M 0 H A MM MAذۆُD‎ الاكتور محمد حسن مهدي ۷ me C 2 و س ا سے الإباضية نشاتها وعقائدها الأهليّة للنشر والتوزيع ‎e-mail : alahlia@nets.jo‏ الفرع الأول ( التوزيع ) المملكة الأردنيّة الهاشميّة » عمّان › وسط البلد › بناية رقم 12 هاتف 4638688 6 00962 › فاكس 4657445 6 00962 ص. ب : 7855 عمّان 11118 › الأردن الفرع الثاني ( المكتبة ) عمّان › وسط البلد » شارع الملك حسين › بجانب البنك المركزي الأردفي » مكتب القاصة - بناية رقم 34 بيروت لبنان » بیروت » بئر حسن » شارع السفارات هاتف : 824203 1 00961 › مقسم 19 + الأباضية نشأتها وعقائدها د. محمد حسن مهدي / مصر الطبعة العرييّة الأول ء 2011 حقوق الطبع محفوظة + تصميم الغلاف : زهير أبو شايب 95297109 7 00962 › الأردن سکہے سے 6 لوحة الغلاف : حسن المسعودي/العراق All rights reserved.No part of this book may be reproduced in any form or by any means without the prior permission of the publisher. ‏جميع ا حقوق حفوظة . لايسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب‎ . ‏أو أي جزء منه » باي شكل من الأشكال » إلا بإذن خطي مسبق من الناشر‎ الاكتور محقد حسىن مهدي الإباطية نشاتها وعقاندها + 4 ‎hs 1 1‏ 1 5 س ۸ سے ص 6۷ ۱ 1 ‏5 ( ‎E‏ س س س ۋ سه م د ‏ليما الَذِنَ ءامنواً أطيعوا الله ‎۱ ‏وع‎ Eo ‏س‎ AAA : 9*۲ ‏2 ی وط م رص ے : ‏عنم في سىء فردوه إل اللو والرسولِ 5 ‏7 21 - ےر 7 7 ‎ ‎ ‎ ‎ ‎ و سے وپس مڭ مہ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليهء ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيثات أعالناء إنه من يهده الله فلا مضل له» ومن يضلل فلا هادي له والصلاة والسلام على أشرف الخلق؛ سيدنا محمد إمام المتقين ورحمة الله للعالين› وعلى آله وأصحابه الذين كانوا أعلام الحهدى وأئمة الحق؛ يهتدى بهمديهم؛ ويقتدى م كا قال َي : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم». وبعد. فلقد كان الناس ما بعث الله تعالی نبيه محمداً يل ني ضلال مبین وفیي ظلات دامسةء وكانوا شيعاً وأحزاباًء مختلفين في آرائهم ومتضاربين في عقائدهم وکان مبعثه يو با حدى ودين الحق» ليبين للناس طريق الحداية والمعرفة الحقة والعبادة الصحيحةء بعد أن التبس عليهم الحق؛ فتاهوا بين وثنية جائرة منتشرة في شبه الجزيرة العربية وغيرها من البلدانء وجوسية فاجرة في بلاد فارس وما جاورهاء ونصرانية محرفة تشرك بالله تعالى» تقول بالتثليث والصلب والفداءء ويهودية مدمرة تقول: عزير ابن الله بعثه الله رسولاً لإنقاذ البشرية مما تردت فيه من مهاوي الشرك والضلال. ١ . وعقيدة الإسلام عقيدة سهلة لا تعقيد فيها ولاغموض» وهي التي توافق الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليهاء وتتقبلها العقول التيرة التي ل تتأثر بعوامل التقليد أو العصبيةء وإنا هي عقيدة حرة تدفع المرء للبحث والنظر في 8 اأباضية الكون؛» ليدرك أن لهذا الكون خالقاً حكي)ً قديراً مدبراء يفعل ما يشاء ويختارء وأنه ولس گمنله ت مسالب )4 [الشورى :11[ وقد فهم صحابة رسول الله يَأ ما جاءهم به الإسلام؛ من عقيدة في يسر وهوادةء فاطمأنوا إليهاء ثم اطمأنوا بهاء فلا مكان إذن لفلسفة المتفلسفين؛» ولا كلام اللتكلمين؛» ولم يختلفوا مع رسوم يَأ ولا مع أنفسهم في شيء مما جاء به الإسلام من عقائد» ولكن ما كان عصر الخلفاء الراشدين ينتهي حتى بدا الخلاف يدب في البيثة الإسلاميةء حيث وُجدت الفْرَّق وتشعبت وكثرت وكثُر معها النزاع والشقاق والتفرق والاختلاف كل فرقة تجادل الأخرى» وتتأول كتاب الله با يؤيد رأيهاء ويضعون الأحاديث المكذوبة التي تؤيد مدعاهم. فقد دخل في الإإأسلام قوم خلصت قلوبهم من أدران التقليد والعصبية وصفت نفوسهم لا يدعوهم إليه رسول الإيان يق فعضوا على ذلك بالنواجف واستمسكوا منه بالعروة الوثقى التي لا انفصام لاء وكرهوا الشرك وما كان يعبد آباؤهم ورأوا رسول الله يلو وصحبوه» فأحبوه فوق ما يحبون آباءهم وأبناءهم؛ وآثروه على أنفسهم وأموالمم. وبجانب هؤلاء الذين صفت نفوسهم لنبيهم يَلأْوٍء نجد هناك أصنافاً آخرين من الناس» أولم صنف من العرب» دخل في الإسلام تقليداً لقشومهم» حين جاء نصر الله والفتحء وهؤلاء لم تسعد أعينهم برؤية صاحب الرسالة يي ولا انشرحت صدورهم بسع تعالیمه منهء ولا صفت قلوبهم من آثار جاهليتهم» فأصبح عندهم انتصار الدعوة الإسلامية وعدمها سواء. وثانيهم: صنف من عامة أهل الأديان الأخرى؛ دخلوا في هذا الدين أيام الفتوح ا( ي أخضعت الدولتين الكبيرتين؛ اليونائية والفارسية فراراً امن حكم الإسلام على من يبقى على دينه منهم» وهؤلاء لم تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم؛ ولم تقتلم جذور الحقد والضغينة من قلوبهم؛ بل هم يميلون إلى دينهم القديم› ويتمنون أن يعودوا إليه. وثالثهم: صنف من دهاة أهل الأديان الأخرىء وعلى الأخص اليهودية والمجوسيةء تظاهروا بالدخول في الدين ال جديدء وهم يضمرون في أنفسهم الكيد رقعة الأرض المعروفة يومذاك. فأخذوا يلبسون للناس ملابس الصلاح والتقوى تارة» ويتظاهرون بال حرص على تعاليم الدين وعبة النبي ي وآل بيته تارة أخرى؛› يضاف إلى هذاء أنهم أخذواينفشون سمومهم فيؤولون في تعاليم الشريعة ويدخلون فيها ما ليس منهاء وقد أثاروا ال جمهور من الناس» وبعشوا في نفوسهم الحاس لا يدعونهم إليهء وهذا فيا نرى هو السبب في الفرقة التي حدثت في الإأسلام وهو غض طري لم یکتمل عليه قرن واحد. وقد أخبر النبى يَقأو عن هذا التفرق في الحديث الذي رواه أبو هريرة # حيث التصارى على اثنتين وسبعين فرقةء وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة». والحديث الذي رواه عبدالله بن عمرو بن العاص؛ عنه يٍَ. قال: قال رسول الله يو : «ليأتين على أمتي ما تى على بني إسرائیل» تفرق بنو إسرائیل على ائنتین وسبعين ملةء وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملةء تزيد عليهم ملةء كلهم في النار إلا ملة واحدة». قالوا: يا رسول الله وما الملة التى تتغلب؟ قال: «ما أنا عليه وأصحاي»”. وي رواية: «ثنتان وسبعون في النارء وواحدة في الجنةء وهى الجحاعة. )1( أخرجه الترمذي» وابن ماجه. وقال الترمذي: حسن صحيح. (2) رواه الترمذي» وحسّنه الألباني ئي صحيح الجامع؛ 5219. (3) رواه الإمام أحمد وغره؛ وحسشنه الحافظ. 10 اأباضية فإن هذه الفرقة الناجيةء تتنازعها وتدعيها كل الرَقء بل تحاول بوسيلة أو بأخرى أن تفرض رأيا على غيرهاء وذلك كله على الرغم من أن نصوص القرآن الكريم والستة النبوية الشريفةء وآثار السلف الصالح تدعو إلى اتباع الطريق اللستقيم» ونبذ الطرق الملتويةء فعن ابن مسعود ك قال: «خط لنا رسول الله يَيٍ خطاً بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقياً. وخط خطوطاً عن يمينه وشاله» ثم قال: هذه السبل؛ ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه. ثم قرأ قوله تعالى: وأنَ 2 م و و و ص س سے سر ص ۰ ری م - ر کر و - ‎ge‏ ى ۰ ۰ م ۹ ہو لملم فون )4 [الأنعام:3 15 . 2 ‎gee Zot ّ‏ 1 وقوله تعالى: وأعتيموا يبل الله جميعا ولا نص رفوا [آل عمران:103]» وقوله $ ‏ر 0 موه م 2 >9 موم ص ر تعالى: ولا فووا ہے الش رڪب (۲) من الست فرفوادیتهم وگکانوا شيعا کل حر يما لديم فَرحُودَ )4 [الروم:1 32-3]› وقوله: $ ومن ياف الرَسُولَ من بَعْدِ ما ‎۳ ‏س و م 7 م 2 سى $ صے صے ےط ص ر ۶ے م‎ 2 ۱ osc 69 ‏بين له الهدى ويتيع عير سيل المَوَمني نولو ماتول وص روجهم وسا تمم‎ st Se ‏رو وه . 2و2 م‎ ‎ATF 1 . ۳ . ۰‏ و 9 ‎Gy 2K‏ س و [اللساء:115]ء وقوله: إن عام فی شیو فردوه إلا و والرسولو إن ا ومون ياه وليو مک ام ‎st Yor‏ م ب الأخردَلِكَ حبر وخسن ناويل “)$ [النساء:59]. ‏وقوله يو : «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعةء وإن تأمر عليكم عبد حبشي» وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراًء فعليكم بستني وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين» تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذء وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعةء وكل بدعة ضلالةء وكل ضلالة في النار»”. ‏نقول: على الرغم من هذا وغيره» قد حدث الخلاف بين المسلمين؛ ووقع ما أخبر به النبي ي وما حدّث به خلفاؤه الراشدون من افتراق الأمةء فوجدت الفْرّق ‏)1( الحديث صحيح؛ رواه أحد والنسائي. (2) الحديث رواه آبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. ‎ ‎ مقدمة 11 في تاريخ الإسلام وكثرت وتفرعت» وكثر معها النزاع وال جدل والشقاق» وكثرت الآراء والأفكار وكانت الدواعى على ذلك متنوعةء تتردد بين الظروف السياسية والعصبية القبليةء والمآرب الشخصيةء واشتد الخلاف بعد التلاقح الفكري بين الثقافة الإسلامية والثقافات الأخر ىء فكانت هناك الدوافع العلمية الثقافية والسلوكية الخلقيةء ونشأت في ظلها فرق ومدارس؛ كان على رأسها فرقة «الخوارج» فهي أول وأقدم الغرّق الإسلامية ظهوراً علي مسرح الحياةء والخوارج وإن كانت تتفق في الخروج على الإمام الجائر» إلا أنها تتشعب من داخلها إلى فِرَق؛ ومن هذه اعرف والتي عاشت حتی الآنء فرفه «الأباضيةء والتي يجمع الملؤۇرخون على أنها إحدى فرق الخوارج» ولكن الأباضية يعتبرون أنفسهم لیسوا بخوارج؛ وإن| هم فرقة مستقلةء مما كان دافعاً لي في الكتابةء في هذه الفرقة نشأتها وعقائدهاء ليظهر لنا مدى التوافق والاختلاف بينها وبين الخوارج. هذاء وقد سميت هذا الكتاب «الأباضية نشأتها وعقائدها» وقد جاء في جزأين: أما الحزء الأول: فيشتمل على مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول. أما المقدمة: فقد تناولت فيها أهمية الملوضوع؛ والباعث على الكتابة فيه ومنهج البحث. وأما التمهيد: فقد تحدئت فيه عن الأسباب التى أدت إلى اختلاف المسلمين ونشأة الغرق. وأما الفصل الأول: فقد تكلمت فيه عن النشأة التاريخية لفرقة الخوارج. وأما الفصل الثاني: فقد تناولت فيه النشأة التاريية لفرقة الأباضية. وأما الفصل الثالث: فقد عقدته للحديث عن فرق الأباضية المنشقة وعقائدها. وأما ال حزء الثاني: فقد تناولت فيه العقائد الإيمانية في مذهب الأباضية. 12 اأباضية أما الفصل الأول: فقد تحدثت فيه عن قضية وجود الله تعالى. وأما الفصل الثاني: فقد تكلمت فيه عن الصفات الإإلية. وأما الفصل الثالث: فقد عقدته للحديث عن رؤية الباري تعالى. وأما الفصل الرابع: فقد تحدثت فيه عن أفعال العباد. وأما الفصل السادس: فقد تكلمت فيه عن السمعيات. وأما الفصل السابع: فقد تناولت فيه مبحث الإيان والإسلام وما يتصل به من أمور. وأما الفصل الثامن: فقد تحدئت فيه عن قضية الإمامة. وأما الخاتمة: فقد تناولت فيها أهم الحقائق والنتائج التي توصلت إليها من وبعد: فهذا ما هداني الله تعالى إِليه في بحثي هذاء فإن كنت قد وُقْقت فذلك بفضل اله تعا ى وتوفيقه» وإن تكن الأخرى فعذري أنني بشر أخطئ وأصيب» والكال لله وحده» وحسبي أنني ما ابتغيت إلا وجه احق والصواب. وأخيراً ندعو الله تعالى أن ينفع ببحثنا هذا طلاب العلم والإيان» وأن يرزقنا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وصل الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الكرام. المؤلف: د. محمد بن الحسن اللهدي الأباضية نشأتها وفرقها ويشتمل على تمهيد وثلاثة فصول: التمهيد: في الأسباب التي أدت إلى اختلاف المسلمين ونشأة الفرق. الفصل الأول: في النشأة التاريخية لفرقة الخوارج. الفصل الثاني: في النشأة التاريخية لفرقة الأباضية. الفصل الثالث: في فرق الأباضية المنشقة وعقائدها. سے و 6 اد 0 الأسباب التي ساعدت على اختلاف المسلمين ونشأة الفرق إن الله تعالى طلب من هذه الأمة أن تتوحد كلمتهاء وأن لا تكون شيعاً وأحزاباًء يضرب بعضهم أعناق بعض» وقد صدق الله إذ قال في محكم التنزيل: ى ول هوه أمتكر امه وده وان ريڪ فاون )4(0 [المؤمنون:52]. فكل عامل على ل شملهاء ساع إلى تأليف قلوب أبنائهاء فهو مؤمن حقاًء مجاهد في سبيل أنبل غاية عني ہا الإسلام؛ وهي تأليف القلوب؛ وتوحيد الأهداف وأما أولئك الذين يشرون العداوات ويبعثون العصبيات؛ ويصطنعون العداوة والبغضاء فهؤلاء هم الذين يسعون في الأرض بالفسادء وواجب المسلمين المخلصين أن يقفوا لحم بالمرصاد وأن يبصروا الأمة بم ويكشفوا لحم أهدافهم وسوء غایاتهم. ولقد فهم المسلمون الأوّلون روح هذا الدين الحنيف» واختلفوا في فهم نص من كتاب الله تعالى؛ أو سنة رسول الله يَوٍء ولكنهم - مع هذا الاختلاف - كانوا متحدين في المبادئ والغايات؛ ثم خلف من بعدهم خلف جعلوا دينهم لأهوائهم؛ فتفرقت الأمة إلى شيع وأحزاب ومذاهب وعصبيات. والخلاف بين الناس بدا منذ نشأة الإنسانء ومنذ نزول الوحي من السياء واختيار الله تعالى للأنبياءء وإن كان هذا الخلاف لم يشتهرء فلِبعد الزمان؛ ولعدم وجود الخبر المتواتر الذي يُعتمد عليه اللهم إلا ما قصّه القرآن الكريم على رسول الله 16 الأباضية انها وفرفها يو ومن ذلك: قصة أول خلاف ظهر على الأرض بين ابني آدم 8 (قابيل وهابيل) وما كان من قتل أحدهما للآخر. ثم الخلاف الذي كان يظهر بين أقوام الأنبياء السابقين» كال خلاف الذي وقع بين نوح وابنه» إلى غير ذلك ما قصّه القرآن الكريم من خلاف (فرعون) و(موسی) اقلا. وخلاف بتي إسرائیل م موسی عل رؤية الله تعالى: الوا أرنا اله جَهُرٌ ‏ [النساء:153]› وما كان من خروجه لناجاة ربه» ثم عودته فإذا القوم قد عبدوا العجل من دون الله تعالى. وأما منشاً الخلاف في عهد رسولنا محمد يِل فقد بدا في حياته ولكن كان القرآن ينزل برأب الصدع وفصل القولء فيقضي على الفتنة في مهدهاء وكان رسول اله يَأ يسرع بلمٌ الشّمْل وإزالة أسباب ا خلاف» ولذا م يكن للخلاف في عهده كبير أثر في تفرق الأمة بعد ذلك. وقبل أن نخوض في بيان أسباب الخلاف يجب أن نقرر أمرين كما يقول الشيخ (أبو زهرة)" حتى نكون عل بيّنة من هذه الأسباب: أوم: أن هذا الاختلاف بين المسلمين م يتناول لب الدين؛ فلم يكن الاختلاف في وحدانية الله تعالى» ولا في أن القرآن نزل من عند الله تعالى؛ وأنه معجزة النبي يي الكبرى» ولا في أنه يروى بطريق متواتر نقلته الأجيال الإسلامية كلها جیلا بعد جيل» كذلك ل يتعرض الخلاف إلى ركن من أركان الإسلام أو إلى أي أمر علم من الدين بالضرورةء وإنا كان الاختلاف في أمور لا تمس الأركان ولا الأحوال العامة. الأمر الشاني: أن ما وقع من اختلاف بين المسلمين يعتبر شرا بالنسبة للاختلافات التي حدثت حول بعض العقائد الدينية والسياسيةء ولقد روى الإمام (1) تاريخ اللذاهب الإسلاميةء للإمام محمد أبو زهرةء (1/ 10)› طبعة دار الفكر العربي. وقارن: أضواء على أهم الفْرَّق الإسلامية وبعض المذاهب المعاصرة؛ د. عبدالمنعم شعبان» ص23 طبعة القاهرةء فقاصد خير. ُمخیيد 17 البخاري في صحيحهء عن زينب بنت جحش أنها قالت: استيقظ النبي يِل محمراً وجهه يقول: «لا إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب»"› وكأن النبي يِل يشير بهذا المعنى الذي ينطوي عليه هذا الحديث» إلى ما سيلحق بالمسلمين من خلاف بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى. إن أول بذور الخلاف الذي نشا بين جماعة المسلمين؛ يرجع إلى منافقي هذه الأمة ي زمن النبوة والرسالةء حيث ل ير هؤلاء بحكم النبي يَلوٍء فيا كان يأمر به وينهى. فقد سألوا عا مُنعوا من الخوض فيه وجادلوا بالباطل فما لا جوز الجدال فيهء ومن ذلك» ما كان من حديث (ذي الخويصرة التميمي) عندما قال لرسول الله ية : اعدل يا محمد فإنك لم تعدل - وكان الرسول يي يوزع الغنائم بين اللسلمين في إحدى الغزوات - فقال ي : «إن 2 أعدل فمن يعدل؟» فعاود اللعين يقول: هذه قسمة ما رید ہا وجه الله. وذلك يعتبر خروجاً صرياً على النبي يَء فإذا كان من اعترض على الإمام الحق يعتبر خارجياء فإنه من باب أولى يعتبر من اعترض على النبي يَأ أحق ق بان يكون خارجياًء ولذلك قال صلوات الله وسلامه عليه: : «سيخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم يمرقون من الدين كم يمرق السهم من الرمية»”“. ويتجلى ذلك واضحاء في غزوة أحد حينم اعتذر المنافقون لرسول الله َر . وقالوا کا حكاه القرآن الكريم: هل اء ن الأمرمن ىد4 و 0 مریم مايل حه [آل عمران :154] وقوشم: لو انوا عندنا مامائواً وَمَافيَلوا € [آل عمران:156]. )1( الحديث رواه الإمام البخاري في صححه؛ کتاب الفتن› )9/ 60( طبعة: الشعب. (2) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه؛ باب ذكر الخوارج وصفاتهم؛» (2/ 742). وأخرجه الترمذي في السنن؛ كتاب الفتن؛› باب صفة الخلافة (4/ 1 48). 18 1 باضية انها ورذها فامتأمل لتلك الآيات يتضح له أن هؤلاء المنافقين بالغوا في عذرهم؛ وقد حدث هذا في زمنه يَوٍ ولكن المنافقين هم المنافقون في كل زمان ومكان؛ عَدِعُونَ أله وهَو خد عه 4 [النساء:142]› فيظهرون الإسلام للناس ويبطنون الكفر عليهم؛ء وكان يظهر نفاقهم بالاعتراض في کل وقت على حرکاته وسکناته فصارت الاعتراضات كالبذور» وظهرت منها الشبهات كالزروع”. ولكن ذلك كله لم يكن ذا أثر بين وواضح في افتراق الأمة بعد هذا إلى فِرَق شتى» يكفُر بعضهم بعضاًء يضاف إليها بعض الاختلافات بعد انتقاله ي إلى الرفيق الأعلى؛ وإن كانت تعد اختلافات اجتهاديةء فأصحاب الرسول يِل على عقيدة واحدة وطريق واحد ولم يكن أحدهم ليختلف عن الآخر إلا في فهم أوتيه ي كتابه الله أو سنة رسوله يأو يعترضه على أخيه» فإن لم يكن عنده ما يدفعه من سّة أو فهم في كتاب أو سنةء رجع إلى قول أخيه وتقبله أحسن القبولء إلا قوماً كانوا يبطنون النفاق» ويظهرون الوفاق. وإذا أنت نظرت في) اختلفوا فيه وجدتهم قد اختلفوا في أمور اجتهادية لا يوجب الخلاف في أحدها إِياناً ولا كفراء بل لا يوجب الخلاف فيها كلها إياناً ولا كفراء ووجدت أنه قد كان غرض كل واحد من المختلفين في كل مسألة منها إقامة مراسم الدين وإدامة مناهج الشرع القويم» بل أنت تجدهم قد اختلفوا في بعض هذه اللسائل والرسول ي بين أظهرهم ل يفارق هذه الدنيا. ثم جاء من بعد عصرهم - رضوان الله تعالى عليهم - قوم استغلوا أحياناً اختلاف الصحابة في بعض المسائل واتغذوا من هذا الخلاف سبيلاً يسلكونه إلى تفريق كلمة هذه الأمةء وراحوا يلتمسون لبعض وجهات النظر أدلة م يقتنع بها (1) الملل التحل للشهرستاني› تحقیقی: محمد سید کیلاني؛ (1/ 22-1)) طبعة الحلبي؛ 1976› بتصرف. مهي د ۱ 19 الذين خالفوا هذا الاتجاه في العصر السابق» بل لعل الذين كانوا يرون هذا الاتجاه قد عدلوا عنه ولم يبقوا متمسكين به» إما اقتناعاً بم استدل به من خالفهم» وإما إبقاء على وحدة الأمة واستمساكها بالإيلاف الذي امتن الله تعالى به عليهم» إذا م يكن في أحد الرأيين ما يخالف نصا من كتاب أو سنّة صريحةء وهم بذلك يضربون أبرع المثل لفناء الفرد في الجحماعة الصاة”. فالصحابة - رضوان الله عليهم - ل يحدث منهم أن أحداً سأل رسول الله ي عن شيء لم يتكلم فيه وما حدث أن اختلف واحد منهم في مجلس رسول اله َو ئي فهم آية من كتاب الله تعا ى وفي هذا المعنى يقول المقريزي في خططه: «من أمعن النظر في دواوين الحديث النبوي» ووقف على الآثار السلفيةء علم أنه لم يرد قط من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة طٌ على اختلاف طبقاتهم وكشرة عددهم أنهم سلوا رسول الله يي عن معنى شيء ما وصف الرب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم» أو على لسان نبيه محمد يَأ بل كلهم فهموا معنى ذلك؛ فأثبتوا بلا تشبيه» ونزهوا بلا تعطيل»”“. وهذا النص - وغيره من النتصوص التي تَظهر عدم اختلاف الصحابة - وإن أكد على خلو هذا العصر من الخلاف» فإن) يعني الخلاف في أصول العقيدةء ولكن لا يمنع من الاختلاف الناشئ عن الاجتهادء واختلاف وجهات النظر التي كانت تحسم ي وقتهاء ويعود الجميع إلى الوفاق» فهذه الخلافات كانت تمدف إلى توطيد الشريعةء وإقامة مراسم الدينء وقد جرت ضمن منهج الإسلام في إباحة الاجتهات واستعال العقلء حيث رفع الإسلام من شأن العقلء وحث المسلمين على استعمال عقوم ومدح أولي الألباب؛ وذم الذين يمملون عقوهم. ولم تذكر كتب المقالات (1) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للإمام آي الحسن الأشعري؛ء تحقیق: حي الدين عبدالحميك (1/ 34)› طبعة القاهرة. .(2) الخطط للمقريزي؛ (1/ 180)› طبعة القاهرة. 20 الأب اضية نشأئها وغرشها خلافاً عقدياً وقع بين الصحابة بعضهم البعض» وإن كانت قد وقعت بعض الخلافات الاجتهاديةء فقد كان الغرض منها إقامة حكم الله بين الناس. ونستطيع أن نقسّم لك - بعد الذي أسلفناء - الاختلاف الحاصل في المسائل الاجتهادية بين الصحابة ة إلى قسمين: القسم الأول: الاختلاف في مسائل لم تَصر فيا بعد من شعار جماعة من أهل الغْرَّق. والقسم الثاني: الاختلاف في مسائل اجتهادية أيضاًء اتغذها قوم من بعدهم كأ إما للطعن في بعض الصحابةء وإما جعلوها أساساً لتحلتهم؛ أو استدلوا بها في مسألة من مسائلهم التي اتخذوها شعاراً هم . والآن إليك هذا الاختلاف من النوعين: الخلاف الأول: أثناء مرضه يَلا : روى الإمام البخاري بإسناده عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أنه قال: لا اشتد بابي ييو مرضه الذي مات فيه» قال و و د كپ لم لاب که رسول ا و ع لوی ا ا ا د ئي ذلك» حتى قال النبي يَيٍ : «قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع» قال ابن عباس - راوي ال حديث - : الرزية كل الرزيةء ما حال بيننا وبين كتاب رسول اله لو . () مقالات الإسلامين (1/ 35). )2( الملل والنتحل؛ (1/ 22)› الحديث رواه البخاري بسنده في صحيحه عن عبدالله ابن عباس. ميد 21 الخلاف الثاني: كان النبي ي - قبيل مرضه الذي عقبه انتقالّه للرفيق الأعلى - قد جهز جيشاً وجعل على رأسه (أسامة بن زيد)» ولا أخذه المرض توقف الحيش عن المسير وقال النبي في آخر حياته «جهزوا جيش أسامةء لعن الله من تخلف عنه» ومع هذا اختلفوا: أيتمون بعث (أسامة) إيذاناً للعرب ولغيرهم بأن وجع النبي يي ووفاته من تشن عزائم الصحابة عن إِتمام ما شرع فيه؛ أم يبقون (أسامة) ومن معه يترقبون ما يكون من العرب» فقد كان بعضهم يخشى انتقاض العرب» اختلفوا في ذلك قبيل وفاة النبي وبعد وفاته يَقٍِء ولكن أبا بكر طف أصر على اتباع الأمر ثقة منه بأن الركة في اتباع أمره يي وأن في بعشه إرهاباً لمن تحدشه نفسه من العرب بالانقضاض . وقد علق الشهرستاني على هذين الخلافين بقوله: وإن) أوردت هذين التنازعين» لأن المخالفين ربا عدوا ذلك من الخلافات المؤثرة في أمر الدين؛ وليس ذلك وإنا كان الغرض كله إقامة مراسم الشرع ي حال تزلزل القلوب» وتسكين ثائرة الفتنة المؤثرة عند تقلب الأمور”. الخلاف الثالث في موت الني ي : لا أذيم نبا وفاته يي هال الخبر بعض أصحابه» حتى غيب عقوم وأذهلهم عن هذا المصير المحتوم الذي ينتظر البشرية قاطبةء بيا في ذلك الرسل والأنبياء فزعم قوم أنه لم يمت وإنا رفعه إِليه کا رفع عيسى ابن مريم لاء وقال قوم: إنه ذهب إلى ربه کا ذهب موسى بن عمران ا وليرجعن رسول الله فليقطعن ايدي وأرجل رجال زعموا أنه قد مات. وقال الفاروق عمر بن الخطاب طق وهو من هو ي هذا الصدد: «من قال إن رسول الله ْو قد مات ضربته بالسيف». (1) مقالات الإسلامين (1/ 35). (2) الملل (1/ 23). 22 الأباضية نشا وفوقها حدث هذا عندما كان أبو بكر الصديق # بعيداً عن المدينةء في زيارة أهلهء فلا حضر الصديق» دخل على رسول الله يَْوِء وهو مسجىَ فكشف عن وجهه وقبّلهء وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله طبت حيا وميتاء أماالموتة التي قد كتبها الله عليك فقد ذقتهاء وتلا قوله تعالى: نكمت ولت عون( [الزمىر:30]. وقف أبو بكر يعلن أن النبي يلو قد حق بربه» وأن شأنه في هذا الأمر شأن غيره من الناس؛ وتلا على الذين هالتهم المصيبة قول الله تعالى: ‏ ومَاصعِلارَسُول كَدَعَلتَ عََارسَرىاا لحري )4 [آل عمران:144]. ويسمع (عمر) ط الملضطرب القَوى الضعيف عن احتيال الفاجعة هذه الآية الكريمة» فيثوب إليه الرشد ويعلم أن وعد الله حق؛» فيخضع لقضاء الله ويؤمن بأن الله تعالی اختار لرسوله ماعنده بعد أن أكمل به الدين الذي رضيه لحم؛ ويقول عمر: «والله لكأي لم أسمع هذه الآية من قبل" وحينئذ هدأت النفوس واطماأنت القلوب واعترف جميم الصحابة ب ظهر من الحق» من أن رسول الله يل قد فارق الحياة وأنها سنّة الله في خلقه وان يدس ايديا )4 [الأحزاب:62] وبذلك زال الخلاف. الخلاف الرابع: في موضع دفنه يياو : اختلف الصحابة في موضع دفنه يِل فأراد أهل مكة من المهاجرين رده إلى مك لأنها مسقط رأسه» ومأنس نفسه» وموطئ قدمه» وموطن أهلهء وموقع رحله. وأراد أهل المدينة من الأنصار دفنه بالمدينة لأنما دار هجرته؛ ومدار نصرته )1( التبصير في الدين› للإسفراييني› ص19؛ طبعة القاهرة 5. وقارن: الفَرْق بين الفِرَق؛ للإمام عبدالقاهر البغدادي؛ تحقيق: حي الدين عبدالحميكء ص15-14٠ طبعة دار التراث. وأيضاً: الل والنحل؛ ص 23. ومقالات الإسلامين› ص 36-35. 1 مهي د 23 وأرادت جماعةء نقله إلى بيت المقدس لأنها موضع دفن الأنبياء ومنه معراجه إلى السماء وفيه قبر جده إبراهيم الخليل ا . وهنا يقف أبو بكر الصديق ‏ في هذه المسألة موقف الحكيم الرزين» فيروي هم أنه سمع النبي يِل يقرر: (أن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون). فتجتمع كلمتهم على أن يدفن في حجرة السيدة (عائشة) التي مات فيها بالمدينة المنورة» وهي في داره يِل الملاصقة مسجد والشارعة أبواما فيە”. الخلاف الخامس: في الإمام بعده يل : وأعظم خلاف بين الأمة كما يقول الشهرستاني» خلاف الإمامة إذماسل سيف في اللإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان. ذلك أن النبي ي ل يقرر نظاماً معيناً من يكون إماماً أو خليفة من بعد فمنذ اللحظة الأولى من انتقال رسول الله يل إلى الرفيق الأعلىء؛ اختلف المسلمون فيمن يخلفه”“. وكانت هذه أول مسألة اشتد فيها الخلاف بين المسلمين؛ وتشعبت فيها وجهات نظرهم» شعر المسلمون منذ اللحظة الأولى لوفاة النبي يَيةٍ بضرورة التفكير في من يلي أمرهم؛ وأسرع الأنصار - قبل دفن النبي يَأ - إلى سقيفة بني ساعدةء للتشاور في الأمر والبت فيه وأدركهم أبيو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح أ من المهاجرين. (1) الحديث أخرجه اللإمام الترمذي في سننهء كتاب الجنائن باب ما جاء في قتلى أحد (3/ 329). ورواه امام مالك في مسنده باب جامع الصلاة على الجنائز ص (545). )2( الملل ص 24-23. الفرّق بين الفرَق؛ ص15. مقالات الإسلامين› ص6 3. (3) الملل والنتحل؛ء ص24. ومقالات اللإسلامين› ص39. (4) انظر: كتابنا قضية اللإمامة نشأتها وتطورها بين الفْرَق الإسلاميةء ص174» طبعة الصفا والمروق 1999. 24 الأباضية نشأثها وفرشها وفي السقيفة انقسم المجتمعون إلى فريقين› فريق يرى - وهم الأنصار - أن يكون الخليفة منهم؛ لأنهم هم الذين نصروا رسول الله ي عندما هاجر ِل من مكة إلى المدينةء وآمنوا به وعززوا دينه» ومنعوه وصحبه ممن أرادوا به سوءاًء وکانوا معه على عدو حتى خضعت له الجزيرة العربيةء فهم أولى الناس أن يخلفوه» وعلى هذا الأساس قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير واتفقوا على سعذ بن عبادة الأنصاري. وفريق آخر وهم المهاجرون: يرون أن تكون الخلافة فيهم؛ لأنجم قوم النبي ي وعشيرته» وهم أول من آمن به وصير معه على الأذىء وهم من قريش؛› والعرب لا تدين إلا لحم؛ ولا تعتز بعزة غير عزتهم» فهم أولى الناس با خلافة من غبرهم والواجب عل الأنصار أن يجتمعوا على ذلك لأن الله تعالى يقول: لما الْمهنجرت الد أ خرجوا من ديل رهم م واموله ينون فلا مناه ورض ونا صروت الله وومر : ركه لصوت )4 [الحشر:8]. ولقد قال أبو بكر تعليقاً على هذه الآية: فسانا الله الصادقين وأمر المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين قال تعالى: « يام لے ءا منوا انوا اه وَكوتُوأمع صد 4)5 [التوبة:119]› فقد آمنا قبلكم» وقدمنا في القرآن عليكم. وعندئذ قال أبو بكر لعمر: ابسط يدك نبايع لك؛ قال عمر: أنت أفضل مني؛ قال أبو بكر: نت أقوی مني. قال عمر: إن قوتي لك مع فضلك؛ لا ينبغي لأحد بعد رسول الله َة أن يكون فوقك يا أبا بكر أنت صاحب الغار مع رسول الله يق ثاني اثنين؛ وأمرك رسول الله ية حين اشتكى فصليت بالناس» فأنت أحق بهذا الأمر”. قال عمر ف : فمددت يدي إلى أبي بكر فبايعت» وانهال الجميع من الصحابة يبتدرونه بالبيعةء ثم كان الغد فجلس أبو بكر على انبر وتكلم عمر بين يديه» يقول (1) عبقرية عمر؛ للاستاذ محمود عباس العقادء ص25 طبعة الخانچجى:› القاهرة. ميد 25 للناس: إن الله قد جمع أمركم على خيركم؛ صاحب رسول الله يي وثاني انين إِذ هما في الغار وأولى الناس بأمركم فبايعوه» فبايعه الناس» وسكنت الفتنةء إلا أن بيعة أي بكر كانت فلتةء وقى الله المسلمين شرّهاء فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» فأیما رجل بایع رجلا من غير مشورة من المسلمين؛ فلا يُبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا. وإنما سكتت الأنصار عن دعواهم لا رواه أبو بكر عن النبي ية حيث قال: «الأئمة من قریش»''. وقد تمت هذه البيعة في سقيفة بنى ساعدةء وعندما ذهب أبو بكر إلى المسجد أقبل الناس عليه فأخذوا يبايعونه عن رغبة منهم غير جماعة من بني هاشم وأبي سفيان من بني أميةء وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب طة الذي كان مشغولا بتجهيز رسول الله ي ودفنه» ثم إن هذه البيعةء وإن كانت قد تمت للصديق؛ إلا أن ذلك لن يمنع من تكوين رأي ثالث يرى أن تكون الخلافة ي بيت النبي يَيةٍء وأقرب الناس إليه عمه العباس بن عبدالمطلب» وعلي بن أبي طالب» لكن العباس ل يكن من السابقين إلى الإسلام فقد حضر غزوة بدر مع المشركين» فأولى الناس من قرابة النبي ية ابن عمه علي بن أبي طالب» فهو أول الناس إسلاماء وزوج السيدة فاطمة بنت رسول الله يي وفضله وجهاده وعلمه لا ينكرء وحجة هذا الفريق أن أقرب الناس إلى النبي يَيٍ أولى أن يخلفوهء وإذا كان المهاجرون احتجوا عل الأنصار بأنهم قوم النبي يلأ وعشيرتهء فأهل النبي يي وأقربهم إليه أولى» ولقد تطور هذا الرأيء وأصبح يعتنقه الشيعة فيا بعد. والذي يستفاد من اجتماع الصحابة في سقيفة بني ساعدة للتشاور فيمن يلي أمر المسلمين بعد رسول الله يَأ أنه عى أساسه قام «نظام الخلافة» الذي يقي منذ (1) هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحهء (8/ 105). مسلم في صحيحه (3/ حديث رقم 1). البيهقي في سنن (121/3). (2) أضواء على أهم الفَرَق الإسلامية ص2 33-3. الملل ص25-24. المَّرْق بين الفْرَقء ص15. 6 لأب اضية نشأها وفرفها ذلك الوقت في شكل أو آخر إلى القرن العشرين. كا أن أهم النظريات التي عرضت في اجتماع السقيفةء نظرية الدفاع عن دعوى الأنصار في استحقاقهم للخلافةء على أساس أنهم هم الذين دافعوا عن الإسلام وحوه بأنفسهم وأموالحم؛ ولنا أن نقول: إن هذه هي أول نظرية ظهرت في تاريخ الفكر السياسي في الإسلام. ونظرية ثانية انبرت لقاومتها هي «الدفاع عن حق المهاجرين» وإثبات أولويتهم في استحقاق الخلافة على غيرهم؛ على اعتبار سبقهم في الإسلام؛ وهم أولياء الرسول يَأ وعشيرتهء وقد جاء في ثنايا هذا الدفاع لأول مرة فكرة التنويه بفضل قريش: #الأئمة من قريش»؛ وستكون أساساً لنظرية أحقية القرشيين با خلافة» أو انحصار هذا الحق فيهم. وهناك نظرية أخرى هي التي دعا إليها الحباب بن المنذر بن الجموح وهي . إمكان اقتسام السيادةء أو تعدد الإمرةء أي بأن يكون هناك خليفتان؛ وذلك حين قال: «منا أمير ومنكم أمير». كم أن اللجتمعين» على اختلاف وجهات نظرهم؛ قد أقروا مبداً خطيراً هو: أن اختيار رئيس الجحماعة أو الدولةء إن هو بالبيعةء - أي بالانتخاب - ونبذوا جيعاً بسلوكهم الفعلي مبداً الوراثةء واستقر الرأي على انتخاب أبي بكر َه ليس متابعة للتقاليد المألوفة عند العرب منذ القدم من النظر إلى السن والنفوف ولكن لما كان يتمتع به بين الصحابة من مكانة دينية عالية يقر بها الجميع؛ء ثم إلى صفاته العقلية والخلقية النادرةء التي جعلت من شخصيته المثل الكامل للمسلم. ولو جرت الأمور وفق تقاليد العرب» لآثروا ابن عبادة زعيم الخزرج؛ أو أبا سفيان رأس شيوخ بني أميةء أو العباس عميد الماشميين؛ وقد كان فيهم من هو سن من أب بكر ونا عدل اللنتخبون عن هذه الأسر القوية إلى فرع تيم البعيد الذي كان أقل نفوذ”. (1) انظر: كتابنا قضية الإمامة نشأتها وتطورها بين القْرَق الأسلاميةء ص20-17. وقارن: النظريات السياسية الإسلامية د. محمد ضياء الدين الريس؛ ص40› 208 طبعة القاهرة دار التراث» 99 1. مهي د 27 الخلاف السادس: في قتال مانعي الزكاة: وقم هذا الخلاف بين الصحابة في قتال مانعي الزكاة حيث استحل جماعة من العرب منع الزكاة بعد موت رسول الله يَوٍ. فاختلف الصحابة في شأنهم: أيقاتلونهم كما كان النبي يَأ يقاتل الكفار؟ أم يتركونهم مخافة ألا يقووا على قتالحم فتضيع هيبة العرب إياهم؟ فقال بعضهم: لا نقاتلهم قتال الكفرةء وكان على رأس القائلين بهذا الرأي الفاروق عمر بن الخطاب. وقال آخرون: بل نقاتلهم قتال الكفرةء وكان أبو بكر الصديق» على رأس القائلين بهذا الرأيء حتى إنه قال: «والله لو منعوني عقالاً كان يؤدونه إلى رسول اله ي لقاتلتهم عليه». ويشتد عمر طله في خلاف أي بكر ويستدل لا ذهب إليه من الرأي» ويقول لأبي بكر: كيف نقاتلهم قتال الكفرة وقد قال رسول اله يَيْوٍ : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم: إلا بحقها وحسابهم على الله ". وهنا يجد أبو بكر مساغاً للرد على عمر ويقول له: إن الزكاة حق المال وفيها نقاتل بالحق› ومضى بنفسه إلى قتالحم» ووافقه جماعة الصحابة بأسرهم» وعلى رأسهم سيدنا عمر ظ فقد ثابَ إلى رشده» ورجع عن مراجعة أبي بكر وعرف أن الحق في قتال مانعي الزكاة وقد زال الخلاف”. الخلاف السابع: في أمرفدك: وقع هذا الخلاف في شأن (فدك)ء وهي قرية تقع شال المدينة كانت ملكا لليهود» ولا انهزم يهود خيبر خشي يهود هذه القرية على أنفسهم» فسلموها للنبي يي دون قتالء فكانت في يده خالصة له مدة حياتهء ينفق منها على نفسه وعلى بعض اللحتاجين من بني هاشم» فلا انتقل النبي يِل إلى الرفيق الأعلى؛ طالبت السيدة فاطمة رضي الله عنها بورائة هذه القرية تارة» وبتملكها تارة أخرى» وقد استندت (1) الحديث رواه البخاري في كتاب استتابة المرتدين› (9/ 20-19). مسلم في صحيحه؛ باب الأمر بقتال الئاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الل (1/ 206). (2) مقالات الإسلامبين؛» ص36. الملل والتحل؛ء ص25. الفَرّق بين الْرَقء ص6 1. 8 الأباضية نشأنْها وفرشها السيدة فاطمة إلى ما روي عن على فة في هذا الشأن أنه قال: إن النبي ييه كان قد جعل هذه القرية في حياته لفاطمة رضي الله عنها وولدها. وقضى أبو بكر بأنها لا تورث» واستدل على ذلك بتلك الرواية المشهورة عن النبي يَأ : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناء صدقة»". واستمر الوضع على ذلك؛ حتى توفي الصديق ء ثم بعد ذلك سلمها الفاروق عمر طق للعباس وعلي بن أبي طالب» رضى الله عنهياء يليانجا ولا يملكانما. وانتهى النزاع حول هذه القرية. ' الخلاف الثامن: في تنصيص أبي بكر على عمر رضي الله عنه) با خلافة وقت الوفاةء فمن الناس من اعترض على أبي بكر 4 » وقال: قد وليت علينا فظاً غليظاء وارتفع الخلاف بقول أي بكر: «لو سألني ربي يوم القيامة لقلت: وليت عليهم خيرهم هم»“. وبعد هذا العرض ذه الخلافات؛ اتضح لنا أنها خلافات اجتهادية لا عقدية وأنها لا تعدو أن تكون يجرد رأي أو وجهات نظر تهدف إلى غاية واحدةء هي الوصول إلى الحقء فهم نشدوه حتى يدركوه» فمتى بلغوه تلاقت الآراء عند كلمة سواء. فقد اختلف الصحابة في هذه المسائل وأشباههاء وانقاد بعض المخالفين لبعض» ول يتذرع بهذا الاختلاف قوم من أرباب التحل الذين جاؤوا بعد عصر الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - ولم يورث هذا الاختلاف تفرقة بينهم؛ ولا )1( الحديث رواه البخاري؛ كتاب فرض الخمس؛ (6/ 297). مسلم؛ كتاب الجهاد والسير؛ (3/ 1367). (2) الملل» ص25. الفَرّق بين الفْرَّق» ص16-15. (3) المللء ص25. وأيضا اعتقادات فرق المسلمين والمشركين؛ للرازي» ص18› طبعة الكليات الأزهرية 1978. خُمهی د 29 جعله بعضهم سبباً لتضليل بعض» ولا لتفسيقهء ولم نجد أحداً من بعدهم جعل اختلاف قوم منهم في بعض هذه المسائل ذريعة لأن يتولى فريقا معينا من المخالفين؛ ولا وسيلة للتشنيع به على فريق معين منهم» فأما أن بعضهم لم يجعل الاختلاف في هذه المسائل سبباً في تضليل بعض ولا تفسيقهء فلأنها مسائل لا تمس العقيدة من قريب أو بعيد وإنا هي مسائل فرعيةء ثم هي ما لم يرد فيها نص صريح عن الله تعالى أو عن رسوله يَ أو جاءت في بعضها نصوص متلفةء بعضها يعارض بعضها في ظاهر الأمر فلم يكن بد لأحدهم من أن يجتهد برأيهء فيستنبط من نصوص الشريعة العامة حكم بعض المسائل» أو يقيس شيئاً على شيء؛ ولم يكن بد لأحدهم - إذا جاءته نصوص مختلفة - من أن يوازن بين هذه التصوص؛ فيلغفي بعضهاء أو يخصص كل نص بحالة تغاير حالة النص الآخر أو غير ذلك من وجوه التخريج. أما اختلافهم في الخلافة عن الرسول يٍَ فقد بقي بعد عصرهم» وبقي مصدر اضطراب في الأمة الإسلاميةء ولم يل عصر من عصور الدولة الإسلامية بعد انقضاء عصر أبي بكر وعمر 4 › من قوم يتخذون من هذا الخلاف وسيلة للخروج على سلطان الدولةء وصارت مسألة الإمامة - مع أنها في ذاتها من مسائل الفروع - مسألة من مسائل العقيدة» فتولي الشيخين أي بكر وعمر - رضي الله عنهم) - وحب السبطين (الحسن والحسين) ابني فاطمة الزهراء #» واعتقاد جواز المسح على الخفين› هذه الأمور الثلاث يمجتمعة شعار قوم من أهل النتحلء؛ ويحترزون بتولي الشيخين عن عقيدة بعض الغلاة من الشيعةء ويحترزون بحب السبطين عن عقيدة الغلاة من النواصب» ويحترزون باعتقاد جواز المسح على الخفين عا يراه بعض الخوارج؛ وهكذ(". (1) مقالات الإسلامين›» ص 38-37. ‎O0‏ الأباضية نشأنها وفرشها ‏ومهم يكن من أمر فإنه بعد أن اجتمعت كلمة المؤمنين على أبي بكر طه » عاد الملجتمع إلى استثناف حياته على النحو الذي كانت تسير عليه ئي عهد الرسول َة وعلى هذه الوتيرة استمرت حياتهم طوال عهد عمر 4ء ثم طوال النصف الأول من خلافة عثمان طك . إلا أن الحال لم يدم على ذلك طويلاً فقد جد من الأحداث والفتن بعد ذلك ما جعل المسلمين يختلفون فيا بينهم. ‏«فقد ظهر الخلاف حول الإمامة مرة ثانية في آخر عهد عثان بن عفان طك حيث وقعت منه عن اجتهاد وخسن نية تصرفات أتكرت عليه . وتبرم ہا اللسلمون ووجد أعداء الإسلام الفرصة سانحة لإحداث فتنة بين المسلمين؛» فجدوا ي تحريض الناس على عثمان» وتولى كبر هذا العمل عبدالله بن سب الذي أشعل نيران الثورة على عثمان» وكانت ثورة ظالمةء انتهت بهذه الخاتمة الأسفيةء ألا وهي محاصرة الشهيد في داره واغتياله» - دون حكم شرعي - وهو يقرا القرآن سنة 5 وبقتله حدئت الفتنة التي صدعت وحدة المسلمين؛ وفرزقت كلمتهم؛› وجعلتهم رقا وأحزاباء يكفر بعضهم بعضاً ولم يسلم من تکفیرهم أحد من کبار الصحابةء كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ق . ‏(1) الأحداث التي أخذت على عثمان كما يقول الشهرستاني: رده الحكم بن أمية إلى المدينةء بعد أن طرده رسول الله ي وكان يسمى طريد رسول الله ي وبعد أن تشفع إلى أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أيام خلافتهاء فما أجاباء إلى ذلك؛ ونفاء عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخاً. ومنها: نفيه آبا ذر إلى الربذة - من قرى المدينة - وتزويجه مروان بن الحكم بنتهء وتسلميه مس غنائم إفريقية له» وقد بلغت مائتي ألف دینار؛ ومنها إیواؤه عبدالله بن سعد بن آي سرح وکان رضیعه؛ بعد آن أهدر النبي يي دمه وتوليته إياه مصر بأعماماء وتوليته عبدالله بن عامر البصرةء حتى أحدث فيها ما أحدث إلى غير ذلك ما نقموا عليه» وكان أمراء جنوده: معاوية بن أبي سفيان؛ عامل الشام وسعد بن بي وقاص؛ عامل الكوفةء وبعده الوليد بن عقبةء وسعيد بن العاص؛ وعبدالله بن عامرء عامل البصرةء وعبدالله بن سعد بن أبي سرح عامل مصر وکلهم خذلوه ورفضوه» حتی اتی قدره علیه. وفتل مظلوماً في داره. انظر: الملل ص26. وأيضاً: تاريخ المذاهب الإسلامية ص31-27. ‏(2) دراسات نقدية ئي مذاهب الفِرّق الكلامية د. محمد الأنور السنهوتي؛ ص10٠ طبعة القاهرة؛ دار الثقافة العربيةء 1990. ‎ ‎ ميد 31 ولقد أحدث مقتل عثمان له شرا مستطيراً م ينطفئ لبه حتى اليوم» فقد بدأ الشقاق يدب في صفوف المسلمين» فحمل كلاهما السيف لقتال أخيه في مأساة داميةء بین مُطالِب بدم عشمان» وبين ٹائر علیه. وني هذا المعترك بويع علي بن أي طالب # ليكون خليفة للمسلمين؛› وبعد مبايعته تبدد الخلاف حول اللإمامة مرة ثالثةء ذلك أن الناس كانوا عند مقتل عثمان متفرقين في الأمصارء فلم يشهدوا جيعاً بيعة علي بالمدينة والذين شهدوا بيعت منهم من بايعه بالإمامة» ومنهم من توقف عن البيعة» حتى يجتمع الناس ويتفقوا على إمام ومن هؤلاء كا يذكر ابن خلدون: عبدالله بن عمر؛ وأسامة بن زيك والمغيرة بن شعبةء وعبدالله بن سلام؛ وأبو سعيد الخدري؛ وكعب بن مالك؛ والنعان بن بشيرء وحسان بن ثابت» ومسلمة بن ملد وفضالة بن عبيدء وأمشاشم من أكابر الصحابة والذين كانوا في الأمصار عدلوا عن بيعة علي أيضاً إلى المطالبة بدم عثمان» وظنوا بعلي هوادة في السكوت عن نصرة عثمان من قاتليه» لا في المالاة عليه فحاشا لله من ذلك؛ ولقد كان معاوية إذا صرح بملامته لعلي» إن يوجهها إليه في سكوته فحسب» وعدم اقتصاصه من قتلة عثمان طا . ثم اختلفوا بعد ذلك فرأى علي أن بيعته قد انعقدت» ولزمت من تأخر عنهاء باجتاع من اجتمع عليه با مدينةء دار النبي يَأ وموطن الصحابةء وأرجا الأمر في المطالبة بدم عثمان إلى اجتماع الناس» واتفاق الكلمةء فيتمكن حينئذ من ذلك. ورأى الآخرون أن بيعته م تنعقدء لتفرق «أهل الحل والعقد» من الصحابة في الأمصار وم يحضر إلا قليل» ولا تكون البيعة إلا باتفاق «أهل الحل والعقد» ولا تلزم بعقد من تولاها من غيرهم» أو من القليل منهم» وأن المسلمين حينئذ فوضى» فيطالبون أولاً بدم عثمان» ثم يجتمعون على إمام وذهب إلى هذا: معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص» وأم المؤمنين عائشة؛ والزبير بن العوام» وطلحة بن عبيد الل وابنه محمد وسعد وسعيدء ومعاوية بن خديج» ومن كان على رأيهم من الصحابة 32 اأباضية نشأَنْها وفْرفها الذين تخلفوا عن بيعة علي بالمدينةء إلا أن أهل العصر الثاني من بعدهم اتفقوا على انعقاد بيعة علي» ولزومها للمسلمين أجعين؛» وتصويب رأيهم فيا ذهب إليهء وتعين الخطاً من جهة معاوية ومن كان على رأيه. ولم تضع مبايعة اللإمام علي بن أبي طالب # حداً للفتنةء بل انقسمت الحاعة الإسلامية على إثرها إلى معسكرين كبيرين» أحدهما: شايع علياء والشاني: شايع معاوية رضى الله عنهاء وهذه بداية ظهور الأحزاب داخل الجماعةء حيث أطل الشيطان على المشاهد الدامية التي بدأت تأخذ مكانهاء ليشت الفرقة في مجتمع كان قد الف حول راية رسول الله يٍَ وعلى الخلفاء من بعده» لنشر الدين» وإعلاء كلمة احق وتوطيد دعائم الإسلام. حينئذ ظهر الاختلاف على أشده» وكان كا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أول تزاح ظهر عل الإمامة إذ اعتبر ما جرى من قبل لم يكن نزاعاً بالعنى الحقيقي» إلا ما جرى في اجتماع السقيفة وما انفصلوا حتى اتفقواء ومشل هذا لايسمى زع . وقد شق الخلاف طريقه» تاركاً آثاره العميقة زمناً طويلاً وفرق المسلمين شيعاً وأحزاباً وصبغ الخلافات بلون الدماءء وانبعشت آر اء ومعتقدات جديدة لم تكن معروفة من قبل» حيث اصطبغ الدين بالسياسةء كا تلونت المطالب السياسية واستندت في بعض المواقف على الدين. وخرج معاوية بن بي سفيان» وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام؛ عل علي ووافقتهم السيدة عائشة - رضي الله عنهم جميعا - واضطر الإمام علي إلى قتال )1( اللقدمةء لابن خلدون؛ 187 - 188 طبعة عبدالسلام شقرون القاهرة. )2( منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدريةء لابن تيميةه (1/ 26)› طبعة القاهرة 30 19٠ 1 شيد 0 33 طلحة والزبير حين خرجا إلى مكةء وحملا معهما السيدة عائشة إلى البصرةء ونصبوا القتال معه» وانتهى أمرهم بانهزامهم جميعاً أمام اللإمام علي في وقعة «الجحمل»”. والحق - كا يقول الشهرستاني - أا رجعا وتابا عن قتال علي إذ ذكرهما أمراً فتذكراه فأما الزبير فقتله ابن جرموز بقوس وقت الانصراف» وهو في النار لقول الرسول يَِيٍ : «بشر قاتل ابن صفية بالنار». وأما طلحة فرماه مروان بن الحكم بسهم وقت الإعراض» فخْرٌ ميتاء وأما عائشة رضي الله عنها فكانت محمولة على ما فعلت؛ ثم تابت بعد ذلك ورجعت”. ولا شك في أن الظروف قد هيأت هذا النزاعء وأن من الطوائف من سعت سعياً حثيثاً إلى وقوعه للتيل من المسلمين؛» وإضعاف الدين الجديد الذي بدا ينتشر وينمو على نطاق واسع؛ ويقف على رأس الراغبين في استمرار وقوع الفتنة حزب (السبئيين)”“ ومن مالأهم من قتلة عثان ف . (1) كتابنا قضية اللإمامة نشأتها وتطورها بين الفْرَق الإسلاميةء ص24. (2) الحديث ذكره القرطبى في تفسيره (6/ 321)› طبعة الشعب. وابن كثير في البداية والنهاية (7/ 150))؛ طبعة دار الفكر. (3) الملل والتحل› (1/ 27). (4) تنسب هذه الفرقة إلى زعيمها عبدالله بن وهب بن سباء وهو بہودي من آهل صنعاءء آسلم في عصر عثمان؛ أو بالأحرى اصطنع الإسلام ليكيد للمسلمين فهو من اليهود الذين دخلوا الإسلام وهم ناقمون عليه فأعلنوا الإسلام ظاهراء وأضمروا الكفر باطناء وقد لقب هذا الرجل بابن السوداء وقد اتغذ هذا الحاقد من التشيم لآل البيت منهجاً لبث سمومهء وأفكاره بين امسلمين؛ وأخذ يتنقل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم؛ وقد أحدث ابن سبأ في الإسلام أموراً كل منها له أثر بالغ في تفريق كلمة الأمةء وتمزيق وحدتهاء ومن هذه الأمور: (1) كان هو أول من أحدث القول بوصية رسول الله يلو لعلي بن أبي طالب بالإمامةء فعلي عي وصي الرسول ي وخليفته على أمته من بعده بالنص (2) كان هو أول من أحدث القول برجعة علي عي إلى الدنيا بعد موتهء وبرجعة رسول الله ل أيضاً. (3) كان هو أول من أحدث القول بأن عليا ل يُقتل وأنه لايزال حياًء وأنه يسكن السحاب؛» وأن الرعد صوته» وأن البرق:سوطه» وأن فيه جزءاً إلحياء وأنه لا بد أن ينزل إلى الأرض فيملأها عدلاً ك مُلثت جوراً. وأكثر هذه القضايا مأخوذ عن اليهودية التي كان يتعارفها قومه = 34 اأباضية نشأثها وفرفها ولذا فإن القاضي ابن العربي يضع وزر نشوب هذه الحرب على عاتق تق قتلة عثيانء استنادً عل ما روي عن الحافظ بن كشير والطبري» صن أذ الشريقين كان يرغبان في الصلح؛ فبعث علي عبدالله بن عباس» وبعض أصحاب الجحمل؛ بمحمد ابن طلحة هادفين جيعاً الصلح؛ ولكن قتلة عثيان ل يتفق وما يتوه من فتن لکي يتوا وسط هذه المعمعةء فاجتمعوا في السر على إنشاب الحرب؛» فلا أنشبوها ظن كل فريق من الفريقين أن الآخر غدر به فنشب القتال ينهم" . وما يرهن أيضاً على أن طلحة والزبير والسيدة عائشة - رضي الله عنهم - لم ينهضوا في معارضة علي برض المرب منذ البداية أغهم لم يطعنوا في إمامة علي أو يجرحوهاء كيا أنهم لم يبايعوا شخصاً آخر غير يؤيد هذا ما يقوله ابن حزم الظاهري: « يمضوا إلى البصرة ة لحرب علي ولا خلافاً عليه ولا نقضاً لبيعته» ولو 2 أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غبر بيعته»' . وما يكن من أمر» فقد انتهت موقعة «الحمل» وم تسفر عن الانشقاق الذي حدث في أعقاب موقعة «صفين» ولم يكن لا شأن في إيجاد معتقدات جديدة» أو تحزب ومواقف ذات منهج خاص ونظرة محتلفةء وبذلك ل تترك موقعة «الجحمل» إلا آثار بصاتها على الفْرَق الإسلاميةء التي تناولت أصحابها بالبحث والنظر» فصوبت البعض» وخطأت البعض الآخر. فقد صوب أهل السنّة علياً في حروبه الثلاثة ~ أي الجمل وصفين والنهروان - واعترفوا بإمامته إيان خلافتهء وأنه صاحب الحق فيه واعتقدوا بتوبة كل من طلحة والزبين لأ) رجعا عن قتال علي وأن السيدة = يومئف بل إنه كان يستدل لمن يخدعهم على صحة هذه القضايا ببعض ما عرف من أحوال موسى اليل مع شيء من التمويه والتحريف. وابن سبأ هذا هو الذي أثار فتنة أمير المؤمنين عثيان ط › وما زال بذكي هبهاء ويجمع لا أوشاب الناس» حتى فُتل الخليفة امظلوم عثمان بن عفان. انظر: مقالات الإسلاميين: (1/ 12-11). وأيضاً: : تاريخ المذاهب الإسلاميةء ص1 3. )1( نظام الخلافة ئي الفكر الأسلامي» د. مصطفى حلميء ص132› طبعة دار البيان؛ مصر 1977. (2) الفصل في الملل والأهواء والتحل؛ لابن حزم الأندلسي؛ (1/ 158)› طبعة القاهرة 1902. ميد 35 عائشة - رضي الله عنها - قصدت الإصلاح بين الفريقين فغلبها بنو ضبة والأزد على رأيهاء وقاتلوا علياً دون إذنهاء حتى كان من الأمر ما كان" . وما حسم علي طف النزاع مع أصحاب «الجمل» حمل معاوية قميص عثمان على منبر دمشق؛» مطالباً بدمه» وجند أهل الشام لقتالهء واعتبرهم اللإمام علي خارجين بغاةء خرجوا على حكم الإمام المبايع بيعة صحيحةء فخرج لقتالحم› فكانت معركة «صفين» عام 7 3ه وكانت أشبه بانفجار ذي دوي شديد؛ ويحق وصفها بأنا كانت حرباً ضروساً أوشكت أن تفني المسلمين؛ وتذهب بمجدهم وتمحوَ آثارهم... ولولا أن تداركتهم عناية الله بصلح حقن من دماء الفريقين؛ وحفظ عليهم بقية من أبطالم وأجادهم لتغير وجه التاريخ الإأسلامي”. وقد كان معاوية ممن رأى أن بيعة علي ل تنعقد لافتراق الصحابة «أهل الحل والعقد» بالآفاق» وأنه يجب المطالبة بدم عثمان أولا ثم يجتمعون على إمام. وكانت حجة اللإمام على أن البيعة قد تمت له حيث عقدها القوم أنفسُهم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعشان ة قبل وتمت عن شورى المهاجرين والأنصار فلا معنى لخروج أحد عن هذه البيعة التي أجمم عليها هؤلاء وأولئك» ؤإلا حي على الخارج عن الجاعة أن يقائّل» أما عن قتلة عثمان فإنه طلب من معاوية أن يدخل فيا دخل فيه المسلمون ثم تأت الخطوة التاليةء وهي القصاص من القتلة. وبعد أن يئس الإمام علي من مبايعة معاوية إِياه التقى به في موقعة «اصفين»› فلا أحس معاوية أن الدائرة كادت تدور عليه أوعز إلى جنده بأن يرفعوا المصاحف على رؤوس الرماحء ويطلبوا الاحتكام إلى كتاب الله تعالى» وأدرك علي بثاقب نظرته (1) الفْرّق بين الفَرَق» ص350. (2) وفعة صفين؛ لنصر بن مزاحم؛ مقدمة الكتاب للأستاذ عبدالسلام محمد هارون؛ محقق الكتاب؛ طبعة القاهرة. )3( الخوارج الأصول التارمية لسألة تكفير الملسلم؛ مصطفى حلمي؛ء ص10-9ء› طبعة دار الأنصار القاهرة 1977. 36 باصي نشأْها وغرشما أن هذه المكيدة يراد بها درء الحزيمة الوشيكةء فنصح لقومه بمواصلة القتال لتحقيق النصر الذي بدت له بشائره» لكنهم اختلفوا عليهء وتعارضت آراؤهم› فمن محبذ للتحكيم داع إليهء ومن ساخط عليه راغب في القتالء وتغلب جانب الأولين؛ حيث هددوا با خروج على إمامهم إِذا هو واصل القتالء فاضطر علي إلى التنازل عن ء > )1( رايه وفبل التحكيم . وقد ذكر الإمام الشوكاني: أن الذين تركوا قتال معاويةء ودفعوا علياً إلى قبول التحكيم كانوا جمعا كثيرء منهم عدد من القراء توقفوا عن القتال تأثاً وتديناء ت ص ۶ و حو مو واحتجوا لموقفهم بقول الله تعالى: «الرترإل ايك أووأ يبان التب يَعَوْدَرِنَ کتبا لح بیتهم شریعول فریق نهر وهم مُعرشون 4)۲3 [آل عمران:23] 2٠ فالذين والوا علياً انقسموا إلى فريقين متميزين كبيرين بعد حادثة «التحكيم' فانقلب أحدهما مناوئاً له وتحول إلى حزب معاد بالغ ي الحملة عليه ومقاتلته» کا بالغ من قبل في إخلاصه له وغيرته» وهؤلاء هم الذين سيقال عنهم «الخوارج» وثبت الثاني على الولاء وضاعف إخلاصه لقائده ثم استمر هذا الولاء في التاريخء وورثه ال جيل الراهن للأعقاب؛ أخذ يتطور تبعاً لتجدد الحوادث؛ وتتفرع عنه نظریات› وهؤلاء هم الذين نسميهم جذر «الشيعة» أو أصله””. وبعد مفاوضة بين الجانبين» رضي أهل الشام عمرو بن العاص نائباً عنهم ورضي أهل العراق أبا موسى الشعري مثلاً لهم ثم كتب عقد التحكيم وأعلنت الحمدنة ستة أشهر إلى أن يجتمع الحكيان» ولكن هذا الإجراء لم يرفع الخلاف بل زاده عنفاً وتمكناً من النفوس. وقد نشا حزب «الخوارج» عقب إعلان نتيجة التحكيم بين أبي موسى الأشعري› وعمرو بن العاص؛ إِذ تعالت المتافات من معسكر علي: (1) قضية الإمامة نشأتها وتطورها» ص28-27. (2) نيل الأوطار» للإمام الشوكاني؛ (7/ 339)› طبعة دار الفكر بروت» 1402ه. )3( النظريات السياسية الاسلاميةء ص 60. ۱ ميد 37 كفر الحكمين «لا حكم إلا الله» وانقلب المؤيدون أعداى وأصبحوا أكثر خطراً على علي من جیش معاوية. وهذا أول حزب سياسي يتكون في تاريخ اللإسلام وتبرز شخصيته على مسرح الحوادث» ویوجد له نظام ویکون من خواص حیاته الاستمرار» ومن هذه اللحظة يمكن تتبم حياته في أدوار محتلفةء وأطوار متعاقبة. ولا تم ذلك نمض من ثبتوا مع علي» ووافقوه على خططه فقالوا: «في أعناقنا بيعة ثانيةء نحن أولياء من واليت» وأعداء من عاديت. وبذا تكون من الطرف الآخر حزب جديد واضح الشخصيةء هو حزب الشيعة»”. وهكذا: تمخضت هذه الحوادث عن نشأة ثلاث فرق إسلامية هي: الخوارج› وهم الذي خرجوا عل الإمام علي ومعاوية وحكموا بكفرهماء وزعموا أن التحكيم مخالف للدين. والشيعة: وهم الذين شايعوا علياء وقالوا بإمامته وخلافته واعتقدوا أن الامامة لا تخرج من أولاده. والمرجئة: وهم من آثروا العزلة» وأرجۋوا الحكم على المتنازعين إلى الله تعال. وهذه الفَرَّق الأولى قد نشأت بسبب أحداث سياسيةء فكان ينبغي أن تظل أحزاباً سياسيةء ولكن القوم تجاوزوا ذلك إلى البحث في أمور تتعلق بأصل الإيمان والاعتقاد وآثاروا مسائل دينية مهمةء انتقلت إلى علم الكلام؛ وأصبحت من صميم موضوعاته ولذا صارت هذه القْرَّق بعد ذلك فِرَّقاً دينية كلاميةء بعد أن )1( نظام الخلافة في الفكر الإأسلامي» ص 154. (2) النظريات السياسيةء ص 60. (3) دراسات نقدية في مذاهب الْرّق الكلاميةء ص15-14. وقارن: فجر الإسلام أ. أحمد أمين؛ (1/ 300 302)) طبعة الحيئة العامة للكتاب؛» 1996› وأيضاً الأشعري؛ د. حمودة غرابق ص26-25» طبعة ا خانجي» القاهرة. 38 اأباضية نشأنْها وفرذها ھی : المعتزلڭ والحهمة وأهل السنّةء الأشاعرة والماتريدية. وإذا كانت مشكلة «الإمامة» تعد أول مشكلة جوهرية اختلف المسلمون بشأنها وأدى الخلاف حوفا إلى نشوء الفَرَق والأحزاب في الإسلام؛ فليس ذلك أنها هي السبب الوحيد في تفرّق الأمةء بل يوجد بجانبها أسباب أخرى من أهمها: 1 العصبية‌القبلي: تعتبر العصبية القبلية من أسباب الخلاف» بل هي جوهر الخلاف الذي فرق شمل الأمة الإسلاميةء فإن الإسلام قد حارب العصبية في نصوص القرن والسنة حرباً لا هوادة فيهاء ونعى على الذين يفتخرون بأحسابهم وأنسابهم» وبين أن الأحساب والأنساب لا وزن لاء ولا قيمة عند الله القائل: ¥ دا حف الصور فلا شاب یھر رویز و لاا لے )4 [الؤمنون:101]. وقال: يتام لتاس ِد [الحجرات:13]. وكذلك أنكر النبي يَأ العصبيةء وبين أن من يدعو إلى عصبية لا يستحق أن ينسب إلى الإسلام حيث قال: «ليس منا من دعا إلى عصبية»"ء وبين كذلك أن الأفضلية في الإسلام تكون بالتقوى لا با حسب ولا بالنسب» حيث قال: «كلكم لادم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى»”. وقد اختفت العصبية في عصر النبي يَأ هذه البينات الواضحات» واستمر اختفاؤها إلى عصر الخليفة عثمان» ثم انبعثت في عهده قوية عنيفةء وكان انبعاثها له أثر في الاختلاف بين الأمويين والماشميين أولا ثم الاختلاف بين الخوارج )1( ا حديث رواء أبو داود في سننهء كتاب الأدب» باب العصبية (4/ 332)› حديث رقم (5121). (2) الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 1 524))› طبعة المكتب اللإسلامى. وغيرهم. فقد كانت القبائل التي انتشر فيها مذهب الخوارج من القبائل الربعيةء لا من القبائل المضريةء والنزاع بين الربعيين والمضريين معروف في العصر ال اهي فلم جاء الإسلام أخفام حتى ظهر في نحلة الخوار ج . 2 دخول بعض أهل الديانات القديمة في الإسلام: لقد اعتنق كشير من اليهود والنصارى والمجوس الدين الإإأسلامي؛ وفي رؤوسهم أفكارهم الدينية الباقية من دياناتهم القديمةء وقد استولت على مشاعرهم» فكانوا يفكرون في الحقائق الإأسلامية على ضوء اعتقاداتهم القديمةء وقد أثاروا بين المسلمين ما كان في دياناتهم من الكلام عن صفات الله تعال» وهل هي عين الذات» أم شيء آخر زائد على الذات؟ وهل الإنسان مير أم حُبّر؟ إلى غير ذلك من الشبه التي كانت تثار في دياناتهم القديمة. كا كان يوجد بجوار هؤلاء - الذين دخلوا الإسلام مخلصين؛ ولكن ما زالت في رؤوسهم بقايا دياناتهم القديمة - آخرون دخلوا في الإسلام ظاهراء وأبطنوا غير وما كان دخوهم إلا ليفسدوا على المسلمين أمور دينهم؛ ويبثوا فيه الأفكار اللنحرفةء ولذا وجد من نشروا بين المسلمين أهواء مرديةء كا كان يفعل الزنادقة وغيرهم من المنحرفين. 3 ترجمة الكتب الفلسفيہ: كان للكتب الفلسفية المترجمة أثر واضح في اختلاف المسلمين حيث غزا الفكرَ الأسلامي كثيرٌ من المنازع الفلسفية والمذاهب القديمة في الكون والمادة وما وراء الطبيعةء وني هذه الفترة ظهر من علماء المسلمين على مسرح تلك الحياة من نهج منهج الفلاسفة والمفكرين القدماء وحذا حذوهم» وسلك سبيلهم» يضاف إلى هذا أنه قد ظهر في العصر العباسي أقوام شكيون ينزعون في الشك منزع السوفسطائيين (1) تاريخ المذاهب الإسلاميةء للشيخ محمد أبو زهرةء ص12-11. وقارن: أضواء على أهم الفْرَّق الإسلاميةء ص 25-24. 40 الأباضية نَشأنْها وفْرشها الذين ظهروا في اليونان والرومان» وقد نشا على أساس هذا مذاهب فكرية محتلفة وكان لذلك أثره في التفكير الديني نفسه. فقد وجدنا مفكرين يفكرون في العقائد الإسلامية تفكيراً فلسفياً يتضح ذلك في الفكر المعتزلي حيث إن المتتبع لمذهبهم يراهم قد نهجوا مناهج الفلاسفة في إثبات العقائد الإسلاميةء وإن علم الكلام على منهاج المعتزلةء ومن يردون عليهم من علماء السنّةء هو يجموعة من الأقيسة المنطقية والتعليلات الفلسفيةء والدراسات العقلية. وقد ترتب على شيوع التفكير الفلسفي بين علاء المسلمين في إثبات العقائك أن تعرضوا لدراسة مسائل ليس في استطاعة العقل البشري أن يصل فيها إلى نتائج مقررة ثابتة. كمسألة إثبات صفات الله تعالى ونفيهاء ومسألة قدرة العبد بجوار قدرة الرب وغير ذلك من المسائل» فإن البحث في هذه المسائل يفتح باباً واسعاً من أبواب الاختلاف إذ تختلف الأنظار وتتباين الملسالك؛ ويتجه كل اتجاهاً يخالف الآخرء وربما كان أكثر المسائل التي وقع فيها الاختلاف بين علماء الكلام من هذا ‎(D1‏ 1 القبيل ٠ . هذه بعض أسباب الخلاف وإن الخلاف دائاً يبدو مظهره وعوامله أسياب تختفي›» وقد يظهر , بعضها للباحث» وقد يختفي بعضها في لجة التاريخء وقديكون السبب المباشر لها حدثاً جزئياء وتنبعث وراءء خلافات في قضايا كلية إذا تحعفزت النفوس» وتفتحت القرائح» وتباينت الأفهام. وقد كان للخلاف بين المسلمين مظهران: أحدهما عمل والآخر علمى. أما العملي» فهو كالذي وقع من ال خارجين على عثمان 4# › وكالذي وقع بين علي بن أي (1) تاريخ اذاهب الإأسلاميةء ص14-13. وقارن: أضواء على أهم الفْرَّق الإسلامية ص26-25. طالب وال خارجين عليه فتلك حوادث التاريخ السياسي يسجلهاء ويوضح أسبابها العلمية ويربط بين الأسباب والنتائج فيها. ولا يهم الباحث العلمي النظري» الذي يؤرخ للعلوم والمذاهب - لا للحوادث والواقع - إلا أن يسجل مدى تأثير هذه الوقائم في المذاهب الفكرية ومدى تأثير المذاهب فيهاء فمثلاً نجد أن الخلاف بين علي ط#ة › والأمويين الخارجين عليه انبعث عن فكرة هي: من م حق اختيار الخليفةء أهم أهل المدينة وحدهم؛ والناس لم تبع؛ أم حق الاختيار للمسلمين في كل البقاع؟ ونتج عن هذا الخلاف الشديد بين اللإمام علي والأمويين؛ أن ظهرت فرق مذهبية مختلفة هي: «الخوارج» و«الشيعة» وغيرهم؛ ونجم عن ظهور الخوارج انبعاث حروب بينهم وبين الامام علي أولا وبينهم وبين الأمويين ثانياء ونجم عن ظهور الشيعةء حروب انتهت بقيام الدولة العباسيةء التي كان شيعية في ابتداء تكوين الدعوة. والنوع الثاني من اخلاف الأسلاميء هو الخلاف العلمي النظري» ويتمشل في الاختلاف حول بعض الأمور التي تتصل بالعقيدةء وفي الفروع؛ فا خلاف فيا يتعلق بالعقائد والفقهء لم يتجاوز الحد النظري والاتجاه الفكري؛ وطبيعة حياتهم العلمية لا تسمح لم بأن ينقلوا ا خلاف من ميدان القول إلى ميدان العمل ولم يكن الاختلاف النظري ليصل في حدته إلى أن يجعلوه عملياء ولم تظهر الحدة إلا في أن يحكم كل واحد على الآخرين بالخطاء أو الابتداع. ومهم يكن مقدار الخلاف النظري - سواء أكان في السياسة أم كان في العلوم الاعتقادية أو الفقهية - فإنه م يمس لب الإسلام ولم يكن الاختلاف في علم من الاين بطريق قطعي لا شك فيه أو في أصل من أصوله التي لا حال لإتكارهاء والتي تعد من أركان الإسلام التي يقوم عليها بناۋە. وأنه إذا كانت هناك آراء تمس الاعتقاتء فقد نحى العلاء معتنقيها عن أن يكونوا ي زمرة المسلمين؛ فمثلاً ظهرت في عهد علي طثه طائفة تعتقد حلول الله 42 الأباضية نشأنْها وغرفها تعالى في علي تسمى «السبئية» وأخرى تعتقد أن الرسالة كانت لعلي ولكىن جبريل أخطاً ونزل بها على محمد ي وتسمى «الغرابيةا» ولكن المسلمين ججميعاً يقررون أن هاتين الفرقتين ليستا من أهل الإسلام في شيءء كما أن في الخوارج فرقة تنكر سورة يوسف» وهذه هي الأخرى قد أجع المسلمون على أنها ليست من أهل الإسلام. ت )1( تاريخ المذاهب الإأسلامية؛ ص17 -19. . الغرقة التي تنكر سورة يوسف هي فرقة (العجاردة) من رق الخوارج» وهذا يعد خروجاً عل كتاب الله تعالى» وكفر به» لأن من ينكر بعض القرآن كالذي ینکره کله. انظر: : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين؛ للرازي» ص 69. امرك النشأة التاريخية للخوارج سبق أن قلنا إن الأحداث السياسية وما جرته من حروب في المجتمع الإسلامي» كانت سبباً في ظهور الفرَق والأحزاب وأدت إلى انقسام المسلمين وتمزق وحدتهم» ولم يكن الصدع الوحيد بين المسلمين هو حروب علي ومعاوية - رضي الله عنها - بل سرعان ما امتد ليشمل مؤيدي الإمام علي أنفسَّهم فانقسموا بين مؤيد لعي ومشايع؛ وهم الشيعةء وبين خارج عليه ومکفر له لقبوله التحكيم› وهم «الخوارج». وقد نشا حزب «الخوارج» فور إعلان «نتيجة التحكيم بين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص؟؛ إذ تعالت المتافات من معسكر علي: كفر الحكمين «لا حكم إلا لله» وانقلب المؤيدون أعداى وأصبحوا أكثر خطراً على علي فل من جيش معاوية طه . فل قبل علي التحكيم الذي اقترحه معاوية بن أبي سفيان؛ إبان وقعة صفين 7ه / 657م وكان من أمره ما كان مما أطلق عليه بعض المؤرخين «خداع عمرو ابن العاص» لأبي موسى الأشعري» قال بعض المتمردين - وكان معظمهم من قبيلة تيم -: «لا حكم إلا لله». فلا سمع علي ذلك قال قولته المشهورة: «كلمة حق يراد با باطل» وإنا مذهبهم ألا یکون امیر ولا بد من آمیں براً کان أو فاجرا. ثم تجمم هؤلاء الخارجون؛ واتجهوا نحو حروراء غير بعيد من الكوفة فتابعهم علي يبغي صلاحهم؛ ووقف بينهم وخطبهم متوكئا على قوسه قائلا: «أنشدكم ال هل علمتم أحداً كان أكره للحكومة مني؟ قالوا: اللهم لا. قال: أفعلمتم أنكم أكرهتموني عليها حتى قبلتها؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فعلام خالفتموني ونابذتمونى؟ قالوا: إنا أتينا ذنباً عظياً فتبنا إلى الله منه». وعاد الخارجون في صحبة الإمام علي كرم الله وجهه إلى الكوفةء ثم ما لبثوا أن عاودتهم فكرة الخروج ظناً منهم أن غلياً قد رجم عن ال حكومة فأرسل إليهم ابن عباس لكي يتفادى المسلمون الفتنةء ولكنهم أصروا على موقفهم من علي وأجمعوا البيعة لواحد من بينهم اسمه عبدالله بن وهب الراسبي. وقد طلبوا من علي طثه أن يقر على نفسه با خطأء بل بالكفر» لقبوله التحكيم ويرجع عا أبرم مع معاوية من شروط فإن فعل عادوا ليه وقاتلوا مع لكن اللأمر كان أكبر من هذاء فكيف يرجع عن اتفاق أمضاه والدين يأمر بالوفاء بالعهود؟ ولو رجع لتفرق عنه أكثر أصحابه» وكيف يقر على نفسه بالكفر ولم يشرك بالله شيثاً منذ آمن؟ فضايقوه بالإكثار من قولمم: «لا حكم إلا للها فإذا خطب في المسجد قاطعوه بقومم: «لا حكم إلا ش”. وكان موقف الإمام علي منهم أول الأمر ألا يحاربهم حتى يېدۋوه با حرب؛» فلم عمدوا إلى استعال العنف» وقتلوا عبدالله بن خباب وفي عنقه المصحف ولا ركبوا رؤوسهم ولم يحاولوا أن يستجيبوا لدعوة علي خرج إليهم في يوم النهروان؛ وأوقع بهم وقتل منهم عدداً كبيراء وئي هذه المعركة قتل زعيمهم ابن وهب وقد کان )1( إسلام بلا مذاهبء ص121ء طبعة بيروت 1971» وأيضاً: البداية والنهاية للحافظ اين كر (7/ 719). )2( فجر الإسلام آ. أحد أمين؛ ص6 25؛ طبعة النهضة المصريةء 65 19. النْشأهُ التارغخية للكوارة 45 بِمَكِنَةٍ علي أن يقضي على الخوارج قضاءٌ مبرماء ولكنهم ما لبشوا أن تربصوا به وأرسلوا إليه واحداً منهم يدعى عبدالر من بن ملجم المرادي فقتله في المسجد”". فاسم الخوارج يطلق على الجاعة الذين خرجوا على الإمام علي عندما قل التحكيم ورحى الحرب دائرةء في موقعة (صفيناء ونفروا من أن يحكم أحد ي كتاب الله تعالى» ورأوا أن التحكم خطا للأن حكم الله في الأمر واضح جلي والتحكيم يتضمن شك كل فريق من المتحاربين؛ أا أحق؛ وليس يصح هذا الشك» لأنهم وقتلاهم إن حاربوا وهم مؤمنون أن الحق في جانبهە”. ويعرف الشهرستاني «الخوارج» بمعنى أعم فيقول: «كل من خرج على الإمام الق الذي اتفقت الجحماعة عليه يسمى خارجياً سواء كان الخروج في أيام الصحابةء على الأئمة الراشدين؛ أو كان بعدهم على التابعين بإحسان؛» والأئمة في كل زمان»”. فالخوارج حزب سياسي ديني» قام في وجه السلطة القائمة من أجل الدين كا فهموه وهم لا يعدون أنفسهم خارجين عن الدین بل خارجین من أجل الدين› ومن أجل .إقامة شرع الله غير مبالين بما تحدشه ذلك الخروج من فرقة وانقسام وأحداث دامية» وهم مجاهرون بدعوتهم متمسكون بدعوة «الأمر با معروف والنهي عن المنكرا» غير مبالين با يؤدي إليه تطبيق هذا المبداً من قتل المخالفين سرا أو علناء ولقد تشبثوا بهذا المبداً وتطبيقهء حتى أصبح علامة من علاماتهمە”. (1) إسلام بلا مذاهب؛ ص122. (2) فجر الإسلام أ. أحمد أمينء ص 406؛ طبعة الحيثة المصرية العامة للكتاب» 1996ء الملل والتحل؛ء (1/ 115). (3) املك والتحل (1/ 144). قارن: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي؛ تحقيق: طه عبدالرؤوفت؛ ص1 5 طبعة الكليات الأزهرية 1987. (4) ارق الكلامية الإسلاميةء مدخل ودراسة؛ د. عبدالفتاح الملغربيء ص175 طبعة دار التوفيق؛ء القاهرةء 1986. وقارن: علم الكلام ومدارسه؛ د. فيصل عون؛ء ص120› طبعة دار التوفيق؛ء القاهرة 1981. 46 اأباضية اها وره ويمكن القول بأن ا خوارج أول حزب سياسي يتكون في تاریخ الإسلام وتبرز شخصيته على مسرح الحوادث؛ واضحة محددة» وتتقرر عقائده ونظرياته في مبادئ متميزة جليةء ويتبلور له نظام ومن تلك اللحظة التي نشأً فيها هذا الحزب؛ يمكن تتبم حياته في أدوار مختلفةء وأطوار متعاقبةء وهي سلسلة تمسك حلقاتما بعضها ببعض» ممتدة طوال عصور التاريخ". وهذه الفرقة أشد الفْرّق الإسلامية دفاعاً عن مذهبهاء وحماسة لآرائهاء وأشد الفَرَق تهوراً واندفاعاًء وهم في دفاعهم وتهورهم متمسكون بألفاظ قد أخذوا بظواهرهاء وظنوا هذه الظواهر ديناً مقدساً لا يجيد عنه مؤمن؛ استرعت ألبابهم كلمة (لا حكم إلا لله) فاتغذوها ديناً ينادون به» فكانوا كلما رأوا علياً يتكلم قذفوه هذه الكلمة. واستهوتهم - أيضاً - فكرة «البراءة» من سيدنا عثيان بن عفان والإمام علي - رضي الله عنه) -» وال حكام الظالين من بني أمية حتى احتلت أفهامهم؛ واستولت على مدارکهم استیلاء تاماه وسدت عليهم کل طریق یتجه بہم للوصول إلى الحق» أو ينفذون منه إلى معاني الكلمات التي يرددونجاء بل إلى معاني حقائق الدين ذاتهاء فمن تبراً من عثمان وعلي ومعاوية وطلحة والزبير ة والحكام الظامين من بني أمية سلكوه في جمعهم وأضافوا اسمه إلى أسائهم› وتساتحوامعه في مبادئ أخری من مبادئھ ”. وبرغم أن الخوارج قد حابوا علياً وخرجوا عليه فإن له فيهم - وهو الإمام اللنصف - كلمة حق حين قال في آخر أيامه: «لا تقاتلوا الخوارج بعدي» فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه»» وأمير المؤمنين يشير بذلك إلى أن الخوارج أشرف في قصدهم من بني أميةء لأن الأمويين اغتصبوا الخلافة اغتصاباً بغير حق» ثم ما لبثوا آن حوّلوها إلى ملك عضوض الأمر الذي يتناف مع الإأسلام (1) النظريات السياسيةء د. الريس؛ ص2 6. (2) تاريخ المذاهب الإسلامية (1/ 66-65). شه الثارغذية للخوارد 47 نصاً وروحاًء وأما الخوارج» فكانوا يدافعون عن عقيدة دينية آمنوا بہاء وإن أخطؤوا السبيل إليها وقد أيد الإمام العادل عمر بن عبدالعزيز رأي اللإمام علي في حُسشن الظن بهم حينم قال لبعضهم: «إني علمت أنكم ل تخرجوا مخرجكم هذا لطلب دنيا أو متاع ولكنكم أردتم الآخرة فأخطأتم سبيلها»”. وقد ارتبط ظهور مذهب الخوارج وانتشاره في بلاد المغرب الإأسلامي بعاملين: أو)|: التطور السياسي الذي حدث للخوارج في المشرق الإسلامي؛ وفي أواخر القرن الأول ا مجري بعد فشل ثوراتهم واضطرارهم إلى اتباع أسلوب الدعوة والتنظيم السياسي» واختيار أطراف العالم الإسلامي ميداناً لنشاطهم بعد أن تعرضوا للمطاردة والاضطهاد. وثانيه): ملاءمة الأحوال السياسية والاجتراعية في بلاد المغرب في أواخر القرن الأول المجري» وأوائل القرن الثاني» لتقبل هذا المذهب وانتشارهء وليس من شك في أن ما لحق بالخوارج من فشل في امشرق» يعزى إلى أسباب عدة منها تطرف عقائدهم وقصور فكرهم السياسي الظاهر من الثورات التي قاموا بها طوال العصر الأموي؛ ثم يقظة الخلافة ورجالا في مناهضة هذه الثورات ومواجهتها في سرعة وحزه”. القابهم وأسماؤهم: لقد أطلقت عليهم عدة أساء وألقاب؛ منها: أنهم سموا: «خوارج» و«احرورية» و«شراة» وامحكمة» و«مارقة» والسبب الذي من أجله سموا «خوارج» هو خروجهم على الإمام علي #؛ فهم أول من خرج عليه وصحبه؛ رافضين التحكيم؛ أو ل خروجهم عن الدين الحق””. وهذا التعليل جاء من مخالفيهم أماهم (1) إسلام بلا مذاهب» ص130. (2) الخوارج في بلاد المغرب» د. محمؤد إساعيل عبدالرزاقء ص25 ط2 القاهرةء 1986. (3) مقالات الإسلاميين؛ (1/ 207). وقارن: الأباضية مذهب وسلوك تأليف السيد عيدالحافظ عبد ربه؛ ص209 طبعة القاهرق 1987. 48 الأب اضية نشأنْها وفرشها فلا يعدون تسميتهم هذه ذمّاء وإن| كانوا يعتزون بہاء ويجدون لا سندا من القران - سس و وص وص هه . 2 2 و الكريم مثل قوله تعالى: ‏ ومن يبار في سييل اه يجيد في الارضِ مرغم يرا وسعةومن يخرج مک مر ‎ooo f ooo‏ وق ‎e‏ ے قے و ‎A‏ کے م بت مهاج ِل الله ورسولو ثم يذرله الو تففدو أجره عل الله وكان الله عفورا رجیکال() 4 [النساء:100]. فهم يرضون بهذه التسميةء خروجهم على كل إمام جائر من وجهة نظرهم وا ستشهادهم في سبيل الله تعالى» فهم يعتقدون أن ذلك فريضة عليهم» سواء کان الخروج في أيام الصحابة على الخلفاء الراشدين أم كان بعدهم على التابعين بإحسان في کل زمان”. والسبب الذي من أجله سموا «حرورية» لمفارقتهم معسكر علي ونزوشم بحروراء في أول أمره وهي قرية بظاهر الكوفةء بها كان أول تحكيمهم واجتاعهم» حين خالفوا عليا وخرجوا عليه. وقيل إن علياً # هو الذي أطلق على الخوارج اسم الحروريةء إِذ قال متسائلاً: ما أسميكم؟ أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء“. والسبب الذي من أجله سموا «شراة» - وهو من الألقاب المحببة إليهم - لأنهم قالوا: شرينا أنفسنا ني طاعة الله أي بعناها بالجنةء نقاتل في سبيل الله فتَقشّل ونل واحتجوا بقوله تعالى: رن اه اشر م الوم انهم وَامرم پاك لهم الجنة تيلوت ف ميل ل فة لون كور 4 [التوبة:111]› وقوله: ص 2 م م ے2 £2 ٍ م س ‎di‏ ‏$ رم اس من رى تسه ياء مات أف [البقرة:207]. (1) الملل والتحل؛ (1/ 118). (2) مقالات الإسلاميين ص207. وأيضاً: الفرق بين الفرق» ص5 7. (3) الزينةء لأبي حاتم الرازي؛ القسم الثالث تحقيق د. عبدالله سلوم السامرائي» نشره ضمن كتابه الغلو والفرّق الغالية ئي الحضارة الإأسلاميةء ص279 طبعة دار الحرية بغداتد 1972. لنش الثارعذية للخوارو_ 49 وسموا «محكمة»؛ للشعار الذي أعلنوه في أعقاب وقعة «صفين» من رفض التحكيم إذ قالوا: «لا حكم إلا لله وأنكروا الحكمين» ومعنى هذا القول عندهم أنه لا يجوز العدول عن حكم الله تعالى إلى حكم الرجال» فقد بين الله تعالى حکمه ف معاوية وصحكه؛ إٍد قال: تيلوا الى فى حى تفال أشرانو 4 [الحجرات :9[ فلا يصح إذن إغماد السيوف بعدما شهرت» ولا يجوز تحكيم الرجال في الدماء”“. وسموا «مارقةا» وهو لقب أطلقه عليهم خصومهم أخذاً من قول النبي يٍَ فيهم: اسيخرج من ضئضئ هذا الرجل - وهو ذو الخويصرة حرقوص بن زهير ‎a ‫َ . َ‏ . يرضون بكل الألقاب السابقة يقة عدا لقب «المارقة» . فهم ينكرون أن يكونوا مارقة من )4( الدذدب٠ س .۰ واسم الخوارج هو ألصق الأسياء بهم وأشهرهاء وذلك ينعكس على اختلافهم مع بعضهم» فيكثر الخروج بينهم» فبين) نجد أحدهم تلميذاً لأستاذ؛ إذ به بين عشية وضحاهاء ينقلب على أستاذه ويصبح معه على خلاف» وينادي برأي حالف له ويتجمع حوله أنصار ومؤيدون» ولذلك تكشر الخلافات يينهم» وينقسمون إل )5( طوائف شتى وكثيرة . (1) مقالات الإأسلامين؛› ص 207. (2) النظريات السياسيةء ص 46. (3) ورد هذا الحديث في كتب الصحاح؛ بألفاظ متقاربةء ما يقوي صحتهء فقد ورد أن ذا الخويصرة التميمي أتى رسول الله بعد غزوة حنين؛ وهو يقسم الغنائم؛ فاثر نفراً تأليفاً لقلوبهم في الإسلام فقال: اعدل يا محمد. فقال الرسول يِل : ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل! ثم قال َة : إنه يخرج من ضشضئ هذا الرجل قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم» يمرقون من الدين كا يمرق السهم من الرمية. راجع: صحيح مسلم بشرح النووي؛ (3/ 109 110› 118-116)› طبعة الشعب. (4) مقالات الإسلاميين» ص207. الفَّرْق بين الَرَّقء ص72. اعتقادات فرق المسلمين» ص1 5. )5( اعتقادات؛ ص2 5. 50 الأباضية نشأَنْها وغرذها فرقهم: افترقت الخوارج إلى فرق كثيرةء وطوائف شتى» بلغت عند كتاب المقالات والقرّق أكثر من عشرين فرقةء أو أقل» كل فرقة منها تخالف الأخرى في بعض تعاليمهاء وكبار الفْرَّق منهم كما يقول الشهرستاني: هي: المحكمةء والأزارقةء والنجدات» والبيهسيةء والعجاردة والثعالبةء والأباضيةء والصفريةء والباقون فروعهم”. وقد اختلفوا في يجمع «الخوارج» على افتراق مذاهبهاء فذكر الكعبي في مقالاته أن الذي يجمع الخوارج - على افتراق مذاهبها - إكفار علي وعثيان وال حكمين؛ وأصحاب ال جحمل؛ وكل من رضي بتحكيم الحكمين؛» وال کفار بارتکاب الذنوب» ووجوب الخروج على الإمام الجائر” . ولم يرض الإمام الأشعري» هذا الرأي القائل بإجماع الخوارج على تكفير مرتکبي الذنوب» والصواب عنده عدم إجماعهم لكون «النجدات» من الخوارج؛› (1) الفَرّق بين الفْرَقء ص24› 72. اعتقادات ص2 66-5. الملل (1/ 115). مقالات الإسلامين؛› (1/ 212-170). الفصل لابن حزم (3/ 190-189). الرد على الرافضة للإمام الملقدسي؛ ص١7 طبعة دار الجیل؛ 1989. (2) الملل والتحلء ص(1/ 115). والذي ذكره الشهرستاني من فرق للخوارج إنما هو أشهرها وأهمها ولايمنع هذا من وجود فرق أخرى للخوارج» فقد عقب الشهرستاني بقوله والباقون فروعهم. فقد انشطر بعض هذه القَرَّق إلى أحزاب أصغر (فالعجاردة) مثلاً انشطروا إلى (الصلتية)؛ أصحاب عثمان بن الصلت و(الميمونية)› أصحاب ميمون بن خالدء و(الحمزية) أصحاب حمزة بن أدرك؛ و(الخلفية) أصحاب خلف الخارجي و(الأطرافية) و(الشعيبية) و(الحازمية). و(الثعالبة) انشطروا إلى: (الأخنسية)ء و(المعبدية)» و(الرشدية)› و(الشيبانية)› و(المكرمية)ء و(المعاومية) و(ال مجهولية) و(البدعية). وقد انشطر الأباضية إلى (الحفصية)ء و(الحارثية)› و(اليزيدية)» تلك هي أحزاب الخوارج وشعابماء وأكثرها قد ذاب في غمرة أحداث الزمان» وكر الأيام ول يبي منها معاصراً لتا إلا الأباضية. )3( الفَرْق بين الفرق» ص 73. . وقد وافق الشهرستاني الكعبي؛ حيث قال: وما أجمع عليه الخوارج› أنم يكفُرون أصحاب الکبائر» راجع : الملل ص115. اناه التارعئية للخوارك 51 ومع ذلك لا يكشّرون أصحاب الحدود من موافقيهم؛ وأجمعوا عل أن الله تعال يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائاً إلا «النجدات» ل تقل بذلك”. وقد أجمع الخوارج أيضاً على القول: بأن الخليفة يختار اختياراً حراً من بين اللسلمين» وليس من الضروري أن يكون قرشياء فمن حق الحبشي - مثلاً - أن ينتخب متى أجمع المسلمون على انتخابه» كا أنه من حق القرشي أن ينتخب متى أجمع المسلمون على اختياره. وما أجمع عليه الخوارج أيضاً: قوم إن العمل بأوامر الدين جزء من الإيمان› وليس الإيمان كله“ . ويذكر ابن حزم الأندلسي» أن الخوارج باستثناء فرقة «النتجدات» قد اتفقوا على ضرورة نصب الإمام وهم بذلك يتفقون مع جميع الفْرّق الإأسلامية التي ترى هذا الرأي» مثل أهل السنّةء والشيعةء والمرجهة”. وما تجدر الإشارة إليه هنا أن اتفاق الخوارج على تكفير الإمام علي وعثان وأصحاب ال حمل وضعهم في موقف العداء للجماعة الإسلامية برمتها. فتعرضوا لسخط كافة الحكومات اللإسلامية. كم أنهم بسبب تكفيرهم لرتكبي الكبائر» انقسموا على أنفسهم أشد الانقسام في كثير من المسائل الفقهيةء واعتبرت كل فرقة ما عداها مارقةء وعاملت أنصارها معاملة الكفار في استباحة الدماءء واستحلال الأموال”“. وإلى هنا نستطيم أن نقول: إذا كانت الخوارج قد تفرقت إلى فرق وأحزاب شتى» إلا أن أكثرها قد ذاب في غمرة أحداث الزمان وكر الأيام ولم يبق منها معاصراً لنا إلا الأباضيةء ولذلك سنعقد فا المباحث القادمةء نتخدث فيهاعن نشأتها وعقائدها. (1) مقالات الإسلاميينء ص168-167. وأيضاً: الفّرّق بين القَرَقء ص73. أيضاً: التبصير في الدين؛ للإسفراييني» ص 146. (2) إسلام بلا مذاهب» ص1 13. (3) الفصل في الملل والأهواء والنتحل؛ لابن حزم (4/ 72)؛ طبعة القاهرةء 1902. (4) الخوارج في بلاد الملغرب» ص25. وأيضاً: اعتقادات فرق المسلمين›» ص 6 4: النشأة التاريخية للأباضية بعد العرض الذي قدمناه عن نشأة الصراع السياسي في تاريخ المسلمين المبكر وبعد أن وقفنا على مدى ما تعرضت له الساحة الإسلامية من قلاقل واضطراب فكري وعقدي؛ بسبب الواقف التي اتخغذها بعض الذين اندسوا في الإسلام واستتروا بردائه» كابن السوداء عبدالله بن سباً اليهودي الأصلء بما كان سبباً في مقتل ذي النورين (عشمان بن عفان) واشتعال نار الفتنة من بعده بين المسلمين؛ وكالمواقف أيضا التي اتغذها بعض أتباع علي من الإمام علي نفسه» حتى تشكلت اللحاور الثلاثةء والتي شغلت عقل الأمة الإسلامية وفكرهاء منذ خلافة معاوية فقد تشيع لبيت بني أمية فريق من المسلمين» وتشيع للإمام علي فريق» وتمرد فریق على الفريقين هو فريق ا خوارج» وناصبوهم العداءء واستحلوا دماءهم. وهؤلاء الخوارج كانوا إبان هذا الصراع يمثلون الديمقراطية الإسلاميةء إذ كانوا يرون أن الخلافة حق لكل مسلم ما دام كفا لا فرق في ذلك بین قرشي وغیر قرشی. وبعد أن ألقينا نظرة موجزة على الفكر السياسي والعقدي عند الخوارج› بحكم أن مناخ السياسي والعقدي» الذي تشكلت فيه أفكار ومعتقدات وممارسات )1( تاریخ الإأسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي» د. حسن إبراهيم حسن؛ (1/ 376)› طبعة مصر؛ء 1966. 54 اأباضية انها وفرغها الخوارج» كان جذراً تارمخياً لنشأة مذهب الأباضية باعتبار أن عبدالله بن أباض؛ والذي تجمع المصادر التاريية والأباضية أيضاً على نسبة المذهب إليهء كان واحداً من قیادات الخوارجء وخاصة عندما توجهوا إلى الحجاز لنتصرة عبدالله بن الزبير ثم حدٹ وان ذل . لذلك نقرر أن الخوارج هم نواة الأباضيةء وهم نقطة البدء في مسيرتها ومشوارها. إذ إن أصول المذهب الأباضي التاريخية والحركية ترجع إلى أخطر شقاق وأقصى نزاع ظهر في حياة الملسلمين إبان خلافة الإمام علي ه » وعقب وقعة «صفين» حين فارقه معظم من كانوا معه استنكاراً لقبوله بدا «التحكيم» مع معاوية » ويبدو أنه كان هناك عناصر غاضبةء وأخرى مدسوسة من مصلحتها تحريك الحوادث نحو الاصطدام والاقتتالء وتصاعد مجالات الصراع وميادينه”“. والأباضية يغضبون كثيراً حين يسمعون أحداً ينسبهم إلى الخوارج؛ ويېرؤون من تسميتهم با خوارج» ويقولون: نحن أباضيةء كالشافعية والحنفية والمالكية ويقولون: إنهم رُمُوا بهذا اللقب» لأنهم رفضوا القرشيةء أي التزام كون اللإمام من اقرش . والأباضية تطلق لفظ الخوارج» على كل من خرج على الإأسلام؛ إما بإتكار الثابت القطعي من أحكام الإسلام أو بالعمل ب يخالف المقطوع به من نصوص أحكام الإسلام ديانة“. وهم يعتقدون أن هذا التعريف لا ينطبق إلا على نافع بن )1( الحقيقة والمجاز في تاريخ الأباضية باليمن وال حجاز د. سال بن ود السيائلي» ص35 طبعة سجل العرب» القاهرة 1980. (2) الأباضية مذهب وسلوك؛ ص219. (3) البداية والنهاية للحافظ بن كثير؛ (7/ 280)› طبعة بروت؛ 1 198. (4) إسلام بلا مذاهب» ص135. وقارن: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة» ص5 1٠ طبعة الرياض؛ 1409 ه. (5) الأباضية بين العْرَق الأسلاميةء د. علي يحى معمرء ص254 طبعة القاهرة 1976. الاه الاركذية للإياصية 55 الأزرق وأتباعت ومن ذهب مذهبهم» بمن يستحلون دماء المسلمين وسبي نسائهم وأطفام. وقد استنكر الأباضيون المعاصرون بشدة انتماءهم إلى الخوارج رغم اتفاق كتاب الفْرَق والمقالات الإسلامية على أن الأباضية إحدى فرق الخوارج. فيذهب أحد علائهم المعاصرين إلى أن: الأباضية خالفوا الخوارج في عقائدهم المتطرفة وأنهم لم يخالفوا السنةء ولا يرى فرقة تتبع الحق إلا الأباضيةء أما من عداهم فيتبعون أهواءهم وأهواء أمرائهم ويقلدو مە ” ويؤكد باحث آخر على أن الأباضية ليسوا من الخوارج فيقول: إن كتاب الِرَقَ والمقالات» قد التبس عليهم الأمر عندما عدوا الأباضية من الخوارج» ذلك ما كان هناك من تشابه بعض آراء الأباضيةء مع بعض فِرَق الخوارجء ولكن الدارس ا عليه الأباضية يرى أنهم يوافقون الخوارج في بعض الأمور ويخالفونهم في البعض الآخرء والذي سرب هذه الشبهة - أي الأباضية فرقة من الخوارج - أن الأباضية ينتقدون قبول التحكيم؛ ويرون أن علياً مخطئ في الموافقة عليهء وأنه أخطاً في قتاله عبدالله بن وهب الراسبي وأصحاب النهروانء وليس هذا الرأي كان مقصوراً على الأباضيةء أو الخوارج» بل إنه كان رأيٍّ كثير من الصحابة والتابعين أمثال عبدالله بن عمرء وسعد بن أبي وقاص من الصحابة - رضي الله عنهم - والحسن البصري» وجابر بن زيك وهما من كبار التابعين» أما الاشتراك في بعض الأمور فإن ذلك لا يعني أنم) فرقة واحدة”. () الفصل لابن حزم وبهامشه الملل للشهرستاني؛ (4/ 144))› طبعة القاهرة 1348ه. التبصير في الدين› للإسفرايينى» ص56. مقالات الإسلامين؛ لللأشعري؛ء ص3 18. الملل التحل؛ ص115. اعتقادات فرق المسلمين؛ ص 64. الفرق بين الفَرَف› ص 103. تاریخ اللذاهب الإسلاميةء ص85. (2) الحقيقة والمجاز في تاريخ الأباضيةء ص 18. (3) الأباضية في موكب التاريخ؛ د. علي يجى معمرء ص25 طبعة القاهرةء 64 19. ‎s6‏ الأباضية نشأنْها وغرقها ‏ويفهم من هذا النص أن الأباضية فرقة مستقلةء ها آراؤها الخاصة بہاء ولا يهم إن كانت موافقة للخوارج أو لغيرها من الفرق الأخرى» وعلى كل فالدراسة التي نزمع القيام بها تكشف لنا عن حقيقة مذهب الأباضيةء وهل هي إحدى فِرَق الخوارج أم أنها فرقة مستقلةء مثلها مثل غيرها من الفرق الإسلامية؟ نشأة الأباضیہ: ‏تتتسب الأباضية إل عبدالله بن أباض بن تيم اللات بن ثعلبةه رهط الأحنف ابن قيس التيمي» وهو من طبقة التابعين» عاصر معاوية بن بي سفیان (1-40 6ه) مؤسس الدولة الأموية الأول وأدرك عبدالملك بن مروان (9-65 8ه ) مؤۇسس الدولة الأموية الثاق”. قال عنه العالم الأباضي القلهاتي: «وهو الذي فارق جميع الفَرَق الضالة عن الحق» من المعتزلة والقدرية والصفاتيةء والجهمية والخوارج› والروافض» والشيعةء وهو أول من بين مذهبهم ونقض فساد اعتقادهم»”. ‏وكان بين ابن أباض وعبدالملك بن مروان مراسلات» وكان قد كنب ال خليفة الأموي إلى ابن أباض في شأن الخليفة عثمان وعلي رضي الله عنهما وكان ابن أباض شأنه كشأن الخوارج يطعنون ويكفرون عثمان وعلبّاً رضي الله عنه) وأنكر عليه عبدالملك بن مروان ذلك» فكان جواب ابن أباض على الخليفة الأموي: «أما الذي أنكرت فهو عند الله غير منكر» وأما ما ذكرت من عشان والذي عرضت به من شان الأئمة فإن الله تعالى ليس ينكر عليه أحد شهادته ني كتابه با أنزل على رسوله يه أنه ‏ومن ل کم یما انرل انه اولك همالكو 10 [المائدة:45] و لمو ن« ‏[المائدة:44] و لاقوت $ [الائدة:47].. إن عشان أحدث أمورالم يعمل ہا صاحباه قبله - يعني أبا بكر وعمر - وعهد الناس بې حدیث؛ فلا رأى المؤمنون ما أحدث أتوه وكلموه» وذكروه بكتاب الله وسنّة من كان قبله من المؤمنین فشق عليه ‏(1) الأباضية مذهب وسلوك؛ ص222 240 247. وقارن: الفرق بين الفْرَّق» ص3 10. (2) الكشف والبيان» محمد بن سعيد الآأزدي القلهاتي› (2/ 1) طبعة عان› 1980. ‎ ‎ انشا الثاركذية للأاضيةٌ 57 ذلك فأخذهم بالجبروت» وضرب منهم من شا وسجن ونفی؛ ثم قال: إن يتبع الناس إمامين؛ إمام هدى» وإمام ضلالةء أما إمام الحمدى: فهو الذي يحكم با أنزل ال ويقسم بقسمة؛› ويتبع کتاب الل وأما إمام الضلالة: فهو الذي يغير ما أنزل الل ويقسم بغير ما قسم الله ويتبع هواه بغير سنة من الله فذلك کفر کا سمی اللہ جهادا كيرا )4 [الفرقان:52] فإنه حق أنزله باحق وليس بعد الحق إلا الضلال»”. والذي يستفاد من هذا النص» أن عبدالله بن أباض» نشا تاريخياً على أصول الخوارج الذين يعتقدون كفر اخليفة الثالث عثمان بن عفانء لكونه حكم بغير ما أنزل الله تعالى فغبر وبدّل. وبناءٌ على ما ذكره كتاب «المقالات» . من أن عبدالله بن أباض» هو الذي تنسب إليه الأباضيةء فإننى أرى أن هذه الفرقة تنسب له لأنه هو الذي أذاعهاء وأعلن عنهاء واشتهر المذهب قدي]ً وحديثاً باسمه؛ ولعله كان أكثر تأثيراً من غير وظهوره أك مما جعل المذهب ينسب إليه. فنسبة الأباضية إلى عبدالله بن أباض - كا يقول أحد الباحثين - من الأمور التي لا يختلف عليها الأباضيون ولا غيرهم من أصحاب المقالات الأخرىء باستثناء قلة قليلة من المؤرخين لا يعتد به“ . (1) محتصر تاريخ الأباضيةء للشيخ أبي الربيع سلييان الباروني» ص20 طبعة تونس. (2) الفرق بين القَرَقء ص103. التبصير في الدينء ص56. الملل والتحل؛ ص 134. فجر الإسلام ص260. تاريخ المذاهب الإسلامية ص85. ` (3) العقود الفضية في أصول الأباضية أ. سالم بن ميد الحارثيء ص121 طبعة دار اليقظة العربية. ‎s8‏ اأباضية نشأنْها وفْرشها ‏وليس صحيحاً ما ذهب إليه المقريزي في «خططه» من أن الأباضية تنسب إلى «الحرث بن عمروا"» فليس في طبقات الأباضية ولاكتب تراجمهم مايدل على صحة النسب إليه. ‏والشخصية الثانية التي أسهمت في تأسيس المذهب الأباضي هي شخصية «أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي» الذي توفي في ولاية «أبي جعفر المنصوز) (58-36ه) وقد أدرك جابر بن زيد وتتلمذ عليه وعلى غير وإليه انتهت رئاسة الأباضيةء وبتوجيهاته أسس الأباضية في كل من المغرب وحضر موت دولاً مستقلف وتخرج عل يديه دعاة من ختلف البلاد الاسلامية عرفواآنذاك باسم «حلة العلم؟» وعن طريقهم انتشر المذهب الأباضي في تلف البلدان الإسلامية”. ‏وثمة شخصية الشةء يرجع إليها الفضل في تأسيس المذهب الأباضي وانتشاره وهي شخصية «الربيم بن حبيب الفراهيدي؛» وأصله من عان؛ قصد البصرةء وأدرك «جابر بن زيد» وأخذ عنهء وآلت إليه رئاسة المذهب بعد أبي عبيدة وتخرج على يديه حملة العلم إلى عبان وخراسان وحضرموت» ورحل في أواخر عمره إلى عمانء ومات بها ي النصف الثاني من القرن الثاني ال حجري - حوالي عام 0 ه- وله مسند ي الحديث يسمى «الجامع الصحيح؟ء وهو من أقدم كتب الحديث» يقول الشيخ السيابي عنه: امسند الربيع بن حبيب؛ أصح الكتب بعد القرآن الكريم وعليه المعتمد عند الأباضية. ‏ويذهب الأباضية الملعاصرون إلى أن جل ما ورد في هذا المسند مذكور في الصحيحين وسائر الكتب الستة من كتب السنةء الأمر الذي يستندون إليه في التأكيد على قرب مذهب الأباضية من أهل السنّة“. ‏)1( الخطط أيو العباس أحمد بن علي المقريزي» ص55 طبعة دار صادر بيروت. ‏(2) الحقيقة والمجاز في تاريخ الأباضيةء ص66-65. وأيضاً: الأباضية مذهب وسلوك ص3 284-28. (3) المصدر نفسه» ص22. ‏(4) الأياضية بين الفْرَقء ص134. وقارن: إسلام بلا مذاهب» ص 150. ‎ ‎ النْشأه الثارغذية للأياضيةٌ 59 وإذا كان المذهب يحمل اسم عبدالله بن أباض» فلا يعني ذلك أنه مؤسس الذهب من الناحية الفقهيةء فذلك هو «أبو الشعثاء جابر بن زيد» ومن بعده «أبو عبيدة مسلم)؛ وأما عبدالله بن أباض فكان زعياً سياسياً من زعماء المحكمةء ولکنه تيز بالاعتدال في فكره مع الشجاعة والبسالة والجرأة في وجه السلطانء مع صواب الفكرة وعمق القالةء ولقد ذهب مذهبنا في أن عبدالله بن أباض ل يكن رأس الأباضية المذهبية لا السياسيةء كثير من علاء الأباضية المتأخرين وفقهائهم إذ هناك من ينص على أنه كان من أتباع أي الشعٹاء جابر بن زيد”. ويعد جابر بن زيد المؤسس الحقيقي مذهب الأباضيةء من حيث كونه مذهباً فقهياً شرعياً. وتجمع الأخبار على أن عبدالله بن أباض كان يتلقى العلم عليه لقد كان جابر إماماً في العلم؛ جامعاً لللأحكام مقبلاً على كتاب الله وسنّة رسوله 3% . واللذهب الأباضي موجود حتى اليوم؛ في عان وزنجبارء وشال إفريقياء وكانت لحم صولة في الجزيرة العربيةء وعلى الأخص في حضرموت وصنعاء ومكة والمدينةء وقد دخل مذهب الأباضية إلى إفريقيا ي النصف الأول من القرن الثاني ا مجري» وانتشر مذهبهم بين البربر انتشار النار في الحمشيم» حتى أصبح مذهبهم الرسمي» وحكموا شال إفريقيا حكباً متصلاً زهاء مائة وثلائين عاماً حتى أزا حم الفاطميون””. وقد انحسر الأباضية من أكثر البلدان التي انتشروا فيهاء فلم يبقوا إلا ي المواطن الآتية: (1) إسلام بلا مذاهب» ص3 14. وقارن: الأباضية مذهب وسلوك؛ ص2 28. (2) المصدر السابق› ص 147. (3) المصدر نفسهء ص135. وأيضاً: الملوسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة الندوة العالية للشباب الإسلامي» ص19» طبعة الرياض؛› 1409ه. 60 باصي نشأنها وفرشها 1- غيان: وأغلب سكان غيان إلى الآن على المذهب الأباضي› وقد تکونت لم هناك دولة مستقلة عن دار الخلافة منذ العهد الأموي إلى الآن. 2- زنحبار: كان أغلب سكان زنجبار من الأباضيةء وكانت لحم هناك دولة ملكيةء كان بها نشاط جيد في نشر الثقافة الإسلامية. 3 ليبيا: كان أغلب سكان ليبيا على المذهب الأباضي ثم انحسر فلم يبق إلا في جبل نفوسة وزوارة. وقامت للأباضية في الجناح الغري من ليبيا دول ي فترات قصبرة متقطعة. 4- تونس: كان أغلب سكان الجنوب التونسي على المذهب الأباضي› ثم انحسر فلم يبق إلا في جزيرة «جربة). 5 الجزائر: كان أغلب سكان ال جزائر على اذهب الأباضى؛ وقامت لمم هناك دولة» تعاقب عليها ستة أئمة متتابعين» واشتهرت باسم الدولة الرستمية”. ومها يكن من أمر فإن هذه الفرقة باقية حتى اليوم ذلك لأنهم أكثر الخوارج اعتدالاً كا يقول الشيخ أبو زهرةء وأقربهم إلى الجماعة الإسلامية تفكيراء فهم أبعدهم عن الشطط والغلو ولذلك بقوا ولم فقه جيدء وفيهم علماء ممتازون”. وقد نشأت الأباضية تاريياً وسياسياً وعقدياء على أصول الخوارج» وتفرعت عنهم كسائر فِرقهم الكبرى؛ وهي لم تحرج عن سات بقية الخوارج من قتاشم للمسلمين في المشرق والمغرب» ومن حيث خروجهم على الجاعة والأئمة طيلة التاريخ الإسلامي» ومن حيث أخذهم بأصول الخوارج العقدية على وجه العموم”. إلا أنهم اختلفوا في مسألة حكمهم على من خالفهم من المسليمن: (1) الأباضية مذهب وسلوك؛ ص289-286. )2( تاریخ المذاهب الإسلاميةء ص85. (3) تاريخ الأمم والملوك للإمام الطبري» (5/ 566)؛ طبعة القاهرة. لنْشأَهُ الارغذية للأْياضية 61 فأغلب الخوارج يرون ما عداهم من المسلمين كفاراً مشركين؛ يجب قتالحم؛ ولا يجوز مناكحتهم ولا إرثهم ولا أكل ذبائحهم؛ وديارهم ديار حرب» أما الأباضية فتقول: بأن محالفيهم من المسلمين كفار نعمةء ويجرون عليهم أحكام الموحدين؛ من حيث النكاح والاأرث وجوزوا معايشتهم والإقامة معهم. ومع هذاء فإن الأباضية يرفضون نسبتهم إلى الخوارج من قريب أو بعید وإنم)ا يطلقون على أنفسهم «أهل الحق» بل إن أحد علائهم المحدثين الشيخ سالم بن مود قد ألْف كتاباً يدفع فيه عن قومه صلتهم با خوارج» وجعل عنوانه: «أصدق ناهج في تمييز الأباضية عن الخوارج» يقول فيه: «مذهبنا مذهب رسول الله يِل ومذهب ابن عباس» وأبي هريرة» وأبي سعيد الخدري وعائشة أم المؤمنين؛» وعبدالله ابن عمرء وعبدالله بن عمرو بن العاص» ومذهب الخلفاء الراشدين»”. ومع ذلك فإنه لا يستطيع الباحث أن يقطع الصلة بين مؤسس المذهب الأباضي وعلاقته بحركة الخوارج؛ فبانتمائه التاريخي» يشكل مذهبا جذره التاريخي منطلق من تيار الخوارج حتى وإن اختلف المذهب فيم بعد وأصبح يشكل معطيات جديدة قد لا تضعه أبداً بين أجنحة الغلو في الفكر ا خارجي. وبعد أن تحدثنا عن نشأة الأباضيةء ومدى صلتها بالخوارج» ننتقل إلى الحديث عن فِرّقها التي انشقت عنها. TR )1( إسلام بلا مذاهب› ص 144. فرق الأباضية المنشقة وعقائدها افترقت الأباضية فيا بينها فرقاً شتى» نتيجة إفرازات فكرية وسياسيةء علاوة على شخصية أصحابهاء وقد نشأت الفِرَّق الأباضية في المغرب الإسلامى: ليبياء وتونس» والمغرب» والجزائر وذلك ما مر على المغرب الإسلامي إبان إقامة الدولة الأباضية وكذلك المشرق؛ فقد ظل القطر العاني منذ فجر الإسلام مستقراً للمذهب الأباضيء وقد سيطر أبناء المذهب على نظام الحكم فيه في شكل إمامة تستمد نظام حكمها و أحكامها من المذهب الشائع بين أهل البلاد. وقد ثبت الحكم الأباضي أقدامك ووطد أركانه» في أكشر من قطر إسلامي: وجدناه ني عمان ممثلاً في مس حقب أو بالأحری خمسٌ دول» هي دولة بني الجلندي؛ والخروصيين» والبناهنة واليعاربةء والبوسعيديين» ووجدناهء لبعض الوقت في اليمن؛ ولقرن ونضف - إلا قليلاً- في الشال الإفريقي في الدولة الرستميةء ثم وجدناه أخيراً في شرق إفريقياء وعلى وجه التحديد في مباسا وزنجبار» ولكن كفرع من نظام الحكم في عمان''. )1( إسلام بلا مذاهب» ص 152-151. 64 اأباضية نشأنْها وفرقها وقد أحصى كتاب الأباضية أهم الفْرَق التي تنطوي تحت المذهب الأباضي» أو التى انشقت عن الأباضيةء فوجدوها ست فرق تجيء تحت هذه الأسياء: النكاريةء والنفاثةء والخلفيةء والحسنيةء والسكاكية والفرثية. وهناك فرق أخرى ذكرها كناب المقالات» كالحفصيةء واليزيديةء والحارثيةء وأصحاب طاعة لا يراد الله بہا. وهذه الفَرَق» تمثل في المذهب الأباضى مراحل تاريخية وعقديةء ينطوي عليها الملذهب» أو يشكل تجربته التاريخية وإن كان الخلاف فيا بين هذه المرّق ليس في مستوى الخلاف الذي بين الإطار العام للمذهب وجذوره التاريية إبان نشأة فكر وعقائد الخوارج» وإن كان بعض هذه المذاهب قد أنكرها جمهور الأباضية. ولا جد الأباضيون حرجاء من أن ينطوي مذهبهم على عدة فرق ويكون تحت لواء عدة أئمةء إن بالتعاقب التاريخى» أو بالاختلاف الفقهىء» إذ ليس هذا بدعاً من المذاهب» وني هذا يقول أحدهم: «والمذهب الأباضى: ليس بدعاً من المذاهب الإسلاميةء فقد كان الخلاف يقع بين العلماء فيتناقشون فيه». ويقول في الوضع نفسه: «إن الخلاف داخل المذهب» قد كان يقع بين ثليه منذ تكوينە»”. والأباضية بِفَرّقها تتفق في بعض العقائد والآراء وتختلف في أمور بعضها يكون الخلاف فيها جوهرياء وبعضها يكون الخلاف فيها ثانوياً» وسوف يتضح لنا ذلك؛ بعد استعراضنا هذه الفَرَق وأهم عقائدهاء على النحو التالي: اولاً: فرق النکاریہ: هذه الفرقة ظهرت في بلاد المغرب العربي» على أثر وفاة مؤسس الدولة الأباضية في هذه البلاد عام 171 وهو «عبدال ر حمن بن رستم» الذي رغب في ترك الأمر شورى من بعده بين سبعة نفر يتولون تنظيم شؤونهم الداخلية في بلاد (1) الأباضية بين الفرق الإسلاميةء ص3 25. (2) المصدر السابق. فرؤ الأباضية امنشفة وعذائدها 65 اللغروب» وهم: عبدالله بن يزيد الغزاري» وعبدالله بن عبدالعزيز» وأبو المؤرخ عمر محمد السدوسي» وشعيب بن المعروف» وحاتم بن منصور؛ ويزيد بن فندين؛ء وعبدالوهاب بن رستم. وقد انعقد الإجماع على ترشيح «عبدالوهاب بن رستم» للإمامةء إلا أن «يزيد ابن فندين» تقدم للبيعة لأنه كان یری أنه أكفاً من «ابن رستم؟» وکان قد انتظر فترة بعد مبايعة "ابن رستم» عساه يوكل إليه بعض المهام العظيمةء ولا لم يوكل إليه شيء أثار نزاعاً حول الإمامةء وادعى أن الإمامة باطلةء ووقم الخلاف بين الأباضية في اللغرب» فاقترح أن يؤخذ رأي أباضية المشرق الإسلامي في عبان والبصرة يومئف فأرسل إليهم الفقيه الأباضي «الربيع بن حبيب؛» صاحب الجامع الصحيح قائلا: "إن الإمامة صحيحةء وأنه يجوز إمامة رجل من المسلمين مع وجود من هو أفضل 4 ولكن «ابن فندين» م تهداً له نفس» ولم يسترح لرأي «ابن حبيب» بل أشعلها حرباً على الإمام عبدالوهاب بن رستم» استعان على إضرامها بوسائل دينية استغل فيها فريقاً كبيراً من العامة واستخفهم؛ فأصبح إطفاؤها ليس بالأمر السهل؛ وما فق الإمام «عبدالوهاب بن رستم» إلى القضاء عليها إلا بعد سفك دماء غزيرة وكان عدد ضحايا هذه الفتنة لا يقل عن عشرين ألفاً من الطرفين» من بينهم رأس و . )3( الفتنة «يزيد بن فندين» . وقد هزت الثورة «النكارية» التي تزعمها «ابن فندين» أركان الدولة الرستميةء في عهد إمامها الثاني وهو «عبدالوهاب بن عبدالرحمن الرستمي» (1) الأباضية بين الفرق الإسلاميةء ص255 بتصرف. (2) طبقات المشايخ بالمغرب» أبو العباس أحمد بن سعيد الدرجيني» (1/ 41)› طبعة البعث بالحزائر› 4 وقارن: ا خوارج في بلاد الملغرب» ص ۱157ء 201. (3) مختصر تاريخ الأباضيةء ص34. وقارن: الأباضية في الجزائر آ. علي بن یی معمر؛ 1/ 37-36. ‎ç6‏ الأباضية نشأنْها وفوشها ‏والكُكّار الذين أشعلوا تلك الفتنة وقاموا بتلك الشورةء قوم أنتكروا إمامة «عبدالوهاب» وطالبوا بتكوين مجلس للشورى يكون أعضاؤه أشخاصاً معروفين. وقد دبر فريق «النكار» مؤامرة لعزل الإمام «عبدالوهاب» أو قتلهء فقد انتهزوا مناسبة كان الإمام قد غادر فيها عاصمة الدولةء لبعض الأمور فأعلنوا الثورة وانقضوا على «تاهرت» فواجههم أهل المدينةء ووقع كثبر من القتلى من الفريقين. فلا رجع الإمام وجد على باب العاصمة جثثاً ملقاة ودماء مهراقةء وأخبره الناس بيا وقع فأمر بالقتلى من الفريقين فجمعواء وصلى على الجميع اقتداء بأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب» في «موقعة الحمل؟» ثم أمر بدفن ال جحميه”. ‏وتكمن الدوافم الأساسية لثورة «ابن فندين» في رفض إمامة «عبدالوهاب» لعدم اعترافه بجماعة المشورة - التي اقترح ابن فندين استرشاد الإمام برآيها - ولآن جماعة المذهب ل يجمعوا على إمامته لذلك؛ ولآن في جماعة الأباضية من يبز عبدالوهاب علماء ومن ثم يصبح مغتصبا للإمامةء يضاف إلى ذلك نقمته على سياسة عبدالوهاب الإداريةء ومحاباته لبعض العناصر والقبائل› واختصاصهم بمناصب الدولة دون غيرهم» وبالذات نفوسة والعجم”. ‏والحركة التكارية هذه بضرب الإمام عبدالوهاب فا - وخاصة بعد أن انضم إليها «أبو اللعروف» شعيب بن معروف الذي كان إبان اشتداد الأزمة واحتدام الصراع بين «ابن فتدين» وجهور أباضية المغرب في مصر ثم انضم إلى «ابن فندين» - ‏(1) إسلام بلا مذاهب» ص169. وقارن: الأباضية في الجزائر ص37-36. قارن: الخوارج في بلاد اللغرب» ص158. ‏)2( الخوارج ي بلاد المغرب» د. محمود إساعيل عبدالرزاق؛ ص156. عرفت هذه الفرقة بالنكارية› لإتكارهم إمامة عبدالوهاب بن رستم» وعرفوا أيضاً ب(النجوية) لأ نم أكشروا الاجتماع والنجوى كيا أطلق عليهم أعداؤهم أسياء أخرى فعرفوا ب (الشعية) لإدخافم الششعب والفرقة ئي المذحهبء› وقيل (الشغبية) لحداڻهم الشغب»ء » كما دعوا ب (النكاث) لنتكثهم بيعة عبدالوهاب. انظر: الخوارج في المغرب هامش؛» ص156. ‎ ‎ خرؤ الأباضية النشفة وعفائدها 67 ضعفت سياسياً وعسكرياًء لا سيما في الجزائر؛ أما دينياً فهي تقوم على مستندین أو مقومين هما: أنه لا تصح عندهم إمامة المفضول مع وجود الأفضل. والثاني: تصح الإمامة بشروط إذا شرطها الناس عند البيعةء وتسقط لمخالفة تلك الشروط”. وبناءٌ على هذين الاعتبارين تسقط إمامة «عبدالوهاب بن عبدالرحمن» من وجهة نظر التكارية. ومن هنا نلاحظ أن التكارية نشأت فرقة سياسية غير أن «أبا اللعروف شعيباً» الذي استقر في ليبيا رأى أن يصبغ هذه الحركة بصبغة دينيةء حتى يكتب نا النجاح» ويتقبلها الناس» «فأضاف ملتقطات مما كان يجري فيه الجدل بين الناس؛ وعمق أبو المعروف الخلاف العقدي مع الربيع بن حبيب» الذي أفتى بصحة الإمامة بين جماعته وبين جمهور الأباضيةء ولا كان الربيع بن حبيب يمشل ثقلاً دينياً بين أتباع المذهب» فقد كان اختصامه عبئاً على الحركة النكارية”“ فلم يكن من السهولة بمكان السير بخطى واسعة في الحركة التكارية». ومن مقالات فرقة التكارية السياسية التى خالفت فيها الأباضيةء الملقالات الأربع الآتية: ۱ 1- قوم إن الإمامة غير مفترضة. 2- قولهم إن صلاة ال جمعة غير جائزة خلف الأئمة الجورة. 3 قوم إن عطايا الملوك لا يحل أخذها. 4- قولحم بعدم جواز إمامة المفضول في حالة وجود الأفضل”“. )1( الأباضية بين الفرق» ص8 25 بتصرف. (2) الأباضية عقيدة ومذهباء د. صابر طعيمةء ص52 طبعة دار الجيل؛ بيروت 1986. )3( سميت هذه الفرقة بالنكاريةء لأنهم أنكروا إمامة عبدالوهاب بن رستم» وأما الذين أيدوه وصوبوا إمامته فسموا (وهابية)» وهم جمهور أباضية المغرب. انظر: غتصر تاريخ الأباضيةء ص35. (4) الأباضية بين الفرق» ص2 36. 68 الأباضية نشأنها وفوشما أما أفكارهم العقدية التي خالفوا فيها هور الأباضيةء فقد أحصى «أبو عمرو ابن خليفة السوفي المارغني» نحواً من عشرين مقالة في كتابه «رسالة فرق الأباضية الست وما زاغت به عن الحق»ء وقد جاءت على التحو الآتي: 1 الحد في الأساء. 2- قالوا: إن ولاية الله تعالى وعداوته تتقلب بالأحوال. 3 قالوا: إن أسماء الله تعالى مخلوقة. 4 قالوا: يجوز الانتقال من الولاية إلى الوقوف. 5 قالوا: حجة الله تعالى تقوم بالساع؛› وقد سمع الناس. 6 قالوا: من لم تبلغه دعوة الإسلام› ودعي إلى دين سهاوي آخر لا جوز له أن يجيب. 7 قالوا: النوافل غبر مأمور ہا. 8 قالوا: الحرام المجهول حلال. 9 قالوا: يجوز شرب الخمر َقِية. 0- قالوا بالوقوف في الأطفال كلهم. 1 قالوا: لا كفر إلا فيا تقطع عليه اليد وهو ربع دينار ومن أخذ دونه ليس عليه شيء. 2- قالوا: اللطمة والنظر بشهوة والقبلةء ودخول الحيام بغير إزار صغائر غیر کہائر. 3- قالوا: «يدعى المشرك إلى جملة التوحيد وبراءة أحداث أهل الأهواء من أهل القبلة». فرق اأباصية الشف وعفائدها 69 4- قالوا: «لا تقوم الحجة فيا يسمع حتى يجتمع المسلمون بأسرهم»”. وبعد هذا العرض لقولات التكارية العقدية والسياسية اتضح لنا حجم الابتداع الذي تمثله هذه المقولات» حتى على عقائد الأباضية نفسهاء فضلاً عن مخالفتها ‏ معتقد المسلمين عامةء الأمر الذي جعل مؤرخي الأباضية يعتبرونها فرقة مستقلة لها من الخصائص والمميزات؛ شأنها شأن غيرها من ارق الإسلامية الأخرى» والفاحص لا عليه هذه الفرقةء يجد الفرق الشاسع؛ والبون كبير بين معتقدها ومعتقد المسلمين مما جعلها حركة سياسية في المقام الأول أبرزتها حركة التاريخ السياسي آنذاك. والْكارية وإن عدت فرقة لا إمام هو (أبو اللعروف شعيب بن المعروف) فيكفي في الحكم على خروجها حتى عن معتقد الأباضية وفقهها - ما سنعرض له فيا بعد - أنهم قالوا بعدم فرضية الإمام وبعدم جواز صلاة ال جمعة وراء الأئمة الجورةء وبعدم جواز ولاية اللفضول مع أن أئمة الأباضية كانوا جميعاً من أيام (جابر بن عبدالله) يقولون: إن صلاة الجمعة واجبة وراء الأئمة ال جحورة ما أقاموهاء ووجدت شروطهاء وكانوا هم أنفسهم يصلونها وراء (الحجاج بن يوسف الثقفي) وكانوا يقولون: إنه يحل أخذ العطاء من الملوك ما لم تؤد إلى حرام وكان جابر يأخذ العطاء من عامل الحجاج» وكانوا يقولون: إنه تجوز ولاية المفضول مع وجود (2) الأفضل إذا وجدت في المفضول مزايا ترجحه ليست للأفضل . )1( الأباضية عقيدة ومذهباء ص 54-53› نقلاً عن فرق الأباضية الست وما زاغت به عن الحق؛ ص3-1. وقارن: الأباضية بين الفْرَقء ص3 36. (2) الأباضية في ال جحزائر على یحی معمرء ص56 الجزائر 1979. 70 اأباضية نشأنْها وفرفها ثانياً: فرق الخلفية: تنسب هذه الفرقة إلى (خلف بن السمح بن أبي الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافر)» وكان والده (السمح بن أبي الخطاب) والياً على جبل «نفو ‎a‏ ‏وما يليها من ضواحي طرابلس» وقابس بليبيا وتونس”“. وحركة الخلفية التي تزعمها (خلف بن السمح) في شرقي الدولة الرستميةء كانت آخر الشورات التي واجهت حكم (عبدالوهاب الرستمي)› وهي التي أسفرت عن ثاني الانشقاقات الأباضيةء إذ ما كاد (عبدالوهاب) يفرغ من مواجهة الحركات والثورات التى اندلعت في (تاهرت) وما حولماء حتی داهمته في آخر عهده حركة انفصالية في منطقة طرابلس» وجبل نفوسةه التابعة للإمامة في (تاهرت)› اتغذت طابعاً دينياً. واستفحل خطر الحركةء واقتطعت غالبية أجزاء الدولة (1) كانت نفوسة من أوسع قبائل البربر» وأكثرها انتشاراء فمن بطو نها بنو زمور وبنو مکسور؛ وماطوسةء وتضرب شعوبها في أحواز طرابلس» وجبل نفوسة حتى مشارف القيروان» وإن کان الجبل هو معقلهم الأصل؛ ويبلغ طوله من الشرق إلى الغرب مسيرة ستة أيام؛ وارتفاعه نحو ثلائة أيام وهو عامر بالان والقلاع؛ والقرى والضياع والمزارع؛ وأهم مدنه شروس» ومصيف» وجادو وكانت نفوسة تدين با مسيحية قبل اعتناقها الإسلام واعتنقت المذهب الأباضي في أوائل القرن الثاني المجري» وأسهمت في ثورات الأباضية في المغرب الأدنى وإفريقيا بتصيب وافر. وما قامت الدولة الرستمية ب (تاهرت) كان النفوسيون من أشد مناصريا ضد خصومها ولا غرو فقد حظوا باهم اللناصب العامة في الدولةء فكانت نفوسةء تلي عقد تقديم القضاةء وبيوت الأموالء وإنكار اللكر في الأسواق» والاحتساب على الفساق؛ إلا أنه على الرغم من تبعيتهم للإمامة في (تاهرت)› کانوا شبه مستقلین؛ » نظراً لبد المسافة بينهم وبين تاهرت. انظر: البلدان؛ لليعقوي» أحمد بن أبي يعقوب» ص349› طبعة ليدن 1891» وأيضاً السير لؤلفه الشياخيء» أحمد بن سعيد بن عبدالواحكء ص273-192› طبعة القاهرة وأيضاً: : المسالك والمالك؛ لأبي القاسم بن حوقل› ص67 طبعة ليدن 1873. وأيضاً : صفة الملغرب وأرض السودان ومسصسر الشريف محمد الأادريس؛ ص5 1› طبعة ليدن 1894. (2) الأباضية بين المَرَّق الإسلاميةء ص 71. فرق اباي النشفة وعفائدها 1 الرستمية الشرقيةء خلال السنوات الأخيرة من حكم (عبدالوهاب بن رستم) وردحاً طويلاً من عهد ابنه (أفلم). وکان (خلف بن السمح) زعيم الانشقاق الأباضي الثاني سليل بیت عريق في خدمة المذهب الأباضى في بلاد الملغرب. فهو حفيد (أبي الخطاب عبد الأعلى بن السمح) «أول أئمة الظهوراء وأبوه (السمح بن آي الخطاب) وزير الإمام (عبدالوهاب الرستمي)› وساعده الأيمن وعامله عل جبل «انموسة؟› لذلك اكتسب آل أبي الخطاب منزلة كبيرة بين أباضية المغرب الأدنى» يفسر هذا إقدامهم على مبايعة (خلف بن السمح) بالولاية على أثر وفاة والده (السمح بن أبي الخطاب)) من غير إذن الإمام (عبدالوهاب الرستمي)» أو حتى الرجوع إليه» فأنكر (عبدالوهاب) على آل أي الخطاب ما استباحه هو وأسرته من الخروج على مبداً الاختيار إلى مبدا الوراثة في الحكم؛ ومن ثم لم يقر شرعية ولاية (خلف بن السمح)› كا ضرب صفحاً عن توسلات أباضية الجبل لإبقائه والياً عليهم من قِبّله وأمر (عبدالوهاب) الناس باعتزال وقام بتولية غر على أن غالبية الأباضية في هذه النواحي أصروا علي موقفهم وأعلنوا خروجهم على إمامة (عبدالوهاب))» وبايعوا (خلف بن السمح) بالإمامةء محتجين بجواز ازدواج الإمامة ما وجد عدو يفصل بين أتباع المذهب» أو لصعوبة الاتصال؛ وطول المسافة بينهم وبين تاهرت”. (1) البلدان؛ لليعقوي» ص 349. (2) الخوارج في بلاد لغرب ص163. وأيضاً: طبقات المشايخ بالمغرب» لأبي العباس أحمد بن سعد الارجيني؛ (1/ 78)› طبعة الحزائر 1974. (3) اللإمكان فيا جاز أن يكون أو كان لمؤلفه محمد بن يوسف أطفيش» ص108-107ء طبعة ال جزائر؛ 4 ه. 72 اأباضية ‎lai‏ وخرگها لكن وجد بين أباضية الجبل من تمسك بإمامة (عبدالوهاب) فبعث إليهم (عبدالوهاب) رسالة امتدح فيها موقفهم؛ وولى عليهم أحدهم؛ ويدعى (أبا عبيدة الجناوني) ومن ثم حدث انشقاق سياسي اتحخذ صبغة فقهية مذهبية. وجوهر الخلاف كمن في أمرين: أولما: مدى حقوق الرعية في تعيين عََاها. والآخر: شرعية وجود إمامین ئي وقت واحد. وفي تقديرناء أن تعاليم المذهب الأباضى› ترجح رأي «خلف» وأصحابه. فثمة رواية لأبي الربيع الوسياني تقول: «إن أحد مشايخ نفوسة من تلقوا العلم على الإمام عبدالوهاب» أخذ عنه مبدأ حق الرعية في اختيار ولاتها»". وقد أفتى الربيع بن حبيب بجواز تعدد الأئمة بقوله: «لا بأس باجتماع إمامين أو أئمة في زمان واحد ذا فصل بينهم سلاطين لا تطاق؛ أو قوم لايطاقون؛› و حال بُعد المسافة”“. ولعل ذلك يفسر انضيام غالبية أهل الجبل إليهء ومهم كان الأمر فقد احتدم الخلاف بين الحزبين» وطرحت القضية برمتها على فقهاء المذهب بالمشرق للإفتاء فيها. وتذكر المصادر الأباضية أنهم أفتوا في صالح الإمام (عبدالوهاب) وخطّؤوا موقف (خلف) وأتباع””. ومات الإمام (عبدالوهاب) ومعظم أجزاء الدولة الشرقية في حوزة (خلف ابن السمح)؛ واستمرت حركة (خلف) وتفاقم خطرهاء خلال حكم (أفلح بن عبدالوهاب) حيث قامت مناوشات بين جماعة (خلف) وحماعة (أفلح بن عبدالوهاب) تمكن بعدها الأخير من دحر جماعة (خلف) والتغلب عليه عام 1ه وعند تولي العباس بن أيوب حكم جبل نفوسة بعهد من الإمام (أفلح بن (1) الخوارج في بلاد المغرب؛ ص164. (2) الإمكان فيا جاز له أن يكون أو كان» ص108-107. فرؤ اأباصية الشف وعفائدها ١ 23 عبدالوهاب) تعقب (خلفاً) وقضى على جماعته نهائياً بعد عدة حروب خسر فيها الطرفان عدداً كبيراً من الأتباء. وواضح أن المعارك والمنازعات التي وقعت بين خلف وبين الإمام - والتي ل يسكت فيها الإمام الشرعي على (خلف) إلا بعد القضاء على جماعته» وذلك على أيدي ولاته المبايعين له - شغلت (خلفا) وأتباعه عن أن يدلوا بدلوهم في جال العقيدة والفقه» كما فعلت فرقة «النُكارية» من قبل. ولذلك نجد أحد المؤرخين الأباضيين؛ الذين حصر الفْرَّق التى انشقت عن الأباضيةء وعد من بينها فرقة «الخلفية»ء يرجع ويستغرب من كتاب القالات الذين عدوا هذه الحركة التي قادها (خلف بن السمح) فرقةء حيث يقول: «والعجيب من الؤرخين» وكتاب المقالات أن يتأثروا بال حانب السياسى هذا التأثر الكبر فيعتبروا للقاتلين فرقةء ويعتبرون (خلفا) إماماً لفرقة» 2 يتبين لنا ما سبق عرض أن هذه الفرقة واحدة من الإفرازات السياسية التي كونت أفكارا ا ومعتقدات تخالف في منطلقها وأهدافها الأباضية منشاً ومعتقداء ولكن الذين كتبوا ي هذا الموضوع ل يسجل أحد منهم ال جانب العقدي في مذهب (الخلفية)› رغم أن البيئة التاريخيةء والحدث السياسي» يدور حول بمارسات عقدية وأمور شرعيةء والعنصر البشري في الأحداث مذهبيء فإن جبل (نفوسة) وما وليه من ضواحي طرابلس» وقابس» وتونس» كان على المذهب الأباضي» والإمارة على هذه البلاد تتم بناءٌ على أمر من الإمام في المغرب والجزائر المبايع مبايعة شرعية. (1) طبقات المشايخ بالغرب؛ (1/ 68). غتصر تاريخ الأباضيةء ص36 بتصرف. الخوارج في بلاد اللغرب»؛ ص166. (2) الأباضية بين الْرَق» ص 258. 4 الأباضية نشأنْها وفرشها ثالثا: فرق النفاثيہ: تنسب هذه الفرقة إلى (فرج بن نصر النفوسي) المعروف ب «النفاث»ء وهو من إحدى القرى الغربية من جبل (نفوسة) في ليبيا"". وهذه الفرقة كانت مناوئة للإمامة في (تاهرت) تزعمها (فرج بن نصر) وأسفرت عن ثالث الانشقاقات في الحاعة الأباضية. كان الانشقاق الأول نتيجة خلافات فقهية حول مسائل الإمامة وسياسة الإمام (عبدالوهاب) في تعيين عَباله. وكان الانشقاق الثاني بسبب قضية تعدد الأئمةء وحق الرعية في اختيار ع ها. أما الخلاف الثالث؛ فكان من جراء الإخلال بشرعية الإمامة وإهدار رسومها على يد (أفلح بن عبدالوهاب)› فضلا عن سياسته «في استعرال العّال والسعاة لجحباية الحقوق الشرعيةء ومطالب بيت المال من الرعية»”. وهذه الفرقة تعتبرها معظم المصادر الأباضية مارقةء وخارجة عن الدين› وذلك لا ارتأته هذه الفرقة من أفكار سياسية وعقدية. لكنه بالرغم من ذلك فإن الفرقة النفاثية محسوبة على التاريخ الأباضي بوجه عام خاصة إذا علمنا أن مبررات الخروج عل الإمام (الرستمي) عند التفاثيةء كانت فيا زعم (النفاثيون) لإنقاذ الإمامة الأباضية مما آلت إليه من اتخاذ مبدأ الوراثة في الإمامةء واختفاء مبداً الشورى والاختيار في الحكم الرستمي. يؤيد هذا ما ذهب إليه أحد الباحثين حين قال: «وعلى الرغم مما تورده المصادر الأباضية من تفسير لحركة (نفاث) باعتباره مارقاً على الإمامة لأسباب ودوافع ذاتيةء فإإن ذلك لا ينفي قط كون نفاث ثائراًء صاحب آراء واجتهادات في ال مذهب الأباضى: وداعية لإنقاذ الإمامة مما تردت فيه من امتهان على عهد أئمة بني رستم. (1) مختصر تاريخ الأباضيةء ص 37. )2( الخوارج في بلاد المغرب؛ ص167-166. فرؤ الأباصية الشف وعفائدها 75 فقد آلت الإمامة إلى (أفلح بن عبدالوهاب) توا بعد وفاة أبيه» مما يؤكد استقرار مبداً الوراثةء واختفاء مبدأ الاختيار في ال حكم الرستمي ب وكان مثل هذا الانتهاك لتعاليم المذهب» كفيلاً بإثارة عالم فقيه» مثل (فرج بن نصر)» الذي أعطي في العلم منزلة عظيمةء والفقه والفهم؛ ومن ثم عدل على لخروج على إمامة (أفلح) واتخذ من قريته المجاورة (القنطرارة) مركزاً لاعوته وأنصاره ولقيت دعوته إقبالاً كبعراً من أباضية نفوسة وزواغة. فقد وجدوا ئي (النفاثية) مبرراً لتظلمهم من دفع الأموال والجبايات والرسوم التي كان يحصّلها َال الإمام (أفلح) . وقد حاول مؤرخو الأباضية تبرير إمامة (أفلح) بعد وفاة أبيه تلقائياً بقوهم: إن أهل الحل والعقد بادروا بتتصيب (أفلح) إثر موت والده تخافة خطر العدو التربص ب (تاهرت). وجدير بالتنويه أغهم م يذكروا شيئ عن هذا العدو اللزعوم› ل آنه مقیم بجبل تاهرت. والواقع أن جماعة النّكا ر التي كانت تسكن ذلك الجبل کانت قد تشه تصنت لها وعادت قلوها إل مواطتها الأول مذ عهد (عبدالوهاب)». کا لم يحدث في آخر يني حکمه سوى ترد (خلف بن السمح) الذي لم يکن خطراً مباشراً على مركز الإمامة في تاهرت» ذلك أن حركته اقتصرت على نواحي طرابلس وجبل نفوسة وقد فات هؤلاء المؤرخين أن (عبدالوهاب) عقد ولاية العهدل (أفلح) قبل وفات» وعقب انتصاره على بدو هوارة» حیث قال: المد ست ستحق (أفلح) الإمامة». كم كان أفلح صاحب السلطة في تاهرت أثناء غياب والده بجبل نفوسة وصراعه مع الأغالبة حول طرابلس» الأمر الذي يؤكد ثبوت مبدا التوريث في الإمامة الرستمة” )1( الخوارج في بلاد المغرب» ص 167. (3) المصدر نفسه› ص6 26. 76 الأباضية نشأنْها وغرذها كما جرى أفلح على سنة والده ئي «استعيال الالء والجبايةء ومطالب بيت المال» مما أثار حفيظة الفقهاء فثاروا بقيادة (نفاث) لانتهاك الإمام رسوم الإمامة وتقاليدهاء إلا أن أفلح أرغم - أمام ظهور خطر القبائل والعصبيات - على التراجع في سياسته» وعاد إلى تطبيق مبداً اللامركزية والمساواة فأخذ بنصائح أهل الرأي والملشورة من شيوخ القبائل في تعيين الولاة والعّالء كا ألزم عّاله ضرورة مراعاة فقه اللذهب في نظام الجبايةء في الوقت نفسه الذي أتاح لهم فيه مزيداً من السلطات داخل علا ٠ . وهكذاء اتسمت هذه المرحلة من تاريخ بني رستم بكثرة الثورات والفتن التي تلونت في غالبها بالطابع المذهبي» واتخذت شكل الانشقاقات المذهبية في كيان المحاعة الأباضة. ومع أن فرقة (النفائية) قد انقرضت» ول يبي لا أثر حتى في بيثتها التاريخية التي نشأت فيها كا يقول مؤرخو الأباضية» وبالرغم نما اتسمت به هذه الفرقة بأنها ذات طابع سياسي أكثر منه اجتهاداً دينياء وعملاً فكرياء فإن الكُتّاب الأباضيين ينقلون عنها جملة من المعتقدات» ب تركته من بصيات على التاريخ الأباضي وخاصة ئي الجانب العقدي؛ متمثلة في النقاط الآتية: 1- يعتقدون أن الله هو الدهر» وهم لا يرون تعليلاً لإطلاق الدهر على الله غير أنهم يقولون إنهم وجدوه هكذا في كتابهم المسمى ب(الدفتر)ء وهذا الكتاب مجهول» ومؤلفه أيضاً مجهول كيا يؤكد ذلك المؤرخ الأباضي (علي يحيى معمر) . (1) مختصر تاريخ الأباضيةء ص 38. (2) الأباضية بين الفْرَق؛ ص267. (3) المصدو السابق› ص 267. فرؤ اأباضية النْشفٰة وعفائدها 77 ومحاولات الربط بين هذا المعتقد الذي يتسب إلى النفائية وبين قول الرسول ا : «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهرء”. لا يساعد عليها سياق الحديث؛ وهو النهى عن سب الكائنات لأن لا بارئها وخالقهاء وهو الل فمن سبّها فكأن| سب الله تعال» فالسياق إِذن بعيد بين ما تعتقده هذه الفرقة وبين ما جاء في الحديث النبوي الشريف. وهذا القول الذي نسب إلى مؤسس فرقة النفائيةء فيه من الغموض والريبة ما فيه» ويكفي أنه أحال عقيدته ي الله تعالى إلى كتاب مجهول الاسم والمؤلف؛» بشهادة الأباضيين أنفسهم. 2- أنكروا خطبة الجحمعةء وقالوا: إنها بدعة. 3 أنكروا على الإمام استعمال َال وسعاة لجباية الحقوق الشرعية ومطالب بيت المال. وقالوا: إن الإمام إذا لم يمنع رعيته من جور الجورة وظلمهم لا يحل له أخذ الحقوق التي شرعها الله لضعفه في الدفاع عنهم. 4- أعطوا ابن الأخ الشقيق نصيباً في الميراث وأحقية عن الأخ لأب. 5 قالوا: إن المضطر بالجوع لا يمضي بيع ماله إذا باعه لأجل ذلك؛ وعلى من شهد حضرته تنجته”. هذه بعض عقائد (النفاثية)› فيها من الغموض والريبة ما فيهاء وأقل ما يمكن أن يقال فيهاء أنها إذا م تخرج صاحبها من الإسلام؛ إن كان مسلا فهي أقوال شاذة (1) الحديث رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة عن النبي ي أنه قال: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر بيده الأمر)» وروى البخاري ومسلم في صحيحيهياء وأحمد في مسنده وآبو داود في سننهء عن آبي هريرة عن النبي فيا يرويه عن رب العزة في حدیٹه القدمى: (يا ابن آدم تسب الدهر وأنا الدهر؛ بيدي الأمر أقَلَب الليل والنهار). ۱ (2) الأباضية عقيدة ومذهباء ص 59-58. 78 اأباضية نشأنْما وفرشها رايعا: فرق الحسینیہ: مؤسس هذه الفرقة هو: (أبو زياد أحمد بن الحسين الطرابلسي)› عاش في القرن الثالث الحجري بليبياء وتتميز فرقة الحسينية عن الفَرّق سالفة الذكر» بأنها لم تدخل في معارك سياسية ولا صراعات حربية. وقد جاءت معتقدا: تهم الدينية على النحو التالي: 1- لا يشرك من أنكر سوى اللهء بمعنى أن من أنكر العقائد الإيانية الأخرىء كالإيان بالرسل؛ والكتب» والملائكةء والقضاء والقدرء والسمعيات لا يعد مشر كا من وجهة نظرهم» وهذا بلا شك کذب وافتراء وبہتان. 2- حكموا على المؤولين المخطئين بأنهم مشركون. 3 الحب والرضا والولاية والعداوة والسخط أفعال لل وليست بصفات له. 4- أباحوا الزنا وأخذ الأموال لمن أكره على ذلك؛ يتقي بهاء ويغرم بعد ذلك. 5 الحرام المجهول معاقب عليه. 6 فرقوا بين الأساء والأحكام فسموا اليهود منافقين» وسموا المتأولين مشركين» وأجازوا السبي» وأحلوا النكاح منهم وهم عندهم مشركون فيا زعموا. 7- لا يجوز أن يبعث الله رسولاً إلا بعلامة يُعرف بهاء ويفرز عن غير ولا يكون حجة إلا بہا. 8- = لم ينه الله تعالى المشركين والبالغين عن غير الشرك؛ ولم يأمرهم بغير توحيد فلا دوا لزمتهم جي القرائض» ونوا عن ج العاصي. 0- أهل الجنة يخافون ويرجون والموتى تأكلهم الأرض إلا عَجَبَ الذَكّب. (1) فرق الأباضية الست وما زاغت به عن الحقء ص7-6. الأباضية عقيدة ومذهباًء ص2 3-6 6. فرق اأباضية نشف وعفائدها 79 وهذه المعتقدات كما هو واضح» تشكل مذهباً في الردة والخروج من الإسلام وفي هذا يقول مؤرخ الأباضية (علي يحيى معمر): «وبالتأمل فيا نسب إلى الحسينية من مقالات يتبن أن فها ما يمحر جهم عن حظيرة الإسلام”. خامساً: فرق السکاکیہ: مؤسس هذه الفرقة هو (عبدالله بن السكاك اللواتي)» من سكان قتطرار اعتنق جملة من المقالات ودعا إليهاء وهي على الجملة لا تخغرجه من الأباضية وتضعه بين الفرق الأباضية الست التي انشقت عن الأباضية فحسب» بل تبعده عن حظيرة الإأسلام وتعاليمه الصحيحة. ويوضح المؤرخ الأباضي أبو العباس الدرجيني في طبقاته رأي مشايخ الأباضية في هذه الفرقة المنشقة عن جماعتهم؛ فيقول: «وکان مشائخ سلف الأباضيةء تتضارب أقوالحم في السكاك وأصحابه وتتفاوت؛ فقائل بشركهم» وقائل بنفاقهم› وهذا اذهب فد فتی أصحابه»”. ولتطرف هذه الفرقة وغلوها في عقائدها كانت لم نظرة خاصة من جمهور الأباضيةء تغاير نظرتهم لسائر الفرق الأخرى» وفي هذا يقول علي يحيى معمر: «وكان الأباضية يعاملون جيع الفرَق من أهل القبلة معاملة المسلمين ماعدا السكاكيةء فإن من مات منهم جعلوا في رجلیه مرابط وجروہ بہا إلى موضع یوارونه ف وقد جاءت عقيدة السكاكية التي نسبها إليهم المؤرخون الأباضيون على النحو التالي: (1) الأباضية بين الفْرَقء ص274. (2) طبقات المشايخ بامغوب؛ (1/ 18). (3) الأباضية بين الْرَق» ص275. 80 اأباضية نشأْها وفرها 1- أنكروا الستة النبويةء والإجماع› والقياس» وزعموا أن الدين كله مستخرج من القرآن الكريم. 2- صلاة الجمعة التي هي فرض من فروض الإسلام» عندهم بدعة. 3 الأذان للصلاة عندهم بدعةء فإذا سمعوه قالوا: نهق الحار. نعوذ بالله من هذا البهتان العظيم. 4 البقول وا خضر نجسة إذا وضع في أرضها السياد”. هذه هي معتقدات السكاكيةء تدل دلالة واضحة على ردتهم وخروجهم من الإسلام كليةء وقد كان شيوخ الأباضية يعاملونهم بعد موتهم معاملة غير المسلمين من عدم الصلاة عليهم» يدل على هذا قول أبي يعقوب بن نفاث: «أدرت جماعة الشيوخ بقسطيليةء يصلون على جيع موتى أهل القبلة كلهم من المخالفين وغيرهم إلا أصحاب السكاك»”. سادسا: فرق الفرثيخ: تنسب هذه الحركة إلى «أبي سليان يعقوب بن أفلح»؛ نشا هذا الرجل في بیت أباضيٌ؛ رغب والده أن يتعلم ابنه علوم الدين من خلال كتب الأباضية في الدعوة والفكر وعلوم الشرع من غير أن يتوسع في غيرهاء ولكن الابن جرفه تيار الفكر التعدد ا مذاهب والاتجاهات» والتي طالما حذره والده منهاء وخاصة تناوله للمقالات التي كان يعرضها أبو زياد أمد بن الحسين مؤسس طائفة الحسينية والذي اعتبره الأباضيون نفاقاً أو شركأًء خرج به عن المذهب الأباضي الصحيح: بل عن الإسلام ‎CRR‏ (1) الأباضية بين الفَرَقء ص275. (2) المصدر السابق›» ص275. (3) طبقات المشايخ؛ (1/ 106). خر اأباضية النشفة وفادها 81 وجلة اعتقادات الفرثية تقوم على هذه الأمور: 1- نجاسة القَرّث وما طبخ فيه من طعام وتحريم أكل الجنين. 2- تحريم دم العروق» ولو بعد غسل المذبوح» وكذلك دم ال حوف. 4 لا تعطى الزكاة إلا لقرابة المزكى”. هذه جملة ما ذهب إليه أبو سليان بن يعقوب في فكرته» وهي وليدة تشتت فكري ودراسي عند أدى إلى انحراف عقدي في جملته خروج عن الإسلام ولا جدال في أن المتأمل في هذه الفرقة وفرقة النفاثية معها يبد أن ليستا فرقتين مطلقاء بل آراء في مسائل جرت على أصحابما من النقد والتجريح ما تعرضوا له من نقد وتجريح» ناهيك عن أنهم خرجوا عن الانتماء للمذهب الأم الذي كانوا ينتسبون إِليه وهو الأباضيةء ولأصحابه من الاجتهاد والالتزام ما يجعلهم في التاريخ الإسلامي وبعد عرضنا لمقولات المؤرخين الأباضيين عن القْرَّق الست التي انطلقت من بيئة أباضية في المغرب اللإسلامى وفي ظل معتقدات في الإمامة فقد رأينا بعضها لا يعدو أن يكون أكثر من حركة ردة دينية تحركها أطماع سياسيةء واجتهادات خاطئة كفرقتي (السكاكية والتُكارية)» وبعضها لا يتجاوز وصف التمرد وخلع ربقة الطاعة من أجل أحقاد شخصية أو وظائف دنيوية كفرقتي الخلفية والنفائية. ورأينا كذلك سر عدم اهتمام کتاب القالات هذه الفرّق لأسباب كثيرةء منها أنها نشأت في أقصی بلاد لغرب الإأسلامي؛ء وم تكن ذه ارق من الأسس العقدية والشهرة ما يجعلها موضوع اهتمام باقي أجزاء العالم الإسلاميء فضلاً عن (1) الهَرَّق الست وما زاغت به عن الحق» ص7. أبو عمر عثمان بن خليفة المارغني. (2) الأباضية عقيدة ومذهباًء ص6 67-6. 82 الأباضية نشأنها وفرشها عمليات التدوين وبالاجتهاد المذهبي عند الأباضيةء وما انشق منهاء بدأت من اللشرق الإسلامي» فكان أصحاب الفْرَق الأربع التي انتسبت للأباضية أول أمرهاء ثم تباو زتها بالتناقض والاختلاف والانحراف بل والردة أمام أعين كناب المقالات. بل إننا نستطيع أن نقول: «إن جملة ما اشتملت عليه أفكار القْرَق الست سالفة الذكر هرطقات لا تمت إلى حقيقة المذهب الأباضى بصلةء وإنا هي ابتداعات ابتدعها المنشقون لأغراض سياسية ودنيويةا» فالناظر - مثلاً - إلى فرقة (الخلفية)» يجد أنه أشبه ما تكون في منطلقها ومسارها بالتمرد السياسي» ورئيسها يعتبر زعياً سياسياً ولیس إماماً دینياً؟. ' ومهم يكن من أمر» فإن هذه القِرَّق الست إفرازات فكرية وسياسية وشخصية اغتنم أصحابما ومؤسسوها جملة عوامل مرت بالتاريخ الإسلامي في المغرب» حيث أقيمت الدولة الأباضية الرستمية التي يعتقد أن معظم حكامها اتسموا بالعدل والتواضع؛ والتزام روح الإسلام؛ وأن صورة حكمها كانت في منتهى النزاهة والأمانةء ومع ذلك فإنه ليس لدى المؤرخين الأباضيين إجابة واضحة ومحددة عن سر ذلك الانشقاق المذهبي والطرائقي الذي حدث في تمع الأباضيةء بالرغم من وحدة نشأة التفكير وامعتقد خاصة أنه تطور ذلك الانشقاق حتى أنف المؤرخون الأباضيون أن يعتبروا بعض هذه الفَرّق منتمياً للمذهب الأباضي أو للإسلام عامة. ولحذانرى كتاب (المقالات) الإسلامية - أمشال الأشعري والبغدادي والإأسفراييني» وابن حزم والرازي والشهرستاني لا يعيرون هذه الفرَّق اهتماماً في كتبهم؛ ولا يذكرونها عند كلامهم عن الفرّق الأباضية. مما يستدعي الكلام على الفَرَق الأباضية كا ذكرها كتاب (المقالات) الإسلامية ئي مقالاتهم» ورأيهم في هذه الفَرّق. وغذا نجد المؤرخ عبدالقاهر البغدادي حينا تكلم عن الأباضية وفرقها قال : أجع الأباضية على القول بإمامة (عبدالله بن أباض)؛ وافترقت فيا بينها فرقاً (1) الفرق بين الفَرّق»ء ص 104-103. مقالات الإسلامين (1/ 185-183). خرؤ الأباضية المنشفة وذائدھا 83 أربع هي: : (الحفصية) و(الحارثية)ء و(اليزيدية) و(أصحاب طاعة لا یراد الله ہا). ثم ذكر أن اليزيدية منهم غلاة لقوهم بنسخ شريعة الإسلام في آخر الزمان. ولذلك نجد من الأهمية بمكان ونحن بصدد الحديث عن الفرَق المنشقة عن الأباضيةء أن نلقي الضوء على هذه الفرق الأربع التي ذكرتها كتب القالات الإسلاميةء خاصة أنها قد أغفلت الحديث عن ذكر الفرق الست التى ذكرها مؤرخو الأباضيةء وعدوها من الفرق التي زاغت عن المذهب الحق. ` أولاً: فرق الحفصیہ: هؤلاء قالوا بإمامة (حفص بن أبي المقدام)› وقد زعم (حفص) أن بين الشرك والإيان معرفة الله وحده» فمن عرف الله تعالی ٹم کفر با سواه من رسول أو جنة أو نار أو عمل بجميع الخبائث» من قتل النفس» واستحلال الزنى» وسائر ما حرم الله تعالى من فروج النساء فهو كافر بريء من الشركء وكذلك من اشتغل بسائر ما حرم الله سبحانه مما يؤكل ويشرب فهو كافر بريء من الشرك؛ ومن جهل الله تعال وأنكره فهو مشرك. فبرئ منه جل الأباضية إلا من صدقه منهم. وتأولوا ني عثمان نحو ما تأولت الشيعة في أبي بكر وعمر رضي الله عنها. وزعموا أن علياً هو الحبران الذي ذكره الله في القرآن في قوله: ‏ قل اندعو من دوب اوم لا بقعا ولا يسنا ونرد عل أعَشَاينا بعد إِدٌ هدنا اه كا زى اسكهو هو ته ليطن فى الارضِ حباتَ لاص حى غ غونهوإلالهدی اشيا فل ارک ‌هدی اوهو الهدیو 0 اسه ل لر لیے 4 [الأنعام:71]. وأن أصحابه الذين يدعونه إلى ادى أهل النهروان وزعموا أن علياً %: هو الذي أنزل الله فيه: # وَمنَا لتاس من ب ملك ولق الحَيَووَالدّي ‏ [البقرة:204]. وأن عبدالرحمن بن ملجم؛ هو الذي ئرل ١ الله فيه: $ وم اشاس من رى نة اء کات اه [البقرة:207]› د نم قالوا بعد ذلك: «الإيان بالكتب والرسل› متصل بتوحيد اه تعال» فمن كفر بذلك فقد أشرك بلله تعال»: (1) مقالات الإسلامين (1/ 184-183). قارن: الفصل لابن حزم (4/ 146). 84 الأباضية نشأنها ورشها وهذا - كا يقول البغدادي - نقيض قوهم: إن الفصل بين الشرك والإيمان معرفة الله وحده» وأن من عرفه فقد برئ من الشرك؛ وإن کفر با سواه من رسول ٠ ء َ . . ‎(1X.‏ ‏أو جنة أو نار فصار قوم في هذا الباب متناقضا . فال حفصية تقوم على مبدأين هما: أن من عرف الله وکفر با سواه من رسول وغيره فهو كافر وليس بمشرك؛ وأن بين الشكر والإيان خصلة واحدة متوسطة بينھ| هى معرفة الله تعا ی وحده. والواقع أن هذه التفرقة بين الشرك والكفر ليست بذي بالء حيث إن نتيجتها واحدةء وهي الخلود ي النارء وإن كان هناك فرق عندهم؛ فإنا يكون في درجة العذاب لا في انتفائء وقد وقعوا أيضاً في التناقض حين) قالوا: إن الإيان بالكتب والرسل متصل بوحدانية الله تعالى› فمن كفر بذلك فقد أشرك بالله تعالى. والواقع أن الإيمان يتضمن معرفة الله وكتبه ورسلهء ولا يمكن الفصل بينهم› فالرسل هم الذين يأتون من قبل الله تعالى ويبلغون رسالته إلى العبات فهم طريق معرفة الله تعا ى وکتبه. ثانياً: فرقۃ الحارثیہ: هؤلاء أتباع (حارث بن يزيد الأباضي) خالفوا الأباضية في قوشم بالقدر على مذهب المعتزلةء وفي الاستطاعة قبل الفعل؛ وفي إثبات طاعة لا يراد بها الله تعال ” وأكفرهم سائر الأباضية في ذلك؛ لأن جمهورهم على قول أهل السنّة في أن الله تعالى خالق أعمال العباتء وفي أن الاستطاعة مع الفعل. (1) الفرق بين الفَرَق› ص105-104. (2) الملل ص136. مقالات الإسلامين› ص184. التبصير في الدين› ص5 3. )3( الغرق بين العَرَق› ص105. خر اباضية] فة وكفائدها 85 وزعمت الحارثية أنه م يكن لحم إمام بعد المحكمة الأولى إلا (عبدالله بن أباض)؛ وبعده (حارث بن يزيد الأباضي) . وقالت طائفة منهم: إن من زنا أو سرق أو قذف فإنه يقام عليه الحدء ثم يستتاب ما فصل فإن تاب ترك وإن أبى التوبة قُتل على الردة”“. هؤلاء أتباع (يزيد بن أبي أنيسة ا خارجي)» وكان من البصرة ثم انتقل إلى جور من أرض فارس» وكان على رأي الأباضية من الخوارج» ثم خرج عنهم بمعتقداته الفاسدة” . وقالت اليزيدية بتولي المحكمة الأول ى» وتبرؤوا من كان بعد ذلك من أهل الأحداث إلا الأباضية فإهم يتولونهم جيعاء إلا من بلغه منهم قوم فكذبه أو خرج عليه. وخالفوا (الحفصية) في الإكفار والتشريك؛ وقالوا بقول ال جمهور”. وبالنسبة لموقفهم من أصحاب الحدود فلقد ساووا بين موافقيهم وغخالفيهم› وقالوا بأنهم كفار مشركون» وکل ذنب صغير أو كبير فهو شرك . ولقد زعم إمامهم (يزيد بن أبي أنيسة) أن الله سيبعث رسولاً من العجم› وينزل عليه كتاباً من السماء يُكتب في السياء وينزل عليه جملة واحدة فترك شريعة (محمد) يي ودان بشريعة غيرهاء وزعم أن ملة ذلك النبي (الصابئة)» وليس هذه الصابئة التي عليها الناس اليوم» وليس هم الصابثين الذين ذكرهم القرآن ولم يأتوا () الفرق بين الفْرَقء ص105. (2) الفصل› (4/ 144). )3( الفرق بين الفْرَقء ص279. (4) مقالات الإسلامين› ص4 18. الملل› ص136. (5) الملل؛ ص136. 86 اأباضية اها وفرذها وهو بذلك يفارق ما نص عليه الدين» وأجمعت عليه الأمةء من أن النبي محمد يي هو خاتم الأنبياء ولم يكن ذلك هو التجاوز الوحيد بل تجاوزوا أيضا عندما تولوا من شهد محمد يَأ بالنبوة من أهل الكتاب» وإن م يدخلوا ني دين ولم يعملوا بشريعته» وزعموا أنهم مع ذلك مؤمنون”. وعلى هذا القول» يجب أن يكون العيسوية من اليهود مؤمنين» لأنهم أقروا بنبوة محمد ي ولم يدخلوا في دينهء وليس بجائز أن يعد ي فرق اللإسلام من يعد اليهود من المسلمين؛ وكيف يعد من فرق الإسلام من يقول بنسخ شريعة الإسلاء”. ومن آجل تلك التجاوزات والخروج عن صريح الدين تبراً منهم الأباضيةء وعد مؤرخو الفْرّق زعيم هذه الفرقة خالعاً للربقةء لقوله بنسخ شريعة الإأسلام. رابعاً: أصحاب طاعۃ لا یراد اللّه بھا: هذه الفرقة م يذكر كتاب المقالات اسم مؤسسهاء حيث إنهم يذكرونها تحت هذا الاسم - أعني أصحاب طاعة لا يراد الله بها -» ثم يذهبون إلى أن هؤلاء يتألف مذهبهم على ما يرى (أبو المذيل العلاف) المعتزلي وأتباعه من القدريةء وفي ذلك يقول الأشعري: «والفرقة الرابعة منهم يقولون بطاعة لا يراد الله بماعلى مذهب (أبي الحذيل). ومعنى ذلك أن الإنسان قد يكون مطيعاً لله إذا فعل شيئاً أمره الله بهء وإن لم يقصد الله بذلك الفعل ولا أراده ب . وهذه الفرقة ليست أقل عفوية وارتيبالاً وانحرافاً من الفْرَق الثلاث السابقة ولا الفرق الست التي رأيناها في مغرب الإسلامي طوال القرون الثلاثة للهجرة. )1( مقالات الإأسلاميين› ص184. (2) الفرق بين الفَرّقء ص280. الفصل في الأهواء واملل» ص144. )3( مقالات الإسلاميين» ص 185. الفرق بين القَرّقء ص105. الملل والتحل› ص 135. خرؤ الأباضية لنش وفادها 87 وقد أنكر مؤرخو الأباضية علاقة هذه الفرق الأربم التي ذكرها كناب المقالات بالأباضية التي أرسى قواعدها (عبدالله بن أباض))؛ ثم استقرت قواعدها على أيدي أئمة يحتهدين. هذه نماذج لفرق الأباضية أوردها كتاب المقالات عن المذهب وإفرازاته أقرب ما يكون إلى جملة ما يعتقدونه بالفعل من تلك الإفرازات الست التي شهدها الغرب اللإسلامي» وفي ظل قوة وسطوة الدولة الرستيمة الأباضيةء حتى إن الأباضيين يرفضون أن يعتبروها فِرَقاً أباضيةء وإذا كان كتاب المقالات ل يذكروها في مقالاتهم» فلعل ذلك بسبب عدم أهميتها العقديةء واعتبارها كا اعتبرها أصحاب الشأن حركات ردةء ومناوآت شخصيةء لذا ل يذكروها أو أنہم اکتفوا بہا ذكر» لأنه استوفى من وجهة نظرهم جوانب المعتقد الأباضي - المنشق عن الجماعة - وغطى جوانبه حتى ما كان منها ينتسب للأباضية وليس منها ئي شيء. وفيا يلي نتحدث عن الآراء العامة التي لاقت قبولأ عند جمهور الأباضيةء واجتمعوا حوفاء أو قال بها الكثير منهم أو آراء رددها البعض منهم» وهي متمثلة في القضايا العقدية المتمثلة في الإلهيات والنبوات والسمعيات» وأمور أخرى كقضية الإمامة وغيرهاء ما سنعرضه الآن بمشيئة الله تعالى. ی ماو بأو ‎e‏ ‏اپ نادت ‎E‏ ر العقائد الإيمانية في مذهب الأباضيہ ويشتمل على تمهيد وثانية فصول وخانمة. الفصل الأول: إثبات وجود الله تعالى. الفصل الثاني: الصفات الإلية. الفصل الثالث: رؤية الباري تعالى. الفصل الرابع: أفعال العباد. الفصل الخامس: النبوات. الفصل السادس: السمعيات. الفصل السابع: الإيان والإسلام. الفصل الثامن: قضية الإمامة. سے و 6 ‏تد‎ ‎o ترى الأباضية أن المصدر الأساسي للدين الإسلامي في عقائده وعباداته ومعاملاته وأخلاقه إنما هو القرآن الكريم وأن من أنكر شيئاً منه فهو مشرك؛ أو مرتدء ويرون أن المصدر الثاني بعد القرآن هو السنة النبوية الصحيحةء وهي على درجات» المتواتر منها قطعي الدلالةء يفيد العلم؛ ويوجب العمل ومنكره كالمنكر للقرآن» والمشهور من السنة أو المستفيض هو أضعف من المتواتر وأقوى من الأحادي؛ وهو يوجب العمل؛ واختلفوا هل حجته قطعية أم ظنية على قولين› والأحادي من السنّة ظنى الدلالةء يوجب العمل والمرسل وإن كان أضعف من الأحادي إلا أنه يوجب العمل إذا كان لصحابي أو تابعي. ويرون أن المصدر الثالث هو الإجماع إذا استوفى الشروط المعروفة عند الأصوليين» والخروج منه فسق؛ وحجيته قطعيةء والمصدر الرابع هو القياس على الأسس المعروفة في كتب الأصولء» والمصدر الخامس هو الاستدلال بأنواعه املف( وقد اتخذ الأباضية الأصل الأول في مذهبهم في) يتعلق بالباري سبحانه وتعالى وتنزيهه عن مشابهة الخلق» مستندين في ذلك إلى ما ورد في القرآن الكريم من آيات __—__— (1) الأباضية مذهب وسلوك ص347. أيضاً: الملوسوعة الميسرةء ص18. أيضاً: إسلام بلا مذاهب؛ ص139. 92 العفائد ايمائية ٠ مدهب باضية محكمات» وأما ما ورد من النصوص ما يوهم التشبيهء فقد ذهبوا إلى تأويله بم يتفق وسياق الآيات» ك هو ا حال لدى متكلمي المسلمين من معتزلة وأشاعرة. وخلاصة ما عند الأباضية في هذا الموضوع: أن من شهد أن لا إِله إلا الله وأن محمداً رسول الله َء واعتقد أن ما جاء به (حمد) من عند ربه هو احق والإیمان بجملة الملائكة والرسل» وجلة الكتب التى أنزها الله على رسلهء والإيمان بأن الموت حق» وأن النار حق» والإيان بالقضاء و القدر » من أقر بأن هذه الأمور التي كان يدعو إليها رسول الله يو هي عقيدته» فقد تم إِيانه فيا بينه وبين الله وفيا بینه وبين الناس ٠ وعقيدة الأباضية في التوحيدء وهي المسياة عندهم ب «جملة التوحيداء تعتبر في الواقع من القضايا التي لم يتأثر فيها المذهب الأباضي بمؤثرات أجنبية غير إسلاميةء كا هو الشأن عند فرق كثيرة تنسب للإسلام ولكنها ليست منه. وجهور الأباضية ليس بينهم خلاف حول معرفة «جملة التوحيد» بالشرع لا بالعقل؛ فالعقل عندهم ليس كافياً لأن تقام به الحجة بين الناس» ومعرفة الله تقوم وتثبت بإرسال الرسل. ولقد لخص أحد علماء الأباضية معتقدهم في طريق معرفة التوحيد فقال: «وذهب ال جمهور منا إلى أن العقل لا حكم له في شيء من الوجوب الشرعي» والمراد بالوجوب الشرعي عندنا هو: ما يترتب عليه الثواب والعقاب» فلا وجوب عندنا قبل الشرع في شيء من الأصوليات والفرعيات» لا فرق في ذلك بين التوحيد وغيره فإن العقل - وإن أدرك بالضرورة أن له صانعاً - لايوجب أن عليه لذلك a ‏ص‎ 4 الصانع شيثاً من العبادات» فلا وجوب قبل الشرع لقوله تعالى: وما كا معذبين حى )1( الذهب الخالص النوه بالعلم الخالص؛ لؤلفه: محمد بن يوسف أطفیش» ص11 -2 1 طبعة سلطنة عان؛ أيضاً: الأباضية مذهب وسلوك؛ ص348. ميد 93 كرا )4 [الإمراء:15]» فإنه سبحانه وتصالى م يقل: (أو م تركب فىيهم عقو لا . ومن هنا ندرك مدى التلاقي بين ما ذهب إليه الأباضية في طريق معرفة التوحيد وما ذهب إليه أهل السنّة في قولحم بوجوب معرفة الاعتقاد بالشرع قبل العقل» معتقدين أن لا دخل للعقل في إثبات شيء من أمور الشرع وأحكامه محالفين بذلك بالمعتزلة وغيرهم» ممن يرى إثبات وجوب المعرفة الاعتقادية بالعقل قبل الشرع؛» وما يدل على هذا التلاقي قول أحدهم: «إن الناس ل ينالوا شيثا من فة اه تع ي الدلالة عل توحيده ولا من ممرقة شي؛ من دينه» إلا بتوقيفف من الل على ألسنة رسله - عليهم السلام - وتنبيه منه على أيديهم» وممرقة جل التوحيد ي الذحب الأباضي من الأمور التي لاوز ان هلها الإنسان متى بلغ مرحلة التكليف» ويتضح هذا المعنى في قول أحد علمائهم عند تقسيمه العلوم إلى ثلائة أقسام هي: «علمٌ ما لا يسع الناس جهله طرفة عين» وعلم ما يسع جهله إلى الورود وقيام الحجة وعلم ما يسع جهله أبداً. فما علم ما لايسع جهله طرفة عين فهو معرفة التوحيدء والشرك لا يسع جهلهء لأن من جهل الشرك يعلم التوحيد فوجب معرفة الشرك والتوحيد مع أول البلوغ»» وهي مرحلة التكليف للمسلم. هذاء وقد عبر الأباضية عن أركان الإيان بجملة التوحيد نظراً إلى تعبيرها عن كليات الإيران التي لا تندرج تحتها من مدلولات جزئیاتهء فإن كل اعتقاد (1) مشارق أنوار العقول؛ لؤلفه: أبو محمد بن عبدالله بن ميد الساليء ص42؛ طبعة سلطنة عمان. (2) الموجز في تحصيل السؤال وتلخيص المقال في الرد على أهل الخلاف» لمؤلفه: أبو عار عبدالكافي الأباضي؛› (2/ 139)› طبعة الجزائر 1338ه. )3( كتاب الوضع؛ لمؤلفه: أبو زكريا يجى الجناوني» ص 30؛ طبعة سلطنة عمان. 94 امائ الأيمائية ج مدهب ]أباضية صحيح عن الله وصفاته وأفعاله - دنيا وأخری - تفسیر اء کا أن کل ما تستلزمه عقيدة التوحيد من الأعمال الصالحة وفاءٌ بحقه"". ومسألة الذات والصفات تعتبر إحدى المسائل الحامة والبارزة في حال الدراسات الإسلامية الكلامية منها والفلسفيةء فقد امتد نطاق البحث فيها إلى جميع الفرق الإسلاميةء وشغلت أذهانهم على مدى قرون طويلةء فأوسعوها دراسة وبحثأء وأفردوا لها مباحث خاصة نالت كثيراً من اهتماماتهم ومناقشاتهم؛ فتنوعت آراؤهم حوفا؛ واختلفت وجهات نظرهم بإزائهاء وبلغ بنيهم النزاع مبلغاً كبيراء أدى بهم إلى تبادل الاتهامات بالبُعد عن المنهاج المستقيم؛ وأياً كانت وجهات النظر وأيأ كانت الآراء فإنها في آخر الأمر أدت إلى وجود نوع من الاحتدام الفكري النشط الذي ساعد كثيراً على إثراء التراث الإسلامي. وقد نشأت الأباضية في أحضان الدين الإسلامي:› وتربوا عل مبادئه؛ ومع هذا كان لحم مفهومهم عن الله وصفاتهء الذي يختلف في قليل أو كثير عن التصور الإأسلامي عموماء ما يستوجب التعرض لفهومهم هذا بشيء من البيان. وما ألح الأباضية على تأكيدv‏ هو وجوب معرفة الله تعالى فكانت أشرف العلوم عندهم» وقد جعلوا ال حدف من كتاباتهم البرهنة على وحدانيته تعالى. e )1( مشارق أنوار العقول» تعليقات الشيح أحمد الخليلي عليه ص130٠ طبعة سلطنة عمان. ان إثبات وجود الله تعالى معرفة الله تعا ى هي أسمى المعارف وأرقاهاء إذ هي الأساس الذي يرتكز عليه الإسلام كله وبدون هذه المعرفة يكون كل عمل في الإسلام أو للإسلام غير ذي قيمة حقيقيةء إِذ إنه في هذه الحال يكون فاقداً روحه؛ وما قيمة عمل لا روح فیه؟ إن معرفة الله تعالى هي أول الحقائق وأكبرها وأظهرهاء دلت على ذلك الفطرة والعقل والبصائر وهدى إليه الوحي والعلم والتاريخء والذين جادلوا في وجوده تعالى قلةء ومعظمهم ممن جرفتهم الشهوات» وغلبتهم الغرائز الدنياء فبرروا هبوطهم وانحرافهم بال جات وإنكار وجود الله تعالى حتى لا يحاسبهم أحد ولا يجاسبوا أنفسهم على السقوط والانغاس في الملذات البهيمية. وإذا كان مفكرو الإسلام قد تحاشوا الكلام عن ذات الله تعا لى فإنهم لم يروا بأسا في الكلام عن إثباته تعالى» فقد استفاضوا في البحث في الطرق المؤدية إلى إثبات وجوده ومعرفته خالقا للعالم. وما كان ينبغي أن تصبح مسالة الاستدلال على وجود الصانع حالاً للبحث والمناقشة بين المثبتين من جانب» والملحدين فيها من جانب آخر» ذلك لأنها أجلى من كل جلي» وأوضح من كل واضح؛ ونظرة واحدة من الإنسان إلى نفسه تكفي» ولا يتاج فيها لى عوامل خارجيةء لکي يقرر فوراً وجود إله قدير أبدعه وسوا 96 ِ العفائد الأيمائية ج مدهب ]باصي ےہ وو سے وأنشأه في أحسن تقويم» وفي هذا يقول الحق تبارك وتعالى: وف اشكر ألا يروت )4(0 [الذاريات: 1 2]. فهذا أحد الصالحين يقول له قائل: إن فلاناً قد أقام على وجود الله ألف دليل› فيرد هذا الرجل الصالح الحكيم فيقول: لأن فلاناً هذا في نفسه ألف شبهةء فكأنه يريد أن يقول: إن وجود الله حقيقة لا شك في أمرهاء ولا محال لإنكارهاء ولا يحتاج إلى إقامة برهان أو دليل. فالأمر كى) قال الشاعر: وليس يصع في الأذفانشيء إذااحتاج النهارإلىدليل ويقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري: «إلحي كيف يستدل عليك با هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتی بعدت حتى تكون الاأثار هي التي توصل إليك»”. ويقول فضيلة المغفور له الدكتور عبدالحليم حمود محذراً من جعل وجود الله تعالى قضية تبحث عن حل: «إن وضع مسألة وجود الله موضع البحث هو الذي هيأ لذوي الفطر المنحرفة أن يلحدوا في دين الله وأن يكفروا به - سبحانه - هذه نتيجة. أما التتيجة الثانية فإنها ضعف الإيمان: إذا كنت تضع الوجود الإهي - يجرد الوجود - موضع بحث» فمعنى ذلك أنك وضعته موضع شك وريبةء ولو لم يكن كذلك لا وضع موضيع البحث» وإذا كان الوجود الإفي - جرد الوجود - موضيع شك وريبةء فاذا بقي من أمور الدين لا يوضع موضع شك وريبة». )1( العقيدة والأخلاق› د. محمد سید طنطاوي؛ ص 33-32 طبعة الأوقاف. (2) من تراث الامام الراحل؛» د. عبدالحليم محمودء صوت الأزهر العدد 151 ص6. قارن كتابنا: إخوان الصفاء وفلسفتهم الدينيةء ص198 طبعة المطبعة العربية ال حديثة. باود وجود اله 97 فالإنسان إذا نظر إلى نفسه دون أن يضع فكرة أمام عينيه فلا ريب أنه بهتدي إلى الل لأن الله وضع معرفته في فطرة كل إنسان» فمعرفته - سبحانه - أمر مركوز ف نفوس البشر؛ وقد صدق الله إذ يقول: فطرت اه الى فطرالنَاس عليالَا َد لقا دي الث اقيم ولك راتاس لايعْلَمُونَ )4 [الروم:30]. لكن مع تطاول الأزمانء ووسوسة الشيطان؛ وميل بعض الناس إلى التحذلق والتنطع في البحثء انحرفت بعض الطبائعء وكلت بعض البصائر وفسدت بعض الفطر تحت تأثير البيئةء وتعارض الأفكار وتضارب الآراء وتحت تأثير الأنواع الملختلفة من الثقافات والمذاهب» وصنوف التربيةء أصبحت مسألة وجود الله تعالى مشكلة تبحث عن حل» وقضية تحتاج إلى إثبات» وبُذلت جهود كثشيرة لفكري الأسلام في إثبات هذه القضية البديهيةء وسلكوا لذلك عدة سبل واستعملوا عدة وسائل» وبذلك برزت هذه المسألة على الساحة الفكريةء وأصبح ا مكان مناسب في مباحث علم أصول الدين وغيره من العلوم؛ وليست المشكلة في القضية نفسهاء بقدر ما أثیر حوا من غبار وما صاحبها من آراء وأنظا ر وبرغم أن وجود الله تعالى أوضح من أن يرهن عليه وأجلى من أن يستدڌل عليه فقد وّجد في كل الأزمنة من جحد الصانع المدبر العام القادر» وزعموا: «أن العام م يزل موجوداً كذلك بنفسه من غير صانع؛ ولم يزل الحيوان من النطفةء والنطفة من الحيوان؛» وكذلك كان وكذلك يكون أبدا وهؤلاء هم الدهريون»” على هؤلاء في كل زمان ومكان يرد القرآن في استفاضة وفي تنوع» وما من شك في أن مسألة إثبات وجود الله تعالى لم تكن في يوم من الأيام هدفاً من أهداف القرآن وأهداف الرسول يَلٍ. وذلك لأن الإيان بوجد الله تعالى مسألة فطرية بدهيةء ____-- )1( كتابنا: القول المبين في أهم قضايا علم أصول الدين» ص 152-151 طبعة المطبعة العربية الحديثة. (2) المنقذ من الضلال؛ للإمام الغزالي» تحقيق: مصطفى أبو العلاء ص40؛ طبعة الجندي» 1973.٠ 98 العفائد الأيمائية ج مهب ]باصي ولكن ابتلي الإسلام والمسلمون» بل ابتليت البشرية بمن ينكر وجود الله تعالى» ومن يلحد في إثباته فكان لا بد أن يتصدى القرآن لأمثال هؤلاء بالاستدلال على إثبات وجوده تعال» وإن م يكن ذلك هدفاً من الأهداف القرآنية”° والآيات القرآنية الدالة على إثبات الصانع كثيرة ومتنوعةء منها مايتناول الكلام في آيات الكون نفسهاء ومنها ما يتناول آيات الكون من حيث ملاءمتها حاجات الحياة» ومنها ما يتكلم عن الإنسان من نواح شتى» مشل نشأته وتقلبه في مراحل الخلقة إلى أن يولد ثم بعد أن يولد... إلى غير ذلك من الآيات الدامغة الدالة على وجوده تعالى؛ المتميزة عن غبرها من الأدلة بسهولتها ووضوحهاء وشدة إقناعهاء لأنها تعتمد على ال حس والواقع» وعلى النظر في النفس وفي الكونء وهي بذلك تلائم العامة وا خاصةء ومع أنها تعتمد على وقائع الحس والمشاهدة: إلا أنما تنفذ بنورها إلى العقول والقلوب فتفتحها وتضيئها دون جهد أو عناء لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وي هذا يقول الأستاذ العقاد: ١م تتكرر البراهين على إثبات وجود الله تعالى في كتب الأديان السماويةء كما تكررت في القرآن الكريم» وهو إذ يعلل ذلك يقول: إن القرآن كان يخاطب أقواماً يتكرون؛ وأقواماً يشركون؛ وأقواماً يدينون بالتوراة ٠ والنجيل ويختلفون في مذاهب الربوبية والعبادة وكانت دعوته للناس كافة من أبناء العصر الذي نزل فيه؛ وأبناء سائر العصور ومن ن أمة العرب وسائرالأمم؛ء فلزم فيه تمحيص القول في الربوبية عند كل خطاب» وكان يخاطب ليقنع المخالفين بالحجة التي تقبلها العقول الإنسانيةء فجاء بكل برهان من البراهين التي قال بها سائر المفكرين قدي]ً وحديثا»”. )1( التفكير الفلسفي في الإسلام؛ د. عبدالحليم محمودء ص50 طبعة دار المعارف» 4 1. قارن: الأسلام والعقل؛ د. عبدالحليم محمود؛ ص145-144٠» طبعة دار الكتب الحديثة؛ ص 1973. )2( الل للاستاذ عباس محمود العقاته ص86 1٠ طبعة القاهرق 192. إثباك وجود الله 99 وقد نشأت الأباضية في أحضان الدين الإسلاميء وعلى مبادئء ومع هذا کان هم مفهومهم عن الله تعال وعلاقته بالإنسان الذي يختلف في قليل أو كشير عن التصور الإسلامي عموماء ما يستوجب التعرض لفهومهم هذا بشيء من الإيضالحء وذلك يتمثل في الأدلة التي قدمها الأباضية للاستدلال على وجود الله تعال» والتي من أهمها الأدلة الآتية: أولاً: دليل الحدوث: يصور لنا هذا الدليل» أحد علاء الأباضية - وهو القلهاق” في كتابه الكشف والبيان - في صورة سؤال وجواب» كي يقربه إلى ذهن القارئ؛ فيقول: «إن قال قائل: ما الدليل على أن الله محدث الأشياء؟ قيل له: الدليل على ذلك: أنا رأينا الكتابة لا تكون إلا من كاتب» والبناء لا يكون إلا من بانٍ؛ والصنعة لا تكون إلا من صانع؛ فعلمنا أن الأشياء محدثة ولا تكون إلا من محدث أحدثهاء وهو الله الواحد القهارا. ويستطرد المؤلف قائلاً: فإن قال: ف الدليل على أن الأشياء محدثة وليست بقديمة؟ قيل له: لأنا وجدنا جميم الأجسام والأشياء في الدنيا لا تخغلو من الاجتماع والافتراق» والحركة والسكون؛ فلا كانت الأجسام لا تغلو من ذلك؛ علمنا أنما محدثة ل حدوث ما لا ينفك منهاء ولم يسبقهاء ولم يتقدمها إلا وهي معه - أي الأعراض -» وصح معنا وثبت أن الأشياء حدثة”. (1) هو أبو عبدالله محمد بن سعيد الأزدي القلهات» ينتسب إلى مدينة قلهات في عيمان؛ وينتسب إلى قبيلة الأزد اليمنيةء كان من العلماء البارزين في أوائل القرن الرابع المجري؛ العاشر الميلادي. انظر: مقدمة كتاب الكشف والبيان؛ للقلهاق› تحقيق: د. سيدة كاشف» ص 7-6 طبعة سلطنة عمانء 1980. (2) الكشف والبيان (1/ 95). 100 العفائد الأيمائية ‏ مدهب الأباضّية وهذا الدليل هو عمدة أدلة التكلمين" وهو المبدا الأساسي الذي اهتموا به لأن ذلك هو أصل من الأصول الأساسية في الدين الإأسلاميء وهو عكس ما تقضي به طائفة (الدهرية) من أن العام قديم» ودفاعاً عن الدين بالعقل والمنطق› ومناهضة لتلك الفئة الضالة وغيرها من يقولون بقدم العام قام المتكلمون ومنهم الأباضية بإثبات أن العام حادث. وهذا الدليل الذي قال به الأباضية يستند إلى مبداً السببية الفاعلةء في أنه لا يتصور وجود صناعة بدون صانع» وكتابة بدون كاتب... إِلخء فمنهجهم هنا يعد منهجاً طبيعياًء ونقطة البداية التي انطلقوا منها في هذا الدليل هي التأمل في العالم ونظامه» باعتبار آنه فعل للخالق» ومن ثم فهو دليل يدل عليهء بحيث يكون الابتداء من المخلوق» والانتهاء إلى الخالق. وقد استفاد علماء أصول الدين عامة من المنهج القرآني جملةٌ بالنظر إلى العام وأضافوا ليه بعد ذلك مقدماتهم من القول بحدوث الأعراض والأجسام فبحدوث الأعراض يصح حدوث الأجسامي وبحدوث الأجسام يصح وجود الله تعالى» حيث إن حدوث شيء من غير إحداث حدث مستحیل تصوره”. وقد نسبت هذه الطريقة لسيدنا إبراهيم 9ء حيث يقول الرازي: «والاستدلال بحدوث الأجسام هو طريقة الخليل %9 في قوله: «لا أحب (1) نهاية الأقدام في علم الكلام للشهرستاني» ص125-124٠ طبعة القاهرة. محصل أفكار المتقدمين وامتأخرين› للرازي» ص147 طبعة الكليات الأزهرية. معام أصول الدين؛ للرازي› ص8 3ء طبعة الكليات الأزهرية. شرح نهج البلاغةء لابن أي الحديد (1/ 293)› طبعة دار الكتب العربية. التبصير في الدين؛› للإسفراييني› ص 141. التمهيد للباقلاني› تحقيق: الخحضيري› ص 44- 5 طبعة القاهرة. التوحيد للاتريدي» تحقيق: فتح الله خليفء ص18 بيروت. أصول الدين للبغدادي» ص69 طبعة القاهرة. التمهيد للنسفى» ص128. مقالات الإسلامين› (1/ 14). (2) انظر: كتابنا القول اين في أهم قضايا علم أصول الاين ص 155. ' إثباك وجود الله | 101 الآفلن»”. أي لا أ نى على الذي تتعاقب عليه الأحوالء ويعتريه التغير والزوال باستحقاق الربوبية» ولا أعطيه المحبة التي تجب لله الواجب الوجود الذي يستحيل عليه الزيادة والنتقصان» والذهاب والإتيانء فاستدل إبراهيم 9 على تغير الظواهر الطبيعية على أنها غير صالحة للألوهية لأن الإله لا بد أن يكون غير متغير ولا حادث»”. ثانياً: دليل الخلق: هذا الدليل» وإن كان هو بعينه دليل ال حدوث إلا أن (القلهات) قد جعله دليلاً ثانياًء وذلك بتمييزه بين الدليل السابق وبين هذا الدليل بقوله: «ودليل ثانٍ أيضاً يدل على أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء وهو أنه إذا وضعت نطفة بين يدي الخلق جميعاء حيث يرونا ويمسونهاء م يقدروا أن يخلقوا لا عظاً ولا لحا ولا شعرأء ولا حياةء ولا قدرةء فكيف إذا كانت في ظلمة الرحم؛ وبينها وبينهم ا حجب الكثيرة فهم في صنعها أعجز وعن تدبيرها أبعدء فعلمنا أن من جعل النطفة خلقا كاملاً هو الله تعالى» الذي خلق الأشياء واخترع أعيانهاء وأخرجها من العدم إلى الوجود من لا شيء»' . ولا يميز أغلب الباحثين بين هذا الدليل وسابقه» بل يعد هما دليلاً واحداء يمتاز بميزة عظيمةء فهو أقرب شيء يخرجك عن التقليد إذ إنه يجعلك تنظر إلى أقرب الأشياء إليكء وهو نفسك انطلاقاً من قوله تعالى: روف شيك أل يروت © 4 [الذاريات:21]. فتعلم بالضرورة أنك ل تكن ثم كنت» فتعلم أن لك موجداً أوجدك لاستحالة أن توجد نفسك. (1) محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين› ص147. قارن: الموقف الخامس؛ للإيجي؛» تحقيق: د. أمد اللهدي؛› ص5 طبعة القاهرة 1976. (2) القول المبين» ص3 154-15. (3) الكشف والبيان (1/ 60-59). 102 العذائد الأيمائية ‏ مدهب اأباضية فإذا فكر الإنسان في نفسه رآها مدبرة» وعلى أحوال شتى مصرفةء كان نطفةء ثم علقةء ثم مضغة ثم لحا وعظباء فيعلم أنه م ينقل نفسه من حال النقص إلى حال الكمال؛ لأنه لا يقدر أن يحدث لنفسه في الحال الأفضل التي هي حال كال عقلهء وبلوغ أشده عضواً من الأعضاء ولا يمكنه أن يزيد في جوارحه جارحة فيدله ذلك على أنه ي حال نقصه وأوان ضعفه عن فعل ذلك أعجز. وقد یری نفسه شاب ثم كهلا ثم شيخاًء وهو لم ينقل نفسه من حال الشباب والقوة إلى الشيخوخة والحرم؛ ولا اختار لنفسهء ولا ي وسعه أن يزيل حال الشيب ويرجع قوة الشباب؛ء فيعلم بذلك أنه ليس هو الذي فعل هذه الأفعال بنفسه وأن له صانعاً صنعه وناقلاً نقله من حال إلى حال» ولولا ذلك ل تتبدل أحواله بلا ناقل ولا مدبر» فدل ذلك كله على وجود خالق حکیم وراء هذا کله . وبيان دليل الخلق - أو ا حدوث - منطقياًء أن تقول: أنا م أكن ثم کنت» أو آنا موجود بعد عدم وأنا حادث؛» فكل من هو كذلك فله موجد أوجده» فينتج هذا البرهان: أنا لي موجد أوجدني. أما القضية الصغرى في هذا القياس المنطقي؛ء فهي معلومة بالضرورةء لأن كل عاقل لا يشك في أن هيئته اللخصوصة التي هو عليهاء وبها تحققت حقيقته الإنسانيةء كانت معدومة ثم كانت» وأما الكبرى» فلقد اعتقد فوم ومنهم الرازي أنها معلومة بالضرورة أيضاًء والصحيح عند الثميني“ - وهو أحد علماء الأباضية - أنها نظرية أي استدلاليةء لأن اختصاص الحادث بالوجود (1) القول المبين» ص146-145. )2( هو الشيخ عبدالعزيز بن الحاج بن إبراهيم الثميني المصعبي اليسجني؛» الملقب بضياء الدين» ولد في سجن بجنوب ال جزائر عام 1130ه وكان أحد أقطاب الأباضيةء وإليه انتهت رئاسة العلم» توفي ني عام 1220ه ومن أهم مؤلفاته (معام الدين)؛ جمع فيه العقائد الصحيحة مذهب الأباضيةء وقد ختمه بالتأكيد على تمسكه الشديد بالعقيدة الأباضية حتى الموت؛ حيث يقول: «وآنت إذا تتبعت کتابناء لا يخفى عليك اعتقاد الأباضية الخلص المذكورين الذي عليه نحيى› وعلیه نموت؟. انظر: معالم الدين؛ للشميني؛ (2/ 236)› طبعة سلطنة عمان» 6 مقدمة الكتاب لسالم بن حمد ابن سليمان الحارڻي. اثباك وجود أله 103 ِِ الوقت المعين بدلا عن العدم الجائز يوجب افتقاره إلى تخغصص وإلا لكان أحد الأمرين الملتساوين راجحا لذاتت وذلك حال . هذا الدليل يسمى بدليل (اخلق) أو (الإبداع) أو (الاختراع) وقد رآ شيخ الإسلام (ابن تيمية) کافيا وحده ف الاستدلال على وجود الله تعالى؛ وليس هناك حاجة إلى اللجوء إلى طريقة المتكلمين التي ترى أن الخلق أو الإحداث لا يعرف إلا بالاستدلال على حدوث الأعراض أولا ثم ملازمتها للجواهر ثانياء ثم القول بأن الجواهر لا لازمت الأعراض وهى حادثة كانت حادثة أيضا”“. ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا الدليل في غاية الحسن والاستقامةء وهو يعد دليلاً عقليا وشرعيا معأء حيث يقول: «فالاستدلال على الخالق بخلق الإنسان في غاية الحسن والاستقامةء وهي طريقة عقلية صحيخةء وهي شرعيةء دل عليها القرآن» وهدى الناس إليهاء وهي عقليةء فإن نفس كون الإنسان حادثاً بعد أن م يكن ومولوداً وغلوقاً من نطفة ثم من علقةء هذا لم يُعلم بمجرد خبر الر سول يَ بل هذا يعلمه الناس كلهم بعقولحم» سواء أخبر به الرسول أو لم يبر لكن الرسول أمر أن يُستدل به ودل به» وبيّنه واحتج به» فهو دليل شرعيء لأن الشارع استدل به» وأمر أن يستدل به» وهو عقل› بالعقل تعلم صحته؛ إذن فهو عقلي وشرعي معا ولا كانت آية الخلق أقوى أنواع الآيات دلالة على الخالق؛ يؤكدها القرآن بمبادئ مقررة» يعترف بها كل إنسان عندما يفكر فيها تفكيراً بسيطاًء فمن البيّن أن الشىء لا يمكن أن يوجد بدون علةء ولا يمكن من جانب آخر أن يكون علة __—__—_- )1( معالم الدين» للثميني› (1/ 1 3-8 8). (2) درء تعارض العقل والنقلء ص1 4؛ طبعة دار الكتب المصريةء 1971. (3) النبوءات؛ لابن تيميةء ص 48؛ طبعة القاهرة 1346ه. 104 العفائد الإيمائية خ مهب ]أ باضّية م ‎oe‏ ص صياغة نهس وي هذا يقول الحق تبارك وتعالى: أ خلقوا من عيرنىء مهم ملعو ‎(ce)‏ )ام حََعُواالموتٍ والأرص بل لُقَو )4(7 [الطور:36-35]. فهذه الآيات على قصرها تتضمن الاحتالات الممكنة في يتعلق بحدوث هذه الكائنات التى يعتر حدوثها شيئاً مسلاً به» وهذه الاحتالات هي: 1- أن تكون الموجودات الحادثة قد حدثت من غير علةء وهذا أمر مرفوض؛ لأنه مخالف لا يقضى به العقل من ضرورة وجود محدث لکل شیء حادث» وهذا مضمون قوله تعالى: « آم لوان مء 4 . 2- أن تكون الموجودات الحادثة قد أوجدت نفسها بنفسهاء وهذا باطل أيضاء لأن الكائن الحادث وُجد بعد أن م يكن موجوداًء فالقول بأنه أوجد نفسه يتضمن التناقض؛ لأنه يقتضي أنه متقدم على نفسه متأخر عليها في وقتٍ واحد؛ وأنه كذلك موجود معدوم في آنٍ واحد؛ وهذا معنی قوله: أ ه الْحَتو 4. 3- أن الحادث أحدثه غير وهو الله تعا لى وهذا هو الاحتال اصح الذي يقضي به عقلنا'" ویتہاشی مع قوله تعالى: الله حي ڪل ىو وه هو عل کل می ڈ4 [الزمر:62]. إذنء فإنكار عُدث للحوادث وموجد للوجود تناقض مع العقل» وإقامة على الخطأء ولعله هذا الإلزام المنطقي الذي لا مناص منه سء ابن سينا بالواجب الوجود حفاظاً على حرمة العقل من أن يوصم بالتخليط والتناقض أو البلاهة والتبلكء إذ يستحيل أن ينبثق الوجود من العده”. )1( نماذج من الحكمة الدينية للمسلمين؛ د. سامي لطف (1/ 55)› طبعة القاهرة 8 . قارن: العقيدة الإسلامية بين العقل والنقل؛ د. عبدالسلام محمد عبد ص15› طبعة القاهرة. أيضا: كتابنا: القول المبين؛ ص145. )2( الله جل جلاله أ. سعيد حوى؛ ص 121-120٠ طبعة دار القلم» بيروت» 1981. اثباك وجود الل 105 ثالثاً: دليل الممكن والواجب: هذا هو الدليل الثالث من أدلة الأباضيةء قد أورده العام الأباضى (الثميني) في كتابه معالم الدين على النحو التالي: إن العالم ممكن بوجوده وعدم لا أرجحية لأحدهما على الآخر بذاتهء ويدل ذلك على افتقاره وأن كل بمكن - من حيث إنه قابل للوجود والعدم - فالوجود له لیس من ذاته وکل ما لیس له الوجود من ذاته» فالوجود له من غيره» ثم ذلك الغير لا بد وأن يكون واجب الوجود لذاتهء وإلا كان مفتقراً إلى ما افتقر إليه العام ولزم الدور أو التسلسل» وكلاهما حال؛ فثبت العلم بوجود مؤثر واجب الوجود لذاته. ويستطرد المؤلف قائلاً: فقد خرج لك من هذا العلم بوجود الصانع» لكن مع احتمال أن يكون صانعاً باللزوم - كا يذهب الفلاسفة - وعلى هذا فإن الأمر يحتاج إلى دليل آخر لإئبات أنه يكون صانعاً بالاختيار» خلافاً لرأي الفلاسفة". ويمضي شيخ الأباضية - المتأخرين - في تصوير دليل الممكن والواجب؛» والتدليل على أن الله فاعل بالاختيارء وليس باللزوم كا قال الفلاسفة فيقول: إن صانع العالم: إما أن يكون أوجبه لذاته في ذاته» أو اقتضاه بطبعه؛ أو أوجبه باختيار› ولا يلو الأمر من أحد هذه الأوجه الثلاثة. لا جائز أن يكون المؤثر في هذه الممكنات موجباً ا بذاته كالعلةء ولا مقتضياً ها بطبعه» فبقي أن العام قد وقم بالاختيار وتعين أن يكون الفاعل تارا وله إرادة رجح بها بعض الممكنات على يعض . وهكذا يلفت الشيخ الأباضي الأنظار إلى أن دليل الممكن والواجب لا يمكن التعويل عليه وحده» حقا إنه ينتهي عند الإقرار بوجود الصانع» ولكنه لا يبين لنا )1( معالم الدين» للثميني» (1/ 4 8). (2) المصدر السابق» ص85 88. 106 المخائد اأيمائية ‏ مدهب ]باصي على أي نحو كان هذا الصنع؛ فمن المحتمل أن يكون صنع الصانع خلواً من اللإرادة والاختيار؛ بحيث يصنع بطريقة قسرية جبريةء فيكون «صانعا باللزوم»› وهذا هو مفهوم الصنع لدى أصحاب نظرية الفيض» فهم يرون أن العلاقة بين الله تعالى والعالم أشبه بالعلاقة بين الشمس وأشعتهاء علاقة تلازم إذ لا يتصور أن تتخلف الأشعة في وجود الشمس. إذن فدليل الممكن والواجب لا يمكن الاقتصار عليه وحده» وإنما هو مفتقر إلى تتمةء محتاج إلى دليل آخر لم يوفق إليه الفلاسفةء وهو التدليل على أن الله فاعل بالاختيار» وهو ما قام به العالم الأباضي (الثميني) بالفعل» وبذلك يكون قد وافق جمهور الأشاعرة وبالأخص الإمام الجوينى. وخالف الفلاسفة المشائيين؛ الذين ل يهتدوا إلى إثبات أن يحون الله تعالى فاعلاً بالاختيار. فهذا الدليل وإن اشترك فيه الفلاسفة وامتكلمون تسمية فقد اختلفوا فيه منهجاً ومضموناًء فالإمام الثميني اعتمد على إمكان العام ليصل من ذلك إلى حدوثه» وعن طريق الأمكان وال حدوث انتهى إلى القطع بأن صانع العام مختار غير يحبر في خلقه للعالم وهذا يغاير ما ذهب إليه ابن سينا الذي جعل مبدع العالم محرا على الإيباد لا ئي زمان» ولكن نجرد تعقل الله لذاته يصدر منه العقل الأول... إلخء فلا حرية ولا اختيار ئي وقت دون وقت ولا مكان دون مكان؛ في نظرية الفيض المشائية الاسلامية. ےک (1) القول المبين؛ ص157-156. قارن: المقيدة النظامية في الأركان الإسلامية للجوينىء ص16- 7 طبعة القاهرة 1978. الصفات الإلهين كان لا بد بعد تقديم أدلة وجود الله تعالىء وإثبات الذات الإلهيةء أن نقدم تفصيلاً ا تتصف به هذه الذات من صفات» لا سيا وأن قضية الصفات الإلية تعد أهم القضايا الكلامية والفلسفية وأعظمها تشعباء وأكثرها مثاراً للخلاف بين القْرَق الختلفةء من مثبتين ونافين؛ فهى بحق قد شغلت أذهان المتكلمين والفلاسفة على مدی قرون عديدة فأوسعوها دراسةً وبحثاً. وأفردوا ا مباحث نالت كثيراً من اهتماماتهم ومناقشاتهم؛ فتنوعت آراؤهم حوطاء واختلفت وجهات نظرهم بإزائهاء وبلغ بينهم النزاع مبلغاً كبيراً أدى بهم إلى تبادل الاتهامات. وقد اتفق جميع المسلمين بلا استثناء على أن الله تعالى متصف بصفات الكال البوتية الواجبة لذاته تعالى» والتي أطلقها الباري سبحانه على نفسهء حتى أنه تقل عن الإمام ابن تيمية أنه قال: إن هذه للقدمةء أي القضية القائلة: إن الله متصف بجميغ صفات الالء منزه عن جمیع صفات النقص» ما أجع عليه العقلاء كافة حكماء ومتکلمین وغرهم». __—__—-_- )1( الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والتكلمين تحقيق وتقديم: د. سليمان دنياء ص1/ 277-276› طبعة الحلبي؛ 1377ه. 108 العفائد ]أيمانية 4 مهب ]باصي ولا خلاف بين المتكلمين قاطبٌ وال حكماء في كونه تعالى عالاً قادراً مريداً حياء متكلاء سميعاًء بصيراء وهكذا في سائر صفاته تعالى» ولكنهم اختلفوا في تحديد العلاقة بين هذه الصفات والذات الإلية بمعنى أن اختلافهم في كون الصفات عين ذاته أو غير أو لاهو ولاغيره فذهب المعتزلة والفلاسفة إلى الأولء وجمهور للتكلمين إلى الثاني» والأشعري إلى القالث”. وقد آمن الصحابة - رضوان الله عليهم - بم جاء في القرآن الكريم» والسنة النبويةء متعلقاً بالذات والصفات إياناً لا تشوبه شائبةء وقد مضى زمن النبي يِل والمسلمون على عقيدة واحدةء هي ما جاء في کتاب اللہ تعالی» لأنہم کہا یقول (طاش كبرى زادة): «أدركوا زمان الوحي» وشرف صحبة صاحبه؛ وأزال نور الصحبة عنهم ظلم الشكوك والأوھاما. يضاف إلى ذلك خشية الصحابة أن يؤدي البحث العقلى الاجتهادي في جال العقائد إلى انقسام المسلمين بعضهم على البعض الآخر فنهوا عن ذلك وحرصوا على توحيد الكلمةء بأن يكونوا على منهاج واحد في أصول الدين. فقد سمع الصحابة د قول النبي ي : ل تسعة وتسعون اسيا من حفظها دل احنة» وان الله وتر يحب الو ي . وسمعوا قبل هذا الحديث قول الله تعالى: وير السا سى قاد غوه يها ودروا ا الب يدوك ف أسمد [الأعراف :180]. ولم يشغلوا أنفسهم ولم يفتحوا عقوم لنوع من ال جحدل أو المراء حول الذات أو الصفات. وقد أظهرنا المقريزي في خططه على موقف الصحابة من مسألة الذات والصفات في عبارة جيلة محتصرةء نصها: «من أمعن النظر في دواوين ال حديث )1( الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة وامتكلمين› ص8 27. )2( تمهيد لتاريخ الفلسفة الإأسلاميةء للشيخ مصطفى عبدالرازق» ص272 طبعة القاهرة 1944. (3) الحديث أخر جه الإمام مسلم في صحيحه؛ كتاب الذكر والاستغفار باب أساء الله تعالى› (2/ 62) طبعة القاهرة. الصفاء الألقية 109 النبوي» ووقف على الآثار السلفيةء علم أنه لم يرد قط من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة على اختلاف طبقاتهم› وكثرة عددهم» أنه سأل الرسول َل عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم على لسان نبيه يَلٍء بل كلهم فهموا ذلك فسكتوا عن الكلام في الصفات؛ ولا فرق أحد منهم بين كونها صفة ذات أو صفة فعل؛ وإن) أثبتوا له تعالى صفات أزليةء من العلم والقدرة والحياةء والسمع والبصر والكلام والإرادةء وال جلال؛ والإكرام والجود والإنعام» والعزة والعظمةء وساقوا الكلام سوقا واحدا. منهم إلى شيء من هذاء ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت» ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به على وحدانية الله تعا لى» وعلى إثبات نبوة محمد يِه سوی کتاب الله تعال؛ ولا عرف أحد منهم الطرق الكلاميةء ولا مسائل الفلسفة»”". ومثل هذا كان موقف السلف وكبار الأئمةء من أمثال مالك والشافعى وأحمد بن حنبل - رحمة الله عليهم - » ولم يميزوا بين أساء الله تعالى وصفاته وقال الإأمام أمد: «لا نصف الله إلا با وصف به نفسه أو وصفه به رسوله يلو ةلا يتجاوز القرآن وال حديث»“. ورفض أن يدخل في جدل حول هذا الموضوع؛ ودعا إلى اتخغاذ هذا الموقف ابن تيمية وابن حزم وغير هما من السلفية والظاهرية”. وهذا ما قرره اللإمام الراحل الدكتور عبدالحليم حمود - رحمة الله عليه - في تراثه العلمي تحت عنوان: «البحث في الذات والصفات الإلية تهجم من الإنسان (1) الخطط للمقريزي؛ (4/ 181)؛ طبعة القاهرة 1324ه وطبعة بولاق؛ (2/ 356). قارن: أعلام الموقعين عن رب العلمين؛ لابن القيم الجوزيةء تحقيق حي الدين عبدالحميد (1/ 49)› الطبعة الثانيةء القاهرةق 1955. )2( شرح العقيدة الواسطةء لابن تيميةء إعداد: د. محمد خليل هراس» ص25» طبعة الرياض» 1983. )3( منهاج السنّة النبويةء لابن تيميةء (1/ 252) طبعة الأميريةء 1 هف والفصل في الملل والأهواء والتحل؛ لابن حزم الأندلسي؛ (1/ 120)› طبعة صبيح؛ 1348ه. 110 العفائد الإيمائية ج مهب اأ باضية على مقام لا يرقى إليه» حيث يقول: «وسواء نظرنا إلى التراث الديني الصحيحء من قرآن أو سنَّةء ونظرنا إلى أصحاب الآراء السليمة التي فهمت الأوضاع الدينية فهاً يتسم مع الروح الصحيحة للتدين؛ فإننا نجد أن الاتباء العام في ذلك كله يبتعد بالإنسان ابتعاداً تاماً عن أن يقول في الله تعالى ذاتاً وصفاتٍ برأيهء «تفكروا في آلاء الل ولا تفكروا ئي ذاته فتهلکوا). إن هذا الأثر يرسم النهج السليم» ويعبر عما يجب أن يكون عليه الإنسان إذا أراد النجاة وابتغى السلامة. وما من شك في أن البحث في الذات والصفات الإلحيةء من ناحية الصلة بينهما: توحيداً أو تغايراء والبحث في الصفات الموهمة للتشبيه نفياء أو إثباتاء أو تأويلاً إنما هو «تهجم من الإنسان على مقام لا يرقى إليه وهم متوهم ولا خيال متخيل)ء وإنه لحق؛ أن كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك؛ وقد كان من الطبيعي أن يقدر الباحثون أنفسهم باعتبارهم من البشر حق قدرهاء وأن يقدروا الله حق قدره ولو سار الأمر على هذا النسق لا تطاول البشر إلى مقام الله تعالى» وما تجاوزا حدودهم؛ وبالتالي لا كان هناك اختلاف وتنازع: وافتراق في موضوع الصفات الالمةء. ولكن بعض الباحثين لم يلتزموا حدودهم كأفراد من البشر وغرهم عقلهم؛ وخدعهم شيطانهم» فحاولوا بعقوهم على الله ما لم يتزل به سلطاناًء فكان التزاع حول مسألة الصفات الإلحيةء وغيرها من المسائل التى طرحت على ساحة البحث والمناقشةء وذلك يرجع إلى المتغيرات التي طرأت على الجماعة الإأسلامية بعد عصر الفتوحات ودخول عناصر العجم الإسلام؛ وبروز مؤثرات فكرية في حياة المسلمين متأثرة بالثقافات القديمة هنديةء وفارسيةء ويونانيةء ويهوديةء ونصرانية فهذه )1( صوت الأزهرء من تراث الإمام الراحل عبدالحليم محموف ص7 26 جمادى الآخرة. الصا الألهية 111 التغبرات بدورها شغلت المتكلمين ردحاً من الزمن بمسألة الذات والصفات؛ وكان من الطبيعي أن تظهر (الأباضية) على الساحة الإسلامية وتدلي بدلوها في هذه السألةء فهم منذ القرن الثاني المجري جمهور على امتداد أرض المسلمين في المغرب والمشرق. مذهب الأباضية في الصفات: يرى الأباضية أن لله تعالى صفات واجبةء وبالتالي هناك صفات مستحيلة ني حقه تعا ى فالصفات الواجبة هي التي لا يمكن القول بوجوده بدونها» وهي وجوده وجوداً لا يحده زمان؛ وإن) له الوجود المطلق؛ والبقاء المطلق؛ ولا نهاية لبقائه وهو العليم بذاته البصير بذاته» القدير بذاته السميع بذاته لا تأخذه سنة ولانوم لا يخلو منه مكان» ولا تحيط به الأكوان» ولا تفنيه الأزمان”". وقد اتفقت الأباضية على منع إطلاق ما لم يرد به الشرع من تسميات تتعلق بالذات والصفات كالجوهر والعرض؛ وال جسم واللحهة وا ميوللء والصورةء والعلةء وغير ذلك من الألفاظ التي لا يصح إطلاقها على الله تعالى. وهم بهذا الاحتراز يتفقون مع جمهور أهل الستة والجماعة في أن أساء الله وصفاته توقيفيةء بمعنى أنه لا يجوز أن نثبت لله تعالى صفة ولا اسا إلا إذا ورد الأذن من الشارع بذلك” يؤيد هذا ما يقوله القلهاتي: «لا نصفه سبحانه إلا كا وصف نفسه في کتابه». وقد ذهب جهور الأباضية إلى أن الاسم والصفة شيء واحدء يؤكدهذاما قاله صاحب كتاب الموجز حين عرف الاسم والصفة بقوله: «إن الاسم والصفة (1) طلقات المعهد الرياضي» للشیخ سالم بن حمود بن شامس؛ ص93 طبعة وزارة التراث القومي؛ء عيان. )2( بجة أنوار العقول» أبو محمد بن عبدالله بن يد السالي؛ (1/ 85)› طبعة مصر. (3) الكشف والبيان (1/ 70). 112 العفائد ايمائية 4 مدهب ]أ باضية جيعاً ما بان به الشيء عن غيره على ما هو به في ذاته ونفسه» وصفه الواصفون أو ل يصفوء». وهذا يعني أن الاسم ليس عبارة عن تسمية المسمى» والصفة ليست وصفاً للموصوف. وهذا يعد خلطاً من الأباضية بين مدلول الاسم ومدلول الصفةء إذ إن لكل منه) مدلوله ا خاص به «فالصفة هي الشيء الذي يوجد بالملوصوف» أو يكون له ويكسبه الوصف الذي هو النعت الذي يصدر عن الصفة»”. ومعنى هذا أن الصفة قد توجد تارة وتعدم تارة أخرى» فإذا وجدت غيرت حكم الموصوف وصيرته عند وجودها على حكم ل يكن عليه عند عدمهاء كالعلم واللجهل؛ والشجاعة والجبن» فيتغير بها الموصوف إذا وجدت به» وتكسبه حكياً م يكن عليه. ويذهب جهور الأباضية في تعريف صفات الله تعالى إلى قولين: القول الأول: أنها أمور اعتبارية» لا يراد با نفي أضدادها من النقائص؛ فوصفه تعالى عندهم بالعلم بالسمع» بالحياةء بالقدرة» ليس إلا تنزهاً عن الأوصاف الناقصةء كال جهل› والصمم؛ والموت» والعجز. والقول الثاني عندهم: أن صفات الله تعالى أمور اعتبارية بحسب تبليات أعيان الوجود وتأثرهاء وانتقا ها للذات العليةء وهي الفاعلة بذاتهاء والمنكشفة لا الحقائق؛ ومن ثم فليس هناك صفة زائدة عليهاء فإذا ما وصفت الذات بالعلم فإن ذاته تعالى كافية في انكشاف حقائق الأشياء ا انكشافاً تام فهي - أي الذات - حقيقة وصفه بالعلم» وقس على ذلك في بقية الصفات. أما عن تقسيم الصفات» فقد قسمها أباضية اللشرق إلى قسمين: صفات ذاتيةه وصفات فعلية. )1( اللوجز في تحصيل السؤال وتلخيص القال في الرد على أهل ال خلاف (1/ 247). (2) التمهيك للباقلاني تحقيق: الأب مكارثي؛ ص213› طبعة بروت» 195. الصفاء: الألفية 113 الصفات الذاتية هي: كل صفة لا تجامع ضدها في الوجود؛ ولو اختلة لحل كالعلم والقدرة والإرادة فلا يقال علم الله كذاء وجهل الله كذاء کا لا يقال: أراد كذاء وأكره على کذا. والصفات الفعلية هي: كل صفة جاز أن تجامم ضدها في الوجود عند اختلاف المحل» كأن يبسط الله في رزق عليء ويضيق في رزق محمد وهذا القسم من الصفات لا يجوز عندهم أن يتصف الله تعالى بها في الأزلء وإنا يتصف بها فما لا وقد التقى الأباضية في تقسيمهم للصفات مع الإمام البيهقي» الذي قسمها إلى قسمين أيضاًء صفات ذاته وهي ما اتصف بها دون ضدهاء وصفات فعل؛ وهي ما اتصف بها وبضدهاء فلا يجوز وصفه إلا با دل عليه الكتاب أو السنة أو أجمع عليه سلف الأمة”“. والأساس الذي اعتمد عليه البيهقي في هذا التقسيم يتمشل في ملازمة الصفات للذات أو انفكاكها عنهاء فإذا كانت الصفات ملازمة للذات ولا تنفشك عنها كانت صفات ذات» فعلم الله تعالى - مثلاً - لا ينفك عنهء بل هو عالم في کل حين؛ أزلاً وأبداًء بخلاف صفات الأفعالء فإنها قد تنفك عن الذات في بعض الأوقات؛ وليست ملازمة لاء كالإحياء والإماتةء والعفو والعقوبةء وغير ذلك من صفات فعله. والذي يستفاد من تقسيم أباضية المشرق للصفات الإحيةء أن صفات الأفعال حادثة؛ وليست قديمةء في حين أن أباضية المغرب يرون أن صفات الله كلها قديمة )1( فناطر الخيرات؛ أبو طاهر الجيطالي: (1/ 301( طبعة القاهرة؛› 1965 وأيضاً مشارق أنوار العقولء ص173. )2( الأسياء والصفات للإمام البيهقي » تحقيق: زاهد الكوثر ص110» طبعة بيروت» 1358ه. وأيضاً الاعتقاد على مذهب السلف وأهل السنّةه للإمام البيهقيء ص26 طبعة القاهرةء 1984.٠ 114 العفائد الأيمائية ك مهب ]أ بأضية أزلية. بمعنى أنه ل يزل الله متصفاً بها في الأزلء وفيا لا يزالء وبذلك تختلف أباضية المغرب عن أباضية المشرق في اعتقاد الصفات وتقسيمها. صفت الوحدانيخ: وهي عبارة عن سلب الكثرة في الذات والصفات والأفعال؛ أي عدم الاثنينية في الذات؛ فوحدانية الذات تنفي عنه تعالى الكم المتصل والمتفصل؛ أي تنفي العدد في الذات متصلاً كان أو منفصلا فتنفي التركيب في ذاته تعال» ووجود ذات أخرى تماثل ذاته العلية. ووحدانية الصفات اتصالاً واتفصالاً - أيضاً - تنفي عنه تعالى الكم الملتصل والمتفصل فيهاء أي تنفي العدد في حقيقة كل واحدة منهاء متصلاً كان أو متفصلا أي أنه تعالى له حياة واحدة وعلم واحد وهكذاء ولیس ثم من يتصف بصفات الألوهية سواه. ووحدانية الأفعال تعني أنه ليس لغيره تعالى فعل يشبه فعله تعالى» إذ كل ما سواه عاجز لا تأثبر له في شيء من الأشياء. ووحدانية الله تعالى تعد أهم مباحث علم التوحيك وأشرف مقاصده وأجل غاياته» ولذا سمي باسم مشتق منهاء فقيل: «علم التوحيدء وقد اهتم علماء الكلام بإثبات الوحدانية لله تعال فجعلوا للتوحيد ثلاثة أنواع: وحدة الذات» ووحدة الصفات؛ ووحدة الأفعال. فالله تعالى واحد في ذاته» فليست ذاته تعالى مركبة من أجزاء وليس هناك إله غير الله. وهو تعالى واحد في صفاتهء أي ليس له صفتان أو أكثر من نوع واحد (1) الموجز ي تحصيل السؤال؛ للكاني (1/ 430). )2( شرح الخريدة في علم التوحيدء للشبخ أحمد الدردير ص 23ء طبعة صبيح. وأيضاً: محاضرات ئي التوحيد والعقيدة والفكر الحديث؛ د. محمد شمس الدين إبراهيم» ص 49؛ طبعة النوار 1964. الصا الألهية 115 كقدرتين وعلمين مثلاًء وليس لغيره صفة تشبه صفته تعالى» وهو أيضاً واحد في أفعال فليس لغيره فعل يشبه فعله تعالى. وقد قدم المتكلمون كثيراً من الأدلة للإثبات الوحدانية الخالصة لله رب العالين» أشهرها دليل (التانم) ”"» حيث نجده لدى المعتزلة وأهل السنّة على حدٌ سواء. ویبنی هذا الدلیل على ما جاء في کتاب الله تعالی مثل قوله: ‏ وکن فہماء شه و م 2و ع لامسد [الأبياء:22]ء وقوله: ل مااتضداهه ين وار اكات ممه مناه اذا 2غ ادهب کل زلم يما لى وللا بهم عل بض سُب َو عََايِفُو )4 [الؤمنون:1 £19 وقوله: فل لو كان معد ءاه كمايفولونإدا لابعوا إل زى الم يلال( [الإسراء:42]. وقد أثبت الأباضية كذلك وحدانية الله تعالى ونفوا عنه الشريك بدليل التمانع› وني هذا يقول (الثميني) وهو أحد علائهم: "يبب أن يكون الله تعالى واحداء إذ لو كان معه غيره للزم: إما عجزهما أو عجز أحدهما عند الاختلاف» أو قهرهماء أو قهر أحدهما عند الاتفاق» ثم يبطل جميع هذه الافتراضات»”. إن آي القرآن الكريم - سالفة الذكر - مرشدة إلى وجه الاستدلال العقلي على وحدانيته تعالى. فالآية الأول وهى قوله: ‏ لوكان فهماء مالسد كاشفة لوجه الاستدلال على إبطال إفين عامي القدرة والإرادة والعلم» وسائر الصفات» ما يفضي إليه ذلك من الفساد والتانع من وقوع الممكنات. والآية الثانية وهي قوله: إا لدبم يما ...4 الآيةء مرشدة إلى إبطال قول من يدعي فاعلين يقدر كل منها على ما لا يقدر عليه الآخر كا قالت (الثنوية) بتمييز فاعل الخير وفاعل الشرء فإن كل واحد منها يذهب با خلق؛ ويلزم علو كل واحد منهما على الآخر )1( العقائد النسفية للنسفي› ص54 طبعة الحلبي› 1322 ه. (2) معالم الدين› (1/ 244) وما بعدها. أيضاً: الكشف والبيان القلهاق» (1/ 1 6). 116 العذائد الأيمائية ج مهب ]باصي للاستغناء عنه با يفعله الآخر فيكون عالياً عليه بذلك؛ والإله يعلو ولا يعلى )1( عله . وبرهان (التمانم) يقابل برهان (التوارد) ويعتبران برهاناً واحداء ولكنه يختلف من جهة التسميةء ففى حالة فرض الاتفاق يسمى ب(التوارد)ء وفي حالة فرض الاختلاف يسمى ب (التمانع)› واشتهر هذا الرهان على ألسنة علاء أصول الدين ب (برهان التمانع). وتقرير الدليل هكذا: «لو وجد إلمان؛ فإما أن يتفقاء وإما أن يختلفاء فإن اختلفاء بأن أراد أحدهما إيجاد شىء والآخر إعدامه» فإما أن ينفذ مرادهما معأ فيلزم اجتماع التقيضين› فيكون الشيء موجوداً معدوماً في ان واحدء وهو باطل. وإما أن لا ينفذ مرادهما معأء فيلزم من ذلك عجزهما معا وعجز الإله محال. وما أن ينفذ مراد واحد منه) دون الآخرء فيلزم عجز من ل ينفذ مراد والآخر مثله؛ فيلزم عجزه هو الاخر لانعقاد الماثلة. وإن اتفقاء فإما أن يتفقا عى إيجباد الشيء معاء بأن يكون كل جزء فيه واقعاً بقدرت) معا وهو باطل .ما يلزم من اجتماع مؤثرين على أثر واحد» وإما أن يتفقا على أن يوجده أحدهما أولاً ويوجده الثاني بعد ذلك» فيلزم تحصيل الحاصل؛ وهذا باطل كذلك» فيبطل ما يؤدي إليه من وجود إلمين خلقا ودبرا أمره بالشيوع. وإما أن يتفقا على أن يوجد أحدهما البعض» ويوجد الثاني البعض الآخر وهذا باطل أيضاً للزوم عجزهما حينثف لأئه ما تعلقت قدرة أحدهما بالبعض سد على الآخر و يق تعطق قدرته فلا يقدر على غالفتف وهذا عجز ويسمى هذا الوجه بالتوارد» 7 (1) معالم الدين› (1/ 260-259). )2( يراجم هذا الدليل في: الغتي في أبواب التوحيد والمدل للقاضي عبدالجبار› (4/ 268-267 طبعة المجلس الأعلى للثقافة. شرح الأصول الخمسة » للقاضي عبدالجبار؛ ص 278. نهاية = الصفاء الألفية 117 هذا ونود أن نشير هنا إلى أن فرض الاتفاق إن هو تجويز عقلي في بادئ الأمر أما عند النظر العميق فإنه لا يمكن الاتفاق بين الإهين أبداًء بل لا بد من الاختلاف بينهما» وهو ما قرره الإمام الأشعري» حيث رأى استحالة وقوع الاتفاق بين الان . فالتفرد إذن هو السمة الأساسية في الألوهيةء فإذا حصل التعدد حصل التنازع؛ وإذا حصل التنازع› اختل نظام الكون؛ أو لم يوجد الكون أصلاء لكن اللشامّد أن الكون موجود وجودا في غاية الإتقان والإحكام فال إذن واحد لا شريك له في ذاته وصفاته وأفعاله. وقد يبن القرآن الكريم في كثير من آياته أن التوحيد هو أول دعوة الرسل - عليهم السلام -» وأول منازل الطريق» وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله تعالى قال تعالى: لقعد أرسلنا نوحا إل قومهء فقال يفوم أعبدوا أله َالِ عبر ٭ [الأعراف:59]› وقال هود اَل لقومه: اعبدوا اه مال ين الو غر [الأعراف:65]› وقال صالح اَل لقومە: 431 الم عة [الأعراف:73]›ء وقال شعيب الا لقومه: 1# عدوا اهما يڪم َنِه عدر 4 [الأعراف :85]› وقال تعال اطبا جيه اللصطفى ي : رامن قنك تمُو لاملل ِا عدون (©) 4 [الأنبياء:25]ء وقال الرسول ية : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الل فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقهاء وحسابهم على اه“ = الإقدام للشهرستاني ص1 92-9. اللمع للأشعري» تحقيق: د. غرابةء ص 21-20 طبعة الخانجي» 1955. رسالة التوحيد» للشيخ محمد عبد ص2 3 33 طبعة صبيح 1965. . التوحيد للماتريدي» ص20 . التمهيد للنسفي» ص130-129. (1) اللمع؛ ص21-20. القول المبين» ص223-222. )2( الحديث رواه الشيخان في صحيحيياء وقد سبق تخريجه في التمهيد. 118 العفائد الأيمائية ج مدهب ]باصي صلة الذات بالصفات: تعددت المذاهب في مسألة علاقة الذات بالصفات؛ فذهب المعتزلة والفلاسفة إلى نفي استقلال الصفات» وجعلها عين الذات» ولا سئلواعن معنى العينية قالوا: إنها ليست عيناً حقيقيةء وإنا هي أمور اعتبارية لأ وجود فا في الخارجء مع خلاف . طفيف بين المعتزلة والفلاسفة في المنهج؛ وذهب الأشاعرة إلى إثبات الصفات؛ء وجعلها قائمة بالذات» زائدة عليها. فالفلاسفة يتومون أن جرد اتصافه تعالى بمذه الصفات - حتى ولو كان الاتصاف ذهنياً صرفاً - يترتب عليه من النتائج ما يتنانى مع البداهة ويل بالتنزيە› وأساس هذا الزعم الخاطئ عندهم هو أنهم يقيسون الصفات الإلية بالمقياس نفسه الذي يقيسون به الصفات الإنسانيةء ويرتبون على كل صفة من النوع الأول اللوازم نفسها التي تترتب على نظيرها من النوع الثاني دون ملاحظة لما بين التوعين من حواجز وفروق. وأما المعتزلة فقد رأوا أن الاتصاف بالصفات هو من دلائل الجسميةء ذلك قرروا أن صفات الله هي عين ذاته» وأنه سبحانه قادر وعالم ومرید بذاته لا بصفات زائدة عن الذات؛ وقد قاسوا الاأتصاف في عالم الغيب على الاتصاف في عالم الشهادةء فبَعَدٌ بهم هذا المقياس الخاطئ عن طريق الصواب. وأما الأشاعرة فلا يتصورون أن يكون الله تعالى عالاً وقادراء ومريداً إلا أن تكون له صفات أزلية قائمة بذاته وهذه الصفات مع ذلك زائدة على الذات؛ ولحم في ذلك عذرهم» فلا رأوا كثرة النصوص التي تذكر الصفات واختلافها وتنوعهاء أثبتوا لله الصفات؛ ولا اختلفت مقتضيات الصفات» فالقدرة غير العلم - مثلاً - قالوا بتعددهاء ولا كان التعدد لا يُفهم عندهم إلا بزيادتها على الذات؛ قالوا بأنجا زائدة» ويرجم ذلك أيضاً مقايستهم عالم الغيب والشهادة بمقياس واحد”. )1( انظر: كتابنا القول المبين في أهم قضايا علم أصول الدين» ص8 25. الصفاء: الألفية 119 وقد أشار العالم الأباضي (الثميني) إلى اختلاف الفرق في هذه المسألةء وأعلن اتفاق الأباضية مع المعتزلة بصددهاء فقال: «اشتهر الخلاف في أن صفاته تعالى عين ذاته» أو زائدة عليهاء فذهب أصحابنا والمعتزلة والحكاء ومن حذا حذوهم إلى الأولء وذهب الأشاعرة إلى القاف»”". فقد وافق الأباضية المعتزلة في زعمهم أن الصفات هي عين الذات» أي ليست هناك ذات وَصفةء بل الذات العلية فقطء والصفات أمور اعتبارية لا وجود لما في الخارج. فالعلم والقدرة والاإرادة والسمع والبصر والحياة والكلام؛ صفات معاني تغاير المعاني الحقيقية القائمة بأوصاف المخلوقين» وأنها ليست زائدة على الذات؛ لأنه ليس هناك حاجة إلى وجود معاني زائدة على الذات؛ فوجوده كاف لانتکشاف جميع المعلومات» وكافيٍ في التأثير في جميع المقدورات؛ وكافٍ في تخصيص جميع الكوائن الممكنة ببعض ما يجوز عليه. ويؤكد العالم الأباضي صاحب مشارق أنوار العقول على أن الصفات عين الذات وليست زائدة عليها فيقول: «ذهب أصحابنا إلى أن أساء الله وصفاته الذاتيةء هي عين ذاته» أي ليس هناك أمر ثانِ غير ذاته العلية»“. ويذهب إلى هذا العنى العالم الأباضي (الرواحي) فيقول: «والأصل الذي ذهب إليه أصحابنا في هذاء أن صفاته تعا ى هى عين ذاته الأزليةء ولا ينتكشف هذا إلا بتجريد الذات القدسة عن الصفات الكليةء فتقول في وصفه تعالى - مثلاً - بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة وغيرها من صفاته تعالى: إنها ليست بشيء زائد في ذاتهء لعلا يلزم الحلول في ذات ولا زائد عن ذاته» لعلا يلزم التبعض في ذاته ولا زائد على ذاته للا یلزم افتقاره إلى ما یزید على ذاته» فهو سبحانه - مثلاً - عالم لا بعلم يعلم به» وقادر لا بقدرة يقتدر بهاء وهكذا في سائر صفاته» لأنه لو كان يعلم ہے () معالم الدين› (1/ 216). (2) مشارق أنوار العقول؛ للساليء ص177. وقارن: الأباضية مذهب وسلوك؛ ص335. 120 العفائد الأيمائية ‏ مهب ]أباضية بعلم ويقدر بقدرةء فلا بد إما أن يكون ذلك العلم هو فيقتضي أن يكون ذلك العلم هو الإلهء وأن الإله هو العلم» وهذا باطل؛ وإلا لجاز أن يكون العلم ربا لقوم› والقدرة إا لخيرهم والإرادة معبوداً لآخرين› وهكذا في سائر الصفات؛ وهذا باطل لا يدعيه أحد لأنه شرك ظاهر”. وواضح أن الأباضية يوافقون المعتزلة في جعلهم الصفات عين الذات؛ء وهم في نفيهم الصفات يعتمدون على ما اعتمد عليه المعتزلة من القول بنفي الصفات؛ء خشية من تعدد القدماء وذلك يؤدي إلى تعدد الآلحةء وهذا كفر كفرت به التصارى. فالصفات الالية عندهم ليست حقائق مستقلةء وإنا هي اعتبارات ذهنيةء ليس ا وجود في الخارج» فالله تعالی عندهم علیم بذاته» لا بعلم هو غير وقادر بذاته لا بقدرة هي غيره» وفي هذا يقول (الرواحي) معقباً على ما قرره الأباضية: «ووافقنا على كونها صفات اعتباريةء ال حكماء والمعتزلةء وأنها لا وجود ا في الخارج من اعتبار العقل»”. فالحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصسر والكلام» صفات اعتبارية» لا وجود ا في ذاته تعا ل مقصود بها نفى أضدادها من الموت» وال جهلء والعجز والإكراه والصمم... إِلخ. ۱ إذن فالذات والصفات شيء واحد في الحقيقةء وإن تغايرا بحسب الفهوم والاعتبار ولا نعني بالصفات إلا سلب اتصافه بأضدادها السابقة ولو كانت (1) تثار ا جوهر في علم الشرع الأزهر» ؤلفه ناصر بن سال الرواحي» (1/ 23)» طبعة سلطنة عُيا» 0 ه. (2) المصدر السابق› ص 31. قارن: شرح القصيدة النونية المسياة بالنور» مؤلفها عبدالعزيز بن إبراهيم اللصعبيء ص105-104ء طبعة القاهرة 1306ه. وأيضاً: العقود الفضية في أصول الأباضية لسالم بن حمد بن سلييان الحارثي» ص285 طبعة دار اليقظة العربيةء سوريا. الصا الألهية | 121 الصفات زائدة على الذات لكانت ذاته تعالى ناقصة لعينها مكتملة بغرها ضرور" ويحاول الشيخ الأباضي (الثميني) تبرئة المعتزلة من اتهام الأشاعرة لحم بأنهم أثبتوا الذات بدون الصفات» ويؤكد أن ما نسبه الأشاعرة إلى المعتزلة من نفى الصفات إن هو شهادة زور وإفك» وإن) نفى المعتزلة زيادة الصفات على الذات» ويلفت (الثميني) الأنظار إلى أن المذهب الذي نسبه الأشعري إلى المعتزلة إن هو مذهب الحكاء إذ كيف يسوغ لأحد ممن یدعی الاٴسلام أن ينفيها” ٠ وهكذا يتضح لنا أن الجحزء الأكبر من مذهب الأباضية معتزلي» قد أخذوه من العتزلة وهم في الشرق» من قبل أن يتزحوا إلى بلاد المغرب أو أن تكون هذه الأفكار قد تسربت إليهم تحت تأثير اتصالم بالأدارسة من الشيعةء وبمعتزلة إقليم طنجة القديم؛ أو أن مذهب الأباضية في الشرق سار ومذهب أباضية الملغرب بخطى واحدة متساوية تحت تأثر معتزلي”. والحق أن البحث في الصفات؛ء وهل هي عين الذات أو زائدة على الذات؛ دخيل على الإسلام ومن البدع الطارئة على العقيدةء ومن المنكرات التي يجب على اللسلمين أن يتنزهوا عنهاء فقد كان من الأسلم ذه الفرق التي تصارعت حول هذه المسألة أن تسلم بأن الله تعالى موصوف بصفات الكمال؛ وأنه ليس كمثله شيء فإن ذات الله تعالى أجل من أن تتناول على هذا النحو. فهذا النوع من التفكير مما هينا عنهء ولم يكلفنا الشرع به لأنه خارج عن نطاق العقل المحدود فذات الله تعالى فوق الإدراك. إن كل ما كلفنا به أن نعلم أن الله ہہ (1) معام الدين› (1/ 222). (2) المصدر السابق› ص218. (3) بحوث في المعتزلةء ضمن مجموعة: التراث اليوناني في الحضارة الإأسلاميةء دراسات لكبار اللستشرقين؛ د. عبدالرحمن بدوي» ص 209-208: الطبعة الثالثةء دار النهضة العربية» 1965٠ 122 العفائد الأيمائية ك مدقب ]أ باضية موجود» وأن له الأساء الحسنى» والصفات العلياء والكىال المطلقء وما وراء ذلك يجب الإمساك عن ولا يحل البحث فيه فالعلم به لا ينفعء والجهل به لاأ يضر. فالذي يقتضيه النظر السليم› ويتطلبه الاعتقاد الذي أوجبه الله تعالى على . عباده» أن لله تعالى صفات يستشعر المؤمن بإثباتها علاقة الله تعالى بالعال وعلاقة هذا العام به وعلاقة هذا الإنسان بالله خالقه» بيا يحقق له منهج العبودية لله وحده وخلافة الأرض وعيارتها. والحق الذي لا شك فيه أن المعروف عن السلف الصالح أنهم لا يتجاوزون الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة في مسألة الذات الإإلحية وصفاتهاء فلا يقولون على الله بغير علم› ولا يسألون عن الصفات هل هي عين الذات أم غير الذات. ولذلك يقول ابن تيمية: «القول الشامل في جيم هذا الباب؛ أن يوصف الله با وصف به نفسه» أو وصفه به رسوله ي » وبا وصفه به السابقون اللأولون؛ لا يتجاوزون به القرآن وال حديث» ومذهب السلف أنهم يصفون الله با وصف به نفسه؛ وبا وصفه به رسوله ييو من غير تحريف» ولا تعطيل؛ ومن غير تکییف ولا ثيل . أما ما كان من المتكلمين معتزلة وأشاعرة وأباضية من الحديث في علاقة الصفات بالذات؛ فقد جاء من التأثر بالفكر الفلسفي في التدقيق في ثنايا اللأمور التي لا طائل من ورائهاء سوى إلزام الخصم التفلسف بالنهج الفلسفي وإن كان هذا النهج محاولة جريئة ومخلصة في محاولة رد المعتدي على قداسة النص الديني بالتأويل؛ وتحكيم المنهج الفلسفي في مدلولاته هذه المحاولة جعلت المتكلمين يستندون أساسا إلى النص الشرعي في إثبات اعتقادهم وتدعيمه بالمنهج العقلي على وجه يدفم الخصم. (1) علم الكلام وبعض مشكلاته» د. أبو الوفا التفتازاني» ص133 طبعة دار الثقافة 1979. الصفاء: الألهية 123 صف العلم: اتفق المتكلمون على أن الله عام أي منکشف له کل ما کان» وما سیکون» دون سبق خفاء أو جهل؛ فالله تعالى حيط بجميع المعلومات» لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السياء". وهذا هو الفرق الأساسي بين تصور المتكلمين لصفة العلم وتصور الفلاسفة. فالثابت عند المتكلمين والفلاسفة أن الله يعلم ذاته ويعلم غيره» لكن الخلاف الجوهري بينهما دار حول معرفة الله أو علمه سبحانه للجزئيات المتغيرة قذهب التكلمون إلى أن الجواهر يعلمها الله بأفرادهاء لأنه هو الذي أوجدها أولا متفردة ثم ألْف بين هذه ال جحواهر ليكون الأجسام؛ وهو الذي خصص كل جوهر أو جسم مجموعة معينة من الأعراض. لذلك كان مسلك المتكلمين يفيد العلم بالجحزئيات» كما يفيد العلم بالكليات› ذلك لأن الحزئيات كالكليات صادرة عنه على صفة الإتقان؛ ومقدرة له فيكون عالاً با معا أما مسلك الفلاسفة فلا ي وجب إلا علا كلي“ ٠ وقد أثبت الأباضية صفة العلم لله تعالل» بمعنى أنه منكشف له كل ما كان وما سیکون؛ دون سبق خفاء او جهل؛ وفي هذايقول أحد علائهم: «قال أهل الاستقامة - يعني الأباضية - : إن الله تعالى عالم وإن له علا بمعنى أنه عالم بالأشياء لأن له علاً هو غيره» به علم الأشياء وقولنا: إن له علا كما قال في كتابه: ہے )1( انظر على سبيل المشال: الانتصارء للخياط؛ ص87 طبعة دار الكتب المصرية 2 المغني؛ء (5/ 221). تاية الإقدام ص215. المسائل الخمسون في أصول الدين للرازي» تحقيق: د. السقاء ص49 ط2 المكتب الثقاني› 1989. إحياء علوم الدين للغزالي؛ (1/ 188). المطالب العالية للرازي» تحقيق: د. السقاء ص(1/ 151)› طبعة ببروت» 1987. علم الكلام على مذهب أهل السنة والجماعة لابن حزم تحقيق: د. السقاء ص71 طبعة القاهرة» 0.1989 )2( شرح المواقف؛ للشريف ال جرجاني: اللوقف الخامس» تحقيق: د. المهدي› ص113-112. 124 العذائد الأيمائية ‏ مدهب ]أ بلضية لأرَلَهيمِلَم ر4 [النساء:166]. والدليل العقلي على أن الله تعالى عالم: أن الأفعال اللحكمة الواضحة في عالنا لا تكون إلا من عام“ . ويذهب شيخ الأباضية - في عصره - (الثميني) إلى: أن الله تعالى يجب أن يكون عالاً بكل شيء: جزئياً كان أو كلياًء فصفة العلم الإلهي عامة»“» ويقول في موضع آخر: « ولا كانت الماهيات المطلقات لا يمكن دخوفا في الوجود إلامع تخصيصها بزمان» ومحل؛» وكيفيةء ووضع؛» ومقدار» وکل وجه وجدت عليه آمکن في العقل وقوعها على خلافه أو مثلهء ولا يتخصص إلا بالقصر عليهء وجب أن يكون عالاً بها من كل وجه. وذلك أول دليل على أنه تعالی عالم با جزئيات»”. والعلم الإهي الذي يتحاث عنه مشايخ الأباضية ليس علاً كسبياء للأن العلم الكسبي لا يكون إلا حادثاء لآنه: إما أن يفسر بالعلم الحاصل عن النظر - وهو الشهور - أو با تعلقت به القدرة الحادئةء ولا يخفى تعذر العلم الإحي على كل منهاء فإذا علمت هذاء عرفت أن ما وقع في الكتاب والسنة موهماً ظاهره حدوث العلم الهي وكسبه يجب القطع بأن ظاهره غير مراد وذلك مشل قوله تعالى: لا راكد 4 السكرت:3] فياول بأن ا مراد مته الإخبار بآنه تعالى يجازي المكلفين ب علمه منهم أزلاً من خير أو شر فأطلق العلم تسمية المتعلق باسم التعلق؛ لأن العلم يتعلق بالمعلوم فأطلق عليه وهو مجاز )5( شا ‎°C‏ (1) الكشف والبيان (1/ 253). 1 (2) المصدر السابق (1/ 79). (3) معالم الدين› (1/ 190). (4) المصدر السابق (1/ 226). (5) المصدر نفس ص229. الصفاء: الألهيةٌ 125 وقد استدل الشيخ الأباضي على كونه تعالى عالاً بالنظر إلى أفعاله تعالى سن ناحية الإحكام والاختيار المشاهد في الكون؛ء فالاستدلال على علمه تعالى بالإحكام يتبين من أنه لو م يكن عالاً لم يكن الإنسان في ذاته متصفاً با هو عليه من غاية الأحكام والإتقانء ودقائق المحاسن التي لا تتحصر؛ ومن جوز صدور عجائب مصنوعاته تعا لى - مع كثرتها وخروجها عن حد الحصر - عن جاهل؛ على سہیل الاتفاق - المصادفة - كان معانداً للحق» جاحداً للضرورة. والاستدلال على كونه تعالى عالاً من جهة الاختيار فهو أوضح. ووجه الاستدلال به: أنه تعالى فاعل بالاختيار» والفاعل بالاختيار لا بد وأن يكون قاصداً إلى ما يفعلهء والقصد إلى الشيء مع الجهل به محال» ولا يتصور القصد من الله إلا مع العلم بالملقصودء وإن كان يتصور من الحادث مع العقد والظن والوهم؛ فلا يتصور من الله تعالى ذلك» إِذ إن اختيار الفعل بناءٌ على ظن ومن ثم إمكان الخطاً إنا هو تقص يتعال الله عنهء وهو جائز على المخلوقين» فتعين أن يكون سبحانه عالاً بکل كبيرة وصغرة. ومها يكن من أمر» فإن مسألة العلم اللي ليست كا وصفها الفلاسفةء وكما حاول المتكلمون حلهاء إلا مسألة أسىء وصفهاء إِذ كيف يجوز للإنسان أن يتساءل إذا كان علم الله تعالى عاماً أو خاصاًء كلياً أو جزئياًء قدي أو حديئاء مادام هذا العلم يختلف اختلافاً جوهرياً عن علم الإنسان› فبأي حق أو منطق نقارن بين علمين لم يكن بينها وجه للمقارنة؟ فغاية ما يستطيع المرء أن يقوله هنا: إنه سبحانه قد أحاط بكل شيء علباء فعلمه تعالى لا يجده زمان ولا مكان؛» ولا تقدم ولا تأخر ولا نقول عنه كلي ولا جزئي؛ بل نثبت له صفة العلم الذي يحيط بالوجود كله بدون تمثيل أو تشبيه أو تكييف. —- (1) معالم الاين ص 194-193. 126 العفائد الأيمانية ‏ مدهب ]باصي صف الإرادة: اتفق المسلمون جيعاً متكلمين وفلاسفة على كون الباري سبحانه مريداًء إلا أنهم اختلفوا في معنى الإرادة وتفسيرهاء هل هي قديمة أم حادثةء وهل هي صفة زائدة على الذات أم لا؟ ونلاحظ أن هذا الاختلاف لم يكن فقط بين المرّق الإسلامية المتباينةء بل وجد أيضاً بين الفرقة الواحدة ذاتهاء بعضها مع بعض. م ےر سه سو وقد أثبت الأباضية لله تعالى صفة الإرادة انطلاقاً من قوله تعالى: إن اله يفعل A Br ا)4 [الحم:14] وقوله تعال: فلا رد)4 [البروج:16]. وقدعدوها صفة ذات؛ لأن كل ما علمه الله فقد أرادء ولیست إرادته تعالیى فعلاً من أفعاله کا قال من حاد عن الحق - يعني المعتزلة - » إِذ لو صح كان فعلاً أراده في نفسه؛ أو في غير أو أفعالً قائمة بنفسهاء هذه هي الاحتالات الثلاثة الممكنةء فأما القول إنه تعالى أحدثها في نفسه فليس هو حلا للحوادث؛» وأما القول إنه أحدثها في غير كان ذلك الغير مريداء وأما القول إنه أحدثها قائمة بنفسها كان مستحيلا لأن الإرادة صفةء والصفة لا تقوم بنفسهاء فلا فسدت هذه الوجوه» صح أنه تعالى لم يزل مريداً ك أنه م يزل قادر". وبذلك يلتقي الأباضية مع أهل السنّةء الذين ذهبوا إلى أن الله تعالى موصوف بالإرادة وأن إرادته تعم جميع محلوقاته» فما شاء كان وما لم يشا لم يكن؛ والإرادة هي: «صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى» تخص الممكن ببعض ما يجوز عليه من وجود أو عدم أو مقدار أو زمان» أو جهةء والتخصص هو ترجيح أحد طرفي الممكن بالوقوع بدلا عن مقابلة»”. (1) الكشف والبيان؛ ص259. )2( القول السديد في أهم قضايا علم التوحيد د. محمدالمهدي: ص232 طبعة الصفا والمروة؛ء 7 . أيضاً: : تاريخ الفلسفة العربيةء حنا الفاخوري وزميله خليل الجر (2/ 281)› بيروت»ء 2 . معارج السالكين› ص49. الصفاد الألفية 127 وقد خالف الأباضية المعتزلة التي اتفقت على اعتبار صفة اللإرادة من صفات الأفعال» ك اتفقت أيضاً على حدوثهاء لأن أفعال الله تتصل بمخلوقات وهذه حادثة فمن الضروري أن تكون الإإرادة حادثة بحدوثهاء وقد اعتمدواهناعلى مبدئهم المعروف» وهو أن ما يقارن الحوادث حادث مثلها. وني هذا يقول القاضي عبدالجبار: «وقال شيخنا أبو علي» وأبو هاشم» ومن تبعهما: نه سبحانه مرید على الحقيقة وإنه يحصل مريداً بعدما م يكن؛ إذا فعل الإرادة» وإنه سبحانه يريد بإرادة حادثةء ولا يصح أن يريد لنفسه ولا بإرادة قديمةء وإن إرادته توجد لا في محل إذ لا جوز أن تكون في حل - على عکس إرادتنا - فلا يصح أن تحل في ذاته لن ذاته ليست محلا للحوادث» ولا أن تحل في غيره» وإلا كان الغير أولى بإيجاب الحكم له وهكذا فهي إرادة حدثة لا في محل بمعنی انها قائمة بذاتهاء لا في ذاته تعالی»”. والإرادة الإلية عند شيخ الأباضية القلهاتي: «إرادة أمر لا إرادة حتم؛ فهو تعالى مريد لا أمر به ونهى عنه» مما علم أنه يكون»”“. ويفرق (الثميني) بين اللإرادة والرضا من ناحيةء وبين الرضا والأمر من ناحية أخرى: فليس كل ما أراده الله يرضى عنهء بمعنى أنه قد يريد الله شيثاًء ولکنه لم رض عنه. مثال ذلك: كفر أبي لهب فإنه تعالى أراده ولكنه لم يرضه ولم يأمره به وإنما أمره بالإيمان» الذي لا يقدر أبو نهب أن يأتي بء لعجزه عنهء نظراً لاشتغاله بالكفر انع له. لقد أخطاً المعتزلة حين ظنوا أن الأمر يستلزم اللإرادة بمعنى أن كل ما أمر الله ره فقد أرادہ ون النهى يستو جب عدم الإأرادةء فجعلوا إمان الكافر مرادا لله تعال› لكونه مأموراً به» وكفره غير مراد له لكونه منهياً عنهء ولكن الأباضية ترى أن )1( الغني› 3/6 شرح الأصولء ص 440؛ المختصر في أصول الدين؛ء للقاضي: عبدالجبار› ص 196› القاهرة 1971. )2( الكشف والبيان» ص 1 26. 128 العخائد الأيمائية ‏ مدهب اأباضية الشيء قد لا يكون مراداً ويؤمر به» وقد يكون مرادا وينهى عنه لحكم ومصالح ر ر ص حيط بها علم الله تعالى» فهو لايل عَيفَعَل 4 [الأنياء:22]° والإرادة صفة بها ترجيح أحد طرفي الممكن؛ فلو لم يكن الله مريداً ما اختص العام بوجود ولا مقدار ولا صفة ولا زمان» بدلاً عن نقائصها الجائزة. فالإرادة تتعلق بالممكنات» وعملها يل عمل العلم فما علم الله تعالى وقوعه جاءت الإرادة الإلحية وخصصته بالوجود بدل العدم وما علم الله أنه لن يوجد خصصت الإرادة الإلحية عدم وجوده ورجحته على وجوده؛ إذن ف أراد الله تعالى وجوده كانء وما لم يرد وجوده لم يکن. صف المدرة: يرى المتكلمون - سواء كانوا معتزلة أو أشاعرة - أن الله تعالى قادر بمعنى أنه إن شاء فعل؛» وإن شاء ترك أي أنه تعالى إذا أراد الفعل وقصد إليه فعلهء وإن م يرده وأراد تركه ترك فهو تعالى تار في أفعاله. وقد وقع الخلاف بينهم وبين الفلاسفة الذين ذهبوا إلى إنكار صفة القدرة وقالوا: «إن الله تعالى يلزم عنه الفعل لذاته وهذا يعني أنه لا يتمكن من الترك»”. والدليل على كونه قادرا هو: أن الله تعالى قد صخ منه الفعل؛» وصحة الفعل تدل على كونه قادرا والدليل على صحة وقوع الفعل منه تعالى هو خلقه للعالم من أجسام وأعراض؛» وصحة الفعل تدل على كونه قادر. (1) معالم الدين› ص 207-206. )2( التحقيق التام في علم الكلام د. محمد الحسيني الظاهريء ص53 طبعة النهضة المصرية 0.1939 أيضاً: محاضرات في التوحيد؛ د. محمد شمس الدين› ص74. العقيدة الإسلامية والأخحلاق» د. حي الدين الصائي؛ ص 47؛ طبعة القاهرة. (3) الكشف والبيانء ص78. شرح الأصولء ص151. المحيط بالتكليف» للقاضي عبدالجبار› ص115-114. المغني؛ (5/ 204). الصفاء ]لهي 129 ويبين شيخ الأباضية (الثميني) أنه لو لم يكن الصانع للعالم قادرا ما أوجده ولكان عاجزاًء والعاجز لا يأتي منه فعل ولا ترك . ويقيد الإيجاد بالاختيار لأنه هو المستلزم للقدرة إذ الإيجاد بدون هذا الشرط لا يدل على القدرةء كإيجباد العلة والطبيعة إذ لا يلزم أن تكون العلة أو الطبيعة قادرة ولا مريدة ولا حية ولا عالة”. صف الحياة: يرى الأباضية أن صفة الحياة هي الأصل في صحة الصفات التعاقبةء فكونه تعالى عالاً قادرا لا بد أن يستلزم ذلك كونه حياء وفي هذا يقول القلهاق: "إن العليم القادر لا يكون إلا حياء فلم كان الله قادرا علمنا أنه حي»”. هذا الدليل قال به المعتزلة والأشاعرة وقد أقيم على استنباط صفة الحياة استتباطاً عقلياً من مفهوم العالم القادر المريدء فالاتصاف بالحياة شرط للاتصاف بغيرها من صفات المعاني. يقول الباقلاني: «أما الدليل على أن صانم الأشياء حي؛› هو أنه فاعل عالم قادر والفاعل العالم القادر لا يكون إلا حياً. ويبين ذلك فيقول: إنه لو جاز أن تظهر الأفعال المحكمات ممن ليس بحي ولا عالم ولا قادر لم ندر لعل سائر ما يظهر من الناس يظهر منهم وهم عجزة موتى» ولكن عندما استحال ذلك؛ دلت الصنائع على أن الله تعالى حي قادر عال»“. )1( معام الدين›» ص 175. (2) المصدر السابق» ص175. )3( الكشف والبيان؛ ص 79. (4) شرح الأاصول» ص 161. المختصر في أصول الدين؛ ص180. الدرر السنية خلاصة شرح السنوسيةء ص 13. علم التوحيد عند خلص التكلمين؛ ص216. أصول الدين؛ للبقدادي› ص105. القول المبين؛ ص6 28. )5( التمهيك› للباقلاني› ص 47. الإنصاف للباقلاني؛ ص 31. اللمع؛ء للأشعري:؛ ص 25. الأرشاد للجويني» ص 63. لمع الأدلة للجوينيء ص94. معالم أصول الدين؛ للرازي» ص54. شرح العقيدة الطحاويةء ص120. مذاهب الإسلاميين؛ د. عبدالرحمن بدوي» 54. الاقتصاد في الاعتقاتى للإمام الغزالي تحقيق: د. عيش؛» ص185» طبعة دار الطباعة المحمديةء 1973.٠ 130 العذائد الأيمائية ‏ مدهب ]باصي وهكذاء فإنهم يرون أن الله تعالى لا كان قادرا عالاًء فإته سيعلم بالضرورة كونه حياًء إذ لايمكن أن يكون هناك موجود يتصف بالعلم والقدرة دون أن يكون متصفاً بالحياةء ومعنى اتصافه تعالى بالحياة أن حياته تعالى تختلف عن حياتناء وعن حياة غيرنا من المخلوقات؛ فحياته تعا لى حياة كاملةء لا يعلم حقيقتها إلا الله کسائر صفاته» وأن حياة كل الموجودات مستمدة منهاء وأنها غير مسبوقة بعدم؛ أو مدركة بفناءى فهي من الأزل إلى الأبد. صفہ الكلام: لقد شغلت مسألة كلام الله تعالى المسلمين زمناً طويلاء وكانت من المشكلات البارزة ني علم الكلام؛ حتى أرجع بعض الباحثين فيه سبب تسميته إليهاء فهي بحق من المسائل التي كثر فيها الخلاف» واحتدم فيها النزاع› وتعددت فيها آراء العلماى حتى بلغت تسعة آراء وفقاً ما ذكره «شارح الطحاوية»”°. وقد اشتد الصراع في مسألة (كلام الله) بين المعتزلة والحنابلةء وبلغ أقصاه عندما وقعت الفتنة التي امتحن فيها الفقهاء والملحدثون في عهد الخليفة المأمون الذي كان واقعاً تحت سيطرة المعتزلة وخاضعاً لنفوذهم» فاستطاعوا أن يحملوه على نشر مقالة «خلق القرآن»ء وامتحان الناس فيه . وقد عُذّب فيها جع غفير عل رأسهم الإمام أحمد بن حنبل» الذي يعد إمام القائلين بِقَدم القرآنء وقد عرفت هذه المحنة في التاريخ الإسلامي بمحنة «خلق القرآناء أو «حنة الإمام ابن حنبل؛ء لكونه أشهر ضحايا اللحنة فقد مُذّب هذا الرجل - رحه الله - وامتحن» وأوذي وجُلد فلم يرجع عن رأيهء فهو لم يمتنع عن القول بأن القرآن غلوق فحسب بل رفض أن يقول غير غلوق أيضاء وكان يقول: (1) شرح العقيدة الطحاويةء لابن أبي العز الحنفي» تحقيق: جماعة من العلا ص8 169-16 ط 8ء الملكتب الإسلامي» 1984. أيضاً: العقيدة الواسطية لابن تيميةء ص95 طبعة الرياض؛» 3 198. )2( تاريخ بغداد د. أحمد بن علي الخطيب البغدادي» ص4/ 142٠ طبعة القاهرة 30 19. الصفاد الألفية 131 «القرآن كلام الله ولا أزيد على هذا»"". ويقول في موضع آخر: «من قال لفظي بالقرآن لوق فهو جهمي؛» ومن قال: غير لوق فهو مبتدع»“ وقد توقف فريق في القرآنء فلم يقولوا: إنه محلوق ولاغير محلوق» يدعون (الواقفية)» وحجتهم: أن الله تعالى م يذكر ذلك في كتابه» ولا جاء ذلك في کلام رسوله َء ولا أجع عليه المسلمون . وأما الأباضيةء فإن موقفهم من مسألة كلام الله تعالى؛ يتسم بالتذبذب والاضطراب بين موقفي المعتزلة وأهل السنةء وقد أشار إلى غموض موقفهم هذا الدكتور (مصطفى الشكعة) حيث يقول: وأما الأباضيةء فإن الشيخ محمد يوسف أطفيش يقول بلسانهم: «إن القرآن مخلوق»ء وهو في هذا الشطر من رأيه يشارك العتزلة في رأيهم» ولكنه يعود إلى الاستطراد قائلاً: «وعلمه تعالى به قديم غير حادث). ثم يعود مرة أخرى إلى القول بأن القرآن المتلو بالألسن المكتوب في الصاحف ليس بقرآن حقيقةء بل هو دال على القرآن. ويختم الدكتور الشكعة كلامه بقوله: وهو رأي غريب لم أستطع أن أفهمه”“. ومهم يكن من وجود تباين في المذهب الأباضي حول مسألة كلام الله تعال؛ فيمكن القول بأن المذهب في هذه المسألة انشطر إلى فريقين» فريق يقول إن القرآن كلام الله تعالى. وقد ذكر هذا شيخ الأباضية المتأخرين (الثميني) في كتابه «معالم الاين حيث يقول: إن في هذه المسألة موقفين متعارضين؛ أحدهما: أن كلام الله )1( طبقات الشافعية الكبرى؛ لعبدالوهاب تقي الدين السبكي» (1/ 207)› طبعة القاهرة» 0.1906 (2) ختصر الصواعق المرسلةء لابن القيم؛ (2/ 307)› طبعة مكة المكرمة 1929. أيضاً: الردعلى الجهمية والزنادقة للإمام أحمد بن حنبل› » تحقيقٌ: د. عميرةء ص115› 6 طبعة السعودية؛ء 2 . أيضاً: : رسائل في العقيدة د. محمد صالح العثيمين؛ ص89 طبعة الرياض» 01983 )3( الإبانة في أصول الديانةء للأشعري› ص29 -0 3 طبعة المنيريةء القاهرة. (4) إسلام بلا مذاهب» د. مصطفى الشكعةء ص8 139-13. قارن: إزالة الاعتراف عن محقي آل أباض؛ للشيخ محمد يوسف أطفيش؛» ص2 56ء طبعة سلطنة عمان. 132 العفائد اأيمائية ج مدهب ]باصية صفة له وكل ما هو صفة له» فهو قديم» فكلامه تعالى قديم. والشاني: أن كلامه مؤلف من أجزاء مترتبة متعاقبة في الوجودء وكل ما هو كذلك فهو حادث؛» فکلامه تعالى حادت٩. ولعل هذا الخلاف المرحلى بين الأباضية ي مسألة (خلق القرآن) قد انتهى إلى الإمام أبي الحسن الأشعري قبل أن يجحسم المسألة في كتاب «الإبانة في أصول الديانةاء وقبل أن يتعرف على ما انتهى إليه معظم الأباضية. ومن هنا فإنه حكم بهذا التعميم الذي تعوزه الدقة في الوقوف على ما انتهى إليه أمر الأباضية حين قال في مقالاته: «وكل الخوارج يقولون بخلق القرآن»”. والأباضية فرقة منهم؛ فهي تقول برأم . وقد ذكر مشايخ الأباضية المتقدمين منهم والمتأخرين نصوصاً وأدلة تثبت أن الأباضية م تكن على رأي واحد في مسألة كلام الله تعالى؛ فها هو القلهاتي وهو أباضي ضليع يقول: «إن كلام الله تعالى قديم لأنه قد ثبت أنه متكلم؛ کا ثبت أنه عام وأن من صفته الكلام؛ وهي صفة ذات» وصفاته م يزل موصوفاً بہاء فوجب أن يكون متكلاًء وأن یکون له کلام. والدليل على أن كلامه أزلي قديم قوله تعالى: إِنّما أشرهر إِدا أراد سيك أن يِقُول له $ كن فيكت )4 [يس:82]. فبين أن قوله: كن 4 يتعلق بخلق ما خلقه» فلو کان قوله محلوقاً لاقتضى أن يون له قول آخر فيه يقول: کن فی سكت . (1) معالم الدين؛ 2/ 9 بتصرف. (2) مقالات الإسلامين (1/ 187). (3) الأباضية عقيدة ومذهبا ص100. لصفا الإلفية 133 وكذلك القول الثاني» لو كان حلوقاء كان حكمه حكم القول الأولء وقد كان الأمر يتسلسل إلى ما لانهاية له وذلك ما لا يصح به وجود قول» وفي هذا أدل دليل ,1 2 )1( على صحة ما قلناء من قدم الكلام» . E ويستدلون على قوم بِقَدّم القرآن بقوله تعالى: َه ارين فل ومن يمد 4 [الروم:4]. وقبل وبعد في الآيةء إذ لم يقيدا بشيء يقتضي الأزلء وإذا يدا بشيء فقیل: قبل كذاء وبعد كذاء كان ذلك لا قيد له» أما إذا قيل قبل مطلقاء وبعد مطلقاًء كان اراد به الأزل والأبد أي أن الأمر الإلهي - وهو قول أو كلام - أزلي قديم غير محدث أو غلوق”. وما استند إِليه هذا الاتباه من أدلة تدعم رأيه القائل بقدم القرآن استشهاده بقول مأثور للإمام عل بن أبي طالب» وفي هذا يقول القلهاتي: إن الإجماع أثبت أن القرآن غير محلوق» بدنيل ما ثبت من أن عل بن أبي طالب لا أنكر عليه جماعته الخوارج تحکیم القرآن» قال: «أنا ما حکمت لوقا وإن| حكمت القران. فصح أنه ما حكم لوقا وإنم حكم القرآن». وقد رد أنصار هذا الرأي من الأباضية على الحجج التي قدمها شيوخ المعتزلة لإثبات خلق القرآن» وأنه ليس بقديم؛ مشل احتجاجهم بقوله تعالى: « إَِاجعَلتَهُ َر [الزخرف:3]ء وقوله: ايهم من رين ديهم عَدَتِإِلا سمه وعيلَمَبونَ )4 [الأنيياء:2] فبينوا أن كلمة (الجعل) في الآية الأولى لا تفيد الخلق فقطء وإنا تعني أيضاً (تصيبر) وكذلك (تفصيل). والمعنى في الحدوث في الآية الثانية هو قراءته أو العبارة عنه أو تلاوت“ . _—- (1) الكشف والبيان (1/ 9 28). (2) المصدر السابق› ص290. )3( الصدر نفس ص1 29. (4) المصدر نفس ص8 306-29 بتصرف. 134 العفائد الأيمائية ج مدهب ]أ باضية لكن الفريق الثاني يخالف هذا الفريق رأيه في أن القرآن قديم؛ ويرى أن القرآن حادث وحلوق» وهو بذلك ينهج نهج المعتزلة في هذه المسألةء وفي هذايقول شيخ الأباضية المتأخرين الثميني: «قلنا نحن والمعتزلةء ومن وافقنا في ذلك: كلام الله حروف وأصوات» لكنها ليست قائمة بذاته تعالى› بل يخلقها الله تعالى في غیره كاللوح المحفوظء وجبريل ا93 وهو - أي الكلام - حادث» كى) ذهبت الكراميةء خلافاً للحنابلة وأن هذا الذي نقوله لا ينكره الأشاعرة» بل يقولون به؛ ويسمونه كلاماً لفظياء ويعترفون بحدوثه» وعدم قيامه بذاته تعال» ولكنهم يثبتون أمراً زائداً وراء ذلك» وهو المعنى القائم بالنفس» ويزعمون أنه غير العبارات الدالة عليه»”" ٠ وإلى هذا المعنى ذهب (الشماخي) إذ يقول: ندين بأن الله خالق كلامهء ووحيه ومحدثه» وجاعله ومنزله» . ويؤيده في هذا صاحب كتاب «العقود الفضية» حيث يقول: «فعند المحققين من الأباضية إنه - أي القرآن - خلوق» إذ لا تخلو الأشياء إما أن تكون خالقاً أو لوقا وهذا القرآن الذي بأيدينا نقرؤه غلوق لا خالق؛ لأنه منزل ومتلو» وهو قول المعتزلةء والعلم غير المعلوم»”. وقد قدم شيخ الأباضية المتأخر ين (الثميني) أدلة على حدوث كلام الله تعالى› هي بعينها الأدلة التي ذكرها المعتزلة عند حديثهم عن هذه المسألةء نذكر منها الأدلة الاتة: (1) معالم الدين› (2/ 11-10). قارن: المسلك المحمود لؤلفه الأباضى؛ سعيد التعاريف» ص 53 1› طبعة الجزائر 1321ه. مقالات الإسلامين؛ (1/ 187). بحوث في المعتزلةء للمستشرق الفونسو تلينو» ضمن التراث اليوناني في الحضارة الإسلاميةء د. بدويء ص204. عقيدة الأباضية لي جموعة مباحث ونصوص نشرها أساتذة مدرسة الآداب العلياء احتفالاً بالمؤتمر الرابع عشر للمستشرقين» ص 545-505 طبعة الجزائن 1905. (2) أصول الديانات؛ لؤلفه الشيخ عامر بن علي الشياخيء ص4؛ طبعة القاهرة 1304ه. وهذا الكتاب يعد عمدة كتب الأباضية في جبل نفوسة. )3( العقود الفضيةء لسالم الحارثي» ص9 28. الصفاد الألفية 135 1 إن القرآن ذكر» والذكر محدث؛ فيكون القرآن محدثاًء ودليل ذلك قوله تعالى: $ انه لذ كر [الزخرف:44]. 2- قوله: « كتك أعكتء شيت 4 [مود:1]» فإنه يدل على أن القرآن مرکب» وکل مركب حادث. 2 و ص ‎Kp‏ 2ے 3- قوله: حى يسم كلم او 4 [التوبة:6]. 4 إن القرآن موصوف بأنه منزلء وتنزيل؛ وجعول؛ وما هو كذلك حادث صرورة لاستحالة الانتقال باللانزال والتنزيل عل القديم. 5 النسخ حق بإجماع الأمةء وواقع في القرآن» وهو رفع وانتهاء على ما حقق في محلهء ولا شيء منها يتصور في القديم؛ إِذ ما ثبت قدمه استحال عدمه”“. وغير هذه الأدلة كثير» مما قدمه أنصار الرأي القائل بأن القرآن مخلوق وليس قدي وهكذاء كانت مسألة كلام الله تعالى صعبة شائكة لا يطمئن الإنسان فيها إلى رأي؛ فالأفضل بنا أن نتوقف في هذه المسألةء ونقر ب عليه عموم المسلمين من أن القرآن كلام الله تعالى» وأما كونه لوقا أو غير خلوق» فلا نقول شيثاً من هذاء والله تعالى أعلم. أشار شيخ الأباضية المتأخرين (الثمينى)ء في كتابه «معالم الدين» إلى اختلاف الغرق فيا يتعلق بصفتي السمع والبصرء هل يجب إثباتها لله تعالى» أم ينبغي تأويلهما وردهما إلى صفة العلم؟ ك أشار إلى اختلاف مشايخ الأباضية فيا بينهم في هاتين الصفتين فيقول: «وبال جملة فقد تحصل للمشايخ ههنا قولان: () معال الدين؛ ص(2/ 15-14). 136 العفائد الأيمائية خ مدهب ]باصي أحدهما: أا إدراكان مخالفان للعلم بجنسهاء مع مشارکته) له في أنې| صفتان كاشفتان» يتعلقان بالشيء على ما هو عليه. والثاني: أا من جنس العلم إلا أن لا يتعلقان إلا با موجود والمعين؛ والعلم يتعلق با موجود والمعدوم وبالطلق»”. الصفات الخبري: الصفات الخبرية: هي ما كان الدليل عليها يجرد خبر الرسول يٍَء من غير استناد إل دليل عقلي”. وهي ما جاءت في الذكر الحكيم» والسّة النبوية من ألفاظ يوهم ظاهرها مائلة الله تعالی للحوادث؛» مثل العينء والوجه؛ والقدم› والسای؛› واليدء والاستواءء والنزول» والمجىء والجهة... إلى آخر هذه الألفاظ التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. وموقف السلف من هذه الألفاظ أنهم نزهوا الله تعالى عن التشبيه» ووصفوه بيا وصف به نفسه» وبا وصفه به رسوله يل نفياً وإثباتاً من غبر تکییف ولا تمثیلء ومن غير تحريف» ولا تعطيل» والصفات مشل الذات؛ إثبات وجود لا إثبات ‎2s‏ وهم بهذا يثبتون الاستواء على العرش» والمجىء والنزولء والوجهء والحنب؛ء ويفوضونه سبحانه» في معرفة حقيقتهاء فمثلاً قوله تعالى: ولص عَل ميق( > [ط:39] يقولون: لله تعالى عين ليست كأعينناء الله أعلم بهاء ووجهة نظرهم في هذاء أن الله سبحانه نسب لنفسه هذه الصفة وغيرهاء فالنسبة صحيحة لا محالةء لكن ليس على المعنى الحقيقي التبادر إلى الذهن من هذه الألفاظ لوجود هذه الآية )1( معالم الدين› (1/ 206). (2) ابن القيم وموقفه من التفكير الإسلامي؛ د. عوض الله جاد حجازي؛ طبعة القاهرة. (3) كتابنا: القول السديد في أهم قضايا علم التوحيدء ص6 28. الصفاء الإلفية : 137 ہے يقول: «آمنت بكلام الله على مراد الله وبکلام رسول الله ی على مراد رسول د ,)1( اله وفي هذا يقول الإمام البيهقي: "يبب أن يعلم أن استواء الله تعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج؛» ولا استقرار في مكان؛ ولا مماثلة لشيء من خلقه؛ لکنه مستو عل عرشه كا أخبر بلا كيف» وبلا أين» بائن عن جميع خلقه وأن إٍتیانه ليس بإتیان من مكان إلى مكان» وأن مجيئه ليس بحركةء وأن نزوله ليس بنقلةء وأن وجهه ليس بصورةء وأن يده ليست بجارحةء وأن عينه ليست بحدقةء وإن) هذه أوصاف جاء با التوقيف فقلنا ياء ونفينا عنها التكييف»” . الحكمة «لَس كنيو مَك [الشورى:11]› وغذا كان الإمام الشافعي - رحه الله - فموقف السلف من هذه النصوص عدم التأويل واعتبارها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله. ويمثل هذا المذهب الإمام مالك وشيخه ربيعة وأحمدبن حنبل» وغيرهم جمع كثيرء فقد سئل الإمام مالك عن كيفية الاستواء في قوله تعالى: اَنَل لْمَرشِاسْتَوى © 4 [ط:5]ء فقال: الاستواء معلوم والكيف يجهول؛ والإيان به واجب» والسؤال عنه بدعة. لأنه سؤال ع لا يعلمه البشرء ولا يمكنهم إلا أنه ظهر في المجتمع الإسلامي جماعة من الميتدعة مالت إلى التشبيه والتجسيم؛ أخذوا بظاهر النصوص الموهمة للتشبيهء ورأوا تفسيرها كا وردت من غير تأويل» كغلاة الشيعة الذين صاروا إلى نوعين من التشبيهء أحدهما: تشبيه الخالق (1) العقائد الإيانية في العقيدة الإسلاميةء د. عبدالسلام عبد ص129٠ طبعة القاهرة 0.1979 )2( الاعتقاد للإمام البيهقي» ص2 53-5. قارن: إشارات المرام من عبارات الإأمام كال الدين البيياضي» ص188٠ طبعة ا حلبي» 99 1. )3( الرسالة التدمريةء لابن تيميةء ص22» طبعة القاهرة. قارن: الأسماء والصفات؛ للإمام البيهقي› ص 408. 138 العفائد الأيمائية ج مدهب ]باصي باللخلوق» فقالوا: الإله ذو صورة مشل صورة الإنسان؛ الشاني: تشبيه الملخلوق با خالق. وفي هذا يقول الشهرستاني: «هؤلاء هم الذين غلوا في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقيةء وحكموا فيهم بأحكام الإهيةء فربما شبهوا واحدا من الأئمة بالإله» وربا شبهوا الإله باخلق؛ وإن) نشأت شبهاتهم من مذاهب الحلوليةء ومذاهب اليهود والنصارى» إِذ اليهود شبهت ا خالق با خلق› والتصارى شبهت الخلق باخالق› فسرت هذه الشبهات في أذهان الشيعة الغلاةء حتى حكمت بأحكام اللإحية في حق بعض الأئمة»”. كذلك قال بالتجسيم (الجاشمية) حيث زعموا أن معبودهم جسم ذو حد ونهايةء وطول وعرض» وأنه نور ساطع يتلألاً كالسبيكة الصافية من الفضةء وأنه ذو لون وطعم ورائحةء وأنه ذو حواس خمسة كحواس الإنسانء وأن طوله سبعة أشبار من شبر نفسه””. وقد تبع هؤلاء (الكرامية)» حيث أطلق أكشرهم عل الله لفظ الجسم وقد ذهب ابن كرام إلى أن معبوده في جهةء لكون الأجسام فيهاء وأنه ماس للصفحة العليا من العرش» ويجوز عليه الحركة والانتقال والتحول والتزول. وهكذا غالى المشبهة والمجسمة في شأن الإله حتى جعلوه متحيزاً في جهة ونه على صورة إنسان» وكان موقف المشبهة واللجسمة هذا وغلوهم في التشبيه والتجسيم» أن ظهرت فرقة المعتزلةء وغالت في التنزيه ووحدة الإله حتى انتهوا إلى )1( الملل والتحل؛ (1/ 173). مقالات الإسلاميين: (1/ 66). التبصير في الدين» ص 107. )2( الغرق بين الفْرَّق؛ 65. مقالات الإسلاميين؛ (1/ 109-106). المواقف (5/ 42)› تحقيق: د. الهدي. (3) مذهب التجسيم عند اللسلمين؛ مذهب الكراميةء د. سير تار ص203 وما بعدهاء طبعة الأسكندرية 1. الملل والنحل؛ (1/ 109-108). الفرق بين الْرَقء ص216٠ (4) المشبهة: فرقة من كبار الفرَق الإسلاميةء تقسكت بحرفية النص وظاهره» وهي تضم مجموعة من الفَرّق الفرعيةء يجمعها كلها القول بتشييه الله تعالى باملخلوقات» وتمثيله بالحدثات» ووصفه بال جسميةء ومن أجل هذا جعلت فرقة واحدةء قائلة بالتشبيه» وإن اختلفوا في طريقه. الصا الألفية 139 نفي الصفات الخبريةء وتبعهم في ذلك من الفلاسفة (الفارابي) و(ابن سينا) حيث رأوا جيعاً استحالة اتصاف الباري حقيقة بهذه الصفات» وقالوا بوجوب تأويل ما ورد فيها من الآيات والأحاديث على نحو يليق بذات الله تعالى؛ واعتروا القول بثبوتها لله على الحقيقة يعد تشبيهاً وتجسياًء وذلك في مقابل المشبهة والملجسمة الذين اتسمت مناهجهم ي ذلك بتشبيه الباري بصفات المخلوقين. وأما الأشعريةء فالمتقدمون منهم ك (الأشعري) و(الباقلاني) وغيرهما كانوا يثبتون هذه الصفات ويتحرجون من تأويلها الذي يقتضي نفيها عن الباري تعالى. وأول من اشتهر عنه أنه أول هذه الصفات من الأشعرية هو (إمام الحرمين)» وتبعه في ذلك جل متأخري الأشعرية - تقريباً - مثل: (الغزالي) و(الرازي) و(الآمدي) وغيرهم. فهؤلاء تشبهوا في هذه المسألة بالمعتزلة والفلاسفةء فذهبوا لا إلى نفي تلك الصفات؛ ولكن إلى تأويلها بمعانٍ تليق بذاته تعالى. ويعتبر الرازي أوضح مثل للغلو في تأويل تلك الصفات؛ ومعارضة مذاهب المثيتين لاء حتى إنه ألف في ذلك كتباً أسماه (أساس التقديس)› وفيه يُعنى بإقامة البراهين الكثيرة من العقل والنقل على استحالة اتصاف الباري با يستلزم كونه جس أو في حيز أو مختصاً بجهةء ويورد كثيراً من شبه الخصوم ثم جیب عنهاء ويذكر ذلك كثيراً من الآيات والأحاديث الواردة في تلك الصفات» ويأخذ في تأويلها بيا يتفق مع نزعته في التنزيه» التي تظهر واضحة جلية حتى في خطبة هذا الكانں'. فا خلف - المتمثل في المعتزلة وأهل السنّة - ذهب إلى وجوب تأويل هذه الألفاظ التي توهم المثليةء بتعيين المراد من النصوص الموهمة للتشبيه بم يتناسب مع تقديس الله تعالى› حيث استعملوا المجاز في كل آيات الصفات الخبريةء فصرفوا (1) کتابنا: القول السديد في أهم قضايا علم التوحيك ص9 28.٠ 140 المخائد اأيمانية ج مدهب ]أباضية هذه الألفاظ عن معانيها الحقيقية إلى معان تليق بذاته تعالى. في حين أن السلف حمل آيات الصفات على ظاهرها مع التنزيه» قائلين إن معرفة المعنى المراد منها يفوض إليه تعالى بعلمه هو ”° وبهذا يتفق السلف وال خلف على تنزيه الله تعالى عن المعنى المحال الذي دل عليه ذلك الظاهر» وعلى إخراجه عن ظاهره المحال» وعلى الإيان بأنه من عند الله تعال جاء به رسوله ي » لكنهم اختلفوا في تعيین حمل له على معنی صحيح» وعدم تعيينه» بنا على الاختلاف في موطن الوقف في قوله تعالى: ومَايم كم نويله opr hr à ‏إلا ا ولحو ف ولون »اما پو ل عن ند رتت [آل عمران:7].‎ فالسلف وقفوا على قوله تعالى: رمايم لم تاويله7 4 أي قالوا: إن الله وحده هو الذي يعلم تأويلهء أما الراسخون في العلم فإنهم يسلمون قائلين: آمنا بهذا المتشابه على وفق مراد الله تعالى. وأما ا خلف فإنهم يقفون على قوله والرَسِحُونَ فيلر »ء فكأنهم يشركون في معرفة تأويل هذا المتشابه مع الله تعالى الراسخين في العلم؛ وعلى هذا فالراسخون في العلم يشاركون الله في علم التأويل» ومن هنا فقد أباحوا لأنفسهم تأويل هذه النصوص التي توهم الفلية”“. ومن هنا يتضح لا أن السلف سلّموا حتى لا يشتغل العقل الإأسلامي بالبحث المضني فيا وراء الطبيعةء فقد رأوه أقصر باعاً من أن ينزل ساحة ليس فما بهل خوفاً من أن يضل أو يزل» وفوضوا الأمر لله وحده مع الإيمان والتسليم والتقديس» وأن الخلف نزهوا الله تعالى؛ ورأوا أن هذه الآيات واردة على سبيل (1) مذهب السلف هو تفويض الكيف إل الله تعال دون تفويض المعنى الظاهر فإن الإمام مالكاً قال: ستواء معلوم والكيف مجهول) أما تقويض انى الظاهر فهو مذهب ردي قال فيه شيخ هل البدع والإلحاد: هره تعارضي اقل والتقل (1/ 115) الماش )2( العقائد الإيمانيةء ص1 13. کتابنا: القول المبين؛ء ص 209. ألصفاء: الألفية 141 الملجاز لا على سبيل الحقيقةء لينزهوا الله تعالى عن مشل ما تردى فيه المشبهة والمجسمة. أما المشبهة والمجسمةء فخالفوا السلف وا خلف» وفهموا هذه النصوص على أنها صفات خبرية لله تعالى» وأنها تدل على المعنى الحقيقي لها من غير تأويل ولا تفويض» وقد أثكروا المجاز في القرآن الكريم وهذا المذهب لا شك في بطلان» لأنه قد ثبت بالدليل النقلي والعقلي» أنه تعالى حالف للحوادث؛› لاس كينل شوى 4 [الشورى:1 1]. وبعد هذا التمهيد الذي رأينا البدء به في هذه المسألة حيث عرضنا فيه وجهات النظر المختلفة حول الصفات الخبريةء وقد بان لنا موقف السلف والخلف والمشبهة واللجسمة فقد جاء الوقت لبيان وجهة نظر (الأباضية) من الألفاظ الموهمة للتشبيه» وإلى أي المذاهب تميل. نهج الأباضيون في الصفات الخبرية نجج جمهور المتكلمين معتزلة وأشاعرة حيث ذهبوا إلى التأويل زاعمين أنه لو ترك ظاهر اللفظ لأوهم التشبيه والتجسيم› وذلك من خواص المخلوقات التي يتنزه الله تعالى عنها. وفي هذايقول صاحب كتاب «العقود الفضية»: «وكل ما ورد مما يوهم التشبيه فهو مؤول بم يليق به كقوله تعالى: رىعيا [القمر:14]› فأثبت عيوناً كثيرة. وقوله: «وَلْسَعَعَلَعَيق 4 [طه:39]› فدلت هذه الآيات أنها غير مراد ظاهرها بل مردودة إلى قوله: ليس ويقول القلهاتي أحد علاء الأباضيةء وهو بصدد نفيه للصفات الخبريةء ورده على الصقاتيةء الذين أثبتوا لله تعالى هذه الصفات: «وإن| شب الله تعالى من جهل اللغة ومعانيهاء واتساع العرب فيهاء حين وجدوا في القرآن والسنة ذكر النفس؛ (1) العقود الفضيةء للحارثى›» ص290. 142 العفائد الإيمانية ج مدهب ]أ باضية والوجه» والعين» واليدء والقبضةء واليمين» وغير ذلك من ألفاظ يوهم ظاهرها التشبيهء فأخذوها على ظاهرها دون تأويل». فقد نتج عن تجبريد الأباضية الذات الإلية عن الصفات أن نفوا عنه الصفات الخبريةء متأولين في الآيات القرآنيةء والأحاديث النبويةء التي تثبت لله تعالى الوجه واليد والعين... إلخء معتقدين أن ما ورد من صفات خبرية في القرآن والسنة لا يقصد منه ظاهر اللفظ؛ لأنه يوهم التشبيه والتجسيم» وذلك من خواص ال حوادث؛ وهم في هذا ينحون نحو المعتزلة ومتأخري الأشاعرة. وقد بالغ بخضهم في التأويل لدرجة أنه كان يؤول بغير قرينة» كا فعل الرستاقي ي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء»”. فإنه أول قول الرسول «بين إصبعين» أي بين نعمتين من تعمه؛ أحدهما سوق الخير في التماس الرزق. والثانية: صرف الشرور عن . وفيا يلي نعرض بعضاً من الآيات التي يوهم ظاهرها مماثلته تعالى للحوادث؛ وبيان وجهة نظر الأباضية حولاء سواء ما يُفَهم منها (الجسمية)؛ أو كونه تعالى في (جهة)ء حيث إن صفات الله تعالى الخبرية كثيرةء منها ما يوهم إثبات (الجحسمية) كالوجه» والعين؛ واليدء والساق» وغيرهاء ومنها ما يوهم إثبات (الجهة) له تعالى كالاستواء والمجيء والنزول وغيرهاء وتلك ترتبط با جسمية أيضاً باعتبار أن ا حسم هو المتحيز والمتحيز إنما يكون في جهة من الجهات الست. )1( الكشف والبيان؛ (1/ 130) بتصرف. )2( الحديث رواه مسلم في صحيحه؛ كتاب القدر باب تصريف القلوب؛ (8/ 51). )3( منهج الطالبين وبلاغ الراغبين؛ مؤلفه خيس بن سعيد الرستاقي» (1/ 404)› طبعة ال حلبي. قارن: الكشف والبيان (1/ 144). الصفاء. الألهية 143 لقد نهج الأباضية في الصفات الخبرية نججاً عقلياء ولم يعتمدوا على النهج الشرعي الذي جعلوه منطلقهم في وجوب معرفة التوحيدء وكان يجب أن ينعكس هذا المعتقد على كل نظرتهم للعقائد الإييانيةء فقد بذل الأباضية جهذاً في صرف تلك الآيات القرآنية عن معانيها الظاهرية إلى معان أخرى محازية. وإعالاً لمبدأً التأويل أول الأباضية (النفس) في قوله تعالى: َعَم مَافتشيى ولا عل ماق نيك 4 [المائدة:116]› وقوله: لوي مهافتن [آل عمران:28]. معنى النفس في الآية الأولى: (الغيب)ء ى تعلم غيبي ولا أعلم غيىك؛ أي أطلع على غيبك» أو بمعنى تعلم ما أعلم؛ ولا أعلم ما تعلم أو تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك. ومعنى الآية الأخرى: يحذركم الله عقوبته» أو يجوفكم إياه؛ إِذ إن نفس الشيء هو الشيء ومنه قوله تعالى: كب ربكم عل تي د َة 4 [الأنمام:54] أي على ذاته لا على سواه”. أما عن الآيات التي جاء فيه الذكر (اليد) على سبيل الإفراد أو التثنيةء مضافة إل الباري نرى الأباضية يؤولونها بالنّة والعطية تارةء وبالقدرة تارة أخرى» وفقاً لا 4 2 ق يفتضيه المقام فقالوا ف قوله تعالى: يد اله قوق يدهم 4 [الفتح:10] يعني منة الله فوق منتهم؛ فاليد هنا بمعنى (النّة والعطية). وقالوا في قوله تعالى: وبل يداه مبسوطتان ينفق كيف يسا [المائدة:64] فمعناه: نعمته وقدرته دائمتان؛ لا يقبضها شىء. وقيل: بل يداه مبسوطتان؛ أي نعمتاه: نعمة الاين ونعمة الدنياء وقيل: النعمة الباطنةء والنعمة الظاهرة»” . __—_— (1) الكشف والبيان› (1/ 133-132). (2) المصدر السابق (1/ 141-140). 144 العفائد الإيمانية ج مهب ]أ بلضية وأما ما يتصل بلفظ (القبضة) الذي ورد ذكره في قوله تعالى: والارض جميكًا فص كه يوم الْقََمَدٍ 4 [الزمر:67] المراد به قدرته وسلطانه وملكه. وقيل معناه: أن الأرض ذاهبة فانية يوم القيامة بقدرة الله تعالى. وكذلك قوله تعالى: واه يفيض وَببْصط 4 [البقرة:245]› قيل: معناه يقتر ويوسع على من يشاء من عباده وليس يعني به قبضة اليد التي فيه الأصابم. ولا بسطهاء فلو كان ذلك كذلك لا جاز أن يكون قابضاً باسطاً في آنٍ واحد والله تعالى في حال واحد يقبض الرزق ويبسط على من يشاء من عباده”. كما أول الأباضية كل الآيات التي جاء فيها ذكر (الوجه) مثل قوله تعالى: كل من لباقان لل وببفی وجه ريك ذو الكل رالإكرار (©) 4 [الرحن:27-26]› وقوله: كل شىء حَالِك لا وجه [القصص::] بمعنى أن الأعال تضمحل؛ ويزول نفعها إلا من التمس به وجه الله تعالى وتقرب به إليهء وقيل: كل شيء هالك إلا وجهه أي إلا (الله) تعالى. وأما قوله تعالى: « يمارگ [الإنسان:9]› فالمراد به ثواب الل أو لقصد رضا الل إِذ الوجه: القصد إلى الشيء والعمل له أو المراد بوجه الله: الله 2 ذا كا تأولوا (العين) في قوله تعالى: لرَلْسْتَعَلعَ() 4 [ط:39] بالعلم والحفظء وقيل: تربى وتغذى على عيني؛ أي بمرأى مني لا أكلك إلى غيريء وقال أبو عبيدة: «عَلعَيقَ 4ء أي على ما أريد وأحب. وكذلك قوله: رى َي € [القمر:14] معناه: بحفظنا وعلمناء حيث لا يخفى علينا مكانها. وكذلك قوله تعالى: (1) الكشف والبيان (1/ 143). (2) المصدر السابق (1/ 136-135). الصذاء الألفية 145 سيرلمكرَيك كأ [الطور:ه4] أي بحفظناء والأشياء كلها بعين الله ونظره على الاحاطة بها لا على الجارحة". كى أول الأباضية كل الآيات التي يوهم ظاهرها أن الله تعالى في جهةه أو أنه ينتقل من مكان إلى مكان» مثل الاستواء والنزول والمجيء. وهم يسلكون في هذا مسلك المعتزلةء يقول القاضي: «كل ما كان حالاً لا يجوز إلا على الأجسام يجب نفيه عن الله تعا ى وإذا ورد في القرآن آيات تقتضى بظاهرها التشبيه وجب تأويلهاء لأن الألفاظ معرضة للاحتمال» ودليل العقل بعيد عن الاحتمال»” ٠ وإعالاً لمبداً التأويل فقد رفض الأباضية الاستواء على العرش على معناه الظاهر كا ورد في قوله تعالى: لحن علَالْمَرش سى 4)5 [ط:5]› لأنه لا يستقر على جسم إلا جسم ولا يحل فيه إلا عرض والله منزه عن ذلك» ولان کل متمكن على جسم لا محال مقدرء فإما أن يكون أكبر منه» أو أصغر أو مساوياً له وكل ذلك لا يلو من التقدير ولو جاز أن یماسه تعالى جسم من جهة ماء لجاز أن يماسه من سائر الجهات فیصیر محاطاً به. فالأباضية رأوا في الاستواء معنى التجسد والتحديد فأولوه في الآية ب (الاستيلاء)» أي الملك والقهر والغلبة. وينسب إليهم تفسير قوله تعالى: ¢ استوئ إل المماء وهی دُحَان 4 [فصلت:11]ء أي استوی مره وفدرته إل الساءى ثم قوله تعالى: ْم 4 [الحديد:4]› يعني استوى أمره وقدرته ولطفه فوق (4) خلقهء ولا يوصف بصفات الخلق» ولا يقم عليه الوصف» كما يقع على الخلق . () الكشف والبيان (1/ 138). )2( الحيط بالتکلیف› للقاضى عبدالحبار ص200؛ طبعة الدار الملصرية للتأليف؛ 1965. )3( الكشف والبيان (1/ 183). (3/ 35)› طبعة القاهرة. 146 العفائد الأيمائية ج مدهب الأباصّية فالأباضية ترى أن الله منزه عن الاختصاص بالأمكنة والجهات؛ فالل الذي خلق هذه الجهات لو احتفى بجهة ما لكان متحيزاًء كاختصاص ال جواهر والأجسام وتحيزها بالأمكنة وال جهات» وفي هذا يقول الحيطالي في كتابه «قناطر الخيرات»: اوقد ثبت استحالة كونه جوهراً أو جساًء فاستحال كونه مختصاً بجهة» وثبت أنه تعالی في کل مکان». ويصرح الأباضية بأنه لا ضير عليهم في أن يكون منهجهم في الصفات الخبرية على غرار مذهب المعتزلة والمتأخرين من الأشاعرةء معتقدين أن ظواهر هذه الآيات لا تكون إلا حسم ولا له حيز وجوهر» وهذه الأمور حالة في حق الله تعالى. وني هذا يقول الشيخ محمد يوسف أطفيش الأباضي: يد الله قدرته؛ وعينه حفظهء وجنب الله حقهء وقبضة الله ملكه» ويد الله نعمتهء ومجيء الله أمره» ونزوله إل سماء الدنيا نزول ملك من ملائكته إليها بأمره ليحض على عبادته”“. وواضح مما سبق أن الأباضية في تأويلهم لآيات الصفات الخبريةء والتي يوهم ظاهرها التشبيه ليست إلا وقفة صارخة في وجه خصومهم من المشبهةء وبهذا يكون الأباضية قد وقفوا من النص القرآني المتعلقة بذات الله تعالى وصفاته موقفاً عقلياً صرفاء فأخضعوا النص لعقولهم. وهم في تأويل النصوص الشرعية قد خالفوا بذلك مذهب جمهور المسلمين» وخالفوا منهجهم الذي ارتضوه واعتقدوه عند جملة التوحيدء وهو تقديم الشرع على العقل. والحق أن الأباضية قد استسلموا في موقفهم هذا نطق مضطرب في تصور الحقائق الغيبية وكشفهاء وفاتهم أن أكثر هذه لحقائق لا يسع العقل البشري أمامها إلا التسليم والعجز ولم يكن الأباضية بدعاً في ذلك» فالمعتزلة قد نهجت هذا النهج (1) قناطر اخيرات (1/ 294). (2) إزالة الاعتراض عن محقي آل أباض» ص 6-3. لصفا الألفية 147 العقل؛ وكذلك المتأخرون من الأشاعرة الذين نجضوا لرد آراء المعتزلة سرعان ما تحولوا إلى مقالاتهم في نفي الصفات الخبريةء وتأولوها على رأيهم. ويرجع السبب في نفي هذه الصفات لدى علماء أصول الدين إلى تصورهم معنى الكيال اللائق بذاته تعالىء ومايتفرع على تصور هذا الكال من القول بالصفات نفياً أو إثباتاً. فهم لا يقصدون من وراء مقالاتهم في النفي والإثبات إلا تحقيق معنى الكمال الذي تصوروه في حق الله تعالى؛ إلا أنهم قد أخطؤوا في تصور هذا الكال؛ وفي تفسيرهم لمعناه» إِذ كان عليهم أن يفرقوا في تصورهم لذا الكمال بين حقيقتین حتلفتین تام الاختلاف؛ هما حقيقة الذات الإلهيةء وحقيقة الذات الإنسانيةء وبين ما ينبغي تصوره في حق الله تعال» وحق الإنسان» فلا ينبغي أن نتخذ المقياس الذي نقيس به في عالم الشهادةء ونطبقه في عالم الغيب. وإذا كان الله أعلم بنفسه؛ وبا يجب له من صفات الكمال؛ فما علينا في ذلك إلا أن نقبل ما وصف نفسه به بدون تأويل لمعناهاء أو تحريف لألفاظهاء وإذا كان الباري تعالى قد وصف نفسه بصفات؛ ووصف عباده بصفات» فليس معنى هذا أن حقيقة الصفتين واحدة فيهياء بل العقل والمنطق يقرران أن كل صفة تتبع موصوفها سمواً وكيالاً ورفعةء فلاذا نحاول تفسير صفته تعالى في ضوء صفاتنا نحن وتصوراتنا هاء أليس في ذلك مجانبة للصواب» ومكابرة للعقل؟ إن الاجتراء على تأويل النصوص الشرعية أمر عظيم الخطر وإن إباحة التأويل - دون قيد أو شرط - قد تؤدي إلى كثرة التخريجات» وركوب متن الشططء وني هذا تمزيق للشريعةء وتعدٌ عى حرمتها كا يقول فيلسوف قرطبة (ابن رشد)؛ ولذلك ينبغي أن ينظر إل هذه المسألة بحذر شديد وألا يقبل من التأويلات إلا ما كان ظاهراً ‎e َ .‏ 1 بنفسه للجميم» موافقاً ما أدى إليه البرهان» وما جرت به عادة العرب في تخاطبهم' . ‎e ‏() مناهج الأدلة في عقائد الملة لابن رشد تحقيق: د. محمود قاسم ص174» طبعة الإنجلى› 1969. ‎ ‎ 148 العفائد الإيمائيڈ ج مدهب ]باصي ومها يكن من أمر فقد رأينا مذهب الأباضية في مسألة الصفات الإلهية يرتكز على منطلقات المعتزلة في التأويل والتعطيل والنفيء وأن المذهب عندهم في هذه المسألة «أن صفاته تعالى معان اعتبارية»ء وقد ذهبوا يدللون على ما ذهبوا إليه ئي هذه المسألة بنهج عقلي تأويلي ساروا فيه محاكين للمعتزلة. والذي نرتضيه في هذا الجانب العقدي هو اللإيان بكل ما جاء في القرآن الكريم› والسنة النبوية المطهرة من أسياء الله تعالى وصفاته بغير تأويل ولا تمثيل ولا تعطيل» فليس في الدنيا مما ني الآخرة إلا الأساءء فإذا كانت المخلوقات الفانية ليست مثل هذه المخلوقات المشاهدة مع اتفاقي) في الأسماء فالخالق سبحانه أعظم علواً ومباينة ‏ خلقه من مباينة الملخلوق للمخلوق» وإن اتفقت الأسياء. وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية محذراً من الوقوع في التشبيه والتعطيل: من شب الله بخلقه فقد كفر» ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد کفر» ولیس فیا وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبه». وقد نقل الإمام ابن قيم الجوزية عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: «التشبيه أن تقول: يد كيد أو وجه كوجه؛ فأما إثبات يد ليست كالأيدي؛ ووجه ليس كالوجوهء فهو كإثبات ذات ليست كالذوات؛ وحياة ليست كغيرها من الحياة وسمع وبصر ليس كالأسياع والأبصار وليس إلا هذا المسلك»”. وقد استشهد ابن القيم بكلام الإمام أحمد هذا وهو في معرض رده على الذين تأولوا في صفات الله تعا لى» مالم يوافق مذهبهم في التأويل وإعمال المجاز. ۱ )1( جموع فتاوی ابن تيميةء (5/ 110). (2) محتصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم؛ (1/ 27)؛ طبعة دار البحوث العلمية والدعوة بالقاهرة. رؤیہ الباري تعالى دمهيد من المسائل التي دار حوها جدال طويل بين مفكري الإسلام - على اختلاف فرَقَهم وطوائفهم - مسألة رؤية الله تعالى» فهي من المسائل الحامة التي تتعلق (1) الرؤية في اللغة: النظر بالعين والقلب» وذكر ابن منظور: أن الرؤية بالعين؛» تتعدى إلى مفعول واحدء وبمعنى العلمء تتعدى إلى مفعولين. يقال: رأى زيداً عالاًء ورأى رأياً ورؤية... ويقال أيضاً: قوم رئاءء أي يقابل بعضهم بعضاً وتراءی الجمعان؛ أي: رأى بعضهم بعضاً وتقول: فلان يتراءى» أي: ينظر إلى وجهه في المرآة أو في السيف» وفلان مني بمرأى ومسمع؛ أي: حيث أراء وأسمع قوله. أنظر لسان العرب؛ لابن منظور تحقيق نخبة من الأساتذة العاملين بدار المعارف» (3/ 1537) طبعة دار المعارف. وأيضاً: الصحاح؛ للإسماعيل بن حماد ال جوهري تحقيق: أمد عبدالغفور» باب الواو والياعء فصل الراء (6/ 2347)› طبعة بيروت؛ 1979. وعرف الجحرجاني الرؤية فقال: هى المشاهدة بالبصر حيث كان» أي في الدنيا والأخرة. التعريفات» ص97» طبعة الحلبي. والرؤية: إدراك المرئي» وهي على عدة أنواع: الأول: بال حاسة وما يجري مجراهاء مثل قوله تصالى في سورة التكاثر: « لترو للحي ) ت روشاع اَن () 4 [آية:7-6]› والثاني: بالوهم والتخيل: مثل قوله تعالى في سورة الأنفال [آية: 50]: «وَلَو ترئإد يتوق لَب كوا 4. والثالث بالفكر: مثل قوله تعالى في سورة الأنفال [آية:48]: «إِن ر مَالَا رَد €. الرابع: بالعقل: مثل قوله تعالى في سورة الشعراء [آية:61]: فما تَر الْجَسْعَانِ € أي: تقاربا وتقابلاء حتى صار كل واحد من بحيث يتمكن من رؤية الآخر؛ ويتمكن الآخر من رؤيته. راجع: المفردات في غريب القرآن» أبي القاسم الحسن؛ المعروف بالراغب الأصفهاني› تحقيق: محمد سيد كيلاني» مادة (رأى) ص 209» طبعة دار المعرفةء بيروت. والنظر: تقليب البصر والبصيرة للإدراك الشىء ورؤيته» وقد يراد به التأمل والفحص» وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص وهو الرؤية. انظر: المفردات؛ كتاب النونء ص 497.٠ 150 العخائد الأيمائية ‏ مدهب ]باصي بالذات الإيةء وترجم أهمية الرؤية عند المسلمين إلى أنهم عرفوا الله عبر النظر والاستدلال إلا أنهم ل يروه» والمعرفة بالإدراك أوضح أنواع المعارف» ولذا تاقوا لمعرفته تعالى بالرؤية تأكيداً ما استدلوا عليه. إن رؤية الله تعالى الذي عجزت العقول عن معرفة كنهه لمي أعظم اللذات؛ وهي النعيم الأبدي الذي سيكافئ الله به عباده المؤمنين» علاوة على إدخالم جنات جزاء طاعتهم وإيانهم» وكانت هذه هي وجهة نظر المثبتين للرؤية في الآخرة وهم أهل السنةء وأهل الحديث وغيرهم من سلك مسلكهم: فتمسكوا بإثبا تجا جوازا بالعقل› ووجوباً بالنص. ولم ينكر نفاة (الرؤية) - وهم المعتزلة وال جهيمة والخوارج وغيرهم من سلك مسلكهم - وجهة نظر المثبتين من حيث الغايةء فرؤية الباري تعالى بالبصر أمنية كل مؤمن» ولكن هيهات للعقل أن يتصور إمكان تحقيق ذلك فالعقل لا يقبل أن يرى من ليس بجسم مقابلاً ‏ جهة الرائي» ويشترط عدم وجود مانع بين الرائي والمرئيء والله ليس بجسم ولا ني جهة تقابل الرائيء فلن تتحقق لنا تلك الأمنية الغالية. والحق أن العقل الذي يقضي بنفي (الجسمية) واستحالة (الجهة) على الله تعالى لا يجد سبيلاً إلى إثبات رؤيته بالأبصار وبالكيفية التي توجد عليها هذه الرؤية في الإنسان» وذلك لأنما تقتضي ا جسمية وال جهة سواء في الشخص الرائي» أو في المرئي» اللهم إلا إذا أخحذت الرؤية بالنسبة لله تعالى بمعنى خاص لا يستقر إلا بدليل خاص أيضا. وما يستوقف النظر حقاً أن نجد مفكري الإسلام الذين نزهوا الباري - تعالى - عن كل ما يجعله شبيهاً بالخلق؛ أو يجعل أحداً من الخلق شبيهاً به قد انقسموا ئي مسألة الرؤية انقساماً أقل ما يوصف به أنه وضع بعضهم على طرفي نقيض من البعض الآخر. ففي الوقت الذي ذهب فيه المعتزلة والجهميةء والخوارج - والأباضية واحدة من فِرّقها - إلى نفي رؤية الله تعالى بإطلاق» نرى أهل السنّة رؤية الباد يالى 151 وال جحاعة وأهل الحديث يثبتونها ويجوزونها ي حق الله تعالى؛ لأن الله بشر بہا عباده اللؤمنين» ولكن بدون كيفيةء وفي هذا يقول ابن تيمية: «أجمم سلف الأمة وأئمتها على أن المؤمنين يرون الله بأبصارهم في الآخرةء وأجعوا على أنهم لا يرونه في الدنيا بأبصارهم ولم يتنازعوا إلا في النبي محمد يَيٍ. لأن الله تعالى ينشئ خلقه في الأخرة فيركب أسٍاعهم وأبصارهم للبقاء فبراه أولیاؤہ جھراً کا قال رسول الله اا )1( . رب ولا بد نفاة الرؤية ممن ذكرنا حرجا في موقفهم هذاء لأنه يتسق تماما مع نفيهم للجسمية والجهةء أو مع التنزيه الملطلق لله تعالى عندهم» وإن) الحرج للآخرين من اللثبتين للرؤيةء وعلى رأسهم (الأشعرية)» فإن موقفهم يبدو وكأنه لايخلو من الله تعا لى وبين إثبات الرؤية له ولذا فقد كان عليهم أن يبرروا موقفهم هذاء ويقدموا تفسيراً من شأنه أن يزيل ما يبدو من تناقض» أو يستقر به مذهبهم في ثبوت الرؤية. والحق أنه قد وردت في القرآن الكريم والستة النبوية نصوص تحمل ظواهرها دلالات تفسح المجال لتأويلات وتفسيرات لا تخلو من تباین» ومن ثم عدت هذه النصوص من المتشابهات؛ فمن هذه النتصوص ما يفيد ظاهرها إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة وذلك مثل قوله تعالى: « مزا )إل ا)4 [القيامة:22- 3]. وقول الرسول يِل : «إنكم سترون ربكم يوم القيامةء كا ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته»» وقوله يٍَ : «إنكم سترون ربكم جل ثناۋه 12. )2( فتح الباري بشرح صحيح البخاري› لابن حجر العسقلاني؛› كتاب التوحيد باب قوله تعالى: وجه ‎a‏ ي 4 )127/9 152 العفائد الأيمائية ك مذهب ]أ باضية عيانا»". فإذا أخذت هذه النصوص على أنها قاطعة برؤية الله في الآخرة فإن من النصوص ما يفيد نفي الرؤية وذلك مشل قوله تعالى: # لاد ركه الاب صر وهو بر لبر 4 [الأنعام:103]. وقول الرسول يِل : «نور أنى أرا»”. ولقد حاول كل فريق من المتكلمين أن يستدل على مذهبه في الرؤية إثباتاً أو نفياً بالنصوص التي تدعم موقفه» ثم يؤول الآيات التي يحمل ظاهرها دلالات تتعارض مع هذا الموقف» وما لا شك فيه أن مسألة الرؤية تبلغ من الصعوبة حدا لا يخول للأي فرقة من الق الإسلامية أن تدعي بأن الحق كله في هذه المسآلة إلى جانبهاء وأن الباطل كله يلزم الفرقة الأخرى» وذلك راجع إلى صعوبة امسألةه فالعقل الإنساني يصعب عليه أن يقطع فيها برأي حاسم لا مرد له”. وقد عبر الامام الجحويني عن هذه الصعوبة بقوله: «القول في جواز الرؤيةء قد طال فيه ارتباك طبقات الخلق» وقد حسبه الآأخذون ببعض العلم من الجحليات؛ والانتهاء إلى درك القطم فيه عسير جداًء فإن الإحاطة بحقائق الإدراكات من أدق أحكام العقولات»”“. هذاء وإذا كان المتكلمون قد انقسموا على أنفسهم تباه النتصوص الدينية التي ورد فيها ذكر رؤية الله تعالى لعباده المؤمنين يوم القيامةء إلا أن الصحابة حي قد آمنوا با كا وردت مع نفي التشبيه عنه سبحانه وتعا ى ومن غير أن يخوضوا في البحث عن كيفية هذه الرؤيةء وقد سار على منوالم التابعون لحم بإحسان› والسلف الصالح من الفقهاء المجتهدين من بعدهم؛ وأهل الحديث؛ فهؤلاء جميعاً اتفقوا على (1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري؛ لابن حجر العسقلاني» كتاب التوحيد باب قوله تعالى: رُجة )ن )4 )127/9( )2( الحديث ورد في صحيح مسلم بشرح النووي؛ (12/3)) باب ما جاء في رؤية الله تعالی. )3( كتابنا: ابن رشد وفلسفته الإيةء ص 517-515 طبعة الصفا والمروق 1997. (4) العقيدة النظامية للجويني» تحقيق: د. السقاء ص9 3 طبعة القاهرة 1978. وؤية آلباو ى فعالى 153 إثبات رؤية الله تعالى يوم القيامة لعباده المؤمنين» ولكنه إثبات بلاكيف» ثم وقع الخلاف بعد ذلك بين العرَق الكلامية. وبعد هذا التمهيد الذي رأينا من الضروري البدء به ننتقل إلى ا لحديث عن رأي الأباضية في رؤية الله تعالى لعباده المؤمنين يوم القيامة. مذهب الأباضیہ: ذهب الأباضية إلى استحالة رؤية الله تعالى دنيا وآخرةء وذلك يرجع إلى إعمالحم العقل لا الشرع في مسألة الصفات الإلحيةء تحالفين في ذلك ما قرروه واعتمدوه من تقديم ما يمليه الشرع على ما يراه العقل» فقالوا بنفي الصفات؛ أو بمعنى أوضح بتعطيل الله تعالى عن صفاته» فانتهوا بذلك في مسألة الرؤية إلى النفي أيضاء متأثرين بمنهح المعتزلة الذي يؤكد إنكارهاء لأنها تؤدي - من وجهة نظرهم - إلى التشبيهء فهم - أي المعتزلة ومن تأثر بهم - يحترمون مبادئهم ويستنبطون منها نتائجها المنطقيةء لأن من يبدا بنفى الجهةء سينتهى لا محالة إلى إنكار رؤية الذات الالية. ۱ ۱ لذلك ترى الأباضية أن رؤية الباري تعالى من الأشياء التي لا يتصور العقل صحة وجودهاء لأن العقل يحيل ذلك» وذهبوا في التدليل على هذا المعتقد على غرار ما هو معروف عند المعتزلة: من أن المرء يكون متحيزاً ويكون متشخصاً ومحاطاًء وني جهة... إلخء هذه المقولات التي لا إليها من أعمل الفكر والعقل وغض الطرف عن الشرع. وقد أكد مشايخ الأباضية - المتقدمين منهم وامتأخرين - أن رؤية الله تعالى من جملة الممتنعات في حقه تعالى عند جيم الأباضية عقلاً ونقلاًء وأن الرؤية منفية (1) التعطيل: يراد به نفي كل صفة من الصفات؛ مستقلة أو مضافة للذات. (2) بهجة أنواع العقول للسالمي؛ (1/ 61) بتصرف. أيضاً: الأباضية مذهب وسلوك؛ السيد عبد ربه؛ ص337. أيضاً: العقود الفضية في أصول الأباف يةه ص6 0.28 154 العفائد الإيمائية ج مدهب ]باصية عنه في الدنيا والآخرةء وفي هذا يقول شيخ الأباضية الممأخرين (الثميني): «وعند أصحابنا الأباضية: من قال إنه رى في الدنيا فقد أشركء ومن قال إنه يرى في الآخرة فقد نافق». ويرجع سبب نفي الأباضية للرؤية إلى أنهم قاسوا الغائب على الشاهك كا فعل المعتزلة؛ إذ الرؤية بحاسة البصر في الشاهد لا يمكن أن تتحقق إلا بشروط كأن يكون المرئى في مكان» وأن يكون مقابلاً للعين في جهةء وأن تكون المسافة بين الرائي والمرئي متناسبةء وأن يتصل شعاع من البصر بالمرئي» فشرائط الرؤية هذه يستحيل تحقيقها بالنسبة لذات الله تعالى؛ لأنما تقتضي أن يكون المرئي ماديا في مكان» وله جهةء وهذا يستدعي الاحتياج والحدوث» والباري تعالى منزه عن ذلك. فالأساس الذي بنى عليه الأباضية نفى الرؤية هو نفى الحسمية عن الله تعالى› الله ليس جسياًء ولا يرى إلا الأجسام فهو لايُرى. فالأباضية - وكذلك المعتزلة - ليس لديهم إلا مفهوم واحد للرؤية لا تفر إلا بء وهو مفهوم يستمد مشروعيته من قلب الواقع» وما عليه حال الرؤية في الإأنسان؛ ومن ثم فإنها لا تخرج عندهم عن كونها نوعا من الإدراك الحسي» يرتبط بال جانب المادي ذا الوجودء وهو الجانب الذي ينتظم الموجودات المحسوسةء سواء كانت جواهر أو أعراضاً أما الجانب الملجرد هذا الوجود وهو الذي ينتظم الموجودات المجردة اللاماديةء سواء كانت ذوات؛ أو كانت معاني ومدركات عقليةء فهو خارج عن دائرة الإدراك الحسي كليةء ومن ثم فلا تتعلق الرؤية بشيء من هذه الموجودات التي يصح تعلق العلم بها. (ومن ثم فإن الرؤية ليست علا ولا معنى مما يتعلق بالذات الإهية تعلق العلم بهاء وإنما هي إبصار يقتضي حاسة تكون أداة ل وشيئاً مرئياً ذا مواصفات تجعله قابلاً لان يرى. (1) معالم الديني للثميني› (2/ 29). قارن: إسلام بلا مذهب» ص 137. (2) معام الدين؛ (2/ 36-31). الكشف والبيان؛ (1/ 154-153). شرح الأصول الخمسة ص252 255 262. المغنىء (4/ 55-51). ریه الباوىغعالون 155 وما يؤكد موقف الأباضية الرافض للرؤية ما قام به شيخ الأباضية المتأخرين (الثمينى) من استعراض لأدلة المثبتين - وخاصة الأشعرية - النقلية منها والعقليةء وتفنيدها ودحضها بمنهج وأسلوب المعتزلة نفسهء وقد خلص من ذلك العرض والنقد إلى أن الله تعالى لا يشبه شيئاء ولا يشبهه شيء من كل وجه؛ ومن کان كذلك استحال في حقه أن يرى» ويذهب إلى أن مثبتة الرؤية لو أنصفوا القول وأقروا باستحالة رؤيته تعالى» لسلموا من التورط في التشبيهء إذ السلامة في تنزيهه تعالى عن كل ما يخطر في الأوهاء وقد استدل الأباضية بآيات من القرآن الكريم تتفق وما ذهبوا إليه في نفي الرؤية وأهملوا أو أولوا ما عداهاء فاستدلوا بقوله تعالى: ل لاد ركه الاب صر وهو برك لاص رليف َد 4)3 [الأعام:103]. ساق الأباضية هذه الآية مهملين أو متأولين ما عداها من الآيات التي تشرحها وتفسرهاء وتبين مرادها. وقالوا في هذه الآية: «إن الله تعالى امتدح بذلك» ومدائح الله لا تزول في الدنيا ولا في الآخرةء فمن زعم أن الأبصار تدركه فقد زعم أن هذا ال مدح يزول عنه في الآخرةء ومن زعم ذلك فقد جعل ربه منقوصاء وهذا كفر بالله تعالى»”“. بل إنهم ذهبوا في التدليل على ما اعتقدوه في الرؤية إلى حذٌ بعيد» فجمعوا من الآثار النبوية وأقوال الصحابة #ة ما يرونه يخدم معتقدهم في نفي الرؤية على الأطلاق في الدنيا والآخرة مثل استدلالحم بال حديث الذي رواه امام مسلم بسندە ئي صحيحه عن آبي ذر شه آنه قال: سألت رسول الله ويا : هل رأيت ربك؟ فقال: «نور آنی را . (1) معالم الدين› 2/ 1 48-4. (2) الكشف والبيان (1/ 155). )3( الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه؛ كاب الإيمان» باب قوله (نور أنى أراه)» (1/ 108). أيضاً: (3/ 12)) والرواية الأخرى: «رأيت نورا. 156 العفائد الأيمانية ج متهي الأباضية وقد جزم شارح الطحاوية بأن معنى فول يَوِ في حديث أبي ذر: «نور آنَّى أرا» النور الذي هو الحجاب يمنع من رؤيته «فأنَى أراه»ء أي كيف أراه والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤیته؟ ثم قال: فهذا صريح في نفي الرؤية”. ک)| استدلوا بحديث مسروق عن عائشةء حیث قال: : كنت متكئاً عند عائشة - رضي الله عنها - فقالت: ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفريةء قلت: ما هن؟ قالت: «من زعم أن حمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية»”. ووجه الاستدلال بهذا الحديث - عندهم - هو: أن مقالة عائشة هذه صريحة بالبراءة من قال بذلك؛ لأن عظم الفرية على الله فسق اتفاقاًء وحينئذ يلزم إما كذب القول بأن محمداً يَأ رأى ربهء وإما تضليل عائشة - رضي الله عنها - حيث فسقت قائلاً بصدق على صدقه؛ وكا يقول السالى: لا محل للاجتهاد هناء لأنه ليس للمجتهد أن يفسق من خالفه في اجتهاده إذا کان محل الاجتهاد ظنب. ومن الأدلة العقلية التي يقدمها الأباضية لإثبات أن الرؤية مستحيلة في حقه تعالى» وأنه ليس لأحد من الخلق أن ينظر إليه جهرةء لا في الدنيا ولا في الآخرةء أن الأبصار لا تدرك إلا الأجسام المحدثةء أو ما يكون في معنى من معانيها جسيا والمحدود لا يكون إلا جساً أو هيثة الجسم والجسم صنعه صانع؛ وكل مصنوع فله صانع» والصانع لا يشبه الملصنوع؛ فمن زعم أنه يُرى جهر فقد زعم أنه حيط بالك لأن الأبصار إذا رأت شيئاً فقد أحاطت با رأت» وعليه وقعت والله تعالى منزه عن ذلك . (1) شرح العقيدة الطحاويةء لابن أبي العز الحنفي؛ تحقيق: د. عبدالرحمن عميرةء ص200› طبعة الرياض؛ 2 198. )2( الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحهء (1/ 159)؛ كتاب الإيان. )3( مشارق أنوار العقول للسالي» ص 190. (4) الكشف والبيان (1/ 154). رؤية الماد ى الى 157 وقد أشار شيخ الأباضية المتأخر ين (الثميني) إلى دليل (الوجود) الذي استدل به الأشاعرة للإثبات رؤية الله تعالىء فقال: إن إثبات رؤية الله تعالى من جهة العقل بفكرة (الوجود) إنما هو دليل ضعيف جداًء وتقرير الاستدلال بهذا الدليل أن يقال: «الباري تعالى موجود وکل موجود يصح أن یری» فالباري تعال يصح أن يرى»”. ويبين فساد هذا القياس» فيقرر أن القضية الصغرى فيه صحيحةء أما الكبرى - وهي كل موجود يصح أن يرى - فهي غير صحيحة؛ إِذ لو جاز لجاز تعلق الرؤية بالأصوات» والطعوم؛ والروائح» وبالرؤية نفسهاء وبالاعتقادء وبسائر الأعراض اللوجودة المحققة ضرورة. وقد أَوّل الأباضية الآيات الدالة على إمكان الرؤية مثل قوله تعالى: رارف رليك [الأعراف:143]› بمعنى أرني آية من آياتك» أو علاً من أعلامك؛» کا أن نتيجة مفهوم الشرط؛ ي قوله: لكان اسكفرمكانه, فسوف ري 4 [الأعراف:143] صريحة في نفيها في المستقبل مطلقاء أي في الدنيا والآخرةء ومن ادعى التخصيص بالدٽيا فعليه بيانه. وقولهەتعالى: لى ريز ا )إل اظ رل2 [القيامة :23-2]فوجه الاحتجاج في هذه الآية عند مثبتي الرؤية أن النظر الموصول بلفظ (إلى) رؤية ولا سيا أنه أسند إلى الوجه الذي هو محل العين الباصرةء وأنه قيل ب(يومئذ). وأما الأباضية فيرون أن الآية نزلت في حال يوم القيامةء فالمؤمنون ناظرة وجوههم بالبشارات» والكفار باسرة وجوههم بتحقيق الوعيدء فالأولون منتظرون دخول الجنق والآخرون يتوقعون أن ينبذوا ني الحطمة أما أهل الأعراف» فلم يدخلوا )1( معالم الدين› (2/ 40). الكشف (2/ 372). الإرشاد للجويني› ص177. لع الأدلة للجويني؛ء ص116-115. الإبانة للأشعري؛ ص16. اللمع للأشعري؛ ص32. الإتصاف للباقلافي› ص 160. الاقتصاد في الاعتقان تحقيق: د. عيش» ص112. (2) معام الدين› (2/ 41). 158 العخائد الأيمائية ‏ مدهب الأباضية ال جنةء وهم يطمعون. فم يدل على أن النظر في هذه الآية بمعنى الانتظار تقديم (إلى ربها) أي لا تنظر إلى الله على معنى أنه يفيد ا لحصر والاختصاص؛» ولو کان من نظر العين لا نحصر نظرهم في ذات الله تعالى. ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء كثيرة ويدل على ذلك أيضاً ذكر لفظ (تظن) في قوله: ‏ ووجوهي ومين باسرة ۶)) تن أن يشل ااق ر )4(6 [القيامة:25-24] في مقابلة لفظ (ناظرة)› أي تتوقع أن يفعل با فعل شديد فظيع؛ يقصم فقار الظهور ك) ترتجي الوجوه الناظرة إلى ربا أن يفعل فيها كل خير وما يدل على ذلك أيضاً أن فاعل (تظن) هو الوجوه ومعلوم أن الوجوه لا تظن» وإنما تظن القلوب”". وأما الأحاديث التي تمسك با المثبتون للرؤيةء فيرى الأباضية أنها أحادية وتقبل التأويل لتنطبق على الآيات» ولأآنه يلزم من يقول بالرؤية إثبات الجهة لله تعالى؛ وهو باطل 2 ففي حديث: «إنكم سترون ربكم...) يمنم الأباضية المعنى الحقيقي لظاهر الحديث» لجواز أن يكون اراد به ازدياد العلم. وفي بعض روايات هذا الحدیث: «سترون ربكم عيانا» أي يقيناًء يقوم مقام العيان. ويصرح الثميني أن هذا الحديث إذا حمل على المعرفة استقام الكلام وصح المعنى؛ فيكون المقصود هم يعرفون ربهم معرفة جليةء لا لبس فيهاء وهي في الجلاء والظهور» كإبصارهم القمر إِذا امتلً واستوى” ومها يكن من أمر» فإن مسألة الرؤية قد ارتبطت عند الأباضية - كا ارتبطت عند المعتزلة كذلك - بالتنزيهء فالله الذي ليس كمثله شيء لا يجوز أن يكون جسياً (1) معالم الاين ص35-30. أيضاً: انظر: الحيط بالتكليف» للقاضي عبدال حبار تجد تأويلاً قريياً من تأويل الأباضيةء ص214 . شرح الأصول؛ء ص245. (2) العقود الفضية في أصول الأباضيةء للحارثي» ص286. قارن: الصلة بين مذهب العتزلة ومذهب الأباضية ضمن كتاب التراث اليوناني في الحضارة الإسلاميةء د. بدوي» ص204. (3) معالم الدين؛ (2/ 36). الكشف والبيان› (1/ 157-156). رؤية البارىغعالوى 159 حتى يرى بالبصر ووضعوا ذلك فوق إرضاء المسلمين» فالجسمية إِذا انتفت انتفت الجهة وإذا انتفت الجهة انتفت الرؤيةء وذا أولوا الآيات والأحاديث» ونفوا بعض الأحاديث» لأنها أخبار آحاد لا يعول عليها ئي نظرهم. وقد اعتمدوا في نفي الرؤية على مسند الإمام الربيع بن حبيب» وشند الإمام الربيع ليس بالسند الذي اعتمده أهل الحديث من علماء السنة والجماعةء وإن كان الأباضية يقولون إنه أصح كتاب بعد القرآن الكريم» ويليه في الرتبة الصحاح من كنب ال حديك. وعلى أي حال» فهذا هو رأي الأباضية في باب الرؤية يرون أنها مستحيلة في الانيا والآخرةء وقد التقوا في هذا الرأي مع المعتزلة والخوارج. والواجب علينا هو الإييان بأن الله تعالى يُرى لعباده المؤمنين في الآخرة كما أخبر في كتابه العزيزء وأخبر رسوله يلو بذلك؛ء ولكن على وجه منزه عما هو من خواص الحوادث» فحالتنا ئي الآخرة ستتغير عا نحن عليه الآن؛ فإذا كان الأكل الذي ستأكله والشراب الذي نشربه لا يتحول إلى فضلات فا تعالى قادر على أن يخلق فينا القدرة على رؤيته في غير مكان ولا جهةء وبأية قوة من قواناء أو بقوة جديدة يخلقها الله بي ذلك الوقتء في أي عضو من أعضائناء وإن كان القلب ورََلْقُ مَالَاَْكَنوَ )4 [النحل:8]ء فا دام الكتاب والستة قد أخبرا برؤيته تعالى في الآخرة لعباده المؤمتين؛ فما علينا إلا التسليم والاتباع› وليس الرفض والابتداع. ت سے (1) الجامع الصحيح؛ مسند الإمام الربيع؛ (1/ 4). لاان أفعال العباد بين الجبر والاختيار هذه المسألة بحثت قدي]ً وحديثاً تحت مسميات عدة كال جر والاختيارء أو «حرية اللإرادة»» أو «القضاء والقدراء أو «أفعال العبادا» وهذه اللسميات كلها في معنى واحدء وإن لم تكن مترادفة على وجه الدقةء ولكن البحث في أي منها لا بد أن يتطرق ليشملهاء وهو أن كل ما يحدث من أفعالء هل هو حر في إحداثه م جبور فیه؟ فإذا أثيرت هذه المسألة في أي وسط كان فإنها تقسمه إلى قسمين؛ فمنهم من ينكر على العبد حريته وإرادته» فيجعله مُسبَراً لا شأن له في خلق أفعاله التي حددت له تحديداً أبدياً لا سبيل إلى تعديله أو تحوير ومنهم من يثبت للعبد حرية الإرادة ويجعله قادرا على خلق أفعاله. ومسألة القدر أو الجبر والاختيار ليست وليدة البيئة الإسلاميةء أو الفكر الإاسلامي فحسب وإنم هي ظاهرة نفسية عامةء خاض فيها أصحاب الفلسفات والديانات القديمةء وانتقلت عدواها إلى محيط البيثة الإأسلامية عن طريق المؤثرات الأجنبيةء فقد أثارها فلاسفة الإغريق من قبل فالأبيقوريون"": يرون أن اللإرادة (1) الأبيقوريون: هم أتباع أبيقورس» (270-341 ق.م)» أنشا مدرسة خاصة بفكرته التي تعتبر أن الحياة هي اللذة. 162 العذائد الأيمائيڈ ‏ مذهب الأباضية حرة فى الاختيار واللإنسان يفعل جميع الأفعال بإرادته واختياره دون أي إكراه. و(الرواقيون) ” يرون أن الإرادة حبرة على السير في طريق لا يمكنها أن تتعداهاء ‎iF ۷‏ )2( والانسان لا يفعل شيئاً بإرادته» وإنا هو جير على فعل أفعاله”. ‏أثارها اليهود أيضاً ني دينهم فقال بعضهم بال جر وقال آخرون بالاختیار کا أثيرت في الديانة النصرانيةء على مجرى التاريخ؛ فكان التزاع وال جحدالء وكان التحيز لرأي والتعصب له؛ وانقسم رجال النصرانية إلى فريقين يختصمان””. ‏والفكر الإسلامي ليس بدعا من الفكر البشري» على اختلاف الزمان والمكان؛ بل - ب له من أصائة نابعة من كتابه الكريم» وسبنه الشريفة - تناول المسألة تتاول العبقري الذكي الفاهم لطبيعة العقل البشري وحدوده» والعارف متى يحسن للعقل البشري» أن يبحث ويحلل ويدقق» ومتى يعفي نفسه من الركض وراء أمل لا مطمع في تحقيقه والعثور عليه. ‏والمشكلة بهذا الاعتبار قد أثيرت في عهد الرسول يِل وعهد الصحابة طن › وكان موقفهم منها الابتعاد عن الولوج في دروبہا ومتاھاتہاء والایہان ہا کا جاء الوحي غضة بسيطةء لم تفسدها تدقيقات المنطق» ولا تحليلات الفلسفةء فقد أراد الرسول يي أن يتلافى انشقاق الأمة بسبب إثارة هذه المشكلةء فکان ینھی دائا عن إثارتهاء وعن الجحدال فيها. ‏)1( الرواقيون: هم معاصرون للأبيقورين؛ ومعارضون لحم وواضع أفكارهم (زينون) (336- 4 ق.م) أنشا مدرسته في (رواق)؛ فدعي أصحابه بالرواقيين. ‏)2( مسألة القضاء والقدر» د. عبدالحميد محمد قنبس» وزميله خالد عبدالرحمن» ص1 3ء طبعة دار الكتاب العري؛› 1979. ‏(3) الإأسلام والعقل؛ د. عبدالحليم محموتء ص136 159› طبعة دار الكتب الحديئة 1973. أيضا: علم التوحيد في شوب جديد د. عبدالسلام عبد (1/ 220). وأيضاً: (2/ 4) طبعة الفجر اللحديك مص 1980. ‎ ‎ أفعال العباد بير الجبر وا ياو | 163 أما بعد انتقال الرسول يَيٍ إلى الرفيق الأعلى؛ واختلاط المسلمين بغيرهم» فقد اختلف الحال وبدأت تظهر في عهد الصحابة البذور الأولى للكلام في القدر فكانوا ينهون عن البحث والجحدال فيهء وكانوا يرون أن الإيمان بالقدر يقتي الاستسلام لأمر الله تعالى. واتغذ هذه الطريقة التابعون وتابعوهم› فكانوا امتداداً منهج الصحابة ةه » وحاربوا الآراء الشاذة التي أعلنها (غيلان الامشقي) و(جهم بن صفوان) لأنهم فهموا الصلة الوثيقة بين المشيئة الإية والإرادة الإنسانيةء فأثبتوا أن الإنسان مسؤول حر في اختياره لأفعالهء لكنه مع هذا الاختيار لا يستقل بعمله عن القدرة والمشيئةء وهذا الطريق هو ما سلكه عمر بن عبدالعزيز شه في مناقشته لغيلان الدمشقى”. وأمام مقاومة الصحابة والتابعين لذا الانحراف في التفكير لم يكتب لحذه البذور أن تتطاول حتى جاء عصر بني أميةء وتحولت هذه الأفكار من خلال أقوال دعاتها والمروجين نا إلى نحلة ها متبعوها ودعاتها”“. ويظهر أن بني أمية كانوا يكرهون بوجه عام القول بحرية الإرادة لاعتبارات دينية وسياسيةء لن القول بالجبر يخدم سياستهم» فهم يقولون إنهم جاؤوا بقضاء الله تعالى وقدره» وإذن يجب على المسلمين طاعتهم والخضوع م . ومن هنا وجد بعض الذين ليس للدين حريجة في نفوسهم› في القدر اعتذاراً عن مقابحهم وتبريراً لفاسدهم فساروا فيم يشبه الإباحية وإسقاط التكليف” . (1) منهج علماء الحديث والسنّة في أصول الدين؛ د. مصطفى حلمي» ص 37-35› طبعة دار الدعوةء 2 وهو ال حوار الذي دار بين عمر بن عبدالعزيز وغيلان الدمشقي. (2) دراسات في علم الكلام والعقيدة د. جميل أبو العلاء ص78 طبعة القاهرةء 1984٠ (3) في الفلسفة الإسلامية منهجه وتطبيقه» د. إبراهيم مدكور (2/ 93)› طبعة دار المعارف» 1983. قارن: الإأسلام والعقل› ص37 1.أيضاً: التمكير الفلسفي ي الإسلام؛ د. عبدالحليم محمود؛ ص146-145» طبعة دار المعارف» 1984» وقارن: كتابنا القول السديكء ص374. (4) تاريخ اذاهب الإسلاميةء للشيخ محمد أبو زهرةء ص 112-111 طبعة دار الفكر العربي. 164 العفائد الأيمائية ج مهب ]لأباضية والحق أن تشجيع الأمويين القولَ بال جبر ليس راجعاً إلى أمر يتصل بالعقيدة بل يتصل اتصالاً حقيقياً بالسياسةء وذلك لأنهم يشعرون أنهم قد اغتصبوا املك من العلويين» وأن في هذا خطورة على دولتهم ما لم يُشعروا الجمهور بأن همذاقدر الله الأزلي الذي لا يمكن تغيبره. ومهم يكن من أمرء فإنه قد ظهر في عهد بني أمية من الآراء حول العقيدة ما يمكن أن يعد أساساً لأصول الفرّق الكلامية فيا بعك مشل (الجحبرية) و(المعتزلة) و(أهل السنة)ء وهؤلاء تناولوا هذه المسألة عى أساس عقلي جديد. ومبلغ علمي» أخهم ل حؤوا إلى هذا النوع من أسلوب التشدق العقلي لمجاراة الحياة بعد مرحلة الاختلاط بالتيارات والثقافات الوافدة من بلاد اليونان والفرس؛ء فقد كانت ثقافات صاخبة بألوان الفلسفة وال جدل المنطقي المنظم؛ فكان لابد من الإفادة من هذه الثقافات؛ واستخدام الأسلحة نفسها في المعارك الجحدلية التي عاش فيها المتكلمون. والحق أن علم الكلام قد استطاع أن يقيم صرح العقيدة الإسلامية على ركائز راسخة مدعمة بأقوی الحجج والأدلةء بل إن علم الكلام استطاع أن يقوم بواجبه كاملاً في مواجهة الفلسفات والتيارات التي كانت تتسلل إلى الإسلام في خفاء أو ي مواجهة صريحة » ومع هذا فإنه فيا يتعلق بهذه المسألة م يستطيع أن يقول الكلمة التي لا تساؤل معهاء أو يضع أيدينا على حل تطمئن إليه النفس وتقر به المين» بل إن علاء الكلام تنازعوا حوفهاء ولم يتفقوا فيها على كلمة واحدةء وما كان لحم أن يتفقواء إذ هي من المسائل الكبرى» وأعظمها تشعباً وتفرعاء وأكثرها إثارة للشبهة والحيرةء فإنها تتعلق بصفات الله تعالى وأفعالهء من الأمر والنهى والوعد والوعيدء وهي داخلة في خلقه وأمره وثوابه وعقابه. ' (1) انظر: كتابنا: ابن رشد وفلسفته الإحيةء ص541 طبعة الصفا والمروق 1997. أفعال العباد بين الإبر وا خْثيار 165 فهذه المسألة من الأمور المتشابهة التي يحسن فيها التسليم وعدم الخوض فيها لاستعصائها على الحل» وفي هذا يقول الدكتور عبدالحليم محمود: «إن مسألة القدر من المتشابه» بل إنها من أهم مسائل المتشابه» وهي فضلاً عن ذلك عصية على ال حل أبية على الاتفاق» إنها ليست قابلة للحل؛ سواء أشيرت في الشرق أو في الفرب» وسواء أثبرت في القديم أم في الحديث» أو أثيرت في البادية أو في الحضر؛ إنها مفرقة بين الباحثين فيهاء ومهم طال ال جحدل بينهم فسوف لا ينتهون إلى نتيجةء ومن أجل ذلك كانت الروح الإسلامية العامة تحرم الخوض فيها»”. ومهم يكن من أمر فإن هذه المسألة قد بدأت تتسلل شيئاً فشيئاً إلى المجتمع الإسلامي» حتى احتلت مركز الصدارة في الفكر الإسلامي» واتغذت شكلاً مذهبيا ختلفاًء وظهرت فيها الآراء وتضاربت» حتى كانت من أمهات المسائل التي ساعدت في نشأة علم الكلام وتكوينه» حيث قامت باسمها مدارس فكرية متميزةء وبقيت هذه المدارس نتنوع وتتعدد على مر الزمن. ومن هذا المنطلق وجدت المذاهب سبيلها إلى التعدد والتشقق بقدر ما وجدت هذه المذاهب التنافرة أدلتها التى تؤيد بها ما ذهبت إليه. فقال قوم : إن العبد خالق لأفعاله الاختيارية اتفاقاً مع التكاليف وما يترتب عليها من ثواب وعقاب» وذكروا مذهبهم هذا من الأدلة النقلية والعقلية ما يعضده. وقال آخرون“: إن العبد مجبور» لا سلطان له في شيء من أفعاله» موافقة منهم لبد انفراد الله تعالى (1) الإسلام والعقل» ص160-159. قارن كتابنا: القول السديد في أهم قضايا علم التوحيدء ص 375. )2( نعني بهذا القوم فرقة القدرية والمعتزلةء انظر: كتابنا: القول المبين» ص 0397-375 (3) نعني بهذا القوم (الجبرية) بزعامة جهم بن صفوان» انظر هذا اللذهب وأدلته في كتابنا: القول المبينء ص374-359. 166 العفائد الإيمائية ج مدهب ]أبلضية بالخلق والإيجاد وتوسط غير هؤلاء وأولعك فذهبوا" إلى أن الخلق لله تعال؛ والكسب للعبد. وهذه المذاهب رغم اختلافها حول هذه المسألةء إلا أنها اتفقت فيا بينها على أن الله واحد لا شريك له؛ وأنه الخالق المستقل بالق المستحق للعبودية› كا اتفقت كلمتهم عل أن الله خالق لذات اللإنسان؛ ك أنه الخالق لأفعاله الاضطرارية. وبعد هذه الإطلالة السريعة التي تعرضنا فيها لنشأة هذه المسألةء ومنشاً الخلاف حوفاء ننتقل بعون الله تعالى وتوفيقه إلى بيان مذهب الأباضية فيهاء فهو بيت القصيد هنا. مذھب الأباضیہ: يؤمن الأباضيون بالقضاء والقدرء وهو ركن من أركان الدين عندهم؛ وفي هذا يقول أحد علماء الأباضية وهو السالي: «ندين بأن الله تعالى خالق كل شيء ندين بأن القدر خيره وشره من الل وندين بأن الله خالق أفعال العبادء ومحدثها ومريدها»”. والإيان بالقدر خيره وشره أحد أركان العقيدة الدينية الصحيحة فهو الركن السادس من أركان الإييان؛ من أنكره يعد كافرا لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة. والنص على هذا الركن حدّث به المصطفى يَيٍء وأكده في الرواية شهورة حين جاء جبريل الل في صورة أعرابي» وأخذ يسأل النبي يَقة أمام ااصحابة عن حقائق الدين؛ وعلامات الساعةء فعندما قال جبريل للنبي يَأ : )1( نعني بهذا القوم فرقة الا شعريةء فهي التي توسطت في رأيها بين القدرية وال جرية. انظر: القول اين ص 425-398 01 َ )2( ججة أنوار العقول» ص4 3 1. أعال العباد بين الجبر وا خثيار 167 «فأخبرني عن الإيان» أجابه يَأ بقوله: «الإيان أن تؤمن بالل ملائكتهء وكتبه؛ ورسله» واليوم الآخرء وأن تؤمن بالقدر خيره وشره» فقال: «صدقت»”. والمقصود من الإيان بالقدر هو التصديق والإذعان بأن ما قضاه الله وقدرv‏ أي ما حكم به وقسمه وما أراده وعلمهء من خير أو شرء ومن حلو أو مر انما هو من عنده تعالى» والاعتقاد بأن كل شىء يجري بتقدير الله ومشیئته؛ وأن ما شاء الله كان» وما لم يشا لم يكن... وعلى العبد أن يرضى؛ لأن ما أخطأء م يكن ليصيبه» وما أصابه م يكن ليخطئه» والاعتقاد بأن القدر هو سر الله في خلقهء ولم يطلع عليه ملك؛ ولانبي ولا ولي لأن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامهء ونهاهم عن مرامه”. والأباضية فيا ذهبوا إليه من إييان بالقضاء والقدر م يخرجواعن الروح العام للإيان جمهور المسلمين» فهم يؤمنون بأن كل ما ظهر وجوده بعد عدمه من أصناف الخلائق ئي ملك الله تعالى› فقد سبق به قضاؤه وقدره لا راد لقضائه ولا معقب لى والقضاء ك) يعرفه الأباضية هو: عبارة عن وجود الأشياء في اللوح المحفوظ إجالا. والقدر هو: أن الله تعالى علم مقادير الأشياء قبل إيجادهاء ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته”. ويعرف القلهاتي القدرء بالتقدير والتقدير يعني العلم» «فالقدر علمه تعال؛ والقدر فعل خلقه؛ والمقادير من الله تعال». (1) الحديث رواه الإسام البخاري؛ كتاب الإييان؛ (1/ 114). والإمام مسلم كتاب الإيان؛ (1/ 160-157). (2) العقيدة السلفية بين اللإمام أحد بن حنبل والإمام ابن تيميةء د. السيلي» ص 105. (3) قناطر الخيرات (1/ 205) بتصرف. (4) معام الدين› (2/ 8 9). (5) شرح القصيدة النونية للمصعبى» ص150. (6) الكشف والبيان (1/ 249-248). 168 العذائد الأيمائيڈ ‏ مهب ]لأ باصي والرضا بالقضاء عند الأباضية أصل الطاعةء فإن القبول والعزم على امتثال ما أمر الله به وسكون النفس إلى قضائه وقدره» وترك السخط عليهء نظراً إلى أن في قضائه حكمة عظيمة ومصلحة جليلةء لكنها خفية عليناء وقد حث الله تعالى العباد على الرضا به» وفي ترك الرضا بالقضاء والقدر آفة عظيمةء وهي اكتساب سخط الرب عز وجل . ومذهب الأباضية في أفعال العباد قريب من مذهب الأشاعرةء فالسنالي وهو من كبار أباضية المشرق يقول: «ذهب أهل الاستقامة - يعني الأباضية - إلى التوسط بين الحالين - أي حال الجبرية والمعتزلة - فقالوا: إن أفعال العباد خلق لله تعالى› وهي لنا اکتساب؛ فنشاب ونعاقب على اكتسابناء لا على خلق الله أفعالناء بدليل قوله تعالى: #لهاماكسيت ولام اكبتٌ € [البقرة:286] فالآية صريحة في إثبات الكسب والاكتساب ا»”. وقد أكد هذا المستشرق (ألفونسو نلينو) وهو بصدد بيان الصلة بين مذهب المعتزلة ومذهب الأباضيةء فبعد عرضه لنقاط الاتفاق قال: «إلا أن هناك مسألتين اختلف فيه) مذهب الأباضية في شال إفريقيا عن مذهب المعتزلةء أولاهما تتعلق بال حكم على مرتكب الكبيرةء والأخرى هي مسألة (القدر وحرية العبد في أفعاله)». فالعتزلة يقطعون بحرية العبد بينم يقول الأباضية - في شال إفريقيا - بالحرية المحدودة في صورة (الكسب) أو (الاكتساب) عند الأشاعرةء ويؤكدون لمبداً القائل: «بأن الله خالق أفعال العباد وحدثها ومدبرها». )1( معام الدين› (2/ 97). (2) مشارق أنوار العقولء ص312. أيضاً: العقود الفضيةء ص287. أيضاً: الملل والتحل؛ (1/ 135). (3) بحوث في المعتزلة مقالة عن الصلة بين مذهب العتزلة ومذهب الأباضية للمستشرق ألفونسو نلينوء ضمن محموعة التراث اليوناني ي الحضارة الإسلاميةء ص 207. مال العباد جين الإبر وا خثيار 169 ويثبت الأباضية أن الله خالق أفعال العباى لأنه تعالى خالق›» وما سواه غلوق؛› قال تعالى: ¥ لق ڪل َء [الأنعام:102] والأفعال شىء موجود؛ فثبت أنها خلوقة لأن تحرج الآية عموم... وسئل الإمام علي بن أبي طالب عن أعال العباد التي يستوجبون بها النار: أهي شيء من الله أم شيء من العباد؟ فقال: «هي من الله خلق» ومن العباد عمل . ويؤكد شيخ الأباضية المتأخرين (الثميني) على أن الله هو الموجد لأفعال العباته من غير تأثير لقدرتهم فيهاء بل هي موجودة مقارنة اء خلافا للمعتزلة في دعواهم أنها هي المؤثرة في أفعالحم على وفق اختيارهم؛ ولا تأثير للقدرة القديمة أصلاً في تلك الأفعال الاختيارية”. وبهذا القول فقد خالف الأباضية المعتزلة فيا ذهبوا إليء وهم أقرب تجا إلى ما ذهب إليه الأشاعرةء فقد وافقوهم في موضوع الاستطاعةء فقالوا: إن الاستطاعة عرض يخلقه الله في الإنسان؛ يفعل به الأفعال الاختياريةء والاستطاعة عندهم وعند الأشاعرة مقارنة للفعل ”٠ فالأباضة نظروا إلى موضوع (أفعال العباد) من زاويتين» الأولى: ما تعلق بالفعل من جهة الخلق» أي الإيجباد والاختراع› وهي لله تعالى وحده. والثانية: ما تعلق من حيث إضافة الفعل للعبد اكتساباء ومن هذا التعلق تكون قدرة العبد في الفعل» أي إن الله تعالى يلق الفعل للعبد حال اختيار العبد للفعل وتوجيه القدرة إليه لاكتسابه» فالله تعالى موجد» والعبد كاسب"» والقدرة الحادثة تؤثر في الأفعال ہے (1) الكشف (1/ 274-273). (2) معالم الدين› (1/ 1 26). (3) مشارق أنوار العقولء ص24 3. )4( بهجة أنوار العقولء ص1 14. مقالات الإسلامين› (1/ 187). 170 العذائد الأيمائية ك مهب الأباضية ولكن لا على سبيل الاستقلال» كا تقول المعتزلةء بل على أقدار قدرها الله تعال› بمعنى أراده”. وفي مذهب الأباضية يجب على المكلف أن يعتقد أن الله تعالى خلق العباتء وخلق أعمالحم وخلق الثواب والعقاب عليهاء وأنهم اكتسبوا أفعالحم› عملوها ولم يجبروا عليهاء ولم يضطروا إليهاء والقدرة أو الاستطاعة الحادئة للعبد تتعلق ببعض أفعاله كالصعود دون البعض كالسقوط» فيسمى أثر القدرة الحادثة كسباًء أي إن لقدرة العبد وإرادته مدخلا في بعض الأفعالء كحركة البطش» دون بعض کح ر كة الارتعاش ” ومع ذلك فإن هناك خلافاً في (مذهب الكسب) هذا بين أباضية جبل (نفوسة) وبين الآخرين» ولكنه خلاف ضئيل تعرض له (عمر الثلائي الأباضي) حيث قال: «بل لحم - أي العباد - في الأفعال اختیار وکسب کا هو غتار اهل لغرب من أصحابناء والذي عليه أهل جبل نفوسة أن الله تعالى جبل وطبع عباده عل فعل ما علم حصوله منهم قبل أن يُلقهم؛ کا قال ابن عباس رضي الله عنهماء فهم منقادون لفعل ما علم الله حصوله منهم وماشون على ما في کتابه؛ لايصدر منهم خلاف ما علم الله صدوره منهم؛ وهذا هو الحق الذي عليه مشايخ الجبلء والذي عليه أهل المغرب من أصحابنا هو هذا أيضاء إلا أنهم أثبتوا للعباد الاختيار› ونفوا عنهم الحر». وواضح ما سبق أن الأباضية في مسألة أفعال العباد يلتقون مع الأشعريةء ويعارضون مذهب الجبرية وامعتزلة فقد استحسن الأباضية مذهب الأشاعرة في نظرية الكسب واعتقدوا صحته؛ ودافعواعن وعذوه أنقى الملذاهب»”“› يؤوكد (1) معال الدين› (1/ 3-262 26). (2) المصدر السابق (1/ 267-266). أيضا: الموسوعة الميسرة» ص16. (3) بحوث في المعتزلةء مقالة عن الصلة بين مذهب العتزلة ومذهب الأباضية ضمن مجموعة التراث اليوناني» ص8 20. (4) معالم الدين› (1/ 3 26). أفعال العباح بين الإبر وا خثيار 171 ذلك قول المصعبي: «إن أهل الحق - يعني الأباضية - قالوا: إن كل مخلوق يصدر منه فعل اختياري كسب لأفعاله الاختياريةء ألزم الله تعالى بسببه عبده فعل ما فيه كلف ولم يكن العبد مؤثراً في المقدور تأثير اختراع وإيجاد». هو نفس ماقاله الأشعرية في هذه المسألة. الواقع أن الأبحاث الدينية حول هذه المسألة قد نشأت عندما نظرالإنسان فرأى أنه من ناحية يشعر بآنه حر الإرادة يعمل ما يشاء وأنه مسؤول عن عمل وهذه المسؤولية تقتضي الحريةء وإلا ما كان هناك معنى لإثابته أو عقابه» ومن ناحية أخرى رأى أن الله عالم بكل شيء أحاط علمه با كان وما سيکون؛ فعلم ما سیصدر عن کل فرد من خير أو شر وهذا يؤدي بالتالي إلى القول بعدم وجود قدرة للإنسان إلا على وفق ما علم به. ويصور القرآن الكريم الإنسان مسيراً تارةء وغتاراً في أفعاله تارة أخرىء وهذا قد جعل المسألة - كا يرى ابن رشد - من أعوص المسائل الشرعيةء وذلك أنه إذا تأملت دلائل السمع في ذلك وّجدت متعارضةء وكذلك حجج العقول أما تعارض أدلة السمع في ذلك فموجودة في الكتاب والسنّةء أما في الكتاب فإنه تلقى فيه آيات كثيرة” تدل بعمومها على أن كل شيء بقدر» وأن الإنسان جبور على أفعال وتلقى فيه آيات كثبرة” تدل على أن للإنسان اكتساباً يفعلهء وأنه ليس مجبوراً على أفعاله› ولانعدم أن نجد هذا التعارض في الأحاديث النبوية” ٠ )1( شرح العقيدة التونيةء للمصعبي؛› 1 15. (2) انظر: الآيات القرآنية في سور: القمر آية 49ء الرعد آية 8 الحديد آية 22. (3) انظر: الآيات القرآنية في سور: الشورى آية 32-1 البقرة آية 286 الزلزلة آية 8ء آل عمران الآية 165 النساء آية 79. (4) مناهج الأدلة ضمن مجموعة فلسفة ابن رشد؛ تحقيق: مصطفی عمران؛» ص134 )5( الصدر السابق› ص 135. 172 العفائد الأيمانية ك مطهب ]أ باضية ونحن من جانبنا لا نتفق مع هذا الرأي القائل: إن منشاً الخلاف هو التعارض في النصوص الشرعيةء إذ الأمر ليس كذلك» فالموضوع من الأهمية بمكان؛ ولابد من نظرة شاملة إلى التصوص» لأن الله تعالى يستحيل عليه أن يُنزل قرآناً يعارض بعضه بعضاًء وإنما قصر الفهم لدى الإنسان جعله ينطلق إلى هذا التقسيم وإثبات التعارض» أما من أراد النظرة الشاملة التكاملية في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفةء فإنه يصل إلى نتيجة تخالف هذا التقسيمء وهذا التعارض. فالجبر الذي تنطق به الآيات والأحاديث؛ إن يتجه للجانب الجبري من حياة الإنسان؛» فالإنسان له جانب جبري» وجانب اختياري» والآيات تتناول علاقة الإنسان بربه» من حيث هو إله ورب كل شيء قال تعالى: # ولِه مف اموت والرض كل لَه مينوي ©) 4 [الروم:26]» فالآية الكريمة تعتبر كل من في السموات والأرض قانتاً لله تعالى» ولا يتنافى ولا يتعارض مع كون الإنسان مختاراً ي حالات وجوانب أخری. فالكافر وإن كان عاصياً لله تال وفاسقاً عن أمره صدوراً عن الجانب الأختياري ني حياته فإنه خاضع له وقانت له ومجبور ومسير لقدرته ومشيئته تعالى صدوراعن الجانب الجبري» حيث إنه يعيش بنفس الناموس والطبيعة التي رادها الله له لذلك فالتعارض الذي أثير يتلاشى أمام الحقائق القرآنيةء إذا كان هناك تدبر وتفكر» إن المْرَق المتنازعة كانت تضرب كتاب الله بعضه ببعض عن جهل أو سوء قصد وتوهم» بينم آيات الله الكونية والقولية لا تتعارض مطلق. فمسألة القضاء والقدر» أو الجبر والاختيار يجب أن تكون عامل لقاء ووحدة بين جميع المسلمين؛ لأن المنهج واحدء يؤمن به جميع المسلمين؛ والاختلاف بين اللسلمين في رؤية هذه المسألة ناتج عن الزوايا المختلفة التي ينظرون من خلالما إلى )1( كتابنا: ابن رشد وفلسفته الإهية؛ ص 547-546. أخعال العباد بين الإبر وا خثيار 173 هذه المسألةء لذلك وإن اختلفت الآراء حول هذه المسألةء لابد من إطاريحوي يع هذه الآراى ضمن ما يحمله منهج الله تعالى. فالذي يتصفح المذاهب في مسألة (أفعل العباد) لا يسعه إلا رفض مذهب الجر الملحض رفضاً تام فإن هناك فرقاً واضحاً بين الإنسان والحيوانء وهذا الفرق هو العقل الذي كرم الله به بني الإنسان» وعليه مدار التكليف» ك أن هناك تفرقة ضرورية بين الفعل الاختياري» والفعل الاضطراري» والعقل والاختيار هما أساس اللسؤولية الشرعيةء وهذا الأساس تقوم عليه حرية الإنسان في الترك والفعل. فاللذهب الجبري ظاهر البطلان والفساد لمخالفته النصوص المحكمة ولآنه لو لم يكن للعبد فعل اختياري أولا ا صخ تكليفه» مع أنه مكلف بالعبادات» ولا ترتب استحقاق الثواب والعقاب على أفعالهء مع أن استحقاق الشواب والعقاب على العمل ثابت بالنصوص القطعيةء ثم إن إنكار القدرة والإرادة والاختيار في جميع أفعال العباد إنكار ما هو بديهي بالوجدان. وأما تعلق علمه تعالى وإرادته بفعل العبد أزلاً لا يجعل العبد جبورا في أفعالف ولا يسلب قدرته وإرادته» لأن صفتي العلم والإرادة ليستا من صفات التأثير بل الله تعالی قد علم أز لا أن العيد يختار أفعاله فرجحت إرادته تعالى أزلاوجود الأفعال في لا يزالء وما تعلقت قدرته تعالى بأفعال العبد إلا بعد علمه تعالى أن العبد يجختارها ويصمم عليه فعلم الله تعالى - أزلاً هذه الأفعالء وأن العبد يكون نختاراً فيها - حقق لاختيار العيد لا سالب له . كما نرفض قضية (لا قدر والأمر أنُف) التي قالت بها القدرية الأولى» فإن علم الله تعالى لا يعزب عنه شيء وهو حيط شامل غير مکتسب» ولا یسبقه خفاء ولا يعتريه جهل؛ ومع ذلك فهو انكشاف لا تأثير والإنسان وسط هذا الكون ليس (1) كتاينا: القول البين؛ ص 427. 174 | العفائد الأيمائية ج مهب ]أ باضية مطلق السراح» يمن على الوجود؛ ويسيطر على الكائنات؛ بل هو حکوم بنوامیس ثابتة حوله تحيط بهء وتقع عليهء ويسير ئي فلكهاء فالليل والنهارء والصيف والشتاء والشمس والقمر والنجوم... إل كلها غلوقة لله تعال» مسيرة بإرادته» لا ينشفك عنها الإنسان» وجيع هذه الأمور ليس يكلف با الإنسان ولن يحاسب عليهاء ولا يعتريه مدح أو ذم بسببه» فهي خارجة عن نطاق المسؤولية الإنسانية. أما التكليف والأمر والنهي» والشرائع والأحكام فهي وحدها التي يقف الإنسان حيالما تارا يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء با منحه الله من طاقات؛ وما هيأ له من أسباب» وما مكن له من قوى» وقد أراد الله تعالى للإنسان هذا الموقفء وكلفه على هذا الأساس» وفي كلا الحالين أمام التكليف الشرعي بالإيمان أو الكشر والطاعة أو المعصيةء لا يخرج عن المراى لأن الله تعالى قد منحه الحريةء ولو شاء الله سلبها منه ما منعه أحد لكنه جل شأنه لم يشأ للإنسان الجبر المحض» وعلى هذا يجب علينا أن نفرق بين القضاء الكوني الجبري» والقضاء الشرعي الاختياري› فتحن مطالبون بالشرعي منه؛ وليس الكونيء» فإنه خارج عن نطاق التكليف الشرعي للإنسان”. وأما المعتزلة: فقد أجمعوا على أن الخالق لأفعال العباد الاختيارية هم العبادء ولم تتعلق بها قدرة الله تعا ى بل الله أوجد العبد وخلق له قدرة وإرادةء فإذا أراد العبد فعلاً أوجد فعله بقدرته» وعللوا ذلك بقوهم: إن العبد لو ل يكن موجداً لأفعاله بقدرته ما كلف بها وأثيب وعوقب عليهاء لأن الإنسان لا يكلف بفعل غير ولا يثاب ويعاقب على ما م تتعلق قدرته بوجوده» لكنه كُلّف بہا وأثيب وعوقب عليها. )1( کتابنا: القول اللين؛ ص 462. وهدف المعتزلة من هذا القول هو إثبات الكل له تعالى؛ وتنزيهه عن كل نقص» وقد رأوا أن أفعال العباد فيها الظلم والشر ورأوا أن الله تعالى لو فعل الظلم كان ظال ولو فعل الشر كان شريراء وهذا محال على الل لأنه كامل غاية الكےال؛ ورأوا أن العدالة تقتضي أن يكون العباد هم المحدثين لتصرفاتهم والخالقين لأفعاشم تحقيقاً بدأ الحريةء الذي على أساسه تصح التكاليف وتقوم المسؤوليةء ويكون الثواب والعقاب والمدح والذم. والخطاً الذي وقع فيه المعتزلة: هو قياسهم أفعال الله على أفعال العبادء وهو قياس للغائب على الشاهد وهذا القياس فضلاً عن أنه قياس فاسد في باب (العقائد) فإنه قياس مع الفار ق إِذ إن العباد واقعون تحت شريعةء فقياس أفعام بمدى مراعاتهم أو محالفاتهم لتلك الشريعةء وليس كذلك الل إذ ليس فوقه مبيح أو ‎Ao‏ مڪ ‎o 4 A o‏ س ‏حاظر» ولقد صدق الله إذ قال: # لايل عم يفعل وهم لو )4 [الأنبياء:23]. ‏فمذهب المعتزلة إذن غير جدير بالقبول» لا فيه من الشططء والغلو ي حرية الإرادة الإنسانيةء فمذهبهم هذا يقضي لا محالة إلى إنكار تدخل الإرادة الإلهية في فعل العبد. ‏وأما الأشاعرة: فقد حاولوا أن يقفوا موقفاً وسطاً في هذا الأمر إلا أن التوفيق لم يحالفهم فهم يقولون: إن أفعال العباد الاختيارية محلوقة لله ومرادة له ولا تأثير لقدرة العباد في وجودهاء وإنم هم فيها جرد (الكسب))؛ والكسب عندهم - باستثناء ال جحويني - هو مقارنة قدرة العبد للفعل من غير تأثير لما فيه فهو أمر اعتباري لا وجود له فإن قلت لمم: فالله تعالى يخلق الكسب والعبد يفعل الفعل عن طريق الكسب استقلالا؟ قالوا: لا. إن الله يخلق الكسب ويخلق الفعل؛ إذ « لا تأثير للعبد بوجه ماء لا على الاستقلال ولا على المشاركة»" ٠ ‎___ ‏(1) كتابنا: القول السديت ص 1-440 44. ‎ ‎ 176 العذائد الأيمائية ك مهب الأباضية «ونرى أن الأشاعرة القائلين بهذا الكسب ل يضيفوا شيئاً إلى قول الحبريةء فهو في حقيقة أمره قول بال جير وإن جعلوا الكسب وسيطاًء لمحاولة إیباد حرج من لازم قوشم . فهذا الكسب الذي يرى الأشاعرة أنه من العبك ولكنه مخلوق مع هذاحين العمل مع العمل نفسه؛ ليس له أي قيمة حقيقيةء بمعنى أن هذا لا يجعل للإنسان وقدرته أثر حقاً في إصدار الفعل؛ ما دام الكل - الفعل وقدرة العبد المسياة بالكسب - بخلق الله تعالى وحده ولأن فكرة الكسب هذه فكرة غامضة خفيةء اضطر الأشاعرة إليها لحل مشكلة العمل بين الله والإنسان؛ إلا أنها لا تقتع العقل غير المتعصب لذهب خاص» جاء في المثل: أخفى من كسب الأشعري «دلالة على أن هذا الشيء مضرب الثل» خفي لا يكاد يدرك أو يُفهم»”. وأما الأباضية: فهم يرون أن أفعال الإنسان خلق من الل واكتساب من الإنسان» وهم يقفون موقفاً وسطاً بين المعتزلة والجبريةء وهم هنا يتفقون مع الأشاعرةء وهذا المذهب ل يرق كثيراً من العلماء لعدم وضوحه. «والذي نراه ي هذه المسألة: أن كل فعل اختياري للإنسان فيه فعل للإنسان وفعل لله تعالى» وهذا لا يقتضي شركة بين العبد والرب» فالرب هو الخالق ل جميع الأشياء والإنسان حينا يشكل الادة الملخلوقة تشكيلاً جديداء لا يلق مادة جديدة وإنا يستفيد من المواد التي خلقها الله تعالىء وهذا هو الذي ميّز الإنسان عن كل من على ظهر الأرض من الكائنات ثم من الذي أبدع هذا العقل وخلقه لا ريب أنه هو الله ذو القوة والعزة والعلم اللامتناهي. )1( المعتزلة بين القديم وال حدیثٹ؛ د. محمد العبد وطارق عبدالحليم ص59 طبعة دار الأرقم› القاهرة› 17. (2) القرآن والفلسفةء د. محمد يوسف موسى» ص14 1ء دار المعارف» 2 198. أعال العباد بين انعبر وا خاو 177 فالإنسان ليس حبرا جبراً حضاء وإلا لبطلت التكاليف» وبطل الشواب والعقاب من اللهء وكذلك ليس حرا حرية مطلقةء كما يدعي (المعتزلة) وإلا كان إِهاً في الكونء ومسيطراً على أفعاله كلهاء ولكن الإنسان متوسط بين الجبر والاختيار فهو يحبر ي تحديد عمره» وي مقدار طوله ولونهء وفي مقدار الذكاء الذي يعطاء من الله تعالى» وفي البيثة التي ينشاً فيهاء وهو مختار في الأعال التي كلفه الله تعالى بها كالإيان بالله وملائكته ورسل» وكتبه واليوم الآخر والصلاة والزكاة والحج؛ء والانتهاء عن فعل المحرمات. فالإنسان في الأفعال التي كلفه الله تعالى بها يشعر بأنه غير فيهاء يستطيع أن يفعل وأن لا يفعل بإرادته الحرةء فإذا أكره على شيء وفقد هذه الحريةء رفع عنه التكليف»". فالإسلام الذي جعل الوسطية الجامعة أخص خصائص منهجه قد نبعت وتنبم فلسفته في حرية الإنسان واختياره من وسطية مكانة هذا الإنسان في هذا الوجود فلا هو سيد هذا الوجود» حتى تكون حريته مطلقة فيه ولا هو الحقير اللتلاشى الذي لا خلاص له إلا بالفناء في الكل أو المطلقء حتى يكون الجبر المطلق هو قدره في هذا الميدان» وإن| هو الخليفة الذي استخلفه الله لحمل أمانة الحرية والاختيار» حتى يصح تكليفه بتبعات حملهاء وحتى يكون حسابه وجزاؤه على ما قدمت يداه عدلاً لائقاً بذات الله تعالى العادل» فلا بد لذلك من أن يكون حرا تارا لكنها حرية واختيار الخليفة والمحكوم بالنظام الأعظم الذي خلقه خالق هذا الوجود فهي الحرية الوسطء والاختيار الوسط بين مطلق الجبرء ومطلق الأختيار› وبہذا للعيار نستطيع أن نزن قدر الحرية الإنسانية وبهذا المنظار يجب أن نرى آفاق الاختيار الإنساني في تلف الميادين ”. ہے (1) كتابنا: القول السديك ص4 5-44 44. | )2( كتابنا: إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية ص 285-284 طبعة المطبعة العربية الحديثةء نقلاعن صوت الأزهر مقال بعنوان: (الإنسان بين الجبر والاختيار)» د. محمد عمارة العدد 151٠ 178 العفائد الأيمائية ‏ مهب ]أباضية ومعنى هذاء أن أفعال الإنسان ليست اختيارية تماما ولا جبرية تماما إنر) هي تجمع بين الاختيار والجبر في آنٍ واحد لأنها تتوقف على عاملين هما: إرادتناء والأسباب أو العوامل الخارجيةء وهذه العوامل تتبع نظاما عاما مطردا لا يختلف؛ وهذا النظام العام هو ما نسميه في عصرنا الراهن ب (الحتمية الطبيعية)» غير أن هذه الحتمية ليست حتمية مطلقة صارمة في نظرناء بل هي تفسح ئي صدرها جانبا للإرادة الإنسانيةء وذلك لأن هناك نوعا من التضامن بين الأسباب الخارجية والأسباب الداخلة”. وهذا الحل ذه المسألة يعد من أسلم الحلول» إذ هو يتفق مع العقل والدين› أما العقل فلأنه يقرز ما يؤكده العلم الحديث من وجود قوانين ثابتة مطردة وأما الدين فلأنه يحل لنا مشكلة الثواب والعقاب والتكليف | يطاق”. هذا هو مقام الحرية الإنسانية في المنهج الإسلامي» لكنها كا أشرنا «حرية الخليفة المحكوم» - في الفعالية والنطاق - بالقدرة والاستطاعة التي ركبها الخالق الأعظم في هذا الأنسان؛ وبنطاق وحدود وآفاق عهد الإنابة والتوكيل والأاستخلاف فهو لن يستطيع تجاوز نطاق فعل القدرات المخلوقة له كا لا تستطيع ذلك الأسباب المخلوقة في الطبيعةء ولا ينبغي لحريته أن تتجاوز بفعله نطاق عهد الاستخلاف. فالآيات التي تسند الفعل إلى الإنسان تتحدث عن الواقع المشاهد الملموس في هذا العام وهو أن الفعل مسند إلى الإنسان باعتبار قيامه به؛ واعتبار نيه وعزمه وتصميمه على فعلهء والآيات التي تبين أن الله تعالى هو المتصرف الوحيد في هذا الكون» وأنه أراد كل شيء فيه» ولا يشاء أحد شيئاً إلا أن يشاء اللهء فهي تقرر ال حق المطلق الأعلى لله تعالى في الإيجاد والفعل؛ والتصريف والتدبير» وفي القدرة على )1( ابن رشد وفلسفته الدينيةء د. محمود قاسم ص176› طبعة الإنجل› 1969. (2) مناهج الأدلة لابن رشد تحقيق: د. محمود قاسم ص229 طبعة الإنجل 1969. أفمال العباد بين الجبر وا خذيار | 179 التغيير والتبديل» وفي القدرة على تعطيل خصائص الأشياء وهذا حق لأنهەمن شأن الألوهية وحقوقهاء وهي لا تتعارض مع الآيات التي تسند الفعل إلى الإنسان لأن الإنسان قدرته حدودة» وهي ممنوحة له من الله تعالى؛ فيستطيع الله تعالى أن يسلبها منه» أو أن يوقف عملها متى أراد والله قدرته مطلقة ولا تحد بحدود فلا شك أن كل شيء في ميدان قدرته المطلقة ما دام من آثار فعله. والعقيدة السليمة في هذه اللسألةء هي أن يفوض اللإنسان منا الأمر فيها إلى الله تعالى وحده ويعتقد أنه الواحد المنفرد بالق القادر على كل شىء وسر هذه السألة يعلمه الله تصال» ويدع هذه البحوث العقيمة التي أثارها الفلاسفة والمتكلمون. فالواجب علينا إذن التسليم والانقياد في المسائل التي لا يمكن أن تصل إليها عقولنا إلى ما جاء به الشرع» فللعقل الإنساني نقطة يقف عندهاء فإذا تجاوزها كان كاذباً فيا يقول» ومسألة القدر هذه من المسائل التي يفضل فيها التفويض وعدم الخوض» إذ لا حاجة للبحث فيها خارج الشريعةء لأن البحث فيها لا يأقي بثمرة. تمهید إن مبحث النبوة في ال جانب العقدي يعد من المباحث الامةء لأنه عن طريق النبوة يكون الدين الحق الذي يوحيه الله تبارك وتعالى إلى رسله؛ ليبلغوه إلى أقوامهم› حتى لا يقصروا في عبادة رهم بحجة أنه ما جاءهم من بشیر ولا نذیں ولثلا يتنكبوا الطريق فينكروا وجود الله تعالى واليوم الآخرء وما يشتمل عليه من مور غيبيةء كال حساب والجحنة والنار... إل بسبب وسوسة الشياطين» وإلقائهم ph CAS ore oR 2e الشبه ئي عقول الناس» قال تعالى: # كان الاس امه دة بعت أله اليس ميركت ‎Arse‏ و نه کلت ‏ومنذرين وأنرل ممه اكب باحق حك الَا مايه فيه وما تلف فيهال الب ووه ن بمدماجاء ته دالت باتهم فهدىاسَداأَرے ماموم الح بدي وال بهدی من يشا آل رل مسقم 4)0 [البقرة:213]. ‏إن الرسل الكرام - عليهم السلام - هم الذين تلقوا من خالقهم عن طريق لوحي ما يدي الناس إلى الصراط المستقيم» وقد بلغ الرسل ما كلضوا بتيليضه إلى الناس بكل صدق وأمانة ونشاط وإخلاص؛ وعلموهم مال حم من حقوق وما عليهم من واجبات» وبشروهم بحسن العاقبةء إذا أحسنواء وبسوء ال مصير إن أساؤواء وكان الرسل في كل أمة هم المرجع لغيرهم عند الحيرةء وهم الحداة لحم إلى الطريق القويم في أمور الدنيا والآخرةء لذا كانت حاجة الناس إليهم ضرورية دون أن يختلف في ذلك عاقلان. 182 العفائد اأيمانية ه مهب ]أ باضية فبعثة الأنبياء كما يقول الشيخ محمد عبده: «من متممات كون الإتسانء ومن أهم حاجاته في بقائهء ومنزلتها من النوع كمنزلة العقل من الشخص؛ نعمة أتمها الله لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل»"". ومن هنا كان للنبوة دورهاء إذ هي طريق موصل إلى الله تعالى أوضحه الله للناس» وأمر رسله بإبلاغهم بمضمون ذلك الطريق» وكيفية سلوكه؛ والعقل البشري هو الذي يصدق النبوة ويسلم ب جاءت به من موضوعات الإيان» سواء كانت تكاليف شرعية» أو أموراً سمعية تختص بعالم الغيب. وإذا كانت حاجة البشر إلى النبوة والرسالة ماسة وضرورية فا هو مفهوم النبوة والرسالة في اللغة والاصطلاح؟ النبوة في اللغدّ جاء لفظ (النبي) في اللغةء على وجهين: مهموز؛ وغير مهموز. فالمهموز مأخوذ من (النبأ): بمعنى الخ وامناسبة أنه يخر عن الله تعال» فهو على هذا فعيل بمعنى فاعل» والأصل فيه الحمز. وقيل: مأخوذ من (نباً) من مكان كذا إلى مكان كذاء إذا خرج مته والمناسبة أنه ما جاء نبي بشريعة إلا عاداه قومه وأخرجوه» وهو على هذا أيضاً فعيل بمعنى فاعل» ويجوز أن يكون بمعنى مفعول» أي منباً بالغيوب. وعلى هذا فالبي من اختاره لله تبارك وتعال» ليبلغ خبره إلى عباده» بعد تلقيه عن طريق الوحي. وغير المهموز: مأخوذ من النبوة: وهو ما ارتفع من الأرضء يقال: نبا الشيء إذا ارتفع» فالنبي على هذا هو الرفيع المنزلة عند الله تعالى» أو هو مرتفع عن طور (1) الأعمال الكاملةء للإمام الشيخ محمد عبده» تحقيق: د. محمد عيارة (3/ 427)› طبعة دار الشروق. فارن: رسالة التوحيد؛ للشيخ محمد عبد ص99 دار المعارف. النبوة 183 البشرية باختصاص الوحي؛ وخطاب الله تعال؛ وهو على هذا فعيل بمعنى. مفعول”". وقيل من النبي» وهو الطريق؛ لأنه وسيلة إلى الله تعال”. النبوة في الاصطلاح: هي اختصاص العبد بساع وحي من الله تعالى بحكم شرعي تکليفيء سواء أمر بتبليغه أم لا. والرسالة: هي اختصاص العبد بسياع وحي من الله تعالى بحكم شرعي تكليفي» لكن بشرط أن يؤمر بالتبليغ”. وقيل إن الرسالة: هي سفارة بين الله تعالى وبين ذوي الآلباب من خلیقتهء لیزیح بہا عللهم فيا قصرت عنه عقوم من مصالح الدنيا والآخرة“. من خلال تعريف النبوة والرسالةء فإن الفرق بينها واضح؛ وهو أن الرسول أمر بتبليغ ما أوحي إليهء والنبي ¿ يؤمر بذلك» وعلى هذا الأساس فإن النبي أعم من الرسول» والرسول أخص من النبيء فكل رسول نبي ولیس كل نبي رسولا. وهذا التمييز بين النبي والرسول قالت به الأباضية وغيرها من الفْرَّق حيث يقول شيخ الأباضية المتأخرين: «وعليه أصحابنا والأكثرون»”. (1) لسان العرب» لابن منظور (1/ 163))› مادة نبأ طبعة دار صادر بيروت. قارن: القاموس المحيطء (4/ 395). المعجم الوسيط (2/ 2-931 93). غتار الصحاح للرازي» مادة (نبأ)›» ص2 66ء طبعة القاهرة. (2) المواقف؛ لعضد الدين الأيجىء ص327 طبعة المتنبي؛ القاهرة. (3) تحفة المريد على جوهرة التوحيدء للشيخ إبراهيم البيجوري؛ ص152 طبعة المطبعة العربية الحديثة 1977. (4) شرح العقائد النسفيةء لسعد الدين التفازاني» تحقيق: د. السقاء ص5 8ء طبعة مكتبة الكليات الأزهرية 1407 ه. قارن: أصول الدين للبغدادي» ص154» طبعة دار الأفاق› بروت؛ 1980. (5) معالم الدين› (2/ 50). 184 العفائد الإيمائية ج مذهب ]لأبلصية ` الرسالت: هبح أم مکكتسبہ: النبوة منزلة جليلة ساميةء ودرجة رفيعة عاليةء لا ينالها إلا من هو أهل لماء مهن صفت نفوسهم واختصهم ربهم بإسناد هذا الشرف الرفيع إليهم» لذا فقد ذهب أهل احق إلى القول بأن النبوة لا تنال بالاكتساب أو بمباشرة الأسباب» وإنما هي منحة وهبة من الله تعالی؛ يختص بہا من یشاء ویمنحها من یرید قال تعالی: واه ص ميو من ياء واه دُو الْمَضَل اَلْعَظِيو )ك [البقرة:105]. ويقول: اديص ى م السار ے الَا [الحج:52] وإلى هذا المعنى أشار س صاحب الجوهرة فقال: وإتكرن نبوةمكتسبة ولورقى في الخير أعلى عقبة وبناءٌ على هذا فالنبوة منحة من الله عز وجل؛ وخصوصية منه سبحانف ومرتبة هكذا شأنهاء لا يمكن للإنسان أياً كان أن يكسبها مه بلغ من عبادة ربه» ومجاهدة نفسه؛ وي هذا يقول الأمدي: «ليست النبوة معنى يعود إلى ذات من ذاتيات النبي» ولا إلى عرض من أعراضه؛ استحقه بكسبه وعمله... إن هي موهبة من الله تعالل» ونعمة منه على عبده» وهو قوله لمن اصطفاه واجتباه: إنك رسولي :( )2( رسي . وذهب الفلاسفة إلى القول بأن النبوة إنما تنال بالكسب والانقطاع إلى الله تعالى با خلوة والعبادة» حتى تصفو النفس وتتجرد من علائق المادة بحيث يكون لمذه النفس اطلاع على الغيبيات» وقدرة على الإتيان بخوارق العاداتء ورؤية الملائكة (1) تحفة امريد على جوهرة التوحيدء ص153-152. (2) غاية المرام في علم الكلام للآمدي؛ تحقيق: أ. حسن عبدالمطلب» ص317 طبعة المجلس الأعلل للشؤون الإسلامية. النبوة 185 بصورة محسمة محسوسة لتسمع منهم كلامهم فإذا اجتمعت هذه الأمور الثلائة في شخص نال الرسالة. هذه خلاصة ا يدور حوله مذهب الفلاسفة في النبوةء وهو بلا شك مذهب باطل» ومردود عليهم» ويكفي في بطلانه ورده أنه حالف لا تقره العقول وتصرح به التقول. وقد وافق الأباضية أهل الحق في رأيهم القائل بأن النبوة هبة من الله تعالى› واستنکروا ري الفلاسفة القائل بأنها تتال بالكسب فالنبوة عندهم: «اصطفاء الله تعال عبداً من عيده» واختصاصه بساع وحی من الله بواسطة ملك»”. ويرفض الأباضية نظرية النبوة الفلسفية وما يزعمه أصحابها من أن الصورة - صورة املك - التي تخاطب النبي» لا وجود لا في الخارجء وإنا هي من أفعال الخيالء وأن الذي يراه في النوم الواحد منا من أشخاص تحدثه وتخاطبه» لا وجود ا ي الخارج ونما هو شيء متخيل» فيحدث للنبي في اليقظة ما يدث للواحد منا في الوم ويصف الأباضية هذا الذي ذهب إليه الفلاسفة بأنه كفر وتكذيب” فالقول باكتساب النبوة يؤدي إلى أمور كثيرة تحرج من يعتقدها عن دائرة الإيان وذلك لأن القول بأن النبوة تنال بالاكتساب؛» يترتب عليه القول بعدم اقطاعها إلى يوم القيامةء وهذا يقتضي بالطبع أن النبوة م تختم بسيدنا محمد يق 1 : « ما کان عمد أي أحلرتن رال کم ودن رول اه وَاكَم لين 4 [الاحزاب:40]. وقوله ييا لبي )1( محاضرات في مادة التوحيد للشيخ صالح موسى شرف» ص6» طبعة القاهرة. قارن: تحفة امريد ص152. (2) معالم الدين› (2/ 49). (3) المصدر السابق (2/ 50). 186 العفائد اأيمانية ‏ مدهب ]أ بلضية بعدي»» وقوله: «وختم بي النبيون». والقول باكتساب النبوة كا يقول الشيخ البيجوري: «أقوى المسائل التي كفرت با الفلاسفةء ويلزم على قوفغم باكتسابما تجويز نبي بعد سيدنا محمد أو معهء وذلك مستلزم لتكذيب القرآن والسنّة»”. وإِذ بطل ما ذهب إليه الفلاسفةء وهو القول باكتساب النبوةء ا يترتب عليه من القول بأمور تعارض النصوص» ولا تؤيدها العقولء فلم يكن أمامنا إلا أن نقرر من غير أن نتردد أن ما ذهب إليه أهل السنة والأباضيةء وهو القول بأن النبوة منحة من الله تعالى» هو المذهب الصحيح الذي يصدقه النقل ويقره العقل. حكم الرسال: لقد احتدم النقاش واشتد النزاع بين القِرَق في حكم إرسال الرسل؛» فمن قائل با جواز» ومن قائل بالوجوب» ومن قائل بالاستحالة. فقد ذهب الأشاعرة إل أن بعث الأنبياء والرسل جائز على الله عقلاء وواقع فعلا وليس واجباً أو متنعاء لأن إرسالهم لطف من الله ورحمة بعباده. وذهب الماتريدية والمعتزلة والفلاسفة إلى أن إرسال الرسل واجب على الله تعالىء لأنه من مقتضيات حكمة الباري تعالى› فيستحيل أن لا يوجد لاستحالة السفه عليهء ك| أن ما علم الله وقوعه يجب أن يقع لاستحالة الجهل عليه . والماتريدية والمعتزلة والفلاسفة وإن اشتركوا جمعياً في القول بالوجوب إلا أن كلا منهم يخالف الآخر في فلسفة هذا الوجوب إذ الفلاسفة يقولون بالوجوب )1( الحديث أخرجه مسلم (1/ 393) (5/ 155)) طبعة الشعب. (2) تحفة امريد ص52. )3( شرح المقاصد للتفتازاني؛ تحقيق: د. عميرة (5/ 8) طبعة عالم الكتب» 9 198. )4( السمعيات من شرح المقاصد سليمان خميس؛ ص7 طبعة القاهرة 1966 . أيضاً النبوات والسمعيات من مباحث علم الكلام د. محيي الدين الصافي› ص 7- - 8 طبعة دار الطباعة الملحمدية . أيضاً : شرح الأصول الخمسةء ص564. ألنبوة 187 القائم على التعليل» بمعنى أن الله موجود فيلزم من وجوده وجود العام بالتعليل› ويلزم من وجود العام وجود من يحفظ نظام ويصلح حاله وهم الرسل. أما اللعتزلة فيقولون بالوجوب القائم على الصلاح والأصلح؛ والتحسن والتقبيح العقليين» بمعنى أن صلاح حال النوع الإنساني في العاجلة والآجلة لا يكون إلا بإرسال الرسل» فإرساهم واجب على الله تعالى. وقد وافق الأباضية هنا الأشاعرة القائلين بجواز إرسال الرسل؛» وفي هذا يقول شيخ الأباضية المتأخرين (الثميني): «ذهب أصحابنا والأكشرون إلى أن الرسالة ممكنةء تفضل با مولانا عز وجل على من اصطفاه من خلقه؛ وأوجبتها العتزلة عقلاً عى أصلهم في وجوب مراعاة الصلاح والأصلح؛ وأنها تأكيد للعقل› ومنعتها البراهمة عقلا ولا يخفى فساد المذهين»”. وفيا نرى أن مذهب الأشاعرة والأباضية هو المذهب المختارء لأن العقل والنقل يدلان على أن الله تعالى فاعل مختار» كل ما ي الوجود ملکه؛ له أن يتصرف فيه وفق إرادته وعلمه المحيط قال تعالى: رربي ابا را € [القصص:68]. وقال: فََاللا رد)4 [البروج:16]. حاجت البشر إلى الرسالخ: لا يستطيع اللإنسان بعقله القاصر دون هداية السياء أن يصل إلى كثير من الحقائق» لذا كانت البشرية في حاجة ماسة إلى رسل الله تعالى» ليرشدوا العقول إلى معرفة الله تعا ىء وما يجب أن يكون له من صفات الالء وليعملوا جاهدين على جمع كلمة الخلق حول إله واحد لا يعبد الخلق سواه. وقد ذهب شيخ الأباضية المتأخرين إلى أن بعثة الرسل تستهدف قطع أعذار الجاحدين» ويرشد الله بهم العقول إلى الحق بغير تعب ذهني ونظر علي بل بمجرد __—_—- (1) معام الدين› (2/ 51). 188 المذائد الأيمائية ك مدهب ]أباضية التصديق» كا أن بعثة الرسل يفطن بها إلى دقائق المسائل التي لا تهتدي العقول إليها لولا الرسل» وعند الأباضية أن الرسل هم المصدر الوحيد لعرفة أمورلايمكن معرفتها بغيرهم» مثل أمور الغيب» ك) أن مهام الرسل إبلاغهم عن الله تعالى خطابه من الأمر والنهي والإباحةء وما يتعلق بها من أمور”. ومن أهداف الأنبياء أيضاً تصحيح ما في طبيعة النفوس من ميل إلى التدين› فالدين مركوز في النفوس» ولكن الإنسان قد ينحرف في اختيار الوسيلة. وإذا كان إصلاح الناس وهدايتهم هو الأساس في بعث الأنبياءء فقد أئبت التاريخ مدى إصلاح الرسل للبشر وهدايتهم» والأخذ بأيديهم في أصعب الظروف» إذ النبي يبعث في نفوس الناس المودة والتآلف والوحدةء وهي من أهم أهداف الأنبياء التي سعوا إلى تحقيقها. المعجزة: اللعجزات مختصة بالأنبياء والرسل وحدهم» وهي أمر إ لحي وتعليم رباني يتصل بهم من الملائكة وحياً وإ لاما وليس هو تعلي]ً أرضياًء لذا تفضل الله تعالى بتأييد الرسل با معجزات الدالة على صدقهم وأنهم مبعثون من قله تعالى» وأنېم صادقون ئي دعواهم النبوة. والمعجزة في اللغة: مأخوذة من لفظ العجز المقابل للقدرة”. وقيل: مأخوذة من الأعجازء مصدر أعجز وحقيقة الإعجاز: إثبات العجز في الغير ثم استعمل في لازمهء وهو إظهاره» فامعجزة معناها الأصلي مظهرة العجز ثم نقلت للأمر الخارق» الذي هو السبب في إظهار العجز والتاء في معجزة للتقل من الاسمية (1) معالم الدين› (2/ 52). (2) شرح المقاصد السمعيات (5/ 11). النبوه 189 للوصفية”". والمعجز في الحقيقة هو فاعل العجز في غيرهء وهو الله تعالى» فهو الذي ينفرد بالقدرة عليهء ولا يصح دخوله تحت قدرة الخلق. والمعجزة في الاصطلاح: هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي» يظهره الله تعالى على يد مدعي النبوةء تصديقاً له في دعواء مع عجز جميع المخلوقين عن معارضته؛ والاتيان مغل والمعجزة من الأمور الممكنة عقلا الواقعة فعلاً كحكم إرسال الرسل؛ء وليست من المستحيلات» أما إنها من الأمور الممكنة عقلاًء فلأن العقول السليمة تشهد أن المعجزة فعل من أفعال الله تعا لى خارق لا اعتاده الناس على أيدي رسله تصديقاً لحم لأن الله تعالى هو الخالق لكل ما في الكون؛ وهو الذي وضع الناموس الذي تسير عليه الأحداث وتغضع له فليس من المحال عليه أن يضع نواميس خاصة بخوارق العادات؛ غاية ما ي الأمر أننا لا نعرفهاء ولكننا نرى أثرها على يد من اختصه الله بفضل من عنده» وهم الأنبياء والرسل عليهم السلام. أما إنها واقعة فعلاً: فلقد تواتر النقل على أن الله تعالى قد أيد أنبياءَء ورسله بمعجزات أجراها على أيديهم تصديقاً لهم ومن يطالع القرآن وسنة الرسول َي يجد الكثير من ذلك. أما عن رأي الأباضية في المعجزة فهم يعترفون بها ويرون أنها خارقة للعادة› إلا أنهم اختلفوا في كون المعجزة دليلاً على صدق الرسل؛ فبعضهم قد قال: بأن الله لايرسل نبياً إلا نصب دليلاً عليهء ولا بد من أن يدل عليه واحدء أي لا بد أن يؤيده دليل» بين جوز البعض الآخر أن يبعث الله نبياً بلا دلي . (1) حاشية الدسوقي على أم البراهينء ص 113› طبعة المطبعة الخيرية القاهرة. (2) شرح المقاصد السمعيات (5/ 11). (3) مقالات الإسلاميين› (1/ 186). الملل (1/ 135). 190 العفائد الأيمائية 4 مدهب ]أ باضية عصمت الأنبياء: العصمة هي: حفظ الله تعالى ظواهر الأنبياء وبواطنهم عن التلبس بمنهي عنه ولو مهي كراهة'. فهم محفوظون ظاهراً من الزنى وشرب الخمر والكذب» ومن كل ما يغخضب الله تعالى» ويفوت أغراض الرسالةء وباطناً من الكِثر والنفاق وال حسد. وقد أجمع أهل الملل على أن الأنبياء - عليهم السلام - معصومون من تعمد الكذب في) دل المعجز على صدقهم فيه كدعوى الرسالة وما يبلغونه عن الله عىز وجل. وأما عن جوازه متهم ي ذلك سهواً فمنعه الأكثرون» وهو الحق؛ إذ لو جاز صدوره عنهم - في ذكر - ولو سهواً أو نسياناً لارتفعت الثقة عن أخبارهم وتطرق إليها احتمال الكذب» وهذا يفوت الغرض المقصود من بعثتهم”. وقد تعرض شيخ الأباضية اللتأخرين (الثميني) للحديث عن عصمة الأنبياء والرسل» وبيان رأي أصحابه في المذهب» ورأي الفْرَّق الأخرىء» فقال: وقد اختلفت الرَّق في عصمة الآأنبياء: هل هي جائزة قبل النبوة؟ فذهب أكثر الأشاعرةء وكثير من المعتزلة إلى أنه لا يمتنع عقلاً على الأنبياء قبل البعشة صدور اللعصية منهم. وذهب أصحابنا - يعني الأباضية - إلى عصمتهم من الكبائر على كل حال دون الصغائر وكذلك ذهب الرافضة وأكثر المعتزلة إلى امتناع وقوع الكبائر منهم قبل البعثة عقلاً ومعتمد الفريقين التقبيح العقلي» لأن صدور المعصية منهم مما يحقرهم في النفوس وينفر الطباع عن اتباعهم؛» وهو خلاف ما تقتضيه الحكمة من بعثة الرسل» فيكون قبيحاً عقلا”. ويستطرد الشيخ الأباضي قائلاً: أماعن وقوع المعاصى بعد البعثة فالإجماع على عصمتهم من تعمد الكذب في الأحكام لأن المعجزة دلت على صدقهم فيا يبلغونه (1) تحفة المريدء ص 160. كتابنا: دراسات في علم التوحيد: النبوات والسمعيات» ص8 5؛ طبعة الصفاء والمروة 1997. )2( کتابنا: دراسات في علم التوحید النبوات والسمعيات» ص8 59-5. (3) معالم الدين؛ (2/ 61). الوه 191 عن الله سبحانه» فلو جاز تعمد الكذب عليهم لبطلت دلالة المعجزة لى الصدق. وأما جواز صدور الكذب منهم في الأحكام غلطاً أو نسياناًء فمنعه الأكثرون لا فيه من مناقضة دلالة المعجزة القاطعةء وجوزه بعضهم. والصواب - في نظر الأباضية - هو عدم جواز وقوع المكروه من الرسل» فالحق أن أفعاهم دائرة بين الوجوب والندب والإباحةء وليس وقوع المباح منهم بحسب مقتضى الشهوة كوقوعه من غيرهم؛ فإنهم لا يصدر منهم المباح إلا على وجه الطاعة والقربةء ونحو ذلك نما يليق بمقاماتهم الرفيعةء وإذا كان أهل المراقبة من أولياء الله تعالى بلغوا في الخوف منه تعالى ورسوخ المعرفة ما منعهم من أن تصدر منهم حركة أو سکون في غير رضاه تعالى» فكیف بأنبيائه ورسله". هذه هي فلسفة النبوة كا جاءت في المذهب الأباضيء جاءت في أغلبها متمشية مع المعتقد الإسلامي» فقد رأوا أنها أعلى درجة وأرفع رتبة ينتهي إليها حال البشر وهي منحة وفضل من الله يختص به من يشاء من عباده» ولا تأي عن طریق الاكتساب ك قال الفلاسفة. وعلى كل فقد آمن الأباضية بالأنبياء والرسل على ضوء ما في كتاب الله تعالی. أما بالنسبة للكتب الس اوية التى أنزها الله على أنبيائه ورسله «فهم يرون أن الكتب التي أنزله الله تعالى على أنبيائه ورسله قد بلغ عددها مائة وأربعة كتب» مسون منها عل (شیث بن آدم) وثلاثون على (إدريس)› وعشرة على (إبراهيم)ء وعشرة على (موسى) قبل التوراةء وهي صحف موسی؛ ثم التوراة على (موسى) أيضاً والإتجيل على (عيسى)» والزبور على (داود)» والقرآن على (محمد) مء وكلها نزلت مكتوبة في الألواح إلا القرآن»”.. )1( معام الدين› (2/ 62). (2) قواعد الإسلام للجيطالي؛ (1/ 38). معام الدين› (2/ 133). السمعيات السمعيات: هي الأمور التي لا تؤخذ إلا بالساع من الصادق المصدوق رسول اله يٍء ولا يستقل العقل بإدراكهاء وطريق ثبوته القرآن لكريم والسّة النبوية المطهرة. أو بمعنى آخر: هي كل ما أخبر به رسول الله ي من أمورالآخرة وأدركه العقل السليم» سواء كان ذلك عن طريق القرآن الكريم» أو السّة النبويةه إذ إن كلاً من الخبر الصادق والعقل السليم يدلنا على اليوم الآخرء وما فيه من بعث وحشر وثواب وعقاب» وصراط وميزان وحوض» وجنة ونار وملائكة وشفاعة... إلى آخر هذه الأمور السمعية. والعقل السليم يجب عليه أن يؤمن ويصدق بالسمعيات لأن اعتمادها الأساسي على الأخبار الصحيحة الصادقةء المستمدة من كتاب الله تعالى» وسنَّة رسوله وء وهذه الأخبار الصحيحة الصادقة ليس فيها ما يتعارض مع الفكر القويم؛ والاعتقاد السليم. والإيان بالسمعيات دليل على قوة الإيانء وسلامة الفطرةء وقد مدح الله تعالى الذين يؤمنون بالغيب في كتابه العزيز فقال: « دَيِكَ ْب لَارَيبَ ف هُدى ہے ت سے و 2 م سو واس مص سف وس ے 4 2 لع ) الدين ومون بالف ومون الصاوة وماررقهم فقوف( [البقرة:3-2]. 194 المفائد الإيمانية ج مهب ]أ باصية ومعنى الإيان بالغيب: التصديق با غاب عن حواسناء وجاء الخبر به عن طريق الكتاب أو السنّةء كاليوم الآخر وما فيه من مواقف ومشاهد؛ وأمور غيبية يعلمها خالقها وبارئها جل في علاه. وبعد هذا التمهيد الذي رأينا من الضروري البدء به» ننتقل - بعون الله تعالى - إل استعراض رأى الأباضية في بعض السمعيات - وليست كلها - لنتعرف على معتقدهم فيهاء ومدى قربه أو بعده من المعتقد الإسلامي الصحيح الذي دان به رسول الله يَوٍ وصحبه الكرام وسلفنا الصالح من بعدهم. تخالف الأباضية فيا ذهبت إليه في قضايا السمعيات ما ذهب إليه أهل السنةء بل تقترب في كثير من القضايا من مذهبهم وعقيدتهم» ففي قضية الموت: «يؤمنون بأن اموت حق» وأن كل لوق يموت بأجلهء وأن الله يتوفى الأنفس حين موتهاء وأنه تعالى هو الذي يحي ویمیت». الحياة المرزخي: كما أنهم يؤمنون بالحياة الرزخيةء ويرون أنها أول منازل الآخرةء وفي حياة الرزخ تغيير للعادات المألوفة في الدنيا وخرقهاء فيصح أن يكون اميت حال مشاهدتنا له» والقبر حال نظرنا إليه على غير الحالة التي نشاهدهاء ولم نشعر بشيء ما هنالك؛ والأمر بيد الله تعال؛ يظهر ما يشاء ويحعجب مايشاء ومن تأمل في عجائب مله وملكوته» وغرائب قدرته وجبروته» لم يستبعد أمثال ذلك”. فالأباضية تؤمن بعذاب القبر ونعيمه» بخلاف الخوارج وبعض العتزلة. يقول السالمي: «إن عذاب القبر مما تواترت به الأحاديث»”. () قناطر اخيرات (1/ 315). (2) معالم الدين› (2/ 173). (3) مقالات الإسلامين› (2/ 116). (4) بهجة أنوار العقول› (1/ 114). ألسمعياكث 195 والطريق إلى إثبات الحياة الرزخية عند الأباضية هو الأدلة السمعيةء ويقول (الثميني): إن عذاب القبر للكافرين والتنعيم فيه للمؤمنين» وسؤال الملكين» وهما منكر ونكير ثابت بالدلائل السمعيةء لأنها أمور مكنةء أخبر بها الصادق على ما نطقت به النصوص» قال تعالى: « ايعو عَليهاعُدو وَعَيِيًا ووم تَمُوهُالعَاعَةُ اَدَظواءالَفِرَعَوے أَسَدَاَلْمَدَابِ 4)6 [غانر:46]. فالله تعالی توعد آل فرعون بنوعین من العذاب» الأول: عرضهم على التار غدواً وعشياًء والثاني: إدخالهم يوم القيامة أشد العذاب» وقد عطف الله تعالى العذاب الثاني على الأولء والعطف يقتضى للغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه» فإذا كان الثاني في يوم القيامة بعد قيام الساعةء فلا بد أن يكون الأول حاصلا بهم بد موتهم إلى البصث» وهو عذاب القبرء وإذا ثبت في حق هؤلاء ثبت في حق غيرهم لأنه لا قائل بالفرق ٠ والآيات التي يستدل بها الأباضية قوله تعال: « يقالن ءامنوأيالَعَوَلِ شتف اروت ر لار 4 [إبراهيم:27]. فقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في عذاب القرء حين يُسأل الليتء من ربك؟ وما دينك؟ فعن البراء بن عازب له أنه قال: أن النبى يِل قال: < بث اله ايم ءام يالَمَوْدِ اَاتِ 4 [إراهيم:27] نزلت في عذاب القبر فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله ونبي محمد ياء فذلك قوله تعالى: < بُ امه الي ءامنا بلقل اشاب في الوه الذي فا ر4 ومن الآيات قوله تعالى: أَْفُمَأَلوامَرا 4 [نوح:25]› فبين أن اللقصود في هذه الآية عذاب القبر لقوم نوح. وقد وردت أحاديث صحيحة بجانب هذه الآيات وغيرها تثبت عذاب القبر ونعيمهء منها قوله يي : «القبر روضة من رياض _- )1( معالم الدين؛ (2/ ۱.)1.73 لسمعيات من شرح المقاصد؛ تحقیق: سلميان خميس» ص 110. (2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري» كتاب الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر؛ (3/ 9 3 4). 196 المفائد اأيمائية ج مدهب ]أ باضية ال جنةء أو حفرة من حفر النار». وقوله فيا رواء ابن عباس - رضي الله عنهم) - أن النبى كَل مر بقبرين فقال: «إم) ليعذبان وما يعذبان في كبيرء أما أحدهما فكان لا يسترئ من البولء وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة»”'. وغير هذه الروايات الكثر ما يثبت عذاب القبر ونعيمه؛ ونه حق لاريب فيه وهذه الآيات والأحاديث التى استدل بها علاء الأباضيةء هى نفسها التى استدل بها أهل السنةء مما يدل عل قرب الذهبين في هذا الثأن. ` | البعث والمعاد: يعتقد الأباضية بالبعث بعد اموت وأن البعث ابتداء ثان» وهو أمر بمكن› فتحشر أجساد المكلفين مع أرواحها” . يؤيد هذا ما ذهب إليه شيخ الأباضية التأخرين حيث يقول: "إن إعادة المعدوم جائزة عندناء لتوقف المعاد الجسياني عليه وكذلك الإعادة جائزة عند الأشاعرة. وعند المعتزلة أن الموجود إذا أعدم بقيت ذاته اللخصوصة وأمكن لذلك أن يعات وعندنا وعند الأشاعرة ينقضي بالكلية مع إمكان الإعادة أي أن المعتزلة - وإن كانوا معترفين با معاد ا جسني - ينكرون إعادة العدوم؛ ويقولون: إعادة الأجسام هي جمع أجزائها المتفرقة»“. ويتساءل شيخ الأباضية قائلاً: هل يعدم الله الأجزاء البدنية ثم يعيدهاء أم يفرقها ثم يعيد فيها التأليف؟ فيبين أن في الإجابة عن هذا السؤال خلافاء حتى قال بعض المحققين: والحق أنه م يثب ال جزم بذلك نفياً أو إثباتاً لدم الدليل على شيء من الطرفر”“. )1( صحيح مسلم بشرح النووي» كتاب الطهارةء باب نجاسة البول ووجوب الاستبراء منهء (1/ 588). معالم الدين› (2/ 174-173). (2) بهجة أنوار العقول» (1/ 110). (3) معالم الدين؛ (2/ 174). (4) المصدر السابق.. السمع ا 197 ويشير (الأباضية) إلى الأدلة السمعية القاطعة على حشر الأجساد تلك اقيق الي جر عليه لتكلمون عل اخملاف رتهب والكرها أكدر الفلاسةة والذين حاولوا تأويل الأدلة النقلية بم يفيد بأن المعاد إن هو للأرواح وحسب» فقد كابروا بإنکار ما هو من ضرورات هذا الدين» فكل ما أخبر به الصادق فهو حق؛ مثل قوله تعالى: قل اذى أشاها وَل وکوک حل كَل )که [يس:79] وقوله: كيف كور کاله وڪن اوناك خيلڪم شم کک د م عُكم م مشت € مره :28[ وقوه ية لون من يید ی رک 0 والبيان . والذي يجب اعتتاده: هو أن الله تعالى يحيي الأبدان بعد موتها يوم القيامة ويعيدهاء وما عدا ذلك - من أن الإعادة تكون بعد العدم أو بعد التفريق» ومن أن الأعراض والأزمان عاد أو لا تعاد - فليس من العقيدةء ويجب تفويضه إلى علم الله تعالی» إذا لم یرد فيه دلیل قاطع؛ مع اختلاف العلماء فيهء (وإن كان الثميني رأى أن الإعادة سواء كانت عن عدم أو تفريق فهي أمر بمكن؛ وكل يكن أخبر الصادق بوقوعه فهو حق؛ ومن ثم فالاعادة حق”. الحساب: الحساب هو: توقيف الله تعالى العباد على أعمالم قبل انصرافهم من المحشرء وسؤالهم عنها بكيفية يعلمها هو تعال» وقد ورد به الكتاب والسنةء فيجب الإيمان بء ومنكره كاف لإنكاره معلوماً من الدين بالضرورة. والحساب يكون بعد أخذ —_—- () الكشف والبيان (1/ 31 281). (2) معالم الدين› (2/ 181). 198 العخائد ايمائية ‏ مدهب ]باصي العباد صحف أع الم وإذ ذاك تشهد على العبد جوارحهء ويشهد بعض العباد على عض وا حساب ثابت بالكتاب والسنةء ففي الكتاب قوله: إن َه سَريع الاب )4 [إبراهيم:51]. وقوله: $ فوريلك لنعلَته جين )عم كانواأيَعْمَلُو )€ [الحجر:93-92]› وي السنة قوله يَأ : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا). ويعتقد الأباضية بأن الحساب حق لا ريب فيه لكل مكلف ودليلهم قوله تعالی: فألا له اللنكم و وهو هواسر أَِِينَ )$ [الأنعام :62 إلا أغهم يتوسعون في هذه المسألةء فيقسمون الناس ثلاثة أصناف» صنفان لا يسألان عن الأعالء وهما الأنبياء والمشركون؛ وإن خالف البعض في حساب المشركين» والصنف الثالث هم الؤمنون يسألون» وحتى مرتكب الكبيرةء فالأصح عندهم أنه يسأل”. ولعل حكمة الحساب - مع أن الله عالم بالأعمال - إظهار فضائل المتقين؛ وفضائح الفجار على رؤوس الأشهاد تتمياً للمسرةء وزيادة في ا حسرة. الميزان والوزن: يزان والوزن يوم القيامة ورد ب الكتاب والسنةء فيجب الإيمان ياء قال تصال: «والوريومد الح فقت ميشه تاكيك مُبالمقيخە )ومن حتت مزه تولك الَزَ ى روانم ما انوا بَا مون )4 [الأعراف :9-8]› وي السنة قوله: «... أما في ثلاثة ثة مواطن فلا يذكر أحد أحداًء عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل» وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شال أم وراء ظهره وعند الصراط؛ إذا وضع بين ظهراني جهنم حتى يجوز»”. (1) تحفة امريد ص207. (2) بهجة أنوار العقول» (1/ 117). قواعد الإسلام (1/ 18). الأباضية عقيدة ومذهباء ص126. (3) الحديث جاء في سنن آبي داود کناب في ذکر امیزان (2/ 2-1 59)› طبعة الحلبي. الممعم اء 199 ولا ينكر الأباضية (الميزان) بل يعتقدون أنه حق؛ نطق به القرآن والسنةء غير أنهم لايعتقدون أن الميزان الذي يضعه الله حساب عباده عبارة عن ميزان ذي کفتین ولسان؛ توزن فيه صحائف الأعال الحسنةء وصحائف الأعال السيعة. بل يعتقدون أن الميزان يراد منه تمييز الأعال وتفصيلهاء والمجازاة عليهاء لأن أعال العباد فيا يعتقدون أعراض وليست بأجسام. فالميزان عندهم ليس على ما زعمه (الحشوية) والأشاعرةء وإنم) المراد عندهم - وعند معظم المعتزلة - من الميزان اعتبار الحسنات وتمييزها من غيرهاء والعدل الذي وضعه الله بين خلقهء ك| قال: #والوزنيوميذ 4 [الأعراف:8]›» وكذلك قال: وار مع دالکتے رالمات 4 [الحديد:25]› يعني العدل بين عباده؛ وكل ذلك تمثيل يجب ال حمل عليه کا یقال: اجعلوا بیننا ميزان يعدل بینناء يراد به قاضياً عدلاً ولا ضرورة تدعو إلى الميزان المتعارف لأنه يحتاج إليه من لا يعرف مقادير الأشياء وأراد معرفتهاء والله تعالى غني على الإطلاق؛ حيط علمه بكل شيء؛ فإنه يحكم فيهم وعليهم بسرائرهم وما تفي صدورهم؛ وأيضاً فإن أفعال العباد أعراض لا تقبل الخفة والثقل ”. والذي يجب اعتقادہ ويكفر العبد بإنكاره هو أن في الآخرة ميزاناً ووزناًء لأن هذا معلوم من الدين بالضرورةء وما عدا ذلك - من أن الميزان حسي» أو ليس بحسي» بل هو والوزن كناية عن تمام العدل؛ء ومن أن الموزون صحف الأعيال أو الأعمال - فليس مما يكفر منكره» بل يجب تفويضه إلى علم الله وإن كان الظاهر أن ميزان حسى» وأن الموزون صحف الأعمال؛ أخذاً من ظواهر الأحاديث مشل قول الرسول يَيٍ : «كلمتان خفيفتان عل اللسان» حبيبتان إلى الرحمن» ثقيلتان في الميزان› __—_——- )1( تحفة المريد على جوهرة التوحيد؛ ص۰216 )2( قواعد الإسلام للجيطالي› (1/ 17). )3( معالم الدين› (2/ 191). 200 المذائد الأيمائية ‏ مدهب ]أ باضية سبحانه وبحمده سبحان الله العظيم؟ء وقوله يَيٍ : «الطهور شطر الايمان» والحمد له تملا الميران» ٠ الصراط: الصراط: جسر بمدود على ظهر جهنم؛ يرده جميع الخلائق المؤمنون وغيرهم؛ «وقد ورد أنه أدق من الشعرةء وأحدٌ من السيف» ومن أهل السنة من أبقاه على ظاهره وقال لا مانع من مرور العباد عليه وهو بہذه الحالةء لأن قدرة الله صالحة لتمكينهم من ذلك؛» ومنهم من قال إن وصفه بأنه أدق من الشعرة وأحدٌ من السيف م يقصد منه ظاهره» بل كناية عن شدة المشقة التي تلحق بعض المارين»”. وهو من السمعيات التي ورد بها الكتاب والستنةء فيجب الإييان به قال سس و وم - تعالى: «فاسِوأالَسَط 4 [يس:66]› وقال يَأ : «ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجوز»”“. ويستنكر الأباضية قول الحشويةء ومن تأسى بهم» أن الصراط جسم بمدود عل متن جهنم وأنه أدق من الشعرة وأحد من السيفء ويعتقدوا أن كلام الحشوية حالف لظاهر القرآن الكريم» فوجب احمل على ما في كتاب الله تعال من أن الصراط هو الطريق الواضح والدين المستقيم.'وأن ما استند إليه أهل الحشو من أن الصراط أدق من الشعرةء وأحدٌ من السيف» لو سلم ثبوته» فهو من صفات الدين؛ وأن المقصود به الدين لأن الدين أدق شيء من حیث إنه لا یوافق ا هوی ولا الشهو ا . )1( صحيح مسلم بشرح النووي؛ كتاب الطهارةء باب فضل الوضوى (1/ 501-500). )2( تحفة المريد على جوهرة التوحيد؛ ص217. (4) معام الدين (2/ 189). الكشف والبيان؛ (171/1). مشارق أنوار المقولء ص2 28. الأباضية مذهب وسلوك؛ سید عبدال حافظ؛ ص 335. ألسمعي ا 201 كا رجح بعض الأباضية اعتقاد أن الصراط جسر بمدود يقف عليه الخلق› استدلالاً بظاهرالآية: هدو ‎OF‏ مسلون ‎ ))5(‏ ‏[الصافات:24-23]› فإنه يرى أن الصراط إذا م يكن جسراً مدوداً فكيف يقف عليه العباد إذا كان يراد به طريق الاسلام. وما ذهب إليه الأباضية من تأويل آيات وأحاديث الصراط يعتبر اجتهاداً وتأويلاً في غير حلهء وهم به قد خالفوا أهل السنة والجماعةء وأعملوا عقولم في آيات الله وصرفوا أحاديث الرسول يي على غير وجههاء وهذا حالف لمنهج آهل السنّة والحاعة”. ومها يكن من أمرء فالذي يجب اعتقاده ويكفر المرء بإنكاره» هو أن في الآخرة صراطاً للأن هذا معلوم من الدين بالضرورةء وما عدا ذلك - من أن الصراط جسر مدود على متن جهنم أو ليس بجسر بل هو الطريق الواضح - فليس عقيدة يكفر المرء بإنكارهاء إلا أن الظاهر من الأحاديث» ومن إجماع ال جمهور أن الصراط جسر بمدود على ظهر جهنم مع تفويض علم حقيقته إلى الله تعالی. حوض نبینا محمد يار : من السمعيات - التي أجع عليها الجمهور» ووردت به الأحاديث - حوض نبينا محمد ي الذي يعطاه يوم القيامةء وهو (جسم مخصوص کہیں؛ متسع ال جحوانبء ماؤه أبيض من اللبن» وريه أطيب من المسك» وطعمه أحلى من العسل؛» وكيزانه کنجوم الساء؛ ترده هذه الأمة من شرب منه لا يظما أبداء فيجب الإييان به ومنكره مبتدع». (1) قناطر اخيرات (1/ 319). أيضاً: مشارق أنوار العقولء ص86 5. (2) الأباضية عقيدة ومذهباًء ص162. (3) شرح عبدالسلام على الجوهرة اللسمى إتحاف امريد بجوهرة التوحيدء للشيخ عبدالسلام بن إيراهيم المالكي» ص168٠ طبعة القاهرة 1960ء وأيضاً: : تحفة المريد على جوهرة التوحيك؛ ص 223. 202 العفائد الأيمائية ك مهب ]أ باضية ومن الأحاديث الواردة في الحوض» ما جاء ي الصحيحين عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله َل : «خوضى مسيرة شهر؛ وزوایاه سواء ماؤه أبيض من اللبن» وريه أطيب من المسك» وكيزانه أكثر من نجوم السا من شرب منه فلا يظماً أبدا». ولم يرد ما يدل على أن الحوض قبل الصراط أو بعده» وقد ورد أن لكل نبي حوضاء وكل أمة ترد حوض نبيهاء فأمة نبينا محمد ي ترد حوضه؛ فالطائعون يشربون منه» وغيرهم يطردون عنه؛ إما طرداً مؤبدا وهم الكفار أو طرداً مؤقتاء ثم يشربون بعد وهم عصاة المؤمنين”. وقد أجمعت (الأباضية) على إثبات ال حوض» ووجوب الإيمان به . إلا أنجهم اختلفوا كا اختلف غيرهم من العلماء في أنه قبل الحساب أو بعده» وفي أنه واحد أو حوضان. والذي يبب اعتقاده» هو أن في الآخرة حوضاً يعطاه أفضل المرسلين سيدنا محمد يَلٍء وما عدا ذلك فليس عقيدةء يكفر المرء بإنكارهاء ومن أنكر ال حوض لا يخرج من الإيمان» وإنا يفسق؛ وقد نفته المعتزلة”. الللائكن: من السمعيات الملائكةء وهم أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكل بأشكال حسنة فقط لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؛» لا يأكلون ولا يشربون» ولاينامون ولا يتناكحون ولا يتوالدون؛ ولا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة ولا () الحديث رواه الشيخان. ِ (2) تحفة المريدء ص225. إتحاف امريد ص9 16. (3) قناطر الخبرات› (1/ 321). )4( معام الدين› (2/ 192). )5( تحفة المرید؛ ص 223. العم أ 203 بخنوثةء من وصفهم بذكورة فسق» ومن وصفهم بأنوثة كفر لمعارضة قوله تعالی: « رمَا اكد الدب هم عد لعن ما ...4 الآية [الزخرف:19]› وأولى بالكفر من وصفهم بخنوثة لمزيد التنقيص. وقد ثبت بالكتاب والسنّة والإجماع وجود الملائكة فيجب الإيمان بهمم؛ ومنكر وجودهم كافر لإنكاره معلوماً من الدين الضرورة. قال تعالى: ءامن سيم َد ريده والمومنوة ك ء امنيا وم كرديو [البقرة:285]. وقال يَلٍ : «الاإيان أن تؤمن بالله وملائکته وکتبه ورسله». ويؤمن الأباضيون بالملائكةء وبأنهم لوقون ولحم وظائف» ويؤمنون بأن منهم خزنة غلاظاً شداداً موكلين على النيران» وبأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"» ولیس عليهم من شرائع بني آدم؛ وعليهم ما کلفوا به من الولاية والبراءةء والتوحيد والكف عن الذنوب» لأنهم طبعوا طبع من لا يعصي. أماعن أفضليتهم على البشر ففي هذه المسألة خلاف مشهور والأصح أنهم أفضل من بني آدم كم يقول شيخ الأباضية المتأخرين الثميني”. والذي يجب اعتقاده والإيان به إحالاً: أن لله تعالى ملائكة لا يعلم عددهم إلا الل وتفصيلاً بمن ثبت تعيينة بنوعه أو بشخصه» فالذي ثبت تعيينه بشخصه سيدنا جبريل وميكائيل» وإسرافيل» وعزرائيل› ورضوان ومالك؛ ومنكر ونکیرء علیهم = )1( الحديث رواه البخارى» كناب الإيمانء (1/ 114). مسلم كتاب الإيان؛ (1/ 160-157). راجع: كتابنا: العقيدة وأثرها في سلوك الإنسان› ص 85-84 طبعة الملطبعة العربية الحديشة. ودراسات في علم التوحيد النبوات والسمعيات» ص 113. أيضا: شرح الخريدة في علم التوحيد للشيخ أحمد الدردير ص 57-56 طبعة بيروت. (2) قناطر الخيرات (1/ 321). (3) معام الدين› (2/ 148). 204 العفائد الأيمائية ج مهب اأ باصّية السلام. والذي ثبت تعيينه بالنوع حملة العرش والكتبةء وهم الذين يكتبون ما يصدر من الشخص والحفظة وهم الموكلون بحفظ البشر. الشفاعة: الشافعة لغة: الوسيلة والطلب» وعرفاً: سؤال الخير من الغير للغرء وشفاعة لمولى عبارة عن عفوه» فإنه تعال يشفع فيمن قال لا إله إلا الل وأثيت الرسالة للرسول الذي أرسل إليه”. ويؤمن الأباضيون بالشفاعة للأنبياء ولنبينا محمد يَأ على جهة الخصوص» ويرون أن من أنكرها فقد كذب بالقرآن» ويرون أن الشفاعة تكون في الحشر قبل دخول أهل الجحنة الجنةء وأهل الثار النار”. ويخالف الأباضية أهل السنة والجماعة في اعتقادهم - أي أهل السنّة - أن شفاعة الرسول لأهل الكبائر””. ويعلن (الثميني) أن شفاعة سيدنا جمد يي حىق ثابت للمسلمين عندنا - بل عند سائر الخوارج - وعند المعتزلةء دون سواهم من أهل الكبائر“. مستدلاً بآيات من القرآن مثل قوله تعال: املوب مِنْ َير اسيام 4)3 [غافر:18]› ومن السنّة ما اعتمدوه ما أورده اللإمام الربيع بن حبيب في مسنده عن جابر بن زيد عن النبي يَيةٍ قال: «لا ينال شفاعتي الغالي في الدين› ولا ال جاي ن واستدلال الأباضية لتأكيد ما ذهبوا إليه في إنكار الشفاعة للمذنبين وأهل الكبائر غير مقبول من وجوه كثيرة منها: أن الآية التي استدلوا بها على عدم وقوع (1) تحفة المرید؛ ص 226. )2( مشارق أنوار العقول» ص287. (3) الكشف والبيان› (2/ 2 36). (4) راجع: معالم الدين؛ (2/ 192). الأباضية مذهب وسلوك؛ ص37 3. )5( مسند الامام الربيع بن حبیب» (4/ 22). ألممعي أف 205 الشفاعة لأهل الكبائر وأمثاا لا تقوم دليلاً على ما ذهبوا ليه فالخطاب موجه في هذه الآية إلى الملشركين» وأن الشفاعة لا تفيدهم. كا قال تعالى: مَاسلَڪكََرَفِسَفَرَ )اا الم )وارك م الكت )ركن ُو مع )وك کرب يورال )نَا الله )اهر سمه اشم (0) [المدثر:48-42]. ک| أن الآية تفيد نفي الشفاعة التي كان يثبتها أهل الشرك وأهل البدع الذين يعتقدون أن للخلق عند الله من ال جاه والقدر والمكانةء بحيث يقدرون على أن يشفعوا عنده بغير إذنهء فأتكر الله ذلك عليه . وأما أحاديث مسند بن الربيع فإن الباحث إذا لم يردها على ضوء الدراسة اللقارنة بإصحاحات أخرى» وذلك لانقطاع السند عند اين الربيع بالقياس لأسانيد أصحاب الكتب من أهل السنّةء فإنها معارضة بأحاديث أخرى بسند أقوى تثبت الشفاعة لأهل الكبائر وتجعل ما دون ابن الربيع إذا لم يكن منقطعاً أو مردوداً فهو منسوخ بالأحادیث الملعارضةء والتي منها ما رواه البخاري بسنده عن النبي لار آنه قال: «يخرج قوم من النار بعدما مسهم منها سفع» فيدخلون الجنة فيسميهم آهل الجة الجهنميين»ء وأيضاً قوله ا : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي». فهذه الأحاديث وأمثالها كشير في كتب الصحاح المعتمدة عند أهل السنة والحماعة تؤكد قيام الشفاعة بإذن الله لأهل الكبائر من أمة الإسلام؛ ويعضد هذه الأحاديث ويؤكدها في قررته واعتقده أهل السنة قوله تعالى: ® إِنَاه لايعَفران $ ص € شرك وومر مادو لِك لمن كا $ [النساء:116]. فقد فرق سبحانه بين الكفر (1) مجموع الفتاوى؛ لابن تيميةء (1/ 150-149). قارن: الأباضية عقيدة ومذهباء ص 164. (2) صحيح البخاري؛ كتاب الرقاق» باب صفة الجنة والثار (1 1/ 416). (3) سنن أبي داود كتاب السنّةء باب الشفاعةء وسئن ابن ماجه؛ كتاب الزهد باب ذكر الشفاعة (2/ 1441). 206 العفائد الأيمائية ‏ مدهب ]أ باضية وما هو دونه . إلا أن الأباضية تنكر الشفاعة لمرتكب الكبيرة من أمة محمد يلا فهم يقولون: «لا يناما إلا من مات منهم على الوفاء والتوبة النتصوح»” الجنة والتار: الجحنة هى دار الثواب التى أعدها الله تعالى للطائعين» والنار هى دار العقشاب التى أعدها الله للعاصين. وهما من السمعيات التى أطبقت عليها الشرا؛ » فیجب الإيمان بوجودهما الآن وفي الآخرةء ومنكر وجودهما الآن وفي الآخرة كاف لإنكاره معلوماً من الدين بالضرورةء وقد أنكرهما بعض الفلاسفة. ومن أنتكر وجود هما الآن وأثبت وجودهما في الآخرة فهو فاسق؛ لمخالفته ظواهر النصوص؛ وإجماع الصحابة وجهور المسلمين”. ويؤمن الأباضية بالجحنة والنار وبأن) غلوقتان وموجودتان الآنء وعن الآيات التي وردت بشأن) قالوا: يجب إجراء هذه النصوص على الظاهر منهاء إذ لا استحالة فيه» وي هذا يقول أحد عل ائهم: «إن الجحنة مخلوقة وهي في السماء والنار خلوقة وهي في الأرض»“. وبذلك يوافق الأباضية أهل السنّة وبعض المعتزلةء الذين ذهبوا إلى القول بأن الجنة والنار موجودتان الآن وفي الآخرةء وأنها مخلوقان من مخلوقات الله تبارك وتعالى؛ وقد استدلوا على رأيهم هذا بنصوص من الكتاب والستة كثيرة تدل على أن الجنة معدة للمتقين؛ والنار معدة للكافرين منها قوله تعالى: % 4 وكارعوا إل مسرو من رڪم وج جتَة عه االسموات وا لأر اعد دت لمت () [آل عمران:133]› وقوله )1( الأباضية عقيدة ومذهباء ص166. قارن: جموع الفتاوى› لابن تيميف (1/ 150). (2) مختصر تاريخ الأباضية للباروني» ص66 طبعة مكتبة الاستقامةء تونس. (3) كتابنا: النبوات والسمعيات› ص 147. (4) قناطر اخيرات (1/ 321). الممعي اك س 2107 تعالى: إن الع تارا عاط بم سُرَادِفُهاً € [الكهف:29]› وقولە: ال ص ص ص كدب يأَلَاعَةَسَعِما )$ [الفرقان:1 1]. فقد عبر سبحانه وتعالى في هذه الآيات عن الإعداد بصيغة الماضين مما يدل على وجود الحنة والنار الآنء لاه لا يعد ولا يهي إلا ما كان موجوداًء فدلت هذه الآيات على وجودهما الآن. ت اينات الإيمان والإسلام مبحث الإيان والإأسلام يعد من أهم مبادئ أصول الدين› ومن أكبر قضاياه الاعتقادية لأنه بمثابة الأصل لغيره من مسائل العقيدةء إذ يجب على كل مسلم أن يؤمن إيماناً جازماً لا يخال حه شك بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خیره وشر؛ حلوه ومره. وقد ارتبطت بحقيقة الإيان الشرعي جملة أفكار دار من حوفا الخلاف بين مفکري الملسلمين؛ مثل: 1- موضع الإيان: وهل هو القلب أو اللسان أو غيرهما؟ قد أوجد حركة فكرية ناضجة دارت حول هذا الموضوع» وكان ذلك بداية وجود اختلافات بین الأفراى اتسعت حتى أصبحت خلافات مذهبيةء وتكونت من هذا كله المرَّق الإسلامية المتعددة. ` 2- صلة الإيان بالإسلام: وهل بينها تباين أم ترادف أم ملازمة؟ وقد وجدت نصوص تقرر مغايرة الإييان للإسلام مرة وموافقة متعلقات الإيمان لأمور الاإسلام مرة أخرى الأمر الذي أثار هذه النقطة منذ بداية تفكير المسلمين في الإيمان. 3 موضوع زيادة الإيان ونقصانه: وهو موضوع حافل بالمناقشات والمجادلات بين مفكري المسلمين؛ وقد اختلفوا فيه تبعا لتعريفهم الإيانء فمنهم 210 العفائد الأيمائية ‏ مدهب ]أ باضية من قال بالزيادة فقط؛ ومنهم من قال بالزيادة والنقص» ومنهم من نفى الفكرة أصلاء ومنهم من وفق بين الآراء المتعارضة. 4- موضوع مرتكب الكبيرة. قد أثار منازعات بين الخوارج والمعتزلةء وأهل السنةء والمرجئةء وال حسن البصري» فمنهم من قال إن مرتكب الكبيرة كافر محلد في النارء وهم الخوارج» ومنهم من قال في منزلة بين المنزلتين؛ وهم المعتزلةء ومنهم من قال إنه مؤمن وتحت مشيئة الله تعالى» إن شاء عاقبهء وإن شاء عفا عن وهؤلاء هم أهل السنة. والايان في اللغة: التصديق: يقول ابن منظور: الإيان ضد الكفر والإيان بمعنى التصديق› ضده التكذيب؛ يقال› آمن به قوم وكذب به قوم وقد جاء ئي الذكرالحكيم: رما أت يمُؤمن ا ولَوَكنَا سرون )4 [يوسف:17]› أي بمصدق لنا. ما الإيان الشرعي: فإنه تصديق مخصص يترتب عليه الثواب أو العقاب للإنسان في الآخرةء وبه يعامل في هذه الدنيا معاملة المؤمنين؛ من الصلاة عليه ودفنه في مقابر الملسلمين؛» ومناكحته... إلخ. وقد عرف الرسول يَأ الإيمان بقوله: «الإييان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر» وتؤمن بالقدر . ی ,2( خیره وشره» . والرسلام ف اللغْه: هو التسليم والخضوع والانقياد. وف الشرع: هو الخضوع والانقياد للأو امر والنواهي» بمعنى قبول ذلك والإذعان له أي إن الإسلام على هذا المذهب هو التصديق الباطني» وعلى هذا فالنطق دليل عليه والأعمال كمال له. (1) العقائد النسفيةء ص126. )2( صحيح مسلم بشرح النووي» كتاب الإيان؛ باب تعريف الإيمان والإسلام (1/ 133). يمان وا سلام 211 وهذا ما ذهب إليه الماتريدية وبعض محققي الأشاعرةء وقد استدلوا على قولمم هذا بقوله: أفمن شر اه صد ره لاس فهو عل ورين ري € [الزمر:22]. أما الأشاعرة ومن تبعهم فيرون أن الإسلام هو الامتشال الظاهري للأوامر والتواهي التي جاء بها النبي يِل مم الإذعان للأوامر والنواهي» سواء عمل الممتشل ليس من حقيقه الإسلام بل هو کال للاإسلام فلايمقد الإسلام بفقدم وهذا الامتثال والانقياد يتحقق بالنطق بالشهادتر ”. ويذهب الأباضيون إلى أن الإيان والإسلام لفظان مترادفان بمعنى واحد وهو جميم ما أمر الله به“ . ومع هذا لاينكرون أن الإيمان والأسلام قد ورد في الشرع على جهة الاختلاف والتداخل معأ مثل ما جاء في قوله تعالى: % ال الراب ءامنا فل لم نووا ولتك ولو ألمت ولَمَايَدخُل الاين ف ويك 4 [الحجرات:14]. وجه دلالة الآية كا يقول ال جيطالي: «هو أن الإيمإن هنا تصديق بالقلب فقط أما الإأسلام فهو الاستسلام ظاهراً باللسان وال جوارح»”. وقد جاء في كتب الأباضية أن الإيان والإإسلام معناهما واحد مهملين بذلك الدلالات اللغوية بين كل منهاء إذ في اللغة أن الإيان هو التصديق؛ قال تعالى: رم أسَيِمُوْمن أا [يوسف:17]› أي بمصدق والإسلام هو الاستسلام والاتقياد والخضوع فالإسلام أعم من الإيان”“. ولكن الأباضية يقولون: إن المعنى (1) دراسات في العقيدة حول السمعيات» د. محمد عبدالصبور هلالء ص60 طبعة دار الطباعة اللحمدية 1986. أيضاً: شرح عبدالسلام على الجوهرةء المسمى إتعاف المريد على جوهرة التوحيدء ص8 40-3. )2( معالم الدين› (2/ 84). (3) قناطر اخيرات (1/ 362). (4) أصول الدين للبغدادي› ص 248-247. 212 العفائد الأيمائية ج مدهب ]أ باضية ص و الشرعي للإيمان هو الوفاء بالدين. مستدلين بقوله تعالى: قد افلح المُوْمن €2 الب هف صلم حَِعة )لَب هم عن العو عرشو 3 والَذب هم للوكوة تون () 4 [الؤمنون:4-1]. وبحديث النبي يَأ القائل فيه: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن»”. فالأباضية لا ترى أن هناك فرقاً بين الإيان والإأسلام؛ فالعمل وفعل الواجبات هو الدين» قال تعالى: وما أمرداإِلا عدوا لله حلصن له لدي حتفا وقِيِمُوا س ۰ رة ويوا الوكوة ردك ية )4 [البينة:5]» فسمى فعل الواجبات ديناًء والدين هو الإسلام والإسلام هو الإيان. أما أن فعل الواجبات هو الدين» فلقوله تعالى بعد ذكر العبادة وإقام الصلاة ZA وإيتاء الزكاة: « وديك دين َة( 4 إذ لا يخفى أن لفظة (ذلك) إشارة إلى جميع ما تقدم من الواجبات على معنى ذلك هو الذي أمرتم به دين الملة القيمة. وأما أن الدين هو الإسلام: فلقوله تعالى: َلك عن السك 4 [آل عمران:19]› وما ليس بإسلام لیس بدين» ولأن الإيان لو كان غير الإسلام لا قبل من مبتغيه لقوله تعال: « ومن يبتع عير الس ديا فن يِفَل نُه 4 [آل عمران:85] مم أنه يقبل منه قطعا . فعلم أن الإيان إسلام بقوله تعالى: قارحا كان فيان لموم )مادنا فا عبر بیت نال( [الذاريات:36-35]› فإنه ل یکن هناك باتماق إلا بیت واحد فالذي وجد هو الذي أخرج؛ وهو بيت (لوط) 2ة . (1) صحيح مسلم؛ كتاب الإيانء باب نقصان الإيمان بامعاصى»› (1/ 55). (2) شرح المواقف (8/ 326). ۱ (3) مشارق أنوار العقولء ص329. قارن: قناطر الخيرات (1/ 1 36). الإيمان واا سام 213 وبذلك يتضح لنا أن الإيان والإسلام مترادفان» وعلاقته| شرعية لا لغوية ثم العودة مرة ثانية إلى القول بأن الإيمان واللإسلام يردان على سبيل الاختلاف والتداخل» وهذا خلط وتناقض واضح. وقد حاول أحد شيوخ المذهب الأباضي أن يجد رجا هذا التناقض الواضح في هذه القضيةء وهو اللجوء إلى النهج العقلي قائلاً: «فإن قال قائل قد نص رسول الله يلأ ني حديث جبريل ا9ل أن الإيان هو ما يتعلق بالقلب في الاعتقادات. وبقوله يل : «ألا أن الإيان ها هناء وأشار إلى صدره»'. وفيه أيضاً: هل شققت عن قلبه» عتاباً لذلك الذي قتل الناطق بالإيمان - وهو أسنامة بن زيد - أي لتعلم أن قلبه ليس فيه إيمان. وأن الإسلام هو ما يتعلق بال جوارح من العبادات» ولم يذكر الدين» وأنت توجب أن الإيان هو الإسلام وأن الإسلام هو الإيان» وهما الدين› فاعلم أن الإيان أصله هو التصديق؛ وأن اللإسلام أصله الاستسلام والخضوع؛ وأن الإسلام كله من قبل التصديق إيمان» وأن الإيان من قبل الاستسلام والخضوع إسلام والدين من قبل الاستسلام إسلام» وكل خحصلة من الإيان فهي إسلام ودين وكل خصلة من الإسلام فهو إيمان ودين وكل خصلة من الدين إيمان وإسلام وإلى هذا القول ذهب أصحابنا»” . وبهذا حاول الشيخ الأباضي تبرير ما وقعوا فيه من تناقض بهذا النهج العقلي› الذي أخذ به جل الأباضية في مسائل كثيرة من مسائل العقيدةء مما جعلهم أمام حرج ونقد قد يوجه إليهم وهو نهم لم يلتزموا بم جعلوه مرتكزاً عقدياً مم وهو تقديم الشرع على العقل؛ فقد عمل العقل بي اللذهب بين سياق النصوص المتعددة اللتعلقة بقضايا العقيدة» حتى يكون مردودها جيعاً بين الأدلة التي يريدونها. )2( لكر الووي؛ كاب الإيان: باب تحريم قل الكافر بعد قوله ل إل إلا اله (1/ 291). (3) قناطر اخيرات (1/ 362). قارن: الأباضيةء عقيدة ومذهباًء ص110 -111. 214 العفائد الأيمائية ج مهب ]باصي أما عن حقيقة الإيان عند الأباضية: فهو يتركب من ثلائة أركان - أو مقامات - إذ إن الإيان هو مجموع المعرفة والاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان› والعمل با جحوارح» وأن المؤمن هو الموفي بدين الله تعال ىء وكذا لا يکون مسلا حتی يقر بالتوحيد ويعمل بالفرائض» لأن الإسلام لا يتم إلا بقول وعمل”. أما القول: فبشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله؛ وأن ما جاء به حق من ربه» وأما العمل: فالإتيان بجميع الفرائكض» وهذه الأمور العملية تكون وأما في بينه وبين الخالق» فلا يكمل إيمانه حتى يأتي بعشرة آقاويل هي: الإمان بجمیع الملائكةف والأنبياء والرسل› وجميع الكتب التي أنزلت عل جميعهم؛ والموت» والبعث» والحساب» والجنة والنار وجميع ما كان وما يكون وما هو کائن؛› فالله هو المكون له فهذه عشرة أقاویل من جاء بهن تامة كمل توحیده مطلقاًء ومن ترك واحدة منهن كان إيانه ناقصا“. فحقيقة الإيان عند الأباضية هو توافر المقامات الثلائة في المرء: الاعتقاد بالقلب» والإقرار باللسان» والعمل بالأركان» فمن ضيّع واحداً منهاء فهو كافر بأي معنی من معاني الكفرء وئي هذا قول (السالي): «من ضيع واحداً من هذه الثلانة بعد لزومه عليه فهو هالك؛ استوجب بتضييعه ما افترض الله عليه هلاك المعانك لأنه حينئذ يكون كافراً كفر شرك أو كفر نعمة»“. ويؤكد (السائلي) وهو من كبار الأباضية على حقيقة الإيان في المذهب الأباضي فيقول: «الإيمان عند الأباضية قول وعمل واعتقادء وبالقول تعصم الدماء والأموالء وبالعمل يصح الإيانء وبالاعتقاد يتحقق الإيمان الصادق» وهو الذي (1) معالم الدين› (2/ 85-84). (2) المصدر السابق: (2/ 8 8). (3) مشارق أنوار العقول» ص3 33. يمان وا2 سام 215 يقول فيه الأباضية بأنه يزيد ولا ينقص» بل إذا اندم بعضه اندم كله للأدلة الصححة التي لا یرتاب فيها د . الإايمان بين الزيادة والنقص: تعرض الأباضية ي معرض حديثهم عن قضية الإيمان والإسلام لوضوع زيادة الإيان ونقصانهء شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الفرَّق الإسلامية وقد انقسم الأباضيون في هذا الشأن إلى رأيين مختلفين: الرأي الأول: يذهب إلى أن الإيمان يزيد وينقص» يزيد ويقوى بالطاعات؛› وينقص بمقدار الغفلة والنسيانء وارتكاب الأعال المحرمة أو يزيد بالطاعة والعلم» ويضعف بالمعصية وال جهل”. وهذا الرأي الذي يقول بزيادة الإيان ونقصانه يلتقي فيا ذهب إليه مع أهل السنةء وكثير من أهل الحديث. وقد استدل هذا الفريق بأدلة نقلية وأخرى عقلية من الأدلة النقلية قوله تعالى: إِدما المؤمنوت الَذِب إِذا ذكراه ولت فلو مهم وإذا ليت عبرم ءايسهرزاد هم إِيمتارعل ريه يركون 4)6 [الأنفال:2]› وقوله: هوالذى انل السكِنه ف فوب اْو ديكات يكيو 4 الفتع:4]› وقوله: امت سورة تمن ليسم رد كديس أن بے اموا دتمم إيمكا وهر ترود َم ہے ف لوبو رش رادت يجا رجهم واوا وهم فو ) > [التوبة:125-124]. ومن السنّة قوله يِل : «أكمل المؤمتين إيماناً أحسنهم خلقا (1) أصدق المناهج في تمييز الأباضية من الخوارج» ص33. )2( شرح القصيدة النونيةء ص240. )3( سنن الترمذي› كتاب الإيمان› باب في زیادة الان ونقصانه (5/ 9). 216 العخائد الأيمائية ج مدقب ]باصي ومن أقوال الصحابة ما روي عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنه) قالا: «الإيمان يزيد وينقص»'". الرأي الثاني: يرى أن الإيان لا يزيد ولا ينقصء لأن القول بزيادة الإيان ونقصانه يؤدي إلى القول بنقصان الاأعتقاد ئي حالة نقص الإيان؛ وإذا نقص الاعتقاد عندهم فقد ينقلب إلى شك؛ والشك يتناف مع الإيمان» ومن هنا فالإيان الشرعي لا يزيد ولا ينقص“» وفي هذا يقول السالي: «ذهب بعض أصحابنا إلى أن الإيمان الشرعي لا يزيد ولا ينقص - وعليه أبو حنيفةء وإمام الحرمين وبعض الأشاعرة - » وبيان ذلك أن الإيان عندنا هو الوفاء بجميع الواجبات» فمن وجب عليه فرض لا يكون مؤمناً حتى يؤديه على وجهه» ثم يزيد الإيان بزيادة التكليف؛ ولا يصح نقصه لأن النقص إخلال ببعض الواجبات»”. ويؤيد هذا الرأي ما ذهب إليه النسفيء حيث يقول: «حقيقة اللإيان لا تزيد ولا تنقص» لأن التصديق القلبي الذي بلغ حد الجزم والإذعان لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان؛ حتى إن من حصل له التصديق فسواء أتى بالطاعات أو ارتكب اللعاصى» فتصديقه باق على حاله لا تغير فيه أصلا والآيات الدالة على زيادة الإيمان محمولة على ما ذكره أبو حنيفة - رمه الله تعا لى - من أنهم كانوا يؤمنون في ال جملةء ثم يأ فرض بعد فرض» فکانوا يؤمنون بكل فرض خاص لأن الدين م ينزل دفعة واحدة بل نزل ئي فترات متعددة» وکل نزل شیء آمنوا بهء فالآيات تحکي حال الصحابة حين كانوا يتلقون من الرسول يَأ كل شيء يأتي به الوحي»“ (1) سئن ابن ماجه: اللقدمةء باب في الإيمان» (1/ 28)› طبعة الحلبي. (2) الأباضية عقيدة ومذهباًء ص116. (3) بهجة أنوار العقول» (1/ 150). )4( العقائد النسفيةء ص 128. مذكرة التوحيد أ. حسن السيد متولي» ص33 طبعة القاهرة. يمان وا سام 217 ومن هنا ندرك مدى عمق الخلاف بين الأباضية في مسألة زيادة الإيان ونقصانهء ففي الوقت الذي يعتقد فريق من أتباع اذهب أن الإيان يزيد بالطاعة وينقص بالغفلة وارتكاب الأعمال المحرمةء يعتقد الفريق الآخر أن اللإيان لا يزيد ولا ينقص» وغذا يقتضي هذا الخلاف بين الفريقين إعادة نظر للتوفيق بين الرأيين وخاصة من فقهاء وعلماء الأباضية المحدثين. إن الخلاف بين هذين المذهبين خلاف حقيقي» والإيمان يقبل الزيادة والنقص› سواء أكان اسيا للتصديق فقط أم اسيا للتصديق مع العمل» وأن الزيادة والنقص في الإيان وفي التصديق» أما في الأعمال فواضح أنها تزيد بالكثرة وتقل بالتكاسل» وأما التصديق فما يؤيد قبوله للزيادة والنقص» قول الرسول يي : «ما فضلكم (أبو بكر) بصلاة ولا بصيام؛ ولكن بشيء وقر في نفسه؟» والذي وقر في النفس» واستقر ني القلب إنا هو التصديق. يقول الإمام النووي: «إن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلةء فلهذا يكون إيان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم؛ بحيث لا تعتريه الشبهء ولا يتزلزل إيانهم بعارض» بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال» أما غيرهم من المؤلفةء ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك؛ فهذا نما لا يمكن إنكاره ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصدیق (آبي بکر) لا يساويه تصديق أحاد الناس»”. فالإيان بمعنى التضديق يقبل الزيادة والنقص باعتبار ذاته» لأنه من الكيفيات النفسية كالفرح وال حزن» وإلا لاقتضى أن يكون إيمان النبي يي وإيمان أفراد الأمة سوا وهو باطل بالاتفاق. كا يقبل الزيادة والنقص باعتبار متعلقه لان الإيمان 218 العفائد اليمائية ج مهب ]باصي التفصيلي أكمل من الإيان الإجالي› فمن بلغته الشرائع إجالا فآمن به ثم بلغته تفصیلاً فآمن بها بعد أن آمن بہا إجالاً ازداد إیمانه ٠" . 2 حكم مرتكب الكبيرهة لقد تباينت القْرَق الإسلامية تبايناً كببراً في ال حكم على مرتكب الكبيرة» وهذا التباين كان نتيجة طبيعية ما اعتنقته كل فرقة من أفكار» ترى من وجهة نظرها آنا على صواب» وما دونها على باطل» وقد حاولت كل فرقة تقديم أكبر قدر من الأدلة النقلية والعقلية لإثبات معتقدهاء وإبطال معتقد غيرها من الفِرَق الأخرى. وقد بين أحد علمائنا مكمن ا خلاف بين الفرَّق بشأن الحكم على مرتكب الكبيرة فقال: «إن الخلاف بين الفَرَّق بشأن هذه المسألة مبني على حقيقة الإيانء فمن قال إن الإيان هو التصديق» قال إن صاحب الكبيرة مؤمن وهم السنيون. ومن قال إن الإيمان هو التصديق والعمل المفروض» قال إن صاحب الكبيرة لا هو مؤمن - لأنه انتفى عمله الذي هو شطر من حقيقة الإييان -» ولا هو كافر نظراً إلى ما تواتر من أن جماعة الأمة كانوا لا يقتلونه قتال المرتدء وكانوا يدفنونه في مقابر المسلمين؛ وعلى ذلك تكون هناك واسطة بين الكفر والإيانء وهؤلاء هم (1) دراسات في العقيدة حول السمعيات؛ ص57. قارن: محاضرات في التوحيد؛ الشيخ صالح شرف ص 71. (2) الكبيرة: هي كل معصية تشعر بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة. انظر: إتحاف المريكء ص 157. ومع هذا التعريف فقد اختلفت الآراء ني ضبط الكبيرةء فبعضهم ضبطها بالعدت وبعضهم ضبطها بأمر عام آما من ضبطها بالعدد فقال إنما سبع أو سبع عشرةء أو سبعون؛ وحاولوا آن يحصوها من خلال النصوص الشرعية التي ذكرت أعدداً ها. أما من ضبطها بأمر عام فقال: : هي ما اتفقت الشرائع على تحريمهء وفيل هي: ما يسد باب المعرفة بالله. وقيل: هي کل ما جي عنه فهو كبيرةء وقيل: هي ما يترتب عليها حد أو توعد عليها بالنار أو اللعنة أو الفضب» وهذا هو التعريف المختار انظر: قضية التكفير ي الفكر الإسلامي» د. محمد سيد المسيرء ص 23-21 طبعة دار الطباعة المحمدية 1996. أيضاً : الزواجر عن اقتراف الكبائر» لابن حجر الميتمي» (1/ 4). العقيدة الطحاوية» ص18 3. الإيمان وا2 سلم 219 المعتزلةء ومن قال إن الإيان هو التصديق والعمل مطلقاًء فرضاً كان أو نفلا قال إن صاحب الكبيرة بل والصغيرة كافر لأنه لا واسطةء وهؤلاء هم الخوارج. ومن اعتقد بأن اللإيان هو المعرفة بالله فحسب فقد أثبت أن المعاصى سواء كانت كبيرة أم صغيرة لا تدخل صاحبها في الكفر ولا تمنع عنه الإييان؛ فهو مؤمن كامل الإيمان وهؤلاء هم (المرجئة) القائلون: لا تضر مع الان معصيةء كا لا تنفع مع الكفر طاعة. أما الحسن البصري فذهب إلى أنه منافق في عقيدتهء أي ييظهر الكفر بعمل الكبيرةء ويخفي الإيانء فهو على غير النفاق المعهود الذي هو إظهارالإسلام وإضيار الكفر»". وواضح من هذا أن (أهل السنة) يرون أن الكبيرة لا ترج صاحبها من الإييانء ولا تُدخله في الكفرء بل هو تحت مشيئة الله تعالى؛ إن شاء عاقبهء وإن شاء عفا عنه» فهم يقولون: «لا نكمُر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله» وما لم يكن من الكبائر المكفُرةء الشرك بالل أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة. وأن الخوارج يرون أنه تحرج صاحبها من الإييان وتدخله في الك ولا واسطة يينهما. وأن المحتزلة يرون أنها لا شرج صاحبها من الإيان ولا تّدخله في الكفر لأنهم يقولون بالمتزلة بين المنزلتين» ويسمونه فاسقاًء وهو ملد في النار. وأن المرجمة يرون أنها لا ترج صاحبها من الإيمان» بل يرون أنه مؤمن» وأنه يدخل الجنةء مهما فعل من المعاصي› لأنهم يقولون: «لا يضر مع الإيان معصيةء كا لا ينفع مع الكفر طاعةء فإذا كان الكافر تذهب أعاله الصالحة هباء منثوراء لأنه فاقد للإيمان الذي هو أساس قبول العمل فإن المؤمن الذي استقر في قلبه الإيان لا يضره ما يعمل من المعاصي» وأن الحسن البصري يرى أن صاحبها منافق» فهذه مذاهب خمسةء ولكل مذهب وجهة نظر» وحل الخلاف فيها إذا م يتب صاحبها عنهاء أما إذا تاب عنها فلا خلاف في أنه مؤمن» إذ التوبة تجب ما قبلهاء والتائب من الذنب كمن لا ذنب له). _—- () مذكرات في التوحيد للشيخ صالح موسى شرف» ص125-124. 220 ِ العفائد الأيمائية ك مدهي الأباضية ومشكلة الكبيرة وحكم مرتكبها والتشدد فيها قد لازمت فرقة الخوارج بشكل أصل» وكان طبيعياً أن يكون للأباضية رأي في هذه المشكلة بحكم النشأة الأول الذي يرى كثير من كناب المقالات أنها نشأت في أحضان الخوارج» وهي يرفض الأباضية اعتقاد أهل السنة في جواز عفو الله تعالى عن وعيده بعذاب أهل الكبائر إِذ يعد أهل السنة ذلك من الصفح المحمودء ولكن ذلك عند الأباضية لا يجوز عل الله تعالىء بل إنه إذا توعد على فعل وقال: إني أفعلهء فلا بد أن يفعل ذلك الفعل؛ وقد استحسن الأباضية موقف عمرو بن عبيد المعتزلي في هذا الشأن”. وفي هذا يقول شيخ الأباضية المتأخرين: «إنا ندين بأن الله تعالى صادق في وعده ووعيده» وبخلود أهل الجنة في الجنةء وأهل النار في النار»“» أي لا يخرج من النار أصحاب الكبائر على ما يعتقد أهل السنةء الذين أجازوا أن يخلف الله وعيده رحة منه ومغفرة لأهل الكبائر فالذي مات على كبيرة من غير توبةء فالوعید لازم له ولا آمل له في النجاة من النارء أو الخروج منهاء لأن صاحب الكبيرة حبطت حسناته. وهذا الموقف منهم أقرب إلى التشدد منه إلى الاعتدال؛ء ذلك أن مرتكب الكبيرة عندهم يعامل لديم بأحكام المؤمنين؛ إِذا لم يقترن بممارسة الكبيرة بغي لا یمکن رده فإنه ي حالة صدور بغي لايمكن مقاومته تترك ولايته عندهم ولا تقبل شهادته» وتجب البراءة منهء ويحل قتله. أما مرتكب الكبيرة غير المستحل اء كالقتل والسرقةء والزنى وشرب الخمر؛ فهي تستوجب الحد ما بين قصاص (1) الكشف والبيان (1/ 169-168) بتصرف. )2( معالم الدين» (2/ 238). قارن: أصول الديانات؛ للشيخ عامر علي الشماخي» ص 114-113› طبعة القاهرة 1304ه. (3) معالم الدين› (2/ 149-148). (4) مشارق أنمار العقول» ص240. الأيمان وال لام سسس 221 للقاتل» وجلد لزاني غير الملحصن وشارب اخمرء وقطع يد السارق. أما مرتكب الكبيرة اللستحل ها يتأويل خاطئ فإنه ّدع إلى الحقء وترك الاعتقاد الباطل. والبراءة من أئمة الضلال» فإن أجابوا إلى الحق أصبح شم ما للمسلمين؛ وعليهم ما عليهم؛ فان آبو آجری عليهم حکم السلمين» وإن امتنعوا ناصبهم الإمام الحرب؛ ولا بحل منهم غير دماٹهم فلا تغنم اموانشم؛ ولا بجھز عل جریجهم طالا نم لن يصلوا إلى ماوی وفئه . هذاء وقد قسم الأباضية الكفر إلى قسمين: كفر الشرك؛ وكفر النعمةء وقد ذهبوا في الحكم على كفر الشرك مذهب جميع المسلمين؛ وعلى أن صاحبه ملد في النارء ولكنهم قسموا كفر الشرك إلى نوعين: نوع يمثل كفر المساواة وهو أن يسوي العبد بين الخالق والمخلوق في الذات والصفات. والنوع الثاني: كفر الجحود والإنتكار وخلاصته عندهم إنتكار وجود الله والأنبياء والرسل والملائكة والكتب والمعاد والحساب والبعث والجنة والتار› وهذان النوعان يستحق فاعله) الخلود في النار. أما كفر النعمة المتمثل في اقتراف الذنوب والمعاصي» فهي صغائر الذنوب؛ وهي التي لم يثبت على فاعلها حد في الانيا وهي تلك الذنوب التي قل فيها الثم وبعضهم يقول في وصفها: «كل ذنب لم أتٍ فيه وعيد ولم يعينه نص" . ولا خلاف بين الأباضية على أن صاحب الكبيرة كافر النعمة إذا خرج من الانيا غير مقلم عن الكبيرة وتائب منهاء فهو كافر لد في النار. والكبيرة التي (1) شرح القصيدة النونية» ص275. أيضاً: الفرق بين الفْرَفق» ص107. (2) بهجة أنوار العقول» (1/ 175). (3) مشارق أنوار العقول» ص376. (4) الأباضية عقيدة ومذهباء ص120-119. قارن: معالم الدين› (2/ 165). المذائد اإيمانية ج مهب | باصية 2 ا اقترفها ول ينب منهاء أو م يقم عليه حدها قد أحبطت الطاعات التي قام ا فعذاب النار أبدى حتى لرتكب الذنب من المسلمين» وهو إذا مات دون أن يتوب» ولا تنفعه شفاعة الملائكة أو الرسل أو الأولياء مالم يتب من الذنب» فإن تاب قبلت شفاعتهم» وليس هذا تبديلاً ما قضى به الله تعال» وإنما زيادة لحم في الشواب» وتشريف في المنازل كم يقول الجحيطالي في كتابه قناطر ا خيرات" . ومن الجدير بالملاحظة هنا أن أبدية العذاب بالنسبة للمسلم المذنب تبرر بالسبب نفسه الذي ساقه المعتزلة“» وهو أن الله صادق في وعده ووعيده الواردين ف القرآن“. وفي هذا يقول الشماخي: «اوندين بن الله صادق في وعده ووعىدە»”. يؤيد هذا ما ذهب إليه اللصعبي حيث يقول: «باعتقادنا وقولنا إنه - أي الله - يفعل في أهل الشرك والعصيان يوم القيامة ما أخبر في الدنيا - بالقرآن - بفعله فيهم فيه ويكون ما قضى به ذلك الوعيد من أنواع العذاب حقاًء وبأنه لا يخلفه كا لا يخلف وعده للمؤمنين بالخيرات» وبدوام أصحاب النار والحوان فيها وعدم خروجهم منها س وو ر بوجه ماء لنحو قوله تعالی: $ ل سے سک وا طت و حطی سه فاوګ َ (1) قاموس الشريعةء جيل بن خيس السعدي؛ (6/ 3)› طبعة زنجبار 1299ه. أيضاً: مقالات الأسلاميين؛ (1/ 189). لوامع الأنوار البهية للعلامة محمد السفارييني» (1/ 88-87)› طبعة اللكتب الإسلامى. (2) قناطر الخيرات؛ (1/ 248)› طبعة القاهرة 1307 ه. (3) يرى المعتزلة: أن المسلم المرتكب للكبيرةء والذي يموت دون توبة يلد في النار وكل ما هنالك هو أن عذابه فيها أخف من عذاب الكفار؛ بيا يرى أهل السنّة: أن امسلم لا يلد في النارء حتى لو كان مرتكبا للكبائر اللهم إلا الكفر والإشراك بالله تعالى؛ ويعتقدون في شفاعة الملائكة والنبيين وأولياء الله للمسلمين المذنبين» ومن أجل هذا هم يسلمون - أي أهل السنة - ضمناً بأن الله يمكن أن يتجاوز عا جاء في القرآن الكريم من وعد أو وعيد. راجع: هامش ص182› من التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية. (4) بحوث في المعتزلة ضمن التراث اليوناني» ص2 18. (5) أصول الديانات› وهو عمدة كتب الأباضية في جبل نفوسةء ص114-113. يمان وا لام 223 ا سحب ا رها حَلدُون ( 4 [البقرة:81]› وقوله: ريدو آن گرجوا من ات رومام رجت متها وعدا مم ا:37 9.٠ ومن الملاحظ أيضاً هنا أن الأباضية وإن اتفقت في هذا مع المعتزلة إلا أن اللعتزلة تختلف عنها في القول بأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين» أي بين منزلة الكفر ومنزلة الإيمان» بمعنى أن مرتكب الكبيرة ليس مؤمناً بإطلاق» ولا كافراً بإطلاق. أما الأباضية فهم يرون طبقاً للأصل العام الذي يدين به الخوارج جيعاً أنه كافر” قولاً واحداً - كفر نعمة عند الأباضية - ولمحذا يقول العبالم الأباضى المصعبي: «ندين بأن لا منزلة بين منزلة الإيمان ومنزلة الكفر“» ويعلل بعض علمائهم سر تشددهم في هذا ا حكم فيقول: «والحكمة في خلود أهل الكبائر في النار أن العاصي إذا عصا فقد عصا ربا عظي] لا نهاية لعظمتهء فكذلك يكون عذابه بخلود لا نهاية له»“. وقد استدل الأباضية في هذه القضية ومعهم المعتزلة وبقية فرق الخوارجء على صدق دعواهم في تخليد مرتكب الكبيرة في النار بأدلة من القرآن» وأخرى من السنّةء تأولوا فيها ب يحقق دلائل ما اعتقدوه» والذي يقلق حقاً كا يقول أحد الباحثين: هو أن المرتكزات العقدية التى ذهب إليها الأباضية في فهم آيات كتاب لله تعالى كانت على ضوء الأسس العقدية التي دوّنها الربيع بن حبيب في مسنده وفهم ما رواء في باب ال حجة على من قال: إن أهل الكبائر ليسوا بكافرين› وقد (1) راجع: شرح القصيدة النونيةء المسياة بالنور عبدالعزيز إبراهيم اللصعبي» ص275› طبعة القاهرة› 6 ھه. )2( لا يعنينا هنا أن يعتبر كافر شرك آو مشرکاء کہا تری فرق الخوارج : الأزارقة والنجدات والصفريةء أو أن يعبر كافر نعمة أي كفر بنعمة الله كما يرى الخوارج الأباضية .راجع : الفرق بين الفَرّق؛ء ص91 107-106. أيضاً : معالم الدين› (2/ 165). )3( شرح القصيدة النونيةء ص322. (4) منهج الطالبين وبلاغ الراغبين» خيس بن سعد الرستاقي» (1/ 523)» طبعة الحلبي بمصر. ۹ 224 العفائد الأيمائية ج مهب ]أ باضية جاءت معظم هذه الأحاديث بغير سند ولا راو والمتن حالف في غالب روایاته عند كتب الصحاء «. فمن الآيات التي استدل با الأباضية قوله تعالى: ومن‌يعص اله ورسوله إن له تَارَجَهتَ حَِدبَ با4 [الجن:23] وقوله: «إنالاارل ير )دشر لى حيمر ك) سملن ی) ومام يتاين (0) 4 [الانفطظار:16-13]› وقوله: 4 م امتعمدا ف جرا م جه کے ومن يشل مۇم امت عدا فجراۋە جهن انما [النساء:93]. وغير هذه الآيات كثير ما استدل به الأباضية عل خلود مرتكب الكبيرة في الشاره فقد طوعوا مفاهيمها ودلالاتها لتحقق لحم جوهر معتقدهم في ال لحكم على مرتكب الكبرة ومن الأحاديث التي استدلوا بها قوله يي : «من ترك الصلاة قد كفر»“٠ وقوله: «إذا قال رجل لرجل آنت عدوي فقد كفر أحدها . وقوله: «لايدخل الجنة ‏ حم نبت من سحت» والنار أولى به" ٤ وقوله: امن مات وعليه دين م يدخل الجنةء قيل: ولو فُتل في سبيل الله؟ قال: «ولو فُتل سبعین مرق : ثم أحيي» ثم فُلء وعليه دين فلا يدخل الجنة». فهذه الأحاديث كما يقول الإمام الربيع بن حبيب في مسنده: «تثبت الكفر لأهل القبلة» . (1) الأباضية عقيدةء ومذهباً» ص122. (2) مسلم بشرح النووي» كتاب الإيان» باب بيان إطلاق اسم الكفر على تارك الصلاق (1/ 266)› طبعة الشعب. (3) الجامع الصحيح؛ مسند الإمام الربيع؛ (3/ 5). (4) المصدر السابق. (5) المصدر نفسه. (6) مسند امام الربيع؛ (3/ 5). يمان واب سام 225 هذا بالنسبة للكبائر» أما الصغائر فقد ذهب أباضية المشرق إلى القول بأنجا معفو عنا طالما اجتنبت الكبائر» مستدلين في ذلك بقوله تعالى: # إن نبوا ڪكباير مالمَون عَنه تَكَفرَ نكم دكم 4 [النساء:1 3]. أما إذا أصر العبد على الصغائر فهو هالك؛ لأن صاحب الصغيرة من الذنوب إذا أتى ما مستخفاً لنهى الله عنها فإنه حينئذ يكون مصراً على الذنب» والإصرار عندهم يعبر عنه بأشياء منها: الإقامة على الذنب» والاستمرار فيه أو الإعراض عن التوبةء أو العزم على عدم التوبة.. وحكم مرتكب الصغيرة في الدنيا عند (أهل الاستقامة) أنه موحد ولا يوصف بالفسق؛ ولا بالضلال؛ ومن ثم ولا بالكفرء حتى يعلم منه الإأصرار عليهاء والعزم عل غدم التو ية . أما عن النفاق فقد اختلف الأباضية فيه إلى ثلاث فرّق: الأولى: تزعم أن النفاق براءة من الشرك والإييان جميعاء واحتجوا في ذلك بقوله تعالى: #مذبذيي ب کک کیل کول ولال ولا 4 [النساء:143]. والثانية: تقول: إن كل نفاق شرك لأنه يضاد التوحيد. والثالثة: تقول: لسنا نزيل اسم النفاق عن موضعه؛ وهو دين القوم الذين عناهم الله بهذا الاسم في ذلك الزمان› ولا نسمي غيرهم بالنفاق” . واختلفوا في النفاق: أيسمى شركاً أم لا؟ فقالوا: إن المنافقين في عهد رسول الله يل كانوا موحدين إلا أنهم ارتكبوا الكبائر فكفروا بالكبيرةء لا بالشرك... ومن ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر النعمة لا كفر الملة ٠ أما عن مصير أطفال المشركين والمنافقين: فقد قالت طائفة من الأباضية: حكمهم في الدنيا والآخرة حكم آبائهم قياساً على حكم أولاد المؤمتين؛ لاتفاقهم )1( مشارق أنوار العقول» ص378. (2) مقالات الإسلامين (1/ 185). قارن: الفرق بين الفْرَف» ص106٠ (3) الملل والتحل؛ للشهرستاني› (1/ 135). مقالات الإسلاميين؛ (1/ 9 18). 226 العفائد الأيمائية ج مدهب اأباضية على أن أطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم في الدنيا والآخرة في حكم الظاهر والدعاء لحم» والتوليةء والإرث» ويقبرون في قبور ال مسلمين» وفي الآأخرة ينعمون مع آبائهم. فقالوا: فلا كان أطفال المؤمنين أحكامهم في الدنيا أحكام لآبائهم؛ كان أحكام مع آبائهم بالاتفاق ولم يعملوا عملاً صالاً يجازون عليه جاز أن يعذب أطفال اللشركين والمنافقين؛ وإن ل يعملواء والله يفعل ما يشاء. وقالت الطائفة الأخرى: إن أطفال المؤمنين ينعمون مع آبائهم؛ وهذا موضع اتفاق» والدليل على ذلك قوله تعالى: ورلن ءامو داتعنمم دري يإين أََفَايي ذرينمم ومالهم يَنْ عله مين يو [الطور:21]. أما بالنسبة لأطفال غير المؤمنين› فالسألة موضع اختلاف» فنأخذ بقول ما اجتمعوا عليه ونقف عا اختلفوا فيه أي نقر ب اتفق عليه اللسلمون من أمر مصير أطفال المؤمنين» ونتوقف عن الحكم فيا اختلفوا فيه من أمر مصير أطفال غير المؤمنين. وحجة هذه الفرقة (الواقفة) قوا: ما وجدنا الأخبار ختلفة فيهم والأمة مختلفة ني ذلك في حكمهم» وقفنا عنهم؛ لأن الله تعالى لم يتعبدنا أن نعلم إنهم في النار أو في الجنةء ولذلك رأينا الاعتصام بالسكوت عن حكمهم ورأينا الوقوف أسلم ي أمرهم. ويعقب الشيخ الأباضي بقوله: «وعلى هذا المذهب الأخير - يعني الوقف في الحكم على أطفال غير المؤمنين - أدركنا أشياخنا رحمهم الله تعالل»”. وقد بين الإمام الأشعري موقف الأباضية من أطفال غير المؤمنين› فقال: «ووقف كثير من الأباضية في إيلام أطفال ا مشركين في الآخرة. وجوز آخرون أن يؤلهم الله تعالى في الآخرة على غير طريق الانتقام وجوزوا أن يدخلهم الجنة () الكشف والبيان (2/ 320-317). الإيمان واا لام 227 تفضلاً ومنهم من قال: إن الله تعالى يؤلهم على طريق الإيجاب» لا على طريق التتجو ر" وهو نفس ما ذهب إليه العالم الأباضي القلهاي في كتابه (الكشف والبيان). أما عن نظرة الأباضية إلى محالفيهم من المسلمين فقد كانت أخف وطأة من بعض فرق الخوارج الأخرى» فقالوا: إن مخالفينا من أهل القبلة كفار غير مشركين› ومناكحتهم جائزةء وموارثتهم حلال» وغنيمة أموالحم من السلاح والكراع عند الحرب حلال؛» وما سواه حرام أي إنهم لا يبيحون اغتصاب أموالحم أو أخذها إلا عند الحرب باعتبارها غنيمةء وقالوا أيضا: حرام قتل محالفيهم وسبيهم في السر غيلةء إلا بعد نصب القتال وإقامة الحجة”. فهم في حربم مع نالفيهم نجدهم أقل قسوة وتعقباً لخالفيهم من فِرَق الخوارج الأخرى» فهم يقولون: لا يتبع المدبر في الحرب إذا كان من أهل القبلة وكان موحداًء ولا يقتل منهم امرأة ولا ذريةء لكنهم أباحوا قتل المشبهة واتباع مدبرهم؛ وسبي نسائهم وذرارہم» وقالوا: إن هذا کا فعله أبو بكر ي بأهل الردة. وقالوا: إن دار خالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي وأجازوا شهادة مخالفيهم على أوليائه”“. وبعد أن اتضح لنا موقف الخوارج عامة والأباضية خاصة في حكم مرتكب الكبيرة نقول إن هذا المنطق يقوم على الغلظة والشدة والتعسير مع العلم بأننا أمة بعثنا ميسرين ولم نبعث معسرين» والمنطق الذي يسوي بين الكافر الحقيقي (1) مقالات الإسلامين (1/ 189). اللل› (1/ 135). (2) الملل والنتحل› (1/ 134). (3) الفرق بين الفَرَقء ص107. )4( اللل والتحل (1/ 134). الفرق بين القْرَّق› ص106. إسلام بلا مذاهپ؛› ص 137. 228 العفائد الأيمائية ‏ مهب ]باصي وصاحب الكبيرة المؤمن منطق معكوس» لأن المؤمن لا يخرج عن إیمانه مها ارتكب من ذنوب» وعمل من سیئات. ومن رحة الله تعالى بأصحاب الكبائر أنه لم يطردهم من رحمتهء ولم يغلق باب التوبة أمامهم» فهو سبحانه يقول منادياً على المذنبين أن يعودوا إلى ساحته مرة أخرى: فل باد ى اَذ اسرفوا عل اميه لا تمتطوامن مد اسَهين سه َعَم الدب جِيعا هوا هوالْعمورالَح )4 [الزمر:3 5]. . وهي أرحب آية في كتاب الله تعالى لأصحاب الكبائر أن يعودوا إلى ربهم في الدنيا قبل لقائه تعالى يوم تقوم الساعة. والذي عليه أهل السنة وال جحماعة أن أهل القبلة كلهم مسلمون ومؤمنون لا نرفع عنهم اسم الإيان أو الإسلام بارتكاب الكبيرة أو ترك الطاعةء وأهل الكبائر من أمة محمد يلو لا يخلدون في النار إذا ماتوا على كلمة التوحيد؛ وغير مستحلين للكبيرة ولا منتكرين لأصل من أصول الدين» ولالشيء بماعلم من الدين بالضرورة» والرسول يَلء قد أخبر أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان وقال: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي». کے قضي ت الإمامت تمهید: يطلق على الرئيس الأعلى في العرف الإسلامي اسم الخليفة أو الإمام أو أمير اللؤمنين» وهذا الرئيس أو الإمام هو الذي به قوام الدولة والأمةء وهو الذي من أول واجباته سياسة الأمة بالعدل وحمايتها ودفع العدوان عنهاء هذا العدوان الذي يكاد يكون طبيعة من طبائع البشر. والحديث عن القضية (الإمامة) أو الخلافة ي الإسلام حديث متشعب؛ ممتد الأطراف» متعدد الجوانب» إذ تشمل مكانة الخلافة من الشرعء وصلتها بأحداث التاريخ› ومكانتها من الفكر السياسي› ودورها في الحفاظ على وحدة الامة. «فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا»”° . وهي کےا يقول الماوردي: (موضوعة خلافة النبوةء ف حراسة الدين وسياسة الدنا». ويقول سعد الدين التفتازاني: «هي رئاسة عامة بي أمر الدين والدنياء خلافة عن النبي ا 7 (1) امقدمة للعلامة عبدالر من بن خلدون» ص176 طبعة عبدالسلام شقرون القاهرة. )2( سكام السلطاتيةە أي اىن ماودد ل ص137٠ طبعة الحلبي بمصر. قارن: : كناب الخلافةه للسيد رشيد رضاء ص10٠ طبعة القاهرة. 230 العفائد الإيمائية ج مدهب ]أباصّية فموضوع هذه الخلافة (حراسة الدين أولاء ثم سياسة الدنيا ثانياً)» فهي نيابة عن صاحب الشريعةء في حفظ الدين» وسياسة الدنياء فالإمامة هي ال حكومة الإسلامية الشرعيةء أو أنها «الحكومة التي تكون الشريعة الإسلامية قانونما» قانونها الأكبر وهو ما نسميه اليوم بالدستورء وقانون الفرع؛ وهو يبجموعة الأحكام التشريعية التي تنظم حياة الأمةء سواء أكانت تلك الأحكام تتعلق بالمعاملات الماليةء أو الأحوال الشخصية أو المسؤوليات الحنائيةء أو غير ذلك وهدف هذا القانون هو تحقيق مصالح الناس في حياتهم الدنيوية والأخروية”°. واللإمامة أبرز مسألة سياسية ذات خطر نشاً حوها الخلاف بين المسلمين بعد وفاة رسول الله يل مباشرةء ذلك أن النبي يَأ م يقرر نظاماً معيناً من يكون إماماً أو خليفة من بعد فمنذ اللحظة الأولى من انتقال رسول الله يٍَ إلى الرفيق الأعلى اختلف المسلمون فيمن يخلفه؛ ثم استقر رأيهم أخيراً على استخلاف أبي بكر الصديق» فكانت الخلافة بذلك شورى بينهم› ثم كان الخلاف على تخصيص أي بكر الصديق لعمر بال خلافة وقت وفاته» والخلاف على بيعة عثمان» والخلاف الحادث في آخر عهد عثمان وخروج بعض المسلمين عليه ثم قتلهء ثم الخلاف بين علي وعائشة وطلحة والزبير من ناحيةء ثم ا لخلاف بين علي ومعاوية من ناحية أخرى» وهو الخلاف الذي أشعل نار الحرب بين المسلمين فترة وانتهى بثبات الأمر لمعاوية وذریته من عد والمذاهب في الإمامة تنقسم إلى قسمين: مذاهب تقوم على أساس من القول بالنص والتعيين» أي نص النبي يي على شخص معين يخلفه من بعد كمذهب الشيعة على اختلاف فرقهم باستثناء فرقة (الزيدية)» ومذاهب تقوم على أساس من القول بأن الإمامة تكون بالاتفاق والاختيار لأن النبي ي م ينص على من يخلفه )1( النظريات السياسية الإأسلاميةء د. محمد ضياء الريس» ص 127. (2) كتابنا: قضية الإمامةء نشأتها وتطورها بين الفْرَق الإسلامية ص3-2. مضيذاامامة 231 من بعده» وترك أمر المسلمين شورى بينهم» وهي مذاهب باقي الفرَّق الإسلامية كا خوارج والمرجئة وأهل السنة والمعتزلة. ولأهمية هذه المسألة في الإسلام فقد أجمع أهل السنّة والشيعة والمعتزلة حكم إسلامي» متمثلاً في شخص الخليفةء وفي هذا يقول ابن حزم: « إن مذهب الوجوب قد قالت به جميع أهل السنةء وجميع المرجئةء وجميع الشيعة » وجميع الخوارج وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله تعالى› ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله يِل حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض اللإمامةء إنهم عليهم أن يتعاطوا الحق فيا بينهم› وهذه فرقة مانرى بقي منهم أحد»". ولا شك أن نظرة النجدات إلى الإمامة غير واقعية لأنه لا بد من حاكم يقيم حدود الله وأحكامه» ولو ترك الناس وشأنهم لاختلفوا في ذلك؛ وقد علق ابن حزم على ما ذهب إليه النجدات بقوله: «وقول هذه الغرقة ساقطء يكفي في الرد عليه وإبطاله إجماع كل من ذكرنا على بطلانه» والقرآن والسنّة قد ورد بإيجاب الإمام»”. واللإمامة في نظر القائلين بالوجوب فرض كفايةء الأمة كلها مسؤولة عن أدائه فإن لم يؤد فالإئم واقع على الأمة بأسرهاء فالمسؤولية عن أداء هذا الفرض أخطر بكثير من التبعة التي تترتب على عدم القيام بالفرض العيني» وإذا لم توجد الإمامة فيحكم على الأمة كلها متضامنة بأنها عاصيةء لأنها أخلّت بأحد الفروض الحامة التي أوجبها الشارع. أما إذا حكم بأن الإمامة جائزةء كا ذهب إليه التجدات من الخوارج ونفر من المعتزلةء كان معنى ذلك أن حكمها حكم سائر الأشياء أو الأعمال المباحة التي ل يرد من الشارع نص قاطع على فرضيتهاء والتي ترك للإنسان () الفصل في الملل والأهواء والنحل› (4/ 72). قارن: مقالات الإسلامين؛ (1/ هامش ص 45). (2) المصدر السابق› (4/ 72). 232 العفائد الإيمائية ج مدهب ]أ باضية أن يفعلها أو يدعهاء فلا تترتب على تركها تلك المسؤوليات الخطيرةء ولا يأثم الفرد أو المجموع بعدم القيام بہا. وقد عبر عن ذلك الماوردي قائلاً: «إذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفايةء كالجهاد وطلب العلم؛ فإذا قام بها من هو من أهلها سقطء وإن لم يقم بها أحدء خرج من الناس فريقان: أحدهما: أهل الاختيار حتى يختاروا إماما حاكا إسلامياً للأمة. والفريق الثاني: أهل الإمامةء أي المرشحون لولاية الحكم حتى ينتخب أحدهم للإمامةء وليس على عدا هذين الفريقين من الأمة في تأخير الإمامة حرج ولا مام . الإمامت في فكر الخوارج السياسي: تؤمن الخوارج إيماناً راسخاً بقضية (الإمامة)» ويدركون أهميتها الكبيرةء إذ إن حول هذا المبدا والاختلاف فيه كانت نشأتهم» فهم يرون في صلاحها صلاح الأمة . وي فسادها فساد للأمة وهذا يشير إلى أهمية دور الإمام وإلى ضرورة وجود الإمام الصالحء وأيضاً يشير إلى واجب الرعية في تقويم الإمام المعوجء وليس هذا فحسب بل إن الدار الآخرة وما بها من نعيم أو جحيم مرتبطة بهذه الحياة الدنيا. وقد ابتدأً الخوارج حديثهم عن الإمامة بأمور تتعلق باء فقالوا بصحة خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنها لصحة انتخاباء وبصحة خلافة عشران ل في سنيه الأولىء فلا غير وبدّل ول ييز سيرة أبي بكر وعمر وأتى با أتى من أحداث» وجب عزله» وأقروا بصحة خلافة علي هه » ولكنهم قالوا إنه أخطأً في التحكيم» وحكموا بكفره ما حكم» وطعنوا في أصحاب ال حمل (طلحة والزبير وعائشة)› کا حكموا . * َ ء . , .)2 بكفر أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفیان' . )1( الأحكام السلطانية ص 13. قارن: أصول الحكم في الإسلام د. عبدالرازق أحمد السنهوي؛ ص87 طبعة الحيثة الملصريةء 18. (2) كتابنا: قضية الإإمامة؛ ص129. لمصيذالامامة 233 وقد قبض على أحدهم وقدم إل زياد بن أبيه فسأله زياد عن أبي بكر وعمر فقال فيه خيراء وسأله عن عثمان» فقال: كنت أتولى عثان - على أحواله - خلافته ست سنين» ثم تبرأت منه بعد ذلك؛ وشهد عليه بالكفر» فسأله عن أمير اللؤمنين علي فقال: أتولاه إلى أن حكم ثم أتبراً منه بعد ذلك وشهد عليه بالكفر فسأله عن معاوية فسبّه سباً قبيحاً... إل . ا ا يح أعمال الخلفاء وأنصارهم والبحث فيمن ب يستحق أن يكون خليفة ومن لا يستحق» ومن يكون مؤمناًء ومن لا يکون. وقد وضعوا نظرية في الإمامة وهى: أن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من اللسلمين» وإذا اختير فليس يصح أن يتنازل أو يجكم؛ وليس بضروري أن يكون الخليفة قرشياًء بل يصح أن يکون من قریش ومن غیرهم» ولو کان عبدا حبشیاء وإذا تم الاختيار كان رئيس المسلمين؛» ويجب أن يخضع خضوعا تاما ما أمر الله تعالى وإلا وجب عزله“. ويظهرنا الشهرستاني على رأيهم فيقول: «وجوزوا أن تكون الإمامة في غير قریش» وکل من نصبوه برأيهم وعاشر الناس على ما مثلوا له من العدل واجتناب الجور كان إماماء ومن خرج عليه يجب نصب القتال معه وإن غير السيرةء وعدل عن الحق» وجب عزله أو قتلهء ويجوز أن يكون الإمام عبداء أو حراء نبطياً أو قرشيا. ____- (1) الملل والنتحل› (1/ 118). مقالات الإاسلامين؛ (1/ 204). يذكر الشهرستاني أنه عروة بن حدیر بعد نجاته من حرب النهروان. (2) فجر الإسلام م. أحمد أمين (1/ 410)) طبعة الحيئة العامة 1996.٠ (3) الملل والنحل:› (1/ 116). النبطي: يعني أخلاط الناس وعوامهم. 234 العفائد الأيمائية ج مذهب الأباصية ولاشك أن نظرية الخوارج في الحكم أكثر نظريات الفَرّق الإسلامية ميلا إلى الديمقراطيةء فعلى خلاف (أهل السنة) الذين قصروا أحقية اللإمامة على قريش؛ و(الشيعة) الذين جعلوها في علي وأعقابه فقد أقر الخوارج مبداً جواز إمامة أي مسلم عالم بالكتاب والستةء ومن هنا نظر المحدثون على فكر الخوارج السياسي باعتباره فكراً جمهورياً بالمفهوم ال حديث'. وهم يعززون هذا المبداً الديمقراطي بالنصوص الشرعية التي تقرر مبداً اللساواة بين الناس جميعاء أو تجعل التقوى - لا النسب - هي معيار التفاضل والكرامة عند الله تعا ى مشل قوله: اليعفت ريێندەروادى ی وجعلتکہ شعوبا دابل ارقا ِن اڪ رم عَندالو ك » [الحجرات:13]› وقوله: % شور قلا شاب 4ء سهم ومذ ولایتسا لور )$ [الؤمنون:101]› وقوله يَأ : «اسمعوا 2 وأطيغوا وإن استعمل عليكم عبد حېشي' . وقوله في حجة الوداع: «أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب وما ذهب إليه الخوارج في جواز أن تكون اللإمامة في غير قريش نابع من نظرتهم إلى مفهوم الدولة في الإسلام فهم يرمون إلى إقامة أمة إسلاميةء أساسها الاين ولا تقوم على عصبية معينةء وتشمل كل المسلمين؛ ويتمتعون بكل ال حقوق والواجبات؛ ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى» إنها نظرة تنبع من مبدا المساواة الذي يقوم على دعوة القرآن في تقرير مبداً المساواة. () الخوارج في بلاد الغرب» ص 257. )2( ال حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده» (2/ 230)؛ طبعة الملكتب الإسلامي؛ 8 ورواه أبو داود والترمذي. وفال النووي: : حديث حسن صحيح. )3( الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (2/ 31 524). مضيذالمامة 235 أما عن باقي الشروط اللازم توافرها في الإمام فلا خلاف كبير بين الخوارج وغيرهم في تلك الشروطء من ضرورة أن يكون عالاً بالدين» مجتهداً فيه وله خبرة بأمور الحرب» وإقامة العدلء علاوة على بعض الشروط العامة التى يجب توافرها فيه كأن يكون مسلياء حرا سليم الأعضاء بالغاء عاقلا وأن يكون ذكر. ويرى الخوارج وجوب الخروج بالقوة على الإمام الجائر غير المتفذ لأحكام اله تعالى؛ للإزالة الظلم والبغي» وإقامة العدل وال حق»فهم كا يقول الإمام الأشعري: «يقولون باستخدام السيف لإزالة أئمة ال جور ومنعهم أن يكونوا أئمة بأي شىء قدروا علي بالسف أو بغرە» ٠ فالثورة على الحاكم الظالم واجبةء ومقاومته ضروريةء وتاريخ الخوارج کان تطبيقاً عملياً لذلك الرأي» فقد كانوا يجاهرون به في معظم الأحيان» ويطبقونه كلا سنحت لم الفرصة بذلك» وهم بهذا يخالفون جمهور (أهل السنة) الذين يرون الاكتفاء بالنصح للإمام الجائر وعدم الخروج عليهء ما قد يفضي إليه من شيوع الفتن وإراقة الدماء”“. ومن هذا يتضح موقف الخوارج بجلاء في الوقوف في وجه الحاكم الظالم وذلك يتفق مم طبيعتهم الثوريةء التي تقضي بمقاومة الظلم؛ ولقد كان هدفهم الأسمى إقامة دولة تطبق شرع الله وأحكامه» وفي سبيل ذلك لا بد من مقاومة لكل خارج عن حدود الدين» سواء كان حاك]ً أو محكوماء غير مبالين بالنتائج التي تنجم عن ذلك. ___- (1) كتابنا: ال جمهورية المثالية في فلسفة أفلاطون وموقف الإسلام منهاء ص 312-311 طبعة الصفا والمروةء» 1997. قارن: نظام ال حكم في الإسلام د. محمد يوسف موسی؛ ص ۰69-68 (2) مقالات الإسلامين (1/ 204). (3) كتابنا: قضية الإمامة ص136. 236 العذائد اأيمائية ‏ مهب اأباضّية ويعتقد | مستشرق (فلهوزن) أن الخوارج لم تأت في موضوع الخلافة بأمر غريب أو مستنكر» لأنهم لم يكونوا فرقة ضئيلة العدد تعمل في الظلام؛ وتتكون في شكل تنظيم سري» بل كانت ظاهرة أمام الكافةء وتستند في آرائها على الرأي العام أغرت الكثيرين بالانضام إليهم دون أن ينادوا هم بهاء وعلى هذاء فإن ا خوارج إِذن «كانوا حزباً ثورياً صرياً كما يدل على ذلك اسمهم» أجل كانوا حزباً ثورياً يعتصم بالتقوی› ولم ينشؤوا عن عصيية العرويةء بل عن الإسلام». ويرتبط بمعنى التقوى عند الخوارج ما يفهمه (فلهوزن) عن التقوى في الإسلام التي يصفها بأنها ذات اتجاه سياسي عامء وهي أعلى درجة عند الخوارج› لأن مبدا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان يتحقق على يد الخوارج بمناسبة وغير مناسبةء لآنه لا سلطان على الناس إلا الله تعالى» ولكي تصبح السلطة الزمنية شرعية فيجب أن تخغضع خضوعاً مطلقاً للدين لأنها تحكم باسم الل فالإمام ما هو إلا رمز معبر عن وحدة الأمة الاسلامية”. وقد أخطأ اخوارج خطاً شنيعاً بتكفيرهم علياً 6ه وغيره من كبار الصحابة طك ثم تكفيرهم لمخالفيهم بارتكاب الذنوب» فإن تكفير المسلم العادي بشبهة ليس من المسائل الحينة ئي الدين» فما بالك بتكفير صحابة النبي يي ؟ وما ورد في حقهم من النصوص الثابتةء والأخبار الموكدة التي تشهد لم بكيال الإيمانء ولكن الخوارج فيا يبدو لم يكونوا متشبتين في أمر دينهم» أو متفقين في كيفية استنباط )1( الخوارج والشيعة لمؤلفه يولوبوس» فلهوزن؛» ترجمة: د. عبدالرحمن بدوي؛ ص25 طبعة النهضة الملصريةء 1968. )2( الخوارج؛ الأصول التارة مسألة تكفير المسلم د. مصطفی حلمی؛ ص 47-46 طبعة التقدم؛ 27 1. مضي الامامة 237 أحكامه فجاءت أحكامهم التي أطلقوها بالتكفير أحكاماً جزافيةء لا تستند إلى شهادة نص» ولا تتفق مع حكم عقل. وفي رأينا: أن تدين الخوارج کان من النوع الحاسى» الذي يقود صاحبه إلى الموس» والبُعد عن جادة الصواب'“. فقد ضاقت عقوم عن قبول الحق؛ فظلوا يثيرون الفتن» ويمعنون في تكفير من عداهم من غير تثبت في الأمر أو نظر إلى العواقب. ومهم يكن من أمر» فإن الخوارج هم ول حزب سياسي تکوّن في تاریخ الإسلام ولكنه لم يستطع الصمود بسبب غلوه وتطرفه أما الكشرة الغالبة من اللسلمين» بعد أن أصبح موضع نقد وهجوم من الفْرَق جيعاًء فلم يي إلا الصورة المعتدلة ممثلة في فرقة الأباضيةء التي استطاعت أن تنجو من الاندثار لاعتدالما ومسايرتها لأصول المعتقدات. ` الإمامت في الفكرالأياضي: الأباضية وإن نسبوا إلى الخوارج؛ إلا أنهم يرون أنهم وحدهم الذين حافظوا على تعاليم الإسلام الحقةء ويرون أن القدوة الحسنة كانت بعد النبي ي في أي بكر علياء بل أنكروا قبوله التحكيم» ويعتبرون بيعته باطلة بعد قبوله التحكيم. ويرون أن الحكم الشرعي يجب أن يكون عن طريق الأمامة وللومام السلطتان الدينية والدنيويةء ويب أن يكون اختياره عن طريق البيعةء والإمام" بالوصية باطلة في مذهبهم”. والامامة عندهم هي: خلافة الرسول يي ي إقامه (1) علم الكلام وبعض مشكلاته ص 39-38. )2( العقد الفريدء لابن عبد ربهء (2/ 388)› طبعة مصر. (3) إسلام بلا مذاهب» ص 0137-136 238 العفائد ]يمائية ج مهب اأباصية الدين وحفظ الإسلاء"ء وحكمها: فرض بنص الكتاب والسنّة والإجماء”› ونصب الإمام عندهم واجب لتوقف الواجب عليه من الأمر والنهي وإقامة الحدودء والقيام بالعدل والإنصاف وردع المعتدي”. ونظرتهم إلى الإمامة نظرة معتدلةء فهي حق لكل مسلم» توفرت فيه صلاحية الدين» واستقامته على أمر الله تعا ىء وحذقه الحق والعدل» فلا يشترطون فيه أن يکون قرشياًء وإنما ینبغي أن يكون ورعاً فاضلاء يحكم بكتاب الل وسنَّة رسوله ي مستندين في ذلك إلى قوله تعالی: نارم عند اتراك € [الحجرات:13]› ومن ثم كانت الدعامتان الأساسيتان في شروط الخلافة (الكرم والتقوى)› وأسقطوا (القرشية)ء أو (الحاشمية). الأباضية حين تمثلوا الخلافة على النحو الذي اشترطوه؛ ٠ كان أمامهم عدد من علماء المسلمين من أجناس مختلفةء وألوان متباينةء وكل منهم صالح لإمامة الملسلمين. ويحضرني في هذا المجال أبو عبيدة مسلم فقد كان زنجيا أسود أعورء ولكنه مع ذلك كان درة في جبين المذهب» وواحداً من أهم أركانه. غير أن هذا الانفتاح في شروط الإمامة ربما كان وسيلة بشكل ما ولو غير مباشر في الحملة على الراشدين القرشيين الثالث والرابع» وهما (عثمان وعلي) رضي الله عنهماء . إضافة إلى الأسباب الأخرى التي رآها الأباضية فيهماء ومن قبلهم فرق الخوارج المعروفة”“. والأباضية بقولم في الإمامة لعامة الملسلمين بن يصلح لا أولوا الأحاديث الصحيحة التي تنص على أن الإمامة في قريش» فقالوا ني حديث: «لا يزال الأمر في )1( شرح مقدمة التوحيدء للشيخ محمد بن يوسف أطفيش؛ ص417؛ طبعة الحزائر. )2( شرح الجامع الصحيح؛ مسند الإمام ابن الربيع» (1/ 75). (3) شرح النيل وشفاء العليل؛ الشيخ محمد بن يوسف أطفيش» (14/ 271)› طبعة بيروت؛ 1972. (4) إسلام بلا مذاهب» ص139. طلقات المعهد الرياضى» ص22. قاموس الشريعة (6/ 37). لمضيةامامة 239 قريش ما بقي منهم اثنان» ". وحديث: «الأئمة من قريش»“: إنها أخبارعن الواقع بعد النبي يَيٍء وليس تخصيصاً لقريش بالإمامة”. وتقول الأباضية بجواز الخروج على الإمام الظالم» وهذا القول وسط بين ما يذهب إليه أهل السنةء من عدم جواز عصيان الحكم وبين الفْرَق الأخرى المتطرفة من الخوارج» التي تقول بضرورة الخروج عليهء وتنادي بالشراء وتكفير القعدةء وني هذا يقول (الورجلاني) أحد فقهاء وفلاسفة الأباضية: «اعلم يا أخي أن مذهب أهل الدعوة - أي الأباضية - في الخروج على الملوك الظلمة والسلاطين الجورة جائز» وليس كا تقول السنية أنه لا يحل الخروج عليهم ولا قتالحم بل التسليم حم على ظلمهم. وقد اختلفت الأمة في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: المقولة الأولى: قول أهل الدعوة أنه جائز الخروج عليهم وقتالحم ومناصبتهم العداء والامتناع من إجراء أحكامهم عليهم؛ إذا كنا في غير حكمهم وإن أردنا الشراء والخروج جاز لتا والمقولة الثانية: قول المخالفين؛ أنه لا يجوز الخروج عليهم؛ ولا قتالحم ولا الامتناع عن أحكامهم ولا الدفاع عنهم. والمقولة الثالثة: مذهب الأزارقة والصفرية والنجدات في الاستعراض لسائر الخلق؛ الملوك وجنودهاء والرعية وعوامها؛ لأنہم حكموا عل الجميع بالشرك؛ فاستعرضوا الجميع وأجروا عليهم حكم الشرك والقتل والسبي والغنيمةء وقولنا هو الصواب إن شاء اله لأنا نتقول: لا يحل لنا أن نستعرض أحداً من الرعايا والمسافرين وغيرهم إلا الملوك الظلمة الجورةء وندعوهم إلى ترك ما به ضلواء فإن )1( فتح الباري بشرح صحيح البخاري؛ لابن حجر العسقلاني› (13/ 114). )2( أخرجه الإمام أحمد في مسنده» عن أنس بن مالك بلفظه (3/ 183). )3( شرح الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع» للسالي» (1/ 75): 240 العفائد الإيمانية ج مهب ]باصّية خرجنا عليهم قاتلناهم حتى نزيل ظلمهم على العباد والبلاتء وإن لم نتخرج عليهم ورضينا بالكون معهم وتحتهم فجائز لنا ذلك» < . ولكن هذا الموقف للأباضية م يبلغ روح العداء كلية للملوك أو السلاطين الظلمة لا نم اتفقوا عل أن دار مخالفيهم من آهل مكة دار توحید؛ إلا مصسکر السلطان؛ فإنه دار بغى” > فهم يستثتون دار السلطان» ويعدونها دار بغي وهم على أية حال أخف من قول غيرهم من فرق الخوارج. ويناءٌ على ذلك قسم الأباضية الوطن أو الدار إلى نوعين: دار إسلام أي توحيد وعدل؛ ومعسكر السلطان معسكر توحيد وعدل في هذه الدارء وطاعته هنا واجبةء والخروج عليه فسق» ولا يسمي الأباضية معسكر السلطان دار بغي في هذه الحالةء حتى لو وصل إلى الحكم بتولية غيره له» أو بمساع منه غير مشروعةء لکنه في سلطان الحكم يقوم بشريعة الإسلام؛ والنوع الثاني: وطن تسكنه أمة كافرةء وتتولى الحكم فيه دولة أو جماعة لا تدين بالإسلام أصلاء سواء في ذلك أكانت الدولة كتابيةء أم علمانيةء أم ملحدةء فالجميع يمثلون دار الكفر؛ ويسمي الأباضية هنا معسكر السلطان دار كفرء وأما في حالة ما إذا كانت الدار دارإسلام وتوحيد وعدل» إلا أن الحاكم لا يلتزم بالأمر با معروف والنهي عن المنكر واتباع أحكام الله ئي رعيتهء فيكون معسكر السلطان عندهم معسكر إسلام؛ إلا آنه معسكر بغي يجوز الخروج عليه وتغييره بحاكم عدل يطبق أحكام الله في أرضه“ (1) الدليل والبرهان؛ أبو يعقوب يوسف الورجلاني؛» (3/ 63-62)› طبعة مص 1306ه. قارن: تاريخ فلسفة الإسلام في القارة الإفريقيةء د. يحيى هويدي؛ (1/ 85)› طبعة القاهرق 1966. الأباضية بين الفرّق الإسلاميةء ص295. (2) الفرق بين القَرَقء ص106. الملل والنتحل (1/ 134). مقالات الإسلامين؛ (1/ 204). (3) الأباضية بين الْرَق؛ ص297 بتصرف. لمضية]مامة 241 ويصبح عزل الإمام والبراءة منه أمراً تا ولازماء متى ارتكب معصية تعتبر كبيرةء واستمر عليها وشهد على ذلك أهل الديار فإنه يجب عليهم قبل البراءة منه وا خروج عليه وخلعه؛ أن یستتیبوه من حدثه» فإن تاب» رجع إلى إمامته وولايته معهم» وإن أصر ولم يتب من حدثه ذلك» كان للمسلمين عزله» فإن كره أن يتوب؛ أو رفض أن يعتزل» وقاوم يحلون دمه» ويوجبون الجهاد ضده. ومها يكن من أمر فإن الأباضية وإن كانوا لا يوجبون تكفير الإمام الظالم غير الملتزم بروح اللإسلام وإقامة أحكام الله تعال ىء بل يعتبرون معسكره معسكر بغي» إلا أنهم في قضية الإمامة يلتقون مع الخوارج في نقاط كثيرةء بل إن شثت فقل يلتقون معهم في جوهر القضية. ونكتفي بهذا القدر» سائلين المولى تبارك وتعالى التوفيق والسداد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالين. 9 = () شرح اليل وشفاء العليل› (12/ 342). الخاتمہ الحمد لله رب العالينء والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فقد أسفر البحث في موضوع «الأباضية: نشأتها وعقائدها»» عن عدة معالم أو نتائج أساسية يمكن تلخيصها وإجالها في الآي: 1- الخلاف بين الناس بدا منذ نشأة الإنسان؛ ومنذ نزول الوحى من الساء واختيار الله تعالى للأنبياء وإن كان هذا الخلاف ل يشتهر فلبّعد الزمان؛ ولعدم وجود الخبر المتواتر الذي يعتمد عليهء اللهم إلا ما قصه القرآن على رسوله يي . إن الخلاف الذي حدث بين المسلمين ل يتناول لب الدين؛ فلم يكن ئي الأصول الاعتقاديةء مشل وحدانية الله تعالى› ووجوده... إلخء كذلك ¿ يتعرض الخلاف إلى ركن من أركان الإسلام أو إلى أمر علم من الدين بالضرورةء وإن| كان الخلاف في أمور لا تمس الأركان؛ ولا الأصول العامة. إن قضية الإمامة هي أول قضية اختلف المسلمون في شأنها بعد وفاة الرسول يلو مباشرةء وأدى الخلاف حوفما فيا بعد إلى انقسام المسلمين إلى فرق وأحزاب تتصارع فيا بينها صراعاً سياسياًء سرعان ما تطور فأصبح صراعاً عقائدياء كان له أثره في توجيه ال حوادث المكونة للتاريخ الإسلامي» وقد يقي هذا الأثر إلى يومنا هذا. 244 اأباضية الصمود بسبب غلوه وتطرفه أمام الكثرة الغالبة من المسلمين؛» بعد أن أصبح موضع نقد وهجوم من الفرَق جيعاء فلم يبت إلا الصورة المعتدلةء مثلة في فرقة الأباضيةء التي استطاعت أن تنجو من الاندثار لاعتدالا ومسايرتها لأصول المعتقدات. إن الخوارج هم نواة الأباضيةء وهم نقطة البدء في مسيرتها ومشوارهاء رغم استنكار الأباضيين المعاصرين بشدة انتاءهم إلى الخوارج. إن الأباضية تنسب إلى (عبدالله بن أباض) مؤسس المذهب» لأنه هو الذي أذاعها وأعلن عنهاء وقد اتفقت كتب المقالات الإسلامية على هذه التسمية. إن ارق التي انشقت عن الأباضية جاءت نتيجة أوضاع سياسيةء أو أفكار شخصية لأصحاماء وأن ما تمخضت عنه من أفكار لا تمت إلى المذهب الأباضي» وإنما هي ابتداعات ابتدعها المنشقون لأغراض سياسية ودنيوية تناولنا جوانب العقيدة عند الأباضيةء بدءاً من عقيدة إثبات الصانع؛ وانتهاء بقضية الإمامةء ورأينا المذهب يعتقد اعتقاداً صحيحاً في تنزيه الخالق تنزهاً مطلقاًء وما جاء في القرآن الكريم والسنّة النبوية الملطهرة مما يوهم التشبيهه فإنهم يؤولونه بم يفيد المعنى» ولا يؤدي إلى التشبيه مثبتين لله تعالى الأساء الحسنى» والصفات العليا ك أثبتها لنفسه. يعتقد الأباضية اعتقاداً صحيحاً في الإيان بالله الخالقء وطريقتهم في معرفته تعا ى هي الوجوب الشرعي لا العقليء وهم بهذا يوافقون أهل السنةء ويخالفون المعتزلةء إلا أننا لاحظنا أنهم ل يحافظوا على هذه القاعدةء وهي وجوب تقديم الشرع على العقل؛ فقد نهجوا نهج المعتزلة في الأساء والصفات؛ فتأولوا ي كتاب الله تعالى وسنّة رسو له ي . انمه 245 mmm 0- صفات الباري عندهم ذاتيةء ليست زائدة على الذات؛ ولا قائمة بهاء ولا حالة فيهاء بل هي عين الذات» نفياً لتعدد القدماء موافقين في هذا المعتزلةء وغالفين أهل السنّةء الذين يرون أن الصفات زائدة على الذات. 1-سلك الأباضية في الصفات (الخبرية) منهج المعتزلةء فقد أولوا هذه الصفات بمعانٍ تليق بمخالفته تعالى للحوادث؛» فيد الله قدرته وعيّنه حفظه؛ وجنب الله حقه» وقبضة الله ملك ويد الله نعمت ومجىء الله أمره ونزوله إلى سعاء الانيا نزول ملك من ملائكته إليها بأمره ليحض عل عبادته. 2 اتفق الأباضية - مع استثناء بعضهم - مع المعتزلة في قولحم بخلق القرآن› واستحالة رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرةء وتأويل بعض مسائل الحياة الأخرى تأويلاً جازياء كالصراط والميزان» وتأويل كل تشبيه ظاهر تأويلاً مجازياً كاستواء الله على العرش وغير ذلك مما ورد يوهم ظاهره الماثلة للحوادث؛ وكذلك وافقوا المعتزلة في الوعد والوعيد؛ وإنتكار الشفاعة لأصحاب الكبائر» وخلود أصحاب الكبائر في النار. 3- وافق الأباضية الأشاعرة في مسألة أفعال العباتء فهم يقولون بفكرة الكسب التي قال بها الأشعري» وهم بذلك يخالفون المعتزلةء فأفعال العباد عندهم خلق من الل واكتساب من الإنسان» وهم يذلك يقفون موقفاً وسطأ بين المعتزلة والجحبرية. 4- شفاعة النبى ي لا تكون لمن مات مصراً غير تائب» إنما الشفاعة لمن مات على الصغيرة أو مات وقد نسي ذنباً أن يتوب منه» أو فعل كبيرة وتاب قبل الملوت. 5 لا منزلة بين المنزلتين في الفكر الأباضي» أي بين الإيان والكفرء فها ضدان؛ كالحياة والموت» وكالحركة والسكون؛ فالشخص عندهم -لايخرج من الإيمان إلا ويدخل في الكفر فمن م يكن مؤمناً كان كافراً لا حالة. 246 اباضية 6- الإيان عندهم قول وتصديق وعمل؛ والإيان والإسلام عندهم لفظان مترادفان» مهملين بذلك الدلالات اللغوية بين كل منها. أما عن زيادة الإيمان ونقصانهء فهو نقطة اختلاف بينهم. 7- يطلق الأباضية على الموحد العاصى كلمة كافر ويعنون بها كفر النعمةء ويجرون عليه أحكام الموحدين» فالكفر عندهم كفر نعمة ونفاق» وليس كفر شرك وجحود وهو الذي يخرج الإنسان من الملة الإأسلامية. 8- دماء محالفيهم - من المسلمين - حرام ودارهم دار توحيد وإسلام إلا معسكر السلطانء ويجبوزون شهادة المخالفين ومناكحتهم» والتوارث بينهم› ومن ذلك كله يتبين اعتدالهم وإنصافهم لمخالفيهم من المسلمين. 9- توقفوا في أطفال المشركين» وجوزوا تعذيبهم» وأجازوا دخوطم الجنة تفضلاً. 0-عقد الإمامة فريضةء بفرض الله تعالى الأمر والنهي» والقيام بالعدل» وأخذ الحقوق من مواضعها ووضعها في مواضعهاء ومجاهدة العدو. 1-رئاسة الدولة الإسلامية - الإمامة - ليس مقصورة على قريش؛ أو العرب» وإنا يراعى فيها الكفاءة المطلقةء فإن تساوت الكفاءات كانت قريش أو العروبة مرجحاً. 2 الخروج على الإمام ال جائ ليس واجباً كما تقول الخوارج» وليس ممنوعاً کا يقول أهل السنةء وإنما هو جائز بترجيح استحسان الخروج إذا غلب على الظن نجاحهء ويستحسن البقاء تحت الحكم الظلم؛ إذا غلب على الظن عدم نجاح الخروج؛ أو خيف أن يؤدي إلى مضرة تلحق با مسلمين أو تضعف قوتهم على الأعداء في أي مكان من بلاد الإسلام. وبعد: انائمة 247 فهذا ما هداني الله تبارك وتعالى إليه ني بحثى هذاء فإن كنت قد وفقت فذلك بفضل الله تعالى وتوفيقهء وإن تكن الأخرى» فعذري أنتى بشر أخطئع وأصيب» والكال لله وحده»ء وحسبي ما ابتغيت إلا وجه احق والصواب. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالين. د. محمد بن الحسن المهدي -1 -2 -3 -4 -5 -6 -7 المصادر والمراجع القرآن الكريم» جل من أنزله. أضواء على أهم الفرق الإسلامية وبعض المذاهب المعاصرة د. عبدالمنعم شعبان› القاهرة» قاصد خير. الأشعري» د. حمودة غرابةء الخانجى» القاهرة 3 195. الأباضية مذهب وسلوك آ. السيد عبدا حافظ القاهرق 1987. إسلام بلا مذاهب» د. مصطفى الشكعةء الدار المصرية اللبنانيةه 1997. الأباضية بين الفَرَق الإسلاميةء د. علي يحيى معمر القاهرة 1976. الأباضية في موكب التاريخ؛ د. علي يحى معمر القاهرة 1946. الأباضية في الجزائر د. علي يحيى معمر الجزائر 1979. الأباضية عقيدة ومذهباء د. صابر طعيمةء بروت» 1986. الإمكان فيا جاز أن يكون أو كان؛ العلامة محمد بن يوسف أطفيش» الزائ 14 ه. إخوان الصفاء وفلسفتهم الدينيةء د. محمد المهدي؛ المطبعة العربية الحديثة. الأسلام العقل د. عبداحليم محمود طبعة دار الكتب الحديثف 1973. أصول الدين» عبدالقاهر البغدادي› بيروت» 1980. الله جل جلالهء سعيد حوى» طبعة دار القلم» ببروت» 1 198. أعلام الموقعين عن رب العالمين؛ لابن قيم الجوزيةء طبعة القاهرة 1955. الأساء والصفات الإمام البيهقي» بيروت» 1358 ه. الاعتقاد على مذهب السلف وأهل السنةء للإمام البيهقي» القاهرة 84 19. 250 -8 -9 -0 -1 -2 -3 -4 -5 -6 -7 -8 -9 -0 -31 2 -33 -4 -35 -6 -7 -8 -9 -0 -41 -2 اأباصّية اللمع للأشعري» طبعة الخانجي› 55 19. الانتصار للخياط؛ دار الكتب المصرية 1952. إحياء علوم الدين» الإمام الغزالي» طبعة القاهرة. الإرشاد إلى قواطع الأدلةء للإمام الجويني» طبعة الخانجي» 1950. الأنصاف للباقلاني› القاهرة 1369 ه. الاقتصاد في الاعتقاد للإمام الغزالي» طبعة دار الطباعة المحمديةء 1973. الإبانة في أصول الديانةء للإمام الأشعري» طبعة المنيريةء القاهرة. إزالة الاعتراض عن محقى آل أباض» محمد يوسف أطفيش» طبعة سلطنة عمان. أصول الديانات› الشماخي» طبعة القاهرة 1304ه. ابن القيم وموقفه من التفكير الإسلامي» د. عوض الله حجازي» القاهرة. إشارات المرام من عبارات الإمام؛ كيال الدين البياضي» الحلبي» 1949. ابن رشد وفلسفته اللإلحيةء د. محمد المهدي» طبعة الصفا والمروة 1997. ابن رشد وفلسفته الدينية» د. محمود قاسم طبعة الإنجلى 1969. الل أ. عباس العقات طبعة القاهرة 1972. اعتقادات فرق المسلمين؛ الرازي» طبعة الكليات الأزهرية 8 1. الأعمال الكاملةء الشيخ محمد عبدهء طبعة دار الشروق؛ القاهرة. إتحاف المريد بجوهرة التوحيدء الشيخ عبدالسلام إبراهيم» طبعة القاهرةء 1960. الأحكام السلطانيةء أبو الحسن الماوردي» طبعة الوطن بمصر 1298 ه. أصول الحكم في الإسلام د. عبدالرزاق السنهوي» طبعة ايئة اللصريةء 8 199. البداية والنهايةء للحافظ ابن كثيرء طبعة بروت» 1 198. البلدان» أحمد بن أبي يعقوب» طبعة ليدن» 91 18. بهجة أنوار العقول للسالي؛ طبعة مصر. تاريخ المذاهب الإسلاميةء الشيخ محمد أبو زهرةء طبعة دار الفكر العربي. التبصير في الدين؛ للإسفراييني» القاهرة 1955. تفسير القرطبي» للإمام القرطبي» طبعة الشعب. الصادر وامراجء 251 -3 -4 -5 -6 -7 -8 -9 -0 -51 -2 -3 -4 -55 -56 -57 -8 -59 -60 -601 -62 تاريخ الإأسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي» د. حسن إبراهيم؛ طبعة مص 1966. تاريخ الأمم والملوك؛ للإمام الطبري» طبعة القاهرة. التفكير الفلسفي في الإسلام؛ د. عبدالحليم محمودء طبعة دار المعارف» 1984. التمهيدء للإمام الباقلاني» طبعة بيروت» 1975. التمهيدء للإمام النسفي» طبعة القاهرة. التو حيد للإمام الماتريدي» طبعة بيروت. تمهيد لتاريخ الفلسفةء الشيخ مصطفى عبدالرازق» القاهرة 1944. التراث اليوناني في الحضارة الإأسلاميةء د. عبدالرحمن بدوي؛ طبعة دار النهضةء 965 1. تاريخ الفلسفة العربيةء حنا الفاخوري وخليل الجر طبعة بيروت» 2 198. التحقيق التام ي علم الكلام للظواهري» طبعة النهضة الملصريةء 1939. تاریخ بغداد» الخطيب البغدادي؛ طبعة القاهرةء 30 19. التعريفات للجرجاني» طبعة الحلبي» القاهرة. تحفة المريد على جوهرة التوحيدء الشيخ البيجوري» طبعة المطبعة العربيةه 1977. تاريخ فلسفة الإسلام في القارة الإفريقيةء د. يحيى هريدي» طبعة القاهرة 66 1. الجامع الصحيح مسند الربيع بن حبيب» طبعة القاهرة. الجمهورية المثالية ي فلسفة أفلاطون وموقف الإسلام منهاء د. محمدالمهدي؛ طبعة الصفا والمروة 1997. الحقيقة والمجاز في تاريخ الأباضية باليمن والحجاز د. سالم السائلي» طبعة سجل العرب» 1981. حاشية الدسوقي على أم البراهين» طبعة المطبعة الخيريةء القاهرة. الخطط أبو القاسم المقريزي» طبعة دار صادر؛ بيروت. الخوارج الأصول التاريخية مسألة تكفير المسلم؛ د. مصطفى حلمي؛ طبعة دار الأنصار القاهرة 1977. 252 -3 -4 -65 ~66 -7 -8 -9 -70 -71 -72 -3 -4 -5 -6 -7 -8 -9 -80 -81 -82 -3 اأباضية الخوارج في بلاد الملغرب» د. محمود إساعيل» طبعة القاهرة 1986. الخوارج والشيعةء يولوبوس فلهوزن؛ طبعة النهضة المصريةء 1968. الخلافةء رشيد رضاء طبعة الماهرة. الدرر السنية خلاصة شرح السنوسيةء سيد علي حيدرةء طبعة الحلبي› 1957. دراسات نقدية في مذاهب الفْرَق الكلاميةء د. محمد الأنوار السنهوتي» دار الثقافة العربية 1990. درء تعارض العقل والنقل» لابن تيميةء طبعة دار الكتب المصرية 1971. دراسات في علم الكلام والعقيدة د. جيل أبو العلاء طبعة القاهرة 1984. دراسات في علم التوحيد (النبوات والسمعيات)؛ د. محمد المهدي؛ طبعة الصفا والمروة 1997. دراسات في العقيدة حول السمعيات؛ د. محمد عبدالصبورء طبعة دار الطباعة الحديثة 1986. الذهب الخالص النوه بالعلم الخالص» محمد بن يوسف أطفيش» طبعة سلطنة عان. الرد على الرافضةء للإمام الملقدسي» طبعة دار ال جحبل› 9 198. الدليل والبرهان؛ الورجلاني؛ طبعة مصر 1306 ه. رسالة التوحيد الشيخ محمد عبدهء طبعة صبيح 5 196. الرد على الجهمية والزنادقة للإمام ابن حنبل» طبعة السعودية 1982. رسائل في العقيدةء د. محمد صالح العثيمين» طبعة الرياض» 3 198. الرسالة التدمريةء لابن تيميةء طبعة القاهرة. الزينةء لأي حاتم الرازي» طبعة دار الحرية بغداد 1972. الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر اليثمى» طبعة القاهرة. السيرء للشاخيء طبعة القاهرة. ۱ السمعيات من شرح المقاصد سلمان خيس القاهرة 1966. شرح نهج البلاغةء لابن أبي الحديد طبعة دار الكتب العربية. المصادر وامراجع 253 4 الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلمين؛ تحقيق وتقديم: د. سليان دنياء طبعة الحلبي» 1377ه. 5- شرح العقيدة الوسطية لابن تيمية. د. محمد خليل هراس» طبعة الرياض» 3 198. 6 شرح الخريدة ي علم التوحيد الشيخ أحمد الدردير طبعة صبيح. 7 شرح الأصول الخمسة القاضي عبدالجبار» طبعة بيروت. 8- شرح القصيدة النونيةء للمصعبي» طبعة القاهرةء 1306 ه. 9 شرح المواقف للشريف الجحرجاني» طبعة السعادة 1907. 0- شرح العقيدة الطحاويةء لابن أبي العز الحنفيء طبعة امكتب الإسلامي› 1984. 91- شرح العقائد النسفيةء لسعد الدين التفتازاني» طبعة مكتبة الكليات الأزهريةء 7 ه. 2- شرح المقاصد في علم الكلام لسعد الدين التفتازاني» طبعة عالم الكتب» 9 198. 3- شرح مقدمة التوحيدء محمد بن يوسف أطفيش» طبعة الحزائر. 4- شرح النيل وشفاء العليل» محمد بن يوسف أطفيش» طبعة بيروت» 1972. 5 شرح الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع للساليء طبعة عمان. 6- صحيح البخاري» للإمام البخاري» طبعة الشعب. 7- صحيح مسلم بشرح النووي» طبعة الشعب. 8 صفة المغرب وأرض السودان ومصر الشريف محمد الإأدريسي» طبعة ليدن» 0.1894 9 صوت الأزهر. من تراث د. عبدالحليم محمود العدد 151 طبعة الأزهر. 0- الصحاح؛ لإساعيل الجوهري» طبعة بيروت» 1979. 1- طبقات المشايخ بالمغرب» أبو العباس الدرجيني» طبعة الجزائر› 1974.٠ 2- طلقات المعهد الرياضى» سالم بن حمود» طبعة وزارة التراث القومي عمان. 3- طبقات الشافعية الكبرى» تقي الدين السبكي» طبعة القاهرة» 1906. 4- عبقرية عمر أ. عباس العقادء طبعة ا خانجي القاهرة. 5- علم الكلام ومدارسه» د. فيصل عون؛ طبعة دار التوفيق» 1981٠ 6- العقود الفضية في أصول الأباضيةء سالم الحارثي› طبعة دار اليقظة العربية سوريا. 254 اأباضية 7- العقيدة والأخلاق؛» د. محمد سيد طنطاوي» طبعة الأوقاف» 8 198. 8- معالم الدين؛ إبراهيم الثميني» طبعة سلطنة عمان» 6 198. 9- العقيدة الأسلامية بين العقل والنقلء د. عبدالسلام عبد طبعة القاهرة. 0 العقيدة النظامية في الأركان الإسلاميةء للجويني» طبعة القاهرة 1978. 1- العقائد النسفية للإمام عمر النسفي» طبعة الحلبي» 1322 ه. 2-علم الكلام وبعض مشكلاته» د. أبو الوفا التفتازاني» طبعة الثقافة 1979. 3- علم الكلام على مذهب أهل السنة وال جحاعة لابن حزم طبعة القاهرة 01989 ` 4- العقيدة الإسلامية والأخلاق» د. محيي الدين الصافي» طبعة القاهرة. 5- عقيدة الأباضيةء محموعة مباحث نشرها أساتذة الآداب؛ طبعة الزائ 1905. 6- العقائد الايانية ي العقيدة الإسلامية د. عبدالسلام عبد طبعة القاهرةء 19. 7 - علم التوحيد في ثوب جديد د. عبدالسلام عبدهء طبعة الفجر الجديكت 1980. 8- العقيدة السلفية بين الإمام أحمد بن حنبل وابن تيميةء د. السيل» طبعة دار المنارء 995 1. 9- العقيدة وأثرها في سلوك اللإنسان» د. محمد المهدي؛ طبعة المطبعة العربية ال حديثة. 0 العقد الفريد لابن عبد ربه» طبعة مصر. 1- الغلو والفرّق الغالية ني الحضارة الإسلامية لأبي حاتم الرازي» طبعة بغدات 12 2-غاية المرام في علم الكلام للآمدي: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. 3- الفرق بين الفَرَق؛ للإمام عبدالقاهر البغدادي» طبعة دار التراث» القاهرة. 4- الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم طبعة القاهرة› 1902. 5- الفرَق الكلامية الإسلامية د. عبدالفتاح المغربي؛ طبعة دار التوفيق» 1986. 6- في الفلسفة الإسلامية منهجه وتطبيقه؛ د. إبراهيم مدكورء طبعة دار المعارف»ء 1983. 7- فرق الأباضية الست وما زاغت به عن الحق» أبو عمر المارغني؛» طبعة الجحزائر. المصادروالمراجع 255 8- قضية اللإمامة نشأتها وتطورها بين المَرَق الإسلاميةء د. محمد المهدي؛ طبعة الصفا والمروق 1999. ۱ 9- فجر الإسلام أ. أحمد أمين؛ طبعة الحيثة العامة 96 19. 0 - القول المبين في أهم قضايا علم أصول الدين؛ د. محمد امهدي» طبعة المطبعة العربية الحديثة. 1- القول السديد في أهم قضايا علم التوحيد د. محمد المهدي» طبعة الصفا والمروةء 7 1. 2- قناطر الخيرات» للجيطالي» طبعة القاهرةء 1965. 3 - الفتاوى» لابن تيميةء جمع وترتيب» عبدالر من بن قاسم طبعة الرياض» 1982.٠ 4- القرآن والفلسفةء د. محمد يوسف موسى» طبعة دار المعارف» 1982. 5- قضية التكفير في الفكر اللإسلامي» د. محمد سيد المسيرء طبعة دار الطباعة اللحمدية 1996. 6 - قاموس الشريعةء خميس السعدي؛ طبعة زنجبار› 1299ه. 7- الكشف والبيان» محمد بن سعيد الأزدي القلهاقيء طبعة عمان» 1 198. 8 - كتاب الوضع» أبو زكريا يجيى الجناوني» طبعة سلطنة عمان. 9- لسان العرب» لابن منظور» طبعة دار المعارف. 0- لم الأدلةء للإمام ال جويني» طبعة بيروت» 1987. 1 - لوامع الأنوار البهية للعلامة السفارييني» طبعة المكتب الإسلامي» 1380 ه. 2 - الملل والنحل للشهرستاني» طبعة الحلبيء 0.1976 3 - مقالات الإسلاميين للأشعري» طبعة القاهرة. 4 - المقدمة لابن خلدون؛ طبعة عبدالسلام شقرون؛ القاهرة. 5- منهاج السنّة النبويةء لابن تيميةء طبعة القاهرة› 30 9.٠ 6- مسند الإمام أحمد بن حنبل» طبعة المكتب الإسلامي. 7 - الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرةء الندوة العالية للشباب المسلم؛ طبعة الرياض» 1409.٠ 256 اباضية 8- غتصر تاريخ الأباضيةء أبي الربيع الباروني» طبعة يونس. 9 - المسالك والمالك» لأبي القاسم بن حوقل؛› طبعة ليدن» 1873. 0- مشارق أنوار العقول؛ أبو محمد بن عبدالله السالمي» طبعة سلطنة عمان. 1- الموجز في تحصيل السؤال وتلخيص المقال» أبو عبار الكافي؛ طبعة الجزائر 8 ه. 2 - النقذ من الضلال؛ الإمام الغزالي» طبعة الجندي 1973. 3- محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين للإمام الرازي» طبعة الكليات الأزهرية. 4 معالم أصول الدين» للإمام الرازي» طبعة الكليات الأزهرية. 5 - الموقف الخامس للإيجبي» تحقيق: د. أحمد المهدي؛ طبعة القاهرة 1876. 6 - معالم الدين؛ إبراهيم الثميني» طبعة سلطنة عمان›» 86 19. 7- محاضرات في العقيدة والفكر الحديث؛ د. محمد شمس الدين؛ طبعة الأنوارء 1964. 8 المغني في أبواب التوحيد والعدل؛ القاضى عبدالجبار» طبعة الملجلس الأعلى للثقافة 1960. ۱ 9 - المسائل الخمسون في أصول الدين» للرازي» طبعة المكتب الثقافي› 89 19. 0 الطالب العاليةء للإمام الرازي» طبعة بيروت» 87 19. 1- المختصر في أصول الدين؛ للقاضى عبدالحبار› طبعة القاهرة 1971. 2- معارج السالكين؛ لابن القيم» طبعة ببروت. 3- المحيط بالتكليف» للقاضي عبدالجبار طبعة الدار الملصرية للتأليف 5 196. 4- مذاهب الإسلاميين؛ د. عبدالرحمن بدوي؛ طبعة دار العلم للملايين؛ ببروت؛ 1971. 5- مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم طبعة مكة المكرمة 1929. 6- المسلك المحمودء سعيد التعاريت» طبعة الجحزائر 1321ه. 7- مناهج الأدلة ي عقائد الملةء لابن رشك طبعة الأنجلو المصرية 1969. 8- منهج الطالبين وبلاغ الراغبين» للرستاقي» طبعة الحلبي. 9- المفردات في غريب القرآن» الراغب الأصفهاني؛ طبعة دار المعرفة ببروت. 0- مسألة القضاء والقدر عبدالحميد قنيس» طبعة دار الكتاب العربي» 1979. 1- منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين؛ د. مصطفى حلمي؛ طبعة دار الدعوة 1982. 2 العتزلة بين القديم والحديث» د. محمد العبد وطارق عبدالحليم» طبعة دار الأرقم› 7 1. 3- تار الصحاح» للرازي» طبعة القاهرة. 4- المواقف للإيجبي» طبعة المتنبي» القاهرة. 5-عاضرات في التوحيد الشيخ صالح شرف» طبعة القاهرة. 6- مختصر تاريخ الأباضيةء للباروني» طبعة مكتبة الاستقامة تونس. 7- مذهب التجسيم عند المسلمين» مذهب الكراميةء د. سهير تار طبعة الإاسكندريق 1971. 8 - النظريات السياسية الإسلاميةء د. محمد ضياء الريس» طبعة دار التراث؛ 1979. 9- نظام الخلافة ي الفكر الأسلامي» د. مصطفى حلميء» دار البيانء 0.1977 0 - نيل الأطوارء للإمام الشوكاني» دار الفكر بيروت» 1402 ه. 1 - ناية الإقدام ئي علم الكلام؛ للشهرستاني؛ طبعة القاهرة. 2 - النبوات» لابن تيميةء طبعة القاهرة» 1346ه. 3- نياذج من ال حكمة الدينية للمسلمين» د. سامي لطف» طبعة القاهرة 1978. 4 - نثار ا جوهر في علم الشرع الأزهر» للرواحي» طبعة سلطنة عمان› 1400 ه. 5 - النبوءات والسمعيات من شرح المقاصد؛ د. حيبي الدين الصائي؛ طبعة القاهرةء 66 1. 6- نظام ال حكم في الإسلام د. محمد يوسف موسى» طبعة دار الفكر العربي» 3 0196 7- وقعة صفين؛» نصر بن مزاحم طبعة القاهرة. -4 -5 6 -7 -8 -9 كتب للمؤلف ۰ الفلسفة الإسلامية بين الأصالة والتقليد، طبعة الصفا والمروة، 1997. ابن رشد وفلسفته الإلهية، طبعة الصفا والمروة، 1997. القول السديد في أهم قضايا علم التوحيد، طبعة الصفا والمروة، 1997. الفلسفة الإغريقية من طاليس إلى أبروقلوس، طبعة الصفا والمروة، 1997. المدينة الفاضلة في فلسفة الفارابي وموقف الإسلام منها، الصفا والمروة، 1997. الجمهورية المثالية في فلسفة أفلاطون وموقف الإسلام منها، الصفا والمروة، 1997. التيارات الفكرية المعاصرة وخطرها على الإسلام، الصفا والمروة، 1998. الأخلاق الإسلامية وأثرها على الفرد والمجتمع ، الصفا والمروة، 1998. قضية الإمامة ونشأتها وتطورها بين الفرق الإسلاميةء ، الصفا والمروة، 1999. الإباضية: نشأتها وعقائدها، المطبعة العربية الحديثة، 1999. الإسلام في مواجهة الغزو الفكري الاستشراقي والتبشير، طبعة المطبعة العربية الحديثة، 1999 المنطق الأرسطي بين القبول والرفض، طبعة المطبعة العربية الحديثة، 2000. القول المبين في أهم قضايا علم أصول الدين، طبعة المطبعة العربية الحديثة، 2000. العقيدة وأثرها في سلوك الإنسان؛ طبعة المطبعة العربية الحديثة، 2001. المنهاج القويم في منطق العلم الحديث ومناهج البحث، المطبعة العربية الحديثة، 2001. لمحات من الفلسفة الحديثة والمعاصرة، المطبعة العربية الحديثة، 2001. ظاهرة الشك بين الغزالي وديكارت؛ المطبعة العربية الحديثة، 2002. إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية، المطبعة العربية الحديثة، 2002 التصوف الإسلامي بين الاعتدال والتطرف، المطبعة العربية الحديثة، 2003 فهرس مقدمة الجزء الأول: الأباضية نشأتها وفِرقها تمهيد الأسباب التي ساعدت على اختلاف المسلمين ونشأة الفرق الخلاف الأول أثناء مرض الرسول صلى الله عليه وسلم الخلاف الثاني ‎‏ ‏الخلاف الثالث في موت النبي صلى الله عليه وسلم‏ ‏الخلاف الرابع في موضع دفنه صلى الله عليه وسلم الخلاف الخامس في الإمامة بعده صلى الله عليه وسلم الخلاف السادس في قتال مانعي الزكاة الخلاف السابع في أمر فدك‏ ‏الخلاف الثامن دخول بعض أهل الديانات القديمة في الإسلام‎‏ ترجمة الكتب الفلسفية الفصل الأول: النشأة التاريخية للخوارج ألقابهم وأسماؤهم فرقهم الفصل الثاني: النشأة التاريخية للأباضية تمهيد نشأة الأباضية الفصل الثالث: فرق الأباضية المنشقة وعقائدها تمهيد فرقة النكارية فرقة الخلفية فرقة النفاثية ‎‏ ‏فرقة الحسينية فرقة السكاكية فرقة الفرثية ‎‏ ‏فرق الحفصية فرقة الحارثية فرقة اليزيدية ‎‏ ‏أصحاب طاعة لا يراد الله بها ‎‏ ‏الجزء الثاني العقائد الإيمانية في مذهب الأباضية تمهيد الفصل الأول: إثبات وجود الله تعالى أولاً: دليل الحدوث ثانياً: دليل الخلق‏ ‏ثالثاً: دليل الممكن والواجب الفصل الثاني: الصفات الإلهية‏ ‏تمهيد مذهب الأباضية في الصفات‏ ‏صفة الوحدانية صلة الذات بالصفات صفة العلم صفة الإرادة صفة القدرة صفة الحياة صفة الكلام صفتا السمع والبصر الصفات الخبرية الفصل الثالث: رؤية الباري تعالى تمهيد مذهب الإباضية تعقيب الفصل الخامس تمهيد النبوة في اللغة النبوة في الاصطلاح الرسالة: هبة أم مكتسبة حكم الرسالة حاجة البشر إلى الرسالة‏ ‏المعجزة عصمة الأنبياء الفصل السادس: السمعيات تمهيد الحياة البرزخية البعث والمعاد‎ ‏الحساب الميزان والوزن الصراط حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الملائكة الشفاعة الجنة والنار الفصل السابع: الإيمان والإسلام ‎‏ ‏الإيمان بين الزيادة والنقص حكم مرتكب الكبيرة ‎‏ الفصل الثامن: قضية الإمامة تمهيد الإمامة في فكر الخوارج السياسي الإمامة في الفكر الأباضي الخاتمة المصادر والمراجع كتب للمؤلف فهرس eo ooo ooo veo oes RIBERA S IDES SEAM E REE ES ESO BESER LR RRERRE الاب 4 كان الناس» ًا بعث الله النبي محمَدًا ي في ضلال مبين وفي ظلمات دامسة وكانوا شيعا وأحزاباء مختلفين في ارائهم» ومتضاربين في عقائدهم» وکان مبعثه َد بالهدى ودين الحق ليبين للناس طريق الهداية والمعرفة الحقة والعبادة الصحيحةء بعد أن التبس عليهم احق فتاهوا بين وننية جائرة منتشرة في شبه الجزيرة العربية وغيرها من البلدان» وبحوسية فاجرة في بلاد فارس وما جاورهاء ونصرانيّة محرّفة تشرك بالله تعالى وتقول بالتثليث والصلب والفداى ويهودية مدمرة تقول إن عزاي را ابن الله بعثه الله رولا لارنقاذ 4 البشرية ما تردت فيه من مهاوي الشرك والضلال. وعقيدة الاإسلام عقيدة سهلة لا تعقيد فيها ولا غموض» وهي التي توافق الفطرة السليمة التى فطر الله الناس عليهاء وتتقبلها العقول النيّرة التي لم تتأتْر بعوامل التقليد أو العصبيّةء وإنما هي ‎۹C‏ عقيدة حرّة تدفع المرء للبحث والنظر ... " ل نشاتها وعفاندها ا ۱ | ۱ [ ‏ا‎ ISBN 978-6589-09-900-6 d 7 ++ الأاردن » ص. ب 7855 › عبان › 111168 › وسط البلد › بناية 12 › وبناية 34 هاتف 4638688 6 0092 فاكس 4657445 6 00962 « منشورات العام 2011 الشلاف : سم سے ® › هاتف 95297109 7 00962 9786589099000