١ ض : ض ا فاليا ّ : كر ' : ِ 0 ض ران الاير 7 ١ : 1 < شر 7 1 ١ ٍ خَلِيتَ : 8 اانا (لبارنق ١ ً! م عم ' ' ؤ دار اا كحرصلى لزني ا الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الأباضية © الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الاباضية © المؤلف : سليمان باشا الباروني © الطبعة الأولى 06١٠. © الناشر: دار الحكمة ‏ لندن 0 0 اتام [11 !تال ,100000 ,)5066 008100 556 6 207383 (0) 44 :عة 4037 7383 20 (0) 44 :121 كنا.200.0/ © ؟انا_قصانط_1ةم :5-1111 ا © 4 اي سسا ا 0191017 806 و1109 كزاطنم 0336 20 (0) 0:44 2073834037 (0) 44 :اء1 [111 171ل 100000 50606 000100 88 1110.0 بصي :11/605116 200.0.0162/ © ؟انا_18 الا :5-1011 ض الو ضيه و شي 0 7 نا ياه وملوك ١ 1 ض لأيا .٠ ليف سلد ّ سلدمان ياشًا ا لبارود لي مراجعة علي | دار بت المقدمة من القضايا البارزة في الحضارة الإسلامية العظيمة » والتي يقف عندها الباحثون طويلا » قضية الجهاد »٠ حيث أدرك هؤلاء الباحثون أن الإسلام نظام شامل لأمور الدين والدنيا معا . فقد انطوت نصوصه على مبادئ أساسية في أمور السياسة والاقتصاد والاجتماع بل والجهاد والفكر العسكري ؛ وان الأحداث التاريخية الختلفة تثبت مدى التنسيق والانسجام التام بين الروحانيات والماديات ؛ وبين العقيدة والتشريع » والعبادات والمعاملات . وقبل أن ندخل في الكلام عن الجهاد في الفكر الإسلامي ؛ ينبغي أن نعرف كلمة الجهاد عند المسلمين حيث نجدها تعني بادئ ذي بدء بذل الجهد في مدافعة الشر » واستجلاب الخير ؛ وعندما نطلق لفظ (الجهاد) يتجه التفكير لأول وهلة إلى الجهاد فى المعركة بالنفس أو المال » ولكننا إذا ما أمعنا النظر بحثاً وتدقيقاً وجدنا أن هناك أنواعا من الجهاد شملها الفكر الإسلامي على رأسها جهاد النفس ؛ وجهاد الكلمة . وجهاد النفس هو الجهاد الأكبر ؛ لأن النفس التي نجاهدها » كثيرا ما يختفي فيها الشيطان » عدو الإنسان الأكبر الذي كثيرا ما يوسوس له بالشرء ويجره إلى سوء النهاية ؛ ومن هنا كان تهذيب النفس ومقاومة وساوس الشيطان فيها ؛ الجهاد الأكبر وبهذا يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه بعد عودتهم ظافرين منتصرين من إحدى المعارك : (رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) قالوا وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال : (جهاد النفس) . ِ نعم انه الجهاد الأكبر » جهاد يصارع فيه الإنسان نفسه » ويقاوم فيها ميلها نحو الهوى » ويقمع فيها عنصر الشر إذا ما حاولت أو نزعت إلى الميل نحو الشر والسوء » ولأنه يوجهها إلى جهة الخير والصواب . من هنا نجد اهتمام الإسلام أولا بمقاومة شرور النفس ووساوس الشيطان ؛ والعمل على توجيهها صوب البناء الخير » استعدادا لبناء المسلم الحق ؛ صاحب النفس الأمارة بالخير » صاحب النفس المطمئنة » ولأنه لو صلحت النفوس لأصبح للإنسان قوة تستطيع مواجهة العدوان والشر.. أما الجهاد بالكلمة فانه أيضا من أفضل الجهاد لأن هذه الكلمة قد تجر على قائلها المتاعب » وقد تشمل كلمة الح دعوة الناس وحثهم على الجهاد أو تعليمهم ومنها أيضا الكلمة المقولة أو المكتوبة وفي ذلك يقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام : (جاهدوا المشركين بأيديكم وأموالكم والسنتكم) . . ولكن لابد أن نشير هنا إلى أن الهدف الأسمى من الجهاد في الإسلام هو العمل على بناء مجتمع جديد متكامل يقوم على أساس الخير والعدل والمساواة » ويسوده القانون والنظام » انه المجتمع الجديد الذي جاءت الشريعة السمحاء لتدعو إليه ولتقيمه ؛ ولتجعل منه مجتمعا مثاليا فاضلا ؛ فلقد جاء الإسلام للدعوة إلى الخير » خير الناس وسعادتهم في دنياهم وأخراهم كما جعل من الرحمة والفكر السليم واليسر وسائل لتحقيق دعوته : وقد صور لنا القرآن الكريم هذه الأمور في آيات كثيرة » كما فصلته السنة النبوية الشريفة . وفي ضوء هذه التعليمات سار النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ جاعلا من تعاليم القرآن وأواصره وسيلة لهذه الدعوة » فاستجاب له من استجاب ؛ وأعرض عنه من أعرض ؛ وانه في الوقت الذي سارت فيه الدعوة إلى الإسلام بحكمة فى طريقها + السلمى الهادئ قابلها الكثير من العقبات ؛ والمقاومة من كبار رجالات قريش ؛ حيث أخذت في بعض الأحيان جانب العدوان والقسوة البالغةة من إيذاء وضرب وتدبير القتل ؛ بل والقتل الفعلي ؛ وهكذا حتى أمر الله رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام بالهجرة إلى دار الأنصار يثرب » حيث انتشرت كلمة الحق بين الأوس والخزرج » وأصبحت المدينة هي مركز الدعوة الإسلامية . وإذا كان المسلمون في مكة تعرضوا لشتى صنوف الإيذاء » وذاقوا مرارة الاضطهاد والتعذيب من كبار قريش بل من أقرب المقربين إليهم ؛ فان الإسلام في المدينة نراه يواجه عدوانا من لون آخر يتمثل في عداوة أشد أعداء الله اليهود » حيث عارضوا الدعوة الجديدة » وقاوموها » وألبوا الأعداء على الرسول الكريم ؛ وتآمروا على إيذائه وقتله ؛ فكان لابد للإسلام أن ينتهج سياسة جديدة غير سياسة المسالمة نحو أعدائه » وقد قامت السياسة اللجديدة على أساس الدفاع عن النفس ضد أي عدوان »؛ وحفظ حقوق المظلومين والمغلوبين على أمرهم في مكة والدفاع عن حرمة العقيدة ؛ ونزلت الآيات الكريمة تحث على قتال الأعداء وسحقهم ؛ وتلقينهم دروسا في الدفاع عن حرم الإسلام » والحفاظ على حرية المسلمين وعزتهم وكرامتهم » ولقد صورت هذه المبادئ السماوية الجديدة أمور الجهاد » وفصلته من حيث الاستعداد له » وبيان أسبابه » ومقاصده ؛ وآدابه » وأهابت بالصلابة والتضحية » وحثت على مجالدة القوم ومقارعتهم لفرض هيبة الإسلام ؛ ونفرت من الفرار » وبينت منزلة الشهداء والمجاهدين » وأوضحت أحكام الأسرى والغنائم ونظمها . وبدأت الاستعدادات الحربية والعسكرية والتنظيمات المتصلة بها تأخذ شكلا جديدا تقوم على أسس ومبادئ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ؛ ل والتفت الفيالق الإسلامية حول راية الإسلام تحتضنها وتعانقها معاهدة الله على الحفاظ عليها حرة كريمة خفاقة » ووجدت دعرة التوحيد طريقها إلى القلوب » ودخل الناس في دين الله أفواجا ؛ وانضوت الجزيرة العربية تحت لواء الدين الحنيف لتنطلق الفيالق المحمدية إلى بلاد الشام والعراق وفارس وليحقق الله وعده بنصر المسلمين (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) . وما أن فرغ المسلمون من فتح الشام ومصر حتى اتجهت أنظارهم نحو اللغرب » فأخذوا يعدون العدة لنشر الإسلام في هذا الجزء من العالم والذي أضحى بعد إسلامه الحارس اليقظ المخلص الأمين للدولة الإسلامية في الغرب » والبوابة الرئيسية التي انطلقت منها الجحافل المؤمنة لترفع رايات الحق والحرية والإخاء حتى جبال البرانس . وانه بفتح المسلمين لهذه المنطقة بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الفتوحات الإسلامية ؛ فقد كانت عملية الفتح هذه حاسمة بالنسبة لجميع البلدان الواقعة في الشمال الأفريقي » وفعالة بالنسبة للقارة الأفريقية بشكل عام كذا أوربا ؛ وذلك نظرا للموقع الاستراتيجي الذي يتمتع به الملغرب في أقصى الركن الشمالي الغربي من العالم العربي » فقد حبا الله هذه المنطقة موقعا يعتبر المنفذ السهل إلى أوربا عن طريق جبل طارق . لقد حسمت الفتوحات الإسلامية مشكلة هوية ومستقبل المغرب لصالح العروبة والإسلام بشكل نهائي لا رجعة فيه ؛ ولقد تم هذا كله عبر عدة مراحل وبفضل قادة مسلمين أكفاء ملهمين يتصدرهم عقبة بن نافع وغيره من عباقرة القادة الذين رووا بدمائهم الركية أرض العروبة والإسلام ؛ وضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على هذه الأرض حرة عزيزة كريمة لاتطاطئ الجبين إلا لخالقها عز وجل ؛ ومنذ ذلك اليوم والمغرب العربي ّي بشكل عام بموقعه الاستراتيجي » ونشاطه الفعال أضحى بثابة العمود الفقري للامة الإسلامية بما قام به من دور رائد في وحدة شعوب المنطقة مما أهله ليكون ملتقى انصهرت في بوتقته مختلف التيارات الحضارية عبر العصور ؛ وللمواقف الخالدة التي سجلت لأبطاله الأوفياء على مدى التاريخ . والتاريخ الإسلامي زاخر بعمالقة الرجال في مختلف شؤون الحياة ؛ شخصيات متازة قوية بإيمانها ‏ معتزة بدينها . مخلصة لرسالتها ؛ والشخصية التي نقدم لها هنا تعتبر علما من أعلام الإسلام » والحديث عنها بمتع » يؤكد لنا ما فعلته روح الإسلام في هؤلاء الأبطال ؛ حيث دفعت بهم جميعا علماء وفقهاء ومحدثين ومفكرين ؛ وقادة سياسيين إلى ساحات المجد والفخار ؛ في البر والبحر يطلبون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ؛ لم يقعدهم البحث والدرس ؛ ولا غفلت قلوبهم » ولا ملت ألسنتهم من ذكر الله » فجفوا المضاجع » ونفروا خفافاً وثقالا يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ؛ فالإسلام بتعاليمه السمحة » ومبادثه الكريمة مزج الشعوب مزجا عجباً ؛ ودفع بكل ملم من أي قطر لكي يؤدي رسالة دينه ورسالة الحق حيثما وجد وأنى استطاع لذلك سبيلا . كان شيخنا ‏ رحمه الله قوي الشخصية ؛ عالى الهمة كبير النفس ؛ رابط الخاأض » مهيب الطلعة » لم يفت من عضده تجمع المراكب » ولاتكاتف جموع الأعداء » وكان أن عرف الباب العالي عن الشيخ قدره وعزمه فعينه أميرا على طرابلس ؛ فقد رفعه علمه » وعلت به همته ونخوته ؛ فقام بالأمر خير قيام » فأدى الأمانة » ونذر نفسه للجهاد في سبيل قضية أمته حتى توقف القلب الطاهر عن النبض والحياة » بعد أن سطر في سجل لمجد سجلا دقيق المعاني ؛ مشرق الصورة » عميق البيان لما يعتلج في قلوب أمته من حب للوطن وإخلاص للعقيدة السمحاء . 9 جاء فى كتب (حياة سليمان باشا الباروني زعيم المجاهدين الطرابلسيين ص للإلفه أبي القاسم الباروني أن الشيخ رحمه الله ولد بمدينة (جادو) حاضرة متصرفية (فساطو) خلال عام 1878م » وانه لما شب عن الطوق أبدى ذكاء نادرا في مراحله التعليمية ؛ وظهرت عليه مخايل النبوغ والمقدرة منذ الصغر » وأحب العلوم الدينية والعربية حتى دفعه ذلك الحب إلى أن يتلقى علومه في جامعات تونس والجزائر ومصر » ثم قفل إلى وطنه ؛ وكانت له آراء خاصة فيما يتعلق بسياسة الدولة العثمانية . سافر إلى مصر سنة 1907م » وحينما استقامت له الأمور بالقاهرة شرع في مواصلة دعوته الوطنية عن طريق النشر والاجتماعات والمؤتمرات وسواها ؛ حيث افتتح في شارع محمد علي بالقاهرة مطبعة عرفت باسم المطبعة البارونية » وقام بإصدار صحيفة (الأسد الإسلامي) » وظل يواصل إصدارها وإدارة سياستها بتوجيه حسن ؛ وحذق ومهارة بالغين حتى امتدت أصابع النفوذ العثماني اليها فأمرت بمصادرة أعدادها ؛ وإيقاف صدورها . وجاء في مقدمة فضيلة الشيخ أبي إسحاق إبراهيم طفيش للكتاب' في ترجمته للباروني بأنه العلامة سليمان باشا الباروني ابن العلامة الشيخ عبدالله بن يحيى الباروني رجل الدين والعلم والسياسة والحرب والنزاهة من الأرومات العربية العثمانية وهي (البروانية) - كما يقول الباروني نفسه . ثم نراه يذكر رحلته في طلب العلم إلى وادي ميزاب بالجزائر حيث عكف على الاغتراف من بحر العلوم قطب الأئمة الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ؛ مرجع المذهب الاباضي يومئذ على الإطلاق ؛ وواصل الليل والنهار مدة ثلاث سنين حتى إذا أخذ ما كان يصبو اليه من العلم كر راجعاً إلى بلده ١ حياة سليمان باشا الباروني - زعيم المجاهدين الطرابلسيين ؛ ص ١١ ط 7١/ 77 ه 48ح ام أبر القاسم الباروني . 0 ثم إلى مصر حيث أخذ يظهر إنتاجه العلمي في مؤلفاته ويبرزها في عالم المطبوعات » ثم في جريدة الأسد التي كانت مظهرا من مظاهر سياسته وطموحه إلى المعالي والعوالي . ويكتشف السلطان عبد الحميد فيه نابغة من نوابغ الدهر بعد أن امتحنه أشد امتحان » فانتخب عضوا فى مجلس (المبعوثان) عن الجبل الغربى سنة حا الاخا م حيث نشبت حرب طرا بلس الغرب مع ايطاليا ‏ فشمر عن ساق الحد » وجند من جبل نقوسة قُوة باعت نفسها لله » فجاهدت فى سبيله حقى جهاده, تم انصمت اليها فرق المجاهدين من سائر البلاد الطرا بلسية تحت لواء الباروني فأخذ يصول بها ويجول حتى بهر العالم بقيادته » فأكبر شأنه الباب العالى وانتتخب عضوا فى مجلس الأعيان العثما ني ّ وبلغ جهاده في طرا بلس إلى حد أنه أمسس جمهورية في مؤعر ثمريانا'! ِ وكادت إيطاليا تعترف به . ودارت به الدوائر بعد الخيبة والفشل والنجاح والأمل حتى حط الرحال فى الأراضى المقدسة بناء على دعوة الشريف حسين بن على آنكذ الذي أرسل اليه جواز السفر إلى الأراضى المقدسة ؛ واستقبله أجمل استقبال ؛ واكرم وفادته » ونزل في رحابه » ولما بلغ نبأه إلى السلطان تيمور بن فيصل أرسل يستحشه على القدوم إلى مسقط » فاستجاب لهذه الدعوة الكريمة ؛ وألقى عصا الترحال في تلك الربوع العامرة من عمان واستقبله السلطان تيمور أجمل استقبال ورحب به » وأكرم وفادته فساهم في إصلاح النظم والإدارات ولم يأل جهدا في تلمس البلوغ إلى غعاية يصبو اليها كل مسلم مخلص لله ولرسوله وللمؤمنين في إبراز مظاهر القوة في تلك الدولة العريقة . ١- مؤتمر مشهور دون فيه المؤتمرون القانون الأساسي ؛ وأصبحت الأمة ذات كيان سياسي ذات قانون وجند ونظام (أبو القاسم الباروني) حياة سليمان باشا الباروني ط ؟ /ص١١. ١ ونقلب صفحات كتاب (سليمان الباروني باشا في أطوار حياته ( بقلم أبى اليقظان الحاج إبراهيم الجزء الثانى » والذي طبع سنة 76١ها؛ سنة 17م في المطبعة العربية بالجزائر لنطلم على سياحته الثانية إلى دواخل عمان وما يكتنفها من أعمال حيث يتصح من رسائله أنه زار كلا من السباخ وأزكى ونروى وبلاد بني بو حسن والقابل وابرا وأنه استقبل هناك استقبا لا كما جاء فى الكتاب (ص ١٠) أن موكب الباروني مر ببلدة السباخ من بلاد ابرا فى طريقه إلى نزوى ؛ وانه استقبل استقبالا حارا من قبل الأهالي ؛ وأقيم له في يوم صفر سنة 744١1ه حفل » وان الشيخ عبد الله بن خلفان الجهضمي ألقى قصيدة طويلة ختمها بهذه الأبيات : هذه الدارأضاءت بهجة ونجلى حح_نها للنا ظرين بهقلوم الللث كضنضاف الدجى قلوة الدين منار | لمحقين ذا سليمان البووني الذي صار في الهيجا سما : ا مجرمين حاز فخر الدين والدنيا معا زده توفيقا ونصرا يامعين وأظهرالحق الهى دائما وفي مركزا أزكي ألقى الأديب الشيخ سالم بن سليمان الرواحي المدرس بجامع أزكي قصيدة يوم /77 صفر سنة 1744ه ,؛ نجتزئ منها هذه الأبيات : ١١ بشر الأمة بالوفد الحسن ح_يثوافى دارنا بدر الزمن ناصرالملة موفورالحجا مومع الخدلق أياد ومن أبلغ النار مقاللا يرتضى يصطفي القول بتخريج حسن إلى أن يقول : يا سليمان ومن ساد على هذهالأمة مجدالم يهن أنت للأرض ربيع ويا أنت كهف وملاذ في الزمن أنت من يحفظ عهدا للورى ويصون العرض صونا عن من إلى آخر الأبيات . وفي أوائل ربيع الأول سنة 1344ه ؛ وصل الباروني إلى نزوى حيث استقبله الإمام الخليلي في موكب مهيب » وفي أول جمعة من ربيع الأول سنة 1744ه ء ألقى الباروني بعد صلاة الجمعة خطابا بجامع نزوى ؛ وقصيدة نذكر منها هذه المقتطفات : وبدت لعصر الراشدين دلائل إذلاح من جببل الغراة سناء فأضاء واسطة البلاد وأشرقت بعمان شمس أمانة سمحاء 1 ويقول منها : فانهض وشمر فالعوائق جمة ولذا الزمان سياسة خرقاء تذر العقول الراجحات بحيرة ويرى بليدا من لديه ذكاء خل القضا لرجاله واعكف على تنظيم جند ف_النظام دواء ويقول أيضا : وأرى الحصون على الجبال تزينها كالتاج تلك الراية الفشماء تهتز ان قذفت صواعقها الربى وتضيق من أصدائها الأرجاء وامح التداعي بالقبائل إنه سهم العدو ومحنة سوداء واجمع قلوبا بالخلاف تمزقت حستى يضم شستاتهن لواء ولشبل (فيصل) ول طرفك عاقدا معه الخناجر فالشقاق شتقاء دع ما تقدم واعملن لمقبل فلال (فيصل) همة ووفاء 1 ويدعو إلى اجتماع الصف ووحدة القلوب فيقول : وهنالك اتحدواولا تتفرقوا وتعاهدوا ولمشهدن حواء ودعوا وساوس من يفرق واذكروا مجد الجدود ليسعد العقلاء وهكذا حتى يصل بنا إلى قوله داعيا إلى رأب الصدع » واجتماع الكلمة : أما التطاحن والعدا بمراصد فعلى الجميع مذلة وبلاء هذدي نصميحة مخلص في دينه ماشابها مد ولا اطراء اني امؤؤ ترك المديح لأهله مذ أنشبت أظفارها الهيجاء فاعذر ففي نصحي مديح كامل وعليك يا قطب النراة ثناء كما جاء في كتاب (سليمان الباروني باشًا) لأ بي اليقظان ج؟ / ص١١ أن الباروني زار بلدة الحمراء » وأن أهلها استقبلوه استقبالا عظيما ثم يورد المؤلف خبر هذه الرسالة كما جاء على لسان البارونى نفسه حيث يقول - رحمه الله : لما بلغ الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري الذي كان تقلد خطة القضاء بمدينة (الرستاق) خبر توجهنا إلى (تنوف) وأعيان بلاد الحمراء » ودعونا للزيارة فتقدمه إليها ؛ وهي على مسافة نصف يوم من تنوف واستقبلنا أهلها رجالا وركبانا على مسافة ميلين » وكان لدخولنا إلى الحمراء منظر مطرب ؛ ل فقد تلبد دخان بنادقهم ومدافعهم فى الجو كالسحاب ؛ وكنا ثمر بين مزارعها الخضراء تحف بنا الرجال والخيل والمهر 4 وقد بلغ عدد البنات والخادمات اللاتي يحملن جرار الماء المغطاة بأكواب الزجاج على رؤوسهن نحو المائة ؛ يراهن الناظر كأسراب الظباء يمينا وشمالا ؛ ينادين هل من شارب؟ وترى الأكواب والجرار تلمع كالنجوم عند مقابلة الشمس ؛ فكان الموكب من أجمل ما شاهدته ‏ البارونى ‏ من المواكب . وعند مدخل البساتين لاقانا العلامة بقية السلف شيخ عمان علما وسنا الشيخ ماجد بن خميس البالغ من العمر ‏ آنذاك ‏ أربعا وتسعين سنة - أي قدر عمر قطب الأئمة الشيخ طفيش ‏ رحمه الله وبعد الاستراحة أنشد الشيخ إبراهيم المذكور آنفا القصيدة الآتية وذلك في يوم 4١ ربيع الأنوار سنة 17)4ه)اه. وهذه أبيات مختارة من القصيدة نوردها على سبيل المثال لا الحصر ومن شاء المزيد فليرجع إلى (سليمان الباروني باشا في أطوار حياته ؛ تأليف أبي اليقظان الحاج إبراهيم 3 6 المطبعة العربية __ الجزائر 777اها)اسلة )2 شرقت عمان وأهلها بوفوود من حارز الملا المسسي د البطل الكمى باشا سليمان الهما م الم 7 2 7 1[ ا ذا ابن بارون إ ف 0 ' مي الششهير ِ بن ا لجسلا ١ ذا الذي بعلوم ظلم الجهالة قد جلى ويصف ‏ رحمه الله بعض قمم الجخبل الأخضر فيقول : (من الحمراء صعدت إلى إحدى قمم الجبل الأخضر المشهورة بالارتفاع () آلاف قدم ؛ وأقمنا يوما وليلتين » ورجعنا وهناك قلت هذه الأبيات وذلك يوم ١١ ربيع الأنوار سنة 1744ه . فى جانب الحمراء طود شامخ مت منطق متعمم بسحاب يجمت قمته الرفيعة راجلا وسجدت للخلاق في محرابي ومع الأثير بعشثت منه حيتي لمجميع من في الأرض من أحبابي ومع الشعاع رفعت صاعدة إلى عش الإله مطالبي ومتابي أرجو من المولى قبول جميعها وشمول كل أقاربي وصحابي ويقول أيضا : أصفى المياه شربت أعلى قمة فوق اللحاب إلى السماء قريبة فيها لرياحين الزركية اعبقت ومناظر للعلملان غريبة ١ فيها لهواء منقح وطيورها فوق الغصون لدى الصباح عجيبة ويذكرون له منظر نزوى وقلعتها التاريخية فتجود قريحته بهذه الأبيات وذلك في ربيع الأنوار سنة 1744ه . قف ههنا وانظرن نزوى وقلعتها ومسقطا قابلا جعلان والجارا وانظر صحار وحي البحر ملتفتا إلى البريمي تجد حصنها نارا واقبل بوجهك للعينين متجها نحو الحجاز وحي الغرب والدارا هذا سليمان أحيا الليل مبتهلا وههنا أوقد الباروني النارا يتلو الكتاب يناجي الله منفردا والليل داج وكان الدمع مدرارا وبعد مؤتمر بهلا الذي انعقد ١٠ ربيع الثاني سنة 3)4١ه تقدم الشيخ عيسى بجيشه إلى الظاهرة ؛ فقابلته وفودها استقبالا مهيبا وهناك ارتجل الأديب الألمعي ‏ وكان بصحبة الباروني ‏ الشيخ أبو سلام سليمان بن سعيد الكندي قصيدة في ١١ جمادى الأولى سنة 744١ه مطلعها : نفح النصر فهبوا مس رين وارفعوا الراية بين العالمين وامرحوا في الأرض شكرا فلقد نصر الله إمام المسلمين ٠ الباروني من وجهة نظر رجال السياسة والفكر الملواقف تصنع الرجال وان المرء ليدهشه في الباروني قوة احتماله المكاره ِ وصبره على الشدائد » حتى انه فى سنة 1917م عندما قام بتأسيس الحكومة الوطنية في طرابلس الغرب بعد صلح كل من تركيا وإيطاليا اللعروف » لم تترك إيطاليا أية وسيلة فى الضغط عليه دون أن تجد إلى ذلك سبيلا » وان المرء إد يستعرض الصفحة الطيبة من تاريخه ليعجب من نا هه وقنا عنه ؛ والقصص على ذلك كثيرة منها : أ نه لما ضاقت عليه ل رص ما رحبيتثت 6 وارتحل بمن معه من الأبطال الصابرين في الجهاد إلى تونس وجد أن الأمير عمر طوسون باشا قد أرسل اليه بستة آلاف جنيه كإعانة للمجاهدين ؛ فلما وصلته ردها وقال فى خطابه للأمير طوسون : لقد كنت أريد المال للمجاهدين وا ل ن لا جهاد فلا حاجة لى به لذ لا غرو ولا عجب أن نحظى شخصية الباروني بالإعجاب والإكبار من قبل الساسة والمفكرين بمن عرفوه واحتكوا به فهذا أبو القاسم الباروني يورد فى كتابه (حياة سليمان باشا البارونى ‏ زعيم المجاهدين الطرابلسيين 1848م ص4 ) وتحت عنوان (الزعيم الباروني في سطور) يورد بعض آراء من عاصروا الباروني وعرفوه حق المعرفة . يقول الأمير عمر طوسون"' عرفت الزعيم البارونى المجاهد فى الحرب الطرابلسية ؛ فأكبرته وأصبحت ١ الأمير الجليل عمر طوسون باشا رئيس الجمعية الزراعية الملكية من سنة 477١1 سنة 1944م » وتوفى إلى رحمة الله يوم الأربعاء ٠7 المحرم سنة 1737ه +7 يناير سنة ]2١٠ م وكان - يرحمه الله صاحب اليد العلا في كل مرافق الإصلاح 6 كما كان له أثر كبير في الحرب الطرابلسية الإيطالية ومن قدموا للطبعة الأولى من كتاب (حياة سليمان باشا الباروني) في ١7 مارس 1441م » ونشرتها جريدة الأهرام بعددها رقم (774١3) والصادر في 6١/441/5١ . ١ له في ر نفسىر منزلة سامية بأفعاله المجيدة وخلاله الحميدة؛ وبما قدمه لبلده ووطنه من صادق الإخلاص والوفاء 4 ولاشك عندي انه من الدين باعوا الحياة في سبيا الل واشتروا بها الحنة ورضوان الله ١ه . : . ويقول محمد زاهد الكوثري' ١ : إن سليمان باضا الباروني رجل التضحية في سبيل الإسلام » وإعزاز كلمة الإساا م +٠قلما يدانيه مدان من أهل عصره في هذه الخصيصة النيرة أه. ويقول أبو إسحاق إبراهيم اطفيش"" : لقد ترك الباروني باشا زعيم المجاهدين الطرابلسيين فراغا لا يمكن أن يسده رجل اليوم ؛ وأين الرجل الذي تجتمع فيه تلك الخصال التي اجتمعت للبارونى من علم وشريعة وسياسة رشيدة » ومعرفة تامة بالفنون الحربية ومارسة القتال؟! ؛ مما أفاده فى جهاده المستمر ضد الغاصبين المستعمرين ؛ ويتوج كل هذا سمو في ١ ل خلاق وكرم في المححدء وطا عة لله ورسوله عا هيه لأن يكون مصلحا اجتماعيا لا يجود الزمان بمثله ١ه . ّ - . حَ ٠ 9( - . وجاء في كلمة اليوزباشي محمد إبراهيم لطفي المصري" ' قوله : ١- من شغلوا منصب المشيخة الإسلامية بالأستانة . ١ من العلماء الإجلاء » ومن لهم إسهامات علمية وفكرية ا تنكر وهو خليفة قطب الأئمة » ومن قدموا للباروني في كتاب (حياة سليمان باشا الباروني لأبي القاسم الباروني ص ١١) ٠ ؟ ‏ من امجاهدين الذين ساهموا في الكفاح العربي في طرابلس ومن شاركوا في العديد من الممارك ضد إيطاليا » تلت في جميعها شجاعته الخارقة ومقدرته الفائقة , ما استحق عليه ثناء العرب جميعا ؛ كما ساهم في الكفاح بقلمه وماله ؛ فأخرج عدة مؤلفات وطنية » وظل عاملا في حقل الكفاح إلى أن توفاه الله في أوائل سنة 146448 وكان من صدروا للطبعة الأولى من مؤلف أبي القاسم الباروني (حياة سليمان باشا) ١ لقد كان سليمان البارونى أمة مجتمعة فى جسد واحد وقوة عظيمة أوجدها الله وهيأها للزعامة في أمة كانت أحوج ما تكون إلى مثله ١ه . كان سليمان باشا البارونى _رحمه الله مثال الشجاعة والمروءة والجلد على الشدائد » والأقدام على الصعاب ؛ معتمدا على الله وعلى ويصفه فضصيلة الشيخ سالم بن حمود السيابى""' في حديث شفوي دار بيننا فيقول : (البارونى من خيرة الرجال ؛ وله همة لا ترضى إلا العمل الأرفع لدى منزل يشتاقه كل سيد ويقصر عن إدراكه المتطاول) . ويذكر لي فضيلته انه من عاصروا الباروني وجالسوه 6 وشاركوه في رحلاته وانه ما ان وصل البارونى مسقط حتى لقى من السلطان تيمور كل احترام ورعاية وحفاوة» حيث أكرم وفادته واستقبله استقبالا يليق به 6 ويقال ان الإمام محمد بن عبد الله الخليلى رغب فى استضافة البارونى 6 فقام برحلته إلى عمان الداخل واستقبل من قبل العمانيين استقبالا لا يلق إلا بالملوك ؛ ولم يزل يتنقل من بلد إلى آخر حتى استوطن في عمان وصاهر وكان ذلك في صيف 44١١ . ١ هو مؤلف كتاب (حياة سليمان باشا الباروني) زعيم المجاهدين الطرابلسيين والذي صدرت الطبعة الأولى منه في صيف 7730١ه في (777) صفحة من القطع المتوسط والطبعة الثانية بعد مرور سبع سنوات من الطبعة الأولى مزيدة ومنقحة في (60٠) صفحة من القطع المتوسط وذلك سنة 77١ ها سنة 1948م بتصدير الأمير عمر طوسون باشا . "7 من أعلام مفكري وفقهاء ومؤرخي وأدباء عمان ؛ ومن لهم إسهامات جادة في الفمقه والأ صول والأدب والتاريخ وهو واحد من العلماء الذين يندر أن يجود الزمان بأمثالهم » أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته التي تعتبر مراجع للدارسين والباحثين . ١ عائلة الشيخ الجبري علي بن جبر بن محمد بن ناصر الخبري » وسكن بالقرب منهم بموضع فاروه بسفالة سمائل ؛ وعاض مع زوجته المذكورة إلى أن توفيت وورثها من سمائل . ويضيف فضيلة الشيخ سالم بن حمود السيابي إلى ذلك قوله : وفي عهد السلطان سعيد بن تيمور تولى الباروني نظارة شؤون الولاة فخرج إلى الشمال وكان بصحبته الشيخ على بن عبد الله الخليلي ؛ وكنت من المصاحبين » ثم عاد إلى مسقط حيث أصيب بمرض استدعى سفره إلى بمباي للعلاج حيث قضى هناك نحبه ودفن فيها . وما يذكره فضيلة الشيخ سالم بن حمود السيابي للباروني أيضا أنه بنى بيتا في علاية سمائل بموضع الإبراهيمية واتخذه مدرسة حاول أن يدخل في مناهجها التعليم العصري ؛ وأن هذه المدرسة انتقلت إلى الشيخ سعود بن علي الخليلي » كما يذكر فضيلته بأن للباروني ديوانا شعريا اطلع عليه . ونحت عنوان (أبي كما عرفته) تقول زعيمة الباروني" : (لم يكن والدي ‏ رحمه الله يخشى الخطر مطلقا فلم يثنه عن عزمه وتصميمه ما قاساه من تعب ونصب ؛ وما مر عليه من مشقة وتعذيب ؛ وقد ظل معتصما بالصبر » فظل مثابرا على أداء واجبه مهما أحاطت به الظروف » ومهما اكتثفته النوازل) ١ه . ١ الحديث لفضيلة الشيخ سالم بن حمود السيابي : 7 السيدة زعيمة الباروني كريمة سليمان باشا الباروني ومؤلفه كتاب (صفحات خحالدة من الجهاد) » كما ترك الباروني طارق الباروني وعز الدين الباروني حفيدي الزعيم ونلي ولده إبراهيم . زى الباروني شاعراً عرفنا الباروني رجل السياسة المحنك العارف » والأسد الذي يصول في ساحات الوغى » والمجاهد البطل » وآن لنا أن نتعرف على الباروني الشاعر الإنسان ذي القلب الكبير والعاطفة الأخاذة الجياشة . وذلك بإيراد بعض من غاذجه الشعرية على سبيل التمثيل لا الحصر » وسنختار هذه الأبيات كما وردت في (حياة سليمان باشا الباروني لأبي القاسم الباروني) . نبدأ بإيراد أببات مختارة من رائية له يرثي فيها أخاه الشقيق الشيخ يحيى بن الشيخ عبد الله الباروني ؛ وقد بلغه نعيه عندما كان مقيما بمائل عمان »؛ فنظم هذه القصيدة في ليلتي 8 و45؟ من جمادى الأولى سنة 7ه +؛ وأرسلها إلى خليفة قطب الأمة الشيخ أبي إسحاق إبراهيم اطفيش ويقول فيها : يحيى أخي أين أنت اليوم مستتر يا خيرعونإذا ماأحدق الخطر يا مخزن السريا رب الوفاء ويا فخر الرجال ويا من وجهه قمر نعاك لي اليوم كل الكاتبين ولم أجد سوى الصبر فيما شاءه القدر بالطبع نحزن لكن هل لنا أمل في عودة منك؟ كلا! مالذا أثر أنا حزنا وطال الصمت وانزعجت منا النفوس ولكن هل شفى الضجر؟ "», هيهات! هيهان!لا عود ولا صلة من بعد موت ولانعت ولااخبر إلى القيامة حيث الحشر يجمعنا نرجو اللقاء وذنب الكل مغتفر والقصيدة طويلة تقع في (87) بيتا من الشعر . ومن شعره في الخلافة الإسلامية : الله أك_بر حات الأفكار في حكمه سبحانه الختار حكموا وظنوا أن حكمهم معنا وطغفوا فغار ألهنا فانهاروا (نزلوا) وها أنا قد صعدت فهل لهم ان يهدموا ما شاد الأقدار مالي أرى (بونكاريا) زلت به قدماهأم قددكهالجبار زمنا قضيت بحكمه متفرنا" فكأنني لص إليه يقار ١ - يقول هذا من باب التشنيع وكأنه يقول (أصبحت كالمتفرنس) يشير بذلك إلى الحضارة في فرنسا وانغلاق أبواب البلاد الإسلامية عليه (ص 156 حياة الباروني باشا) . نص الباروني والشعراء وللباروني ديوان شعري وأشعار عديدة في مناسبات مختلفة نعرض عنها هنا صفحاً عن الإطالة » ولنتعرف على الباروني من وجهة نظر الشعراء والأدباء الذين عرفوه في حياته وواسوه في مصابه وأحزانه ورثوه بعد رحيله إلى العالم الآخر . جاء في قصيدة نظمها العالم الجليل الشيخ سليمان بن سالم الكندي يرثي فيها صديقه الحميم سليمان باشا الباروني : ان العروبة والشضهامة والحجا مدضمئت قبرابه الباروني طالت به ششرفاوطابت تربة بمباى فيالله من مدفون أعظم به خطبا جليلا باقيا أبدا فلا يفنيه مر قون خطب ألم بنا| فهدمركننا وأباد صنوتنابريب منون ما هذه الدنيا بدار إقامة أبدا فلاتفتر كالمفتون تلد العجائب فهي حبلى دائما وخطابها لهم حذار شجوني كم سنت للمرء لذته ولم يشعر ف غالته بحرب زبون ؟ والقصيدة في خمسة وعشرين بيتا : وينظم العلامة الجزائري الشيخ أبو اليقظان إبراهيم بن عيسى الميزاني هذه القصيدة الغراء مخاطبا الباروني في زمن الحرب الطرابلسية الإيطالية في (7) جمادي الأولى ١7١ ه ومطلعها : أحرك لي شسوقي وهيج لي وجدي تبسم زهر الياسمين أو الورد؟ وأغصان ريحان الربا عبثت بها رياح الصبا تشفي الحزين من الكمد أم غضة غيداء ذات تغنج مفلجة الأسنان وردية اللقد لها الشغرعن حب العمائم باسم يجود بعذب الريق أحلى من الشهد لها فاحم فاق الغراب ومرسن ومقلة ظبي لا نظيرلها عندي حمام إذا ماشت » كثيب إذا ونت قضيب إذا جاءتك مربوعة القد سلوب متى قصت ؛ خلوب إذا حكت لعوب إذا لاقت شغفت بها وحدي يلوح سناها يملا اجو نثرها إذا أسفرت عن وجهها وعن الجعد تقبل كعبيهاذوائبها ذا مشت والبرود لا تمس سوى النهد 1 لها من بديع الملحسن مالو توزعا على الغيد أغناهن عن زينة العقد تحب وصالا ماله اعنهسلوة وليس لها عني إلى ذاك من بد فقلت دعيني ياسليمى فان في سويداء قلبي حائلا عنك كالسد تواري فلست مغرما بك إنني مشوق إلى من حق بالنصر والمجد همام عظيم ساقه الله رحمة إلى الدين والأوطان والفضل والمجد هو الشمس لكن لا يغيب وانه لبحر ولكن لا بذي اللجز والمد والقصيدة تقع في ثلاثين بيتاً . ولأبي اليقظان قصائد في الباروني منها قافيته المشهورة والتي قالها بمناسبة حفلة تكريمية أقامها أبو اليقظان للباروني وذلك في 74 من المحرم 7ه ومنها قوله : هلالان هلا بالرحاب والسقا وبدران من أفق السماءين أشرقا هلال به عام جديد تلألات مباسمه فوق السمافتوونقا وآخر لاحت من سماء كماله أشعتهفي جونا فتلقا 7 وضاءت به الأرجاء بشرا وبهيجة ا وفي وجهها ماء السرور ترفر والقصيدة تقع في 0 بيتا من الشعر . 77 الباروني وشعراء عمان جاء في (حياة سليمان باشا الباروني) لمؤلفه أبي القاسم الباروني ط؟ / ص19؟) أن مجلة المنهاج الشهرية كانت تعني من حين لآخر بنشر أنباء الحركتين الفكرية والقومية في عمان وكانت تورد في ذلك الكثير مما يتعلق بالبارونيى مستشار حكومة سلطان عمان إذ ذاك ؛ وما جاء في ذلك إحدى فرائد الشيخ عيسى بن صالح الطائي قاضي مسقط حيث يقول : أقومي ان للعليارجلا لهم في نيلها رأي وفكر لها دحروا الكرى بنصال عزم وفي وثباتهاقصد وكر إذا ليل الغباوة مدسجفا جبلاهمنهمعلموخبر وكم ظلمات جهل قد محوها كمابمحى من الأسفار سطر غذوا أرواحهم بلبان علم فطال لهم على النظراء قدر ففرق بين من ساس البرايا وجربها ومن في الناس غمر وفرق بين من هزم السرايا وبين فتى له في الحرب فر وفرق بين من قال فعلا وبين ف_تى له خ_ادع ومكر 4 أقومي أين مجدكمق ليما تقاصر عنه عيوق ونسر إلى أن يقول : لقد سمح الزمان لكم بقرم له في خدمة الإسلام بر هو الهم (البروني) ذو المزايا سليل المجد في الهيجاءذمر نمته نفوسة شرفا وجادت به لعمان أيام ودهر م منهج التحقيق تناول الكتاب الموضوعات الرئيسية التالية : إمامة طرابلس وانتقال الإمامة منها إلى تيهرت بالمغرب الأوسط وتأسيس مدينة تيهرت وأقوال العلماء والكتاب الذين تناولوا تاريخ هذه المدينة بالإشارة والذكر والمدن التابعة لها والعلماء المنسوبين اليها . كما تناول الكتاب الحديث عن (درعة) وعلمائها وخلافة الإمام عبد الرحمن والإمام عبد الوهاب وقتل ميمون ابن الإمام والأخذ بثأره وخروج الواصلية من المعتزلة على الإمام وحروبه معهم والمناظرة والمبارزة ؛ ثم الحديث عن أبي أيوب ابن العباس على الجبل وحكاية ابن يانس وعماله ؛ وخلافة الامام أفلح بن عبد الوهاب وخبر فرج النفوسي المعروف بنفات الخارج عن الطاعة » وجوابات الامام أفلح إلى المسلمين وهروب نفات إلى الشرق واستنساخه ديوان الامام جابر بن زيد رضي الله عنه وولاية أبي ذر أبان على جبل نفوسة » ومن ثم خلافة الإمام ابي بكر ابن أفلح ورجوع أبي اليقظان من بغداد وخبر قتل ابن عرفة وحرب نفوسة وأبي اليقظان مع أهل المدينة واجتماع الاباضية والمعتزلة للمناظرة وحكاية العلامة أبي عبيد الاعرج مع الامام وأخباره » وولاية أفلح ابن العباس على جبل نفوسة » وولاية أبي منصور على نفوسة وأخباره » وجواب أبي منصور إلى ابن طولون وحكاية أبي اليقظان مع أخي الخليفة المسجون معه » وعقد الخلافة لرفيق أبي اليقظان وأخباره معه بعد ذلك ؛ وطلب الخليفة من أبي اليقظان الاقامة ببغداد . ويتناول الكتاب خلافة الامام أبي حاتم يوسف بن محمد وسعي بعض الفسدين في المروق عن طاعة الامام وحربه مع عمه يعقوب واجماع ١9 المسلمين على خلافة الآأمام وهروب عمه يعقوب إلى طرابلس ودخول الإمام المدينة » وولاية العلامة أفلح بن العباس على نفوسه وحول أرباب المذهب بتيهرت ووفاة الامام وانقراض ملك بني رستم فيها واستيلاء الشيعة عليها ورثاء مدينة تيهرت بعد خرابها » وسياحة المؤلف في المغرب . لقد تحدث المؤلف باسهاب عما عرض له من موضوعات ويتضح ذلك من حماسه للمادة التي يؤرخ لها مشيرا في ثنايا مؤلفه إلى أن مجاورته لقطب الأئمة العلامة الشيخ محمد بن يوسف اطفيش وملازمته له ثلاث سنين » وما كان يسمعه من استاذه الفاضل عن تيهرت وعمرانها وبني رستم وعدلهم فيها »؛ اشتاقت نفسه إلى زيارة أطلالها والوقوف على ما بقي من آثارها اعتبارا بمن مضى » وتزودا من بركات من وطئوا ثراها ؛ وعمروا بذكر الله سماها ورباها » فاستأذن استاذه الذي زوده بدعائه الصالح وتوجيهاته القلبية إلى تيهرت ليجدها ولم يب منها الا آثار ورسوم وأنقاض متراكمة ؛ وبقي من سورها شيء قليل في ناحية يدل على منعته وقوته » كما زار المؤلف الغار الموجود فيها بالقرب من الشجرتين اللتين يقال ان عمرها يعود إلى وقت عمرانها » ويذكر المؤلف ان المشهور عن الغار انه كان معبدا لبعض زهاد ذلك الوقت ؛ كما يستمع من الأعراب المجاورين إلى بعض الكرامات . وهكذا يتضح لنا ان حب الباروني واعجابه بتيهرت دفعاه إلى التأريخ لهذه المدينة فكان والحق يقال موفقا فيما ذهب اليه » عالما بأخبار من أرخ لهم » لا يصدر الأحكام جزافا ؛ بل يخضعها للعقل والمنطق فنراه بين الفينة والفينة يدلي بآراثه ويعلق على مايؤرخ له ايجابا أو سلبا بأسلوب المؤرخ العالم العارف المسلم بمادته المالك لزمام المبادرة في كل حال وعلى كل حال : لذا جاءت كتاباته هامة لأنها اعتمدت على سرد الحقائق واخضاعها للعقل والتحليل المنطقي السليم ودعمها بالحجج والبراهين . 79" ويلقى الباروني كل رعاية واحترام من قبل المسئولين في عمان ويحظى باهتمام السلطان تيمور الذي أعد قصرا فخما لنزوله » وأنه قام بمهمة اصلاحية جليلة الشأن حيث لعب دورا كبيرا في إزالة ما كان هناك من جفاء بين الامام محمد بن عبد الله الخليلي وبين السيد تيمور بن فيصل سلطان عمان ؛ فتقاربت وجهات النظر » وعادت المياه إلى مجاريها من جديد مما كان له أكبر الأثر في نفوس الجميع . ويشير أبو القاسم سعيد يحيى الباروني في كتابه (حياة سليمان باشا الباروني زعيم المجاهدين ط؟ ص ٠ 4) أن الباروني سار على نهج هذه العقيدة المتغلغلة في نفسه حتى تغلب عليه مرض عضال أعيى نفس الاطباء فأشار عليه طبيبه الخاص بالسفر إلى بمباي حتى اعتلت صحته ولزم الفراش اياما ء ولم ينجح دواء » ولم ينفع طبيب » فصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها؛ وكانت وفاته ‏ رحمه الله - في ماء١ مايوسنة 1946م . وهكذا سطر الباروني صفحات مضيئة في سجل الخالدين وانتهت حياة شمعة أضاءت طريق الحرية والعزة والكرامة ردحا من الزمن » ذلك هو الباروني المكافح » المناضل ؛ المجاهد في سبيل عروبيته واسلامه ووطنه . مراجعة : محمد علي الصليبي ربيع الثاني 1407ه الموافق هك ديسمبير 483١م »9 : 1 7 ل ا ٠ |١ 1 4 . 2 . ل ُّ 1/7 8 1 7 بس ٌْ ٠) ا [١!١) ١١ [١|) (١١) ١ " 7 . . م : 7 -(ْ<وة 7ىس“#سطردخ__دشدحجخخ_آ[_.-_ ٍ :6 0606ة ل ا 7 بح ِ ٠ ا (١اء) (١.) [١.) ١١.١ . . ا 7 7 7 دري <> 8 2 ا 1 م شال نال نامل | لي 7 73 1 ا لو َ 77 77 - 6 اا ب ؛. 7 0 0 7 : م" 1 1 23 7 .1 بورج يسيج أ - ٍِ را ٠ ا رم ا ا را ب ل 1 8 4 1 0 اد ل ا 7 ا ٠٠ اال ّّ بآ ب ٍ اه ا 1 ليحن ." * ايا ا اله 4 ا ا و ا ا ل 6 ا ل ار ل ا : ً ا ا كن ب اا 3 3 0 1 لدي ا 0 8 ازيل بن 27+ 5 د ب 7 : 5 : 0 م ّ 4 سن 5 7 ال : ا أ 0 1 اد : ن ا 4 ا ا م 1 * ايا 6 2 65 27 ا م ا : ا 5 ْ 0 : ل ال اا أن لا , ا . : يال ااا جا د ل ا جه | اران ا يال 0 ل 5 : 1 كر رط 1 ا ١ امن ا ًْ ب 1 1 1 0 9 ب 0 ِِ : 1 ا © ل مسي 7 بي 0 * * 7 8 0 سج . كوي مؤر 1 ال ا قب ع 1 ,د 7 راي 1 4 7 1 ْْ . اي جا ا ايع .77 ل 2 لخ ا 7 ب ونا 00 : أ سر ا ّ 0 11 ا يب م ا ا :0 م 2 ب“ معي 1 ب 1 د م 1 7 8 * اي ل لا : ا 1 َ + 6 اا . نض م . : 8 0 اا ا ل ل ْ ا ل ا الاج ب ده لخ د مس 0 .400 ل ل ا 0 5 8 م ؛: الى اي 5 0 0 ا ا ئّْ .«* آ» اله ا ٠ 8 0 .5 : م : 7 ل 0 1 +4 1 م ا َ ا ا ا 1 ا ا ار م ال ار 2 ب ا ب ال ال ا الس ا ا َ . 7 الب 7 1 ل مد يا ا ا . 8 ا د 0 ب إل لمكو ]فم ل 0 7 ا ا جه ٍ ب 0 يل ا 0 1 5 "» :0 ام > . ا َْ ل 9 4 "0 1 ا ولا 3 : 1 َ بت ا 3 ٍ ا 7 0 0 وال لبي .٠ ة 2 ل اله 1 . : . * : 1 5 77 7 5 ا الى د 7 .ول 2 ا رن ال ف م ١ 220 د النبي جا ا ان ا .7١ 77 ري ل رتح ل 7 از 7 + ا 7 . . ٠ ً” 84 ١ ايا اله و ١ 3 ّ ا . ا 7 ا لاز َ, را رح ا كو ا ل ة : : ع ا ا ١ وان , بأ '' ولي ا 1 ل ا : د اا ل اراب : 7 اي 4 ل ماه اد اذا ا و ال ا ا 0 ا 0 :771 ا ل ا ا ادا حي : 0 ا 0 د 1 ااي ان ا ا :7 ِ ل ا اخ ل ا ٠ . ٠ و يقن 1 . 4 7 0 ا اق + م جح ا ل ا رن ال 1 ا دا م 4 م الل ل ال ا ارا ري : ا ب 5 5 1 ا ا 2 نمك روات دين ا ا 4 أ 7 حي 5 ا 1 1" 1 1 1 5 0 7 ص ري : 0 ل ل 0 ل م ا 0 ب 7 الب 8 #" 0 3 ل التو وال ل ا ا 5 "1 ل 9 ا 1 َ ٠ ...0 . 2 ا : 5 : ١ 1 2 ل ٠ .ما ١١ ل ا ل ل ا ا( ١ مز ل 7" 0 ا 7 ل ل اا 5 الرخص: > ىن ا : اد 0 جا ال ا اا اللا 0 بن ارا لد 0 ل 1 0 ا لكر + ب ل ِ حب ال رش لز ا" 1 0 1 8 , 0 21 9 للب ل 8 2 م : ا 1 بي .5 9 ا ل ل ل لي : , ِ نبب 2 ل : َ" : ٍ اي 6 بيد ا لي لف . ب نيد د 1 ع ارا وه ً ال 6 ابن ؟# 83 ٠0 2 ل : )1 ل رن 3 1 ا << >٠ ب ّ اال بن م : 7 1 ا تع أ 5 يي ا م ما : ا اا اه : ون - 6 يب ا - ل ا ل قري 0 0 ل : ! 5 6 ا ا ل 0 م ل دضلا م ا 1 ا ِ 1 7 الإ سه اا ا ال ا : ي : 3 ل 0 ا ا ا 1 ا ب العجواليق. > وال جه . 0 افيه 0 7 . ا 0 21 4 0 87 ّ' 4“ 7 0 0 جٍّ ِ ؤ, - : 0 ا 0 الول 74 دا 3 0 . 1 ل 1 8 7 ا ب . 0 ب لق 4 ّ 1 1 لو .للا ار لا يت ا بن >2 زا 7 جَ ا ا 0 ال 0 ب ا ل لا ا 78 1ل : واج ل : ال ل 1 ِ 4 برام 1 3 4+ ا 0 ا ا الا وجي يي ا ال ال ] رج ااي اا ما اله 7 0 لت ف م َ ا ا 0 0 0 0 0 1 2 7 1 ا ا ا ٍ 0 0 1 7 2 ا 3 5 : ٍ م َ و ار : 0 : 0 ,0 ح | > زر 0 7 1 5 0 ا اا 2 1 ا نّْ 4 5 7 : : 0 3 كر ر ل 1 2 1 م . ل اا اليد ا الي "0 , 317 ألا , ان : ا 4 م 7 اح ار نا م > م 87 ند ال ً ا 7 ِ! ب 1 ٍ ييا . ١ ا ب 7 1 ٍ 1 ّ تخي الم 7 188 1 0 : ا 3 : ا ل ِ- ّ 7 0 ا أ 1 : 7 ا . الل ا ا 3 0 5 15 : 1 7 ا را : 1 ا ل 1 ب 6 جي ا داق لاوا ماله دو ا ا 5 3 5 : 1 ب . : ا ا ل : 1 5# وه ل ا ل : 277 + ا ل 8 ب آَ ٍ ل : طاة ا ا ا ب ,| و لخم . 7 ا 2 ات يَََ ب ا م ا ٍ ا ا 1 ا 8 ا اراد : 1 ل م ا لل 7 0 ل 1 ع . ل 1 ل مج ا ا االو وا 2 : ل م ّ ححا ا 1 ل ل ل .اشن هُ > : ب ل ل الا ل ل ا 4" : 1 . : . : اا 8 0 بنج 7 1 1 ا 5 بي 1 ٍ 8 ل ف ل لل د 72 ' ا ا 1 . 0 ل ٍ الها د ل 3 0 الخ 0 : الاو اا حار ا ور“ : ا مت اح ا لهب 0 ٍ 1" طأئاة ا . ب : ٍ 0 ا . 0 : 1 لجسي م اد 7 با :2 ا مر ا 0 .ع ١ ل ا : ت ا 7 ٍ ٍ ا 7 شا ا 4 ّ ا ا الا .ب ِ ب : 6 ط 5 : ل ا ا ا ل ا ع 7 ِ 7 ١ ّ > ّ ا برا أل الا اللو ا ٍ | 32 ِ - ا ا 1 ل ا ا 7 * 7 ب 3 اح ا 1 اا ل ا ل لت ' ' 5 :: 7 4 ا : ا 1 0 ا 8 8 : ٍ ٠ 1 . 4 ل 3 : : ' 0 ب 0# ا ل ب ال 5 , َ > :1 ا ار ا ل ل 1 ٍُ 8 ا #8 0 5 1 ل 0 1 : 2 حا" اجر )الال تل 8 | ٍ . 6 ا 1 1 :2 1 , ل 4( .: لل ف 8 [ ٍ خا © ٠ 0 0 ا ل نجه ٌّ ب ّ: ! : 4 ْ"# ء ب مل ّ بم ٍ 1 م د ا " 2 م 0 .٠" ٠ ن: . >< 1 ص 7 7 ل جه 0 0 1 27 0 9 و . ا ته كمد حا 7 اويح و أ 4 0 الج : : َ / 0 دا 2 0 22 ر 17 أ لمفلللمتططنث فز أ - .- 7 . لا 7 5 لتقطت هده الصورة للمؤً لف َْ عا 7 9 ١ - ( ٍ 2 انر وحره | عاسا الوا ص( رسا بعاعل مانا ل لز من صاصم , : ِ م عصراء , ىر - ِ ض + بن / ادع رمت رصت رإيا ص وتعلز لما نع مسللح : , 2 دير سرج ابا ومباسر” (اعوزكني ونام ىإ رأ حم َ ل راعلاو ذات البين رمنع الخدي رخا تطة مرت _ د ا ا ا ول سورك مائم وما سرف الب ر* 0 © وعدي رسعوى رد والسالىحد ن» مز ء؟؟١ خ ٍ سيلا وبري ِ ٍ اجيم ٍ ٍ 0 ذ 1 ْ + 5 رسالة بخط المؤلف ا ٍ 0000 0 0 00 »)00009900 رسالة بخط المؤلف 9 القسم الأول ١ إمامة طرايلس: يعتبر سلمة بن سعيد الحضرمى أول شخصية تذكرها المصادر الاباضية مقرونة بالدعوة الأباضية في شمال إفريقية » وقد ارتحل إلى شمال إفريقية بعد عام 4ه / ؟1لام . وقد استقر سلمة في جبل نفوسة في منطقة طرابلس ؛ وكان سلمة شديد الحماس حريصا على نشر الدعوة بين قبائل الملغرب » ويروي عنه أنه قال : وددت أن يظهر هذا الأمر بأرض المغرب يوما واحدا من غدوة إلى الزوال فما أبالي أن ضربت عنقي . وقد أرسل سلمة بن سعد بعض الأشخاص بالذهاب إلى المشرق ليأخذوا العلم ويتفقهوا على يد زعيم الحركة في البصرة الامام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي » وكان أشهر هؤلاء الاشخاص أبا عبد الله محمد بن عبد الحميد بن مغيطر الخباواني » وقد أصبح ابن مغيطر مقدم الأباضية في منطقة طرابلس بعد اختفاء سلمة عن مسرح الأحداث . وقد سنحت الأحوال باعلان الامامة الأباضية في طرابلس عام 6200١ه / /ا0لام » حيث اتفق الأباضية أن يبايعوا الحارث بن تليد إماما عليهم ؛ فقام الحارث باحتلال طرابلس وبقية ليبيا ولكنه قتل غيلة على أيدي أعوان عبد الرحمن بن حبيب » والي طرابلس العباسي » وبويع بعده أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري إماما للأباضية » وتمكن الأباضية بقيادة أبي الخطاب من الاستيلاء على طرابلس وإتخاذها مركزا كما استولوا في العام نفسه على جزيرة جربة وجبل دمر وقابس ودانت لابي الخطاب معظم بلاد الأدنى واستطاع الاستيلاء على القيروان قصبة إفريقية في العام التالي . وقد استمر الأباضية في صراعهم مع الولاة العباسيين طيلة خمس سنوات وانتهى النزاع بمقتل الامام المنتخب أبي الخطاب المعافري من معركة 3 تاورنما عام 144ه / 1211م على يد الوالي العباسي محمد بن الأشعث الخزاي . وبعد هذه الأحداث بويع أبو حاتم يعقوب بن حبيب المعروف بالملزوزي الذي قتل هو الآخر فى معركة حامية مع والي الحبة جعفر المنصور ء وكان قد حارب الأغالبة وتغلب عليهم وبعد مقتل أبي حاتم انتقل مركز الأباضية من طرابلس إلى تاهرت بالجزائر حيث تكونت دولة الرستميين . "١ تاهرت: مدينة من مدن المغرب الأوسط (الجزائر) . . وتذكر الروايات أن عبد الرحمن بن رستم » والي القيروان من قبل الامام أبي الخطاب ؛ في إمامة طرابلس » قد بنى هذه المدينة عقب فراره من جيوش محمد بن الأشعث بعد هزيمة أبي الخطاب عام 164ه / 11م ؛ وقد بناها على بعد خمسة أميال في الجنوب الغربي لمدينة تاهرت القديمة التي ترجع إلى العصر الروماني ؛ وقد أصبحت هذه المدينة مضرب الامثال في جمال طبيعتها وموقعها الممتازء واتخذها الأباضية عاصمة لامامتهم في لمغرب الاوسط . ١ عبد الرحمن بن رستم: هو عبد الرحمن بن رستم بن بهرام بن سام بن كسرى ؛ من أصل فارسي ؛ أحد تلامذة أبي عبيدة مسلم من حملة العلم إلى المغرب ؛ كان قيامه مع أمه بالقيروان » قدم به أبوه حاجا من فارس فتوفي بمكة وتزوجها رجل مغربي من أهل القيروان فحمل الولد معه ثم عاد إلى البصرة مع رجال من المغاربة إلى طلب العلم فاستقر بها في رحاب أبي عبيدة خمس " سنوات ؛ ثم خرج وقام بدولة الامام أبي الخطاب ؛ وتولى له القيروان » ولما قتل أبو الخطاب خرج عبد الرحمن مع رجال الأباضية إلى الجزائر وبويع له بالامامة » وطار صيته في أطراف الأرض شرقا وغربا ؛ وظل إماما في تاهرت أحد عشر عاما ؛ وجعل الأمر من بعده شورى بين سبعة رجال العلم والصلاح وهم ولده عبد الوهاب ؛ ومسعود الأندلسي ؛ وأبو قدامة يزيد بن فندين » وعمران بن مروان الأندلسي ؛ وأبو اللوفق سعدوس ابن عطية ؛ وشكر بن صالح الكتامي ؛ ومصعب بن سدمان » وقد اتفق الجميع على اختيار ابنه عبد الوهاب . وكان عبد الرحمن قد هرب إلى تاهرت وترك القيروان بعد انتهاء إمامة طرابلس » وبدأ في بناء مدينة تاهرت على موضع تاهرت القديمة (الشيخ سالم الحارثي) (العقود الفضية في أصول الأباضية ص 774 / 0١). ؛ ‏ الامام أبو الخطاب: هو أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري » وقد الجتمعت الأباضية على اختياره إماما عام 141ه / 88لام » بعد مقتل الحارث بن تليد على أيدي أعوان عبد الرحمن بن حبيب » وفي عهده دانت معظم بلاد المغرب الأدنى له واتخذ من طرابلس عاصمة له . طرايلس: من أهم مدن الشمال الأفريقي ؛ وكانت تقع إلى الغرب من برقة ؛ كما تبدأ بعدها مدن المغرب الأدنى (تونس) . 1 ١ - القيروان: من مدن المغرب الأدنى التي أقيمت في زمن الدولة الأموية » لكي تكون مركزا للجيوش الإسلامية التي تقوم على فتح إفريقية » وترجع إلى ايام عقبة بن نافع 6 وكانت أعظم مدن إفريقية وأكشرها تجارة وأمولا وأحسنها منازل وأسواقا د وكان فيها ديوان جميع المغرب ودار السلطان . ١ قايس: من مدن المغرب الأدنى » تقع على الساحل » ويحدها جبل نفوسة من الجنوب ؛ وبلاد الجريد من غربها كما أن جزيرة جربة تقع بالقرب منها . عبد الرحمن بن حبيب عامل إفريقية العباسي . 1 - قبائل بربرية: قبائل بربرية خارجة من صلب زناتة وتعتبر لواتة ومزاتة وهم بنو الخطاب ملوك مزاتة . ٠ -إفريقية والمغرب: أطلق المؤرخون والجغرافيون المسلمون في العصور الإسلامية على المنطقة التي تقع غرب إقليم برقة إسم إفريقية » والمنطقة التي تجاورها من الغرب اسم ثلاثة أقسام هي : الملغرب الادنى (تونس حاليا) واللغرب الأوسط (الجزائر الحالية) والمغرب الأقصى (مراكش أو المغرب حاليا) . 1 القسم الا ني الباب الأول في انتقال الإمامة من طرابلس إلى مدينة تيهرت بالمغرب الأوسط وميداً ذلك وأسيايه قد تقدم ان عبد الرحمن بن رستم لما ورد عليه أمر الإمام أبي الخطاب من طرابلس » وهو عامل له بالقيروان » جهز جيشا وسار به » ولما وصل (قابس) أدركه خبر وفاة الإمام » فتقرق عليه الجيش وقامت (قابس) على عاملها فعاد إلى القيروان فوجدها قد قامت على وكيله أيضا ؛ ووجد عبد الرحمن بن حبيب ثائرا بها كما مر مفصلا في القسم الأول ؛ ولما وجد الأمر ماله وا بنه عمد الوهاب وتملوكه وفرسه وما ساروا غير قليل حتى ماتت الفرس فدفنوها كي لا يعلم بموتها أحد من حزب ابن حبيب فيطمع فيهم ويتبع أثرهم ولما تعب عبد الرحمن من السير لكبر سلة تناوب حمله | بنه عبد الوهاب على ظهره مع المملوك 6 وقال كل منهما للاآخر إذا لحقنا من العدو ما دون خمسمائة فارس فلا نضع الشيخ (أي عبد الرحمن) إلى الأرض ؛ وأنا أكفيك مؤونة الدفاع وظلوا سائرين قاصدين رحاب المغرب وأكنافه!'' الواسعة المزدانة!"' برجال الأباضية اخوانه ومحبي سيرته ؛ حيث يعمه الأمن ١- أي جوانبه . "- أي المتزيئة . 7 ويحيط به العز والشرف 1 ويشمله الاجلال والاحترام ْ إلى أن بلغوا جبلا يعرف بوفجج » وهو على ما وصف به في التواريخ في غاية المنعة وصعوبة المرقى 6 فتحصن فيه وسمع به وجوه إ ل باضية 6 وعلماؤهم فقصدوه من كل النوا حي حتى ا جتمع عنده من طرا بلس وجبل نفوسة من العلماء فقط ما يزيد على ستين من أكابر العلماء وأهل الفضل والرأي ؛ ولما بلغ ابن الاشعث يطب له طعام ولا شراب ولا منام ؛ حتى جهز جيشا وسار به إلى الجبل اللذكور لمحاصرته قبل أن يعظم ذلك المجتمع » ولا وصله نزل في سفحة'" وحقر خندقا على معسكراً " خوفا من هجوم عبد الرحمن ؛ ومن معه عليه وأقام محاصرا للجبل زمنا مستعملا كل الحيل في دخوله والاستيلاء عليه ؛ ولم يتمكن من ذلك » ولما سم" الاقامة وتوقع انقلاب الحال عليه وخاف سوء العاقة ولاسيما بعد أن انتشر داء الحمى وال جدري فى عسكره حتى هلك منهم خلق كثير استشار في الامر خواصه » فأشار عليه بعض بالارتحال وبعض بالاقامة ؛ فأخذ برأي الأولين وارتحل قائلا ان سوفجج لا يدخله الا دارع ومدجج”"' ؛ ولم نقف على ما نستدل به على تعيين هذا الجبل وأي الجبال هو لتبدل الأسماء بتبدل اللغات مع طول الزمن » فدخل القيروان ونحخصن بها؛ وأقام عبد الرحمن هنالك حتى | جتمع عليه من 1 هل أله لفضا ] ١ سفح الجبل أسفله . 7 - المفكر موضع اجتماع العاكر . ,5 أي مل بتشديد اللام : ؛ ‏ دارع كلابن وتامر هو الرجل الذي عليه الدرع بكر الدال وهى حلة من حديد"ْ تلبس حال الحرب - تذكر وتؤنث _ والماجج - بتشديد الجيم الأولى ‏ هو الرجل المتقلد بلاحه الحديد القري : يختفي في اللاح (١ ه ولعله بالعمكس : 0 والعلم والصلاح جم غفير وارتحل إلى جهة (تاهرت) وهي إذا ذاك مدينة قديمة يسكنها وما حولها قبائل من البربر مثل هوارة ؛ ومكناسة ؛ ونفوسة ؛ ولماية » ومزاتة » وغيرهم » وكلهم أباضية إلا النادر ويعدون بمئات الألوف ؛ قال المؤرخ ابن خلدون » وقتل أبو الخطاب وطار الخبر بذلك إلى عبد الرحمن بن رستم بمكان امارته في القيروان » فاحتمل أهله وولده ولحق بأباضية المغرب"' الاوسط من البربر الذين ذكرناهم » ونزل على لماية » لقديم حلف''" بينه وبينهم » وذكر مثل ذلك العلامة الحموي في تاريخه أيضا » ولما وصلهم استبشروا به لما ييلغهم من استقامته وعدله وعلمه وورعه » أيام كان عاملا لأبي الخطاب على القيروان والتفو حوله واستظلوا بحمايته ؛ ووقفوا عند أوامره ونواهيه بدون ان يدعي فيهم خلافة أو يطلب بيعة أو ملكا ثم اجتمعوا ١ الذي يظهر أن الذي سار فيه عبد الرحمن ومن معه من ذلك الجيل إلى حد تاهرت كله عامر بالاباضية لا غير أو لهم السيادة فيه ؛ وإلا لما أمكن له الوصول بدون أن يمرض له عارض مع اشتهار أمره وشدة طلب العدو له ؛ ولم نعلم السبب المرجح لذهابه إلى المغرب دون جبل نفوسة وما حوله العامر بالاباضية مع قربه منه وقوتهم اللهم إلا أن يكون ذلك الحلف الذي سيأتي ذكره عن ابن خلدون . "- الحلف - بالكر - العهد بين القوم والصداقة والصديق يحلف لصاحبه أن لا يغدر به (١ه) » قاموس (فائدة) قال والاحلاف قوم من ثقيف (بفتح الثاء) وفي قريش ست قبائل » عبد الدار ؛ وكعب ؛ وجمح » (بضم ففتح) وسهم ؛ ومخزوم وعدي ؛ ل نهم لما أرادت بنو عبد مناف أخذ مافي أيدي عبد الدار من الحجابة والسقاية (في المسجد الحرام) وأبت عبد الدار عقد كل قوم على أمرهم حلفا (بكر الحاء) مؤكدا على أن لا يتخاذلرا فاخرجت عبد مناف جفنة علوءة طيبا فوضعتها لأحلافهم وهوء اسد » وزهرة » وتميم ؛ وعند الكعبة فغموا أيديهم فيها وتعاقدوا وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤهم حلفا آخر مؤكدا قسموا الاحلاف وقيل لعمر رضي الله عنه » احلافي ؛ (بياء اللسب) لأنه عدوي ( ١ه) ؛ ولعل مراد بن خلدون بالحلف ها هنا مجرد الصداقة وإلا فلم نعشر في كلام المؤرخين على حصول معاهدة بين عبد الرحمن وبين قبيلة لماية أو غيرها من القبائل قبل توجهه الى جهة تيهرت إلا أن يكون ذلك أيام امارته بالقيروان ولم نطلع عليه والله أعلم . 4 اليهأ'' وقالوا له : لابد لنا من امامة ظهور بعد تأسيس مدينة حصينة منيعة ا ِ )7( ١ بعيدة عن مهاجمات العدو!"! تكون ماوى ومقرا لامامتنا وملجا لنا في حربنا و لمنا فأجابهم عبد الرحمن إلى ذلك واستحسن رايهم . ١ الظاهر ان هذا الاجتماع كان قبل أن يحصل تقديم أبي حاتم رحمه الله - في جهات طرابلس كما يتبين بالنظر إلى تاريخ تأسيس تاهرت وتاريخ ولايته على ما تقدم وما سيأتي . " - يريدون بذلك أن تكون في وسط مواطنهم ومعظم جموعهم وقوتهم ولا تكون قريبة من حدود ملكة قوية من مالك غيرهم حتى لا يسهل هجوم العدو عليها كطرابلس فانها على البحر وقريبه من حدود مصر ولذلك لم يستقر لهم فيها قرار . ا - أي الامامة التي يضمرون عقدها لعبد الرحمن أو غيره فى مستقبلهم أما أبو حاتم فلا ذكر له إذ ذاك ولم نقف على نص يوضح حال أباضية طرابلس والجبل ومايلي ذلك في الزمن الذي بين وفاة أبي الخطاب وامامة أبى حاتم رحمهما الله فانها مدة لامعكن أن تخلو من عمل مع م هم عليه من القوة عددا وعدة . ١8 الباب الثاني ابتداء تأسيس مدينة هرت فاختاروا إذ ذاك من أهل العلم والخبرة بالارض جماعة ليرتادوا""' مكانا جيد الهواء كثير المياه خصب الأرض ؛ قابلا للعمارة مأمونا من العدو كما طلبوا » فطافوا أقطار تلك الجهات إلى أن عثروا على المكان الذي بنيت فيه ؛ وكان غابة ملتفة بالاشجار يسكنها أنواع الوحوش ؛ قال العلامة الشماخي رصى الله عله فى تاريخه نملا من تاريخ إ بى زكريا رحمهما الله 6 ان بقمية المسلمين ورؤساء العابدين وكبراء الزاهدين من جماعة المؤملين اتَفموا على أن يتخيروا موضعا يبنون فيه مدينة تكون حرزا وحصنا للإسلام ؛ فأرسلوا الروادا"' » فطافوا أطراف تلك البلاد فاستحسنوا موضع تاهرت فاتفق رأي المسلمين على بنائها ؛ فجعلوا لأهلها خراجاا" معلوما يأخذونه من غلتها؛ ١- أي ليطلبوا فهو مضارع ارتاد وفي الحديث (إذا بال احدكم فليرتد لبوله اي فليطلب مكانا لا أو منحدرا) . 7 جمع رائد وهو الذي يرسل في طلب الكل كما في القاموس والمراد هنا المرسلون في طلب أرض على النعت المذكور . " - أي مقدارا معيئنا من المال يدفعه لارباب الارض أصحاب البيوت والاسواق والحمامات بقانون متفق عليه في كل شهر أو كل سنة وقد عرف بعضهم الخراج فقال : الخراج والخرج (بفتح فسكون) بمعنى واحد وهو أن يؤدي العبد اليك خراجه أي غلته ١0 وذلك بعد أن راودهم عبد الرحمن على البيع ولم يقبلوا كما سياتي عن الحموي » وأمر مناديا فنادى بأعلى صوته قائلا ؛ يا من بها من الورحوش والسباع » ان اخحرجوا وارتحلوا ؛ فانا نريد عمارتها ونازلون بها ؛ ولكم أجل ثلاثة أيام » أو ما في معنى هذا الكلام » قال أبو زكريا ؛ وذكروا انهم رآوها تحمل اولادها فى افواهها وهى خارجة من تلك الاشجار فرغبهم ذلك فيها؛ : .. ١١) وزادهم بصيرة في عمارتهاأ : ولما م الاجل ولم يبيى بها من تلك الوحوش شيء + أو قدوا شجرها نارا فأحرقته » وما خمدت النار » وقت تنقية الاشجارا"' وصارت صالحة للعمارة والرعية ؛ تؤدي الخراج إلى الولاة وأصله من قوله تعالى : دام تسألهم خرجا» وقرئ خراجا معناه أن تسألهم اجرا على ما جئت به فأجر ربك وثوابه خير » وأما الخراج الذي وظفه عمر بن الخطاب رضى الله عنه على السواد فأراضى الفئ فان معناه الغلة ومنه قوله عليه السلام » (الخراج بالضمان) ؛ قالوا هو غلة العبد يشتريه الرجل فيستغله زمانا ثم يعشر منه على عيب دلسه البائع ولم يطلعه عليه فله رد العبد على البانع والرجوع عليه بجميع الثمن والغلة التي استغلها المشتري من العبد طيبة له ل نه كان في ضمانه ولو هلك هلك من ماله وكان عمر رضى الله عله أمر بمح السواد ودفعه إلى الفلاحين الذين كانوا فيه على غلة كل سنة ولذلك يسمى خراجا ثم بعد ذلك قبل للبلاد التي فتبحت صلحا ووظف ما صولحوا عليه على أرضهم خراجية لأن تلك الوظيفة اشبهت ا خراج الذي لزم الفلاحين وهو الغلة لأن جملة معنى الخراج الغلة وفي الحديث (١ه) ان أبا طيبة لما حجم النبي صلى الله عليه وسلم امر له بصاعين من طعام وكلم أهله فوضعوا عنه من خراجه (أي من غلته) . ١ ذكر بعض المؤرخين مثل هذه الحكاية في شأن الصحابة لما فتحوا افريقية وأرادوا تأسيس مدينة القيروان ولعل الامام عبد الرحمن اقتدى بهم فى تأسيس تاهرت أيضا رلم ند من نسب له هذه الكرامة من مؤرخي غيرنا أما عندنا ففي كل تاريخ والله أعلم . ّ !١ - ذكر العلامة الشماخي والعلامة أبو زكريا -ر ١ الله ا نهم وضعوا في أصول تلك الا شجار جيسا (أي معجونا اتخذوه من ثمر واقط وسويق مخلوطين بمن) ل قصدوا إلى اختيار محل ليؤسسوا فيه المسجد الجامع قبل كل شيء » فانتخبوا أربعة أماكن » ورموا القرعة عليها فجاءت على المكان الذي خصصوه لصلاتهم أيام إقامتهم في تنقية الأشجار ء فشرعوا في تأسيسه واختطوها بيوتا وقصورا وأسواقا وحمامات » ومساجد » وفنادق' يحيط بالكل سوأ" محكم وتفننوا تدريجيا في عمارتها وتنظيمها ؛ حتى كانت عروس تلك الأقطار وفخر تلك الديار » وأصبحت كما وصفها المؤرخون من انها عراق المغرب » وانها بلخا"' المغرب » وانها قاعدة المغرب الاوسط ؛ لما كان بها من فجاءت الخنازير في الليل (وكأنها موجودة بكثرة وتحب هذا المعجون جدا) لما شمت رائحته وصارت تحفر تحت تلك الأصول بحشا وراء ذلك الحيس حتى نزعتها كلها ؛ وبالتأمل يظهر أن هذه الأمر يحتاج إلى شيء كثير من السمن ولوازمه لما في المكان من كشرة الشجر » ثم انظر كيف يتأتى للخنازير نزع تلك الاصول العظيمة ذات العروق الراسخة المتفرعة فى باطن الأرض من أحقاب لا يعلمها إلا خالقها التى يكل فى قطعها الحديد الحا فالله أعلم كيف كان ذلك ولعل هناك أمر آخر سهل نزعها م الخنازير وأهمله التاريخ أو جعلوا ذلك لما بقى بعد الحرق من أصول الأشجار الرقيقة لكثرتها وأما العظيمة فباشروا إزالتها بأنفسهم وعلى كل حال فلاحظ للنظر مع وجود الأثر إذ ما نتلوا رحمهم الله ذلك ودونوه إلا عن يقين وصحة . ١ - الفنادق جمع فندق وهو لغة الخان اي محل التجارة وفي اصطلاح عصرنا يطل غالبا على محل كبير ذي بيوت معدة لنزول المسافرين به بالاجرة ويختلف باختلاف المدن والبلاد وفي معداته وترتيباته . بقي إلى الآن من هذا السور قطعة تدل على متانته وسيأتي في الأصل كلام عليه . ؟ ‏ العراق ؛ وبلخ » من البقاع التي كان يضرب بها المثل في الحضارة والمدنية والعمران بالشرق في صدر الإسلام خصوصا في دولة بني العباس المعاصرة لدولة الرستميين » أما العراق فكائنة في مصب النهرين المباركين ؛ نهر دجلة ونهر الفرات ؛ ومن مدنه المشهورة (مدينة بابل) وسيأتي زيادة كلام عليه » ولا نزيده الآن تقريظا على ما ذكره الحموي حيث قال فى صحيفة 170 من المجلد الثالث هكذا ؛ والعراق أعدل الأرض هواء وأصحها مزاجا وماء فلذلك كان أهل العراق هم أهل العقول الصحيحة را والآراء الراجحة والشهوات المحمودة والشمائل الظريفة والبراعة في كل صناعة . (لا تغفل أيها القارئ فاننا ما سقنا هذا الكلام هنا إلا لتشبيههم تيهرات بالعراق) مع اعتدال الأعضاء واستواء الاخلاط وسمرة اللون » وهم الذين أنضجتهم الأرحام فلم تخرجهم بين أشقر واصهب وأبرص كالذي يعتري نساء الصقالبة من الشقرة ولم تتجاوز ارحام نسائهم في النضج إلى الاحراق ؛ كالزثج والنوبة والحبشة الذين حلك لونهم ونتن ريحهم وتغلفل شعرهم وفسدت آراؤهم وعقولهم فمن عداهم بين أحمر لم ينضج ومجاوز للقدر حتى خرج من الاعتدال ؛ قالوا وليس (بالعراق) مشات كمشاتي (الجبال) ولا مصيف كمصيف (عمان) ولا صواعق كصواعق (تهامة) ولا دماميل مدماميل (الجزيرة) ولا جرب كجرب (الزنج) ولا طواعين كطواعين (الشام) ولا كطيحال (البحرين) ولا كحمى (خيبر) ولا كزلازل (سيراف) ولا كحالات (الاهواز) ولا كأفاعي (سجستان) وثعابين (مصر) إلى ان قال واقليم بابل موضع التميمة من العقد وواسطة القلادة ومكان اللبة من المرأة الحسناء والمحة من البيضة والنقطة من البركان ؛ قال عبيد الله المفتقر إلى رحمته وهذا الذي ذكرناه عنهم من ادل دليل على أن المراد بالعراق أرض بابل ؛ الا تراه قد افرده عنه بما خصه به وقال شاعر يذكر العراق : الى الله أشكو عبرة قد أظلت ونفسا إذا ما عزها الشوق ذلت تحن إلى أرض العراق ودونها تنائف لو تسري بها الريح ضلت و أما بلخ » فقد قال فيها وبلخ من أجل مدن خراسان وأذكرها وأكثرها خيراً وأوسعها غلة تحمل غلتها الى جميع خراسان والى خوارزم (١ه) . ثم نسب اليها جماعة من العلماء والفضلاء » وبها ذلك البناء الفخيم الممسمى (بالتويهار) وقد قال فيه أيضا نقلا عن ابن الأزرق الكرمانى هكذا ؛ كانت البرامكة أهل شرف على وجه الدهر ببلخ قبل ملوك الطوائف وكان دينهم (قبل الإسلام) عبادة الارثان فوصفت لهم مكة وحال الكمبة بها وما كانت قريش ومن والاها من العرب يأتون إليها ويعظمونها فاتخذت بين النويهار مضاهاة لبيت الله الحرام ؛ ونصبوا حوله الاصنام وزينره بالديباج والحرير وعلقوا عليه الجواهر النفيسة وتفسير النو بهار الجديد ؛ لأن (نو) الجديد وكانت سنتهم إذا بنو حسنا أو عقدوا بابا جديدا أوطاقا شريفا كللوه بالريحان ويتوجون ذلك بأول ريحان يطلع في ذلك الوقت فلما بنوا ذلك البيت جعلوا عليه أول ما يظهر من الريحان وكان البهار فسمي نو بهار لذلك وكانت الفرس تعظمه وحج اليه وتهدي له وتلبسه أنواع الشياب وتنصب على أعلى قبته الاعلام ؛ وكانوا سس ل نل مانة ذراع بأروقة مستديرة حولها وكان حول البيت ثلائما نَُ وستون مقصورة يكنها خدامه وقوامه وسدنته وكان على كل واحد من سكان تلك المقاصير تردمة يوم لا يعود إلى الخدمة حولا كاملا ويقال ان الريح ربما حملت الحرير من العلم الذي فوق القة بترمد (بكر التاء والميم) وبينهما اننا عشر فرسخا وكانوا يسمون السادن الاكبر برمك لتشبيههم البيت بمكة يمون سادنه بن مكة فكان كل من ولي ملنهم السدانة برمك وكانت ملوك الهند والصي َ وكابل شاه وغيرهم من الملرك تدين بذلك الدين وتحج إلى هذا البيت وكانت سنتهم إذا هم وافوه ان يسجدوا للصنم الأكبر ويقبلوا يد برمك وجعلوا للبرمك ما حول النويهار من الأرضين سبعة فراسخ في مثلها وجميع أهل ذلك الرستاق عبيد له يحكم فيهم عا يريا وصيروا للليت أوقافا كثيرة وضيا عا عظيمة سوى ما يحمل اليه من الهدايا التي تتجاوز الحد وكل ذلك يصل إلى برمك الذي يكون عليه فلم يزل يليه برمك بعد برمك إلى أن افتتحت خراسان فى أيام عثمان بن عفان وانتهت السدانة إلى برمك أبي خالد بن برمك فسار إلى عثمان مع رهائن كانوا وولده وبلده فانكروا إسلامه وجعلوا بعض ولده مكانه برمك فكتب اليه ؛ نيزك طرخان 6 أحد الملوك يعظم م أتاه من الإسلام ويدعوه إلى الرجوع في دين آبائه فأجابه برمك أنى إنما دخلت فى هذا الدين اختيارا له وعلما بفضله من غير رهبة ولم أكن لأرجع إلى دين بادي العوار مهتك الاستار فغضب نيزك وزحف إلى برمك في جمع كثير فكتب اليه برمك 6 وقد عرفت حبى للسلامة وا نى قد استتحجدت الملوك فاغجدونى فاصرف عنى أعنة خيلك وإلا حملتنى على لقائك ؛ فانصرف عنه ثم استغفره وبيته فقتله وعشرة بن له فلم يبى له سوى طفل وهو برمك أبو خالد فان امه هريبت به وكان صغيرا إلى بلاد القشمير من بلاد الهند ؛ فنشاً هناك وتعلم علم الطب والنجوم وأنواعا من الحكمة وهو على دين آبائه ثم ان أهل بلده أصابهم طاعون ووباء فتشاءموا بمفارقة دينهم ودخولهم في الإسلام فكتبوا إلى برمك حتى قدم عليهم فاجلسره في مكان آبائه وتولى النويهار ثم تزوج برمك بنت ملك الصغيانيان فولدت له اسن وبه كان يكلى وخالد وعمر وأختا (لعل فيه هنا سقطا وهو لفظ لهم) يقال لها أم خالئد وسليمان بن برمك أمه امرأة من أهل بخارا وكان ابن برمك وأم القاسم من أمرأة أخر, بخارية أيضا ء ولما فتح عبد الله بن عامر بن كريز خراسان أنفذ قيس بن الهيثم حتى قدم مدينة بلخ وقدم بين يديه عطاء بن السائب فدخل بلخ وخرب النوبهار وقال بمض الشعراء يذكر النوبهار : ه09 الحضارة الأسلامية ورواج المعارف والتجارة الواسعة »إذ كانت ترد اليها وتصدر منها أنواع ٠ لبضائع إلى الو دان وأقصِ,م المغرب وبلاد إلا ندلس ومصرم والشام والحجاز وا ليم و بغداد وغير ذلك من البلاد وكان لها على البحر مراس متعددة معروفة ترسو بها مراكبها ومدن عامرة ذات أسواق رائجة وأسوار منيعة وحصون مشيدة وغير ذلك ما سيأتي في أقوال المؤرخين من اخواننا المالكية والحنفية » حتى لا يخطر ببال القارئ ان ما قلناه وسنقوله مجرد مبالغة منا أو تمويه لا سند له ؛ وحتى يعلم ذلك الذي جهل الاباضية لقلة بضاعته فى العلم وعدم إطلاعه حتى قال ما قال 0 1 انهم قد أخذوا دور ظهورهم ونفوذ كلمتهم فى مقدمة الأخحذين قل ليحيى أين الكهانة والسحر وأين النجوم عن قتل جعفر أنسيت المقدار أم زاغت الشمس عن الوقت حين قمت تقدر وقال أبو بكر الصمولي حدثنا محمد بن الفضل المذاري (بفتح الميم) عن علي بن محمد النوفلي قال كان برمك يعمر النوبهار ويقوم به وهو اسم ليت النار الذي كان ببلخ يعظم قدره بذلك فصار ابنه خالد بن برمك بعده فقال أبو الهول الحميري يمدح الفضل بن الربيع ويهجو الفضل بن يحيى ابن خالد البرمكي : آثار مضل الربيع مسسسساحخحجعد ومنار وفضل يبحيى ببلخ آثاره النوبهار وما سواه إذا ما أوتسسرت ا ل ثزار بيت يوحدفيه ويعبدالجبار وبيت شرك وكف, بهةهتع_ظم نار انتهى بحروفه . ١ - ما قاله هذا القائل أن الابا ضية شرذمة قليلة لا ذكر لهم وشأن لاقديًا ولاحديثا ؛ فهم أحقر الفرق وأقلها لم تقم لهم قائمة ولا نسب اليهم ملك ولا فخر منذ وجدت الفرق وتعجب تعجبا زائدا (بناء على فكره هذا) لما علم بزيارتى إلى مكان 3 ا في عنصر الإسلام وشباب العصر القريب من أصحاب مرشد الأنام خاتم الرسالة عليه الصلاة والسلام » وقد ذكر ابن خلدون المغربى المالكى تاريخ انشائها فقال فى صحيفة ١١ من المجلد السادس من تاريخه » واجتمعت اليه (أي إلى عبد الرحمن) طوائف البربر الاباضية من لماية ِ ولوا تةَّ ورجالة 6 ونفزاوة فنزل بها (أي بتاهرت) و ختط مدينتها سنة مائة وأربعة وأربعين من الهجرة » وهو موافق لما ذكره الشماخي ا (١) م . د اع ا "١) و ا في في سيره ' وابو زكريا في تاريخة' 2 والدرجيني في طبقاته ' ' والبرادي ) تيهرت) كما سيأتي واستعظم ذلك مني ورأه من العبث .» فكان ذلك من أكبر الاسباب الداعية لي إلى ابراز فضائل هذه المدينة والبحث في صفحات التواريخ عنها بعد أن مضى عليها ما لا يبعد عن ألف سنة وهي خراب ؛ ولقد نبهنا إلى ما لم يكن خاطرا لنا ببال فنشكره على ذلك ونتمثل فيه بقول الشاعر الحكيم : وإذا أراد الله نشر فضسيلة طويت أتاح لهالان حسوود لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب نشر العود فهو كد نصح من حيث غش وأرشد من حيث أضل فكان سببا لاظهار المخبآت وابراز الجوهرات ؛ وعسى أن تكرهوا نيئا وهو خحير لكم » ورب كلمة سوء من سيء قصد بها سوءأ جرت منافع . ١ السير: تأليف جامع لمناقب كشيرين من علماء وأئمة الملذهب من المغاربة وبمض من مشاهير المشارقة مع بيان اسمائهم وتواريخهم غالبا » لا نظير له في بابه إلا سير نفوسة الكبير الذي أكثر مؤلف هذا من النقل منه وهو من كتب المذهب المعتبرة المفقودة أما هذا فموجود مطبوع ومؤلفه العلامة الكامل الشيخ أحمد الشماخي بن سعيد بن الشيخ عبد الواحد صاحب المزار المشهور تحت قصبة ابن مادي بجبل بني يفرن من جبال نفوسة توفي رحمه الله سنة 478ه ء وقد ذكر العلامة الشيخ محمد بن زكريا الباروني رحمه الله أن له فضصائل ومناقب جمة عزم على جمعها وكأنه - يتيسر له ذلك أو فقد المجموع إذ لم يمع بوجوده أحد والله أعلم والشماخي نسبة إلى شماخ وسيأتى الكلام عليه ان شاء الله . " - سير أبي زكرياء تاريخ متوسط فيه كثير ما لم يكن في سير الشماخي ‏ رحمه الله وإن كان الثاني أشمل من الأول ألفه الامام الناثر الناظم التقي الشيخ أبو زكريا ا فى جواهرا'' رحمهم الله والله أعلم بالحقائق . يحيى من ذرية الشيخ محمد بن بكر رحمهم الله . ‎ »‏ الطبقات تأليف جليل مشهور يتكلم في أئمة المذهب وعلمائه الملشهورين بذكر فضائلهم وبعض أخبارهم إلا انه غير جامع للكل وقد وقفت عليه وأنا صغير لا أعرف قدره فلم أعرف منه شيا ولتعذر الحصول عليه حال تحرير هذا فاتنى كثير مما يليق بما نحن بصدده ما يمكن نقله من ؛ مؤلفه العلامة التحرير » الشهير بطول الباع في الانشاء والتحرير ؛ ومن كانت له اليد الطولى في كل الفنون الشيخ أحمد ابن العلامة الكامل الشيخ سعيد الدرجيني رحمهما الله وسيأتي الكلام عليه . ‏١ الجواهر كتاب صغير الحجم عظيم الفائدة تمم بعض ما أهمله صاحب الطبقات من الأخبار . ‎9 الباب الثالث 01( أيو العياس الدمشقي قال العلامة أبو العباس الدمشقى فى تاريخه المطبوع فى الهند ‏ تاهرت وقد رسمها بالنون غلطا » إذ ذكرها فى باب النون . . اسم مدينتين متقابلتين بأقصى المغرب ؛ كثيرتي الأشجار والثمار والمياه . ف ( اين واضح العياسي وقال المؤرخ ابن واصح العباسي الشهير باليعقوبي من علماء الخمسيئ الأولى من المائة الثالثة للهجرة المعاصر لأئمة بني رستم في تاريخه المطبوع في مدينة (ليدن) من بلاد الافرنج سنة 1760م عند ذكر مدن المغرب ما نصه والمدينة العظمى مدينة (تاهرت) جليلة المقدار عظيمة الأمر تسمى عراق المغر_!"! 6 بها أخلاط 0 من الناس 6 تغلب عليها قوم من الفرس يقال لهم ١ - بشهادة هذا المؤرخ المحقق المتقدم على كثيرين من أرباب التاريخ وشهادة من سيأتي كلامهم أيضا من غيره يعلم القارئ حيف بعض متأخري المؤرخين من أهل مدينة فاس إذ ذكر أن فاس تعرف بعراق المغرب في سابق الزمان ولم يقل هذا أحد من المتقدمين من أهل التاريخ فمن أين جاءه؟ وما هر إلا جاحد فضل (تيهرت) غاصب حقها وان كنا لا ننكر فضل فاس وشهرتها العظيمة فما أهون التساهل على مثل هذا المؤرخ من المؤرخين في تبديل وتغيير الأخبار تبعا لاغراضهم وكأنه لم يفكر في اتيان زمن (كهذا) تنكشف فيه السرائر وتتضح الخفايا ويستوي الماضي والحاضر في الوضوح بقيام آلات الطبع لاظهار كل مكنون من نفيس الكتب العتيقة ذات الشأن والتحقيق في التاريخ 4 بنو محمد بن أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الفارسي ؛ وكان عبد الرحمن يتولى افريقية وصار ولده إلى تاهرت ؛ فصاروا أياضية ورأس الأباضية » فهم رؤساء أباضية المغرب ويتصل بتاهرت بلد عظيم ينسب الى('' تاهرت في طاعة محمد بن أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ؛ (وسيأتي بيان أسماء تلك البلاد والمدن كلها) والحصن الذي على ساحل البحر الاعظم'"" ترسو به مراكب تاهرت يقال له مرسى فروخ ؛ التى كانت تحت حجب الخفاء والضن بها على حد قول الامام أبي نصر النفوسي رحمه الله في شأن اليوم الآخر . سينكشف الس المغطى وتنجلي .| غيابات هذا الشك عن واضح الخبر ولو تأمل هذا المؤرخ في كلام الشاعر القائل : ومهما تكن عند امرئ من خليقة | وإن خالها تخفى على الناس تعلم وقولهم ان الزوايا خبايا لا نصف في كلامه واعطى كل ذي حقى حقه ولو فيما هو بين الجمادات وبين العامر والدامر بقضاء الله ولعله على رأي القائلين (الدنيا مع الواقف) ٠ 7 الاخلاط جمع خلط بكر الخاء أراد أن من فيها من الناس أصناف شستى مختلطون من بربر وعرب وترك وعجم وسودان وافرنج ويهود ومشارقة ومغاربة شأن أغلب المدن الكبيرة ذات الحضارة والامن والعدل . ١ كل من يدرك معنى هذه الكلمة وما تقدم وما سيأتي من ألفاظ التعظيم والتفخيم لا ريب يستصغر في جانب تاهرت ما سنذكره من بعض ما ينسب اليها من البلاد ويعلم انه قليل من كثير لم نعلمه وما كان مخزونا في بطون الدفاتر . ليس المراد البحر المحيط بالقارة الأفريقية المشهور بالبحر الأعظم الذي فيه الجزائر الخالدات (وكانت عامرة في قدي الزمان ببعض الحكماء المنجمين وأما الآن فقد أفدها البحر على ما يقال) ويعرف قديما ببحر الظلمات وبالاقيانوس والآن بالبحر الاطلانطيقي لأنه بعيد عن تيهرت ولم يمتد حكمها اليه لما بينهما من بملكة الادارسة بفاس وغيرها ؛ بل المراد بحرنا هذا الذي نحن على شاطئه المسمى بالبحر الرومي وبالبحر الأبيض المتوسط الممتد من البحر المحيط بواسطة بوغاز جبل طارق الكائن بالقرب من شبه جزيرة الأندلس التي بلغت في صدر الإسلام الدرجة القصوى في الحضارة والعلم والآن بيد الدولة الأسبانية ومن مدينة طنجة ثغر مملكة الدولة المراكشية إلى أن ينتهي بأرض الشام وعلى شاطشه هنالك من المدن المشهورة (مدينة 1“ والذي يشف من كلام هذا الفاضل ابن واضح » أن له بتاهرت شغفا وتعلقا زائدين » إذ كرر ذكرها في كتابه دون غيرها فقال في صحيفة 49١٠ مستطردا الكلام عليها هكذا . بيروت) ومنها ابتداء خط سكة الحديد الحجازية المنشأة باعي وعناية أعظم سلاطين الإسلام الآن١ السلطان عبد الحميد الثاني أحد ملوك آل عشثمان أيده الله بنصره وحفظ ملكهم ملجاً للمسلمين وحصنا للحرمين الشريفين و (مدينة طرابلس) و (ومدينة حلب) ويتصل بواسطة بوغاز الأستانة العلية (القسطنطينية) بالبحر الأسود وبقنال السويس (الفتحة الجديدة) بالبحر الأحمر ويتسلسل على جانبيه مالك دول كبيرة وامارات بمتازة ومحتلة صغيرة ؛ فعلى جانبه الجنوبى مبتدثاً من الغرب . (حكومة فاس) وهي دولة إسلامية يلقب حاكمها بالسلطان مفقودة منها القوة الحربية الجديدة برا وبحرا وتتنازعها عوامل الإفرنج صباحا ومساء حفظها الله من الوقوع في ثم (الجزائر) وهي ولاية محتلة () لفرنسا داخلة في إدارتها من حدود سنة 1878م أي سنة 748١ هجرية وفى جنوبها (مدينة وارجلان) (ومدن بنى ميزاب) الاباضية الحافلة بإقامة شعائر الدين كما يجب . ْ ثم (تونس) وهي ايالة متازة إسلامية يلقب حاكمها بالباي تحت حماية فرنسا ويتبعها (جزيرة جربة) العامرة بالأباضية ومعهم الالكية ثم (طرابلس الغرب) وهي ولاية عثمانية إسلامية لايوجد بها من الأجانب (الأفرنج) أحد إلا في المدينة نفسها وفي بعض موانيها ولأهلها مزيد طاعة وشدة تعلق بالدولة العلية العثمانية ؛ وبجنوبها على ؟مراحل من البحر جبال نفوسة الاباضية المشهورة العامرة بهم ومعهم المالكية في مؤاخاة وملانمة . ١- الفترة التي عاش فيها المؤلف . في الفترة التي أرخ فيها المؤلف . ثم (مصر) وهي حكومة عتازة عثمانية إسلامية يلقب حاكمها بالخديري محتلة بدولة الانجليز ولأهلها ارتباطا بالدولة العثمانية لا تحل عراه ؛ وعلى جانبه الشمالي مبتدئا من الغرب أيضا دولة اسبانيا ثم دولة فرنسا ثم دولة إيطاليا ثم اليونان وغيرها ثم (الدولة الإسلامية العثمانية ناشرة لواء الدين وحامية حمى الإسلام والمسلمين أيدها الله بنصره المببن ومقر سلطنتها (القطنطينية) المسماة بدار الخلافة ودار السعادة والاستانة العلية واستانبول » وهذا باب يطول شرحه وليس هذا محله . ١ ' حدثني (أبو معبد) عبد الرحمن بن محمد بن ميمون بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم التاهرتي » قال : (تاهرت) مدينة كبيرة أهلة بين جبال وأودية ليس لها فضاء » بينها وبين البحر المالح مسيرة ثلاثة مراحل في مستوى من الأرض » وفي بعضها سباخ وواد يقال له وادي شلف''' وعليه قرى وعمارة ؛ يفيض كما يفيض نيل مصر ؛ يزرع عليه القصبر والكتان والسمسم وغير ذلك من الحبوب » ويصير إلى جبل يقال له (انقبق) » ثم يخرج إلى بلدة نفرة ثم يصير إلى البحر المالح » وشرب أهل مدينة تاهرت من أنهار وعيون يأتي بعضها من صحراء وبعضها من جبل قبلي » يقال له : جزول لم يجدب زرع ذلك البلد قط (لكثرة مياهه وأمطاره) إلا أن يصيبه ريح أو برد (فهو بلد خصب وخير دائم) » وهو متصل بالسوس يسميه أهل السوس درن ويسمى بتاهرت جزول ؛ ويسمى بالزاب أوراس ؛ فليتأمل المنصف في كلام هذا المحقق ؛ فانه من أصح ما حرره المؤرخون في هذا الباب لتقدمه على أكثرهم في الزمن » إذ كان حاضرا لبني رستم فهو لم يكتب إلا ما شاهده أو نقله عن ثقة أمين . (3) الأدريسي ووصف المؤرخ الادريسي الملغربي في تاريخه هذا المرسى فقال : وهو مرسى حسن ؛ وعليه قرية عامرة » وذكره الملك المؤيد أيضا ؛ كما سيأتى . وقال أبو عبد الله الأدريسي الشريف في تاريخه المطبوع ببلاد الافرنج في صحيفة /0/ واصفا (تاهرت) القديمة التي أحسن تجديدها وأتقن تمدنها الاسلامي ميمون بن عبد الوهاب » إذ كان عاملا لوالده عليها حتى صارت تنسب اليه دون غيره من الرستميين ما نصه . ١- سيأتي الكلام على شلف . أ“ (ومدينة تاهرت) كانت فيما سلف من الزمان مدينتين كبيرتين احداهما قديمة » والاخرى محدثة » والقديمة من هاتين المدينتين ذات سور » وهى على قمة جبل قليل العلو » وبها ناس » وجمل من البربر ء لهم تجارات وبضائع وأسواق عامرة وبها مزارع وضياع"' جمة وبها من تاج الخيل والبراذين كل حسن وأما البقر والغنم فكثير بها جدا وكذا السمن والعسل وسائر غلاتها مباركة وبمدينة (تاهرت) مياه متدفقة وعيون جارية تدخل أكثر ديارهم ويتصرفون'"' فيها ولهم على هذه المياه بساتين وأشجار تحمل ضروبا من ١ الضياع جمع ضيعة وهي على ما في القاموس العقار والأرض المغلة ؛ وما يكون منها عطية لبعضض الناس من طرف الملوك يسمى قطيعة كما كان يفعله بعض بنى أمية وبني العباس إذ كانوا لا شركاء لهم في بيوت أموال المسلمين يتصرفون على حسب (١) أهوائهم فيعطون الأموال الطائلة لشاعر مدحهم بقصيدة أو بيت ولنديم اطربهم في مسامرتهم بحكاية غريبة أو قصة مضحكة ؛ وليس ذلك ما يفتخر به الإسلام والدين إذ فقد العدل ؛ وقد عرفها بعضهم فقال . وأما القطيعة فلها معنيان احدهما أن يعمد الامام الجائر الامر والطاعة إلى قطعة من الأرض يفرزها عما يجاورها ويهبها بمن يرى ليعمرها وينتفع بها أما أن يجعلها منازل يسكنها من يشاء » واما أن يجعلها مزرعة ينتفع بما يحصل من غلتها ولا خراج عليه فيها وربما جعل على زارعها خراج وهذه حال قطائع المنصور وولده بعده ببغداد في محالها فمن ذلك قطيعة الربيع وقطيعة أم جعفر وقطيعة فلان وقد ذكرت في مواضعها من الكتاب ؛ وأما القطيعة الاخرى فهي أن يقطع السلطان من يشاء من قواده وغيرهم القرى والنواحي ويقطع عنها شيئا معلوما يؤدونه في كل عام قل أو كثر توفر محصولها أو نزر لا مدخل للسلطان معه في أكثر من ذلك اه . "لم نتحقق كيف التصرف في هذه المياه وادخالها البيوت للانتفاع بها والغالب انه كان على طريقة لا تبعد عن الطريقة الموجودة الآن فى المدن المتمدنة وان خالفتها فى الكيفية إذ لا توجد غالبا فى ذلك الوقت أنابيب (مواسير) من الحديد كالموجود الآنء وربما كانت من الفخار الملطلي » ولا يقال انها كانت تجري في الشوارع والأزقة هكذا بدون انتظام لان مدنيتها ورقيها لايمحان بذلك على أن موقعها فيه بعض ارتفاع حب التخمين عن العين الموجودة الآن المسماة بعين السلطان فبدون صنعة هندسية لا 7“ الفاكهة الحسنة وبالجملة فهي بقعة حسنة (انتهى) . وقد نقل هذا الشيخ مقديش السفاقسي في تاريخه المطبوع في تونس ببعض تصرف وان لم ينسبه اليه » فلا لزوم لنقله . () ابن خلدون : : 0.4 ١(١) وكلما ذكرها ابن خلدون وان كان غير منصف في جانب الأباضية!" ‏ عبر عنها غالبا بقاعدة" المغرب فمن ذلك قوله فى صحيفة 74 من المجلد الخامس ؛ وفتح أبو القاسم (الشيعىٍ سنة 716ه) بلد مزاتة » ومطماطة ؛ وهوارة 4 وسا نر إلا باضية 6 والصفرية 4 ونواحى (تاهرت) قاعدة ال مغرب الأوسط . يمكن توزيعه فيها وقد كان بيت رستم مشهورا بالتضلع في العلوم الرياضية فلا يصعب عليهم ذلك ؛ وليست هذه الكيفية موجودة ذلك الوقت في تيهرت فقط بل توجد في زواغة مدينة نفوسة سابقا في جهات طرابلس على البحر آثار تدل على أنها كانت كتلك أيضا إذ يوجد فيها مجرى نهر كبير آت من ناحية جبال نفوسة الشرقية اخترق أراضي وأودية كثيرة حب ما تدل عليه بعض القطع الموجودة منه الأن ؛ وهو مجخصصس بكيفية محكمة ذكر الذين رأوا بعضصض قطع مله أنه يثشبه مجرى عين زبيدة الموجودة بجهة مكة المكرمة وعلى كل حال فهو عمل دال على القوة والحضارة التامة والله أعلم . ١ - عدم إنصانه هو جحوده أو إهماله ذكر ما كان لهم من الأخبار الحسنة وما كان ملكهم الذي شهد به المؤرخون من الصيت في تاريخه الطويل العريض المعدود في مقدمة التواريخ الإسلامية فهو أولى بأن يوجد فيه ما ذكره غيره من المؤرخين عن الاباضية ولا نظن به الجهل بأخبارهم لانه بمن نشهد له كما شهد له غيرنا بسعة الاطلاع وكثرة النقل مع انه مغربي ؛ على أنه قد يشير احيانا اليهم بعض اشارات بدون بط في الكلام فاهماله اخبارهم وذكره بعضها مفرقا بحيث يصعب جمعها منه لابد وان يكون لامر في باله يعلمه الله ولعل له عذراً فلا لوم عليه والله أعلم . 7 قاعدة المملكة أو الأقليم هي مدينته العظيمة التي يكون فيها كرسى الملك . “6 (5) الملك المؤيد وقال السلطان الملك المؤيد في تقويمه المطبوع بباريس سنة 1846م بصحيفة 134 نقلاً عن العزيزي المغربي (تاهرت القديمة) ؛ وهي تاهرت عبد الخال » وبينها وبين تاهرت الجديدة مرحلة . وهي مدينة جليلة وكانت تسمى قديما عراق المغرب ولها من أعمالها مرسى على البحر يقال له مرسى ( فروخ ) ومدينة (تاهرت) الأ ولى على جبل متوسط َ وبها مز 0 6 وكذلك المحدثة بها ملنبر ؛ وهى أعظم من القديمة َ ولأ هلها مياه تخرق دورهم » قال ابن سعيد » وكان لتيهرت في المملكة الرستمية صيت عظيم » وبها كان كرسي ملك الأ باضية ؛ ثم رسم لها جدولا : : : ) - : كغيرها بين فيه طولها وعرضها"" واقليمها وهكذا . ١ - أراد بالمنبر المسجد الجامع الذي يقيم فيه الامام (الخليفة) أو وكيله الجمعة وأما ما سواه من المساجد ففيها كثير كما نص عليها ابن الصغير . ‎ "‏ (طول البلد) هو بعده عن منتهى العمارة من جهة الغرب وهو من ألفاظ المنجميه مستنبط من آراء اليونانيين قال الحموي إلا أن في هذه النهاية بينهم اختلافا فان بعضهم يبتدئ بالطول من ساحل بحر أوقيانوس الغربي وهو البحر المحيط وبعضهم يبتدى به من سمت الجزائر الواغلة في البحر المحيط قريبا من مائتي فرسخ تسمى جزائر السعادات والجزائر الخالدات ولهذا رما يوجد للبلد الواحد في الكتب نوعان من الطول بينهما عشر درج فيحتاج في تيز ذلك إلى فطئة ودرية هذا كله عن أبي الريحان (١ه) . وأما (عرض البلد) فهو بعده عن خط الاستواء نحو الشمال قال الحموي لأن البلد والعمارة في هذه الناحية وتحاذيه قوس عظيمة شبيهة به واقفة بين سمت الرأس وبين معدل النهار ويساويه ارتفاع القطب الشمالي فلذلك يعبر به عله وانحطاط الجنوبي وان ساواه أيضاً فانه خفى لا يشعر به وهذا كلام صاحب التفهيم (١ه) . وأ طول عرض الحقيقي العرفي عدد الأسماء المنقول عنهم درج دفايق درج دقائق الاقليم الاقليم اطوال كه ل كط كط من 8 8 تاهرت بعضهم ك *# لح ن الثالث الغرب الأوسط (7) اللباب ومن اللباب (تاهرت) بفتح التاء المثناة من فوق ؛ وألف وهاء وسكون الراء المهملة » وفي لآخرها تاء ثانية » وفي خط ابن سعيد عوض الالف ياء مثناة من تحت ؛ وهو الاصح عندي ؛ لأن ابن سعيد مغربي فاضل . ثم قال عن إ بن حوفل ) وتيهرت مدينة كبيرة خصبة كثيرة الزرع ( وقد ولا -ه د : 0 ارا قيل . ان كورة ليهرت من افريقية 6 زهي عربي سطيف ١ 6 وهي كا نت قاعدة للمغرب الاوسط ؛ وكان بها مقام بني رستم ملوك المغرب الأوسط » حتى انقضت دولتهم بدولة الخلفاء الفاطميين الذين صاروا ملوك مص" ١ (١) كتاب الأطوال ١ - مدينة من عمل الجزائر مشهورة عامرة بها من الاباضية بني ميزاب جماعة معتبرة لهم بأنواع التجارة معرفة تامة وفيهم رجال محترمون كما في غيرها من المدن . َ يعني بهم الشيعة الذين كان ملكهم بالمغرب وامتد إلى مصر وهم الذين أنشأوا الجامع الازهر المشهور في أقطار الأرض بعمله وبظهورهم انقرضت دول الغرب كلها كما سيأتى ان شاء الله . 113 وقال في كتاب الأطوال : تاهرت العليا طولها وعرضها كما ذكر؛ ثم قال : تاهرت السفلى طولها (كو) ؛ وعرضها (كط) فدل على ان هناك مكانا آخر يسمى تاهرت ؛ كما نقلناه عن العزيزي في الهامش . (8) القانون وقال في القانون : و(تاهرت) السفلى طولها (يط ن) وعرضها (لديه) قال الأدريسي : وتيهرت كانت فيما سلف مدينتين كبيرتين » والقديمة على جبل ليس بالعالي ولها سوق ؛ كلام المؤيد وقد نقله برمته صاحب أوضح المسالك ؛ فلا حاجة إلى نقله . (9) الاستبصار وقال صاحب الاستبصار المؤلف سنة 8/87 ه المطبيع بالمطبعة الأوسترياوية في مدينة (وين) من بلاد الافرنج سنة 1807م بصحيفة 23 ؛ (مدينة تاهرت) وهي مدينة مشهورة قديمة كبيرة عليها سور صخر (أي حجر) ولها قصبة منيعة تسمى المعصومة''' » وهي في سفح جبل يسمى قرقل وهي على نهر يأتيها من ناحية المغرب يسمى مينة » ولها نهر آخر يجري من عيون تجتمع يسمى تانس!" ؛ منه تشرب أرضها وبساتينها ؛ وكان لها بساتين كثيرة ؛ فيها جميع الثمار » وفيها سفرجل يفوق سفرجل جميع البلاد حسنا ومطعما ورائحة » وبلد تاهرت شديدة البرد كشيرة الغيوم والثلج » وقد ذكر ابيات ابن حماد » وحكاية السودان وحكاية الحاد » وسيأتي كل ذلك في ١ - في هذا الاسم ما يدل على القوة التي كانت بهذه المدينة وقصبتها فان العصمة لغة المنعة فقد طابق اسمها وصفها . ؟ - في بعض التواريخ بالنون كما هنا وفي بعضها بالتاء . لاي كلام غيره قريبا ؛ ان شاء الله . وأما أبو إسحاق الفارسي المعروف بالكرخي من علماء صدر الماثة الرابعة للهجرة فانه اعتبر (تاهرت) قسما عظيما عند تقسيمه المغرب في تاريخه الأخوذ من كتاب صور الأقاليم للبلخي المطبوع بمدينة (ليدن) الافرنجية سنة ٠7م وهذا نص كلامه بالحرف الواحد » قال : «وأما المغرب فهو نصفان يمتدان على بحر الروم » نصف من شرقيه ونصف من غربيه » فأما الشرقي فهو برقة وافريقية (وتاهرت) وطنجة والسوس وزويلة'' » وما فى أضعاف هذه الاقاليم » واما الغربى فهو الاندلس» . فيعلم من كلامه هذا أن في عصره من أشهر ما كان من المدن العظيمة بالمغرب (مدينة تاهرت) إذ لم يذكر في التقسيم فاس » ولا الجزائر ولا مراكش ولا عنابة"' ولا غيرها من المدن الكبيرة فى هذا العصر » وان ذكر ١ - أراد وزيلة الغرب الأقصى كما هو واضح لا (زويلة) القريبة من (ودان) في قبلة طرابلس العامرة في صدر الإسلام بالاباضية كما بين في محله . فاس هي قاعدة ملك الدولة المراكشية الآن وهي من أشهر وأعظم مدن الغرب الأقصى في هذا العصر وقد بناها إدريس بن إدريس بعد (تيهرت) بنحو خمسين سنة أي عام 7ه رفي سنة 146 ها خصصت فاطمة بنت محمد الفهري الهواري القيرواني جانبا من المال وكانت غنية وبنت به مسجد القرويين المشهور بفاس ؛ ولعلها كانت أباضية لان هوارة أباضية . وفي سنة 746ه اختط أحمد بن سعيد اليفرني صومعتها (وهو أما صفري أو أباضي) ذكر ذلك ١ بن خلدون في صفحة ١٠ من الجلد ) ومن مدنها الشهيرة طنجة على البحر وأما مراكش فقد اختطها يوسف بن تاشفين سنة 464 ه وذلك بعد تحراب تيهرت بجمدة والسلطان يكن مدة بفاس ومدة بمراكش كما يفعل خديوي مصر بينها وبين اسكندرية ‏ وأما الجزائر فسيأتي الكلام عليها ؛ وأما عنابة ويقال لها ( بونة ( قديم م1 بعضها في أثنا ء سرده البلاد ثم قال : وأما نا كورة 1 وجزيرة بني مزغنا 6 في مدن وقرى قريبة من (تاهرت) الأعلى » ومدينة كورة”" (تاهرت) اسمها تاهرت وهي مدينة كبيرة خصبة واسعة البرية والزروع والمياه وبها الاباضية هم الغالبون عليها . سجلماسا" مدينة وسطة من حد (تاهرت) إلا إنها منقطعة لا يسلك إليها إلا في القفار والرمال إلى أن قال : ويقال ان كورة (تاهرت) بأسرها من أفريقية إلا إنها مفردة بالاسم والعمل في الدواوين (وقال في صحيفة 45) وكان ملوك أفريقية وبرقة أولاد الأ غلب ِ وملوك طلنجة أولاد إدريس وبينهم ِ وبين أفريقية (تاهرت) الشراة (الاباضية) وهم الغالبون عليها باختصار قليل . (١١) أبو بكر القزويثني وقال أبو بكر القزوينى فى تاريخه المطبوع ببلاد الإفرنج بصحيفة 7١1 (تاهرت) اسم مدينتين متقابلتين بأقصى المغرب يقال لاحداهما (تاهرت) القديمة » وللأخرى الحديثة » وهما كثيرتا الأشجار » وافرتا الثمار ‏ سفرجلهما يفوق سفرجل الآفاق طعما وحسنا » وبهما كثرة الأمطار والأنداء والضباب وشدة البرد قلما ترى الشمس بها » وذكر أيضا حكاية السودان الاتية . كما هو عند الإفرنج الآن فمدينة مشهورة قديمة وفيها كما في الجزائر ومدنها كافة من تجار الاباضية بني ميزاب رجال لهم اليد الطولى في ضروب التجارة أولر شهامة واتحاد في الرأي . ١ الكورة اسم لكل صقع أي ناحية تشتمل على عدة قرى ولها قصبة أي مدينة ١ سيأتي الكلام على سجلماسة مفصلا لأ نها من مواطن الاباضية قديما . ل (١١) ياقوت الحموي وأما المؤرخ أبو عبد الله ياقوت الحموي البغدادي صاحب المعجم المطبوع ببلاد الإفرنج » فانه أطنب فيها الكلام ؛ ووضح مايقتضيه المقام » وأجاد في ذلك » وإن كان فيه بعض تكرار لما تقدم إذ قال في صحيفة 8017 من المجلد الأول . (تاهرت) بفتح وسكون الرا ءِ وتا ءِ فوقها نقطتان , اسم لمدينتين متقا بلتمن بأقصى المغرب يقال لاحداهما (تاهرت) القديمة وللأخرى تاهرت المحدثة بينهما وبين مدينة المسيلة!"" ست مراحل ؛ وهى بين تلسمان وقلعة بني حماد » وهى كثيرة الأنداء والضباب والامطار حتى ان الشمس بها قل أن ترى » ودخلها إعرابي من أهل اليمن يقال له أبو هلال ؛ ثم خرج إلى أرض السودان ) مع ركب التجار) 6 فأتى عليه يوم له وهيج وحر شديد وسموم في تلك الرمال » فنظر إلى الشمس مضحية'"' راكدة على قمم الرؤوس ؛ وقد ١ اختطت المسيلة على قول ابن خلدون في 7 من الجزء ) سنة 7ه بعد انقراض دولة بني رستم من تيهرت بقليل وذكر الحموي انها كانت تسمى المحمدية اختطها أبو القتاسم محمد بن ا مهدي الشيمي ؛ وهو ولي عهد أبيه 6 وأما (قلعة بني حماد) فمدينة منيعة جدا اختطها حماد بن محمد من آل زيري بجبل كتامة المعروف بجبل عجيسة سنة 748ه على قول ابن خلدون أيضا في ١7١ من الجزء 6 . "- أي كائنة في وقت الضحاء وهو عند ارتفاع النهار الاعلى كما قاله المختار ولذلك وصفها بقوله راكدة أي ساكنة وذلك لأن الشمس في وقت الزوال تظهر للناظر غير متحركة أو بطيئة السير بخلاف ما إذا كانت صاعدة في شروقها أو نازلة في غروبها فانها تظهر سريعة السير ؛ والحال ان سيرها في الحالان الثلاث واحد ؛ وليس هناك صعود ولا هبوط ولا وقوف في الواقع ؛ وإنما ذلك في الظاهر فقط بالنسبة الينا بل بالنظر إلى سكان الارض كافة يصدق عليها في كل دقيقة ؛ مثلا انها مشرقة ومغربة وزائلة وهذا أمر واضح » وقوله صهرت معناه أذابت وذلك لشدة حرارتها ذلك الوقت ومنه قوله تعالى : «يصهر به مافي بطونهم والجلود» أي يذاب والله أعلم . ١لا صهرت الناس فقال مشيرا إلى الشمس ؛ أما والله لشن عززت فى هذا المكان لطالما رأيتك ذليلة بتاهرت وأنشد . ماخلق الرحمن من طرفة أشهى من الغشمس بتاهرت (٠) صاحب جغرافيا وذكر صاحب جغرافيا أن (تاهرت) في الاقليم الرابع َ وأن عرضها ثمان وثلاثون درجة ؛ وهى مدينة جليلة 6 وكا نت تسمى قدمما عراق المغرب : ولم تكن فى طاعة صاحب أفريقية ِ ولا بلغت عسشاكر المسودة 0 اليها قط , ولادخلت فى سلطان بنى الاغلب 6 وإغا كان آخر ماهى طاعتهم مدن ازا ١( ب . ١ - لفظ المسودة مذكور بكشثرة فى سير الشماخي رحمه الله وطالما سألت عنه من قبل طلبة عصرنا ولم أجد من يشرح لي معناه وغاية ما يقولونه انه اسم لقبيلة كانت في ذلك الوقت وفاتني أن أسأل عنه شيخي أو والدي حفظهما الله ولتعلق خاطري به لما أراه لهم فيه من الوقائع الدالة على قوتهم لم أقنع بأنهم قبيلة فقط ؛ ولا زلت أبحث حتى وقفت على تفسيره ببني العباس في تاريخ ابن مسكويه في أماكن متعددة منها قوله لما رأى المأمون انكار بني العباس وغيرهم عليه (وهو منهم) ببغداد حتى اخرجوا (عامله) الحسن بن سهل منها كأنه أراد معاكستهم باخراج الخلافة منهم فأصدر أوامره سنة ٠70ه في رمضان ؛ بلبس الثياب السود التي كانت من شعارهم وبها سموا بالمسودة وأعلن بأنه جعل علي بن موسى بن جعفر من ذرية علي ولي عهده ) اه المراد منه . "- بهذا يعلم أن مابين الزاب وبين فاس وسجلماسة كله داخل في دائرة تيهرت وما فيه من المدن والقرى كله تابع لها ما علمناه وما تعلمه فالمدن الأتية في كلام العلامة البنا هي بعض من ذلك وإنما خصصها بالذكر لشهرتها لاغير والله أعلم . إلا (٠١) أبو عبيد وقال أبو : عبيد (مدينة تاهرت) مسورة 6 لها أربعة أبواب 6 باب الصفا َ وباب المنازل 6 وباب الاندلس 6 وباب المطاح .!' » وهي في سفح جبل يقال له جزول لها قصبة مشرفة على السوق تسم المعصو مة 2 وهي على نهر يأتيها من جهة القبلة ؛ يسمى مينة ؛ وهو في قبلتها ونهر آخر يجري من عيون تجتمع تسمى تاتس (بالضم) ؛ زمنه شرب أهلها وأرضها وهو في شرقيها » وفيها جميع الثمار » وسفرجلها يفوق الأ فاق حسنا وطعما » وهي شديدة البرد كثيرة الغيوم والثلج » قال بكر بن حماد أبو عبد الرحمن : وكان بتاهرت من حفاظ الحديث د وثقات المحدثين المأمونين ؛ وسمع بالملشرق | بن مسدد وعمر بن مرزوق وبشر بن حجر ؛ وبافريقية ابن سحنون وغيرهم ؛ وسكن تاهرت وبها توفي وهو القائل : ) ما أخشن البرد وريعانه وأطرف الشسمس بتاهرت) ١ ما ألطف هذه الأسماء وما أحسن هذا التقسيم المحكم الذي لم يدع للازدحام مجالا إذ خصص لكل شغل من هذه الأشغال الأربعة التى عليها مدار حركات الناس بابا » فالذين ينقلون أنواع الحبوب كالشعير والقمح لأجل الطحن ويردونها دقيقا له باب المطاحن » والغالب على هؤلاء كثرة القيل والقال والصياح لما أن أكثرهم عادة خدم وماليك وأتباع لاحياء لهم ؛ والذين يريدون السفر أو عبور البحر إلى الأندلس من التجار وغيرهم له باب الاندلس ؛ وهم في الغالب أصحاب همم ونزاهة والمشتغلون بالعمل في البساتين لهم باب المنازل ؛ والذين يريدون النزهة والرياضة البدنية وتسلية النفس لهم باب الصفاء فلا يكدرهم حنين المودعين ولا أنين المفارقين ولا لجلجة المهنئين للمسافرين بباب الاندلس ؛ ولا تصدعهم عربدة الذاهبين وصيحات الراجعين باب المطاحن ؛ ولاتعلوهم غبرة ازدحام الداخلين والخارجين إلى المنازل من العملة بحميرهم وبغالهم وارباب المنازل بخيلهم وبراذينهم بباب المنازل ؛ وبهذا يعلم ما كان في هذه المدينة من حسن الانتظام والترتيب ولا تخلو من متنزهات والمشهور منها متنزه الأمير الآتي ذكره في كلام ابن الصغير . ال (تبدو من الغيم إذا مابدت كأنها تتنشر من تخت) كفرح الذمي بالسسبت) وسيأتى زيادة كلام عليه فى باب العلماء المنسوبين إلى تاهرت . قال ونظر رجل إلى توقد الشمس بالحجاز (وهو من أهل تاهرت ذهب حاجا) فقال (مخاطبا للشمس) احرقفى ماشكت » والله انك بتاهرت لذليلة ‏ قال وهذه تاهرت الحديثة 6 وهي على خحمسة أميال من تاهرت القديمة 1 وهي حصن ابن بخاتة » وهو شرفي الحديثة 4 ويقال أ نهم (أي عبد الرحمن ومن معه) لما أرادوا بناء (أي تجديد) تاهرت القديمة » كانوا يبنون بالتهار فإذا جن الليل وأصبحوا وجدوا بنيانهم قد تهدما" » فبنوا حينئذ تاهرت السفلى وهي الحديثة 1 وفي قلتها (قبائل) لواتة 1 وهوارة ْ في قرارات ِ وفي غربيها زواعة 6 وبجنوبيها مطامة , وزناتة َ ومكناسة 6 وكان صاحب (أي حاكم) تاهرت (القديمة) ؛ ميمون بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم بن بهرام مولي عثمان بن عفان" وهو بهرام بن بهرام جورين شابور ذي الاكتاف ملك الفرس » وكان ميمون هذا رأس الاباضية وامامهم م ورأس الصفرية ؛ والواصلية » وكان يلم عليه بالخلافة ؛ وكان مجمع الواصلية قريبا من تاهرت » وكان عددهم نحو ثلاثين ألفا في بيوت كبيوت الأعراب » يحملون ١ لم يذكر هذه الحكاية أحد من أصحابنا وهي من الغرائب وانظر ما حكمة الله في ذلك وهي ما يؤيد القول بوجود الملائكة والجن وإلا فمن الفاعل لذلك بأمر الله على مذهب الممكرين حيث لا زلزال ولا رجة إذْ ذاك هنالك . ؟ ‏ المولى هو المعتق بالفتح ولعله أخذ أسيرا لما فتحت فارس وأعتقه عثمان فبحان المعز المذل وسيأتي زيادة كلام في هذا النسب . بف وتعاقب ملكة تاهرت بنو ميمونا"" واخوته إلى أن قال مبينا على أكمل وجه سبب بنيانها وكيفيته هكذا . اجتمعت اليه (يعنى عبد الرحمن) الاباضية واتفقوا على تقديمه وبنيان مدينة تجمعهم فنزلوا موقع تاهرت اليوم » وهو غيضة أشبه"' ونزل عبد الرحمن من موضعا مربعا لا شعراء!"" فيه فقال البربر : نزل تاهرت وتفسيره ١ لعله أراد عبد الوهاب بدل ميمون وألا فميمون لم يتول الإمامة حتى يلم عليه بالخلافة والذي كان رأسا لمن ذكره من الصفرية والواصلية وغيرهم هو عبد الوهاب وبشهادة هذا المؤرخ مع ما تقدم وما سيأتي مما فيه تلقيب بني رستم بالخلفاء والملرك يعلم بطلان قول بعض المتأخرين من أرباب التاريخ بأن بني رستم لم يبلغوا درجة الخلافة والملك ولا ندري ماذا صنع في تلك الملايين من الناس التي كانت تدين بطاعتهم وتتمتع بعدلهم ولا في تلك العساكر التي كانت تؤلف بئات الالوف تحت كلمتهم ولوائهم وان يكن جاهلا ذلك فما الحامل له على الدخول في باب لا يتقنه حتى يبتكر كلاما لم يسبق اليه؟ والواصلية والصفرية فرقتان مشهورتان من فرق الإسلام لا جود لهما الآن بالمغرب وتوجدان بالمشرق كجزيرة العرب وبالزنجبار بكشرة كما توجد فرق الازارقة والنجدية والزيدية والمعتزلة والشيعة وغيرها وبين الكل تنافر دائم كما تنفر كلها من مذهب الاباضية ومذاهب الاشعرية الاربعة تفورا كلياً نظراً لتباين المشارب في بع المعتقدات الدينية التي تركت الإسلام أشتاتا وأحزابا حتى صارت مضغة سهلة للطامعين من الافرنج والامر لله «سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تبد لسنة الله تبديلا» . 7 الفيضة بالفتح محل نجتمع فيه المياه من أردية أوعيون فينبت فيه الشجر وهي لغة أيضا الغابة كما هو مشهور على السنة العامة الآن وقوله أشبة بفتح الشين أي ملتفة مشتبكة لكثرتها واجتماعها من أصناف الشجر عظيمه وصغيره وفى القاموس أشب الشجر كفرج التف ؛ قال » وفي حديث ابن ام مكتوم (بيني وبينك أشب) (بفتح الشين) محركة يريد النخل الملتفة (1ه) . ‎ »‏ الشعراء شجر الحمض وهو كل شجر مالح أو مر في طعمه وضرب من الخوخ جمعها كواحد ومن الأرض ذات الشجر أو كثيرته ذكر صاحب القاموس فقوله لا شعراء فيه أي لا شجر ء وانظر حكمة الله إذ جعل بين تلك الأشجار الملتفة والغابة العظيمة هذا الموضع فضاء حتى امكنتهم الاقامة والصلاة فيه إلى أن تم شغلهم «صنع ‏ني الدف لتربيعه!'" وادركتهم صلاة المجمعه فصلى بهم هناك ؛ فلما فرغ من الصلاة ثارت صيحة شديدة على أسد ظهر فى الشعراء » فأخذ حيا وأتى به م د حرا 2 ١) .2 : إلى الموضع الذي صلى فيه وقتل فيه ' ؛ فقال عبد الرحمن بن رستم هذا بلد لا يفارقه سفك دم ولا حرب أبدا » قال ذلك بعد أن نظر نظرة فى النجوم كما ذكره المراكشى فى تاريخه ٠ وابتدأوا في تلك الساعة » وبنوا في ذلك الموضع مسجداً ؛ وقطعوا خشبه من تلك الشعرا ء وهو على ذلك إلى ١ لأن د (يعنى وقته ( وهو مسجد جامعها ِ وكان موصعم تاهرت ملكا لقوم مستضعفين من مداسة صهناجة ؛ فأرادهم عبد الرحمن على البيع فأبوا فوافقهم على أن يؤدوا لهم الخراج من الاسواق ؛ الله الذي اتقن كل شيء » وإذا أراد مام أمر هيا له أسبابه . ١ - الذي يؤخحذ من هذا الكلام ان اسم تيهرت لم يكن موجودا قبل نزول أ لامام عبد الرحمن بهذا المكان وقد تقدم أنه اسم للقديمة وهو الذي يقرب صحته العتل لما تقدم وما سيأتي ؛ وذكر الشماخي رحمه الله في صحيفة 26١ أنها تسمى أيضا (تاقدمت) ولم ثره لغيره إلا إنني وقفت في ١ ِ لكتبخانة) المصرية الخديوية على الصناديق التي صففت فيها تحت صفائح الزجاج النقود المضروبة بأسماء الملوك والمدن قديمها وحديئها لاطلاع الناس عليها وفوق كل عملة منها ورقة صغيرة توضح ما في ذلك المضروب من التاريخ والاسم وقد رأيت فيها عملة نحاسية صغيرة لا اتمقان في نقوثها فوقها ورفة فيها هكذا (تاقدمت 3606١) وبجنبها ورقة أخرى فيها اسم الامير عبد القادر الجزائري المشهور القائم على فرنسا بعد دخولها قطر الجزائر وقد بنى بتيهرت بعض بناء لما نوى أن يجعلها مركزا الحكومته ولم يطل أمره ولعله صرب تلك العملة لما كانت هناك وهو لا معنى للاتيان به حيا إلى مكان الصلاة وقتله فيه لما ورد من النهي عن قصد تنجيس البقاع المعدة للاجتماع مطلقا وبالخصوص المعدة للصلاة والذي رأيته في تاريخ ابن عذاري المغربي فيما أظن أن الاسد خرج عليهم وبعد محاورة بينه وبينهم اتفق قتله في مصلاهم فالقتل هنالك غير مقصود ولكوني اطلعت على هذا الكلام قبل أن يخطر ببالي تحرير شيء من هذا فاتني نقله بالخرف ٠ وا ويبيحوا لهم أن يبنوا المساكن فاختطوا وبنوا وسموا الموضع معسكر عبد )0 الرحمن بن رستم إلى اليوم . (١٠٠) المهدي وقال المهدي بين أشير وتاهرت أربع مراحل وهما تاهرتان القديمة والحديثة ؛ ويقال للحديثة تاهرت عبد الخالق ؛ ومن ملوكها بنو محمد بن أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ؛ وبمن ينسب اليها أبو البزازالتاهرتي 6 روي عن قاسم بن أصبع 6 وأبي عد الملك بن 1 بي دكيم 6 وأبي أحمد بن الفضل الدينوري » وابي بكر محمد بن معاوية القرشي ومحمد بن عيسى بن رفاعة » روى عنه 1 بو عمر بن عبد البر وغيره َ ل ا نتهى وسنذكر بعد هذا الباب جماعة من أهل العلم المنسوبين إلى تاهرت إن شاء الله ٠ ١ وأما العلامة أبر عبد الله البنا المعروف بالبشاري الحنفي من علماء المائة الرابعة من الهجرة » فإنه ألف تاريخا سنة 3/8 ه وطبع بمدينة ليدن من بلاد الإفرنج سنة 1876م قال في أوله هكذا : وتجنب الكذب والطغيان » وتحرزت بالحجج من الطعان » ولم أودعه الجائز ١ الذي يسمى الآن بالمعسكر مدينة غير تيهرت إلا انها قريبة منها وسيأتي الكلام عليها . 71 وا محال » ولا سمعت إلا قول الثقات من الرجال » وأعلم أني مع هذه الوثائق والشروط لم أظهره »؛ حتى بلغت الأربعين ؛ ووطئت جميع الأقاليم وخدمت أهل العلم والدين » وقد ذكر اصطلاح المؤرخين في معنى الأمصار وذكر اصطلاحه الذي جرى هو عليه في كتابه فال : (وأما نحن فجعلنا المصر ء كل بلد حله السلطان الأعظم » وجمعت إليه الدواوين » وقلدت فيه الأعمال ؛ وأضيف إليها مدن الأقاليم) . ثم قال في صحيفة 7؟؛ وأعلم أنا جعلنا الأمصار كالملوك ؛ والقصبات كالحجاب ؛ والمدن كالجند ؛ والقرى كالرجالة » ثم ذكر في صحيفة 48 تاهرت من الامصار فيصدق عليها حينئذ انها بلد سلطان عظيم » جمعت اليه الدواوين إلى آخره » وقال فى صحيفة 6ه عند ذكر الحجاب لكل مصر هكذا : لبرقة » رماد » طرابلس ؛ اجدابية إلى آخر ما ذكره لها » للقيروان » صبرة ؛ صفاقس ؛ المهدية ؛ سوسة » تونس إلى آخر ما ذكره لها أيضا ثم قال : ولتيهرت بممة ؛ تاغليسة » قلعة ابن الهرب ؛ خرارة » الجعبة » غدير؛ الدروع ؛ لماية ؛ منداس » سواق ابن جبلة » طماطة » جبل تجان » وهران ؛ شلف » طير الغزة » سوق إبراهيم ؛ رهبايه » البطحة ؛ الزيتونة ؛ تمما ؛ يعود ؛ الخضراء » واريفن » تنس » قصر الفلوس ؛ بحرية ؛ سوق كري ؛ منجصة ؛ اوزكي » تبرين » سوق بن مبلول ؛ ربا » تاويلت أبي مغول ؛ تمزيت » تاويلت لغو » أفكان (وبها نهر يأتي إلى تاهرت) انتهى!"' . ١ - أغلب هذه الأسماء بربرية لأنها لموطن البربر ولذلك وقع للمؤرخين اختلاف كثير في رسمها فكتب بعضهم أجذابية بالذال الملعمجمة وبعضهم خرارة بالهاء بدل الخاء ؛ وبعضهم أفكان بياء قبل الفاء وغير ذلك وما رسمناء هنا هو الذي اتفق فيه أكثرهم على ما رأيناه . ال فهذه ما يقارب أربعين مدينة غير ما سيزيد ؛ نسبتها إلى تاهرت كنسبة صفقاس » وتونس إلى القيروان » وكنسبة طرابلس » واجدابية إلى برقة ؛ بمعنى أن كل واحدة من هذه المدن تعتّبم كمركز ولا ية صغيرة أو متصرفية كبيرة باصطلاح عصرنا » بدليل تقسيمها إلى عدة ولايات بعد انقراض إمامة بني رستم منها » فافكان وتاهرت نفسها كانت ليعلى بن محمد اليفرني وأشير 4 وأعمالها لزيري بن مناد الصهناجي 6 والمسيلة واعمالها لحعفر بن على الاندلسي وباغاية واعمالها لقيصر الصقلي"'' إلى غير ذلك مما ذكره المؤرخون ؛ومنهم بن خلدون فانه قد ذكر بعص ذلك في صحيفة 46 من ل مجلد الرابع ؛ ولو لم تكن كذلك لما قام بها ملك قاهر كهذا ودام ؛ رغما عن تلك الفتن وا لحروب الواصلية وغيرها . وبهذا يظهر للقارئ ما كان لتاهرت من اتساع الدائرة َ وما كان لبني رستم فيها من عظيم الملك ؛ ولاسيما إذا فكر فيما هو تحت نفوذهم قوة أو فعلا من سرت إلى أرض الجريد » وسنبين ذلك ؛ وإذ ذاك لا يستعظم ولا يشك فيما سيتلى عليه من الكلام الآتي منقولا عن المؤرخين أرباب الاطلاع ومن أمعن الفكر في كلام هذا المؤرخ » وقاعدته التي أسسها وهي قوله ؛ ١- رما يقول قائل ان بعس المؤرخين ذكر بعض هذه المدن في أقليم افريقيا وبعضها في أقليم فاس أو سجملماسة مثلا وان بعضها إنما أسس بعد انقراض دولة بني رستم فلا يصدق عليها انها دخلت في ملكهم ؛ فنقول ان ما ذكره هذا المؤرخ أقرب إلى الصحة لقرب عهده ببني رستم بخلاف غيره فان أغلبهم متأخر وأكثر ما حرروه على هذه الجهات تلقوه عن غيرهم بمجرد السماع والنقل على انه يمكن دخول هذا البعضص تحت غيرهم في ميدأ ظهور دولتهم قبل اتساع خطتها أو في آخرها عند تقهقرها كما سيأتي وما كان من المدن حادثا بعد انقراضها فالمراد بذكرها بيان أن موضعها وما يليه من البلاد كان في طاعتهم وعلى هذا يحمل كلام من خالف هذا المؤرخ من المؤرخين والله أعلم فليحرر . مل واما نحن فجعلنا المصر إلى آخره يظهر له الامر جلية" ؛ ثم قال ولله دره في انصافه وتقريره الح كما عرفه ورآه أو حقيقة عن ارباب المعرفة والصدق ما نصه ) اقليم المغرب هذا اقليم بهي » كبير سري » كثير المدن والقرى » وعجيب الخصائص والرخا ء به ثغور جليلة » وحصون كثيرة » ورياض نزهة ؛ وبه جزائر عدة,؛ مثل الاندلس الفاضلة العجيبة ؛ و(تاهرت) الطيبة النزيهة وطنجة البلدة اللعيده ِ وسلجماسة الحتارة الفريدة ِ واصقلية الجزيرة المفيدة , إلى أن قال : فأول كورة من قبل مصر برقة ثم افريقية ثم (تاهرت) ؛ ثم سجلماسة ؛ ثم فاس » ثم السوس الأقصى » ثم جزيرة اصقلية . جوا هره كل يتيمة نقية ؛ وا ندفع يسطر على صفحات الطرس »ما علمه لهذه المدينة الزهراء من الفضائل والكمالات » مترددا فى تفضيلها على دمشق الشام وقرطبة الاندلس ذات المآثر الباهرات » وإليك ما طرزه وحقه ان ينظم اللآلى » وقل لله رجل انصف وما حاد عن الحق إذ قال : (تاهرت) هي اسم القصبة أيمضا ؛ وهي بلخ المغرب قد أحدقت بها الانهار » والتفت بها الاشجار » وغابت فى البساتين » ونبعت حولها الأعين ١ - وجه ذلك هو ان المصر في اصطلاحه يطلق على المدينة التي بها كرسي المملكة كالآستانة العلية الآن وقد سمي تيهرت مصرا » وان الحجاب في اصطلاحه يطلق على مراكز الولايات كطرابلس الأن وكولاية الحجاز وولايات الشام » بالنسبة إلى الأستائة وقد ذكر تلك المدن كلها من الحجاب لتيهرت فيلزم أن تكون بمقام ولايات في اصطلاح عصرنا وان كان بعمضها أكبر من بعض وأكشر في العمران كما هو الحال الآن في ولايات كثيرة ولايقال ان بالنظر إلى قربها من بعضها بعض يظهر أنها لا تكون كذلك إذ لا يكون في دائرة كل واحدة من الانفس والعمارات ما يخول لها درجة ولاية أو متصرفية لأن من نظر إلى مديريات مصر والاسكندرية مثلا وتقاربها لايتبعد ذلك هنا مع وجود تلك الانهار الجارية والعيون السائلة والاودية الكبيرة والاعداد الكثيرة من القبائل المؤلفة من الآلاف والله أعلم : ١7 وجل بها الاقليم وانتعش فيها الغريب » واستطابها اللبيب ؛ ويفضلونها على دمشق واخطأوا وعلى قرطبة''" وما أظنهم أصابوا ؛ هو (اقليم تاهرت) بلد ١ - أما دمشق فقد سميت باسم بانيها دمشق بن فاني بن مالك بن أرفخشذ بن سام بن نوح وقيل غير ذلك » وقد اقسم سبحانه وتعالى بجبلها في قوله : «والتين» قال كعب هو الجبل الذي عليه دمشق والزيتون هو الجبل الذي عليه بيت المقدس وطور سيناء هو الجبل الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام والبلد الأمين هو مكة وقال الاصمعي جنان الدنيا ثلاث غوطة دمشق ونهر بلخ ونهر الابلة وقد فتحت دمشق سنة 6٠ من الهجرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما قاله البحتري الشاعر المشهور في قوله : أمادمشق فقدأبدت محاسنها | وقد وفى لك مطريها بما وعدا إذا أردت ملأت العين من بلد ‏ مستحسن وزمان يشبه البدا يمى السحاب على أجبالها فرقا ويصبح النور في صحرائها بددا فلت تبصر إلا واكفا خضلا ويانما خضرا أو طائرا غردا كأنما القيظ ولى بعد جيئته أو الربيع دنا من بعد ما بعدا وما قاله فيها أبو تمام الشاعر : لولاا حدائقها وأني لا أرى عرشا هنالا ظنتها بلقيا وأرى الزمان غدا عليك بوجهه جذلان بساماوكان عبوسا قد نورت تلك البطون وضدست تلك الظهرر بقربه تقديسا ذكر هذا صاحب مختصر البلدان وقال : ولما أراد الوليد بن عبد الملك بناء مسجد دمشق دعا نصارى دمشق فقال : إنا نريد أن نزيد في مسجدنا كنيستكم هذه ونعطيكم موضع كنيسة حيث شتتم فحذروه ذلك وقالوا : أنا نجد في كتابنا انه لا يهدمها أحد إلا وخنق فقال الوليد : فأنا أول من يهدمها فقام عليها وعليه قباء أصفر فهدمها بيده وهدم الناس معه ثم زاد في المسجد » فلما هدمها كتب اليه ملك الروم انك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها فإن كان حقا ما عملت فقد أخطأ أبوك ؛ وإن كان باطلا فقد خالفت أباك فلم يعرف الوليد جوابا فاستشار الناس ؛ وكتب إلى العراق فقال الفرزدق أجبه يا أمير المؤمنين بقول الله عز وجل : «وداوود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما» وكتب اليه الوليد بذلك فلم يجبه والوليد ممن زاد في المساجد وبناها فبنى المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد قبا ومسجد دمشق ؛ وأول من حفر المياه في طريق مكة إلى م" الشام وأول من عمل البيمارستانات للمرضى » وكان في ذلك انه خرج حاجا فمر بمجد النبي صلى الله عليه وسلم فدخله فرأى بيتا ظاعنا فى المجد شارعا بابه فقال ما بال هذا البيت فقيل هذا بيت علي بن أبي طالب أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم وردم سائر أبواب أصحابه فقال ان رجلا نلعنه على منابرنا في كل جمعة نقر بابه ظاعنا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين الأ بواب أهدم يا غلام فقال روح بن زنباع الجذامي لا تفعل يا أمير المؤمنين حتى تقدم الشام ثم تخرج أمرك بتوسيع مساجد الامصار مثل مكة والمدينة وبيت المقدس وتبني بدمشق مسجدا فيدخل هدم بيت علي بن أبي طالب فيما يوسع من مسجد المدينة فقبل منه وقدم الشام وأخذ في بناء مسجد دمشق وانفق عليه خراج المملكة سبع سئين ليكون ذكرا له (وهذا مما لا يجوزه الشرع قطعا) وفرغ من المسجد في ثمان سنين فلما حمل اليه حساب نفقات مسجد دمشق على ثمانية عشر بعيرا أمر بإحراقها قال فى كتاب المسالك والممالك أنفق على مسجد دمشق خراج الدنيا ثلاث مرات وبلغ لمن البقل الذي أكله الصناع في مدة أيام العمل ستة آلاف دينار وهذا المسجد مقعد عشرين ألف رجل وان فيه ستمائة سلسلة ذهب للقناديل » قال زيد بن واقد وكلني الرليد على العمال بمسجد دمشق فوجدنا فيه مغارة فعرفنا الوليد ذلك فنزل في الليل فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاثة أذرع في مثلها وإذا فيها صندوق وفيه سفط مكتوب عليه (هذا رأس يحيى بن زكرياء) فرأيناء فامر به الوليد أن يجعل تحت عمود معين فجعل تحت العمود المسقط الرابع الشرقي ويعرف بعمود السكاسك قال زيد رأيت رأس يحيى بن زكريا حين وضع تحت العمود والبشرة والشعرة لم تتغيرا قالوا فمن عجائب مسجد دمشق ان لو بقي الرجل فيها مائة سنة لكان يرى فيها كل وقت اعجوبة لم يرها قبل وقال كعب ليبنين في دمشق مسجد يبقى بعد خراب الارض أربعين عاما والمئذنة التي بدمشق كانت ناطورا للروم في كنيسة يحيى فلما هدم الوليد الكنائس وادخلها المسجد تركت على حالها وهدم الوليد عشر كنائس واتخذها مسجدا ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة قال : إن أرى فى مسجد دمشق أموالا أنفقت في غير حقها فانا مستدرك ما ادركت منها ورادها إلى بيت المال أنزع هذا الرخام والفسيفاء وأطينه وانزع هذه الللإاسل وأصير بدلها حبالا فاشتد ذلك على أهل دمشق فخرج أشرافها اليه وكان فيهم يزيد بن سمعان وخالد بن عبد الله القشري فقال خالد لهم دعوني والكلام قالوا : تكلم فلما دخلرا عليه » قال له خالد : بلغنا انك هممت بمسجدنا بكذا وكذا قال : نعم » قال : والله ما ذلك لك قال فلمن ذلك لأمك الكافرة؟ وكانت امه نصرانية ؛ فقال : ان تك 1 كافرة فقد ولدت مؤمنا فاستحى عمر وقال : صدقت وورد على عمر رسل الروم فدخلوا مسجد دمشق لينظروا اليها فرفعوا رؤوسهم إلى المسجد فنكس رئيس منهم رأسه واصفر لونه » فقالوا له فى ذلك فقال : انا كنا معاشر أهل رومة نحدث ان بقاء العرب قليل فلما رأيت ما بنوا علمت ان لهم مدة سيبلفونها فأخبر عمر بذلك فقال : أرى مجدكم هذا غيظا على الكفار فترك ما هم به من أمر المسجد والمسجد مبني بالرخام والفسيفاء مسقف بالعاج منقوش بالازورد والذهب والمحراب مرصع بالجواهر المثمنة والحجارة العجيبة » وبني معاوية الخضراء بدمشق في زمن عثمان بن عفان وأمر على الشام وهو ابن ثمان وثلاثين سنة واستخلف وهو ابن ثمان وخمسين سنة وتوفي لثمان وسبعين سنة وهو أول من اتخذ المحاريب والمقاصير والشرط والحرس والخصيان وأصفى الاموال وقد أنكر قوم بناء الدور والابنية والنفقة والتبذير عليها وهذا طلحة بنى داره بالآجر والقصة وأبوابه ساج وبنى عثمان بن عفان بالحجارة المنقوشة المطابقة وخشب الصنوبر والساج وحمل له من البصرة في البحر ومن عدن في البحر وحمل له القصة من بطن نخل وبنى الزبير أربعة دور داراً بمصر واخرى بالاسكندرية وأخرى بالكوفة وأخرى بالبصرة وأنفق زيد بن ثابت على داره ثلاثين ألف درهم ثم قال وبدمشق جبل لبنان وهو الذي يكون عليه العباد (بتشديد الباء) والابدال وعليه من كل الثمر والفواكة وفيه عيون كثيرة عذبة (١ه) . وأما قرطبة بضم أوله وسكون ثانيه وضم الطاء المهملة والباء الموحدة فقد قال صاحب الملعجم كلمة فيما أحسب عجمية رومية ولها في العربية مجال يجوز أن تكون من القرطب وهو العدو الشديد » وقال وهي مدينة عظيمة بالاندلس وسط بلادها وكانت سريرا لملكها وقصبتها وبها كانت ملوك بني أمية ومعدن الفضلاء ومنبع النبلاء ؛ من ذلك الصقع بينها وبين البحر خمسة أيام قال ابن حوقل التاجر الموصلى وكان طرق تلك البلاد في حدود سنة ٠ 16ه وأعلى مدينة بالاندلس قرطبة وليس لها فى المغرب شبيه في كثرة الاهل وسعة الرفعة ويقال انها كأحد جانبي بغداد وان لم تكن كذلك فهي قريبة منها وهي حصينة بسور من حجارة ولها بابان يشرعان فى نفس الور إلى طريق الوادي في الرصافة والرصافة مساكن بأعالي البلد متصلة بأسافله من ريضها وابنيتها مشتبكة محيطة من شرقها وشمالها وغربها وجنوبها إلى أن قال ومن تشوق اليها القاضي محمد بن أبي عيسى بن يحيى الليثي قاضي الجماعة بقرطبة فقال يها: ٍِ يلم ذكراي من ورقا مغردة على قضيب بذات الجزع مياس "م كبير كثير أ لخير رحب ؛ رفق 6 طيب » رشيق إلا سواق غزير ألما ء)حيد إلا هل 6 قديم | لموضع محكم الرصف عجيب الوصف » غير أ نه متى يقاس المغرب بالشام » وأين مثل دمشق في الإسلام؟! ولقرطبة اسم وذكر وشأن ؛ بها (أي تاهرت) جامعان على ثلثى البلد قد بنيا بالحجارة والجيل » قريبان م الأسواق من دروبها المعروفة أربعة درب مجانة درب الملعصومة م درب حارة الفق أ 0 ص ب المساتيمن م بقربها مديئلة تسمى رها َ وقد خحربت ونس رددن شجوا شجا قلبي الخلي فقل فى شجو ذي غربة ناء عن الناس ذكرنه الزمن الماضي بقرطبة بين الأحبة في لهو وإيناس هجن الصبابة لولاا همة شرفت فصيرت قلبه كالجندل القامسي وينسب اليها كثيرون من أهل العلم والأدب ولما أدبر رثاها شعراؤها بمراث كثيرة والله أعلم . وقد نقل الشيخ مقديش وصف جامعها المشهور فقال وبها الجامع الذي ليس في معمور الأرض مثله فيه من السواري الكبار ألف سارية وفيه مائة وثلاثة عشرة ثريا ؛ للوقيد أكثر ما تحمل الواحدة ألف مصباح وفيه من النقوش والرقوم مالا يقدر على وصه وبقبلته صناعات تدهش العقول وعلى فرجة المحراب سبع قسي قائمة على عمد طول كل فوس فوق القامة قد تحير الروم والمسلمون في وصف حنها وفي عضادتي ا محراب أربعة أعمدة اثنان اخضران واثنان لازورديان ليس لهما قيمة وبه منبر ليس على معمور الأرض مثله في حسن صنعته وخشبه ساج وابنوس وبقص وعود قافلي ويذكر في تاريخ بنى أمية انه أحكم عمله ونقشه في سبع سنين وكان يعمل فيه ثمانية صناع لكل صانع في كل يوم نصف مثقال محمدي فكان جملة ما صرف على المثبر أجرة لا غير عشرة آلاف مثقال وخمين مثقالا وفي الجامع حاصل كبير فيه آنية الذهب والفضة لاجل الوقود وبهذا الجامع أربع ورقات من مصحف عثمان بن عفان بخط يديه وفيه نقط من دمه وله عشرون بابا مصفحات باللحاس الا حمر الا ندلسي محزمات تحزيما يمجر البشر عن وصفه وفي كل باب حلقة في نهاية الصلنعة وا لحكمة وبه الصومعة التي هي من عجائب الدنيا ارتفاعها ماثة ذراع بالملكي المعروف بالشراشي كل ذراع بثلاثة أشبار ( ١ه) ؛ بحروفه . ١ - في كل ما رأيناه من النسخ (القفير) بتقديمٍ القاف على الفاء ولم نعلم له معنى مناسبا للمقام ولعله بتقديم الفاء أو بالخاء مكان القاف أو بالغين على لغة العامة وعلى هذا تكون علة ال ِ لعسمة واضحة زهي وجود مركز للخفرا ء بذلك الدرب يجتمعون فيه ام مسورة على البحر 4 شربهم من نهر ٌ وكذلك قصر الفلوس 6 وتا هرت السفلى على واد 1 عظيم »ان أعين وبساتين 6 وافكان مسو ر على واد جار ذي بساتين ويلل 6 وجبل توجان على ما ذكرنا سوا ءًِ وهران بحرية مسورة يقلعون منها إلى الاندلس في يوم وليلة"' ترى منها البرين وهي احد المعابر | لمشفهو ره 6 جبل زلاغ 6 مدينة على جبل عال يطل على كورة فاس بناها خحلوف بن أحمد المعتلى : وبقية المدن أكشرهن مسورات دات بساتين (انتهى) ٠ (17) شمس الدين الدمشقي وقد ذكرها شمس الدين أبو طالب الدمشقى » باختصار فى تاريخه ولم يذكر ما يحتاج إلى نقل كما لم يذكر غيرها من المدن إلا سردا . (8٠) ابن فضل العمري وعدد العلامة ابن فصل الله العمري 6 فى مسالك الا بصار مالك الغرب ليفضل عليها مالك المشرق تعصبا للشرق ؛ فلم يذكر من مزايا المغرب إلا ما لم يحمكنه انكاره وقال َ ويليها أي تونس الغرب الاوسط كان فى صدر الإسلام قد اقتطعه بنو رستم وكانوا أباضية وادعوا الخلافة وكان قطب امامتهم مدينة تاهرت . ثم يوزعون في أنحاء المدينة بمعرفة رئيسهم كما هو جار الآن بمصر عند كل مغرب . ١ في نسخة هكذا (وسبتة على زقاق بحر الاندلس ترى منه البرين إلى آخره) فيزؤخذ من هذا ان سبتة قد أتى عليها وقت وهي في دائرة حكم تيهرت وفيه تأمل لبعدها عنها جدا وقربها من طنجة والله أعلم . مم (٠) ابن الصغير وأما المؤرخ ابن الصغير العلامة الخطير » المالكي الشهير » الذي بحث في أحوال تاهرت عن النقير والقمطير » فقد نظم في الثناء عليها العقود الحسان » ووصف بني رستم ملوكها الأئمة أهل العدل والاحسان ؛ بكل وصف جميل وذكر جليل ؛ وسيأتي موزعا في الباب الآتي عند ذكر كل امام منهم فانتظره » وكل آت قريب ؛ ولناسبة هذا المقام نأتقي بكلمات منه وان تكررت بعد ذلك ليعلم منه مشربه ؛ ويدرك منه مرمى كلامه قال : ثم شرعوا (يعني الاباضية بتاهرت) في العمارات والبناء وأحياء الموات وغرس البساتين » واجراء الانهار » واتخاذ الرحى والمستغلات وغير ذلك ؛ واتسعوا في البلد وتفسحوا فيه » وأتتهم الوفود والرفاق من كل الامصار وأقاصي الأقطار » فقل أحد أن ينزل بهم من الغرباء إلا استوطن معهم وابتنى بين أظهرهم لما يراه من رخاء البلد » وحسن سيرة امامه وعدله في رعيته وأمانه على نفسه وماله ؛ حتى لا ترى دارا إلا قيل هذه لفلان الكوفي ؛ وهذه لفلان البصري ؛ وهذه لفلان القروي » وهذا مسجد القرويين ومربعتهم ؛ وهذا مسجد البصريين » وهذا مسجد الكوفيين » واستعملت السبل إلى بلاد السودان والى جميع البلدان من مشرق ومغرب بالتجارة » وضروب الأمتعة إلى أن قال في حقى الامام أفلح » وشمخ في ملكه وابتنى القصور واتخذ ابوابا من الحديد » وبنى الجفان وأطعم فيها الجيعان وعمرت معه الدنيا وكثرت الاموال والمستغلات » وأتته الرفاق والوفود من كل الأمصار والأفاق بأنواع التجارات وتنافس الناس في البنيان » حتى ابتنى الناس القصور والضياع » إلى آخر ما سيطرق سمعك غير بعيد ان شاء الله ولا فائدة في التكرار . وقال ابن خلدون في صحيفة ١١١ من المجلد السادس » فشرعوا (أي م.م الاباضية) فى بناء مدينة تاهرت في سفح جبل كزول السياح على تلول منداس ؛ واختطوها على وادي ميناس النابعة منه عيون بالقبلة وتمر بها ؛ وبالبطحاء إلى أن تصب في وادي شلف فأسسها عبد الرحمن بن رستم واختطها سنة أربع وأربعين ومائةه فتمدنت واتسعت خمطتها . وقال ابن حوقل في المسالك المطبوع بليدن سنة 18777 م بصحيفة ٠ بعد أن وصفها كما تقدم ؛ والتجار والتجارة (بتيهرت) المحدثة أكثر ولهم مياه تدخل أكثر دورهم وأشجارهم » وبساتين كثيرة وحمامات وخانات وهي أحد معادن الدواب » والماشية والغنم والبغال والبراذين الفراهيد ويكثر عندهم العسل والسمن وضروب الغلات . (١٠) ابن عذاري المغربي وأما ابن عذاري المغربى ؛ فأنه ذكرها فى بيانه ؛ وخالف في تاريخ تأسيسها كل ما رأيته ؛ من التواريخ إذ قال في صحيفة 8 فاجتمع عليه (أي عبد الرحمن) الاباضية وعزموا على بنيان مدينة تجمعهم ؛ فنزلوا بموضع تيهرت وهي غيضة بين ثلاثة أنهار ؛ فبنوا مسجد من أربع بلاطات » واختط الناس مساكنهم وذلك سنة ١13ه ؛ وكانت فى الزمان الخالى مديئنة قديمة فاحدثها الآن عبد الرحمن بن رستم » وبقي بها إلى أن مات سنة ماهاء وهذا تاريخ في وفاة عبد الرحمن ؛ وهو مخالف لما هو مشهور عندنا ؛ ولكلام ابن خلدون الأتي . وقال أيضا وكانت حول تيهرت بساتين من أنواع الثمارة كشيرة الأشجار » وهي شديدة البرد كثيرة الأمطار قيل لبعض الظرفاء من أهلها : كم الشتاء عندكم من شهر في السنة؟ قال : ثلاثة عشرا شهرا . 1, (١7) دائرة المعارف هذه وقد وقفت على ذكرها في كتاب دائرة المعارف » ولم يزد على ما سمعته غير بيان المسافة التي بينها وبين وهران باصطلاح هذا العصر » وذلك ٠ كيلومترا واستظهر إنها هي (تنغرتيا) القديمة التي كانت كرسي اسقفية'"' في القرن الخامس للميلاد (فهي إذاً عريقة فى الفخر عظيمة ١ الأسقفية وظيفة مخصوصة برجال الدين عند النصارى وكرسيها هو المدينة أو القصبة التي يقيم فيها الاسقف ؛ والأسقف كلمة عربية وقيل معربة من (ابيكوبوس) باليونانية ومعناها ناظرا أو رقيب وكل القاب خدمة الدين عند النصارى هي أما من أصل يوناني كالأسقف والبطريرك والشدياق ؛ وغيرهم أو من أصل سرياني كالقيس والشماس وغيرهما والاسقف (بالفرنساوية آفك) و(بالانجدليزية بشب) وهما من اليونانية أينسا وهو في الكنائس البرتستانية في اسوج ونروج والداغرك لقب يلقب به خدمة الدين إلا انهم لايعتبرون من رتبة ممتازة عن غيرها من درجات الكنيسة وقد ذهب بعض البروتستانت إلى أن ما ورد فى سفر أعمال الرسل (70 :7١ 789 ) يتفاد منه أن مدلول الاسقف والقسيس واحد وأما معلمو الكنية الرومانية الكاثوليكية ومن وافقهم من معلمى البروتستانت فقد خالفوا في ذلك وقالوا ان الاسقف والقسيس درجتان متازتان . وكان انتخاب الاسقف منوطا بقسم من الأ هالي ولما في ذلك من كثرة التخالف فى الرأي المؤدي إلى العناد غالبا استعملت الوسائل إلى ابطال ذلك حتى صار الملوك بعينون بأنفسهم أساقفة عالكهم إلا أن (البابا) لم يطق ذلك وقاوم هذا الطريق بكل عناية حتى جعل الانتخاب مخصوصا بقسيسي الكنائس الاسقفية وقد اختلفت في هذا العهد طرق الانتخاب ؛ فبعضهم خصصه بالقسيسين وبعضهم جعله مشتركا بينهم وبين الاهالي وبعضهم خصصه بالملك ورجال دولته وبعضهم اشترط في المنتخب (بالكسر) كونه من أبوين شرعيين بالغاسن الثلاثين مشهورا بالعلم والأدب مقبولا عند الحكومة وكونه من أهالى البلد الواقعة فيها الاسقفية ان أمكن . وعلامات الأسقف في أوربا التاج رمزا إلى القوة والعصا رمزا إلى فروضه الرعاثية والخاتٌ رمزا إلى اقترانه بالكنيسة وصليب معلق على صدره وكفوف مخصوصة وحذاء لا يغطي إلا قسما من أعلى رجليه وقباء مخصوص وذلك كله تمييز له عمن هو دونه من خدمة الدين ؛ وأما في الكنيسة الشرقية فالعلامات المميزة للأسقف عن القسيس عند الروم (الارثودكس) والروم (الكاثوليك) والأرمن هي منديل يجعل فو القلنسوة تحت /ام/ الأن » محط رحال العظماء والرؤساء من رجال الدين من قديم الزمان 6 وزاد في أبيات ابن حماد المتقدمة بيتا بعد قوله تبدو من الغيم إلى أخره والبيت هو هذا : تجري بنا الريح على سمت (حمداً لله على موافقة الحق) ثم وقفت في أثر هذا على عين ما استظهرته في الحاشية قبل هذا بصحيفة ١ ( عند الكلا م على كيفية توزيع الميا ٠ على بيوت تيهرت ؛ فحمدت الله على موافقة ذلك الفكر للحق ؛ راجيا أن تكون أفكاري كلها كذلك ان شاء الله » وإليك ما كتبه بالحرف حيث قال : وأما (تيهرت) الحديشة فكانت أكشر تجارة والماء يجري اليها فى أقنية وأنابيب إلى كل البيوت 6 انتهى وبهذا نختم هذا الباب وخحتامه مسك والحد لله رب العالمن : القاووق وفي الشرق الصليب على الصدر والخات في البنصر وثوب يخالف أثواب القيس ويكون في الغالب أحمر وللأسقف دون القسيس حتى فحص التأليف الدينية التي تنشر في ابراشتيه (الدائرة التي يتولاها الأسقف وتكون تحت نظره) فيشبتها أو يحكم بفسادها والكثير من البروتستا نت سلخوا اللطة عن الاساقفة وصيروهم بجنزلة القيسين ومنهم من أبطل هذا الاسم بالمرة والبعض منهم ابقاها كما هي عليه بناء على انها نظام إلا هي لا يجوز تغييره وهذا في إنجلترا والولايات المتحدة ؛ والأساققة من جميع الطوائف النصرانية إلا البروتستانت لا يباح لهم الزواج وكذا القيسون من الكنيسة اللاتينية والرهبان عموما لا يباح لهم الزواج واما القسيون من غير الكنيسة اللاتينية فيباح لهم الزواج مرة واحدة وإذا توفيت نساؤهم منعوا من الزواج مرة ثانية ؛ ووظيفة الأساقفة الملقيمين في مالك الدولة العلية العثمانية هى النظر والحكم في جميع المائل المتعلقة بالأمور الدينية سن زواج وطلاق وإقامة أوصياء للقصر وولاية الأوقاف والتركات وما أشبه ذلك ؛ كذا قيل والله أعلم . هم الباب الرابع (الكلام على المدن المنسوبة إلى تيهرت) تدم عن العلامة البشاري الحنفي نسبة عدة مدن إلى تيهرت ؛ وقد تكلم عليها المؤرخون ؛ وتتميما للفائدة نأتي ببعض ما قالوه في بعضها فنقول : ان من أشهر تلك المدن في ذلك العهد . (١) مديئة تنس بفتح التاء والنون » وهي آخر افريقية مما يلي الغرب ؛ بينها وبين مدينة وهران ثمانية أيام » ومليانة في جنوبها على ثلاثة أيام » وقيل أربعة وبينها وبين تيهرت خمس مراحل أو ست ؛ نقل ذلك الحموي عن البكري وقال : قال أبو عبيد هى مدينة مسورة حصينة داخلها قلعة صغيرة صعبة المرتقى ؛ ينفرد بسكناها العمال لخصانتها ؛ وبها مسجد جامع وأسواق كثيرة ؛ وهي على نهر يأتيها من جبال على مسيرة يوم من جهة القبلة ؛ ويستدير بها من جهة الشرق » ويصب في البحر »؛ وتسمى تنس الحديثة ؛ وعلى البحر حصن ؛ ذكر أهل تنس انه كان القديم المعمور قبل هذه الحديثة ؛ وتنس الحديثة أسسها وبناها البحريون من أهل الاندلس ؛ منهم الكركدن » وأبو عائشة » والصقر » وغيرهم وذلك سنة 117ه (في دولة بني رستم) ؛ وسكنها فريقان من أهل الاندلس ؛ من أهل البيرة » وأهل تدمير ؛ وأصحاب تنس من ولد إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن 845 علي بن أبي طالب ؛ وكان هؤلاء البحريون من أهل الاندلس يشتون هناك إذا سافروا من الاندلس في مرسى على ساحل البحر ؛ فاجتمع اليهم بربر ذلك القطر » ورغبوهم في الانتقال إلى قلعة تنس ؛ وسألوهم أن يتخذوها سوقا ويجعلوها مسكنا ووعدوهم بالعون وحسن المجاورة”" ؛ فأجابوهم إلى ذلك ؛ وانتقلوا إلى القلعة وانتقل اليهم من جاورهم من أهل الاندلس ؛ فلما دخل عليهم الربيع اعتلوا واستوبأوا الموضع » فركب البحريون من أهل الاندلس مراكبهم » وأظهروا لمن بقي منهم أنهم يمتارون لهم ويعودون ؛ فحينئذ نزلوا قرية بجاية ؛ وتغلبوا عليها ؛ ولم يزل الباقون في تنس في تزايد وثروة وعدد ؛ ودخل اليهم أهل سوق إبراهيم ؛ وكانوا في أربعماثة بيت ؛ فوسع لهم أهل تنس في منازلهم » وشاركوهم في أموالهم وتعاونوا على البنيان ؛ واتخذوا الحصن الذي فيها اليوم ؛ ولهم كيل يسمونه الصفحة وهي ثمانية واربعون قادوسا والقادوس ثلاثة إمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم ورطل اللحم بها سبع وستون أوقية ورطل سائر الأشياء اثنتان وعشرون أوقية ووزن قيراطهم ثلث درهم عدل بوزن قرطبة » وقال سعد بن أشكل التاهرتى فى علته التي مات منها (بتنس) . 0 نأى النوم عني واضمحلت عرى الصبر وأصبحت عن دار الأحبة في اسر وأصبحت عن (تيهرت) في دار غربة وأسلمني مر القضاء من القدر إلى تنس ذات النحوس فأنها يساق إليها كل منتقص العمر ١ - انظر كيف كانوا يهتمون بالبقاع المهجورة القابلة للعمارة ويستميلون الناس إلى الأقامة بها باحسانهم ومعروفهم وحسن جوارهم . 9 هو الدهر والسياق"' والماء حاكم وطالعها المنحوس صمصامة الدهر بلا د بها البرغوث يحمل را جلا ويأوي إليها الذيب في زمن الحر يرجف منها القلب فى كل ساعة بجيش من السودان يغب بالوفر ترى أهلها صرعى دوي أم ملدم يروحون في سكر ويغدون في سكر وقال غيره!" : ١ - في نسخة السياف بالفاء وله مناسبة للمقام . ‎ "‏ قد بالغ هذان الشاعران في ذم هذه المدينة الملمدوحة عند ارباب التاريخ وقد علمنا السبب الحامل للاول منهما على ذمها فعذرناه إذ لا مصيبة تعادل الداء العضال اللقضي بصاحبه إلى الهلاك كالذي أصابه ولم نعلم للثاني سببا قويا غير ما يفهم من كلامه من أنه كان سائلا وكأنه لم يقنع بما ناله فيها ؛ وقد ورد أن النفس جبلت على حب من أحسن اليها وبغض من أساء اليها » وسثل (جحا) فيما يقال عن المحن من الناس فقال هو الذي أحسن الى وسأل عن المسىء منهم فقال هو الذي أساء إلىي .وعلى كل حال لايكون قولهما دليلا على نقصها لأن الذم والمدح لا يكونان غالبا إلا على حسب الاغراض والطبائع والأحوال والأزمان ولا يخلو شيء من مخلوقات الله عموما من كمال ونقص » وما قصد الانسان إلى مدح شيء ما إلا ووجد مجالا يسع فوق مراده ولو عمد إلى دم ذلك الشيء عينه من جهة أخرى لا نفتح له أوسع باب في ذلك بدون أن يكذب ان شاء 2 وهذا م يدل على حدوث الكائنات وافتقارها إلى مدير حكيم وهو الله الذي لا إله إلا هو ذو الكمال الذي لا يثوبه نقص ولا يلحقه عدم هذه مصر القاهرة الغلية بشهرتها عن البيان مهبط الفراعنة والجبابرة وعظماء الملوك وبيت الحكم ومعدن الآثار العظيمة والصناع الغربية من قدي الزمان قد مدحها الشعراء عا إذا سمعته توهمت نها روضة من رياض الفردوس وذمها آخرون بم إذا تلي عليك ظننت انها حفرة من حفر النار وما قاله في وصفها وأجاد سليم بيك المنحوري ١ الدمشقي من شعراء هذا العصر هذه القصيدة . (شوارع مصر) تلك الشوارع عرضها أمتارا ست بست تدهش الانظارا يجري الهواء بها رخاء مطلقا | بمحو القام ويذهب الاكدارا تزدان بالأنوار نوق مدائر فيعودليل المدلجين نهارا وعلى الجوانب الف حانوت زهت بنفائس تدع العقول حيارى فيها الجواهر كالنجوم وجامها | فلك يريغ بهاؤه الابصارا فيها لأصناف النسيج زخارف تسبي النساء وتسلب الدينارا شادت يد الاتقان في أكنافها قللا يناطح روقها الاقمارا من كل صريح باذخ شرفاته تبدي متى حان الاصيل عذارى غر الوجوه فواتنا تزري الدمى بيضا وسمرا خردا ابكارا يختلن من فرق العروش بواسما ‏ جذلا وهن من النعيم سكارى يرمقن أبناء السبيل بأعين .- توحي الى أهل الهوى أسرارا حفت بجنات الازاهر قد حوت دررا ومسا نرجبسا وعرارا جمعت لاسباب الهناء ذرائعا - تولي النزيل من المنى أوطارا يمسي ويصبح والنعيم مهاده حستى لينسى أهله والجارا وما ورد في ذمها من أقوال المتقدمين قول الشاعر : مصردار الفاسقينا تستفرز التاممعينا وإذااشمساهدت شساهد ت جنونا ومبسجونا وصسقفاعا وضراطا وبفاء وقونا وشيوخغاروناء قد جمعلن الفق دينا فهي موت الناسكينا وحياة الهالكينا وقول الأخر من قصيدة : فلت منافمها نفج ولاتها . وشكا التجاربها كاد الوق ما أن يرى فيها الغريب إذا راق شيداً سوى الخيلاء والتبريق قد فضلرا جهلا مقطمهم على بيت بمكة للاله يه لمصارع لم يبق في اجداثهم منهم صدى بر ولااصديق انهم فاعلهم ففيرموفق | أوقال قائلهم فغفير صدوق شيع الضلال وحزب كل منافق ومصارع للبغي والتنفيق نا أيها السائل عن أرض تنس مقعد اللوم الملصفى والد نس بلدة لا ينزل القطر بها والندى في أهلها حرف درس 0 النطق فى ) لا ( أ بدا وهم في نعم) بكم غخشرس يرتحل عن أهلها قبل الغلس ماوؤها من قبح ماخصت به نجس يجري على ترب نجس فممتى تلعن بلادا مرة فاج عل اللعنة دأبا (لتنس) تم قال : وقد نسبو ا الى ننس إبراهيم بن عبد الرحمن التنسي د دخل الاندلس وسكن مدينة الزهراء! 0( وسمع من أبي وهب بن مسرة الحجازي أخلاق فرعون اللعينة فيهم والقول بالعشبيه بلمخلوق لولا اعترال فيهم وترفض من عصبة لدعوت بالفريق وهكذا الحال في البصرة والكوفة على ما سيأتي وغيرهما وبالجملة فلا شيء في الوجود غيره تعالى إلا وله كمال ونقص ومادح وقادح على حق أو باطل إلا ان الحق يعلو والكمال لله وحده . ١ - الزهراء مدينة وقيل سسراية كما ذكره بعض المؤرخين وهو أقرب لأنهم ذكروا ان طولها الفان وسبعماثة ذراع وان عرضها ألف وخمسمائة ذراع وهي قريبة من (قرطبة) على ستة أميال منها وقيل أربعة وزيادة اختطها عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم ابن هشام بن عبد الملك بن مروان 9 الحكم الأ موي ؛ وهو يومئذ سلطان تلك الجهات وذلك سنة 0١آه (بعد انقضاء دولة بلي 6 وأبى على القالى » وكان فى جامع الزهراء يفتي ؛ ومات في صدر شوال سنة (7١7ه) انتهى حموي . هكذا في النسسخة المنقول منها؛ وهي من طبع إ ل فرج ومصححه ب عتناء كامل ؛ وأما العلامة الضبى » فانه ذكر فى تاريخه المطبوع ببلاد الإفرنج أيضا انه توفى سنة /787ه والفرق بينهما فاحش فليتأمل . وتكلم عليها الادريسي المالكي المولود في عشرة التسعين من الماثة الخامسة في تاريخه فقال : ومدينة تنس على مقربة من ضفة البحر المالح على ميلين مله وبعضها على جبل َ وقد أ حاط به الور َ وبعضها في سهل الارض » وهى مدينة قديمة أزلية ؛ عليها سور حصين وحظيرة مانعة دائرة بها وشرب أهلها من عين ؛ ولها في جهة الشرق واد كثير الماء ؛ وشربهم منه في رستم من تيهرت) أنفق في عمارتها ما تجاوز حد الاسراف وجلب اليها الرخام من الأقطار وأتاه من الهدايا للاعانة على اتمامها من ولاته ومن ملوك الافرئج المجاورين له ما لا يحد وصفه وجلب اليها من المطنطنية حوضا مذهبا كبيرا وجعل فيها حوضا أصغعْر مله فيه صور حيوانات متعلدده كالاسد والغزال والعقاب والثعبان وكل ذلك بالذهب المرصع بالجواهر وكان يدخلها في اثناء العمل في كل يوم 9٠700 صخرة مع ما لا يعد كم الأجر ويعمل فيها كل يوم ألف صانع مع كل صانع ١١ أجيرا فالجملة ثلاثة عشر ألفا حتى تمت في 16 سنة فكان فيها 4700 سارية و١ بابا وقدر ما أنفق عليها (من بيت مال المسلمين) بما يقارب ستمائة وخمسين قنطارا فضة خالصة وكانت على ثلاثة أقسام قسم فيه قصر السلطنة وقسم فيه خدمه وقسم فيه متنزهة وعلى سورها 8٠3 برج ولم يفنها ذلك شيئاً إذ حل بها القضاء المبرم فقد دخلها البربر سنة ٠ه واحرقوها وخربوها ونهبوا ما فيها حتى لم يبتى منها الا الرسوم والاطلال وقد ذكرها الشعراء في قصائدهم كثيرا ومن بينهم أبو الوليد بن زيدون القائل : اني ذكرتك بالزهراء مشتاقا والافق طلق ووجه الأرض قد راقا وللنسيم اعتلال في اصائله كأنا رق لي فاعتلأشفاقا والروض عن مائه الفضي مبتسم . كما حللت من اللبات أطواقا يوم كأيام لذات لما انصرمت -- بتنا لها حين نام الدهر سواقا نل أيام الشتاء » والربيع » وبها فواكه وخصب واقلاع وحط وبها اقاليم واعمال ومزارع » وبها الحنطة ممكنة جداً ؛ وسائر الحيوانات موجودة » وتخرج منها الى كل الأفاق في المراكب ؛ وبها من الفواكه كل طريفة » ومن السفرجل الطيب المعدق"' ما يفوق الوصف في صفته وكبره وحسنه ؛ وذكر في صحيفة 87 ان بينها وبين مدينة تلسمان (التي ينتهي عند عملها ملك بني رستم) تسع مراحل ؛ وقال في كيفية السير فيها هكذا : تخرج من تلسمان (مشرقا) الى قرية العلويين ؛ وهي قرية كبيرة عامرة على ضفة نهر ولهم بها جنات ومياه جارية من عيون ؛ ومنها الى قرية (بابلوت) مرحلة » وهي قرية جليلة كثيرة الأهل والعمارة ؛ على نهر ليس به أرجاء » وتسقى منه مزارع » ومن بابلوت الى قرية (سي) التي على نهر مرغيت مرحلة وهو صغير والعيون بها والمياه تطرد في كل وجهة ؛ ومنها الى رحل الصفصاف مرحلة ؛ وهو رحل عامر » أهل على نهرياتي من (افكان) من جهة المشرق » ومن الرحل الى أفكانا"' مرحلة ؛ ثم ذكر فى صحيفة 8/ جملة قبائل ؛ منها ورماكسين » وورشفانة ومغراوة ؛ وبنو راشد وزقارة ؛ وذكر أن مواطنهم بين تلسمان (وتاهرت) ثم قال : وكل هذه القبائل بطون زناتة ؛ وهم أصحاب هذه الفحوص ؛ وهو قوم رحالة ظواعن ؛ ينتجعون من مكان الى مكان غيره ؛ لكهنم متحضرون ؛ وأكثر زناتة فرسان يركبون الخيل ؛ ولهم عادية لا تؤمن » ولهم معرفة بارعة وحذق وكياسة ويد جيدة في علم الكف . ١- أي له عنتى طويل كعنق الكمشرى مثلا . " - أي ومن أفكان الى المعسكر مرحلة ومنها الى جبل فرحان ثم مدينة يلل مرحلة ومنها الى مدينة غزة ثم سوق إبراهيم مرحلة ومنها الى بلدة التين مرحلة ومنها الى تنس مرحلة فهذه تسع مراحل . 9 وقد تعرض لها صاحب كتاب المعارف ؛ فذكر أنها كانت مدينة عظيمة ذات تجارة واسعة مع عرب اسبانيا » وأن الماء خربها في نيف وعشرين وستمائة ؛ وتراجع اليها بعض أهلها ؛ ودخلها أبو الربيع الملياني في تلك المدة » وهم ساكنون بين الخراب 6 مم قال ومنذ القرن الثالث عشر ميلادي صارت قصبة مملكة صغيرة خربها خير الدين سنة 1618م ؛ ثم ذكرا"' ما هي عليه وقت تأليفه الكتان من الحالة ؛ وهي لا تبعد عما هي عليه الأن . حالتها الحاضرة فقال : وسنة 1847م (أي فى أوائل عشرة الستين بعد ألف ومائتين هجرية) دخل (تنس) الفرنسيون » وأنشأوا اللجانب الحديث منها سنة غمعها م ٠ وهي الآن ذات أسواق جميلة,؛ و بنية بهيجة ومنازل عسكرية ومستشفى » وبها قناة رومانية أصلحت وجرى فيها الما ء من مسافة (ه ( كيلومترات » وفيها كثير من العيون منها لكل محل نبع ؛ فضلا عن العيون العمومية ؛ وهي قصبة دائرة تشمل على ١١ ألف نفس من القبائل البربرية ؛ و آلاف من العرب والمدينة ذات تبارة رائجة يرجى سرعة تقدمها لأن محاصيل ولاية (ارليانفيل)""' تنقل إليها ؛ وقد بلغت قيمة وارداتها سنة 4م سبعمائثة وخمسين ألف فرنك وصادراتها مليونى فرنك ؛ لكن مرفأها ١ هذا كله كان في زمن تأليف الكتاب ومن ذلك الوقت الى الآن ما يقرب من خمسين سنة وهي كل يوم في التقدم فلا شك أنها زادت على ذلك كثيراً والله أعلم . ؟ ‏ ارليا تفيل هي قصبة جهة من عمل الجزائر واقعة على ضفة وادي شلف اليرى تبعد عن الجزائر بقدر ١٠7 كيلومترات الى الجنوب الغربي بناها الفرنساويون سنة 7م وهي مدينة حنة البناء وأزقتها منتظمة وبها مسرح ؛ ويقام بها سوق في يوم الأحد من كل اسبوع ووجدوا فيها آثار كنيسة قديمة منها بلاط مزين بالفيفاء (١ه). 1 يحتاج إلى إصلاح » وفي ضواحيها معادن نحاس وافرة الركازء تكون لها بها يوما ما ثروة جزيلة ؛ وعدد سكانها بلغ سئة 1807م نحو 7100 نفس ؛ ويقال ان أهلها القدماء اشتهروا بالسحر » وان منهم كان سحرة مصر في أيام فرعون موسى (عليه السلام) . (؟) مدينة وهران وهي من تلمسان على ثلاث مراحل تقريبا ؛ وقد قال الادريسي فيها ؛ هكذا ؛ مدينة وهران على مقربة من ضفة البحر » وعليها سور ترابي متقن ؛ وبها أسواق مقدرة وصنائع كثيرة وتجارات نافعة » وهي تقابل مدينة المرية من ساحل الأندلس » ولها على بابها مرسى صغير لا يستر شيئا (من السفن إذا هاج البحر) ولها على ميلين منها المرسى الكبير وبه ترسوا المراكب الكبيرة والسفن السفرية وهذا المرسى يستر من كل ريح ؛ وليس له مثال في مراسي حائط البحر من بلاد البرير » وشرب أهلها من واد يجري اليها من البرء وعليه بساتين وجنات » وبها فواكه بمكنة وأهلها في خصب ٠ والعسل بها موجود » وكذلك السمن والزبد ؛ والبقر والغنم بها رخيصة بالثمن اليسير ؛ ومراكب الاندلس اليها مختلفة » وفي أهلها دهقنة وعزة نفس ونخوة (١ه) . وقال البكري : (وهران) مدينة حصينة ذات مياه سائحة وأرحاء ؛ ولها مسجد جامع وبنى مدينة وهران محمد بن أبي عون ومحمد بن عبدون وجماعة من الاندلسيين الذين ينتجعون مرسى وهران باتفاق منهم مع نفرة وبني مسقن ؛ وهم من أزداجة وكانوا من أصحاب القرشي!" سنة 140ه ١- أراد بالقرشي صاحب الاندلس فان ابن خلدون ذكر ان من رجال الامويين الذين ملكوا وهران ابن أبي عون هذا ومن معه دخلوها في هذا التاريخ وخطبوا لبني امية الاندلس ولعل هؤلاء جددوها تجديدا ولم ينشئوها انشاء كما يؤخذ من هنا وإلا فكيف 47 (في آخر دولاة بني رستم) فاستوطنوها سبعة أعوام » وفي سنة /ا79ه (لما ادبر أمر بني رستم) » زحفت اليها قبائل كثيرة يطالبون أهلها باسلام''' بني مسقن ؛ فخرجوا ليلا هاربين واستجاروا بأزداجة » وتغلبوا على مدينة وهران ؛ وخربت واضرمت نارا » ثم عاد أهلها اليها بعد سنة 148 ه بأمر أبي حميد دواس بن صولات وابتدأوا في بنائها » وعادت أحسن بما كانت » وولي عليهم داود بن صولات اللهيصي محمد بن أبي عون فلم تزل في عمارة وزيادة » الى أن وقع بعلي بن محمد بن صالح اليفرني بأزداجة في ذي القعدة من السنة المذكورة » فبدد جمعهم وحرق مدينة وهران ثانية وخربها ؛ وكذلك بقيت سنين » ثم تراجع الناس اليها » وينسب اليها أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمذاني الوهراني » يروي عن أبي بكر أحمد بن جعفر القطيعي روى عنه ابن البر وأبو محمد بن حزم الحافظ الاندلسي (اه). هذا حالها القديم » وأما بعد ذلك فقد ذكر الشيخ مقديش ان افر الاندلس قد استولوا عليها مرارا وأخرجهم منها المسلمون » قال : وساعة تاريخ الكتاب سنة (7١7١ ه) سبع ومائتين وألف بأيدي المسلمين فتحها الامير محمد باي أحد أمراء الجزائر سنة (1706ه) خمس ومائتين وألف . يذكرها العلامة البنا فيما ذكره لبني رستم فتأمل . ١ بثو مسقن بطن من بطون ازداجة التي هي بطن من البرانس البربر وقد رسمها بعضهم هكذا (مسكن) بالكاف مكان القاف ولعل القبيلة المعروفة الآن ببني يسقن في وادي ميزاب من هذا البطن وابدل اللسان الميم ياء لطول العهد وقوله باسلام أي بمالمة واتحاد بني مسقن معهم على مطالبة أهل وهران » فالضمير في قوله خرجوا يعود الى أهل وهران لا الى بني مسقن كما هو ظاهر والله أعلم . 7 (حالتها الحاضرة) وأما الآن أعني سنة (17376ه) فهي بيد الدولة الفرنسية من الافرنج تابعة لولاية الجزائر » مستبحرة العمران متقدمة فى التمدن الأوربى » بها من السكك الحديدية والأنوار الكهربائية والأسلاك العلغرافية والمباني الفخيمة والأسواق التجارية ؛ ما بغيرها من المدن الكبيرة » وهي أحدى الموانئ الشهيرة الآنا" ؛ بها من تجار الاباضية بنو ميزاب جماعة لهم القدح المعلى في ميادين التجارة والله أعلم . () مدينة شلف وبينها وبين مدينة » يلل » مرحلة » قال ابن حوقل : وهي مدينة ذات سور وحصن ونهر وأشجار ومزارع (١ه) ؛ (ولا منافاة بين هذا وبين ما سيأتي من خرابها) إذ كل في زمان ؛ وقد تكلم على شلف صاحب كتاب المعارف ما هو أوضح إذ قال : وشلب أيضا (بالباء) أو شليف على لفظ الافرنج نهر بالجزائر يسميه المغاربة وادي شلب ؛ وهو أهم أنهر تلك البلاد » وتجري القوارب فيه في قسمه الأسفل » وهو مؤلف عند أعلاه من جدولين ينحدران من جبل (امور) ؛ وبعد اتحادهما يسمى وادي الطويل ؛ ويجري شرقا الى (تاجوين) حيث استولى (دوق اومال) على معسكر (الامير) عبد القادر سنة 7م ثم يقطع سهل سرسوء ثم ينصب اليه من ضفتها اليمنى جداول نجري من جبل الناطور ؛ تتألف من ١ نبعا » ثم إذا وصل الى بوغر يسمى بأسم شلب ؛ ويصب في البحر المتوسط بين (تنس) و(أرسوف) على بعد ١ كيلومترا من مستغاغ الى الشمال الشرقي » وينصب اليه قبل وصوله الى البحر جدولان آخران من ضفته اليسرى » وطول مجراه (7760) كيلومترا اللي عاشهالليف. 4 وتلاعه''" مؤلف من أرض ابليزية غير خصبة يشتمل على مدن بوغر » وتنية الأحد » ومدية » ومليانة ؛ ومستغام » وارليانفيل » واسمه القديم (شينالاف) وقيل (ازان) (١ه) أقول ولو لم يكن (لتيهرت) من الأنهر الا هذا النهر الكبير الغزير المياه لكفاها عمرانا إذ كان يفيض النيل » وتزرع عليه أنواع الحبوب والله أعلم . (4) المدينة الخضراء وقد قال فيها الحموي فى تاريخه : بلدة بينها وبين مليانة يوم واحد ؛ وهي مدينة جليلة كثيرة البساتين على شاطئ نهر من أخصب مدن افريقية ( هَ وأما الادريسي فقال فيها : وهي مدينة صغيرة حصينة على نهر صغير عليه عمارات متصلة » وكروم ؛ بها من السفرجل كل بديع ولها سوف وحمام ؛ وسوقها يجتمع اليها أهل تلك الناحية (١ه) . (©) مدينة افكان وقد قال فيها الادريسي : مدينة كانت (في مدة بني رستم) لها أرحاء (تدور بالماء) وحمامات وقصور وفواكه كثيرة ؛ وكان عليها سور ترابي لكنه الآن في (أول المائة السادسة) تهدم » وبقي أثره وواديها يشقها نصفين ويمضي منها الى (تاهرت) . وقال ابن حوقل : وافكان مدينة لها أرحية وحمامات وقصور وفواكه ؛ وكانت (بعد بني رستم) ليعلى بن محمد ؛ ذات سور من تراب فى غاية ١ قال في الختار التلعة بوزن القلعة ما ارتفع من الأرض وما انهبط وهو من الاضداد "1 الارتفاع والعرض » واديها يشقها نصفين ؛ ومنها إلى (تيهرت) بالعرض إلى المشرق ثلاث مراحل ؛ وافكان على واديها أعمال عريضة وجنات ومزارع (ها). () مدينة غزة وقد قال الادريسي فيها » هي مدينة صغيرة القدر ؛ فيها أسواق مشهورة مشهود لها يوم معلوم » وبها حمام وديار حسنة ؛ ولها مزارع وذكرها ابن حوقل بمثل هذا وقال : هي مدينة صالحة . (/) سوق إبراهيم وبينها وبين غزة مرحلة واحدة » وقد ذكرها ابن حوقل بقوله : وهي مدينة أيضا صغيرة ؛ فيها حمام وسوق ؛ وهي على نهر شلف (١ه) . قال الصفاقسي : ومن سوق إبراهيم الى بلدة التين مرحلة » وهي بلدة صغيرة حسنة ؛ كثيرة شجر التين جدا » ويعمل بها من التين شرائح أعظم من الطوب وبذلك تسمى ويحمل منها الى كثير من الأقطار ؛ ومنها الى مدينة تنس مرحلة (١ه) . (4) واريقن وهي على مرحلة من مدينة تنس ؛ في جبال وعرة شاهقة متصلة ؛ وعلى مرحلة أيضا من الخضراء » وقد قال فيها الصفاقسي قرية كبيرة (لا مدينة) لها كروم وجنات ذوات سوان لزرع البصل والكمون ؛ ومعظمها على ١١٠ (4) مدينة أوزكي وقد ذكرها المؤرخ البنا المتقدم ؛ في مدن تيهرت ثم كررها في مدن فاس ؛ فاما أن تكون هذه غير تلك ؛ والاسم واحد » واما أن يكون التكرار اشارة الى انها تتبع تيهرت » وتارة تتبع فاس » وعلى كل حال فقد ذكرها المؤرخون كغيرها ؛ منهم الأدريسي في نزهته قال : وأما مدينة اوزكي فانها من بلاد مسوقة ولمطة » وهي أول مراقي الصحراء » ومنها الى سجلماسة 7١ مرحلة ؛ ومنها الى نول ١ مراحل ؛ وهذه المدينة ليست بالكبيرة » لكنها متحضرة ؛ وأهلها يلبسون مقندرات ثياب الصوف ؛ ويسمونها بلغتهم القداور الى أن قال : تسمى هذه المدينة بالبربرية (أزقي) وبالجناوية (قوقدم) ؛ من أراد الدخول الى بلاد (سلى) وتكرور وغانة من بلاد السودان » فلا بد له من هذه المديئة (١ه) . (١٠) مدينة الغدير قال الحموي : بلد أو قرية على نصف يوم من قلعة بني حماد بالمغرب ؛ ينسب اليها عبد الله الغديري المؤدب احد العباد (١ه) . وقال الادريسي : مدينة حسنة وأهلها بدو » ولهم مزارع وأرضون مباركة ؛ والحرث بها قائم الذات ؛ والاصابة في زروعها موجودة » والبركات في معاملاتهم كثيرة . ْ ْ وقال صاحب كتاب الاستبصار المؤلف سنة 8ه : وهي مدينة كبيرة أزلية بين جبال قد أحدقت بها » ولها نهر يجتمع من العيون في موضع دهمس يخرج منه هذا النهر ويسمى نهر سهور ؛ ويمشى من هناك الى مدينة المسيلة » وهو نهرها ثم قال : وبقرب مدينة الغدير نحص عجيسة ؛ هو فحص "١٠ مدبر كثير الزرع والضرع » إلا انه شديد البرد والثلج » ولقد دخلت هذا الفحص فى زمان الصيف ؛ فرأيت الجليد ينزل فيه بالغدو » وفى أمثال تلك البلاد (برد عجيسة في الصيف ؛ وأما في الشتاء لسكرات الموت) (١ه) . (١١) مديثة زلاغ ولم نقف لها على ذكر في كتب التاريخ سوى ماذكره صاحب الاستبصار حيث قال : في (قلعة أبي جندب) وكانت مدينة كبيرة لها أسوا ق ولها جنات وأشجار » وهي كثيرة الزرع والضرع مشحونة بالعمائر متصلة المحارث والمزارع َ في السهول والجبال َ منها جبل زالغ (وقد رسمه هكذا) » وهو مشرف على مديئنة فاس » كان فيه حصن بناه المظفر بن أبي عامر (١ ه). (١١) مدينة يلل وهي غير بعيدة عن مدينة غزة ‏ قال ا لادريسي : بها عيون ومياه كثيرة وفواكه وزروع ؛ وبلادها جيدة الفلاحة وزروعها نامية (١ ه) . أقول : وقد استقلت هذه المدينة زمنا عن تيهرت وصارت دار امارة اباضية صغيرة كما سيأتى د والله أعلم . (١١) مديئة قصر الفلوس ولم يذكر المؤرخون عنها فيما رأيناه شيئا أكثر من انها مدينة بالمغرب قريبة من مدينة وهران , ١١٠٠ (١) مدينة كرا وقد كتبه الحازمي هكذا (كران) وقال : حصن على مديئة شلف ؛ بالمغرب في بلاد البربر » وذكره ابن حوقل وقال : هو حصن أزلي ؛ يقال له سوق كران » وبينه وبين مليانة مرحلة ؛ وبينه وبين اشير ثلاث مراحل ؛ وكتبه الشيخ مقديش هكذا (كرتاية) وقال : وهو حصن قدي » له مزارع وأسواق ؛ وهو على نهر شلف ؛ وله سوق يوم في الجمعة يقصده بشر كثير (ه١ ) ؛ وقد ذكره الحموي ورسمه كالأولين ؛ والله أعلم . ١ الياب الخامس ويدخل أيضا في دائرة (تيهرت) عدة مدن ؛ وذكرها المؤرخون ؛ ولم ينبه عليها العلامة البنا » لأن من قواعده » أن لا يتعرض غالبا إلا للمدن الكبيرة المشهورة منها : (١ ( مديئنة انكاد ولها على تيهرت ثلاث مراحل إلى ناحية تلسمان » قال الحموي : كانت قديما ذات سور من تراب فى غاية الارتفاع والعرض 1 وواديها يشقها نصفين (١ه) . () مدينة مازونة وهي تلي حصن فروخ في البر الى الشرق » على ستة أميال من البحر ء قال الادريسي فيها : وهى مدينة بين جبال وهي أسفل خندق ؛ ولها أنهار ومزارع وبساتين وأسواق عامرة ؛ ومساكن مؤنقة » ولسوقها يوم معلوم يجتمع اليه أصناف من البربر » بضروب من الفواكه » والألبان والسمن والعسل كثير بها ؛ وهي من أحسن البلاد صفة وأكثرها فواكه وخصبا (١ ه) . (7) قلعة هوارة وقد ذكرها صاحب الاستبصار على أثر (تيهرت) عند ذكره مدن المغرب ه١٠١ الاوسط فقال : هي قلعة منيعة في جبل خصيب ؛ فيه بساتين وثمار وأشجار ومزارع وأعناب ؛ وتحتها فحص طوله نحو أربعين ميلا ؛ يخترقه نهر سيرات ؛ ويسقي أكثر أرضه ؛ يسمى ذلك الفحص سيرات باسم النهر » ونهر سيرات نهر كبير مشهور » يصب في البحر عند مدينة (أزواوا) ؛ وهي مدينةة قديمة رومية ؛ وفحص سيرات يسكنه قبائل كثيرة من البرير مطغرة ؛ وغيرهم من قبائل زناتة » وزناتة تشعبت على قبائل كثيرة » وبلادهم واسعة ؛ الى أن قال : وللمغرب الاوسط مدن كثيرة » فقد ذكرنا أكثرها في البلاد الساحلية ؛ وهي كشيرة الخصب والزرع كشيرة الغنم (١ه) » والمذكور في النخبة أنها تسمى بالبربرية » (تاشقدالت) » وأنها على جبل فيه معدن الحديد والزثبق . (؟) مدينة مليانة ولها على (تيهرت) ثلاث مراحل ؛ وعلى الخضراء مرحلة واحدة ؛ وقد ذكرها الادريسي بقوله وهي مدينة قديمة البناء . حسنة البقعة كريمة المزارع ِ ولها نهر يسقي أكثر مزارعها وحدائقها وجناتها » ولها ارحاء على نهرها المذكور (تدور بقوة الماء) ؛ ولإقليمها حظ من سقي نهر شلف ؛ وعلى ثلاث مراحل منها وفي جنوبها الجبل المسمى بجبل (وانشريش) » يسكنه قبائل من البربر (أباضية وغيرهم) منها مكناسة ؛ وأوربة ؛ وبنو أبي خليل «وكتامة ومطماطة » وبنو مليلة » وبنو ورتجان »ووبنو أبي خليفة ؛ ويصلاتن ؛ وزولات » وزواوة » ونزار ؛ ومطغرة » ووارترين » وبنو أبى بلال » وايز كرو » وبنو أبي حكيم » وهوارة » وطول هذا الجبل أربعة أيام ؛ وينتهي طرفه الى قرب تاهرت (١ه) ؛ (باختصار) . وقال صاحب كتاب الاستبصار : مدينة مليانة قريبة من مدينة اشير ؛ وهي مدينة كبيرة من بنيان الروم جددها (بعد بني رستم) زيري بن مناد ١١٠ أيضا : وفيها آثار قديمة ؛ وهي مدينة حصينة في سفح جبل يسمى زكارء وشعار هذا الجبل كله ريحان وتنبعث منه عين خرارة عظيمة تطحن عليها الأرحية لقوتها ؛ ولمدينة مليانة مياه سائحة ؛ وبساتين فيها جميع الفواكه ؛ وهي من أخصب بلاد أفريقية ؛ وأرخصها أسعارا ؛ ومدينة مليانة مشرفة على فحوص واسعة وقرى كبيرة عامرة ومزارع واسعة وحولها قبائل كثيرة من البربر » ويشق تلك الفحوص نهر شلف ؛ هو نهر كبير مشهور ؛ وعلى تهر شلف مدينة أزلية فيها آثار أولية تسمى شلف ؛ واليها ينسب النهر الكبير ؛ وهي اليوم خراب ؛ والله أعلم لقد ذكرها الحموي أيضا بمثل هذا . (حالتها الحاضرة) وهي الآن ذات حضارة ومدنية من الأهمية بمكان ؛ وفيها من تجار الاباضية بنو ميزاب رجال افاضل . (©) مدينة تاجَة وقد ذكرها صاحب المعجم بقوله : بفتح الجيم وتشديد النون مدينة صغيرة بافريقية بينها وبين تنس مرحلة وبين سوق ابراهيم مرحلة (١ ه) . (7) مدينة أشير قال صاحب الاستبصار : بناها (أي جددها) زيري بن مناد الصهناجي وتعرف بأشير زيري وكانت مدينة قديمة فيها آثار عجيبة » وإنما بنى زيري سورها وحصنها ؛ وعمرها فليس في تلك الأقطار أحسن منها ؛ وهي بين جبال شامخة محيطة بها » وداخل المدينة عينان لايبلغ لهما غور ء ولا يدرك ١١٠ لهما قعر ء من بناء الأوائل » وبالقرب من المدينة بنيان عظيم عجيب ؛ يعرف بمحراب سليمان » لم ير بنيان أعظم منه ولاأحكم ؛ فيه من الرخام والاعمدة والنقوش م يقصر عنه الوصف : والله اعلم : أقول : وكان تجديدها المذكور بعد انقضاء دولة بني رستم ؛ وذلك لما ادعى زيري الامارة سنة 774ه » وهو جد المعز بن باديس وتملكها بعده بنو حماد » وهم بنوعم باديس » وقاوموا بني عمهم ملوك افريقية المعروفين بال باديس » كما ذكر في المعجم » والله اعلم . (١) المعسكر وتعرف اليوم بأم عسكر َ وبينها وبين تاهرت مرحلة قال الا دريسي فيها هكذا . والمعسكر قرية عظيمة لها أنهار وثمار » ومنها الى جبل فرحان مارا مع اسفله » إلى قرية عين الصقصاف » وبها فواكه كثيرة وزروع ونعم دارة مرحلة ومنها إلى مدينة يلل مرحلة . (حالتها الحاضرة) أقول : وهي الآن (سنة 17370ه) من أشهر مدن الجزائر » ذات سور محكم جديد » وأسواق حافلة وأشجار متنوعة ؛ بلغت فى المدنية الحديثة ما تضاهي به المدن الشهيرة » وبها من تجار الاباضية ؛ بنو ميزاب جماعة لهم 1 لاسم المخترم في دوائر التجارة 1 وبها في الغالب مقام قاضي يكم - الشرعية الحاكمة على قسم وهران من تلك | لمجهات َ وقد زرتها سلة (11ه) في أول شهر رجحب عند رجوعي من عند استاذي اللحرير ؛ قطب م١ الأئمة على الاعلام شيخ الاسلام والمسلمين » أمحمد بن يوسف الميزاني ؛ ومعي جماعة من ادباء وأفاضل بني ميزاب » وفي يوم الاثنين الموافق > من الشهر زرنا محل سرادق الامام يوسف بن محمد بن افلح الذي كان يضرب له عند استعراضه العساكر » وجمعه الجيوش ؛ ولذلك سميت هذه المدينة بهذا الاسم فيما يقال ؛ وهو موضع فيه بعض ارتفاع على ما يليه في مستوي من الأرض ؛ بعيد عن المدينةبمقدار "كيلومتر » وقد نبتت فيه سدرة يعقد امامها جماعة بني ميزاب عشية كل خميس غالبا مجلس قرآن ؛ ويوزعون الصدقات على فقراء المدينة » الذين يأتون اليهم هنالك لشهرة ذلك عندهم . وأعراب تلك الجهة ؛ يعتقد فيه البركة رغما عن علمهم ؛ بأنه للاباضية ويشهدون له بكرامات متعددة . منها انهم استسقوا مرارا لقحط أصابهم ؛ فلم يسقوا » ولما استسقى فيه بنو ميزاب على الطريق المسنون » لم يصلوا باب المدينة حتى ابتداً الغيث وكان سيل عظيم . ومنها :ان اعرابيا رأى والدته فى المنام » وقالت له لم يبق لكم مكان لاجابة الدعاء إلا مقام يوسف "_ ومنها : ان صبيا هجر رضاع أمه ؛ حتى توقعت هلاكه .ولما ذهبت به الى هذا المقام » وسألت الله شفاءه من تلك العلة » رضع في الحال هكذا سمعت من بعضهم ؛ والله أعلم بالحقائق . وقد رأيت فى سور المدينة قبة صغيرة » فعجبت من ترك الحكومة اياها » ولما سألت عنها قيل لى : ان فيها ضريحا يقال : انه لولي من قدماء الاباضية » ولا عزمت الحكومة الفرنساوية على هدمه عند تأسيسها للسور ء رأت من كراماته ما صدها عن ذلك ؛ فجددت القبة ورفعت السور عليها ؛ ولذلك كان بعضها داخل السور وبعضها خارجه كما هو مشاهد ؛ والعهدة ١١٠ على المخبر فى ذلك » وما كتبت الا مااسمعته ولا غرابة فيه ؛ والله أعلم وأحكم . هذا ما تكلم عليه المؤرخون من المدن الداخلة في دائرة (تيهرت) أيام بني رستم » ولم نقف على ذكر لغيرها إلا أن الادريسي ذكر في نزهته بعض مدن ومراس متعددة فيما بين (وهران) وبين (تنس) ولعدم الاطلاع على تواريخ تأسيسها تركت ذكرها إذ رما تكون حديثة الوجود . ومن تتبع التواريخ » رآهم يجعلون (تاهرت) مركزاً وسطأً لتقدير مسافات البلاد » وبيان طرق المدن فى المغرب كله » فيقولون فى المدينة أو البلد » ولو كانت بعيدة ؛ بينها وبين تيهرت كذا وكذا مرحلة أو ميلا مثلا ؛ وكأنها لشهرتها كانت معلومة لكل أحد 6 والله أعلم ٠١ الباب السادس (العلماء المنسوبون إلى تيهرت) يذب اليها من العلماء والأدباء والشعراء والعباد 6 من الا باضية وغير الاباضية الذين أخذوا العلم بها » أو نزلوها أيام بني رستم أو بعدها ما نحتاج في حصره الى تطويل . ١١١٠ الفصل الأول (علماء الاباضية) أما الاباضية منهم » فيعدون بالألف » ومن أراد معرفتهم » فعليه بتاريخ الشماخى رحمه الله إذ هو حظيرة الأ وليا ءً) وروضة العلماء , وان لم يحصرهم هر أيضا إلا أنه أتى بأغلب مشاهيرهم وان لم ينبه على ذلك ولم يخصص له بابا ؛ ونخص منهم بالذكر ذلك الشيخ الجليل العلامة النبيل أبا يوسف يعقوب ابن سيلوس الطرفى السدراتى ‏ رحمه الله - الذي قال فيه العلامة أبو العباس كما في السير : العالم الفقية ؛ الفطن النبية » اليقظان الذكي » الورع الزكي » ذوالجهادين الأكبر والأصغر ؛ والاجتهادين المصلى والدفتر » كانت قراءته على الأئمة بتاهرت قال له ابنه : أوصنى ؛ فقال له : ما أراك تقبل فتردد عليه ثلاثة أيام » وما رأى جده قال له (ونعمت الوصية) : ل" يكن ندبك الناس إلى ٍ لخير أوكد من ندبك نفسك » ولا يكن غيرك أسبق إلى الخير منك وكن للناس كالميزان 1 وكالسيل للادران ِ وكالسماء للماء . وكان رحمه الله ذا رأي صائب ونصيحة مخلصة مشهورا بالمعروف موسوما بالسخاء » يقصذه المحتاجون ؛ فيسدد أحوالهم » ويستشيره الحائرون فيحسن دلالتهم » وقد ذكر الشماخي رحمه الله ان رجلا من أهل دمر ؛ قصده فى مجاعة يطلب منه الإعانة ؛ ولما رأى أن الكثير رما يجحف به حيث كان ٠١ القحط عاما, والقليل لا يجديه نفعا 2 أمره أن يذهب إلى الوق 1 ويستفهم عن أرخص شىء فيه َ ويرجع إليه 6 فذهب وسأل َ ولما عاد قال له : لم أحد أرخص من الإبل » فأقرضه أربعة وعشرين دينارا ؛ فاشترى بها ثلاثة جمال ؛ وأحسن مرعاها إلى أن تححسنت حالتها ّ فباع جملا منها بأمر الشيخ بأربعة وعشرين دينار دفعها للشيخ 4 وباع آخر واشترى بثمنه ما لزمه من الطعام وغيره وحمله على الثالث ورجع إلى أهله على أحسن حال بإحسان الشيخ وتذدبيره وله مصلى معروف بإجابة الدعا ء يزار رحمه الله ورصى عنه : ومنهم : التقي الور العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الشيخ قاضي الإمام أبي اليقظان . ومنهم : أبنه العلامة أبو محمد عبد الله فاضي الإمام أبي حاتم وسيأتي ذكرهما . ومنهم : الخطباء الخمسة المشهورون الأتي ذكرهم في كلام ابن الصغير . ومنهم : الزاهد المتعفف الشيخ أبو سهل صاحب التأليف الكثيرة باللغة البربرية » فانه كان أفصح أهل زمانه فيها » وكان ترجمانا للإمام أفلح ؛ ثم للإمام يوسف » ومنزله قيل بمرسى الخرز » وقيل بمرسى الدجاج بجزائر بني مزني قال في السير : قال أبو العباس : الغالب من أحواله إهمال الدمع ؛ والتلهف على فانت ليس له رجوع فجل هجيره في مرا تي الدين وا هل والبكاء عليه بوابل الدمع وطله ؛ فدونت الدواوين من كلامه ؛ فكانت اثني عشر كتابا وعظا وتذكيرا وتخويفا وتاريخا لأهل الدعوة » احترقت كلها لما أخذت قلعة بني درجين ؛ ففقدت كما وقع لكتب أهل المذهب كلها والأمر لله . عامل الإمام أفلح على قنطرار . ١١ ومنهم : رفيقه في طلب العلم عن الإمام بتيهرت » ذلك الفهامة الذكي الذي كان يضرب بحفظه المثل » نفاث بن نصر الذي ضل في بداية أمره عن الحقى » ومال وتاب في آخر عمره على ما يقال ؛ وستأتي أخباره مع الإمام إن شاء الله . ومن شعرائها النبغاء صاحب القصيدة الآتية القائل فيها : بساكنهاغيشا يطيب به امحل ومنهم : الولي الصالح الزاهد معدن العلم والعمل 1 بو مرداس التبرستي حامل المذهب عن الإمام عبد الوهاب رحمهما الله صاحب المئنافب والكرا مات المشهورة في الكتب ومنهم : العلامة المشهور بالزهد والورع عيسى بن فرناس الذي ذكر ٍ بن الصغير ؛ أنه كان يجلس أمام الإمام أبى اليقظان . ومنهم العلامة محمود بن بكر » وهو من خواص الإمام أبي اليقظان أيضاء وسيأتي كلام ابن الصغير فيه . ومنهم : المتكلم العظيم الشيخ عبد الله بن اللمطى 1 الذي ذكره ابن الصغير وأثنى عليه وقال الشماخي عند ذكرهما ؛ وكان الشيخان (عبد الله بن اللمطي ومحمود بن بكر) غاية في علم الكلام ؛ وكانا يردان على الفرق وينقضان مقالات المبتدعة وألفا كتبا فى ذلك (١ه) . ومنهم : العلامة أبو عبيدة الأعرج قال فيه الشماخى رحمه الله : وكان غاية في العلم والعمل والورع والأ دب ؛ وقال فيه ابن الصغير المالكى : كلهم مقرون له بالفضل مسلمون له في الورع إذا ا ختلفوا فى ا مر من الفقه أو من الكلام » صدروا عن رأيه 6+وقد رأيت أنا هذا الرجل وجلست ١ إليه فما رأيت في أسود الرأس أخشع منه ١ هه 6 ولى معه حكاية طويلة ومنهم : الفقيه الكامل ابن العفير » والفقيه البارع عبد العزيز بن الأوز الآتي ذكرهما في كلام ابن الصغير . ١١ الفصل الثاني (المشكوك في نسبتهم) وأما الذين لم نتحقق مذهبهم ؛ فمنهم ذلك العلامة الأديب صاحب النظم العجيب والإنشاء الغريب المشهور في الشرق والغرب بين أرباب العلم والأدب (وهو أما أباضي أو صفري على الغالب) بكر بن حماد بن سهل بن أبي إسماعيل الزناتي المتقدم الذكر القائل في حق (تيهرت) : ما أاخشن البرد وريعانه وأطرف الشمس (بتاهرت) وهو القائل مادحا أبا العيش عيسى بن إدريس العلوي حاكم مدينة جراوة امجاورة لتاهرت على ثلاث مراحل منها : سائل زواغة عن طعان سيوفه ورماحه في العارض المتهلل وديار نفرة كيف داس حريمها والخيل رغ في الوشضيج الذبل غفشى مغيلة بالسيوف مذلة وسقى جراوة من نقسيع الحنظل قال ذلك المراكشي في تاريخه وذكر أنه ولد ونشأ (بتيهرت) ؛ ورحل إلى ١١ الشرق سنة 7١7ه » وهو حدث السن (أي في دولة الإمام أفلح ؛ ولعله ذهب هاربا على ما يؤخذ من أبياته التي قالها يتعطف بها الإمام أبا حاتم كما سيأتي) . فسمع بالمشرق من العلماء والفقهاء ؛ وكان عالما بالحديث وتمييز الرجال ؛ وشاعرا مفلقا ؛ ومدح المعتصم ووصله بصلات جزيلة » واجتمع بحبيب وصريع ودعبل وعلي بن الجهم وغيرهم من شعراء العراق » وله أبيات إلى المعتصم يحرضه فيها على دعبل وهي : أيهمجوأمير المؤمنين ورهطه ويمشي على الأرض العريضة دعبل أما والذي أرسى ثبيرا مكانه لقد كادت الدنيا لذاك تزلزل ولكن أميرالؤمنين بفضله يهم فيعفوأويقول فيفعا فعاتبه حبيب فيه وقال له : قتلته والله يا بكر » فقال في قصيدته هذه : وعاتبني فيه حبيب وقال لي وإني وان صرفت في الشعر منطقي لسانك محذور وسمك يقتل لأنصف فيما قلت فيه وأعدل ولما عاد من المشرق » قصد القيروان فوشى به إلى صاحبها فهرب وكان معه ابنه عبد الرحمن » فاعترضهما في الطريق بعض اللصوص ؛ فجرحوا بكرا وقتلوا ابنه » وذهب هو في طريقه إلى أن وصل (تيهرت) كثبا حزينا يندب ابنه عبد الرحمن هذا » وكانت له فيه مراثٍ كثيرة تسيل الدموع ؛ اا وتجرح الفؤاد لما بها من الألفاظ المؤثرة الدالة على عظيم أسفه وتلهفه عليه ومنها قوله : بكيت على الألحبة إذ تولوا ولو أني هملكت بكو عليا فيا نسلي بقاؤك كان دخرا وفقدك قد كوى الأكباد كبا كفى حزنا بأني منك خلو وأنك ميت وبقيت حيا ولم لأسا فيعفستلا رميت العرب فوقك من يديا فليت الخلق إذ خلقوا أطاعوا وليتك لم تكن يا بكر فيا تسر بأشهر مضي سراعا وتطوي في لياليين طيا فلا تفرح بدنياليس تبقى ولاتأسفعليهايابنيا فقد قطع البقاء غروب شمس ومطلعهاعلي ياأخغخيا وليس الهم يجلىه نهار تدورله الفراقد والغريا وله في الزهد والمواعظ وذكر الموت وأهواله شعر كثير » وهو في قوة التأثير والقبول بمكان » ومن ذلك ما رواه عنه ابن اللباد وهو قوله : اا لقد جمحت نفسي فصدت وأعرضت وقد مرقت نفسي فطال مروقها فيا أسفي من جنح ليل يقودها وضوء نهار لا يزال يسوقها إلى مشهدلا بدلي من شهوده ومن جرع للموت سوف أذوقها ستأكلها الديدان في باطن الشرى ويذهب عنهاطيبها وخلوفها مواطن للقصاص فيها مظالم تؤدي إلى أهل الحقوق حقوقها سحاب المنايا كل يوم مظلة فقد هطلت حولي ولاح بروقها وللنفس حاجات تروح وتغتدي ولكن أحاديث الزمان يعوقها ودام غروب الشمس لي وشروقها وأيديالمنايا كليوموليلة إذا فتقت لا يستطاع رتوقها يصبح أقواما على حين غفلة ويأتيك في حين البيات طروقها ومن كلامه في الاعتبار بالنظر إلى القبور ؛ والتفكر فيمن مضى من أنشبت فيهم المنية أظفارها ‏ ما حكاه أبو بكر اللباد حيث قال : دخلت على ١١ بكر بن حماد فقال : اكتب فاملى علي لنفسه قوله : زرنا منازل قوم لن يزورونا أنا لفى غفلة عمايقاسونا لو ينطم ون لقالا الزاد ويحكم حل الرحيل فما يرجو اللقيمونا اللوت أجحف بالدنيافخربها وفعلنا فعل قوم لا بموتونا فالآن فابكوا فقد حق البكاء لكم فالحاملون لع_ش الله باكونا ماذا عسى تنفع الدنيا مجمعها لو كان جمع فيها كر قارونا أقول ولعله قال هذا لما حل (بتيهرت) بلده ما حل من قضاء الله كما يفهم من بعض كلامه عند التأمل ومن كلامه أيضا قوله : لقد جفت إل قفلام بالخلق كلهم فمنهم شقي خائب وسعيد ويبداأ ربي خلعمقه وبعيد أرى الخير في الدنيا يقل بكثرة وينقص نقصا و لحد يث يزيد فلو كان خيرا فل كالخبير كله و حسب أن ١ لير مله بعيد وقال أيضا مذكرا ولقد أحسن وأصان : ١٠١ قف بالقبور فناد الهامدين بها من أعظم بليت منها وأجباد قوم تقطعت الأسباب بينهم من الوصال وصاروا تحت أطواد راحوا جميعا على الأقدام وابتكروا فلن يروحوا ولن يعدو لهم عاد والله والله لو ردوا ولو نطق وا إذاً لقالوا التقى من أفضل الزاد فبرز القوم وامتدت عساكرهم كيمايوافوا ليقات وميعاد ما بالقلوب حياة عند غفلتها والله مسسبحانه منها بمرصاد بينا نرى المرء في لهو وفي لعب حستى نراه على نعش وأعواد هذي أبا مالك دنيا منغصة فيها حرارات أحشاء وأكباد وكلنا واقف منها على شفر وكلنا ظاعن يحدي به الحادي في كل يوم نرى نعشانشيعه فرائح فارق الأحباب أو غاد اللوت يهدم ما نبنيه من بذخ فما انتظارك يا بكر بن حماد ١7٠ : نقله م نسخة عتيقة جدا لا ذكر هذا صاحب رياض النفوس » وكان نقله من نسخة عتيقة ً .0 نقط فيها على الاصطلاح القديم مع رداءة الخط فلا يفهم إلا بالقوة و أعلم . وقال فى أحمد بن القاسم بن إدريس حاكم مدينة (كرت) بالمغرب . ان اللسماحة والمروءة والندى جمعوا لأحمد من بني القاسم وإدا تفاخرت القبائل وانتمت فافخر بفضل محمد وبفا طم و معف, ١ لطيار في درج العلا وعلى العضب ليها 8 الصارم انى لمفشض_تا إليك بإغا فابعث الى بمركب أسسموبه علي أكون عليك أول قادم واعلم بأنك لن تنال مسحبة إلا ببسعضص ملابس ودرا هم ١١ الفصل الثالث (علماء غير الاباضية) واما علماء غير الاباضية » فينسب منهم إلى تاهرت جماعة تذكر هنا بعض المشهورين منهم نقلا عن مؤرخي أفاضل الالكية فنقول : منهم : العلامة زكرياء بن بكر بن أحمد الغسالي التاهرتي قال المؤرخ الفرضي في تاريخ علماء الأندلس عند ذكر الغرباء لما تكلم عليه ؛ يعرف بابن الأج والأشج هو أحمد (والده) ويكنى أبا جعفر من أهل تيهرت ؛ يكنى أبا يحيى دخل الأندلس مع أبيه وأخيه سنة 3776 ه إلى أن قال : قال لي ولدت بتيهرت سنة ١٠3 (١ه) وذكر أنه توفي في رمضان سنة 7473 (اه) » وذكره صاحب (بغية الملتمس) وخالفه في تاريخ وفاته مخالفة فاحشة ؛ ان لم يكن تحريف فى إحدى النسختين ؛ قال في صحيفة 1774 زكريا بن بكر بن الاشج التاهرتي توفي بقرطبة سنة 0974ه والنسختان من مطبوعات الإفرنج ؛ فتأمل وبمثل هذا يتأكد على طالب الحق ان لا يعول على أقوال المؤرخين فيما يحتاج إلى النظر والتدقيق الابعد إمعان الفكر . ومنهم : العلامة عبد الله بن حمود بن هلوب بن داوود بن سليمان ذكره المؤرخ ابن بشكوال في الصلة فقال في صحيفة 143 يكنى أبا محمد طنجي فقيه موضعه وأصله من تاهرت (١ه) . ١١ ومنهم : الأديب ابن هرمة » وقد جاء قاصدا الأندلس » فسمع بيت شعر لأحد علمائها ؛ فترك العبور إليها وبقي بتاهرت » كما قاله (صاحب البغية) . ومنهم : أبو الطيب محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أبي بردة الشافعي البغدادي ؛ قال العلامة الفرضي : ووصل أبو الطيب إلى الأندلس سنة (7711ه) فأكرمه أمير المؤمنين المنتصر بالله وأمر بإجراء النزل له ؛ إلى ان قال : وكان ينسب إلى (مذهب) الاعتزال ؛ ورفع ذلك إلى السلطان ؛ فأمر بإخراجه من البلد » وكان في رجب سنة (177ه) فصار بتيهرت عند بنت له (١ه). ومنهم : العلامة محمد بن عيسى بن حنين التميمي القاضي » نزيل سبتة ذكر العلامة ابن الأبار في معجمه بصحيفة 46 انه انتقل مع أبيه من فاس إلى سبتة » وأصله من (تاهرت) ويعرف بابن الدقاق . ومنهم : العلامة عبد الله بن محمد بن عيسى بن حسين التميمي التاهرتي نزيل سبتة » ذكره ابن الأبار في الصلة منسوبا إلى (تاهرت) بصحيفة 1ه : ْ ومنهم العلامة الحسن بن علي بن طريف أبو علي النحوي ؛ نزيل سبتة قال ابن الأ بار في المعجم بصحيفة 7 يعرف بالتاهرتي » روى عنه القاضي عياض . ومنهم : العلامة قاسم بن عبد الرحمن تلميذ ابن حماد نسبه المؤرخ الضبي إلى (تيهرت) وقال في صحيفة (188) من البغية : دخل الأندلس وكان من جلساء بكر بن حماد التاهرتي » ومن أخذ عنه قال أبو محمد بن حزم (١ ه) وذكر ابن بشكوال في الصلة انه من أهل الحديث . ومنهم : ابنه العلامة أبو الفضل قال ابن بشكوال فى الصلة ؛ ومن الغرباء أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد التميمي ١" الشاهرتي البزاز » يكنى أبا الفضل ؛ إلى أن قال : مولده يوم الثلاثاء عند انصداع الفجر في أول ربيع الأول سنة (704ه) وولد (بتاهرت) » إلى أن قال وكان أبوه محدثا ؛ قال أبو الفضل بدأت بطلب العلم سنة (7734ه) » وأنا ابن (06؟ سنة) ودخلت الأندلس سنة (717ه) » وأنا ابن ثمانية أعوام ؛ وتوفي في جماد الآخرة سنة (346) (١ ه) وذكره الضبي في اللغية أيضاء وقال : توفي سنة (747ه) فزاد سنة على ابن بشكوال » وأثنى عليه وقال : وقد روى عنه أبو عمران الفاسي موسى بن عيسى بن أبي حاج فقيه القيروان » وهو روى عن منذر بن سعيد القاضي . ومنهم : ابن الخزاز وقد سافر إلى البصرة المدينة المشهورة بالمغرب ؛ وهي من فاس على أربع مراحل » فأعجب بجمال نسائها كما ذكره الحموي ؛ نقلا من كتاب المسالك ؛ حيث قال ونساء البصرة مخصوصات بالجمال الفائق ؛ والحسن الرائق ليس بأرض المغرب أجمل منهن قال أحمد بن فتح المعروف بابن الخزاز التيهرتي يمدح أبا العيش عيسى بن إبراهيم بن القاسم . قبح الإله الدهرإلااقينة بصرية في حمرة وبياض الخمر في لحظاتها والورد في وجناتها والكشح غير نغاض في شكل مرجي ونسك مهاجر وعفاف سني وسمت إباض (تيهرت) أنت خلية وبرقة عوضت عنك ببصرة فاعتاض للاعذر للحمراء في كلفي بها أوتستفيض بأبحر وحياض ٠١١ وساق المراكشي الحكاية بعينها إلا انه أتى بدلا من صدر البيت الأول بقوله : ما حاز كل الحسن إلا قينة وأتى بدلا من عجز البيت الثاني بقوله : وجناتها هيفاء غير نخاض وهما أرق وألطف من الأولين فيما يظهر . ومنهم : سعد بن أشكل التيهرتي القائل فيما تقدم بتشوق إلى مدينة (تيهرت) مسقط رأسه ويهجو مدينة تنس دار وفاته : وأصبحت عن (تيهرت) في دار غربة وأسلمني مر القضاء من القدر إلى آخر الأبيات . ومنهم : العلامة السلفي قال الحموي : والولجة ناحية بالمغرب من أعمال (تاهرت)نسب إليها السلفي أبو محمد عبد الله بن منصور التاهرتي قال : وكان من الفضلاء في الأدب والفقه ؛ وله شعر وكتب عني من الحديث كثيرا (اه). ١١" الباب السابع (مدينة سجلماسة) ولما انتهى الكلام بقدر الإمكان على (تيهرت) وما نسب إليها من الرلاد وما دخل فى دائرتها ابان عمرانها بالاباضية تحت سيادة بني رستم لزم أن تأتي استطرادا بطرف . ا الفصل الأول المؤرخون يصفون سجلماسة مما وصف به المؤرخون مدينة سجلماسة قاعدة ملك بني مدرار التي كان بعض ملوكها اباضية كما سيأتي ؛ وكانت عامرة بالاباضية حافلة بعلمائهم الأدباء ورجال العلم من أطراف البلاد ؛ للإفادة والاستفادة كما يؤمون تيهرت » وقد تكلم عليها المؤرخون . (١) الحموي قال المؤرخ الحموي ([سجلماسة) بكسر أوله وثانيه وسكون اللام وبعد الألف سين مهملة ؛ مدينة في جنوب المغرب في طرف بلاد السودان » بينها وبين فاس عشرة أيام تلقاء الجنوب ؛ وهي في منقطع جبل درن ؛ وهي في وسط رمال كرمال زرود » ويتصل بها من شمالها جدد من الأرض يمر بها نهر كبير يخاض ؛ قد غرسوا عليه بساتين ونخيلا مد البصر » على أربعة فراسخ ؛ منها رستاق يقال له تيومتين » على نهرها الجاري ؛ فيه من الأعتاب الشديدة الحلاوة ما لا يحد » وفيه ستة عشر صنفا من التمر » ما بين عجوة ودقل ؛ وأكثر أقوات أهل سجلماسة من الثمر » وعلتهم قليلة ولنسائهم يد صناع في غزل الصوف ؛ فهن يعملن منه كل حسن عجيب بديع من الأزر » تفوق القصب الذي بمصر » يبلغ ثمن الازار خمسة وثلإثين ديناراً وأكثره ؛ كأرفع ما يكون القصب الذي بمصر . ١٠ ويعمل منه غفارات يبلغ ثمنها مثل ذلك ويصبغونه بأنواع الاصباغ؛ وبين سجلماسة ودرعة أربعة أيام ؛ وأهل هذه المدينة من أغنى الناس ؛ وأكشرهم مالا » لأنها على طريق من يريد غانة التي هي معدن الذهب ؛ ولأهلها جرأة على دخولها . (؟) الادريسي وقال الادريسى فى النزهة : وأما (مدينة سجلماسة) فمدينة كبيرة كثيرة العمران ؛ وهي مقصد للوارد والصادر » وكثيرة الشجر والجنات » رائقة البقاع والجهات ؛ ولا حصن عليها وإنما هي قصور وديار » وعمارات متصلة على نهر كثير الماء » يأتي إليها من جهة المشرق من الصحراء يزيد في الصيف » كزيادة التيل سواء ويزرع بماثه حسبما يزرع فلاحو مصر » ولزراعته إصابة كثيرة معلومة » وفي بعض الأعوام الكثيرة المياه المتواترة بخروج هذا النهر ؛ ينبت لهم ما حصدوه في العام السابق » من بذر وفي الأكثر من السنين ؛ إذا فاض النهر عندهم ؛ ثم رجع بذوره إلى العام القادم » فينبت ذلك من غير حاجة إلى بذر زراعة . (©) الحوقلي (وحكى) الحوقلي أن البذر بها يكون عاما والحصاد كل سنة إلى تمام سبع سنين ؛ لكن تلك الحنطة التي تنبت من غير بذر تتغير عن حالهاء حتى تكون بين الحنطة والشعير » وتسمى هذه الحنطة (يردن تيزواو) » وبها نخل كثير وأنواع من الثمر لا يشبه بعضها بعضا » وفيها الرطب المسمى بالبرني ؛ وهي خضراء جدا » وحلاوتها تفوق كل حلاوة » ونواها صغار في غاية الصغر ‏ ولأهل هذه المدينة غلات القطن وغلات الكمون » والكروياء 4 والحناء » تجهز منها إلى سائر بلاد المغرب وغيرها . وبناءاتها حسنة ؛ غير أن المخالفين في زماننا هذا أتو على أكثرها هدما وحرقا انتهى . (4 ) المقدسي وقال العلامة الملقدسي (سجلماسة) قصبة جليلة على نهر بمعزل عنها يفرغ في قبليها » وهي طولانية نحو القبلة » عليها سور من طين ؛ وسطها حصن يسمى المعسكر ؛ فيه الجامع ودار الامارة شديدة الحر والبرد » صحيحة الهواء كثيرة الثمار والأعناب والزبيب والفواكه والحبوب والرمان » والخيرات ؛ كثيرة الغرباء » موافقة لهم يقصدونها من كل بلد ؛ ومع ذلك ثغر فاضل ؛ برستاقها معادن الذهب والفضة ؛ وهم أهل سنة وقوم جياد بها علماء وعقلاء لها باب القبلي ؛ باب الغربي » باب غدير الجزارين » باب وقف زناته وغيرها وهي في رمال (١ه) . (©) صاحب المسالك وقال صاحب المسالك ان سلجماسة مدينة عظيمة فى جنوبى مدن بر العدوة متصلة بالصحراء الكبيرة من أكبر مدن المغرب ؛ واشهرها ذكرا في الأفاق » وعليها نهر كبير » ذات قصور مشيدة وأبنية عالية وأبواب رفيعي ؛ صحيحة الهواء لمجافورة البيداء » إلى أن قال : وبها نخل كثير ثمره على أصناف يحمل منه إلى عامة الغرب ؛ ويفضل ثمنره ما سواه حتى يضاهى به . ١١ الباب الثامن (درعة) الفصل الأول المؤرخون يتكلمون عن درعة وقد تكلم عليها المؤرخون : ) ١ ( الادريسي فقالا لادريسي ِ في درعة (ودرعة) ليست بمدينة »؛ يحوطها سورء ولاحفير » وإنما هي قرى متصلة وعمارات متقاربة ومزارع كثيرة ؛ يتناول ذلك فيها جمل ؛ واخلاط من البربر » وهي على سجلماسة النازل إليها ؛ وعليه ؛ وعليه يزرعون علات الحناء , والكمون والكروياء والنيلج ونبات الحناء ؛ يكبر بها حتى يكون في قوام الشجر يصعدون إليه » ومنها يؤخذ بذره ويتجهز به إلى كل الجهات ؛ ونبات الحناء لا يوجد بذره إلا فى هذا الإقليم فقط ‏ ولا يوجد بغيره من الأ قاليم البتة ِ وأما النيلج فى درعه فليس طيبه هناك , ولكنه يتصرف به في بلاد الغرب لرخصه » وربما خلط مع غيره من النيلج الطيب يباع معه (١ه) . ثمر العراق » وثمرها يضرب به في المغرب المثل ؛ ولها بساتين خضرة نصرة ) ١ هد 6 وكان لها أعمال واسعة ّ ومدن كبيرة مشهورة 6 ذكر العلامة البشاري منها في الحجاب هذه درعة » تاد نفوست اترايل؛ ويلميس 6 ١٠ حصن بن صالح 6 النحاسين حصن السودان َ هلال : إمصلي 4 دار إل مير ؛ حصن برارة 6 الخيامات 6 تازروت ) ١ هً . (7) البنا وقال العلامة البنا : درعة لها رستاق واسع ومنابر على نهر جرار نحو ي. أيام و (عريش) رستاق فيه منابر» وسائر المدن محيطة بها في الرمال عامرات ومعادن الفضة بتاززروت 6 ومعدن الذهب بين هذه الكورة وبلد السودان وليس في العالم أصفى ولا أوسع منه (١ه) ‏ وهكذا تكلموا على غيرها من المدن ؛ والله أعلم . ١ الفصل الثاني علماؤها الأفاضل وقد تلقى العلوم بسجلماسة رجال صاروا للدين حياة ؛ وللامة هداة فسارت بذكرهم الركبان » وافتخر بوجودهم الزمان » ولولم يكن منهم إلا ذلك الطود الفاخر » والبحر الزاخر » لسان الحكم » ونبراس الظلم » الشيخ العلامة أبو الربيع سليمان بن زرقون النفوسي لأغناها فخرا ؛ كما خلد لها ذكرا فقد رحل إليها مع العلامة التحرير أستاذه ابن الجمع من علماء اباضية الشرق وتجارها العظام . ارتحل هذا الأستاذ من المشرق إلى المغرب ؛ وقصد سجلماسة (قال الشماخي رحمه الله وكانوا (يعني أهلها) يومئذ من أهل الدعوة (١ه) . فأقام بها خير مرشد » وأفضل أستاذ حتى ابتهجت به محافلها ؛ وتنورت مجالسها وعمرت بالعلوم ربوعها ؛ ثم سار إلى رحمة مولاه تاركا من تلامذته علماء راسخين وأدباء مهذبين منهم : ذلك الذكي الماهر الأمير أبو يزيد مخلد بن كيداد الفرني » الذي طغى ؛ وتجبر في آخر أمره حتى استوجب براءة المسلمين منه كما سنأنى بحكايته بعد هذا ان شاء الله » ذكر هذا صاحب السير ‏ رحمه الله تقلا من تاريخ أبي زكريا رضي الله عنه وقال في صحيفة 774 فحضره (أي الأستاذ ابن الجمع) الموت هناك (أي في سجلماسة) وأوصى بكتبه لأبي الربيع فرجع إلى قصطالية (أي توزر ونفطة وما يليها من بلاد ١٠ الجريد) واشتهر في العلوم واضطربت قصطالية كلها من أجله ؛ واختلف أهل سجلماسة بعد أن خرج من عندهم في مسألة كادوا يقتتلون عليها ؛ فاتفق رأيهم على أن يرسلوا أمينين إلى أبي الربيع ليعلموا بما يجيبهم به » فأدركه الرسولان وأجابهم ؛ فأخذوا بما قال واصطلحوا » ومن أخذ عنه التفسير والفقه واللغة والفنون كافة » غير علم الكلام ذانك الإمامان النيران » فخر زمانهما وزهرة عصرهما » أبو القاسم يزيد بن مخلد وأبو خزر يغلي بن زلتاف رحمهما الله وسيأتي خبرهما ؛ والله أعلم . 1 الباب التاسع (الإمامة في المغرب) عود إلى المقصود بالذات هذا ولدرجع إلى ما كنا بصدده من أمر الإمامة بالمغرب » وظهورها فيه فنقول : (ثم اجتمع أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء » وقالوا : قد علم ما حل بنا من الشتات والافتراق بعد وفاة إمامينا ؛ ومبارحتنا طرابلس ؛ وقد اجمعنا على انتخاب مكان غيرها يليق بصب الإمامة ؛ ويكون ملجأً للإسلام ؛ وإذا رزقنا ولله الحمد بهذا المكان ؛ وتم تحصينه على حسب المرام ؛ وجب نصب إمام » إذ لا يستقيم أمرنا ولا ينتظم شأننا ولا تجتمع كلمتنا إلا بإمام » نرجع إليه في أحكامنا ومشكلاتنا ؛ وينصف مظلومنا من ظالمنا ؛ ويقيم فينا ما أوجبه الله ورسوله من حدود الشرع الشريف ؛ ويظهر الدين ويؤمن السبيل ويحقن الدماء » ويعضد قنطرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » ويعدل في الرعية ويوسع دوائر العلوم » فان ذلك كله ما لا يسعنا التفريط فيه والتواني » إذ كنا ولله الفضل في درجة القيام بالإمامة ‏ ولدينا من القوة عدد وعدة وعلماء ما هو كاف لحمايتها » والذود عن حوضها ؛ مع الاعتصام بالله تعالى) . ٠١١ 1 فش والنفاق » مطهرة فتبادلوا الرأي فيما بيلنهم بقلو سليمة من داء الغ و 0 01 | ْ د ه > ' اأذداء ٠ ا 8 من شوانب كدورات والإذعان 6 وذلك في القرن الثاني من لهجر م وستين هجرية وقيل اثنين وستين ومائة هجرية . ل الفصل الأول (١) خلافة الإمام عبد الرحمن رضي الله عنه فاستقر رأيهم بعد طول مذاكرة ؛ على نصب الإمام الولى ناشر لواء العلم والدين ؛ عبد الرحمن بن رستم رحمه الله لما رأوه فيه من حميد الخصال ؛ ومجيد الأأعمال . ولعزم المسلمين على تقديمه بطرابلس » لولا امتناعه » ولرضاء الإمام أبي الخطاب رحمه الله عنه إذ ولاه قاضيا ثم عاملا كما مر وقد تكلم العلامة المؤرخ ابن الصغير المالكي المغربي في تاريخه على خلفاء بي رستم بتيهرت ( كلاما يروح إ ل نفس 4 ويشفي الغليل 1 نأتي ببعص ما ووقفنا عليه منه مع الأسف على مافقد. ولم تعر له على خبر كلما بحثنا عله . قال عند ذكره لهذا الإمام الجليل ما نصه : (ثم نهضوا إليه بأجمعهم ؛ وقالوا يا عبد الرحمن : رضيك الإمام (أبو الخطاب) في ابتدائنا ؛ ونحن الآن نرضى بك ونقدمك على أنفسنا » فقد علمت انه لايصلح امرنا إلا إمام نلجاً إليه في أمورنا » ونحكم عنده فيما ينوب من أسبابنا ؛ فقال لهم : إن أعطميتوني عهد الله وميثاقه على الطاعة فيما وافق الحق وطابقه ؛ قبلت ذلك منكم ؛ فأعطوه عهد الله وميثاقه على ذلك » وشرطوا عليه مثل ما شرط عليهم ؛ وقدموه على أنفسهم ؛ والقوا إليه بأيديهم (قال ابن خلدون في ١١١ من (١ وبا يعوه على الخلافة فار فيهم سيرة جميلة ٠ حمدها أولهم وأخرهم ِ ولم ينقموا عليه في أحكامه حكما ‏ ولا في سيره سيرة » وسارت بذلك الركبان إلى كل البلدان » وكانت له قصص حكوها عنه ؛ لا يمكن ا ذكرها إلا على وجهها » وأن أتحرى فيها الصدق ولا أحرفها عن معناها » ولا. أزيد فيها ولا أنقص منها » إذ النقص في الخبر والزيادة فيه ؛ ليس في شيم ذوى المروءات » ولا من أخلاق ذوى الديانات ؛ وان كنا للقوم مبغضين؛ وليسرهم كارهين (١ه) . ض ثم شرع في بيان تلك القصص حسبما وعد ألا أن في عباراته من التطويل وبعض التكرار » ما هو معروف من تأليف أغلب المتقدمين ؛ فخذها مني أيها القارئ مقتبسة من كلامه ؛ بعضا باللفظ وبعضا بالمعنى » مشيرا إلى ماكان بلفظه خالصا لأمر ما بكلمة (قال) » وإلى ما كان باللفظ تارة وبالمعنى أخرى ؛ مع إضافة شيء نزر من كلام غيره » مما له إلمام بالمقام بلفظه ؛ (مزوج) تنشيطا للنفس بالتفنن في الأسلوب ؛ وطلبا للاختصار بطرح المكرر ؛ مع كمال التحري » والله على ما أقول وكيل . قال : لما ولي عبد الرحمن بن رستم ما ولي من أمور الناس » شمر مئزره وأحسن سيرته ؛ وجلس في مسجده للأرملة والضعيف ؛ لا يخاف في الله لومه لاثم » وطار صيته في أطراف الأرض شرقا وغربا ؛ حتى اتصل ذلك بإخوانهم أهل البصرة وغيرها من بلاد الشرق » فتباشروا وقالوا : قد ظهر بالملغرب إمام ملأه عدلا ؛ وسوف بملك الشرق ويملوؤه عدلاً أيضا ؛ فأنشطوا لإمداده وجدوا لإعانته » ورب يوم يأتي يشملكم فيه عدله ‏ ويحمكم حكمه ؛ إن قدر الله بذلك وأراد بكم خيرا . الإعانة الأولى من أهل المشرق لإمام المغرب امتحانا واستكشافا لأحواله (مزوج) وعند ذلك دبت فيهم الغيرة » وسرى فيهم روح النشاط » وتسابقوا إلى البر ؛ فجمعوا أموالا عظيمة ؛ ووجهوها إليه مع نفر من ثقاتهم ؛ ١١ وقالوا لهم : انهضوا بهذه الأموال ؛ حتى تردوا عاصمة إمامته ؛ فإذا وجدم الأمر كما نقل إلينا من حسن السيرة وإقامة العدل بالكتاب والسنة ؛ وإعلاء كلمة الدين فادفعوها إليه ؛ ليستعين بها على ذلك ؛ وإلا ففرقوها في فقراء المسلمين هناك ؛ فسار القوم على بركة الله إلى أن بلغوا مدينة (تيهرت) ونزلوا بالمصلى الذي به قبر مصالة اليوم ؛ فأناخوا جمالهم ووضعوا أحمالهم ودخلوا من باب الصفا يسألون عن دار الإمام » إلى أن اهتدوا إليها وكانوا يظنون إنها على شيء من العظمة كديار ملوك الشرق ؛ ولما وصلوها وجدوها دار زاهد ورع » ووجدوا عند الباب غلاما يعجن طينا ويناوله لآخر هو الإمام يصلح به بعض خلل فيه ؛ فسلموا على الغلام وطلبوا منه أن يستأذن لهم على الإمام ؛ ويخبره بأنهم رسل إخوانه المشارقة إليه ؛ فرفع الغلام رأسه نحو السطح » وقد علم ان الإمام سمع كلامهم ؛ فأشار إليه أن يصبرهم قليلا ؛ فصبرهم إلى أن نزل وغسل ما كان بيديه من الطين ؛ وجدد الوضوء » و أذن لهم فدخلوا ؛ فوجدوا رجلا جالسا على جلد فوق حصير » وما في البيت شيء سوى سدة ينام عليها وسيف ورمح » وما اشبه ذلك من السلاح الوقتي ؛ وفرس ؛ فسلموا عليه وبلغوه سلام إخوانه » فحياهم بأحسن تحية ؛ وأمر الغلام فأحضر مائدة عليها قرص سخنه وشيء من سمن وملح ؛ فهشم القرص في السمن » وقال : على اسم الله ادنوا وكلوا » فتقدموا وأكل معهم إكراما لهم » وهضما لنفسه ثم قال : ما وراءكم » وما الذي جاء بكم أيها الأخوان؟ فقالوا : دعنا نخلو ببعضنا ساعة ثم نكلمك ؛ فأخلى لهم المكان ؛ وقال بعضهم لبعض : يكفينا عن السؤال عنه ما رأيناه منه مشاهدة من إصلاحه لداره بنفسه » ومن طعامه ولباسه وحلية بيته ؛ فما لنا إلا أن نسلم له المال » ولا نستشير فيه أحدا ثم أقبلوا عليه وقالوا له : أعزك الله ؛ بعثنا إليك إخوانك بثلاثة أحمال من المال تتقوى بها على عملك ؛ وتصلح بها ١٠ بعض شأنك فتفضل علينا بقبولها : فقال : هذه الصلاة قد حضرت ونحن ذاهبون إلى المسجد الجامع ؛ فنعلم المسلمين بما جئتم به ؛ حتى نرى رأيهم فيه ؛ فقالوا : الأمر في ذلك إليك ؛ وخرجوا » ولما آتو المسجد وأدوا الفريضة نادى منادي الإمام قائلا : لتذهب العامة » وليتخلف من كل قبيلة وجوهها ؛ فخرج عامة الناس وبقي الوجهاء ؛ وأهل الشورى » وعقدوا مجلسا ثم قال للرسل : اخبروا إخوانكم بسبب مجيئكم » وما أتيتم به ؛ ولما اخبروهم استشارهم في أمر المال فقالوا : الرأي رأيك والأمر أمرك » ولكن هذا رزق ساقه الله إلينا بطوع من إخواننا » وبدون سؤال منا » والمناسب إن وافقتنا ان نحضره بين يديك » وتجعل منه ثلا في الكراع ؛ وثلثا في السلاح ؛ وثلثا في فقراء المسلمين وضعفائهم ؛ فقال للرسل : قد سمعتم رأي إخوانكم فما تقولون؟ فقالوا : سمعنا وأطعنا وأحضروا المال في الحال ؛ وما خرجوا من هناك حتى قم على الوجه المذكور » وبعد أن أقامت الرسل ما أقامت ؛ من المدة بين إكرام واحترام » توجهت حامدة تلك السيرة شاكرة » ذلك الصنيع » وبعد وصولهم المشرق » اخبروا إخوانهم بما رأوه ‏ مما أدهش عقولهم ؛ وحير أفكارهم من زهد الإمام واستقامته وعدله ؛ فازدادوا بذلك فرحا واستبشارا . ثم شرع الإمام في شراء الكراع والسلاح » وقوى بيت مال المسلمين بالذخائر الحربية ؛ ومهمات الدفاع الوقتية ؛ وتقوى الضعيف ؛ وانتعش الفقير وتحسنت الأحوال ؛ وسارت الركبان بأخبارهم في الآفاق ؛ ودخل الرعب كل من اتصل به خبرهم من الملوك والأمراء » على أختلاف مراتبهم » وأنسوا من أنفسهم قوة دعتهم إلى توسيع نطاق العمران ؛ والتمدد فى الأقطار ؛ لتمهيد البلاد وبسط العدل » ونفخ روح الاخوة والاتحاد بين أفراد العباد » فشرعوا في العمارات والبناء » وإحياء الموات وغرس البساتين وأنواع الأشجار وأجراء الأنهار » وسوقها من مكان إلى مكان ؛ واتخاذ المطاحن عليها والمستغلات ؛ "٠ وتفننوا في الصنائع » وتسابقوا في ميادين المعارف وفنون العلم ؛ ونصبوا لواء الأمن والهناء ‏ وطمحت أنظارهم إلى إخضاع كل من ناوأهم وحاد عن جادة الإنصاف » من أولي الإمارات الخارجة عنهم » فمهدوا لذلك تأمين السبل وتسهيل المواصلات ؛ وفتح أبواب التجارة ؛ حتى استمالوا الألباب » وذللوا الصعاب . قال وأتتهم الوفود والرفاق من كل الأمصار » وأقاصي الأقطار فقل أحد أن ينزل بهم من الغرباء إلا استوطن معهم » وابتنى بيتا بين أظهرهم لما يراه من رخاء البلد .وحسن سيرة إمامه وعدله في رعيته ؛ وامانه على نفسه وماله ؛ حتى لا ترى دارا إلا قيل هذه لفلان الكوفي » وهذه لفلان البصري ؛ وهذه لفلان القروي » وهذا مسجد القرويين ومربعتهم » وهذا مسجد البصريين » وهذا مسجد الكوفيين » واستعملت السبل إلى بلاد السودان » وإلى جميع البلدان من مشرق ومغرب بالتجارة » وضروب الامتعه والعمارة زائدة ؛ والناس والتجار من كل الأقطار قابلون بلفظه (١ه) . أقول ولهذا والله أعلم ؛ يوجد بالمغرب وخصوصا بجبل نفوسة أماكن وقبائل كثيرة تسمى بأسماء أماكن في المشرق » ولعلهم أتوا في ذلك الزمن من المشرق » والله أعلم . فمن ذلك قبيلة الحمران الاباضية بجبل فساطو القاطنة بقريتهم المسماة بهذا الاسم » وفيها مقام أبي نوح المرساوني صاحب الكرامات الظاهرة اللذكور في تاريخ الشماخي رحمهما الله . ومن ذلك الموضع المعروف بحزوي في ظاهر جبل فساطو أيضا ؛ ومن ذلك قبيلة طرميسة التي منها الشيخ عيسى الطرميسي العلامة المشهور في ١١٠ السير » وهي الآن قرية صغيرة على رأس جبل بين بلدة (جادو) (وتاردية) ؛ ومن ذلك الموضع المسمى بجندوبة بناحية ككلة ؛ وهو جبل صعب المرافي جدا بجنب جبل يفرن لناحية الشرق » يتحصن فيه الثائرون على الملوك في تلك اللجهات من قديم » ومن ذلك جبل غريان ؛ العامر الآن بقبائل مالكية اللذهب ؛ خرجوا عن مذهب الاباضية أيام عمهم الجهل وانقطعت منهم العلماء والمرشدون » وذلك في عصر الشيخ الجليل العلامة إسماعيل بن موسى الجيطالي من ناحية فساطو مؤلف كتاب (القناطر) وكتاب (قواعد الإسلام) وغيرهما » وكان له معهم في هذا الباب كلام ؛ وغير هذا من الأماكن كثير ؛ لو تتبعناه لخرجنا عن موضوع كلامنا ؛ والله أعلم . الإعانة الثانية من أهل المشرق لإمام المغرب عبد الرحمن بن رستم *زوج ثم في العالم الثالث من رجوع الرسل إلى البصرة ؛ اجتمعت الاباضية بالمشرق ؛ وعنصرهم بالبصرة » وراسلوا من لم يمكنه الاجتماع بهم » وقالوا : ان أخبار التقدم في الاستقامة عن هذا الإمام لازالت شائعة ؛ ومحاسنه مستفيضة وعدالته ذائعة » فهو جدير بأن يكون فى المغرب خلفا عن الإمام أبي بلال ؛ وأبي حمزة ا مختار بالمشرق ؛ فلا تدخروا عنه مالا » ولا تحبسوا عنه عطاء » وأعينوه بكل ما قدر عليه إذ بالمال (مع العلم والعدل) تشد أركان الدولة ؛ وبه يوطد عماد الدين وبه تعلو كلمة الإسلام وأهله ؛ ولكم في ذلك الشرف العاجل والثواب الآجل . فما كان غير بعيد حتى اجتمع عشرة أحمال ذهبا ؛ فكلفوا بتبليغها الرسل الأولين لخبرتهم واطلاعهم على كنه الحال في تلك الأقطار » حتى إذا ١ ا رجعوا إليهم اخبروهم بما رأوه من الفرق بين الحالين » فساروا من (مدينة) البصرة في كنف الله وحفظه » إلى أن وصلوا (مدينة تيهرت) ونزلوا بمنزلهم الأول » ودخلوا المدينة فرأوا هيشتها قد تبدلت ؛ ولاح عليها رونق المدنية والملك » وعلت وجوه أهلها سيماء الحضارة والرفاهية » وبدت من محياهم آثار النعمة والغنى ؛ وازينت المدينة بقصور مشيدة » ودور منظمة وأبنية مبهجة ؛ وقباب مرتفعة وأسواق مزدحمة ومساجد متعددة ؛ بمنارات عالية » وحمامات متقنة يحيط بها بساتين متنوعة » ومطاحن منتصبة على تلك الأنهار الجارية » واتخذ أهلها الفرش والستائر المزخرفة والخيل المسومة (وقد مر أنها معدنها) وتنوعت الألبسة ؛ وتعددت اللغات والأزياء ورأوا ما لم يخطر لهم ببال » ولا سمعوه في مجيئهم الأول بحال من الأحوال . وعند ذلك دار في خلدهم ؛ قائد الوهم وتسلطن عليهم سوء الظن بحال الإمام » فتسارعوا إلى داره ليروا ما تغير من هيثته وحاله ؛ فألفوه بأحسن ما عرفوه به قبل ذلك من حسن المقابلة والتواضع والزهد في الدنيا مع الحزم الكامل في إدارة شؤون الإمامة » وداره كما هي عليه من قبل ؛ فاطمأنت خواطرهم بعض الاطمثنان » إلا أنهم خافوا أن يكون ذلك من ظواهر الأمور ؛ فلم يخبروه بشيء من شأنهم ؛ وخرجوا من عنده ليكتسبوا الحقيقة بمن يظنون فيه الصدق ؛ والأمانة في القول فلاقوا رجالا يثقون بهم » ويستأنسون إليهم ؛ فسألوهم عن الأحوال فأخبروهم بحسنها » وبأن الإمام على ما هو مشهوربه وأكثر من ذلك من حسن السيرة والعدل في الأحكام ؛ وإعلاء شأن الإسلام وأهله ؛ ثم أخبروهم بما معهم من المال ؛ واستنصحوهم ؛ فأشاروا عليهم بتقديمه له ؛ وقالوا لهم انا لا نراه يقبله منكم » وان قبله لم يصرفه إلا في مواضعه الشرعية » وفي مستحقيه كأول مرة ؛ فأتوا إلى الإمام بعد ذلك وأخبروه بالمال » وبحال من خلفوه بالمشرق من إخوانهم » وما هم عليه من موالاته ١٠ وولايته ؛ والدعاء له فسر بذلك وانشرح صدره » ثم سألهم عن أحوالهم من حيث الظهور والكتمان والقوة والضعف والغنى والفقر في العامة (تلك الأمور التي تهم كل حاكم سياسي وعاقل غيور) فاخبروه بضد ما أراده فاستاء لذلك » ثم أمرهم بالحضور إلى المسجد الجامع ليخبروه بضد ما أراده فاستاء لذلك ؛ فحضروا ونادى منادي الإمام بذهاب العامة » وبقاء الوجوه من العلماء وأهل الشورى ؛ فكان ذلك كله في الحين وأمرهم بإحضار المال وأخبار إخوانهم فأحضروه » وأخبروهم وبلغوهم سلام إخوانهم » ثم استشار جماعته في شأنه فقالوا له : الأمر في ذلك إليك ؛ فافعل ماشئت » فقال : أما أنا إذ رددتم الأمر فيه إلي فلا أرى إلا رده إلى أربابه ليعينوا به ضعفاءهم وفقراءهم ؛ وما قبلنا منهم من قبل هذا ما أتوا به إلا لما بنا إذ ذاك من الحاجة إليه ١ وأما الآن فكلنا ولله الفضل » خاصتنا وعامتنا وبيت مالنا في غنى عن الإعانة ؛ وهم أحق به منا » فليتفضلوا علينا برده ؛ ولهم منا مزيد الشكر ؛ فوافقوه كلهم على هذا واستصعبته الرسل لما في رده من المشقة والعناء لبعد المسافة ؛ فترددوا إليه المرة بعد المرة مع من التمسوا منه المساعدة من أهل الرأي المقربين عنده في قبوله فلم يساعدهم » وإذ الحو عليه آلى بأبمان مغلظة أن لا يقبل منهم دينارا ولا درهما ؛ وما استيأسوا من إمساكه ولوا به راجعين إلى أن وصلوا البصرة . قال : فعظم ذلك عند القوم خطر عبد الرحمن وزاد في قدره ورأوا أنه لو كان طالبا دنيا أو مؤثرا لها لرغب في الأموال » فعند ذلك رغب القوم في إمامته » ورأوا انها فرض عليهم ؛ ثم لم تزل الرسل تختلف وتطلع الأخبار والبلدة زائدة والعمارة في ذلك كله نامية والسيرة واحدة وقضاته مختارة وبيوت أمواله ممتلثة وأصحاب شرطته والطائفون قائمون بما يجب » وأهل الصدقة على صدقاتهم يخرجون في أوان الطعام فيقبضون أعشارهم » ويأتون 14 أهل الشاة والبعير فيقبضون ما يحب على أهل الصدقات » لا يظلمون ولا يظلمون » فإذا حضر جميع ذلك صرف الطعام للفقراء » وبيعت الشاة والبعير ؛ فإذا صارت أموالا دفع منها إلى العمال بقدر ما يستحقون على عملهم ؛ ثم نظر في باقي سائر المال ؛ فإذا عرف مبلغه أمر بإحصاء من في البلد ؛ وفيما حول البلد ثم أمر بإحصاء الفقراء والمساكين ؛ فإذا علم عددهم أمر بإحصاء ما في الاهراء من الطعام » ثم أمر بجميع ما بقى من مال الصدقة ؛ فاشتري منه أكسية صوف وجباب صوف وبراوزيتا » ثم دفع في كل أهل بيت بقدر ذلك » ثم ينظر إلى ما اجتمع من مال الجزية وخراج الارضين وما أشبه ذلك ؛ فيقطع منه لنفسه ولقضاته وأصحاب شرطته والقائمين بأموره ؛ ما يكفيهم في سنتهم » ثم أن فضل فضل صرفه في مصالح المسلمين (١ه) دهاء هذا الإمام وحسن تصرفه مع إمارة مستقلة (عن تيهرت بعض ملوكها أباضية) كان هذا الإمام رحمه الله ذا بصيرة وقادة » وفكرة نقادة ؛ موفقا في أعمال متديرا في حركاته وسكناته ؛ مراعيا كل المراعاة بكل حذق عواقب الأمور ؛ متحرزا (بباديها) عن أواخرها ؛ شأن كل حكيم حنكته التجارب ؛ وتواردت عليه عوامل تقلبات الدهر وأحواله ؛ حتى انه لما توفي أبو حاتم (الإمام قبله) بنواحى طرابلس سنة 166ه كما مر ء وانتقضت نفراوة بعد ذلك في أفريقية سنة ١ه » وولوا عليهم صالح بن نصير (قال ابن خلدون ودعوا إلى رأيهم رأي الاباضية) وانهزموا بعد وقائع متعددة ولم تقم لهم قائمة . تروى عبد الرحمن في الأمر وتثبت في الرأي ؛ فاستنتج ان السكون والمهادنة أولى بهم وأصلح لشأنهم ؛ حتى يندمل جرحهم ويلتثم فلهم وتشتد ٠٠ قوتهم ؛ وتجتمع قواهم ؛ فمال إلى الدعة وجنح للسلم راكنا في ذلك إلى استجلاب الخواطر » واستعمال لمجاملة مع المتاخمين لحدوده ؛ فكاتب صاحب القيروان على أن يكف نفسه عنه ؛ ويستقل كل بما لديه وما واليه من حيزه ؛ فقبل منه ذلك بكل ارتياح » كما ذكره ابن خلدون إذ قال في ١١ من (6) ورغب عبد الرحمن بن رستم صاحب تاهرت سنة 1/١1ه في موادعة صاحب القيروان » روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب » فوادعه ‏ وما يعد من سياسته وآرائه النافعة ؛ مصاهرته لمدرار بن الياس » أحد ملوك سجلماسة حتى آل الأمر إلى ما ستسمعه أيها القارئ ان شاء الله . (خطبة رئيس الصفرية لأروى) (كريمة الإمام عبد الرحمن ‏ رحمه الله وأخبار ذلك) كانت الصفرية في نواحي سجلماسة في جموع كثيرة تفوق الحصر » غير مستقلين بالأمر » ثم اجمعوا على تأسيس مدينة سجلماسة ؛ فكان ذلك سنة 68١ه أي قبل تأسيس (تيهرت) بأربع سنين ؛ ودخل أكشر مكناسة المجاورة لهم في مذهبهم ؛ ولا قوي أمرهم وتألفت كلمتهم ؛ قدموا عليهم بالبيعة عيسى بن يزيد ثم قتلوه » وولوا أبا القاسم سمكو بن واسول » وكان أباضيا كما ذكر ابن خلدون في صحيفة ١7١ ثم مات سنة /17١ه » فولوا ابنه الياس ثم خلعوه ؛ وولوا أخاه اليسع ؛ وهو الذي شيد سور سجلماسة وحصونها ؛ وعلى عهده استفحل أمرهم واشتد ملكهم ؛ وكان يرى في نفسه العظمة لكثرة الجنود والاتباع » وله ابن يعرف بدرار ؛ فلم يرله كفوا للمصاهرة غير الإمام عبد الرحمن ؛ وكانت له ابنة تعرف بأروى ؛ فخطبها اليسع » وبعد أن أظهر الأمام العزة والامتناع مع إلحاح الخطيب أجابه إلى طلبه » وزوجها من مدرار ابنه » ولم يصغ للمعترضين والمنكزين عليه ؛ مؤملا 111 أن يأتي يوم ما على أولادها ان قدر الله بحملها وهم على مذهبه ؛ فيضمهم هو أو خلفه إليه » أو تتوثق علائق الوداد بين المملكتين ؛ فلا يطرقه منهم طارق سوء ؛ ولا يأتيه من قبلهم ما يكدر راحته أو يوجب له قلقا أو خللا فى داخليته » إذ كان تحت حكمه من الصفرية ما يعد بعشرات الألوف من المقاتلين الموصوفين بالشجاعة والبسالة ؛ كما أن بسجلماسة من الاباضية أمثال ذلك من الفرسان الأشداء » ولولا حكم القدر بهذه المصاهرة مع قرب الجوار » لكانت الحروب بينهم متوالية والفآن متتابعة حيث يطلب كل فريق منهم الانضمام إلى إمام مذهبه ؛ ويظهر التظلم حقا أو باطلا من مخالفة في اللذهب الحاكم عليه ؛ وهذا أمر طالما سفكت به الدماء أنهار يجعله من مريد الخروج عن الطاعة ذريعة يتوصل بها إلى غرضه ؛ وحسب المعتبر شاهدا ما أجراه الإفرنج في عصرنا هذا بجزيرة كريد » إنقاذا لإخوانهم المسيحيين من أحكام المسلمين » وما هم الآن في نسجه بمقدونيا ادعاء بهذا الوجه عينه ؛ غيرة على بني جلدتهم وحمية دينية لا إنصافا وحقا » وبأمر هذه المصاهرة التي دبرها الإمام كفى شر ذلك كله ؛ وكانت العاقبة ما ستراه . حمل أروى بنت الإمام بولدها ميمون كان من قدر الله وقضائه ان حصلت الألفة وحسن العشرة والوفاق التام بين الزوجين المتبائنين مذهبا ومشربا ؛ المتباعدين دارا ونسبا (مدرار وأروى) ؛ وحملت أروى ووضعت ولدا سموه ميمونا » وكان لزوجها ولد آخر من البغي اسمه ميمون أيضا ؛ ولما مات والد مدرار تولى هو أمر الصفرية سنة 8١أ7ه ء وتلقب بالمنتصر وطالت ولايته ؛ فكان مع الرستميين في ولاء ومسالمة لجانب المصاهرة ؛ ولشغفه بزوجته أروى مع ما رأه في ابنها ميمون من الكفاءة ؛ حدثته نفسه بتسليم أمر ملكته اليه في حياته ؛ ولما أحس ابنه ميمون الثاني ١ بذلك أوعز إلى رؤساء الصفرية ومقدميهم بذلك ؛ فهاجوا وماجوا واضطربت أقوالهم واستعظموا الأمر خوفا من انضمام ملكهم » الى ملك بني رستم ؛ من سيادة الاباضية عليهم في المملكتين ؛ فثار ميمون بمن تبعه من الصفرية على والده ونازعه الملك » وكان بينهما ماكان من الفتن والمقاتلات إلى أن توفى سنة 107ه ء؛ لخمس وأربعين من ملكه ؛ وأقام ميمون في الإمارة إلى أن مات سنة 777ه » وولى ابنه محمد . قال ابن خلدون في صحيفة ١17 : وكان أباضيا وتوفي سنة 170ه لثمان من ملكه فولى اليسع بن المنتصر (مدرارا) » إلى أن اقتحم عليه الشيعي سجلماسة سنة 143 ه وقتله » وولى عليها إبراهيم بن غالب المراسي الكتامي وبقي فيها إلى أن قامت عليه أمراء سجلماسة سنة 79/8 ه وقتلوه وولوا عليهم الفتح الأباضي ابن ميمون . قال ابن خلدون : وبايعوا الفتح بن ميمون الأمير ابن مدرار؛ ولقبه وسول ؛ وميمون ليس هو ابن البغي الذي تقدم ذكره » فيظهر أنه أراد ميمون بن الرستمية ؛ إذ لا ميمون آخر لمدرار غيره قال : وكان أباضيا وهلك قريبا من ولايته لرأس المائة الثالثة » فولي أخوه أحمد واستقام أمره إلى أن هجم عليه مصالة بن حيوس من طرف الشيعي ؛ فنزعه وولى مكانه ابن عمه المعتزء فاستبد ومات سنة ١11ه »؛ وولي ابنه المنتصر إلى أن ثار عليه ؛ كما قال ابن خلدون ابن عمه محمد بن الفتح (الاباضي) بن ميمون (الاباضي) الأمير» وتغلب عليه الخ » وذكر أن محمدا هذا رجع في آخر أمره أشعريا وتلقب بالشاكر » واتخذ السكة باسمه وكانت تسمي الشاكرية إلى أن زحف اليه جوهر الكاتب في جموع كتامة وصنهاجه سنة 747ه ؛ ففر امامه تاركا ملكه ؛ ثم قبض عليه وأخذه اسيرا إلى القيروان » وانقضى ملك بني مدرار الذي علمت أيها القارئ أن بعض ملوكه صفرية وبعضهم أباضية على ما 8 ذكره مؤرخو غيرهم كما سمعته » وأما مؤرخوهم فلم يتعرضوا لهذا الأمر قط ؛ إذ لا ذكر لذلك في سير الشماخي (رحمه الله) ولا فى الطبقات ؛ ولاغيره ؛ فاما ان يكونوا قد احدثوا احداثا أوجبت البراءة منهم فاهملوا ذكرهم ؛ (ولا نظن انهم ارتكبوا من الموبقات أكثر ما أتاه أبو يزيد صاحب الحمار الآتي خبره » وقد ذكروه كثيرا) » واما أن يكونوا مذكورين في تاريخ نفوسة الكبير وغيره من الكتب القديمة التي لا وجود لها الآن إلا بالاسم » والله أعلم . والحامل على ذكرهم هاهنا مجرد الافادة للمطالع » وبيان ما آل اليه تدبير الإمام عبد الرحمن رحمه الله وما نتج عن مصاهرته لمدرار من بث دعوته في هذه العائلة القابضة على زمام ملك الصفرية بدون رمح ولا سنان ؛ وهذا لاشك مما يشهد له بطول الباع في القيام بادارة ملكته ؛ وأخذ الاحتياطات لدفع كل طارئ يطراً عليها ؛ وأمر المصاهرة وقع كثيرا قديما وحديثا من الملوك لغرض التوقي من فتنة قبيلة كبيرة أو سلطان آخر ؛ كما وقع للإمام عبد الوهاب على ما سيأتي في كلام ابن الصغير ؛ ولتميم بن المعز بن باديس الشيعى صاحب افريقية فأنه صاهر بابنته الناصر صاحب القلعة سنة 77/4 على ما ذكره ابن خلدون في صحيفة 0١ » وانطفئت نار الفتنة بينهما بسبب ذلك ؛ وفي زماننا هذا يقع بكثرة ؛ خصوصا عند الافرنج » حتى صار أغلب ملوكهم وأمرائهم أقارب لبعضهم بعضا . وبهذا عظم اتحادهم وفتر ما كان بينهم من الخلاف » وتناصروا على المسلمين وتحالفوا على محو كلمة الإسلام وأهله ؛ الذين لم تربطهم ببعضهم بعض إلا كلمة الشهادة ؛ وهى رابطة عند التحقيق منحلة لما تهدد به منذ ظهرت من الاختلافات اللذهبية والمشاكل الاعتقادية » التي صارت أساسا متينا لا تزلزله الازمان والدهور » لكل شقاق وتباين بين أفراد اللجامعة الاسلامية . )٠ ومن طالع التاريخ ورأى الوقائع الماضية التي جرت بين أهل الاسلام من عهد الصحابة بعد الخليفتين أبى بكر وعمر الى ما لا يبعد عن عصرنا هذاء رأى بلا ريب ما يرعب فؤاده ويكدر صفو راحته ؛ وأغلبه ان لم تقل كله متولد من انتحال الملذاهب َ ولو كانت لديهم آلات الحرب الحاضرة برا وبحرا لقضى أمر هذا الدين وأهله من زمان بعيد (ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون متخلفين إلا من رحم ربك) . فلو فتح امراء الاسلام باب المصاهرة بينهم » وسعوا في توحيد المذاهب ل صبحوا وكلمتهم وا حدة» وا حق فى ذلك على أعظمهم سلطانا وأشدهم شوكة في هذا العصر أمير المؤمنين السلطان عبد الحميد خان ؛ فانه لو صاهر إلا مرا 2 المنفصلين عن دا ثرة نفوذه وحكمه 6 ببنا تت وزرا له فصلا عن كريما ته 6 لبادروا الى معاضدته وعضوا بنواجذهم على حبل الاتصال بعرشه » وأضحوا ولا وجهة لهم غير انتظار اشارته ؛ وفي ذلك مما يهم العالم بأسره ؛ ويزلزل دعائم السياسة مالا يخفى على الناقد البصير . وكان الامام بالمشرق في عاصمة عمان ذلك الوقت ؛ الإمام الوارث ؛ وذكر أبو زكريا رحمه الله ان في مدة الإمام عبد الرحمن توفى أمام المذهب الكبير ا بو عبيدة مسلم بن ا بي كريمة البصرى رضى الله عنه والصحيح ما سنذكره بعد ان شاء الله . وكان رحمه الله مشهورا بالعلم معدودا من فحول العلماء الراسخين ؛ له تفسير جليل القدر ؛ تكلم عليه المؤرخون » ولا وجود له الأن ؛ وله ديوان خطب نفيسة 6 ذكر العلامة الوارجلا بي _- رحمه الله أنه رأه ٌ وله رسا ثل متعددة وجوا بات كثيرة مفيدة في قنون من العلم ُُ بعضها موجود وبعضها مفقود » وبالجملة فقد كانت مدة هذا الإمام بالمغرب أيام سكون وراحه وعدل ل حرب ولا شقاق 6 وكان محبوبا عند الجميع مهيبا مطاع الا وأمر ,٠ وفاته قال : فلم تزل أموره كذلك ؛ وعلى ذلك ؛ والكلمة واحدة والدعوة مجتمعة » ولا خارج يخرج عنه » ولا طاعن يطعن عليه ؛ الى أن اخترمته منيته وانقضت أيام مدته » وكنت قد وقفت على عدد امارته ؛ كم كانت ؛ ولكن نسيتها مع مرور الأيام » وكان قد نشأ له في أيامه ولد يعرف بعبد الوهاب » وكان محمود الأفعال » وكان قد رشحه لقيام بعده » فلما انقضت أيامه صيرت الاباضية اليه الامر بعده (١ ه) . أقول لما أيقن رحمه الله بدنو الاجل ؛ وانقضاء العمر » وأيى من الحياة تأسى بأمير المؤمنين ثاني الخليفتين عمر بن الخطاب رضي الله عنه واقتفى أثره اعتناء بشأن الاسلام والمسلمين » فجعل الامامة شورى بين سبعة رجال بمن تفرس فيهم الصلاح ؛ لتلقيها بما أحرزوه من كمال الاقتدار » وما علمه فيهم من التضلع في العلوم » مع التقوى والورع » وهم ولده الهمام العلامة المقدام عبد الوهاب » والعلامة مسعود الاندلسي ؛ ذلك الرجل الفاضل البارع في الفقه وغيره الشهير بالورع » والعلامة أبو قدامة يزيد بن فندين اليفرني ؛ والعلامة عمران بن مروان الاندلسى » والعلامة أبو الموفق سعدوس بن عطية ؛ والعلامة شكر بن صالح الكتامي والعلامة مصعب بن سدمان . وما ختمت أنفاسه ‏ رحمه الله وسيقت روحه الطيبة الى حيث أراد بارئها من مواقع التنعم ان شاء الله شيع المسلمون جنازته ودفنوه » ولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا » وأفثدتهم ترجف فزعا » وكانت خلافته أحد عشر عاما لا أربعين كما قيل ولااسبعة كما قاله المراكشي ؛ وسياتي وجه ذلك ؛ ثم اجتمع أهل الشورى منهم والصالحون للنظر فيمن يولونه الامر بعده » ولشدة تحريهم ‏ رحمهم الله لم يقصدوا بها أحدا الا وتبرأ منها ؛ ودفعها علما بحرج موقفها وبقي الامر كذلك موقوفا نحو شهر كامل ؛ لم ١٠ يثبت لهم فيها قرار » ولم يستقر لهم رأى ؛ الا ان لعامة الناس ميلا زائدا اثنين من السبعة المذكورين ؛ وهما الامام عبد الوهاب والعلامة مسعود الاندلسي فبعض يريد هذا وبعض يرغب في ذاك ؛ ثم مال الكل الى مسعود ؛ وقاموا لمبايعته » وفي حين ما أدركه الخبر اختفى فرارا من الوقوع فيها وإذا لم يجدوه أعرضوا عنه » وابتدروا عبد الوهاب لمبايعته ؛ ولما سمع مسعود بذلك خرج الى مجتمع الناس ليكون في مقدمة المبايعين منهم » وكان فيهم يزيد بن فندين » وقد أدركه من الغيرة ما لم يستطع اخفاءه ؛ إذ لم يرغب فيه أحد ؛ وما رأى أنه لاحظ له في الامامة ؛ اشتدت رغبته فى تولية عبد الوهاب ؛ رجاء أن يدرك في ظله بعص المناصب العالية » وأن يقلد مهام الأمور اعتماد على علاقة النسب التي بينهما ‏ لما أنه من أخوال عبد الوهاب فان والدة عبد الوهاب كانت يفرنية » إلا أن لعلمه هو ومن معه بما انطوت عليه بواطنهم من المقاصد السيئة » أيقنوا بأن عبد الوهاب على ما هو معروف به من الشدة في الحتى والصلابة في الدين ؛ لا يدع لهم مجالا يبلغون به أمانيهم » ولو أدركوا من المنزلة عنده ما أدركوا » ولما وقف الكل بين يدي عبد الوهاب ؛ وقام ابن فندين خطيبا فقال : انا نقدم لك بيعتنا يا عبد الوهاب على شرط واحد » وهو أن لا تقطع أمر دون اتفاق جماعة معلومة معك على شرط واحد ‏ وهو أن لا تقطع أمرا دون اتفاق جماعة معلومة معك عليه ؛ راجيا أن يكون هو من المنتخبين في ذلك المجلس (ويمثل هذا المطلب ينادي الحزب المسمى بالأحرار من الترك وغيرهم من أهالي الدول ؛ ذات الحكم المطلق في هذا الزمان ؛ فوقف مسعود وأجابه قائلا على طريق الانكار) ما سمعنا بهذا وما علمنا أن في الامامة شرطا غير أن يحكم الامام بكتاب الله وسنة رسوله وآثار الصالحين أهل الحق والصدق ممن تقدم » فسكت يزيد تاركا ذكر الشرط » وأجمع هو ومن معه من المسلمين على البيعة . "٠٠ الفصل الثاني خلافة الامام عيد الوهاب ‏ رحمه الله وكناه المراكشي بأبي الوارث ولم نره لغيره فقام مسعود الى الامام عبد الوهاب وبايعه » ثم بعده الحاضرون وحملوه الى دار الامامة في موكب حافل غصت به طرق المدينة ومناهجها ؛ وهنالك تمت البيعة العامة » وامتلأً الناس فرحا وسرورا » وسكن بعض ما كان بهم من الجزع على والده » إذ حل هو في محله ورجوا سعادة مستقبلهم » وذلك في صدر عشرة للسبعين بعد الماثة تقريبا » إذ لم نقف على ما يوجب اليقين في ذلك كلما بحثا » غير اننا علمنا أن تولية الامام عبد الرحمن كانت سنة ٠ه وانه في سنة ١/7١ه عاهد صاحب القيروان كما مر غير بعيد ؛ وعلمنا أن الإمام عبد الوهاب كان راسخ القدم في الإمامة في تلك السنة نفسها » أعني سنة ١ه أيضا على ما ذكره ابن خلدون حيث قال في صحيفة 1954 من الجزء : 4 ورغب يعني (روحا صاحب القيروان) في موادعة عبد الوهاب بن رستم » وكان من الوهبية فوادعه (١ه) . ولم نعثر على ما يحقق وجود عبد الوهاب في الامامة قبل هذا التاريخ ؛ ولا على ما يثبت وجود عبد الرحمن بعده ؛ فالموادعتان وقعتا في سنة واحدة كما رأيته ؛ فاما أن تكون الاولى وقعت مع عبد الرحمن مباشرة ؛ والثانية مع ٠١ عبد الوهاب بالنيابة عن والده » وهذا مما لا معنى له لاختلاف الطالبين لها ؛ واما أن يكون عبد الرحمن طلب المعاهدة ووقعت ؛ وعلى اثرها توفي فطلب روح تجديدها من عبد الوهاب توقيا منه لما شهر به من علو الهمة والشدة فساعفه عبد الوهاب جزاء لما ساعف به والده من قبل ؛ وما جزاء الاحسان إلا الاحسان » وهذا هو المناسب والله أعلم فليحرر . فقام ‏ رضي الله عنه ‏ بالعدل أحسن قيام »؛ وأجرى الأمور على أحسن وجه وأتقن نظام » فظهر ما انطوت عليه أخلاقه الكريمة وأنفاسه السليمة الى عالم الظهور من الآثار الشريفة والمقاصد الخيرية والبسالة الكاملة والانعامات الشاملة » وأرسل في أطراف بملكته ودواخلها أوامره الشديدة بامتثال الاوامر واجتناب المناهى الشرعية ؛ ورتب العمال والحكام والقضاة ورجال الشرطة في سائر أنحاء اتباعه فعمهم عدله وشملهم حكمه ؛ ولم ينقم عليه أحد شيئا في أحكامه وسيرته الى أن حدث خروج ابن فندين عليه . خروج ابن فندين عن طاعة الامام لما رأى ابن فندين ما عليه الامام من الحزم ؛ وتنقية ارباب الخبرة والعفة والاستقامة ؛ في تعيين الموظفين » ولم يبلغ هو ما كان يؤمله من التقديم ونيل بعض المناصب ؛ لم يط صبرا على ذلك ؛ وأظهر الانكار على الامام في توليته لبعض من كان يرى انهم لا ينالون مع وجوده شيئا ؛ وقال : ان هؤلاء الذين ولاهم الأمور ليسوا بأحسن منا سيرة » ولا أقوى منا اقتدار على اشغال الدولة وتدبير أمر الرعية » بل نحن أولى بالتقديم إذ كنا نحن السبب في أخذ البيعة له » وغير هذا من الكلام الذي لم يصب من الناس كافة اذنا صاغية ؛ ولم يستمل به قلب أحد » ولما علم ان ذلك لا يجديه نفعا قام مطالبا بالشرط ١ الذي تكلم به أولا (مجلس الشورى باصطلاحنا تقريبا) ؛ وتدرج بذلك الى انكار الامامة قائلا : انا قد شرطنا عليه أن لا ينهى أمرا دون موافقة جماعة عليه » وها هو قد استقل برأيه ولم يشارك أحداً في شيء ؛ ونبذ الشرط وراءه ظهريا فطاعته غير واجبة علنا لفسخه البيعة بتركه الشرط َ تم زاد تدرجا فى دركات الشقاق واعلن بفساد البيعة من مبدئها بدعوى ان فى المسلمين (الاباضية) من هو أكثر منه فهما وأغزر علما » وأوسع ادراكا وفكراً » فلا يجوز تمديمه ولا البيعة له ما داموا موجودين ؛ وطفق ينشر هذه الاقوال في المجامع والمنتديات حتى استمال لفيفا من الناس ؛ ممن كانوا على شاكلته فى المقصد والطبع 6 واكثروا النجوى والا جتماع 6 والدخول الى المدينة والخروج منها الى المنازل والجبال » جماعات يتلو بعضها بعضا قصدا لاثارة الفتنة وتشويشا لخواطر العامة » وارهابا لنفوس رعاع الناس فأبلغهم الامام النهي عن ذلك ؛ وحذرهم سوء العاقة ان لم ينتهوا فقالوا للمرسل اليهم من طرف لامام هذه مدينتنا » وتلك منازلنا ؛ فان عصينا فى الدخول والخروج إليها ؛ فليخبرنا الامام بوجه ذلك ؛ فاعرض عنهم وتركهم وشأنهم مع مراقبة حركاتهم وسكناتهم بالتدقيق التام بواسطة الامناء (البوليس السري في اصطلاحنا الأن) . تدبير مكيدة لقتل الامام واتيانها بنتيجة تصمن لهم حصول مأمولهم » فكروا فيمن تقدمهم من الثائرين على الملوك والخلفاء فوجدوهم لم يظفروا بشيء ما كانوا يحاولونه إلا بالقتل ؛ فلووا أعنة أفكارهم الى تدبير مكيدة يتوصلون بها الى الفتك بالآمام والغدر به 6 ولشدة تحفظه رحجمه الله وأخذه الحذر من نفسه ؛ ع أرتسم ٠١ في صحيفة ذهنه مما درسه في وقائع المتقدمين » ووقف عليه في اخبارهم من قتل الملوك فى الطرقات والغدر بالخلفاء فى المساجد » حيث كانوا بسطاء الحالة لم يجدوا له سبيلا » ثم بعد استعمالهم الجهد في التفكر ضلوا الى مكيدة لولم يعارضها القدر فذهبت أدراج الرياح » وردت عليهم لكانت القاضية على الامام » والمصيبة العظيمة على المسلمين . وذلك ان الامام كان له بيت خصصه لنفسه ؛ فيه ما يحتاج اليه من كتبه يخلو فيه للمطالعة والتهجد بالليل على ما يؤخذ من كتب السيرة ؛ فاتفق القوم على أن يجعلوا رجلا بسلاحه فى صندوق ذي قفل من داخله ويحمله اثنان منهم من لاريبة فيهم إلى الامام » ويظهران له انهما متنازعان فيه ويطلبان منه حفظه على وجه الامانة حتى يعودا إليه ؛ وكأنهم علموا انه إذ قبله لا يضعه إلا في ذلك المحل الخصوص به ؛ محافظة على الامانة وحرصا عليها » فيخرج صاحبهم من صندوقه في الليل ويقتله ؛ إذا علم انه نام » فاتفقوا على هذا الرأي وتيقنوا بنجاحه ؛ وقاموا لانجازه على نحو ما ذكر ء فزجوا صاحبهم بطلب ورغبة منه فى صندوق مصيبته متقلدا سيفه ؛ وهو لا يعلم انه وقع في هوة هلاكه ؛ واتفقوا معه على انه إذا قتله يذهب الى المنارة ويؤذن فيها ليعلموا بتمام مرادهم » فيهاجموا المدينة ؛ ويحتلوا في ذلك الليل دار الامارة » ويتمكنوا من الحصون والنقط الحربية » من سور المدينة وغيره » ما لا حرس فيه ؛ ولما أتوا به الى الامام أجاب طلبهم ؛ وأمرهم بحمله الى ا محل ال خصوص » ولاحظ حركاتهم عند حمله ؛ فرأى فيهم من الرفق بالصندوق ما دله على ان ما في جوفه انسانا ؛ وأدرك بفطنته الوقادة في الحال أن المسألة لا تخلو من مكيدة غريبة ؛ فوضعوه فى المكان ؛ وذهبوا مستبشرين فرحين بما توفقوا اليه من الرأي . فأقبل الامام على الصندوق وتأمل فيه مليا وجسه من جهاته الاربع فلم يجد له قفلا من خارج فازداد يقينا فيما فهمه أولا . 1 ولما جن عليه الليل قضى ما يجب عليه من أمور البيت ثم عكف حسبا عادته على مطالعة الكتب جائبا من الليل ولما حان وقت النوم عمد الى زق (قربة) ونفخ فيه حتى امتلاً هواء وربطه ربطا خفيفا بحيث يخرج منه نفس خحفيف ذو حس كنفس النا ثم » ووضعه في احدى زوايا البيت وغطاه برداء أبيض ليرى في الظلام َ وأوقد قتديلا في زاوية أخرى وغطاه بوعاء يحجب ضوء ٠ عن الناظر » وتنحى لحا نب من الميت لا حياء بقية ليله بالصلاة والاستغفار َ ولما أحس صاحب الصندوق بعدم وجود القنديل 6 وسكون حركة الاما م ظن انه نا م ففتح الصندوق برفق وخرج وسيفه في بده ووقف مصفيا الى ان سمع النفس من القربة » وتخيل بياض الثوب في تلك الظلمة . فظن انها ا لامام فحمل عليها حملة الابطال وقدها نصفين » وعند ذلك كشف الامام الغطاء عن القنديل فبهت الآخر وأدركه الفشل ؛ وسقط في يديه فبادره الامام بسيفقه البتار ّ وقذه نصفين أيضا ؛ وصمه في توبه ورده في صندوقه حفرة الخداع وبيت الخيانة » وأتم بقية ليله بالذكر والصلاة حامدا لربه على م وفقه اليه من التنمه لهذه المكيدة د ولعمري انها لمن أعظم المكائد لو صادفت المرمى » وانها لأشبه شىء بحكاية الزباء ؛ وهي من أقوى الدلائل على ما كان لهذا الامام من الانتباه والذكاء المفرط . ولما أصبح الله بالصباح ولم يقع بالمنارة أذان وقد قصى القوم ليلتهم في سهر تساءلوا فيما بينهم عن صاحبهم وقالوا : اما انه لم يفعل شيئا َ وأما أن يكون قد دارت عليه الدائرة وقتل » ثم اتفقوا على الذهاب الى الأمام لأخذ الصندوق بدعوى انهم أصلحوا » ولم يبق بينهم في شأنه نزاع » وما أتره قابلهم بكل بشاشة بحيث لم يفهموا منه مما كان له مع صاحبهم شيئا ؛ وهذا لعمري الحق أيضا من الثبات الذي لا يطيقه إلا أمثال هذا العظيم القلب ؛ وإذ سألوه رد الصندوق قال لهم هو في مكانه الذي وضعتموه فيه ؛ لم لاا يتحول فخذوه ولما حملوه وذهبوا به الى مأمنهم وفتحوه وجدوا صاحبهم ملفوفا في ثيابه مخضبا بدمائه وقد صدق عليهم قولهم : (من حفر حفرة سو لأخيه المسلم أوقعه الله فيها) . وعندئذ توقعوا فتك الامام بهم » فخرجوا من المدينة وأعلموا أنصارهم بالتأهب للحرب » وصاروا يردون الى المدينة بالسلاح في جموع مع اظهار الشدة فكرر لهم الامام النهي عن ذلك بواسطة بعض خواص دولته » فقالوا ما في امساك اللاح معصية ؛ ولا في حمله من بأس » والمؤمن بسلاحه ؛ وان رأى الامام أن في ذلك معصية فليقنعنا بالحجة ؛ فتركهم وشأنهم أيضا ‏ وأمر أهل المدينة بأخذ الحذر بحمل السلاح مثلهم » وبالاستعداد للحرب عند مجرد الاشارة منه فازداد الناس خوفا » واشتدت وطأة الثائرين وأكشروا من التعدي حتى فتحوا مع الامام باب الحرب » وكانت وقائم متعددة سفك فيها الدماء ما اضطر به الامام والمسلمون معه الى طلب الهدنة ووضع أوزار الحرب حقنا للدماء » الى ان يكتبوا لاخوانهم المشارقة بإيضاح القضية وتفصيلها ويعود اليهم الجواب منهم بتخطئة المخطئ وتصويب المصيب من الفريقين ؛ فقنع الطرفان بهذا الرأي ؛ وأذعنوا للسلم وكتبوا الكتب على نحو ما اتفقوا عليه من حكاية الواقع (وبكل أسف لم نعثر على شيء من هذه الكتب قط مع طول البحث عنها) ؛ ووجودها مع امناء مخصوصين ليعرضوها على علماء أباضية الشرق ورجالهم ؛ بمصر والحجاز واليمن والبصرة وعمان وخراسان وغير ذلك من بلاد الشرق العامرة بهم . ولما وصل الرسل مصر » قصدوا العلامة أبا الملعروف شعيبا ومن معه وأخبروهم بما كان من وفاة الامام عبد الرحمن ومبايعة عبد الوهاب وخروج ابن فندين وادعاثه الشرط في الامامة وغير ذلك مما وقع كله ؛ وتوجهوا الى مكة المكرمة وكان بها يومئذ من معتبري علماء الاباضية ورجالهم » ذلك ١٠٠ العلامة الجليل الحدث المشهود له بالورع المقدم في الفتوى والمرجع في الرأي عند المشارقة كافة أبو عمرو الربيع بن حبيب صاحب كتاب (المسند في الحديث) والعلامة أبو غسان مخلد بن معمر الغساني ؛ والعلامة وائل بن ايوب وغيرهم من رجال العلم والدين ؛ فدفعوا لهم الكتاب وبينوا لهم مشافهة ما استفهموهم عنه وانتظروا الجواب . جواب علماء المشارقة إلى المغارب فجمع الربيع ‏ رحمه الله خيار المسلمين وعلماءهم » والوجوه من أهل الفضل والصلاح » وطرح الكتب في مجلس ؛ وبعد مطالعتها وفهم معانيها وادراك روح القصد منها » أجمع رأيهم على رد الجواب بما اقتضته قواعد الشرع العزيز وميزانه المحكم » ولم يألوا جهدا في التصيحة وبيان الحق ؛ فجازاهم الله عن الاسلام وأهله خيرا » وهذا نص ما كتبوه بالحرف الواحد . بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين أما بعد : فقد بلغنا يا اخواننا ما كان قبلكم وفهمنا ما كاتبتمونا به » أما ما كتبتم به من أمر الشرط » فليس من سيرة المسلمين أن يجعلوا الشرط في الامامة ان لا يقضي أمرا دون جماعة . ولوصح في الامامة شرط لا أقيم لله حق ولا حد ء ولعطلت الحدود وبطلت الاحكام وضاع الحق ؛ على أن الامام إذا قدم إليه سارق فلا يصيب أن يقيم عليه حدا فيقطع يده حتى تحضر الجماعة التي ذكرنا » أو زنى أحد فلا يرجم ولا يجلد » حتى تحضر أيضا » ولا يجاهد الامام عدوا ولا ينهى عن فساد إلا بحضرة الجماعة المعلومة » والجماعة يتعذر اتفاقها » فالامامة صحيحة والشرط باطل . 4٠ واما ما ذكرتم من تولية رجل من المسلمين » إذا كان فيهم من هو أعلم منه ؛ فذلك جائز » إذا كان الثاني من القناعة والفضل بمنزلة حسنة ؛ فقد ولى أبو بكر الصديق ‏ رضى الله عنه ‏ وزيد بن ثابت أفرض منه ؛ وعلي بن أبي طالب أقضى منه ؛ ومعاذ بن جبل اعلم منه » وهذا ليس فيه اختلاف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفرضكم زيد وأقضاكم علي وأقرأكم أبى وأعلم أمتى بالحلال والحرام معاذ بن جبل) » وقوله صلى الله عليه وسلم (معاذ بن جبل سيد العلماء سيحشر غداً - يوم القيامة ‏ امام العلماء) وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته (١ه) . ثم ألقى العلامة مخلد الكتاب الى العلامة عبد الله بن محمد بن مسلمة ؛ وأمره بنقل نسخة منه وحفظها لتكون حجة للمسلمين بعدهم في مثل هذه الحادثة ؛ والله أعلم . ارتحال شعيب من مصر الى تيهرت طمعا في الامامة هذا ما كان من أمر الرسل مع علماء الحجاز ء وأما العلامة شعيب المصري فانه لما أخبرته الرسل مع من معه بمصر من العلماء ؛ بما صدر من ابن فندين من شق عصا الطاعة ومفارقة الامام هزته شنشنة الطمع في الامامة ؛ وسولت له نفسه ما لم يكن له أهلا ؛ فعزم على التوجه الى (تيهرت) » ولما سمع من في بمصر من عقلاء وعلماء الاباضية ورجالهم » وكانوا أهل فضل وورع نهوه عن السفر الى المغرب ؛ وقالوا له : لا يسوغ لك الذهاب الى قطر فيه من الاختلاف والشقاق بين الامام ورعيته ما سمعته ووعيت تفصيله ؛ وان كان ولابد فالزم مكانك حتى تنفرج أزمة هذه الحوادث ؛ ويتنحسم الأشكال ويزول الاختلاف ؛ ثم ان شئت الزيارة فاذهب فى أمان سالما من الصهمة ‏ فلم يقنع برأيهم وكأنه أظهر للملا أنه يريد بذهابه إلى المغرب ٠١١ اصلاح ذات البين (وما هو إلا من المفسدين) » إذ جعل الامامة نصب عينيه ؛ ورأى ان حصولها له أقرب اليه من جنبيه . وما ذلك إلا غرور وغلط وجهل بمقام الامامة » فهي بعيدة عنه بعد ما بين المشرق والمغرب ؛ ومصر وتيهرت لو تأمل . ثم انه خلا ببعض خواصه وأصدقائه منهم الرجل المعروف بالمتوكل وكشف لهم عن خفي سره ؛ واستشارهم فيه » وأظهر لهم من وجوه التحسين وضروب الترغيب ما أخذ بمجامع قلوبهم » ومناهم بما حملهم على مساعفته وتصويب رأيه . فخرج بهم في الليل من مصر » وطفق يمسح الأرض مواصلا الليل بالنهار رغبة في دخول تيهرت قبل رجوع الرسل من المشرق » فبلغها يوم العشرين من خروجه من مصر » وقد أضنى السير رواحلهم » وكأنها من الهجين الذي يطوي مراحل في يوم »؛ ويعرف عند بعض القبائل بالمهري ؛ وإلا فان المسافة بعيدة جدا لا تقطع بالسير العادي إلا في اضعاف هذه المدة . وقبل أن يجتمع بأصحابه استأذن على الامام لتقديم الزيارة ؛ فأذن له وقابله بما يجب من الاكرام والاحترام ؛ إذ كان من مشاهير العلماء رجال اللذهب ؛ ولم يخطر له انه انطوى على نية سوء وفساد ؛ لما عرف به قبل ذلك من حسن الحال وبعد السلام والسؤال عن الأحوال الشرقية سأله الجواب عن المسألتين المختلف فيهما » ولعلمه بما عليه الامام من غزارة العلم والاطلاع لم يمكنه إلا أن يجيب بما هو الح طبقا لما أجاب به الربيع ومن معه ؛ وهو أن الامامة صحيحة والشرط باطل » وأن امامة من استكمل أوصاف الامام جائزة » ولو كان في المسلمين من هو أعلم منه . ١١٠ اجتماع شعيب بابن فندين وخروجهما عن الطاعة ثم خرج وذهب الى ابن فندين وأصحابه ؛ فأظهروا له الاستبشار بقدومه وبالغوا فى اكرامه واحترامه » وأكشروا التودد له والخضوع بين يديه حتى طمع فى الامر ورجا نيل ما كان يؤمله ِ إلا انه ندم كل الندم على ما أجاب به الامام في المسألتين واغراء لابن فندين واستمالة له » بالغ في الرضاء عنه وفى تخطئة إلا مام وآزره على رأيه ورأي جما عته ؛ وند | عوا إلى الا جتماع حارج المدينة » فخرج اليهم كل من كان على رأيهم » واجتمعوا بكدية غير بعيذة عنها واتفقوا على انكار امامة عبد الوهاب د والسعي في نرزع السلطة من يذه وعولوا على الحرب 6 إلا إ نهم لم يجمعوا رأيا على تقديم واحد منهم باسم امام ولو مؤقتا » إلا ما كان من تقدم ابن فندين فى الرأي لاغير » ولما لم يدرك شعيب من هذا الحال نتيجة ولم ينل شيئا مما كان يمني به نفسه وأصحابه الذين أتى بهم معه من مصر ء ضاق صدره وخاف أن يكون من المذبذبين لا الى جهة الإمام م ظهر منه من مؤازرة ابن فندين ؛ ولا الى جهة ابن فندين لما صدر منه من الجوان للإمام فى المسألتين بمعحضر من الناس وخاف رجوع الرسل من المشرق بتخطئة ابن فندين وحزبه ؛ وهو منهم فتقوم عليهم الحجة ؛ ويفارقهم كل عاقل بمن استغفلوه ؛ واتبعهم على غير هدى وبصيرة . فقال لابن فندين ما الذي تنتظرونه من القوم ؛ وقد أظهرعٌ انكار الامامة وشهرت عنكم ومالكم في رسل الشرق وكتبه من نفع ؛ فناوشوهم الحرب لعلكم تنصرون » فلا تعود الرسل الا و نتم قد توليتم الامور وصفت لكم الولاية وارتفع النزاع . فأجابوه الى ذلك » وهيأوا أنفسهم وتفقدوا أسلحتهم وجعلوا ينتظرون غرة الوثوب على المدينة على حين غفلة من أهلها ؛ الى أن صادفوا خروج ١١١ الامام لبعض مآرب بعيدة عن المدينة ؛ فزحفوا بجيشهم وثارت الصيحة الى المدينة وكان أفلح فيها عند أخته قد ظفرت له أحد شقي شعر رأسه فقام قبل أن تتمم له الشق الآخر ء وتقلد سيفه وقد اشتد غيظه » وزفرت نيران غضبه على الثائرين » وكان عظيم البنية قويا شديدا » واقتفى أثره أهل المدينة مسلحين وتلاقى الفريقان لدى بابها ؛ فوقف أفلح على العتبة مدافعا وانسلخت رجله الى العرقوب ولم يشعر بها وصارت الأبطال تتوارد عليه وهو يناضل بسيفه متقيا بدرقته الى أن أبادتها السيوف » ولم يب بها ما يصلح للتوقى به فاختطف احدى دفتى باب المدينة بيده وصار يتقى بها » وكان بمن أثقل كاهله بشدة البأس والقوة من مقابليه ابن فندين نفسه » فلوى عنان الطرف اليه وقصده وهو يسوق الناس ميمنة وميسرة ؛ وعلى رأسه بيضتان وضربه على قمة رأسه فشقه مع البيضتين نصفين » وصوب معه السيف الى أن نشب في الباب فحس أفلح عند ذلك زلزلة واضطرابا فى يده ؛ لم يعهدها قبل ذلك فظن أن ذلك من صلابة رأس ابن فندين فقال ما أقوى رأسك يا بربري يا مشئوم ولما خر صريعا ورآه قومه بين القتلى » ولوا منهزمين وقد مات منهم بشر لا يقل عن اثنى عشر ألفا سالت بدمائهم البطاح » وتلطخت بها الابواب «ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلهاء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم : فياليت الإمام كفى المؤمنين عناء الحرب » بتسكين هذا الرجل من أول الأمر » ولو بأدنى وظيفة من وظائف الدولة ؛ حيث كان قيامه وخروجه إنما هو جرد ذلك على ما صرح به حسبما مر » ولكن القضاء المبرم غالب «وما تشاءون إلا أن يشاء الله» . ولما افترق الجيشان قصد جمهور من أهل المدينة الى رد دفة بابها في مكانه فلم يقدروا ؛ فقالوا لا فلح هلم لترد ما نزعت فقال ردوا على ذلك ١١١ الغيظ الذي كان بي أوان نزعه حتى أرده » وإلا فأنا الآن كواحد منكم ؛ فتعاونوا عليه وردوه كما كان . ثم عاد الامام من سفره ؛ ووجد القتلى في أماكنهم والناس على أثر حرب مهولة في رعب وانزعاج » فاستغرب السبب وسأل عنه فأخبره بالواقع فأمر بجمع قتلى الفريقين » وصفت صفرفا وصلى على الجميع صلاة الجنازة تطبيبا لنفوس بقية أتباع ابن فندين » وتأنيسا لهم وتأليفا لقلوبهم » ولما وقع البحث عن شعيب وجد قد خرج عقب الهزيمة هاربا الى مدينة طرابلس ؛ ولما وصلها أظهر البراءة من الإمام والانكار عليه ؛ وتغالى في ذلك حتى صار يعترض الحاج ابان التشريق ويعلن بذلك ؛ فاتصل خبره بالمشرق فأجمعوا كلهم على البراءة منه ومن ابن فندين وأتباعه » إلا من تاب » وأشد الناس عليهم في البراءة منهم العلامة الربيع رحمه الله » فانه كان يجهر بذلك في مجالسه ؛ ويعلن بولاية الامام قائلا عبد الوهاب امامنا وثقتنا وامام المسلمين أجمعين ؛ فإنا برىء بمن خالفه أوأنكر عليه شيئا على غير حق ؛ وإذا قيل له كيف تبرأ من شعيب بدون حدث؟ قال : وأي حدث اعظم من براءته من عبد الوهاب أمير المؤملين . وبموت ابن فندين انقطعت القلاقل وسكنت الحركات وانحسمت جرثومة الفساد ؛ وانحاز من بقي من أصحابه الى ربوة خارج المدينة يعلر ظواهرهم الخضيوع والمسكنة » وفي القلوب حزازات وضغائن لم ينشأ عنها شيء يكدر الراحة . عودة الرسل من المشرق وما وقع بعد ذلك من قتل ميمون بن الامام ولما عادت الرسل من المشرق بكتاب الربيع الملتقدم ؛ ومن معه من المسلمين » وفيه ما مر من صحة ولاية الامام » وبطلان الشرط وغير ذلك ؛ فرح المسلمون بموافقتهم الحق » وتأكدت أسباب المودة بينهم وبين امامهم ؛ نل وازداد هو نشاطا في التقدم في الاصلاحات ؛ وبينما الحال كذلك إذ أصبح ميمون ابنه قتيلا مزق اللحم مفرق الاعضاء ؛ ممثلا به تمثيلا شنيعا غدر به أصحاب ابن فندين ؛ لما كمن في صدورهم من الحقد على الامام بسبب تلك الرقائع المتقدمة » ووقعة صاحب الصندوق ؛ وكأنهم أرادوا بهذه فداء تلك » وإذ بلغ الخبر الامام » قام مسرعا الى موقع الحادثة » ووجد ابنه ميمون الناصية ثمرة فؤاده على تلك الحال » فتسربل ثياب الصبر وأبرز من شهامته عظيم التجلد » وكامل الثبات » وان كان في نفسه من الكآبة والحزن ما يذيب المهج ويدك الجبال وقال وهو ينظر اليه . أي بني اجتمع فيك ثلاثة » قولهم : ويل لمن مرت الخيل على كسائه ؛ وقولهم » ويح من أصيب بليل » وقولهم : إذا مسست ابن السلطان فامسسه مأعنيفاً » ثم أمر به فكفن وشيعت جنازته حسب الواجب وغض طرفه عن الطلب بدمه ؛ إذ لم يثبت ذلك على أحد ولم يعول على الظنون وأقوال المحركين وأرباب الاغراض » وكان شديد التحري في الدماء وحسب القائل بذلك حجة هذه الحادثة التي قل من يتربص إمامها التحقيق مع الاقتدار ؛ وتوجه التهمة من أول وهلة الى أرباب الجرية . وكان لميمون ولد وهو من النجابة والذكاء بمكان » رفيع فرق جده الامام لحاله » وولع به ولوعا زائدا واقامه مقام والده يتسلى به عنه ؛ صارفا همته في تدريبه معمرا جل أوقات فراغه في تربيته وتهذيب اخلاقه وطبعه على الآداب اللطيفة » حتى شب على ذلك وحصل من العلوم النافع منها .ولاغرابة إذ كان يغترف من ذلك البحر الزلال » كل ما رق وطاب من السحر الحلال ويختار النفيس من اللآلي » من معدنها المباح له في الغدو والأصال ؛ فما كذب إذا من أطنب فيه المقال » ولا ينسب الى الاتيان با محال . ١١ وما حسن ذكره » وتأكدت الثقة به وتحلى بمحاسن الصفات ؛ ورأى منه جده القدرة على القيام بمعالي الأمور قدمه على جباية الحقوق الشرعية وغيرها من مطالب بيت مال المسلمين ؛ فقام بما عهد اليه قيامم عاقل حكيم ؛ يعامل الرعية بكل رفق وسياسة » وصار ينتقل من حي الى حي » حتى استخلص مطالبه بطيب نفس لا ازعاج ولا قهر ء فيها لأحد الى أن بلغ مجتمع بقايا ابن فندين ؛ فطالبهم برفق حتى استوفى حقه ؛ وقبل أن يرتحل عنهم سمع بعضهم يقول وهو يعنيه (يا ابن المهدور دمه) ‏ فتغفافل عنه ؛ وأوهم الحاضرين بأنه لم يسمع ذلك أو لم يدرك المراد منه » ولم يفه ببنت شفة سياسة ودهاء وتأدبا مع جده بعدم الدخول في أمر كهذا قبل استئذانه ؛ وهذا يعد من نتائج تلك التربية وذلك الارشاد » فما أحسن العمل بالعلم ؛ وما أبهى مراعاة الحقوق وجانب الأدب ؛ وما أسلم عواقب الثبات » وما أشد تأثير الدهاء » ونفوذ أعمال السياسة » وبعد استيفاء ما كلف بجمعه من الحقوق قفل راجعا يحمله تيار الغيظ الى أن وصل (تيهرت) وفي الحال دخل على الامام جده وباح له بما حل به ومااسمعه من القول ؛ فأمره بالصبر والكتمان وعرفه بما لسفك الدماء في نظر الشرع العزيز من التعظيم » وأفهمه بأنه سيأخذ بثأر والده متى وجد لذلك سبيلا شرعيا ببينة لا تقبل الشك ؛ ولو طالت المدة وامتد الزمان ان ساعد القدر ؛ وكان للعمر مجال يسع ذلك ؛ ثم عمد الى البحث عن الجاني وثابر على ذلك حتى اتضح جليا بالحجة التي لاريب فيها أن ذلك القائل من القاتلين لميمون الممثلين به ؛ فأرسل في طلبهم فامتنعوا واحتموا بمن كان معهم من بقايا قوم ابن فندين . الأخذ بتار ميمون فوجه اليهم حينئذ جيشا يرأسه ابن ميمون المذكور ؛ فوافاهم في مواطنهم على مسير أيام من المدينة مستعدين للقائه متحصنين ؛ وما كاد يصلهم حتى ١٠ شمروا لمبارزته وصففوا صفوفهم » وأوقدوا نار الحرب والتحم القتال بين الفريقين مدة أظهر فيها ابن ميمون من البسالة سعيا وراء ثأر والده ما شتت أعداءه » فولوا الأدبار منهزمين وتركوا من قتلاهم ما يكثر عدده » وقد قيل بعضهم رام حصرهم » ولما رأى كثرتهم عمد الى أقل الاسماء استعمالا عندهم وهو هارون ؛ فعد من سمى به من القتلى ؛ فكانوا ثلاثمائة فانكسرت من هذه الوقعة شوكتهم » وتفرق جمعهم ‏ وأخلد من بقي منهم الى الطاعة والانقياد فاستراح الامام عند ذلك » وعمت الطاعة سائر رعيته ؛ إلا أن بسبب توالي هذه الوقائمع » وحصول هذا الافتراق في عصابة هذه النحلة ؛ وهو أول افتراق وقع فيها صارت الدولة مظنة للضعف ؛ ومرمى لسهام الطاعنين والطاغين من سائر الفرق الأخرى الداخلة تحت سيطرة هذا الامام ولوائه . ولشدته ‏ رضى الله عنه ‏ مع ذلك اقامة الحدود المرعية » والانتقام من كل من ظهر منه انتهاك حرمة من شعائر الدين المقدسة » تضايقت النفوس الميالة الى الهوى وحب اللذات والشهوات » وانقياد لقائد الاغراض » وطلبا لحل عرى عقدة الاجتماع القاضية بالضغط على نفوس الشريرة ؛ والمنع من تنفيذ المقاصد الخبيثة ؛ ثار الثائرون من ذوي العصابات القوية » والأتباع الكثيرة من رؤساء العشائر والقبائل من اخوانه الاباضية وغيرهم ؛ من الفرق الموجودة تحت لوائه كالواصلية من المعتزلة » وكالصفرية والازارقة ؛ والعجم ؛ فتكدر صفو الخواطر وتغير سماء الراحة » وكثرت الآراء والاقوال » وانتحل البحث في المذاهب ‏ وعظم الجدال وفشت المناقشة في المسائل الخلافية بين علماء الفرق وأهمها مسألة الامامة ؛ فقام كل فريق يطلب الاختصاص بها ويدعي انه أولى وأحق بها » ويقيم على ذلك الحجج ويرتب الأدلة . فعظم التباغض » وظهرت مبادئ الاختلال والفساد » ونبغ في كل جهة ايا داع للجدال » ومناد للمبارزة والنضال » وشنت الغارة في الأطراف ونصبت أعلام الفتن والحروب فسفكت الدماء بين أهل الاسلام والامر لله ؛ وقطعت المواصلات من الجهات ؛ لعموم البلوى بقطع السبل ونهب الاموال » فكان ذلك سببا لنهوض الامام رحمه الله واقتحامه المفاوز والوهاد لكبح جماح الطاغين ؛ وقطع دابر الفسدين ؛ فشمر عن ساق الحزم وكشف عن ساعد الجد » وجمع العساكر وجهز الجيوش » ووالى الحروب الهائلة وصرف الأموال الطائلة ؛ حتى أخمد نيران تلك الفتن » وشتت شمل تلك الجموع القوية الطاغية » بعد وقائع يشيب لهولها الشباب ؛ وأعظمها خطرا تلك الحروب الواصلية . ما الفصل الثالث خروج الواصلية من المعتزلة عن الامام وحروبه معهم كانت الواصلية » وهي فرقة من المعتزلة في جموع قوية عددا وعدة بجهات المغرب » وهم قوم من البربر أكثرهم من قبائل زناتة ؛ لهم رئيس في مدينة قريبة من مدينة طنجة ؛ وهو الذي بايع ادريس صاحب المغرب الأقصى ؛ وكان بنواحي تيهرت » منهم فريق لايقل عن ثلاثين ؛ وقيل عن أربعين ألف مقاتل ؛ فيهم من مشاهير العلماء وأبطال الحرب » وأولى الثروة عدد وافر لا ينكر قدره » يفوق الكل رجلان أحدهما عالم غائر اللجة حائز قصبة السبق في ميادين المناظرة ذو علوم جمة ولسان طلق ؛ ومنطق بلغ وله في المجادلة أطوار وطرق يعجز دونها فحول العلماء » قد أعجب بنفسه فأضحى يزخرف للملا مذهبه ويزين حججه » ويطلب مناظرة كل من ينسب الى العلم من علماء غيرهم من الفرق » وبفوزه في مواطن متعددة » تطاول الى الامام وفتح معه أبواب البحث وجرت بينهما محاورات عديدة » كاد الامام يعجر فيها عن الجواب . والآخر وهو ابن رئيسهم » فتى عرف بالشجاعة وشدة الاقدام والبسالة ؛ وشهر بالفروسية والبطش بكل من بارزه ؛ حتى صار أشهر من نار على علم في تلك الأقطار . ١ فاهتدت رجال هذه الفرقة الى تأليف القلوب ؛ وبث روح التعارف بين أفرادها ؛ حتى اتحدت كلمتهم وتوحد رأيهم ؛ فقامت تشق عصا الطاعة تأسيا بابن فندين وتطلب الاستقلال والخروج عن حكم الامام » زاعمة انها في درجة يمكنها أن تحكم فيها نفسها بنفسها ؛ وأن تقوم بادارة شئونها » وكأنها رأت أن من العار عليها خضوعها مالف لها في المذهب ؛ مع وجود رئيس لها يدعي الامارة ؛ ولعل هذا الرئيس أغراها على ذلك ؛ فتكاتب رؤساؤها على الخروج ومناصبة الامام الحرب » وأتوا من أقاصي الأطراف رجالا ؛ وعلى كل ضامر من كل حدب ينسلون ؛ حتى اجتمع منهم ومن انضم اليهم بمن يسعى في الأرض فسادا من غيرهم قريبا من المدينة ؛ جيوش غطت السهل والجبال ؛ فناصحهم الامام المرة بعد المرة ؛ وخوفهم الوعيد وكرر لهم الارشاد والتنبيه » ودعاهم الى ترك ما به ضلوا ؛ والى الاستسلام والسكون » فلم يكن منهم إلا العتو والعناد والجهر بانكار امامته ؛ ثم بدأوه بالحرب » فصار يجهز الهم العساكر ويسوق الجيوش فتظفر تارة » وتهزم أخرى ؛ وفي كلها لم يدرك ذلك الفتى ابن الرئيس المعتزلي أحدا من الفرسان ؛ إلا ويقتله ويتولى سلبه حتى تقهقرت امامه الأبطال » وطارصيته فهابه كل موسوم بالشدة والبسالة ؛ ولما كان الامام لا يقل عن درجة والده في الدهاء » ان لم يتجاوزها وعلم انه قد انتقل من حرب قوية (حرب ابن فندين) ؛ الى حرب أقوى منها مع قوم هم أشد من الاولين بأسا » وأكثرهم قوة » وان الاسترسال فى ذلك رما يؤدي به الى ما لا تحمد عقباه » دعاهم الى الاتفاق على هدنة الى أمد معلوم ؛ يكف فيها القتال ويقصر فيها الفساد » وينظر فيما هم قائمون لأجله ١ ولعله يهتدي الى ما فيه اصلاح الحال ؛ فأجابوه الى ذلك وكف القتال واستراح الناس . ١ طلب الامام الاعانة الحربية من جيل نفوسة لمحاربة الواصلية لما أنهى الامام عقد الهدنة مع الواصلية ؛ صرف همته الى الاستعداد لهم وتهيئة ما يطفئ به جذوة نفاقهم ؛ ولما كان جبل نفوسة وما يليه من حيز طرابلس من جملة ولايات بملكته التى تدين بطاعته » وتتفانى فى رضائه ؛ وفيه من أهل النجدة والشجاعة وأبطال الحرب وفحول العلماء مايعد بالألوف ؛ رأى أن يطلب منهم الاعانة على مستقبل حروبه ؛ فأرسل الى عامله بالجبل كتابا طلب منه جندا يتألف من أربعمائة نفر مائة منها من خيرة فرسان نفوسة » وصناديدهم اللمارسين لفنون الحرب الماهرين فيها اللوصوفين بشدة الأقدام » ومائة من المتبحرين في علم التفسير » ومائة من علماء الكلام الواقفين على نزعات الفرق العارفين بطرق الرد على المخالفين ؛ ونقض مقالاتهم ؛ ومائة من العلماء المتضلعين في مسائل الحلال والحرام . وما بلغ العامل أمره المطاع جمع أهل النظر في الأمور وأصحاب الرأي وعرض عليهم كتاب الإمام ؛ وبعد مذاكرة وتربص في الأمر اتفقوا على توجيه أربعة من خيار رجالهم قد شهروا في اصنافهم بعلو المنزلة والكمال ليقوم كل واحد منهم مقام مائة بمن طلبهم الامام » وهم العلامة المتكلم مهدي النفوسي والعلامة المفر محمد بن يانس ؛ والعلامة الفقيه أبو الحسن الأبدلاني ؛ والفارس الشجاع البطل الشهير العلامة أيوب بن العباس . فأرسل العامل اليهم » ولما حضروا عنده أخبرهم باتفاق اخوانهم المسلمين على ارسالهم الى المغرب ؛ اجابة لطلب الإمام ؛ فاجابوا بالسمع والطاعة مسرورين وبعد أن هيأوا أنفسهم للسفر » وودعهم اخوانهم ودعوا لهم بالفوزء ساروا على بركة الله ملحوظين بعنايته محفوظين برعايته . ولما تجاوزا حد جبل نفوسة » ودخلوا البادية احتاجوا الى من يقوم ١77١ بحد متهم فطلب ا بن يا نس وهو منهم أن يتولى ذلك بنفسه ,؛ وأن يقوم بأمورهم الى أن يصلوا المغرب » فامتنعوا وأبوا نظرا لعلو مقامه ورفعة مكانه عندهم ؛ فألح عليهم في الطلب الى أن ساعفوه ؛» وصار كلما نزلوا منزلا هيا لهم مقعدهم ومصلاا هم 6 وربط خيلهم وأحضر لهم الطعا م وا لما ء ) حيث يلزم للشراب أو الوضوء » ثم إذا صلوا وناموا قام الى التهجد والصلاة فيظل راكعا ساجدا حتى يطلم الفجر » فينبههم ويهيئ لهم الخيل » وبعد الصلاة جماعة يركبون وكان هذا دأيه ودأبهم 6 وهو صائم النهار قائم اللبل 6 فشق عليهم الأمر شضفقة عليه فسألوه الرفق بنفسه والتخفيف مما هو عليه » إما بترك الصوم » وإما بترك جانب من السهر والقيام بالليل ؛ فأبى إلا التمادي » وأبوا إلا التخفيف ؛ ولما لم يتمثل قالوا له أما أن تترك السهر » واما ان ننظر غيرك القدمتنا » وأما قيامك بخدمتنا ؛ بالنهار مع الصوم والقيام بالليل الى الصباح فلا نرضا ه منك بعد هذا اليوم ِ وان لفك عليك حما فحافظها . ولما لم يحجحد ملجاً م الزموه به قال لهم أ في رصيت بحكمكم 1 لا ١ تي أستاذنكم في صلاة ركعتين كل ليلة مع البقاء على خدمتكم ؛ فرضوا بذلك وفي الليلة المقبلة قام بعد أن ناموا ليصلى الركعتين فقرأ فى الأولى النصف الأول من القرآن وفي الثانية النصف الثانى » وما سلم حتى طلع الفجر وفطنوا له فازدادوا اشتغالان وقالوا له قد نهيناك عن طريق فلكت أشد منه فانك كنت تستريح في كل ركعتين برهة من الزمن لقراءة التحيات فصرت تقف من العشاء الى الفجرء فارجع الى ما كنت عليه أولا » فأنه أخف مشقة وقد رضينا بك خادما . فرجع إلى ذلك ولم يسأم رحمه الله ولم يقطع عادته طال الليل أم قصر صحا الحو أم أمطر إلى أن وصلوا تيهرت وما يحكى عنه انه قام حسب عادته يفا فى ليلة ذات برد شديد ورياح عاصفة ومطر قوي » فانتبه أحد رفقائه فرآه واقفا يصلي والريح تعبث بطرف كسائه كالعلم ؛ فقال ان كان لا يدخل الجنة إلا من كان مثلك يا ابن يانس ستصيبك فيها الوحشة ؛ فلله دره من مجاهد صابر مخلص جامع بين خدمتي الظاهر والباطن ؛ ورحمه الله رحمة واسعة » هذا ما كان من أمر هؤلاء . وأما الامام فانه بقي في انتظار جيش نفوسة منذ أرسل الكتاب إلى الجبل ونذر أن يعتق من يبشره من مماليكه بوصوله فصاروا يترقبون ويقفون على قارعة طريق الشرق » ويستخبرون من القادمين أخبارهم » وكان له ملوك أعرج لا يقدر على الخروج فلازم إحدى شرفات السور ناظرا نحو طريق الشرقيين غير غافل عن المماليك الواقفين هناك ؛ إلى أن رآهم يوما يتسابقون إلى المدينة » فأدرك انهم ما تسابقوا إلا ليبشروا بوصول الوفد ؛ فنزل ودخل على الإمام قبل أن يصلوا وأخبره ؛ فوفاه بما وعد به من العتق » ولما وصل الآخرون ليبلغوه الخبر قال لهم (فاز بها الاعرج) ؛ فأرسلها مثلا ؛ وهو أول من قالها ثم وصل النفوسيون » وإذ علم انهم أربعة لاغير وقع في نفسه ما وقع من اتهام نفوسة بالتقصير في إعانته » إذ طلب أربعمائة وقيل أربعة آلاف وجاءه أربعة رجال فقط . ْ فأمر بانزالهم في دار الضيافة ؛ وبعد استراحتهم اجتمع بهم وأظهر لهم السرور التام بقدومهم » وان كان في نفسه من الأنكسار ما كان . وبعد أن أخبروه بوظائفهم » وبما كلفهم به اخوانهم وتعهدوا لهم بالوفاء به طابت نفسه » وقال لمهدي اصغ إلي حتى أعرض عليك ما جرى بيني وبين المعتزلي من المحاورات لتكون على بصيرة من الأمر » وتعلم مقدار معرفته فأصغى اليه ؛ وصار يسرد له الحديث ؛ وكلما رأى خطأ في كلام المعتزلي قال ها هنا حاد عن جادة الصواب ؛ وسفسط ؛ وكان من الصواب ان تجيبه يا أمير 7١7١ المؤمنين بكذا وكذا ؛ فأطلع الامام عند ذلك على جميع أخطاء المعتزلي في كلامه وأدرك حيلته في السؤال والجواب ؛ فازداد بذلك سرورا » ورجا بلوغ القصد وهم بالأمر بالمناداة في القبائل للاجتماع ؛ وفتح باب المناظرة أولأ ثم المبارزة فقالوا له دعنا أياماً نستريح فيها ؛ وتستريج دوابنا فقد أضناها السفر ولحقها التعب ؛ فترك الامام ما هم به » والنفوس من الفريقين في اشتياق إلى رؤية النفوسيين اذ كان لمجيئهم صدى أطبق الاقطار . وفي بعض تلك الايام تغيب مهد ي عن رفقائه من الصبح » لم يأتهم الا في الليل » فغلط في عجين كان في وعاء بجنب عشائه فأكله ؛ وبعد أن تمه قال لهم أرى ان عشاء كم لم ينضج كثيرا » واذ تحقق غلطه قال اني احمد الله على ثلاث خصال » لم أرها لغيري » أقضي أربي من كل طعام صادفته ؛ ولا يلحقني ضرر منه ؛ وأقل شيء من النوم يكفيني ؛ ولا يضرني السهر ولو توالى » ولا أخاف باذن الله مخالفاً ان يدحض حجتى الا ان داهنت في دين الله (لا سامح الله) ثم قال لهم : قد أفحمت في هذا اليوم تسعين عالاً من ال مخالفين واسترحت منهم والحمد لله » وما قرب انتهاء مدة استراحتهم تقدم أيوب إلى الامام وقال له : ان جوادي قد أضعفه السير وأدركه الحفاء ؛ وأخاف أن لا يقوم بحاجتي عند مبارزة فارس المعتزلة فاختر لى غيره من خيل بيت امال » فأمره الامام ان يدخل الحل ويختار ما أعجبه منها ؛ فدخل وكلما رأى جوادا حسن الصورة قوي البنية قبض على ناصيته بيده وجذبه اليه فلا يثبت ويكاد يقع على ركبتيه فيتركه ؛ وينتقل لغيره وهكذا حتى أتى عليها كلها ولم يجد فيها ما يناسبه فقال علي بجوادي فأوتى به اليه وفعل به كما فعل بغيره فرآه لم يتزحزح عن مكانه وأرسى أرجله فْ الارض ثابتة كأنها ضربت بماسمير فقال البركة في البرذون فأرسلها مثلاً ؛ وأخذه وعالجه بالدهن والرمل المحمس حتى زال ما به من أثر التعب . )١ المناظرة والمبارزة وبعد أن انتهت مدة استراحتهم دعا الامام المعتزلة إلى الطاعة فأبوا فنادى مناديه بالحضور إلى المناظرة والمبارزة ؛ فهرعت من الفريقين أمة كالجراد المنتشر شاكة السلاح في خيول تدك حوافرها الجبال ؛ ورجال تذيب لامة حربها مهج الابطال ؛ أزعج ضجيجها الثقلين وسد نقع غبار حركتها ما بين الخافقين » فيوم بلغت فيه أرواح الفريقين الحناجر » وخطب فيه خطباء الرخم والسباع على المنابر » وزلت فيه عند الامتحان أقدام الطاغين ورفعت فيه رايات النصر لاهل الحق المبين ؛ وكان القائم بأمر المناظرة في هذا اليوم المشهود من الاربعة المذكورين » ذلك العلامة المقدام السميدع الهمام خائض لجج الفنون على الاطلاق ؛ حائز قصبات السبق في ميادين السباق » الشيخ مهدي النفوسي بعد أن عرضها على العلامة ابن يانس ؛ وقال له تقدم أنت ولست بأعلم مني . وكأن المعتزلى داخله الرعب أو قصد الخيانة فقال لمهدي : مالنا ولابداء عوراتنا للناس ؛ وكلانا بمن شهر في قومه ونال الصيت البعيد ؛ فهلم لنتعاهد على أن يستر كل منا صاحبه سواء حاججتني أم حاججتك » ولا يعلم أحد بمن كانت له الغلبة منا على صاحبه ؛ أجابه مهدي لذلك وقد أدرك انها مكيدة منه » وقال لأ صحابه : اني قد عاهدته على الستر وعدم التكلم . ولكن اذا نزعت القلنسوة من رأسي ووضعتها تحت ركبتي فادركرا اني قد فزت عليه ؛ وظفرت بالقضية .. وما خرجا إلى ما بين الصفوف ؛ ومع كل منهما خواصه من العلماء كان الامام معهم فتناظرا فى المسائل الخلافية وأطالا في ذلك ؛ ودخحلا أبوابا وفنوناً صعب على الحاضرين فهمها ؛ حتى كان الكلام بينهما كصفق الحجر لا يدرك أحد من الحاضرين معنى له على ما قيل ثم عجز المعتزلي وسلم : ك7 فنزع مهدي قلنسوته كما وعد به أصحابه ؛ فكبروا لما رأوا ذلك تكبيرة رجل واحد بلغ صداها عنان السماء » فبهت المعتزلي ؛ وقال : غدرت يا مهدي وخالفت العهد » وما هكذا كان الوعد بيننا » وقاما والفخر يصاحب هذا والقهر يؤازر ذاك » فبرز على أثر ذلك فارس المعتزلة وابن رئيسهم في هيئة مرهبة شاك السلاح على جواد سابق ؛» وهو يزأر كالأسد ويرمح كالعقاب ؛ ويظهر للناس من أنواع فروسيته ما جعلهم في غرابة وعجب . فخرج أيوب من بين الصفوف يقود جواده مع سكينة وهدوء إلى أن تراءى للفريقين » وكانت العيون شاخصة لرؤيته مصوبة السهام نحوه من كل الاطراف ؛ لما يبلغهم من أخباره في الفروسية وشهرته » ولما أراد الركوب وكلهم ينظرون تجاهل فركب من جهة اليمين خلافاً لما هو المتعارف عند الناس من الركوب من جهة الشمال . فضحك المستعجلون من المعتزلة » الذين لا علم لهم بمكائد رجال الحرب واستبشروا وضمنوا الفوز لصاحبهم ؛ الا والده فانه أدرك ذلك في الحال وقال متأوهاً وقلبه يرجف ؛ ولسانه يتلجلج هيهات هيهات الآن حل أجل ولدي اذ جاء قاتله بلاشك . فسأله بعض الناس عن ذلك ؛ فقال ألم تروا كيف تدلى اليه فرسه ولا يفعل الفرس ذلك الا مع الفارس الحاذق . وبعد أن استوى مهدي على ظهر جواده قذف حربته في الهواء كما هي عادته »؛ حتى كادت تغيب وكانت تزن ثمانية عشر رطلاً وهياً لها رمحه فجاءت فيه مستوية متمكنة لا تحتاج إلى تركيب ؛ وذلك أول ما ألقى به الفزع في قلوب الناظرين ؛ فاستعظموه وهالهم أمره ثم جال في ذلك المضمار جولان الاسد الضائر » وأقبل وأدبر مع المعتزلي على جواد كالعقاب الطائر . 77 (مكر مفرمقبل مدبرمعا كجلمود صخر حطه السيل من عل) حتى رأى منه الاقران من فنون الاحتيال وغريب طرق الفروسية في النزال وبديع الخداع في الاقوال والافعال ؛ ما قذف في قلوبهم الرعب وصدهم عن القتال . وما كان غير ساعة حتى التقم فارس المعتزلة وابن رئيسهم التقام عصا موسى سحر سحرة فرعون » وجندل به الارض مع ذلك الجواد المستأسد ؛ وذلك السلاح المكنون ؛ فتحمست المعتزلة وزحفت إلى القتال فتسعرت نار الحرب بين الفريقين برهة من الزمن » حمى فيها الوطيس واشتد الخطب وعظم الصاب ؛ وكان افلح بن الامام وأيوب يجزان الهام ويشتتان الصفوف ميمنة وميسرة » إلى أن سقط في أيدي القوم ورأوا أنهم قد ضلوا وضربت عليهم الذلة » وباءوا بغضب من الله وولوا الادبار منهزمين » وقد مات منهم خلق كثير حسبوا منه ما قتله افلح وما قتله أيوب فوجدوا لأيوب قتيلا زائدا على أفلح » وكأن كلا منهما استقل بجهة ؛ والا فكيف يصح تمييز ذلك خصوصاً في يوم كذلك اليوم المزدحم واللّه أعلم . وكان أيوب قد أحس فى اثناء الضرب بزلزلة شديدة في ذراعه » فاخبر بها بعد ذلك ؛ وقال اني قد ضربت شيئاً صلباً لا أدري ما هو ولا أظنه آدمياً فتصفحوا القتلى فوجدوا بينها عموداً قائماً » وما جسوه بأيديهم وقع إلى الارض نصفين فعلموا أنه هو الذي أخبر به أيوب » وقد ضربه وهو يظن أنه رجل ؛ وكان لسيفقه مقدار شبر لا حد له مما يلي مقبضه لكي لا يضره ان جعله على عاتقه اذا سثم من حمله ؛ أو تعب من الضرب به » وبعد استسلام المعتزلة واقرارهم بالطاعة التامة ؛ لم يب لهم طمع ولا رجاء في القيام بعد هذه الحادثة . الا فعاد الامام إلى عرش خلافته يكتنفه الظفر » ويتوجه الفخر ؛ وقد ناله من الجذل ما حمله على نشر الثناء الفاخر ؛ والذكر العاطر على ذلك الوفد النفوسي المنصور . استدعاء المعتزلة أيا العباس للضيافة يقصد الغدر به ثم بعد ذلك بيومين على ما قيل ؛ أرسل وجوه المعتزلة إلى أبي العباس يدعونه للضيافة عندهم » فمنعه خواص المسلمين وحذروه الغدر به » فأبي الا اجابة دعوتهم والمسير اليهم » وما وصلهم رحبوا به وأظهروا له من أنواع التبجيل ما ظنوا انه أغتر به » ولدى اجتماعهم وتبادل الرأي في كيفية غدره وقتله ؛ رأوا أنه لا يمكنهم ذلك وهو في اليقظة لما علموه من شدة بأسه ؛ وأجمعوا أخيراً على أن يكثروا له من الاطعمة الجالبة للنوم ؛ حتى اذا نام قتلوه ؛ فقدموا له عند العشاء قصعة طعام عليها عجل صغير برمته ؛ وقربة من اللبن الحامض وكان رحمه الله عظيم البنية جداً كثير الاكل فاستوفى الطعام أكلاً ؛ وانتقى العظام عظماً عظماً » وضرب ذلك اللبن كله اظهارا للقرة أمامهم » اذ فهم مرادهم من ذلك ؛ ثم استوى في وسط الخص متربعاً ؛ وأخذ في تلاوة القرآن العظيم حتى طلع الفجر فصلى الصبح بوضوء العشاء اذ لم ينتقض » لا بنوم ولا بحدث وكأن ما أكله من الطعام واللحم ؛ وما شربه من اللبن لم يكن شيئاً مذكورا . وما طلعت الشمس طلب جواده ليذهب فأحضره وقد أبهرهم ما رأوه منه في تلك الليلة » وقالوا له : ان فتيان الحي طلبو منك ان تعلمهم شيئاً من الفروسية وما عندك من فنون الحرب ؛ فقال أجل : وليحضروا فركبوا خيلهم وبأيديهم قضبان ليعلمهم كيفية العمل بها عوضاً عن السيوف ؛ وكان فيهم رجل مشهور عندهم بالاقدام والقوة تعهد لهم بقتله ؛ وبينما هم في اثناء ا التعلم أخذ الرجل في الاحتيال لضربه ففطن له وتغافل عنه ؛ حتى هم به فاتقى ضربته » والتفت اليه فصرعه إلى الارض ميتا ؛ ومال عن يمينه فقتل ثمانية ثم عن شماله فقتل مثلها ؛ وصاح بنساء الحي وهن يرقبن ويبكين فقال : أزيد أم يكفيكن » وترك الكل في نحيب وعويل وتوجه راجعاً من حيث أتى فمر بواد فيه سباع » قل من يتجاوزه وينجو سالاً ؛ ولا أحسو به تسارعو اليه فشمر لهم عن ساعده » وقطع أرجلهم وتركهم يزحفون » وجاز على بعض أحياء البربر فقال لهم من أراد اللحم المكروه فليذهب إلى الوادي الفلاني » ولما جاء إلى الامام ورفقته أخبرهم بما جرى فحمدوا له السلامة وشكروا الله على نجاته وخلاصة من هذه المكيدة . ذكر هذه الحكاية كما سمعتها كل من العلامة الشماخي والعلامة أبي زكرياء رحمهما الله والظاهر ان فى كلامهما اختصارا مجحفا بما يقتضيه المقام من الايضاح ‏ والا ففي بمضها عندي نظر فان استدعاء المعتزلة أبا العباس بعد يومين من تلك الحرب العظيمة ؛ مع ما حصل منه فيها ما يستبعده العقل جداً » ثم أجابته دعوتهم وذهابه اليهم بدون رفقة كما يفهم من كلام الشيخين أشد بعداً ؛ اللهم الا ان تكون الحكاية واقعة قبل اعلان الحرب رسمياً لا بعدها أو كان الذين دعوه لا دخل لهم في هذه الحرب ؛ وانه استصحب معه رفقة ؛ وأهمل الشيخان ذكرها ؛ والله أعلم بالحقيقة ؛ وكان يقول لا أعلم أن لي مقابلاً يبارزني فيما بين مصر وفاس ؛ وبعد أن قضوا وطرهم من (تيهرت) في أيام وليالي قطعوها بين احترام وتعظيم » ونالوا حسن التوجه من الامام وتزودوا بالدعاء من أكابر العلماء » وأفاضل الصالحين » والاولياء عطفوا أعنتهم نحو وطنهم » ومقر عزهم موطن الفخر والعلاء ؛ اذ ذاك ذلك الطود الشامخ عالي القمم والهمم مرتفع الرؤوس والنفوس (جبل نفوسة) سيد جبال الغرب » ومجمع الفحول من الرجال ومنبع علوم المعقول والمنقول في ذلك الوقت بلا جدال . 79٠ ولهؤلاء الاربعة فضائل ومآثر كثيرة وكرامات » ذكر الشماخي رحمه الله بعضاً منها فلتراجع هناك . وما يؤثر بالذكر من كرامات العلامة مهدي في هذا السفر ء ما ذكره الشماخي من انهم ضربوا أخبيتهم في الطريق أثناء رجوعهم (تيهرت) لحر أصابهم » وكان مهدي خارج الاخبية فسمعهم يتمنون أموراً خطرت لهم فقال أحدهم : لا أتمنى في هذا الحر الا لبناً صافياً بارداً ؛ وقال آخر ما مناي الا شربة من ماء (أيندل) وهي عين بقرب الجزيرة الملعروفة بقرب (مدينة شروس) » ولم اقف على ما تناه الثالث » وما سمع ذلك منهم دخل اليهم وسألهم » عهد الله وميشاقه على كتمان ما سيطلعهم عليه من السر ء فاعطوه العهد على ذلك فحل وكاء قربة لهم فيها شرابهم » وصب منها لمن تمنى اللبن لبنأ خالصاً » ولن تمنى الماء ماء لا يشك فى انه من عين (أيندل) ؛ وصب للثالث ما تناه أيضاً ؛ فحمدوا الله على نيل مطالبهم » وشكروا فضل مهدي وزادوا في توقيره لما رأوه من الكرامة على يديه ؛ وجدوا السير إلى أن وصلوا الجبل » وقد خلفوا الامام بتيهرت راضياً مستريح البال » لا حرب ولا شقاق ولا نفاق ؛ إلى أن تنوسي الامر بمرور الزمان ‏ وبلغ الامن منتهاء ؛ وحدث من لم يحض تلك الوقائع من حديثي السن وقريبي العهد بالدخول في زمرة المعدودين من الرجال » وأولي الشروة فنبت في قلوبهم بذر النفاق ؛ وسرى فيهم سم الخيانة ؛ فكانوا سبباً لحصول وقائع وحروب اخرى ؛ حملت الامام ودولته مشاق التجهيزات والخسائر القوية في الاموال والرجال ؛ وقد ذكرها ابن الصغير المالكي مفصلة على وجه لم يذكره غيره من المؤرخين » فخذها على سبيل الاجمال طبقاً للقاعدة المتقدمة . نما حرب أخرى لهذا الامام (ممزوج) جرت عادة قباثل البربر وغيرهم من سدراتة ومزاتة وغيرهما من أهل البوادي » أن يرتحلوا من أوطانهم التي يجتمعون فيها من بلاد الزاب وغيره من الجهات في زمن الربيع الى حوالي (تيهرت) وما يليها من الأودية والجبال والغابات ؛ لما فيها من العشب والاتساع مع الأمن » ولا يجري لرؤسائهم عادة من الاكرام » والضيافات والاحسان من أقاربهم وأحبابهم الذين هم بالمدينة » ومن وجوهها وتجارها مع مشاركتهم في الرأي فيما يختص بمصالح الاسلام » والامام ولأداء حقى التزاور في الله وصلة الرحم . ولما دار في الخواطر هاجس الفساد وسرى سم النفاق في صدور أهل البغي والعناد ؛ من أهل المدينة ؛ كان الارتحال من قضاء الله في سنة من السنين (ولم يعين ابن الصغير تاريخ تلك السنة) ؛ خارقاً للعادة فجاء من كل قبيلة وفرقة خلق لا يحصى » حتى امتلأت المدينة برؤساء تلك العشائر فوجد ارباب الفساد » ومن قصد الشقاق من رجال المدينة فرصة لبث وسائل البغضاء » وبذر ناقع السم في الدسم ؛ فاستمالوا القوم على حين غفلة من انفسهم وناجوهم بالطعن في ولاة الامام وقضاته وأصحاب شرطته » وقالوا لهم : قد ساقكم الله الينا وأنتم من أكرم الاضياف يسمع لكم القول » ويقبل منكم النصح ؛ وقد تعين عليكم الدخول إلى الامام لتسألوه عزل هؤلاء الولاة وتبديلهم بغيرهم ممن يحمد الناس سيرتهم » (ولا يخفى على العالم الخبير ما عليه غائب أهل البوادي من جهل السياسة الحضرية ؛ وعدم ادراك حيل ومقاصد أهل الحضر » شأن سائر أرباب البادية) » فأثر ذلك في نفوسهم ؛ وظنوا أن ذلك من النصيحة فى الدين بمكان كبير ؛ به ينال المرء عظيم الدرجات عند ربه . ْ فأجتمعوا واستأذنوا على الامام فاذن لهم ؛ وما دخلوا تلقاهم حسب اذا عادته بكل بشاشة وقابلهم أحسن مقابلة » بعد تبادل عبارات التحية قام متكلمهم فحمد الله وأثنى عليه وقال : ان رعيتك يا أمير المؤمنين قد ضجت من قاضيك » وصاحب بيت مالك ؛ والقائم بشرطتك » وقد جئناك نطلب منك أن تستبدلهم بغيرهم بمن يرضونه من خيارهم ؛ وبذلك تحوز رضاءهم وتفوز برضاء مولاك . فأضهر الامام الارتياح لهذا الطلب ؛ وقال لهم جزاكم الله من وفد خيراً » فقد افتقدتم من الاسلام ما يفتقده من كان مثلكم وها أنذا قد فوضت لكم الامر في ذلك » فبينوا لي من ترونه صالاً لذلك لأقدمه . فدعوا له وأثنوا عليه بخير ؛ اذ ساعفهم فيما اقترحوه عليه » وانصرفوا فدخل على الامام بعدهم وجوه رجال دولته وقواده وأهل الاصلاح من جماعة المسلمين ؛ وقالوا له ما بال اخواننا أتوك اليوم بأجمعهم » وأخليت لهم امجلس وحجبت غيرهم » ولعلهم أشاروا بخير ودلوا على صلاح؟! فذكر لهم ما قالوه مفصلاً » وما أجابهم به فاغتموا وقالوا له : قد أسأت إلى نفسك وإلى جميع اخوانك المسلمين ورجالك ؛ فقال : وكيف ذلك وقد قالوا خيراً وما سألوا شططا؟! ؛ فقالوا : لو كان ذلك منهم لقصد الاصلاح والنصيحة في الله لهان الامر ؛ ولحسن المآل ؛ ولكنهم سألوك عزل من أرادوا من رجالك بدون سبب ليحرفوا عنك قلوب العامة ؛ ثم اذا فعلت ما طلبوه شكروك وحمدوا فعلك ؛ وأتوك بعد ذلك قائلين ان المسلمين قد نقموا عليك أشياء أخرى فاتركها » فان أجبتهم إلى ذلك شكروك وان أبيت خلوعوك » ثم لا تأمن وان أجبتهم إلى كل ما سألوه ان يقولوا لك ان المسلمين لم يجتمعوا عليك في ابتداء أمرك » فاردد اليهم أمرهم حتى يجتمعوا عليك ؛ ويكون ذلك زيادة في شرفك . وعلى كل حال فسؤالهم هذا هوعين الفساد وأس الاضطهاد . ب فأمعن الامام النظر » وقدح زناد الفكر في الكلامين » إلى أن أدرك سر الطلب » وما كمن فيه من المكائد ؛ فقال : وما الرأي الآن وقد تقدم مني لهم من الجواب ما سمعتموه » ولا يجمل بمثلي الرجوع فيما قال؟ ؛ فقالوا له : ان الامر في ذلك سهل » قال وكيف ذلك؟ قالوا : اذا رجعوا اليك غداً لانجاز الوعد فقل لهم ان لنا ولكم اخواناً لا غنى لنا عن مشاركتهم في الرأي في أمر عظيم كهذا لما فيه من العزل والتولية ؛ فيجب حضورهم معنا ثم اجمع بيننا وبينهم فنكفيك مؤونة الجواب ان شاء الله . وفي الغد دخل القوم على الامام في الوقت المعين لهم لاتمام ما وعدهم به » وبعد تمكن كل من مجلسه سأل مقدمهم من الامام الوفاء بالوعد فقال - رضي الله عنه ‏ : اني على ماعاهدتكم به من قبل ؛ ولكني أرى من القبيح بي وبكم أن نستأثر بمثل هذا الامر دون اخواننا » لما فيه من تغيير قلوبهم وكسر خواطرهم الموجبين لشتات الرأي والاختلاف ؛ فقالوا : صدقت وأصبت فأحضرهم ؛ ولا نراهم الا موافقين لنا ؛ فأمر بهم فحضروا في الحال ؛ وقال لأولئك أخبروا اخوانكم جما به أشسرعٌ وما لأ جله اجتمعتم » فبينوا لهم عند ذلك ما دار بينهم وبين الامام من الكلام ؛ فقالوا لهم : جزاكم الله عن الاسلام وأهله خيراً على هذا الاهتمام الا اننا نطلب منكم بيان علة هذا الطلب والداعي اليه ؛ اذ لا يخفى على كل عاقل مثلكم ان العزل بدون سبب بين وجرحة واضحة ؛ لا يمكن ان يصدر من الامام لما قد ينشأ عن ذلك من المضار ؛ فأبرزوا ان علمتم شيئاً يوجب ذلك حتى يجعله الامام حجة عليهم جبراً للخواطر » وأما العزل لمجرد سعي السعاة فلا نرى انكم تطلبونه مع ما أنتم عليه من الدراية والعقل ؛ فلم يكن منهم الا أن قالوا هذا رأي حادث وأمر مبرم » وما هكذا كان اتفاقنا مع الامام بالامس . ثم خرجوا متلثين غيظاً حالفين على أن لا يدخلوا في أمر دون عزل من اغا سألوا عزله أو محاكمة الامام » فشاع خبرهم بين قبائلهم وانضم اليهم لفيف من الناس » ومن كان على رأيهم » وظهرت المناقشات في ذلك وفشى الخلاف واتسع خرقه » فاستشار الامام رجال دولته ومن تجب مراجعته من ذوي الرأي والعلم » فأشاروا عليه بالقاء المواعظ اليهم » واعلامهم بحرج موقفهم وانذارهم بسوء عاقبة ما انتحلوه من الشقاق ؛ ان لم ينتهوا عما يقولون » ثم ان أصروا وأبوا الا العناد والعتو في الارض ؛ كانوا بغاة فيجب على الامام والمسلمين ردعهم وقتالهم عملاً بقوله تعالى : (فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) . فعمل الامام بمقتضى هذه الاشارة ولم ير منهم الا الاعراض والعناد والسعي في اثارة الفتنة ؛ فشمر لاقناعهم بالسيف . قال : فلما رأى ذلك عبد الوهاب » ومن معه برز اليهم » فما كان الا كلمح البصر الا وجميعهم صرعى ؛ الا من شذ » وولوا ولم يتبعوا لهم مولياً ؛ ولا أجهزوا لهم على جريح » ثم انصرف عبد الوهاب قافلاً بمن معه » وولت القبائل الداعية إلى مواضعها واستملك الأمر لعبد الوهاب » وبقيت حزازات في النفوس في قلوب عشائر من قتل ؛ ثم اشتد أمر عبد الوهاب وقوي وانتقل من حال الامامة إلى الملك (١ه) . نزوج الامام من قبيلة لواتة وحرب بني مسالة معه لذلك «ممزوج» لا يخفى أن القبائل الكثيرة العدد » قلما تخلوا فى الغالب من رؤساء متعددين متفاوتين في كثرة الاتباع » والمنتسبين اليهم وقد كانت القبائل القاطنة بازاء (تاهرت) ؛ على هذا المنوال فكانت فى هوارة تلك القبيلة الطويلة العريضة من الاباضية رؤساء مقدمون » يقال لهم الاوس ويعرفون ببني مسالة ؛ فتقرب رئسيهم لرئيس قبيلة لواتة » (وقيل لغيرها من قبائل ا البربر الكبيرة) بقصد مصاهرته في ابنة كانت له ؛ توصلاً إلى تعزيز جانبه بضم تلك القبيلة اليه . ولما أحس من له بصيرة وعلم بحقيقة ذلك ؛ أشار على الامام بالمبادرة إلى تلافي الامر » بأن يخطب البنت ويتزوجها او يسعى في تزويجها بمن يأمن شره إضعافا لشوكة ذلك الرئيس ؛ وابعادا له من الالتحام بقبيلة البنت وانضمام القبيلتين بطريق المصاهرة ؛ اتقاء من حصول الاتحاد على الفساد والتعصب (وهكذا شأن الملوك في سياستهم حتى الآن » فانهم يخافون من حصول الوفاق بين القبائل ولا يطمئنون لكل من رآو له اتباعاً من الرؤساء وأصحاب الطرائف » لما ينشاً عن ذلك غالباً من الفتن وظهور الثائرين ؛ حسبما قضت به التجربة وشهدت به التواريخ بما دون فيها من الوقائع) . واذ ذاك خطب الامام البنت وتزوجها ء ولما بلغ خبر ذلك إلى الرئيس الأوسي غضب ؛ وآلى أن لا يساكن الامام في مدينته » وارتحل منها إلى واد ينسب إلى هوارة على بعد نحو عشرة أميال من المدنية ؛ وهنالك انضمت اليه عشيرته » ومن غضب لغضبه ممن ضاقت بهم سبل الحق ؛ وقيدتهم خطة العدل » وراموا الزيمغ عن جادة الاستقامة » ولما صار في جموع كبيرة أعلن الخلاف . ولم تزل السعاة بين الفريقين رائحة غادية إلى أن أوقدت نار الحرب ؛ وبدأت بالغارات فأصابت أول غارة لهوارة ولداً لبقال على نهر هناك يعرف ينهر أبي سعد الله فقتلوه وتركوه » ولم يغيروا من حاله » ولا من ماله شيئاً ؛ وثارت الصيحة إلى المدنية فابتدر الناس الغلام فأصابوه ولا روح له ؛ ولما لم يجدوا فيه تغييراً حاروا في الامر » ثم صاروا يبحثون في متاعه إلى أن فقدوا خاتما كان في أصبعه . قال : فكبروا وقالوا هؤلاء قد استحلوا الاموال والسلب ؛ فحل للمسليمن هذ وامامهم قتالهم » فحملوا قتيلهم وواروه التراب » وأخذ الامام في التهيؤٌ للحرب والخروج اليهم ؛ فاجتمع له من العسكر خيلاً ورجلاً ما ملأ البقاع واجتمع للآخرين من الجموع مالم يجتمع لثلهم . قال حتى عدوا في خيلهم من لون واحد الف فرس أبلق » وخرج عبد الوهاب بعساكره من المدينة في جميع لا يعلم عددها إلا الله ؛ واتصل خروج عبد الوهاب ببني أوس ؛ فجمعت جموعها وعبأت كتائبها على نهر يقال له اسلان قالوا : وكان عبد الوهاب قد أصابته ريح فأمر براحلته فرحلت وجعل عليها محمل ؛ وجعل عديله رجلاً من نفوسة وقائد راحلته رجلاأً من نفوسة » وكان القائد ريما عجل ؛ ويقال له رويداً رويداً » قال : فيقال له ويحك نما قيل رويداً فيقول هو ذلك » فلم يزل يسير حتى تراءى العسكران (١ه) . «مزوج» فرتب الامام قواده وصفوفه ؛ وجالت الخيل فى ميدان الحرب ميمنة وميسرة » وتنازلت الابطال من الصفين ؛ والتحم القتال فسد غباره ما بين الخافقين » وكلما نظر الامام ذات اليمين وذات الشمال » والقلب رأى فارسا فاق الاقران ودوخ الكتائب ؛ فيقول من الفارس؟ فيقال له : هو ابنك أفلح ؛ فقال معجاً به قد أستحق أفلح الامامة (فانها انما تنال بامثال هذا الاقتدار لا بغيره) . قال : فكان أول يوم عقدت له فيه الامامة » قال : فلم يزل الناس يقتتلون ا يولي بعضهم لبعض الدبر إلى أن سال وادي سلى ذلك اليوم دما (اه). 7 (مزوج) ولما رأى الامام صبر الفريقين ؛ وعدم تزحزح العدو عن موقعه والسيوف تحز الهام ولبرقها لمعان في سحب تلك السمهام اشتد غضبه ‏ وزاد في الشقل ونادى يا دينار زم الخطام وتقدم بنا ففزع زميله النفوسي وخف فرجح الامام به » ولما شعر بذلك قال : ما بال المحمل؟ فقيل له : قد خف زميلك النفوسي (وقد يكبو الجواد والا فان لنفوسة الثبات في الحرب) فقال ثقلوه بحجر » ولا زال دينار يتقدم والامام يثقل والنفوسي يخف فيزيدون معه حجراً إلى ان هزم العدو » وولى الادبار ولحق بجبل ينجان ؛ واستكان للطاعة وخمدت نار الفتنة » ورجع الامام يحف رايته النصر والظفر » فأقبل على ابنه أفلح وقربه اليه ورشحه للامامة . قال وانقطع له (أي لأفلح) المنقطعون » ودارت الحوائج اليه والعطاء من تحت يده( ١ه) . وصار الامام بعد ذلك في راحة » ودولته في تقدم ؛ إلى ان كان كما وصفه بعد ذلك . قال : وكان عبد الوهب هذا ملكا ضخماً وسلطاناً قاهراً » قد اجتمع له من امر الاباضي وغيرهم ‏ ما لم يجتمع لأباضي قبله ؛ ودان له منهم ما لم يدن لغيره ؛ واجتمع له من الجيوش والحفدة ؛ ما لم يجتمع لأحد ؛ حتى انه لقد حكى لي جماعة من الناس ؛ انه لقد بلغت همته إلى ان حاصر مدينة طرابلس » وملك المغرب بأسره إلى مدينة يقال لها تلمسان (1ه) . ومدينة تلمسان الآن من اعمال الجزائر » وهي نهاية حكمها مما يلي ملكة فاس ؛ فيها من الأبينة العجيبة والصنائع المهمة ؛ ما يستحق الذكرء وأهلها أولو رفاهية ونظافة ؛ غير بعيدين في ذلك عن سكان مدينة تونس لاا ذات الأدب والعلم والحضارة في المغرب بهذا العصر » ولهم في التجارة غرباً وشرقاً حسن اقتدار » وقد استبحرت في العمران بعد استيلاء الدولة الافرنجية (فرنسا) عليها تبعاً للجزائر » ومت تجارتها بما جرى فيها من تسهيل طرق المواصلات + والنقل كغيرها من مدن قطر الجزائر وتونس ‏ التي لا تبعد كلها في الوضع والشكل والترتيب عن بعضها لبعض » اذ كان نافخ روح العمران والحضارة العصرية وبث الصنائع على اختلاف أنواعها وفنونها في الكل دولة واحدة . عزم الامام على اداء فريضة الحج ومروره بجيل نفوسة وما رأي الامام رحمه الله من سائر اتباع دولته كمال الانقياد ؛ واستيلاء الامن والعافية على البلاد وانقطاع دواعي الفساد ؛ وجرثومة العتو والعناد حن متشوقاً إلى زيارة ريح أفضل الخلق على الاطلاق نور الوجود ؛ ونبراس اليوم المشهود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله الابرار» والى تلك الديار المقدسة الطاهرة ؛ وقد علم من نفسه رحمه الله انه بمن تعين في حقه القيام بأداء فريضة الحج المعظم ؛ لما لديه مما أتاه اللّه من فضله من الشروة الواسعة اذ كان رحمه الله قبل تحمله أعباء الامامة من أعاظم أولي الأموال الوافرة في عصره ؛ فكانت تجارته في أشهر المدن والجهات كالسودان والحجاز واليمن والبصرة وغيرها من مدن الشرق حتى قال شاهداً على نفسه بالغنى شكراً لله تعالى » وتحدثا بالنعمة ما معناه (لولم أكن الا أنا وابن جرني وابن زلغين لأغنينا بيت مال المسلمين بما علينا من الحقوق الشرعية) ؛ فهو ذو ذهب وفضة وا بن جرني فلاح عظيم كانت زكاته في السنة آلاف حمل من البر والشعير ؛ وقيل ان أندر زرعه يرى من مسافة أيام كالجبل ؛ وابن زلغين ذو ابل وغنم له من ذلك ما يعد بمئات الالوف ذكر المؤرخون ان له هها من صنف الحمير وحده اثني عشر ألف حمار . وبعد أن أبرأ ذمته من التباعات » وقضى ماعليه من المطالب ديناً ودنيا امتطى متّن جواده مستصحباً معه (زوجته) وتوجه إلى الحجاز مع البر في جمع كبير » فمر على جبل دمر وأقام فيه أياما ؛ اعترفوا له فيها بالامامة وقدموا له البيعة مباشرة » واستعمل عليهم عاملا يعرف بمدرار . وله هنال مسجد كبير ومصلى مشهور به في موضع يقال له (تلالت) فيه رخامة كان يستند اليها تساوي رأسه عند قعوده » وقد ذكر صاحب السير رحمه الله وهو من علماء آخر المائة التاسعة انها فى وقته تساوي صدر الواقف » وكأنه رحمه الله كابنه أفلح عظيم البنية 0 في وادي تطاوين بجهة أفريقية » مصلى أيضاً أصلح خرابه العلامة الشماخي رحمه الله باعانة مجاوريه من العرب كما حكاه في سيره أثابه الله . ثم سار الامام من جبل دمر إلى أن دخل حدود جبل نفوسة ؛ وبينما هو يسير بين المنازل والقرى الغربية اذ أدركه المطر ء واشتّد البرد » وكان ذلك بالقرب من قرية (ويغو) الكائئة فوق جبل مدينة (سروس) ؛ وهي قرية جميلة المنظر تدل اطلالها ورسومها العتيقة ؛ على اتقان صنعة بنائها ؛ فقصد الامام دار العلامة مهدي فيها ؛ فوجدها دار رجل زاهد عابد ؛ لا غطاء ولا وطاء » وقد حصل للامام ومن معه من البرد والمطر تعب كبير . وكان الشيخ فرج ابن خالة مهدي رجلاً مترفاً متحظراً » ذا بسطة في المال » وكثيراً ما عاتب مهدياً على غلوه في التقشف والاعراض عن الدنيا ؛ وكأنه يميل إلى استحسان أمثال قولهم (لا يستقيم الدين الا بالدنيا) وقول الشاعر : ما أحسن الدين والدنيا اذا اجتمعا وأقبح الجهل والافلاس بالرجل أها فيعكس مهدي عليه القضية » ويعاتبه على اشتغاله بالدنيا وتعلقه بأسباب جمعها تعلقاً زائدا » حتى انهما اجتمعا ذات مرة بتيهرت بين يدي الامام قبل قدومه إلى الجبل » فشكا له كل منهما صاحبه » فقال مهدي ان ابن خالتى هذا يا أمير المؤمنين قد اشتغل بدنياه حتى كاد يضر بأخرته ؛ وقال فرج ان مهدياً هذا ابن خالتي ؛ قد اشتغل بآخرته حتى أحجف بدنياه ؛ وطالما نهيته عن ذلك ولم يقبل » فمن المصيب منا يا أمير المؤمنين؟ فسكت الامام ولم يرد لهما جوابا إلى ان كان قدومه هذا إلى الجبل بعد سنين متعددة » وبينما هو بدار مهدي على ما وصفناه من عدم توفر أسباب راحته من مشقة السفر والمطر ‏ اذ أقبل ابن خالته من غيبته » فطلب منه نقل الامام ومن معه اليه فساعفه ؛ وفي الخال حضرت الخدم » وهيا لهم ولدوابهم ما يكفيهم من احلات » وخصص لكل واحد منهم فراشاً ووسادة وغطاء ؛ وبدله ثيابا نظيفة طاهرة » ونشر أثوابهم المبلولة بالمطر » وقدم لكل واحد كانونا من الجمر أمامه » وأحضر لهم في الحال ما كفاهم من أنواع الطعام الفاخر ‏ وأكرم دوابهم بما لزم من العلف والشعير ؛ وبسط عليهم مما لديه من الخير ما جعلهم في راحة تامة . واذ ذاك تذكر الامام الحكاية الملتقدمة ؛ فدعا مهدياً وقال له : قد حاجك ابن خالتك يا مهدي (لأن للدنيا في اقامة الدين يداً طولى) ‏ وقد تعجب القوم من استحضار فرج في أقرب وقت على حين غفلة تلك الكوانين كلها ؛ ويقال انها محابس فخار كان اعدها للغرس » وكأنهم كانوا يستعملونها على نحو ما يستعملها الناس اليو م فى المدن ؛ وهذا دليل على أنهم كانوا أهل اعتناء وعمل للدين والدنيا ؛ لا أهل بطالة وكسل ؛ على حد قول حكيم زمانه وامام أوانه العلامة أبي نصر الماوشائي النفوسي رحمه الله . ى" احب فتى ماضي العزائم حازما لدنيا وأخرى عاملاً بالقتشمر وأما أخو النومات لا مرحبابه ولا بال+جحثوم الراكد الملتدثر وبعد أن قضى الامام في قرية (ويغو) أياماً » استراح فيها من تعب السفر ارتحل إلى بلدة (ميري) ؛ وهي قرية متوسطة بقرب حصن بني زمور الملشهور في التواريخ » ولبلدة ابي يحيى الترديتي ؛ وبلدة أبي الشعثاء السنتوتي مستجابي الدعاء الشهيرين في جبل نفوسة بالعلم والورع والكرامات الباهرة » وتعرف تلك الناحية في زماننا هذا بناحية الرجبان لعمرانها بعد خرابها وجلاء نفوسها منها ء بعرب يسمون بهذا الاسم ؛ يتمذهبون بمذهب الامام مالك ؛ وهي تابعة في الحكم الآن لحاكم قساطو المقيم في بلدتنا (جادو) المسماة باسم مدينة جادو المشهورة في التواريخ التي خربتها قبائل العرب عند ضعف نفوستها ‏ ولا تبعد عنها الا بمقدار نصف ميل تقريباً . منع نفوسة الامام من الذهاب إلى الحج وخبر ذلك وما فشى خبر توجه الامام إلى الحج اجتمع العلماء واصحاب الرأي من نفوسة وغيرهم واتفقوا على منعه والتعرض له خوفاً من غدر ملوك الشرق (بني العباس) به ومن قبضهم عليه لان الملك في تلك الاقطار لهم » ولانهم كانوا منه في رعب شديد . فاستأذنوا عليه فأذن لهم » ولما دخلوا وأخذوا مجالسهم قام متكلمهم وقال :انك قد تقلدت يا أمير المؤمنين أمور المسلمين فأحستت السيرة وقمت ًا بالعدل » ولا يخفاك ما لملوك الشرق نحوك من الحقد وخبث النية ؛ وانا لنخاف أن يقبضوا عليك أو يغروا أحداً على قتلك فتعظم مصيبتنا وتضيع الحقوق وتتعطل الاحكام » ولذلك اجمع اخوانك المسلمون الرأي على أن يشيروا عليك بالاستخارة في ترك ذلك . والرجوع آخذاً بالرخصة (لانه ورد أن الله يحب أن يؤخذ رخصه) » وما كلفت به من امر الامامة ومصالح الاسلام والمسلمين واقامة العدل شيء عظيم عند الله تعالى . وبعد أن أثنى عليهم بما أظهروه من الاهتمام بالدين بين لهم شدة تعلق قلبه بزيارة تلك البقاع اللقدسة ؛ وانه لا يمكنه الرجوع الا بقول معتمد ظاهر الحجة من أكابر علماء المذهب ؛ وكأنه لم يطمئن إلى الاخذ بقول علماء الغرب بانفراده » وبما علمه هو وأراد تقويته بقول علماء المشرق » وكان المرجع في الفتوى لاصحابنا في المشرق اذ ذاك العلامة المحدث الربيع بن حبيب والعلامة ابن عباد ‏ رضي الله عنهما ‏ فارسل الامام اليهما رسولا بكتاب من عنده يستفتيهما في ذلك ؛ وبقى فى انتظار الرسول إلى أن عاد بالجواب » فكان من جواب الربيع جواز اعطاء الاجرة لن يحج عنه ؛ حيث كان مشغولاً بأمر المسلمين والاسلام ؛ مع خوفه على نفسه من ملوك الشرق » وكان من جواب ابن عباد سقوط فرض الحج بالكلية عمن كان بهذه الصفة (وبكل أسف لم نعثر على كلامهما حتى تنقله بعينه) . فأخذ الامام احتياطاً بقول الربيع ؛ واستأجر رجلاً من بلدة (تمزدا) بفتح التاء والميم وسكون الزاي ؛ وهي من احدى القرى الكبيرة فى ناحية جبل فاطو عامرة الآن بالاباضية ؛ وفيها قليل من العرب المالكية وبعد أن توجه الاجير إلى الحج أقام الامام بقرية (ميري) ؛ وكأنها من أشهر بلاد الجبل في ذلك العهد ؛ ولذلك اختارها لاقامته أو فعل ذلك لانها جاءت وسطاً بين طرفي الخبل » وبنى فيها مسجده المشهور الآن بمسجد سيدي عبد الوهاب ؛ ١ وقد تهدم بعضعه لخراب البلدة بجلاء أهلها ؛ وتفرقهم في البلاد بتسلط العرب عليهم بالغارة عند قلتهم » وفي هذا الوقت يضع عرب الرجبان في وسطه وفيما يليه من الارض ؛ ما يعد من حريمه زروعهم تأمينا له من السرقة كما هي العادة في كثير من القرى وبالبوادي » لما يشاهدونه لتلك المساجد واللقامات من الكرامات ؛ حتى هابها الملفسدون ؛ وطالما نبهنا عليهم هنالك على هذا العمل » ولم يغن الكلام شيئا لما عليه العامة في كل الجهات من شدة التمسك بالعوائد ؛ وأشدهم تمسكاً بذلك أهل البوادي والقرى الصغيرة ؛ والتي لا علم فيها ؛ حتى انهم قد يعدون العادة من الدين » وان كانت في الواقم معصية فتراهم يهتكون الحرمة توصلا إلى الاحترام » فيدخلون دوابهم إلى المسجد فتبول فيه » وتروث ليضعوا فيه زرعهم حماية له باعتقاد البركة فيه » وقد زرت هذا المسجد مرارا » فوجدته في غاية الاتساع والكبر » وما بقى فيه من البناء الاول وانقاضه » يدل على ما كان فيه من حسن الترتيب والصنعة » طالما عمره هذا الامام بمجالس الذكر العظيم » وأضاء فيه الليالي الطوال بالعبادة والقاء الدروس على اختلاف فنونها ويقال : ان غالب دروسه في السبع سنين التي أقامها هناك في مسائل الصلاة خاصة ولم يتمها . وبالجملة فقد نشر في تلك المدة من درر البيان وجواهر التبيان ما اهعتدى به كل جاهل » واستضاء به كل مظلم ؛ وتنبه به كل غافل من علوم زاهرة ؛ ومواعظ زاجرة » وأحاديث فاخرة ؛ عطفت عليه الالباب » وأمخضعت له الرقاب » فاتسعت حلقة مجلسه المهيب وانتظم في سلك عقدها العلماء الراسخون وأمها من الفقهاء والعلماء والادباء والعباد وأهل الصلاح من نفوسة وغيرهم من يثلج ذكرهم الصدور » ويملاً حديث مفاخرهم ومزاياهم الدفاتر والسطور ؛ فرحم الله الكل ورضي عنهم . ١٠ حكاية أبي عبيدة في تهي الامام ‏ رحمهما الله وما دون في التاريخ » ان خيل الامام ودوابه أفسدت بعض المزروعات والاشجار المجاورة لمرعاها بتهاون الرعاة واهمالها » فبلغ الخبر أبا عبيدة عبد الحميد الجناونى ذلك الرجل الباسل علامة عصره ؛ وكان شديد الشكيمة في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر » عالي الهمة بعيد الجاه لا يخاف في الله لومة لاثم » ذا علم غزير ؛ وورع زائد وزهد فائق » وفصاحة بالغة ؛ فأتى إلى الامام مستأذناً ؛ فأذن له » وما دخل وسلم كما يلزم قال : وهو قابض على سيفه مخاطباً للامام يا أمير المؤمنين ؛ قد آذيت الضعفاء والفقراء واليتامى بخيلك لاهمال رعاتك ؛ فكفها عن المضرة ؛ والا حال بيننا وبينك هذا (يعني السيف) » فأطرق الامام لحظة من الزمن مفكراً ؛ وقال : ان كان أبو عبيدة في شيء من هذا القطر ؛ فهو هذا ؛ فقال له الحاضرون الامر كذلك فقال : صدق المشائخ الذين زارونا بتيهرت وأعجبنا حالهم ؛ وسألناهم عمن خلفوه في الجبل فقالوا : تركنا من هو خير منا ؛ وهو أبو عبيدة ثم قرب مكانه منه وشرف منزلته ورسخت محبته عنذه ؛ حتى اختاره بعد ذلك لامارة الجبل ؛ كما سيأتي ذكر الحكاية كل مؤرخينا » وفيها ذكروه اختصار مجحف بما يقتضيه المقام » بل في كلامهم ما يوهم ان الحكاية وقعت بعد وصول الامام » إلى قرية ميري واقامته فيها » وهو أمر يستبعده العقل جداً فان أبا عبيدة مع جلالة قدره وشهرته »لا يمكن ان يجهله الامام حتى يستفهم عنه ؛ بل لا يمكن أن يعرف أحداً قبله ؛ فالمناسب أن يقال ان القضية وقعت حال مسير الامام » بين قرى الجبل قبل وصوله ناحية فساطو » وقبل اجتماعه برجال تلك الجهة » أو يقال ان أبا عبيدة كان مسافراً فى بعض جهات بعيدة ؛ ولم يأت الا بعد وصول الامام واقامته » واللّه أعلم بالواقع ؛ وعلى كل حال فالمسألة دليل قاطع على ما كان لرجال الأباضية » من قلة المبالاة "6 في الدين » وما كان لاثمتهم من الخضوع للح ؛ وقبول المراشد من أربابها ؛ والمكافأة عليها بزيادة الاحترام والاعتبار والرضاء التام ؛ وفي ذلك من الترغيب في ابداء النصائح ما لا يخفى رضي الله عن الجميع . محاصرة هذا الامام لمدينة طرابلس كانت قبيلة هوارة من البربر » قبيلة كثيرة الافخاذ » واسعة الاطراف ذات جموع كثيرة » رجالاً وفرساناً تحيط منازلها بطرابلس احاطة السوار بالمعصم ؛ وكلها أباضية المذهب » والآن كلها مالكية » وكانت كلها او غالبها خاضعة لعامل بني الاغلب بطرابلس ؛ ثم وقع بينهما خلاف كبير ؛ (لم يذكر المؤرخون سببه) أدى إلى وقوع شقاق » فخرج اليها الجند من طرابلس إلى وادي الرمل » ولما التقى الجمعان وانتشبت الحرب » ولى الجند متهزما إلى المدنية فاتبعته جنود هوارة اليها ‏ وحاصروها » قال ابن خلدون عند الكلام على ذلك في الجزء (+) هكذا : ثم ثارت هوارة من بعد ذلك على ابراهيم بن الاغلب سنة 143 ه ؛ وحاصروا طرابلس وافتتحوها وخربوها » وتولى كبر ذلك عياض ووهب » ولا ذكر لهذين الرجلين في كتب الاباضية أصحابنا » ولعلهما في غير الولاية عندهم ؛ ولما ضاق الحال بالجند خرج هارباً إلى ابراهيم بن الاغلب بافريقية وكان بمدينة القيروان والياً لهارون الرشيد ثم لابنه الامين . ولما بلغه بعد أن لاقى من الخسارة في الاموال والرجال شيئاً كثيراً ِ وجه إلى طرابلس ابنه عبد الله فى ثلاثة عشر الف فارس » وعدد وافر من الرجال وجدد القتال مع هوارة ؛ حتى كاد يأخذ بشأره منهم » فاستغاثوا بالامام عبد الوهاب » ولا لم يمكنه الا تلبية دعوتهم للعلاقة المذهبية ؛ ولما في اغائة المظلوم للقادر من الثواب الجزيل » جهز من الجبل جيشا جرارا ؛ وسار ١ به حتى نزل على المدينة وحاصرها محاصرة شديدة مدة من الزمن 6 لم يبينها المؤرخون فسد عبد الله باب زناتة ؛ وصار يقاتل من باب هوارة ؛ وفي أثتاء ذلك استشهد العلامة الشيخ مهدي النفوسي ؛ المتكلم الجليل الذي تقدم انه ذهب إلى تيهرت في مقام مائة عالم ْ وذلك انه انفرد عن العكر على شاطىء البحر » ورأوه من المدينة فسبحوا اليه وقتلوه ؛ و خذوا رأسه وعلقوه على السور ؛ فان قالوا له : انهزم أصحابك الاباضية عبس وانقبض ؛ وان قَالوا له | نهزم الجحند تبسم وانبسط َ نقل ذلك الشما حي وغيره رحمهم الله (وان لله خرق العوائد فلا غرابة) » وقد صعب موته على الامام والمسلمين كثيراً َ واستعظموا مصيبتة ؛ وان كان القضا عِ ا يرد وكل حي خلق للموت » الا ان لموت مثله في مثل ذلك الوقت الذي هم في حاجة فيه إلى أمثاله وقع عظيم . وحيث ان المدينة حصينة جداً وسورها فى غاية المنعة . صعب على الامام افتتاحها » فصار يجمع رجاله لتدبير الوسائل المعينة على ذلك كل ليلة » وكلما دبر بالليل رأياً وجده بالنهار فاشياً في العسكر ء فيؤخر عن حضصور مجله في الليلة المقملة من يتهمه بافشا ءِ السر 6 وصار يفعل ذلك كل ليلة إلى أن بقي هو ووزيره ذلك السياسى الكبير المدبر الخطير العاقل الشهير باصابة الرأي » والصدق في الاقوال والافعال (مزور بن عمران) » فقال عند ذلك لا أحاصر مدينة كهذه فى المنعة برجل واحد » وفى ذلك الوقت أرسل اليه عبد الله رسولاً يطلب منه الصلح لما بلغته وفاة والده ابراهيم بالقيروان » أجاب الامام طلبه وخفف وطأة الحصار » وأبرم معه عهداً على أن تكون المدينة والبحر لعبد الله » وما كان خارج المدنية كله إلى نهاية أرض سرت للامام » فدخلت هوارة كلها ومن معها من القبائل في دائرة حكم الامام ص وولى على الكل عمالاً من عنده , وعاد بعساكره راجعاً إلى الجبل ٌّ "8 وقد نودي بالآمان في العسكرين » وفتحت أبواب المدينة وعادت المعاملة بين الناس إلى مجراها 6 واستقل كل بما خصصته له تلك المعاهدة . والظاهر أن حركة هوارة » وتشبثها بمخالفة بنى الاغلب ؛ انا كانت واللّه أعلم لغرض خاص ؛ وهو التوصل إلى الانضمام إلى دولة بني رستم الحاكمة على جبل نفوسة الموافقة لها فى المذهب ؛ وزادها رغبة فى تلك حضور الامام بالجبل طمعاً في اعانته أياها » كما وقع وهو المفهوم من كلام أ بن خلدون حيث قال: وحجي هوارة بعيمد الوهاب بن رستّم من مكان امارتهم بتاهرت فجا ءهم واجتمعوا اليه مع قبائل نفوسة 1 وحاصروا أبا العباس الخ » وان كان الصحيح أن اصل مجيء الامام من تيهرت إلى الجبل كان لاجل الحج كما مر ء لا بطلب من هوارة كما قال » واللّه أعلم . محاصرة عسكر الإمام لمدينة قايس وا توجه الامام من طرابلس إلى الجبل » أرسل من طرفه قطفان بن سلمة الزواغي في عسكر إلى البلاد الغربية من طرابلس ؛ فرتب فيها العمال ولما وصل مدينة قابس ؛ امتنع عامل بني الاغلب فيها من الدخول في الطاعة والتسليم » فشدد قطفان الحصار على المدنية » إلى ان استولى عليها ؛ وهي مدينة مستبحرة العمران » ذات نخل وافر وأنهار جارية ؛ مشهورة بين مدن الغرب في ذلك العصر » ثم انتقل منها إلى ما يليها من القرى والجبال كمطماطة وزنزفة إلى جبال دمر التي هي في حكم الآمام من قبل ذلك » وإلى جزيرة جربة فاستولى على الكل ورتب فيها العمال . ١٠ رجوع الامام إلى تيهرت وتعييئه السمح عاملاً على الجبل بعده وبعد أن اطمأن الامام على ما استولى عليه في رحلته هذه ؛ ورتب كل ما يلزم ترتيبه مما يعود على الرعية بالراحة والامن في هذه الولاية الطرابلسية » التي تحد شرقاً بأرض سرت » وغرباً بجبال مطماطة ودمر وعاد اليه أجيره من الحج عزم على العود إلى تيهرت ؛ ولما شاع خبر ذلك اجتمع اليه اهل الفضل والصلاح من نفوسة وغيرهم » وسألوه أن يولي عليهم واليا قبل سفره يسندون اليه امورهم » ويقيم فيهم العدل » ويقبض حقوق بيت مال المسلمين ويرسلها اليه . فخيرهم في بعض وزرائه » فأبوا الا وزيره السمح بن أبي الخطاب عبد الأعلى » الامام الاول بطرابلس ؛ وكان الامام ضنيئاً به محباً له ؛ لما رآه منه من النصح لدولته مع سداد الرأي ؛ وحسن السياسة » فصعب عليه فراقه » وما لم يجد مخالصاً من توليته لشدة رغبتهم فيه ؛ أجاب طلبهم وقال (قد علمتم يا معشر المسلمين ان السمح وزيري وأخص الناس بي وأحبهم الي ؛ وأنصحهم لدولتي » وبذلك لا أصبر على فراقه ؛ وقد آثرتكم على نفسي تتميما لرغبتكم ؛ فها أنذا قد ولييته عليكم فاحسنوا الطاعة له » والانقياد لاوامره ما سار فيكم بسيرة المسلمين » ولم يحد عن جادة العدل والانصاف ؛ ولم يرتكب ما يؤذن بسخط الرب وبمخالفتنا) . وقد ذكر العلامة الشماخي رحمه الله في السير أن من كان مع الامام من الفرس والاتباع تزوجوا أيام اقامتهم معه في الجبل باماء بني زمور خوف العنت . ولما أرادوا الرجوع معه أيضاً إلى تيهرت ؛ رفعوا ما ولدن منهم من الاولاد أمامهم على الخيل » فجاد أبو عبيدة ‏ رحمه الله وأنزلهم عن السروج قائلا خذو عبيدكم يا بني زمور » (لان ولد الامة ملك لسيدها) . ًا ثم ودعهم الامام وودعوا بأعين سائله » وقد حل بهم من الاسف والحسرة بفراقه وفراق مجالسه العلمية » ما جعلهم في حيرة وزاده محبة في قلوبهم » فأحسن السيرة فيهم بعده واليهم السمح ؛ وعدل في الاحكام وساس الرعية بأقوم سياسة ؛ ورتب العمال والقضاة ورجال الشرطة من امناء الاهالي في النقط المهمة ؛ ومراكز العمران وفق مرغوب امامه ؛ بحيث لم ينكروا عليه شيئاً في مدة ولايته كلها ؛ لايخرج عن رأيٍ الامام ولا يخالف له أمراً إلى ان أدركته منيته والمسلمون والامام في رضاء عنه . وفاة السمح ‏ رحمه الله وولاية ابنه خلف وما ئنشاً عنها من الفساد ولما حضرت السمح الوفاة » اجتمع اليه أهل الرأي من المسلمين » وقالوا له أوصنا بما بدا لك يرحمك الله وانصحنا فاننا مطيعون لأمرك ؛ وقابلون لنصيحتك ؛ اذ لم تقصر من قبل هذا في كل ما يجلب لنا الخير ديناً ودنيا ؛ وانا نقدم لك على ذلك الشكر » ونسأل الله تعالى أن يكافئك بما هو أهله . فقال لهم أوصيكم بتقوى الله تعالى » وباتباع ما أمركم به الشرع الشريف ؛ وبطاعة امامكم عبد الوهاب ؛ وتأييده ونصرته مادام مستقيما على الحق الذي مضى عليه السلف الصالح من المسلمين . ثم سار إلى رحمته تعالى مأسوفاً عليه يندبه كل من عرف سيرته ؛ وأطلع على أحكامه ؛ وقد بلغ في الناس موته مبلغاً عظيماً وبعد تشميع جنازته ودفنه اجمعوا للنظر فيما يصلح أمرهم » ويحفظ جامعتهم إلى أن يعرفوا الامام بوفاته ويأتيهم الامر منه بتعيين غيره . ولدى المذاكرة بادرت العامة ؛ ومن لا نظر لهم في عواقب الامور إلى ١ نصب ابنه خلف مكانه ظناً منهم ان ذلك أرضى لامير المؤمنين » وأوفق لرأيه لما فيه من احياء أثر السمح ؛ وجبر خاطر عائلته ؛ وتهوين مصيبتهم » وأنكر الخاصة ذلك كأبي الحسن أيوب بن العباس ‏ وأبي امنيب اسماعيل بن درار الغلماسي وغيرهما ؛ وقالوا : لا يجوز لنا أن نقدم أحداً قبل ان نستأذن ولي الامر في ذلك ؛ فتعلات العامة ومن رغب في تقديم خلف ببعد المسافة قائلين نقدمه مؤقتا ؛ ونعرف الامام » فان رضي به رضينا به ؛ وذلك ما كنا نبغي وان عين لنا غيره وقبلناه وتركنا هذا ؛ فسكت من انكر ذلك طلبا للسلامة وفراراً من التفرق وتشعب الآراء » ووصولها إلى درجة المراء ثم كتبوا كتابا إلى الأمام بينوا له فيه وفاة السمح » وتقديم بعض الناس ابنه خلف وانكار بعضهم ذلك ؛ وقالوا له : الامر موقوف إلى أن يأتى كتابك ؛ فان رضيت به قبلناه » وان أخرته أخرناه » وأرسلوا إلى | لاما مع رسول مخصوص ؛ ولا بلغ الامام تأسف وأغتم وتحسر تحسراً لا مزيد عليه لوفاة وزيره السمح » وأجابهم عن كتابهم بهذا الجواب . جواب الامام ‏ رحمه اللّه ‏ إلى جبل نفوسة في مسألة خلف بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله . . من أمير المؤمنين عبد الوهاب إلى جماعة المسلمين بحيز طرابلس . . اما بعد : فاني آمركم بتقوى الله ؛ واتباع ما امركم به واجتناب ما نهاكم عنم . وقد بلغني ما كتبتم به إلي من وفاة السمح ؛ واستخلاف بعض الناس خلفا ورد أهل الخير ذلك . فان من ولي خلفاً من غير رضاء امامه ؛ فقد اخطأ سيرة المسلمين ومن أبى من توليته » فقد أصاب فاذا آتاكم كتابي هذا فليرجع كل عامل استعمله منكم السمح إلى عمالته التي ولي عليها » الا خلف بن السمح فحتى يأتيه ,أ امري وتوبوا إلى ربكم وراجعوا التوبة لعلكم تفلحون (١ه) . ودفعه للرسول فأتى به إلى طرابلس » ولما فتحوه في الجبل ووجدوا فيه تخطئة من نصب خلفاً والرضاء عمن أنكر ذلك ؛ استعظم الذين قدموه الامر وأنفوا من إبطال الامام عملهم » وقد ذاق خلف في تلك المدة حلاوة الحكم وتلذذ بطلاوة الأمر والنهي » فعض بنواجذة عليها وحث أصحابه على التمسك با فعلوه » وأن يكرروا الكتابة إلى الامام في تنفيذ ما كان منهم من تمديعه . وكأني به وقد وعدهم بالوظائف ومناهم بأماني جعلتهم أشد الناس حرصا على الطلب » كما فعل ابن فندين وشعيب فكتبوا عند ذلك إلى الامام كتاباً آخر في ذلك » وأرسلوه » وما وصل الامام استشعر من القوم الدخول في دورالعناد » وأحس بوقوع التفرق فتربص في الجواب » وتفكر في سد هذه الثلمة ملياً ولا ريب فى انه لا محيص له من احد أمرين خطيرين فاما أن يجيبهم إلى ما طلبوه فيعدون ذلك عجزاً عن معاكستهم وستفحل أمرهم وتنكسر شوكة الآخرين ؛ وربما يعود خلف إلى التسلط عليهم اذا استبد بالرأي واستقل (والناس أتباع لمن غلب) » واما ان يصدهم عن طلبهم وبعين غيره فينموا غيظهم ويتضاعف شرهم ويفسدون في الارض ‏ ويجعلون ذلك ذريعة إلى طلب الاستقلال متى وجدوا فرصة بمساعدة أولي الفساد وعلى كلا الحالين فالأمر مشكل . ثم جزم بعد اقدام واحجام على طريقة اكتشف بها الحقيقة ؛ ووقف على نوايا خلف وحزبه ذلك انه كتب باسم خلف كتابين » احدهما فيه عزله وأمره بتقوى الله تعالى واعتزال أمور المسلمين والتوبة مما صدر منه من الخطأ وحرم عليه فيه أخذ صدقات الناس » وثانيهما فيه توليته ؛ وكتب كتاباً ثالثا الى من التمنه من وجهاء المسلمين بحيز طرابلس أمرهم فيه أن يعطوا لخلف ١١ كتاب عزله أولا » فان قبل وسلم الامر ولم يعد على ذلك ؛ امرهم بالكتاب الآخر الذي فيه امر ولايته وفوضوا له الامر » وان ابي ترك الامور والتسليم والتفكير تركوه وغيه وعرفوه بذلك ليبدي لهم فيه رأيه . ولا وصلت الكتب إلى من وجهت اليهم بطرابلس ؛ امتثلوا الأمر سلموا لخلف الكتاب الأول » ولما وجد فيه عزله أبى واستكبر وأصر على مباشرة الامور غير مكترث بعزل الامام ؛ رضي المسلمون أم كرهوا » وساعده على ذلك جماعته واختل نظام الحكم عند ذلك ؛ ثم ان جماعته كتبوا كتابا إلى العلامة أبي سفيان محبوب بن الرحيل ؛ وهو اذ ذاك مرجع أهل الدعوة بالشرق بعد الربيع ومعاصريه » يستفتونه في المسألة راجين أن يجوز لهم الخروج عن طاعة الامام » ونصب خلف اماماً مستقلاً » بدعوى انهم منقطعون عن تبهرت ومنفصلون عنها بولايات بني الأغلب ؛ كما مر فكتب ليهم بعد أن وصله كتابهم مع رسلهم بتخطئة من ولى خلفاً » وأمرهم بطاعة الامام وحرم عليهم الخروج عنه (وكلما بحثنا عن هذين الكتابين لم نقف لهما على أثر) » وما وصلهم الكتاب وكان على خلاف مأمولهم » نبذوه وراءهم ظهريا » وأنكروا امامة عبد الوهاب وبايعوا خلفاً » وعند ذلك حرر جماعة المسلمين إلى الامام كتاباً في ذلك مفصلاً . ْ"١١ الفصل الرابع ولاية أيوب بن العباس - رحمه الله على الجبل وما وصل كتابهم الى الامام ؛ كتب بالولاية إلى العلامة الباسل أبي الحسن أيوب بن العباس » أحد الاربعة المتقدمين فى الذكر » وكان ذا بأس وشدة في الدين » ولما بلغه الامر فرح المسلمون بذلك وهابه خلف وأتباعه ‏ فالتزموا السكينة » ورفع هو راية العدل ؛ وحمل الناس على الواضحة ؛ وسار فيهم سيرة حمدها جليلهم وحقيرهم ؛ ولازال في رضاء الامام وقبوله إلى ان حضرته منيته » وسار إلى عفو ربه وسعة رحمته ؛ وهو في رضاء المسلمين (ولم نقف على ما يبين مدة ولايته) » فلحق المسلمين بفقده من الكدر مالم يلحقهم على أحد قبله لما أظهره في مدة ولايته من العدل » ولاخماده فتئة وبعد أن شيعت جنازته ودفن » أرسل المسلمون من نفوسة ومن معهم إلى الامام كتاباً بوفاته » وطلبوا منه تعيين من يقوم مقامه ؛ ولما وصله الكتاب أدركه من الكدر ما أنساه حرارة جمرة وفاة السمح قبله ؛ ثم تفكر ملياً فيمن يوليه الأمر ء فلم يهتد إلى أحد لارتباك أفكاره وتغير سماء ذهنه بمصيبة هذا الشهم الجليل التي ذكرته رزية ذلك الطود الفاخر ؛ فأرسل اليهم ان يختاروا من كان منهم أهلاً لها ويعرفوه ليأذن لهم في تقديمه . ١ الفصل الخامس ولاية أبي عبيدة عبد الحميد رحمه الله على الجبل وما ورد عليهم كتاب الامام اجتمعوا لقراءته » واتفقوا على أبي عبيدة عبد الحميد الجناوني ذلك الرجل المشهور بالعلم والورع ؛ وكتبوا إلى الامام بذلك كتاباً » وما وصله رد في الحال اليهم كتاباً بالاذن في توليته » ولما بلفهم استبشروا وأرسلوا إلى أبي عبيدة » (وكأنه لم يبلغه خبر اتفاقهم الاول » ولعله كان سراً) فحضر إلى المجتمع ؛ وبلغوه اذن الامام » وقالوا له ان أمير المؤمنين يأمرنا بطاعتك والانقياد لأوامرك ؛ على ان تقضي فينا بكتاب الله وسنة وسوله وآثار الصالحين فماذا تقول؟ فاستعظم أبو عبيدة الامر ؛ ورهب من ذلك الموقف الجلل لما في مستقبله من الصعوبات بوجود خلف واتباعه الشاقين لعصا الطاعة ؛ ولما في تقلد أمور المسلمين من المشقة وسوء العاقبة ديناً ودنيا ان زاغ يوماً ما (لا سامح اللّه) عن جادة الصواب ؛ فلم يكن منه الا أن دفع ذلك عنه وتبرأً قائلاً : أنا ضعيف أنا ضعيف أنا ضعيف (عن القيام بهذا الامر العظيم فانظروا غيري) ‏ ولما لم ينالوا منه طوعا » ولم يظفروا بمراد بعد كل رجاء ؛ أعادوا الخبر إلى الامام وبينوا له ما جرى مفصلاً فازدادت رغبة الامام فيه وتفرس فيه النجاح : فأرسل اليهم كتابا مصدرً بأبمان مغلظة بأربع لغات عربية وجضرية أ وبربرية وحبشية (لانه كان رحمه الله يتكلم بلغات متعددة) ؛ على انه لا يقلد أمر المسلمين الا رجلاً يقول انا ضعيف ؛ وكأنه رحمه الله أدرك بذكائه حكمة تكرير ابي عبيدة جملة انا ضعيف ثلإثاً ؛ فكتب اليه الامر بالدخول في العمل وحتم عليه قبول الولاية » وقال له : ان كنت ضعيفا في البدن فادخل في امور المسلمين » والله يقويك » وان كنت ضعيفاً في لمال فبيت مال المسلمين يسعك ويسع غيرك » وان كنت ضعيفاً في العلم فعليك بأبي زكرياء التوكيتي . ولما ورد الكتاب على نفوسة اجتمعوا وطلبوا أبا عبيدة فحضر » وأطلعوه على قول الامام » وقالوا له لا بعك الآن الا القبول وامتثال الامر » واذ ذاك علم انه لاا محيص له عن القبول » الا أن من باب الثبات والتأني في ذوات البال من المسائل ؛ سألهم المهلة في الجواب ؛ ثم توجه إلى عجوز هنالك مشهورة بالعلم والزهد ؛ وكان بيتها مجمعاً للعلماء واهل الصلاح من المسلمين » وقال لها : ان امير المؤمنين قد ألح علي في التولية على الجبل بعد كل امتناع مني » وقد جئتك مستشيراً ؛ فما رأيك؟ فقالت له : ان كنت تعلم ان في نفوسة من هو افضل منك واقوى على القيام بالامر » وتقدمت فستكون خشبة في جهنم » وان علمت انه لا يوجد فيهم ذلك وتأخرت فكذلك (وليس هذا الكلام من قبيل كلام ابن فندين ومن معه فليتأمل) فقال لها : أما في امور الرجال فلا أرى أن احداً يقوم مقامي ؛ (وهذا ايضاً منه رحمه الله حكاية للواقع لأنه في مقام الاستشارة الموجبة لذلك لا افتخار) فقالت له : ادخل حينئذ في الامر ء واشهر الحق ؛ والا فسخ الله عظامك في النار ؛ فرجع إلى اللجماعة وهم في انتظار » وقبل الأمر ففرح الناس فرحاً شديداً ؛ وعمهم السرور حتى قالوا امضوا بنا لزيارة (وقاية) ‏ فانها افضل من عمائمنا حيث كانت السبب فى قبوله الولاية . ١ فشمر رحمه الله لأحياء السيرة وعدل في الاحكام » واستعمل على النواحي من حسنت سيرته وطابت سريرته من المسلمين ؛ واستصحب معه للمشورة فى مهمات الامور خيار المسلمين وارباب العلم والنصيحة في الدين ِ كابي زكريا الملذكور وابي مرداس وابي الحسن الابدلاني وغيرهم بمن يطول ذكرهم . وقد ذكر العلامة الشماخي رحمه الله نقلاً من الطبقات انه كان احد علماء نفوسة الموصوفين بالاخلاق النفيسة ميالاً إلى ما طبع عليه من الورع ؛ واطراح الحرص في الدنيا وترك الطمع » وقال كان غاية في انقاذ الامور وامضائها وقائماً بالمدافعة لأحوال البغاة » ودفاعها ووافياً بما أمر به من اصلاح النفس والدين والدنيا وتحصينها (١ه) . ولما بلغ خبر قبوله الولاية إلى خلف » طارت شرارة غضبه بين قومه ؛ وتولى الشيطان كبره فرفع راية العناد وجدد الخلاف والانكار على الامام ؛ ثم شن الغارة على بعض الاطراف .ما تحت حكم أبي عبيدة وعتا في الارض ؛ فأخاف السبل ؛ وقطع المواصلة بين الناس فأرسل أبو عبيدة إلى الامام ببيان ذلك كله ؛ وأستأذنه فى محاربته » وكان الامام كما قلناه شديد التحري في سفك الدماء » واعلان الحرب » فلا يقدم على شيء من ذلك الا بوجه شرعي لا خلاف فيه ؛ فرد إلى أبي عبيدة الجواب بملاطفة خلف ومناصحته وعدم المبادرة إلى فتح باب القتال معه ؛ الا ان فاجأهم بمكروه ؛ فليدفعوه عن أنفسهم بأقرب وسيلة وأبعد طريق عن المضرة » فامتثل أبو عبيدة الامر » وعدل إلى السكون فهدأت حركة خلف ؛ قانعاً بما في حيزه ساعيا في استمالة الناس إليه . ١١٠ حكاية ابن يانس المفسد التابع لخلف وجواب الامام إليه وكان من خواص رجال خلف ؛ عمرو بن يانس ؛ منبع النميمة ومعدن الفساد وجرثومة الشر ء وأس المفتريات الذي كان دابه ؛ تتبع خطايا المسلمين وزلاتهم ؛ والتجسس عن أحوال الناس » خاصتهم وعامتهم ؛ لا لينهاهم عن منكر فعلوه » أو يأمرهم بمعروف ضيعوه ؛ بل ليتوصل بتلك الاكتشافات إلى القاء العداوة والبغضاء بين الناس » وايقاد نار الفتنة » فان هذا الرجل كان يكاتب الامام بكل ما يسمعه من خطأ ؛ في فعل أو قول ؛ من أعيان المسلمين مع زيادة أضعاف ذلك زورا وبهتاناً بدون أن يكلفه الامام بشيء من ذلك ؛ زاعماً انه يخدم دولة الامام والاسلام ؛ تشبهاً بأرباب الاصلاح (وما هو الا مفد كذوب) شأن كثيرين من شياطين الانس فى كل زمان ومكان ؛ ويعبر عنهم في بعض البلاد الآن بالشاشيدات ؛ فان شأنه مخابرة الحكام سراً بعورات الناس مع الطعن في خواصهم ؛ على افتراء في أكثر الاحوال غواية من الشيطان الرجيم » وحداً وطمعاً في حطام الدنيا والعياذ بالله . ولما أكثر عمرو هذا من مخاطبة الامام » وتبين له زوره وكذبه ؛ كتب اليه كتاباً في غاية الايجاز » كله حكم وجواهر » ترشد الحائر وتهدي الضال وتبكت الكاذن » كما تدل على ذلك قطعة منه ؛ عثرنا عليها تصدق ما يقال من أن كلام الملوك ملوك الكلام وهذا نصها . أعاذنا الله يا عمرو بن يانس من النزول بعد الطلوع ؛ ومن الترك بعد الاجتهاد » ومن بغض المسلمين بعد محبتهم ؛ ومن نفاق تخفيه الصدور ؛ ومن اقتحام الاشياء من غير تجارب (1ه) . وأمر رسله أن يبلغوه اليه ؛ وقال لهم : ما أظنكم الا أن تدركوه ميت ؛ وقد كفى الله المسلمين شره » ولما أشرف المرسلون على بلدته » رأوا نعشاً خارجاً فقالوا من هذا فقيل لهم عمرو بن يانس ؛ فقالوا : الحمد لله الذي استجاب دعوة الامام فيه . ١ وكان عمرو هذا ممن يتلقى العلوم عن شيخه العلامة الكامل » أخيه أبي امنيب ما مد (محمد) بن يانس ؛ مع الشيخ العلامة أبي خليل ؛ الا أن للشيخ رحمه الله فرقاً فيهما في المعاملة بالهام من الله ؛ فكان اذا دخل عليه أبو خليل أظهر احترامه وتعظيمه ؛ حتى انه ليقعد اذا دخل عليه ؛ وهو مستند بخلاف ما اذا دخل عليه عمرو » فانه يعكس الامر » ولما سثل عن ذلك قال : اما أبو خليل فانما يتعلم لله » وأما عمرو » فانما يتعلم ليؤذي المسلمين ويعنتهم » فآل أمر خليل إلى أن صار قدوة في الدين وكهفاً للمسلمين » وآل أمر عمرو إلى ما ذكرناه من الانضمام إلى خلف ؛ وللّه في خلقه تصرف غريب ؛ يضل من يشاء ويهدي من يشاء (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أ يضله يجعل صدره ضيقاً حرجا) وبقي أبو عبيدة رحمه الله قائماً بأموره في حيزه ؛ مواصلاً للامام بما يجب من المال ؛ حتى انقضى أجل الامام » فذهب رحمه الله إلى دار البقاء ؛ والمسلمون شرقاً وغرباً راضون عنه » كما ستطلع عليه في هذا الجواب . جواب إلى امام عمان وقد وقفت على رسالة من أرباب الصلاح والاصلاح من أهل الدعرة الاباضية بالشرق » كتابها مجهولون أرسلوها إلى امام عمان بتاريخ 177 هجرية تقريبا ينصحونه فيها كما هو شانهم في كل عصر ء افتتحوها بما نصه بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله إلى امام المسلمين الصلت بن مالك المبتلى بأمور أهل عمان » ومن وصله كتابنا هذا من المسلمين أهل عمان ؛ من أهل النصيحة لهم والشفقة عليهم اخوانهم » وأهل دعوتهم من أهل الستر في أمكنتهم » سلام عليكم إلى آخرها ؛ وهي طويلة تتجاوز عشرين ورقة » كلها مراشد وقواعد لشد ١٠ دعائم الامامة وحفظ هيكلها » وفيها ما يدل صريحاً على أن أباضية المشرق لرأي الربيع ‏ رحمه الله - في الرضاء عنه » والاقرار بامامته فى المغرب ؛ وتخطئة المنكرين عليه ِ وهذا ما حرره كاتب تلك الرسالة فى ذلك بالخرف الواحد . قال : ولو أن فرقة من المسلمين خرجوا عن الامام ؛ يلتمسون منه أشياء ويدعونها عليه ؛ نما لا يستدل المسلمون على أنهم صادقون فيه ؛ او كاذبون ؛ والامام ينكر ذلك ويدعى عليهم ظلماً أيضاً » لا يعرف المسلمون ما يذكر فيه فخرجوا عليه » واستحلوا قتاله من قبل أن يوضحوا عليه تلك الاشياء » التى ادعوها 4 فهم بغاة علي الامام 1 ويحل للامام قتالهم 1 وذلك لان لا ينبغي للمسلمين أن يقاتلوا امامهم بالاشياء التى يدعونها عليه ؛ حتى يوضحوا له ما ادعوه » ويستتيبوه فيصر ّ ولا ينوس 6 ويأبى الا ختلاع علهم » فان تعدوا عليه فتاتلوه وزحفوا اليه يطلبون ازالة امامته بمجرد الدعوى لاغير » فقد حل للاما م وجميع المسلمين قتالهم لبغيهم ِ وتركهم رأي من كان قبلهم من المسلمين . وبهذه المنزلة كانت الخارجة على عبد الوهاب (امام الملغرب)؛ لاستحلالهم الخروج عليه بدعوى الشروط التي يقرون على أنفسهم بالظلم فيها ء وقولهم نعز لك لاننا أصبنا من هو أعظم منك ؛ وقد كان المسلمون رحمة الله عليهم ولوا من ولوه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ّ وفي الرعية من هو أعلم منهم في الاحكام ولو كان الأ مر كما زرعموه من عزل الامام كما حدث من هو أعلم منه ؛ لكان أمر المسلمين مختلطا أبدا ؛ ولكانوا كل يوم في انتظار ظهور من يزيل امامة امامهم » والحال أن المسلمين قد ولوا 1 ب بكر رحمه الله بعد وفاأة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ومعاذ بن جبل حاضر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 4 «معاد أعلم العلماء» 6 وقال معاذ أعلم أمتي با خلال والحرام » فلما استحل الخارجون على عبد الوهاب الخروج عليه بالاشياء التي يعلم المسلمون انها بدعة وخطأ » وانها لا تزيل امامته » علموا انهم مخطئون مبتدعون » فدعوهم إلى ترك ما دخلوا فيه من البدعة » وإلى مراجعة الحق ؛ فأبوا الا تماديا على إ ِ لمعصة,. ثم زحفوا إلى المسلمين فقاتلهم المسلمون َ وامامهم عد الوهاب على اصرارهم علي المعصية ؛ وادعائهم زوال امامته بلا حدث واضح عند المسلمين انتهى المراد منه . كنت أعتقد أن الامام الكبير ابا عبيدة مسلماً ‏ رضي الله عنه - توفي في أواخر دولة الامام عبد الرحمن ‏ رضى الله عنه ‏ لما يؤخذ من ظاهر كلام أبي زكريا رحمه الله َ وقد مر ذكره 6 ولعدم ذكره في الكتب الموجهة إلى المشرق مدة خروج ابن فندين عن الامام عبد الوهاب » ثم عثرت في رسالة للعلامة محمد بن محبوب العما نى إلى أهل الملغرب َ على ما يؤذن بخلاف ذلك » اذ قال رحمه الله : بعد كلام هكذا وذلك فى زمان ابى عبيدة مسلم ؛ وعن رأيه كان ذلك من عقد أهل المغرب لابي الخطاب ثم إ بن رستم بعده ثم عبد الوهاب بعد ذلك (١ه) . فدعاني هذا إلى البحث على اكتساب حقيقة ذلك ؛ حتى وقفت على قطعة رسالة في مجموع لبعض أصحابنا المشارقة ؛ ذكر كاتبها انها من الامام أبي عبيدة إلى الامام عبد الوهاب » فتحققت انه حضرله » وانه كتب الرسالة في صدر امامته » وتوفي قبل خروج ابن فندين عنه ؛ ولذلك لم يذكر في جوابات الشرق » والله اعلم . والموجود من هذه الرسالة آخرها لا غير ؛ لان صاحب الكتاب المنقول منه قال هكذا . ٠7 (يسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم) ومن سيرة الامام أبي عبيدة الى الامام عبد الوهاب ابن عبد الرحمن بن رسستم قال : لا يخلو اما أن تكون دعوت الناس الى نصرتك على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ء فلم يجيبوك ؛ وأفردت فهلك القوم وثبتت ولايتك لاخوانك وزالت امامتك » واما أن لا تكون دعوتهم » فزالت امامتك بالتضييع ؛ واستعلان الباطل قبلك واماتة الح فلا امامة لك ؛ واما أن تحمل سيفك على عاتقك فتفيء الله بما ضمنته له ؛ وتلحق بائمة المسلمين قبلك فيهلك من استنصرته فخذلك ؛ واما ان تكون رجلاً قد عزت نفك عليك ومن قبلك ؛ فحللت المسلمين من ولايتك والسلام انتهى . وعلى أثر هذا تفسير له لم ينسبه صاحب الكتاب لاحد » الا ان الذي يدل عليه بعض منه انه له ؛ والذي يدل عليه البعض الآخر انه لغيره ؛ وعلى كل حال فقد سلك فيه كاتبه طريق الشدة معرضاً فيه بما اشتهر به بيت الرستميين ‏ رضي الله عنهم - من علمي التنجيم والرمل ؛ مشيراً الى بعض ما ادعاه قوم ابن فندين على الامام » واللّه أعلم بالحقيقة قال صاحب الكتاب . وتفسير ذلك الله أعلم ‏ ان الامام اذا رأى الرعية لم تستقم لله على الطاعة التي ينالون بها ثواب الله عليه ان يدعوهم الى الوفاء لله بطاعته ؛ فان لم يجيبوه الى طاعة الله ؛ وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ وبقى منفرداً بنفسه هلك كل من كره الاجابة الى الاستقامة ؛ وبقيت ولآية الآمام عند من حضر من المسلمين » وزالت امامته عند الناس » لانه قد صار في هذا الوجه الى حد الكتمان » واذا كتم الامام خرج من حد الامامة والظهور ١١ بالاسلام ؛ لان البيعة انما هي على اقامة كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام ؛ واتباع آثارالمسلمين منه ومن الرعية » واذا لم توف الرعية بذلك ضلت ؛ وصار الامام الى حد الكتمان لانه لا يظهر المنكر بحضرته ؛ الا على احد وجهين : اما ان يكون مقهوراً ذليلاً ؛ فعليه ان يخرج من الامامة ويعتزلها . واما ان يكون مداهناً مقصراً » فلا امامة له بالنتكث وتركه الوفاء بما عاهد الله والمسلمين عليه . وقد بلغنا ان ابا بكر الصديق ‏ رضي الله عنه ‏ بلغه أن أناساً من المسلمين كرهوا مقامه » فصعد المنبر وحمد الله واثنى عليه » وقال : (أيها الناس كرهتموني فاستقيلوني اقلكم . فقال له علي بن ابي طالب : هيهات هيهات لا تقال ولا تستقال) . فاجمع صالحو المسلمين على الرضاء بامامته ؛ وذلك لانه لا يلتفت في هذه الامور الى انكار العامة ؛ ولا الى رضائهم ‏ وانما ينظر الناظر لله ولدينه » وللإسلام وأهله وهم المستنبطون » واما سواهم من الناس » انما عليهم الاتباع والا نقياد » وليس لهم من النظر للاسلام وأموره ؛ والتقديم فيها شيء قال الله عز وجل (واذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) ؛ وهم أهل العلم بالكتاب والسنة ؛ لانهم المنهاج » ألا ترى انه ذمهم حين لم يردوا الأمر الى الرسول والمستنبطين . وكان عمر بن الخطاب ‏ رضى الله عنه ‏ اذا رأى من المسلمين تقصيراً قال لهم : اما ان تقوموا بما عاهدع الله به » والا خرجت اليكم من الامامة . فكذلك ينبغي » لان كلاً قد وجب عليه الوفاء لله بما عاهده به وذلك اذا كان عن مشورة من خيار المسلمين ورضائهم به لله ولدينه ؛ ثم كان منهم الوفاء بذلك والاستقامة فيه ؛ فان عمر ‏ رضي الله عنه ‏ قال : (الخلافة) ما أنتمن عليها يعني ماكنت عن مشورة أهل العلم والصلاح ؛ ١" و(الملك) ما أخذ بالسيف فكل امامة كانت عن غير مشورة من أهل العلم والصلاح » فهي ملك ؛ وكذلك من عقد له الاشرار فهي ملك . (أصل) واما أن لا تكون دعوتهم ؛ فزالت امامتك بالتضييع واستعلان الباطل قبلك واماتة الحق فلا امامة لك ؛ (تفسير) وذلك لان الامام اذا ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر » واقامة الحدود وصلاة الجمعة بالناس ؛ من غير عذر يعذر بذلك مثله الفقهاء » وترك جهاد العدو ودفعه عن المسلمين زالت امامته بما قصر فيه من أمر الظهور بذلك كله أو ببعضه » وكذلك اذا بدل السيرة ؛ فسار بغير سيرة من مضى ؛ وبغير ما هو معروف من سيرتهم وكذلك اذا ترك الاحكام . (أصل) واما ان تحمل سيفك على عاتقك فتفيء لله بما ضمنته له أو تلحق بأئمة المسلمين قبلك فيهلك من استنصرته فخذلك . (تفسير) هذا تفسير لاول الكلام ؛ لانه اذا بقى معه أربعون رجلا من أهل الصلاح ؛ فلا عذر له في الضعف ؛ فاذا لم يبق معه أربعون من أهل الصلاح والامانة » فعليه ان يعتزل الامامة » ويحل اللواء وتسعه التقية ؛ فان رجعوا اليه فليلزم بيته » ولا يقبل ذلك منهم ؛ فقد اختبر غدرهم ويقال لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين . فكل من دخل في الامامة والعمالة ؛ وله فيها رأي اذا كان يعجبه ذلك يعني يجب الدخول فيه ؛ ويحن اليها وامام المسلمين وعاملهم فيها كالمسجون ؛ وهو كاره لذلك ؛ فانه على خطر عظيم ؛» والذي يوجد عن المسلمين ايما امام جبى ارضا جباها غيره من الجبابرة » فلم يمنعهم من الظلم لضعف منه ؛ أو مداهنة هو امام جائر فاسق نخلعه » ونبرأ منه ولا لبس الحق بالباطل » ونحن نعلمه لا تختلف احكامنا على الناس » وهذا ديني ومذهبي واعتقادي ؛ ولست من يصدق النجوم والكهانة ولا بالملاحم » لكني اتبع ١7 النبى محمداً صلى الله عليه وسلم وأقتدي بآثار الصالحين الذين لم يتخذوا دينهم لهواً ولعباً ‏ ديني دينهم » وان كنت قد بان لك الحق فالحق مقبول ؛ والسلام عليك وعلى المسلمين من تلك البلاد أجمعين » وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليماً . انتهى فليتأمل . وفاته وعدد مدته وأولاده ومقدار علمه - رضي الله عنه (هذا) والذي يوجد فى بعض التقاييد ؛ أن إمامته كانت 60 سنة؛ والذي ذكره المؤرخ المراكشي المالكي »انها كانت عشرين سنة » لانه على رأيه ولي سنة 1168 ه وتوفي سنة 188 ه ؛ والصحيح ان ولايته كانت سنة ١ه ء كما تقدم ومدته ١ سنة فوفاته تكون سنة 0١٠ ه تقريبا كما سيتضح ؛ وكان له من الاولاد المشهورين ميمون المقتول في حياته ويوسف وافلح الامام بعده » ومن الحفدة محمد بن يوسف ومحمد بن ميمون ؛ (ولعله هو الذي قدمه قائداً للجيش المذكور سابقاً) وأبو معبد عبد الرحمن حفيد ميمون » وكان له عدة رسائل واجوبة مفيدة جدا في فنون شتى بعضها موجود وبعضها مفقود . قال ابن الصغير : وكان لعبد الوهاب كتاب يعرف بمسائل نفوسة الجبل » كتبت اليه في مسائل أشكلت عليها ؛ فأجابها عن كل مسألة ما سألت عنه » وكان هذا الكتاب في أيدي الاباضية مشهوراً عندهم معلوماً يتداولونه قرناً عن قرن » الى أن لحق الفضل . . » فأخذته من بعض الرستميين فدرسته ووقفت عليه ألخ . وله أقوال مشهورة معتمدة في كتب الفقه وغيرها ؛ وذكر ابو زكرياء وغيره انه رحمه الله ارسل الى اخوانه بالبصرة في الشرق ألف دينار ليشتروا له به كتباً ولما وصلتهم اتفقوا على أن يشتروا بها كلها رقا فكان ذلك ؛ واستنسخوها من عندهم ؛ فكانت وقر أربعين جملاً »ولا بلفته اجتهد في ١7 مطالعتها ؛ وتصفحها أوقات فراغه من الاشغال » وجد فى ذلك حتى قيل انه يتجرد من ثيابه ولا يترك الا السراويل ؛ حتى اتممها فقال : الحمد لله الذي علمني كل ما فيها من قبل ولم استفد منها إلا مسألتين ؛ وقيل ثلاث مائل » ولو سألت عنهما لاجبت فيهما قياساً كما رسمتا فيها . فلله دره من بحر . وكانت مكتبته تشتمل على آلاف من المجلدات » وذكر الشماخي ‏ رضي الله عنه ‏ نقلأً عن ابن سلام ان نفات ابن نصر النفوسي حدث ان هذا الامام أرسل الى الامام الربيع بالمشرق اثنى عشر ألف درهم (اعانة له كما أعانوا والده الامام عبد الرحمن قبل ذلك) فاشترى بها الربيع سلعة ؛ وأرسلها اليه مع اخيه » فكلف الامام بها بعض تجار تيهرت فباعوها » واشتروا له بثمنها غيرها في ثمانية ايام وأرسلوها اليه . وقيل ان علماء من أصحابنا المشارقة زاروا جبل نفوسة وتيهرت ؛ ولما سألوا بعد ذلك اختاروا من تيهرت الامام ووزيره مزور بن عمران » ومن جبل نفوسة أبا مرداس وابا زكرياء التوكيتي » والعباس بن أيوب ؛ وقال ابو العباس في الطبقات : وكفاك في فضل الامام وعدله قول ابي مرداس : لا أعرف الا الامام ووزيره » وهذا الفزاني » ولم أره وانما أعرفه بكتابه يعني عبد الخالق الفزاني المشهور ؛ واخبار هذا الامام كثيرة » واللّه اعلم . عمال هذا الامام وكان من ولاته وعماله المشهورين ؛ العلامة وكيل بن دراج النفوسي من بني يخلف عامله على مدينة (قفصة) وما يليها . والعلامة سلام بن عمرو اللواتي عامله على (سرت) ونواحيها » والعلامة محمد بن اسحاق الخزري عامله على (نفزاوة) والعلامة جارون بن القمري الزناتي ؛ والعلامة نهدي بن ١١ عاصم الزناتي » والعلامة ييران اليزمرتني المزاتي » وهؤلاء لم أعلم اماكن ولايتهم إذ لم يبين الشماخي ‏ رحمه الله ذلك . والعلامة ابو يونس وسيم النفوسي التمزيني عامله على قنطرارة (مدينة تيجي) والعلامة أبو عبيدة الجناوني » واليه على (جبل نفوسة) ؛ ويعرف الأآن بجبل الغرب » والعلامة مدمان الهرطلى » وقد امتحنه الامام فبعث اليه ذات مرة كتابين في احدهما عزله وفي ثانيهما ولايته » ولما فتح الاول قال : رحم الله الامام علم ضعفي وقصوري عن هذا الامر ء فكتب بعزلي » ولما رفع اليه الثاني » وقرأه قال : رحم الله الامام ؛ علم أن لا أحد يحلني من هذا الامر » فاستحسن الناس منه هذا الانقياد التام » وكان مستقيم الحال ؛ والعلامة ايوب بن العباس واليه على (جبل نفوسة) » والعلامة سلمة بن قطفان الزواغي عامله على مدينة (قابس) . والعلامة مدرار عامله على (جبل دمر) ‏ والعلامة مناد » والسياسي الشهير مزور بن عمران الهواري قبل تقليده الوزارة » ولم يذكر أحد محل ولايته هو ؛ والذي قبله » والعلامة السمح بن ابي الخطاب واليه على ([جبل نفوسة) والمشهورون من وزرائه السمح ومزور » وغير هؤلاء كثيرون أهمل ذكرهم المؤرخون المتأخرون لعدم وجود المادة بفقدها بالحرق في أواخر الدولة » وبعدها كما سيأتي خبر ذلك ؛ واللّه أعلم . 117 الفصل السادس خلافة الامام أفلح بن عبد الوهاب - رحمهما الله - وكناه المراكشي بأبي سعد ولم ثره لغيره لما كانت الامور بجبل نفوسة مضطربة بخلف وأتباعه » وقد وقع بأطراف تيهرت ما مر ذكره من الحروب التي أبقت في النفوس حزازات وربت في الضمائر أحقاداً ؛ خاف أهل الرأي وأصحاب الشورى من المسلمين بعد وفاة الامام عبد الوهاب ان يحصل بتأخير نصب امام غيره بعض حركات فسادية فبادروا في يوم وفاته إلى ابنه الامام أفلح » الذي كان مترشحا للامامة بأعماله العالية وعلومه ومداركه الواسعة » فبايعوه وسلموله مقاليد الامور؛ بدار الامارة قطعاً للخلاف على أن يسير فيهم بالكتاب والسنة وآثار السلف الصالح » فقبل منهم ذلك على ذلك سنة 140 ه مائة وتسعين من الهجرة ؛ وعلى قول المراكشي يكون ذلك سنة 188 » وليس كلامه في هذا الباب بسديد لما سيأتي تحقيقه . وما كاد ينتشر خبر وفاة الامام عبد الوهاب ؛ وولاية الامام افلح حتى وردت اليه كتب العمال وصلحاء المسلمين من كل الجهات ؛ والولايات بالتعزية مع تقديم البيعة » ومن ذلك كتاب ابي عبيدة ومن معه في حيز طرابلس ؛ وفيه استأذنه فى محاربة خلف وحزبه اذ اشتد فسادهم ؛ وكثر جورهم وتعديهم بعد سماعهم بوفاة الامام 8 منهم أن الامر بتيهرت لا ١٠١ يستقيم بعده » وأن الذي يتولى الامامة سيكون له اضطراب » وارتباك فلا يلتفت اليهم فينالون في تلك المدة غرضهم ؛ فأجابه الامام بكتاب امره فيه بمسايرة خلف » واستعمال كل سياسة توطد الأمن وتحقن الدماء » وتسد أبواب الحرب كما صنع والده قبله » فامتثل أبو عبيدة الأمر وزاد خلف في العناد فوالى النهب والقتل والسلب في كل من عشر عليه من أتباع أبي عبيدة ؛ وتحيز بجيوشه إلى مكان يعرف بتمتي والظاهر » واللّه أعلم انه قرية من القرى التي يسكنها عرب الرجبان في وقتنا هذا ؛ وتغلب على ما وراء ذلك من الجبل إلى جهة الشرق ؛ وقطعه عن أبي عبيدة وهم بين راض وساخط » وشدد المضايقة على أبي عبيدة في حدوده حتى مل الناس واستمالهم » ومن حكمة القضاء والقدر أن أخصب الله جهته ؛ وأجذب جهة أبي عبيدة في بعض السنين » فرغب أرباب الحيوانات وأهل البادية في جهة خلف ؛ ورحلوا اليها تبعاً لرخص الأسعار وجودة المرعى ؛ فكثرت بذلك اتباعه وقوى جنده وأعجب بذلك حتى حدث نفسه بالهجوم على أبي عبيدة والاستيلاء على ما في يده وضم الجبل كله اليه . المحاربة الاولى لأبي عبيدة ‏ رحمه اللّه مع خلف فخرج خلف بجيش كبير قاصد ناحية (جادو) » وما سمع أبو عبيدة بذلك خرج بمن معه إلى طرف غابة الزيتون ؛ وعسكر بمكان هناك يبعد عن الجبل بمسافة ساعة تقريباً غير بعيد من قرية (أدرف) بلدة العلامة أبي محمد الدرفي » وهي مشهورة إلى الآن بهذا الاسم » الا أنها خراب مأوى لقطاع الطريق والسراق ومكمن للصوص ؛ ولم يشعر أبو عبيدة رحمه الله حتى غشيته فرقة من جيش خلف فيها أربعمائة فارس بين مواليه » وأقاربه واخوته » فأمر أبو عبيدة بالكف عنهم وعدم التعرض لهم ؛ إلى ان يدأوا 8٠ بالشر » ويدخلو حريمه فأغاروا على قرية (أدرف) » وهي في طاعة أبى عبيدة ؛ وشرعوا في النهب والقتل ؛ وكان أهلها ضعافاً قلالا » ولا بلغ أبي عبيدة أنهم قتلوا نحو عشرة رجال وتحقق ذلك ؛ قال لأصحابه الآن وجب الدفاع ؛ واندفع هو واصحابه اليهم وناجزهم القتل ؛ فولوا الادبار منهزمين » بعد أن هلك منهم من هلك ؛ حتى وصلوا خلفا ومن معه من العسكر وقد ترك ابو عبيدة سبيلهم ؛ ولم يتبع ادبارهم ونهى عسكره عن ذلك ؛ فرجع بهم خلف إلى (تمتي) » وعاد أبو عبيدة إلى جناون » وهو يظن ان ذلك يقنعهم ويردعهم عن الرجوع . ثم ان أبا عبيدة كتب إلى خلف كتاباً يعظه فيه » ويرشده رجاء أن يتيقظ من غيه » ويكف عن الفساد ويقول له فيه هكذا (واذ نزعت يا خلف يدك عن الطاعة فكن في حيزك وأكون في حيزي وما بال الحرب) فلم يقنعه ذلك » وحرض قومه على الاعتداء والمشابرة على الغارة والفتك بأصحاب ابي عبيدة أينما وجدوهم ؛ ودام الحال على ذلك نحو سنة » وأبو عبيدة يناصحه ويلاطفه ؛ ولم تنفعه الذكرى (ومن يضلل الله فلاهادي له) . المحارية الثانية لابي عبيدة رضي الله عنه ‏ مع خلف ولما اشتد الحال » وضاق الفضاء بأبي عبيدة ومن معه من فساد اتباع خلف » وبلغ خبر ذلك إلى خلف ؛ خرج بعساكره قاصداً أبا عبيدة كأول مرة » وكان في أربعين ألف مقاتل ؛ فلاقاه أبو عبيدة لما بلغه خبر خروجه في في قليل من أصحابه ؛ اذ جاءه الخبر على حين غفلة ؛ ويقال أن الذين كانوا معه لا يتجاوزون عدد أهل بدر » وهم ثلاثماثة وثلاثة عشر ء وقيل كانوا صبعماثة من أهل الفضل والعلم الذين لهم الثبات في الحرب . وما ترآى العسكران تاه خلف اعجاباً بكثرة جنده وقوته وقلة جند أبي ١٠ عبيدة غافلاً عن قوله تعالى (وما النصر الا من عند اللّه) وقوله (وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين) وقوله (ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) واذ ذاك رأى أن قتالهم عبث وتلاعب ؛ وان محوهم وابادتهم بالسيف على زعمه مع اقرارهم بامامة الامام أفلح ؛ ما يورث له فخر يذكر » اذ لم يكونوا كفئاً له ولجيشه على حسب غروره ؛ واستظهر أن يدعوهم الى خلف الامام ومبايعته هو » والاقرار بامامته طمعا منه في رهبتهم ومبادرتهم الى اجابة طلبه ؛ فيكون ذلك زيادة تعظيم لشأنه واعلاء لقدره ؛ واهانة لهم واماتة لقلوبهم » وجعل لذلك مقدمة كانت السبب في انهزامه فسرح عسكره فيما قرب منه من قرى أبي عبيدة ورعيته تسلب وتقتل ؛ ثم أرسل الى أبي عبيدة رسولين يأمرانه بخلع الامام والدخول في طاعته هوء ولما بلغا أبي عبيدة طلبه قال لهما : وكيف نخلع امامنا بدون حدث يوجب خلعه والبراءة منه » وما الذي سوغ لصاحبكما (خلف) هذا الخروج والعصيان » وقد كان أبوه السمح أعلى منه شأناً وقدراً وكان راضياً على الامام طائعاً له الى أن توفي ؛ فتعللا له على لسان خلف ببعد ما بين تيهرت والجبل » وفصل بعض ولايات بني الاغلب بينهما وزعما ان ذلك ما يجوز لهم الاستقلال » فقال لهما ولم لم يفعل ذلك والده ؛ ولم يقله بل كان يجمع الحقوق ويرسلها الى الامام لما كان عاملاً له . ولما طال الكلام بينه وبينهما وأفحمهما بالحجة القاطعة عدلاً ألى اظهار القوة والارهاب » فقالا انا نخاف عليك ان لم تجبه إلى ما دعاك اليه أن تكون سببا في اراقة دماء لا يعلم قدرها الا الله » وذلك أمر عظيم عنده فقال : وأي الأمرين عندكم اعظم » ترك القيام بدين الله واضاعته ؛ أم اراقة الدماء؟ فقالا : اراقة الدماء أعظم فقال : لو كان ذلك صحيحاً لما الجتمع أهل النهروان للدفاع » ولا اهل النخيلة ولا أبو بلال واصحابه ؛ ولا أبو يحيى ١ طالب الحق وابو حمزة وأصحابهما » ولا ابو الخطاب ومن تبعه » ولا ابو حاتم ومن معه ؛ وما اشبه هؤلاء فان كل فريق منهم قام للدفاع في زمانه عن الدين واحيائه » عالاً بأن في ذلك من اراقة الدماء واتلاف الانفس ما تعلمونه » وقد استشهد بعضهم على تلك النية الحسنة (وانما الاعمال بالنيات) » وبلغ بعضهم القصد فأنار الملة وأظهر الحق وأخمد الباطل ما شاء الله من الزمن » وما نحن الا بضعة منهم وبقية من آثارهم فنحن على نهجهم القويم سائرون لا نبغي به بدلاً ولا عنه حولاً ؛ ومن أراد غيره فاللّه يحكم بيننا وبينه بالعدل وهو خير الحاكمين ؛ ثم اعارهما جانبا من اللين . فقال : حيث انكم تعظمون أمر الدماء على الدين فأبلمًا خلفاً بأن نترك القتال اليوم ونصبح غداً » (وهو يوم اللجمعة) صائمين ويأتي لتصعد على الجبل » ومعنا ابو المنيب اسماعيل بن درار الغدامسي ؛ ثم نبتهل الى الله تعالى فنجعل لعنة الله على الظالمين » ونسأله ان يفتح بيننا وبينكم بالحق وهو خير الفاتحين . فقام الرسولان الى خلف ؛ واخبراه بما دار بينهما وبين ابي عبيدة من الكلام ؛ فامتلاً غيظاً وأمر فى الحال بالتهيء للهجوم عليه بدون انتظار ء واذ سمع ابو عيدة بذلك استعد له » ولما التقى المجمعان ورتبت الصفوف جاء الى ابي عبيدة رجل من بقايا قوم ابن فندين ؛ وقال له : دع عنك القتال فانك لا طاقة لك اليوم بمقابلة خلف وعساكره ؛ ولاحاجة لك في لقائه ؛ وكان ابو عبيدة يحسن التكلم بعدة لغات ؛ فحلف له بالبربرية والكاغية ٠ . قائلاً : لأقاتلنه ولو ألقاه منفرداً بسيفي هذا » وضرب بيده على قائم سيفه ثم انسل اليه رجل من جيش خلف ؛ وقال له : اني مشير عليك بسبيل ان سلكته ظفرت بلا شك ؛ أزحف بجيشك الى ناحية الجبل ؛ فان ظفرت أدركت ما أردت بسهولة » وان انعكس عليك الحال كنت في حصن وملجاأً ١١1 لا يستطيعون لك فيه كيداً ؛ فقال ابو عبيدة لما استحسن رأيه (نصيحة نزعها الله من عدو) وهذا الرجل اما ان يكون مائلاً في الباطن الى أبي عبيدة واما ان يكون قد سثم من القتال مع خلف على غير طائل ؛ فأراد هلاكه ليستريح واللّه أعلم . فأمر أبو عبيدة الجيش بالانتقال الى المحل الذي أشار اليه الرجل ؛ واسندوا ظهورهم الى الجبل » ولعل هذا المكان هو المعروف عندنا اليوم بقصبة المصلى » فانه قريب من الجبل وفيه مصلى ينسب الى أبي عبيدة يزار ويجتمع فيه الناس في وقتنا هذا من قرى متعددة لصلاة العيدين اذا حضر (والدنا أو بعض أنجاله وهو الذي سن هذا الاجتماع هناك حفظه اللّه) أو هو المكان الذي فيه الآن المسجد الجامع المسمى (ام بيدت) ؛ وهذا اللفظ منحوت من عمي عبيدة نحتا بربريا فيما يظهر بعد تصحيف لفظ عمي ؛ وموقعه الآن في وسط بلدتنا جادو مركز الحكومة ؛ والمشهور ان المسجد بنى على مصلاة وانه اغتسل هناك كما سنذكره » ولا يبعد عن شافة الجبل الا بخطوات ؛» ولولا الشهرة المذكورة لقلنا ان المكانين قريبان جداً من مدينة جادو القديمة ؛ فلا يمكن وصول العدو الى هناك واللّه أعلم . وما رأى خلف ما حصل من أبي عبيدة من الرجوع الى ورائه ؛ ولا علم له بما ابداه بعض أفراد جيشه من النصيحة ؛ ظن أن ذلك من أبي عبيدة جبن وفرار تخلصاً من الهزيمة ففرح وهزه الطرب ؛ وقدم الابطال والفرسان من عسكره واقتفى اثرهم » ولا غشيت ابا عبيدة الخيل دعا رجالاً من قومه فنصبوا له سترا واحضروا له ماء فاغتسل وتوضاً وصلى ركعتين » ودعا الله سبحانه وتعالى بما حضر له من الدعاء سائلاً انتصار جنده » ثم بسط كفيه مواجهاً بهما السماء (وهي الجهة المطلوب استقبالها عند الدعاء) مع تضرع وخشوع وقال : (اللهم يا من لم أعرض عنه منذ استقبلت أمره لا تفرق هذه ثفق العصابة على يدي انك على كل شيء قدير) وذكر الشماخي ‏ رحمه الله أن أهل مدينة سروس أقبلوا مسلحين لاعانة خلف فقال أ عبيدة إذ رأهم على ذلك : هيجوا فينا حرارة الخوف ؛ فلا أعدمهم الله ذلك . قال : فبقى فيهم ذلك الى يومنا هذا (١ه) ؛ وقام أبو عبيدة بين عسكره خطيباً محرضاً؛ ومرغباً فشوق النفوس الى الاندفاع في الحرب ؛ وأزال الرهبة من القلوب . ثم تدانى الصفان » وانتشبت الحرب ساعة من الزمن » أظهر فيها رجال عسكر أبي عبيدة من الشدة والاقدام ؛ ما ترك اعداءهم في انهزام ؛ وكان معه من الابطال المشهورين العباس بن أيوب ؛ وقد اظهر من شجاعته ما حمى به الميمنة والميسرة حتى قال فيه ابو عبيدة اذ رأه يجول بجواده في أثناء الحرب بميناً وشمالاً (اني أرى العباس في عيني كالعقاب معصم لا أكلته النار) ثم خرج من عسكر خلف رجل يعرف بعبيد بن سيدي ؛ ورجلان معه لطلب المبارزة فخرج اليهم أبو عبيدة وأبو مرداس والعباس ؛ أما العباس فأسرع الى صاحبه بالقتل » واما أبو عبيدة فطال أمره مع صاحبه ‏ وكانا متماثلين » وأما أبو مرداس فقد لاقى من صاحبه عبيد المذكور مشقة حتى كاد يفترسه ؛ ولما رأى العباس ذلك عطف على عبيد فضربه على ركبته بالسيف ؛ فأبانها ثم حز رأسه ؛ وقال : لما رأه طائراً فى الهواء من شدة الضربة (الى النار) ؛ فقال الرأس : (وبئس المصير) فقال العباس : (إنا له وإنا اليه راجعون) جسد طلما دعوت له بالجنة ستأكله النار » لان الرجل كان بمن شهر بالنسك والعبادة ؛ سخي اليد محباً لاهل العلم يهاديهم بأكباش الغنم وأحمال الطعام ؛ وكان العباس يعتقد فيه الصلاح لذلك . (ولكن الاعمال بخواتمها . وكلكم ميسر لما خلق له) ؛ ولما رأنى أبو مرداس فعل العباس بصاحبه عبيد قال (ضربة فتى لا أكلت معصمه النار) . وبعد أن هلك من عسكر خلف ما لا يعلم عدده ؛ ولى الادبار خائباً ؛ ," فنادى أبو عبيدة حسب عادته (ونعمت العادة) في عسكره ان لا يتبعوا لهم مديراً » ولا يجهزوا لهم على جريح ؛ ولوى عنان جواده غير منغص ولا مفلول الى مكانه » وذلك عشية الخميس الثالث عشر من شهر رجب سنة ١١ احدى وعشرين مائتين هجرية » وعاد خلف الى قرية (تمتي) المشؤمة عليه » وأمر باخراج جميع من كان فيها من نفوسة وغيرهم » من يميل الى ابي عبيدة وأجل لهم ثلاثة أيام » فارتحلوا تاركين أرزاقهم ومنازلهم » ومنهم الارامل واليتامي والضعفاء ؛ ومن لا ذنب له » ولا دخول له في شيء من امر هذه الفتن » وأجلى معهم كثيرين من اصحابه الذين ظن فيهم الميل الى أبي عبيدة غلظة وجفاء . ولما أكثر من ذلك تقهقرت نفوس اصحابه » وعلموا بأن أمره قد أدبر فتفرقوا عنه » وأتوا الى أبي عبيدة تائبين ؛ فقبل منهم من قبل ورد من رد ؛ من عضم خطأه ؛ وبقى خلف وحيداً ينتظر وثبة من أبي عبيدة تقضي عليه ؛ وعلى من بقى معه بالهلاك ؛ وأبو عبيدة صارف عنه النظر » سائر فيما كلف به من الامر بسيرة العدل والانصاف ؛ وأرسل الى الامام بوهن شوكة خلف وافتراق حزبه . وما بلغ اصحابنا المشارقة انتحال خلف الخروج » وما وقع من الفتن ؛ قاموا بما وجب عليهم من النصيحة في الدين كما هي عادتهم » فأرسل منهم العلامة أبو عيسى الخراساني رسالة مع جماعة الى أهل المغرب يرشدهم فيها الى اتباع الحتى ونبذ الباطل ؛ وجمع الكلمة واتباع أهل الاستقامة ؛ واقتفاء آثار الاولين من المسلمين وبالغ فيها في الثناء على الامام عبد الوهاب والامام افلح وعلى السمح ؛ وفي الانكار على خلف ابنه واتباعه في كلام طويل جازاهم الله عن الاسلام خيرا . ومن كان مع خلف : منيب ابن حامل العلم أحد ائمة المذهب اسماعيل ,أ ابن درار الغدامسي ؛ وأبو يوسف حجاج بن وفتين ‏ ذكر الشماخي ‏ رحمه الله . ان أبا يوسف أتى أهله ؛ فقالت له زوجته وهو لدى الباب (عندك يا بائع دينه) فوقف في مكانه الى الصبح » واحدى رجليه داخل الباب والاخرى خارجه » وهو يميز بين أبي عبيدة وخلف ؛ ثم ثبت عنده ان الحق مع ابي عبيدة فجاءه تائباً وصار بعد ذلك من أفاضل المشايخ . ثم ادركت أبا عبيدة منيته » فسار الى رحمة الله الواسعة يبكيه العدل والعلم » ويندبه المحراب وقيام الليل ؛ وله مسجد مشهور متوسط ؛ وآثاره تدل على انه كان أكثر اتساعا مما هو عليه الآن ؛ قيل : انه اجتمع فيه سبعون عالماً من أكابر علماء قرية جناون » وقد كانت معدن العلم والعلماء ‏ حتى انها لا تحتاج فيها دار الى أخرى في العلم » كما كانت قرية تتدميرة؛ ولأهل القريتين الى الآن شهرة في الذكاء وجودة الفهم » وتمسك بالدين ؛ وقد دفن رحمه الله فى المقبرة الكائنة بالجنوب الغربي من القرية الملذكورة » الا ان قبره مجهول » تغمده الله برحمته الواسعة ؛ وسيأتي زيادة كلام على هذه القرية ان شاء الله . ولاية العباس بن أيوب علي الجبل بعد أبي عبيدة - رحمها الله ولما توفي أبو عبيدة ؛ كتب المسلمون من نفوسة الجبل ؛ ومن معهم الى الامام بذلك كتاباً يعزونه فيه » ويطلبون منه تعيين غيره » ولما بلغه الخبر اشتد اسفه وبلغ منه الكدر مبلغاً عظيماً » وأرسل في الحال أمر الولاية الى العلامة العباس ؛ ولما وصله ولم يجد عذراً لدفعه التزم قبوله » وجمع أهل الرأي ومن عليهم المدار من رجال نفوسة ؛ تلاه عليهم » فأملوا حسن مستقبلهم وضمنوا لانفسهم الراحة والامن »لما يعهدونه في العباس من الحزم والنشاط » مع ما أوتيه من المهابة وعزة النفس في مواطنها ؛ وكان الأمر ١ كذلك وأكثر من ذلك اذ قضى فعدل وحكم فانصف وحارب ففاز » (وكأن خلفا انتعم حاله بعص ٍ نتعاش) و نصم اليه من جمعه بعص من تشتت أولاً » وذلك فيما بين وفاة ابى عبيدة وتوليه العباس ؛ فتحرك كعادته مكدرا صفو الامن ؛ وجدد الغارة والنهب وهو من أعلم الناس بما للعباس من الشدة ؛ فناصحه لعباس ونهاه 6 ولما لم ينته عن عيه خرج اليه في عسكر لا يزيد عن عسكره فى الكثرة » بل كان أقل على ما قيل » الا أن فيه من الفرسان من يعد في مقام العشرات من الابطال » ومنهم العالمان الشهيران بالشحاعة : أبو مرداس التبرستي وأبو الحسن الابدلاني : ولما تقابل الجمعان بموضع يعرف بفاعيس َ واظن انه قريب من تمتي هال بعض أهل النظر من عسكر العباس ما رأه من كشرة جند خلف ؛ فاتى الى ابى مرداس وكلمه فى ذلك . فقال له : لا اخاف انهزاماً على عسكر فيه ابو الحسن الابدلاني » ثم اتى الى ابي الحسن وكلمه ايضاً فقال له : لا اخاف على عسكر فيه ابو مرداس » فتعجب الرجل من اتحاد كلاميهما,؛ ولعمري انها لموافقة غريبة تشهد لهما بما كانا عليه من صدق النية وصفو القلوب وتوارد الخواطر الناشيء ذلك كله عن الحب في ذات الله » ولأبي مرداس كمالا بي الحسن فضائل عالية ,؛ ومناقب فاخرة ِ تكفل بذكرها المؤرخون » وكان في العلم آية من آيات الله ؛ وفى الزهد نادرة من نوادر الدهر صاحب الامام عبد الوهاب حتى مان وصاحب أيوب بن العباس 6 م أبا عبيدة بعده ثم العباس ؛ هذا وكان معه كبيراً فى السن وهو قصير القامة يجر سيفه على الارض اذا مشى امام الجيوش ؛» ومن غرائب الاتفاق ؛ انتني كلما ذكرته أو تذكرته خطر ببالي المشير أدهم باشا العثماني قائد الجيوش الشاهانية المنصورة في حرب اليونان سنة 1716م ؛ وهو بطل مشهور فى هذا العصر » وكلما ذكرت هذا ايضاً تذكرت ذاك . أقف ولما التحم القتال واشتد خلف وعساكره » وثبتوا للعباس ثبوت الابطال ولم تزحزحهم عن أماكنهم الرماح والنبال » أتى أبو مرداس إلى العباس وقال له : قد طال وقوفهم معنا في ميدان الحرب ؛ وما كان للباطل ان يقف امام الحتى هذا الزمن كله ؛ ولعلك أضمرت سوء أو صدر منك ذنب عظيم كان عقابه لنا من الله ما تراه ؛ فأظهر التوبة وارجع إلى ربك واستغفره لعل الله يؤيدنا بنصر من عنده ويبدل الحال » فكرر العباس عند ذلك الاستغفار وأظهر التوبة (ولا معصوم من الذنب إلا الانبياء والملائكة) . ويقال ان أبا مرداس قال عند ذلك : ما ذا فعل العباس ؛ وما علمناه منه إلا الخير »؛ ولكن الحرب عدمت رجالها ؛ ثم امتطى ظهر جواده واندفع للميدان بسلاحه ؛ ولم يمض بعد ذلك من الزمن الا قليل حتى انهزم خلف وتخرمت صفوفه » فنادى أبو مرداس في العسكر بعدم اتباعهم » فقال بعض أصحاب الرأي : لا نتركهم حتى نخرجهم من حيزنا ؛ فسكت أبو مرداس واقتفوا أثرهم حتى تجاوزوا (لالت) » كما في السير وهو نهاية حكمهم اذ ذاك » والظاهر ان المراد بلالت هو الوادي الفاصل بين الزنتان من جهة (تغرمين) والرجبان من جهة فساطو المسمى الآن وادي الأخرة لصعوبته وعمقه ويسمى (متلالة) أيضاً بالاسم القديم » مع زيادة ميم وتاء في أوله على ما يؤخذ من كتاب السير وان عبر في بعض الاحيان بلالت على لالوت ؛ وهي في طرف الجبل من ناحية الغرب » ولعل هذا الاسم كان يطلق على قريتين شرقية وغربية والله أعلم . وكأن (مدينة تغرمين) لم تدخل في الطاعة » ولم تحز الشهرة التي كانت لها في دولة بني رستم الا بعد هذا ؛ ثم رجعوا وأقبلوا على العباس يهنئونه بانتصاره فقال لهم : انما يهنأ بهذا أبو مرداس وأبو الحسن اللذان لم يناما ليلهما يدعوان الله ويتضرعان اليه » وبذلك آتانا الله من فضله ما آتانا ؛ فله الحمد الشكر . ١ م لما وصل اللعسكر ترجل عن جواده 4 وأقبل يعري المشايخ الحاضرين فى اقاربهم الذين كا نو مع خلف وماتوا قائلاً : أجركم الله على مصيبتكم في اخوانكم واقاربكم فقالوا له : يا عباس اما أولئك فأقاربنا وأولو أرحام منا وأما انتم فاخواننا حقاً . ثم لم يزل العباس يوالي الوقائع والهجوم على خلف ؛ ويستميل أولي الالباب بعدله واستقامته » ويرهب اهل الفساد بشدته وحزمه » إلى ان اوهن الله شوكة خلف » وتشتتت بقية جموعه , واضمحل امره ومات » وترل ولدأ هرب مع من رام محافظته واحياء اثر والذه إلى جزيرة جربة َ وكان من امره بعد ذلك ما سنذكره عند الكلام على الامام يوسف ان شاء الله » وبقي العباس محمود الخصال ممدوح الحال يتابع الوقائع والحروب مع من لم يخلد إلى الطاعة من جهات الجبل الشرقية » كجبل شماخ وجبل يفرن وككلة وما حول ذلك حتى اطاعوا كلهم واعترفوا للامام افلح بالامامة . وكان ابو مرداس رحمه الله كثير التعرض له ومنعه من محاربة تلك الجهات,؛ وكأنه يؤمل منهم الدخول في الطاعة بدون حرب حيث كان اللذهب واحدا او علم منهم القوة والكثرة ؛ فأراد استجلابهم بالملاطفة واللين ومن ذلك ما ذكر من ان العباس ؛ خرج ذات مرة (بعد هلاك خلف) بعسكره إلى جهات جبل يقفرن 6 وكان معه | بو مرداس فخلا به وأمره بالرجوع 6 فابى فقال له : ان لم ترجع صحت في العسكر فتفرق عنك ؛ (لأنه يعلم ان كلمته مسموعة ( فجمع العباس رجال عسكره وقام فيهم خطياً فقال : نقد الزاد وضعف الكراع فارجعوا حتى اذا سمنت الدواب وجددنا الزاد رجعنا) فامتثلوا الامر ورجعوا . وكأن الواقعة كانت في الشتاء ؛ ثم خرج اليهم مرة ثانية فجاء أبو مرداس واشار عليه بالرجوع » فامتنع فقال ابو مرداس معاتباً نفسه على ذلك لعف هكذا ما أكثر جنون مهاصر (يعني نفسه) الذي يطلب رجلاً مثله (يعنى العباس ويترك ربه) ثم دعا ربه وسأله الغيث ؛ فأنزل الله عليهم ماء غدقا وتابع المطر حتى طلب العسكر الرجوع » وتفرقوا ؛ فقال ابو مرداس للعباس : ارددهم الآن ان قدرت يا عباس ؛ وخرج اليهم مرة أخرى فتأخر أبو مرداس وابو زكرياء عن الحضور » فافتقدهما فقيل له : قد رجعا فخاف ان يكون رجوعهما لحدث او منكر انكره عليه فأوقف العسكر في مكانه واقتفى أثرهما إلى ان وجدهما عند أم الخطاب ؛ وهي عجوز عالمة مشهورة بالورع والزهد في بلدة (اغرميمان) بناحية تغرمين ومعنى هذا الاسم (قصر النفس في مجلس الذكر) فقال لهما : ولم رجعتما؟ فقالا : انك على الحق لم ننكر عليك شيئا وما رجعنا الا لكراهة لمعان السيوف ؛ فحمد الله على موافقتهما وقال : اتركا لمعان السيوف لمن يطيقه . وكانت ام الخطاب لم تعلم برجوعهما من العسكر ؛ فذبحت لهما شاة ولااسمعت ذلك اخذت اللحم كله ووضعته في خرج على فرس العباأس ؛ وقالت للشيخين هذا هو الذي يستحق اللحم ؛ وأنتما يكفيكما الجالبان (تعني العدس وما اشبه بما طبخ مع ذلك اللحم) فرضيا بذلك واستحسناه وكأنها لم تعلم العباس بذلك فركب جواده ولح بعسكره . وبمن كان معه فى هذه الواقعة على من رواه الشماخي رحمه الله العلامة ابو نصر التمصمصى أحد فضلاء جبل نفوس علماً وعملاً وزهداً دار الجبل أربعين مرة يحذر الناس من فتنة نفات » وقيل من فتنة خلف قال : وكان ضرير البصر » فنزل إلى القتال وقال : اللهم اني لا أبصر ما اتقي ولا ما أضرب فلم تقع به ضربة » ولم تخط له ضربة (١ه) » وهذا من غريب ما يمع ويدل على ما كان لهم من الاعتناء واللّه أعلم . وكان رحمه الله على جانب عظيم من الآداب وحسن الخلق » ولاسيما ١9 مع أهل 31 لفضا والعلم 4 خصوصاً العلامة أيا مرداس فقد ذكر الشماخي 5 رحمه الله نقلاً من تاريخ نفوسة الكبير » الذي لا وجود له الآن » أنه هو وجماعة معه فيهم ا بو مرداس جاوزوا في طريقهم وهم مشاة بموصع قطعة الما فتخطاه العباس وعجر عنه ابو مرداس » لانه قصير القامة وطاعن في السن » فوقف يحاول ذلك ؛ ثم قال للعباس : لم أقدر على الوثوب مثلك . ولا أريد ان أخالف طريقاً سلكته, ولو صعدت مع حائط لسلكته لما لك علينا من حقى الطاعة و الانقياد ؛ فرجع العباس اليه وسلك طريقاً آخر سهلاً » واظهر لهم التوبة مما صدر منه أولاً ؛ من تغافله عما ورد من الامر بمراعاة الضعيف : والسير بسيره »ما ألطف هذه ا لآداب ّ وما ا بلغ هذا الانقياد الى الحقى منهما, ولا يظن القارئ أن هؤلاء الذين يقاتلهم أبو عبيده في الأول » والعباس في الآخر ؛ كانوا على مذاهب أخرى ؛ بل كانوا كلهم من الاباضية » وشقوا عصا الطاعة وانتحلو الخلاف فى مسائل طفيفة لا تخرجهم من الا نتساب الى المذهب طلا لاستقلال عن خلافة تيهرت م1 رآوه في أنفسهم من القوة والكثرة ؛ اذلم يكن الجبل وجهات طرابلس في ذلك الوقت على هذا الحال الموجود الآن من صغر القرى وقلة الناس » بل كان في الجبل وحده وفي ظاهره من قبائل نفوسة ومزاتة م يتجاوز مائة الف فارس وعشرة آلاف فارس وكان فيه من الرجال مالا يحصى ؛ وكا نت هذه الفيافي الخالية الآن بجهات طرابلس والجبل ؛ كلها عامرة بالقرى وأهل البوادي » كما تدل على ذلك آثارهم المؤيدة لصحة ما في التواريخ » وبعد أن علم الناس قيمة العدل وعرفوا فائدة الأمن ؛ وذاقوا طعم السلامة والراحة ١ نقطع الثائرون واستراح العباس وصفا الحال للامام و نتظمت له الأ مور فبسط العدل في الرعية َ وسار فيهم سيرة مرصية 1 واستقامت له إلا حوا ل ؛ وساعدته الأ قدار » فاقتفى سيرة أبوية » ولم ينقم عليه أحد في شيء من 7 أحكامه » وكان من المهابة والفروسية وغزارة العلم والحلم والكرم والاقدام والورع ؛ بمنزلة يكل عن وصفها اللسان »؛ ويعجز عن حصر صغيرها القلم والبنان ؛ هو السيد والأبطال عبيده » وهو الأسد الضاري والأقران صيده ٠ اذا زأر دخل الرعب القلوب ؛ واذا جال في ميادين الوغى هيأت اللحود وشقت الجيوب ؛ ملأت أخبار بسالته البقاع ؛ وصدعت هيبته الاسماع ٠ وأدهش اقدامه في معامع الخطر عقول العقلاء ؛ وكان حتما الجواد بعد فيضان بحره الطافح من البخلاء ؛ حدث عنه من باب الكرم ولا حرج ؛ وقل ان شئت هو بمن عن دائرة بمكنات العقل في هذا الحديث خرج ؛ فلله دره من امام واسع العطايا ؛ كريم السجايا » باسط يمينه لادرار الخير وافاضة الصلات قابض شماله على سيف النقمة لنكال الخاطئين وحصاد أعناق العصاة » خاض عباب سياسة الملوك بذكائه المستقيم » واستخلص جواهرها الثمينة بمبار عقله الكامل الحكيم » وجعلها نبراس سيره في حناديس مهمات الأمورء فكانت سيرته جارية على محور الاستقامة رغماً عما يطرأ من حوادث الدهر وتقلبات السنين والشهور ؛ فهو وأم الحق جامع الخصال الحميدة ؛ ناظم عقد الكمالات بفضائله الفريدة . ليس على الله تنكم أن يجبمع العالم في واحد فمن سرح جواد فكره في صفحات التواريخ والسير » وريض نير عقله في رياض ذكر رجال السلف ؛ ومالهم من النوادر والعبر ؛ رأى لهذا الامام العظيم من بينهم الذكر الجميل ؛ والأثر الجليل » ما يبهر الألباب » ويؤدي إلى الوله والاستغراب ؛ وقد تكلم المؤرخ ابن الصغير المالكي على سيرته فخذها على القاعدة المتقدمة استدلالاً على صحة ما قلناه في حقه وان كان قليلا . قال : فلما ولى أفلح أخذ بالعزم والحزم ونشأ له من البنين مالم يكن ١77 لغيره من قبله ؛ وطار له الصيت وأتته نفوسة الجبل » يسألونه أن يقدم عليهم من يتولى أمرهم ؛ ولم تكن الشراة تطعن عليه في شيء من أحكامه ؛ ولا في صدقاته ولا في أعشاره ؛ إلى ان قال : وكان قد عمر في امارته ما لم يعمره أحد ممن كان قبله ؛ أقام خمسين عاماً أميراً حتى نشاً له البنون وبنو البنين » وضمخ في ملكه وابتنى القصور واتخذ أبواباً من الحديد ؛ وبنى الجفان وأطعم فيه أيام المجاعة الجيعان » وقد تقدم ذكرها قبل هذا ؛ وعمرت معه الدنيا وكثرت الأموال والمستغلات » وأتته الرفاق والوفود من كل الأمصار والأفاق بأنواع التجارات » وتنافس الناس في البنيان حتى ابتنى الناس القصور والضياع خارج المدينة » وأجروا الأنهار فابتنى أبان وحموية القصرين المعروفين بهما » بأملاق » وابتنى عبد الواحد قصره الذي يعرف به اليوم ؛ وغيره نما يطول ذكره ولقد حدثني من أثق به أن أبان وحموية خرجا يوماً الى قصريهما متنزهين » ومعهما جماعة من اخوانهما ؛ فذكر عن بعضهم أنه قال : لما اشرفنا على القصرين أحس بنا بعض عبيدهما فأعلموا سكان القصرين بقدومهما قال : فتشوف من كان بالقصرين اليهما قال : فوالله ما رأيت شرافة من شرافات القصرين الا وعليها ثوب أحمر أو أصفر على الجدار كالبدور ؛ وانتشرت القبائل وعمرت العمائر وكثرت الأموال بأيديهم وكانت العجم قد أبتنت القصور ؛ ونفوسة قد أبتنت العدوة والجند » والقادمون من أفريقية قد أبتنوا المدينة العامرة اليوم » وأمنت الساحات وكثرت الأموال ؛ حتى أطفت أهل الحواضر والبوادي حتى لقد حدثنى غير واحد أنه كان للعجم مقدم يقال له ابن وردة قد ابتنى له سوقاً يعرف به فكان صاحب شرطة أفلح اذا تخلل المدينة لافتقادها لم يجسر أن يدخل سوق ابن وردة ولا يتخلله هيبة ؛ وكانت نفوسة تلي عقد تقديم القضاة وبيوت الاموال . وانكار المنكر في الاسواق ؛ والاحتساب على الفساق (١ه) بلفظه : نرف يعني أن نفوسة هم الذين ينتخبون له من يصلح لتلك الوظائف » سواء كان منهم أو من غيرهم » وهو يعينله وكانت الأ جناد تلي بطانة السلطان وأولاده وحشمه ٠ دهاء هذا الامام (ممزوج) وبينما هو في أرغد عيش وأصفاه 6 وأ حال وأهناه 1 على نحو ما حكيناه » اذا أوجس من القبائل المنتشر حول المدينة » وداخلها خيفة » ورأى من مبادئ الثورة آيات جلة وحركات خحفية 0 رأه رؤساء القبائل والمقدمون في أنفسهم من العقوة و جام ونفوذ الكلمة لدى عشائرهم م ملكوه في ظل عدل ذلك الامام من منفموش الدرهم » ومدور الدينار وحمر النعم ورؤوس البقر والشاة وجياد الخيل ْ ولما اتخذوه من الخدم والعبيد والفرش والستور والاسرة َ فأشروا وبطروا وخامرهم الكبر ودخلتهم الانفة من أن تقام عليهم حدود الشرع الشريف ِ أو أن يتقيدوا بقانون من قوانين الدين المطهر الحثنيف تصديقاً لقوله تعالى وهو أصد القائلين : (ان الانسان ليطغى أن رأه استغنى) وقوله (ولو بسط الله الرزق لعباده 1 لَبِعْو أ في أ لارض ولكن ينزل بقدر ما يشا ءَ ( فعندها شمر رحمه الله عن ساق | لحزم » وكشف عن عصد العزم ِ لضم الخرق قبل اتساعه » واطفاء لهب تلك المقاصد الشريرة قبل ارتفاعه » فألقى موجبات التخالف بين كل مقدم واتباعه ؛ وبث الجواسيس بن شعوب تلك القبائل بطرق سياسية ؛ وتدبيرات باطنية » كفته مؤونة القتال ؛ قامت مقام تجنيد اجنود وسفك دماء الابطال » شأن من تقدمه من حكماء الملوك الذين حنكتهم التجارب ؛ وكرعوا في بحار الحكمة واعترفوا من حياض السياسة » البالغة من آبائه وأجداده وغيرهم وما كان غير بعيد حتى اختلفت الأراء بين تلك القبائل » وتضادت 1" الأهواء وصار بين كل قبيلة وحليفتها من الشقاق ؛ أضعاف ما كان بينهما من الألفة والاتفاق ؛ فنفرت قبائل زناتة من قبائل لواتة ومطماطة ؛ وعظم التشاحن بين الجند والعجم » وفشت البغضاء بين كل رئيس ومقدم » وصاروا كلما أوقدوا ناراً للحرب مع الامام أطفأها الله ؛ ورد العاصين بالخيبة وكفى امام المسلمين القتال » فآلت راضخة لسيطرته بدون محال » خاضعة الرقاب باسط الأكف لقبول أوامره ونواهيه بدون جدال » كل يخاف ان يسعى به قرينه إليه أو يستميله فيقربه منه ؛ ويغضب عليه » وعندئذ أمن مكرهم بهذه السياسة » ورد كيدهم في نحورهم بهذا الدهاء والفراسة . قال : فلما رأى ذلك استلقى على ظهره آمناً ومد يديه ورجليه مطمئنا وعلم انه كفي أمرهم وبقيت تلك الضغائن في القلوب (١ه) ٠ أحوال الامام أفلح مع الملوك وكان له مع أغلب الملوك مودة ؛ ولاسيما ملك (صوصو) أو (كوكو) التي تبعد عن تاهرت بمسافة ثلاثة أشهر تقرياً ؛ وكان أكثر المسافرين لتجارة السودان في ذلك العهد من أهل مدينة (وارجلان) ؛ وهوارة قال الشريف في نزهته : ومدينة كوكو مدينة كبيرة مشهورة الذكر في بلاد السودان » وهي على ضفة نهر يخرج من ناحية الشمال ؛ فيمر بها ؛ ومنه شرب أهلها إلى أن قال : ثم أن ملك كوكو ؛ ملك قائم بذاته خاطب لنفسه ؛ وله حشم كثير ودخل كبير » وقواد وأجناد وزي كامل وحلية حسنة ؛ وهم يركبون الخيل والجمال ؛ ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الانم المحيطة بأرضهم » ولباس عامة أهل كوكو الجلود » يسترون بها عوارتهم » وتجارهم يلبسون القداوير (الجبب) والأكسية ؛ وعلى رؤوسهم الكرازي ؛ وحليهم الذهب ؛ وخواصهم وجلتهم يلبون الأزر» وهم يداخلون التجار ويجالسونهم ؛ ويبضعونهم بالبضائع على جهة 7 المقارضة » وينبت في أرض كوكو العود ؛ المسمى بعود الحية ؛ ومن خاصيته انه اذا وضع على جحر الحية مخرجت اليه مسرعة »؛ ثم ان ماسك هذا العود يأخذ من الحية ما شاء بيده من غير أن يدركه شيء من الجزع ؛ ويجد في نفسه قوة عند أخذها ؛ والصحيح عند أهل المغرب الاقصى ؛ وأهل وارقلان ؛ ان ذلك العود اذا مسكه ماسكه بيده ؛ أو علقه في عنقه ؛ لم تقربه حية البتة » وهذا مشهور » وصفة هذا العود كصفة العاقر » فرحا مفتولا لكنه اسود اللون » ومن مدينة كوكو إلى مدينة غانة شهر ونصف (١ه) » ثم ذكر أن بين غانة ومدينة (أودفست في شمالها ١١ مرحلة ؛ وبين أودفست ومدينة وارقلان ١7 مرحلة ؛ فتحصل أن مابين تيهرت وكوكو على هذا الطريق يقارب ثلاثة أشهر » والطرق اليها مسلوكة مأمونة بما أبداه أئمة بني رستم من الهمة بمحافظة قوافل التجارة إلى الشرق والغرب والسودان كما سيأتي عن ابن الصغير . وقال في صحيفة ١١١ : ومن مدينة المسيلة إلى وارقلان ١١ مرحلة كباراً » وهي (أي وارقلان) مدينة فيها قبائل مياسير ؛ وتجار أغنياء ؛ يتجولون في بلاد السودان إلى بلاد غانة » وبلاد ونقارة (لهلها هكارة) » فيخرجون منها التبر ويصربونه في بلدهم باسم بلدهم (أي يطبعون منه سكة دراهم ودنانير) » وهم وهبية أباضية » ومن وارقلان إلى غانة ١3 مرحلة ؛ وهذا الطريق اقرب من الاول إلى كوكو » وذكر أهل وارقلان في التواريخ بشأن التجارة إلى السودان كثير جداً . وكذا رأيت لهوارة ذكراً كشيراً في هذا الباب » ومن ذلك ما قاله في النزهة أيضاً : وان أراد بذلك حالهم بعد انقضاء دولة الرستميين فنقول : إنه نشأ في مدتهم ؛ قال : وهم (يعني هوارة) أملياء تجار ميساير » يدخلون إلى بلاد السودان بأعداد الجمال الحاملة لقناطير الاموال من التحاس الاحمر ؟"؟ والملون والأكسية وثياب الصوف والعمائم والمأزر ‏ وصنوف من الزجاج والأصداف والاحجار وضروب من الأفاوية والعطر وآلاف الحديد المصنوع ؛ وما منهن من يسفر عبيده ورجاله الاوله في قوافلهم المائة جمل والسبعون والثمانون جملاً ؛ كلها موقرة ولم يكن في دولة » الملثم «بعد دولة بني رستم» أحد أكثر منهم أموالاً ولا أوسع منهم أحوالاً » وبأبواب منازلهم علامات تدل على مقادير أموالهم إلى أن قال : وأما الآن في وقت تأليفنا لهذا الكتاب (وهو أول الماثة السادسة) فقد أتى على أكشر أموالهم (قبائل) المصامدة ؛ وغيرت ما كان بأيديهم من نعم الله (١ه) . وله مع ملوك الاندلس وغيرهم مواصلة وارتباط ومودة يهادونه بالهدايا النفيسة ويهاديهم بمثلها وله عندهم شهرة ومقام رفيع » ينظرونه بعين المهابة ويرمقونه بأعين الاجلال والاعتبار » بحيث لم يحم حول مملكته طامع من الملوك الاخرى توقياً من وثبته واندهاشاً من صولته » الا ما كان من أبي العباس محمد بن الاغلب ؛ لما استولى على غالب شطوط افريقية » فانه دعاه الطمع الى التوغل في المغرب حتى تاخم حدود (تاهرت) ؛ وشرع في بناء مدينة هناك » فسكت الامام ‏ ولم ينكر عليه مع علمه بما سينشاً عن عمرانها من المضايقة في الحدود » ونقص التجارة الى أن تم بناؤها وترتيب اصواقها على نسق عجيب وترتيب غريب » فوثب عليها وثوب الأسد بجيوشه وأجلاهم منها » وأبقاها خاوية على عروشها يعمرها العنكبوت والبوم . قال المؤرخ ابن خلدون المالكي وشيد (يعنى أبا العباس محمد بن الأغلب) مدينة بقرب (تيهرت) وسماها العباسية » وذلك سنة 7١7 سبع وعشرين » وأحرقها أفلح بن عبد الوهاب بن رستم ؛ وكتب إلى صاحب الاندلس يتقرب إليه بذلك فبعث اليه بماثة الف درهم (١ه) . تضرف وقد ذكر الحكاية أبو العباس البلاذري كذلك في تاريخه فترح البلدان المطبوع ببلاد الافرنج في صحيفة 774 الا أنه قال : ان ذلك كان سنة ١23 لا ا ولم يذكر التقرب » وأنت ترى أيها القارئ ما في كلام ابن خلدون ما يدل على ما كان له من الحقد نحو بني رستم كما قلناه من قبل ؛ ولم نعلم له سبباً » والا فكيف يتقرب أفلح إلى صاحب الاندلس وهو يهاديه بالمال كما قال » وهذا على فرض صحة النسخة المنقول منها » والا فربما كان الاصل هكذا (فبعث اليه بماثة الف درهم يتقرب اليه بذلك (فتأمل) واللّه أعلم . بعض رسائل هذا الامام ‏ رحمه الله وله رحمه الله عدة مؤلفات ورسائل وأجوبة جامعة لنصائح ومواعظ وحكم ؛ دلت على ماله في الفضل والكمال والعدل من طول الباع وفي غزارة العلم وقوة الادراك من الاتساع » ومن كلامه رحمه الله لبعض عماله قوله : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم : من أفلح بن عبد الوهاب » إلى البشير بن محمد سلام عليك » واني أحمد الله الذي لا اله الا هو ؛ واسأله أن يصلى على سيدنا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله » أما بعد : ألبسك الله عافيته فانى أذكرك عظمة الله لا تتساها » وفكر في صغير خلقتك وفي عظيم ما خلقه الله , وما جعله من النكال والعذاب لابن أدم ؛ وما عافى به من فاز برحمته من عظيم خلقه من السموات والارض والجبال والشجر » وأذكرك ما اعده الله لابن آدم من الكرامة التي تكل الالسن عن وصفها ؛ فلو لم تكن كرامة تطلب الا النجاة من جهنم لكان في ذلك ما ١١ ينبغي للعبيد أن ينصفوا من أنفسهم » ويفارقوا جميع اللذات ؛ الا اني أقول لك : ان الدواء في هذا هو الاستغاثة إلى الله في العصمة ؛ فمن أراد به الاحسان عصمه »٠ (أي حفظه من الاصرار على المعاصي ووفقه إلى التوبة) وجعله من أوليائه الذين قال لا بليس فيهم (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان) فاطلب الله وارغب اليه في العصمة والتوفيق » وان يحول بينك وبين عدوك وأعلم أن لا شيء لمن عقل خير من وعظه ؛ ومن موعظة يأخحذها ٍ فاقبل واجتهد فى القبول إلى أن قال : وأما ما ذكرته من أن أجعل لك سبيلا وأطلق يدك ؛ وأن الحاضر يرى مالاً يراه الغائب » فلعمري انه لكذلك ؛ ولكن ليس في هذا انما هي أسهم جعلها الله وأوقفها ؛ وهي وسخ أموال الناس » وليس لنا فيها فضاء ولا زيادة ولا نقصان ولا أمر ولا نهي ؛ الا على قدر الاجتهاد فاتق الله واجتهد جهدك في توفير الحقوق وتوجيهها الينا ؛ على هذا مضى من كان قبلك الخ ومن كلامه أيضاً قوله : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله » أما بعد : عافانا الله وإياك عافية المتقين الذين أنعم الله عليهم بطاعته وهداهم إلى ما اختلفوا فيه من الحق باذنه ؛ أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولر الالباب » كتبت اليك ومن قبلي في عافية » والله لا شريك له أحببت أن أعلمك ذلك بالكتابة به اليك لتحمد الله على ذلك وتشكره كما هو أهله ؛ وأورصي نفسي واياك بتقوى الله » ولزوم طاعته ؛ والتوقي على دينه ؛ والتوكل عليه وحده » لا شريك له ؛ فانه عز وجل يقول «ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا» فالزم التقوى نفسك واشعرها قلبك » واصهر على ما أصابك ان ذلك من عزم الامور » والتقوى من الله بمكان عظيم » والمتقون هم الفائزون ؛ خلصوا من هموم الدنيا وأشغالها ونجوا 78 من عذاب الآخرة ونكالها ؛ فمهدوا لانفسكم وقدموا لمعادكم واعملوا عملاً يسركم غدا مكانه فكأني بكم وقد فارقتم الدنيا ولحقتم بالموتى » وعليكم التمسك بما مضى عليه سلفكم الصالح أهل الفقه واليقين والبصيرة في الدين نظروا إلى الأخرة بقلوبهم فهان عليهم فراق الدنيا ومافيهاء فلا تغرنكم فأنها فانية زائلة » فكأننا واياكم قد فارقناها فوقفنا بين يدي الله تعالى » فيجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى عصمنا الله واياكم بالتقوى ؛ ورزقنا العمل بطاعته ؛ فانه ولي ذلك ومنتهى الرغائب لااشريك له ؛ ولاحول ولا قوة الا باللّه العلى العظيم » وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم . شعره وكان رضي الله عنه من الادباء ذا اقتدار على النظم ؛ وحفظه له منه كل ما رق وطاب » فمن شعره الرائق تلك المنظومة المشهورة بين التلامذة الجامع لحكم ونصائح هي جديرة بالحفظ والاعتناء بل يحق لها أن تكتب بمداد التبر على صفحات اللجين ؛ وأن يجعلها كل من كان ذا اعتناء العلم والعمل به من مكنونات فؤاده ؛ ومن درر محفوظاته ؛ حتى يصبح مهذب الاخلاق والخلق ؛ متحلياً بمحاسن الآداب العالية والعلوم النافعة ؛ وقد عنى بتشطيرها ذلك الرحالة الشهير الاديب الكامل العلامة المفلق الشيخ علي بن أحمد العمانى من علماء أباضية الشرق في أثناء سياحته بالقارة الافريقية في أواسط القرن الثالث عشر من الهجرة » لما زار مشاهد جبل نفوسة ورأى ما عليه أهله اذ ذاك من التهور فى المناهى الشرعية مع خراب المساجد وانطماس معالم السير » ومن هناك توجه إلى السودان » وفي طريقه ذلك سرق منه ديوانه الجامع لأشعاره وقصائده » وما حرره من رحلته ؛ فاغتم لذلك غماً لا اطق مزيد عليه » وهنالك توفي رحمه الله - وليك نص المنظومة الرائقة مع تشطيرها البديع رضي الله عن صاحب الاصل ورحم من حاذاه بالمثل . (بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم) العلم أبقى لأهل العلم آثارا وليلهم بشموس العلم قد نارا يحيى به ذكرهم طول الزمان وقد يريك اشخاصهم روحاً وابكارا حي وان مات ذو علم وذو ورع ان تان في منهج الابرار ما مارا أوأنها غبرت أشخاصهم ومضوا مامات عبد قضى من ذاك أوطارا وذو حياة على جهل ومنقصة ولا يبالي أعيرً نال أم عارا؟! حياته عدم في طول مدته كميت قد ثوى في الرمس اعصارا لله عصبة أهل العلم انلهم في كل أفق من الآأفاق أنوارا نالوا الاماني به طرا وبان لهم فضل على الناس غيّاباً وحضارا العلم علم كسفى بالعلم مكومة ومن يرد غير خير العلم ما اختارا 1 كم جاهل بأمور الدين مختبط والجهل جهل كفى بالجهل ادبارا العلم عند اسمهأكرمبه شرفا للمرء اذ يكتسي بالعلم اطمارا ماللفتى غير نور العلم من رتب والمجهل عند اسمه اعظم به عارا يشرف العلم للانسان منزلة ويجتني من جناه العذب اثمارا العلم فخر علا عن كل مرتبة ويرفع العلم للإنان اقدارا العلم درله فضلولاأحد محص له كل عقل دونه حارا فل خبيراً وجب غور العقول ومن في الناس يدري لذاك الدر مقدارا للعلم فضل على الاعمال قاطبة كان ذووه لدين الله اناا وفضله الجم قد نص الحديث به عن النبي روينا فيه اخبارا يقسول طالب علم بات ليلته برغبة تورد الظلماآن تيارا ومن يبيت في الدجى بالجد مبتذلاً في العلم اعظم عند الله اخطارا ١ من عابد سنة لله مجتهااً ومنفق من كنوز التعبر قنطارا ما نال فضلاً كفضل العلم قط ولو صام النهار وأحيا الليل اسهارا وقال ان مداد الطالبين على دوامهم فيه صلا واسحارا ان اثر النضخ منه حين يبدي على ثيابهم وعلى القرطاس اسطارا مثل دم الشهداء المكرمين لهم في جنة الخلد حور العين ابكارا فضل ذوي العلم حتماًلا بمائله فضل فأكرم بأهل العلم اخيارا وقال هم يرثون الانببياء كذا مراتب العلم لا يرتاب من مارا فهم ولاة لرب العرش لاعدموا فيهم روينا أحاديثاً واخباا أكرم به من ذوي الفضل المبين لهم مسر كسا ظلمات الأرض انوارا ما ارتاب في فضلهم أولو العقول وهم ارث النبوءة في ايديهم صارا الكاشفين مسعاني كل مشكلة من العلوم وما فيه النهى حارا 1" النادبين الى دين الاله به والمظهرين خفي الغمض اظهارا اشدد الى العلم رحلاً فوق راحلة وكن الى طلب التعليم مسيارا واعص الكرى واصطبر دهراً على أرق وصل الى العلم في الآفاق اسفارا واصبر على دلج الاغساق معتسفاً واقطع من الارض غيطاناً واقفارا وابذل من الجهد ما يشفي الفؤاد وجب مهامه الأرض احزاناً واقطارا حستى تزور رجلا في رحالهم عان لهم واقتبس من نارهم نارا واصل زيارتهم طول الزمان جد فضلاً فأكرم بأهل العلم زوارا والطف بمن أنت منه العلم مقتبس وكن به مشفقأبراً ولو جارا لو كان فظأ غليظ القلب منقبضاً ج_ددله كل يوم منك ابرارا فاللطف مستخرج منه فوائده دون اللآلي ترى لليم تياا واجعل بقلبك بر الوالدين له وكن لصولته ان صال صبارا أ فصدر ذي العلم ان راجبعته حرج راع الرضا مله وا تمد حينما قارا واخفض جناحك ان تهدر شقاشقه فقد بري الله هذا الخلق أطوارا واستمطرن سحا ب مله مدرار وحاذر الزيغ واحسن في السؤال له اذا أردت لبسعض القول تكرارا واحسن الكثشف عن علم تطال به وانصت بحسك اسماعا وأبصارا ودم عليه ولا تسأم له طلباً والزم دراسسسته رأ وا جهارا ولا تكن جامعاً للصحف تخزنها تملا التوابيت بالأسفار أوقارا وأنت عن طلب اله لتعليم فى ما كالعير يحمل بين العير أسفارا نعم الفضيلة نعم الذخر تورثه فشكل نخغ__ر وكنز دونه بارا والعلم خير كنوز المرء وهوغنى لنفسك اليوم إن أحسنت أثارا تل أفا ضلهم متثنى وأوتارا 7 لقد وجدت اصطحاب الأكرمين وقد ألفت بالعلم أبراراً وأخيارا فاطلب من العلم ما تقضي الفروض به واردف به عملا في القلب نوارا وطهر النفس من أوساخ شهوتها واعمل بعلمك مضطراً وسختاا واطلبه ما عشت في الدنيا ومدتها وكن بعزمك والترغيب مغوارا واج عله ذخرا ليوم لم يفد ندم الموقف الع رض أن لا تورد النارا واجعله لله لا #جعله مفخرة بين الأنام لذيل الكبر جرارا وصنه عن كل جبار تفق عملاً ولا ترائي به بدو وأح_فضارا تعساً لكل مراء غير مقتصد كانت بطيته وبا وأكدارا لقد عدا طوره فيما يخوض به وقد تقلد ناما وأوزارا يصطاد بالعلم أموال العباد كما ساءت خلائقه واختارت العارا يلقي الحبالات راج للقنيص كما ١ يصطاد مة تنص بالباز أطيارا أ لو كان في فلوات الأرض معترضا ذره ولا تفتنم من ذاك دينارا ولو ترى الارض من أطرافها ذهبا وللدراهم في الأسواق طرارا فلا تخادع بماتبديه خالقنا واحذر وكن عن قبيح الفعل فرارا واجهر وسر التقى واذرف دموع دم واللّه يعلم ماتخفيه اضماا مولاك يعلم ما تخفي الصدور فلا تفن بفعلك مهما كنت غدارا ان حدث عن ربك الباقي الرؤوف فلا يكن لك الحلم من مولاك غرارا ولا تداهن اذا ما قلت مسألة وكن من العدل والانصاف متارا ولا تداهن بفتياك الانام لقد أضررت بالدين ان داهنت اضرارا واجعل لنفسك حظاأ من مذاكرة ولااتكن لأاخيك البر هجارا ومل الى مجلس تجلو الهممم به مع الصديق اذا استوحشت اسمارا وانشط لعلمك اذلابد من ملل اذا عرى قلبك التشهمام وانضارا 1 وجاتب النذل لا تنزل بساحته ولا تكن من جميع الناس فرارا وعاشر الناس وانظر من تعاشره فان في الناس صداقاً ومكارا صاحب أخا الصدق مع علم تسر به قصداً ولا تكثرن الصحب اكثارا قفرب مكثر صحب لا يزال يرى مذاق ودوبالاسنان كهغارا ورب صحبة من يهوى الفتى جلبت لنفسه قرناء السوء أشرارا الخير في الناس معدوم وفاعله أرى الزمان له قد صار غدارا ما في الزمان بقي خل تسر به الا القليل وذاك القل قد بارا وكن بربك لا بالناس معتصما فالناس كانوا كلمع الآل غرارا وثق به وامستكن فيما دعاك له كفى يربك رزاقساً وف ارا خير العباد عاد اللّه ان له طرفاً إلى خشية الرحمن نظارا ترى له عند خوف العبد من ضرر لطفاً خفياً يرد الحكسرأيارا )أ سبحانه صمدلاشيءيشبهه فردقدنيم مديد الملك قهارا أنا الفقير اليه أرجو رحمته أقررت لله بالمتوحيد اقرارا (تمت القصيدة مع تشطيرها) وكفى المطالم دليلاً على غزارة علم هذا الامام » أنه تصدر للتدريس والقاء العلوم على اختلاف فنونها قبل أن يبلغ الحلم » وكانت عليه أربع حلق وقيل سبع من طلبة العلوم كلها حتى الرياضية والتنجيم مبلغاً لا يدرك شأوه » حتى أنه كان ذات ليلة مع أخته يتجاذبان أطراف الحديث ويتحاوران في المباحث العلمية والفنون الأدبية » اذ كانت هي أيضاً كسائر عائلتهم من رضع لبان العلوم ؛ ولها القدم الراسخ في المعارف ؛ فجرهما الكلام إلى علم التنجيم » وبعد أن تحاورا فيه ملياً قال لها : لينظر كل منا أول ما سيذبح من الحيوانات في السوق غداً فحسب هو فقال : أول ما يذبح بقرة صفراء في بطنها عجل أغر » فضبطت هى الحساب وقالت له صدق حسابك في البقرة ولونها والعجل ؛ وأخطأ في الغرة » فان العجل لا غرة له » وذلك البياض الذي استظهرته من حسابك هو في رأس ذنب العجل ؛ وقد التوى حتى صار على جبهته ؛ وفي الصباح أمر أن يعرضوا عليه أول مايذبح ؛ فاذا هو كما قالت اخته بدون خلاف » ومع ما سردناه من درجته في العلم » كان والده الامام عبد الوهاب - رحمه الله يحرج عليه الدخول في التجارة تورعا وبعدا عن الوقوع في بعض الشبه من حيث البيع والشراء ؛ حتى أنه عزم مرة على التوجه إلى جهة ([صوصو) بقصد التجارة فى حياة والده » لأن السبل إلى السودان للتجارة اذ ذاك بمهدة مأمونة » وبعد أن هي نفسه وبرز برحله خرج اليه والده » ووقف له عند باب المدينة ؛ وصار يسأله ويناقشه في مسائل الربا 7 والبيع والشراء ؛ حتى غفل في مسألة وأجاب فيها بخلاف الواقع » فقال له : ارجع يا أفلح عما قصدته جتى تستعد لهذا الامر » والا أطعمتنا الحرام من حيث لا ندري ؛ فرجع امتثالاً لأمر والده وتورعا ؛ اقتداء بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله : كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في الحرام » ذكر الحكاية الشماخي ‏ رحمه الله ولعلها كانت في حال صباه قبل رسوخه في العلم كما يدل عليه سياق الكلام . خبر فرج النفوسي المعروف بنفات الخارج عن الطاعة وخبر العلامة سعد بن أبي يونس معه وفي أيامه رحمه الله خرج عن دائرة الآداب فرج المعروف بنفات ابن نصر النفوسي ؛ واتخذ الطعن في الأئمة الرستميين ديدناً ؛ وخالف المسلمين في مسائل استحق بها البراءة . ١ منها قوله ان الله هو الدهر الدائم » وما سئل عن ذلك قال هكذا وجدته في الدفتر ؛ يعني الكتاب المسمى بهذا الاسم . " - ومنها انكاره الخطبة في الجمعة ؛ وادعاؤه أنها بدعة وضلال . ومنها ؛ انكاره استعمال الامام العمال والسعاة ؛ لجباية الحقوق الشرعية ومطالب بيت مال المسلمين من الرعايا . ؟ - ومنها قوله : ان ابن الأخ الشقيق أحق بالميراث من الأخ للأب . © ومنها قوله إن المضطر بالجوع لا يمضي بيع ماله » اذا باعه لأجل ذلك ؛ وعلى من شهد مضرته تنجيته . 7 ومنها قوله : ان الفقد لا يتحقق الا فيمن تجاوز البحر ؛ إلى غير ذلك من المسائل التي انتحل فيها الخلاف ؛ وقد كان ذا فهم عجيب وذكاء 4 غريب » واطلاع وادراك زائدين » أخذ العلوم من منبعها » والتقط غرائب الفنون من معدنها مع زميله العلامة سعد بن أبي يونس النفوسي » وذلك عن الأئمة (بشاهرت) ؛ وسنبين خبره مفصلاً على ما ذكره أبو زكرياء وغيره فنقول وباللّه التوفيق . كان نفات هذا من احدى القرى الغربية من جبل نفوسة » وأظنها هي القرية المعروفة الآن بنفاتة العامرة » بقبيلة مالكية المذهب » تعرف بهذا اللقب » ولعلها من سلالته ؛ اذ كان هذا اللقب موجوداً فيها من زمن جدنا ذلك الشهير بالعلم الغزير ؛ والكرم الواسع ؛ والعدل في الاحكام بجبل نفوسة في أوائل المائة السادسة ؛ أبي زكرياء رحمه الله تعالى »؛ وهي في قمة جبل صعب المراقي في سمت بلدة (تنزغت) من جهة الشرق الشمالي تلي بلدة (إجريجن) من جهة الشمال » أهلها فقراء جداً وبينها وبين بلدة (تمزين) مسير خمس ساعات تقريباً إلى ناحية الغرب ؛ وهذه لم تزل عامرة بجماعة من أهل المذهب لا تخلو في الغالب من فقهاء ؛ ولأهلها محافظة زائدة على عمارة مسجدهم بالصلاة جماعة ؛ وبمجلس القرآن العظيم ولهم اعتناء خاص بالسؤال عن مسائل الدين ؛ كلما اجتمعوا بمنتسب إلى العلم ؛ وذلك لكثرة المترددين منهم على جبال بني مصعب ؛ لطلب العلم من علامة الزمان نادرة العصر شيخ الاسلام أستاذي الشيخ محمد بن يوسف المصعبي صاحب الصيت الكبير بمؤلفاته العظيمة . وكان أبو يونس ؛ وسيم النفوس منها ء؛ وقد ولاه الامام عاملاً على قنطرارة المعروفة عندنا الآن (بثيجي) ذات العمارة الواسعة ؛ والثمار المتنوعة ؛ والعيون الجارية في ذلك العهد ؛ وان لم يبق فيها الآن الا شيء قليل من النخيل ؛ وعيونها تسيل على وجه الارض ؛ لارتفاع كثير من منابعها » ولا ينتفع بها أحد بشيء . فتوجه العلامة سعد بن أبي يونس باشارة من والده 6 الى (تاهرت) » لتلقي العلوم فيها ؛ فصحبه نفات هذا ؛ وأقاما هنالك ما قدره الله من الزمن » يلازمان فيه مجالس الامام وغيرها ؛ من نوادي العلم حتى أدركا درجة استحقا بها الذكر . وكانت تظهر في أثناء تلك المدة من سعد دلائل للصلاح ؛ وتلوح عيه سيماء العفة والاستقامة أكثر من نفات ؛ وان حاز نفات قصبة اسبق فى الذكاء والفهم ؛ على كثيرين من أترابه ؛ وبينما هما كذلك ؛ اذ بلغ الامام وفاة أبي يونس عامله على قنطرارة » ووالد سعد » ولما سمع سعد بذلك حن إلى الرجوع إلى وطنه للقيام بأشغاله ؛ فاستأذن الامام في السير فأذن له ؛ وطمع نفات في الولاية لما رآه فى نفسه من القدرة عليها ؛ فعزم على السفر مع سعد راجياً أن يعينه الامام حاكماً في مكان أبي يونس ؛ ويرجحه على سعد اذا رآه متوجهاً معه ؛ ولكن الامام بعد استشارته أهل الرأي ترجع لديه صلاحية سعد للقيام بهذا الأمر » لما شاهده منه بعد تكرار التجربة من الصلابة في الدين والشدة والوقوف عند مناهي الشرع الشريف . فكتب السجل (البيورلدي أو الفرمان) باسم سعد وطواه وختمه وسلمه لهما بدون أن يخبر نفاتا بشىء ؛ ولابد من أن يكون قد أخبر سعداً وأمرهما بالمحافظة على ذلك الظرف إلى أن يسلماه لمن وجهه باسمه من جماعة المسلمين بقنطرارة ؛ فاستراب نفات القضية واستفزه الشره وسوء الظن بالامام ؛ فتخلف في طريقهما عن سعد وفتش في الرحال واستخرج الكتاب وفتحه ؛ فاذا هو محرر باسم سعد لا باسمه فامتلاً حقداً وأضمر في نفسه كل شر قدر عليه ؛ وبعد أن وصلا وسلما الظرف لصاحبه واتضح ان الامام عين سعداً حاكماً جمع سعد أهل النظر والرأي » وقرأ عليهم أمر الامام تعيينه عاملاً عليهم ؛ فاستبشروا به وشهدوا باصابة رأي الامام » موقع الرضاء والقبول منهم فأحسن سعد السيرة » وأقام منار العدل جارياً على سنن والده ١٠ في التعفف وجمع الكملة ؛ وكان له مسجد معروف به يقيم فيه المجمعة والعيدين » والأوقات كلها . هذا ما كان من أمر سعد ؛ وأما نفات فانه ذهب إلى قريته وهي لا تتجاوز في البعد عن قنطرارة مسيرة أربع ساعات أو خمس تقريباً » وشهر هنالك الطعن في الامام قائلاً: انه يلبس الطرطور وسيرج إلى الصيد؛ ويصلي بالأشبر ويزيد في الخلقة (يعني انه عظيم العمامة كبير الوجه طويل اللحية جداً) إلى غير ذلك مما يعده في زعمه طعناً ؛ وجهر بالقول بمسائله المتقدمة التى خالف فيها ؛ فخاف سعد من أن يغر العامة بكلامه » فصار يكرر له النصائح ؛ وكلما اجتمع به وبخه وهدده » ورم الان له القول » اذا خلا به سياسة وتأنيساً له » أملاً فى رجوعه ومحافظة على الهيثة الجامعة من الشقاق » الا انه لم يجد نفعاً » وبلغ من ملاطفة سعد اياه والاحتراس من فتنته » أن اشترى دارا بجنب داره ؛ وشرع في بنائها » ففرح أهل القرية والقرى النجاورة لها بذلك ؛ لما شهر به سعد من الاستقامة في أحكامه بقنطرارة » وصار الناس يأتونه لزيارته واعانته بلوازم البناية ؛ ولقضاء حوائجهم أفواجا أفواجاً » وللعلاقة التى بينه وبين نفات من حيث العشرة ؛ صار نفات هو المقدم في مباشرة الأ مور ساعياً بقدر طاقته في الاعانة بما يلزم من نفسه » ومن غيره » وكان مؤدياً حت الصحبة والجوار مجتهداً في العمل بيده » اذ كان بناء عظيماً » له معرفة بطرق البناء » فاذا رأى سعد الناس قد الجتمعوا قال لنفات » وهو في عمله : متى تترك كفرك وضلالك يا نفات؟ خوفاً من أن يتوهم الناس أنه راض عنه » وأنه فى ولايته اذ استعمله في البناء وقدمه في أشغاله فيقول نفات منزها نفسه : معاذ الله أن أكفر وأضل يا شيخ » ورما قال له ليس الشتم بعبادة يا شيخ » وإذا خلا المجلس من نفات قال سعد للحاضرين : انما جزاء نفات منى على عمله هذا ؛ وخدمته الخبز واللحم » لا الشتم والتهديد » وما فعلت ذلك الا ليعلم الناس أني غير راض بسيرته » فلا يغترون بأقواله وفتنته . 7" ولما بلغ الامام خبر نفات » وانتقاده عليه قال : ليأ الينا نفات فيوضح لنا ما أنكره منا » فان كان حقا قبلنا (والرجوع إلى الح فريضة) » وان كان باطلا (فايه) فلما سمع نفات ذلك ؛ وعلم بطلان حجته قال : ان كلمة (إيه) من السلطان هي القتل عينه ؛ فالى أين أذهب؟ وبقي على ذلك » والامام لم يأذن فيه بشيء ؛ والعمال لم يتجاسروا على معاملته بسرء انتظاراً لاذن الامام فيه بما يراه من الحكم ؛ إلى أن شاع أمره وذاع خبر خلافه وفساد عقيدته ؛ فكتب عمال الامام الذين بلغهم خبره اليه ببيان حاله ومسائله التي خالف فيها . جواب الامام أفلح ‏ رضي الله عنه ‏ إلى المسلمين في شأن نفات وما كثر ورود أخبار نفات على الامام من عماله أجابهم » رحمه الله بهذه الرسالة موجهاً بها إلى عامله على نفزاوة » وهي تراها بعيدة عن جبل نفوسة ‏ وطن نفات ‏ مستقلة عنه ؛ وعن قنطرارة ؛ الا أن العمال لشدة احتراسهم ومحافظتهم كاتبوا كلهم الامام بشأنه ؛ حتى لا يكونوا مقصرين في النصح » وكأن عامله هذا من المقبولين عنده أكثر من غيره لحسن سيرته ؛ ولمكان أبيه عنده اذ كان وزيراً له . قال رضي الله عنه - : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم : من أفلح بن عبد الوهاب إلى ميال بن يوسف ؛ يقرأه على من بحضرته ويوجهه إلى كل من يرى توجيهه إليه » أما بعد : فالحمد لله امحسن إلى أوليائه المنعم عليهم بحسن بلاثه » معز أهل طاعته وناصر القائمين بحقه ؛ فليس من اتبع أمره بمخذول ؛ أحمده على ما أنعم به علينا ؛ وأحسن فيه 7 الينا حمداً أبلغ به رضاءه وأستوجب به المزيد إنه قدير ؛ انتهى إلي الكتاب الذي كتب به اليك ؛ تحية ابن عبدين » فقرأته وفهمت كل ما ذكره لك فيه عن كل خائب جاهل ؛ بما هو عليه متحامل على مالآ علم له به ؛ متخبط في أموره خبط عشواء »لم يبلغ العلماء فيتبس منهم » ولم يصحب أهل الورع فتحجزه آثارهم عن الهجوم على مالا علم له به » لكنه نشأ وحيداء وأقام متوحشاً من العلماء » فتقلب في جوانحه الشيطان بنفخاته ؛ فأورثه الكبر » وعظم عليه الوقوف دون مالا يعلم » حتى يعلم ؛ فهجم على مالا يحل له ؛ فكل شيء خطر على قلبه تكلم به مصيباً كان أو مخطئا . وما أصابه من شيء على غير علم فاصابته خطأ اذ تكلم بما لا علم له به » وما اصابه من خطأ » فهو مخطئ فيه ؛ فهو يتردد فى الخطأ » ان أصاب لم يدر » وان أخطأ لم يدر فهو راكب مشكلات يخبط خبط عشواء » كحاطب ليل لا يدري ما يحطب ؛ ولعله يحتطب ما فيه حتفه » أو حية تأتي على نفسه فنعوذ بالله من الفتنة » ومن السلوك على منهاج ذلك الرجل ؛ لقد كان ومن مصى قبلكم من المسلمين لا يدعون مثل هذا يدخل مجالهم » ولا يشهد جماعتهم » وكان عندهم مقصياً مبعداً مدحورا ؛ يهجرونه ولا يجالسونه ؛ حتى يرجع الى سنة المسلمين » وانتم محقوقون باتباع آثار سلفكم والسلوك على منهاجهم ؛ وان تفعلو بهذا التائه المتخبط ما كان يفعله سلفكم بمن كان قبله لكي ينزجر من أراد الله به خيراً وينتبه غيره من يخاف عليه الاقتداء به » واتباعه ولا تظهر سنن أهل البدع ولا تقوم للشيطان دعوة وأنا مبدئ لكم ما ذكره وراد عليه ضلالته) ؛ ثم شرع في الرد عليه ؛ وفي ابطال مسائلة التي انتحل فيها الخلاف للمسلمين بحجج واضحة ؛ وبراهين قاطعة ؛ وهي رسالة طويلة ؛» فاطلبها في غير هذا . ثم ان نفاتا لم ينته عن غيه ؛ ولم يتيقظ من ضلاله ؛ ولم تؤثر فيه مراشد العلماء وأهل الفضل ؛ مع توالي النصائح اليه مشافهة وتحريراً من 7 الامام وغيره من له اعتناء بشأن الدين ؛ واصلاح الأمة ؛ بل ازداد عناداً ورياء ٠ فكثرت الكتابات في حقه إلى الامام من عماله وغيرهم ؛ من التمنهم وخصهم بمكاتبته واخباره » بأحوال الولاة والعمال والرعية ؛ في الجهات فأجابهم ‏ رضي الله عنه ‏ بواسطة مكاتبه بهذا الجواب . الرسالة الثانية للامام أفلح إلى المسلمين في حق نفات بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . من أفلح بن عبد الوهاب إلى ........() اما بعد ؛ ألبسنا الله وإياك عافيته » وكفانا واياك مهمات الامور برحمته ؛ كتبت اليك ؛ وأنا ومن قبلي من خاصتي والرعية عامة ؛ على أحسن حال جرت به عادة الله ؛ وتواترت به نعماؤه »؛فله الحمد كثيراً والشكر دائماً ؛ أتاني كتابك بالذي أحب علمه من سلامتك وحسن حالك ؛ وتواتر نعم الله عليك واحسانه اليك ؛ والى من قبلك من الرعية وأهل الطاعة » فسرني بذلك وحمدت الله كثيراً عليه » وسألته تمام النعمة علينا وعليكم برحمته أنه مجيب » وذكرم أمر نفات » وأكثرع فيه الكتب وصفتم عنه أشياء لا يشك أحد منكم في أنها بدعة وخلاف لما مضى عليه سلفكم » فان يك ذلك كما وصفت فما ينبغي لاحد منكم أن يخالجه الشك في أن ذلك ضلال ؛ لأن الهدى في أيديكم والحق ما شرعه لكم سلفكم الصالح ؛ والائمة المرضيون رضي الله عنهم ؛ فمن أتي من بعدهم با يخالف شريعتهم ؛ ويأخذ في غير طريقهم » فهو ذو بدعة وكل بدعة ضلال ؛ وكل ضلال كفر ؛ وكل كف في النار» وأنتم على يقين من سنة أسلافكم ؛ ولا يتبع الهدي الا في موافقتهم ؛ ولا يخاف العاقل الهلاك الا في خلافهم ؛ ٠٠7 وقد قلتم في كتابكم : هو غلام حدث غر لا تجربة له في الامور فنخاف ان جشمناه السفر والشخوص » أن تحمله اللجاجة مع اعجاب الرأي والتيه بالنفس على التمادي فيما يهلك به نفسه ؛ فما وجه ما سألتم من ذلك ؛ وهل أنتم على شك من دينكم أوريبة في أمركم ؛ السنة في أيديكم وأسلافكم الماضون كانوا على مثل حالكم ؛ بل كانت لهم عمال في حال كتمانهم وكبار يقومون بكل أمر من الحقوق وغيرها في حال الكتمان ؛ وليس أحد منهم يقول ما حكيتموه عن هذا الغلام . فلما حدث منه ما ذكرتوه كان أمره واضحاً ؛ وهو أنه أخذ بخلاف ما مضى عليه سلفه وأحدث مقالة لم يقلها عنهم غيره ؛ وأنتم على يقين من أمركم » فما أحوجكم إلى مجيئه واشخاصه ؛ وان كنتم تريدون أن تعلموا ما نحن عليه فنحن على ما مضى عليه سلفنا ؛ ومقرون لما حكيتموه عنه ان قاله ؛ فقوموا عليه ؛ فان رجع عن مقالته ؛ ونزع عن بدعته فمقبول منه رجوعه » ومرحباً بالتائب حيث كان » ومن كان » وأين كان » وان أبى الا التمادي » فانتم تعلمون السيرة فيمن ابتدع في دين الله » وشق عصا الاسلام » وقال بخلاف الحق ؛ فانه محقوق بأن يهجر ويقصى ويبعد ؛ ونفات مثل واحد من الناس لا أخصه بشيء دون غيره ؛ والسيرة فيه وفي غيره واحدة » والسنة قائمة ؛ وحكم لله لا يزول ولا يتبدل » فانا نشهد الله على من كان من أهل هذه الدعوة ؛ وعمالنا وقوادنا وأهل العلم من أصحابنا ؛ ومن ألتف المهم من رعيتنا أن لا يسمع أحداً يبتدع في دين الله أو يسلك طريقة غير طريقة أصحابنا الماضين من أسلافنا ؛ الا ويكون قد غير ذلك وأطفأه واستتاب من أظهره ؛ فان لم يتب خلعه ؛ فهذه منى عزيمة واجبة وأمر لازم وفرض محرم » أن يتعدى ؛ وأن يقال بخلافه ؛ فمن قرئ عليه كتابي هذا فليسمع وليطع وليتنبه إلى ما أمرت به » فان من انتهى اليه كتابي هذا في حرج ان قصر عما أمرت به » ومن عاب أحداً من عمالنا بخصلة من الخصال 91 أو أنكر عليه شيئاً فليرفع ذلك الينا ؛ فنكون نحن الذين يغيرونه ان كان مما يغير » وليس للرعية الوثوب على السلطان حتى ترفع ذلك الينا ؛ لان الوثوب على السلطان والاقتفاء للخصال التي نحن أولى بالنظر فيها» خطأ من الرعية » وضرب من ضروب السائبة » لان هذا وضربه مما لا يعلم باطنه ؛ الا بالبحث » وقد يظن الظان في الأمر فيراه خطأ ؛ وهو عدل من حيث لا يعلم ؛ ولم يظلم من دعاكم إلى نفسه ‏ وكلفكم بأن ترفعو أموركم اليه ؛ لان في ذلك شفقة منا عليكم ان تهلكو من حيث لا تعلمون ؛ والله ولي عصمتنا وتوفيقنا وإياكم ؛ وهو المستعان لا شريك له . وقد كتبت اليك جواب مسائلك فعليك بتقوى الله ؛ والعمل بطاعته وحسن النظر لنفسك ؛ فانها ان سلمت لك فقد نجوت وفزت فوزاً عظيما؛ ولا تدع الكتابة إلى بحالك وسلامتك » فانك تسرني بذلك والسلام (اه). ولما بلغ نفاتا خبر هذه المكاتبات في حقه ؛ وأمر الامام عمله بتحقيق ما شهرعنه واثباته » ثم اظهار البراءة منه ونفيه وابعاده » ان لم يرجع بعد استتابته » ضاقت به الارض ؛ وتوقع الهلاك » فكتب إلى الامام كتابا (لم نعشرعليه) يتفهم فيه عن متوجب الأمر بالبراءة منه ؛ ويشتمل على كلام حمل الامام رحمه الله على مكاتبته برسالة لا بسملة فيها » ولاسلام اشارة منه ‏ رضي الله عنه ‏ إلى البراءة منه وعدم الرضاء عنه . الرسالة الثالثة للامام أفلح ‏ رحمه الله أرسلهاإلى نفات من أفلح بن عبد الوهاب إلى نفات بن نصر » أما بعد : فالحمد لله المنعم علينا ؛ والمحسن الينا ؛ الذي بنعمته تتم الصالحات ؛ ولايهتدي مهتد الا بعونه وتوفيقه ؛ فله المئة علينا ولا منة لنا عليه ؛ وهو وى المحسن الينا اذ هدانا لدينه » وجعلنا خلفا من بعد أسلافنا الصالحين وأئمتنا المهتدين الذين في اتباعهم ترجو الهدى د وفي مخالفتهم نخشى الهلكة 6 ولن يعتدي من خالف العدل ولن ينجو من ابتدع غير الحق » لأن تلك البدعة ضلالة وكل ضلالة كفر وكل كفر في النار . وقد ككبت اليك غير كيتاب 6 أنصح لك فيه وأدعوك إلى رشدك وفي كل ذلك لا يبلغنى من عمالنا فيك الا ما أكره » ولا أرضاه لدين ولا دنيا ؛ حتى حررت كتاباً منشوراً إلى عمالنا أمرتهم فيه بخلع كل من خالف سيرة المسلمين وا تبدع غير طريقتهم وسار بغير سيرتهم 6 وبنفيه وهجره و قصائه ؛ فكتبت إلي كتاباً كأنك تسخط ذلك » أترى انى أؤازر من ابتدع في ديننا (كلا) ما كنت بالذي يفعل ذلك ؛ ولا أؤازر من يسعى فى خلافنا ما كنا على الهدى . ثم قلت : انا أمرنا في كتبنا بالبراءة منك » فان كنت كما كتب به الينا عمالنا فأنت محقوق بالبراءة ؛ ومقصى من جماعتنا ؛ لأننا ما كتبنا كتابنا ذلك الا على ان كل من ١ بتدع فى ديئنا خلاف أسلافنا » وزعم أن عمالنا أساقفة وانهم لا طاعة لهم في حال كتمانهم ؛ فهو محقوق بالبراءة ومقصى من جماعة المسلمين ؛» فان تكن أنت منهم فأنت الذي أبحت لنا البراءة منك ؛ وأحلت بنفسك ما لابد لنا أن نفعله بك وبغيرك ؛ وان لم تكن كذلك فاظهر الانتفاء من ذلك 2 وكذب عن نفسك ما فقيل عنك 2 لتكون عندنا بالحالة التى تستحقها وتستوجبها . وأما قولك (تب ما كتبت به) فهو منك عبث اذ لم أشاهدك ولم أشاهد موافقتك حتى يجب لك علي أصل ولاية ؛ ولم يكن لك عندي تقدمة في الموافقة » وانما رفع الينا عنك ما رفعه أهل الثقة عندنا » فأمرنا عمالنا أن يسيروا في كل من ابتدع بسيرة المسلمين وكتبنا اليهم بذلك ؛ فجعلت ١1 تكتب الينا فيما ليس لك به كتاب ؛ فعلام تتجاهل فى الأمور » فان كانت غايتك اما هي ان نكتب اليك ونجيب ؛ وتكتب الينا ونيب » فهذه غاية قصيرة والسكوت عنك أهنا واولى بنا » ونحن بأمنينا به أحق من مجاوبة أهل التكلف » ومن ليس له غاية الا أن يقال فيه كتب فلان » وقال فلان وفلان يفعل ويفعل فلان » وان كانت غايتك التصحيح فانف عن نفسك ما رقي عليك ؛ وكن من جماعتنا وموافقي اسلافنا ؛ فاذا تبينت منك الموافقة والانتفاء مما رقى عليك ؛ كان ذلك هو الذي نحبه منك ومن غيرك ؛ وليس لك عندي غير هذا » وان يكن حقاً ما رقي عليك وما قيل فيك من مخالفة اصحابنا ؛ فأنت وما رضيت به لنفسك ؛ وانى غير كاتب اليك كتاباً بعد هذا ء الا ان انتهى الينا منك ما نحبه فننزلك من انفسنا بحيث تحب والله المستعان ولا حول ولا قوة الا باللّه العلى العظيم (1ه) . هروب نفات إلى الشرق واستنساخه ديوان الامام جابر بن زيد - رحمه الله من مكتبة الخليفة ببغداد فلما قرأ نفات هذا الكتاب » وفهم اشارات الامام فيه » وأدرك منتهى ما ترمي اليه آخر عبارة منه » وهي قوله : (واني غير كاتب اليك كتاباً بعد هذا) ؛ علم أن دور الكتابة واللين قد انتهى » وانسد بابه ولم يبق الا دور الشدة والعنف ؛ الذي فهمه قبل ذلك من قول الامام (إيه) ؛ فانتهز الفرصة رجمع ماعنده من المال نقداً تحته ؛ وكان غنياً مشرياً وهرب طالباً للنجاة بنفسه إلى أن تجاوز حد نفوذ الامام وهو (أرض سرت) » وظل سائراً نحو الشرق حتى أتي مدينة بغداد » وهي اذ ذاك مقر خلافة بني العباس بالمشرق ؛ وأقام فيها ما شاء الله ان يقيمه ؛ متردداً على صديق له بغدادي في السوق يتأنس اليه ؛ ويمضي جل أوقات فراغه عنده ؛ إلى أن طرأت على 4 السلطان مسألة علمية أشكل عليه الأمر فيها ؛ وعجز علماؤه عن حلها ‏ فأمر أن ينادي في الاسواق بأن كل من أجاب عنها بجواب مقنع له ما يسأله من السلطان » وبينما نفات عند صاحبه اذ سمع ذلك النداء ؛ فقال لصاحبه : اني سأذهب إلى السلطان وأسأله بيان مسألته لأجيبه عنها » فقال له : الزم نفسك فان الحال ليس بسهل وكأني بك وقد عجزت عن اداء ما تحملت به » فأمر بقطع رأسك ؛ وليس هذا بميدان يجول فيه كل أحد » فأصر نفات على كلامه ؛ ولما مر المنادي أمام الدكان قال له صاحبه ان هذا المغربي ذكر أنه يقدرعلى جواب السلطان ؛ فلم يك الا كلمح البصر حتى اختطفه الشرطي » وذهب به إلى أن مثل بين يدي السطان فقربه اليه وأدناه وأنه ؛ وسأله عن أحواله ونسبه ومسقط رأسه فأجابه عن كل ذلك بأوجز بيان ؛ ثم رآى أن يمهد لنفسه عذراً حتى يكون مطمثناً آمناً من الهلاك ان هفا هفوة في كلامه عالاً بأن آفة الانسان اللسان ؛ فقال له : اعلم اني رجل بربري اللغة والطبع ؛ مغربي المشرب ؛ لم أتخلق بالآداب الشرقية حتى أقوم بما يجب على من حسن القول امام مقامك العالي » فأطلب الاذن في التكلم بما يخطر ببالي مع العفو عما يصدر مني من الخطأ الغابر لسئن الأدب » وبعد أن تلفظ له بالأذن كما طلب ؛ سأله عن مسألته فأجابه فى الخال بجواب كاف شاف اقنعه كل اقناع ؛ واعجاب الخليفة به » صار يكرر له السؤال عن معضلات المسائل ؛ وهو يجيب . وكان المجلس حافلاً بالعلماء والفقهاء والأدباء والأمراء » وأولى الوجاهة من أكابر بغداد لذكات للمسألة شهرة عليمة » ولها من قبل ذلك في الدوائر والمجالس ذكر شائع » وطفق أولئك العلماء يسألونه سؤالاً بعد سؤال ؛ وهو يجيبهم إلى أن أعياهم الأمر ء وملوا الجلوس » ولحق الخليفة من العجب ما أبهر عقله وحير فكره ؛ فنظر اليه وهو على هيأته المغربية فيما يظهر من قرائن الاحوال » وقال معرضاً به : (نعم العسل في ظرف سوء) ففطن لها ١٠١" نفات وقال في الحال معرضاً بديوان جابر المتقدم ذكره وهو موجود بخزانة (مكتبة) الخليفة : (نعم الرجل في قبر سوء) ففطن الخليفة أيضاً لمراده واشتد به الحنق » وكاد يأمر بالفتك به » لولا ما صدر منه من الاذن في التكلم والعفو عن الخطأ ؛ ثم قال له : اسأل حاجتك لنوافيك بها جزاء لعملك هذا » فقال له : ان حاجتي هي صدور أمرك بالاذن لي في نسخ ديوان جابر بن زيد الموجود في مكتبتك ؛ فما توانى السلطان في اذنه بذلك ؛ وقام نفات فرحا بما ناله من الاقبال والفوز » وكان الحاضرون من وزراء السطان وخواصه فأدركهم من الجزع ما كدر راحتهم اذ رأوا السلطان مسايراً لنفات في أمر الديوان ؛ فقالوا له بعد خروج نفات : كيف يصح لك يا أمير المؤمنين أن تأذن فينسخ الديوان؟ وهو معدود من مهمات خزانتك وغرائبها ‏ حيث أنه لا يوجد في غيرها قط » وهذا مما لا نرضاه منك ؛ فتنبه اذ ذاك وندم وقال : اني قد وعدته » ولا يمكن لي الرجوع في كلامي فانظروا لي وجهاً مناسباً لا يحط بشرفي » وأمنعه به من ذلك فقال له أحد الوزراء : اذا رجع اليك فاعلمه بأنك موف له بالوعد ؛ الا أن مدة النسخ لا يمكن أن تتجاوز يوما وليلة ؛ فانه اذا سمع منك ذلك ترك الطلب ؛ لأن هذا القدر من الزمن لآ يغنيه شيئناء فاستصوب السلطان هذا الرأي » وأرسل في الحال إلى نفات يعلمه بذلك ؛ ففطن نفات لهذه المكيدة وأدرك أن المسألة دبرت على أثر خروجه من عند السلطان » فرضى بالشرط ؛ وذهب فاشترى ما يكفيه بالتقريب مداداً وأقلاماً وورقاً ؛ وصنع أحواضاً مجصصة بالجير مصففة على هيئة يتمكن بها من الكتابة كل ناسخ . ثم أمر مناديه فنادى في المدينة بأن كل من يحضر إلى امحل الفلاني في يوم كذا ويكتب طول يومه فله دينار » وللذي يملي عليه نصف دينار» وغير خفي ما كان فى ذلك العصر العامر بالأدب والعلم من الكتاب والقراء ؛ فاجتمع له خلق لا يحصى وشرعوا في الكتابة إلى الليل وقبل انتهاء وقت ١7 هؤلاء نادى المنادي أيضاً بأن من يكتب ليلته هذه فله ديناران » ولن يملي عليه دينار » فبقي من الأولين من بقي » وخلف من ذهب غيره ؛ واستمروا في الكتابة » وما طلعت الشمس حتى تم له نسخ تسعة أجزاء » وبقي له جزء واحد منعه السلطان من اتمامه لانتهاء الوقت الحدد المأذون به فأستأذن عليه ودخل فطلب منه أن يتصفحه مرة واحدة » ويرده فسلمه له » وبعد أن أتمه سردا قال له قد حفظته وان أردت أن أقرأءه عليك لتعلم صدقي فعلت ؛ فتعجب الخليفة من ذلك وأمره بقرءته فقرأه إلى آخره بحيث لم يترك منه شيئاً قط . ثم ان الخليفة جمع وزراءه » وقال لهم قد أعيانا أمر هذا الرجل ؛ وما قدرنا له على حيلة » وها هو قد أت الكتاب ؛ وأراد السفر » لابد لنا من رأي نتوصل به الى سلبه منه ؛ فأشار كل برأيه ؛ ثم قال هو : ان يسأله عند خروجه الى سفره عن اسئلة ؛ فان عجز عنها سلبته منه بوسيلة انه ليس له بأهل » أو قتلته » وان اجاب فاسألوه انتم واحداً بعد واحد » حتى يعجز فتفعل به ما ذكرناه ؛ فاتفقوا على ذلك وافترقوا » ولما بلغهم ان نفاتا برز برحله للسفر حضروا ومعهم الخليفة بصورة انهم يودعونه » وابتدأوه بالاسئلة المتتابعة زمنا طويلة ؛ حتى تنبه الى أنهم ما فعلو ذلك الا لقصد ارجاع الديوان منه . ولما رجعوا ولم يقدروا له على شيء أجمعوا على أن يرسلو وراءه من ينتزعه منه » فتحذر هو وحاد عن الطريق المعروف فلم يدركوا له أثرأً ؛ وتوجه إلى مكة ثم منها إلى طرابلس ؛ ولما بلغها سأل عن الاحوال فوجدها قد تغيرت » ووجد دولة الامام في قوة عظيمة ونفوذ كامل ؛ واذ ذاك علم انه لا مطمع له في شيء ما كان يقصده من الخروج عن الطاعة » واستغفال العامة » ورأى ان السكون أسلم وأصلح له إلا ان الشيطان غره وضاعف حسده » وسولت له نفسه ان يعدم ذلك الديوان حتى لا ينتفع به أحد بعده ؛ 1 ولعله خاف ان يطلبه منه الامام لينسخوا منه نسخة للمكتبة المشهورة بخزانة نفوسة الجامعة اذ ذاك للآلاف المؤلفة من الكتب بمدينة (سروس) في جبل نفوسة » أو لمكتبة تيهرت » فحفر له في الارض ودفنه وأخلد إلى السكون إلى أن مات . وقد ذكر هذه الحكاية أبو زكرياء ‏ رحمه الله وغيره ؛ ولا غرابة فيما ذكروه من حفظ نفات ؛ فان ما يحكى عن حفظ الشيخ السيوطي وغيره لا يبعد عن هذا » وانغا الغرابة في نسخ الديوان في تلك المدة القصيرة مع قولهم انه كان وقر عشرة جمال » وانظر على هذا كيف تأتي لجابر رحمه الله تأليفه ونسخه مع اشتغاله بأمور المسلمين ؛ إلا ان يقال ان الخط في ذلك الوقت غليظ جدا » ولا سبك فيه كما نشاهده في الكتب العتيقة ؛ وان المكتوب فيه جلد لا كاغد ؛ ولو كتب الآن لكان في أقل من ذلك بكثير ؛ وقد تعرض صاحب كشف الظنون لذكر هذا الديوان » ولم يقل فيه شيئاً واللّه أعلم . والذي ذكره بعض أضحابنا فيما رأيته ؛ ان نفاتاً تاب ورجع عن مسائله التي خالف فيها ؛ وهو كلام قريب ؛ اذلم يرو أحدا أنه ذكر الامام بسوء ؛ أو تكلف لاثارة فتنة أو سعى في فساد . بعد رجوعه من المشرق » بل كان الامام بعد ذلك نافذ الامر ‏ ظاهر السيطرة في نفوسة وغيرها والله أعلم بالحقائق . 1, امتحان الشراة من المسلمين للامام أفلح ‏ رحمه الله - يتولية العلامة محكم القضاء (الشراة) في اصطلاحهم تقريباً ؛ لفظ يطلق ويراد به جماعة تتركب من أربعين رجلاً فما فوق ذلك ؛ اشتروا آخرتهم بدنياهم ؛ بمعنى انهم تخلوا عن الدنيا وعاهدوا الله على انكار المنكر » والامر بالمعروف » بدون مبالاة ولا خوف من الموت ؛ ولو أدى بهم ذلك الى القتال ؛ فهم دائماً بمتحنون الائمة والعمال بما يستدلون به على سرائرهم » وخفايا مقاصدهم واعمالهم ويحمدون سيرتهم أو يذمونها » وعلى ذلك يكون مدار أقوال الناس فيهم ؛ ولذلك تجعل الائمة والحكام مراشدهم نصب أعينهم لعلم الجميع باخلاصهم العمل لله ؛ في اصلاح الامة واقامة الدين . وقد امتحنوا هذا الامام ايضاً ما جعله في أرفع درجات الرضاء والقبول ؛ عند الخاصة والعامة » من المسلمين ؛ وقد ذكر ذلك ابن الصغير المالكي في تاريخه مفصلاً » فخذه أيها القارئ منه بعبارته . قال : وكان أول ما امتحنته به الشراة » أن قاضياً من قضاة أبيه مات في أيامه » فاجتمعوا اليه وسألوه أن يولي القضاء من استحق ذلك عنده ؛ فقال لهم : اجمعوا جمعكم وقدموا خيركم ؛ ثم اعلموني به أجبره لكم » وأعضده على ما يكون فيه الصلاح لكم ؛ فقلبوا أمرهم فلم يرتضوا أحداً منهم ؛ وأجمع رأيهم على محكم الهواري الساكن بجبل أوراس (صاحب التفسير المشهور) » فأتو إلى أفلح ابن عبد الوهاب » وقالوا له : ققد تدافعنا هذا فيما بيننا » فلم فرض أجداً منا » وقد رضينا جميعاً بمحكم الهواري الساكن بجبل اوراس لخاصتنا وعامتنا ؛ وديننا ودنيانا ؛ فقال افلح : ويحكم دعوت إلى رجل هو كما وصفتم في ورعه ودينه ؛ ولكنه هو رجل نشأ فى بادية لا يعرف لذي القدر قدره » ولا لذي الشرف شرفه ؛ وان كان ليس منكم أحد يحب أن 14 يظلم » ولا يظلم » ولكن تحبون ان يجري فيكم الحقوق على وجهها بلا نقص لاعراضكم » ولا امتهان لأنفسكم ؛ قالوا : فانا لا نرضى لقضائنا أحداً غيره » فقال الذي حدثني أخبرني أبي أن أشد الناس بولاية محكم على أفلح أخوه أبو العباس قال أفلح : أما اذا أبيتم غيره بعد نصحي لكم ؛ فابعتثوا رسلكم اليه على بركة الله ؛ قال : فخرجت الرسل بكتاب من أفلح ؛ وكتاب من الشراة في داخل كل كتاب منهما بعد اثبات اسم الله العظيم . أما بعد : فانه قد نزل بالمسلمين أمر لاا غنى بهم عن حضورك » وهم منتظرون لقدومك ؛ ولا يسعك التخلف فيما بينك وبين الله عن اللحوق بهم » والاجتماع معهم ؛ ليجمع رأيك ورأيهم على ما فيه صلاح المسلمين ؛ فلما ورد كتاب القوم ورسلهم على محكم عمد إلى دابة له وركبها » وأخذ كساءه وعصاه » ثم توجه نحو القوم » حتى أتى البلد وقصد المسجد الجامع ؛ فنزله وابتدر اليه أصحابه » فأحاطوا به » وقالوا : ان فلانا ابن فلان القاضي توفي » وقد أجمع رأي المسلمين ؛ ورأي الامام عليك ؛ (واعلم) انك متى تخلفت عما دعوناك اليه كنت المسؤول عن كل دم يراق بغير حله » وفرج يوطأ بغير وجهه » فاتق الله ولا تخالف الامام والمسلمين ؛ فيما دعوك اليه ؛ وانك ان خالفت أجبرناك » وان أطعتنا شكرناك » فقال لهم : أن الحق مر أمر من شرب الدواء » الا كرهاً » وأنتم مترفهون ابناء نعم ؛ وغيري احب اليكم مني نصحتكم ؛ فاقبلوا نصيحتي » وذكروا كلاما يطول » ثم قال : اما اذا أبيتم الا هذا فارجعوا ألى امامكم ؛ فاعلموه بما أعلمتكم ؛ وشاوروه في أموركم » قالوا : لقد فعلنا » قال : على بركة الله ؛ فأنزلوه في الدار المعروفة بدار القضاء » واشتروا له خادمة صفراء تخدمه » وأجروا عليه من بيت المال قوته » وسار فيهم السسيرة التي أملوها منه » ورجوها عنده ؛ فبينما هو على ذلك من أمره » اذ تنازع أبو العباس أخو أفلح المشير له والمرغب فيه » وصهر ل فلح في أرض » فارتفعا إلى أفلح » أبو العباس أخوه » والآخر صهره ؛ فقال لهما أفلح : كلا كما يعز علي ؛ ولكن ارتفعا إلى محكم . ؟1؟ وكان أبو العباس يحب ذلك لتقديمه لمحكم ؛ وايثاره اياه ؛ وكان الآخر يكره ذلك ويحب ان لو كان امرهما عند أفلح » فأغتنم أبو العباس كلام أفلح » وبادر الى بغلة له شهباء هملاجة فركبها »؛ وكان صاحبه على رمكة بطيئة المشي ؛ فأتي ابو العباس محكما فوجده خاليا في سقيفة داره ؛ ولم ير مع أبي العباس أحداً فأجلسه محكم الى جنبه ؛ وأقبل عليه يحدثه وخصمه متخلف على دابته ؛ فبينما هما كذلك اذ أقبل خصمه حتى نزل على باب دار محكم فلما رأى أبو العباس خصمه قد نزل نادى باسم جارية محكم فخرجت اليه فاستسقاها ماء ليرى ابو العباس خصمه دالته على القاضي ليردعه بذلك ؛ فلما صار القدح الى الجارية قال الخصم : في نفسه الى من احاكم » خصمي جالس الى جنب القاضى ويستقى الماء من داره » وأنا ملقى على باب الدارء لا يلتفت إليّ ولا ينظر نحوي ؛ قال : ثم حانت منه التفاتة فاذا بالرجل جالس ؛ فقال له : ما بالك يا هذا وما قصتك؟ » فقال له : جئت خصماً لأبي العباس فوجدته جالساً إلى جنبك ؛ فجلت في موضعي هذا » قال : فغضب محكم على أبي العباس » فقال يا أبا العباس : تأتي مع خصمك فتجلس إلى جنبي دونه ؛ وتستقى الماء من داري وبيد جاريتي » (يا غلام) خذ بيد أبي العباس فاقعده مقعد خصمه » ولا يبرح ؛ وخذ بيد خصمه فاقعده إلى جنبي ؛ ومر الجارية فلتسقه ماء ؛ فعل الغلام ما أمره به ؛ فخرج أبو العباس مغاضباً قد شق جيبه حتى دخل على أخيه (الامام) أفلح ؛ فلما رآه قال له مالك : وما عراك؟ قال له : نزل بي من هذا الهواري . . الجافي مالم ينزل بأحد ؛ فقال : وما ذاك؟ فقص عليه القصة من أولها إلى آخرها » فلما فرغ من كلامه قال له : يا أبا العباس قد كنت أعلمتك بهذا من قبل ؛ والصواب ما فعل » والحق أولى ان يؤثر ولو فعل غير هذا لكان مداهنا ؛ فاتصل ذلك من كلامه بوجوه الأباضية فأعجبهم وسروا به (١ه) بالحرف الواحد » وما امتحنه به وفد نفوسة » أنهم نزلوا عنده أضيافاً ولما حضر الطعام وقف على رؤوسهم بالقنديل ؛ وهم يأكلون ؛ فمد له واحد منهم لقمة مما بين أيديهم باتفاق مع رفقائه ؛ ولما كانت احدى يديه - رحمه 17 الله . مشغولة بالقنديل ولم يكن من الأ دب قبوله اللقمة بيد واحدة » وضع القنديل فوق , كبته حتى لا يختفي عنهم نوره ؛ وتلقى القمة بيديه 2 ولم يتكبر فشكروه على ذلك رحمهم الله أ جمعين . ولم يزل - رضي الله عنه - يوالي الارشاد ويتابع كتب النصائح إلى عماله في الجهات » والى الجموع في البلاد تارة باللبن والسياسة استمالة للنفوس الشاردة وتأميناً للقلوب الوجلة ؛ وتارة بعبارات الشدة وجمل الارهاب والفاظ التهديد قهراً لذوي المقاصد السيئة ؛ وقطعا لآمال أولى الألباب الفاسدة والليات الخيثة » عادة كل ملك حكيم مدير جامع للضداد من الشدة واللمن 6 والا كان عاجزاً عن ضط ملكه وفهر أعدائه ؛ فليتتبع من رام معرفة قدر علو همم الكمل من الرجال ؛ غصون رسالة هذا الامام القائم بالعدل الشاهر للحق التي اتحف بها عامة رعيته وخاصتهم » نصيحة لله وهدية ؛ وتليت عليهم بواسطة عماله فى المجالس » فكان لها في النفوس وفع عظيم ؛ وفيى صفحات الصدور تأثير جسيم ؛ لما اشتملت عليه من النصح والترغيب والترهيب ؛ وهاكها بمعانيها الفائقة والفاظها الرائقة . النصيحة العامة من الامام أفلح رحمه الله إلى كل من كان تحت لواتئه من المسلمين بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيد نا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . من أفلح بن عبد الوهاب ؛ إلى من بلغه كتابنا هذا من المسلمين ؛ أما بعد » فالحمد لله الذي هدانا للاسلام » وأكرمنا بمحمد عليه الصلاة والسلام ؛ وابقانا بعد تناسخ الأ م » حتى أخرجنا في الأمة المكرمة التي جعلهاامة وسطا شاهدة (: ل ب 1 بالتبليغ ُ ومصدقفة لجميع الانبياء 6 وشاهدة على جميع الام بالبلاغ ؛ من الانبياء عليهم السلام » اليهم منا من الله ؛ ورحمة أرسل ١١ الينا نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ؛ ووعده بالنصر علي الاعداء » وضمن له الفلج والغلبة ووعده بالعصمة ؛ وقال له عز وجل : «يأيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالاته والله يعصمك من الناس» فأدى عليه الصلاة والسلام ما أمره الله به ؛ ونصح لأمته ؛ ودعا إلى سبيل ربه ؛ وجاهد عدوه ؛ وغلظ على الكفار ؛ ولان للمؤمنين » فكان لهم كما وصفه الله عز وجل لرءوفاً رحيما» حتى أنقضت مدته وفنيت أيامه ؛ واختار له ربه ما عنده ؛ فقبضه محمود السعي مشكور العمل ؛ صلى الله عليه وسلم ؛ فلم تبق خصلة من خصال الخير الدالة على الرشد الداعية إلى النجاة » الا ودعا اليها وسنها.أو فرضها ‏ أو أوجبها ؛ ولم تبقىّ خصلة من خصال الشر الداعية إلى الهلكة الا وزجر عنها » وأمر باجتنابها رحمة من الله لعباده ؛ فله الحمد على ذلك كثيراً ؛ ثم أمر تعالى بالجهاد في سبيله ؛ والقيام بحقه والاخذ بأمره » والانتهاء عما نهى عنه ؛ وفرض الامر بالمعروف والنهي عن المنكر » واغاثة الملهوف والقيام مع المظلوم ؛ والقمع للظالمين » لكي لا تقوم للشيطان دعوة ؛ ولا تثبت لأهل حزبه قدم ؛ ولا ينفذ لهم حكم ؛ فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عماد الدين واعزازه ؛ وهو الجهاد وتأدية الحقوق الواجبة لله تعالى » فعليكم معشر المسلمين بتقوى لله العظيم » والقيام له بحقه فيما وافق هواكم أو خالفه ؛ وتقربوا إلى الله بالقيام بطاعته » وطلب مرضاته لتنالوا بذلك ما وعد به من جزيل الثواب ؛ وكرم الأب . وعليكم بتقوى الله واتباع آثار سلفكم فقد سنو لكم الهدى ؛ وأوضحوا لكم طريق الح » وحملوكم على منهاج ؛ ففي اتباعهم النجاة وفي خلافهم تخشى الهلكة فاتبعوا ولا تبتدعوا ؛ واجتهدوا في ادراك ما أدركوه » واياكم والبدع فان البدع هلكة وسوء طريقة » وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة كفر ء م وكل كفر في النار ؛ فمن ترك آثار سلفكم الصالحين واتبع غير سبيلهم » فقد أحل بنفسه الهلكة ووجب عليكم القيام عليه ؛ والبراءة منه ؛ وخلعه مما هو عليه ؛ حتى لا يجد عندكم هوادة ولا ادهانا ؛ وحتى لا تقوم لظالم حجة ؛ ولا تطاع له مقالة ؛ فانكم متى لم يجد ظالم فيكم ولا عندكم مقاماً + عززتم وعز دينكم » وكان لكم ذلك عند الله فوزا عظيما . (واعلموا) أن الله قد أوجب عليكم أن تقوموا لله بالعدل في عباده وبلاده » ولا تأخذكم في الله لومة لاثم » فليس لاحد منكم عذر ولا حجة يحتج بها على الله ؛ فقد أوضح لكم المنهاج ؛ وأنار لكم طريقة الحق ؛ وجعل لكل زمان رجالا تسند اليهم الأمور » ويأمرون فيطاع أمرهم ؛ ويدعون فيجاب نداؤهم » وأنتم رجال أمانكم والكبراء من أهل موضعكم » فأعرضوا أعمالكم على اعمال من تقدم قبلكم من سلفكم ؛ وأهل الزمان الأول من أوائلكم » فان كانت اعمالكم موافقة لاعمالهم ؛ فالله على ذلك محمود ؛ عليكم الثبوت والازدياد من كل خير ؛ وان كانت أعمالكم قد قصرت عن اعمالهم » وحطمكم الذنوب عن بلوغ درجاتهم » فاحسنوا محاسبة انفسكم وانتبهوا من نومة الغفلة » وخذوا لانفسكم من أنفسكم وانتم سالمون من قبل ان تؤخذوا ويؤخذ منكم بالكظم ؛ وتصيروا إلى حالة لا يستغيث فيها مستغيث ؛ ولا تقبل من نفس فدية ؛ فاتقوا الله حق تقاته » وتواصو بالبر والتقوى » ومروا بالمعروف المفترض عليكم » وانهوا عن المنكر الذي قد نهيتم عنه (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين) فانكم لن تسارعو اليها بالأماني والتوكل » وانما تسارعون اليها بالعمل الصالح والمسارعة إلى مرضاة ربكم » ولن تنالوا ذلك ؛ الا بعون من الله وتوفيقه . ثم أحذركم أهل البدع الذين لم يعرفوا حقاً فيتبعوه » وان يلقو أهل العلم 1145 فيقتبسوا منهم الذين » عاشوا مع أهل الجهل فخلا بهم الشيطان » ونفخ في قلوبهم الكبر » وأورثهم العجب ؛ فاستحيوا أن يقولوا فيما لا يعلمون لا نعلم ؛ فأفتوا برأيهم أقواماً جهلة لا يعرفون ما يقال لهم ؛ قلدوهم دينهم وألزموا أنفسهم الرأي ؛ فاتبعوهم على بدعتهم فضلوا وأضلوا كثيراً ؛ وضلوا عن سواء السبيل ؛ فويلهم ماذا سوغت لهم أنفسهم » وما الذي ظنوه وأملوه اذ تركوا آثار من مضى من السلف الصالح ؛ هل يخافون الهلكة في اتباع آثارهم أو يرجون النجاة في خلاف سبيلهم؟ كلا ولكنهم اتبعوا أهوائهم بغير حق » فألزمتهم فتنة الجهل » وانتفخت صدورهم من نفخة الكبر » لم يحاسبوا أنفسهم فينكشف لهم خطأهم ؛ فاحذروا معشر المسلمين من كانت هذه صفته ؛ ومن حل بهذه المنزلة ورضيها لنفسه » واعلموا أن من كان كهذا فقد صار من حزب الشيطان وأوليائه ؛ لان الشيطان لم يضل ولم يهلك الا من باب الكبر » أمره الله أن يسجد لآدم صلى الله عليه وسلم فتكبر عليه وقال : (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) فويله ماذا عليه من آدم اذ خلقه الله من طين لوسجد له كما أمره الله تعظيماً للّه لا لآدم , وطاعة لله لا لآدم » وان كان آدم من طين فهو انما يطيع الله لا آدم ؛ لكنه تكبر فهلك ؛ وعاند فكفر » وغوى فضل » وأصر فأهلك نفسه » ولم يضر ذلك آدم . فهكذا هؤلاء المبتدعون الراغبون عن آثار سلفكم ؛ واتباع منهاجكم ؛ والسلوك على طريقتكم » لم يضروا الا أنفسهم ‏ ولم يحطبوا الا على ظهورهم » ولم ينقصوا الا حظهم » ولم يذهبوا الا نصيبهم » فأما أنتم فعلى بصيرتكم ان تجنبتم طرقة المبتدعين » وخالفتم سنة الظالمين » فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم» واحسانه اليكم وارغبوا اليه في التوفيق والعصمة ‏ واحذروا ما حذركم منه من اليم عقابه » وارغبوا فيما رغبكم فيه من جزيل ثوابه » واذكروا ما نهاكم عنه » وما وصفه لكم عن كل المبتدعين قبلكم ؛ 7 ومن أضل من الناس فيما مضى » قال عز من قائل : «ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم» لعمري ما تفرقوا واختلفوا الا ببدعة ابتدعوها » وضلالة أحدثوها وفتنة رماهم الشيطان بها » فنفخ في قلوبهم الكبر » وأورثهم العجب ؛ فحملهم على ترك المنهاج الذي مضى عليه صالح سلفهم ؛ وزين لهم بدعتهم وصيرهم بعد الهدى ضلالاً » وبعد الايمان كفار » فقال عز وجل لهم وفيهم : «أكفرعٌ بعد ايجانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون» فسماهم كفاراً بعد الايمان بما أحدثوه وابتدعوه » اذ تركوا ما شرع لهم من الدين وقال عز من قائل : «وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون» فمدحهم اذ ثبتوا على دينه » واتبعوا امره وسلكوا على منهاج اوائلهم » فعليكم معشر المسلمين باتباع الآثار » العمل بما عمل به اسلافكم المتقدمون قبلكم ؛ فقد سنو لكم الهدى » ففي اتباعهم كل رشد » وفي مخالفتهم كل غي ؛ والرشد خير من الغي والهدى خير من الضلالة » والجنة خير من النار » ولن يستوي عند الله من عمل بطاعته ؛ وامره ؛ ومن عمل بمعصية وركب سخطه » ألم تسمعوه يقول عز وجل «أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم وماتهم ساء ما يحكمون» (هذا) وقد بالغت اليكم في النصيحة وشرحت لكم اللوعظة » ورضيت لكم بما رضيت به لنفسي » ونهيتكم عما انهى عنه نفسي » نصيحة لله واجتهادا في طلب رضائه » والله اسأل أن يوفقنا وإياكم لطاعته ؛ والقيام بحقه برحمته انه قدير والسلام عليكم ورحمة الله (اه) . فتأمل ايها القارئ حفظك الله في هذه الموعظة البالغة » والحكم النافعة التي ما صادفت قلباً قاسياً الا ولان » ولا طبعاً جامداً الا وهان فهي لعمري الحق أكسير الهداية والتوفيق » ونبراس النهج الحقيق » منجية الغريق » ودليل الحائر إلى أقوم طريق » وهدية الصديق إلى الصديق ؛ هكذا والله شأن أئمة ١/١ الاسلام ؛ وهكذا خلفاء الله على الأنام » وما سواهم من أطنبوا فيهم الكلام ؛ وسبكوا في وصفهم النشر والنظام »الا أوهام في أوهام وسراب كأضغات أحلام . عمال هذا الامام ‏ رضي الله عنه ومن ولاته وعماله الشهورين » العلامة أبو عبيدة واليه على جبل نفوسة » والعلامة ميال ابن وزيره يوسف ؛ عامله على نفزاوة وما يليهاء والعلامة سعد بن أبي يونس ؛ عامله على مدينة تيجي ؛ والعلامة العباس بن أيوب واليه على جبل نفوسة ؛ بعد أبي عبيدة » والظاهر أن هذا بقي الى آخر دولته أو توفى قبله بقليل ؛ اذلم نعثر قط على مكاتبة تدل على شيء من ذلك » ولم نقف على من ولى الجبل بعد العباس » وقبل ابنه أفلح » الا ما ذكروه من ولاية العلامة ابي ذر ابان ‏ رحمه الله ولكن مدته كانت قصيرة » فاما أن تكون في آخر دولة هذا الامام » واما ان تكون في صدر امامة أبي بكر أو محمد ؛ ولكونها في مدة هذا أقرب على ما هو المتبادر نتكلم عليها ها هنا فنقول . ولاية العلامة أبي ذر أبان ‏ رحمه الله على جبل نفوسة ولما توفي العباس بن أيوب ‏ رحمة الله بعد أن أطاع الجبل كله ؛ وما يليه وانقطعت الفتن ؛ كتب المسلمون إلى الامام في ذلك » فولى عليهم العلامة الزاهد أبا ذر أبان بن وسيم النفوسي من بلدة (ويغو) المذكورة سابقاً وكان عفيف النفس ؛ لا تعلق له بالدنيا ‏ وما كلف بهذا الأمر استثقل حمله » ولم يجد مسلكاً للتخلص منه ؛ فتوجه إلى الله تعالى وسأله أن يقصر مدته » وأن لا تتجاوز سبع أيام فإن مضت فلا تتجاوز سبع أشهر فان 7١7 مضت فلا تتجاوز سبعة أعوام » هكذا ذكر الشماخى ‏ رحمه اللّه ‏ وقال : كان مستجاب الدعاء فلم تصل مدته سبعة أشهر ولم يذكر هو ولا غيره سبب انفصاله » ولعله توفي » والا فمثله لا يعزل ولا يقبل منه التسليم ان سلم ؛ لما كان عليه من التقوى والعلم » والمشهور عنه كما في السير انه أخذ العلم بعد أن كبر ؛ والحامل له على طلبه هو أنه أصابه مرض لازم به الفراش » وكان معه في بيته أخوه أبو عبد الله مريضاً أيضاً » فاذا جاء التاس لزيارة أبي عبد الله مروا على أبان مروراً ثم يقعدون بجنب أخيه يتحدثون معه ؛ ويؤنسونه بالكلام » فاذا قال له أحد وهو مار عليه كيف حالك يا أبان؟ قال : ان عاش أبان جعل للدنيا جزاءها ان شاء الله ؛ وذلك لما يراه من تعظيم الناس لأخيه واستهانتهم به لجهله » ولما شفي من مرضه اجتهد في طلب العلم عند العلامة أبي خليل الدركلي ؛ حتى صار علامة زمانه ؛ فقال له شيخه أبو خليل : افت يا أبان للناس بالرخص » فان لكل زمان نذيرا ء وأنت نذير زمانك ؛ وكان يقول : أدركت الناس الذين كانت أحاديثهم ذكر الله » وزيارتهم في الله ؛ ومعانقتهم بالمودة والصحبة والمحبة ؛ وبقيت حتى صحبت ناساً أحاديشهم الدينا وزيارتهم الحوائج ومعانقتهم التناطح » وله رحمه الله ذكر كثير فى كتاب السير » واقوال مشهورة في كتب المذهب ؛ واللّه أعلم . وفاة هذا الامام وعدد مدته وأولاده رحم اللّه الجميع وفى آخر دولته ‏ رحمه الله استأذنه ابنه أبو اليقظان محمد في الحج ؛ فأذن له وذهب ٠ وبينما هو يسعى في الحرم الشريف »اذ أحاطت به رسل بني العباس وأخذ محفوظاً تحت المراقبة إلى بغداد » وأودع في السجن مع أخي الخليفة العباسى وستأتي القصة مشروحة ان شاء الله عند الكلام عليه » وكل آت قريب فبلغ الخبر إلى الامام فاغتم » واغتم المسلمون لذلك ؛ 7 وتحققوا أن ما صنعته نفوسة قبل ذلك كما سبق مع جده الامام عبد الوهاب من منعه من الحج خوف الغدر به » هوصواب محض » وأخذ بجانب من الحذر والاستعداد المأمور بهما شرعاً » وبقي الامام مكسور الخاطر كثيبا لا يطيب له مقام » ولا يهناً له منام لما أصاب قرة عينه ونخبة بنيه ؛ وان كانت شهامته فارسية تأبى الا اظهار التجلد والاصطبار كما قيل : وتجلدي للفام تين أريهم أني لريب الدهر لا اع ضع إلى أن وافته منيته والناس عنه راضون » وبحسن سيرته يتحدثون » وقد قال ابن الصغير في ذلك هكذا : (وان افلح بن عبد الوهاب لما فقد ولده أبا اليقظان هذا » وعلم أنه قد رفع الى بغداد اشتد حزنه عليه ؛ وطال غمه به ؛ فلم يزل مهموماً محزوناً الى ان وافته منيته وابنه محبوس ببغداد(١ه) ؛ وذلك سنة مائتين وأربعين من الهجرة (148 ه) ؛ وعلى رأي المراكشي في ولايته كما تقدم تكون وفاته سنة ثمان وثلاثين ومائتين (778 ه) » وكانت مدته في الخلافة خمسين سنة على قول ابن الصغير » وقال ابو زكرياء - رحمه الله مكث في امامته ستين سنة والياً محسناً واماماً حسن السجية رؤوفا بالرعية لا يخاف في الله لومة لائم (١ ه) ؛ وعلى رأيه هذا تكون وفاته سنة مائتين وخمسن ( ٠ ه) ء وبهذا يتضح ان ما قاله المراكشي من ان وفاته كانت سنة خمس ومائتين هجرية (7006 ه) ؛ ليس بسديد لما يلزم عليه من كون مدته ١١ سنة فقط ؛ وهو باطل لمخالفته لكلام ابن الصغير مخالفة فاحشة وهو أقرب منه عهداً بهؤلاء الائمة » وأكثر اطلاعاً على أخبارهم ؛ وأصح رواية اذ كان من سكان (تيهرت) معاصراً للامام محمد كما سيأتي في كلامه واللّه أعلم . وقد ترك من البنين ذرية صالحة ؛ رضعوا من لبان علومه الصفو الزلال ؛ 17 والتقطوا من بحور آدابه ومعارفه السحر الحلال » منهم العلامة يعقوب الآتي خبره » فكانوا كما ذكره ابن الصغير المالكي في حقهم حيث قال : وكان لأفلح أولاد قد بلغوا من السن والتجارب والممارسة ؛ ما يستحق به كل واحد منهم الامامة » إلا أن الناس لا يرشحون من جميعهم الا رجلين ؛ احدهما يكنى بأبي بكر » والآخر يكنى بأبي اليقظان » وبهاتين الكنيتين يعرفان » وكان ابنه ابو اليقظان حسن الحال عند الجميع منسوباً الى الورع (١ه) ؛ وقد مر من علمه ما هو كاف . وا الفصل السابع خلافة الامام أبي بكر بن أفلح رحمهما الله وبعد وفاة الامام أفلح ‏ رحمه الله اجتمع حسب العادة أهل الخل والعقد من نفوسة وغيرهم ممن انتخبوه من العلماء والوجهاء ؛ وعقدرٍ الامامة لابنه أبي بكر اذ كان هو المترشح لها بعد أبي اليقظان لو كان موجودا ؛ ولا تم أمر البيعة واعلن للعامة أنكر بعض الناس ذلك » ورأوا أنه غير أهل لها ء وعابو نفوسة باستقلالهم بهذا الامر واختصاصهم به ثم سكتوا » وقد تكلم ابن الصغير المالكي عليه وعلى سيرته بما لم يأت به غيره ؛ فخذ ما قاله على ما مر من القاعدة فيما نقلناه من كلامه . قال : فلما مات أفلح بن عبد الوهاب قدم الناس ابا بكر ابنه » وأخبرني غير واحد قال : كان عبد العزيز بن الاوز ينادي بأعلى صوته الله سائلكم معاشر نفوسة » اذا مات واحد جعلتم مكانه آخر ء ولم تجعلوا الأمر للمسلمين وتردوه اليهم ليختاروا من هو اتقى وأرضى ؛ فلا يلتفتون الى كلامه ؛ ولا يشتغلون بمقالته » فلما ولي أبو بكر لم يكن فيه من الشدة في دينه ما كان فيمن كان قبله من آبائه ؛ ولكن كان سمحاً جواد لين العريكة يسامح أهل المروءات ويشايعهم على مروءاتهم » وبحب الأدب والأشعار » وأخبار الماضين » وكان بالبلد رجل يعرف بمحمد بن عرفة ؛ وكان وسيما قسيما جميلاً جواداً سمحاً ؛ وكان قد وفد على ملك السودان » (ملك صوصو) 77 بهدية من قبل أفلح بن عبد الوهاب فعجب ملك السودان مما رآه من هيبته وجماله » وفروسيته اذا ركب الخيل بين يديه وقال له كلمة بالسودانية ليست تعبر بالبربرية » لأن مخرج كلامهما انما هو فيما بين القاف والكاف أو القاف والجيم » الا ان معناها أنت حسن الوجه حسن الهيئة والافعال (١ ه) . مصاهرة الامام ابي بكر لابن عرفة وما نشاً عنها من الفان «ممزوج» وكانت لابن عرفة أخت أو بنت » لها من الجمال الباهر وحن الخلقة ؛ ماهو مشهور في تلك الاقطار في ذلك الزمان » ولأبي بكر أخت كذلك ؛ فتزوج كل منهما أخت الآخر ؛ فنال ابن عرفة عند ابي بكر المنزلة العليا من الاقبال والجاه ؛ حتى صار الرأي في مهمات الامور كلها بيده فعلقته خواطر العامة لنيل مطالبها وقضاء مآربها من أبي بكر ؛ فكان ابن عرفة اذا ركب من داره يتبعه في ذهابه وايابه من ذوي الحاجات والدعاوى ما لا يحصى من الناس حتى عاد كأنه الامام ولا ذكر لأبي بكر » فضاقت لذلك صدور أهل الحل والعقد من الرستميين وغيرهم من أرباب الاصلاح » ورأوا أن ذلك مما يؤدي الى الاستهانة بأمر الامام والى تضيع حقوق العباد وان مثل ذلك لم يعهد في سيرة السلف ؛ وببما خيف باستمرار ذلك الحال من حدوث حوادث يصعب حل مشكلاتها فتغيرت القلوب » وتبدلت الأفكار من العامة ؛ وساءت الظنون بأبي بكر الا انه لم ينشأ عن ذلك ما يكدر راحته أو يوجب الاختلاف والتفرق بل بقيت الكلمة مجتمعة والدعوة واحدة » والرأي متفق والعمارة زائدة والتجارة رائجة » وان وقع بعض مشاحنة وتنافر بكثرة الاموال والاتباع بين القبائل ولاسيما بين هوارة فانها تحاسدت حتى انقسمت فانجاز قسم مها يُعرف ببني أوس إلى من والاه من القبائل الاخرى وانحاز القسم الا الاخر ويعرف بترهنة كذلك الى غيرها وبقي الحال ساكناً لا حرب ولا نزاع ولا خروج عن طاعة الامام . رجوع أبي اليقظان من بغداد وتحسن أحوال الامام بأعماله العالية «ممزوج» وفي هذا الاثناء عاد ابو اليقظان من بغداد فوجد الحال على ما وصفناه ؛ ولم ينكر على أخيه شيئاً ولم يدع امارة ولم ينتحل خروجاً طلباً للسلامة وحقنا للدماء ؛ بل لم يقنع بذلك حتى أدى مع أخيه واجب الطاعة والانقياد وشمر عن عضد الجد في اعانته واصلاح شؤون امامته على نسق ما رآه من الاجراءات الشرقية وشرح له كل ما شاهده » وما سمعه من سياسة ملوك الشرق بني العباس وغيرهم ؛ واعمالهم الملكية فارتاح أبو بكر لذلك وكات ميالا الى الراحة والرفاهية ولذات المطعم والملبس وحب الرياضة » فأقبل على أخيه أبي اليقظان وصرف اليه النظر في الامور » وسلم له المقاليد ؛ لما ظهر له فيه من الكفاءة والاقتدار والنصح والامانة ؛ وكان شهيراً بالورع والصدق ؛ فقبل منه ذلك بطيب نفس وانشراح صدر ء وجد في التحسينات النافعة والانشاءات الخيرية » وضبط الأمور على اتقن وجه وأسلم نظام . «قال» وكان أبو اليقظان يركب إلى أعلى مسجد فى المدينة ؛ فيجلس فيه فمن تكلم إليه من الناس بين العمال والقضاة وأصحاب الشرطة نظر في ذلك نظراً شافياً ١ و جرى الحق على من رضي ؛ وسخط وعظم قدره وصغر » ولم تأخذه في الله لومة لاثم ؛ فحمد له الشراة ذلك وحمد له أخوه فعله ؛ فاذا كان آخر النهار أتى باب دار أخيه أبي بكر ؛ فان وجده جالساً دخل عليه وأعلمه بما حدث في يومه من خبر وخكم ؛ وان ألفاه مشتغلاً قال لمن علم 77 انه يصل اليه الى حرمه أقرئ الامير السلام » وقل له أصبحت مدينتك اليوم هادثة » واذا كان الليل ركب وطاف في المدينة حتى يرتب الحرس ؛ ويحكم امر الدروب ويأمرهم ان حدث حادث أن يوافوا داره » فاذا أحكم جميع ذلك انصرف الى داره » فاذا كان بالغداة غداً الى باب أخيه فان وجده جالاً أعلمه بما كان فى المدينة من حدث ان كان حدث أو هدوء ان كان هدوء ؛ فلم يزل كذلك » وعلى ذلك حتى خلب قلوب الناس ؛ واشرأبت اليه ومالت نحوه » وفي كل ذلك محمد بن عرفة في دوي وصيت عال » لا ينظر ابا اليقظان في حزبه ؛ ولا في طائفته ولا بالناحية التي هو بها » ولا ينظر بهيبة له واجلال وحذر » وكان محمد بن عرفة اذا أتى باب ابي بكر لم يحجب ؛ كان ابو بكر في مجلسه أو في حرمه » وكان أبو اليقظان وجميع اخوة ابي بكر واعمامه ل يدخلون على أبي بكر الا بالاستئدان اذا كان في مجله ؛ والا انصرفوا » وكان محمد بن عرفة على غير ذلك(١ه) . فتوقع أولو البصيرة منه الميل عن مركز الاستقامة والحيادة عن منهج الانقياد والمروق عن الطاعة ؛ ورأوا ان بقاءه على ذلك من دواعي الفتنة ومؤسسات الخراب ؛ ولكنهم لم يتوصلوا الي عرض حقيقة حاله على أنظار أبي بكر لشدة حجابه ؛ وولوعه به ؛ ولا زالوا بترقبون فرصة الوصول اليه لتنبيهه الى ان جمع رجال دولته وخواصه ذات مرة للمذاكرة معهم في بعض شئون مهمة . مذاكرة رجال الامامة مع الإمام في شأن ابن عرفة وتنبه الامام لذلك (مزوج) وما الجتمعوا عنده ؛ وخلا لهم امجلس من لم يدخل في الدعوة اذ كانت رسمية » وانتهت المذاكرة عما اجتمعوا لأجله ؛ فتحوا مع الامام باب البحث عن أحوال ابن عرفة » وما هو عليه من العظمة وازدحام الناس 174 عند بابه واتباعهم اياه رائحاً وغادياً ؛ وما يتوقعونه من سوء عاقبة ذلك ؛ فاذا الامام يجهل ذلك كله ؛ ولا يعلم بشيء نما حكوه عنه » فعاتبوه على التغافل عن مثل ذلك وعن عدم الاعتناء به والاحتياط » لدفع كل ما بحدوثه ربا تزعزع اركان الامامة ويختل نظام الهيئة الحاكمة » وعرضوا عليه ما ظهر لهم من الرأي في ذلك » الا انهم لم يشيروا عليه في ذلك الوقت بالقتل ؛ واظهروا له ما لديهم من الرضاء بالأحوال الراهنة الجارية بحسن ماعي أبي اليقظان الذي صرف عنايته الكاملة وابدا غيرته الخالصة ؛ في موجبات الاصلاح وتسديد الامور . قال : فلما سمع ابو بكر ما سمع شق صدره » وأراد أن يعلم ذلك ففتح طاقاً في أعلى قصره » يقابل الناحية التي يأتي منها محمد بن عرفة ؛ فلما كان بالغداة جلس في الطاق » فبينما هو كذلك اذ تحرك محمد بن عرقة من قصره فبادر الناس اليه من كل جانب ومكان ؛ وذلك كله بعين أبي بكر ء وأقبل وبين يديه أم وخلفه أم » وعن يمينه أم وعن شماله أم » حتى أتى الباب فنزل أبو بكر من طاقه الى مجلسه » وقد هاله ما رأه ؛ ودخل محمد فخلا معه ملياً ثم انصرف » وصعد أبو بكر الى الطاق فاذا بالانم التي أقبلت قد انصرفت » وبقي بابه خالياً فتحقق عنده ما قال القائل » ثم أرسل الى من ذكر له من أمر محمد بن عرفة ما ذكر فقال له : قد رأيت ما وصفت فما الرأي؟ فقال له : ان هممت به وأظهرت ذلك امتنع منك وغلب عليك ملكك ؛ لأن مطيعيه أكثر من مطيعيك ؛ ولكن ألطف في أمره( ١ه) . خبر قتل ابن عرفة «ممزوج» ثم بعد أخذ ورد في الكلام اشار عليه ذلك المستشار » (وبت الاشارة) بطريقة رأى أنها مناسبة » والله يعلم ما أراد بها ؛ نصح الامام ام غشه ؛ فقال به : لا سبيل الى الاتقاء من سوئه » وكسر شوكته الا بقتله واخفاء جثته ؛ د بحيث لا يبقى له أثر ولا يوجد له خبر » ويعد مفقوداً لثلإ ينشأ عن ذلك التعصب للأخذ بشأره من ذويه وأقاربه » وتذاكرا فى الطريق الموصل الى ذلك على النعت المذكور ملياً ثم أمره بكتمان السر لاتمام الغرض + وافترقا وقد صعب عليه الحال صعوبة لا مزيد عليها ؛ لما كان بينهما من الألفة وشدة العلاقة بالمصاهرة وصار يقدم رجلاً ويؤخر أخرى » الى ان جزم بامضاء ذلك الرأي » وكان له متنزه يعرف بجنان الامير » طالما خلا فيه مع ابن عرفة لترويح النفس ؛ ورياضة البدن والتنزه فى الايام المناسبة ؛ لما فيه من الأشجار الملتفة ؛ والازهار المتنوعة والعيون السائلة والأنهار الجارية » وأنواع الطيور » فأرسل اليه واحدا من خدمه يدعوه الى الحضور اليه للذهاب الى المتنزه ؛ كالعادة ويعلمه بأن لا يبيح بذلك لأحد ؛ وأن لا يستصحب معه من الخدم والاتباع أحداً » وأنه سيفعل مثل ذلك ؛ وأن يكون مجيئه ليلاً ؛ حتى لا يتعلق به في طريقه أحد من الاصدقاء والخواص ؛ الذين لا يمكنه منعهم من الحضورء؛ فبادر ابن عرفة عندما أخبره الخادم بالخبر ملبياً بمتثلاً كل ذلك ؛ وهو غافل عما قدرله في علم الله تعالى من الهلاك في ذلك اليوم ؛ ذاهل من قبل عما دونه الحكماء المتقدمون » ورسخ الادباء والسياسيون في شأن مصاحبة الوك والسلاطين تحذيراً من بطشهم وتنبيهاً الى تقلبات أحوالهم ؛ فوجد الامام في انتظاره متهيثاً للخروج فركبا وخرجا ومعهما خادم للامام له علم بحقيقة الحال » وكان قد اتفق معه على الفتك به اذا بلغوا المتنزه » وساروا الى أن وصلوه » وأقاما يومهما ذلك فيه على بساط المؤانس ولسان حالهما يردد عبارات الوداع » الى ان دخل وقت المغرب فأسبغا الوضوء » وقاما الى الصلاة وبينما هما فى اثنائها اذ هجم الخادم على ابن عرفة بحربة فصادفت ما بين كتفيه فخر الى الأرض ميتاً من ساعته ؛ وكان على قرب المتنزه جبل فيه شق غائر فى الأرض يعرف (بالشفة الحمراء) فأمره بالقائه فيه فزمله في ثيابه وحمله الى أن ألقاه هناك » وأخفى فرسه ورجعا يكتنفهما ستر الليل أخرى ففقد ابن عرفة أهله ؛ لما بلغهم رجوع الامام » ولم يكن معه » وباتوا في أشأم ليلة ؛ واتصل الخبر ببطانته وشاع خبر فقده » فخرج الناس في اليوم الثاني يتجسون خبره ويقتفون أثره الى أن أتو الى المتنزه » وكان من قدر الله ان تغافل الخادم عن دمه فبقى في المكان ليكون دليلا على مصرعه ؛ وداعيا الى رغبة الناس والحرص في الوقوف على جثته . ومهما تكن عند امرئ من خليفة وان خالها تخفي على الناس تعلم فتفرقوا حين وقفوا على الدم في الأودية والجبال للاطلاع على المكامن ؛ والاماكن الغائرة الخفية ؛ ثم دلهم بعض أهل الخبرة بالأرض على الشق المذكور فقصدوه وأنزلوا اليه رجلاً فوجده . ستبدي لك الايام ما كئت جاهلاً ويأتيك بالالخ_بار من لم تزود فأخرجوه وحملوه الى النهر الذي قتل فيه وغسلوه وطيبوه » وبعشوا الى بيته » فأرسلوا اليهم فرسه وسيفه وكسوته الخصوصة فألبسوها اياه ؛ وقلدوه السيف وأركبوه الفرس ؛ وركب خلفه رجل ليمسكه حتى يكون على هيأته التي يكون عليها اذا ركب في حياته ؛ وقصدوا به المدينة وامامه مناد ينادي بأعلى صوته قائلاً : (ألا وان القتيل المظلوم يأمركم بطلب ثاره ودمه) فهرع لرؤيته الرجال والنساء والصبيان ؛ ولحق الناس في ذلك اليوم من الرعب والجزع ما لم يلحقهم قبله »لما كان له في اعينهم وقلوبهم من المهابة بما قدمه لدى أكثرهم من الأيادي البيضاء » وقضاء المآرب » وقد قيل من قبل ؛ جبلت النفس على حب من أحسن اليها وبغض من أساء اليها » وقيل أيضاً (الناس عبيد الدرهم والدينار) وقال الشاعر : !7 رأيت الناس قد ذهبوا الى من عنده ذهب ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا رأيت الناس منفضة الى من عنده فضة ومن لا عنده فضه فعنه الناس منفضة ولعمري ان هذه القصة لأشبه شيء بقصة جعفر البرمكي مع هارون الرشيد . قيام أهل المدينة للأخذ بثار ابن عرفة وحربهم مع الامام «ممزوج» ثم عجلوا جهازه ودفنه ؛ وهاجت النفوس وكثرت الاقوال في سبب قتله وقاتله ؛ واشت د الحنق في الصدور وعظم الخطب » وكان في المدينة من الوجهاء وذوي الكلمة رجل يعرف بمحمود بن الويليلي يرى أن قتله ظلم ؛ وان القيام لأخذ تأره واجب ؛ وكان له على ابي بكر من الانكار ؛ ما كان ؛ فانتهزالفرصة اذ وجد للقصد سبيلاً» فأرسل رسله الى مجتمع الناس يتعرف أحوالهم » ويتحق ماهم عليه من الرأي ؛ فأخبروه بأن الشقاق في الناس قد بلغ منتهاه » وان الثورة لم تتوقف الا على محرك ورأس يعلن بذلك » فاسرع الصعود الى موضع بأعلى المدينة يعرف بالكنيسة وقرع الطبل للاجتماع ؛ فبادر الناس اليه من كل الاطراف لتعودهم بضرب الطبل للاجتماع في اللهمات ؛ وهو قصعة كبيرة من الخشب أو النحاس مغطاة بجلد بعير بعد خدمته خدمة مخصوصة ؛ حتى يكون كالرق » ومتى يبس وضرب بعقال من وبر أو ما أشبهه »؛ صارله صوت يسمع من بعيد على مسافة أربع ساعات وأكشر ؛ وأقل ؛ هذا ان كان على النعت الموجود الآن » عن رؤساء 7 القبائل من البوادي والقرى الكبيرة » من جبل نفوسة وغيره ولهم في ضربه طرق معروفة عندهم يستدلون بها على المقصد من ضربه ؛ فبمجرد سماع الواحد منهم صوته يعلم أن المراد خير أو شر » كما يعلم النفر العسكري في الحرب الامر والنتهي من رئيسه الموسيقى » والبوق وما أشبه ذلك . قال : فأمرهم بأخذ السلاح والزحف الى أبي بكر وحربه » واتصل الخبر بذلك بأبي بكر فبادر اليه خاصته من الرستميين والسمحيين وغيرهم » فتهيا لملاقاتهم وزحف الناس من اعلى المدينة من ناحية المشرق » وزحف حزب ابي بكر وشيعته وخاصته من المغرب ؛ ولبس كل واحد من الفريقين الدروع ؛ والبيض والرايات » حتى اجتمع الناس جملة ؛ الا اليسير بموضع بمسجد ابي ٠...... . . . فلم تزل ايد تتطاير وأرجل كذلك » وهامات تقلع » وافرغ على الفريقين الصبر (١ه) . (مزوج) فاغتنم العجم فرصة الوثوب ؛ لما كمن في قلوبهم قديماً من الغل ؛ وقالوا ما لنا وللسكون والدعة ؛ وقد وقع بين الجند والعرب ومواليهم وبين السلطان ما نراه من الاضطهاد والحروب ؛ وماذا يصدنا مع هذا الاشتغال ببعضهم عن الهجوم على طرف من أطراف المدينة فنتنهبه ونخربه ؛ ونقتل كل من عارضناه فيه » ثم نميل الى الكل فنهلكهم عن آخرهم ؛ ويصفو لنا البلد ونستقل بالسلطان » فقصدوا الناحية المعروفة بموقف الدواب ؛ وكان أهلها في استعداد وحذر مما اضمره العجم فناهزوهم القتال وحمى الوطيس ؛ وقامت الحرب على ساق وقدم في سائر انحاء المدينة بين العجم وبين مقابلهم » وبين الجند والعرب »وبين ابي بكر واستمرت الحال الى أن سقط واحد من وجوه العجم فتقدم من رام ايقاف تيار الحرب اليه ؛ فخز رأسه وبرز به الى الميدان منادياً (يا معشر الجند والعرب تقتلون أنفسكم والعجم قد دخلوا عليكم ساحتكم يقتلون رجالكم ويستحيون نساءكم ويستحلون 6م أموالكم) ثم ألقى الرأس بين الصفين ؛ فلما نظروه وعرفوه ألقوا السلاح ؛ وتعانقوا وعادوا يدا واحدة في الحال » مالوا نحو العجم فأبلوهم البلاء الشديد » حتى ولو منهزمين » وانحاز ابو بكر الى داره آخذاً طريق الانفراد لا أمر ولا نهي » ولا حكم وقد تشاءم الناس به . تجنب نفوسة وأبي اليقظان لهذه الفدئة «ممزوج» وفي كل ذلك أبو اليقظان معتزل فى المحل المعروف بعدوة نفوسة لا يظهر ميلاً الى أحد » وان اتهمه الجند والعرب بالميل الى غيرهما ؛ وكذا نفوسة لم يدخلوا في امر هذه الفتنة بقول ولا فعل » كأبي اليقظان » وبقيت الحرب متحركة بين العجم وبن الجند والعرب خاصة ؛ يتبادلان النصر والهزيمة ؛ فتارة لهؤلاء وآونة لاولئك ؛ الا ان الجند متى تغلبوا على جهة وخرج أهلها من ديارهم ابقوها على حالها ؛ ولا يغيرون منها شيئاً الى ان تغلبوا ذات مرة على جهة بجوار درب النفوسبيين فيها بعض نفوسة ؛ وكان مع الجند والعرب خلف الخادم » مولى الاغلب ؛ وهو ذو مال عظيم لا يضن به في اعانتهم ؛ كلما احتاجوا ؛ فصار متبع الرأي مسموع الكلمة عندهم » فقال لهم : ما أراكم صنعتم شيئاً اذ أبقيتم الديار بدون احراق فاضرموها حينئذ نار والعياذ بالله . حرب نفوسة وأبي اليقظان مع أهل المديئة «ممروج» فأخذت الغيرة نفوسة » وغضبت لذلك ؛ وقالت هذا جزاؤنا منهم اذ لم نتعرض لحربهم ؛ فلم يقنعهم الا احراق ديارنا واستحياء حرينا » وكأني بهم ولسان حالهم ينشد قول الشاعرك ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يبهدم ومن لآ يظلم الناس يظلم مم فعندئذ قامت قيامة نفوسة ؛ وتعصبت للمدافعة عن حرمها وحماية مجاوريها ضمت العجم اليها » ودعت ابا اليقظان في مكانه الى الموافقة على ذلك . فأجاب واتحدت الكلمة » وتقوت العصبة بانضمام العجم والرستميين وابي اليقظان الى نفوسة ؛ وتجددت الحروب وتوالت المصادمات ؛ وكانت وقائع يشيب لشدة هولها الرضيع » كانت الدوائر فيها لنفوسة والعجم على الجند والعرب قال ثم كانت بينهم وقائع كلها للعجم » ونفوسة على العرب (منها) وقعة تعرف بقنطرة الدفنس ؛ (ومنها) وقعة تعرف بقنطرة سليس ؛ وفرغ في هاتين الوقعتين وجوه العرب وصناديدها ثم كانت (وقعة) تعرف بيوم (الرد المعوج) ؛ وانما سمي الرد المعوج فيما ذكر أن (نفوسة) أخذ بعضها على بعض العهد ؛ وقال بعضهم لبعض : كيف يجوز لنا الفرار من الزرحف؟ قالو : فما وجه الرأي؟ قالوا ان نضم أرجل بعضنا الى بعض بالحبال ؛ ونثبت للحرب ؛ فكلما دارت الى ناحية درنا معها بوجهونا » ولانبرح من امكنتنا حتى تقطع السيوف في هاماتنا ؛ فكان في ذلك اليوم قتال لم يتقدم قبله قال مثله ؛ فكلما دارت الحرب على ذلك الرد دار اليها ودار معها » حتى افترق القتال وهو على حاله (١ه) . فلله نفوسة من رجال وأبطال » ولم يخل الله الأرض حتى الآن من رجال منهم ملوا يقيناً وابماناً » فهم مثال الشجاعة والاقدام ؛ لوضمتهم المححافل وأظلتهم ظلال الريات الحميدية وسط تلك الممامع الادهمية وأشباهها ؛ لكان لهم الفخر المقدم والصيت الاسمى ؛ ولكان حاديهم يترنُ بدون خجل ؛ ولا وجل وهو يسوقهم الى تلك الميادين ببيت الشاعر القاثل : ,7 وانى وان كنت الاخير زمانه لأت بما لم تسستطعه ٠١ ل و ثل ولما قصروا عن درجة أولئك ان لم يجاوزوها بأضعاف » وبالامتحان يكرم المرء أو يهان (ومن يشابه اباه فما ظلم) . (ممزوج) ثم مع استمرار الحرب » وتتابع الوقائع عكس القضاء المبرم الأمر وعاد النصر حليف الحند 6 والعرب والتقهقر والضعف 6 زميل نفوسة والعجم (سنة الله التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ؛ وتلك الايام نداولها بين الناس » وما النصر الا من عند الله) حتى اجلوهم من الامصار واضرموا في ديارهم النار ّ وذهب كل ملتجئ الى حيث ينجو من القتل تم انحازت نفوسة والرستميون والعجم مع أبي اليقظان الى المحل المعروف بعدوة نفوسة » وبنوا فيه حصناً منيعاً مشيداً يأوون اليه ابان تضايقهم من عدوهم ؛ فخلا للجند والعرب الجو » وخلصت لهم المديئة ؛ وواسع البسائط » وكرت اتباعهم َ وعظم جيشهم » وكان فيهم من عظماء التجار والاغنياء عددء منهم ابو محمد الصيرفي وابن الواسطي ؛ وأمثالهما بمن حركتهم الغيرة القومية والحمية الجاهلية ؛ فجادوا بما لديهم من الأموال ؛ وأمروا ببناء حصن يقابل حصن نفوسة ويضاهيه فى المنعة على بعد رمية سهم منه ؛ فشرعوا فيه على ضفة نهر يعرف بالنهر الصغير » وهو الحائل بين الحصنين » فوالت عليهم نفوسة والعجم الهجوم لصدهم عن البنا 1 فاشتغلوا بالعمل للا 1 وربما جعلوا في النهار ستراً عن العملة يرد عنهم سهام نفوسة ؛ واجتهدوا فيه الى ان ع على النحو المطلوب من القوة والمنعة 6 ونزلوه واشتد اذ ذاك باسهم 6 وتقوت شوكتهم وناصبوهم الحرب » فجرت بينهم مفاخرات وملاطمات ؛ وعادت الحرب رياء وسمعة » ونبغت في الفريقين ابطال وفرسان وتمارت الاغنياء والتجار في صرف الدينار والدرهم على شراء السلاح وآلات الحرب 0 نحم بسحف . ا قال اخبرني بعض المشائخ قال : عبت نفوسة والعجم ومن لف لفهم بين يدي حصنهم » وعلى حصنهم فبرز رجل من العجم يقال له | َ وردة ب سيف ودرقة » وكان قلماً يلقى قرناً الا قتله فنادى هل من مبارز فهابه الناس (١ه). ض ثم مع استمرار الحرب والزمن دوار » والقادر الخالق مختار » يفعل يي ملكه ما يشاء ويختار ء أخذ دور نفوسة والعجم في الانحطاط وجموعهم في القلة واحوالهم مع عدوهم في التقهقر » الى ان بارحوا حصنهم عنوة يحنون اليه ويئنون من فراقه » واتخذ كل وجهة متفرقين في الجهات طلبا للنجاة . واذا الديار تنكرت عن حالها فدع الديار وأسرع العحوللا ليس المقام عليك فرضالازماً في بلدة تدع العؤزيرز ذليلا 0 . الوا : ان العجم ونفوسة والرستميين لما نزل بهم ما نزل » تفرقوا في أقاصي البلاد فنزلت العجم وضع يقال له (تابغيلت) » وهي على مرحلتين من (مدينة تاهرت) » واما الرستمية ومن لف لفها » فلحقوا بأبي المقظان بالموضع الذي يقال له (اسكيدال) ؛ وهو بقبلة تاهرت على مسيرة اليوم » أو أزيد قليلاً في مجمع الاباضية » وأما نفوسة فنزلت بقلعة مانعة يقال لها اليوم (قلعة نفوسة) (١ ه) . غذ خروج الامام واستيلاء ابن مسالة على المدنية (مزوج) هذا ؛ وحال أبي بكر في المدينة لا يزال فى ضعف وادبار لا يقمع ظالاً ولا يجير مظلوماً ولا يقيم حداً ولا يغير منكراً ولا يحمي ملتجاً؛ الى أن ضاق به الحال وقلت انصاره ؛ وتوقع الهلاك ؛ فخرج بمن معه نجياً الى حيث لا يصاب ولا يدرك (هكذا ها هنا وقال ابو زكرياء سلم لأخيه محمد . وقال المراكشي اخرجوه ثم ردوه الى أن مات) » والظاهر أن مدته كانت قصيرة جداً لم تبلغ سنتين واللّه أعلم . فاستولى على المدينة محمد بن مسالة » وهو أمير مستقل عن تيهرت أباضي المذهب يدير شئونها ويدبر أحوالها على حسب ما يراه مساعداًء لاغراض العامة والكثير » وأخذت الهدنة فى الناس مأخذاً صار به كل مستقلاً بجهة اخذا حذره ؛ مما يطرأ عليه من مقابلة » غير متشبث با يثير شرر الحرب » فهدأت الحركات » ووضعت الحرب أوزارها » وكاد يقع في الخواطر ميل الي حب الانفة والاجتماع » مللاً وسآمة من وطأة الشقاق ؛ وبينما هم كذلك اذا تحركت بين هوارة ولواتة بعض تلك الضغائن الكامنة في الصدور ؛ منذ عهد قديم » فشبت بينهما نار الحرب وعلا لهبها ؛ فأعان أهل المدينة هوارة حتى أجلوا منها لواتة » رغماً عما قاسته في اثناء تلك الحروب الشنيعة من الاهوال وما تكبدته من المشاق ولاقته من الخسائر في الاموال والرجال ؛ فنزلت حصنها المعروف بحصن لواتة ؛ على قرب من الموضع المعروف (بتاسلونت) » الذي منه تنبع عيون نهر مينة الجاري من قبلة تاهرات » الذي نصبوا عليه المطاحن » وخاطبت ابا اليقظان على النزول بجوارها ‏ والدفاع عنها فأجابها الى ذلك وتحول اليها . 4 خلافة الامام ابي البيقظان محمد بن أفلح - رحمهما الله وما بلغ أهل المدينة انتقال ابي اليقظان الى حصن لواتة ؛ خرج وجوهها وأهل الرأي منها الى لواتة » واتفقوا معهم على تقديمه ؛ ثم أتوه وبايعوه بالخلافة » وذلك سئة احدى وأربعين ومائتين من الهجرة تقريبا (741 ه) . قال ابن الصغير : وكان معه بعض الأموال التي أتى بها من بغداد ؛ والمدينة بها رجال ؛ هواؤهم وقلوبهم عند أبي اليقظان » فخرجوا إليه فقصارت الدعوة والامامة كلها لأ بي اليقظان » واتته الأباضية من كل الاقطار » وبقى بالمدينة أنم بمن هم لا يوالون أبا المقظان » ولا يرأون من رأيه ؛ ويوالون محمد بن مسالة على عماية لا على الديانة ؛ فتجردت الحرب وعادت جذعة ؛ وحمل ابو اليقظان الناس على الخيل ؛ ودعى له بالامارة والامامة ؛ والغى ذكر أبي بكر ومحمد بن مسالة (١ه) . (مزوج) وما سمعت القبائل الأخرى حتى أتت لتقديم البيعة من كل الأقطار فقبلها » وقام خطيباً فرغب الناس في الاعتصام بحبل الله لحقن الدماء » وحفظ الأموال التي طالما ذرتها رياح الظلم والاستبداد» وسفكتها سيوف الطاغين ؛ ووالى الهجوم والوثوب على المدنية فاستمر الحصار على من تحصن فيها ؛ وعصى من اتباع ابن مسالة (سبع سنين) ؛ حتى ضعفت الاقوياء وأولو الشروة الذين كان عليهم مدار رحى الحرب » وفنيت تلك الاموال ودكت تلك الأبطال ؛ وعمت المصائب » وكشرت الاهوال » وكره الناس الحرب والفتنة » وملوا من الحصر » وشكا بعضهم لبعض ما حل بهم من الفناء والفقر » الا ان النفوس الميالة بطبعها إلى الشر تأبى الخضيع ؛ وتأنف من العدل ؛ وتمج طلب الصلح والرجوع الى الطاعة ؛ غواية وعناداً (ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي) . ىأ طلب الامام للاعانة الحربية من جبل نفوسة (بمزوج) ولما رأى أبو اليقظان امستمرار الحال مع طول الزمن رأى أن (يتأسى) بجده الامام عبد الوهاب ؛ ويحذو حذوه في الاستمداد من نفوسة الجبل ؛ فاستنجد بهم فامدوه ملبين دعوته ممتثلين أمره بجيش عرمرم جامع لكل بطل همام » وأسد ضرغام » وما هم بقليلين عندهم في ذلك الوقت . قال : ولما وصلوه جددوا له البيعة » وعقدوها له ؛ وانه لما نزلت (يعني نفوسة الجبل) بأبي اليقظان اجتمع الى أبي اليقظان جمع عظيم » فرحل بجميع جموعه من نفوسة وغيرهم حتى نزل بالقرب من مدينة (تيهرت) ؛ فلما نزل منزله قالت نفوسة : لا نقاتل حتى نرسل الى اخواننا وننذرهم ؛ فان فاءوا ورجعوا إلى الطاعة كانت أيدينا وأيديهم واحدة » وإن أبوا من ذلك نزلنا معهم على حكم لله ؛ قال : افعلوا ففعلوا ؛ فأرسلوا رسلهم وخوفوا الناس سوء العواقب » ووجدوهم قد ملوا الحرب » فقالوا لرسلهم قد تقدمت فيما بيننا دماء وأموال لا منا ولا منهم » ونخشى أن يؤخذ الباقي من الغابر؛ فان كان عقد وصلح على أن لا يتبع احد بدم » ولا مال ؛ فسمعا وطاعة ؛ قال : فاعلمت نفوسة ابا اليقظان بما قالت لرسلهم » فقال : معاذ الله ان نأخذ أحداً بما سلف ؛ ولا أخذ الا بمستقبل ؛ فاعطوهم على هذا ما أحبوا من العهود والمواثيق قال : ثم خرجت طائفة من أهل المدينة ؛ فعقدوا ذلك فيما بيهم فقالت (نفوسة) : نحن انما جئنا لاصلاح بيضتنا وتأليف امرنا وقوام ديننا ؛ ولم نأت لطلب علو في الأرض ولا فساد » فرحل ابو اليقظان بعساكره حتى أتى الظاهر المشرف على المدينة المعروفة (بقلعة نفوسة) ؛ فضرب بها سرادقة التي قدم بها من بغداد قالوا : ولم ير سرادق مضروبا قبله » واغا كانت مضارب وقباب . ثم أن أهل المدنية عمدوا الى داره التي هدموها » وكانت مزيلة ١14 من المزابل وكدية من الكدى ؛ فكنسوها في يومهم ذلك » فابتنوها في أصرع الآيام » فلما فرغت نزلها أبو اليقظان » ورفع مضارية ونزل الناس المدينة (١ ه) . فنادى مناديه فى الناس بالأمان » وولى وظيفة القضاء بعد استشارة أولي الرأي العلامة الزاهد الورع التتقي ابا عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الشيخ وستاتي له حكاية معه ؛ وعلى بيت المال رجلا من نفوسة ؛ وقدم على منبر مسجده من ارتضاه من صلحاء الائمة العاملين . قال : ثم امر قوماً من نفوسة يمشون في الأسواق » فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر » قالوا : فان رأوا قصاباً نفخ في شاة عاقبوه ؛ وان رأوا دابة حمل عليها فوق طاقتها أنزلوا حملها » وامروا صاحبها بالتخفيف عنها ؛ وان رأوا قذراً في الطريق امروا من حول الموضع ان يكنسه » ولا يعون احداً من صلاته في مساجدهم ؛ ولا يكشفونه عن حاله ؛ ولو رأوه رافعا يديه في صلاته خلا المسجد الجامع (المسجد الذي يصلي فيه الامام نفسه) فانهم اذا رأوا فيه رافعاً يديه منعوه وزجروه (١ ه) » ولعلهم يفعلون ذلك بدون اذن من الامام » ولم يبلغه الخبر واللّه أعلم . وثابر رضي الله عنه على اصلاح ما انثلم في أثناء تلك الحروب ؛ حتى عادت الناس الى خطة سيرها القديم في سبيل العمارة والتجارة والبنيان » واشتغلوا بطلب العلوم ؛ وقضاء ما فاتهم في فترة تلك السنين القاسية التعيسة من العبادة ؛ نادمين على ما اجترموه فيها من السيئات » وما اضاعوه من الاموال » وما سفكوه من الدماء عبثاً وطغياناً ؛ وكاتب الامام بعد اصلاحه الشئون الداخلية رؤساء سائر اتباع الامامة في كل الجهات ؛ فأتت طائعة خاضعة » وقدمت البيعة برضاء ؛ فرتب الولاة والعمال والحكام والقضاة ‏ وأصحاب الشرطة في الولايات كلها ؛ وأسرع السير في التقدم في 495 الاصلاح ديناودنيا ؛ حتى اجمع الناس قاطبة على حبه وولايته والراضاء بأحكامه ؛ وبلغ في الفضل والعدل والورع والزهد مع حسن السيرة مبلغاً عظيما » استحق به تشبيه ولايته بولاية جده الامام عبد الرحمن - رضي الله عنه ‏ اذ كان كمثله في الاتفاق على ولايته ؛ واشتغل رحمه الله بتجديد ما اندرس من الدين بكمال جد واجتهاد » يباشر القاء الدروس وتعليم العلوم للطالبين بنفسه » طلباً للأجر وقياماً بالواجب » وترغيباً للغير »؛ فشدت اليه الرحال من كل الاقطار » فقلد الواردين عليه من جواهر فنونه وغرائب علومه ؛ العقود الثمينة » وكانت له اليد الطولى والقدح المعلي في سائر الفنون » حتى صاروا قادة ومصابيح يهتدي بهم في الآفاق في دجى المشكلات ؛ ويلجأ اليهم في المعضلات ؛ وامتلأات عموم ولاياته بالعلم والعلماء والزهاد ؛ وأصحاب الكرامات ؛ خصوصاً جبل نفوسة كما هو مبسوط في كتب السير كلها ؛ ومع ذلك لا يفتر عن الاشتغال أوقات خلوته واستراحته من التعليم ؛ ومصالح دولته بالتأليف والتحرير »؛ ومكاتبة العمال والولاة ؛ وجموع الرعية بالنصائح المرشدة » والحكم النفيسة ؛ والرد على المخالفين من سائر الفرق والملذاهب » حتى انه ألف فى الاستطاعة وحدها أربعين كتابا ؛ وما يوجد من رسائله هذه النصحية العامة . رسالة الامام الى جميع رعيته ارشاداً ونصحاً وما أحس من الناس بعض فتور وتقاعد عن الواجب ؛ افتدى بأبيه وأجداده الكرام أهل النصح لله والارشاد الى دينه » فحرر نصيحة عامة تليت بواسطة العمال في جميع الجهات ؛ ايقاظاً للنفوس الغافلة وتنشيطا للهمم الخامدة » فخذها أيها القارئ » وهي قليل من كثير ؛ ما كتبه ‏ رحمه الله - في هذا الباب , لتستدل بها على بعض ما كان لهذا الامام العظيم من الاعتناء ىأ بمصالح الملة والامة » وواجب النصيحة في الدين لاخوانه المسلمين » فجزاه الله عن الاسلام وأهله خيرا قال : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . (من محمد بن أفلح) الى جميع من بلغه كتابنا من المسلمين ؛ سلام عليكم واني أحمد الله الذي لا إله إلا هو » وأسأله الصلاة على نبي الرحمة وهادي الامة ؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أما بعد) : فان أفضل ما يتواصي به العباد ويتحاضوا عليه » تقوى الله تعالى ؛ ولزوم طاعته والزجر عن معصيته ؛ والترغيب فيما يورث الثواب من القول الطيب ؛ والعمل الصالح (وعليكم معاشر المسلمين بالتهيؤْ للقدوم على الله ؛ والتأهب والاستعداد ليوم تشخص فيه الابصار » وتتغير فيه الألوان » ويشيب فيه الولدان » وتذهل كل مرضعة عما أرضعت » وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) . (واعلموا) رحمكم الله أن أهل العلم باللّه القائمين بهذه الدعوة ؛ قد انقرضوا وقلت الخلوف منهم » فرحم الله أمرء مسلماً احتسب بنفسه وأرصدها لله في طلب العلم » والنقض على من حاد الله وعدل عن منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم » وضاد المحقين من عباده ؛ حتى تكون كلمة رسول الله هي العليا ؛ والباطل زهوقاً . وعليكم معاشر المسلمين باتباع الماضي من اسلافكم ؛ والمتقدمين من ائمتكم الصالحين ؛ من أهل دعوتكم » فاقتفوا آثارهم واهتدوا بهداهم » واحذروا الزيغ عن طريقهم » والميل عن منهاجهم ؛ وخالفوا أهل البدع المضلة والاهواء المزلة ؛ ممن أراد ان يبدل دينكم ويلبسكم شيعا ويلبس عليكم امركم ممن اتبع هواه واستحوز عليه الشيطان ونبذ ما جاء به القرآن » فألبس على الضعفاء امرهم ؛ وزين بدعته في قلوبهم فخدع من 19 لا بصيرة له ولا علم بما مضى عليه الائمة الراشدون ‏ رحمة الله عليهم - والسلف الصالحون من أهل دعوتكم فأضل كثيراً وضل عن سواء السبيل ؛ وقد ذكرنا لكم ما فيه الكفاية ان شاء الله » وبه نستعين وعليه نتوكل ؛ وما توفيقنا الا بالله (١ ه) . وقد تكلم على بعض سيرته المؤرخ ابن الصغير المالكي » وأجاد في ذلك فخذه على القاعدة المتقدمة ايضا . قال : وكان ابو اليقظان عاش من السنين مائة أو نحوها ؛ وكان عمره في امارته نحوا من أربعين سنة » ولحقت أنا بعض امارته وايامه ؛ ورأيته وحضرت مجلسه وقد جلس للناس خارج المسجد الجامع مما يلي الجدار الغربي منه ورأيته يوماً ثانياً في مصلى الجنائز ؛ وقد رميت له وسادة من أديم (جلد) ؛ فجلس عليها ينتظر فراع دفن رجل مات من وجوه الناس ؛ وكان ربع القامة أبيض الرأس واللحية ؛ وكان اذ جلس للناس امرهم بالجلوس ؛ لم ينطق احد بين يديه الا ان تكون ظلامة ترفع اليه ؛ وكان زاهداً سكيناً ورعاً ناسكاً (ما أحسنها من شهادة) ؛ وكان اذ جلس في المسجد الجامع جلس على وسادة من أديم مستقبلاً الباب البحري ؛ وله سارية تعرف به ؛ يجلس اليها ؛ ولم يكن غيره يجلس إليها ؛ وكان يقابله نصب عينيه رجل من نفوسة ؛ يعرف بعيسى بن فناس ؛ وكان عندهم من الورع بمكان ويلي عيسى رجل من هوارة يقال له ابن العقير » لسانهم في الفقه » ولم يكن في ورع عيسى ؛ وكان عن يمينه وعن يساره وبين يديه وجوه الناس » وكان أخص الناس به رجل من العرب يسمى بمحمود بن بكر » وكان مدرتهم الذي يذب عن بيضتهم » ويدافع عن دينهم ؛ ويرد على الفرق مقالاتهم » ويؤلف الكتب على مخاليفهم رجل يقال له عبد الله بن اللمطي (١ ه) ؛ (وانا لنتأسف كثيراً جداً لفقد مثل هذه التآليف » فلو وجدت مع ما جمع من المناظرات الواقعة من المعنزلة للعلامة مهدي وغيره » لكانت حجة بالغة والامر لله . م اجتماع الأباضية والمعتزلة للمناظرة قال : أخبرني أحمد بن بشر عنه قال لي : اجتمعت الأباضية والمعتزلة بنهر مينة لموعد جعلوه فيما بينهم للمناظرة ؛ وكان كثير من هوارة من حضر المجلس يتسمى بعبد الله بكسر الدال » وكذا اسم هذا الرجل ؛ ولما اجتمع القوم وضمهم المكان » نادى رجل من المعّزلة يا عبد الله بكسر الدال ؛ فاجابه رجل ثان فقال : لست أريد » قال عبد الله وقد علمت أنه إياي يريد فكرهت أن أجيبه خوفاً من سؤاله ؛ فقال عبد الله بن اللمطي أريد » فقلت : لبيك ؛ فقال لي : هل تستطيع الانتقال من مكان لست فيه إلى مكان أنت فيه؟ فقلت : لا فقال لي : هل تستطيع الانتقال من مكان أنت فيه الى مكان لست فيه؟ فقلت : اذا شئت فعلت ؛ فقال : خرجت منها يا عبد الله . حكاية العلامة أبي عبيد الأعرج مع الامام وأخباره ‏ رحمهما الله - (قال) وكان منهم رجل يعرف بأبي عبيد الأعرج مقرون له بالفضل ؛ مسلمون له في الورع » اذا اختلفوا في أمر من الفقه أو من الكلام صدروا عن رأيه » وقد رأيت أنا هذا الرجل ؛ وجلست إليه ؛ فما رأيت في سود الرأس أخشع منه ؛ وكان قليل الدخول على أبي اليقظان » ولم يكن يجمعه وإياه سوى المسجد الجامع ؛ فحدثني أحمد بن بشر قال : وعلم الناس ذلك فخرج إليه الفقهاء والقراء » وضربوا أخبيتهم حول سرادقه ؛ خلا أبا عبيدة قال فبينا الناس ذات يوم جلوس » اذ أقبل أبو عبيد راكباً على دابة ؛ فقال الناس : هذا أبو عبيدة قد أقبل متفقداً للأمير مسلماً عليه قال : فاعلموا بقدومه أبا اليقظان ؛ فلما دخل عليه أدناه الى نفسه ؛ فقال : ما جاء بأبى عبيدة إلينا متفقداً أم مسلماً أم ماذا؟ فقال : أصلح الله الأمير ما جئنت متفقداً ولا مسلماً 47 غير أن لي جارة خرج ولدها البارحة في طلب معاش له ولها » فأخذه الحروق صاحب حرسك وحبسه فأنتني الغداة باكية شاكية تسألنى أن أسألك فى اطلاق ولدها » فأمر بأن يطلق كل من حبس تلك الليلة ؛ من لاحد عليه ولا حق للناس ٠ اجلالاً لا بي عبيدة » ثم سلم وانصرف » فعجب الناس من صدقه وتركه التصنع واظهاره على لسانه ما أسر في قلبه . وكان أبو عبيدة هذا عالماً بالفقه والكلام والوثائق واللغة » وكان مع ديانته حسن الادب والمرءوة ؛ أتيته يوماً اسمع كتاب اصلاح اللغة » الذي ألفه عبد الله بن مسلم بن قتيبة على أبي عبيد ؛ فلما افتتحت قراءته وقلت لعل ناظراً في كتابنا هذا ينفر من عنوانه » ويتنفر من ترجمته ويرباً بأبي عبيد عن الذلة فقال لي : ويرباً بأبيى عبيد بهمز الوصل وضم الألف ٠ وانا ذكرت هذا الحروف لأدل على براعته في اللغة » فلما قرأت من الكتاب مثل ورقة أو أزيد » أتاه قوم فقالوا : يا أبا عبيدة » شهادة يأجرك الله عليها فأخذ نعله وعصاه ثم قام مع القوم ؛ فلما كان اليوم الثاني أتيته فلما قرأت ما قرأت بالأمس » أتاه قوم فقالوا : يا أبا عبيدة شهادة يأجرك الله عليها ؛ ففعل مثل ما فعل بالامس ؛ فقمت معه ؛ وقلت : أصلحك الله ان لي بالرهادنة دكانا أبيع فيه وأشتري أتركه وآتي اليك فيأتيك الناس » فتشتغل عني » لا أنا في دكاني ولا أنا في مقابلة كتابي » فكت ؛ فلما كان بالغداة أتيته كما كنت آتيه فلما قرات بعض جزء أتاه أناس فألوه كما سألوه قبل هذا » فقال : ان هذا اليوم لهذا الفتى فان آثركم على نفسه وأذن لي سرت معكم ؛ فلما رأيت ذلك قلت : يا سيدي ولا كل هذا سر اذا شئت أو أقم ؛ وانما ذكرت هذا لأدل على مرءوته وحسن أدبه » وكان المغرب كله مفتوناً بهذا الرجل ؛ حتى ان من كان من الأباضية ونفوسة يبعثون بزكاتهم إليه يفرقها حيث شاء . ا شدة تعلق نفوسة بهذا الامام «قال» قال : كانت نفوسة الجبل مفتونة بأبي اليقظان » وكان أكشرهم لايحج إلا باستكذانه » وكانت المرأة تبعث بأبنها أو ابنتها يأخذ لها الأذن منه » وكان اذا ضرب سرادقة وأتته وفودهم لا ينامون الليل حول فساطيطه ؛ شأنهم التهليل والتكبير » من أول الليل حتى إلى الفجر ؛ فاذا صلوا الفجر معه ضربوا بأنفسهم الى الأرض فناموا(١ ه) ؛ (جازى الله عنا ابن الصغير خيراً على شهادته بالحق ولو علمنا قبره لشهرناه وزرناه وتصدقنا عليه) . ولابة أفلح بن العباس على جبل نفوسة قال : وان أبا اليقظان لما استقام له ملكه ؛ وأتته وفود نفوسة ليقدم عليهم أميراً من أنفسهم » فأنزلهم في دار الضيافة ؛ فقال : اكتبوا اسماءكم كلكم وارفعوها إلي ؛ وأمر الكاتب ان يكتب السجل (الفرمان) ؛ ويبقي بياضاً لموضع المقدم » فلما رفع الكاتب الكتاب اليه ؛ كتب بخط يده اسم المقدم وطواه وطبعه ؛ ولم يعلم أحد من الناس من قدم ؛ ثم جمع القوم وقال لهم هاكم السجل ولا تفتحوه الا بجبل نفوسة اذا بلغتم منازلكم » وقد تقدم أن والده أفلح صنع هكذا مع سعد ونفات ؛ فأخذ القوم السجل وقد اغتموا اذ لم يعلموا من المقدم عليهم » ثم دخلوا على حمود بن بكر ؛ وكان من الخاصة بأبي اليقظان » فسألوه فقال لهم : لا أعلم بما فيه ؛ ثم دخلوا على عيسى بن فناس فأجابهم بمثل ما أجابهم به حمود ؛ ثم لم يزالوا يدخلون على واحد بعد واحد من الأباضية » ويسألونهم فيخبروهم بأن لا علم لهم » فلم يزالوا كذلك إلى أن مروا بعبد العزيز بن الأوزء وكان له فقه بارع ورحلة نحو المشرق » ولكنه سفيه اللسان ؛ خفيف العقل ينزهون مجالسهم عن حضورة ؛ ولا يستغنون عنه في معضلات مسائلهم ؛ فما شعر أن دخلوا عليه ؛ فقال ما 5 بالكم وما جاء بكم؟ فقالوا : فرحنا بشيء واغتممنا منه » قال : وما ذلك؟ قالوا : فرحنا بتقديم الامام لنا واغتممنا اذلم نعلم من قدم علينا قال : أولم تعلموا من قدم عليكم؟ قالوا : لا » قال : قدم عليكم أفلح بن العباس قالوا : ومن أعلمك بذلك؟ قال : أبو اليقظان » قال : فخرجوا من عنده فأتوا حمود بن بكر وعيسى بن فناس فقالوا لهما : مكانكما من الامام مكانكما ؛ فقالا : والله ما علمنا الا كعلمكم فمن اخبركم؟ قالوا عبد العزيز بن الأوزء قالا ومن أخبر عبد العزيز؟ قالوا : أبو اليقظان قال : فخرجا يجران ارديتهما حتى دخلا على أبى اليقظان فقالا : أنت أعلمت عبد العزيز أن الملقدم في سجلك على نفوسة أفلم بن العباس؟ فقال : لا » فقالا : فقد ذكرت نفوسة أنك أعلمته بذلك دوننا ودون غيرنا؟ قال : أو قال ذلك الجنون؟ قالا : نعم فنادى يا بشير خحذ معك أعواناً أكفياء وجثني بعبد العزيز شر مجيء ؛ ثم قال : ادخلا على نفوسة واجلسا حتى يأتي المجنون » قال : فما شعرنا أن جيء به قال : من أعلمك يا مجنون أني قدمت على نفوسة أفلح بن العباس؟ فقال : أنت أعلمتني » قال : في البقظة أم في النوم؟ قال : لا ولكن في اليقظة . قال : وكيف ذلك؟ قال : رأيتك اذا سمي لك رجل منهم انقبض ما بين عينيك واذا سمي لك أفلح انبسط ما بين عينيك ؛ فعلمت أنك اياه تريد » فقال : خليا عن المجنون » فقد كشف سرنا فلم تزل أيام أبي اليقظان لا ينقم عليه شيثاً احد ما ولى من أفعاله ؛ ما خلا أولاده فانهم ربما خرجوا عن الواجب من أفعالهم(١ه) . حكاية القاضي مع الامام وتركه القضاء كان أحد أولاد الامام على ما رواه ابن الصغير » غير محمود السيرة ؛ (والكمال لله وحده) ؛ وكان العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي 14 الشيخ قاضي الامام حازماً فى الامر ؛ جريثاً على تنفيذ أحكامه غيوراً على الحقوق » وقد صدر من أبن الامام المذكور ما يوجب عليه الحد الشرعي » ولم يصل القاضي الى اثبات الفعل عليه ؛ لعدم البينة بعد أن استعمل كل حيلة في الوقوف على حقيقة الأ مرء فقدم استعفاءه وتر القضاء » لما عجزعن الاثبات مع تحقمه عنده ,؛ وقد ذكر ابن الصء لصغي 7 تقصيا الحكاية فخذها من كلامه باختصار قليل . (وقال) قال: فلم يزل قاضيهم محمد بن عبد الله يأمر بأمر أبي البقظان ‏ وينتهي الى نهيه » لا تأخذه في الله لومة لاثم الى أن حدث حادث فأصبح بالغداة فرمى اليه خاتمه وقمطره » وقال له : ول على قضائك من تريد ؛ فقال له : ما بالك وما عراك ؟ فقال : ما نقمت عليك شيئاً ولكن نقمت على ابتك »٠ فخغصب أ بو اليقظان ما استقله به ؛ ولم يرد عليه شيا َ وكا ن للمّا صي حاسدون ومبغضون ؛ فلما انصرف من عند الامام قال لمن حوله » اذا كان بالغداة امضوا الى محمد واسألوه علام نهم على : وعلى من نهم للنزجره عما كان منه قال : فقدموا إليه فاعلموه ؛ فقال لهم : دعوني من هذا ء والله ما وليت له قضاء ابداً فانصرفا عنه . وقد وافق ذلك سرورهم لحسدهم إياه وبغيهم عليه » وأتوا أبا اليقضان وقالوا :| صلح الله الأ مير الرجل به حمق وجفاء ؛ ولك فى المسلمين من هو انفع للمسلمين منه » فلم يزالوا به حتى صرفوه عنه » وولوا القضاء رجلاً القاضي : ما السبب الذي كره به محمد بن عبد الله القضاء حتى ألقى الخاتم والقمطر » وحتى شافه أبا اليقظان بما شافهه به؟ فقال : نعم أخبرك ١١ والله يا بني بينا نحن ذات ليلة جلوس بعد العشاء الأخيرة » وكان كثيراً ما يؤثرني بحوائجه على غيري ؛ فبينما نحن كذلك اذ دق علينا الباب دقا عنيفاً » فقال لي ياسليمان قم فاني خشيت أن يكون حادثاً من قبل السلطان »؛ ففتحت الباب ؛ فاذا بجارية منبهرة ومعها صقلبي معه سراج ؛ قال فقلت : ما بالك أيتها المرأة؟ فقالت : القاضى أريد » فرجعت اليه فأعلمته ؛ فقال لى : ادخلها قال : فأدخلتها » فلما مثلت بين يديه قال لها ما بالك أيتها لمرأة » وما جاء بك هذه الساعة؟ فقالت : نعم دخلت الساعة خدام من قبل زكرياء بن الامير ء؛ وأخذوا ابنتي من بين يدي فقلت لابني : قم فاتبعهم » فقال : أخاف أن يقتلوني أو يدسوا على عاملاً من عمالهم فيقتلني قال : فسقط كالمغشي عليه ؛ ثم أفاق فقال لي يا سليمان قم ؛ ثم قام فقال لي خذ السراج ولا يشعر بك أحد ؛ وتقلد سيفا واعطني عصاي قال : ففعلت ؛ ثم قال اخحرجي أيتها المرأة فخرجنا ثم قال لها الى اين تظنين يقصد بابنتك؟ فقالت : الى دار (الركات) » قال فسار وسرت معه والجارية معنا ؛ حتى أتينا قرب دار الرجل » فقال لي يا سليمان غيب السراج لثلا يشعر ؛ قال فسترته » وقال لى : دق الباب دقا لطيفاً ؛ فاذا فتح الباب فاظهر السراج ؛ قال : لما رأى صاحب الدار وأهل الدار القاضي ارتاعوا ارتياعاً شديداً ؛ وقالوا ما بال القاضي أعزه الله وما جاء به؟ فقال لي : يا سليمان اصعد الى أعلى الدار واحذر ان ينزل احد من جوانب الدار » قال : ففعلت ؛ قال : ثم أقبل يتخلل بيوت الدار بيتاً بيتاً وموضعاً موضعاً فلايرى شيئاً ؛ قال : ثم صعدا الى أعلى الدار والمرأة معه ‏ فلم يجد شيئا قال : ثم عطف على صاحب الدار فقال : هل رأيت زكرياء بن الامير أو كان معك اليوم » فقال : نعم كان اليوم عندي . فلما كان الليل أوتي بفرس فركبه فقال هل تعرف له موضعاً؟ قال : لا واللّه أصلح الله القاضي قال : فخرجنا ثم قال للمرأة هل تعرفين له موضعاً؟ ١١ قالت : لاوالله أصلح الله القاضي قال فسقط في يده ؛ ثم لم يصب الا ان وصلها الى دارها » ثم انصرفنا الى دارنا » فلما نام تلك الليلة ؛ حتى طلع الفجر » فغدا بخاتمه وقمطره فألقاه الى صاحبه (١ه) ؛ ومن تأمل في هذه الحكاية وحكاية ابن عرفة ؛ تحقق ما للمقربين من السلاطين من قوة التأثير على افكارهم بقلب الحقائق ؛ واظهارها لهم في صورة تجبرهم على قبول اشاراتهم » وان كانت خطأ أو فيها خراب ملكهم ؛ وهم لا يشعرون ؛ فان بالتأمل فيما أشار به مستشار الامام ابي بكر من قتل ابن عرفة ؛ يتضح لنا انه لم يقصد النصيحة بلا ريب ؛ والا فكيف يتأتى لابن عرفة الخرورج عن الطاعة » وهو صهر من جهتبن ؛ ولم يكن في كلام ابن الصغير ما يدل على انه يتكلف للخروج ؛ بل قال : ان الامام أدرك بعد فوات الامر ‏ ان المشير بالقتل لم يقصد النصيحة ؛ بل له غرض خصوصي . وهكذا الحال في مسألة حمل هذا الامام على قبول استعفاء القاضي ؛ هذا ولم نقف على كل ماتصفحناه من التواريخ » وفيما لدينا من تارخ ابن الصغير على قول سوء ؛ أو ظلم أو خروج عن العدل ينسب الى ائمة بني رستم » أو الى عمالهم أو أقاربهم ؛ الا هذه الحكاية ؛ وهى لا تعد شيئا في جانب ما سمعته وستسمعه أيها القارئ من سيرتهم المستقيمة في مدة لا تبعد عن مائة وخمسين سنة ؛ ولو وجد لهم غيرها لذكروه . ورع هذا الامام قال : وما يذكر عنه من ورعه وتعففه ؛ ان رجلاً يكنى بأبي سابق ؛ كان خادماً لأبي البقظان في جميع اسبابه » وكان يتولى علف فرسه قال لي أحمد بن بشير قال لي ابو سابق : خرج ابو اليقظان يوماً الى منزله الذي كان اختصه (بتسلونت) يتفقد سائمته وعبيدة » وأبطأ في انصرافه الى أن ١٠ دخل الليل قال ابو سابق فحططت عن الفرس وربطته على مدرة ؛ وخرجت لآتى له بعلفه من عند حريف له فألفيته وقد اغلق حانوته » فملت الى بيت المال ففتحته وأخذت منه علف الفرس وأغلقت عليه ؛ ثم رجعت الى موضعى من القصر » واذا بأبى اليقظان قد افتقدنى مرة بعد أخرى ؛ فلما رأيته صعد إليه خادم فأخبره بمجييء فقال له : اصعده الي وكان يستريح إلى ويسألني عن أخبار الناس فقال : وما حبسك وما أبطأ بك فأعلمته خبر الحريف وغيبته » وفتحى لبيت المال وأخذي العلف منه وتعليقي اياه الفرس فقال : آه يا أبا سابق ؛ والله لا نام محمد ولا أكل ولا شرب ؛ حتى تمضي وترد في بيت المال ما أخذت منه ؛ قال : فمضيت والله في ليلتي تلك حتى أتيت حريفي وأخرجته من داره ؛ وأخذت منه علف الفرس » ثم مضيت وانتزعت المخلاة عن الفرس فكلت ما بقي واتممت ما أخرجت من بيت المال ورددته فيه » وعلقت ما بقى على الفرس » ومضيت اليه فاصبته جالسا ينتظرني فقال : ما وراءك يا أبا سابق؟ فأعلمته بما صنعت فقال لي : أحسنت أما الآن فاجلس . فمات ابو اليقظان فكل شيء وجد له من العين في تركته سبعة عشر ديناراً ؛ وكانت لابي اليقظان في امارته وقائم صارت تارياً لموالد الناس (١ه) ؛ بلفظه » هذا حاله وقد حكمها من تاهرت بالمغرب الى أرض سرت بالمشرق ؛ فهكذا واللّه العدل ؛ وهكذا الزهد والورع ؛ وهكذا كان الخلفاء الراشدون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أهل الاتصاف والفضل » فهو ورب البيت لجدير بأن ينشد في حقه البيتان اللذان رواهما ابن عباس رضي الله عنهما عن ابي بكر رضي الله عنه ونصهما : اذا أردن ش_ريف الناس كلهم فانظر الى ملك في زي مسكين ذاك الذي حسنت في الناس سيرته وكان يصلح للدنيما وللدين 7 ولاية أبي منصور الياس النفوسي - رحمه الله على جبل نفوسة واخباره تقدم عن ابن الصغير : أن الامام رحمه الله عقد الولاية لأفلح بن العباس على جبل نفوسة ؛ وكأنه لم تمتد ايامه فانفصل عنها » ولم نعلم بسبب انفصاله وكيفيته » اذ لم يتعرض لذلك أحد ؛ وعلى كل حال فهو أما بعزل أو استعفاء ؛ فولى الامام رحمه الله بعده على الجبل العلامة الباسل أبا منصور النفوسي التندميرتي ؛ من احدى قرى جبل نفوسة المشهورة بالعلم » ذكرالشماخي رحمه الله عند الكلام عليه » انه كان في أول حاله من أهل الجملة ؛ ثم قال نقلاً من تاريخ نفوسة الكبير هكذا ؛ فنزل مرة الى (مدينة) تيجي فالتقى بأبي مرداس مهاصر (الزاهد المشهور) حافي الرجل » قد أدماها الشجر والحجر فى سنة قحط وشدة ؛ فأعطاه نعليه ؛ قال أبو مرداس (داعياً له) نزع لله منك يافتى ما لا يرضى ؛ ورد فيك ما يرضى » قال أبو منصور : فحسست حين دعا بما غشيني ؛ فوقع في نفسه التعلتى بالمراتب العالية من العلم والعمل » بركة الشيخ ؛ وقد تقدم ؛ وكان بعد أن تولى أمور المسلمين ؛ اذا خرج لقتال العدو يركب بغلة ؛ ولا يتقي نبلا ولا ضربة عن نفسه ولا عن مركوبه » ولا تقع به » ولم يهزم له جيش ؛ ولم تنكس له راية (١ه) » قال ابو زكرياء » ولا يبالي في الله لومة لائم (1ه) . وكان القاضي الكبير على الجبل فى زمانه ذلك ؛ العلامة العادل عمروس ابن فتح النفوسي رحمه الله الذي قال فيه ابو العباس في الطبقات ؛ بحر العلم الزاخر » بل حاز المفاخر » وحاز قصب السبق » وان كان في السن متأخراً » كان ضابطاً حافظاً محتاطاً محانفظاً »لم يكن تشغله المجاهدة في الله عن دراسة العلم » ولم يلهه التبحر في العلم عما تعين عليه من مصادرة تلك الهموم » لازم الدرس والاجتهاد » ثم رابط على الجهاد » له مصنفات في الفروع والعقائد . لي وكان عزم على أن يفرز مسائل الفروع » فيبين ما استخرج من الكتاب ؛ وما استنبط من السنة »؛ وما كان من الاجماع فيرد كلا الى اصله ؛ قال العلامة أبو العباس : وصرف الى ذلك وجه العناية ‏ حتى يكون تأليفه طرازا لما صنف في علوم الشريعة ؛ فعاجلته المنية ‏ رحمه الله - » وذكر في السيرة أن أبا منصور خرج الى قوم بلفه انهم غصبوا عيراً لاخرين » ولما وصلهم ادعى كلا من الفريقين أن العيرة له ؛ فاشتبه عليه الامر ء اذ كان الخلاف بينهم شديداً ؛ ولا شاهد عليهم غير الله » فارسل الى عمروس بالمسارعة اليه » ولما أتاه بض على المتاع » وصار يسأل كلا من الفريقين على حدة ؛ عما اشتمل عليه من الاصناف » وعما في الأجربة من الزاد وغيره ؛ حتى اتضح لديه أصحاب العير » وعرف المتعدين لعجزهم عن بيان ما خفي عنهم من المتاع ؛ اذ لم يطلعوا عليه ؛ فقال لأ بي منصور : هؤلاء (يعني غير الغاصبين) أصحاب الرفقة » وهؤلاء (يعني الغاصبين) أضيافك كنى بذلك عن حبسهم وتأديبهم ؛ فجرى أبو منصور الأمر على حسب ما حكم به عمروس ؛ ويذكر عنه أنه توجه الى مكة لاداء فريضة اخج » فدخل هو ومن معه على العلامة محمد بن محبوب ؛ عالم أباضية الشرق في عصره ؛ وهو في مجلسه ؛ فسلموا فرد عليهم السلام » وأدنى مجالسهم تعظيماً » واكرمهم ؛ ثم فتحوا باب المباحثة في العلوم » فسأله عمروس عن مسألة من مكنونات العلم » فتعجب أبن محبوب وقال : ان كان أبو حفص (يعني عمروساً) في شيء من هذا البلد ؛ فهذا السؤال منه ؛ فأخبره الحاضرون بالحقيقة » فزاد في تعظيمه ورفع مقامه » وصار عمروس يسأله في مسائل الدماء » حتى قال له هذا من مكنون العلم » فلا يعلن به امام كل أحد . وكان عمروس أوصى الذين معه ؛ وقال لهم : احفظوا لي السؤال ؛ وعلي حفظ الجواب ؛ ولما قضوا مناسكهم وعادوا إلى الجبل » جمعهم وقال : هاتوا ىن ما تكلفتم بحفظه فقالوا : لم يبق في علمنا الا قولك : احفظوا السؤال احفظ لكم الجواب ؛ وعندئذ صار يسرد الاسئلة والاجوبة ؛ حتى أتي عليها ؛ ولم ينس منها شيئاً » وهو الذي نقل مدونة أبي غان بشر الخراساني » ولولاه لما كان لها أثر ؛ وذلك ان ابا غاغ ؛ وفد على الامام عبد الوهاب بتيهرت . وما مر بجبل نفوسة ترك مدونته عند عمروس ؛ فألهمه الله نسخها فاجتهد في ذلك ؛ وكانت اخته عالمة جليلة فلازما مكاناً واحداً ؛ فهو يكتب وهي تملي عليه ؛ وكلما ادركتهما الشمس تزحزحا الى الظل ؛ حتى كمل نسهخا ؛ وكانت في اثنى عشر جزءاً » وما عاد ابو غانغ من تيهرت ؛ وجد نقطة حبر في بعض صحائفها ؛ فتنبه الى ما صنعه عمروس ؛ وكأنه لم يستأذنه ولم يخبره » فقال به : قد سرقتها يا عمروس فقال عمروس : سماني سارق العلم ؛ ولما وقع ما وقع من حرق كتب أهل المذهب بتيهرت وغيرها حتى فقدت بقيت هذه النسخة ينتفعون بها ؛ قال الشماخى : ولولاها لبقي أهل اللذهب من غير ديوان باللغرب يعتمدون عليه ؛ وذلك ببركة عمروس وحسن نيته (1ه) ؛ وقد طلب منه بعض أهل الكلام من علماء أحابنا بفزان » ان يؤلف كتابا في الاصول فكتب الكتاب المعروف بالعمروسي ؛ وكتب اليه رسالة فلما رآهما الفزاني ؛ وهو صاحب الكتابين المعروفين بأصول الكلام ؛ قال : النفوسي أقوى مني ؛ هكذا ذكر في السير ؛ وفيه انه مبكث في اللغرب يتعلم العلم عشرين سنة » وما رجع الى الجبل قال له أخوه : انظر إلى الأجراف التي في فدادينك » كأنه يلومه على طول غيبته فى طلب العلم ؛ فقال له : لو رأيت أجرافاً تثلم دينك لهان عليك امري خ" وفيه انه اشتكى اليه عبد من مولاه فقال له : اصطلح مع مولاك » وكان ابو مهاصر حاضرا » وهو شديد الامر والنهي في دين الله ؛ فغضب من جوابه وقال له : اعطه حقه من مولاه » والا نزعك الله من ذلك المكان » ورد فيه 1 غيرك » فنفذت فيه دعوة الشيخ » فنزع من القضاء بعد ذلك ؛ في زمن قريب بدون حدث » ثم طلبوا منه الرجوع فأبى » ولما سمع بوفاة أبي مهاصر اشتد أسفه » وعظم فزعه حتى انه كان يلبس نعليه » فلبس واحدة وأخذ الاخرى في يده ذهولاً وجزعاً ؛ وذهب مسرعاً لحضور الجنازة ؛ فما أدركهم الا وقد دفنوه ؛ فرمى بنفسه الى الأرض وتخبط في التراب متحسراً » فتوهم جهال (افاطمان) بلدة أبى مهاصر ؛ وهي الآن خراب آثارها تدل على كبرها ؛ أنه فعل ذلك تشفياً » وقالوا : قد استراح منه ؛ لأنه كان كثيراً ما يعترض عليه في بعض المسائل ؛ فيقبل منه تارة ويرد عليه أخرى بدون أن تنشأ بينهما عداوة أو شيء في الخواطر ؛ وما حكاه الشماخي عنهمانقلاً من سير نفوسة ؛ أن بعضاً سأل عمروساً عن الحكم فيمن أخذ خرجاً من مال ابن طولون في المحاربة الآتية » وتاب ولم يعلم له صاحباً فقال له يأل عن صاحبه فان اعياه طلبه تصدق له » لأن مال الباغين من الموحدين لا يحل بخلاف دمهم ؛ وكان ابو مهاصر حاضراً » ولا يحب الترخيص فغضب ٠ وقام قائلاً لا أقعد فى مجلس يفتى فيه بمثل هذا فقال له عمروس : ان شئت ان تفعل فاقعد؛ فان من شأن المسلمين ان لا ييأسوا من رحمة الله وكأن ابا مهاصر يرى وجوب البحث عن صاحب الخرج » حتى يرد اليه أو لورثته ان مات ؛ ولا يصح التصدق به الا بعد تحقق ان لا وارث له واللّه أعلم . محاربة أبي منصور - رحمه الله مع أبي العباس ابن طولون صاحب مصر كان أبو العباس هذا عاصياً لوالده ؛ وتأثراً عليه ؛ فحدثته نفسه في أثناء غيبة والده عن مصر ؛ بالذهاب الى جهات القيروان ؛ وانتزاعها من بني الاغلب والاستقلال بها عن أبيه » وقد ذكر أغلب المؤرخين منا ومن غيرنا ل حكايته » وأقوالهم كلها متقاربة » الا أن بعضهم ينسب طلب الاعانة من نفوسة والاستفاثة بهم إلى أهل طرابلس ؛ وبعضهم ينسب ذلك الى أهل حصن (لبدة) » وعلى كل الاقوال فالسبب في قهره وتشتيت جموعه وانقاذ طرابلس » وبني الاغلب من ظلمه واستبداده ؛ هو أبو متنصور وعساكر نفوسة » وهي واقعة خلدت لنفوسة وأبي منصور في بطون التواريخ ذكراً جليلاً » وكان شاهد عدل اعترف بها كل المؤرخين ببسالة (نفوسة)؛ وشجاعتهم وبتعففهم وتنزههم عن المال الحرام » اعترافاً لا يمحوه مرور الزمان وتواللي الاعصار » قال المؤرخ المراكشي المالكي في بيانه . وفيها أي في سنة 177 ه كانت (فتنة ولد ابن طولون) » وذلك ان العباس بن أحمد بن طولون ولد صاحب مصر ؛ قدم في هذه السئة في ثمائغائة فارس وعشرة آلاف راجل من سودان أبيه ؛ على خمسة آلاف جمل الى مدينة برقة في ربيع الآخر » يريد افريقية والتغلب عليها ؛ واخراج بني الاغلب عنها . وحمل مع نفسه من بيت مال مصر ثماغائة حمل دنانير ذهباً ؛ فأعطى أصحابه الارزاق بها » وقيل ان مبلغ ما حمل من المال ألف ألف دينار ومائتا ألف دينار » معه أبو عبد الله أحمد بن محمد الكاتب مكبلاً لأنه أظهر الامتناع من الخروج معه » وكان اشار عليه بأن يؤخر التقدم الى طرابلس حتى يصانع البربر ؛ فقال اخشى أن تقدم العساكر من الشام قبل احكام هذا الامر يعني عساكر ابيه » لأنه كان ثائراً على أبيه ؛ ويكون ايضاً في ذلك فسحة لابراهيم بن أحمد ؛ فيتمهل في الاستعداد ولكني أمضي على فوري هذا فنأتي لبدة وطرابلس فجأة » ثم آخذ في استمالة البرير بعد ذلك بالعطاء والافضال ؛ وأبعد من مصر ء فلا يقوم لأحمد بن طولون يعني أباه أمل في مطالبتي لبعدي عنه . ١ وخرج يريد لبدة فاتصل خبره بابراهيم بن أحمد » فأخرج اليه أحمد بن قهرب في ألف وستمائة فارس خيلا مجردة ؛ لا رجل فيها باعداد السير والسرى بالليل » حتى دخل طرابلس قبل وصول العباس بن أحمد بن طولون الى لبدة » ثم حشد ابن قهرب من امكنه من جند طرابلس وبربرها ؛ ثم بادر الى لبدة ودخلها » واقبل العباس بن طولون وقد صنع له ببرقة خمسة آألاف بند فحمل له علي كل جمل رجلا ببنده » وزحف بثماغائة فارس وخمسة آلاف رجل ؛ فالتقى به أحمد بن قهرب على خمسة عشر ميلاً من لبدة » وقد تأخرت الجمال بالرجل أصحاب البنود ؛ فلم يكن بينهم الا مناوشة يسيرة حتى انهزم أحمد بن قهرب وهو يظن ان من ناوشه القتال من أصحاب ابن طولون كانوا مقدمة للجيش » ووصل أحمد بن قهرب الى طرابلس منهزماً ؛ وركب العباس بن طولون أثره حتى نزل طرابلس ؛ ونصب عليها المجانيق وناصبهم الحرب » وأقام محاصراً لهم ثلاثة وأربعين يوما؛ فتعدى بعض سودانه على بعض حرم البوادي » وهم اتباع بني رستم ؛ كما مر ء وهتكوا الحجب فاستغاث أهل طرابلس بأبي منصور » صاحب نفوسة ؛ فقام محتسباً وناصرا جيرانه من المسلمين » وزحف في أنشي عشر ألفا من رجال نفوسة الى العباس بن أحمد بن طولون فناشبوه الحرب » فقال العباس لأبي عبد الله الكاتب : ما الرأي؟ فقالله: ............ ببرقة خليفته » وألح أهل نفوس في محاربة ابن طولون فانهزم ؛ وخرج الى برقة بعد انتهاب أهل طرابلس لجميع عسكره ؛ ولم يلتبس النفوسيون منه بشيء بل تورعوا عنه ؛ وكان ابراهيم بن أحمد قد حشد الاجناد وضرب حلي نسائه دنانير ودراهم » اذلم يبق ابو الغرانيق مالأ ؛ ثم خرج بنفسه يريد طرابلس فلقيه خبر هزمة ابن طولون » فبحث ابن الاغلب عن الاموال واخذها بمن وجدت عنده ؛ فكان الرجل من أهل العسكر يبيع مثاقيل ابن 4 طولون سر ما امكنه خوفاً من ان تؤخذ منه (١ ه) » وقال ابن سعيد المالكي فى تاريخه الدر المكنون هكذا . وخرج (العباس بن طولون بأكثر تلك الاموال العظيمة » والنعم والذخائر معه الى ان انتهى الى حصن يعرف بلبدة ففتحه أهله له ؛ وخرج اليه عامل ابن الاغلب 1 فاطلق العباس لاصحابه نهب الحصن 1 فقتلوا الرجال وفضحوا النساء وذاع الخبر » واستغاثت طائفة من أهل هذا الحصن الى الياس بن منصور النفوسى رئيس الاباضية ؛ فدخله منهم غضب شديد وحمية غلظة ؛ وكان العباس قد كتب الى النفوسى أن اقبل يبسمعك وطاعتك 6 والا وطئكت بلدك بخيل ورجلي ُُ و ببحثت رحمك 6 وهذ | متغول ذو ملنعة , وله أ هل كثير عددهم ولم يود الى ابن الاغلب طاعة قط . جواب أبي منصور إلى ابن طولون فقال الياس ابو منصور النفوسي (تحقيراً له) : قل لهذا الغلام أما انك اقرب الكفار مني وأحقهم بمجاهدتي ؛ فقد بلغنى من قبيح افعالك ما لا يسعني التخلف معه عن جهادك 6 وأنا على اثر رسالتى اليك ) ١ ه » وقد كان ابراهيم بن الاغلب انفذ الى محمد بن قهرب عامل طرابلس بخادم 6 يعرف ببلاغ في جمع من أهل القيروان كثير » فكان القعال بينهم مناوشة َ وانصرفوا على غير منا جزة ؛ وصبح الياس أ بو منصور النفوسي في اثنى عشر ألف مقاتل مستنصرين ؛ والخادم من خلفه ؛ فأطبق الجيشان عليه » فقتل أكثر من كان معه ؛ واستبيحت أمواله وذخا ثره ؛ وما كان حمله معه من مصر من السلاح وا ليل وأفلت بحشاشة نفسه » وكان معه اين إلا سود مقيداً ِ فخلصه تقييده من القتل ؛ لانهم علموا انه حرب له ؛ ورجع العباس على ١٠7 فلله در أبي منصور ‏ ما أشد كلامه وما اعظم خطابه » فمن تأمل في جوابه هذا حق التأمل » اتضح له ما كان له رحمه الله من الشهامة وعلو الهمة » والاقدام وشدة الحرص ؛ على محافظة بلاده » والقيام بحقوق جيرانه ورعاياه ؛ فلمثله تسلم مقاليد الولايات البعيدة كالجبل » ولقد أصاب الامام في انتخابه وتعيينه رحم الله الجميع : حكاية سجن هذا الامام ببغداد في حياة والده قد تقدم منا وعد بذكر قصة سجنه ؛ فهاكها موضحة مأخوذة من كلام ابن الصغير على القاعدة المتقدمة » ولا يخفى مما مر على سمعك ان لدولة الرستميين فى ذلك العهد ؛ بين سائر دول الاسلام ذكراً ذائعاً وشنشنة شائعة ؛ تؤذْن بالرعب وتقضي نظراً ميل العموم إلى العدل بامكان اتساع دائرة ملكها بين طبقات الأم ؛ إلى أمد بعيد غير معلوم الحد والنهاية ؛ وبذلك أخذ الخليفة العباسي في الشرق المتاخم بالحدود من جهة مصر لأرض سرت ؛ وجبل نفوسة التابعين لهذه الدولة شدة الاحتياط والحذرء ناظراً إلى المغرب بعين الخشية وقلب الخافة » ولاسيما ابان الحج الشريف لكثرة الوافدين منه . (ممزوج) وقد استأذن هذا الامام رحمه الله والده رضي الله عنه فى آخر ايام دولته في الحج » فأذن له وتوجه مع الركب بصحبة رجل من نفوسة اتخذه مؤنساً وخادماً ؛ إلى أن وصل مكة المكرمة ؛ وقد اتصل خبر مجيئه ببني العباس في بغداد فاشتد خوفهم ورعبهم . قال : فلما طاف وسْعى ؛ اكتنفته رسل بني العباس اد قد سعى به عندهم ؛ وقيل لهم : ان مقدم الشراة قد قدم من المغرب من عند أبيه يرتاد البلاد » ويرسل رسله في كل الآفاق إلى من كان على رأيهم ومذاهبهم ؛ ١١7 ليأخذوا على أنفسهم إلى أن يأتيه والده من المغرب ؛ فحمل أبو اليقظان من مكة وحمل معه رجل من نفوسة كان يخدمه » حتى ورد بهما مدينة السلام (فى بغداد) » وكان العامل اذ ذاك لأبي جعفر المتوكل أو غيره بمن كان في عصره » فأمر بحبسه قال الذي حدثني : حدثني أبي عن أبي البقظان انه قال : وافق حبسي حبس أخي الخليفة ؛ كان قد نقم عليه ما نقم » فأمر بنا جميعاً فحبسنا في موضع واحد » قال : وكان يجري علي في كل يوم مائة وعشرين درهماً ؛ كما يجري على أخيه (١ ه) » وذلك عبارة عن عشرة آلاف وثمائاثة قرش في الشهر » ومائة ألف وتسعة وعشرين ألفا وستمائة قرش في السنة بعملة عصرنا تقريبا » وهكذا جرت سنة الملوك وعادتهم مهما أسروا في حرب أو قبضوا في حين غفلة أو خيانة على واحد من أسرة ملوك غيرهم » اظهاراً للقوة وتوقيراً لمقام الملك وعن الملوك لاتسأل . خبر أبي اليقظان مع أخي السطان المسجون معه (مزوج) فبقي مع أخي السلطان على أحسن حال وآنس » قد رسخ في خاطر كل مودة الآخر ء فلا يطيب لأحدهما طعام ولا شراب الا بحضور الثاني » وصارا شركين في الفرح والحزن » والرضاء والسخط » وكان أخو الخليفة كثير التعلق بأبي اليقظان » لما رآه فيه من حسن الأدب والتضلع في العلوم » والورع الكامل » وكثير الأعجاب به من حيث اتقان الطهارة ومراقبة أوقات الصلوات » والقيام بالليل والناس نيام ؛ فتآلفا وامتزجت مودتها ؛ وعقدا أخوة الصفا وجعلا الصبر ديدنا ؛ والتسليم للقضاء المبرم من عند المدبر الحكيم القادر عماداً »لا يففلان عن النظر في قوله تعالى : (اغا يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب) وقوله : (واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور) وكأني بهما ولسان حالهما يردد قول الشاعر: ١»9 لاا يلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوائبه الدم وقد رأى أخو الخليفة من أبي اليقظان في تلك المدة من أنواع البر والاكرام » والجود والثبات والتجلد ما أدهشه » وأدى به إلى الاستغراب وذكره بمحاسن الصفات » ورأى ابو اليقظان منه مثل ذلك » وفي كل ذلك رفيقه النفوسي مسرح في المدينة تحت النظر والمراقبة » يتردد عليه في السجن لقضاء مأربه وتدبير شئونه ؛ بما يحتاجه من الخارج » وبينما هما في تلك الحال بين الشدة والرخاء والخوف والرجاء ؛ لا ييأسان من رحمة الله ولا يسأمان من قدر الله » اذ اخحتل نظام داخلية الخليفة » وقامت قيامة الرعية وأصبح مقتولاً . عقد الخلافة لرفيق أبي اليقظان وأخباره معه بعد ذلك (ممزوج) وبعد أخذ ورد وقيل وقال ؛ تمخضت الخلافة لرفيق أبي اليقظان أخي الخليفة ؛ فنودي باسمه » وما شعر حتى دخلت الصقالبة والأجناد عليه في السجن ؛ واختطفته من بين يدي أبي اليقظان إلى دار الخلافة » وقدمت له البيعة وما تم له الأمر وثبت على الكرسي ؛ حتى امر باخراج أبي اليقظان من السجن » ودعا أحد وزرائه وكلفه بحفظه واكرامه إلى ان يتفرغ لطلبه ؛ فبادر الوزير ممتثلاً للامر » ودخل على أبي اليقظان وأخبره بالقصة ؛ وحمله إلى محله وقام بواجب حقوقه برأ واكراماً ؛ فطاب نفاً وانشرح صدراً وأمل الخلاص من ربقة التغرب » واستقرب اللحوق بالوطن العزيز مسقط الرأس ؛ ومقر الاهل ومنبع العدل . كم منزل في الارض يألفه الفتى وحنينه أبدالاول منزل ١»7 ثم ان الخليفة أراد إظهار ما لديه من القوة » وكثرة الجنود لأبي اليقظان لكي يعلم ذلك ويخبر والده ورجال دولته ؛ اذا رجع اليهم فييأسوا من الطمع فيه ان خطر ببالهم . (قال) قال : الذي حدثني ؛ حدثني أبي عن ابي اليقظان انه قال : فبينما انا عنده (أي عند الوزير) ذات يوم اذ انصرف من قصر الخليفة » فوقف في صحن داره على فرسه ؛ وخرجنا اليه » ووقفت معه ؛ فبينما نحن كذلك ؛ اذ أقبل عشرة اناس فنزلوا عن دوابهم » وبادروا نحوه يقبلون يديه ورجليه فقال لهم : أتدرون فيما ذا أرسلت اليكم؟ فقالوا : اصلح الله الامير مالنا في ذلك من علم » فقال : اذا كانت الغداة فاحضروا إلى عشرة آلاف فارس فقالوا نعم اصلح الله حال الوزير » قال : فعجبت من قوله ومن قولهم » وقلت يهزاأ بهم أم يهزأون به أم اراد أن يظهر لي شيئاً أتحدث به في المغرب لا اصل له؟ قال : فنظر إلى والى انكساري » فشعر بي قال : فقال لي مالك يا مغربي لعلك استعظمت ؛ ما سمعت؟! فقلت : اصلح الله الوزير » وكيف لا استعظمه ؛ ولو كان ما سألتهم اياه دارهم في اكمامهم لما استطاعو احضارها اليك بالغداة ؛ وكيف بعشرة آلاف فارس فقال : يا مغربي ترى هؤلاء العشرة؟ قلت :؛ نعم ؛ قال : تحت يد كل واحد منهم عشرة » كم معك؟ قلت : مائة ؛ قال : وتحت كل واحد من الألف عشرة كم هذا؟ قلت : عشرة آلاف ؛ قال : اا تخرج هذه العشرة ؛ فيدعو كل واحد منهم من كان تحت يده فيجتمع ذلك كله في اقل من لحظة العين ؛ ولولا سعة هذه الارزاق وآخذوها يا مغربي لما صببنا هذه الأموال الا في الدجلة والفرات قال : فأعجبني قوله وقلت يمكن ما قاله (١ ه) . نالصي طلب الخليفة من ابي البقظان الاقامة ببغداد قال : (أبو اليقظان) فبينما انا كذلك عنده اذ أمر الخليفة باحضاري قال : فلما مثلت بين يديه أمرني بالجلوس فجلست قال : فذكر ماكنا عليه (من الحال في السجن تأنيسله) قال : فكان يرى منى اجتهاداً فى الصلاة وغيرها فقال : اني أحب أن أوليك من المشرق أي بلد أردته فقلت له : الخيار لي في المشرق دون المغرب ؛ أم في المشرق والمغرب فقال لي : بل الخيار اليك في المشرق والمغرب ؛ الا أني أختار لك المشرق لكثرة خيره ؛ وأرغب لك عن المغرب لكشرة شره فقلت له : اذ رددت الخيار إلى فأنا اختار ما شئت قال ذلك اليك فقلت : اجمع بين وبين والدي ؛ فقال لي : ماتريد بالمغرب من خير »؛ ولكن اذا أردت ذلك فالأمر اليك » ثم عطف على فقال لي جرايتك في الحبس ؛ انظر إلى من توصي بها لثلا يعفو اسمك من عندنا ؛ فقلت إلى فلان ابن فلان الخياط » رجل بقرب الحبس قال : وكنت أقبلت على النفوسي المرفوع معي ؛ وقلت له اقم تقبض كل يوم عشرين ومأثة درهم فذلك خير لك من المغرب ؛ فأبى على فقلت له : فإذا أبيت فإلى من ترى أن تصرفها؟ فقال لى : إلى فلان بن فلان الخياط » فاني كنت أجلس عنده واستريح اليه وأشاوره في أمرك قال : فما ذكرت اسم الخياط للخليفة قال لي : م استحق ذلك منك؟ قال فأعلمته بما قال النفوسي ؛ قال فأمر به فأجريت عليه » (وأصبح بعد ان كان فقيراً من الاغنياء المعروفين عند السلطان وخير الصدقة ما اورثت غني) ؛ قال : فكان النفوسي بعد ذلك بتيهرت اذا كربه امر » ونزل به ضيق » يقول لأبي اليقظان : لم اقبل منك ؛ لو قبلت منك لكان العشرون والماثة درهم في كل يوم أعود علي مما أنا فيه ؛ قال : ثم أمر الخليفة الوزير بالنظر في أمري وأمر جهازي وأمر لي بسرداق فضرب لي ؛ ثم أمر لي بنفقة وكسوة ؛ وكتب لي كتباً الى عماله في ١" الامصار بالحفظ والرعاية والبر والاكرام ُ فأقمت حتى قضيت حوا نجي 6 تم خرجحت (١ه) » بلفظة . غريبة وما يحكى عنه أنه بعد أن تحرك من بغداد مقبلاً نحو المغرب حسب منجمو ا لخليفة العباسى حا بهم ؛ فرأوا ا نه لا بد من أن يتولى الملك بالمغرب فضاق صدر الخليفة ورجاله لذلك . وقالو قد أطلعناه على أمرنا وكشفنا له أحوال بلادنا وتركناه » وذلك هو عين ما كنا نخافه » ولا نأمن أن يهاجمنا يوما ما اذا تقلد الملك » وهموا بالارسال فى أثره ليردوه ؛ وكان هو - رحمه الله بمن لا يسابق في علمي التنجيم والرمل » قصادف الحال أن حسب لهم وقت حا بهم له فرأى ا نهم يبحثون عن موقعه ليمتفوا ا ترف فأمر باتحضار قصعة كبيرة مملوءة ماء ؛ ودخل في وسطها ؛ وبينما هم في تحرير حسابهم اذ ظهر لهم أنه فى الماء ‏ فقالوا قد دخل البحر ونجا َ فتركوا تتبعه ومر هو في طريقه إلى أن وصل ؛ الله أعلم . ولاته وعدد اولاده ومدته لم نعلم له رضي الله عنه ‏ من الولاة والعمال » غير أفلح بن العباس والي جبل نفوسة ؛ وأبي منصور » ولم نر لوزرائه ذكراً » وقد أهمل التاريخ المتأخر ذلك كله لقلة المواد » فله عذر وفيما قدمناه عن علومه من الكلام ما يغني عن الاعادة هنا . (مزوج) وله رضي الله عنه ‏ من الاولاد الذكور عدد منه : يقظان الذي كنى هو باسمه » وقد خرج إلى الحج في حياته ويوسف ؛ وهو المكنى بأبي أحلق حاتم وأبو خالد وعبد الوهاب » ووهب وزكرياء وغيرهم ؛ ممن له ذكر ؛ وكان من بينهم أبو حاتم شابا ؛ حسن لمجاملة طلق المحيا باسط الكف جميل الهيئة كثير المرءوة واسع الاحسان والبر بأترابه ؛ يطعم ويكسو ويجود ؛ وكانت أمه غزال مالكة لأمر أبي اليقظان وحشمه ؛ فوقعت محبته في النفوس ورشحته العامة للامامة بعد أبيه ؛ حتى أنه في بعض الاعياد تخلف والده عن الحضور إلى المصلى مع الناس ؛ فخطر ببالهم ما خطر » وكان أبو حاتم موجوداً فحملوه على الاعناق ؛ نادوا بطاعته ولما اتصل الخبر بالامام والده قال لأمه : احذري يا غزال فقد أصبح ابنك اليوم سلطاناً » أو ما في معناه من الكلام ؛ ولازال بعد ذلك يقلده مهم الأمور » ويقدمه في حل مشكلات الامارة ؛ تدريباً له واعلاء لقدره ؛ وتعظيماً لشأنه في انظار الرعية » واظهارا لما لديه من الاقتدار على الاعمال الشاقة إلى أن ارسله في جيش من وجوه زناتة لمحافظة قوافل اقبلت من المشرق ؛ فيها من الاموال ذهباً وبضائع مالا يحصى ؛ خوفاً من اعتداء سفهاء زناتة عليها » اذ كانو مخيمين بطريقها » فأدركت الامام أبا المقظان منيته وانقضى اجله عن عمر يناهز مائة سنة قضى منه اربعين سنة في خدمة الملة واعلاء كلمة الدين ؛ واقامة شعائر الاسلام ومحافظة المسلمين » وما قاله المراكشي من أن مدته 7 سنة عار عن الصحة جداً ؛ ولا معنى له ؛ فجهز ودفن والناس عنه راضون وولداه غائبان » يقظان بالحج وأبو حاتم بعسكره فى محافظة قوافل تجار الشرق ؛ فلحق الناس من الكدر والأسف والنحيب مالا يوصف » فرحمه الله رحمة واسعة » وذلك سنة احدى وثمانين بعد المائتين 781 ه باتفاق المؤرخين حتى المراكشي الذي خالف في عدد مدته . ١١ الفصل الثامن خلافة الامام أبي حاتم بوسف بن محمد - رحمه الله (مزوج) وما كاد يتم دفن الامام ‏ رحمه الله . حتى سارعت العامة إلى المناداة باسم ابنه أبى حاتم يوسف اماماً في الأزقة والأسواق » بدون اجتماع وتشاور مع رؤسا ءِ العا نل 6 وأسرعهم إلى ذلك رجلان أحدهما محمد بن رباح ونا تنيهما محمد بن حماد,ء ولعله أخا بكر بن حماد الشا عر المشهور 6 وفي الحال أرسلت اليه الرسل فوافته وهو مع القوافل وبلغته وفاة والده » وعقد الامامة له فكر راجعاً معهم إلى المدينة . (قال) فنادوا لا طاعة لأحد الا لا بى حاتم 6 على مسيرة يومعن من المدينة أو أكثر » فلما وصل إلى باب المدينة ازدحم الناس من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن يساره ؛ فبايعوه فما وصل المسجد الجا مع الا وقت الظهرء فاصعدوه المثبر وبايعوه َ وكبروا حوله وحملوه على إل يدي وا لاعناق » حتى أوصلوه إلى داره ؛ ثم أرسلوا إلى القبائل فبايعوه (١ ه) ؛ فتمت له البيعة وخلصت له الامامة بدون انكار ولا معارضة من أحد ؛ الا ما كان خفياً في نفوس بعص من أهل المدينة ؛ ولم يبوحوا به كعمه يعقوب بن ا فلح » فأنه منذ عقدت له البيعة بارح المدينة ورحل إلى زواغة فسكنها ؛ ولم يدخل للرستميين جمعاً ولا أعان ابن أخيه بشيء من قول أو فعل ؛ وان لم يصدر ليصي منه مع ذلك ما يكدر الراحة قط » فشمر أبو حاتم لمباشرة أموره عن ساق الحزم وسار بسيرة أسلافه الصالحين ؛ واستقام له الامر وأجمع الناس على ولايته ؛ وسلمت بواطن العامة من جهته مدة سنة على ما قاله المؤرخ المراكشى ؛ وأقر من أققر من عمال والده على أعماله 6 وبدل من بدل 6 ونمن أقرهم على عملهم أ بو منصور النفوسي في الجبل ؛ ثم تكلف بعض رجال دولته واخوته وأعمامه أن يجعلوا له ما يقتضيه مقام الملك من الأبهة والحجاب + وأبى الناس الا الدنو منه والدخول عليه فى كل وقت مست الحاجة اليه مثل ما كان عليه قبل الامارة » فوقع بذلك فى الخواطر شىء من التنافر . سعي يعض المفسدين في المروقى من مناطقة الإمام ونفقيه اياه وما نشأ عنه الاباضية » أبو مسعود وأبو دنون الكوفيان اللتفقهان على مذهب الكوفيين وعلوان بن رعلان وغيرهم من وقع عليهم من الامام بعض اعراض وغض نظر يل تشبثها به قبل ذلك من اتخاذ الوسائل لاثارة الفتنة 2 وتحريك الفساد وتناجيهم بالطعن والقدح في السيرة .ا نصم اليه محمد رباح ومحمد بن حماد ‏ اذ لم يجدا مع الأمام نفود اغرا ضهما وقضاء مقاصدهما مع انهما أول من نادى بالبيعة له » فاتفقا على الغدر به » ووعدا من المشائخ المذكورين بذلك ؛ وهكذا كان وقع لجده الامام عبد الوهاب مع ابن فندين وشيعته الحكاية السابقة » فبلغ الخبر الامام أبا حاتم » فلم يشك في صحته لما انه في حياة والده خرج ذات مرة من عنده على غضب ؛ فلاقاه رباح هذا وابن حماد » وقد عاد با وقع بيله وبين والده فقالا له : جح لنا هذه الخوخة (وهي باب صغير كان معداً له خاصة يدخل معه إلى والده) فنقتله وتتولى الامر ١9 وتستريح » فزجرهما وأضمر لهما في نفسه ما أضمر ؛ اذا أمكنته الفرصة فيهما لما قصداه من الخيانة » وهاله أمرهما ولم يجد سبيلاً لذلك إلى أن بلغه ما ذكر » فأمر بابعادهما ونفيهما . قال : وكان محمد بن حماد على بعد أميال من المدينة منزل ؛ يقال له الثلة » قد جمع الاشجار والانهار والمزارع والتخيل والقصور (1ه) . فطلبا تعيينه لمكثهما مدة النفي » فأصدر الامام أمره بذلك » وتوجها اليه (وليس ذلك من الامام بمناسب اذ النفي لمثل هذين انما يكون بالاخراج عن الحوزة رأساً » حتى لا يتمكن من مواصلة ذويه » ولا يتمكنون من امداده وحمايته » وبذلك تحصل التربية والتأديب ؛ كما هو شأن سلطاننا المظفر عبد الحميد ابن عبد المجيد العثماني » من نفيه أبناء الترك وغيرهم بمن هم من ناحية القسطنطينية دار خلافته ؛ إلى فزان وغدامس وغات وجبل نفوسة وطننا من ملحقات طرابلس الغرب بقطعة افريقيا ونفيه أولاد العرب منها ومن غيرها ؛ إلى أرض الروملي والأناضول وغيرهما من بلاد أوربا وآسيا ؛ حتى ان المنفى غالبا لا يعلم بحالة مدة اقامته ؛ إلى أن يرجع أو يموت) ‏ والقائل ان يقول ان أمثال هذه الأمور تؤخذ بالتجربة والتكرار » فكلما حدث داء اخترع له دواء » فان أفاد فذاك والا اخترع له غيره » وعلى ذلك جاء قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أحدثوا أي الناس أموراً لم تكن من قبل فأحدثنا لهم) أي أتينا لهم بما يليق بذلك من التأديب الذي لم يكن قبل ايضا . ولعل للامام في ذلك نظراً لم ندركه ؛ أو لم يصب المرمى » اذ كانت العاقبة سيئة فبقيا هناك في أنعم عيش وأرغده » الا أن كلمة النفى حملتهما حملاً ثقيلا لما هما عليه في نظر العموم من الوجاهة والقبول حسب زعمهما ؛ وظلا يراسلان أصحابهما بالمدينة لاستعطاف الامام والعفو عنهما ؛ ١7 ولما أعياهما الأمر ولم يتحصلا على نتبجة عادا إلى توجيه العتاب إلى أصحابهما ؛ أولئك المشائخ » والى لومهم وتوبيخهم على السكوت عنهماء وصرف النظر عن الاعتناء بما يوجب ردهما إلى المدينة مع أنهما ممن يأبى العدل والانصاف ابعادهما » وحط منزلتهما بصفة التنفى وصارا يتابعان الرسائل ‏ ويكرران الطلب بعبارات التعجيز والتكدير لأصحابهما ‏ إلى أن استفزهم الكبر وغرهم اللعين فاجتمعوا وقالوا : ان كيف يسعنا السكوت عن مثل هذين الرجلين مع ما لحقهما من الاهانة والذل على غير جناية » وما هذا الا منكر يجب علينا انكاره وتغييره » وقد علمتم انه لاا سبب لنفيهما الا توجيه التهمة اليهما بمجاملتنا وموافقتنا ؛ ثم عقدوا لرأي على ادخالهما رضي الامام أم سخط » وأرسلوا اليهما من انتخبوه من رجالهم تهيئوا لملاقاتهم . (قال) فما شع أبو حام الا والتكبير عليهما بالمدينة ففزع لذلك وارتاع + وعلم ْ ال ا انها ليست بدار قرار » فاجتمع اليه قومه وأهل بيته فقالوا له : قد أعلمناك هذا أولأ ‏ ولكن أقم بين ظهراني القوم ونحن نخرج إلى حصننا الذي به مواشينا وعبيدنا ؛ وهو حصن يعرف (بتالميت) في طرف من لواتة فاذا صرنا اليه واجتمعنا به ؛ ورأينا به لواتة وغيرها من القبائل ناصرنا أخرجناك الينا ففعلوا ذلك ؛ فلما رأت بقية العجم الساكنين بمدينة (تيهرت) ما فعلت الرستمية خرجت إلى حصنها وفعلت نفوسة مثل ذلك . اخروج الامام من المدينة (قال) | ,. قال : ثم أقام أبو حاتم بعيد ذلك أياماً ؛ ثم خرج وخرج معه من وجوه البلد السمحيين وغيرهم نحو مائتي رجل » وكان الخارجون معه حماة البلد. ١ . منهم رجل يعرف ببكر بن يبيب ؛ ومن السمحيين رجل يعرف ببكر بن عبد الواحد » وكان هذان الرجلان فارسي المغرب » وبقيت العامة ومشائخ البلد في جمع عظيم ؛ وعلموا ان الحرب قد دهمتهم ؛ فشرعوا في بنيان حصنهم ؛ ثم ان أبا حا لما خرج اجتمعت لواتة كلها اليه ؛ فأعطى الأموال وحمل على الخيل واجتمعت أهل قبائل الصحراء إليه خلا الحصن المعروف (بتالغمت) ؛ وأهله الصفرية فانهم مالو إلى المدينة (١ه) . وقد وقفت على موضع هذا الحصن اثناء رجوعي من بني ميزاب عام ألف وثلاثمائة وستة عشر 6١17 ه » وهو في ربوة عالية يحيط بها كالهالة واد كثير الأشجار » ذو منظر لطيف » اذا امتلاأً بماء الامطار وصار كالبحر كما رأيته وبقيت فيه تلك الاشجار مصطفة كالسفن السابحة في البحر » وقد بنى بأعلاها الفرنساويون الآن (فندقاً) ؛ على هيئة حصن متسع يوجد فيه كل ما يستحقه المسافرون » وفيه بيوت معدة للنوم بأسرة وفرش لا تتجاوز اجرتها في الليل ثلاثة دراهم ؛ وقد بني من انقاض الحصن القديم » على حسب التخمين » اذلم يبقى منه الا آثار وأطلال قليلة ؛ وهو الآن محط رجال القوافل والمسافرين والعربات (الكروصة) » للجهات متعددة من أعمال الجزائر ؛ وقد جمعني القدر فيه بأفاضل من تجار بني ميزاب أتو من بلاد ومدن متفرقة » وبتنا جميعاً في ليلة أنس وسرور » ثم ذهب كل إلى حيث كانت وجهته ؛ وبهذا الاسم يسمى الآن أيضاً ؛ وان سمي هذا باسم ذاك وهو في محل آخر فالله أعلم . محاصرة الامام للمدينة وبعد أن اجتمع للامام جموع ملأت اهل والخبَال ؛ عل غلى محائئرة المديدة » وقد ذكر ابن الصغير الحادثة ممفصئلة فخذها على القاعدة المتقدمة" مد اام دلوي “الم ما وا ص ١ قال : ثم جمع أبو حاتم جموعه ؛ وزحف إلى المدينة من ثلاثة مواضع ؛ من القبلة والمشرق والمغرب ؛ فتولى بنفسه القبلة مع لواتة والرستمية ومن شائعها ؛ وتولى المشرق العجم » وصنهاجة ومن شائعها ؛ وتولى المغرب طوائف من الناس مع نفوسة » وكان قتال شديد من الأوجه الثلاثة ؛ وكانت الدائرات في الأوجه الثلاثة على أهل المدينة (١ه) . (مزوج) فقتل من المعروفين بالمدينة من ناحية المشرق رجل يعرف بابن مادة » قتلته العجم » ومن المعروفين من ناحية القبيلة رجل من أهل دمر . ولما رأى مادة ابنه مقتولاً داخله الغضب » فحمل على رجل عجمي يسمى (برجا) فقتله ولما علم به الناس ؛ بادروا إليه ليقتلوه » فلم يمكنهم وكادت الفتنة تعود فينما بينهم داخل المدينة ؛ فاعترفوا لأنفسهم بالخطأ » في اثارة الفتنة » وأيقنوا بأن أمر الرعية لا يضبط بدون سلطان » وقالوا : قد كان في أول الأمر قيامنا لأجل نفي رجلين فقط حسبناه منكراً » وقصدنا تغييره ثم وقعنا فيما هو أغظم من سفك الدماء ظلما وعدوانا » فقوموا بنا إلى تسليم مقاليد الأمور لصاحبها وادخاله المدينة ؛ حتى ينتقم من هذا المتعدي وشيعته » وبحكم كيف شاء » وما لنا في الحرب والفساد من خير » ثم أرسلوا إلى الأمام بما قرروه ؛ فأجابهم بأنه لا يقبل منهم شيئا الا ان سلموا له الرؤساء والمشائخ » الذين كانوا سبباً في الفتنة ليحكم فيهم با يراه مما يوافق الشرع الشريف ؛ فصعب عليهم ذلك ونكصوا على أعقابهم وأبوا فعاد الامام إلى حربهم . مبايعة أهل المدينة للعلامة يعقوب ابن أفلح عم الامام (مزوج) ولما ضاق بهم الحال من الحصار » أجمعو على أن لا طاقة لهم بالاستقلال دون رأس من الرستميين » وقال قائلهم :قد علمتم من كان 7 ليعقوب بن أفلح من مصارمة ابن أخيه مندولي الأمر » وهو بزواغة غير بعيد فارسلو اليه واعرضوا عليه البيعة » حت نرى رأيه ِ فكتبوا كما بهم ووجهوه اله مع أمناء منهم 6 فما توانى عن قبول طلبهم َ واجا به دعوتهم 6 وقد كان لولا هذه الفعلة التى تاب منها وندم تبع ذلك » كما قال ابن الصغير في قوله : كان بعيد الهمة نزيه النفس ما جس بيده ديناراً ولا درهماً » وكان اذا أتى وكيله بغلاته أمره ان يجعلها تحت بردعة له يجلس عليها ؛ واذا أراد اخراج شيء منها دفعه بقضيب في يده ؛ وكان اذا سافر ونزل بقوم لم يأكل لهم طعاماً » وكانت له بقرات يأمر بحلبها بين يديه فى اناء جديد ؛ فاذا امتلاً شربه أجمع » ثم يقوم عليه ثلاثاً لا يأكل طعاماً ولا يشرب شراباً ؛ ولا يخرج لبراز » وكان وضوؤه وضوء طاهر في الموضع الذي يكون فيه ؛ شهد منه ذلك جماعة من صحبه » واستفاض ذلك عنه حتى صار كالعيان » وكانت له أخلاق في لباسه وركوبه تخرج عن طبع البشر » حجزه سراويله في جنبه » وركوبه فرسه من بين يديه » وكان له فرس أشقر لم يكن بالمغرب قبله ولا بعده ؛ به يضرب المثل إلى اليوم (١ه) . (ممزوج) ولما وصلهم ودخل المدينة عقدوا له الولاية » ورجعت اليه جماعة من لواتة ؛ وعاد أهل المدينة في نشاط إلى الحرب مؤملين الفوز (وما حرب الآمام مع عمه يعقوب (مزرج) وعندئذ نجددت الحرب بين الامام أبى حاتم ؛ وبين عمه يعقوب أياما ؛ ثم ضعفت وسكنت بعض السكون إلى ان تحرك الامام زاحفاً بمن معه إلى المدينة من جهة » والرجل الموسوم (بوانودي) ومن معه أيضاً من جهة أخرى ؛ فأمر يعقوب بأبواب المدينة فأغلقت ؛ وترك واحداً وقف عليه بنفه مص مع من كان معه ؛ ودارت الحرب بين الفريقين إلى أن حضر وقت الظهنء ونودي في الصفوف بالآذان » ولعمري ان هذا من أهل المدينة لمن العبث فما يغنبهم عند الله شدة هذا الاحتياط » بمراقبة وقت الفريضة فى لحة العصيان والنفاق » ثم اشتغلوا بالصلاة فتبدلت نية (بوانودي) ومن معه اذ رأوا ذلك ؛ وندموا عل قدومهم للحرب » وتنحو إلى جهة » ولما قضيت الصلاة دار الامام أبو حاتم بفرقة بمن في عسكره من العجم إلى الجهة الشرقية ؛ وترك العسكر بحاله راجياً أن يصيب غفلة من أحد الأبواب فيدخل المدينة » وما قصد الباب وكان عامراً بالرجال فتحوه ؛ وحملوا عليهم حملة رجل واحد ؛ فتولى منهزماً وانصرف (بوانودي) بمن معه تاركاً للقتال ؛ فضعفت الحرب بعد ذلك ؛ وطمع الناس في العافية واشتاقت أرواحهم إلى الصلح وأذعنوا للراحة . عقد صلح بين الامام وعمه (مزوج) وبينما الناس في ذلك يترقبون من أهل الخير والاصلاح السعي في كف هذه الفتن » وايقاف سيره ؛ اذ قدم ذلك الرجل الشهير في قومه صاحب الرياسة والتقدم » والقدر الجليل أبو يعقوب المزاتي بجميع جموع مزاتة » أولئك الاغنياء أولو الشروة الواسعة » والعدد الوافر » أهل الحرث في بطون الأودية والنسل من حمر النعم والبقر والغتم ؛ في بسائط الارض وجبالها الذين امتلاً بأموالهم » واسع بيت مال المسلمين بما يؤدونه بما وجب عليهم من الحقوق الشرعية » حتى قال فيهم الامام عبد الوهاب ‏ رضي الله عنه ‏ ما قام هذا الدين الا بسيوف نفوسة » وأموال مزاتة » ونزل حول المدينة فتقدم اليه رؤساء القبائل » وأهل الفضل ؛ بمن يسعى في اصلاح ذات البين ؛ وشكوا له ما حل بالناس بسبب تلك الفتن ؛ من قطع السبل وفراغ الأيدي ؛ 7 وهلاك الحرث والنسل ؛ واهراق الدماء وارتكاب الفواحش ؛ والمجاهرة بمعاصي الله وكلفوه بالدخول بين الفريقين » بجعل هدنة إلى مدة معلومة يتعامل فيها الناس » وتمتد الخطا مع العافية » والأمن وتتعارف الناس » وببما بذلك تلين القولب وتتنحسم العداوة ؛ ويعقد صلح ينقطع معه الفساد » فأجاب وجد في السعي في ذلك ؛ ورغب وصرف عنايته إلى أن رضي الطرفان » فطلب من كل أن يقدم اليه من يختاره ويأمنه لعقد الهدنة » فقدم الامام أبو حاتم مكنودا وابن أبي عياض اللواتيين » وقدم يعقوب ذلك العلامة الجليل الشيخ عبد لله بن اللمطي المذكور آنفاً وبرزوا للاجتماع ؛ وسلموا الأمر لمتولي العقد ؛ فاتفقوا على رفع يد الامام أبي حا ويد يعقوب عن النظر في الأمور مدة أربعة أشهر » يسود فيها الأمن وتنطلق السبل ؛ وتتخالط الناس إلى أن يأذن الله في ملكه بما يشاء ؛ فقبل الفريقان ذلك » وانقطعت الحركة » ووجد الناس حلاوة الطمأنينة ورجوا العافية » ولم يبرح الامام في اثناء ذلك عن استمالة وجوه المدينة وشبانها بجميع أنواع السياسة من حسن الملاطفة والاكرام ‏ ومواصلة المنقطعين بصلات البر سراً وعلانية » إلى أن أطبقوا على ولايته والرضاء به جميعاً الا من نذر ممن استحب العمى على الهدى » ورغب في, الفتنة لنهب أموال الناس بالباطل وأبو يعقوب المزاتى فى ذلك كله ل يلو العنان عن الجد في حصول الصلح ؛ واتمام عقدة الاتحاد .وشد عرى الاجتماع » وكان في المدينة رجلان يسمي أحدهما بأحد » والآخر بمحمد» ويعرفان بابني دبوس » لهما من عظيم الجاه ونفوذ القول والشهرة بالشجاعة ؛ وشدة الأقدام 6+وكثرة الاتباع لدى الخاصة والعامة حظ وافر ء لم يكن لغيرهما من الوجوه والأعيان » ولهما دار تعرف بالكنيسة . اقفة اجماع أهل المدينة مع عموم المسلمين على خلافة الامام وهروب يعقوب إلى طرابلس (ممزوج) وبينما الناس ذات يوم في عيد من أعيادهم اذ ابتداً الرجلان السير من طرف المدينة » وامامهما نفر يقولون من أراد العافية فليصعد إلى الكنيسة ؛ فبادر الناس اليها » ولم يتخلف أحد غير يعقوب وشيعته ؛ وبعض مشائخ منهم أبو مسعود شيخ المدينة (رئيس البلدية) » الا أنه لما رأى الناس كافة ذاهبين أفواجاً أفواجاً إلى مجتمعهم ؛ صعد معهم ليعلم حقيقة أمرهم ومنتهى غرضهم » فوجدهم قد فوضوا الامر في المسألة لابني دبوس ؛ فانحدر متلثاً غيظاً ؛ لما فهمه من مآل الاجتماع ؛ وانفض المجلس ؛ ولما جن عليهم الليل ركب محمد وأحمد مع من له علم من أهل الرأي بلباب القضية ؛ قاصدين الامام أبا حاتم » ولما بلغ الخبر إلى يعقوب وحزبه ؛ تسارعوا إلى خيلهم » وخرجوا في ستر من الليل راجعين من حيث أتو بعد أن كدروا سماء الأمن وحيروا مركز الامامة نحو أربع سنين كاملة على ما ذكره المراكشي ؛ وقصدوا زواغة ملجأً الفارين لقربهما من البحر » وكونها في الحدود يسهل الوصول منها الى حيث شاءوا » متى وقع عليهم الطلب والبحث ؛ وان كانت قريبة من جبل نفوسة أهل الشدة والبأس ؛ وحصن الخلافة وسيف الامامة . دخول الامام أبي حاتم المدينة بالاجماع من المسلمين (ممزوج) وبينما الامام في قصره بأبي مينة ؛ اذ دخل عليه ابنا دوبس ومن معهما وقالوله : اركب معنا الساعة ولا تتأخر ولا تنتظر رفيقاً ؛ واخبروه بالقصة ولشقته بالرجلين لأمانتهما خرج معهم ؛ ولم يصحب من عسكره ولا من رجاله أحد » ولم ينفلق الصبح الا وهم بباب المدينة » واذا بها حاوية من 77 يعقوب وزمرته ومن كان على شاكلتهم ؛ فهرع من بلغه الخبر من الناس إلى ملاقاته من الجهات وتباشروا وعمهم الطرب جميعا » فدخل المدينة ولا نزاع ولا حرب » بعد أن هجرها وحاصرها أربع سنين » فقصد دار الامارة وأتته الوفود » وتقدمت الخطباء والشعراء وأرباب الجرائم إلى بابه لطلب العفو والتهنئة » ومن بينهم أبو بكر بن حماد الشاعر المشهور المتقدم الذكر القائل لما مثل بين يديه : ماذا يدبر ربنا في أمره سبحانه في أرضه وسمائه رد الملوك إلى محل قرارهم مستبشرين بفضله وعطائه فتبارك الله اللطيف بصنعه ما أغففل الشقلين عن نعمائه رفم السماء بلاعماد بين والبحر أمسكه على ارجائه لولاه فاض على العبادبموجه وعلى الجبال الراسيات بمائه ان الملتوج يوسف بن محم تتزين الدنيا بطول بقائه أخذ البلاد بسيفه فاستسلمت وبعدله وبفضله وسسخائه وهو القائل أيضاً على ما ذكره العلامة البرادي رحمه الله فى كتابه (الجواهر) : ٠7 وغصن شبابي في الغصون تضير فقالت كما قال النواسى قبلها عؤيز علينا ان نرالا تسسيسر فقلت جفاني يوسف بن محمد أيا حاتم ما كان ما كان بفضة فأكرهني قوم حشيت عقابهم فد أريتسهم والدا ثرات تدور وأكرم عفو يوثر الناس أمره اذا ماعفا الانسان وهو قدير فصفح وسامح ووعد وأوعد : وأمر المنادي ففادى بالامان وأعرض عن طلب من كان مع عمه وعفا عن الكل » قصفا له الخو وخضعت الرقاب . قال : ولما دخل أبو حاتم مدينة تاهرت » جمع مشائخ البلد أباضيتها وغير أباضيتها » فاستشارهم فيمن يوليه قضاء المسلمين » فقالوا له : ان أباك لما دخل كدخولك ولي محمد بن عبد الله بن أبي الشيخ » وهو الذي قدمنا د كره قبل هذا ولمحمد ولد يسمى بعبد الله ما هو دون 1 بيه ؛ و نت عالم بورعه ودينه كما نحن عالمون به فقال : اضرم وأحسنتم : وولا 0 الما 6 فقال : أصبتم وأحسنتم » من ترون أن نولي الشرطة؟ فقال قوم : زكار قد قتل به بين يديك ٠ وله نصيحة ٠ وقال قوم :1 براهيم بن مسكين 6 فان له صلا به 4 في الحق » فولاهما جميعاً » وكان البلد قد فسد أهله في تلك الحروب ؛ واتخذوا المسكن أسواقاً والغلمان اخداناً » فلما ولي هذان الرجلان الشرطة قطعا ذلك في أسرع من طرفة العين » وحملا الناس على ضرب السوط والسجن والقيد » وكسرت الخوابي بكل دار عظم قدرها أو صغر » وشردت الغلمان وأخدانهم في رؤوس الجبال وبطون الأودية ؛ وحملا الناس على الواضحة وخاف المنافق وأمن البريء » وشرد السراق وقطاع الطرق ؛ وأمنت السبل ومشى الناس بعضهم إلى بعض ؛ ولم ينقموا على أبي حا شيئاً (١ه) » هذا كله بالنظر إلى تيهرت وما حولها من الولايات ؛ واما جهة طرابلس وجبال نفوسة وما يليها » فانها لم تكتسب راحة منذولي هذا الامام » وكثرت فيها الفتن والحروب حتى انها لم تتمكن من اعانة الامام بشيء في حروبه هذه ؛ وسنأتي ببيان ذلك ان شاء الله . خبر أبي منصور - رحمه الله مع الطيب بن خلف تقدم ان الامام أبا حاتم رضي الله عنه ‏ جدد الولاية لأبى منصور الياس على جبل نفوسة لما آل اليه الأمر » وفي صدر مدة هذا الامام » على حسب التقريب » ان لم نقل في آخر أيام والده ؛ تحرك ابن خلف الذي تقدم ذكره ساعياً في احياء سيرة أبيه » وتجديد الخلاف والخروج من الطاعة ؛ فصدر أمر الامام إلى أبي منصور بالمبادرة اليه ؛ والقبض عليه قبل استفحال أمره » وكان قد هرب إلى زواغة وهم في جموع كثيرة ؛ وكلهم على رأي أبيه ؛ فقصدهم أبو منصور بعساكرة ؛ ونزل قريباً منهم وكلمهم في شأنه ؛ فتحزبوا وأبوا أن يسلموه ؛ واتفقوا على حمايته والمدافعة عنه ؛ وكان فى بني يهراسن شيخ كبير صاحب رأي وادراك ؛ رأى انهم لا طاقة لهم على مناصبة أبي منصور الحرب » فجمع القوم وقال لهم يا معشر زواغة ؛ اقترح عليكم طرف ثلاثة أمور » ان اخترتم منها واحداً أصبتم » والا فمصيركم إلى الذل » اما ان تتركوا حوزة طرابلس » وتدخلوا إلى جزيرة جربة لتتحصنوا فيها وتمنعوا صاحبكم ؛» واما ان ترسلوا إلى تيهرت رسلاً بكتاب من عندكم ؛ تطلبون فيه من الامام » أن يخصصكم بعامل مستقل عن جبل نفوسة ؛ حتى لا تدخلوا تحت أحكامهم وسيطرتهم » واما ان تسلموا إلى صاحبكم (ابن خلف) لأسلمه لنفوسة بأمان ؛ وأنا أضمن لكم سلامته ؛ وأنهم لا يتجاوزون فيه الحق » فلم يعجبهم قوله » وأجابوه بكلام غليط أغضبه ؛ فقام وتركهم . ولما وصلهم أبو منصور بجنوده دعاهم إلى الاتقياد والطاعة ؛ فأبوا فناجزهم الحرب وكان بين الفريقين قتال شديد » انهزمت على أثره زواغة ؛ وكان القتال قريباً من أرض ذات غرس جديد + ومن عادتهم ان يحوطوا الغرس » أو الجنان بحائط أو حبال » توصل بين أعمدة مغروزة في الأرض ؛ محافظة عليه من الوحوش والحيوانات » فصدت تلك الحبال زواغة عن الهروب » وحبستها حتى أخذ منها أبو منصور غرضه من القتل ؛ ثم رجع عنهم فدخلوا إلى جزيرة جربة » تحصنوا فيها والتجأً ابن خلف إلى رجل من .وجوه زواغة هناك » فأدخله في قصر من قصور الجزيرة » وظنوا انهم قد نجرا ؛ ثم لما استراح أبو منصور مدة واكتشف حقيقة حالهم وخبرهم في الجزيرة ؛ جدد النهوض اليهم فسار في عسكر جرار إلى أن قرب من الجزيرة » ثم فكر في الأمر فرأى أن الدرهم والدينار يفعلان مالا يفعله الرمح والسنان » ويمهدان من الطرق مالا تمهده الفرسان » ويذللان من الصعوبات مالا تذلله السيوف عند الطعان ؛ فأرسل مع رجل من بني يهراسن ماثة دينار إلى الزواغي ؛ الذي عنده ابن خلف + هدية » ولما وضلة وسلمها له وهو في بني معقل من زناتة ؛ صار يسأله عن أبي منصور وأحواله ؛ ويقول له لو أتيت الينا في. أولادنا لدفعناهم لك ؛ فعاد الرسول إلى أبي منصور وأخبره فطوى أبو منصور المراحل في أقرب وقت » وكان له طبل يأمر بضربه اذا حان وقت الصلاة ؛ ١١ فيقف أول العسكر آخره فيصلي بهم ركعتي السفر » ويأمر بضربه للرحيل ؛ وجد السير حتى دخلو جربة بلا حرب ولا قتال فتوجه الزواغي إلى ابن خلف ؛ وهو في قصره وقال له انزل يا أيها الأمير فقد أرملت كثيراً من نساء زواغة . قال أبو زكرياء : فقال له : ولد خلف ليتكم لم تتموني أميرايا مشئومات بالبربرية » فأنثهم لأنه رجل عربي لا يحسن البربرية (١ه) » فنزل ودفعوه إلى أبي منصور فقيده ومضى به إلى الجبل فحبسه ؛ فكان في سجنه إلى أن وجب حد السرقة على رجل أقيم عليه الحد قبل ذلك ؛ فاختلفوا في محل قطع الرجل منه فوجهوا اليه السؤال فأجاب بأنها تقطع ما دون العقب ؛ وقال : سجنوني وأتوا يتعلمون مني العلم ؛ فأطلق أبو منصور سبيله بعد أن أظهر التوبة وتحسنت أحواله ؛ بعد ذلك ورجع إلى الحق فيما قيل ؛ وكانوا يلقبونه بالطيب بن الخبيث بن الطيب » الله أعلم . وانما كان أبو منصور يضرب الطبل عند دخول وقت الصلاة ؛ لأن النداء أو الآذان لا يكفي لايقاف تلك الجيوش المنتشرة الكثيرة الممتدة مع الطريق ؛ ولابد من أنهم يؤذنون قبل اقامة الصلاة » فالطبل علامة على الأمر بالوقوف لا على الصلاة ؛ ولعل اختلافهم في مسألة قص الرجل كان لقصد امتحان الطيب ؛ وجعله وسيلة إلى اظهاره من السجن ؛ والا فكيف يختلفون في مثل هذه المسألة ؛ وهم في عصر كان الجبل فيه مملوءاً بفحول العلماء واللّه أعلم . ولاية العلامة أفلح بن العباس ‏ رحمهما الله على جبل نفوسة وواقعة (مانو) وما توفي أبو منصور ‏ رحمه الله . كتبت نفوسة إلى الامام بذلك ؛ فولى عليهم العلامة أفلح » وفي مدته كانت واقعة (مانو) ؛ التى فل فيها حد 85> سيوف نفوسة ؛ وفنيت فيها أبطالهم » وأبقت فيهم ثلمة عظيمة ؛ وهى الصيبة الكبرى التي تضعضع بها ركن الامامة بتيهرت ؛ اذ كانوا حصنها المنيع وسيفها البتار ودرعها المتين » ولما ضعفوا أخذت في التقهقر بطمع الأعداء فيها ؛ وتسلطهم عليها حتى اضمحل أمرها كما سيأتي بيانه . وتفصيل هذه الحادثة الشنيعة » هو كما ذكره المؤرخون كلهم منهم الشماخي ‏ رحمه الله حيث قال : وكان ابراهيم بن أحمد من بني الأغلب » والي بني العباس على أفريقية ظالما جائرا » فقدم طرابلس ؛ ولعله أفسد فاجتمع رأي أكشر نفوسة على ملاقاته ؛ فأبى لهم أميرهم أفلح بن العباس ؛ وسعد بن أبي يونس عامل قنطرارة (تيجي) » ومعبد الجناوني ؛ وعزم من رغب في الجهاد واظهار المعروف ودين الله ؛ لتكون كلمة الله هي العليا قال ابن الرقيق : وفى سنة ثلاث وثمانين ومائتين تحرك ابراهيم بن أحمد » يريد محاربة ابن طيلون » وامر بالحشد ؛ فلما اجتمع له ما يريد ؛ خرج من تونس لعشر خلون من المحرم » فأقام برقادة إلى سبع بقين من صفرء ثم خرج بجميع من معه فاعترضته أهل نفوسة في جمع عظيم » وذلك في النصف من ربيع الاول ؛ فكان بينهم قتال عظيم » فقتل من جنده جماعة من الرؤساء وغيرهم » ثم انهزم أهل نفوسة » وكان في أيام الملعتضد فتبعهم وقتلهم قتلاً ذريعاً ؛ وتطارح منهم في البحر بشر كثير ؛ وقتلهم فيه حتى غلبت حمرة الدم على الماء (١ه) . هذا ما ذكره صاحب السير ‏ رحمه الله نقلاً عن ابن الرقيق » ولا سبب فيه ولا داعي إلى حمل نفوسة على المعارضة ؛ والوقوع في هذه اللصيبة » مع انهم أعا نوا بني الاغلب قبل ذلك على ابن طولون كما تقدم ؛ والذي أراه مناسباً » وان كان قابلاً للنقض ؛ هو ما قاله العلامة أبو زكرياء - رحمه الله من أن الجند كان قادماً من المشرق » وسببه هو أن أخبار نفوسة 7 وقوتهم قد تواترت عند بني العباس ملوك الشرق » ولازالت الرسائل تتوجه اليهم من القيروان وطرابلس ؛ تفيدهم بأن دولة بني رستم بتيهرت لم تقم الا بنفوسه . وكان ذلك في عهد المتوكل ببغداد » فأنفذ إلى المغرب جيشاً ؛ وقدم عليه ابراهيم بن الاغلب » ولما وصل طرابلس اجمعت نفوسة على منعه من الجواز خوفاً من أن يكون قاصداً تيهرت دار امامتهم ؛ فأرسل اليهم يستأذنهم في الجواز » فأجابوه بالمنع » فطلب أن يتركوا له مقدار طول عمامة على ساحل البحر » ليمر فيه ؛ فأبوا» فلما رأى عزمهم أمر عسكره بأخذ الحذر؛ وقال لهم اتخذوا طريقاً على ساحل البحر ‏ فان تركونا كان مراد وان تعرضوا لنا قاتلناهم وما بلغ الخبر الى نفوسة قال بعضهم دعو الرجل ولا تتعرضوا له » وأبى بعضهم الا ملاقاته » ومن كره ذلك العلامة سعد ابن أبي يونس ؛ فقال له بعضهم : عز عليك شداخ قنطرارة (صنف من ثمرها) ؛ وكرهت اموت » ولذلك تعرضت ؛ فقال : خفت أن تذبح البقرة فيتبعها العجل ؛ يعني بالبقرة نفوسة والعجل قنطرارة » ومن وافقه على رأيه العلامة معبد الجناوني وأميرهم أفلح » ثم كانت الغلبة للرأي العام » فلاقوه بموضع يقال له (مانو) ‏ وهو قصر قدي بين قابس وطرابلس » واقتتلوا قتالأ لم يعهد مثله قبله فيما قيل » وكان فيهم رجل من شجعانهم ما برزله أحد الا قتله فخرج اليه أفلح بنفسه » وكان صاحب البند (أي العلم الكبير) العلامة شبيه الدجي فأمره أفلح بأن يشبته في الارض فأبى » فأمره ثانياً فأبى » ثم أمره ثالثاً » وكأنه أضمر في نفسه للمشائخ الذي ألزموه بالحرب ما أضمر من الشر » فقال له : حملته مع ابيك وجدك ولم يأمراني بذلك » وسأحفر له حفر الله لك ؛ ثم حفر له في الارض وركزه فانصرف أفلح » وحام العسكر حول البند لا يولون الأدبار والحرب قائمة . الوق وما رأى بعض أهل البصائر ما حل بالعسكر من الفناء صرع البند فتفرقوا » وقد مات منهم اثنا عشر ألفاً » أربعة آلاف منها من نفوسة والباقى من غيرها » وأربعمائة عالم » فيه من المشاهير العظام والعلماء الكرام : أ ميمون وعمروس وماطوس وشيبة وميال ومعبدو جنا التنزغتي ؛ وقد كان شرع في بناء مسجد بتنزغت بلدته فجاءه الامر فتوجه قبل أن يتمه » وهو باق إلى الآن لا سقف له وسواريه من الحجر الصلد واقفة كما نصبت في ذلك الوقت » ثم زحف ابن الأغلب إلى قنطرارة (مدينة تيجي) » فنزل عليها بغتة بعد طلوع الفجر ؛ وحاصرها حتى سلمو فقتل من قتل » وأخذ منها ثمانين عالاً » وارتحل إلى جهة نفزاوة ؛ وكان بها من العلماء المشهورين العلامة أبو بكر يوسف النفوسى ؛ فوجه اليه رسله ؛ ولما وافته سألهم أن يمهلوه حتى يصلي ركعتين فلما صلاهما أخذ في الدعاء سائلا ربه أن يصرفهم عنه ؛ فبعث الله ريحاً عاصفاً شتتهم وحالت بينه وبينهم » وكان ضريراً فأخذ ابنه يوسف بيده وذهب ؛ فلم يدركوا له أثراً . فعطف ابن الأغلب بالأسارى إلى القيروان » ومنهم العلامة ابن يتوب » وكان مقطوع العرقوب » ولما أرادوا وضع القيد فيه مد لهم الرجل المقطوعة » ثم استأذن أصحابه في الهروب فأذنوله فهرب . وما بلغ ابن الأغلب خبره أمر بقتل الباقين فقتلوا عن آخرهم رحمهم الله ؛ ومن أخذ أسيراً عمروس رحمه الله وكان على فرس سابق يذود عن العبسكر ويحمى الأطراف » ولما أعياهم أمره نسجوا له شبكة من حبال في طريقة فعثر فيها جواده فأخذوه الى ابراهيم » فقال له : سلني العفو عنك لأترك سبيلك فقال له : ذلك بيد الله لا بيدك » وتلك كلمة لا أقولها أبدا ؛ حتى ألحق باللّه » واغا اسألك أن لا تكشف عورتي »فقرضوه بمقراض من حديد » ولما بلغو المرفقين فاضت روحه رحمه الله تعالى ؛ ولعن ابن الاغلب بف العنيد » ومن الأسارى أخت عمروس تلك العالمة الجليلة ؛ وبعض نسوة كن خرجن مع العسكر في أول الأمر ؛ وما خافت أخت عمروس على نفسها وعلى من معها الفساد من فاسق بني الأغلب أمرتهن أن تستخلف كل واحدة منهم على نفسها من يزوجها ممن يريد بها سوءا » ثم ان نفوسة رجعوا إلى الجبل وتحصنو فيه » واجتمع أهل الرأي منهم واتفقوا على عزل أفلح فعزلوه » وولوا ابن عم له » ولما بلغه الخبر غضب لذلك ونوى الشقاق والفتئة . ولا سمع أبو معروف بذلك وهو من كره عزله خوفاً من الاختلاف بادر اليه وحذره الشر » ونهاه عما كان يقصده » وأمره بالصبر والسكون فامتثل أمره ؛ ثم ان ابن عمه لم يحسن القيام بأمور الناس فعزلوه بعد ثلاثة أشهر وولوا أفلح » وقد ذكر المراكشي الحكاية في تاريخه » وبين ان نفوسة كانوا في عشرين ألف مقاتل ؛ ولا أظنهم الا أكثر من ذلك بأضعاف حسبما تقتضيه كثرتهم ومعارضتهم ؛ ثم قال » ولما قتل أكثرهم تمادى إلى طرابلس » فقتل بها أبا العباس أحمد بن زيادة الله بن الأغلب » وكان أديباً ظريفاً له تواليف ؛ وسبب قتله ان العتضد بالل العباسي كتب إلى ابراهيم بن أحمد يعنفه على سوء فعله بأهل تونس » ويقول له ان انتهيت عن أخلاقك هذه والا فسلم العمل الذي بيدك لابن عمك محمد بن زيادة الله ثم نهض من طرابلس إلى تاورغا فقتل به خمسة عشر رجلاً » وأمر بطبخ رؤوسهم وأظهر أنه يريد أكلها هو ومن معه من رجاله ؛ فارتاع أهل العسكر منه ؛ وقالوا قد خولط » فانفض الناس عنه ؛ فلما رأى ذلك خشي أن يبقى وحده فرجع إلى تونس ؛ فجعل عقوبة من انفض عنه غرم ثلاثين ديناراً ؛ قسمي غرم الهاربين(١ه) » فليتأمل فانه مباين لما قلناه أولاً + اعماداً على كلام أبي زكرياء ‏ رحمه الله » واللّه أعلم بالحقيقة . 71 واقعة أخرى لابن الأغلب مع نفوسة وبعد مضي سنة على محاربة (مانو) ؛ حدثته نفسه الخبيثة بالعهود إلى نفوسة وتجديد الحرب معهم؛ مادام جرح الأولى جديداً : فأرسل ابته أبا العباس بعسكر في رجب من سنة أربع وثمانين ومائتين إلى حيز نفوسة ؛ فقتل من وجده في الأطراف واستباح النساء ؛ وأتى إلى والذه ابراهيم بجماعة منهم أسارى فأمر بقتلهم » ذكر الشماخي ‏ رحمه الله انه قدم اليه رجل منهم » وكان أحسنهم منظراً ؛ فقال له : أظنك معلم القوم وامامهم فقال : لست كذلك قال : فما تقول في؟ قال : ما أقول الا انك فاسق ظالم سفاك لدماء المسلمين أبعدك الله فغضب ؛ وقال له : والله لأقتلنك قتلة لم أقتل بها أحداً من أصحابك ؛ فقال له : ان كان الأمر بيدك ستفعل ما قلته ؛ وان كان بيد الله فهو أقوى ؛ فزاده غيظاً وقال ومن ذا الذي يمنعك مني؟ ثم سمع الآذان فقام ليصلي بأصحابه ؛ فألقى الله في قلبه اللطف به فتركه ؛ وتحقق أن الأمر بيد الله » واستأصل من قدر عليه من أهل قنطرارة ؛ فصح ما خاف منه العلامة سعد حتى » قال ما سبق ذكره ؛ وقد ذكر هذه الواقعة المراكشي أيضاً » وما فيها من زيادة على ما ذكرناه نأتي بكلامه ؛ قال : وفي سنة 184 كانت وقعة نفوسة لأبي العباس ابن ابراهيم » فقتل منهم مقتلة عظيمة ؛ وأسر منهم نحو ثلاثمائة » فلما وصل بهم إلى والده ابراهيم بن أحمد دعا بهم » فقرب اليه شيخ منهم فقال له ابراهيم : أتعرف علياً ابن أبي طالب (يشير إلى مسألة الحكمين والنهروان) فقال له : لعنك الله يا ابراهيم على ظلمك وقتلك ؛ فذبحه ابراهيم وشق عن قلبه وأخرجه بيده ؛ وأمر أن يفعل ببقية الأسرى كذلك ؛ حتى أتى على آخرهم » ونظمت قلوبهم في حبال ' ونصبت على باب تونس ؛ فانظر أيها القاريء إلى هذا التمثيل الشنيع ؛ والفعل الفظيع الذي لا يصدر من الوحوش الخسيسة فضلا عمن يدعي 7 التحيد » فقبح الله الاستبداد وأربابه ؛ ولعن كل جبار عنيد . وقد ابتلى اللّه ابن الاغلب بعد واقعة (مانو) بفساد العقل فارتكب افعالاً لا تصدر من المجانين » اذا شرع في قتل رجاله وأولاده وبناته ونسائه وكتابه وحجابه ؛ حتى أنه قتل ثلاثمائة خادم من خدامه » لأجل خادم واحد رفع منديلاً سقط من احدى جواريه » وقتل ابنه المكنى بأبي الأغلب صبراً بين يديه وثمانية اخوة كانوا من رجاله ؛ وست عشرة بنا في يوم واحد ؛ قال الشماخي رحمه الله : قال ابن الرقيق : وأتى بأمور لم يأت بها أحد قبله ولم يتقدمه إلى مثلها ملك ؛ واتخذ الأحداث حتى جمع أربعاً وستين حدثاً » وجعل لكل واحد منهم فراشاً » ومرقداً ولحافاً وبلغه عن بعضهم أمر فقتلهم جميعاً ؛ منهم من ضرب بعمود حديد فطار دماغه » وكان يحرق منهم كل.يوم خمسة أوستة » حتى أتى على آخرهم ؛ وادخل بعضهم الحمام فسد عليهم وماتوا من حينهم » وقتل ندماءه وطبيبه وقتل كتابه وحجابه » وسجن بعض كتابه واستعطفه على نفسه ؛ ومن جملة كلامه ان الملوك اذا ما استرحموا رحموا فأجابه » بأن الملوك اذا ما استرحموا قتلوا ؛ فقتله » والجأه وابل المطر إلى مسجد قرية فسقط بعضه وخشى من سقوط الباقي عليه وعلى أصحابه فخرجوا » ووقفوا في المطر فأبصرهم فتى فأنزلهم وأحسن بما قدر وباتوا بأحسن مبيت ؛ وكان زمان التين فأدخلهم بستاناً له وأطعمهم ما أرادوا ؛ فأمر به فضرب ضرباً وجيعاً ؛ وكانت له عبيد صقالبة فرمى بعضهم من اعلى القصر وبعضهم أدخلهم بيتاً ؛ وبنى عليها حتى ماتت جوعاً ؛ فوجدوا في البيت سيفاً فقتلهم واحد منهم ثم قتل نفسه ؛ فحزن عليهم اذ لم يموتوا جوعاً ؛ وقتل صاحب الديوان وشريكه لا لأمر عظيم ؛ بأن قطع يدي أحدهما ورجليه وحمل رأسه إلى صاحبه فقال له : ان لك خدمة وقديم صحبة ؛ ولأقتلنك قتلة مريح فقال : ما خنت لك 1 عهداً منذ توليت ؛ فأمر بضرب عنقه وقتل ابنه أبا عقال اذ قال لأخيه ان أبي زال عقله » وقتل جواريه وبناته فمنهن من خنق ومنهم من بنى عليه حتى ماتت جوعاً وله أفعال غير هذه » واضطرب أمره ثم أظهر التوبة » وأراد الحج ثم رجع غازياً إلى صقلي فمات طريداً ملعوناً » ولم تبق أيامهم بعد ذلك الا قليلاً . حتى اباد الله ملكهم وأهلكهم ؛ وأزال الأمر من ايديهم الخ (١ه) » والمراد منه » وهذه الاخبار مذكورة عنه في اكشر التواريخ » بل فيها اكشر من هذا واللّه أعلم » وقع هذا كله بجهات نفوسة » والامام بتيهرت لم يتوصل إلى اعانتهم لبعد المسافة » وخوف الفتنة بتلك الجهات أيضاً » الا أن العدل عنده سائد والأمن عام في الرعية . أحوال أرباب المذاهب بتبهرت وخطب الجمعة في مدة هذا الامام المشهور أن لهؤلاء الائمة كلهم دواوين خطب للجمع والأعياد ؛ اذ كانوا يخطبون بأنفسهم ؛ ولا يعيدون خطبة خطبوا بها قط » وكلما بحثنا لم نعثر على شيء منها ؛ وقد تعرض ابن الصغير لشيء قليل من هذا الأمر حيث (قال) ولم ينقموا على أبي حاتم شيئاً » ثم نقموا عليه بعد ذلك أشياء أخذه ناساً بالتهمة وضربه بالسوط على الظنة » الا ان البلد وقضاته وأصحاب بيت امواله واصحاب شرطته » ومن بالبلد من فقهاء الأباضية وغيرهم من الكوفيين والمدنيين لم يطالب بعضهم بعضاً ولا سعى بعضهم ببعض . وكانت مساجدهم عامرة وجامعهم يجتمعون فيه ؛ وخطيبهم لا ينكرون عليه شيئاً ؛ الا أن الفقهاء تباحئت المسائل فيما بينها ؛ وتناظرت وأشتهت كل فرقة ان تعلم ما خالفتها فيه صاحبتها » ومن أتى إلى حلق الاباضية من غيرهم قربوه وناظروه ألطف مناظرة » وكذلك من أتى من الاباضية إلى حلق غيرهم كان سبيله كذلك ؛ إلى أن قال وحضرت لخطبائهم خطبا كثيرة ؛ 71 أولهم ابن أبي ادريس ؛ والثاني أحمد التيه » والثالث أبو العباس بن فتحون » والرابع عثمان بن الصفار ؛ الخامس أحمد بن منصور » وكل من رأيت من خطبائهم على المنابر فليس يستعملون في خطبهم الا خطب أمير المؤمنين على بن أبي طالب خلا خطبة التحكيم » فانهم كانوا اذ رفعوا من الخطبة الاولى قاموا إلى الخطبة الثانية ؛ وحكموا ؛ وسوف اذكر خطية التحكيم فيما يلي هذا الكلام ؛ فلم يزالوا كذلك إلى أن ولي الخطابة رجل منهم يقال له أحمد بن منصور » وسمعته يخطب هذه الخطبة » ثم يخطب بعدها بخطبة التحكيم فلقيته » وعاينت وقلت له أن خطبتك التي سمعت منك اليوم ليست من خطب اسلافك ؛ فقال لي حملني عليها عثمان بن احمد بن بجباج » وكان مقدماً عندهم ولا يكادون يخالفونه فيما استحسن لهم ؛ فخطبت بها لأنه استحسنها لي . والخطبة هي هذه (الحمد للّه) الذي ابتدأ الخلق بنعمائه » وتغمدهم جميعاً بحسن بلائه فوفق كل امرئ منهم في صبائه ؛ إلى ما يحتاج الله من غذائه ؛ وسخر له من يكلؤه إلى وقت استغنائه ؛ ثم احتج على من بلغ منهم بآلائه ؛ وأنذرهم بأنبيائه » الذي لم يزل بصفاته واسمائه لا يشتمل عليه زمان ؛ ولا. يحيط به مكان خلق الأماكن والازمان (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ايتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين) فقدرها أحسن تقدير؛ واخترعها من غير نظير ؛ لم يرفعها بعمد تدرك بالمعاينة ؛ ولم يستعن عليها بأحد استكباراً عن الشركة والمعاونة » وزينها للناظرين ؛ وجعل فيها رجوماً للشياطين » فتبارك الله أحسن الخالقين » تعالى ان تطلق فى وصفه آراء المتكلفين » وأن تحكم في دينه اهواء المقلدين » بل جعل القرآن اماما للمتقين ؛ م وهدى للمؤمنين ؛ وملجأً للمتنازعين » وحكماً بين المتخالفين ؛ ودعا أولياءه المؤمنين إلى اتباع تنزيله ؛ وأمرهم عند التنازع في تأوليه بالرجوع إلى قول رسول صلى الله عليه وسلم : بذلك نطق محكم كتابه اذ يقول جل ثناؤه (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ؛ فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالل واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) وتعبد نبيه صلى الله عليه وسلم عند رجوع الأمة في تأويل ما اشكل عليها اليه » بأن يبين لهم معنى ما انزل عليه فقال : (وما أنزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) ولم يكلهم دائماً إلى القول في دينه بآرائهم » ولا اذن لهم في مسامحة اهوائهم ؛ فتكون الاحكام مبتدعة والآراء مخترعة » والحكام متبعة »؛ بل أحصى كل شيء عددا؛ وضرب لكل شئ أمدا (ليهلك من هلك عن بينة وبحيى من حيى عن بيئة) . أحمده حمداً يبلغ رضاءه ويحتسب آلاءه » واستعينه على ما استحفظنا من ودائعه » وحفظ ما استودعنا من شرائعه » ونؤمن به ايمان من أخلص عبادته ؛ واستشعر طاعته ونتوكل عليه توكل من انقطع اليه ثقة به ؛ ونرغب فيما لديه واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له » شهادة معترف له بالربوبية والتوحيد » مقر له بالعظمة والتمجيد » خائف من انجاز ما قدم له من الوعيد » وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اصطفاه لنفسه وليا » وارتضاه لخلقه نبياً » فوجده على حفظ ما ضمته قوياً ؛ وبأداء ما استودعه ملياً ؛ وبالدعاء إلى ربه حفياً ؛ ومتوقفاً عند ورود اللشكلات » ومشمراً عند انجلاء الشبهات ؛ لا يرعوي لمن عذله ؛ ولا يلوي على من خذله ؛ ولا يطيع غير من ارسله ؛ يصدع بالامر ويطفى نار الكفر » لم تأخذه في الله لومة لائم » ولم يتحرف عنه لزعم زاعم » ارسله على حين فترة من الرسل » ودروس من السبل ؛ وتضامن من أهل الملل ؛ والناس فريقان عالم مستكبر » وجاهل مستظهر ء ١7 فالعالم الذي قد سبق له الخذلان ينزغه الشيطان ؛ ويجمح به الطغيان ؛ فيستنكف عن الدخول فى الايمان » والاهل متسكع في غيه متحير في أمره منتظر ما يكون من غيره » فلم يزالا يعكفان على الأزلام ؛ ويعتصمان بالأصنام » والرسول عليه السلام يرعاهم رعي السوام » ويدعوهم إلى دار السلام ؛ فلم يزل عليه الصلاة والسلام يعظهم بالآيات » ويقرعهم بالمعجزات حتى استقام من احب الله توفيقه من سائر أهل الديانات » فبلغ المحكمات ؛ وأوضح المشكلات وزجر عن القول في الدين بالشهوات » فختم الله له النبيين » وأكمل له الدين ؛ وأوجب به الحجة على العالمين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين واخوانها لمرسلين وأوليائه من المؤمنين ؛ ثم جلس ثم قام فقال . خطبة التحكيم (الحمد لله) الذي نستعينه ونستغفره ؛ ونؤمن به ونستهديه ونستنصره ؛ ونبرأ من الحول والقوة اليه » ونعوذ بالله من شرور أنفسنا » ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له ؛ ونشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ؛ وأن محمداً عبده ورسوله ‏ ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ؛ الله ربنا ومحمد نبينا والاسلام ديننا » والكعبة قبلتنا ؛ والقرآن امامنا ؛ ورضينا بحلاله حلالا ؛ وبحرامه حراما » لا نبتغي به بدلا ولا عنه حولا » ولا نشتري به ثمناء لا حكم الا للّه اتباعاً لكلام الله وسنة نبيه ؛ صلى الله عليه وسلم ؛ وخلافاً لأهل البدع » لا حكم الا لله خلعا ونبذا وفراقا لجميع أعداء الله ؛ لا حكم الا لله ولو كره الجبارون الحاكمون بغير ما أنزل الله » وأشهد أن من لم يحكم ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون ؛ اللهم صلي على ٍ محمدا وعلى آل محمد وأرحم محمداً وآل محمد ؛ وبارك على محمد وآل محمد كما صليت ورحمت وباركت على ا براهيم 6 وعلى آل براهيم انك حميد مجيد » اللهم صل على العصبتين المباركبتن من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم باحسان » اللهم وارحم الشراة فى سبيلك أهل الفضل فى الاسلام » اللهم أرض وصل على الخليفتين المباركتين بعد نبيك » أبي بكر وعمر » امامي الهدى بما عملا به من كتابك » وما أثراه من نبيك » اللهم و صلح الأ مير يوسف بن منحمد أصلحه وأصلح على يذيه ؛ ووفقه للخير وأعنه عليه » وافتح له من عندك أعواناً وأنصاراً على طاعتك ؛ اللهم اعزز به الاسلام وأهله واذلل بيه الكفر وأهله 6 وانصره نصراً عزيرا : وافتح له فتحاً يسيرأ + وهب له من لدنك سلطا نٌ نصيرا َ كفى بك وليا وكفى بك نصيرا 6 للذين آمنو ربنا انك رؤوف رحيم ؛ ثم قرأ (قل هو الله أحد) ثم نزل (١ه) . الى هنا انتهى ما وقفنا عليه من كلام العلامة ابن الصغير » المؤرخ المالكي في أئمة بني رستم ومدينة (تيهرت) » دار امامتهم » وهو كلام لم يجد به أحد من المؤوخين منا ومن غيرنا لا قبله لوا بعده والله أعلم . وفاة هذا الامام وعدد مدته ثم ان الله سبحانه وتعالى ؛ قضى على هذه الدولة بالانتهاء ؛ وحكم بخراب ملك هذه العائلة »؛ كما قضى على من قبلها ومن بعدها من الملوك والسلاطين والخلفاء ؛ تصديقاً لقوله تعالى وهو أصدق القائلين «كل شيء هالك الا وجهه لها لحكم واليه ترجعون » وقوله «يعز من يشاء ويذل من يشاء» فتغلب الشيطان على عقول أبناء أبي اليقظان أخي الامام ؛ وصور لهم | نهم أحق بالامامة من عمهم؛ ولعلمهم بأن الرعية كلها راضية به 7) وباحكامه ؛ وأنهم لا يمكنهم الوصول إلى عزله وخلعه » ولا إلى اثارة فتنة يكتسبون بها استقلالا ؛ ولو ببعض الجهات » أجمعوا على الغدر به ظنا منهم انهم لا ينازعون بعده في شيء » فهجموا عليه وقتلوه على حين غفلة ؛ ونصبوا مكانه باتفاق مع من شايعهم واحدا منهم ؛ وهو اليقضان » وذلك سنة أربع وتسعين ومائتين 194 بعد أربعة عشر عاما من يوم ولايته ذاق فيها الحلو والمر » ثم ختم له بالشهادة فرحمه الله ورضي عنه ؛ فأقام اليقظان في الامارة سنتين مهدد الجوانب مضطرب الأحوال ؛ لما كان فى ذلك العهد من استفحال أمر عبيد الله الشيعي » وظهور دعوته في اللغرب وملكه الذي به انقرض ماكان بالمغرب ومصر من الممالك والامارات » ونمن سعى فى تقديم اليقظان وتسليم أمر الامامة له العلامة أبو الخطاب وسيل بن سنتين الزواغي الذي أثنى عليه صاحب الطبقات وقال : مذكور فيمن أفنى بدنه فى العبادة وماله في الصدقة موسوم بسمة الصلاح معدود في ديوان علماء وقته الخ : وعلى هذا فاليقظان في رضائه ؛ ولعله غير داخل مع اخوته في مسألة قتل الامام أولم يصح عنده اتفاقه معهم ؛ ولذلك لما عاتبته نفوسة الجبل على بعض أمور منها التزامه الامر لليقظان قال : الحمد لله الذي جعل لي اخواناً يعاتبونني على ما بلغهم مني من التقصير قبل يوم القيامة ؛ ثم قال نما التزمت الامر لليقظان احتساباً لله لا لليقظان . 4 الباب العاشر انقراض ملك بني رستم من تيهرت واستيلاء الشيعة عليها (لا ملك الا ملك الله ولاحول ولا قوة الا بالله) كان عبيد الله الشيعى رجلاً من المشرق على مذهب الشيعة » ينتسب إلى فاطمة الزهراء - رضى الله عنها ‏ قدم ألى المغرب يطلب الملك فيه لرؤيا رأها في نومه ؛ وقد صدقت الرؤيا ونال الملك » وقهر الملوك وطغى وتجبر » وآل ملكه بعد الى الاضمحلال كغيره » واللّه أعلم . ذكر كل المؤرخين ان زوال ملك بني رستم » كان على يد الشيعي ؛ الا أنهم لم يذكروا خبره بالتفصيل » وغاية ما قالوه ان للشيعي مع بني رستم في تيهرت خبراً طويلاً ؛ والذي ذكره أبو زكرياء رحمه الله ان للامام أبي حام بنتاً اسمها (دوسرا) » ولعبيد الله الشيعي مولى اسمه الحجاني (أبو عبد اللّه) » أرسله إلى قبيلة كتامة فأقام فيها ؛ إلى أن ظهر أمره ؛ وملك سجلماسة ‏ فأرسل اليه بالقدوم » وكانت (دوسرا) توجهت اليه مع أخ لها لما قتل والدها الاسام » وأخبرته بما وقع » ووعدته بالتزوج به ان أخذ لها ثار أبيها ؛ فلم يجبها بشيء ولما دعاه عبيد الله إلى سجلماسة مر بالقرب من تيهرت » فخرج اليه من فيها من وجوه فرق الشيعة والواصلية والصفرية والمالكية ؛ وقدموا له الشكاية في اليقظان » ووعدوه بالاعانة بالمال والرجال ؛ ورغبوه في استيصال هذه العائلة كلها ؛ وانتزاع الأمر من أيديهم ؛ ولا رجال 9 ولاا عكر لليقظان » ولا قوة له لادبار الناس عنه بما وقع من قتل الاآمام؛ فأرسل اليه الحجانى رسلاً يطلب منه الاجتماع به » فخرج اليه ومعه بنوه واخوته وأتباعه ؛ ولاه على أميال من تيهرت ؛ ولما اجتمع به قال له (متجاهلاً) : ما اسمك؟ فقال له : اسمي اليقظان ؛ فقال الحجاني : بل أنت الحيران ما بالكم قتلتم أميركم » وسلبتم من أنفسكم ملككم ؛ وأطفئتم نور الاسلام ؛ وألقيتم الينا بأيديكم بغير قتال ولا حصار » ثم أمر بقتلهم فقتلو عن آخرهم » وذلك في شوال سنة 143 » ولا سمعت دوسرا بنت الامام بذلك هربت خوقاً من ان يطلبها الحجاني للتزوج بها كما وعدته ؛ ثم ان الحجاني دخل تيهرت ونهبها واستباحها ؛ وقصد المكتبة المعروفة المعصومة وأخهذ ما فيها من الكتب الرياضية والصنائع وغيرها من الفنون الدنيوية ؛ وأحرق الباقي كله » ومن هناك فقدت أغلب مؤلفات المذهب اذ كانت المكتبة عظيمة جامعة » وطلب (دوسرا) بكل جهد فلم يقف لها على أثر . خبر العلامة يعقوب بن أفلح ‏ رحمه اللّه ذكر أبو زكرياء ‏ رحمه الله ان يعقوب ‏ رحمه الله - لما بلغه مجيء الحجاني إلى (تيهرت) » خرج منها في خيل من أصحابه وأقاربه وأهله ؛ قاصداً مدينة (وارجلان) » ولا سمع به الحجاني أرسل في أثره عسكراً ؛ وكان يعقوب على جواد عظيم الشأن » يضرب به المثل في الغرب كله » ولما لحقه العسكر اعترضهم في الطريق ؛ وصدهم عن الاتصال به ؛ وبمن معه ؛ وكلما رأهم سائرين نحوه أمر من معه بالمسير ؛ ووقف هو في الطريق ؛ فاذا رآه العسكر واقفاً ينتظرهم وقفوا في مكانهم رعباً منه لما كان له من الهيبة والشدة » وما اعياهم أمره ولم يقدروا له على شيء رجعوا وتركوه لحاله » فنظر ألى الطالع في السماء ؛ ثم قال لأصحابه افترقوا فقد انقضت أيامكم وزال 71 ملككم ؛ فلا يعود اليكم إلى يوم القيامة » وما اجتمع منكم ثلاثئة الا وقع عليهم الطلب » فتفرقوا ؛ وأقبل هو بمن معه على وارجلان » وذلك على عهد العلامة أبي صالح جنون بن يمريان ‏ رحمه الله فتلقاه أبو صالح في جموع وارجلان ؛ لما بلغه وصوله » وأدخلوه أكرموه أحسنوا القيام به ؛ ثم طلبوه ان يولوه الامامة هناك » فامتنع وقال : لا يستتر الجمل بالغنم ؛ فأرسلها مثلاً ومكث فيهم زمناً طويلاً ؛ ثم توفي ودفن في مقبرة أبي صالح قال أبو زكرياء وقبره في عصرنا هذا لم يندرس كأنه ربوة (١ه) . وذكر ان بعض أهل وارجلان قال له : أتحفظ القرآن كله؟ فقال له : معاذ الله أن ينزل على موسى وعيسى مالم أحفظه » وأعرف معناه ؛ فكيف بكتاب الله الذي أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم » وما يحكى عن خشوعه انه كان في بعض الليالي قائماً يصلي ؛ فوقع سقف البيت ولم بق منه الا ما كان فوقه ؛ ولما جاء الناس للبحث عنه وجدوه واقفا على ما هو عليه ؛ ولما سألوه قال لهم : ظننت ان القيامة قد قامت » أي لما وقع من الزلزلة ؛ ولم يعلم بأن ذلك من السقف لاشتغاله » وله أخبار غير هذه مذكورة » واللّه أعلم . ١7 الباب الحادي عشر بيان بعض من ولي تيهرت بعد بني رستم ذكر المراكشي طرفاً من أخبار تيهرت » بعد بني رستم » وهو أحسن ما وقفت عليه من كلام المؤخين في هذا المقام » وان كان مفرقا مشتتا في تاريخه » فخذه مجموعاً موصولاً من لفظه » قال : فسار أبو عبد الله (الشيعي سنة 197 ه) حتى حل بمدينة (تيهرت) » فدخلها بالأمان وقتل من بها من الرستمية ؛ يقظان بن أبي اليقظان » وجماعة من أهل بيته » وبعث برؤوسهم إلى أخيه أبي العباس وأبي زاكي خليفته برقادة » وطوفت بالقيروان ونصبت على باب مدينة رقادة » وانقضت دولة بني رستم بتيهرت(١ه) . فتوالت عليها بعدهم المصائب وتتابعت عليها النوائب ؛ وتراكم على أهلها البلاء » وفشا فيهم الثقل والجلا » وامتحنوا بالزلازل والقتال ؛ وتجرعوا كؤوس الذل والوبال ؛ وما ينزل بهم عامل الا وتحضر عمال ؛» ومايطراً عليهم حال الا وتظهر أحوال . وقد وضح المؤرخ المراكشي بعضاً من ذلك حيث قال : ثم ولى أبو عبد الله على (تيهرت) أبا حميد دواس بن صولات اللهيصي ؛ وكان يلقب بالسيد الصغير » ثم نهض حتى احتل مدينة سجلماسة وحاربها يوم الاحد لسبع خلون منه ففتحها في هذا اليوم » وأخرج منها عبيد الله الشيعي وابنه أب القاسم » وكانا محبوسين في غرفة عند مريم بنت مدرار» وفي سنة 1497 خالف على أبي عبد الله الشيعي محمد بن خزر بن صولات الزناتي ؛ ل وأقبل إلى مدينة (تاهرت) وطمع بأخذها واخراج دواس بن صولات منهاء وان يقطع بأبي عبد الله وبمن معه في انصرافهم من سجلماسة » وباطنه على ذلك قوم من أهل (تاهرت) ؛ يعرفون ببني دبوس » فاستدعوه فوشى بهم إلى دواس عامل الموضع فحبسهم في حصن ابن بخاتة المعروف (بتاهرت) القديمة . حارب محمد بن خزر (تاهرت) وتغلب على بعض أرباضها » فلما رأى ذلك دواس هرب إلى ابن حمة صاحب القلعة ؛ ووثب أهل حصن ابن بخاتة على بني دبوس عندهم فقتلوهم » ودفع أهل (تاهرت) محمد بن خزر وحاربوه » ثم كاتبوا دواسا فانصرف الهيم » ورجعت قبيلة زناتة إلى (تيهرت) ؛ وحاصروا دواس بن صولات فيها ؛ فأخرج اليهم عبد الله قائداً يعرف بشيخ المشائخ ؛ فهزم زناتة وقتل كثيراً منها ؛ وفي سنة 394 فتحت (تيهرت) » وكان أهلها قد ثاروا على دواس عاملها وأرادوا قتله فهرب منها إلى (تيهرت) القديمة » وتحصن بها وقتل فيها أكثر أصحابه » وكانوا في نحو ألف فارس ؛ واستدعوا محمد بن خزر » فقدم عليهم وأدخلوه البلد وولوه وبرزوا اليه بأم دواس وعياله ؛ وأكثر سلاحه ؛ ثم خذلوه وخذلهم » فزال عنهم وانصرف إلى موضعه ؛ ثم أخرج عبيد الله العساكر إلى (تيهرت) في أعداد عظيمة » وخلق لا يحصى كثرة ؛ فنزلت عليها يوم اللجمعة لانسلاخ المحرم ؛ وحورب أهلها ثلاثة أيام ؛ ثم اخذوا بالكيد ودخلت العساكر (تيهرت) يوم الثلاثاء لأربع خلون من صفر ء فقتلوا وسبوا النساء والذرية وانهبوا الأموال وحرقوها بالنار ؛ وبلغ عدد القتلى بها ثمانية آلاف رجل ؛ ثم ولى عبيد الله (تيهرت) مصالة بن حبوس بن منازل بن بهلول المكانسي ؛ وانصرف دواس بن صولات إلى مدينة رقادة » وقتله عبيد الله بعد ذلك ؛ وفي سنة 304 خرج مصالة بن حبوس من (تيهرت) لمحاربة سعيد بن صالح بن ادريس صاحب (ناكور) فدارت بينهم حروب كثيرة . 4 أقول : قال صاحب الاستقصاء وفي سنة 706 أحرقت النار أسواق مدينة فاس » وأسواق (تيهرت) قاعدة زناتة » واحرقت اسواق قرطبة وارباض مكناسة من بلاد جوف الأندلس » وكان ذلك كله في شوال من السنة المذكورة قسميت سنة النار (١ه) . وفي سنة ١٠3 قدم مصالة إلى المهدية على عبيد الله ؛ فأقام بها أياماً ثم صرفه إلى (تيهرت) ؛ فخرج اليها في شعبان » وفي هذه السنة خالفت نفوسة على عبيد الله ؛ وقدموا على انفسهم أبابطة فاجتمع اليه عدد كثير ؛ واشتدت شوكته ؛ فأخرج اليهم عبيد الله على بن سليمان الداعي في جمع كثير » فلما قرب منهم ثبتوا فقتلوا كثيراً من أصحابه ؛ وانهزم الباقون وتفرقوا عن علي ابن سليمان » فسار علي إلى طرابلس ؛ وكتب إلى عبيد الله بذلك » فكتب عبيد الله إلى على بن لقمن عامله على قابس ؛ بأن يقتل كل من مر به من المنهزمين ؛ فقتل منهم جماعة ؛ وأمد عبيد الله علي بن سليمان بالجيوش ؛ وأخذ في حصار نفوسة بعزم » وفي سنة ١١7 ه أوقع علي بن سليمان بأهل نفوسة » ودخل حصنهم وهدمه » وقتل الرجال وسبى الذرية » وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان . وفي سنة ١7 ه خرج مصالة بن حبوس من (تيهرت) إلى زناتة فأداخ بلدهم » وقتل وسبى وأخرج خيلاً إلى بعض نواحي ابن خزر » وكان فيها اكثر حماته ووجوه وجاله ؛ وبقي مصالة في نفر من اصحابه ؛ فبلغ ذلك ابن خحزر ؛ فقصد نحو مصالة » ودارت بين الفريقين حرب عظيمة ؛ قتل فيها مصالة وانهزم اصحابه » وذلك يوم الجمعة لعشر بقين من شعبان ؛ وفي سنة 4٠ ه زحف ابن خزر إلى (تيهرت) » وحاربها فانهزم عنها ؛ وأخرج عبيد الله في اثره موسى بن محمد الكتامي في جماعة من القواد ؛ فلما صار بطبنة دخل محمد بن خزر الصحراء » وأبقى اخاه عبد الله مع وجوه رجاله 6م بوادي مطماطة ؛ فدارت بينه وبين جند الشيعي حرب عظيمة » كان الظفر فيها والغلبة لابن خزر . ثم أخرج عبيد الله اليه أسحق بن خليفة واصحابه » وخالفت على الشيعي لماية » وما جاورها من القبائل » واستمدوا بابن خزر » فكتبوا إلى عبيد الله مستمدين ؛ فأمدهم بجيش كثير فهزموه ؛ وراسلت هذه القبائل محمد بن خزر ؛ فولي عليهم أخاه عبد الله » ودارت بينه وبين جيوش الشيعي وقائع كثيرة » وبعد وفاة مصالة تولى (تيهرت) أخوه يصل بن حبوس » إلى أن توفي سنة 714 ؛ ثم وليها أبو مالك بن يغمراسن بن أبي شحمة اللهيصي ؛ فقام عليه أهل البلد وأخرجوه سنة 777 ه ء ووليها أبو القاسم الأحدب بن مصالة بن حبوس ؛ فقدموه على انفسهم ؛ فأقام عليهم سنة واحدة » فلما انصرف ميسور من ارض المغرب إلى افريقية ؛ حاربهم حتى ظفر بالبلد » فقتل ابا القاسم بن مصالة المذكور وولى على بسائط أفريقية والمغرب الأوسط ؛ وتكرر دخوله اليهاعنوة مرة بعد أخرى ؛ إلى أن احتمل سكانها وخلا جوها وعفى رسمها » لما تناهى عشرون من المائة السابعة والأرض لله (١ه) » والذي يؤخذ من التاريخ انها خربت مراراء وعمرت ولعل ما ذكره ابن خلدون هو خرابها الاخير الذي لم تعمر بعده . هذا وبعد أن تبادلتها أيدي الشيعة وغيرهم من سعى في الأرض فساداً » أضمحلت اثار العدل منها تغيرت معالمها » وساد فيها الجهل . وسارت في التقهقر والادبار »؛ على نسق ما كانت عليه أيام بني رستم من التقدم في العلوم والعمران » وقد بلغ الجهل بأهلها في آخر امرها مبلغاً يكاد يكذب به سامعه » ومن ذلك ما ذكره المؤخ القزويني حيث قال : ويحكى أنه رفعت إلى قاضيهم (يعني أصحاب تيهرت) جناية » فما وجدها في كتاب الله ؛ فجمع الفقهاء والمشائخ (صورة) فقالوا بأجمعهم : الرأي للقاضي ؛ فقال ١٠7 القاضي : اني أرى أن أضرب الصحف بعضه ببعض ؛ ثم افتحه فما خرج عملنا به ؛ فقالوا وفقت (الى الصواب) أفعل » ففعل فخرج قوله تعالى : (سنسمه على الخرطوم) فجدع (قطع) أنفه (1ه) . وقد تضاربت أقوال المؤرخين » وتباينت في تقدير مدة عمرانها بامامة بني رستم ؛ كما اختلفوا في مدة كل امام منهم ؛ وقد قدمنا الراجح من ذلك . فقال بعضهم : ١17 وبعضهم ١٠٠ سنة ؛ وعلى هذا القول جرى والدي ‏ حفظه الله في قصيدته التي رثى بها استاذه عمه الشيخ سعيدا الباروني نزيل جزيرة جربة وعالمها الوحيد في عصره ‏ رحمه الله . حيث قال : وأين الأئمة الكرام جبميعهم بنو رسستم كأس المنايا #جرعوا لقد أسسوا (تيهرت) بالغرب وارتقوا مدارج عز الملك فيها وأبدعوا وداموا بها خمسين عاماً ومائة يحفهم من كان بالعضب يقطع فبددهم ريب المنون وأصبحت منازلهم قفراً بها الريح زع زع وأنهاها بعضهم إلى ١3٠ سنة ؛ وهو صاحب المكتبة الصقلية المطبوعة بجطبعة ليبسيك الأفرنجية (قال) : وزال ملك بني الأغلب وبني مدرار ؛ الذين منهم اليسع » وكان لهم ثلاثون وماثة سنة متفردين بسجلماسة ؛ وزال ملك بني رستم من (تاهرت) » ولهم ستون ومائة سنة » وملك المهدي (الشيعي) جميع ذلك (١ه) . ٠ والذي يؤخذ ما رجحناه فيما سبق من مدة كل امام ؛ انها لم تتجاوز ٠ سنة » ولعل من قال بأكثر من هذا يرى ان امامة عبد الرحمن ‏ رحمه الله مؤسس (تيهرت) كانت قبل ١6٠ من الهجرة ؛ وهو غير بعيد ان اعتبرناها من يوم وفاة أبي الخطاب » وخروجه هو من القيروان كما قدم » والله أعلم بالحقيقة . 7 الباب الثاني عشر رثاء (مدينة تيهرت) لما خربت تقدم ماهو كاف » فبيان بعض ما كان فيها من العلماء والأدباء والشعراء » ولانشك في انهم رثوها بقصائد كثيرة ؛ وبكل أسف لم نعثر على شيء منها » كلما بحثنا الا بعض أبيات ذكرها العلامة المراكشي ؛ وهي تسيل الدمع وتكلم الروح » وتحرك الأحزان » وتدل على ما كان لقائلها من القدرة على اختيار العبارات المؤثرة ؛ بمعانيها المهيجة المثيرة للحنين إلى معاهد الأول.. ؛ وآثار الملتقدمين ؛ قال : وما قيل حين قضى الله بخرابها » وانتقل أهلها و ربابها عنها . خديلي عوجا بالرسوم وسلما على طلل أقوى وأصبح أغبرا ألما على رسم (بتتيهرت) داثر عفته الغوادي الرائحات فأقفرا كأن لم تكن (تيهرت) دارا لمعشر قدمرها الملقدورفيمن تدمرا وقال : وقال بعض شعراء (تيهرت) من قصيدة أولها : فراغ الهوى شغل ومحيا الهوى قتل ويوم الهوى حول وبعض الهوى كل لل وجود الهوى بخل ورسل الهوى عدا وقرب الهوى بعد وسبق الهوى مطل ستى الله (تيهرت) المنا و(سويقة) بساكنهاغيناً يطيب به امحل كأن لم يكن والدار جامعة لنا ولم يجت مع وصل لنا لا ولا أهل فلما تمادى العيش وانشقت العصا تداعت أهاضيب النوى وهي تنهل سلام علي من لم تطق يوم بيننا سلاما ولكن فارقت وبها كل وما هي أماق تفيض دموعها ولكنها الارواح نجري وتنسل قال : وتيهرت القديمة هذه » هي التي خربها الخير بن محمد بن خزر الزناتي . م الباب الثالث عشر سياحة المؤلف في المغرب وزيارته تيهرت كنت ارتحلت من مصر ء بعد أن جاورت في الأزهر العامر نحو ثلاث سنين إلى المغرب الاوسط سنة ١١17 ه ء فقصدت جبال بني مصعب من أعمال الجزائر لطلب العلم » من عالم الاسلام امام الأئمة الاعلام أستاذي الشيخ محمد بن يوسف الميزابي ؛ صاحب الصيت البعيد والذكر الحميد ؛ الذي عرفت الدول حق قدره ؛ فرصعت صده بالنياشين المعتبرة بدون ان يسألها ؛ أو يتصدى لها » وناهيك من رجل حاز ذلك على بعد مكانه ؛ وقلة الوسيلة من أمير المؤمنين » وسلطان المسلمين المعظم عبد الحميد بن عبد المجيد خان العشثماني ؛ صاحب ملكة القسطنطينية العظمى ؛ ومن السطان المعظم ملك دولة الزنجبار » ومن الدولة الفرنساوية الكبرى » فأقمت عنده ملازماً مجلسه الفاخر » نحو ثلاث سنين أيضاً أظهر ‏ رضي الله عنه - في أثنائها من الاعتناء بشأني والاجتهاد في ارشادي ؛ مالا أقدر قيمته ببيان ؛ فجازاه الله عني بما هو أهله ؛ وأسكنه بعد عمر طويل غرف الجنان » كما لاقيت من الاخوان الكمل » والأصدقاء الافاضل ؛ أهل المروءة والأدب الكامل ؛ من عرفتهم وعرفوني هناك » كل حفاوة واكرام ؛ وتبجيل واحترام ؛ حتى كدت أهجر بلادي وأتخذ بلادهم وطناً لي » ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم تعاب بنسيان الأحبة والأهل . ولا كنت أسمعه كثيراً من أستاذي هذا على تيهرت وعمرانها » وبني ؟' رستم وعدلهم فيها » اشتاقت نفسي إلى زيارة اطلالها والوقوف على ما بقي من آثارها ؛ اعتباراً بمن مضى » وتزودا من بركات من وطا ثراها ؛ وعمروا بذكر الله سهلها ورباها ؛ فاستاذنت الامام في السفر وبعد ماطلة وتسويف طويل » أنعم بالاذن وشيعني مسافة أخجل من بيانها لعلو مقامه وصغر مقامي ؛ وان علم بها الخاص والعام ؛ ولقبني بما لا أتحمل حمله ؛ ما لم يجد به لغيري ؛ وزودني من دعائه الصالح » وتوجهاته القلبية » ما لم ازل استمد منه الرشد والتوفيق » ولا أضام معه بأذن الله مادمت حيا ؛ فقصدت الجزائر؛ ومنها عطفت إلى (تيارت) » وهي (تيهرت) القديمة ؛ يصحبني من الأصدقاء عدد لا أنسى ذكرهم ؛ ولا أقدر فضلهم ؛ على متن وابور السكة الحديدية ؛ فاخترق بنا جبالاً وقطع أودية ؛ وهو يزأر كالأسد كلما دخل غارا » أو تجاوز قنطرة » وكأنه يدرك ببصيرة نقاده ؛ ويبصر بأبصار وقادة » أو يهتدي بالدليل ؛ فيةتحم المفاوز بالليل » إلى ان وصلنا (تيارت) ؛ ونزلنا عند صديق لنا من افاضل تجار بني ميزاب فأكرم نزلنا » ثم سار معنا على ظهر البابور إلى (تيهرت) . فنزلناها » وذا هي لم يب منها الا آثار ورسوم وأنقاض متراكمة ؛ يجمعها الفلاحون ليحرثو أماكنها ؛ وبقي من سورها شيء قليل في ناحية يدل على منعته وقوته ؛ وزرنا الغار الموجود فيها بالقرب من الشجرتين اللتين يقال انهما من وقت عمرانها ؛ والمشهور عن الغار أنه معبد لبعض زهاد ذلك الوقت ؛ ويعترف له الاعراب المجاورون لها ببعض كرامات منها : ما أخبرني به بعضهم من أن نصرانياً كان في السنين القريبة يرعى خنزيراً له » ويأوى اليه في بعض الاوقات للمبيت أو المقيل فيه » وما سمع بنو ميزاب التجار (بشيارت) » أو غيرها نهوه عن ذلك مراراً » وحذروه فلم ينته ؛ ثم أصبح في بعض الايام وهو فيه أعمى ؛ وخنزيره هباء بجنبه ؛ فاعتبر وندم حيث لا ينقعه الندم » ومن عادة بني ميزاب زيارتها في كل سنة مراراً » والتصدق فيها ١ وقراءة القرآن » فكان يبعث اليهم يسألهم أن يقبلوا منه صدقته مع صدقاتهم ؛ رجاء أن يرد الله عليه بصره فلا يقبلون منه ؛ فأتى مرة بنفسه وذبح وتصدق ؛ وذهب وقد سألت عنه لما سمعت الحكاية لأجتمع به وأخذ منه حقيقتها مشافهة ؛ فلم يتيسر ذلك لموانع » أهمها استعجالي ولعملاء الأفرنج من الفرنساويين وغيرهم حقيقة علم » بأحوال هذه المدينة وأخبارها ؛ وما كانت عليه من العمران » فهم يقصدونها في سياحتهم ؛ وقد وجدنا هناك فرنساويا فلاحاً لا يعرف من العربية إلا يسيراً ولما رآنا بفم الغار جاءنا فقال بكلام لا يفهم الا بالقوة » ان لبني ميزاب هاهنا في الزمن الأول خمسة ملوك أقوياء ؛ وأشار بأصابع يده » ومن وسطها الان تمر السكة الحديدية » وطريق الكروسة إلى (تيارت) وغيرها » وبالقرب من العين المسماة إلى الآن بعين السلطان بنيت المحطة ؛ وعلى العين شرع الفرنساويون في العمارة » ولا يمي زمن حتى يقال : عاد إلى (تيهرت) شبابها القديم » نزلها تجار الاباضية أربابها القدماء وغيرهم » من بني ميزاب ؛ وما ذلك على الله بعزيز » وفيى جانب منها هنشير عظيم » ذو أنقاض كثيرة ؛ يعرف الآن بدار السلطان ؛ ولعله بقية من دار الامارة الاولى » واللّه أعلم . وبعد أن قرأنا ما تيسر من كلام الله العظيم » وتصدقنا على الحاضرين بما استصحبناه معنا لأجل ذلك من (تيارت) » انفردت إلى أعلى جهة منها؛ أكيف هيثاتها ؛ وأرمي بنظري إلى أرجائها » وأنا أردد قول الشاعر القائل : كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسم ر بمكة سامر إلى أن لاحت لي قطعة السور الباقية منه ؛ فانتقلت إليها فاذا بها زاوية من زواياه محكمة البناء ؛ متينة الأسماس ؛ كأنها بقية برج » فاسترحت في ظلها بجنب عود من تين » أو خروع عتيق ؛ فيما أظن برهة من الزمن أجول ١٠ بفكري في أخبارها وتاريخها ؛ وبببصري في آثارها ؛ حتى أدركتني رقة لانت لها الطبيعة الجامدة » والقريحة الكاسدة » فجادت عا : يكن من عادتها قبل ذلك أن تجود به ؛ واستحضرت مالم أكن أظنها تسبح فيه ؛ فقلت والقلب في حسرة وانكسار ؛ والدمع ينحدر من عين مدرار » وان لم أكن من ينظم من الشعر عقوده ويدرك منه سننه وفروضه » هذه القصيدة التي لم أغير منها ما قلته اذ ذاك شيئا سيرا في منهج الصدق ؛ الا ما كان من قولي : (واستعبدوا البر والبحرا) فانه قد أبدلته الآن بقولي » (واستسهلوا الخ) كما ستراه لما فى لفظ استعبدوا من مجاوزة حد المبالغة المنهي عنها » فخذها أيها القاريء على ما فيها » وان بالبدر كلفا . قفا نك أطلالاً تقلى ظلها ونندب آثار الذين بقوذكرا. بني رستم من قام بالعدل ملكهم فأمست بهم تيهرت كالروضة الزهرا تحف بها لانهار والزهر باسم بروض بساتين هي الجنة الخضرا أقاموا منار الدين دهراً ويدوا معالمه واستسهلوا البر والبحرا فكم نظموا جيش وكم نشروا عدلا وكم هندوا سيفاً وكم ضربوا تبرا وكم من حصون أحكموا ومعاقل وكم مسجد أحيوا وكم عمروا قطرا 4 وظل لواء النصر يخفق فوفهم وتيهرت دار العلم والدولة الكبرى فكم من أمير تحت ظل ابن رستم تقلد فيها السيف واكتب الشكرا وكم من امام كان في الدين حجة وكم في سياسات الملوك ترى بدرا فأمست خلاء تذرف الدمع حولها عيون بها قرت وسادت بها دهرا كذا الدهر خوان فيضحك تارة ويبكي مراراً صاخ من حلوه المرا أيا دار كم عمرت والسعد مقبل عليك وكم بالعلم سادت بك الغبرا عمرت وعمرت البلاد سويعة من الدهر كانت من نوادره الغرا يشد اليك الرحل من كل وجهة بك العيش رغد طيب وبك الاخرى فهل فيك من يدري وقوف متيم يكفكف دمعاً نادباً مربع الذكرا ين أنينا يجرح القلب والكلى يفتت أكباداً ولا يطق برا سلام سلام من قلوب كثشيبة تسائل اطلالاً ولم تكتسب خبرا ف على معهد الاسلام والدين والهدى وربع ملولا كان ملكهم صدرا ألا أيه ا الخل المرافق قف وقل حيال ديار طالما لجبرت كسرا سقى الله (تيهرت) بوابل رحمة يجدد ذكراها ويحيي لهافخرا وأه وهل يحيي التأوهميتا ومن ذا يرى عمرانها مرة أخرى بعيد بع يي دلكن لله ربنا قدير على أن المغيب لا يدرى ثم تحولت إلى أصحابي ؛ وعدنا إلى الجزائر ؛ ومنها وليت وجهي نحو وطني العزيز » جبل نفوسة الشامخ العامر » فكانت لهذه الزيارة بعد ذلك رنة أطبقت آفاقت تلك الجهات ؛ وبني عليها وعلى ما عطف عليها من الوسائل حدث أضحك وأبكى » وأمات وأحيا » وأهان وأكرم » وأذل وأعز ؛ وأبعد وقرب ؛ وأسخط وأرضى » وكان وكان وكان ؛ ما لو سطر لملا بطون الدفاتر وضاقت دونه صفحات الطروس » وماهو وأيم الله الا أوهام في أوهام » وأفكار كأضغاث أحلام » وحيل ومراصد » يتوصل بها إلى خبيث . ١ حيث ان أغلب تحرير هذا الكتاب كان مجارياً لطبعه بمعني ان ما أحرره اليوم يطبع غداً مثلاً . حصل فيه بعض تساهل من حيث اللغة والاعراب والرسم » وما أطلع على شيء من ذلك بعد فوات طبعه فأتأسف اذ لا يمكنني تصليحه » ومن نظر إلى قولي في صحيفة ١١ عن تيهرت (بعد أن مضى عليها مالا يبعد عن ألف سنة وهي خراب) والى ما ذكرته أخيرا بمن وليها بعد بني رستم » يصدق ما قلته » فاني كنت عند تحرير الاول اعتقد انها لم تعمر بعد بني رستم قط » ثم اطلعت على الأخير بعد ذلك ؛ ولم أغير مما نقلته من كلام المؤرخين شيئاً غير لفظ الخوارج » الذي يقرنونه أحيانا بلفظ الاباضي أو يعبرون به عنهم » طعناً فيهم فأني أسقطته » وأرجو من أرباب الاطلاع أن يصلحوا الفساد » ما أمكن بدون اعتراض ؛ فاني مقر بالعجز والتقصير ؛ والكمال لله وحده الذي خلق النقص والكمال . وأصلح الفسساد بالتأمل وان بديهمة فلا تبسدل اذقيل كم مزيف صحيحا لأجل كونفهمهفبيحا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم . »,7 خاتمة تم بحمد الله وتوفيقه الفراغ من تحقيق هذا الكتاب لمؤلفه العلامة الشيخ سليمان باشا الباروني ابن العلامة الشيخ عبد الله بن يحيي الباروني والمولود في مدينة جادو حاضرة متصرفية (فساطو) عام 1870 ه , الموافق الخامس من ديسمبر 487١م . واننا اذ نتقدم بهذا العمل فاننا نرجو الله جلت قدرته ان ينفع به البلاد والعباد والله من وراء القصد . . نعم المولى ونعم النصير . . المراجع 11 المحتويات المقلدمة ...الا الل ...تت .ل ...تتم متم مت .م لت © الباروني من وجهة نظر وحال السياسة والفكر ................ .حا الباروني شاعراً ااال الباروني والشعراء .تلات تتت .تتم تت.ت.... 19 البارونى وشعراء عمان .ا كا ع ال القسم الاول ١ امامة طرابلسن ..لااا ايت تيتا 61 " تاهرت ال لالتلا ...متت ...ممت تتم تتا لآم عبد الرحمن بن رستم الاللللل تتم تتا 8 ا ا م طرابلمن .االااالللا تل .تت.م.م.تت.م.ت.متت.ت متت ت متت تت لا القيرواق لاببال تابيترت تيليا 64 لادقايشس ا الالالال ...متت تتم تبثيل 86 8 عبد الرحمن بن حبيبا ...اتيت تل .662 4 قبائل بزبرية امالااييتاتت تتم تتتيت تيبثت 66 ٠ افريقية والمغرب . ...64 نا إ لقسم الغا ني الباب الاول : في انتقال الامامة من طرابلس الى مدينة تيهرت بالمغرب الاوسط ومبدأ ذلك واسياية ااا ...تمي تتفت تت .ل 7ج الباب الثانى : ١ ابتداء تأسيس مدينة تيهرت ...ا ل لاا © الباب الثالث : ١ ابو العباس الدمشقى ....الل الل يلمتت متت تيال 94 "ابن واضح العباسي يرتم ممت تت م.م مت مت م تم يي 4© 7 الأدريسى ...ااا يي لآل 4 ابن لدو ااال الل يتنا كل م الملك المؤيد ...ملاتا ...اتات ...9 7 اللباب الالااليل .تر .تتتي ...مم ...ممم تتتتتيلية 14 ص القأنول ...اللا ااا ااال ل 4 الاستبصار ..... تالالا اللا الاك ٠ ابو اسحاق الفارسي . .ا ني ها ١١ - ابو بكر القزويني بلالا الام الال ولام مالالا ااا كل ١ ياقوت الحموي ...تافلا ١ صاحب جقرافيا الالالال ...ميتيلل اللا > )بويد ااا لالتلا اتيت ت.ا ...مل تت .متت تيكلا والمهدي .. ااا اللاي ...م ...تيمت تتتتتت.ت.. كلا البشاري الحنفي يا. .متم تتم م.م تمت ممم .م لال ال ألا لا شمس الدين الدمشقي مالعالا مامالاو الالالال الالالال ااا م/م 8 ابن فضل العمري تر ...م.م م .م.م م م .ار ملالا لا/ 8٠ ابن الصغير ... .ميتي تي ©/ ٠ ابن عذاري المغربى تت تت 3 ١ دائرة المعارف .ااا اي لل/ الباب الرابع : الكلام على المدن المنسوبة الى تيهرت .ا ا اا ك/ ١-مديئة للسسن ...الالال ...ملل ءالمالا ااا ك/ "7 مدينة وهرال ...ااا ااي 99 مدينة شلف .......ا..االاالاالءللالاء .99 ؛المدينةالخضراء .................................. فق م مدينةافكان ................................ ...م قفأ 7-مديئة غَزة لاا ...تيت .تبترت ت تمت .ت.ت........... ١٠ سوق ابراهيم تتلا ١٠ 8 وايفن ا يمال لحل سس ل ا ٠ مدينةالغدير............ ...تت تتم تتم تبثت ١٠ ١١ مدينة زلاغ تيمت تت تتم تيمم تمت م.م متت تتم تير ف ١ مدذينة يلل .................................... ١١٠ 77 ٠ مدينة قصر الفلومن .يلت ...متيل تت ...ل لال 4 مديئة كرا تالالا ...ا ...م .يرتم ...م ...تت ...بل كفلا ا لا ب الحا مس : مدن أ خرى تد خل فى دا ثرة تهرت ...ا لاا ااا اا ااا الالال ١٠ ١-مديئة امكاد ..... ...ا ...تت ...م .تت تا .مل صق مديئة ما رو نك ...ا ...م ...تت .تت . ...م ...م ...م ...ل © ف ا - قلعة هو ١ ر ...د . .دو .و . .و . .در . .دو .و .ود .د .د .د ور در .در .د ...دو . . . ا © ١ مديئة مليانة ...ااال كرا © - مدينة تا جنة ت ...م.م .م م و لامعال ام الال الالالال الال الالال لاا 75 مدينة أشير ...ااا ااا ااال لاك المعشكر .اا رجا لا ب ا لسا د سس : العلماء المنسوبون الى تيهرت ...للا لفص|ا أ ا ول : علماء الاباضية يم ...تي .م ...م .م .م .اي .ا .. ١١ لفصل النا نى : ا لمشكو كك فى ز نسبتهم ير ...م ...هه وو و .و و م .ل .الالال الا ١ ١١ الفصل الثالث : ا علماء غير الأباضية ا يي 11 مدينة سجلماسة ...ل لي لال1 الفصل الأول : المأرخون يصفون مجلمامة ...ااا 1 ١ الحموي ولخد ...و .ده .و .دخ دخ .ع . .د .مدو .ع . . . غالغ. ع عد ااا الال لاا 78 "7 الادريسى ور . . .و مده . . .دو . .دخ وده .د . .د ودر دو .قد .در ده . .د . .ماما ءا .امد الا ٠ الحوقلى . .م يا اي خلال ؛ ‏ المقدسى وخ .در .در .د .د قدو .ده .د مده .د .ده .د قد قم دو .ده .در .د .د .م .د .د .ا را ردقه ١ 0 صاحب المسالك ...هد .و .دم و و .ور و و .م .و .و .و .و و م . ...و ١ 1 ذرعة الالال الاي ألا الفصل الاول : المورخون يتكلمون عن درعة .اا ا إل7ا ١ الادريسى م ١7٠ "-اليقا امم م يي الالال الفصل الثاني : علماؤها الافاضل .. ...الا لات اال 7١٠1 7 الباب التاسع : الامامة في المغرب ممم ما مامالا و اماع ماع امال امال مالالا الاي لا الفصل الاول : خلافة الامام عبد الرحمن رضي الله عنة ااا لا ١ الاعانة الاولى : من اهل المشرق لامام المغرب امتحانا واستكشافاً لاحوالة ...... ...78١ ‎ "‏ الاعانة الثانية : من اهل المشرق لامام المغرب عبد الرحمن بن رمتم . ...00 147 ‎ "‏ دهاء هذا الامام وحسن تصرفه مع امارة مستقلة (عن تيهرت بعض ملوكها الاباضية) .لتيل ...ميتي تبتلا كا ؛ ‏ خطبة رئيس الصفرية لاروى (كريمة الامام عبد الرحمن ‏ رحمه الله - واخبار ذلك) ...اليا مت....م..ميتتت تت ي بتي 63٠ م حمل اروى بنت الامام بولذها ثيموة .ا لاا الفصل الثاني : خلافة الامام عبد الوهاب ‏ رحمه الله وكناه المراكشي بابي الوارث ولم نره لُغيرة .يتيارم ...تمت متت مت تم تتم تبثتل 97٠ ١ خررج ابن فندين عن طاعة الآمام ...64٠ 7 تدبير مكيدة لقتل الامام تمتت تت تمت متت تت تت تتم تت يتل 96 جواب علماء المشارقة الى المقرية تا 4ع 4 ارتحال شعيب من مصر الى تيهرت طمعاً في الامامة ..... ...66.2٠ خف ٠ اجتماع شعيب بابن فندين وخروجهما عن الطاعة .......... 17١ 1 عودة الرسل من المشرق وما وقع بعد ذلك من قتل ميمون ابن الامام 64١ ١ الأخذ بكأر ميمول ...الات ايحا الفصل الثالث خروج الواصلية من المعتزلة عن الامام وحرويه معهم ............ 119 ١ طلب الامام الاعانة الحربية من جبل نفوسة ماربة الواصلية ١٠٠.١72١ 7 المناظرة والمبارزة ...اللا الالال لاا ٠ استدعاء المعتزلة ابا العباس للضيافة بقصد الغدر به ..... . . ...17/8 )6 حرب اخرى لهذا الأمام ...ات اا لها ٠ تزوج الامام من قبيلة لواتة وحرب بني مسالة معه لذلك ....... 184 + عزم الامام على اداء فريضة الحج ومروره بجبل نفوسة . ... . . . . .1/8 ١ منع نفوسة الامام من الذهاب الى الحج وخبر ذلك ..... ...41١ 8 حكاية ابي عبيدة في نهي الآمام ‏ رحمهما الله - ........... 94١ 4 محاصرة هذا الامام لمدينة طرابلس ...تت فا ٠ محاصرة عسكر الامام لمدينة قاين .ات لاا ١١ رجوع الامام الى تيهرت وتعيينه السمح عاملاً على الجبل بعده . 98١ وفاة السمح ‏ رحمه الله وولاية ابنه خلف وما نشأعنهما من القساه ...اااي 44٠ جواب الامام ‏ رحمه الله الى جبل نفوسة في مسألة خلف ..00٠ الفصل الرابع : ولاية أيوب بن العباس ‏ رحمه الله على الجبل .............. ٠١٠أ ١7١ الفصل الخامس : ولاية أبي عبيدة عبد الحميد ‏ رحمه الله على الجبل .........2. )أ ١ حكاية ابن يانس المفسد التابع لخلف وجواب الامام اليه ......07؟ "7 جواب الى امام عمان ...ا اكلا ‎ "‏ وفاته وعدد مدته واولاده ومقدار علمه رضى الله عله ......... 6٠ل ؛؟ عمال هذا الامام ................ 1 مالالا مالي قال الفصل السادمس : خلافة الامام افلح بن عبد الزوهاب - رحمهما اللا ...لاا ١ - المحاربة الاولى لابي عبيدة ‏ رحمه الله مع خلف ..... ...18.2 ‎ "‏ المحاربة الثانية لابي عبيدة ‏ رضي الله عنه ‏ مع خلف ...1400002" ولاية العباس بن ايوب على الجخبل بعد ابى عبيدة ‏ رحمهما الله - .. 136 ١ دهاء هذا الامام نس 7 احوال الامام افلح مع الملرلة .تتانا 1409 لإشغرة ا ااا قال 4 خبر فرج النفوسي المعروف بنفات الخارج عن الطاعة وخبر العلامة سعد بن أبي يونس معه يتيتت متت .تتم مت يتم م .تت تت يت تي .يي 64٠ ٠ - جواب الامام افلح رضي الله عنه - الى المسلمين في شأن نفات . 153 - الرسالة الثانية للامام افلح الى المسلمين في حق نفات ........ 106 ١ الرسالة الثالثة للامام افلح رحمه الله ارسلها الى نفات . . . . . . /07؟ 8 هروب نفات الى الشرق واستنساخه ديوان الامام جابر بن زيد - رحمه الله من مكتبة الخليفة ببعداه .ااا ااا ققلا ١/١ 4 امتحان الشراة من المسلمين للامام افلح رحمه الله بتوليه العلامة محكم القضاء ااال يمتنت كا ٠ النصيحة العامة من الامام افلح رحمه الله الى كل من كان تحت لرائه من المسلمين ...اااي الالال ١١ - عمال هذا الأمام ‏ رضي الله عنة ا الا ٠ ولاية العلامة ابى ذر أبان ‏ رحمه الله على جبل نفوسة . . ... 7777 ٠ وفاة هذا الامام وعدد مدته واولاده ‏ رحم الله الجميع - ... ...2 177 الفصل السابع : خلافة الامام ابي بكر ابن افلح رحمهما الله - ...... ...171 ١- مصاهرة الامام ابي بكر لابن عرفة وما نش عنها من الفتن . .. . . 177 7 رجوع ابي اليقظان من بغداد وتححسن احوال الامام باعماله العالية . 78؟ ‎ '‏ مذاكرة رجال الامامة مع الامام في شأن ابن عرفة وتنبه الأمام لذلك . ... ...ااا اا لال 4 خبر قتل ابن عرفة .الاااتتال لي مااامتت تي فلالا ٠ قيام اهل المدينة للاخذ بثأر ابن عرفة وحربهم مع الامام ....... 187 + تجنب نفوسة وابي اليقظان لهذه الفتنة ................... فه ١ حرب نفوسة وابي اليقظان مع اهل المدينة ................ فم 8 خروج الامام واستيلاء ابن مسالة على المدينة .............. ها 4 خلافة الامام ابي اليقظان محمد بن افلح رحمهما الله ...14.22 ٠ طلب الامام للاعانة الحربية من جبل نفوسة ..............41أ ١١ رسالة الامام الى جميع رعيته ارشاداً ونضهاً .2 47 ١ اجتماع الاباضية والمعتزلة للمناظرة .................... كحلا 77 ١ حكاية العلامة ابي عبيد الاعرج مع الامام واخيارة ......000 143 64 شدة تعلق نفوسة بهذا الأمام ... ...تت نات هكلا ولاية افلح بن العباس على جبل نفومة .. ...ا انامح حكاية القاضي مع الامام وتركةه القضاء ............ ...ححا ١١ ورع هذا الامام .ااا ايليل تتلا لاق 8 ولاية أبي منصور الياس النفوسي ‏ رحمه اللّه ‏ على جبل نفوسة وإخبارة ...يبيللا قل 8 محاربة ابي منصور ‏ رحمه الله مع ابي العباس ابن طولون صاحب ٠٠ جواب ابي منصور الى ابن طرلرة ...ا ...١٠9 ١ حكاية سجن هذا الامام ببغداد في حياة واللذة ........٠٠٠٠ ١١7 "؟ ‏ خبر ابي اليقظان مع اخي السلطان المسجون معه ...........١١؟ عقد الخلافة لرفيق ابى اليقظان واخباره معه بعد ذلك ...٠٠٠٠٠ ١١7 ؛؟ ‏ طلب الخليفة من ابى اليقظان الاقامة ببغداه . ....... ...١٠١٠ © _غريبة ........ 1 تي .م.م مت متت تمت تتم .م متت تت ١١٠1 7 ولاته وعدد اولاده ومدتة ...ا ااا تاك الفصل الثامن : خلافة الأمام ابي حاتم يوسف بن محمد رحمه الله ...... ...ام ١ سعي بعض المفسدين في المروق عن طاعة الامام ونفية أياه وما نشاعنة . ...ات كا خروج الامام من المذينة اتات تت ا ؟ ‏ محاصرة الامام للمدينة يتات لتيل أ 7 ؛ ‏ مبايعة اهل المدنية للعلامة يعقوب بن افلح عم الامام ..... ...2 777 م حر الامام مع عمه يعقوب الاالايايت انالبي .16 71 عقد صلح بين الامام وعم .اتيت نتيا 19 اجماع اهل المدينة مع عموم المسلمين على خلافة الامام وهروب يعقوب الى طرابلس . .ل اليالاتييتبتتي اتيت تيل لا 8 دخول الامام ابي حاتم المدينة بالاجماع من المسلمين .....2. 777 4 خبر ابي منصور ‏ رحمه الله مع الطيب بن خلف .......... ٠77 ٠ ولاية العلامة افلح بن العباس ‏ رحمهما الله على جبل نفوسة وواقعة (مالو) .اا االلتاا الل تاللا ميتم تل تلت بيني 71٠ ١١ - واقعة اخرى لابن الاغلب مع نقومة ...اتات 7 احوال ارباب المذاهب بتيهرت وخطب الجمعة في مدة هذا الامام 738 ١ خطبة التحكيم ....ااييباتبي تيت بيني 1ط 86 وفاة هذا الامام وعدد مدت4ة ...اتيت ل لتتتا. ال الباب العاشر : انقراض ملك بني رستم من تيهرت واستيلاء الشيعة عليها ....... 746 ١ خبر العلامة يعقوب بن افلح ا رحمة اللا 1ط الباب الحادي عشر : بيان بعض من ولي تيهرت بعد بلي رسكم .اا اا ااا اا /آ الباب الثا ني عشر: رثاء (مدينة تيهرت لا خرجت) ... ...ااا اا ال 6 /١79 الباب الثالث عشر : سياحة المؤلف فى | لمغرب وزيارتة هرت .. ...ا ا اا 976 شحاتمة .ال .ملت .تت ...م ...م.م .م.م .تت ...تت تتم تت تت تبي كا فيض ض 0 8 هه ©" "٠" "٠" " .ت " »تت » . ٠ .٠" " "ده ب .+ : التاريخ الإسلامي زاخر بعمالقة الرجال :. | في مختلف شؤون الحياة؛ شخصيات ممتازة قوية بإيمانهاء معتزة بدينها؛ : مخلصة لرسالتها؛ والشخصيات التي نقدم لها هنا تعتبر من أعلام الإسلام؛ ؤ والحديث عنها ممتع؛ يؤكد لنا ما فعلته روح الإسلام في هؤلاء الأبطال؛ حيث دفعت بهم جميعا علماء وفقهاء ْ ومحدثين ومفكرين؛ وقادة سياسيين إلى , ٍ' ساحات المجد والفخار في البر والبحر ّ يطلبون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين؛ ض ١ | لم يقعدهم البحث والدرس, ولا غفلت ض ! قلويهم؛ ولا ملت السنتهم من ذكر الله؛ ض : فجفوا المضاجع؛ ونفروا حماها وثقالا ض يجاهدون في سبيل الله بأموالهم ض وأنفسهم؛ فالإسلام بتعاليمه السمحة؛ , ومبادئه الكريمة مزج الشعوب مزجا : ْ عجباً؛ ودفع بكل مسلم من أي قطر لكي ل يؤدي رسالة دينه ورسالة الحق حيثما : ل وجد وأنّى استطاع لذلك سبيلا. إ ل ض غال الم الزلا !ٍ حب 015010 200 وصتكثاانط ٠ 6 201383 (0) 44 بوط 4037 207383 () 44 :1 [111 21771 ممفدم1 باف55 ممتلفط 88 , الناد.ومطد © علا_مسهلتط لد :1لفطس1 إ علس.م. مسهلنط .17171777 يع)1؟ داء7ا ! .ل