسن‬ ‫وجامع ابن جعفر وجامع أبي محمد وأبي زكرياء والفضل بن الحواري وأبي‬ ‫سعيد ومن كتاب الايضاح ومنشورة أي حمد كل ذلك بفضل الله وعونه‬ ‫وتوفيقه ثم بمعونة الشيخ ‪ ...‬أي محمد عبدالله بن محمد بن سلييان النزوي‬ ‫وأخيه ‪ ...‬أبي مروان سليمان بن محمد والشيخ الأجل محمد بن شريف والشيخ‬ ‫‪ ..‬أبي بكر أحمد بن مراد بن عبدالله ث فجزاهم الله عني جزاء المحسنين»‪.‬‬ ‫وشهادة أخرى على طابع الجمع والنسخ ننقلها من مقدمة الشيخ عمر‬ ‫ابن سعيد المعد البهلوي (ق‪)١٠‬‏ لكتابه المشهور «منهاج العدل! فقد جاء عنه‬ ‫قوله‪« :‬أما بعد فهذا كتاب ألفناه من الآثار وجمعناه من جوابات المسلمين‬ ‫ذوي الألباب والابصار ‪ ،‬رحمة الله عليهم‪.»...‬‬ ‫فعبارات ا«نسخت! و«حمعناها و‪١‬ااثار‏ المسلمين السالفة" و«الاثار»‬ ‫والمسلمين ذوى الألباب والأبصارا ومثل هذا كثير وفي الكل تصريح‬ ‫بمستوى التأليف في ذلك العهد ث حتى أصبحت هذه التعابير عرفا مألوفا‬ ‫لدى المصنفين يعنونون بها كتبهم" وللتمثيل نذكر «جواهر الآثار للشيخ ابن‬ ‫عبيدان (ق‪)١٣‬‏ بأجزائه التي تجاوزت العشرين ‪ 0‬وكتاب «لباب الآثار‬ ‫الواردة عن الأولين والمتأخرين الأخيار» للشيخ سالم بن سعيد الصائغي الذي‬ ‫_ ‪_ ١٥٣‬‬ ‫ألفه استجابة للعلامة مهنا بن خلفان البوسعيدي ‪ .‬وعلى المنهج نفسه ألف‬ ‫الشيخ جمعة بن علي الصائغي كتابه «جامع الجواهر ؛ «ألفه من بيان الشرع‬ ‫وفيه شيء من المصنف وما شاء الله من غيره » ‪ .‬وألف الشيخ موسى البشري‬ ‫«خزائن الأسرار! في أجزاء عدة { ثم انتخب منه «مكنون الخزائن وعيون‬ ‫المعادن» وجعله في ‏‪ ١٤‬جزءا‪ .‬وليست هذه العناوين إلا نماذج أحببنا ذكرها‬ ‫لإعطاء صورة عن التأليف الفقهي في عصر الضعف والانحطاط‪.‬‬ ‫فالمصنفات الفقهية لا تختلف عن بعضها من حيث المضمون إلا في عدد‬ ‫الاجزاء فقد يأتي بعضها في ثلاثة أو أربعة أجزاء وقد يصل البعض الآخر‬ ‫العشرين بل يتجاوزه أما من حيث المحتوى فهي تكرار لما فيها وقد يكون‬ ‫التكرار بلفظه أحيانا كثيرة‪.‬‬ ‫وإتماما للفائدة نقدم للقارىء قائمة لبعض مصنفات هذا العهد قصد‬ ‫التعريف بها والتعرف عليها‪:‬‬ ‫عثمان بن موسى النزوي (ت‪)٥٣ ٦ ‎‬‬ ‫‪ ١‬كتاب النيف في الأحكام‬ ‫نجاد بن موسى بن إبراهيم المنحي‪‎‬‬ ‫‪ ٢‬۔ الأكلة وحقائق الأدلة‬ ‫(‪()٥١٣‬‬ ‫نجاد بن موسى بن إبراهيم المنحي‬ ‫‏‪ ٣‬كتاب الحوالة‬ ‫عبدالله بن أحمد بن الخضر بن النضر‬ ‫‏‪ ٤‬الرقاع في أحكام الرضاع‬ ‫عمر بن علي المقعدي (ق‪)٦‬‏‬ ‫‏‪ ٥‬كتاب الصلاة والصلة‬ ‫محمد بن عمر السيجاني‬ ‫‪٦‬۔كتاب‏ الإيجاز‬ ‫صالح بن وضاح المنحي‪٩) ‎‬ق(‬ ‫‪ ٧‬كتاب التبصرة في الأديان والأحكام‬ ‫فارس بن اسياعيل الخصيبي‪( ‎‬ق‪)١٠‬‬ ‫‪ ٨‬كتاب غرائب ا لآثار في الأديان والأحكام‬ ‫صالح بن محمد النزوي‪١٠( ‎‬۔‪)١١‬‬ ‫‪ ٩‬كتاب الاييان في الأديان والأحكام‬ ‫_ ‪_ ١٥٤‬‬ ‫صالح بن محمد النزوي (‪١٠‬۔‪)١١‬‏‬ ‫‏باتك۔‪ ٠٧-‬الأنوار‬ ‫عمر بن سعيد المعد البهلوي (ت‪)١٠٠٩‬‏‬ ‫‏‪ ١‬كتاب منهاج العدل‬ ‫عبدالله بن محمد بن غسان الخراسيني (ق‪١٠‬‏ ۔‪)١١‬‏‬ ‫‏‪ -٢‬خزانة الاخيار في بيع الخيار‬ ‫ومن ألوان النشاط الفقهي ‪ ،‬إلى جانب النسخ والتجميع ‪ ،‬التعليق على‬ ‫بعض كتب المتقدمين سواء بالشرح والبيان أو بالتخطئة والتصويب وهو‬ ‫صنيع شبيه بالتحشية التي عرفها فقهاء ذلك العصر بالنسبة للفقه العام‪،‬‬ ‫وحتى عند فقهاء الإباضية المغاربة‪ .‬ومن تلك الأعيال ‪ ،‬عند العهانيين © شرح‬ ‫بسيط لمجهول على قصيدة في الشهادة والإقرار لأبي سالم نبهان النبهاني‪ .‬ومن‬ ‫ذلك أيضا عمل محمد بن وصاف النزوي (النصف الثاني من القرن السادس)‬ ‫فقد شرح دعائم ابن النضر في ثلاثة أجزاء ث وكانت للشيخ محمد بن علي ابن‬ ‫عبد الباقي النزوي (ق‪٩‬‏ _ ‏‪ )١٠‬تعقيبات على بعض المسائل فييا يطالع من‬ ‫كتب‪ .‬ومهيا يكن من أمر فلم يتوسع علياء ذلك العصر في هذا الاتجاه كل‬ ‫التوسع‪.‬‬ ‫وإلى جانب ماسبق ظهر الاهتمام بتلخيص مصنفات السابقين‬ ‫واختصارها ؛ من ذلك ما قام به الشيخ عمر بن سعيد المعد البهلوي (ق‪)١٠‬‏‬ ‫من تلخيص كتاب الضياء للعوتبي (ق‪)٦‬‏ وسياه «ضياء الضياء ‪ .‬كذلك‬ ‫فعل الشيخ عبدالله بن محمد الخراسيني (ق‪١٦_١١‬ه)‏ حين لخص كتاب‬ ‫المصنف"! تأليف الشيخ أي بكر الكندي (ق‪»)٦‬‏ بل قد يعمد بعض المؤلفين‬ ‫إلى اختصار ما توسع في تأليفه من ذلك ما فعله الشيخ موسى بن عيسى‬ ‫البشري مع كتابه «خزائن الأسرار فقد اختصر في كتابه «مكنون الخزائن‬ ‫وعيون المعادن» ‪ ...‬ولا ريب أن هذه المختصرات ما هي إلا أمثله هذا الاتجاه‬ ‫_ ‪__ ١٥٥‬‬ ‫التأليفي مما استطعنا أن نقف عليه ولا نستبعد وجود ملخصات أخرى‬ ‫مصنفات عدة نالت اهتيام ورضا فقهاء عاشوا في هذا العهد الطويل ‏(‪- ٦‬‬ ‫‏‪_).‬ه‪٤١‬‬ ‫إن الظاهرة البارزة في التأليف الفقهي التي تسترعي الانتباه‪ ،‬في هذه‬ ‫المرحلة من تاريخ الفقه العياني إنما هي ظاهرة النظم الفقهي وتصنيف‬ ‫الأراجيز الفقهية ‪ .‬فبقدر ما كان سلوك منهج المختصرات والتعليقات محدودا‬ ‫في التصنيف الفقهي خلال هذا الدور فإن النظم الفقهي عرف ازدهارا لافتا‬ ‫للنظر بصورة كبيرة إلى درجة أنه ليس من المبالغة أن يطلق على هذا الدور‬ ‫بدور «الفقه المقفى'‪ .‬وهذا اللون من التأليف ‪ ،‬وإن لم يكن جديدا تماما‪ ،‬فقد‬ ‫ظهرت بداياته منذ القرن الخامس مع أبي عبدالله حمد الكندي في كتابه‬ ‫«النعمةا والفقيه ابن النضر في كتابه الدعائم إلا أن الجديد في الموضوع هو‬ ‫الانتشار الواسع لهذا الفن الذي أصبح ينافس اللغة الأصلية والطبيعية‬ ‫للتأليف الفقهي التي هي النثر‪ .‬فقد أصبح النظم علامة على تضلع صاحبه‬ ‫في العلم والمعرفة‪ .‬ومن المهتمين بهذا اللون من التأليف من نظم الفقه ابتداء‬ ‫بأن يصوغ الفقيه بابا فقهيا في «قصائد! أو أراجيز قد تطول أو تقصر أو أن‬ ‫يقوم بصياغة كتاب منشور نال مكانة عند أهل العلم في عصره‪ .‬والتمثيل على‬ ‫الطريقة الأولى نذكر أعيال الشيخ أبي سالم نبهان بن أبي المعالي (النصف‬ ‫الثاني من القرن السابع)‪ .‬فقد ألف قصيدة في المواريث وأخرى في الشهادة‬ ‫والاقرار والعطية ؛ وألف عبد السلام بن أبي الحسن (ق‪)١٠‬‏ قصيدة في عيوب‬ ‫الدواب والعبيد وما يرد به العيب ؛ وألف أبو حفص عمر بن سعيد البهلوي‬ ‫(ق‪)٩٨‬‏ قصائد في الصلاة وأخرى في أفعالها وفي صلاة الجماعة والجمعة {‬ ‫وقد حافظ النظم الفقهي على مكانته حتى القرن الجاري ‪ .‬ومن الذين كلفوا‬ ‫‪_ ١٥٦١‬‬ ‫أنفسهم بنقل الفقه من مؤلفاته النثرية إلى النظم نذكر أبا حفص عمر بن‬ ‫سعيد ‪ ،‬السالف الذكر ‪ ،‬فقد نظم مختصر الخصال تأليف أي اسحاق‬ ‫الحضرمي (ق‪)٥‬‏ ومختصر البسيوي (ق‪.)٩_٤‬‏ وفي العصور المتأخرة سلك‬ ‫الكثيرون من المشتغلين بالفقه منهج النظم‪ .‬نذكر على سبيل المثال أرجوزة‬ ‫الصائفى‪ .‬ونظم الشيخ السالمي مختصر الخصال ني أرجوزته مدارج الكيال‬ ‫التي شرح بعضها في موسوعته الفقهيه معارج الآمال ولكن منظومته « جوهر‬ ‫النظام» قد طغت على ما عداها ونالت شعبية واسعة عند طلبة العلم وغيرهم‬ ‫من عوام الناس رجالا ونساء ممن كان لهم ميل إلى االفقه والرغبة في معرفة‬ ‫أحكام الشريعة‪ .‬ويمكن أن نزيد في التمثيل لهذا اللون فنذكر نظم الشيخ‬ ‫سعيد بن خلف الخروصي لكتاب الوضع الذي سياه قواعد الشرع وكتاب‬ ‫الشيخ سالم بن حمود السيابي «إرشاد الأنام ني الأديان والأحكام‪ .‬ولم تنج‬ ‫الموسوعات الفقهية من هذه الهواية فنظم الشيخ محمد بن شامس البطاشي‬ ‫كتاب «شرح النيل" للشيخ محمد بن يوسف أطفيش بأجزائه السبعة عشرة‬ ‫نفسه في البحث عن القوافي المناسبة ويقيد نفسه بقوانين الأراجيز ليصوغ‬ ‫سؤالا فقهيا يرسله إلى بعض مشايخ عصره‪ ،‬وينتظر الجواب نظياء وأحيانا‬ ‫يأتي الجواب على البحر نفسه والروي نفسه بل تجاوز النظم كل ذلك وأصبح‬ ‫وعاء للأحاجي والألغاز الفقهية ومحاولات فك طلاسيمهاء مما جعل البعض‬ ‫يرى في تلك الجهود ترفا فكريا يظهر عندما يفقد الفقيه رسالته الحضارية‪،‬‬ ‫ودوره الصحيح في خدمة الأمة‪.‬‬ ‫وحتى لا نكون قد تبنينا كثيرا على الجهود التي بذلت في هذا الدور من‬ ‫أدوار الفقه ‪ 5‬وللأمانة العلمية‪ ،‬واعترافا بالجميل فإننا مضطرون للإشادة بجملة‬ ‫‪١٥٧‬‬ ‫من النقاط الايجابية التي تميز بها هذا العصر والتي تمثلت في المحافظة على‬ ‫التراث الفقهي من الاندثار من ناحية ‪ ،‬وفي العمل الجياعي الذي لوحظ‬ ‫أحيانا‪.‬‬ ‫ففيما يتعلق بالنقطة الأولى فإننا مدينون بدرجة كبيرة للجهود المعتبرة‬ ‫التي بذلها رجال هذا العصر في المحافظة على التراث الفقهي الذي انتجه‬ ‫علياء العصر الذهبي فقد ضمنوا وصوله إلينا وحموه من عوادي الزمن حين‬ ‫تكفلوا بنسخ مصنفاته أو بالنقل عنها في مؤلفاتهم‪ .‬وإن نظرة عجلى ني‬ ‫تواريخ نسخ المصنفات المطبوعة أو تلك التي تحتفظ بها المكتبات العيانية‬ ‫تؤكد لنا ذلك الجهد المعتبر‪ .‬ومن أمثلة ما اعتني بنسخه الموسوعتان الكبيرتان‬ ‫«بيان الشرع! و المصنف" إلى جانب الجوامع الكثيرة‪ .‬فقد نسخت منها‬ ‫نسخ عدة إما للنساخ أنفسهم وأما بالأجرة لصالح الغيب من ذلك أن الشيخ‬ ‫عمر بن سعيد البهلوي (‪١٠‬۔‪)١١‬‏ نسخ جامع أي قحطان (ق‪)٣‬‏ استجابة‬ ‫للإمام حمد بن اسياعيل (‪٩٤٢_٩٠٦‬ها)ا‏ كيا نسخ الجزء الخامس من «بيان‬ ‫الشرع! بتاريخ ‪٩٧٩‬ه‏ واخر جزء من «المصنف" بتاريخ ‏‪ ٤٣‬‏‪.‬ه‪ ٩‬وما فعله‬ ‫وقام به هذا الرجل إن هو إلا نموذج لذلك المجهود الإيباي الذي بذله‬ ‫معاصروه وغيرهم من أهل العلم في هذا الدور‪.‬‬ ‫ومن حسنات هذا الدور ‪ ،‬ولو من الناحية الشكلية على الأقل ‪ ،‬العمل‬ ‫الجماعي والتشاور بين أهل العلم وبحثهم القضايا الفقهية التي تهم الناس في‬ ‫حياتهم العامة أو الخاصة ؛ فمن ذلك ما قام به الإمام حمد بن إسياعيل حين‬ ‫جمع كبار العلياء لبحث مسألة بيع الخيار التي انتشرت في المجتمع‪،‬‬ ‫واستشرى ضررها في الطبقات الضعيفة المحتاجة{ وانتهى اللقاء بحكم يأمر‬ ‫فيه الإمام بتحريم هذه المعاملة والمعاقبة عليها‪ ،‬واعتبار بيع الخيار عقدا‬ ‫‪_ ١٥١٨‬‬ ‫لاغيا‪ .‬وقد شارك في هذه «الندوة" أو اللقاء كل من مداد بن عبدالله بن مداد‬ ‫وعبدالله بن محمد بن اسياعيل والقاضي أبوغسان بن ورد وعمر بن زياد ومحمد‬ ‫بن أبي الحسن بن صالح بن وضاح وجماعة ممن حضر من أهل العلم والبصر‪.‬‬ ‫ومن صور التعاون العلمي ني ذلك العهد ما أشرنا إليه من استعانة‬ ‫الشيخ فارس الخصيبي في تأليف كتابه «غرائب الأثاره بآراء مشايخ عصره‪.‬‬ ‫ومن ذلك أيضا مصادقة العلماء على حكم شرعي يصدره أحدهم حتى تكون‬ ‫لذلك الحكم قوة الالزام‪ ،‬وللتمثيل فقد أصدر الشيخ صالح بن محمد بن‬ ‫صالح النزوى (ق‪)١١_١٠‬‏ حكيا يبطل زواج الصبيان اعتيادا على رأي الإمام‬ ‫جابر بن زيد فرضيه ووقع عليه وأمضاه كل من أحمد بن مداد بن عبدالله بن‬ ‫مداد وعبدالله بن عمر بن زياد وأبو الحسن بن قاسم بن أي الحسن‪ .‬ولابد أن‬ ‫نشير في هذا الصدد إلى كتابين متعاصرين يصوران إلى حد بعيد ذلك التعاون‬ ‫العلمي بين المشايخ‪ .‬فكتاب فواكه العلوم للشيخ الخراسيني‪ ،‬وفواكه البستان‬ ‫للشيخ سالم بن خميس العبري يشهدان على مدى تعاون مشايخ العلم وتبادل‬ ‫الآراء فيما يتعلق بالقضايا المطروحة فكانت المراسلات العلمية لا تنقطع‬ ‫بينهم‪ .‬وكان صغار العلياء يسألون من يتقد مهم سنا فيجيبونهم بحسب ما‬ ‫يتوصلون إليه من اجتهاد‪ ،‬أو حفظ من الأثر وهو الأكثر‪.‬‬ ‫ومن جملة الأعيال المتميزة فهذا العصر ‪ ،‬وإن من الناحية الشكلية‬ ‫صنيع الشيخ درويش بن جمعة المحروقي (ق‪)١١‬‏ في كتابه «الدلائل على‬ ‫اللوازم والوسائل" الذي أراد أن يرشد به الناس إلى ما يلزمهم نحو ربهم‬ ‫وأنفسهم والناس الآخرين‪ .‬فسلك في ذلك طريقة متميزة في عرض الفقه‬ ‫مقارنة مع ما كان سائدا في عصره فقد صاغ كتابه بأسلوب أدبي وعظي لم‬ ‫يؤلف قبله‪ ،‬غرضه منه تحريك أحاسيس القاري ومشاعره من خلال نداءاته‬ ‫‪_ ١٥٩‬‬ ‫المتكررة التي كان يبدأ بها أبواب الكتاب ومسائله من قبيل ‪ :‬اعلم يا أخي‬ ‫رحمك الله ؛ اعلم يا أخي حفظك الله ث وسلمك ‪ ،‬وعلمك ‪ ...‬ثم ينطلق في‬ ‫التوضيح والبيان بلغة سهلة سلسة تستوعبها قلوب العامة من الناس }‬ ‫يذكر في كل مرة بأن أساس العبادة والأحكام الشرعية إنما هو الإخلاص لله‬ ‫فيها‪ .‬ولم يكن الشيخ درويش الزاهد يحفل بإيراد الأقوال الكثيرة ومناقشتها‬ ‫وإنما يكتفى بيا يحتاجه الانسان للعمل‪ .‬فهو بعيد كل البعد عن حذلقات‬ ‫الفقها مدرسي التي يغيب معها جوهر الفقه في خضم المناقشات‬ ‫والاعتراضات والمجادلات‪ .‬فالفقه عنده إنما هو الكشف عن حكم الله‬ ‫المحروقي‬ ‫للعمل به‪ ،‬فهو عنده ليس مجرد معرفة في ذاتها‪ .‬وقد تكفل العلامة‬ ‫من معاني‬ ‫ببيان منهجه في مقدمته القصيرة‪ ،‬فأشار إلى أنه جمع الكتاب وألفه‬ ‫العالمين‪.‬‬ ‫آثار المسلمين وأنه بينه للجاهل لا للعالم يرجو بذلك رحمة رب‬ ‫فيه فرائد‬ ‫وقال ‪« :‬جمعت فيه فوائد لا يستغني عنه طالب العبادة ‪ ،‬وأثرت‬ ‫تدل على الزهادة‪ ،‬وسميته (كتاب الدلائل على اللوازم والوسائل‪ )،‬وجعلته‬ ‫مبينا مبوبا على ما يلزم الانسان على الترتيب أولا فأول من شبابه إلى كبره وفي‬ ‫حال يسرته وعسرته‪ »...‬والمحروقي‪ ،‬وإن جمع ونقل‪ ،‬كيا هو شأن أهل زمانه‬ ‫‪ 3‬فإنه قد أحسن صياغة ذلك كلها وأجاد في عرضه وجاء به في صورة‬ ‫متميزة عيا كان مألوفا حين اختار الأسلوب الأدبي والوعظي يتسلل منه إلى‬ ‫قلب القارىء حتى يحول ما يقرأه إلى عمل وتطبيق‪ ،‬فيظهر أثر الفقه في‬ ‫إصلاح الفرد والمجتمع‪.‬‬ ‫والآن وبعد أن قدمنا صورة عن الفقه‪ .‬والتأليف الفقهي في هذا الدور‬ ‫الأخير من أدواره‪٬‬‏ حسب ما مكنتا مطالعاتنا المحدودة عليه من هذا التراث‬ ‫‪ .‬فإنه بالإمكان أن نوجز ذلك العرض في كون الوضع الفقهي استمر‪ 6‬من حيث‬ ‫‪_ ١٦٠‬‬ ‫الإجمال ‪ ،‬على الهيئة التى بينا حتى العقود الأخيرة من هذا القرن بلا جديد ولا‬ ‫تجديد في الشكل أو ا لضمون‪ ،‬مع عجز شديد عن مواجهة متطلبات العصر‬ ‫وبحث قضاياه والكشف عن حكم الثه في الكم الهائل مما فرضه على الناس‬ ‫تطور الحياة المدنية في شتى المجالات ‪ ،‬وإن جولة سريعة بين العناوين‬ ‫الصادرة في العقدين الأخيرين من القرن الهجري الماضى والعقدين الأولين‬ ‫من هذا القرن تكشف عن ذلك العدد الكبير من المؤلفات والتي هي في‬ ‫صورتها النظمية أو النثرية نسخ مكررة‪ ،‬وعناوين متعددة لمادة علمية واحدة ؛‬ ‫م يستفد مؤلفوهاء ولأسباب موضوعية معقولة جداء من مناهج البحث‬ ‫الحديثة كيا استفاد غيرهم ‪ 0‬ولم يولد بعد الفكر المتحرر من سلبيات الماضي‪،‬‬ ‫لذا نأمل أن يأتي جيل يخدم هذا التراث الضخم وينطلق به نحو التجديد‬ ‫ليسهم مع بقية روافد الفقه الإسلامي في نهضته المنشودة‪.‬‬ ‫نموذجان لفقهاء مجددين ‪:‬‬ ‫ومهيا يكن من أمر في مسألة تقييمنا لمستوى التأليف طيلة هذا الدور‬ ‫وخاصة القرون الأخيرة منه _ وأرجو أن لا أكون قد ركزت على إبراز النقاط‬ ‫السلبية فيه أكثر مما يجب _ فإن الوفاء للحقيقة} والعدل في الحكم يفرضان‬ ‫علينا أن ننوه با مجهودات التي بذلها بعض أعلام هذا العهد من الذين رفضوا‬ ‫الوضع العلمي القائم في جال الفقه خاصة & وأرسوا الخطوات الأولى نحو‬ ‫التحرر والانعتاق من سلبيات الماضي ‪ ،‬وقد اخترت للتمثيل عن هذا الاتجاه‬ ‫إثنين من الفقهاء ينتميان إلى فترتين زمنيتين مختلفتين تميزا عن معاصربهيا‪،‬‬ ‫اعتبرا مآعخرين غيرهما الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ‪ ،‬هما الشيخ خميس بن‬ ‫سعيد الشقصي‪ ،‬والعلامة المجتهد عبدالله بن حميد السالمي‪.‬‬ ‫‪. ١٦١١‬‬ ‫أولا ‪ :‬الشيخ خميس بن سعيد الشقصي وكتابه منهج الطالبين‪:‬‬ ‫هو الشيخ العلامة خميس بن سعيد بن مسعود الشقصي‪ .‬نسبة إلى قبيلة‬ ‫الشقصيين ‪ ،‬وهو من أهل بلدة الرستاق‪ .‬وللأسف فإننا نفتقر إلى كل شيع مما‬ ‫يمكن أن يعطينا صورة عن شخصيته العلمية‪ .‬فإننا نجهل تاريخ ميلاده‬ ‫ونشأته‪ ،‬وما يتعلق بتعلمه ومشايخه وتلاميذه وتاريخ وفاته‪ .‬فقد سكتت‬ ‫المؤلفات التي جاءت بعده عن كل ما يمكن أن يلقي الضوء ‪ ،‬وينير السبيل‬ ‫لمعرفة ما ينبغي معرفته عن العلامة الشقصى‪.‬‬ ‫والشىء المؤكد عن حياته أنه من علياء القرن الحادي عشر وأنه عاش في‬ ‫عهد الإمامين ناصر بن مرشد اليعربي (ت‪6)١٠٥٠‬‏ وخلفه الإمام سلطان بن‬ ‫سيف (ت‪١٠٩١‬ها)‪.‬‏ وتقول الروايات أن الشقصي تزوج أم الإمام ناصر وهو‬ ‫صبي فكان ربيبا له‪ ،‬وعاش عنده حتى انس منه قوة‪ ،‬وتوسم فيه الخير عرض‬ ‫على أهل الحل والعقد من علياء عصره مبايعته إماما وكان ذلك سنة‬ ‫‏(‪ ١٠٦ ٤‬ها)‪ .‬مما يعني۔إذا صحت الرواية _ أن العلامة الشقصى ولد في أواخر‬ ‫القرن الماش وبالتحديد‪ .‬فيما بين ‏‪ ٩٨٠‬‏ه‪٥٨٩‬و حسب تقديرنا الخاص ‪.‬‬ ‫ليكون عمره في حدود الأربعينات حين دعا إلى بيعة الإمام ناصر ويؤيد رأينا‬ ‫وصف الشيخ السالمي له عند ذلك التاريخ بأنه «قدوة العلياء إذ يصعب أن‬ ‫يكون كذلك قبل ذلك العمر‪ .‬والظاهر أن العلامة الشقصي قد عاش طويلا‬ ‫‏‪ ١٠٦٠١‬ه‪.‬‬ ‫إذ نجده حيا سنه‬ ‫وفيما يتعلق بنشأته العلمية ‪ ،‬فيبدو لي أنه تعلم القرآن الكريم ومبادىء‬ ‫اللغة والعلوم في بلدته «قصرى" من قرى الرستاق ثم نزل المدينة ليتوسع في‬ ‫العلم على يد علياء الرستاق التي كانت على ما يبدو مركزا علميا وكانت‬ ‫مساجدها وقلعتها الشهيرة عامرة بحلقات العلم" وليس مستبعدا أن يكون‬ ‫‪_ ١٦١٢١‬‬ ‫قد انتقل إلى نزوى وأخذ العلم عن مشايخها‪ ،‬وقد كان ذلك عادة طلبة العلم‬ ‫ني عيانا لما كانت تتمتع به نزوى من شهرة ومكانة إلا أن هذا مجرد تخمين‬ ‫يحتاج تأكيده إلى الأدلة والبراهين‪ .‬ولكن من المؤكد أن الشقصي قد تنقل في‬ ‫كثير من بلدان عيان والتقى بمشايخهاء وأنه أقام في نزوى مع الإمام كغيره من‬ ‫العلماء الذين تكفلوا بمساندة الدولة على كل الأصعدة‪ .‬وقد وصفه ضاحب‬ ‫وكثيرا ما كان يقول‪« :‬سمعنا شيخنا خميس‬ ‫فواكه العلوم ب «شيخنا» و«بركتنا‬ ‫ابن سعيد ‪ . ...‬والخراسيني هذا من أهل نزوى ‪ .‬ومن معاصريه الذين عاش‬ ‫ا لشيخ عا مر بن محمد بن مسعود‬ ‫معهم ؟ وكا نت بينه وبينهم مرا سلات‬ ‫المعمري النزوي الذي يبدو أ نه كان يصغره سنا‪ .‬ومن معاصريه محمد بن ‪:‬‬ ‫سعيد بن زامل أو ‏‪ ١‬لزاملي وراشد بن‬ ‫ان وصا لح بن‬ ‫بن عبيد‬ ‫عبدالله بن جمعه‬ ‫خلف العقيد المنحى وعبدالله بن محمد بن غسان الخراسينى النزوي أحد‬ ‫القواد العسكريين للإمام ناصر (ت قبل ‏‪...)١٠٦٠‬‬ ‫إنتاجه الفكري‪ :‬لم يصلنا من إنتاج الشيخ الشقصي إلا كتابان إثنان‪:‬‬ ‫‪ .‬فهل للشيخ‬ ‫« لإما مة أ لعظمى‬ ‫‏‪ ١‬لطا لبن « وكتا ب‬ ‫موسوعته ‏‪ ١‬لفقهية ) منهج‬ ‫مؤلفات أخري غيرهما؟ هذا ما لا نستطيع نفيه أو إثباته ونترك ذلك للأيام‬ ‫عساها تفصح عن شيء‪.‬‬ ‫كتاب منهج الطالبين وبلاغ الراغبين‪:‬‬ ‫يعد كتاب منهج الطالبين (وهو مطبوع في عشرين جزءا) من أفضل ما‬ ‫ألف بعد القرن السادس الهجري‪ .‬وهو بحق موسوعة تشريعية جمعت‬ ‫الفقهين الأكبر بكل قضاياه والأصغر بكل أبوابه وموضوعاته‪.‬‬ ‫والشقصي‪ ،‬على غير عادة الكثيرين من معاصريه ‪ ،‬كتب مقدمة في عدة‬ ‫_ ‪_ ١٦١٣‬‬ ‫صفحات‪ ،‬عرض فيها طبيعة الكتاب ومنهجه ومحتواه والشكل الذي أراد‬ ‫إخراجه عليه‪ .‬ولأسباب ودواعي ذكرها المؤلف فكر في تصنيف «مختصر يجمع‬ ‫فيه معالم الشريعة وينظم فيه شتات الفقه‪ ،‬ويبين أصله وفروعه ويجعل مسائله‬ ‫مشروحة مجموعة متجاورة متتابعة مشروعةا ‪ .‬ومن خلال هذا الوصف يمكن‬ ‫أن نحدد مجهود العلامة الشقصى في جملة من النقاط‪:‬‬ ‫‏‪ ١‬طبيعة العمل الاختصار وعدم الاطالة‪.‬‬ ‫عمجلا۔‪‎٢‬‬ ‫‏‪ _٣‬التنظيم‬ ‫‏‪ ٤‬۔ارجاع المسائل إلى أصولها وقواعدها‬ ‫‪_٥‬التيسير‏ على القارىء بشرح ما هو صعب وغامض‬ ‫ا‪٦‬لترتيب المنطقي للقضايا الفقهية‪. ‎‬‬ ‫إنه من المسلم به أن الشقصي ابن بينته مهما حاول أن يتخلص من‬ ‫بعض سلبياتها‪ ،‬لذا كان عمله الجمع من كتب السلف كيا هو الشأن مع بقية‬ ‫أهل عصره ‪ ،‬ولكن هناك فرق بين جمع وآخر‪ .‬فهناك من يجمع ما اتفق من‬ ‫قضايا الفقه ومسائله‪ ،‬ثم يؤلف كتابا فهو مجرد ناسخ لمجهودات الاخحرين؛‬ ‫ومنهم من يقرأ المطولات التي لا يقدر عليها الكثيرون ويجمع منها‪ ،‬بعد‬ ‫انتقاء وانتخاب ما يراه مناسبا مفيدا بعيدا عن الحشو والتكرار يأخذ منها‬ ‫السمين ويترك الغث‪ .‬إنه في واقع الأمر ‪ ،‬وبموازين عصر المؤلف © عمل‬ ‫ليس باهين ‪ ،‬ومنهج هذا العمل ليس في متناول الجميع ولا يصبر على‬ ‫اتباعه إلا كبار الفقهاء‪ .‬ولكن الشيخ اختاره على صعوبته‪ ،‬إذ الفقيه عنده &‬ ‫لا يمكن أن يكون مجرد جامع للمعلومات من مصادرها وإنيا يتطلب منه أن‬ ‫يحسن اختيارهاء وآن يحسن عرضها حتى تبد القبول لدى القارىء ‪ ،‬وهذا‬ ‫‪_ ١٦٤‬‬ ‫أمر أمله كثير من معاصريه الذين اكتفوا بأسلوب المنشورات‪ .‬ونظرة‬ ‫متفحصة في فهرس أجزاء الكتاب & الذي وضعه المؤلف نفسه۔ تؤكد لنا‬ ‫ذلك النظام الذي سار عليه ‪ ،‬وأن الأبواب ۔ أو الاقوال على حد تعبيره ©‬ ‫آخذ بعضها برقاب بعض‪.‬‬ ‫والأمر الأهم الذي لا يقدر عليه إلا المجتهدون " في عمل الشقصي‪،‬‬ ‫إرجاع الأقوال إلى أصوفا وقواعدها والتعليل لها ني أغلب الكتاب ‪ .‬فقد صرح‬ ‫بأنه سيبين «أصله وفروعه»‪ .‬والفقيه المتمرس والذي اكتملت ملكته الفقهية‬ ‫هو الذي يستطيع بحجدسه المرهف القيام بهذا العمل‪ .‬وهذه النقطة وحدها‬ ‫كافية لأن تبعل من العلامة الشقصي فقيها‪.‬متميزاء في الإطار الذي عاش فيه‪.‬‬ ‫وبتتبع «منهج الطالبين! ندرك مدى رفض صاحبه لفقه معاصريه & بل‬ ‫أع ل متفقهة القرن السابع وما بعده ‪ 3‬إذ يبدو أنه لم يجد فيها جديدا يستحق‬ ‫النقل‪ ،‬فعاد إلى المصادر القديمة التي أنتجها العصر الذهبي فييا بين القرن‬ ‫الثالث والسادس ‪ ،‬لثقته الغالية في أصحابها وفي جهودهم التي يعتبرها‬ ‫التراث الجدير بالدراسة ‪ ،‬والعلامة الشقصى وإن نقل كثيرا عن أبي سعيد‬ ‫الكدمي۔ فإنه استفاد على نطاق واسع من كل علياء القرون الأولى" ووازن‬ ‫بين آرائهم‪ ،‬واختار منها ما يراه صوابا دون أن ينسى سبب اختياره‪ ،‬ومن‬ ‫خلال كتبهم اطلع على ما تركه فقهاء البصرة وعيان في القرنين الأول والثاني‪.‬‬ ‫فتشرب روح فقههم ومنهجهم وسار عليه ما استطاع ‪ .‬ومن الميزات الامة‬ ‫والتي ميزته عن اتحباه معاصريه أو أغلبهم على الأقل‪ ،‬تفتحه على ما عند‬ ‫الآتحرين فاطلاعه على مؤلفات المذاهب الأحرى أغراه بأن يضمن كتابه‬ ‫اراءهم ليعيد للفقه المقارن روحه وصفاءه & فالكل© عنده & فهم لكتاب الله‬ ‫وسنة رسوله (يَلة) فلا حرج في الاستفادة منه‪ .‬قلت إن هذا المنحى الذي‬ ‫‪_ ١٦٥‬‬ ‫سلكه العلامة الشقصى خطوة ايجابية تحسب له‪ ،‬وهو يبدو من خلالها رافضا‬ ‫للانغلاق‪ ،‬داعيا إلى الانعتاق من ربقة التقليد الأعمى في وقت كان الفقه‬ ‫المذ هبي هو المسيطر نتيجة لمبدإ المعاملة با لمثل القا ئم على التعصب ورفض‬ ‫الآخر‪ .‬ومن هنالم يكتنف شيخنا بفقه علياء المذهب ‪ -‬وإن اعتبره الأصل فييا‬ ‫يكتب بل نقل من مؤلفات المذاهب الأحرى & وهو كثيرا ما يصرح بذلك‬ ‫ويصدر نقله بعبارة «من غير كتب أهل عيان" و «من غير كتب أصحابنا»‬ ‫الكدمي الذي تأثر به أييا تأثر وقدمه على غيره‪ .‬وممالا ريب فيه أن تضم‬ ‫هذه الإيجابية إل جملة حسناته لأنه كيا سبق أن قلنا۔يعبر عن رفضه‬ ‫في نظره انتحار بطيء‬ ‫التقوقع والتعصب والانغلاق على الذات ‪ ،‬فذلك‬ ‫وهو يريد للمذهب أن يستمر وللفقه الإباضي أن يفيد ويستفيد‪.‬‬ ‫والعلامة الشقصي لم يكفه أن يهمل مؤلفات عصره السابقة له فأراد أن‬ ‫يخالفها من حيث الشكل والصورة أيضا فسمى أبواب كتابه «بالأقوال»‬ ‫على خلاف ما تعارف عليه الناس «لئلا يشتبه بغيره من الكتب لأني وجدت‬ ‫كثيرا من الكتب قد ذهب أولها وآخرها ولم تعرف أنها أي كتاب هي (كذا)‬ ‫ولا من أي تصنيف؛ فجعلت علامة لا يشبهها شىء من تصانيف أهل‬ ‫عيانا‪ .‬والشقصى ِ _ وإن كان قصده المحافظة على نس بهبة كتا كتابهبه إإليلهيه وعد وعدم‬ ‫اختلاطه مع غيره فإنه أراد أن يحافظ على ما يميزه عن غيره من مصنفات‬ ‫معاصريه وأن تبقى إيجابيات الكتاب ملكاله دون غيره‪.‬‬ ‫والشيخ الشقصي وإن كان يعترف بالفضل والمزية للسلفؤ وما صنفوه‬ ‫فإنه لا يرى للعلم والاجتهاد حدا يقفان عنده‪ ..‬فالتجديد الشامل عملية‬ ‫دائمة ومستمرة‪ ،‬فهو بطريقة أو أخرى يخطىء النظرية القائلة‪ :‬لم يترك‬ ‫‪_ ١٦١٦‬‬ ‫الخلف للسلف مزيدا‪ .‬ومن المفيد أن ننقل هنا ما كتبه المصنف في هذا‬ ‫الشأن حين قال‪« :‬ولا مزيد على ما صنفه السلف الماضون ولا يدرك غايتهم‬ ‫المتأخرون ولكن لا بد في كل زمان من تجديد ما طال به العهد ودرس منه‬ ‫البعض تنبيها للغافل وتعلييا للجاهل وتقريبا للمطالعة وتحقيقا لمن أراد جمع‬ ‫أصول الشريعة لأن كتب أهل عيان السالفة منها المختصرات التي هي دون‬ ‫الوصول إلى المراد‪ ،‬ومنها المطولات التي يشق جمعها على أهل الطلب والارتياد‪.‬‬ ‫وهذا كتاب يكتفى به عن المختصرات والمطولات لآنه جامع لأكثر المعاني‬ ‫بألفاظ مختصرة } فجمعت فيه‪ ،‬بعون الله وحسن توفيقه © ما يسره اله لي من‬ ‫آثار أصحابنا رحمهم الله وما رأيته موافقا للحق مآنثار غيرهم»‪.‬‬ ‫ويجدر بنا ‪ 0‬ونحن نعمل على إبراز الجهود المتميزه للشيخ خميس _ أن‬ ‫نشير إلى آن التجديد أمر نسبي تحدده الظروف الموضوعية التي ينشأ فيها‬ ‫المجدد كيا تحدده الظروف الذاتية ‪ .‬فقد نحكم على عمل ما " وفي بيئة ما‬ ‫بأنه محدود إذا نظرنا إليه من خلال بيئة مغايرة تخالف الأولى في جوانب عدة‬ ‫ولكن إذا نظرنا إليه من خلال بيئة صاحبه نفسها‪ ،‬تظهر لنا قيمة ذلك‬ ‫العمل وتميزه على ماعداه " وهكذا يجب أن نفهم ونقدر المجهود الذي بذله‬ ‫العلامة الشقصي رحمه الله ‪.‬‬ ‫الشيخ السالمي ومكانته الفقهية‪:‬‬ ‫التعريف يالسا لمي ‪:‬‬ ‫‏‪ ٦‬ه يقرية الحوقين الجبلية إحدى قرى الرستاق‪ .‬نشأ بها وتعلم فيها‬ ‫القرآن الكريم ومبادىء العلوم ثم أرسل لمواصلة تعلمه على أيدي مشايخ‬ ‫‪_ ١٦١٧‬‬ ‫الرستاق من أمثال الشيخ راشد بن سيف اللمكي وعبدالله بن محمد الهاشمي‬ ‫والعالم الزاهد ما جد بن خميس العبري‪.‬‬ ‫وما إن استقر التلميذ في بيئته الجديدة حتى برزت موهبته في التحصيل‬ ‫العلمي‪ ،‬وتميز عن أقرانه" وجلب انتباه مشايخه إليه حين لاحظوا فيه علامات‬ ‫النجابة والتفوق‪ ،‬فاهتموا به اهتهاما خاصا لما توسموا فيه من خير‪ .‬ولم يبلغ‬ ‫الفتى الضرير من العمر تسع عشرة سنة حتى ألف منظومة «بلوغ الأمل" في‬ ‫النحو ثم شرحها شرحا ميسرا سياه «شرح بلوغ الأمل ني المفردات والجمل! مما‬ ‫يعني أنه قد استوعب مبكرا قواعد اللغة‪ ،‬وأنه درس أهم مصادرها وأمهاتها‪.‬‬ ‫وبدأ أمر الفتى ينتشر بين الناس ويذيع صيته حتى إذا أنس من نفسه أنه‬ ‫استوعب ما عند مشايخ الرستاق من علم وأن عوده قد اشتد‪ ،‬فكر في المسير‬ ‫إلى «القابل" من المنطقة الشرقية حيث يعيش الشيخ صالح بن علي الحارثي‬ ‫أحد أفاضل الناس وكبار العلياء والمقدم على قبيلة الحرث القوية وما والاها‬ ‫‪ 3‬فانتقل إليه وهو ابن اثنين وعشرين سنة ‪ .‬فتلقى على يديه العلم من تفسير‬ ‫وحديث وأصول فقه وأصول دين ولغة ومنطق ‪ ...‬وفي «القابل» اكتمل‬ ‫تكوين الشيخ العلمي ‪ ،‬وبدأ بنشر العلم في مسجد شيخه المتوفى صالح بن‬ ‫علي السالف الذكر فشاع أمره في عيان وأقبل عليه طلبة العلم من كل‬ ‫مكان وأصبح إمام أهل العلم بلا منازع ‪ .‬ولسنا مبالغين إذا قلنا إن مشايخ‬ ‫العلم والفقهاء الذين عاشوا في القرن الرابع عشر إنيا هم تلاميذه وتلاميذ‬ ‫تلاميذه‪ .‬إنه رجل بعث أمة من سبات طويل‪.‬‬ ‫في سنة ‪١٣٢٣‬ه‏ حج الشيخ إلى بيت الله الحرام © وهناك اطلع على‬ ‫عالم جديد من الثقافة العربية الإسلامية المتحررة من قيد الجغرافيا والتاريخ‪.‬‬ ‫التقى بعلماء الأمة وشارك في مناقشاتهم وجلقاتهم فوجد فيها حقلا من‬ ‫‪_ ١٦١٨‬‬ ‫العلم والمعرفة أرحب وأوسع مما ألفه في بلده الذي فصلته الصحراء الشاسعة‬ ‫عن بقية بلاد العرب‪ ،‬إضافة إلى ظروف أخرى معلومة‪.‬‬ ‫في مكة والمدينة تزود الشيخ مما تيسر له من كتب «أهل الخلاف»‬ ‫لينكب عليها بعد ذلك بالدراسة مستفيدا وناقدا ومقارنا " أصيلا ومتفتحا‬ ‫في تعامله معها‪ ،‬فمكنته من أن يطلع على ما عند غير أهل المذهب© وأن‬ ‫يستكمل ثقافته الاسلامية التي هي أساس الاجتهاد والتأليف بنفس جديد‪.‬‬ ‫ويظهرلي أن رحلة الحج هذه قد أحدثت نقلة نوعية في حياة الشيخ العلمية‪.‬‬ ‫ففي السنوات التسع المتبقية من حياته القصيرة زمنيا‪ ،‬ولكنها الطويلة من‬ ‫زاوية الانتاج والنفع أنتج أهم مؤلفاته التي كان يمليها على تلاميذه‪ .‬لقد‬ ‫ألف كيا هائلا من المصنفات تربو عن العشرين بين رسالة قصيرة وكتاب‬ ‫مطول وموسوعة فقهية ‪ ...‬فعل كل ذلك في فترة وجيزة لم تتجاوز خمسا‬ ‫وعشرين سنة فقد توفي عليه رحمة الله سنة ‏‪ ١٣٣٢‬ه بعد ست وأربعين سنة‬ ‫من النشاط الدؤوب‪ .‬قدم الشيخ للمكتبه الاسلامية‪ ،‬على ضيق وقته ‪ ،‬ثروة‬ ‫علمية معتبرة إلى جانب نشاطه السياسى المكثف إذ كان همه إقامة الدولة‬ ‫الإسلامية التي تعيد لعيان مجدهاء وتقضى على الاضطراب السياسى الذي‬ ‫كان يعم المناطق الداخلية حيث كانت القبلية والجهل يسيطران على البلاد‬ ‫والعباد‪ .‬لقد كان همه الأكبر وشغله الشاغل أن يرى دولة قوية ترسخ العدل‬ ‫وترعى شؤون الناس بكفاية واقتدار‪ .‬فمن عقيدته أن غمضة الأمم إنما تقوم‬ ‫أساسا على العلم والعدل في السياسة وحسن التدبير‪ .‬وهذا بعض من كثير‬ ‫مما يكن أن يعرف عن هذه الشخصية الفذة التي تركت بصيا تها على كل‬ ‫شيء في بلاد عيان إلى يوم الناس هذا‪.‬‬ ‫‪_ ١٦٩‬‬ ‫فقه الإمام السالمي ‪:‬‬ ‫كتب العلامة السالمي في شتى العلوم الشرعية واللغوية‪ .‬فألف في‬ ‫النحو والعروض كيا يرز في أصول الدين من خلال منظومة أنوار العقول‬ ‫وشرحها بهجة الأنوار وخاصة كتابه الموسع مشارق أنوار العقول‪ ،‬إذ هو يرى‬ ‫أن أصول المذهب العقدية أساس المحافظة على الذات الإباضية المتميزة‬ ‫عن غيرها ببعض الخصوصيات داخل الإطار الإسلامي العام ‪ ،‬إلا أن‬ ‫الجانب المهم الذي أولاه عنايته واهتمامه الخاص وجهده ووقته إنيا هو علم‬ ‫الفقه الذي وصفه بأنه « أشهر من أن يشار إليه ‪ ،‬وأبهر من أن يثني عليه ©‬ ‫وأكثر من أن يعد فضله ‪ ،‬وأكبر من أن يقال هذا علم مثله‪ .‬فقد أواسعلعالم‬ ‫حكيا والعالم عليا ‪ .‬فالعالم به سيد العالم ‪ ،‬والجاهل به جاهل وإن تعاظم ؛‬ ‫فمن ثم تزاحمت الهمم في مضاره وتنافست الأفكار في درر بحارها‪.‬‬ ‫أنتج الشيخ السالمي أكثر من ثيانية أعمال في الفقه وأصوله بين موجز‬ ‫ومطول نذكر أهمها مرتبة وفق تواريخ تأليفها إن صح ما سجل فيآخر كل‬ ‫عمل من تلك الأعمال‪.‬‬ ‫‏‪ ١‬الحجج المقنعة في أحكام صلاة الجمعة (‪١٣٠١‬ه)‪.‬‏ وهي رسالة بين‬ ‫فيها أحكام الجمعة‪ .‬وهي جواب على سؤال من أحد أشياخه‪.‬‬ ‫‏‪ ٢‬شمس الأصول منظومة في ألف بيت في عالم أصول الفقه‪.‬‬ ‫طلعة الشمس على الألفية (‪١٣١٧‬ه)‏ وهي شرح وسط لشمس‬ ‫‏‪٢٣‬‬ ‫الأصول‪.‬‬ ‫‪٤‬۔‏ مدارج الكمال (؟) منظومة في العقيدة والفقه نظم فيها مختصر‬ ‫الخصال تأليف الشيخ أي اسحاق إبراهيمالحضرمي (ق‪.)٦‬‏‬ ‫‪٥‬۔‏ جوهر النظام (‪١٣٢٣‬ه)‏ وهي منظومة تتضمن أربعة عشر ألف‬ ‫‪_ ١٧٠١‬‬ ‫بيت في الأديان والأأحكام‪ .‬والجوهر هو أكثر كتب الشيخ شعبية وجماهيرية‪.‬‬ ‫وهو يندرج في نطاق التثقيف الشعبي لما كان للنظم من قبول لدى أحفاد‬ ‫الخليل بن أحمد الفراهيدي‪.‬‬ ‫‪٦‬۔‏ كتاب حل المشكلات (‪١٣٢٦‬ه)‏ وهو مجموع إجابات عن أسئلة‬ ‫عرضها عليه تلميذه عبدالله ين محمد بن رزيق المكنى بأبي زيد الريامي‪.‬‬ ‫‪١٧‬۔‏ رسالة بذل المجهود في مخالفة النصاري واليهود ‏(‪ ١٣٢ ٨‬ها)‪ .‬وهي‬ ‫رسالة شبه مطولة في الرد على بعض أهل زنجبار المتأثرين بشكليات‬ ‫الحضارة الغربية‪ ،‬ألح فيها الشيخ على تميز شخصية المسلم حن غيره‬ ‫من أصحاب العقائد الأخرى وبين فيها أحكام الشرع‪.‬‬ ‫معارج الآمال على مدارج الكمال (‪١٣٣١‬ه)‪.‬‏ وهو شرح لأرجوزة‬ ‫‪٨‬۔‏‬ ‫مدارج الكمال شرحا موسعا جدا وصل فيه الشيخ إلى آخر كتاب‬ ‫الاعتكاف لم يتمكن من إتمامه‪ ،‬فقد وافاه الأجل المحتوم في السنة‬ ‫الموالية (‪١٣٣٢‬ه)‏ رحمه الله‪.‬‬ ‫‪٩‬۔‏ شرح الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب( ؟ )‪.‬‬ ‫والكتاب وإن كان في موضوع السنة النبوية فإن الشارح قد تعرض فيه‬ ‫لأحاديث الأحكام في أجزائه الثلاثة‪.‬‬ ‫‏‪ -٧٠‬العقد الثمين (؟) ‪ .‬وهو مجموعة فتاوى الشيخ وإجاباته عن‬ ‫استفسارات متعددة وردت عليه من هنا وهناك منذ أن أصبح مفتي‬ ‫عيان بلا منازع‪ .‬جمعت بعد وفاته وطبعت في أربعة أجزاء‪.‬‬ ‫انكب الشيخ السالمي على دراسة كل ما عثر عليه من فقه إياضي‬ ‫مشرقي ‪ ،‬واهتم اهتماما خاصا بفقه العصر الذهبي فقرأ لابن جعفر وابن‬ ‫‪_ ١٧١‬‬ ‫بركة وأي سعيد وغيرهم من معاصريهم واستوعب موسوعات القرنين‬ ‫الخامس والسادس استيعابا لا مزيد عليه‪ .‬وقرأ ما تيسر له من فقه المغاربة‬ ‫كالإيضاح والوضع وقواعد الإسلام ‪ ...‬وشرح النيل لمعاصره الشيخ اطفيش‪.‬‬ ‫وكلف نفسه فييا يقرأ الوقوف على الأصول المعتمدة التي قام عليها ذلك‬ ‫الفقه وقواعده العامة‪ ،‬وزادها توطيدا بقراءته للمباحث الاصولية التي دونها‬ ‫ابن بركة وكتاب العدل والانصاف للوارجلاني ومختصر العدل والانصاف‬ ‫وشرحه لابي العباس الشياخي‪ .‬فتشرب الشيخ السالمي كل ذلك حتى‬ ‫تركزت فيه الملكة الفقهية وحصلت عنده وسائل الاجتهاد فأصبح فقيه‬ ‫إباضية عيمان من الدرجة الأولى‪ ،‬كيا كان الشيخ أطفيش فقيه إباضية المغرب‬ ‫وإمام عليائهم‪ .‬لم يقتصر الإمام السالمي على فقه الإباضية وأصولهم وإنما‬ ‫قرأ كل ما وقع بين يديه من كتب غيرهم بعد أن أصبح ذلك أمرا مقبولا‬ ‫وبدأ الفقهاء يتخلون عن الفقه المذهبي الضيق‪ .‬وقد سبق أن أشرنا إلى أن‬ ‫الشقصى وأبا نبهان وكذلك جميل بن خميس السعدي قد اطلعوا على كتب‬ ‫المخالفين" وأثبتوا الكثير مآنرائهم الفقهية في مؤلفاتهم‪ .‬وبعد رحلة الحج‬ ‫تمكن من الاطلاع الموسع على فقه المذاهب الأخرى وبالذات على انتاج‬ ‫المذاهب الأربعة ‪ ،‬فقارن بين الفقهين " ورأى بنفسه نقاط الالتقاء‬ ‫والاختلاف بينهما فسجل كل ذلك فييا ألف من كتب فقهية وفتاوى‪.‬‬ ‫لقد قام منهج الشيخ الفقهي على جملة من الاعتبارات والموازين‪ .‬فهو‬ ‫حين يؤلف أو يجيب عن أسئلة السائلين يربط الفروع بالأصول والفقه‬ ‫بالسنة ‪ ،‬ويرفض إيراد الأقوال والآراء خالية من الدليل فهو يرى أن قوة‬ ‫الرأي الفقهي إني تحددها قوة الدليل الذي قام عليه ‪ .‬وكان يؤمن أن أقوال‬ ‫على تقديره وإجلاله لهم _ لاتتعدى أن تكون دعاوى‬ ‫التحرين وآراءهم‬ ‫‪_ ١٧٢‬‬ ‫تعوزها البينات إن لم تقترن بالأدلة ‪ .‬وكان يعشق الحرية في الاجتهاد لمن هو‬ ‫أهل لذلك & فهو يقول ‪:‬‬ ‫عليه تقليد سواه فاعلا‬ ‫وإن أطاق الاجتهاد حرما‬ ‫ثم يشرح ذلك بقوله‪« :‬لا يصح لمن أطاق الاجتهاد في شيء من المسائل‬ ‫الظنية أن يقلد غيره فيها ولو كان الغير أعلم منه أو صحابيا‪ ،‬بل يجب أن‬ ‫ينظر لنفسه ما هو الحق في حقه ويحرم تقليد غيره سواء اجتهد في تلك‬ ‫الحادثه فظهر له الراجح فيها أم لم يجتهدا‪.‬‬ ‫وقد سلك منهج الاستقلالية عآنراء الآخرين ‪ ،‬وفي كثير من الأحيان‬ ‫لا يرجع أصلا إلى كتب السابقين للبحث عن الحكم ‪ ،‬وإنيا‬ ‫حين يفتي‬ ‫يعول في ذلك على اجتهاده في فهم المسألة والنصوص المتعلقة بها ثم يصدر‬ ‫الحكم المناسب ثم يعود ‪ ،‬في مناسبات لاحقة ‪ ،‬يذكر بأنه عثر على نفس‬ ‫الحكم في هذا الكتاب أو ذاك فيزداد ثقة وطمأنينة‪.‬‬ ‫والشيخ السا لمي حين يتعامل مع النصوص آيات أو أحاديث وآثار)‬ ‫إنيا ينظر إلى روحها ومقاصدها وأبعادها ولا يكتفي بظاهرها ما وجد إلى‬ ‫ذلك سبيلا‪ .‬دون تمحل وتجاوز وهو يراعي في ذلك ظروف الزمان والمكان‬ ‫وما هو أرفق بالناس في غير الأصول التشريعية الثابتة ‪ .‬فخين يسأل عن‬ ‫مقدار النفقة على الزوجة أو حقوقها يرجع ذلك إلى اختلاف الأتحوال‬ ‫والأوقات‪ .‬فلكل زمان حكم والحاكم إلى نظره أحوج منه إلى أثره ‪ ...‬وحين‬ ‫يُسأل عن دخول الادام في نفقة المرأة يقول‪« :‬وأما المشاهد من أحوال الناس‬ ‫اليوم فلا بد لها من الأدام ث وهو ما يفرض لما عندنا»‪.‬‬ ‫ومن مظاهر الاستقالية التي كان يتصف بها شيخنا إنكاره التقليد‪ ،‬إذ‬ ‫هو يعتبر مقلد غيره أسيرا لاكيان له ولا شخصية‪ .‬ففي جوهر النظام يقرر‬ ‫‪_ ١٧٣‬‬ ‫هذا المبدأ فيقول‪:‬‬ ‫واذكرن مالم يكن مذكورا‬ ‫وربما أخالف المشهورا‬ ‫ل أقتصر على مقال العملما‬ ‫لأنني أقفو الدليل فاعلما‬ ‫فالملياء استخرجوا ما استخرجوا ‪ 3‬من الدليل وعليه عولوا‬ ‫والحق ممن جاء حتيا يقبل‬ ‫رجل‬ ‫ولاهم‬ ‫سجا‬‫وم ر‬‫فه‬ ‫وني موضع آخر يقول‪:‬‬ ‫لاحيثماقاللنافلان‬ ‫فأنحمنرحياثلقرآن‬ ‫وفني تحديد منهجه الاجتهادي يقول‪ ،‬في أنوار العقول ‪:‬‬ ‫والأصل في الفقه كتاب الباري إجاماعل بعمدخسنةتار‬ ‫وهالك من كان فيه مبدعا‬ ‫والاجتهاد عند هذي منعا‬ ‫والرأي في غير الأصول جوزا ‪ 3‬وواجب أن نتحرى الجواز‬ ‫وبناء على فلسفته التشريعية هذه ‪ 0‬نجد الشيخ ميا لا إلى الاستفادة من‬ ‫مؤلفات أهل التخريج والتفريق والتحقيق من علياء المذهب من أمثال أبي‬ ‫سعيد الكدمي والشيخ ابن بركة والشيخ أبي نبهان جاعد بن خميس‪ ...‬وكان‬ ‫رحمه الله ۔ يسميهم أهل التخصيل‪.‬‬ ‫ومن خلال قراءاتنا السريعة لكتب السالمي الفقهية ألفيناه متميزا‬ ‫بجملة من صفات المجتهدين المخلصين لله ‪ .‬فقد كان _ رحمه الله ۔ لا يتحرج‬ ‫من الرجوع عن بعض أقواله وآرائه حين يتوفر له دليل لم يهتد إليه يوم الفتوى‬ ‫أو التحقيق" كيا كان لا يرى غضاضة في أن يرجع عن بعض ما أصل من‬ ‫أصول يبني عليها فقهه واجتهاده إذا تعارض ذلك الأصل مع أصل آخر‬ ‫وكان الرجوع يدفع مفسدة أو يجلب مصلحة ويحقق مقصدا شرعيا معتبرا‪.‬‬ ‫‪_ ١٧٤‬‬ ‫فالحق عنده أولى بالاتباع والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل‪،‬‬ ‫وليس في ذلك ما ينقص من قيمته باعتباره عالما مجتهدا‪.‬‬ ‫وكما حارب الشيخ التقليد ودعا إلى الرجوع إلى الحق كليا تبينه المجتهد‬ ‫حارب التقوقع والانطواء على الذات ‪ ،‬ودعا عمليا إلى التفتح على ما عند‬ ‫الآخرين والاستفادة منه بقدر ما يرى وجوب اطلاع الآخرين على ما عندنا‪.‬‬ ‫فالتقدم العلمي إنيا يكون ويتحقق بالأخذ والعطاء ‪ .‬ونشاطه في مكة أثناء‬ ‫حجه دليل على ذلك & وقد سبقت الإشارة إليه‪.‬‬ ‫ومن منهجه _ رحمه الله _ رفضه مهادنة التواطؤ على الخطلإ وإن أقره‬ ‫العلياء قبله بسبب ما تضفي عليه الأيام من قدسية‪ ،‬وتسليم السابقين له‬ ‫بالقبول؛ فمرور الأيام لا يحرم ولا يحلل‪ .‬وقد كلف هذا الموقف شيخنا‬ ‫السالمي عنتا ومشقة في سبيل تغيير الباطل المعارض لشرع الله تعالى وسنة‬ ‫نبيه (يلو)‪ .‬وقد واجه معارضة شديدة من بعض الجامدين في عصره ؛ فشدد‬ ‫النكير } ونادى بالاصلاح ‪ .‬فمن ذلك إنكاره لما تعارف عليه أهمل عصره من‬ ‫أن الإمام هو الذي يقيم للصلاة دون المؤذن‪ ،.‬ورفضه الأوقاف الموقوفة على‬ ‫قراءة القرآن في المقابر وغير ذلك مما حولته الأيام إلى عمل مشروع‪ .‬وقد جادل‬ ‫الإمام السالمي بالحجة والبرهان بعض علياء زمانه‪ ،‬وختم ذلك بنصيحة قال‬ ‫فيها ‪:‬‬ ‫وإن يقولوا خالف الآثارا‬ ‫حسبك أن تتبع المختارا‬ ‫وتأكيدا لهذا المسلك ‪ ،‬ننقل إحدى فتاويه التي ينكر فيها خطأ اجتياعيا‬ ‫كان شائعا في أوساط الناس بمباركة من متفقهة عصره‪ .‬فقد سئل عمن‬ ‫تزوج إمرأة وهي له كارهة ولم ترض به زوجا ‪ ،‬وأكرهها أولياؤها لما رأوه كفؤا‬ ‫لها‪ .‬فأجاب‪ ...« :‬وإن لم تظهر الرضا بل أظهرت الكراهية فزوجوها مع‬ ‫‪_ ١٧٥‬‬ ‫ذلك ‪ ،‬وحملت إلى الزوج على رغمها فهو غصب وفسق وضلال وتعاون على‬ ‫الزنا ؛ وإن استجارت بالمسلمين أجاروها & وإن استغائت أغاثوها { ولا‬ ‫حرمة لبيت غلق عليها‪ .‬ومن قدر على إنقاذها من ظلمهم وجب عليه‬ ‫ذلك‪ ،‬ومن رضي بفعلهم كان مثلهم‪ .‬ولله الأمر من قبل ومن بعد وهو يتولى‬ ‫المؤمنين'‪ .‬ومن ذلك أيضا ما جاء في اخر ردله على خطإ وقع فيه بعض‬ ‫المتفقهة } ثم سئل عنه الشيخ قصد التحقق من رأي الشرع في المسألة‪ .‬فبعد‬ ‫أن أنكر ذلك القول الخاطىء ‪ ،‬وإن جل قائله ‪ ،‬قرر أن «ليس الشرع إلا ما‬ ‫جاء به الكتاب أو السنة أو الاجماع أو ما كان مقيسا على شيء من هذه‬ ‫الأصول الثلاثة قياسا صحيحا‪ .‬وغير ذلك فلا يقبل بل هو مردود على‬ ‫قائله‪»...‬‬ ‫هذا بعض منهج العلامة السالمي في التأليف الفقهي وتحقيق المسائل &‬ ‫وقد أوجز بنفسه بعض نقاطه © في مقدمة معارج الآمال فقال ‪« :‬ثم رأيت‬ ‫تمامه منوطا بشرح يوضح مرامه ‪ 5‬ويزيح إيهامه ‪ ،‬وينشر أعلامه‪ .‬أقرن فيه‬ ‫بدليلها‪ ،‬وإن تكن مقيسة سعيت في تأصيلها وتعليلها ‪ ،‬وإن تكن‬ ‫المسألة‬ ‫أو جملة اجتهدت في تحريرها وأخذت في تفصيلها ‪ ،‬على حسب‬ ‫مشكلة‬ ‫لقصد البيان؛ فإن وجدت لغيري في ذلك ما يشفي اكتفيت‬ ‫الإمكان‬ ‫فمنهج الشيخ الاستفادة من جهود الآخرين ‪ ،‬في غير تقليد‪ ،‬لأن‬ ‫به‪....‬‬ ‫ذلك من سنة تطور العلوم ؛ والتحقيق والتدقيق بالحجة والدليل‪.‬‬ ‫وفي سياق حديثنا عن منهج السالمي الاجتهادي والبحث الفقهي‬ ‫نتعرض لمنهجه في الفتوى ‪ ،‬باعتبارها شكلا من أشكال التشريع وكشف‬ ‫الحكم الشرعي في الحوادث أو الإخبار به ‪ ،‬إذ يتميز هذا المسلك ببعض‬ ‫الخصوصيات التي ينبغي الإشارة إليها لما فيه من تأكيد على تميز الشيخ‬ ‫‪_ ١٧٦‬‬ ‫وبعد نظره وسعة أفقه ‪ 5‬وفهمه لمقاصد الشريعة ‪ ،‬ولدور الفقيه المفتي إذ هو‬ ‫لا يكتفي بإصدار الحكم الشرعي المؤصل والمدعم بالدليل والحجة وإنيا‬ ‫يتحول ‪ ،‬في أحيان كثيرة ‪ ،‬إلى ذلك الناصح الأمين الذي يذكر السائل بالله‬ ‫ويحذره من غواية الشيطان ‪ ،‬وقد ظهر ذلك جليا في مثال تزويج البنت تحت‬ ‫الإكراه والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد‪ .‬فالعقد الثمين بأجزائه الأربعة‬ ‫طافح بذلك‪.‬‬ ‫كيا كان يوقف السائل على الحكم والأسرار والعلل التي ينطوي عليها‬ ‫الحكم الشرعي على قدر مستوى هذا المستفتي { وأهمية موضوع السؤال ©‬ ‫وكان الإمام السالمي يصوغ كل ذلك بلغة سهلة وميسرة © بعيدة عن اللفظ‬ ‫الغريب؛ بل نجده لا يتحرج أحيانا في استعيال اللغة العامية والمصطلحات‬ ‫العرفية ‪ .‬وهو فيما يصدر من أحكام فإنه وسط بين التفريط والإفراط لا‬ ‫يميل إلى تحليل كل شيء ليرضي العامة والميالين إلى التخلص من قيود‬ ‫الشريعة التي تحد من الانغماس في اللذة واتباه الهوى ؛ ولا هو يحرم كل شيء‬ ‫جديد ليستهوي المتزمتين‪ .‬فالمحلل والمحرم هو الله تعالى وانيا المفتي يحاول‬ ‫أن يكشف ويخبر عن حكم الثه تعالى بحسب ما تتوفر لديه من أدلة وقرائن‬ ‫هي عدته في اجتهاده‪ .‬وكانت غايته من ذلك إرضاء الثه أولا وأخيرا من‬ ‫خلال خدمة أمته‪.‬‬ ‫وإلى جانب مامر ‪ ،‬نجد الشيخ حينا يدعو إلى الأأحذ بالأأحوط ويفتي‬ ‫به‪ ،‬كيا أنه يفتي أحيانا أخرى بيا هو أيسر ‪ ،‬وقد يخير المستفتي بين الأمحذ‬ ‫بهذا القول أو ذاك & عندما تتساوى عنده الأقوال والآراء ‪ 7‬ويخونه دليل‬ ‫الترجيح ‪ .‬ثم إن موضوع الفتوى ‪ ،‬إضافة إلى نوعية السائل المستفتي ‪ ،‬هو‬ ‫الذي يحدد مقدار الإجابة‪ .‬فحينا يجيب في جملة أو جملتين ‪ ،‬وأحيانا يطيل في‬ ‫‪١٧٧‬‬ ‫الأجابة فيعطيها حقها من الشرح والإيضاح ليزيل كل لبس وخلط قد يقع‬ ‫فيه صاحب السؤال أو كل من يقرأ عليه نص الجواب ‪ ،‬فيبسط بعض‬ ‫الإجابات ويوسعها شرحا وتحليلا حتى «يتعلم الجاهل ويتنبه الغافل ويقتنع‬ ‫المتنشكك ويثبت المتردد وينهزم المكابر ويزداد العالم عليا والمؤمن إييا ناا‪.‬‬ ‫وفي ختام هذا الموجز ‪ ،‬يمكن أن نقرر ‪ ،‬بكل اطمئنان ‪ ،‬أن العلامة‬ ‫السالمي ۔ بحق إمام المجددين الذين أرجعوا إلى الفقه _ في كل أشكاله ۔‬ ‫جدته ونضارته ونقوا عنه الزيادات التي ألصقت به في عصور طغى عليها‬ ‫الانحطاط من خلال رفضه التقليد © ودعوته إلى العودة إلى الأصول ‪ ،‬وفهم‬ ‫النصوص الشرعية الفهم الصحيح والمستقل الذي يراعي روح الشريعة‬ ‫وفلسفتها‪.‬‬ ‫_ ‪_ ١٧٨‬‬ ‫‏‪ ١‬لفصل الساد س‬ ‫الفقه الإباضى فى بلاد المغرب‬ ‫ه تمهيد‬ ‫ه التأليف الفقهي والمؤلفات الفقهية ‪.‬‬ ‫‪_ ١٧٩‬‬ ‫السادس‬ ‫الفصل‬ ‫الفقه الإباضي ف بلاد المغرب‬ ‫لقد مربنا في أول بحثنا أن مدرسة البصرة الإباضية التي كان يتزعمها‬ ‫أبوعبيدة‪ ،‬خلفا للإمام جابر بن زيد‪ ،‬قد كونت أتباعا علياء انتشروا ني الآفاق‬ ‫لحمل التصور الإسلامي الصحيح سياسيا وفكريا ‪ 0‬وعرف هؤلاء الرجال ب‬ ‫«حملة العلم وقد ذكرت كتب السير أن نصيب بلاد المغرب منهم خمسة دعاة‪.‬‬ ‫ومن المؤكد أن هؤلاء المشايخ لم يكونوا أول من حمل الدعوة والفكر اللإباضيين‬ ‫إلى المغرب ‪ ،‬بل قد سبق لرجل من جبل نفوسةس وهو ابن مغطير الجناوني أن‬ ‫تلقى العلم في البصرة على يد أبي عبيدة‪ .‬ويبدو أن هذا الرجل قد اهتدى إلى‬ ‫هذه المدرسة بإرشاد من سلمة بن سعد الحضرمي رجل من بلاد المشرق ‏‪٥‬‬ ‫وهو أول شخصية تذكرها المصادر الإباضية مقرونة بالدعوة الإباضية في‬ ‫شيال أفريقيا التي ارتحل إليها بعد عام ‏‪ ٩٥‬ه‪ .‬ولا يستبعد أن يكون ابن‬ ‫مغطير قد تعرف على المذهب الإباضي في أحد مواسم الحج حيث كان‬ ‫الدعاة من كل الإتجاهات الفكرية والسياسية تعمل جاهدة على كسب‬ ‫الأنصار والأتباع‪ .‬ومن مكة انتقل ابن مغطير إلى العراق حيث درس أصول‬ ‫المذهب العقائدية والسياسية والفقهية فاقتنع بها ثم عاد بها إلى بلده يحمل‬ ‫نصيبا ما تحصل عليه من علم‪ .‬تحمس لنشره بين الناس هناك؛ كيا شجع‬ ‫بعض الراغبين في العلم على الالتحاق بمدرسة أي عبيدة ولا يستبعد أن‬ ‫يكون منهم «حملة العلم" أنفسهم‪ .‬لقد بات شبه المؤكد إن الحركة الإباضية‬ ‫قد انطلقت قوية نشيطة في شيال أفريقيا ‪ ،‬إذ في السنوات العشرين من‬ ‫‪_ ١٨١‬‬ ‫القرن الثاني المجري قامت المحاولات الأولى لبناء كيان سياسي إباضي‪ .‬ففي‬ ‫سنة ‪١٣٠‬ه‏ تغلب عبد الجبار بن قيس المرادي والحارث بن تليد على طرابلس‪.‬‬ ‫وسرعان ما سقطت هذه المحاولة إلا أنها كانت تجربة سياسية وعسكرية‬ ‫لإباضية شيال أفريقيا الذين تزايد عددهم وقويت شوكتهم وشعروا بالقوة‪.‬‬ ‫مما دفعهم إلى محاولات أخرى ففي سنة ‪١٤٠‬ه‏ استطاع أحد «حملة العلم!‬ ‫وهو الأمام أبو الخطاب عبدالأعلى بن السمح المعافري اليمني أن يقيم الدولة‬ ‫في طرابلس‪ ،‬ثم امتدت إلى القيروان إلا أنها لم تعمر طويلا إذ نهزم ابو الخطاب‬ ‫سنة ‪١٤٤‬ه‪.‬‏ وفي سنة ‪١٦٠١‬ه‏ تم النصر للإباضية بإقامة الإمامة الرستمية في‬ ‫تيهرت لتبدأ مرحلة جديدة من حياة الإباضية‪ .‬ومن حسن حظ هؤلاء أن‬ ‫الدولة قامت هذه المرة أيضا على يد واحد من «حملة العلم» هو عبد الرحمن بن‬ ‫رستم ‪ ،‬فسر القرآن الكريم © وبرع في الفقه مع زميليه أي درار الغدامسي ©‬ ‫وأبي داود القبلي‪ .‬وأسند إليه أبو الخطاب أثناء إمامته ولاية القيروان‪.‬‬ ‫لقد وفرت الإمامة الرستمية الظروف الملائمة لحياة فكرية متطورة بعد‬ ‫مرحلة من التضحية العسكرية استغرقت قرابة ستين سنة‪ ،‬بحيث لم يسمح‬ ‫بظهور حركة علمية قوية ولم يحتفظ لنا التاريخ بشيء من انتاج هذا العصر‬ ‫المبكر إلا ما نقل في كتب السير من أراء فقهية وأحكام عابرة ‪ ،‬لأن التدوين‬ ‫في الافاق لا يزال في بدايته‪ ،‬وكان الإمتياد على النقل الشفاهمي هو المعمول‬ ‫به نظرا لانعدام الاستقرار السياسي وضعف اللغة العربية أمام اللغة المربريةك‬ ‫واستمرار النشاط العسكري‪ ،‬والتنافس بين القوى السياسية على أفريقية‪.‬‬ ‫ومع ذلك كله فقد ظل الفكر الإباضي بفضل رجال الدعوة يتزيسخح شيئا‬ ‫فشيئا طيلة القرن الثاني للهجرة بالتعاون مع مدرسة البصرة‪ .‬فقد كانت‬ ‫أغلب الفتاوى تصدر في المشرق وتنقل إلى المغرب ‪ ،‬بفضل طرق الإتصال‬ ‫‪_ ١٨٢‬‬ ‫المعروفة في ذلك العصر‪ :‬القوافل ‪ ،‬والحج والرسل‪.‬‬ ‫التأليف الفقهى وا لمؤلفات الفقهية‪:‬‬ ‫بدأ التأليف عند إباضية المغرب مع ظهور الدولة الرستمية وكانت‬ ‫العلوم تدون باللغتين العربية والبربرية‪ .‬وكانت مساجد تاهرت وجبل نفوسة‬ ‫وغيرهما من المراكز تعج بحلقات العلم؛ وانتشرت دكاكين الوارقين والمكتبات‪،‬‬ ‫وعني بتوريد الكتب من المشرق‪ .‬وتذكرلنا كتب السير أسياء عدة لفقهاء‬ ‫ذاع صتيهم في ذلك الوقت تركوا مؤلفات كثيرة باللغة البربرية؛ ولكن من‬ ‫المؤسف إن الصراع المرير الذي خاضه الإباضية من أجل البقاء حرمنا من‬ ‫مؤلفات هذه الحقبة من تاريخهم‪ .‬فقد احرقت المعصومة في تيهرت ومكتبة‬ ‫قلعه بني درجين في الجريد‪ .‬ولم يبق من تراث القرون الأولى إلا نبذا متفرقة‬ ‫من الآراء والمعارف الفقهية وبعض الفتاوى‪ ،‬حافظت عليها كتب التاريخ‬ ‫والسير والفقه المتأخرة‪ .‬وعلى كل حال فإنه قد توصل إلينا جزء هام من ذلك‬ ‫الإنتاج‪ .‬ولعل أهمها هو ما ينسب إلى الأئمة الرستميين من فتاوى جمعها‬ ‫الجيطالي (ت ‪٧٥٠‬ه)‏ في مؤلف سياه «جوابات الأئمة في ثلاثة أجزاء يمكن‬ ‫أن تعطينا فكرة عن أسلوب التأليف الفقهي » والخطة التشريعية المتبعة في‬ ‫ذلك الوقت وهي بلا شك الخطة التي سبق أن أشرنا إليها مع مدرسة البصرة‬ ‫من خلال مؤلفاتها‪ .‬لقد تكفل ابن سلام في «بدء الإسلام وشرائع الدين‬ ‫بتعداد جملة من الفقهاء والمفتين الذين عاشوا في القيروان وحواليها‪.‬‬ ‫في سنة ( ‪٢٩٦‬ه‏ ) سقطت الدولة الرستمية‪ ،‬فانتقلت الحركة الفكرية‬ ‫الإباضية إلى موطنها الجديد في ورجلان جنوب المغرب الأوسط والجنوب‬ ‫التونسي (الجريد وجبال دمر وجزيرة جربة‪ )..‬وإلى جبال نفوسه في ليبيا‪.‬‬ ‫‪_ ١٨٣‬‬ ‫وبعد محاولات يائسة لإعادة الإمامة‪ .‬عكف الإباضية على إقامة مجتمع‬ ‫الكتمان تحت قيادة نظام جديد يتولى العلياء تسييره وهو ما يسمى في‬ ‫مصطلح الإباضية بنظام العزابة الذي مكن الإباضية من البقاء في ظروف‬ ‫مغرب الفتن والإضطراب‪ .‬لقد هيأ هذا النظام ظروفا ملائمة لنشاط فكري‬ ‫الناس‬ ‫امتد قرونا وقد حظي الفقه باهتمام المشايخ لارتباطه بحاجات‬ ‫الفقهي‬ ‫وبحثهم عن حكم اله فيما يفعلون ويذرون‪ .‬وقد اتخذ التأليف‬ ‫وكيف‪.‬‬ ‫أشكالا عدة من حيث المستوى والمنهج وخصائص كل عصر كيا‬ ‫بقاءهم‬ ‫وقد كان ذلك نتيجة لشعور الإباضية بعد فقدان إمامة الظهور أن‬ ‫رهين بتكوين الجياعة تكوينا فكريا متكاملا عقائديا وفقهيا‪ ،‬بصورة لا‬ ‫يحتاجون معها إلى غيرهم‪ .‬فانكبوا على البحث والتدوين وانشأوا المدارس‬ ‫ومولوها‪ ،‬وبعثوا نظام المدرسة المتنقلة اطلقوا عليها نظام «الحلقة‪ ،‬كلف‬ ‫يتعهد الإباضية بالتعليم والتوعية أينما كانوا ‪ .‬من فحص القيروان إلى جبال‬ ‫بني مصعب وقصطالية وجبال دمر ونفوسة والساحل‪ .‬لم ينغلق الإباضية‬ ‫على أنفسهم ولم يكتفوا بما عندهم من فقه إذ أن الإنغلاق مخالف لطبيعة‬ ‫‪ .‬الفكر اللإباضى نفسه بل كان العلياء على اتصال بالمدارس غير الإباضية في‬ ‫القبروان‪ ،‬ومن بعدها تونس‪ ،‬كليا سمح هم بذلك خاصة فييا يتعلق باللغة‬ ‫العربية‪ .‬وكان المشايخ يدرسون كل موجود على الساحة الفكرية بقطع‬ ‫النظر عن مذهب صاحب الكتاب باستثناء بعض الأوقات انكمش فيها‬ ‫الفقهاء لأسباب سياسية وردود أفعا ل أرادوا بها إثبات وجودهم وحماية‬ ‫أنفسهم من الذوبان‪ ،‬ولكن سرعان ما يعودون إلى الوضع الصحيح الذي‬ ‫يتماشى مع روح مدرسة البصرة الأولى‪ ،‬وما كان يجري في مساجد تاهرت‬ ‫ومدارسها من تنافس علمي ۔ بين المذاهب المختلفة‪ .‬وقد رأينا كيف أن‬ ‫_ ‪_ ١٨٤‬‬ ‫عبدالله بن عبدالعزيز لايرى مانعا من الأخذ بآراء إبراهيم النخعي من أهل‬ ‫الكوفة بل كان ينكر على من يدعو إلى التقوقع والإنغلاق‪.‬‬ ‫سيكون عملنا في الصفحات اللاحقة عرضا لأهم ما كتب من مؤلفات‬ ‫فقهية‪ ،‬مع بيان منهج التأليف وميزاته‪ .‬ونحن مضطرون في هذا العمل‬ ‫للاعتماد الكلي على مصنفات الإباضية وحدهم ى والمقارنة كليا أمكن مع‬ ‫مادون الآخرون من فقه‘ وسبب هذا الإقتصار على ما عند الإباضية هو‬ ‫سكوت المصادر الفقهية غير الاباضية التام عن إبداء رأيها في هذا التراث‬ ‫نتيجة للمواقف السياسية والحواجز النفسية‪ .‬لقد حرمنا ذلك الصمت من‬ ‫وجهة نظر كان بالإمكان أن تساعدنا على تقويم هذا التراث الفقهي‬ ‫الضخم الذي دون خلال فترة طويلة من تاريخ المنطقة تقييما أقرب ما يكون‬ ‫إلى الصحة ويقلل من إحتيال الخطأ‪.‬‬ ‫سيتركز عملنا على نماذج من المؤلفات الفقهية التي كتب هما البقاء‬ ‫والظهورك إذ أن الكثير من تلك المصنفات لا يزال في عداد المفقود؛ وأن أكثر‬ ‫الموجود لا يزال خطوطا في المكتبات الخاصة ‪ .‬لقد اخترنا «ديوان المشايخ»‬ ‫المعروف في كتب السير ب «ديوان الغارا لإعطاء صورة تقريبية عن التأليف‬ ‫الفقهي© في فترة ما بعد الدولة الرستمية‪ .‬وهذا الكتاب مؤلف من إثني عشر‬ ‫جزءا في العبادات والأحوال الشخصية ‪ ،‬والمعاملات والقضاء والأأحكام ‪.‬‬ ‫وهو أول عمل فقهي جماعي تعاون على تأليفه سبعة من العلياء في المذهب‬ ‫الإباضي وربي في الثقافة الاسلامية عامة ‪ .‬لقد اتضح لنا من خلال لغة‬ ‫الكتاب وأسلوبه أنه مسبوق بمؤلفات فقهية على مستوى رفيع من منهجية‬ ‫التأليف© وعمق المعرفة‪ .‬وقد صرح المؤلفون ببعض مراجعهم‪ ،‬وكان أكثرها‬ ‫وروداً هو «الكتاب“! الذي ‪ .‬نتمكن من تحديد هويته لانعدام المعلومات‬ ‫_ ‪_ ١٨٥‬‬ ‫عنه ولكن يستفاد من كثرة الإعتماد عليه ‪ ،‬أنه كان عمدة في المذهب© وكان‬ ‫له شأن بوأه مكانة الصدارة إلا أنه فقد في جملة المؤلفات التي نجد عناوينها‬ ‫واردة في كتب لاحقة\ ربيا يكشف عنها البحث مستقبلا‪ .‬يبدو من خلال‬ ‫قراءة فاحصة للديوان ‪ ،‬أن المؤلفين السبعة قد اتفقوا قبل بداية العمل على‬ ‫منهج موحد يسيرون على ضوئها أو أنهم كانوا يسلمون مسوداتهم إلى واحد‬ ‫منهم كلفوه بالتحرير والصياغة‪ .‬إن كلا الإحتيالين مقبول وإن كنت أميل‬ ‫إلى الإحتيال الأول لأنه ورد في طبقات الدرجيني أن «أبا عمران تولى نسخ‬ ‫الديوان لما خصه الله من جودة الخط فنسب إليه التصنيف وليس له عليهم‬ ‫فضل سواء فضل البنان وإلا فهو كأحدهم في فضل البيان شريكا فبيا‬ ‫أودعوه شركة عنان!‪.‬‬ ‫لقد قسم الكتاب الواحد إلى أبواب مرقمة‪ ،‬يعنون لها في أكثر الأحيان أو‬ ‫يأتى بكلام ينبىء عن مضمونه ‪ .‬وقد يورد حديثاً مناسبا للباب ثم يفصل‬ ‫مسائله ببيان حكم المسألة واختلاف الفقهاء فيها بإيراد أكثر من قول‪،‬‬ ‫ويصوغها بيا يوهم الضعف أو المرجوح من الأقوال «ومنهم من يقول"‬ ‫و«قيل! في حين يقدم القول المختار ويورده بصيغة تقريرية‪ .‬ونجده في كثير من‬ ‫الحالات يقدم في أول كل كتاب ۔ الموضع ببيان الحكم الشرعي مع‬ ‫الاستدلال بالآثار والتأحاديث ‪ 3‬وبيا يتناسب مع الموضوع من أدلة شرعية‬ ‫كالإجماع وغيره‪ .‬ونلاحظ أن المؤلفين كثيرا ما يعمدون إلى تحديد بعض المعاني‬ ‫والمصطلحات وتوضيحها‪ .‬من ذلك تحديد معنى شرطين في بيع واحد‪ ،‬ومعنى‬ ‫المحاقلة وغيرها من البيوع المنهي عنها ‪ 3‬مع عرض للتفاسير المتعددة‪.‬‬ ‫يظهر من طبيعة الديوان ‪ ،‬أنه كتاب وضع لجمع الأأحكام الشرعية‬ ‫للمسائل الحياتية مختصرة واضحة‘ يرجع إليها المفتي و القاضي؛ لذلك لم ير‬ ‫‪_ ١٨٦‬‬ ‫المؤلفون حاجة إلى نسبة الأقوال إلى أصحابها في أكثر الأحيان ‪ ،‬إلا أننا نجد‬ ‫ذكرا متعدداً للشيخ أي نوح صالح دون أن نجد معلومات تفصح عن حقيقة‬ ‫هذا الرجل والأرجح أنه أبو نوح صالح الدهان‪ ،‬أحد مشائخ البصرة‪ .‬وقد‬ ‫رويت عنه أقوال كثيرة في مدونه أبي غانم‪ .‬فإذا صح هذا التخمين فإنه يمكن‬ ‫اعتبار المدونة وقد نسخت في جبل نفوسة في القرن الثالث _ أحد مراجع هذا‬ ‫الديوان المهمة لمكانتها ني قلوب الإباضية عامة\ وما نالته من شهرة ومديح‬ ‫لكونها مروية عن التابعين وأتباع التابعين المؤسسين الأول للمذهب الإباضي‪.‬‬ ‫المصادر التشريعية في الديوان ‪ :‬لقد اتضح لنا من خلال قراءة الديوان‬ ‫الاعتياد في تأليفه على مبدأ تعاون العقل والنقل‪ ،‬والرأي والأثر في استنباط‬ ‫الأحكام‪ .‬وهو مبدأ رأيناه مع فقه البصرة © لذا لم يهمل المؤلفون نصوص‬ ‫الحديث النبوي في الإستدلال ولم يكتفوا بمعانيها ومدلولاتها؛ ففي باب‬ ‫البيع المنهي عنه مثلاً يورد جل الأحاديث التي نجدها عند غيره والكثير من‬ ‫هذه الأحاديث لم يشملها الجامع الصحيح للربيع بن حبيب© وفي هذا دلالة‬ ‫على أن المؤلفين قد أستقادوا كثيرا في جانب الأثر من المدونة والديوان‬ ‫المعروض ‪ ،‬وربيا من كتب الحديث الأحرى كالبخاري ونحوه التي تيسر‬ ‫لأهل المغرب أن يطلعوا عليها‪.‬‬ ‫إن سكوت «الديوان» عن الإشارة إلى المراجع وأسانيد الأحاديث يجعل‬ ‫كل ذلك محتملا خاصة وأن التفتح على المذاهب الفقهية كان أحد خصائص‬ ‫الفقه الإباضي منذ أيامه الأولى ‪ .‬ومن منهج الديوان التصريح برأي‬ ‫«الأصحاب» إذا كانت المسألة خلافية أو تفرد المذهب بها‪ .‬مثال ذلك جواز‬ ‫بيع أمهات الأولاد فقد جاء «وبيع أمهات الأولاد جائز عند أصحابنا لا‬ ‫روي عن ابن عباس أنه قال‪ :‬هي بمنزلة بقرتك وشاتك» ثم يقيم الدليل‬ ‫_ ‪١٨٧‬‬ ‫من السنة على جواز ذلك مستشهدا بيا روي عن جابر بن عبدالله الأنصاري‬ ‫أنه قال‪ :‬كنا نبيع أمهات الأولاد ورسول الله (يَلة) بين أظهرنا ‪ ،‬ولم ينكر‬ ‫علينا ذلك؛ بل ويأتي بدليل القائلين بكراهة هذا البيع‪ ،‬ويبين أن ذلك من‬ ‫اجتهاد عمر الذي وافقه عليه الصحابة للمصلحة‪.‬‬ ‫مكانة الديوان ‪ :‬يعتبر هذا المصنف وإن كان كتابا في الفروع الفقهية‬ ‫مصدرا بالغ الأهمية في تحديد الخطة التشريعية المتبعة في استنباط الأحكام‬ ‫خلال القرن الرابع الهجري وما قبله عند الإباضية في شيال إفريقياء خاصة‬ ‫أننا لم نعثر على مؤلف أصولي يحدد لنا تلك الخطة كيا هو الحال في المشرق‬ ‫حيث تولى ابن بركة هذه المسؤولية في «جامعه»‪ .‬لقد نال الديوان شهرة كبيرة‬ ‫وأصبح مرجعا أساسيا لكتب الفقه التي جاءت بعده‪ ،‬إذ أننا نجد منهجه‬ ‫وتعابيره وصيغه عند أبي العباس أحمد بن بكر في «جامعها‪ ،‬ونجد ذلك أيضا‬ ‫وبمزيد من التفاصيل عند أبي ساكن عامر الشياخي في «إيضاحه!‪ ،‬وقد‬ ‫اختصر عبد العزيز الثميني جملة من أبوابه ي كتاب النيل‪ ،‬واعتمده الشيخ‬ ‫محمد بن يوسف إطفيش في موسوعته الفقهية «شرح النيل" إعتياداً كبيرا‬ ‫وقد جعله أبو العباس الشياخي في المرتبة الثالثة بعد ديوان أبي زكرياء يحيى‬ ‫بن الخير ‪ ،‬والإيضاح لاي ساكن‪.‬‬ ‫في ختام دراستنا للديوان © يمكن أن نلخص أهم النتائج فييا يلي‪:‬‬ ‫‏‪ ١‬عرف الإباضية‪:‬ني القرن الرابع المجري وما قبله بكثير التأليف‬ ‫الفقهي المبكر‪.‬‬ ‫‏‪ ٢‬بقاء أثر مدرسة البصرة واضحا في هذه المؤلفات ‪ ،‬ويظهر ذلك في‬ ‫الاعتماد على إنتاج تلك المدرسة بالدرجة الأولى واتباع مسلكها وهي بذلك‬ ‫قد حافظت على أصالة التفكير وربطت بين حاضر الجياعة ‪ ،‬في القرنين‬ ‫‪_ ١٨٨‬‬ ‫الرابع والخامس ‪ ،‬بأصولها البصرية‪.‬‬ ‫‪_٢٣‬۔‏ وجود خطة تشريعية قائمة الذات هي نفسها تلك التي عرفناها‬ ‫مع فقه البصرة‪.‬‬ ‫‏‪ ٤‬ظهور التأليف الجياعي المبكر عند الإباضية‪.‬‬ ‫لقد كان القرن الرابع المجري كافيا لإستقرار مجتمع الكتيان الذي أقامة‬ ‫الإباضية في مواطنهم المتعددة من المغرب الإسلامي© وستظهر بلاشك ثيار‬ ‫هذا الاستقرار في حقل التأليف الفقهي ‪ ،‬إذ سيشهد القرن الخامس نشاطا‬ ‫تأليفيا ى حفظ لنا التاريخ جزءا هاما من نتاجه ‪ ،‬والقائمة في ذلك طويلة ‪.‬‬ ‫وسنكتفي لإعطاء صورة عن هذا الإنتاج بالحديث عن عمل واحد من‬ ‫أعمال الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن بكر الفرسطائي ‪ ،‬الفقهية‪.‬‬ ‫ألف أبو العباس كتبا كثيرة " دونها في اخر حياته ‘ وصلت إلى خمسة‬ ‫وعشرين كتابا ‪ 7‬وكتاب آخر تركه في الألواح‪ .‬وللتأليف في آخر مراحل‬ ‫العمر مزايا كثيرة فهي ثمرة تجارب وخلاصة إطلاع واسع ‪ .‬من مؤلفاته هذه‬ ‫أصول الأرضين في ستة أجزاء والسيرة في الدماء أكثر من جزء والجامع‬ ‫المسمى بأبي مسألة‪. ...‬‬ ‫طبع في السنوات الأخيرة كتاب «أبو مسألة! وتيسر لنا من خلاله‬ ‫التعرف على خصائص صاحبه في التأليف الفقهي ‪ .‬وسبب تصنيفه أن أبا‬ ‫عبدالله محمد بن سلييان النفوسي كتب إليه من أبديلان أن يضع تأليفا‬ ‫مختصرا في الفروع" فجاء في جزئين‪ .‬ومن خلال هذا الوصف يتضح لنا أمران‪:‬‬ ‫‏‪ _ ١‬حاجة الجماعة إلى مختصر وأن الكتب الموجودة في ذلك الوقت‬ ‫جلها مطول‪ ،‬قد لا يستفيد منه المبتدىء وصاحب المعرفة المتوسطة ‪.‬‬ ‫‏‪ ٢‬إذا كان المطبوع الآن هو النص الكامل للكتاب فإن المقصود ب‬ ‫‪_ ١٨٩‬‬ ‫«الجزئين! كراسان‪.‬‬ ‫إن موضوع الكتاب كيا هو مصرح به ‪ ،‬يتعلق بفروع الفقه ومسائله‬ ‫وكلها إجابات مختصرة وزعت على أبواب الفقه المعهودة ‪ 5‬يكتفي في أكثرها‬ ‫بالحكم المعمول به في المذهب حسب اجتهاده مع ذكر الدليل الشرعي ©‬ ‫وهو إما كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس أو غير ذلك مما كان أصلا من‬ ‫أصول التشريع عند الإباضيةً بالإضافة إلى أنه يذكر أحيانآ الاختلاف بين‬ ‫المجتهدين وأسباب هذا الخلاف‪.‬‬ ‫يطلق على هذا الكتاب اسم الجامع وني ذلك دلالة على أن الشيخ أبا‬ ‫العباس قد استقى معلوماته وجمعها من كتب سابقة‪ .‬فقد ذكر أنه سئل عن‬ ‫ذبيحة الأقلف هل تؤكل أم لا؟ فقال في المسألة قولان ولم يزد على هذا شيئاً‪.‬‬ ‫وكان الديوان في نفوسة مشتملا على تصانيف في المذهب فلا زمت الدراسة‬ ‫أربعة أشهر لم أذق فيها نوما ليلا ولا نهارا إلا فييا بين آذان الصبح إلى طلوع‬ ‫الفجر فنظرت في أثناء ذلك فييا هناك من كتب المذهب التي وصلت من‬ ‫المشرق‪ ،‬فإذا هي نحو ثلاثة وثلاثين جزعءا‪ ،‬فتخيرت أكثرها فائدة فقرأتها‬ ‫حينئذ‪ .‬ونحن لا نستبعد أن تكون كتبه تلخيصا لهذه المراجع المختارة بجانب‬ ‫اجتهاده الخاص‪.‬‬ ‫يمكن أن يعد «أبو مسألة» صورة لمستوى التأليف الفقهي في القرن‬ ‫الخامس بحيث لم تكن فيه المختصرات الفقهية لونا من ألوان الترف الفكري‬ ‫كيا هو الحال في عصر الجمود وإنما كان استجابة لحاجة بعض الناس إلى‬ ‫معرفة الحد الأدنى من أحكام الشرع‪ .‬فالكتاب في أصله‪ ،‬زيادة على ما سبق‬ ‫بيانه‪ ،‬مجموعة فتاوى وإجابات عن أسئلة‪ ،‬وردت على المؤلف من أبي عبدالله‬ ‫محمد النفوسي‪ ،‬طلب فيها أن يشرح له بعضا من الأصول ومجمل الفتيا مما‬ ‫‪_ ١٩٠‬‬ ‫يتأتي له علمه ويتيسر له جمعه‪ .‬وقد وصف المؤلف نفسه الكتاب بأنه‬ ‫«جوابات مما تيسرلي تلخيصه! وقال «وذهبت فيه إلى الاختصار في الخطاب وإلى‬ ‫الاقتصاد عن الأطناب ‪..‬وعديت فيه عن التطويل في الإسهاب ليخف ذلك‬ ‫على طالبه ويسهل على فهم راغبه» وبذلك نتبين وضوح المنهج والغرض ‪...‬‬ ‫تواصل أثر الاستقرار من الناحية السياسية نسبيا © على الحياة الفكرية‬ ‫عند الإباضية ‪ ،‬في القرن السادس الذي حفظ لنا أعمق دراسة في علم‬ ‫الكلام ملها كتاب هالموجز» لأي عيار عبدالكافي وكتاب «العدل‬ ‫والإنصاف! في أصول الفقه لأي يعقوب يوسف الوارجلاني‪ ،‬بالاضافة إلى‬ ‫مؤلفات هذا الأخير الفقهية التي لم يتسير ها أن تصل إلينا ولكن وصلتنا‬ ‫أسياؤها من خلال كتب السير‪ .‬و إنا نتصور أن الآثار الفقهية لأبي يعقوب‬ ‫كانت ذات قيمة وعلى قدر كبير من التوسع والتعمق في البحث؛ ويؤكد‬ ‫هذا التصور تآليفه التي كتبت لها الحياة سواء في أصول الدين أو أصول‬ ‫الفقه؛ ويؤيده أيضا وصف البرادي لتفسير القرآن الكريم الذي ألفه‬ ‫الوارجلاني نفسه & وقد تعرض فيه إلى المباحث الفقهية إلى جانب المباحث‬ ‫اللغوية والكلامية وغيرها مما يحتاج إليه التفسير‪ .‬لقد وصلنا من مؤلفات‬ ‫القرن السادس الفقهية المهمه الثلاثة كتب‪« :‬الوضع» و«الصوم! و«النكاح»‬ ‫للشيخ الفقيه أبي زكريا يحي بن الخير بن أي الخير الجناوني‪ .‬وهي كلها من‬ ‫الحجم المتوسط‪« .‬فالوضع كتاب قيم مختصر ألفه استجابه لرغبة أحد إخوانه‬ ‫حين «سأله تلخيص أبواب من أصول الدين ‪ ،‬والمسائل الشرعيات ليكون له‬ ‫المجموع من ذلك مفزعا يور اليه عند المليات ‪ ...‬وقد مهد المؤلف لكتابه‬ ‫بمسائل من أصول الدين ثم تعرض لفقه العبادات والأيمان والكفارات‪.‬‬ ‫وقد سلك فيه مسلك الاختصار مع الوضوح ۔ والتركيز والاستدلال‬ ‫‏‪ ١٩١‬س‬ ‫والاستشهاد بوفرة النصوص مع التعليق عليها وشرح عباراتها الصعبة‪.‬‬ ‫والكتاب مفيد جدا للمبتدى ولا يستغنى عنه العالم المتخصص‪ .‬أما كتاب‬ ‫«الصوم» فقد التزم فيه المؤلف أسلوبا سهلا‪ ،‬وعبارة واضحة مع استقصاء‬ ‫للأقوال والخلافات‪ ،‬مسندة أحيانا وغير مسندة أحيانا أخرى‪ .‬ونلاحظ أنه‬ ‫يصتر في بعض الحالات هذه الاختلافات بيا هو معمول به في المذهب‪ .‬وقد‬ ‫اختار المؤلف أن يذكر كل ما بلغه من أقوال الفقهاء حتى الشاذ والضعيف‬ ‫دون ترجيح۔ تاركا مهمة ذلك للقارىء نفسه‪ .‬ألف الجناوني في موضوع‬ ‫الأحوال الشخصية كتاب النكاح! وبسط فيه ما يتصل بالموضوع في عبارة‬ ‫سلسلة واضحة تقترب من لغة التأليف الحديث‪ .‬وقد عمل المؤلف على‬ ‫التقصي مع الاستشهاد والتدليل في كثير من الاحيان ‪ ،‬وإلى التنبيه على‬ ‫المعمول به من الأقوال‪ .‬وقد صرح الجناوني نفسه ‪ ،‬فآيخر الكتاب بأن أغلبه‬ ‫من روايته عن شيخه أبي الربيع الباروني وعن شيخ شيخه من طريقه ‪ ،‬ولم‬ ‫يأخذ عن غيرهما مباشرة إلا أشياء قليلة مما رآه المؤلف ضروريا لاستكيال‬ ‫البحث‪ .‬ويعتبر هذا الكتاب من المصادر الهامة في مسائل الاحوال الشخصية‬ ‫في الفقه الإباضى & وعليه اعتمد آكثر المؤلفين من بعده‪ .‬وقد اختصره‬ ‫العلامة الثمينى (ق‪١٣_١٢‬ه)‏ في موسوعته القيمة «النيل'‪ .‬وكثيرا ما رجع‬ ‫إليه القطب في شرحه للكتاب المتقدم ذكره ‪ .‬فذكر عبارته بحروفها ‪ .‬من‬ ‫خلال دراستنا السريعة للكتب الثلاثة " يمكن أن نلاحظ بالإضافة إلى ما‬ ‫تقدم‪ ،‬أن المؤلف كان يكتب لمحيطه الضيق الذي يعيش فيه‪ ،‬فلم يجنح إلى‬ ‫الفقه المقارن ربيا لعلمه أن الاخرين لا يسمحون لأنفسهم بمطالعة‬ ‫مصنفات اللإباضيةا ثم إن قصده من الكتاب توفير أحكام لاهل المذهب©‬ ‫يعالجون بها قضاياهم ويتصرفون بحسبها‪ .‬اعتمد أبو زكرياء في كتابه‬ ‫‪_ ١٩٢‬‬ ‫«النكاح! أساسا على اجتهادات فقهاء الاباضية ‪ ،‬وقدم ما رجحه شيخه منها‪،‬‬ ‫وما كان معمولا به‪ .‬ولا يعنى هذا ‪ ،‬في شىء ‪ ،‬أن الجناوني كان جاهلا بفقه‬ ‫الآخرين بدليل كثرة استشهاده بآراء التابعين وأتباعهم من غير الإباضية ‪.‬‬ ‫في كتاب هالوضع! وذكره اختلاف الناس في المسائل‪ ،‬وإن لم ينسب الأقوال‬ ‫إلى أصحابها‪ .‬إن هذا المنهج في التأليف يجعلنا نرجح ‪ ،‬زيادة على ما رأينا ‪.‬‬ ‫أن سبب الصيغة المذهبية في التصنيف الفقهي عند الجناوني يعود إلى ‪:‬‬ ‫‏‪ ١‬طبيعة مؤلفاته ‪ .‬فهي مختصرة وموجهة إلى العامة قبل الخاصة‪ .‬إذ‬ ‫الأمر الذي يهم هؤلاء العامة هو الحكم الشرعي الذي توصل إليه مجتهدو‬ ‫المذهب واطمأنوا إليه‪.‬‬ ‫‏‪ ٢‬فكرة المعاملة بالمثل والشعور بالمساواة إن لم يكن الاستعلاء التي‬ ‫قد تسيطر على العلياء نتيجة ظروف خاصة كرسها التاريخ‪ .‬وفي ظني أن‬ ‫هذا الاحتمال يبدولي ضعيفا‪ ،‬لأنه يتناقص مع روح الفكر الإباضي القائم‬ ‫على الأصالة والتفتح‪.‬‬ ‫من ملاحظتنا على كتاب الشيخ الجناوني لغته العربية المتينة ‪ ،‬وتمكنه‬ ‫منها‪ .‬وهي ملاحظة جديرة بالتنويه لنشأته في بيئة بربرية اللسان‪ .‬وهو بذلك‬ ‫يعتر عن المستوى العلمي الرفيع الذي بلغته المدرسة الإباضية في شيال‬ ‫إفريقيا‪ ،‬في ذلك العهد‪ .‬وهذا كله يجعلنا ننظر إلى شيوخه الذين أخذ عنهم‬ ‫ورفع من شأنهم " بل اكتفى في كثير من الاحيان بتدوين رواياته عنهم أنهم‬ ‫بلغوا من العلم باللغة العربية والشريعة شأاوا بعيدا‪ .‬وأن ما ترويه كتب‬ ‫السير من حركية في العلم والتأليف لدى إباضية المغرب لم يكن مآنثار‬ ‫العاطفة وتقديس السلف ۔ ولا من المبالغة في شيء‪ ،‬وإنما هو وصف لواقع‬ ‫معاش؛ وأن ما أشارت إليه كتب السير من ثروة في التأليف عموماء والفقهمي‬ ‫‪_ ١٩٣‬‬ ‫خصوصاء ووفرة في الدواوين وانتشار المكتبات حقيقة ثابتةإلى جانب تقدم‬ ‫أساليب الكتابة ومناهج التأليف © من حيث التبويب وتقسيم المسائل‬ ‫والتدرج في عرضها‪ .‬فنظرة عابرة على فهرس كتاب «الوضع! تؤكدلنا هذه‬ ‫الملاحظات ‪ .‬وفي ذلك كله دليل على تقدم حركة التأليف نفسها عمقا ووفرة؛‬ ‫وأن الشيخ أبا زكريا قد استفاد من جهود السابقين وأصلها‪ .‬لقد ظل الفقه‬ ‫الإباضى المغربي في مجمله ‪ ،‬حتى أواخر القرن السادس فقها مذهبيا صرفا &‬ ‫يعتمد فيه أساسا على الأصول التشريعية التي أقرها علياء المذهب وتضمنتها‬ ‫مؤلفاتهم الفقهية يأخذ فيها اللاحق عن السابق فيزيد وينقص‪ .‬وخلافا لما‬ ‫كان عليه فقهاء المشرق الذين اعتمدوا على المقارنة من وقت مبكر فإن فقهاء‬ ‫المغرب الإسلامي اختاروا المذهبية أساسا للعمل وهو بلاشك ‪ ،‬اختيار له‬ ‫أسبابه الوجيهة المتمثلة في شعور علياء المذهب بذاتيتهم الفكرية‪ ،‬وإثبات‬ ‫وجودهم كجياعة لها كيانها الفكري المستقل‪ ،‬في إطار ا لمجتمع الإسلامي‬ ‫الكبير‪ .‬ولاشك أن ذلك كان نتيجة للوضع السياسي الذي كان يعيشه أتباع‬ ‫المذهب فقد ظلوا في نظر الولاة والحكام ‪ ،‬بإيحاء من الفقهاء ورجال العلم ©‬ ‫جماعة غير مرغوب فيها {‪5‬لأنها م«نالخوارج»‪ .‬فهذه العوامل مجتمعة ‪ ،‬جعلت‬ ‫أهل الحل والعقد من الإباضية © يقفون موقف المتشدد من كل من يخرج عن‬ ‫الإطار العام للمذهب‪ .‬فهوني نظرهم الحصن الذي يحميهم مانلذوبان‪.‬‬ ‫فقد كانوا يؤمنون بأن العلاقة بين الذوبان الفكري والسياسي جد وثيقة‬ ‫في أواخر القرن السادس‪ ،‬وبداية السابع‪ ،‬ظهر الفقيه الأصول أبو‬ ‫يعقوب يوسف بن خلفون المزاتي ‪ ،‬ليخرج عن ذلك المألوف ويحطم الحواجز‬ ‫التي أقامتها الجياعة منذ سقوط الإمامة الرستمية (‪٦٢٩٠‬ه)‏ ويعتبر عمله‬ ‫هذا مغامرة كلفته الكثير‪ .‬فقد وقف في وجهه «العزابة“ " فتبرؤوا منه وحكموا‬ ‫‪_ ١٩٤‬‬ ‫عليه بالهجران‪ .‬وقد ظل على هذه الحالة عشر سنين‪ .‬ورغم هذه المعاناة‬ ‫الشديدة أثبت ابن خلفون لمن جاء بعده أن منهجه كان سلييا‪ ،‬وأن الرجوع‬ ‫إلى الأصول هو أساس الإجتهاد‪ .‬فالسابقون عنده‪ ،‬قد كتبوا لزمانهم‪ ،‬وهو‬ ‫غير الزمان الذي عاش فيه ابن خلفون ومعاصروه الذين حكموا عليه‬ ‫بالبراءة‪ .‬لقد كان موقف ابن خلفون مقنعا ‪ ،‬مما جعل معاصره الدرجيني ©‬ ‫يعترف بالحقيقة } ويقول فيه أنه «إن درس فلقن أحسن تلقين © وإن أفتى‬ ‫فمغتزف من أعذب معين & لا يخشى منه تعسف ۔ ولا يدرك ألفاظه تكلف ۔‬ ‫كثير الإطلاع علي مسائل الإتفاق والإختلاف © وهو كثير الدفاع عياقيده‬ ‫فقهاء الأسلاف وله تعليقات عجيبة وأجوبة مقنعة مصيبة & محافظ على‬ ‫بيضة الدين‪ ،‬محصن للمذهب أمنع تحصين؛‪.‬‬ ‫م يؤثر عن أبي يعقوب أنه كتب كتبا خاصة مفصلة في أي من الفنون التي‬ ‫اشتهر باتساع علمه‪ .‬وتمكنه فيهاء ومع ذلك لم نحرم من مجهود هذا الرجل‪ ،‬فقد‬ ‫ترك لنا رسالتين فقهيتين الأولى في "التشديد والنهي عن ترك الجواري! والثانية‬ ‫إجابات عن أسئلة شتى وجهت إليه «بين ما في جميعها من أقاويل العلماء'‬ ‫واستقصى الخلاف فيها‪ .‬والرسالة الأولى وجهها ابن خلفون إلى أهل نفوسة ©‬ ‫وأما بالنسبة للرسالة الثانية ‪ 9‬فإنا لم نجد دليلا واضحا على أن المؤلف© قد‬ ‫توجه بها إلى أهل الجبل " إلا صيغة الظن التي أوردها الشهاخي‪ .‬اخترنا‬ ‫لدراسة فقه ابن خلفون‪ ،‬الرسالة الثانية‪ .‬والأظهر أن موضوعها هو بيان آراء‬ ‫الفقهاء ومذاهبهم في عدد من المسائل الخلافية المشهورة ولعلها جاءت‬ ‫لتحسم نوعاً من الصراع أو النقاش الذي يواجه تلاميذ الفقه الإباضي من‬ ‫زملائهم وجيرانهم من أصحاب المذاهب الأحرى وقد تضمنت بالإضافة إلى‬ ‫ذلك لمحة موجزة في أصول الفقه‪ ،‬ختم بها المؤلف رسالته‪..4‬‬ ‫_ ‪_ ١٩٥‬‬ ‫إن المنهج الذي سار عليه أبو يعقوب منهج جديد متميز لم تعرفه‬ ‫المدرسة الإباضية المغربية ‪ ،‬يقوم على عرض السؤال للتذكير ‪ ،‬ثم يبدأ إجابته‬ ‫بعبارة «الجواب في ذلك ‪...‬ا ثم يجيب على نقاط السؤال واحدة واحدة‪ .‬بادئا‬ ‫ببيان رأي فقهاء المذهب ‪ ،‬ومن وافقهم من غيرهم © مع ذكر أسياء العلياء‪.‬‬ ‫لقد كفانا ابن خلفون المؤونةفي وصف عمله هذا ‪ .‬فقد قال في اخر‬ ‫أجوبته‪« :‬قد أتيت‪ ،‬بعون الله ‪ 0‬على جواب مسائلك‪ ،‬ونقلنا ما حضرنا من‬ ‫أقاويل الفقهاء وأعلمتك مواضع الإجماع‪ .‬وبينت لك ما اختلفوا فيه‪ ،‬وما‬ ‫حد كل فريق ودليل مذهبه‪ ،‬وما اختاره أصحابنا من ذلك على الأصول القوية‬ ‫والمذاهب المستقيمة‪ ،‬وزدت في سؤالك ‪ ،‬وأوفيت الجواب والإستقصاء عيا لم‬ ‫تسأل عنه ‪ ،‬مما هو تمام لكل مسألة لنجعل لك البقية لما سألت عنه على‬ ‫التحصيل بالإجمال" والتفصيل‪ .‬والاختلاف ‪ ،‬والتبيين بين ذلك على ما جاء‬ ‫من اختلاف الفقهاء ‪ ،‬في كل مسألة من الصحابة ‪ ،‬والتابعين وفقهاء الأمصار‬ ‫على أعصارهم‪ ،‬من موافق ومخالفؤ ومن وقع منهم الوفاق لأصحابنا في الفتيا‬ ‫ومن يخالفهم } وحيث ينفرد أصحابنا بالمذهب دون مخالفيهم" وحليت لكل‬ ‫مسألة بعض ما يقع به الإحتجاج من القرآن وأخبار رسول الله عليه السلام &‬ ‫ووجوه الأقيسة مما يقتضيه الإستدلال على أصول الفقه ‪ .‬وبينت أساء القائلين‬ ‫من المذاهب ‪ ،‬دعاني إلى ذلك ألا أكتم عليك شيئا من الإختلاف والتوقيف‬ ‫على مذهب أصحابنا‪ ،‬وماصح به العمل عندهما‪.‬‬ ‫تعتبر رسالة ابن خلفون «نقلة نوعية" في تاريخ الفقه الإباضي المغري‬ ‫خاصة؛ فصلت بين نوعين من التأليف‪ :‬فقه مذهبي خالص وفقه ذي صبغة‬ ‫عامة تعلو على المذهبية‪ ،‬تستفيد فيها المدارس من بعضها وتتآخى© ويسهل‬ ‫تقييمها؛ وتؤكد أن التفتح الواعي على الآخرين لا يؤدي بالضرورة إلى الذوبان بل‬ ‫‪_ ١٩٦‬‬ ‫بالعكس فإنه يثري الأصيل ويقويه‪ .‬لقد استطاع ابن خلفون أن يقنع الذين‬ ‫جاؤوا بعده بصحة توجهه ‪ ،‬فظهر هذا التحول بينا ي المؤلفات اللاحقة فيا‬ ‫بعد القرن السابع الذي تقلص فيه التأليف الفقهي لأسباب موضوعية‪.‬‬ ‫وفي النصف الأول من القرن الثامن ألف الجيطالي كتابه «قواعد‬ ‫الإسلام مستنيراً بروح منهج اين خلفون‪ ،‬بقدر ما تسمح به طبيعة الكتاب‬ ‫المختصر‪ .‬فقد «اقتصر الكلام فيه على سبعة أركان تحتوي على جمل من‬ ‫الفرائض والمظالم التي يلزم بها الإنسان‪ .‬وكل ركن منها يشتمل على أربعة‬ ‫أبواب مرتبة مبانيها‪ ،‬وفصول مشروعة معانيها‪ ،‬تكون لسالكي هذا المنهج‬ ‫من التحف المخزونة ‪ ،‬والدرر المكنونة ‪ .‬يقل على الناظر لفظها‪ ،‬وسهل على‬ ‫القارىء حفظها& وتكون للمسترشدين ملجأ يلجأون إليه‪ ،‬وعصمة‬ ‫يعتصمون بها‪.‬‬ ‫فإذا كان هذا الوصف للكتاب من حيث الشكل فإن صاحبه قد سلك‘‪،‬‬ ‫من حيث المضمون\ منهج المقارنة على أوسع نطاق‪ .‬إذ يورد في كل مسألة‬ ‫مختلف الوجوه مع الإحالة على أقوال العلياء المتقدمين من الإباضية بذكر‬ ‫أسيائهمإ‪ 6‬مع تدعيم الوجوه المعتمدة بنصوص من الكتاب والسنة دون أن‬ ‫يغفل عن بيان آراء الصحابة والتابعين وأصحاب المذاهب الأربعة‪ ،‬وعرض‬ ‫أدلة كل فريق‪ ،‬والتنصيص على أقوال الموافقين والمخالفين وأسباب الخلاف‬ ‫التي فصلتها كتب أصول الفقه‪ .‬ومع العناية بإيراد الأقوال فإن إجتهاده ورأيه‬ ‫الشخصي ظاهر على صفحات كتابه‪ .‬فهو يرى ويختار ويصوب ويخطىعء‪...‬‬ ‫إن دراستنا لكتاب «قواعد الإسلام" ‪ .‬وفي أبواب العبادات خاصة }‬ ‫دون أصول الدين والحقوق ‪ ،‬تبين لنا أن الجيطالي قد اطلع على «بداية‬ ‫المجتهد ونهاية المقتصد! لمحمد بن رشد القرطبي‪ ،‬رغم أنه لم يذكر ذلك‬ ‫‪_ ١٩٧‬‬ ‫صراحة ولا تلميحا إلا أن بالمقارنة السريعة لبعض أبواب الكتاب ومباحثه‪.‬‬ ‫والنسج على نفس‬ ‫الإقتباس‬ ‫يتأكد لنا ذلك‪ .‬فنلاحظ بوضوح في باب الصوم‬ ‫ذاتها‪.‬‬ ‫والألفاظ‬ ‫المنوال" بل نجد صاحب القواعد ينقل العبارات‬ ‫يظهر فضل الجيطالي في أنه أضاف إلى عمل ابن رشد آراء المذهب‬ ‫الإباضى في كل مسألة مدعمه بالأدلة ومقارنا إياها بما عند الأخرين ليثبت‬ ‫أن الفقه الإباضي لا يشذ في شىء عن عموم فقه المذاهب الأحرى وأنه قلما‬ ‫يتفرد برأي‪ ،‬وإذا وقع في بعض المسائل شيء من ذلك فإنه واقع عن دليل‬ ‫كيا هو الشأن عند غيرهم تماما‪.‬‬ ‫بالإضافة إلى ما سبق‪ ،‬زاد الجيطالي بعض المعلومات توسعا واستدلالا‬ ‫وأشار إلى أقوال الصحابة والتابعين وأصحاب المذاهب المنقرضة التي سكت‬ ‫عنها صاحب بداية المجتهد‪.‬‬ ‫إن هذا الصنيع من الجيطالي في الإستفادة من الآتحرين‪ ،‬يدل دلالة‬ ‫واضحه على تفتحه وتأصيله لإتباه ابن خلفون الرافض للتقوقع مهما كانت‬ ‫المبررات‪ .‬وقد سبق لصاحب القواعد أن اعتمد على إحياء علوم الدين للغزالي‬ ‫في تأليف كتابه «قناطر الخيرات! وقد ذكر ذلك صراحة دون أن يرى فيه عيباء‬ ‫بل كان يؤمن أنه المنهج الصحيح الذي يجب أن يعتمده علياء الإسلام‪.‬‬ ‫في نفس القرن الثامن ‪ ،‬يؤلف أبو ساكن عامر الشياخي‪ ،‬كتابه‬ ‫«الإيضاح» في العبادات وا معاملات ويقول عنه في حملته أنه (من أقوال‬ ‫أصحابنا خاصة! وفي ذلك عودة نسبية إلى منهج ما قبل ابن خلفون‪ .‬ولعله‬ ‫أراد بذلك أن ييسر على الدارسين بأن يعرض عليهم ما هم في حاجه إلى‬ ‫العمل به؛ فالفقه عنده للعمل لا للإغراق في المقارنات‪ .‬والعبارة السابقة‬ ‫المنقوله من «الإيضاح» تشعرنا بان أبا ساكن كان متشبعا من الفقه المقارن‬ ‫‪_ ١٩٨‬‬ ‫الذي كان السمة العامة لتآليف ذلك القرن في مادة الفقه‪ ،‬خاصة أنه كان‬ ‫مع أي طاهر إسياعيل الجيطالي «كفرسي رهان يتسابقان في الميدان" وأنجيا‬ ‫استفادا من نفس المعين وجلسا إلى نفس المشايخ تقر‬ ‫فيا بعد القرن الثامن‬ ‫احتل «الإيضاح! مكانة كبيرة عند "‬ ‫واعتبره الشياخي صاحب السير «اعتياد أهل المغرب في وقته خصوصا نفوسة‬ ‫وبعده ديوان أي زكريا يحيى بن الخير وبعدها الديوان «ديوان الأشياخ ) ‪.‬‬ ‫وصف الشياخي هذا الكتاب بقوله «وهذا التأليف ما أظن ألف في‬ ‫المذهب مثله جمعا وتعليلاً واختصارا غير خل وتطويلا غير ممل ولا مكرر»‪.‬‬ ‫وكان من منهج أي ساكن في تأليف كتابه جمع الآراء الفقهية «بدلائل‬ ‫مسموعات مستندات وقياسات مستنبطات مستخرجات!‪.‬‬ ‫فعمله على ما يظهر من كلامه هذاء ل يتوقف عند الجمع من المؤلفات‬ ‫السابقه بل اجتهد في تأصيل ما جمع وتخريج الفروع على الأصول وهو‬ ‫ليس بالين‪ .‬وفي ذلك إشارة إلى أن صاحب الكتاب لاحظ شيئا من‬ ‫عمل‬ ‫النقص في عموم التآليف الفقهية الإباضية في المغرب خاصة فأراد أن يتمه‪،‬‬ ‫كيا أراد على ما يبدو أن يثبت أن فقهاء المذهب الذين سبقوه واكتفوا _‬ ‫الجملة _بإيراد أحكام ا لمسائل المتفق عليها والمختلف فيها من دون "‬ ‫بأهم على معرفة تامة بالأصول وأن اجتهاداتهم كانت منبنية عليها «لأن من لم‬ ‫يتحكم على الأصول قليا تتحصل عنده الفصول" ثم يشير إلى منهجه في‬ ‫التمييز بين المواقف والآراء بقوله‪« :‬ولنقل في كل موضع قلت في كتابي هذا‬ ‫فعندي والله أعلم‪ .‬أن سبب اختلافهم‪ .‬أو العلة كذا وكذا وأن العلة‪ ..‬كذا‬ ‫وكذا فإنما هو في الأكثر استدلال واعتلال مبني‪ ،‬لا من صاحب القول الذي‬ ‫على طريقته أسي‪.‬‬ ‫‏‪_ ١٩٩‬۔‬ ‫إن قراءتنا لإيضاح الشياخي مكنتنا من جملة من الملاحظات حول منهج‬ ‫صاحبه فهو يكثر من الإعتياد على «الأثر» ويصرح بإن «في الأثر كذا وافي أثر‬ ‫أصحابنا كذا! وينقل كثيرا عن السلف من أهل المغرب الخاصة فينسب‬ ‫الأقوال إلى أصحابها أحيانا كالإمام عبدالوهاب وابنه أفلح من القرن الثالث‬ ‫والإمام الربيع بن حبيب وعبدالله بن عبدالعزيز من القرن الثاني من أهل‬ ‫البصرة‪ .‬ويشير في عرضه المسائل إلى اختلافات الفقهاء‪ ،‬مع بيان أسباب‬ ‫الخلاف في أغلب الحالات كيا سبق أن بينا ويحاول أن يوفق بينها ويبدي رأيه‬ ‫فيها مستعملا في ذلك عبارات كثيرة‪« :‬فيما يوجبه النظر عندي ‪ ،‬وهذا القول‬ ‫فيما يوجبه النظر أصح ‪ ،‬هو الأصح‪ »...‬يرجح في أغلب الصور والمسائل قول‬ ‫فقهاء المذهب عند مقارنتها بأقوال غيرهم التي يذكرها أحيانا‪ .‬وقد صرح بأنه‬ ‫ينظر في كتب القوم ولكن ذلك‘ كيا سبق أن أشرنا إليه‪ ،‬لم يكن السمة الغالبة‬ ‫على الكتاب‪.‬‬ ‫يمثل كتاب «الإيضاح» بحق قمة التأليف الفقهي المؤصل ونهايته‬ ‫بحيث يمكن أن يعتبر فاصلا بين نمطين من التأليف ‪ :‬نمط يقوم على‬ ‫الجمع والتأليف والتأصيل‪ ،‬فكان «الايضاح» تاجه‪ ،‬وبين نمط جديد يبدأ‬ ‫مع ظهور القرن التاسع يقوم على شرح القديم والتحشية عليه‪.‬‬ ‫تظهر بداية هذا اللون الجديد مع أبي القاسم البرادي في شرحه لكتاب‬ ‫العدل والإنصاف في أصول الفقه ث وكتاب الدعائم لابن النظر العياني الذي‬ ‫سياه «شفاء الحائم في شرح بعض الدعائم! في الأصول والفروع الفقهية وقد‬ ‫حضره الأجل وهو في بداية العمل‪ .‬يعود السبب في تحول منحى التأليف‬ ‫الفقهي إلى هذا الشكل إلى أن أبا القاسم البرادي قد ظهر له أن المدرسة‬ ‫الفقهية آتت أكلها في القرن الثامن بيا لا يحتاج إلى المزيد اعتقادا منه بإن‬ ‫_ ‪_ ٢٠٠‬‬ ‫السلف لم يتركوا للخلف شيئا جديدا يأتون به‪ .‬ويبدو أن السبب الحقيقي‬ ‫يكمن في الأوضاع التي كان يمر بها المغرب الإسلامي عامة والجياعة الإباضية‬ ‫خاصة\ من صراع إسلامي صليبي‪ ،‬واضطراب سياسي داخلي بين الأعراب‬ ‫والسلطة بل وبين رموز السلطة نفسها‪ .‬أثر كل ذلك على الحركة العلمية بيا‬ ‫فيها الفقه‪ .‬وقد ظهر هذا الضعف أيضا عند علياء المالكية الذين كانوا‬ ‫ينعمون برعاية الدولة التي كانت تنفق عليهم بسخاء‪.‬‬ ‫لقد وصلت الحالة إلى درجة أن «أغلقت البلاد أبوابها في وجه التيارات‬ ‫الجديدة منذ إستقرار الأندلسيين بها‪ ،‬وتوقف الارتحال إلى المشرق‪ .‬وبانقطاع‬ ‫هذه العلاقة توقف المدد الثقافي» وعكف الناس على المختصرات الفقهية‬ ‫يشرحونها ويعلقون عليها حتى أصبحت دراسة الكتب هي الهدف وضاع‬ ‫العلم واختفى الإجتهاد‪.‬‬ ‫وفي القرن العاشر ‪ ،‬ومع ضعف الدولة تواصل الانحدار الفكري ‏‪١‬‬ ‫واكتفى الفقهاء باجترار ثمرة السابقين © وفقدوا شجاعة التأليف والابتكار إلا‬ ‫من فتاوى يجمعون فيها آراء السابقين ‪ 0‬أو منظومات في الفقه ‪ ،‬فيها من‬ ‫التكلف الشيء الكثير‪ .‬إن هذه الصورة العامة للقرن العاشر لم تمنع ظهور‬ ‫بعض المجتهدين‪ .‬فقد عرف الربع الآول من القرن العاشر أبا العباس أحمد‬ ‫الشياخي الذي اعتبر يتيمة العقد بين علياء تلك الفترة وما بعدها‪ .‬فقد أعطى‬ ‫الكثير اختصر كتاب «العدل والإنصاف! وزاد عليه‘ ثم شرح ما اختصر‪.‬‬ ‫وكتب رسائل وإجابات فقهية ؤوكلامية بين فيها مدى علمه وفقهه‪ .‬خالف‬ ‫مشائخ زمانه في القضايا المعروضة في ذلك الوقت‘ فلم يرض بمجرد النقل‬ ‫بل حقق الأقوال واستفاد مما أخذه من الفقه المالكي في المدارس الحفصية‬ ‫بتونس» فبين الاتفاق والاختلاف وذكر الأدلة وأعطى رأيه وهو بذلك‬ ‫‪_ ٢٠١‬‬ ‫يذكرنا بمنهج ابن خلفون والجيطالي وإلى درجة ما الشيخ عامر الشياخي‪.‬‬ ‫بعد وفاة الشيخ أبي العباس ‏(‪ ٩٢٨‬ه) ضعفت حركة التأليف الفقهي‬ ‫الإباضي بصورة عامة حتى أواخر القرن الحادي عشر الذي تميز بالرحلة إلى‬ ‫مصر لتلقي العلم في الأزهر ثم العودة ليبعث هؤلاء العلياء روح التجديد في‬ ‫الفقه‪ ،‬بإضافة العنصر المشرقي‪ ،‬وينزلوا أساليب الدراسة الأزهرية ومحتواها‬ ‫على التراث الفقهي الإباضي وغيره من فنون الفكر ويتجلى هذا واضحا في‬ ‫غزارة الإنتاج من الشروح والحواشي‪ .‬وقل من الأمهات الفقهية السابقة مالم‬ ‫ينل نصيبه من الشرح والتحليلك‪.‬‬ ‫قاد هذا الإتجاه الشيخ عبدالله السدويكشي (‪١٠٦٨‬ه)‪.‬‏ والشيخ محمد‬ ‫ابن عمر بن أبي سته (‪١٠٨٨‬ه)‏ المعروف بالمحشى‪ ،‬لكثرة حواشيه‪،‬‬ ‫والشيخ عمرو الئلاتي (ق ‏‪ )١٢‬صاحب شرح الرائية فايلصلاة ‪.‬‬ ‫في القرن الثالث عشر يسعى الفقهاء إلى إقامة الفقه الإباضى على‬ ‫منهج الاختصار ليتيسر على الباحث الحصول على مبتغاه‪ ،‬بعد أن توسع‬ ‫الجيل الذي قبله في الحواشي‪ .‬والشروح فألف الشيخ عبدالعزيز الثميني‬ ‫«كتاب النيل وشفاء العليل؟ و«تكميل النيل؛ حيث تردد في خاطر الشيخ‬ ‫أن يجمع مختصرا في الفقه جامعا‪ ،‬مبينا لما به الفتوى من مشهور المذهبؤ لا‬ ‫ملا ولا مخلا مانعا؛ فإن عبارة الخلف وإن قصر ذراعها أوضح من عبارة‬ ‫السلف وإن طال باعها‪.‬‬ ‫وفي القرن الرابع عشر يتولى إمامة الفقه الإباضي الشيخ محمد بن‬ ‫يوسف اطفيش الذي يعود إليه الفضل في تعريف غير الإباضية بفقه المذهب‬ ‫من خلال شرحه لكتاب النيل الذي سبق أن أشرنا إليه‪ ،‬بالإضافة إلى تأليف‬ ‫سلسلة من الكتب الفقهيه تستجيب لمختلف المستويات العلمية‪.‬‬ ‫‪_ ٢٠٢‬‬ ‫لم يكتف الشيخ بصياغة التراث من جديد وإعادة النظر فيه‪ ،‬بل تجاوز‬ ‫ذلك إلى المقارنة مع آراء المدارس الفقهية الأخرى واجتهد في المسائل‬ ‫المستحدثة على الأصول التي أقرها المذهب‪ .‬ثم جاء بعده رجال اجتهدوا ني‬ ‫أن يقدموا الفقه الإباضى في ثوب جديد في شكل كتابات مبسطة ورسائل‬ ‫وفتاوى تعالج قضايا هذا العصر‪.‬‬ ‫لم يشذ الفقه الإباضي عن الحالة العامة التي كان عليها الفقه‬ ‫الإسلامي؛ فمنذ القرن التاسع قصر «جهدهم (الفقهاء) عن الإنتاج المبتكر؛‬ ‫فسلكوا في التأليف طرقا ملتوية شاقة‪ ،‬بعدت عن الطريقة السهلة التي‬ ‫عرف بها المتقدمون فاستهواهم الولع بالإيجاز تارة والتطويل أخرى ثم‬ ‫الاغراق في الإيجاز مرة ثانية مع ما في ذلك من تكلف وتعقيد‪ ،‬يجعل القارىء‬ ‫يسير في مسالك متعرجة ومنعطفات شائكة ومتاهات غامضة‪.‬‬ ‫يبتدىعء المؤلف بوضع كتاب موجز يدعى «متنا ‪ 1‬يشرحه أو يشرحه‬ ‫تلميذه من بعد\ وقد يشرح الشرح السابق‪ ،‬ثم تكون الحواشي والتقريرات‬ ‫والهوامش ويكون بعد هذا اختصار الشروح الكبيرة إلى متوسطة وصغيرة‬ ‫واختصار المتون كذلك في عبارة مكثفة{ أو نظمها شعرا يجمع إلى الركة‬ ‫الإيباز المخل ‪ ،‬ثم يشرح هذا النظم وحشي ويختصر‪.‬‬ ‫لم يمنع هذا الوضع من أن يظهر رجال عولوا على مقاصد الشريعة‬ ‫وقواعدها العامة وأدلتها الكلية‪ .‬فاجتهدوا على ضوئها في حل قضايا‬ ‫عصرهم‪ .‬كيا أنه لا يمنع أن نعترف لهؤلاء المؤلفين© على علاتهم ‪ ،‬بأنهم قد‬ ‫حافظوا على ثروتنا الفقهية ونقلوا لنا من مؤلفات فقدت أو أنها في حكم‬ ‫المفقود‪ .‬والمهم أنهم تركوا بين أيدينا ثروة كبيرة‪ ،‬تحتاج إلى أن نستفيد منها‬ ‫على ضوء معارفنا وأساليبنا الجديدة‪.‬‬ ‫_ ‪_ ٢٠٢٣‬‬ ‫الفصل السابع‬ ‫الفقه‬ ‫الإباضية وأصول‬ ‫ه تمهيد‬ ‫ه نشأة أصول الفقه الإباضي وتدوينه‬ ‫ه أصول الفقه في المشرق‬ ‫ه أصول الفقه في المغرب‬ ‫ه من الآثار الأصولية‬ ‫العدل والإنصاف‬ ‫‪ -‬البحث الصادق‬ ‫شرح مختصر العدل والانصاف‬ ‫ه طريقة التأليف الأصولي الإباضي‬ ‫‪_ ٢٠٥‬‬ ‫الفقصلا لسابع‬ ‫الإاباضية وأصول الفقه‬ ‫تمهد ‪:‬‬ ‫لقد تبين من خلال الموجز التاريخي لمادة الفقه عند الإباضية أنهم قد‬ ‫ألفوا الكثير ‘ فمنه ما كتبت له الحياة " ومنه ما فقد كيا فقد غيره من التراث‬ ‫الاسلامي‪ .‬وحقيق بنا قبل الخوض في موضوع التأليف الإباضي في أصول‬ ‫الفقه‪ ،‬أن نتساءل هل أن تلك الثروة الفقهية الكبيرة كانت ثمرة لخطة‬ ‫تشريعية مضبوطة ‪ ،‬اعتمدها وسار عليها فقهاء المذهب في تفريع الفروع ‪ ،‬أم‬ ‫لم تكن كذلك ؟ ثم لا بد أن نتساءل عن نشأة هذه الخطة وتطورهاء وعن‬ ‫علاقتها _ إن وجدت _ بالأصول التشريعية عند غير الإباضية‪ .‬سنحاول أن‬ ‫نجيب عن هذه الأسئلة وأخرى غيرها مما يتعلق بالموضوع على أمل أن تصل‬ ‫بنا الإجابات إلى نتائج قد تقنع الكثيرين بأصالة المنهج الإباضي" وإلى أنه لا‬ ‫يختلف عيا عند الآخرين إلا اختلافا جزئياً۔ نجده بين كل المذاهب الأصولية‪.‬‬ ‫لا بد من أن أشير منذ البدء إلى أنتي سأعتمد كلية على الإنتاج الأصولي‬ ‫الإباضي‪ ،‬وحده بسبب إهمال علياء المذاهب الأخرى للإنتاج الأصولي الذي‬ ‫نحن بصدد دراسته ‪ ،‬وأن ما نجده عندهم لا يعدو أن يكون مجموعة آراء‬ ‫أصولية ‪ ،‬لا يجمع بينهما جامع & ذكرها أصحاب المقالات ثم تناقلها عنهم‬ ‫اللاحقون‪ .‬ومن الغريب أن أغلب ما أوردوه لا أجد له أثرا في كتب الإباضية‪.‬‬ ‫وأن هؤلاء لم يشيروا إلى المصادر التي استقوا منها معلوماتهم حتى تمكن‬ ‫مراجعتها للتحقق من مدى صحتها‪.‬‬ ‫إنه من المسلم به أن طريقة ذكر المصادر لم تكن معروفة بشكل موسع في‬ ‫‪_ ٢٠٧‬‬ ‫الكتب القديمة‪ .‬إلا أنها م تكن منعدمة‪ ،‬فكان من المفروض أن لا تغفل‬ ‫مصادر المذاهب الدرجة الثانية»{ عند الحديث عنها وتقييها حتى يطمئن‬ ‫الباحث إلى عدم التجنبي عليها ‪ .‬ومن المؤسف حقا أن باحثين معاصرين‬ ‫احتفظوا بنفس المنهج ‪ 0‬واكتفوا بترديد القديم متعللين بأعذار ليس بإمكان‬ ‫البحث العلمي النزيه أن يقبلها‪.‬‬ ‫و المهم في الأمر أن ما ذكر في أصول الفقه الإباضي‪ ،‬لا يعتد به ولا يعطي‬ ‫الصورة الحقيقية عيا بذل من جهد ‪ ،‬لذلك كنت مضطرا إلى عرض هذا القليل‬ ‫والنظر فيه © ثم تقديم الصورة الحقيقية من خلال الجهد الإباضي نفسه‪.‬‬ ‫يتفق الإباضية مع غيرهم من المسلمين على أهمية أصول الفقه في‬ ‫استنباط الأحكام الشرعية إذ أن «الواجب على الفقيه إذا أراد علم الفقه أن‬ ‫يعرف أصول الفقه «كذا" وأمهاته ليكون بناؤه على أصول صحيحة يجعل كل‬ ‫حكم في موضعه ويجبريه على سنته & ويستدل على معرفة ذلك بالأدلة‬ ‫الصحيحة‪ .‬والإحتجاجات الواضحة & وأن لا يسمي العلة دليلا ع والدليل‬ ‫علة ‪ 5‬وليفرق بين معاني ذلك ‪ »...‬وقد آخذ ابن بركة (ق‪)٤‬‏ الذين يدعون‬ ‫الفقه مع جهلهم بأصوله فقد رأى «العوام من متفقهي أصحابنا ربما ذهب‬ ‫عليهم كثير من معرفة ما ذكرنا وتكلم عند النظر وبحاجة الخصوم بيا ينكره‬ ‫الخواص منهم وأهم المعرفة بذلك لأنهم ربيا وضعوا اللفظة في غير موضعها‬ ‫ونقلوا الحجة على غير جهتها" وأشار أبو سعيد الكدمي (ق‪_-٣‬۔‪)٤‬‏ إلى نفس‬ ‫النقطة ‪ ،‬وحذر من ضعفاء العقول" وأهل الجهل الذين يحكمون «بأحكام‬ ‫الخاص في موضع العام وبأحكام العام في موضع الخاص ثم ينصحنا بأن‬ ‫نحذر هذه المعاني فإنها من أصول هلاك المتعبدين والمتعلمين المجتهدين ‪»...‬‬ ‫ويرشدنا ابن خلفون (ق ‏‪ )٧٢‬إلى أهمية أصول الفقه وعدم إمكانية الاستغناء‬ ‫_ ‪_ ٢٠٨‬‬ ‫عنه إذ يرى أن الفقه لا يحل لأحد دون العلم بأصوله‪ ،‬وبنيانه على أساسه‬ ‫ومعرفة أدلته ‪ 3‬وبراهينه من أحكام الخطاب من العموم والخصوص والأوامر‬ ‫والنواهي ‪ ،‬والمفسر والمجمل‪ ،‬والنص والمحتمل تشهد هذه النصوص بيا لا‬ ‫يدع مجالا للشك أن الإباضية أقاموا فقههم منذ البداية على قواعد متينة‬ ‫وفق خطة تشريعية مضبوطة وواضحة & خلافا للمزاعم التي تنكر أن تكون‬ ‫للإباضية خطة تشريعية ما‪ .‬ومن الوجهة الفعلية بعد أن ثبت أن للإباضية‬ ‫ثروة فقهية أصيلة‪ ،‬من عهد الإمام جابر بن زيد إلى يوم الناس هذا لم يعد‬ ‫مقبولا أن تكون هذه الثروة من الأحكام قائمة على مجرد الهوى ‪ ،‬وإنما قامت©‬ ‫كيا هو الحال مع غيرهم" على أصول وقواعد قيدوا بها أنفسهم فلهم يخرجوا‬ ‫عن حدودها‪ ،‬بدليل اتحاد أحكام المسائل عند تساويها ي المناط والحكمة!‬ ‫نشأة أصول الفقه الإباضي وتدوينه‪:‬‬ ‫من المتفق عليه أن علم أصول الفقه الإسلامي لم ينشأ مع ظهور رسالة‬ ‫الشافعي ‪ ،‬وأن المجتهدين قبله © وإن لم يدونوا مذكرات وافية عن خططهم‬ ‫التشريعية ‪ 0‬كانت لهم طرقهم في الإستنباط «وأن مناهج البحث والنظر في‬ ‫المسائل الفقهية لم تعرف إلا من خلال المناظرات التي كانت تدور بين الأئمة‬ ‫المجتهدين وبين أتباعهم من بعدهم ‪ ..‬ففي سبيل الدفاع عن الرأي والذود‬ ‫عن المذهب ‪ ،‬كان المجتهد يعرض رأيه الفقهي‪ ،‬ويؤيده بالحجج‪ .‬ويقويه‬ ‫بالأدلة‪ .‬ويعلل له بالحكم والمصالح التي تترتب عليه‪ ،‬ثم يناقش رأي‬ ‫المخالف ‪ ،‬ويفند أدلته وينقض العلل ويبطل الحكم التي بني عليها‪ ...‬ولقد‬ ‫ساعد ذلك أصحاب الأئمة المجتهدين في التعرف على أصولهم وأدلتهم ثم‬ ‫التخريج على الأحكام التي استنبطوها من هذه الأدلة والأصول»‪ .‬ولكن قبل‬ ‫‪_ ٢٠٩‬‬ ‫أن نصل إلى عصر الأئمة يجدربنا أن نتعرف على أصول التشريع في مرحلتها‬ ‫الأولى _ فقد كان رسول الله (يلة) _ إذا سثل عن مسألة " أوجدت حادثة‬ ‫تقتضي حكي امن الشارع ينتظر الوحي السياوي ‪ ،‬فإن نزل بالمراد كان بها وإلا‬ ‫كان هذا إيذانا من الله بأنه وكل إلى رسوله أن ينطق بالتشريع اللازم‪ .‬ومعلوم‬ ‫أنه لا ينطق عن الهوى‪ .‬وأحيانا أخرى كان الرسول يجتهد في الحكم ثم يصدر‬ ‫رأيه؛ وهنا لا يقره الله على هذا الرأي إلا إذا كان صواباك على أن الرسول كان‬ ‫في هذا الإجتهاد يستلهم طبعا ما نزل من قانون الله وشريعته مع تقدير‬ ‫للمصلحة‪٤..‬‏ وكان الصحابة من بعده «يفتون بالنصوص التي يفهمونها‬ ‫بملكتهم العربية السليمة من غير حاجة إلى قواعد لغوية يهتدون بها إلى فهم‬ ‫النصوص ويستنبطون فييا لا نص فيه بملكتهم التشريعية التي ركزت في‬ ‫نفوسهم من صحبتهم الرسول ووقوفهم على أسباب نزول الآيات وورود‬ ‫الأحاديث وفهم مقاصد الشرع‪ .‬ومبادىء التشريع ‪ »...‬واصل التابعون هذا‬ ‫المنهج‪ .‬وقد كان جابر بن زيد ‪ ،‬إمام المذهب أحد هؤلاء التابعين ‪ .‬وقد كان‬ ‫حدثا كبيرا حصل على معرفة واسعة بالسنة النبوية © وأقول الصحابة في‬ ‫المسائل الشرعية ‪ .‬فإنه كان يرى أن أي حكم شرعي يجب أن يعتمد أساسا‬ ‫إما على القرآن أو السنة أآوراء الصحابة وفي مرتبة أخيرة الإجتهاد بالرأي‪.‬‬ ‫لقد صرح الإمام جابر بأن «كل أمر يعارض السنة فهو مردود» وأن «كل‬ ‫أمر من أمور الناس لا يوافق السنة لا يكون صحيحا وحقاًا ‪ .‬وهو بذلك قد‬ ‫استجاب لنصيحة شيخه عبدالله بن عمر حين راه يطوف بالكعبة فقال له «يا‬ ‫جابر إنك من فقهاء البصرة } وأنك تستفتى‪ ،‬فلا تفتين إلا بقرآن ناطق ‪ ،‬أو‬ ‫سنة ماضية ‪ ،‬فإنك إن فعلت غير ذلك فقد هلكت وأهلك؛‪ .‬وبما يجعل هذا‬ ‫الفقيه البصري معتمدا على الحديث في استنباطه للأحكام‪ ،‬حتى لكأنه من‬ ‫‪_ ٢١٠‬‬ ‫فقهاء الحديث & أنه يعتبر «من أئمة السنة في البصرة بلا منازع‪ ،‬وقد وثقه جميع‬ ‫علياء الحديث وأجمعوا على ضبطه وعدالته‪ ،‬بل يعتبر من رجال أصح الأسانيد‬ ‫بالرغم مما حام حوله من «تهمة' الإباضية‪.‬‬ ‫وقد روى أبو عبيدة عن جابر بن زيد قوله‪« :‬أدركت ناسا من الصحابة‬ ‫أكثر فتياهم حديث النبي () » وقد أثبتت كتب السنة أن الإمام أبا‬ ‫الشعثاء خصص عاما من حياته لمجاورة القبر النبوي الشريف© اتصل خلاله‬ ‫بعلماء الحجاز ‪ 3‬وحملة السنة راوياً ومرويا عنه‪...‬‬ ‫وإلى جانب هذا الاهتمام بالقرآن والسنة‪ ،‬فإن الإمام جابر بن زيد‬ ‫باعتباره من أهل البصرة } وأحد كبار فقهائها‪ ،‬لابد له من أن يساير بدرجة‬ ‫ماك التيار السائد في العراق © فقد نقل عنه أنه كان يقول بالرأي‪ ،‬وأنه قائنلس‬ ‫على الأصول مالم يجد فيه نصاء إلا أن الإمام لم يكن ليقدم رأيه الشخصي على‬ ‫آراء الصحابة وفتاويهم‪ .‬فقد كتب لبعض أصحابه أن «رأي الذين كانوا قبلنا‬ ‫خير من رأينا ‪ .‬وفي رسالة أخرى يذكر أنه «ليس من ذلك «الأمحكام‬ ‫الشرعية» شىء إلا ما يروي الناس عن الناس وأما من رأي عندنا فنحن في‬ ‫ذلك أنقص رأيا" ‪ .‬وفي ختام هذه الكلمة الموجزة يمكن ملاحظة أن المذهب‬ ‫الفقهي الذي أقامه الإمام جابر بن زيد قد اعتمد إلى حد بعيد على السنة‬ ‫النبوية‪ .‬إلى جانب الرأي ‪ .‬فكان يمر متدرجا من القرآن والسنة والرأي‪ ،‬ولا‬ ‫يلجأ إلى هذا الأخير إلا عند عدم النص‪.‬‬ ‫واصل تلاميذ الإمام جابر منهجه في استنباط الأأحكام للحوادث‬ ‫المستجدة‪ ،‬واجتهدوا في فهم النظرية الأصولية التي حدد عناصرها الإمام‪،‬‬ ‫وقد حاولوا فهم قصده من الرأي إن كان يعني به القياس أو الإستحسان أو‬ ‫المصلحة ونحو ذلك من أصول التشريع التي تقوم على الفكر والنظر أم كان‬ ‫‪_ ٢١١‬‬ ‫يقصد من الرأي فهم النص فقط؟‬ ‫إننا نجد أبا عبيده وتلميذه الربيع يقفان موقف غير المطمئن من موضوع‬ ‫القياس خلافا لتلميذه الثاني عبدالله بن عبدالعزيز الذي يظهر ميلا إلى هذا‬ ‫النوع من طرق الإستنباط ‪ .‬ولعل العوامل الجديدة التي وقعت بعد الإمام‬ ‫جابر كانت وراء هذا التباين في المواقف‪ .‬فقد ظهر الوضع في حديث رسول‬ ‫الله الذي لم يدون بعد التدوين الكامل الصحيح‪ .‬بحيث يمكن من استنباط‬ ‫القواعد الأصولية والفقهية العامة لتدرج تحتها الحوادث غير المتناهية‪ ،‬فأصبح‬ ‫أهل العراق خاصة لا يتوسعون كثيرا ني استعيال الحديث وإنما توسعوا في‬ ‫استعيال الرأي‪ .‬ومهيا يكن من خلاف في هذه المسألة ‪ ،‬فإن توجيهات الإمام‬ ‫جابر كانت ملزمة للجميع‪ .‬والكل يرى أن ما ذهب إليه هو رأي الإمام نفسه‪.‬‬ ‫( ¡) أصول الفقه في المشرق‬ ‫ينبغي آن نشير منذ البدء إلى أن الاباضية لم يشاركوا في المعركة الكلامية‬ ‫التي دارت حول أول من صنف في أصول الفقه‪ .‬فقد صرح السالمي بأنه‪:‬‬ ‫«على طريقة الصدر الأول من الصحابة والتابعين قد جرى جل سلفنا من‬ ‫أهل عيان فتراهم يحكمون بالخاص في موضع الخصوص وبالعام في موضع‬ ‫العموم وبالمطلق في موضع الإطلاق وبالمقيد في موضع التقييد وهكذا من‬ ‫غير أن يذكروا نفس العبارات التي اصطلح عليها أهل الفن‪ ...‬والشيخ‬ ‫بكلامه هذا قد عبر عن تأخر التدوين في علم أصول الفقه عند الإباضية‪.‬‬ ‫ولعل السبب وراء ذلك أن الإباضية في القرون الأولى‪ ،‬لم يكونوا من الذين‬ ‫يحفلون كثيراً بتنظير العلوم وتقنينهاء إذ أن طبيعة فكرهم التطبيق والعمل‪.‬‬ ‫ولكن مع مرور الأيام فقد الفقهاء «ذلك الذكاء القوي والفطنة الواقدة‬ ‫‪٢١٢‬‬ ‫اللذين يتوصل بهيا إلى وضع الأشياء ني مواضعها‪ ،‬ويتعذر عليهم الوصول إلى‬ ‫استباط الأحكام من أدلتها إلا بعد معرفة اصطلاحات الفنك وممارسة قواعدهء‬ ‫وضبط علله وقوادحه إجمالا وتفصيلا‪ »...‬ونتيجة لكل ذلك اضطر الفقهاء‬ ‫إلى تدوين أصول الفقه‪.‬‬ ‫إننا لا نعرف شيئا عن أول كتابة في أصول الفقه الإباضي‪ ،‬ولا عن‬ ‫تاريخها‪ ،‬وأن أقدم نص وصلنا في ذلك هو ما جاء من مسائل أصولية في جامع‬ ‫ابن بركة (ق‪.)٤_٣‬‏ وهذا يجعلنا نتساءل هل أن هذا الكتاب هو حقا أول‬ ‫المدونات الأصولية في المذهب الإباضى؟ وبذلك يكون قد تأخر التأليفث في‬ ‫هذا الفن قرنا كاملا بالنسبة لما عند الآخرين‪ ،‬إنني أميل إلى الإجابة بالنفي ‪.‬‬ ‫فجامع ابن بركة لم يكن أول مؤلف إباضي في أصول الفقه لأسباب عدة‪:‬‬ ‫‏‪ _ ١‬مستوى الكتاب من حيث الشكل والمضمون مستوى عال لا‬ ‫يتناسب مع بداية التأليف‪ .‬كيا أنه تعرض لأغلب المسائل الأصولية مما يوحي‬ ‫بأن ابن بركة قد استفاد من مجهود مَنْ سبقه من الفقهاء الأصوليين‪.‬‬ ‫‏‪ _ ٢‬قد أشار ابن بركة نفسه إلى أنه اعتمد في استنباط الأأحكام على‬ ‫«ماذهب إليه شيوخنا والأشبه بأصول أئمتنا‪ .‬ففي هذا الكلام ما يوحي‬ ‫بوجود أصول مدونة‪ ،‬اتفقوا على الرجوع إليها في استنباط الأأحكام‪.‬‬ ‫‪٢‬عدم‏ احتيال أن يكون صاحب الجامع قد استعار هذه المباحث من‬ ‫غير كتب المذهب لاعتبارات عدة أمها نفسية‪ .‬فهو كثيرا ما يشير إلى‬ ‫استقلالية المذهب في التفكير والبحث‪ ،‬ويرد كل ما يوهم بالتبعية التي قد‬ ‫يقع فيها بعضهم إلا أن هذا الإستنتاج لايعني بالضرورة عدم استفادته من‬ ‫نتائج أعيال الآخرين فإن ذلك حقيقة يفرضها تطور العلوم بسبب الاحتكاك‬ ‫الفكري بالغير‬ ‫‪_ ٢١٣‬‬ ‫‏‪ ٤‬إن الكتب السابقة عن عصر ابن بركة حافلة بالمسائل الأصولية‬ ‫ففي السير و الجوابات لعلاء عيان وأئمتها‪ ،‬نجد الشيء الكثير من ذلك‪ .‬فقد‬ ‫ذكر أبو المؤثر الصلت بن خميس في رسالة وجهها إلى أبي جابر محمد بن جعفر‬ ‫قال فيها معاتبا له‪« :‬فلا بكتاب الله حكمتم ولا بسنة نبيه اقتديتم‪ .‬ولا باثار‬ ‫أنمة المسلمين أخذتم! ونلاحظ من خلال الرسالة كثرة التصريح‬ ‫بالمصطلحات الأصولية كالفريضة والنافلة ونحو ذلكث والإشارة إلى القياس‬ ‫والإجماع‪.‬‬ ‫وني سيرة تنسب إلى أبي قحطان نعثر على مسائل أصولية عدة كالنسخ‬ ‫مثلاً؛ فقد كتب صاحب الرسالة‪« :‬القرآن ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه‬ ‫ومقدم ومؤخر وحلال وحرام‪ ...‬وكذلك حديث النبي (يَلة) ‪ ...‬فكان رسول‬ ‫الله ۔ (يية)۔ يأخذ مما أحدث النه إليه‘ ويعمل به والمسلمون يتبعونه‪ ،‬وناظرون‬ ‫لما يأمرهم به النبي (يَلة) ‪ .‬فيأخذون من أمره بالحدث‪ .‬وهو في كل مرة يقيم‬ ‫الدليل من القرآن والسنة على الأصول التي يوردها‪.‬‬ ‫وني رسالة لأبي الحواري حمد بن الحواري بعث بها إلى أهمل حضرموت‬ ‫جملة من الأصول الفقهية نجد فيها الحديث عن النسخ‪ ،‬ومنزلة السنة من‬ ‫الكتاب والإجماع‪ ،‬واختصاص النبي (يَلة)‪ .‬ببعض الأحكام وتخصيص‬ ‫المسلمين ببعضها‪ .‬وأشار صاحب الرسالة إلى موضوع القياس والرأي‪ .‬وفي‬ ‫هذا الإطار الزمني الذي نتحدث عنه يحدد ابن جعفر أصول الشريعة في قوله‪:‬‬ ‫«ليس لأحد أن يضع حدا يوجب بوضعه في الشريعة حكيا الا أن يتولى وضعه‬ ‫كتاب ناطق أو سنة ينقلها صادق عن صادق أو يتفق على ذلك علياء أمة‬ ‫محمد (يَلة) » ويذكر في موضع آخر «أنه قيل خطأ العالم الذي يجوز له أن‬ ‫يفتي بالرأي مرفوع عنه‪ ،‬وصوابه مأجور عليه‪ ،‬ولا يسع أحدا أن يفتي بالرأي‬ ‫‪٢١٤‬‬ ‫إلا من علم ماني كتاب الله وسنة نبيه ‪ 0‬وآثار أئمة العدل ‪ ،‬وقيل من أفتى برأيه‬ ‫فأخطأ وليس هو ممن يجوز له الرأي ضمن إن أخطأ ‪ .‬وليس للحاكم أن‬ ‫يتخير من الرأي إلا ما يرى أنه صواب‪ ،‬ويرجو أنه أقرب إلى الحق فأماما لم‬ ‫يعلم فيسعه أن يأخذ بيا أراد من آراء الفقهاء"‪ .‬وفي رسالة لمحبوب بن الرحيل‬ ‫(ق ‏‪ )٣_٦٢‬بعث بها إلى أهل عيان في أمر هارون بن اليمان تعرض فيها صاحبها‬ ‫لمسائل أصولية‪ ،‬فأنكر القول بالقياس وآخذ هارون بن اليمان لقوله به «إونما‬ ‫يتبع هارون القياس وليس في دين المسلمين قياس وإنما هو كتاب الله وسنة‬ ‫نبيه (َلِة) وآثار المسلمين تتبع ويؤخذ بها ويقتدى بها‪ .‬وكان أبو عبيدة يقول‬ ‫من ذهب في القياس ذهب في الدمارا إن في هذه النصوص الراجعة إلى القرن‬ ‫اللالث‘ من بدايته‪ ،‬ما يكفي لإثبات المساهمة الإباضية المبكرة‪ ،‬في علم‬ ‫أصول الفقه‪ ،‬وأن هذه النصوص ماهي إلا بدايات للتأليف الأصولي‪٬‬فقد‏‬ ‫جاءت عرضا في سياق الحديث عن مواضيع شتى ولكنها لكثرتها‪ ،‬تغطي أهم‬ ‫المواضيع الأصولية‪ .‬لقد استفاد ابن بركة من هذه الرسائل والآراء الأصولية‬ ‫الموزعة هنا وهناك وأضاف إليها من ملاحظاته‪ ،‬ومما عند الآخرين ثم حررها‬ ‫مسائل في الصورة التي وصلت إلينا‪.‬‬ ‫ومن الجدير بالملاحظة أن كتاب هالجامع! في صورته المطبوعة يبدو أنه‬ ‫بعيد بعض البعد عن الصورة الأصلية التي تركها لنا صاحبه‪ .‬ففيه بعض‬ ‫النقص وسقوط بعض المسائل ذكرتها كتب جاءت بعده ونسبتها إليه‪ .‬ثم إن‬ ‫كتابهالجامع" ليس كتابا أصوليا صرفا وإنيا هو في الفروع أساساء حلاه ابن‬ ‫بركة بأهم المسائل الأصولية ‪ ،‬وبحثها بيا يدل على عمق تفكيره وسعة اطلاعه‪.‬‬ ‫ولم يأت بهذه المباحث مرتبة الترتيب المألوف‪ ،‬وإنما جاءت على غير نظام‬ ‫حسب ما يستدعيه المقام‪ .‬وليس مستبعدا أن يكون الشيخ قد ترك كتابه في‬ ‫‪_ ٢١٥‬‬ ‫شكل رسائل جمعت بعد وفاته ‪ ،‬فكثيرا مااينهي بحث المسألة بما يدل على‬ ‫استقلاليتها ني التأليف مثل عبارة «والله نسأله العصمة والتوفيق" أو يبدؤها‬ ‫بعبارة «بسم اله الرحمن الرحيم!‪.‬‬ ‫من المفروض أن نجد بعد جامع ابن بركة مؤلفات مستقلة في أصول‬ ‫الفقه‪ ،‬تواصل هذا الجهد وتعمق هذا العلم‪ .‬وتضيف الكثير إلى ما كتب‬ ‫صاحب الجامع‪ .‬إلا أنه ورغم وفرة التآليف في الفروع‪ ،‬اكتفى الذين جاؤوا‬ ‫من بعده بالنقل عنه صراحة ك وألفوا أن يخصصوا جانبا من الجزء الأول‬ ‫مباحث أصول الفقه‪ .‬فجاء أكثرها منقولا عن ابن بركة‪ ،‬مع إضافات قليلة‬ ‫ولكنها ذات قيمة إلا أنها لا ترقى إلى التأليف الأصولي بأتم معنى الكلمة‪.‬‬ ‫وهذه الملاحظة أعني النقل نجدها عند الكدمي (ق‪)٤‬‏ وفني بيان الشرع‬ ‫والمصنف (ق‪)٦‬‏ والبصيرة للأصم (ق‪)٦‬‏ أيضا وفي منهج الطالبين للشقصي‬ ‫(ق‪)١٠‬‏ ومكنون الخزائن للبشري (ق‪١٢‬‏ _ ‏‪ )١٣‬وقاموس الشريعة للشيخ‬ ‫السعدي (ق‪)١٣‬‏ مرورا بمن لم نذكر من فقهاء القرن السابع والثامن والتاسع‪.‬‬ ‫وإلى جانب هذه النقول‪ ،‬والزيادات المحدودة‪ ،‬نجد في كتب السير‬ ‫إشارات إلى تآليف أصولية مثل «الوجيد في نقد التقليد" لإبن النظر في‬ ‫مجلدين؛ لم تسمح الظروف التي مرت بها عيمان أيام النباهنة‪ ،‬أن يصل إلينا‪.‬‬ ‫ولا يستبعد فقدان مؤلفات أخرى لنفس تلك الأسباب‪.‬‬ ‫ب ۔ أصول الفقه ق ‏‪ ١‬مغرب‪:‬‬ ‫بعد أن تحدثنا عن المجهود الأصولي عند إباضية المشرق فإنه يجدربنا أن‬ ‫نعطي لمحة عيا بذل من جهد عند إباضية المغرب حتى تكتمل الصورةء‬ ‫فنتبين عناصر الإتفاق والإختلاف بين هؤلاء وأولئك‪.‬‬ ‫‪_ ٢١٦‬‬ ‫كثيرا ماحدثتنا كتب السير عن فقهاء أصوليين قبل القرن السادس‬ ‫ولكن للأسف لم تذكر لنا شيئا عن التأليف الأصولي خلافا لكتب الفروع‪.‬‬ ‫والجدير بالملاحظة أن هذا النقص في هذا النوع من الكتابة‪ ،‬في شيال أفريقياء‬ ‫ليس خاصا بالاإباضية وحدهم & وانما هو ظاهرة عامة‪ ،‬نجدها عند المالكية‬ ‫أيضاءً بالرغم مما كانوا يتمتعون به من إمكانيات الاتصال والإطلاع على ما‬ ‫يجري في المشرق‪.‬‬ ‫إن المؤلفات الفقهية كافية لإعطائنا فكرة واضحة عن الأصول التشريعية‬ ‫المعتمدة لدى فقهاء المذهب‪ ،‬وفي كيفية التعامل مع هذه الأصول‪ .‬ففي ديوان‬ ‫الأشياخ (ق‪)٤‬‏ على سبيل المثال‪ ،‬تعرض المؤلف لمسائل الإستثناء‪ ،‬فتحدث‬ ‫عن جواز الإستشاء من الشيء مالم يستثن منه أكثر من النصفت© وعدم جواز‬ ‫الاستثناء من غير الجنس ‪ ...‬وقبل هذا التاريخ‪ .‬أي منذ القرن الثالث بدأت‬ ‫الأفكار الأصولية ‪ ،‬عند إباضية المقربؤ تتبلور‪ 6‬وتدون & فقد نقل ابن سلام‬ ‫(ق‪)٢‬‏ ‪« :‬أن القاضي والمفتي لا ينبغي أن يستعمل على القضاء إلا الموثوق به‪،‬‬ ‫في مثل صفة الإمام في صلاحه وورعه وفقهه وفهمه وعقله وعلمه بالكتاب‬ ‫والسنة والآثار ووجه الفقه الذي يؤخذ منه القياس والرأي والقضاء فإنه لا‬ ‫يستقيم أن يكون صاحب رأي ليس له علم بالسنة والآثار والأمحاديث‪.٤‬‏‬ ‫وفني هذا السياق ‪ ،‬نقل أن أبا الخير الوارجلاني‪ ،‬من كبار علياء القرن‬ ‫الرابع‪ ،‬كان صاحب أقوال مشهورة في أصول الفقه‪ .‬وذكر الشياخي في سيره‬ ‫أنه نقل أن عمروس بن فتح (ق‪)٣‬‏ هم وعزم أن يفرز مسائل الفروع فيبين ما‬ ‫استخرج من الكتاب وما استنبط من السنة‪ ،‬وما كان من الإجماع فيرد كل‬ ‫شىء إلى أصله إلا أن المنية عاجلته قبل أن يحقق أمنيته فحرمنا تأليفا‪ ،‬كان‬ ‫يمكن أن يكون نموذجا في التأليف الفقهي والأصولي‪.‬‬ ‫‪٢١٧‬‬ ‫أما في ما يتعلق بالتأليف المتكامل في أصول الفقه‪ ،‬فقد أشارت بعض‬ ‫المصادر إلى كتاب الأدلة والبيان للشيخ تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ ،‬من‬ ‫علياء القرنين الخامس والسادس على أنه كتاب في أصول الفقه ‪ ،‬وبعد‬ ‫البحث تبين لنا أتته في أصول الدين‪ .‬ولعل فقد انه من أغلب المكتبات‬ ‫وكذلك عنوانه «الأدلة» أوقع هؤلاء الناقلين في هذا الوهم‪.‬‬ ‫لقد احتفظ لنا القرن الخامس الهجري بكتاب «التحف المخزونة‬ ‫والجواهر المصونة" لأبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي‪ ،‬وهو كتاب في أصول‬ ‫الدين‪ ،‬إلا أنه تعرض فيه إلى مبحث الاجتهاد‪ ،‬وهو موضوع أصولي؛ ففصل‬ ‫فيه الحديث‪ ،‬وبين شروط الاجتهاد & ومسألة الإصابة في الاجتهاد والخطإ‬ ‫ووحدة الحق وتعدده ‪ ...‬وهو عمل لا يقل عمقا عيها كتب في المشرق في القرن‬ ‫الخامس فكان مجهودا يوحي بتجذر الفكر الأصولي عند علياء ذلك العصر‪.‬‬ ‫ومع ذلك كله فإن كتاب «السؤالات» لأي عمرو عثيان بن خليفة السوفي‬ ‫(ق‪)٦_٥‬‏ يظل إلى حد الآن ‪ ،‬أقدم كتاب يضم جانبا كبيراً من مسائل أصول‬ ‫الفقه‪ .‬فقد عرف بجملة من المصطلحات والمسائل والأصولية‪ ،‬فتحدث عن‬ ‫النص والمحتمل » والمحكم والمتشابه والسبب والشرط‪ ،‬ودخول النساء في‬ ‫عموم خطاب الرجال ‪ ،‬والأمر والنهي وأحكامها‪ .‬ويذهب المارغني إلى المقارنة‬ ‫مع المذاهب الأخرى ويشير إلى الموافقة والمخالفة لما عند الإباضية‪ .‬وبدراسة‬ ‫هذه المسائل نجد صاحب الكتاب لا يقل عن كثير من كبار الأصوليين ‪،‬‬ ‫تعمقا وتوسعا واستدلالا‪ .‬ويقودنا هذا الإستنتاج إلى الاعتقاد في أن مؤلفات‬ ‫إباضية سبقت هالسؤالات! اعتمدها المارغني فيتحرير مسائله الأصولية‪.‬‬ ‫بالإضافة إلى كتب غير إباضية‪.‬‬ ‫‪_ ٢١٨‬‬ ‫من الآذار الأصولية‪:‬‬ ‫‏‪- ١‬ااعدل والإنصاف للوازجلاني‪ :‬عرض وملاحظات‪.‬‬ ‫في النصف الثاني من القرن السادس يؤلف أبو يعقوب يوسف بن‬ ‫إبراهيم الوارجلاني كتابه «العدل والإنصاف في معرفة أصول الفقه والاختلاف'‪.‬‬ ‫وهو يعد بحق إلى حد الآن أول كتاب إباضي متكامل وصلنا في هذا الفن‪ ،‬في‬ ‫المشرق والمغرب‪ .‬ويبدو أن أبا يعقوب لاحظ هذا النقص في تآليف أهل‬ ‫الملذهب_ خاصة بعد أن زار قرطبة‪ ،‬واطلع على ما عند عليا ثها‪ ،‬فأراد ملأ هذا‬ ‫الفراغ‪ .‬فألف كتابه هذاء معتمدا في ذلك على ما كتبه الإباضية في المشرق‬ ‫والمغرب في الأصول والفروع‪ .‬فقد وصله جامع ابن بركة واطلع عليه‘ وصرح‬ ‫بالنقل عنه؛ كيا أنه لا يستبعد أن يكون قد وصله غير كتاب ابن بركة هذا‪.‬‬ ‫وقد استفاد إلى جانب ذلك من كتب المذاهب الأأخرى‪ ،‬وتعرف على ما عند‬ ‫أصحاب الآراء الأصولية الكبرى‪ ،‬وما وقع فيها من خلاف‪ .‬وذكر آراء كبار‬ ‫العلماء الذين تركوا بصي تهم على أصول الفقه بيا تفردوا به من أقوال‪ .‬ونظرفي‬ ‫كل ذلك بعين فاحصة وباستقلال في الرأي‪ ،‬قوامه ثقافة فقهية إباضية‬ ‫واسعة‪ .‬وكان في كل مرة يبرز آراء المذهب ومواقفه‪ .‬ولأهمية هذا المؤلف ‪ ،‬كان‬ ‫لزاما علينا أن نعرف به‪ ،‬وبمنهج صاحبه في التأليف وبمكانته‪ ،‬فهو كيا يبدو‬ ‫من العنوان يبحث في أصول الفقه والاختلاف‪ .‬فإذا كان الشطر الأول من‬ ‫العنوان واضحا فإن الشطر الثاني ليس كذلك إذ المعروف ‪ ،‬عند علياء‬ ‫التشريع الإسلامي أن علم الخلاف هو علم يعرف به كيفية إيراد الحجج‬ ‫الشرعية ودفع الشبه وقوادح الأدلة الخلافية في الفقه بإيراد البراهين القطعية‬ ‫إلا أن الشيخ الوارجلاني لم يقصد هذا المعنى ولا علاقة لمراده وقصده بمسائل‬ ‫التشريع وقضايا الفقه‪ ،‬وإنيا قصد المسائل الإعتقادية والسياسية الكبرى التي‬ ‫_ ‪_ ٢١٩‬‬ ‫كانت موضوعا للجدل بين الاتجاهات الفكرية السياسية لدى المسلمين فترة‬ ‫طويلة من الزمن‪ .‬فتكلم عن أحكام الفننة واختلاف الناس فيها‪ ،‬وفي‬ ‫الخروج على السلاطين الجورة وتولي أعمالهم‪ .‬ودفع العشور والزكوات إليهم‪،‬‬ ‫وأحكام البيعة ونكث الصفقة‪ ،‬والإقامة تحت الظلمة ‪ ...‬وهو من خلال‬ ‫طرحه لمثل هذه المواضيع أراد أن يضبط المواقف السياسية في الفكر الإباضي‪.‬‬ ‫أما ني ما يتعلق بالمسائل العقدية } فقد تحدث عن الاختلاف في الخروج‬ ‫عن الأمة والاختلاف ني الإسلام والدين والكفر والنفاق والشرك والبدعة‬ ‫والضلالة واختلاف الناس في القرآن ‪ ...‬وربط هذه القضايا بمسألة‬ ‫الاجتهادك وكون المصيب فيها محقا والمخطىء هالكاً‪...‬‬ ‫سوف لن أنظر في هذا الجانب من الكتاب لأنه لا علاقة له بأصول‬ ‫الفقه‪ ،‬والوارجلاني بصنيعه هذا‪ ،‬قد جمع كتابين في كتاب واحد حاول أن‬ ‫يربط بين موضوعيهيا‪ ،‬من خلال مبحث «الأقسام والوجوه التي يجوز فيها‬ ‫الرأي والإجتهاد‪ ،‬ويسيغ فيها الإختلاف غير النوازل! ‪.‬‬ ‫يمكن أن أقسم كتاب العدل والإنصاف إلى ما يلي‪:‬‬ ‫‏‪ ١‬مقدمة تعرض فيها إلى دواعي التأليف في هذا الموضوع بالذات دون‬ ‫غيره ‪ 0‬وضبط قواعد البحث العلمي الموضوعي كيا يراهاء وحذر من آفات‬ ‫كثيرا ما يقع فيها العلماء حين البحث‪ .‬ثم ختم مقدمته ببسط جملة مآنداب‬ ‫تلقي العلم تكمن قمتها في‪« :‬التقوى وإخلاص النية لله تعالى وقبول الحق‬ ‫بقطع النظر عن صاحبه والابتعاد عن المجادلة إلا بالتى هى أحسن ومراعاة‬ ‫والإنصاف مع الخصم‪.. .‬‬ ‫العدل‬ ‫‏‪ _ ٢‬الأبواب التمهيدية‪ :‬تعرض المؤلف إثر المقدمة لأبواب تمهيدية‬ ‫تتعلق بأقسام العلوم وطرق المعرفة ووسائلها ‪ 5‬ومسألة العقل والروح وأثر‬ ‫‪_ ٢٢٠‬‬ ‫ذلك في عملية التفكير وبحث في موضوع النظر طبيعته وأقسامه ووجوبه‪٥‬‏‬ ‫والاختلاف الواقع فيه بين المدارس الكلامية‪ .‬وموضوع أحكام الخطاب‬ ‫والأفعال وأبواب الكلام والمباحث اللغوية‪.‬‬ ‫‏‪ _ ٣‬الأبواب الرئيسية‪ :‬تعرض الوارجلاني لجل مسائل أصول الفقه التي‬ ‫اعتاد الأصوليون بحثها‪.‬ونظرة سريعة في فهرس الكتاب تبين لنا ذلك‪.‬‬ ‫لم تأت هذه الأبواب مرتبة كيا هو متعارف عليه بل كثيرا ما يدخل‬ ‫مواضيع كلامية مع المباحث الأصولية بمجرد العلاقة البسيطة\ فعند حديثه‬ ‫عن الأمر والنهي مثلا تطرق إلى مسألة التبليغ والتكليف وحجة الله على‬ ‫الناس وأنواع الرسالات وطرقها ‪ ،‬ثم يربط بها مسألة حكم الأشياء قبل ورود‬ ‫الشرع‪ ،‬ثم يعود إلى الأمر ‪ 0‬ويبحث مسائله ‪ ،‬ليعود ثانية إلى موضوع تكليف‬ ‫الكفار بالفروع ثم يعود مرة أخرى إلى أحكام الأمر ينتهي عند النهي وأحكامه‬ ‫ومسائله الأصلية و العارضة‪.‬‬ ‫وني مباحث الألفاظ تحدث صاحب الكتاب عن الظاهر والباطن‬ ‫والمحكم والمتشابه من حيث التفريق واختلاف آراء العلياء فيها © ثم يعقد‬ ‫فصلا لعقائد الباطنية وعوامل ظهورها وبعض أخبارها‪ ،‬وتحدث عن الظاهر‬ ‫وعلاقته بأهل التشبيه وأنهى بذلك الجزء الأول من الكتاب‪.‬‬ ‫بدا الجزء الثاني بالحديث عن العام والخاص والتخصيص وتعرض‬ ‫لمعظم مباحثها المعهودة وأحكام مسائلها الفرعية‪ .‬ثم تكلم عن الأخبار وبين‬ ‫الموقف من السنة وأقسامها ومسائل التعديل والتجريح ‪ ،‬والآراء ني الصحابة‬ ‫وأثرها في رواية الحديث وأبواب الناسخ والمنسوخ والإجماع والائتلاف‬ ‫والاجتهاد والرأي الاختلاف‪ .‬فهو يرى «أن الله تعالى قد رضي بعقول هذه الأمة‬ ‫عقولاك وفوض إليهم جل دينه تفو يضا وجعل فيه النجاة إجماعا واختلافا‪،‬‬ ‫‪_ ٢٢١‬‬ ‫فالإجماع عصمة والإختلاف راحة ‪ »...‬ثم ختم بمسائل الإجماع والاجتهاد‬ ‫الجزء الثاني من الكتاب‪.‬‬ ‫وني الجزء الثالث تعرض لموضوع القياس وأقسامه ومسائله ثم أنهاه‬ ‫بالمسائل السياسية التي سبق أن تعرضنا إليها‪.‬‬ ‫منهج الكتاب ‪ :‬لقد كفانا الوارجلاني نفسه مؤونة البحث عن منهجه‬ ‫في تأليف الكتاب وعرض مادته‪ ،‬فقد فصل ذلك في ا لمقدمة © وذكر أنه «اتبع‬ ‫الطريقة الوسطى واستعمل الجواز وطرح الشواذ وسلك مسلكا قصدا بين‬ ‫الغلو والتقصير ليقرب المأخذ على المقتصد ويهون المشقة على المجتهد!‪ .‬يظهر‬ ‫من كلامه هذا أنه حاول الاستجابة لرغبة الطبقات الوسطى والعليا من‬ ‫المهتمين بالأصول‪ .‬ثم ذكر أن طريقته في استخراج الحق من الباطل «التخلص‬ ‫من الميول والأماني في انتقاء الحق والتعويل على الأصول التي اجتمعت عليها‬ ‫الأمة‪ ،‬فجعلها منارا له‪ ،‬واتخذها معياره‪ ،‬يأخذ ويعطي به وضرب العلوم‬ ‫بعضها ببعض ليخلص لك الذهب من الخبث والحض من بين الدم‬ ‫والفرث‪ .‬ووعد بعدم التقليد فيما يخالف التقييد والمنكر في الصدور والشواذ‬ ‫من الأمور والدين بين الغلو والتقصير واستعيال الحذر في مظان التهم"‪.‬‬ ‫لقد اعترف الوارجلاني بأهمية هذه القواعد" في كل بحث موضوعي‪ .‬إلا‬ ‫أنه اعترف أيضا بأنه قليا يسلم العبد من واحدة من الآفات بل جملتها‪ ،‬فالله‬ ‫هو ملاك ما اعتمد عليه‪.‬‬ ‫إذا كان المؤلف قد عرض علينا الجانب الأخلاقي في منهج التأليف©‬ ‫فإنه قد اعتني من حيث الشكل والمضمون بتقسيم المواضيع وتفريع المسائل‬ ‫وتفصيلها‪ ،‬والتمثيل لها وعرض الأقوال المختلف أدلتها ونبستها إلى أصحابها‬ ‫أحيانا‪ ،‬وبيان الصحيح عنده وذكر المختار من الأقوال ‪ .‬وفي المواضيع‬ ‫‪_ ٢٢٢‬‬ ‫الثانوية من الكتاب لجأ إلى الإختصار والإيجاز ‪.‬‬ ‫نلاحظ من خلال الكتاب أن الوارجلاني " في رحلته مع المسائل‪ ،‬كثيرا‬ ‫ما يعتمد على تداعي الأفكار وتوالدها & ويكثر من الاستطرادات مما يبعله‬ ‫يقع في التكرار وتقديم المسائل عن مواضعها‪ .‬ومن الملفت للنظر أن بعض‬ ‫أبواب الكتاب كانت في الأصل إجابات عن أسئلة وجهت إليه من ذلك‬ ‫«باب الرد على الأشعرية في مذاهبهم في صفة الباري سبحانه‪ .‬وهذا المسلك‬ ‫ليس غريبا عند الوارجلاني فكتابه الدليل والبرهان‪ .‬كان على هذا الأسلوب‪.‬‬ ‫ويبدولي أنها كانت رسائل سبق أن أجاب بها‪ ،‬فضمها إلى كتابه لما احتاج‬ ‫إليها‪.‬‬ ‫لم يشأ المؤلف أن يسلك الطريقة المألوفة في تدوين أصول الفقه‪ ،‬فبوب‬ ‫كتابه بطريقته الخاصة وتصرف في معلوماته كيا أراد لها أن تكون & ولعله أراد‬ ‫بذلك أن يعبر عن استقلاليته © في منهج التأليف وعرض العلوم تجاه المألوف©‬ ‫فجاء كتابه تبعا لذلك نمطا فريدا‪ ،‬جمع بين الأصول العقائدية والفقهية‬ ‫والسياسية فهي في نظره «كل يصعب الفصل بين أجزائه ‪ .‬فهذه الأصول أو‬ ‫تلك ما هي إلا مواقف مأخوذة من كتاب اله وسنة نبيه (يَلة) حاول العقل‬ ‫الإنساني فهمها وصياغتها‪.‬‬ ‫في ختام عرضي لكتاب «العدل والإنصاف في معرفة أصول الفقه‬ ‫والاختلاف" لأي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني أجد نفسي أمام أسئلة‬ ‫شبرة قد يطرحها القاريء الكريم‪ .‬فهل أفلح ‏‪ ١‬لمؤلف حقا في أن يقرب المأخذ‬ ‫عل المقتصدا ويهون المشقة على المجتهد ‪ ،‬وهل وفى بوعده في عدم التجني‬ ‫على الآخرين كيا جاء في مقدمته؟ وأخيرا هل كان كتابه بحق عدلاً و إنصافا؟‬ ‫إن الإجابة عن كل هذه التساؤلات المنطقية وغيرها تحتاج إلى وقت‘ وإلى‬ ‫‪_ ٢٢٢٣‬‬ ‫دراسة الكتاب دراسة متأنية ليس هذا مجالها‪ ،‬إذ أن عملنا مجرد وصف لواقع‬ ‫الكتاب وليس عملا تقييما له‪.‬‬ ‫‏‪ ٢‬۔اليحتث الصادق للبرادي‪:‬‬ ‫لم يصلنا & بعد العدل والإنصاف“ مؤلف متكامل في أصول الفقه‪٥‬‏‬ ‫ووجب أن ننتظر القرن العاشر ليؤلف أبو العباس أحمد بن سعيد الشهاخي‬ ‫«محتصر العدل" ثم يشرحه شرحا وسطا ‪ .‬وخلال هذه المدة الزمنية‪ ،‬وصلتنا‬ ‫بعض الكتابات العرضية\ من ذلك أن ابن خلفون ختم أجوبته الفقهية‬ ‫بكلمة موجزة عن أصول الفقه في خمس صفحات تعرض فيها لذكر أبواب‬ ‫هذا الفن وأهم مسائله بطريقة توحي بمعرفة المؤلف معرفة دقيقة لكل ذلك‪.‬‬ ‫وني القرن الثامن‪ ،‬يمكن اعتبار قواعد الإسلام للجيطالي والإيضاح لعامر‬ ‫الشياخي‪ ،‬وهما في الفروع‪ ،‬مصدرين للتعرف على أصول الفقه الإباضي‪ ،‬فقد‬ ‫اعتنيا بذكر أحكام المسائل الفرعية مقرونة بالدليل الشرعي ‪.‬والقواعد‬ ‫الأصولية والفقهية العامة‪ .‬ومهيا يكن من أمر فإنه لا يصح أن نتحدث من‬ ‫تأليف في أصول الفقه بكل ما في كلمة تأليف من معنى‪ ،‬حتى جاء أبو قاسم‬ ‫البرادي (ق‪)٩٨‬‏ فألف كتابه «البحث الصادق والكشف عن حقائق العدل‬ ‫والإنصاف! الذي توفاه النه قبل تمامه‪.‬‬ ‫وهذا المصنف كيا هو ظاهر من عنوانه شرح لكتاب العدل والإنصاف‬ ‫للوارجلاني" وعمل تقييمي ونقدي له؛ اعتمد فيه على نقل نص الوارجلاني‬ ‫فصلا فصلاء ومسألة مسألة‪ .‬مع المحافظة على العناوين التي وضعها المؤلف‬ ‫نفسه‪ .‬ثم ينهي نسخه بعبارة «اعلم إشعارا منه بانتهاء النقل والشروع ف‬ ‫الشرح‪.‬‬ ‫‪_ ٢٦٢٤‬‬ ‫يقوم عمل البرادي على تحديد الفكرة العامة للفصل المنقول فيحللها‬ ‫بعرض الآراء المختلفة حوفها‪ ،‬من كل المذاهب السائدة على الساحة الفكرية‬ ‫وإسناد الأقوال التي ذكرها الوارجلاني مرسلة إلى أصحابها من المذهب وغيره‪. ،‬‬ ‫والإحالة على مظانها بذكر المراجع والمصادر ‪ .‬لقد وقف البرادي موقف العالم‬ ‫النزيه فنوه بآراء الشيخ الصائبة‪ ،‬ورد أقواله التي جانبها الصواب‪ .‬فنجده‬ ‫يذكر أنه «قد سقط الشيخ في هذه العبارة» «وأجاز التكليف بلا ثواب وهو‬ ‫ليس بسديدا‪ .‬و«تفلسف الشيخ في هذا الفصل وخرج عيا هو بصددها‪.‬‬ ‫ويؤاخذ البرادي المصنف على إغراقه في مسائل علم الكلام‪ ،‬فيعلق على ذلك‬ ‫بأن «الشيخ قد خلط الخبيص با لحيس؛‪ .‬و«هذه السؤالات كلها حرية‬ ‫بأصول الديانات ومسائل الاعتقادات»‪ .‬ومن منهج البرادي المقارنة بين ما‬ ‫يورده الشيخ وما عند الآخرين كأبي حامد الغزالي مثلا‪ .‬كيا أكثر من المقارنة‬ ‫بين آراء المذهب الاباضي وآراء غيره مأخوذة من مصادرها‪ ،‬مع إقامة الأدلة‬ ‫على المواقف والآراء وبيان نقاط الاتفاق والإختلاف‪.‬‬ ‫وكا هو معروف عن البرادي من الصراحة في إعلان آرائه في أكثر‬ ‫المسائل حساسية وإشكالا من خلال كتابه «الجواهر المنتقاةا‪ ،‬فإنه قد آخذ‬ ‫الوارجلاني ‪ ،‬في كثير من النقاط وانتقد على الأصوليين عامة طرحهم لمسائل‬ ‫«لا طائل من وراء بحثها)‪ .‬لعدم الحاجة إليها واعتبرها من الترف الفكري‬ ‫ولم تمنعه سعة علمه من أن يعترف بعجزه عن فهم بعض المسائل والإجابة‬ ‫عنها «فمن عنده الجواب فليكشف الغمة ويشف الهموم" كفاه النه وشفاه!‪.‬‬ ‫إن دراسة «البحث الصادق! ومطالعته متعة عقلية تجعلك تكشف‬ ‫قواعد دراسة التراث‘ وكيفية التعامل معه وطرق النقد الهادف الذي يرمى‬ ‫إلى تقرير الصائب من الآراء وكشف الخطأ فيهاا والتمييز بين الغث‬ ‫‪_ ٢٢٥‬‬ ‫والسمين‪ .‬ولكن لا يمنعنا هذا التنويه بالكتاب أن نسجل بعض الملاحظات‬ ‫عليه تجاه كثرة الاستطراد من ناحية وإيراد الاسرائيليات في تفسير ما تعرض‬ ‫إليه المؤلف الوارجلاني من أنواع الرسالات‪ .‬ومهيا يكن من أمر فإن كتاب‬ ‫«البحث الصادق! جدير بأن يدرس دراسة مستقلة تكشف عن قيمته‬ ‫الحقيقية من حيث أنه كتاب أصولي وفكري يصور المستوى المعرفي‪ ،‬خلال‬ ‫النصف الأول من القرن التاسع الهجري‪.‬‬ ‫يتواصل العطاء الأصولي" في القرن التاسع وما بعده‪ 6‬ففي هذا التاريخ‬ ‫قدم لنا الشيخ أبو العباس أحمد بن سعيد الشياخي (ق ‏‪ ٩‬‏)‪٠١‬۔ أفضل ما‬ ‫كتبه الإباضية‪ ،‬في أصول الفقه‪ ،‬من خلال اختصاره لكتاب العدل والإنصاف‬ ‫للوارجلاني (ق ‏‪ ٦‬ها)؛ ثم شرحه فهذا المختصر في كتاب وسط هو «شرح‬ ‫ختصر العدل والإنصاف الذي يعتبر بلا منازع أتم ما قدمه الفكر الأصولي‬ ‫الإباضي ني المغرب والمشرق حتى ذلك التاريخ‪.‬‬ ‫ألف الشياخي مختصره سنة ‪٨٩٢‬ه؛‏ وبعد سنتين أقدم الشيخ على شرخه‬ ‫شرحا وافيا‪ .‬وقد يسر لي الله السبيل إلى القيام بتحقيقه تحقيقا علميا ضمن رسالة‬ ‫تقدمت بها لنيل درجة الدكتوراة (حلقة ثالثة)‪ ،‬أرجو أن تتهيأ لي أسباب طبعه‬ ‫ونشره لتعم به الفائدة‪ ،‬ويظهر إسهام أهل المذهب في علم أصول الفقه‪.‬‬ ‫سار الشياخي‪ ،‬في شرحه للمختصر على منهج واحد تقريباًك فهو يصدر‬ ‫المبحث بعبارة «قولي! ثم يورد المتن متضمنا مسألة أو مسألتين أو أكشر ثم‬ ‫يبدأ الشرح بقوله «اعلم"‪ .‬وفي ما يتعلق بشرحه وتحليله للمسائل فإنه قد‬ ‫اكتفى بالشرح اللفظي في المقدمة؛ أما ني صميم الموضوع فقد وجدته يعرض‬ ‫المسألة‪ .‬ويبين المقصود منهاء ويعدد الأقوال فيهاء وقد يأت عمله أحيانا في‬ ‫أسلوب جدلي إن قال‪ ...‬قلنا؟ قيل له‪.... :‬؛ أجيب‪...‬‬ ‫‪_ ٢٢٦‬‬ ‫جاء جمل الكتاب بلغة سهلة العبارة‪ ،‬وسطا بين الإيجاز والإطناب‪ ،‬وقد‬ ‫يعمد المؤلف أحيانا إلى لغة الاختزال‪ ،‬ويكثر من العبارات الدالة على‬ ‫الاحتصار مثل‪« :‬لا يكفي الطالب المسترشد ما ذكرته‪ ،‬بل لابد أن يطلبها ني‬ ‫الكتب المبسوطة؛؛ «فانظر بسطها في المطولاتؤ‪« ،‬وله زيادة بسط تركناه طلب‬ ‫الالحتصارا‪« ،‬والجواب كالحواب فلا نطيل!‪...‬‬ ‫لم يكن الشياخي مجرد ناقل وناسخ لما عند الآخرين وإنيا كان يجمع مادته‬ ‫العلمية ثم ينظر فيها‪ ،‬فينبت بعض ما ينقل© ويزيف البعض الاخر ويفاضل‬ ‫بين الآراء ويرجح ويصحح عن دراية وروية‪ ،‬مع إقامة الدليل في أكثر‬ ‫الأحيان‪ .‬وفي هذا السياق تعترضنا في النص عبارات مثل‪ :‬المختار وفيه نظر‬ ‫وليس بشيء‪ ،‬لا نسلم أنه مجمع عليه‪ ،‬الصحيح والأصح‪...‬‬ ‫لم يمنع الشياخي تقديره لكبار العلياء من توجيه النقد إليهم عندما يرى‬ ‫أنهم قد جانبوا الصواب في اجتهادهم" ومن أمثال تلك العبارات التي‬ ‫يستعملها‪ :‬والعجب من الغزالي مع حفظه؛ وأعجب منه ابن الحاجب‪...‬‬ ‫والسمة الأحرى في شرح المختصر الاستطراد‪ ،‬فقد تتداعى الأفكار‬ ‫المزدحمة في ذهن المؤلفؤ فيخرج عن أصل هو بصدده إلى مسألة جانبية ثم‬ ‫يعود إلى ما كان فيه من حديث إلا أن هذه الظاهرة محدودة وقليلة‪.‬‬ ‫لقد نبه الشياخي إلى أن في عمله نقصا وندب إلى إصلاحه‪ .‬فقد لاحظت‬ ‫في الكتاب شيئا من ذلك مثل استطراده في المباحث اللغوية‪ .‬والإغراق أحيانا‬ ‫في القضايا الكلامية‪ ،‬إلى جانب الضعف في ترتيب المسائل والربط بين‬ ‫الأفكار وصياغتها في بعض الأحيان‪ .‬وفي حالات نادرة يخطيء في نسبة الأقوال‬ ‫إلى أصحابها أو يختار قولا ويسكت عن دليله‪.‬‬ ‫وأنا أعتقد أن تلك الملاحظات هي استثناء ني منهج الشياخي أو هي على أقل‬ ‫‪- ٢٢٧‬‬ ‫تقدير قابلة للتبرير‪ .‬فشرح المختصر من أولى مصنفاته (‪٨٩٤‬ه)‏ ألفه بعد ست‬ ‫سنوات من كتابه «إعراب مشكل القرآنا (‪٨٨٨‬ه)‏ إضافة إلى لسان الشهاخي‬ ‫البربري‪ .‬فقد كانت العربية في بيتته لغة الخاصة وإقامة الشعائر الدينية فحسب‪ .‬أما‬ ‫خطاه في نسبة الأقوال فسببه اضطراره إلى النقل عن الآخرين لقلة المراجع‪.‬‬ ‫رغم أن الشماخي لم يشذ عن المستوى العام للتأليف الأصولي في عصره‬ ‫الذي كان في حالة ركود واجترارأ فإنه قد قام بدور المعلم في توفير مادة ميسرة‬ ‫ني فن أصول الفقه‪ ،‬ومكن طلبة المدارس الإباضية‪ ،‬من خلال كتابه أن‬ ‫يطلعوا على ما عند الآخرين في هذا الفن؛ وركز في أذهانهم فكرة التفتح على‬ ‫الغير لأن التعارف يزيل الوحشة ويبني الألفة‪ .‬والكتاب في نظري" لا يمكن‬ ‫أن يكون أقل أهمية من حيث المادة الأصولية وحسن عرضها مما كتبه غيره من‬ ‫معاصريه‪ .‬وقد أبرز الكتاب سعة أفق صاحبه ورحابة صدر واستقلاليته في‬ ‫الرأآي‪ ،‬مع عاطفة قوية والتزام بالمبد! الذي يؤمن به؛ ومن هنا نال الكتاب‬ ‫إعجاب الوسط العلمي الإباضي فاهتم به طلبة المداريس‪ ،‬وتنافسوا على‬ ‫نسخه‪ .‬واحتفى به العلماء فحشى عليه التلاتي (ق ‏‪ )١٠‬والمصعبي (ق ‏‪)١١‬‬ ‫والشيخ أطفيش (ق ‏‪ .)١٤_١٣‬وجعله الشيخ السالمي (ق ‏‪ ١٣‬‏)‪٤١‬۔ المصدر‬ ‫الثاني في تأليفه لكتابه القيم طلعة الشمس شرح شمس الأصول‪ .‬فحققوا‬ ‫بذلك أمل المؤلف في «أن يجعل له إن أنسأ الله في العمر شرحا بسيطا‬ ‫ليستوعب جميع مباحثها‪.‬‬ ‫طريقة الإباضية في التأليف الأصولي‪:‬‬ ‫من المفيد جدا فآيخر هذا البحث الموجز أن نبين المنهج الذي اتبعه علياء‬ ‫الأصول من الإباضية في تحرير مسائل هذا الفن‪ .‬إن المتصفح لأي كتاب أصولي‬ ‫‪_ ٢٢٨‬‬ ‫إباضي‪ 6‬يدرك بسهولة انتماء هذا الصنف من الكتابة الأصولية إلى منهج‬ ‫المتكلمين‪ .‬فيلاحظ فيه خصائص طريقتهم التي يغلب عليها التنظير «والاهتيام‬ ‫بتحقيق المسائل الأصولية وتنقيحها ولو كان ذلك الفا للفروع المذكورة في‬ ‫المذهب" إذ هي تقوم على تجريد قواعد الأصول عن الفقه والميل إلى الاستعمال‬ ‫العقلي ما أمكن؛ فيكتفي الأصولي بالنظر إلى الحقائق محررة دون تقليد أو تعصب‪.‬‬ ‫وقد أدخل هؤلاء الكثير من مواضيع علم الكلام لأدنى ملابسة\ فتحد ثواعن‬ ‫عصمة الأنبياء قبل النبوة‪ ،‬وعن قبح الأفعال وحسنها ومسائل التكليف‪...‬‬ ‫من الطبيعي جدا أن يكون الأصوليون الإباضيون من أصحاب هذه‬ ‫الطريقة\ إذهم متكلمون بطبيعتهمإ فلابد أن‪:‬يتأثروا بأسلوب علم الكلام‬ ‫الذي يعتمد أساسا على التنظير والتجريد العقلي‪ .‬وابن بركة‪ ،‬على سبيل‬ ‫المثال‪ ،‬كان متكلياً عارفا بأحوال الفرق الكلامية كيا يظهر من خلال كتابه‬ ‫«الموازنة»‪ .‬وكل من جاء بعده من الفقهاء كانوا يصدرون كتبهم بالمباحث‬ ‫الكلامية‪ ،‬وكان الوارجلاني متكليا ضليعا كيا يظهر من كتابه «الدليل‬ ‫والبرهان وكذلك البرادي من خلال شرحه للعدل والإنصاف‪.‬‬ ‫وأبو العباس الشهاخي بدوره كان متكلياً رفيعاً تولى الدفاع عن عقيدته‬ ‫في رده على صولة الغدامسي أو من خلال شرحه لعقيدة ابن جميع‪.‬‬ ‫إنه من الضروري أن يتسلح هؤلاء بكل ما يمكنهم من الخوض ني‬ ‫مسائل أصول الدين فيصاغ فكرهم ومنهجهم عموما بحيث يكونون‬ ‫متكلمين من الدرجة الأولى‪.‬‬ ‫‪٢٢٩‬‬ ‫‪»٥‬‬ ‫م‪‎.‬‬ ‫خا نهه‬ ‫إنه من المفيد جداء في خاتمة هذه الرحلة مع الفقه الإسلامي" أن نضع بين‬ ‫يدي القاريء الكريم جملة من الأفكار التي تلخص له أهم النتائج التي توصلنا‬ ‫إليها‪ ،‬والتى أمكننا أن نحصل عليها من خلال مطالعاتنا في طائفة من كتب‬ ‫الفقه أو ما كتب عنه من حيث النشأة والتطور والمراحل التي مر بهاء وأثر‬ ‫الأوضاع السياسية التي عرفتها الأمة عبر تاريخها الطويل فيه‪ ،‬وم نس أن نبرز‬ ‫أهم المصطلحات المتعلقة بموضوعنا من شريعة وفقه وخصائص اتصف بها‬ ‫الفقه الإسلامي من ربانية وشمول وتوازن" وجمعه بين الثبات والمرونة‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫أصالته واستقلاليته‪ ،‬وبينا دلالات تلك الخصائص وأبعادها‪ .‬وأجينا الفصل‬ ‫الأول من الكتاب بالحديث عن الأهداف التي جاء التشريع الإسلامي لتحقيقها‬ ‫في حياة الفرد والجماعة والتي تتلخص في الاهتمام بالانسان من جميع جوانبه‬ ‫الإنسان الفاعل والمؤثر باعتباره خليفة الله في الأرض أعدته لتلك الغاية عقيدة‬ ‫فاعلة‪ ،‬وإيمان بأن التشريع الذي يجب أن يلتزم به إنما هو من صنع الله الخبير‬ ‫الحكيم الذي أتقن كل شيء صنعا؛ وهو الذي أوحى بأصوله ومقاصده‪ .‬وأقامه‬ ‫على أساس تحقيق المصالح في الحال والمآل‪ ،‬وجعله تشريعا مرناً‪ ،‬يستوعب ما‬ ‫يستجد من أحداث وحوادث في كل زمان ومكان لما جعل فيه من عوامل الخلود‬ ‫فجاء تشريعا متطورا غير جامد‪ ،‬يساير المدنية ويوجهها إذا رأى منها انحرافا عن‬ ‫سبيل الرشاد دون أن يكون في ذلك إكراه إلا ني حالات نادرة تستوجبها‬ ‫المصلحة من دفع مفسدة أو جلب منفعة عامة أو خاصة\ شأنه ني ذلك شأن كل‬ ‫القوانين التي عرفها البشر مما يدخل تحت عموم قول الله تعالى ‪:‬‬ ‫‏(‪ )١‬وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خبر لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو‬ ‫شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون“؛ (البقرة ‏‪.)٢١٦‬‬ ‫_ ‪_ ٢٢٣٠‬‬ ‫(‪ )٢‬فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خبرا كثيرآيگه (النساء‪.)١٩ ‎‬‬ ‫‏(‪ )٢‬ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا‬ ‫يعلمون (الجاثية ‏‪.)١٨‬‬ ‫‏(‪ )٤‬ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن‬ ‫الظالمينكه (البقرة ‏‪.)١ ٤٥‬‬ ‫‏(‪ )٥‬وأن احكم بينهم بيا أنزل الله ولا تتبع أمواءهم واحذرهم أن‬ ‫يفتنوك عن بعض ما نزل النه إليلك»ه (المائدة ‏‪.)٤٩‬‬ ‫‏(‪ )٦‬وكذلك أنزلناه حكيا عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك‬ ‫من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق (الرعد ‏‪.)٣٧‬‬ ‫وما تقرر لدينا تأكيد التشريع الإسلامي على أن لكل حادثة حكياً‪ 3‬وأن‬ ‫للفقهاء المجتهدين وهم ورثة الأنبياء الذين حملهم النه المسؤولية‪ ،‬أن يجتهدوا‬ ‫ويستنبطوا الأحكام ‪ 1‬يبد من قضاياء أداء منهم لواجب خدمة الأمة من‬ ‫خلال فهمهم النصوص الفهم السليم وتنزيلها على الواقع مستفيدين في‬ ‫ذلك من تعاون النقل والعقل توافقهيا في البحث عن الحلول لقضايا الناس‬ ‫ومشاكلهم‪.‬‬ ‫وما انتهت إليه وقفتنا القصيرة مع الفقه السلامي أننا وجدناه قد ساير‬ ‫الأمة في قوتها وضعفها‪ .‬وتأ;ثر بأوضاعهاإ إيجابا وسلباً } وصور حالما أحسن‬ ‫تصوير‪ .‬فالفقه ليس إلا فهيا بشريا للوحي الإلهي قرآنا وسنة‪ .‬ولا ريب أن‬ ‫الناس‪ ،‬لعوامل عدةً يتفاوتون في ذلك الفهم وفي إصابة تطبيق النص على‬ ‫الواقع أو تكييف هذا الواقع بحسب ما تمليه النصوص الأمر الذي أنتج‬ ‫اتماهات مختلفة في الفقه‪ ،‬ينطوي كل اتجاه على اجتهادات في المسائل والقضايا‬ ‫التي كانت تطرح للبحث الفقهي" والتي يمكن أن يستفاد من جميعها في‬ ‫‪_ ٢٢٣١‬‬ ‫صياغة تشريع جديد ومتكامل يخدم حاضرنا ومستقبلنا‪.‬‬ ‫وني الجانب الثاني من الكتاب‪ ،‬قدمنا صورة عن الفقه الإباضي‪ ،‬من‬ ‫وجهة نظر شخصية طبعا نرجو أن نكون قد حققنا ولو بنسبة معقولة‬ ‫الأهداف التى نصبو إليهاء فأبََا ما كان جملا وأوضحنا ما كان ضبابياء‬ ‫وصوبنا ما كان شائعا من أخطاء حول هذه المدرسة الفقهية المبكرة التي‬ ‫نشأت في القرن الأول للهجرة‪ ،‬وتبلورت معالها في القرن الثاني" واستمر‬ ‫عطاؤها جنبا إلى جنب مع بقية المدراس الاجتهادية الأخرى في فهم الشريعة‬ ‫واستنباط الأحكام وتقعيد القواعد‪ ...‬وكشفت لنا المطالعة في التراث الفقهي‬ ‫الإباضي عن «كم" هائل من المصنفات الفقهية المؤلفة وفق مناهج عدة‬ ‫ومختلفة‪ .‬وأساليب في العرض متنوعة‪ .‬ففي القرن الأول طفى على هذا الانتاج‬ ‫طابع الرواية وظاهر النص مع اجتهادات محدودة لعلماء المذهب‪ .‬وفي القرن‬ ‫الثاني وما بعده بدأت نتيجة لتطور حياة الناسك التوسع في الاجتهاد سواء في‬ ‫فهم النصوص والغوص على معانيها‪ ،‬وعدم الاكتفاء بظاهرها؛ أو باستعمال‬ ‫الرأي من خلال الإجماع والقياس وبقية المصادر التشريعية التبعية المختلف‬ ‫فيها‪ .‬وقد تميز عصر الازدهار بوفرة الإنتاج الفقهي‪ ،‬وقويت عند الفقهاء ملكة‬ ‫التحقيق والتدقيق‪ ،‬واختلفت الرؤى والاجتهادات الفردية في استنباط الأحكام‬ ‫في جو ساده التسامح وعذر في ذلك الفقهاء‪ ،‬بصفة عامة [ بعضهم بعضاً} عند‬ ‫الاختلاف الناشيء عن دليل‪ ،‬واعتبروه خلافاً لا يفسد للود قضية‪.‬‬ ‫وفي هذا العصر العصر الذهبي للفقه‪ ،‬ورغم الجفاء الذي سببته‬ ‫السياسة\ كان فقهاء المذهب© ومن جانب واحدا يطلعون على ما أنتجه‬ ‫الآخرون‪ ،‬ويستفيدون ويقارنون بيا عندهم‪.‬‬ ‫ومنذ القرن السادس سجل الفقه الإباضىء كغيره من فقه المذاهب‬ ‫الأحرى‪ 6‬انتكاسة وتراجعا تمثل في ضعف الإنتاج من حيث الكيف والنوع'‬ ‫‪_ ٢٢٣٢‬‬ ‫وغابت القدرة على التحقيق والإبداع إلا من حالات فردية تعد استثناء؛‬ ‫فانكب المتفقهة على الجمع والنسخ‪ ،‬فظهرت الموسوعات وا مختصرات والمتون‬ ‫والشروح والحواشي‪ ،‬كيا ازدهر النظم الفقهي‪ ،‬وذاع بين الناس‪ .‬وقد ساعدت‬ ‫على هذا التحول عوامل كثيرة داخلية وخارجية سياسية وغير سياسية‪ .‬وقد‬ ‫استمر هذا الوضع إلى عهد قريب جدا قبل أن تظهر عوامل النهوض‬ ‫والتجديد‪.‬‬ ‫لقد كشفت لنا هذه الدراسة الوصفية والنقدية المختصرة أن الفقه‬ ‫الإباضي‪ ،‬كغيره من فقه المذاهب الأخرى قام على أصول تشريعية أصلية‬ ‫متفق عليها هي القرآن ثم السنة فالإجماع فالقياس؛ وأصول تبعية مختلف في‬ ‫الاحتجاج بها‪ ،‬توسع الإباضية في الأخذ ببعضها‪ ،‬وتعاملوا مع البعض الآخر‬ ‫بشىء من الاحتراز‪ .‬وقد دون فقهاء المذهب هذه الأصول التشريعية المعتمدةء‬ ‫منذ القرون الأولى" فظهرت في باديء الأمر نظريات وقواعد أصولية متفرقة‪.‬‬ ‫وأبحاث أولية‪ ،‬تطورت مع الأيام لتدون في كتب أصولية‪ ،‬شأنها في ذلك شأن‬ ‫أصول الفقه في المدارس الفقهية الالحرى‪.‬‬ ‫وقبل أن أختم كلمتي هذه التي خصت فيها بعض ما جاء في الكتاب©‪،‬‬ ‫فإنه لا يسعنى إلا أن أنبه على أن ما فعلته ليس إلا خطوة أولى‪ ،‬قد تعجب‬ ‫البعض وتزعج آخرين في طريق دراسة هذا التراث الثمين في الفقه والتشريع‬ ‫وعلى أني لم أقصد بيا كتبت أن يكون دراسة أكاديمية بقدر ما أردته أن يكون‬ ‫مباحث تثقيفية وتحسيسية‪ ،‬لذا لم أكن مضطرا لأن ألتزم فيها بشكليات البحث‬ ‫الأكاديمى فخلت من الإحالات والتعليقات التى تملا الهوامش‪ ،‬فتشغل‬ ‫القاريء غير المتخصص وتشتت أفكاره‪ ،‬فتمنعه من متابعة القراءة والتركيز‬ ‫الذهني على ما يقرأ لتحصل الفائدة منه‪.‬‬ ‫‪_ ٢٢٣٢٣‬‬ ‫منتنة‬ ‫‪77‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫;(‬ ‫ك‪,٦-‬‏‪ /‬ؤ‬ ‫{‬ ‫ل‬ ‫‪1‬‏‪` ١‬‬ ‫‏‪١‬ن‬ ‫ي‬ ‫‏‪٠‬‬ ‫ه‪,‬‬ ‫‏‪ ١١‬۔الجامع الكير‬ ‫‏‪ ١‬اجوبة ابن خلفون‬ ‫سعيد بن بشير الصبحي‬ ‫مطابع سجل العرب‪ .‬القاهرة‬ ‫ابو يعقوب يوسف بن خلفون المزاتي‬ ‫‪ .٩‬يعروت‪.‬‬ ‫‏‪٧٤‬‬ ‫دار الفتح للطياعة‬ ‫‪١٢‬۔‏ الجامع المغفد‬ ‫‏‪ ٢‬أهداف التشريع الإسلامي‬ ‫ايو سعيد محمد ين سعيد الكدمي‬ ‫محمد حسن ايو يحيى‬ ‫‏‪ ١٩٥‬م‪ .‬القاهرة‬ ‫مطابع سجل العرب‪.‬‬ ‫الاردن‪.‬‬ ‫دار الفرقان‬ ‫‪-١٣‬۔‏ النسؤالات‬ ‫‪٣‬۔بيان‏ الشرع‬ ‫ابو عمرو عثمان بن خليفة المارغني‬ ‫‪,‬‬ ‫محمد بن إبراهيم الكندي‬ ‫مخطوط‪ .‬مكتبة الهادي بو مداخ‪ .‬جرية‬ ‫نشر وزارة التراث القومي‪ .‬سلطنة عمان‪.‬‬ ‫‏‪- ٤‬السنة ومكانتها ق التشريع الإسلامي‬ ‫مصطفى السباعي‬ ‫‏‪- ٤‬تاريخ التشريع الإسلامي‬ ‫محمد الخضري يك‬ ‫‏‪ ٩٨٥‬‏م‪١‬‬ ‫المكتي الإسلامي‪.‬‬ ‫‏‪ .١٩٠‬يعروت‬ ‫دار الكتب الإسلامية‪.‬‬ ‫‏‪ ١٥‬۔شرح الجامع الصحيح‬ ‫‏‪ . ٥‬تاريخ الفقه الإسلامي‬ ‫أبو محمد عبدانكه بين حميد السالمي‬ ‫محمد علي النسايس‬ ‫مطابع النهضة ۔ مسقط‬ ‫‏‪ ١٩٠‬م! ييروت‬ ‫دار الكتب الإسلامية‪.‬‬ ‫‏‪ ١٦‬۔شرح الدعائم‬ ‫‪-٦‬۔‏ التشريع والقضاء ق الإسلام‬ ‫محمد بن وصًّاف‬ ‫أنور العمروسي‬ ‫مطبعة عيسى البابي الحلبي‪ .‬‏‪ .١٩٨٢‬القاهرة‬ ‫مكتبة جامعة الإسكندرية‪ .‬‏‪١٩٨٤‬‬ ‫‪٧‬ا‪-‬۔شرح‏ كتاب النيل‬ ‫محمد ين يوسف اطفيش‬ ‫ييروت‬ ‫‪\٩٨٢‬اء‪.‬‏‬ ‫دار الفتح‪.‬‬ ‫نشر وزارة التراث القومي ۔سلطنة عُمان‬ ‫‪١٨‬۔‏ شرح مختصر العدل والإنصاف‬ ‫‪٨‬۔‏ جامع أبي الحواري‬ ‫ايو العباس احمد بن سعيد الشماخي‬ ‫نسخة بالآلة الكاتبة‬ ‫الفضل بن الحواري‬ ‫‏‪ ١٩٥‬م‪ .‬القاهرة‬ ‫مطابع سجل العرب‪.‬‬ ‫‪-٩‬الطلعة۔شرح‏ شمس الأصول‬ ‫‪٩‬۔جامع‏ البسيوي‬ ‫ايو محمد عبيدالله ين حميد السالمي‬ ‫آبو الحسن علي بن محمد بن علي البسيوي‬ ‫المطبعة الشرقية ومكتبتها! ‏‪ .١٩٨١‬مسقط‬ ‫مطابع جريدة عمان ‏‪ 0١٩٨٤‬مسقط‬ ‫‏‪- ٠‬فقه الإمام جابر بن زيد‬ ‫‏‪ ١٠‬۔ا لجامع ‏‪ ١‬لصحيح‬ ‫يحيى محمد بكوش‬ ‫الربيع بن حبيب الفراهيدي‬ ‫دار الغرب الإسلامي‪ .‬‏‪ .١٩٨٦‬بيروت‬ ‫دار الفتح للطياعة ‪ .4‬يروت‬ ‫‪٢٢٣٤‬‬ ‫احتك‪ ,‬م ) اال(تاتا‪..‬۔‪١:١‬‏‬ ‫الاتح‪ :1 ._ _ . ,‬‏‪١‬ل لا‪( ,.‬ا؛‬ ‫‪...-‬‬ ‫۔‪-‬سححح۔‬ ‫ستا‬ ‫_ اجره مز‬ ‫‪ .:‬ح‬ ‫تله‬ ‫=‪-‬‬ ‫‏‪ ١‬المدخل لدراسة الفقه الإسلامي‬ ‫‪-١‬فلسفة‏ التشريع الإسلامي‬ ‫دار الفكر العربيغ القاهرة‬ ‫دار العلم للملايين‪ .‬‏‪ 0١٩٦٨‬بيروت‬ ‫‏‪ ٢‬مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية‬ ‫فلسفة التشريع الإسلامي‬ ‫‏‪٢‬‬ ‫يوسف القرضاوي‬ ‫أحمد زكي تفاحة‬ ‫‏‪ .١١‬القاهرة‬ ‫مكتية وهية‪.‬‬ ‫‏‪ .1٩‬يبروت‬ ‫اللبناني‪.‬‬ ‫دار الكتاب‬ ‫‪-٣‬مقدمة‏ في دراسة الفقة الإسلامي‬ ‫‏‪ ٣‬قاموس الشريعة‬ ‫أمينة الجابر‬ ‫محمد الدسوقي (مع)‬ ‫جميل بن خميس السعدي‬ ‫‏‪ .١ ٩ ٩ ٠‬قطر‬ ‫دار الثقافة‪.‬‬ ‫‏‪ .١ ٩ ٨٨‬مسقط‬ ‫عمان‪.‬‬ ‫مطابع جريدة‬ ‫‪٤‬۔المدخل‏ للفقه الإسلامي‬ ‫‪-٦٢٤‬۔قواعد‏ الإسلام‬ ‫حسن علي الشاذلي‬ ‫أيو الطاهر إسماعيل الجيطالي‬ ‫القاهرة‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫دار الإتحاد‬ ‫مطابع النهضة‪ .‬مسقط‬ ‫ا‏‪٥‬لمدخل الفقهي العام‬ ‫‏‪ ٥‬كتاب الإيضاح‬ ‫مصطفى الزرقاء‬ ‫أيو ساكن عامر ين علي الشماخي‬ ‫‏‪ .١٩٦٨‬دمشق‬ ‫دار الفكر‪.‬‬ ‫‏‪ .١٤‬القاهرة‬ ‫مطابع سجل العرب‪.‬‬ ‫‪-٦‬المدرسة‏ الإباضية واثرها ي الفقه السلامي‬ ‫‪-٦‬كتاب‏ الوضع‬ ‫إبراهيم عبدالعزيز بدوي‬ ‫أبو زكريا يحيى بن أبي يحيى الجناوني‬ ‫نسخة يالآلة الكاتية‬ ‫‏‪ ١‬مطابع العالمية‪ .‬د‪ .‬ت‪ .‬مسقط‬ ‫فنصملا۔‪٧٣‬‬ ‫المدخل للتشريع الإسلامي‪‎‬‬ ‫‪٧‬‬ ‫أحمد بين عبدانث الكندي‪‎‬‬ ‫محمد فاروق النيهان‬ ‫مطابع سجل العربب ‪١\٩٨٤‬م القاهرة‪‎‬‬ ‫وكالة‪ ‎‬المطيوعات‪ 0١٩٨١ ٬‬الكوست‬ ‫‪٨‬۔معارج‏ الآمال على مدارج الكمال‬ ‫‏‪ ٨‬المدخل إلى التشريع الإسلامي‬ ‫عبيدالله ين حمدد السا لمي‬ ‫كامل موسى‬ ‫‏‪ ،١\٩٨٤‬القاهرة‬ ‫مطابع سجل العرب‪.‬‬ ‫‏‪ 0١٩٨٩‬بيروت‬ ‫مؤسسة الرسالة‪.‬‬ ‫‪ ٩‬المدخل إلى التعريف بالفقه السلامي‪. || ‎‬ربتعملا۔‪‎٨٩٣‬‬ ‫آيو سعيد محمد بن سعيد الكدمي‬ ‫محمد مصطفى شلبي‬ ‫مطابع جريدة عمان‪ .‬‏‪ 0١٩٨٤‬مسقط‬ ‫دار النهضة العريية‪ .‬‏‪ 0١٩٨٢‬بيروت‬ ‫‏‪ ٤٠‬منهج الطالبين وبلاغ الراغبين‬ ‫‪٠‬۔المدخل‏ إلى دراسة التشريع الإسلامي‬ ‫خميس بن سعيد بن علي الشقصي‬ ‫محمد عوض الهزايمة‬ ‫مطبعة عيسى البابي الحلبي‪ .‬‏‪ .١٩٨٣‬القاهرة‬ ‫الاردن‬ ‫دار عمار‪.‬‬ ‫_ ‪_ ٢٣٥‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬۔۔‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫۔۔‬ ‫۔ ‪ ¡,‬سو‬ ‫‏‪ ١‬۔بوصحب ب‬ ‫مسد‬ ‫ح‬‫۔ ۔‬ ‫۔‬ ‫و‬ ‫۔ ۔‬ ‫۔۔ مد‬ ‫۔ يدي‪.‬‬ ‫يي‬ ‫‪ ..‬ي‬ ‫ح‪.. ...‬‬ ‫_‬ ‫ب‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪..‬‬ ‫‪...‬‬ ‫ت۔‪.....‬۔۔۔‬ ‫‪.‬‬ ‫الوضوء‬ ‫س‪_ ..‬۔ سيب ‪....‬۔حساسا‬ ‫۔۔‪... ..‬‬ ‫‪.‬‬ ‫۔۔۔۔۔‬ ‫۔۔۔۔۔۔ب۔۔‬ ‫ح‬ ‫المقدمة‬ ‫الفصل الأول ‪ :‬الشريعة الإسلامية‬ ‫التمهيد ‪ :‬الحاجة إلى التشريع‬ ‫الإسلام والتشريع‬ ‫معنى الشريعة‬ ‫معنى الفقه‬ ‫الفقه الإسلامي‬ ‫خصائص‬ ‫أهداف التشريع الإسلامي‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬مراحل التطور التشريعي‬ ‫تمهيد‬ ‫أولا ‪ :‬دور التأسيس‬ ‫ثانياً ‪ :‬دور التوسع والتطور‬ ‫المذاهب الفقهية القائمة‬ ‫المذاهب الفقهية المندثرة أو المنقرضة‬ ‫‪ :‬حققيىققدته وأسبابه‬ ‫الفقهاء‬ ‫اختلاف‬ ‫ثالثا ‪ :‬دور الركود‬ ‫رابعاً ‪ :‬دور البعث والتجديد‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬نشاة الفقه الإباضي‬ ‫الجذور التاريخية‪ :‬الإمام جابر بن زيد‬ ‫آثار الإمام جابر الفقهية‬ ‫منهج الإمام جابر الفقهي‬ ‫الفقه الإباضي في البصرة بعد الإمام جابر‬ ‫الآثار الفقهية لعلماء البصرة‬ ‫الفصل الرابع ‪ :‬الأصول التشريعية عند الإباضية‬ ‫_ المصادر المتفق عليها‬ ‫‪١١٢٣‬‬ ‫المصادر التبعية‬ ‫‪_ ٢٢٣٦‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪_٫‎ :‬۔۔۔۔۔۔۔۔۔‪..‬‬ ‫‪-‬‬ ‫_‬ ‫«‬ ‫‪.‬‬ ‫‪٠‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪ ١‬لصفحة‪‎‬‬ ‫‪|٨‬‬ ‫‏‪٨:‬‬ ‫‪ .‬ث‪...‬لءد۔‪ .‬ح‪..‬‬ ‫م‪.‬ب ه‬ ‫۔ مهب‬ ‫۔ ‪...‬‬ ‫‪ ...... ...‬حذت‬ ‫۔ ‪7 ..... ...... ...‬ل_‪٩‬‏‬ ‫‪.‬‬ ‫‪..‬‬ ‫ہے۔۔ ح ‪.‬ه ‪..‬۔‪.‬۔۔‬ ‫خس‬ ‫‪.‬۔۔۔‪.. .‬حصدي۔۔‪.‬مه۔ہے۔‪.‬‬ ‫‪ . ..‬۔۔‪.‬۔‪...‬د۔ ‪ .‬عد۔۔۔‬ ‫‪.‬۔‪....‬‬ ‫ه‪ .‬۔ط‪.‬۔‪..‬۔ه‬ ‫‪١١٧‬‬ ‫الفصل الخامس ‪ :‬الفقه الإباضي في عمان‬ ‫‪١١٩‬‬ ‫انتقال الحركة العلمية من البصرة إلى عمان‬ ‫‪١٢٢‬‬ ‫المنهج العام للتأليف الفقهي‬ ‫‪١٢٨‬‬ ‫التأليف الفقهى العمانى من القرن الثالث إلى الخامس‬ ‫‪١ ٢٠‬‬ ‫‏‪ ١‬منهج ابن بركة في تأليفه كتابه «الجامع»‬ ‫‪١٣١‬‬ ‫‏‪ ٢‬منهج الكدمي في كتابيه المعتبر والجامع المفيد‬ ‫‪١٢٦‬‬ ‫أبو الحسن البسيوي ومنهجه الفقهي‬ ‫‪١ ٤٠‬‬ ‫من فقهاء هذا العهد‬ ‫‪١٤٤‬‬ ‫مناهج التأليف بداية من القرن الخامس‬ ‫‪١ ٥٠‬‬ ‫التأليف الفقهي من القرن السادس إلى الرابع عشر‬ ‫‪١٦١‬‬ ‫نموذجان لفقهاء مجددين‬ ‫‪١٦٢‬‬ ‫أولا ‪ :‬الشيخ خميس بن سعيد الشقصي‬ ‫‪١٦٧‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬الشيخ السالمي ومكانته الفقهية‬ ‫‪١٧٩‬‬ ‫الفصل السادس ‪ :‬الفقه الإباضي في المغرب‬ ‫‪١٨١‬‬ ‫تمهيد‬ ‫‪١٨٢٣‬‬ ‫التأليف الفقهى والمؤلفات الفقهية‬ ‫‪٢٠٥‬‬ ‫الفصل السابع ‪ :‬الإباضية وأصول الفقه‬ ‫‪٢٠٧‬‬ ‫تمهيد‬ ‫‪٢٠٩‬‬ ‫نشأة أصول الفقه الإباضي وتدوينه‬ ‫‪٢١١‬‬ ‫من ‏‪ ١‬لآثار الاصولية‬ ‫‪٢٢٨‬‬ ‫طريقة الإباضية في التأليف الاصولي‬ ‫‪٢٢٠‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫‪٢٢٤‬‬ ‫قائمة أهم المراجع المعتمدة‬ ‫‪٢٢٦‬‬ ‫الفهرس‬ ‫_ ‪_ ٢٢٣٧‬‬ ‫رقم الإيداع‬ ‫‏‪ ١٥٨‬‏م‪/٦٩٩١‬‬