        אא                  ñŠàÈÛaë@w§a@éÔÏ@¿@ñŠ•bÈß@òîÜî•dm@tb¡c@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@   א  א       א  الطبعة الأولى ١٤٢٩هـ٢٠٠٨/م حقوق الطبع محفوظة© ,ولا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه بأي شكل من الأشكال أو حفظه ونسخه في أي نظام ميكانيكي أو إلكتروني يمكن من استرجاع الكتاب الحـصول عـلى إذن خطـي أو ترجمته إلى أي لغة أخر￯ دون @ @ سابق من المؤلف. @ @ñŠàÈÛaë@w§a@éÔÏ@¿@ñŠ•bÈß@òîÜî•dm@tb¡c    א  אא אאאאאא م٢٠٠٨/هـ١٤٢٩ الطبعة الأولى < < ٢٠٠٨/١٥٨ رقم الإيداع DM E (١ ) @ @ @ @ w§a@kİë@òíëÛa@âìí@ÞbàÇc@Z...bÛa@Ý–ÐÛa òíëÛa@âìîi@òîànÛa@kj@ZÞëþa@szj1⁄2a éÈTMìßë@w§bi@âaŠy⁄a@æbß‹@ZïãbrÛa@szj1⁄2a óäß@μg@lbçˆÛa@ZsÛbrÛa@szj1⁄2a óä¶@à ̈a@paìÜ–Ûa@õa...c@ZÉiaŠÛa@szj1⁄2a @@w§a@¿@òië†ä1⁄2a@kİ ̈a@Zßb ̈a@szj1⁄2a وصف جابر بن عبد االله } فعل النبي يوم حجة الوداع ,وحري بنا أن نبدأ كلامنا في يومي التروية وعرفة بوصف فعله ثم نبين الأحكام الفقهية بعد ذلك ,قال جابر بن عبد االله: فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول االله  فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ,ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس. وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول االله ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول االله حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ,حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ,ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ,ودماء الجاهلية موضوعة ,وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ,وربا الجاهلية موضوع ,وأول ربا أضع فاتقوا االله في النساء; فإنكم أخذتموهن بأمان االله ,واستحللتم فروجهن بكلمة االله ,ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ,فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ,ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب االله ,وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون? قالوا :نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت, فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس :اللهم اشهد ,اللهم اشهد ,ثلاث مرات. ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ,ثم أقام فصلى العصر ,ولم يصل بينهما شيئا, ثم ركب رسول االله حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ,وجعل حبل المشاة بين يديه ,واستقبل القبلة ,فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول االله وقد شنق للقصواء الزمام).(١ ) (١أخرجه مسلم ,في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  ثم يوم النحر ثم يوم القر ثم يوم النفر الأول ثم يوم النفر الثاني. ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة ,وللفقهاء خلف في سبب تسميته بالتروية فمن ذلك ما قيل إنه سمي بذلك لأجل أنهم كانوا يتروون فيه من الماء ويسقون إبلهم من بئر زمزم يعدونه لمنى وعرفة; لأن تلك الأماكن لم تكن حينها ذات آبار ولا عيون ,وأما الآن فقد كثرت جدا واستغنوا عن حمل الماء. والرأي السابق أسنده الفاكهي من طريق محمد بن أبي عمر قال :ثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال :سمعت محمد بن علي ابن الحنفية رضي االله عنه يقول :إنما سمي يوم التروية لأن الناس كانوا يتروون من الماء).(١ كما رو￯ عن محمد بن عبد الملك الواسطي قال :ثنا يعلى بن عبد الرحمن قال :ثنا شريك عن الأعمش قال :إنما سمي يوم التروية لأن الناس كانوا يتروون فيه الماء إلى عرفات ولم يكن بها ماء).(٢ وقيل :سمي التروية لأن إبراهيم #رأ￯ ليلتئذ في المنام ذبح ابنه فأصبح يروي في نفسه أهو حلم أم من االله تعالى ,فسمي يوم التروية ,فلما ) (١الفاكهي ,أخبار مكة ,ج ,٣ص.١٨٩ ) (٢الفاكهي ,أخبار مكة ,ج ,٣ص.١٨٩ أر￯ فيه أبا الأنبياء إبراهيم #أول المناسك ,وقيل هو من الرواية لأن الإمام يروي للناس مناسكهم).(١ وأقو￯ الآراء هو القول الأول الناص على التروي بالماء أهبة لمنى وعرفة ,على أن ما عدا الأول لا يساعد عليه التصريف والاشتقاق ,لذا حكم الحافظ ابن حجر لما عدا القول الأول بالشذوذ; لأنه لو كان من الثاني لكان من التروي بتشديد الواو ,ولو كان من الثالث لكان يوم الرؤية ,ولو كان من الرابع لكان يوم الرؤيا ,ولو كان من الخامس لكان من الرواية).(٢ ومن الفقهاء من يسمي اليوم السابق بيوم النقلة; لأن الناس ينتقلون فيه من مكة إلى منى).(٣ ) (١الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص ,٤٠٧والقطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص,١٦٤ والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٧والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٥٢وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٤وابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص ,٥٠٧والعيني ,عمدة القاري ,ج ,٩ص.٢٩٦ ) (٢ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٠٧ ) (٣الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٩والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٨٥ معلوم من حال المفرد والقارن أنهما باقيان على إحرامهما الأول لم يحلا منه ,ولكن المتمتع الذي أحل من عمرته أو من كان مقيما بمكة من أهلها أو من غيرهم يتوجه الخطاب الشرعي إليه بالإحرام بالحج ,وهذا محل اتفاق بين أهل العلم. كما أن الاتفاق متحقق في أن له أن يحرم بالحج في أي وقت من أشهر الحج وأنه يجزيه) (١ولو كان من أول يوم من شهر شوال. لكن اختلفوا في الأفضل من الأوقات فذهب الأكثر من أهل العلم إلى أن الأفضل أن يحرم بالحج يوم التروية عند قصده الذهاب إلى منى سواء كان متمتعا وأراد أن يحرم بالحج ,أو كان مقيما بمكة من أهلها أو من غيرهم).(٢ وبعض هؤلاء استثنى من لم يجد الهدي من المتمتعين وقالوا إن الأفضل له الإحرام يوم السابع ليصوم الأيام الثلاثة ويكون آخر الأيام عرفة ,ومن كره صيام عرفة للواقف بها قال يحرم بالحج قبل فجر السادس ويصوم ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٤والشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤٠٧ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٤والشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤٠٧ وتعقب هذا الاستثناء بأنه "تصرف بالسنة المسنونة بالرأي وليس في شيء مضى من النبي فيه سنة إلا اتباعها وقد أمر أصحابه كلهم أن يحرموا يوم التروية وكانوا كلهم متمتعين إلا نفرا قليلا ساقوا الهدي. وأمر من لم يجد الهدي منهم فأمروا أن يصوموا ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعوا ,ولم يأمروا بالإحرام قبل يوم التروية ,ومعلوم علم اليقين أن قوما فيهم عشرات الألوف في ذلك الوقت الضيق يكون كثير منهم أو أكثرهم غير واجدين للهدي فكيف يجوز أن يقال كان ينبغي لهؤلاء الإحرام يوم السادس والخامس ورسول االله يأمرهم بالإحرام يوم الثامن. قل ترفهه وربما لم يمكنه التمتع إذاثم إن المتمتع إذا أمر بتقديم الإحرامَّ قدم مكة يوم السادس أو السابع وفي ذلك إخراج للتمتع عن وجهه. والإحرام إنما يشرع عند الشروع في السفر ولهذا لم يحرم النبي من الميقات إلا عند إرادة المسير ,وقد بات فيه ليلة ,والحاج إنما يتوجهون يوم ) (١المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٣ص ,٥١٢والحجاوي ,الإقناع ,ج ,٢ص.١٧ منى وكلاهما أمر بخلاف الأفضل المسنون").(١ وقد ذكرنا في الجزء الثاني من هذا الكتاب أن للفقهاء خلافا في وقت صيام ثلاثة الأيام لمن لم يجد الهدي ,أهو بالإحرام بالعمرة ,أو هو بشرط الإحرام بالحج ,أو إذا دخلت العشر. وتبين ثمة أن أولى ما يقال هو أنه يشرع الصيام بمجرد الإحرام بعمرة التمتع ,وليس من شرط الصيام أن يكون حال التلبس بوصف الإحرام, وعليه فليس ثمة داع إلى تقديم الإحرام قبل التروية ,بل يلتزم بالسنة ,نعم ذلك يلزم من يقول إن صيام ثلاثة الأيام شرطه الإحرام بالحج ,ولكن دليل هذا غير ظاهر على دليل غيره. والدليل لاستحباب الإحرام بالحج يوم التروية فعل أصحاب النبي  في حضرته إذ إنهم أحرموا صباح يوم التروية كما نص عليه جابر بن عبد االله في الحديث الذي ذكرناه أول الفصل. ونص على فعل الصحابة السابق أنس بن مالك كما في حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال :فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى كان يوم ) (١ابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٤٨٣ وجاء السابق من نص أبي سعيد الخدري كما في حديث الأعلى بن عبد الأعلى حدثنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول االله نصرخ بالحج صراخا ,فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي ,فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج).(٢ وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن الأفضل في الإحرام بالحج لمن كان بمكة أن يكون إذا رأوا هلال ذي الحجة).(٣ وقد رو￯ ابن أبي شيبة عن عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه أن ابن الزبير كان يقيم بمكة السنين يهل بالحج لهلال ذي الحجة).(٤ ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :التحميد والتسبيح والتكبير عند الإهلال ).(١٤٧٦ ) (٢أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :التقصير في العمرة ).(١٢٤٧ ) (٣مالك بن أنس ,المدونة ,ج ,٢ص ,٣٨٣والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص ,٢٥وابن جزي ,القوانين الفقهية ,ص ,٨٨والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٢١ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٦٨ شعثا إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج. قال ابن حزم :رواية لا نعلمها تتصل إلى عمر إنما نذكرها من طريق القاسم بن محمد وإبراهيم النخعي عن عمر وكلاهما لم يولد إلا بعد موت عمر بأعوام. ثم لو صح عنه لكان الثابت المتصل من فعل الصحابة بحضرة النبي  أولى من رأي رآه عمر).(١ لكن قال الحافظ ابن حجر :ورو￯ مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل عن عمر أنه قال لأهل مكة :ما َل ُكم يقدم الناس عليكم شعثا وأنتم تنضحون طيبا مدهنين?! إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج).(٢ ورو￯ ابن أبي شيبة عن يحيى بن يمان عن هشام قال :رأيت الحسن يتعجل إلى منى قبل الناس بيوم ,ورأيت هشاما يتعجل ,وعن حفص عن حجاج قال :سألت عطاء عن التعجل إلى منى قبل التروية بيوم فلم ير بذلك ) (١ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص.١٢٤ ) (٢ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٠٦ ومن الفقهاء من استحب تقديم الإحرام على التروية; لأن فيه إظهار المسارعة والرغبة في العبادة ,ولأنه أشق على البدن).(٢ وقال هؤلاء :إن الرسول أمر أصحابه بالإحرام يوم التروية لأنه اختار لهم الأيسر على الأفضل).(٣ واعترض على السابق بالأمر بالإحرام من شوال ,ولا يقول بذلك أحد).(٤ وظاهر من السابق أن الأخذ بما دلت عليه السنة من إقرار فعل الصحابة بالإحرام يوم التروية هو الأولى والأظهر ,ثم إنه –كما يقول بعض أهل العلم −يوم التروية ميقات للإحرام فاستو￯ فيه أهل مكة وغيرهم كميقات المكان).(٥ اختلف القائلون بتعين يوم التروية للإحرام ما على من أخر الإحرام عن ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٩٦ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٣٢والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٥٠ ) (٣الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٥٠ ) (٤ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص.١٢٥ ) (٥ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٤ للوجوب ,فمن أحرم على وجه يدرك فيه عرفة فإنه يجزيه ولا يكون مفوتا شيئا من واجبات الحج ,وإن فاتته فضائل وسنن فليست هي بواجبة. وذهب بعض الفقهاء إلى أن عليه دما) ,(١ولا أدري على ماذا بني هذا الرأي. أما موضع الإحرام بالحج فنص عليه النبي بقوله "حتى أهل مكة يهلون منها" ,فمن أي موضع من الحرم أحرم فإنه يجزيه كما هو مذهب الجمهور) ,(٢ومنهم من خص الإحرام بمكة) ,(٣وقد تقدم ذكر المسألة في الجزء الثاني من الكتاب. ومن الفقهاء من جعل الإحرام من الحرم للمتمتع شرطا).(٤ والصحابة { أحرموا من الأبطح كما في حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد االله قال :أمرنا النبي لما أحللنا أن نحرم إذا ) (١المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٢٥ ) (٢الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص ,٤٠٦والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٣١والمرداوي, الإنصاف ,ج ,٤ص.٢٦ ) (٣المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٢٦ ) (٤المرغيناني ,الهداية ,ص.١٥٦ والأبطح البطحاء التي بين مكة ومنى ,وهي ما انبطح من الوادي وحدها ما بين الجبلين إلى ُّواتسع ,وهي التي يقال لها المحصب والمعرس, المقبرة).(٢ والمنطقة الآن معمورة بالبنايات وشوارع السير ,ولعل الصحابة يومها كانوا مقيمين بها فإحرامهم كان في مكان إقامتهم ,أو لأنها آخر مكة وأقرب المناطق إلى منى. واختلفوا في الأفضل من الأماكن من الحرم ,فمنهم من قال من المسجد, ومنهم من حدد فقال من تحت الميزاب) ,(٣ومنهم من قال إذا خرج من المسجد وولى البيت ظهره ,ومنهم من قال من مسجد الجن) ,(١)(٤ومنهم من ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :بيان وجوه الإحرام ).(١٢١٤ ) (٢ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص ,٥٩٠والعيني ,عمدة القاري ,ج ,٩ص.٢٩٧ ) (٣البهوتي ,الروض المربع ,ج ,١ص.٥٠٧ ) (٤يقع في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد الحرام على يسار الصاعد إلى المعلاة بجانب جسر المشاة ,وسمي بذلك لأن النبي خط لابن مسعود في هذا الموضع عندما جاء الجن يبايعون النبي ,ويطلق عليه مسجد الحرس ,ومسجد البيعة ,وقد جدد سنة ١٤٢١هـ. والذين قالوا من المسجد وجهوا قولهم بأن كل ميقات فيه مسجد فإنه يستحب الإحرام بعد الصلاة في مسجده كميقات ذي الحليفة).(٣ والأقوال السابقة في تفضيل بعض الأماكن على بعض عرية عن الدليل, والأولى أن يقال إن الإحرام يكون من مكان نزول من أراد الإحرام وسكناه لقوله :فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة ,فمن كان دونهن فمهله من أهله ,وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها).(٤ والشاهد هنا قوله "فمن كان دونهن فمهله من أهله". الأزرقي ,أخبار مكة ,ج ,٢ص ,٢٠٠والفاكهي ,أخبار مكة ,ج ,٤ص ,٢٠ومحمد إلياس ,تاريخ مكة المكرمة ,ص.١٣٢ ) (١البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٥والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٥١ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٦والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٥١وابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص ,٤٨٤والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٢٦ ) (٣ابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٤٨٤ ) (٤أخرجه البخاري −واللفظ له −في كتاب :الحج ,باب :مهل أهل الشام ),(١٤٥٤ ومسلم في كتاب الحج ,باب :مواقيت الحج والعمرة ).(١١٨١ من الحل أيجوز له ذلك أو لا يجوز ,من الفقهاء من ذهب إلى المنع بل أوجب الدم على من أحرم من خارج الحرم ,ومنهم من لم ير المنع بل أجاز الإحرام من الحل).(١ وهذا الإحرام يندب فيه ما يندب في الإحرام عند الميقات من غسل وصلاة الإحرام وغير ذلك مما تقدم ذكره في الجزء الثاني من هذا الكتاب. واستحب جمع من الفقهاء في هذا الموضع طوافا بالبيت قبل الإحرام ليكون بمنزلة توديع البيت; إذ الخروج هذا سيكون إلى خارج الحرم. وقد ذكرنا هذا الطواف عند ذكر أنواع الطواف في الجزء الرابع من هذا الكتاب وقد بينا ثمة أنه لا دليل يفيد الحكم السابق فلا يقال بندب ذلك الطواف. ) (١المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٢٦ النصوص بينة –كما سيأتي −أن صاحب الدعوة قد صلى ظهر يوم التروية بمنى ,ولكنها مجملة في تحديد الوقت الذي خرج فيه من مكة إلى منى مما أورث أهل العلم خلافا في الوقت الذي يستحب لمن أراد الحج أن يحرم فيه ويذهب إلى منى. وقبل أن نعرض أقوالهم في ذلك نبين أن الإحرام يكون عند الشروع في الذهاب بعدما تستقل الراحلة بصاحبها لمن كان على راحلة ,وبعدما يشرع في المشي من كان ماشيا ,وهذا أمر قد تقدم تقريره بأدلته وأقوال أهل العلم فيه في الجزء الثاني من الكتاب. ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأفضل أن يخرج من مكة بعد زوال الشمس فيصلي الظهر بمنى ,وإن خرج قبل ذلك فلا حرج) ,(١ومنهم من عبر بعشية اليوم الثامن) ,(٢والعشية تبدأ بالزوال).(٣ ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٥١والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٧وابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٤٨٣ ) (٢الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤٠٥ ) (٣الفيومي ,المصباح المنير ,ج ,٢ص ,٤١٢وابن منظور ,لسان العرب ,ج ,١٥ص.٦٠ عشية التروية) ,(١ووقت العشية إنما يبدأ بزوال الشمس ,ومعلوم أن المسافة بين بطحاء مكة ومنى ليست بالطويلة فيسع الوقت لأن تصلى الظهر فيها. والحديث الذي فيه الأمر بالإحرام عشية يوم التروية جاء من طريق عثمان بن غياث عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن متعة الحج فقال: أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي في حجة الوداع وأهللنا ,فلما قدمنا مكة قال رسول االله اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي. طفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب وقال :من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله. ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت والصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي).(٢ غير أن آخرين قالوا إن الأفضل أن يكون خروجه بعد صلاة الصبح ) (١ابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٤٨٣ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ).(١٤٩٧ ومنهم من فضل أن يكون الخروج بعد طلوع الشمس ضحى).(٢ قال ابن الهمام :لما عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام صلى الفجر يوم التروية بمكة فلما طلعت الشمس راح إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح يوم عرفة).(٣ ذلك ما قاله المحقق ابن الهمام غير أني قد سعيت إلى أن أجد الرواية التي فيها التصريح بوقت طلوع الشمس فلم أجدها ,لكن أوردها صاحب الهداية معلقة دون ذكر الصحابي) ,(٤لذا خرجها الحافظ ابن حجر دون الزيادة المذكورة من حديث جابر الطويل الذي قدمنا ذكره أول الفصل وأعقبها بقوله :لكن ليس فيه لما طلعت الشمس).(٥ لذا يبقى الاستدلال بالسابق محل نظر. ومن الفقهاء من قال الأفضل الخروج يوم التروية من مكة إلى منى ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١١والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٨٧ ) (٢ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص ,٤٦٦وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦١ ) (٣ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٦٦ ) (٤المرغيناني ,الهداية ,ص.١٤٣ ) (٥ابن حجر ,الدراية ,ج ,٢ص.١٨ ذلك أظهر في دليله. ومن الفقهاء من قال إن الأفضل أن يصلي الحجيج الظهر بمكة يوم التروية ثم يخرجون) ,(٢ورو￯ ابن أبي شيبة عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال :يصلي الظهر يوم التروية بمكة ثم يسير إلى منى فيبيت بها).(٣ ورو￯ ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن ابن جريج عن عطاء قال: كانت عائشة تمكث بمكة ليلة عرفة مساء يوم التروية عامة الليل).(٤ وهذان القولان بينا المعارضة لما نقل ثابتا عن النبي من صلاته الظهر بمنى ,وعليه فليس ثمة بد من حملهما على إتيان الواسع من الأفعال دون المشروع والمندوب لأمر يخص من أتاهما. وقد يصادف يوم التروية يوم جمعة ,فإن خرج مريد الحج قبل دخول وقتها فلا حرج عليه ,أما إن دخل وقت الجمعة وهو بمكة وممن تلزمه ) (١البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٥والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص,١١٨ والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٢١ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤١١ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣١٥ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣١٥ ليس بواجب ,فيقدم الواجب على غيره).(١ ومن الفقهاء من أمر في الحال السابق بالخروج إلى منى قبل طلوع الفجر إن كان اليوم يوم جمعة; لأن الخروج إلى حيث لا تصلى الجمعة حرام أو مكروه على الخلاف. ونص بعض أهل العلم على أن الأفضل أن يكون نزله وصلاته في مسجد الخيف من منى ,ومنهم من نص على الخيف الأيمن منها بين الأخشبين; لأنه مصلى النبي في منى) ,(٢وللفضل الذي ورد لهذا المسجد في نصوص الشارع. كما استدل آخرون لإثبات السابق بحديث مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن محمد بن عمران الأنصاري عن أبيه أنه قال :عدل إلي عبد االله بن عمر وأنا نازل تحت سرحة بطريق مكة فقال: ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٥وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص,٣٦١ والحجاوي ,الإقناع ,ج ,٢ص.١٨ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٧وابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص ,٤٦٧وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦١ فقلت :لا ,ما أنزلني إلا ذلك ,فقال عبد االله بن عمر :قال رسول االله : إذا كنت بين الأخشبين من منى ونفخ بيده نحو المشرق فإن هناك واديا يقال له السرر به شجرة سر تحتها سبعون نبيا. والحديث أخرجه الإمام مالك في الموطأ) ,(١ومن طريقه أحمد),(٢ والنسائي) ,(٣وابن حبان) (٤وغيرهم ,غير أن إسناده ضعيف ليس بحجة إذ إن محمد بن عمران وأباه ممن لا يعلم حالهم ,قال ابن عبد البر: لا أعرف محمد بن عمران هذا إلا بهذا الحديث ,وإن لم يكن أبوه عمران بن حبان الأنصاري أو عمران بن سوادة فلا أدري من هو).(٥ وقال الذهبي: ) (١مالك بن أنس ,الموطأ ,ج ,١ص.٤٢٣ ) (٢أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,٢ص.١٣٨ ) (٣كتاب :مناسك الحج ,باب :ما ذكر في منى ).(٢٩٩٥ ) (٤ابن حبان ,صحيح ابن حبان ,ج ,١٤ص.١٣٧ ) (٥ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٣ص.٦٤ محمد بن عمرو بن حلحلة).(١ ونص على أنه مجهول الحافظ ابن حجر في التقريب) ,(٢وقد أورد ابن حبان محمد بن عمران هذا في كتابه الثقات) (٣على قاعدته التي ذكرناها من قبل مرارا. وجاء الحديث من غير الطريق السابقة بإسناد غير مستجمع شروط الصحة لعدم اتصاله من حديث أبي عبيدة قال :بلغني عن ابن عمر قال :قال رسول االله :إذا كنت بين الأخشبين بمنى ونفخ بيده نحو المشرق فإن هناك واديا يقال له وادي السرر فيه سرحة سر تحتها سبعون نبيا).(٤ ومراعاة الموضع السابق والإصرار على أن يكون نزل الإنسان أمر به من العسر في أزماننا شيء كبير ,وعليه فيحافظ الإنسان على النظام المتبع في توزيع الحجاج ,فإن كان قريبا من مسجد الخيف مكان نزول النبي فذلك خير ) (١الذهبي ,ميزان الاعتدال ,ج ,٦ص.٢٨٢ ) (٢ابن حجر ,تقريب التهذيب ,ص.٥٠٠ ) (٣ابن حبان ,الثقات ,ج ,٧ص.٤١١ ) (٤أخرجه الربيع في كتاب :الحج ,باب :في عرفة والمزدلفة ومنى ).(٤٢٥ بيت االله الحرام الوقوع في الضرر فينال بذلك أجر النية كما ينال أجر الالتزام بما يحفظ لضيوف الرحمن الأمن والراحة. ونص بعض الفقهاء على أن المبيت بمنى ليلة عرفة مبيت منزل لا مبيت نسك يجبر بالدم ولا يتعلق به غرض نسكي) ,(١وإنما الغرض منه الاستراحة للسير من الغد إلى عرفة من غير تعب) ,(٢قال ابن جعفر: ومن نام بمكة ليلة عرفة حتى أصبح ثم غدا يوم عرفة حتى مر بمنى ووقف مع الناس فقد أساء).(٣ السابق فقال إن المراد ليس بواجب ,ولا يراد به أنه لا َالنووي ُوأوضح فضيلة فيه بل هو سنة) ,(٤وقد نقل بعض الفقهاء الإجماع على أنه ليس بركن ولا واجب).(١ ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٩والغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص ,٦٥٦والسرخسي, المبسوط ,ج ,٤ص ,٥٢والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٢والحجاوي ,الإقناع ,ج,٢ ص.١٧ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤١١ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٥٠ ) (٤النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٨٨ وفاته المبيت).(٢ وقد أخذ الحكم السابق من حديث عروة بن مضرس –سيأتي تخريجه− إذ إنه أدرك النبي في مزدلفة ولم يلزمه النبي بالدم).(٣ وذهب بعض الفقهاء إلى كراهة صوم يوم التروية خشية الضعف عن العبادة ,ومنهم من لم يجعله مكروها لكن استحب الفطر فيه كعرفة).(٤ والحكم بالكراهة أو الندب لذات يوم التروية مستلزم الدليل ولا دليل في القضية ,وعليه فيكون له الحكم العام للصيام فينهى عنه إن كان يوم جمعة ولم يصم قبله أو بعده وغير ذلك من أحكام صيام النفل العامة. ) (١الشربيني ,مغني المحتاج ,ج ,١ص.٤٩٦ ) (٢الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص ,٤٠٨والقطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص.١٦٦ ) (٣الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤٠٨ ) (٤ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص ,٣٥٠ونظام ,الفتاو￯ الهندية ,ج ,١ص,٢٠٢ والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٣ص.٣٤٥ جاء في حديث جابر بن عبد االله الذي تقدم ذكره أن النبي صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر بمنى ,وهذا يفيد أن المشروع أداء هذه الصلوات الخمس بمنى ,ومن ذلك المبيت ليلة عرفة بمنى).(١ ومما جاء مبينا أن النبي صلى الظهر يوم التروية بمنى حديث إسحاق الأزرق حدثنا سفيان عن عبد العزيز بن رفيع قال :سألت أنس بن مالك  قلت :أخبرني بشيء عقلته عن النبي أين صلى الظهر والعصر يوم التروية? قال :بمنى ,قلت :فأين صلى العصر يوم النفر? قال :بالأبطح ,ثم قال: افعل كما يفعل أمراؤك).(٢ ورو￯ أبو داود عن زهير بن حرب ثنا الأحوص بن جواب الضبي ثنا عمار بن رزيق عن سليمان الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال :صلى رسول االله الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى).(٣ ) (١البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٥والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٥١والماوردي, الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٦٧ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :أين يصلي الظهر يوم التروية ) ,(١٥٧٠ومسلم في كتاب :الحج ,باب :استحباب طواف الإفاضة يوم النحر ).(١٣٠٩ ) (٣كتاب :المناسك ,باب :الخروج إلى منى ).(١٩١١ الحكم الذي أفاده الحديث ثابت من جهات ُالحكم من مقسم ,وعلىٍ كل أخر. ورو￯ ابن أبي شيبة عن ابن نمير عن يحيى بن سعيد عن القاسم قال: سمعت ابن الزبير يقول :إن من سنة الحج أن الإمام يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم يغدو).(٢ ورو￯ عن عبد الجبار بن العلاء ثنا سفيان ثنا ابن أبي ليلى عن ابن أبي مليكة عن عبد االله بن عمرو قال :أتى جبريل إبراهيم يريه المناسك فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى. ثم ذهب معه إلى عرفة فصلى به الظهر والعصر بعرفة ووقفه في الموقف حتى غابت الشمس ثم دفع به فصلى به المغرب والعشاء والصبح بمزدلفة ثم أبات ليلته ثم دفع به حتى رمى الجمرة فقال له :اعرف الآن فأراه المناسك كلها ,وفعل ذلك بالنبي .(٣) ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٨٤ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣١٥ ) (٣ابن خزيمة ,صحيح ابن خزيمة ,ج ,٤ص.٢٦٤ والأمر السابق من أداء الصلوات الخمس بمنى والمبيت بها ليلة عرفة أمر ثابت عن النبي لكنه ليس بواجب بل هو سنة من تركها فاته فضلها لكن لا يجب عليه شيء من دم ولا إثم ,وحكي على ذلك الاتفاق).(١ قال ابن المنذر :ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا).(٢ وقال ابن عبد البر :أما صلاته يوم التروية بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح فكذلك فعل رسول االله ,وهي سنة معمول بها عند الجميع مستحبة ,ولا شيء عندهم على تاركها إذا شهد عرفة في وقتها).(٣ غير أن القول بوجوب الدم على من تخلف عن المبيت بمنى ليلة عرفة ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٥٤وابن عبد البر ,الكافي ,ص ,١٤٢والماوردي, الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٧وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٥والشماخي, الإيضاح ,ج ,٢ص ,٤٠٨والعيني ,عمدة القاري ,ج ,٩ص ,٢٩٨وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦١ ) (٢ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٠٩ ) (٣ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص.٣٢٨ ومن الفقهاء من استحب جمع العصرين والعشاءين بمنى يوم التروية, فيجمع الظهر والعصر ,والمغرب والعشاء).(٢ وظاهر حديث جابر أنه صلى كل صلاة في وقتها ,وهو وإن لم يذكر الإفراد إلا أنه ذكر الصلاة ,والجمع أمر زائد لا بد من التنبيه عليه كما هو الحال في عرفة ومزدلفة. وقال القطب :ويحتمل أن يريد بالجمع صلاتهن بالجماعة).(٣ وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن من تعجل إلى عرفة من ليلة منى فعليه دم ,وكذلك كل من خرج من حدود منى قبل أن يصلي الصبح فعليه دم) ,(٤وحكى الحطاب عن ابن العربي أنه أوجب الدم على من لم يبت بمنى ليلة التاسع من ذي الحجة).(٥ ) (١المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٦١ ) (٢الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤٠٦ ) (٣القطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص.١٦٥ ) (٤ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥١والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٦٣والقطب, الجامع الصغير ,ج ,٣ص.٢١٠ ) (٥الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١١٨ الحج منسك به من الأعمال الشيء الكثير ,لذا كان لزاما على من أراد تأديته أن يتفقه فيه حتى يتقبل منه ولا تفسد عبادته لعدم وضعه العبادة في موضعها الصحيح الذي أراده الشارع. ومن باب وجوب التناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يندب أن تكون ثمة خطب بين يدي كل نسك تعرف الناس بالنسك الذي سيأتونه حتى يؤدوه على وفق المراد الشرعي. وكان السلف حريصين على أن يتفقه الناس في دينهم فتجدهم يعلمونهم الأحكام الفقهية ويتخولونهم بالموعظة كما في حديث: عبد االله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر أنهم حين رجعوا إلى المدينة من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح فلما استو￯ للتكبير سمع الرغوة خلف ظهره فوقف عن التكبير. فقال :هذه رغوة ناقة رسول االله الجدعاء فلعله أن يكون رسول االله فنصلي معه فإذا علي عليها فقال له أبو بكر :أمير أنت أم رسول? مواقف الحج. فقدمنا مكة فلما كان قبل التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس حتى إذا فرغ قام علي فقرأ ببراءة حتى ختمها ,ثم خرجنا معه حتى إذا كان يوم عرفة قام أبو بكر فخطب الناس يعلمهم مناسكهم حتى إذا فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها. ثم كان يوم النحر فأفضنا فلما رجع أبو بكر خطب الناس فحدثهم عن إفاضتهم وعن نحرهم وعن مناسكهم فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها. فلما كان يوم النفر الأول قام أبو بكر فخطب الناس فحدثهم كيف ينفرون وكيف يرمون وعلمهم مناسكهم ,فلما فرغ قام علي فقرأ براءة على الناس حتى ختمها).(١ والحديث اختلف في تصحيحه فصححه ابن خزيمة وابن حبان بإخراجهم إياه ,وقال النسائي عقبه كما في المجتبى: ) (١النسائي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٢ص ,٤١٦وابن حبان ,صحيح ابن حبان ,ج ,١٥ص,١٩ والبيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١١١ جريج عن أبي الزبير ,وما كتبناه إلا عن إسحاق بن إبراهيم ,ويحيى بن سعيد القطان لم يترك حديث ابن خثيم ولا عبد الرحمن ,إلا أن علي بن المديني قال: ابن خثيم منكر الحديث ,وكأن علي بن المديني خلق للحديث).(١ وقد قال أبو حاتم :ما به بأس صالح الحديث) ,(٢ووثقه العجلي),(٣ وأورده ابن حبان في الثقات وقال :كان يخطئ).(٤ واختلفت الرواية عن ابن معين فيه فقال في رواية :ثقة حجة ,وقال في أخر￯ :أحاديثه ليست بالقوية ,وقال ابن عدي :وأحاديثه أحاديث حسان مما يحب أن يكتب) ,(٥وقال ابن سعد :ثقة).(٦ وعلى السابق كله الحديث لا يقل في رتبته عن منزلة الحسن ,وهو حجة. ومما جاء مفيدا خطب النبي حديث محمد بن عمر الواقدي حدثنا ) (١كتاب :مناسك الحج ,باب :الخطبة قبل يوم التروية ).(٢٩٩٣ ) (٢ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٥ص.١١١ ) (٣العجلي ,معرفة الثقات ,ج ,٢ص.٤٦ ) (٤ابن حبان ,الثقات ,ج ,٥ص.٣٤ ) (٥ابن عدي ,الكامل ,ج ,٤ص.١٦١ ) (٦ابن حجر ,تهذيب التهذيب ,ج ,٥ص.٢٧٥ بن يثربي الضمري قال :رأيت رسول االله يخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر ويوم عرفة حين زاغت الشمس على راحلته قبل الصلاة والغد من يوم النحر بمنى بعد الظهر. والحديث أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه) ,(١والفاكهي في أخبار مكة) ,(٢وحسبه أن في إسناده الواقدي ,وهو متهم بالكذب وتعمد الوضع فلا يصح الحديث بسببه. ومما جاء بالحكم السابق حديث محمد بن عمر قال :حدثنا عبد الصمد بن محمد السعدي قال :أخبرني حفص بن عمر بن أبي طلحة الأنصاري قال: لما أراد عمر بن عبد العزيز أن يحج من المدينة وهو واليها في خلافة الوليد بن عبد الملك دخل عليه أنس بن مالك وهو يومئذ بالمدينة فقال: يا أبا حمزة ألا تخبرنا عن خطب النبي ? فقال :خطب رسول االله بمكة قبل التروية بيوم ,وخطب بعرفة يوم عرفة ,وخطب بمنى الغد من يوم النحر ,والغد من يوم النفر. ) (١الإسماعيلي ,معجم الشيوخ ,ج ,٢ص.٥٢٠ ) (٢الفاكهي ,أخبار مكة ,ج ,٣ص.١٣١ بالمجاهيل الذين لم أجد لهم ترجمة. وعلى العموم استحسن الإمام أبو سعيد الكدمي ~ الخطبة في كل موطن اجتمع فيه الناس ليعلمهم ما يلزمهم من أمر دينهم في ذلك المجمع).(٢ وقد ذكر أهل العلم جملة من الخطب يستحب أن يخطبها القائمون بأمر إرشاد الناس ووعظهم لينبهوهم على المناسك ويعلموهم الشريعة نذكرها بأدلتها ,وقد قال الشيخ إسماعيل الجيطالي: وبلغنا أن رسول االله كان يخطب يوم النحر إذا صلى الظهر ,والغد من يوم النحر ,وبعد يوم النفر الأول ,يخطب في هذه الثلاثة الأيام تباعا ,وفعله بعده أبو بكر وعمر وعثمان وابن عباس كذلك).(٣ الخطبة الأولى :خطبة اليوم السابع بمكة بعد صلاة الظهر ,وهي خطبة واحدة يبين فيها أحكام الإحرام بالحج وما يندب فيه وما ينهى عنه ,والغدو ) (١ابن سعد ,الطبقات ,ج ,٥ص.٣٣١ ) (٢السالمي ,معارج الآمال ,ج ,١٢ص.٢٣٧ ) (٣الجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٢٨٤ ونص بعض أهل العلم على أنه ينبغي للخطيب أن يأمر المتمتعين بأن يطوفوا قبل الخروج للوداع) ,(٢وهذا على رأي من قال بمشروعية الطواف السابق ,وقد مضى ذكر المسألة في الجزء الرابع عند ذكر أقسام الطواف. والحنفية قالوا هذه أول الخطب الثلاث التي في الحج ويبدأ في الكل بالتكبير ثم بالتلبية ثم بالتحميد كابتدائه في خطبة العيدين).(٣ وإن وافق يوم السابع من ذي الحجة يوم الجمعة خطب الجمعة وصلاها ثم خطب بعد الصلاة هذه الخطبة; لأن السنة فيها التأخير عن الصلاة),(٤ والدليل على مشروعية الخطبة السابقة حديث: موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال :كان رسول االله إذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم. ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١١والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,٨٦وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص ,٣٦٠والسالمي ,معارج الآمال ,ج ,١٢ص.٢٣٦ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤١١ ) (٣ابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٠ ) (٤الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤١١ النووي :إسناده جيد).(٤ ومن الفقهاء من لم يقل بمشروعية هذه الخطبة ,قال المرداوي الحنبلي: وهو من مفردات المذهب) ,(٥ولكن هذا الرأي محجوج بفعل النبي  السابق. الخطبة الثانية :خطبة عرفة ,وسيأتي بيانها مفصلا في الفصل القادم ,وهي مشروعة باتفاق. الخطبة الثالثة :يوم النحر ,وفيها أحاديث صحيحة منها حديث عيسى بن طلحة أن عبد االله بن عمرو بن العاص حدثه أن النبي بينما هو يخطب يوم النحر إذ قام إليه رجل فقال: كنت أحسب يا رسول االله كذا وكذا قبل كذا وكذا ,ثم قام آخر فقال :يا رسول االله ,كنت أحسب كذا وكذا لهؤلاء الثلاث ,فقال النبي :افعل ولا ) (١ابن خزيمة ,صحيح ابن خزيمة ,ج ,٤ص.٢٤٥ ) (٢الحاكم ,المستدرك ,ج ,١ص.٦٣٢ ) (٣البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١١١ ) (٤النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٨٤ ) (٥المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص ,٢٧والحجاوي ,الإقناع ,ج ,٢ص.١٧ كما جاء ذكر أنه خطب يوم النحر من حديث عكرمة عن ابن عباس } أن رسول االله خطب الناس يوم النحر فقال: يا أيها الناس أي يوم هذا? قالوا :يوم حرام ,قال :فأي بلد هذا? قالوا: بلد حرام? قال :فأي شهر هذا? قالوا :شهر حرام? قال :فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ,فأعادها مرارا ,ثم رفع رأسه فقال :اللهم هل بلغت ,اللهم هل بلغت. قال ابن عباس } :فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته ,فليبلغ الشاهد الغائب ,لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض).(٢ وجاء السابق من حديث أبي بكرة ,(٣)كما جاء السابق من حديث يحيى بن حصين عن جدته أم الحصين قال :سمعتها تقول :حججت مع رسول االله حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الأيمان ,باب :إذا حنث ناسيا في الأيمان ).(٦٢٨٨ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :الخطبة أيام ).(١٦٥٢ ) (٣أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :الخطبة أيام ).(١٦٥٤ رأس رسول االله من الشمس. قالت :فقال رسول االله قولا كثيرا ثم سمعته يقول :إنُأ ِّمر عليكم عبد مجدع −حسبتها قالت أسود −يقودكم بكتاب االله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا).(١ وقال بعض الفقهاء بعدم مشروعية هذه الخطبة) ;(٢لأن الحجاج في يوم التروية يخرجون من مكة إلى منى فلا يتفرغون لسماع الخطبة فينبغي أن يخطب قبل التروية بيوم يعلمهم في هذه الخطبة الخروج من مكة إلى منى ثم من منى إلى عرفات. ثم يخطب يوم عرفة يعلمهم في هذه الخطبة كيفية الوقوف بعرفات والإفاضة إلى المزدلفة والوقوف بالمزدلفة والرمي والذبح والحلق والرجوع إلى مكة لطواف الزيارة والسعي ثم العود إلى منى. ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ).(١٢٩٨ ) (٢ابن عبد البر ,الكافي ,ص ,١٧١والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٢ص ,١٣٠وابن النجيم, البحر الرائق ,ج ,٢ص.١٦١ الحج فيكون للتعليم يوم وللعمل يوم).(١ والأدلة السابقة التي تثبت أن النبي قد خطب يوم النحر هي أدلة صحيحة ,لكن الناظر إليها يتبين له أنها ليست لتعليم المناسك كما هو ظاهر منها بل هي خطبة عامة نبه الرسول بها المسلمين على قضايا خارج الحج, فدفع من دفع لردها ظاهر أن لو كانت لتعليم المناسك ,والحال أنها لغير ذلك. والفقهاء ذهب بعضهم إلى أن الخطبة تندب يوم النحر بعد صلاة الظهر, وظاهر الأدلة السابقة يثبت أن الخطبة كانت ضحوة النحر وليست بعد الظهر).(٢ ثم إن الفقهاء مختلفون في محلها فقيل بمكة ,وقيل بمنى) ,(٣ولعل سبب الخلاف اختلافهم في موضع صلاة النبي أصلى بمكة أو صلى بمنى إذ إن كثيرا منهم ينصون على أن هذه الخطبة بعد صلاة ظهر يوم النحر. ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٢ص.١٣٠ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٥٦ ) (٣النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٥٦ اغتسال وتطيب إن كان التطيب مباحا حينها).(١ الخطبة الرابعة :يوم النفر الأول).(٢ ويسميها بعض الفقهاء خطبة الوداع) ,(٣وقد دلت على الخطبة السابقة بعض الأحاديث ومنها حديث إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر قالا :رأينا رسول االله يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته وهي خطبة رسول االله التي خطب بمنى).(٤ كما جاءت حكاية السابق من حديث محمد بن بشار ثنا أبو عاصم ثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن حدثتني جدتي سراء بنت نبهان وكانت ربة بيت في الجاهلية قالت :خطبنا رسول االله يوم الرءوس فقال :أي يوم هذا? قلنا :االله ورسوله أعلم ,قال :أليس أوسط أيام التشريق? قال أبو داود :وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي إنه خطب أوسط أيام ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٥٦ ) (٢ابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص ,١٦١والقطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص,١٧١ والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٠ ) (٣النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٠ ) (٤أبو داود في كتاب :المناسك ,باب :أي يوم يخطب بمنى ).(١٩٥٢ ونص بعض الفقهاء على أن وقت هذه الخطبة بعد صلاة الظهر في اليوم الثاني من أيام التشريق ,وإن شاء الإمام أن ينفر النفر الأول وعجل الخطبة قبل الزوال لينفر بعد الزوال جاز).(٢ وموضوع الخطبة وداع الحجيج وتعليمهم جواز النفر و أحكامه وطواف الوداع ,كما يحثهم الخطيب على طاعة االله تعالى وعلى أن يختموا حجهم بالاستقامة والثبات على طاعة االله تعالى وأن يكونوا بعد الحج خيرا منهم قبله ,وأن لا ينسوا ما عاهدوا االله عليه من خير).(٣ ) (١أبو داود في كتاب :المناسك ,باب :أي يوم يخطب بمنى ).(١٩٥٣ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٠ ) (٣الشيرازي ,المهذب ,ج ,١ص ,٢٣١والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٠ @ @ @ @òÏŠÇ@âìí@ÞbàÇc@ZÉibÛa@Ý–ÐÛa @ @òÏŠÈi@bènîàm@kj@Zò÷ìm òÏŠÇ@μg@lbçˆÛa@ZÞëþa@szj1⁄2a òãŠÇ@ð...aë@åİi@μg@ÞbÔnãüaë@ñŠàäi@òßbÓ⁄a@ZïãbrÛa@szj1⁄2a òÏŠÇ@òjİ@ZsÛbrÛa@szj1⁄2a òßbÓ⁄aë@æa‡þa@ZÉiaŠÛa@szj1⁄2a Š–ÈÛaë@ŠèÄÛa@ñý•@Zßb ̈a@szj1⁄2a @ @òÏŠÈi@ÒìÓìÛa@Z...bÛa@szj1⁄2a @ @òÏŠÈi@ÒìÓìÛa@pbië†äß@ZÉibÛa@szj1⁄2a ÒìÓìÛa@ƒí‰bm@¿@dİ ̈a@ZåßbrÛa@szj1⁄2a عرفات) (١جمع عرفة سميت بها بقعة واحدة كقولهم ثوب أخلاق وبرمة أعشار وأرض سباسب ,والتقدير كأن كل قطعة من تلك الأرض عرفة, فسمي مجموع تلك القطع بعرفات).(٢ ولأهل العلم خلاف في سبب تسمية عرفة بهذا الاسم ,وأقوالهم ترجع العرف الذي هو إلى أقوال ثلاثة أولها المعرفة ,وثانيها الاعتراف ,وثالثهاَْ الرائحة الزكية. أما أولها وهو الناص على أنها مأخوذة من المعرفة فلأصحابها أقوال من أي معرفة كان الأخذ ,فمنهم من قال إن آدم وحواء التقيا بعرفة فعرف ) (١هذه اللفظة غير ممنوعة من الصرف مع أن فيها سببين يوجبان المنع من الصرف هما وأ ْو ِضحت علة السابق بأن هذه اللفظة في الأصل اسم لقطع كثيرةالتعريف والتأنيث , ُ من الأرض كل واحدة منه مسماة بعرفة. وعلى هذا التقدير لم يكن علما ثم جعلت علما لمجموع تلك القطع فتركوها بعد ذلك على أصلها في عدم الصرف. الزمخشري ,الكشاف ,ج ,١ص ,٢٧٣والرازي ,مفاتيح الغيب ,ج ,٥ص.١٤٧ ) (٢الرازي ,مفاتيح الغيب ,ج ,٥ص ,١٤٧والقرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج,٢ ص.٤١٥ ومنهم من قال إن آدم علمه جبريل مناسك الحج فلما وقف بعرفات قال عرف فيها له :أعرفت? قال :نعم ,فسمي عرفات ,ومنهم من قال إن جبريلّ جميع الأنبياء مناسكهم ,ومنهم من قال سمي الموضع عرفات لأن إبراهيم ~ عرفها حين رآها بما تقدم من النعت والصفة. علم إبراهيم ~ المناسك وأوصله إلىومنهم من قال إن جبريل كانّ عرفات وقال له :أعرفت كيف تطوف ,وفي أي موضع تقف? قال :نعم. ومنهم من قال إن إبراهيم ~ وضع ابنه إسماعيل وأمه هاجر بمكة ورجع إلى الشام ولم يلتقيا سنين ثم التقيا يوم عرفة بعرفات. ومنهم من قال إن الحاج يتعارفون فيه بعرفات إذا وقفوا ,ومنهم من قال إنه تعالى يتعرف فيه إلى الحاج بالمغفرة والرحمة. وأما على القول بأن عرفة مأخوذة من الاعتراف فعللوا ذلك بأن الحجاج إذا وقفوا في عرفة اعترفوا للحق بالربوبية والجلال والصمدية والاستغناء ,ولأنفسهم بالفقر والذلة والمسكنة والحاجة. وأما من قال إن الاسم مشتق من العرف فعللوا ذلك بأن المذنبين لما تابوا رائحة طيبة ,قال عليه :خلوف فم الصائم عند االله أطيب من ريح المسك) ,(١ومنهم من قال إن عرفة طيبة بخلاف منى التي فيها الفروث والدماء. وقيل سميت بذلك لعلو الناس فيها على جبالها ,والعرب تسمي كل ما ارتفع عرفة وعرفات. وقيل عرفة من الأسماء المرتجلة; لأن العرفة لا تعرف في أسماء الأجناس إلا أن تكون جمع عارف. وقيل بل هي من الصبر يقال رجل عارف إذا كان صابرا خاشعا ,ويقال في المثل :النفس عروف وما حملتها تتحمل ,وسميت بهذا الاسم لخضوع الحاج وصبرهم على الدعاء وأنواع البلاء واحتمال الشدائد لإقامة هذه العبادة).(٢ ) (١أخرجه الربيع من طريق أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي هريرة مرفوعا في كتاب: الصوم ,باب :فضل رمضان ).(٣٢٨ ) (٢الزمخشري ,الكشاف ,ج ,١ص ,٢٧٣والرازي ,مفاتيح الغيب ,ج ,٥ص,١٤٧ والقرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٢ص ,٤١٥والجيطالي ,مناسك الحج ,ج,٢ تبين من حديث جابر بن عبد االله الذي ذكرناه آنفا في الفصل الماضي أن النبي خرج من منى إلى عرفة بعد شروق الشمس من اليوم التاسع من ذي الحجة ,وهو المأمور به عند الجمهور من أهل العلم من غير وجوب بل سنة مرغب في إتيانها ليس على من فرط فيها شيء).(١ ومن الفقهاء من ذكر أن تحرك الناس من منى إلى عرفات يكون بعد شروق الشمس على جبلَثب ِ ْير بمنى).(٢ وقال بعض الفقهاء إن الخروج إلى عرفة يكون بعد صلاة الفجر).(٣ ص ,٢٧٩والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٣ص.٣٤٥ ) (١الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص ,٤١٠والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٨وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٦والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,٨٨والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٢٨٠وابن عابدين ,رد المحتار ,ج ,٢ص ,٥٠٣والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١١٤ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٨٨ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٦والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٥والماوردي, الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٦٨ ابن عمر قال :غدا رسول االله من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة ,فنزل بنمرة −وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة.− حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول االله مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة. والحديث أخرجه الإمام أحمد) ,(١وعنه أبو داود) (٢من طريق يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر. وأعله بعض أهل العلم بابن إسحاق ,قال الزيلعي :قال عبد الحق في أحكامه :وفي حديث جابر أنه~ خطب قبل الصلاة ,وهو المشهور الذي عمل به الأئمة والمسلمون ,وأعله هو وابن القطان بعده بابن إسحاق).(٣ كما أعل الحديث السابق ابن حزم).(٤ ) (١أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,٢ص.١٢٩ ) (٢كتاب :المناسك ,باب :الخروج إلى عرفة ).(١٩١٣ ) (٣الزيلعي ,نصب الراية ,ج ,٣ص.٥٩ ) (٤ابن حزم ,حجة الوداع ,ص.٢٧٧ الشمس كما رواه جابر بن عبد االله وهو أدق ما وصف من حال النبي  في حجة الوداع. لكن الخلاف بين الروايتين من هذه الناحية ليس بالكبير إذ خروجه  بعد شروق الشمس يصدق عليه أنه خروج بعد الفجر ,لكن جابر بن عبد االله كان وصفه أدق وأخص من ابن عمر في هذه الرواية فهو مبين ما أجمله حديث ابن عمر فيقدم عليه. ومع السابق ممكن أن توجه رواية ابن عمر السابقة بكونها إخبارا عن حال تأهبه وشد رحله ,أما رواية جابر بن عبد االله التي فيها أن خروجه  كان بعد طلوع الشمس فإخبار عن حال سيره).(١ ومما يدلك على ذلك أن من الفقهاء الذين قالوا بالخروج بعد الفجر من صرح بأن لا يجاوز منى إلا بعد شروق الشمس ورؤيتها على رؤوس الجبال).(٢ ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٦٨ ) (٢البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٧٥ إعلال من أعل كان بابن إسحاق ,وهو على الأكثر مقبول الرواية إن صرح بالتحديث ,وقد صرح به هنا. غير أن عبارة أن خطبته كانت بعد الصلاة أمر لا يمكن أن يقبل من هذه الرواية ,فالاتفاق قائم على أن خطبته كانت قبل الصلاة. ومن الفقهاء من استحسن أن يكون بعد الزوال من تاسع ذي الحجة),(١ وهذا أضعف الأقوال المنقولة; إذ الزوال كان محلا لانتقال النبي من قبته بنمرة إلى بطن وادي عرنة للخطبة والصلاة ولم يكن وقتا للخروج إلى عرفة. وبعد ثبوت أن السنة هي الخروج بعد طلوع الشمس يقال إن ذلك هو الأفضل ولكنه ليس بواجب ,فمن خرج قبل ذلك ولو في اليوم الثامن أو قبله ,أو من خرج بعد الزوال وأدرك وقت الوقوف بعرفة فليس هو بآثم لكن فاته الفضل).(٢ ومن الفقهاء من أوجب الدم على من خرج من منى إلى عرفة قبل أن ) (١ابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦١ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٦٣وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦١ وجوب الدم عند الإخلال به لقاعدة جبر الواجبات بالدم. ومذهب الجماهير أولى; إذ إنه في هذا الباب لا يؤخذ الوجوب من الفعل المجرد بل هو دليل مشروعية وندب إلى أن يأتي دليل خارجي ينقل من الندب إلى الوجوب ,ولئن سلم بالقول بالوجوب لم يسلم بوجوب الدم لعدم الدليل ,والقاعدة نفسها محل خلاف ونظر. واستحب بعض الفقهاء الغدو إلى عرفات راكبا كما هو ظاهر فعل النبي ,(٢)وللركوب الآن منافع كثيرة خاصة في أجواء الزحام والحرارة المرتفعة وعوادم السيارات ,فحسن الحفاظ عليه للاقتفاء بالهدي النبوي وحفظ الصحة ,وهما مطلبان مقصودان شرعا ,قال العلامة ابن بركة: ومن ركب من أول الحج إلى آخره كان جائزا له ,ولا ينبغي لمن يخاف العجز أن يمشي ويتكلف).(٣ ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥١و البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٧٦ ) (٢القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٥٥ ) (٣ابن بركة ,الجامع ,ج ,٢ص.٤٣ أبي عبيدة عن جابر بن زيد قال :اصطحب محمد بن أبي بكر وأنس بن مالك من منى إلى عرفات ,فقال له محمد بن أبي بكر: كيف تصنعون في مثل هذا اليوم وأنتم مع رسول االله ?فقال :يهل منا المهل فلا ينكر عليه ,ويكبر المكبر فلا ينكر عليه).(١ كما جاء السابق من حديث يحيى بن سعيد عن عبد االله بن أبي سلمة عن عبد االله بن عبد االله بن عمر عن أبيه قال :غدونا مع رسول االله من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر).(٢ ومن الفقهاء من رأ￯ أن يضيف الذاهب إلى عرفات دعاء بأن يقول حين مسيره: اللهم إليك توجهت ,ولوجهك الكريم أردت ,فاجعل ذنبي مغفورا, ) (١أخرجه الربيع في كتاب :الحج ,باب :في الإهلال بالحج والتلبية ) ,(٤٠٢ورواه البخاري في كتاب :العيدين ,باب :التكبير أيام منى ) (٩٢٧من طريق أبي نعيم قال :حدثنا مالك بن أنس قال :حدثني محمد بن أبي بكر الثقفي. ) (٢أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات في يوم عرفة ).(١٢٨٤ وقال بعض الفقهاء إنه إذا وصل عرفات ووقع بصره على جبل الرحمة قال :سبحان االله ,والحمد الله ,ولا إله إلا االله ,واالله أكبر ,ثم يلبي إلى أن يدخل عرفات).(٢ وقال الشيخ إسماعيل :يقول من يذهب إلى عرفات: اللهم إليك أفضيت وإليك صمدت ,وإياك اعتمدت ورحمتك أردت, اللهم اجعلها خير غدوة غدوتها قط ,وأقربها من رضوانك ,وأبعدها من سخطك. اللهم إليك غدوت ,وإياك رجوت ,وعليك اعتمدت ووجهك أردت, أسألك أن تبارك لي في رزقي ورحيلي ,وأن تقضي في عرفات حاجتي ,وأن تباهيني فيمن هو أفضل مني) ,(٣وأن تجعلني من التائبين برحمتك يا أرحم ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,٨٨وابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٦٧ ) (٢ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٦٨ ) (٣كذا في الأصل ولعل الأصوب :وأن تباهي بي من هو أفضل مني. ولا أعلم السابق منصوصا عليه من لسان الشارع لكن يبدو أنه استحسان ممن رآه ,ولا يضيق على الناسك الإتيان به وغيره من الأذكار على أنه ذكر عام ,وما عبادة الحج إلا إقامة لذكر االله ,لكن عند تعارضه مع توقيت بعض الأذكار المنصوص عليها في لسان الشارع أنه يؤتى بها في مواضع بعينها فالمنصوص عليه أولى من غير المنصوص. وقد استحب بعض أهل العلم أن يسلك الذاهب إلى عرفة الطريق التي سلكها النبي يوم خرج من منى ذاهبا إلى عرفة ,وهي من مزدلفة في أصل المأزمين على يمين الذاهب إلى عرفة ,يقال له طريق ضب).(٢ وفي رد المحتار) :ضب(بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة وهو اسم للجبل الذي يلي مسجد الخيف) ,(٣والمأزمان مثنى مأزم وهو الطريق الضيق ) (١الجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٢٨٠ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٨وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص,٣٦١ والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١١٤ ) (٣ابن عابدين ,رد المحتار ,ج ,٢ص.٥٠٣ المزدلفة إلا منه ,فإذا أفضوا منه كانوا في المزدلفة ,وهو طريق ضيق بين جبلين يسميان الأخشبين ,وهما غير أخشبي مكة ,والشارع قدُع ِّبد اليوم بالقار في مسارات للسيارات وللمشاة وقد فصل بينها بشبك حيطة وأمانا للمشاة. وقال الماوردي−وأنعم بما قال :−وليس في المسلك نسك ,ولكننا نختار التأسي برسول االله .(٢) وأوصى الشيخ إسماعيل الذاهب إلى عرفات أن يتزود بالفانيذ) (٣لأنه إذا وضع تحت اللسان ذهب بالغبار الذي يدخل في الحلق وفتح سدد الحنجرة وأطلق الصوت ولم يبح به).(٤ ) (١ابن منظور ,لسان العرب ,ج ,١٢ص.١٧ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٥ ) (٣في الأصل الفانيك ,ولعله الفانيذ المثبت ,وهو ضرب من الحلو￯ يصنع من عصارة قصب السكر إذا جمد والنشا. الفيروزأبادي ,القاموس المحيط ,ص ,٤٢٩والفيومي ,المصباح المنير ,ج ,٢ص,٤٨١ وابن منظور ,لسان العرب ,ج ,٣ص.٣٦٨ ) (٤الجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٢٨٠ المطلب الأول :الإقامة بنمرة إلى حين الزوال نمرة بفتح النون وكسر الميم وسكونها جبيل غرب المسجد ,وبه مسجد يسمى مسجد نمرة ,والنبي أمر أن تعد له قبة من شعر فأعدت بنمرة فنزل بها بعد وصوله كما تقدم من حديث جابر بن عبد االله الطويل. وللفقهاء خلاف في نمرة أهي موضع من عرفات أو ليست هي من عرفات ,والذي عليه الأكثرون أن نمرة ليست من عرفات ,ونقل الرافعي عن صاحب الشامل من الشافعية أن نمرة موضع من عرفات).(١ غير أن النووي تعقبه فقال :وهذا الذي نقله غريب ليس بمعروف ,ولا هو في الشامل ,ولا هو صحيح بل إنكار للحس ولما تطابقت عليه كتب العلماء).(٢ والإقامة السابقة بنمرة ليست واجبة اتفاقا مع فعل النبي لها ,غير أن ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤١٣ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٠٥ بنمرة كما فعل النبي ,قال النووي: وأما ما يفعله معظم الناس في هذه الأزمان من دخولهم أرض عرفات قبل وقت الوقوف فخطأ وبدعة ومنابذة للسنة ,والصواب أن يمكثوا بنمرة حتى تزول الشمس ويغتسلوا بها للوقوف).(١ ولو حرص الناس كافة الآن على الإقامة بنمرة قبل الزوال لكان مصيبة وكارثة إذ المكان لا يتسع ,والحال مظنة حصول الضرر على المقيمين ,فإنكار النووي فيه شيء من المبالغة. اخت ِلف أنزوله بنمرة نزول تشريع فيكون سنة لمن بعده ,أوثم إنه قدُ أنه وقع اتفاقا لا قصدا فلا يكون سنة لغيره بل ينزل حيثما شاء ,أو هو أمر خاص بالإمام دون غيره من المسلمين) ,(٢والظاهر أن النزول بها ما كان اتفاقا بل هو مقصود إذ راوي الحديث يقول :وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة. والناظر يتبين له أنه لا بد من أن يكون بعض صحابة رسول االله  ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٨٩ ) (٢المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص ,٢٧وابن عابدين ,رد المحتار ,ج ,٢ص.٥٠٣ ,وليس ثمة إشارة تبين فضل البقاء فيها إبان الوقت المذكور سو￯ الفعل الذي يحتمل الأمرين السابقين اللذين هما التشريع والاتفاق دون قصد. والحال في زماننا أنه لا يمكن القول ببقاء الناس كافة في الموضع المذكور بل ذلك سبب في حدوث الزحام ولوازمه الكارثية ,وعليه فيقصد الإنسان موضعا من عرفات ولو قبل الزوال مع إضماره نية الاتباع لولا ما بين يديه من الزحام الذي قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالنفس والغير. المطلب الثاني :الانتقال إلى بطن وادي عرنة وادي عرنة المراد هنا واد يأخذ أعلى مساقط مياهه من الثنية شرق مكة المكرمة ٧٠كم ,ثم ينحدر فيسمى الصدر ثم وادي الشرائع وهو حنين, ويصب بالبحر الأحمر جنوب جدة ,ويمر جنوب مكة المكرمة ١١كم),(١ والوادي المذكور بين الحرم وعرفات ,والأكثر من أهل العلم على أنه ليس من الحرم. والنبي انتقل بعد زوال الشمس من نمرة التي أقيمت له فيها قبة من ) (١أبو خليل ,أطلس الحديث النبوي ,ص ,٢٦٦ومحمد إلياس ,تاريخ مكة ,ص.١٢٠ الوداع وهو راكب ناقته القصواء ,ثم صلى بالناس الظهر والعصر جمعا وقصرا. وفي موضع خطبته وصلاته بني مسجد ببطن وادي عرنة في أول عهد الخلافة العباسية في منتصف القرن الهجري الثالث ,وقد كان قديما يسمى مسجد إبراهيم).(١ غير أنه بعد توسعات المسجد السابق التي تمت عبر التاريخ صارت مقدمة المسجد خارج عرفات كما هو حال الموضع الذي صلى فيه نبي الهد￯ ,ومؤخرة المسجد في عرفات ,وثمة لوحات إرشادية تبين الحدود الفارقة بين ما كان من عرفات وما كان من غيرها فما على الناسك إلا أن يتبينها ليميز مكان الوقوف من غيره فيحفظ نسكه. قال إمام الحرمين :ومسجد إبراهيم بعضه في الوادي وأخرياته في عرفة, فمن وقف في صدر المسجد فليس واقفا في عرفة).(٢ ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٨والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٨٩ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٠والدمياطي ,إعانة الطالبين ,ج ,٢ص.٢٨٧ لمنطقة نمرة التي أقام بها النبي قبل الزوال وإن كان موضع صلاته عرنة, وأضحى المسجد بعد توسعته طوله من الشرق إلى الغرب ٣٤٠م ,وعرضه من الشمال إلى الجنوب ٢٤٠م. ومساحته أكثر من عشرة آلاف ومئة ألف متر مربع )١١٠٠٠٠م,(٢ ويتسع المسجد لخمسين ألفا وثلاث مئة ألف ) (٣٥٠٠٠٠مصل ,وله أكثر من ألف دورة مياه ,وخمسة عشر ألف صنبور للوضوء).(١ ) (١محمد إلياس ,تاريخ مكة المكرمة ,ص.١١٧ المطلب الأول :مشروعية الخطبة وصفتها وحكمها رو￯ جابر بن عبد االله أن النبي خطب لعرفة قبل الصلاة ,لذا اتفقت الأمة في عملها على مشروعية خطبة عرفة قبل الصلاة).(١ وعلل بعض الفقهاء كون الخطبة قبل الصلاة بأن المقصود تعليم الناس المناسك ,والجمع بين الصلاتين من المناسك ,فتقدم الخطبة على المناسك للعلة السابقة ,ولأنهم بعد الفراغ من الصلاة يتفرقون في الموقف ولا يجتمعون لاستماع الخطبة).(٢ ونسب بعض أهل العلم إلى المالكية القول بمشروعية الخطبة بعد الصلاة لا قبلها) ,(٣ولا أدري حال النسبة السابقة إلا أن المالكية يصرحون في كتبهم بخلافه وأنهم قائلون بأن الخطبة قبل الزوال على مذهب غيرهم من ) (١الجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص ,١٦١وابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص.١٩ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,١٥والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٥٥ ) (٣ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٦٩ لكن جاء من الروايات ما يفيد أنه خطب بعد أن صلى الظهر والعصر كما في حديث ابن عمر قال :غدا رسول االله من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة ,فنزل بنمرة −وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة.− حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول االله مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة. والحديث أخرجه أحمد) ,(٢وعنه أبو داود) (٣من طريق يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر ,وتقدم الكلام عليه في المبحث الأول من هذا الفصل ,ونقلنا ثمة أن هناك من أعل الحديث بابن إسحاق الراوي عن نافع. ومما أعل به هذا الحديث أيضا أن الكافة كلها −كما يقول ابن حزم− نقلت من رواية جابر أن الخطبة كانت ذلك اليوم قبل الصلاة نقلا يقطع ) (١ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص ,١٢والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٥٥ ) (٢أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,٢ص.١٢٩ ) (٣كتاب :المناسك ,باب :الخروج إلى عرفة ).(١٩١٣ ولا شك في أن عمل جميع الأئمة المقيمين للحج عاما بعد عام من ذلك الوقت إلى الآن إنما جر￯ على رواية جابر فصح بذلك أن الرواية عن ابن عمر التي ذكرناها لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن يكون النبي خطب كما رو￯ جابر ثم جمع بين الصلاتين ثم كلم الناس ببعض ما يأمرهم به ويعظهم فيه فسمي ذلك اليوم خطبة فيتفق الحديثان بذلك ,وهذا حسن لمن فعله ,فإن لم يكن هذا فحديث ابن عمر −واالله أعلم −وهم بين أحمد بن حنبل وبين نافع ,واالله أعلم).(١ والكلام السابق حسن رائق ,ومحتمل أن يقال إن )ثم( في هذه الرواية ليست على بابها في إفادة الترتيب المتراخي بل إنها هنا لإفادة مطلق العطف كما هو حال الواو. والمعنى السابق وإن كان مجازيا إلا أنه صحيح يصار إليه مع الدليل, والدليل هنا حديث جابر بن عبد االله السابق وتواطؤ الأمة على العمل بخلاف حديث ابن عمر. ) (١ابن حزم ,حجة الوداع ,ص.٢٧٧ .(١)﴾⎯ÏμÏmρ•‘ ⎯ÏΒ ÏμŠÏù y‡xtΡuρ çμ1§θyTM ¢ΟèO ∩∇∪ &⎦⎫Îγ ̈Β &TM!$ ̈Β ⎯ÏiΒ 7's#≈n=ßTM ⎯ÏΒ ...ã&s#ó¡nΣ ومما جاء على السابق قول الشاعر: جر￯ في الأنابيب ثم اضطربكهز الرديني تحت العجاج فجعل الاضطراب بعد الهز وهو نفسه. ومنه قول الآخر: ثم ساد قبل ذلك جدهإن من ساد ثم ساد أبوه واختلف الفقهاء في خطبة عرفة أهي كحال الجمعة في مشروعيتها خطبتان يجلس بينهما ,أو خطبة واحدة. ذهب بعض الفقهاء إلى أن المشروع خطبتان يجلس بينهما للاستراحة),(٢ ومنهم من حدد الجلسة بين الخطبتين بمقدار قراءة سورة الإخلاص).(٣ ومن الفقهاء من قال بالخطبتين لكن يستحب أن يفصل بينهما بسكتة ) (١سورة السجدة ,الآيات ).(٩−٧ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٩والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص,١٥ والغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص ,٦٥٦وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦١ ) (٣الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٢والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٩٠ بخطبتينفيهنيخطبعيدينعرفةلجمعة )(١ حتى تكون تلك فصلا لهماويستحب سكتة بينهما استدل القائلون بالخطبتين على الوجه السابق بحديث إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد االله في حجة الإسلام قال :فراح النبي إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى ,ثم أذن بلال ثم أخذ النبي في الخطبة الثانية ,ففرغ النبي من الخطبة وبلال من الأذان ,ثم أقام بلال وصلى الظهر ,ثم أقام وصلى العصر. الحديث بالإسناد السابق أخرجه الإمام الشافعي) ,(٢ومن طريقه البيهقي) ,(٣وليس إسناد الحديث مستقيما بل هو خبر منكر; إذ إن إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى الأسلمي المدني شيخ الشافعي متروك ,بل قال يحيى بن معين ويحيى بن سعيد وابن حبان وغيرهم بأنه كذاب).(٤ ) (١السالمي ,معارج الآمال ,ج ,١٢ص.٢٤٣ ) (٢الشافعي ,الأم ,ج ,١ص.٨٦ ) (٣البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص ,١١٤ومعرفة السنن والآثار ,ج ,٤ص.١٠٧ ) (٤ابن حبان ,المجروحين ,ج ,١ص ,١٠٥وابن عدي ,الكامل ,ج ,١ص ,٢١٧والعقيلي, عبد االله وهي خلو من موطن الشاهد السابق فما حقها إلا النكارة. وقد حكم غير واحد من الأئمة على الحديث السابق بعدم الثبوت).(١ وما دام الحديث بالتفصيل السابق لا يصح عن النبي فالظاهر المستفاد من حديث جابر بن عبد االله أنه خطب ,والأصل خطبة واحدة; إذ هو أقل اليقين الذي يصح معه إطلاق لفظ الخطبة وما عداه مستلزم الدليل, ولا دليل أنه خطب خطبة ثانية ,لذا فالقول المفيد أن المشروع خطبة واحدة فقط هو الأسعد بظاهر الأدلة. واستظهر ابن جماعة أنه كان للنبي يوم عرفة خطبتان أولاهما التي رواها جابر بن عبد االله وقد كانت قبل الوقوف بعرفة ,وفصلنا أحكامها من قبل ,وثاني الخطبتين كانت في عرفة بعد وقوفه).(٢ والذي دعا ابن جماعة إلى القول بالسابق ما جاء من نصوص فيها أن الضعفاء ,ج ,١ص.٦٢ ) (١البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص ,١١٤والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,٩٥وابن حجر, التلخيص الحبير ,ج ,٢ص.٢٥٢ ) (٢ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١١٢٩ كانت في بطن وادي عرنة ,ومما جاء من الروايات حديث عمرو بن دينار سمعت جابر بن زيد سمعت ابن عباس قال :سمعت النبي يخطب بعرفات :من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ,ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم).(١ ومما جاء مفيدا الحكم السابق حديث سلمة بن نبيط الذي سيأتي بألفاظه مخرجا بعد قليل ,واستدل أيضا برواية من روايات عمرو بن خارجة الذي مضى تخريجه. وفي كلام ابن جماعة كله نظر والظاهر أنه ما ثبت عن النبي يوم عرفة إلا خطبته قبل صلاة الظهر ,إذ إن ما استدل به لا يعدو حاله أن يكون صريحا غير صحيح أو صحيحا غير صريح. وبيان ذلك أن الصحيح منها حديث ابن عباس ,وهو ليس بصريح أن كلامه في خطبة غير الأولى ,ومع الاحتمال لا يقطع بالأمر خاصة مع ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين ).(١٧٤٤ ثم إنه قد مضى من قبل في الجزء الثالث من هذا الكتاب أن الرواة قد اختلفوا في لفظة "بعرفات" ,والأكثر منهم على عدم ذكرها بل إطلاق ذكر الخطبة دون تقييد بموضعها. أما حديث عمرو بن خارجة فليس في شيء من طرقه التي تتبعتها التصريح بكون ذلك في عرفة بل جاء في بعضها التصريح بمنى وفي بعضها الآخر الإطلاق من ذكر الموضع ,ومع ذلك الأمر في حديث عمرو بن خارجة −كما قال البيهقي −لا يصح شيء من طرقه كلها).(١ وأما حديث سلمة بن نبيط عن أبيه قال :رأيت رسول االله يخطب يوم عرفة على جمل أحمر فجاء من طرق تظهر على بعضها الصحة من حيث الظاهر غير أنه لا يسلم من الاضطراب ,ومن ذلك أنه رواه محمد بن آدم المصيصي عن ابن المبارك عن سلمة بن نبيط عن أبيه باللفظ السابق).(٢ ) (١البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٦ص.٢٦٤ ) (٢النسائي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٢ص ,٤٢١والمجتبى ,كتاب :مناسك الحج ,باب :الخطبة يوم عرفة على الناقة ).(٣٠٠٨ سليمان الجعفي قال :حدثنا عبد االله بن المبارك عن سلمة بن نبيط عن أبيه ,ثم أعقبه بقوله :لم يرو هذا الحديث عن سلمة بن نبيط إلا ابن المبارك).(١ وفيما قاله الطبراني نظر; فقد رواه غير ابن المبارك كسفيان الثوري ,وقد رواه عن سفيان جماعة منهم يحيى القطان كما في حديث عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى القطان عن سفيان الثوري عن سلمة بن نبيط عن أبيه ,وزاد في هذه الرواية أن الخطبة كانت قبل الصلاة ).(٢ ورواه عن سفيان أيضا محمد بن كثير كما في حديث ابن قانع عن معاذ بن المثنى نا محمد بن كثير نا سفيان نا سلمة بن نبيط).(٣ ورواه عن سلمة بن نبيط وكيع كما في حديث ابن أبي شيبة ثنا وكيع عن سلمة بن نبيط عن أبيه) ,(٤غير أنه لم يذكر هنا أن الخطبة كانت بعرفة. ) (١الطبراني ,المعجم الأوسط ,ج ,٢ص.٢٦٠ ) (٢النسائي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٢ص ,٤٢١والمجتبى ,كتاب :مناسك الحج ,باب :الخطبة في عرفة قبل الصلاة ).(٣٠٠٧ ) (٣ابن قانع ,معجم الصحابة ,ج ,٣ص.١٦٩ ) (٤أخرجه ابن ماجه في كتاب :إقامة الصلاة ,باب :ما جاء في الخطبة في العيدين ).(١٢٨٦ ثنا سلمة بن نبيط قال :كان أبي وجدي وعمى مع النبي ,قال :أخبرني أبي قال :رأيت النبي يخطب عشية عرفة على جمل أحمر).(١ ورو￯ أحمد من طريق حسن بن موسى ثنا رافع بن سلمة الأشجعي وسالم بن أبي الجعد عن أبيه قال :حدثني سلمة بن نبيط الأشجعي أن أباه قد أدرك النبي ,وكان ردفا خلف أبيه في حجة الوداع قال: فقلت :يا أبت ,أرني النبي ,قال :قم فخذ بواسطة الرحل ,قال: فقمت فأخذت بواسطة الرحل فقال :انظر إلى صاحب الجمل الأحمر الذي يومئ بيده في يده القضيب).(٢ ورو￯ ابن سعد عن مالك بن إسماعيل قال :حدثنا موسى بن محمد الأنصاري عن أبي مالك الأشجعي عن نبيط بن شريط قال :كنت ردف أبي على عجز الراحلة والنبي يخطب عند الجمرة).(٣ ) (١أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,٤ص.٣٠٦ ) (٢أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,٤ص.٣٠٦ ) (٣ابن سعد ,الطبقات الكبر￯ ,ج ,٦ص.٢٩ نبيط عن أبيه ,وفيه أن الخطبة كانت يوم النحر).(١ وجاء الحديث من طريق هناد عن ابن أبي زائدة ثنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أو عمه قال :رأيت رسول االله وهو على المنبر بعرفة).(٢ ورواه مسدد ثنا عبد االله بن داود عن سلمة بن نبيط عن رجل من الحي عن أبيه نبيط).(٣ وبعد بيان الخطبة نقول إن الفقهاء اختلفوا في حكمها التكليفي ,فقال بعض أهل العلم إنها واجبة قبل الصلاة كخطبة الجمعة).(٤ ومن أهل العلم −وهم الجمهور −من قال إن الخطبة سنة وليست بواجبة ولا شرط للجمع بين الصلاتين) ;(٥لأنها خطبة وعظ وتذكير وتعليم ) (١ابن سعد ,الطبقات الكبر￯ ,ج ,٦ص.٢٩ ) (٢أخرجه أبو داود في كتاب :المناسك ,باب :الخطبة على المنبر بعرفة ).(١٩١٥ ) (٣أخرجه أبو داود في كتاب :المناسك ,باب :الخطبة على المنبر بعرفة ).(١٩١٦ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٦٨ ) (٥الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٠وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٥ العيدين).(١ وللعلة السابقة رتب هؤلاء أنه يصح أن يبدأها الخطيب قبل الزوال وإن كان شرف الاتباع للنبي لا يعدله شيء).(٢ ولا أظن أن هناك قرينة أخرجت حكم هذه الخطبة عن بقية خطبه في الحج ,والجماهير من أهل العلم صائرون إلى أنها غير واجبة ,وقد قررنا سابقا أن الفعل وحده من النبي في باب المناسك غير مفيد الوجوب بل مطلق المشروعية من حيث الأصل ,والوجوب لا بد له من دليل خارجي ,وما رأيت هنا دليلا يعدل به عن الأصل السابق ,فيكون الحكم على الأصل. وعليه فمن صلى الظهرين ووقف بعرفة دون أن يخطب لها فأفعاله السابقة صحيحة من هذا الجانب ,وإن كان الأولى الحفاظ على المعهود من فعل النبي الذي جرت عليه الأمة. وليس من الشرط حضور خطبة الخطيب في مسجد نمرة بل لا يمكن ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٥٤ ) (٢القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٥٥ وعليه فيخطب كل جمع من الناس خطيب يقوم بالسنة السابقة ثم يصلي بهم. المطلب الثاني :مندوبات الخطبة أولا :تقصير الخطبة أفادت الأدلة الشرعية أن مما يندب لخطيب عرفة أن يقصر في خطبته ولا يطيل ,وقد قرر ذلك أهل العلم) ,(١والقائلون بأن المشروع لعرفة خطبتان نصوا على أن الخطبة الثانية أقصر من الخطبة الأولى).(٢ ودليل الحكم السابق حديث مالك عن ابن شهاب عن سالم قال :كتب عبد الملك إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر في الحج ,فجاء ابن عمر وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس فصاح عند سرادق الحجاج فخرج وعليه ملحفة معصفرة فقال :ما لك يا أبا عبد الرحمن? فقال :الرواح إن كنت تريد السنة ,قال :هذه الساعة? قال :نعم ,قال: فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج ,فنزل حتى خرج الحجاج فسار ) (١الغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص ,٦٥٦والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٩٠ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٣والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٩٠ إن كنت تريد السنة فاقصر الخطبة ,وعجل الوقوف ,فجعل ينظر إلى عبد االله فلما رأ￯ ذلك عبد االله قال :صدق).(١ لكن سئل الإمام مالك عن الإمام إذا صعد المنبر يوم عرفة أيجلس قبل أن يخطب? قال :نعم ,ثم يقوم فيخطب طويلا ثم يؤذن).(٢ ثانيا :ارتفاع الخطيب استحب جمع من أهل العلم أن يكون الخطيب على منبر إن وجد ,أو على نشز من الأرض ,أو على ظهر بعير).(٣ والسابق مأخوذ من ظاهر فعل النبي كما في حديث جابر بن عبد االله في صفة حجة النبي إذ قال :إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له حتى إذا انتهى إلى بطن الوادي خطب الناس. ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :التهجير بالرواح يوم عرفة ).(١٥٧٧ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص.١٣ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٨والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص,٢٨٢ والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٥٥ يذكر أنه نزل من راحلته ,وفوق الظاهر السابق جاء من الروايات ما ينص على أنه خطب على راحلته كما في حديث ابن نبيط سابق الذكر ,فقد اتفقت رواياته على أن النبي كان يخطب على جمل. ثالثا :بدء خطبة عرفة بالتكبير وهذا الأمر قال به بعض أهل العلم) ,(١ولا أدري المستند الذي بني عليه هذا الرأي ,والسنن العام في خطبه أنه كان يبدأها بالحمد كما قال الإمام السالمي ~ بعد ذكر خطبه : إلا التكــابير التــي للعيــدوكلها تبـدأ بالتحميـد رابعا :موضوع خطبة عرفة أشار جمع من الفقهاء إلى أن الخطيب ينبه الناس على المناسك التي بين أيديهم من أحكام الإفاضة والمبيت والرمي والذبح والحلق ويفقههم في صفة أدائها ,ويحرضهم على الإكثار من الدعاء والتهليل بالموقف) ,(٢وللسابق قال ) (١المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٢٨ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٩والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٢والقطب, منهم السؤال).(١ والأمور السابقة لا بد منها حتى يمضي الناس في عبادتهم على بصيرة ونور من االله وإن كنت لم أجد في خطبة عرفة التي ذكرها جابر بن عبد االله  إشارة لذلك اللهم إلا إذا قيل بما يفيده حديث عمرو بن دينار سمعت جابر بن زيد سمعت ابن عباس قال :سمعت النبي يخطب بعرفات :من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ,ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم).(٢ وحسن أن لا تخلو خطبة الخطيب من ذكر الأمور التي تهم المسلمين عامة وتذكرهم بوشائج القربى الدينية التي تربطهم ,وتلفت أنظارهم إلى الأعداء الحقيقيين للأمة ,وما يكيدونه لها بغية سلخها من هويتها الإسلامية. ثم إن في المجتمعات من الأعمال والأخلاق التي تنافي تعاليم دين االله الحنيف شيئا كثيرا فيستغل ذلك الموقف لإصلاح الخلل ,ورتق الفتق وإتمام شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص.١٧٠ ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٦٩ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين ).(١٧٤٤ كحالهم يوم عرفة فليقدر للمقام قدره بما يؤلف ويجلب المصلحة. ورسول الإسلام نبه المسلمين في خطبته على أهم القضايا التي قد يدخل الفساد بها إليهم من الربا والتفريط في حفظ الأسرة التي بصلاحها صلاح المجتمع الإسلامي الكبير. وهذه عظائم قد رسخت جذورها في حياة المسلمين هذا اليوم ,بل وجدنا منهم من يسوغ الربا ويحسنه في الأنظار حتى شاعت حمى هذه الموبقة من كبائر العظائم عند كثير من عوام الناس وسوقتهم وأصبح انتهاكها أمرا شائعا ,فليس ثمة بد من تنبيه الغافلين ,وبيان أن من يأكل الربا هو محارب الله مستحق للخلود في نار جهنم ما لم يتب ,فضلا عن ذلك الذي يسوغه ويشرع له ما يمكنه في دنيا الناس ثم يدعي أنه مسلم محب الله ورسوله. وقد أوصى الحبيب المصطفى في خطبته هذه بالنساء خيرا ,والناس مروين بذلك سعارهم البهميالآن ما تخذوا النساء إلا سلعا يتاجر بهاُِْ بدعو￯ تحريرها وأقبح بها من دعو￯ كاذبة فاجرة وإلاَف َو َر ِّب البيت ما نعمت المرأة بحرية أعظم من حرية الإسلام الذي حفظها بما يكفل حقها منذ أن كانت جنينة في الأرحام وإلى ما بعد موتها. من الحقوق إبان شبابها وزهرة نضارتها ما يضمن للفجرة خلوص التمتع بها ثم رميها مهينة إذا لم يعد جسدها سادا حالة السعار البهمي والله الأمر من قبل ومن بعد. كما نبه في خطبته على عظم شأن الدماء والأموال وأنها محرمة بحرمة الإسلام فلا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه وفي حدود ما أباح الشارع. كما لا تحل نفسه إلا بأمر من الشارع فليتق االله أناس تلخطت أيديهم بدماء الأبرياء وأجسادهم لا لشيء إلا أنهم يقولون ربنا االله ,وليستحيواِم ْن ُظ ْل ِم من لا يجد لنفسه ناصرا إلا االله ,ولقد أقسم االله على نصرته ولو بعد حين ,وما مصارع الظلمة وصور هلاكهم إلا زواجر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ثم إنه ختم خطبته بأمر الناس بإبلاغ هذه التعاليم الشرعية التي أوصى بها الأمة ,وياالله من أناس من المسلمين أخذوا يشنون الغارة تلو الأخر￯ على سنة الهادي النذير ,ويستقون من المستشرقين وأعداء دين االله من الشبه والضلالات ما يبثونه في قلوب رقاق العلم ليخف وقع السنة فيها, والتنوير. وفي هذا الموقف نأتي بخطبته التي أوصى بها أصحابه ,وأمر أن تنقل حاضرهمِ غائ َبهم ,حتى نكون ممن ائتمر فبلغ ما وصل إليه ,قال ِللأمة بإبلاغ : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ,ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ,ودماء الجاهلية موضوعة ,وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع ,وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب; فإنه موضوع كله. فاتقوا االله في النساء; فإنكم أخذتموهن بأمان االله ,واستحللتم فروجهن بكلمة االله ,ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ,فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ,ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب االله ,وأنتم قالوا :نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ,فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس :اللهم اشهد ,اللهم اشهد ,ثلاث مرات).(١ ) (١أخرجه مسلم ,في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  نص جابر بن عبد االله أنه خطب وبعد الخطبة أذن بلال لصلاة الظهر ثم أقام وصلوها ثم أقام للعصر وصلوها. والسابق بين في دلالته أن المشروع الخطبة ثم الأذان بعد تمامها ,ثم الإقامة للظهر ثم الصلاة ثم الإقامة للعصر ثم صلاتها ,وهذا الذي قال به جمع من أهل العلم ويؤيده ظاهر السنة).(١ وذهب بعض الفقهاء إلى أن المشروع أن يؤذن المؤذن إذا صعد الإمام المنبر فجلس ,فإذا فرغ المؤذن قام الإمام فخطب كما هو الحال في الجمعة).(٢ وقيل يؤذن في آخر خطبة الإمام على وجه ينتهي فيه الإمام من الخطبة والمؤذن من الأذان).(٣ ومنهم من قال يؤذن أثناء الخطبة حتى يكون فراغ الإمام من خطبته بعد ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٦والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٥٥ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,١٥وابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص ,١٢والجيطالي, مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٢٨٢وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦١ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٩وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٦ ومنهم من قال يخطب الإمام صدرا من خطبته ثم يؤذن المؤذن فيكون فراغه مع فراغ الإمام من الخطبة ثم ينزل فيقيم).(٢ ومنهم من قال يقوم للخطبة الثانية والمؤذن يأخذ في الأذان ,ويخفف الخطبة على وجه يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الإقامة ,وقيل من الأذان).(٣ وقد اعترض على هذه الأقوال التي فيها الأذان أو الإقامة أثناء الخطبة بأن المؤذن قد أمر بالإنصات للخطبة فكيف يؤذن ولا يبقى للخطبة معه فائدة).(٤ وأجيب عن الاعتراض بأن المقصود بالخطبة من التعليم إنما هو في الأولى ,وأما الثانية فهي ذكر ودعاء فشرعت مع الأذان قصدا للمبادرة ) (١الغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص.٦٥٦ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص.١٢ ) (٣الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٢والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,١٥والنووي, المجموع ,ج ,٨ص.٩٠ ) (٤ابن حجر ,التلخيص الحبير ,ج ,٢ص.٢٥٢ وهذا الجواب دعو￯ من قائله لا تقبل إلا بالدليل على التفصيل السابق, ومن الفقهاء من قال إنه يؤذن قبل خروج الإمام; لأن هذا الأذان لأداء الظهر كما في سائر الأيام).(٢ وحديث جابر ينص على أنه أذن سيدنا بلال بعد فراغ النبي من خطبته ,فحسبك به حجة في المراد ,ودع معه كل قياس يدل على خلافه ,قال الإمام السالمي ~: عــلى قياســنا ولا مــراءانقــدم الحــديث مهــما جــاءا كما اختلفوا في الأذان للصلاتين المجموعتين فقيل أذان واحد للصلاتين وإقامة لكل صلاة) ,(٣فيكون للظهر أذان وإقامة ,وللعصر إقامة فقط; لأنها ) (١الشربيني ,مغني المحتاج ,ج ,١ص.٤٩٦ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.١٥ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٩وابن قدامة ,الكافي ,ج ,١ص,٤٤١ والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,٩٦والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٢٨٢وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦١ مع ذلك موافق للقياس كما في سائر المجموعات والفوائت إذ المشروع فيها أذان واحد).(٢ غير أن الحنفية مع قولهم السابق نصوا على أن التنفل بين الصلاتين مكروه ,وإن تنفل أعاد الأذان للعصر لانقطاع فوره فصار كالاشتغال بينهما بفعل آخر كأكل وشرب) ,(٣إلا في رواية عن الإمام محمد بن الحسن أنه ما دام في وقت الظهر فلا يعيد الأذان للعصر).(٤ وقيل إن المشروع أن يؤذن لكل صلاة أذانا خاصا بها وإقامة خاصة بها فيكون المجموع أذانين وإقامتين ,أو على من أراد الجمع إقامتان دون أذان),(٥ ) (١ابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص ,٣٦١وابن عابدين ,رد المحتار ,ج ,٢ص.٥٠٤ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٦ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,١٥وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٢ ) (٤السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.١٥ ) (٥ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص ,١٦والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص ,٢٥٦والعبدري, التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١١٨ ظاهر وصف جابر بن عبد االله في الحديث الصحيح أن بلال بن رباح  أذن بعد الخطبة ثم أقام للظهر ثم أقام للعصر ,وهذا هو المشروع ,وبقية الأقوال معارضة للدليل فتضعف. وهذا الجمع كالجمع ليلة مزدلفة ,والروايات الصحيحة فيه −كما سيأتي −أنه كان بأذان وإقامتين. ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٦ المطلب الأول :تعجيل الصلاة حين تزول الشمس ظاهر فعل النبي كما في حديث جابر بن عبد االله أنه أتى بطن وادي عرنة لخطبة عرفة بعد الزوال مباشرة ,وبعد الخطبة صلى الظهر ,ومنه أخذ الفقهاء ندبية تعجيل الصلاة بعد الخطبة. وابن عمر استنبط ذلك من فعل النبي السابق كما في حديث ابن شهاب قال :أخبرني سالم بن عبد االله بن عمر أن الحجاج بن يوسف) (١عام نزل بابن الزبير سأل عبد االله كيف تصنع في الموقف يوم عرفة? فقال سالم :إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة ,فقال عبد االله ) (١قال الحافظ ابن عبد البر :كان الحجاج عند جمهور العلماء أهلا أن لا يرو￯ عنه ,ولا يؤثر حديثه ,ولا يذكر بخير لسوء سره وإفراطه في الظلم ,ومن أهل العلم طائفة تكفره. ]ولكن هذا[ الحديث يخرج في المسند لقول عبد االله بن عمر للحجاج :الرواح هذه الساعة إن كنت تريد السنة ,ولقول سالم :إن كنت تريد أن تصيب السنة فأقصر الخطبة وعجل الصلاة ,وقول ابن عمر صدق. ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص.٦ أفعل ذلك رسول االله ?فقال سالم :وهل تتبعون في ذلك إلا سنته).(١ ولأن تأخير الصلاة يمنع الرواح إلى الموقف في أول وقت الزوال والسنة الظاهرة من فعل النبي التعجيل في ذلك. وفي هذا الحديث أن رواح الإمام من موضع نزوله بعرفة إلى مسجدها حين تزول الشمس ,وأن الجمع بين الظهر والعصر في المسجد في أول وقت الظهر سنة ,وكذلك فعل رسول االله .(٢) وذهب بعض الفقهاء إلى أن الأولى تأخير الصلاة إلى آخر وقت الظهر).(٣ ورو￯ ابن أبي شيبة عن جرير عن ليث عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال :يؤخر الإمام الظهر يوم عرفة أشد ما يؤخرها في يوم من السنة, ويعجل العصر أشد ما يعجلها في يوم من السنة).(٤ ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :الجمع بين الصلاتين بعرفة ).(١٥٧٩ ) (٢البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٥وابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص.١٠ ) (٣ابن عابدين ,رد المحتار ,ج ,٢ص.٥٠٤ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٩٦ أصحابه. المطلب الثاني :جمع صلاتي الظهر والعصر بعرفة ذهب الفقهاء من المذاهب الإسلامية كافة إلى أن المشروع جمع صلاتي الظهر والعصر بعرفة للواقف فيها ,وقد تقدم ذكر من حكى الإجماع على ذلك ,قال الشيخ عامر: والجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة سنة ,كما أن الجمع بين الظهر والعصر بعرفات سنة).(١ وأغرب الشوكاني فقال إنه لم يثبت أنه جمع العصرين بعرفة).(٢ ولم أجد أحدا قال بما ذكره الشوكاني ولا تابعه عليه ,وهو غريب; إذ ظاهر حديث جابر بن عبد االله أنه صلى الصلاتين ثم أتى الموقف ,ولم يأت أنه بعد أن وقف صلى شيئا من الصلوات. ثم إنه قال عبد االله بن عمر للحجاج كما في رواية البخاري :كانوا ) (١الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤١٥ ) (٢الشوكاني ,السيل الجرار ,ج ,٢ص.٢٠١ وقال الحافظ ابن حجر: رو￯ ابن المنذر بإسناد صحيح عن القاسم بن محمد سمعت ابن الزبير يقول :إن من سنة الحج أن الإمام يروح إذا زالت الشمس يخطب فيخطب الناس فإذا فرغ من خطبته نزل فصلى الظهر والعصر جميعا).(٢ وبعد ثبوت أن النبي جمع صلاتي الظهر والعصر نقول إنه معلوم أنه قد صلى الناس وراءه ,وهذا يفيد ظاهرا أن كل من كان خلفه قد جمع; لأن هذا هو المتبادر من ظاهر اللفظ. ولم يأت ما يبين أن ثمة من لم يجمع الصلاتين ,ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر حين قال أتموا فإنا سفر ,ولو حرم الجمع لبينه لهم; إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ,ولا يقر النبي على الخطأ).(٣ ثم إن الرسول إنما جمع العصرين هناك ليفضل له الدعاء بالوقوف, ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :الجمع بين الصلاتين بعرفة ).(١٥٧٩ ) (٢ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥١٣ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٧ ثم إن الأصل أن إقامة الصلوات في أوقاتها المرسومة بنصوص الشارع أولى من جمعها إلا في عرفة; إذ إيثار الفراغ عشية عرفة أهم وأولى).(٢ وهذا قول أكثر أهل العلم) ,(٣بل حكي الإجماع عليه ,قال ابن المنذر: وقد أجمع أهل العلم على القول ببعض هذه الأخبار واختلفوا في القول بسائرها. فما أجمع أهل العلم على القول به وتوارثته الأئمة قرنا عن قرن وتبعهم الناس عليه منذ زمان رسول االله إلى هذا الوقت الجمع بين الظهر والعصر بعرفة يوم عرفة وبين المغرب والعشاء بجمع في ليلة النحر).(٤ والصائرون إلى القول السابق كثير منهم قائلون إن الجمع في عرفة علته النسك وليس هو على أصله. ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٦٩ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣١٣ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٩وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص,٢٠٦ والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٢٨١ ) (٤ابن المنذر ,الأوسط ,ج ,٢ص.٤٢١ يبيح الجمع).(١ وذهب بعض أهل العلم إلى أن الجمع في عرفة لا يصح إلا لمن كان مسافرا ,ونسب هذا القول إلى الجمهور) ,(٢وما أر￯ هذه النسبة إلا وهما ممن قالها بعد ما ذكرناه. وبعد ما ذكر يتحصل من السابق أن الخلاف في علة الجمع بعرفة على ثلاثة أقوال أولها أنه للنسك ,وثانيها للسفر الطويل ,وثالثها لأصل السفر).(٣ وعلى الخلاف في الجمع أهو للنسك أو هو للسفر يظهر حكم من كان من أهل عرفة أيجمع الصلاتين أولا يجمع ,فمن قال إنه للنسك أمره بجمع الصلاتين ,ومن جعله للسفر لم يصح عنده الجمع; لأنه ليس بمسافر).(٤ ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣١٤ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٧وابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥١٣ ) (٣الغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص ,٦٥٩والوارد في طبعتين من الأصل وهما طبعة دار السلام المعتمدة في هذا الكتاب وطبعة دار الكتب العلمية عبارة :لأصل السعي ,وهي خطأّبين بل الصواب ما أثبت في الأصل وهو السفر ,والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٩٠ ) (٤الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٤والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٢٠ تحريره −غير أنه يشرع لهؤلاء الجمع لعموم رخصة حديث جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الظهر والعصر جميعا ,والمغرب والعشاء الآخرة جميعا في غير خوف ولا سفر ولا سحاب ولا مطر).(١ والتكبير أيام التشريق إثر الصلوات بدؤه عند الحنفية يوم التاسع ,وقد اختلفوا في مشروعية أن يؤتى به بين العصرين ,فمنهم من راعى عموم واجب الفورية بين الصلاتين فمنع من التكبير بين الصلاتين. لكن تعقب ذلك آخرون بأن فيه نظرا; إذ الوارد في الحديث أنه صلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ,وفيه التصريح بترك الصلاة بينهما ,ولا يلزم منه ترك التكبير. ولا يقاس على الصلاة لوجوبه دونها ,ولأن مدته يسيرة حتى لم يعد فاصلا بين الفريضة والراتبة ,والحاصل أن التكبير بعد ثبوت وجوبه لا ) (١أخرجه الربيع في كتاب :الصلاة ,باب :القرآن في الصلاة ) ,(٢٥١ومسلم في كتاب: صلاة المسافرين ,باب :الجمع بين الصلاتين في الحضر ) (٧٠٥من طريق مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :صلى رسول االله الظهر والعصر جميعا, والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر. ولم أجد نصا على السابق والأخذ بالظاهر يفيد أنه ما أتى بالتكبير المذكور ,وقد جاء ما يفيد أن النبي كبر بعد فجر اليوم التاسع كما في حديث نائل بن نجيح عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر وعبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد االله قال :كان رسول االله إذا صلى الصبح من غداة عرفة يقبل على أصحابه فيقول :على مكانكم. ويقول :االله أكبر االله أكبر االله أكبر لا إله إلا االله واالله أكبر االله أكبر والله الحمد ,فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. والحديث أخرجه الدارقطني) ,(٢وهو مع عدم ثبوته كما بين ذلك ابن الجوزي) (٣ليس بنص في أن الحال السابق كان في حج بل ظاهره أنه في غير نسك. والجمع وإن كان مشروعا في هذا اليوم إلا أنه ليس بواجب بل هو مندوب إليه حتى يتفرغ الحجيج للدعاء ويتسع لهم وقت الإفاضة ,ومن لم ) (١ابن عابدين ,رد المحتار ,ج ,٢ص.٥٠٤ ) (٢الدارقطني ,السنن ,ج ,٢ص.٥٠ ) (٣ابن الجوزي ,التحقيق ,ج ,١ص.٥١٣ والجمهور القائلون بالجمع اختلفوا أمن شرطه أن ينو￯ عند افتتاح الصلاة الأولى ,أو ليس ذلك بشرط? الذين قالوا باشتراطه استدلوا بأنه لما لم يصح جمع الإمام إلا بنية الجمع, لم يصح جمع المأمومين إلا بنية الجمع كالجمع بغير عرفة. والآخرون الذين لا يشترطون النية للجمع نظروا لاختصاص الموضع لجواز الجمع ولحوق المشقة في إعلام الكل; ثم إن رسول االله جمع هناك من غير أن ينادي فيهم بالجمع ولا أخبرهم به).(٢ إلا أن جمعا من هؤلاء يفرقون بين من يصلي منفردا ومن يصلي مع الجماعة ,فالذي يصلي منفردا يشترط لصحة جمعه النية للجمع ,أما الجماعة فلا يشترط لها ذلك).(٣ وهذه المسألة نغض الطرف عنها إذ محلها كتاب الصلاة وليس المناسك ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤١٥ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٠والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٩١ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٠ ومن فاتته الجماعة صلى منفردا وجمع الصلاتين) ;(١لأن كل جمع جاز مع الإمام جاز منفردا كالجمع بين العشاءين بجمع).(٢ ثم إن ابن عمر كان إذا فاته الجمع بين الظهر والعصر مع الإمام بعرفة جمع بينهما منفردا) ,(٣كما في حديث ابن أبي شيبة حدثنا حفص عن ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا فاتته الصلاة مع الإمام بعرفة جمع بين الظهر والعصر في رحله).(٤ وذهب بعض الفقهاء إلى أن الجمع لا يكون إلا في حال الصلاة مع الإمام ,أما من صلى منفردا فلا يصح له الجمع).(٥ استدل أصحاب هذا القول بأمور منها أن االله تعالى قال في كتابه ﴿) ̈βÎ ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٠وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٦ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٠وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٦ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٠وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٦ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٦٢ ) (٥السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,١٥وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٦ على الوقت في الصلاة فرض بيقين فلا يجوز تركه إلا بيقين وهو الموضوع الذي ورد النص به. وإنما ورد النص بجمع رسول االله بين الصلاتين والخلفاء من بعده فلا يجوز الجمع إلا بتلك الصفة ,وكأن المعنى فيه أن هذا الجمع مختص بمكان وزمان ومثله لا يجوز إلا بإمام كإقامة الخطبة مقام ركعتين في الجمعة لما كان مختصا بمكان وزمان كان الإمام شرطا فيه).(٢ كما قال هؤلاء بأنه لو سلم أن هذا الجمع لأجل الوقوف لقيل إن الحاجة إلى الجمع للجماعة لا للمفرد; لأن المنفرد يمكنه أن يصلي العصر في وقته في موضع وقوفه فإن المصلي واقف فلا ينقطع وقوفه بالاشتغال بالصلاة. وإنما يحتاجون إلى الخروج لتسوية الصفوف إذا أدوها بالجماعة ,ولأنه يشق عليهم الاجتماع فإنهم بعد الفراغ من الصلاة يتفرقون في الموقف فيختار كل واحد منهم موضعا خاليا يناجي فيه ربه ,وهذا المعنى ينعدم في حق ) (١سورة :النساء ,جزء من الآية ).(١٠٣ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.١٦ واعترض على السابق بأن قولهم إنما جاز الجمع في الجماعة لا يصح لأنهم قد سلموا أن الإمام يجمع وإن كان منفردا).(٢ ثم إن الجمع بين الصلاتين إنما جاز لحاجته إلى امتداد الوقوف; فإن الموقف هبوط وصعود لا يمكن تسوية الصفوف فيها فيحتاجون إلى الخروج منها والاجتماع لصلاة العصر فينقطع وقوفهم وامتداد الوقوف إلى غروب الشمس واجب ,فللحاجة إلى ذلك جوز له الجمع بين الصلاتين ,وفي هذا المنفرد والذي يصلي مع الإمام سواء).(٣ والحنفية لا يقولون بالجمع بين الصلاتين إلا في هذا الموضع وليلة مزدلفة ,وهم يشرطون له هنا الإحرام بالحج ,حتى أن الحلال إذا صلى الظهر مع الإمام ثم أحرم بالحج فصلى العصر ,والمحرم بالعمرة صلى الظهر مع الإمام ثم أحرم بالحج فصلى العصر معه لم يجزه العصر إلا في وقتها. ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.١٦ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٦ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.١٥ مريده محرما بالحج قبل زوال الشمس; لأنه بزوال الشمس يدخل وقت الجمع ,ويختص بهذا الجمع المحرم بالحج فيشترط تقديم الإحرام بالحج على الزوال. وفي رواية أخر￯ عند الحنفية أنه إن أحرم بالحج بعد الزوال فله أن يجمع بين الصلاتين; لأن اشتراط الإحرام بالحج لأجل الصلاة لا لأجل الوقت).(١ وقال الحافظ ابن عبد البر: وجمع الصلاتين بها سنة مع الإمام ,وقد جاء في ذلك حديث خالفه الإجماع ذكره عبد الرزاق قال :قلت للثوري :إن ابن عيينة حدثني عن عبدة بن أبي لبابة عن سويد بن غفلة أن عمر بن الخطاب قال :من فاتته الصلاة مع الإمام يوم عرفة فلا حج له. فقال لي :إنها قد جاءت أحاديث لا يؤخذ بها وقد تركت هذا منها وما يضره أن لا يشهدها مع الإمام بعرفة. قال الكشوري :قلت لابن أبي عمر أتعرف هذا الحديث لابن عيينة? ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.١٧ وحري بنا أن ننبه أنه لو وافق يوم عرفة يوم الجمعة لم يصل الناسكون الجمعة هناك; لأن من شرطها دار الإقامة وأن يصليها مستوطنون).(٢ والمصر من شرائط الجمعة ,وعرفات ليست في حكم المصر; إذ ليس لها أبنية إنما هي فضاء وليست من فناء مكة; لأنها من الحل).(٣ ثم إن النبي كان وقوفه يوم الجمعة على ما أخبر بذلك عمر بن الخطاب في حديث قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أن رجلا من اليهود قال له :يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال :أي آية? قال©ÉLyθ÷èÏΡ öΝä3ø‹n=tæ àMôθoÿøCr&uρ öΝä3oΨƒÏŠ öΝä3s9 àMù=yθø.r& tΠöθu‹ø9$# ﴿ : ) (١ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص.٢٥ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص ,١٥والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٥٥والماوردي, الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٠والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,٩٢والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٢٨٢ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٥٥ قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي وهو قائم بعرفة يوم جمعة).(٢ ومع السابق ما صلى إلا الظهر كما نص على ذلك جابر بن عبد االله. ومن الفقهاء من قال إنه لو بني بعرفات قرية واستوطنها أربعون كاملون صليت بها الجمعة).(٣ وهذا الأخير حسن غير أن وجوب الصلاة هنا للمقيمين بها ,أما المسافرون فعلى مذهب الجماهير من أهل العلم لا تلزمهم الجمعة. المطلب الثالث :الإسرار في الصلاتين المجموعتين من المتفق عليه أن صلاتي الظهر والعصر في حالي الحضر والسفر بغير عرفة يسر فيهما ولا يجهر بالقراءة ,والجمهور من أهل العلم قالوا بالأصل ) (١سورة :المائدة ,جزء من الآية ).(٣ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الإيمان ,باب :زيادة الإيمان ونقصانه ).(٤٥ ) (٣النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٩٢ ثم إن جابر بن عبد االله ذكر أن النبي صلى الظهر والعصر دون أن يذكر تفصيلا للصلاة ,والأصل أن تحمل على الصلاة المعهودة التي كان يصليها فخلاف ذلك مقتض للتنبيه. واستدل بعض أهل العلم بحديث "صلاة النهار عجماء إلا الجمعة والعيدين ,والمسألة أغنى من أن يستدل لها بهذا الحديث; إذ إنه لا يثبت عن النبي بل ليس له أصل كما نص على ذلك الأئمة).(٢ وحكى الحافظ ابن عبد البر الإجماع على القول السابق إذ قال: وأجمع العلماء على أن الإمام لا يجهر بالقراءة في الظهر والعصر بعرفة لا في يوم الجمعة ولا غيرها ,وأجمعوا أن رسول االله كذلك فعل لم يجهر).(٣ والرأي السابق وإن كان هو المختار الذي تدل عليه السنة إلا أنه لا إجماع ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٥٤والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص,١٧٠ والجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص.١٦٢ ) (٢النووي ,خلاصة الأحكام ,ج ,١ص ,٣٩٤والزيلعي ,نصب الراية ,ج ,٢ص,١ والعيني ,عمدة القاري ,ج ,٦ص ,٩والقاري ,الأسرار المرفوعة ,ص.٢٣٤ ) (٣ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص.١٣ بالقراءة كالجمعة لتقدم الخطبة).(١ وقال ابن حزم :إن وافق الإمام يوم عرفة يوم جمعة جهر وهي صلاة جمعة ,الجمعة أيضا بمنى وبمكة لأن النص لم يأت بالنهي عن ذلك).(٢ ومنهم من علل القول بالجهر بأنها صلاة مؤداة بجمع عظيم فيجهر فيها بالقراءة كالجمعة والعيدين).(٣ والقياس السابق على الجمعة فيه نظر للفارق; إذ الجمعة يتقدم أذانها الخطبة ,أما عرفة فأذانها بالنص الصحيح يتأخر عن الخطبة. ثم إن القياس السابق فاسد الاعتبار لمخالفته النص الذي دل بظاهره أن النبي قد أسر في الصلاة ولم يجهر. المطلب الرابع :قصر صلاتي الظهر والعصر من تحقق فيهم وصف السفر يوم عرفة شرع لهم القصر من الصلاة في ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٠ ) (٢ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص.٢٧٢ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٥٤ ليس النسك بمؤثر في أصل ما تعبدوا به).(١ لكن خلاف أهل العلم قائم فيمن لم يتحقق فيه وصف السفر الذي يشرع معه القصر أيؤثر عليه نسكه بأمر فيغير أصل ما تعبد به وهو الإتمام أو ليس هو بمؤثر شيئا بل يبقى على أصل ما تعبده به الشارع? ذهب جمع من أهل العلم −إخالهم الجمهور من علماء الأمة −إلى أن النسك لا يؤثر في أصل العبادة من حيث الإتمام والقصر فلا يجوز لمن لم يتحقق فيه وصف السفر أن يقصر; لأنه ليس بمسافر).(٢ وعلى السابق إن كان الإمام مسافرا قصر الصلاة فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين ,وقصر من خلفه من المسافرين وأتم المقيمون أربعا. ويندب للإمام المسافر –على رأي جماعة −أن يقول لغير المسافرين أتموا ) (١الجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص.١٦٢ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص ,١٣والسمرقندي ,تحفة الفقهاء ,ج ,١ص,٤٠٥ والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٦٩وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص,٢٠٧ والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٢٨١والجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص.١٦٢ الصلاة أربعا وأتم من خلفه من المسافرين والمقيمين أربعا لوجوب المتابعة).(٢ واستدل هؤلاء لقولهم بأنهم في غير سفر بعيد فلم يجز لهم القصر كغير من في عرفة ومزدلفة).(٣ وذهب آخرون إلى أن الإمام يقصر وإن كان مقيما ,ويقصر من خلفه من المسافرين والمقيمين ,استدلالا بأن رسول االله قصر بعرفة ,ولم يأمر من كان معه من أهل مكة بالإتمام) ,(٤والواقع أن هذا الاستدلال ليس بالقوي بل هو ضعيف; إذ ليس فيه أنهم لم يتموا صلاتهم. وكون الراوي لم يفصل لا يدل على شمول حكم القصر لهم إلا من مكان بعيد يقدم عليه ما هو أقرب منه في دلالته عند التعارض ,والواقع أن هذا معارض لدليل أظهر منه وهو أصل التعبد بالأربع ركعات ,وهذا ) (١السمرقندي ,تحفة الفقهاء ,ج ,١ص ,٤٠٥والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٢والنووي, المجموع ,ج ,٨ص.٩١ ) (٢السمرقندي ,تحفة الفقهاء ,ج ,١ص ,٤٠٥والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٦٩ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٧ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٦٩ أما أن يأتي محتمل في مقابل نص صريح فلا يقبل في نقل الحكم. ثم إنه لم يدل دليل على أن النسك مؤثر في عبادة الصلاة بل كانت على سننها قبل النسك ,فجمعه في السفر وقصره كان أمرا معهودا يأتيه في النسك وغيره ,وليس النسك بمؤثر شيئا. أما جمع غير المسافرين في عرفة للصلاة −على ظاهر الأمر والخلاف فيه موجود −فقد قلنا قبل إن سببه غير النسك. ثم إنه لو صح أن أهل مكة قصروا صلاتهم مع النبي بعرفة فليس ذلك لأجل النسك بل لأصل السفر الذي يشرع معه القصر; فإن عرفة تبعد عن مكة بما يقارب اثنين وعشرين ) (٢٢كم فيسوغ معها القصر بل يجب على الأظهر من أقوال أهل العلم. والنبي − وهو ممن وطنه المدينة المنورة −قصر اتفاقا في ذي الحليفة وبعد عرفة عن مكة ضعفالتي لا تبعد عن بيته إلا بأحد عشر ) (١١كم , ُ هذه المسافة ,ولم يكن في نسك بل ما كان لقصره سبب إلا وصف السفر. على أن الراجح من أقوال أهل العلم أن ليس للقصر في السفر مسافة ووصف السفر يصدق على كل من خرج من حدود بلده ولو بشبر واحد. والناظر في ذي الحليفة التي قصر النبي فيها اتفاقا بين أهل العلم ما كانت تبعد كثيرا عن المدينة بل هي على ما يظهر حد المدينة من جهة مكة فيكون القصر فيها لأصل السفر وليس لقطعه مسافة معينة ,إذ الأخير لو سلم به لما عدا أن يكون واقعة حال لا تخصص عموما ولا تقيد إطلاقا. والأدلة الشرعية ما التفتت إلى تحديد مسافة للقصر ولا مدة بل راعت أصل السفر ,وهو وصف ظاهر مجاوز منضبط غير قاصر فيعلل الحكم الشرعي به ,ومن السابق كله يظهر لك جليا أن ليس النسك بمؤثر في أصل عبادة الصلاة شيئا بل أحكامها قبل النسك هي أحكامها أثناءه. وقال ابن عبد البر: واحتجوا أيضا بما رواه يزيد بن عياض عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن النبي استعمل عتاب بن أسيد على مكة وأمره أن يصلي بأهل مكة ركعتين, وهذا خبر عند أهل العلم بالحديث منكر لا تقوم به حجة لضعفه ونكارته).(١ ) (١ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص.١٤ ذهب جمع من الفقهاء إلى أنه لا يشرع لمن جمع الظهر والعصر أن يأتي شيئا من الرواتب كما هو الظاهر من فعل النبي ,وقالوا إن تقديم العصر على وقتها ما كان إلا ليتوصل إلى الوقوف المقصود بالأصالة ,ولئلا ينقطع وقوفه ,فلأن لا يشتغل بالنافلة بين الصلاتين ليحصل هذا المقصود أولى).(١ وفي المسألة خلاف نكتفي منه بالإشارة السابقة ومحله كتاب الصلاة, وقاعدتنا أن النسك لا يؤثر في هذه العبادة فيكون هذا الموضوع خارجا عن كتاب الحج فلا نعرض له هنا. ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص ,٣١٢والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,١٥وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٢ المطلب الأول :معنى الوقوف بعرفة يراد بالوقوف بعرفة الكون بها والحضور فيها مع غض الطرف عن كونه قياما أو جلوسا أو اضطجاعا أو ركوبا) ,(١والاختلاف بين أهل العلم في تفاضل الهيئات السابقة شاهر ,وسنأتي لذكره إن شاء االله. وإنما كثر استعمالهم الوقوف هنا; لأنه أفضل الأحوال في حق أكثر الناس ,والركوب لا يتأتى في حق الأكثر).(٢ وذكر بعض الفقهاء وقال إنه يكفي الكون بعرفة ولو كان الواقف على ظهر دابة أو شجرة فيها لا على غصن منها وهو خارج عن هوائها وإن كان أصلها فيها لأنه لا يصدق عليه الكون بها ,ولا على غصن فيها دون أصلها. وقيل بل يصح الوقوف في الصورة الأخيرة; لأنه يصدق على صاحبه أنه كائن بعرفة وهو مستقر في نفسه على جرم في هواء عرفة فأشبه الواقف في ) (١الرملي ,نهاية المحتاج ,ج ,٣ص ,٢٩٨والدمياطي ,إعانة الطالبين ,ج ,٢ص,٢٨٧ والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص ,٩٣والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٣٦ ) (٢الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٣ واختلف في الطيران في هوائها أيجزي صاحبه أو لا يجزيه) ,(١ومن رأ￯ الجواز نزل هواء عرفة منزلة أرضها).(٢ وذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الاستقرار مطمئنا ,ورتبوا على السابق وجوب الدم على من مر بعرفة دون أن يستقر مع إجزاء مروره السابق عن الوقوف).(٣ ومن الفقهاء من فضل للمرأة أن تكون قاعدة لأنه أستر لها).(٤ ولكن اختلفوا في النية أهي من شروط الوقوف بعرفة أو ليست هي بشرط ,ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن النية ليست بشرط للوقوف بعرفة بل المعتبر فيه الحضور في جزء من عرفات ولو في لحظة لطيفة بشرط كونه أهلا للعبادة سواء حضرها عمدا أو وقف مع الغفلة والبيع والشراء ) (١الشبراملسي ,الحاشية على نهاية المحتاج ,ج ,٣ص ,٢٩٨والدمياطي ,إعانة الطالبين, ج ,٢ص ,٢٨٧والشرواني ,حواشي الشرواني ,ج ,٤ص.١٠٩ ) (٢الشبراملسي ,الحاشية على نهاية المحتاج ,ج ,٣ص.٢٩٨ ) (٣الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص ,٩٤والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٣٧ ) (٤ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١١٤٩ أو في حالة النوم أو اجتاز فيها في وقت الوقوف وهو لا يعلم أنها مر مسرعا في طرق من أطرافها ,أو كان نائما علىعرفات ولم يمكث أصلا بلَّ بعير فانتهى البعير إلى عرفات فمر بها البعير ولم يستيقظ راكبه حتى فارقها. أو اجتازها في طلب غريم هارب بين يديه أو بهيمة شاردة أو غير ذلك مما هو في معناه فيصح وقوفه في جميع هذه الصور ونحوها).(١ قال إمام الحرمين: إن الحصول بعرفة كاف وإن لم يتفق لبث ,حتى لو عبر بطرف من عرفة كفاه ذلك ,ولا يشترط أن يكون حضوره إياها على علم منه بها ,ولو لم يعرف حصوله بعرفة وقد كان حضر كفاه ذلك).(٢ ومن هؤلاء من قال إنه لو حول نية الوقوف إلى غيره قصدا صح وقوفه, ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧١والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص,٣١٢ والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص ,١٢٧والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٠٣وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٥ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣١٢ جهة النسك ,وقد ذكر قبل هذا أنه ليس هناك من تعرض لذكر الخلاف وإن استظهر حصول الوقوف) ,(١ثم بين العلة الفارقة بين الطواف والوقوف بعرفة أن الوقوف في نفسه لا يتخيل قربة ,والطواف قربة على حياله).(٢ واستدل هؤلاء بعموم قوله :وقد أتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا, ولأنه حصل بعرفة في زمن الوقوف وهو عاقل فأجزاه كما لو علم).(٣ واختلف هؤلاء الذين لا يشرطون النية للوقوف في المغمى عليه والمجنون ,فذهب بعضهم إلى صحة وقوفهما; لأنه لا يعتبر له نية ولا طهارة, ويصح من النائم فصح من المغمى عليه كالمبيت بمزدلفة).(٤ قال ابن جعفر: وقيل عن الربيع وغيره فيمن يؤم البيت فيغمى عليه فيهل عنه أصحابه ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣١٢ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣١٢ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١١ ) (٤السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٥٦وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١١والحطاب, مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٥ والمانعون قالوا إنه ركن من أركان الحج فلم يصح من المغمى عليه كسائر أركانه) ,(١ولأنه ليس أهلا للعبادة) ,(٢وإن قال بعض هؤلاء إنه يقع نفلا كحج الصبي).(٣ وجاء في مسائل أحمد برواية صالح: المغمى عليه يوقف بعرفة? فقال :إذا لم يعقل الوقوف حتى ينفجر الفجر فلا حج له ,يرو￯ عن الحسن وعطاء ,وما علمت أن أحدا قال يجزيه. ومن احتج فزعم أن الحج عرفة فلو كان هذا على ظاهر الكلام فوقف بعرفة ورجع إلى أهله ووطئ وأصاب الصيد كان يلزمه أن يقول ليس عليه شيء; لأن الحج عرفة. وإنما قوله الحج عرفة على السلامة إذا عمل ما يعمل الناس من طواف يوم النحر وهو الواجب; لأنه لم يختلف الناس فيما علمنا أنه من لم يطف يوم النحر أنه يرجع حتى يطوف وإن كان قد أتى أهله. ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١١والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٣٠ ) (٢الغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص.٦٥٧ ) (٣الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٦والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٠٤ فإذا أدرك ركعة أفليس عليه أن يأتي بها على كمالها ,وما أفسد آخرها أفسد أولها ,وإنما ذلك على إكمالها ,ومن قال إن المغمى عليه يجزيه الوقوف بعرفة فقد يجزيه أن لا يعيد الصلاة وكذلك الصوم ,ولو أغمي عليه في يوم من رمضان حتى ينسلخ عنه رمضان أنه يجزيه لأنه لم يطعم فيه).(١ ومن الفقهاء من طرد الخلاف في السكران كالمغمى عليه ,ومنهم من قال لا يجزيه إن كان سكره لمعصية تغليظا عليه ,ومن قال بالإجزاء قال هو كالصاحي).(٢ قال في بيان الشرع: ومن وقف بعرفة وهو سكران فلا إعادة عليه ,وأما المجنون والمعتوه فإن وقف على تلك الحال فلا حج لهما ,وإذا أفاق المجنون ووقف فله الحج).(٣ وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن من شروط الوقوف بعرفة النية, ) (١أحمد بن حنبل ,المسائل برواية صالح ,ج ,٢ص.١١١ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٦والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٠٤ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٤ص.٦٠ عبادة ,وكل عبادة لا بد لها من نية).(١ وعلى السابق لا يصح وقوف النائم إن استغرق نومه وقت الوقوف كله مر بعرفة وهو غير عالم بهاولم تصحبه نية الوقوف ,كما أنه لا يصح وقوف منَّ لعدم تحقق النية منه ,كما أنه لا يصح وقوف المغمى عليه ولا السكران ولا حول نية الوقوف إلى غيرها كطلب غريم ونحو ذلك).(٢منَّ وجماع الأمر أنه إن لم تتحق نية الوقوف ولو للحظة من الزمان مع العقل والإسلام فليس ذلك الوقوف بمجز صاحبه ,وهذا أولى الأقوال بالقبول سنا بالوقوف بعرفة بسنة بقية العبادات غير معقولة المعنى. والاستدلال بإطلاق حديث عروة بن مضرس ضعيف إذ إنه وارد مورد ذكر حكم معين وهو ساكت عن غيره من الأحكام فلا تلغى لعدم ذكرها فيه ,ألا تر￯ أنه لم يذكر الإحرام ,ولا طواف الإفاضة ,وباتفاق أن من لم ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٩٩وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٢والمرداوي, الإنصاف ,ج ,٤ص ,٣٠وابن مفلح ,الفروع ,ج ,٣ص ,٣٧٤والدردير ,الشرح الكبير, ج ,٢ص.٣٧ ) (٢المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٣٠ والنبي قال :من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ,فهل يؤخذ من ذلك صحة صلاة من أدرك ركعة من الصلاة وهو غير متوضئ? المطلب الثاني :حكم الوقوف لم يكن ثمة خلاف بين أهل العلم أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يتم حج من لم يأته على الوجه المشروع) (١خلا ما نقل عن الحسن أن الوقوف بعرفة واجب إلا أنه إن فاته ذلك قام الوقوف بجميع الحرم مقامه, وسائر الفقهاء أنكروا ذلك على الحسن ,واتفقوا على أن الحج لا يحصل إلا بالوقوف بعرفة).(٢ وعلى السابق من لم يقف بعرفة لم يصح حجه سواء تركه لعذر أو غير ) (١الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص ,٤١٠والجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص,١٦١ والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧١والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص,١٢٥ وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٨والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٠٣وابن النجيم, البحر الرائق ,ج ,٢ص ,٣٦٤والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص ,٣٦والشنقيطي, أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٣٤ ) (٢الرازي ,مفاتيح الغيب ,ج ,٥ص.١٥١ الفرق أنه متى عجز عن أركان الحج أمكنه الاستنابة فيما عجز عنه في حياته أو بعد موته بخلاف الصلاة المكتوبة فإنه لا نيابة فيها).(١ والدليل على الحكم السابق الحديث الصحيح الذي جاء من طريق وكيع عن سفيان عن بكير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن يعمر قال :سمعت رسول االله وهو واقف بعرفة وأتاه أناس من أهل مكة فقالوا :يا رسول االله ,كيف الحج? قال :الحج عرفة ,فمن جاء قبل طلوع الفجر ليلة جمع فقد تم حجه ,منى ثلاثة أيام فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ,ومن تأخر فلا إثم عليه ,ثم أردف رجلا خلفه يناديهن).(٢ وقال بعض أهل العلم مدللا على ركنية الحج بأن االله تعالى قد قال3¬!uρ﴿ : .(٣)﴾4 Wξ‹Î6yTM Ïμø‹s9Î) tí$sÜtGóTM$# Ç⎯tΒ ÏMøt7ø9$# kÏm Ä ̈$ ̈Ζ9$# ’n?tã ) (١ابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٥٧٢ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٢٦ ) (٣سورة :آل عمران ,جزء من الآية ).(٩٣ إذ الحج فعل وعرفة مكان فلا يكون حجا فكان الوقوف مضمرا فيه فكان تقديره الحج الوقوف بعرفة. والمجمل إذا التحق به التفسير يصير مفسرا من الأصل فيصير كأنه تعالى قال :والله على الناس حج البيت ,والحج الوقوف بعرفة ,فظاهره يقتضي أن يكون هو الركن لا غير إلا أنه زيد عليه طواف الزيارة بدليل خارجي).(١ ومن الفقهاء من استدل لوجوب الوقوف بعرفة بقوله تعالى ﴿!#sŒÎ*sù &.(٢)﴾ ÏΘ#tysø9$# Ìyèô±yθø9$# y‰ΨÏã ©!$# (#ρãà2øŒ$$sù ;M≈sùttã ï∅ÏiΒ ΟçFôÒsùr وبيان ذلك أن الآية دالة على وجوب ذكر االله عند المشعر الحرام عند الإفاضة من عرفات ,والإفاضة من عرفات مشروطة بالحصول في عرفات, وما لا يتم الواجب إلا به وكان مقدورا للمكلف فهو واجب ,فثبت أن الآية دالة على أن الحصول في عرفات واجب في الحج. فإذا لم يأت به فلم يكن آتيا بالحج المأمور به فوجب أن لا يخرج عن ) (١الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٢٥ ) (٢سورة :البقرة ,جزء من الآية ).(١٩٨ ومنهم من قال إن كلمة )إذا( لا تستعمل إلا في الأفعال التي لا بد من وجودها كقولهم إذا احمر البسر فأتني ,ولا يقال إن احمر البسر ,وذلك لأنها في الأصل ظرف لما يستقبل من الأفعال. وهي تتضمن الشرط في الغالب فإذا جوزي بها كان معناه إيقاع الجزاء في الزمن الذي أضيف إليه الفعل فلا بد من أن يكون الفعل موجودا في ذلك الزمان وإلا خرجت عن أن تكون ظرفا. ومعلوم أن الإفاضة من عرفات من أفعال العباد فالإخبار عن وجودها يكون أمرا حتما بإيجادها نحو أن يترك بعض الناس وكلهم الإفاضة وصار هذا بمنزلة إذا صليت الظهر فافعل كذا).(٢ والسابق يصح الاستدلال به أن لو قيل إن المأمورين بالإفاضة في الآية هم عموم الناس ,أما لو قيل إن المأمورين هم الحمس كما يفيد ذلك سبب نزول الآية فإنه لا يتم الاستدلال بها على الوجوه السابقة).(٣ ) (١الزمخشري ,الكشاف ,ج ,١ص ,٢٧٤والرازي ,مفاتيح الغيب ,ج ,٥ص.١٥١ ) (٢ابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٥٧٢ ) (٣القرطبي ,الجامع لحكام القرآن ,ج ,٢ص.٤٢٧ جاء النص النبوي بتحديد موضع الوقوف كما في حديث جابر بن عبد االله } أن النبي قال :وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف).(١ وعليه فعرفة كلها موقف ,فلو وقف في أي جزء منها صح وقوفه إجماعا) ,(٢وقد جاء صحيحا أن من الصحابة من وقف في غير موقف النبي  كما في حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن عبد االله بن صفوان عن يزيد بن شيبان قال :أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن وقوف بالموقف مكانا يباعده عمرو فقال: رسول االله إليكم يقول :كونوا على مشاعركم فإنكم على ِ ُ رسولإني إرث من إرث إبراهيم).(٣ غير أن الفقهاء اختلفوا في تفاضل مناطق عرفات نفسها في الوقوف, فذهب الجماهير من أهل العلم إلى أن أفضل عرفات موضع وقوف النبي  ) (١أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,٣ص.٣٢٠ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٠٤ ) (٣أخرجه الترمذي في كتاب :الحج ,باب :ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء بها ),(٨٨٣ وقال إثره :حسن صحيح. وقد أقيم في موضع وقوف النبي مسجد صغير يعرف بمسجد الصخرات أسفل جبل الرحمة على يمين الصاعد إليه ,وهو مرتفع قليلا عن الأرض يحيط به جدار قصير ,وفيه صخرات كبار وقف عندها رسول االله . والموضع السابق محاط بجدار طوله من جهة القبلة ١٣.٣م ,والجدار الذي على يمينه ويساره ٨م ,أما الجدار المقابل للقبلة فدائري غير مستقيم).(٢ ومن الفقهاء من استحب موقف الإمام على غيره ,وقال بعض الفقهاء: وينزل مع الناس حيث شاء وبقرب الجبل أفضل ,والبعد عن الناس في هذا المكان تجبر والحال حال تضرع ومسكنة ,والإجابة في الجمع أرجى ,ولأنه يأمن بذلك من اللصوص ,وقيل لا ينزل على الطريق كي لا يضيق على المارة).(٣ ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٠٤والشوكاني ,السيل الجرار ,ج ,٢ص.٢٠١ ) (٢محمد إلياس ,تاريخ مكة ,ص.١١٨ ) (٣ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص ,٤٦٨وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦١ حد سواء استدلالا بحديث "وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف").(١ لكن يعترض على السابق بأن هذا الحديث يفيد بدلالة النص كون عرفة كلها موقفا من حيث الإجزاء ,وهذا لا يخالف فيه أحد ,ولكنه ساكت عن التفضيل بين جنباتها إلا من لازم بعيد. ومن السابق يكون الحديث أراد به النبي لفت أنظار الناس إلى عدم تعين مكان وقوفه ,وفعله ناطق بظاهره −كما هو الأصل −على تفضيل ذلك المكان على غيره فلا تنافي بين الأمرين ويجمع بين الحديثين السابقين بما ليس فيه إلغاء لأحدهما. وقال بعض أهل العلم فضيلة الحرص على مكان وقوفه لا تنافي ما قاله من أن عرفة كلها موقف; فإن تتبع آثاره والوقوف في مواقفه في حج وغيره هو من أعظم مواطن التبرك التي تكون ذريعة إلى الخير وصلة إلى الرشد ,وقد كان الصحابة { يبالغون في مثل هذا ويتنافسون فيه).(٢ ) (١الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٢ ) (٢الشوكاني ,السيل الجرار ,ج ,٢ص.٢٠١ عرنة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي بساتين بني عامر).(١ وتقع عرفات إلى الجنوب الشرقي من المسجد الحرام على بعد ٢٢كم عبر شارع المسجد الحرام ,وموقعها فلكيا بين دائرتي عرضً ,21 َ ,57 ْ – 39 ً,39 َ ,49 ْ 39شرقا ,وإجمالي مساحتها ١٠.٤كم ,٢وتعيينها الآن ميسور لوجود اللوحات الإرشادية التي تبين حدودها).(٢ ويذكر الفقهاء وادي عرنة وأنه لا يجزي الوقوف فيه; إذ ليس هو من عرفة).(٣ وقد جاء ما يؤيد السابق من الآثار المرفوعة حديث هشام بن عمار ثنا القاسم بن عبد االله العمري ثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد االله قال: قال رسول االله : كل عرفة موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ,وكل المزدلفة موقف وارتفعوا ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧١وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٧ ) (٢محمد إلياس ,تاريخ مكة ,ص.١١٥ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٨٧والقرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج,٢ ص ,٤١٨والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٢٨١ والحديث أخرجه ابن ماجه) (١من الطريق المذكور غير أنه لا يثبت بل هو ضعيف جدا; إذ فيه القاسم بن عبد االله بن عمر العمري ,وهو ممن لا يقبل حديثه فقد قال أحمد بن حنبل :مديني كذاب كان يضع الحديث ترك الناس حديثه. وقال يحيى بن معين :هو ضعيف ليس بشيء ,وقال أبو حاتم :هو متروك ,وقال أبو زرعة :ضعيف لا يساوي شيئا ,متروك الحديث ,منكر الحديث ,وقال ابن حبان :رديء الحفظ كثير الوهم ممن يقلب الأسانيد حتى يأتي بالشيء الذي يشبه المعمول).(٢ وجاء من طريق جبير بن مطعم مرفوعا بلفظ :كل عرفات موقف وارفعوا عن عرنة ,وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن محسر ,فكل فجاج منى منحر ,وفي كل أيام التشريق ذبح ).(٣ ) (١كتاب :المناسك ,باب :الموقف بعرفات ).(٣٠١٢ ) (٢ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٧ص ,١١١وابن حبان ,المجروحين ,ج,٢ ص ,٢١٢وابن عدي ,الكامل ,ج ,٦ص.٣٤ ) (٣ابن حبان ,صحيح ابن حبان ,ج ,٩ص.١٦٦ طرقه على سليمان بن موسى الأموي المعروف بالأشدق ,وقد اضطرب فيه كثيرا جدا فقد رواه أحمد) (١والبيهقي) (٢من طريق أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج وأبي اليمان الحكم بن نافع الحمصي حدثنا سعيد بن عبد العزيز حدثنا سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم مرفوعا. ومع علة اضطراب سليمان بن موسى لم يلق هو جبير بن مطعم كما يقول البخاري :سليمان لم يدرك أحدا من أصحاب النبي (٣)فيكون ذلك علة أخر￯ للحديث ,وقال البيهقي عن هذا الحديث إنه مرسل) (٤ولعله يقصد السابق. وجاء الحديث من طريق أبي نصر التمار عبد الملك بن عبد العزيز حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن ) (١أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,٤ص.٨٢ ) (٢البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٩ص.٢٩٥ ) (٣الترمذي ,العلل ,ص.١٠٢ ) (٤البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.٢٣٩ وقد رجح البزار هذا الوجه للحديث مع ضعفه وقال إثر روايته: وحديث ابن أبي حسين هذا هو الصواب ,وابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم. ومع العلة التي أفادها البزار عبدالرحمن بن أبي حسين لم يوثقه أحد خلا ابن حبان بإيراده إياه في الثقات وروايته الحديث في صحيحه) ,(٤وقد تقدم أن ابن حبان لا يعتمد على توثيقه إذا ما انفرد به. وجاء الحديث من طريق سويد بن عبد العزيز عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه ,أخرجه الدارقطني) ,(٥والبيهقي) ,(٦والطبراني) ,(١والبزار) ,(٢وقال إثره: ) (١البزار ,المسند ,ج ,٨ص.٣٦٣ ) (٢ابن حبان ,صحيح ابن حبان ,ج ,٩ص.١٦٦ ) (٣البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٩ص.٢٩٥ ) (٤ابن حبان ,الثقات ,ج ,٥ص.١٠٩ ) (٥الدارقطني ,السنن ,ج ,٤ص.٢٨٤ ) (٦البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٩ص.٢٩٦ بن عبد العزيز ,وهو رجل ليس بالحافظ ولا يحتج به إذا انفرد بحديث. وجاء الحديث من طريق أبي معيد حفص بن غيلان عن سليمان بن موسى أن عمرو بن دينار حدثه عن جبير بن مطعم مرفوعا ,أخرجه البيهقي).(٣ وجاء من طريق الوليد بن مسلم عن حفص بن غيلان عن سليمان بن موسى عن محمد بن المنكدر عن جبير بن مطعم مرفوعا).(٤ ومن السابق يظهر الاضطراب الشديد في رواية سليمان بن موسى فقد رواه عن جبير بن مطعم تارة −وهو لم يلقه ,−ورواه عنه بالواسطة تارة أخر￯. واختلف عليه في الواسطة فمرة يقول عبد الرحمن بن أبي حسين ,ومرة يقول نافع بن جبير ,ومرة يقول عمرو بن دينار ,ومرة يقول محمد بن ) (١الطبراني ,المعجم الكبير ,ج.١٣٨ ,٢ ) (٢البزار ,المسند ,ج ,٨ص.٣٦٣ ) (٣البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٩ص.٢٩٦ ) (٤الطبراني ,مسند الشاميين ,ج ,٢ص.٣٨٩ وهو حديث في إسناده اضطراب).(١ وقد قال أبو حاتم :محله الصدق وفي حديثه بعض الاضطراب) ,(٢وقال النسائي :أحد الفقهاء ليس بالقوي في الحديث) ,(٣وقال البخاري :عنده مناكير).(٤ وقال أيضا فيما نقله الترمذي :وسليمان بن موسى منكر الحديث ,أنا لا أروي عنه شيئا ,رو￯ سليمان بن موسى أحاديث عامتها مناكير).(٥ وجاء من طريق محمد بن يحيى ثنا محمد بن كثير العبدي ثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن أبي الزبير عن أبي معبد عن ابن عباس قال :قال رسول االله :ارفعوا عن بطن عرنة وارفعوا عن بطن محسر).(٦ ) (١ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٢ص.١٣١ ) (٢ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٤ص.١٤١ ) (٣النسائي ,الضعفاء والمتروكين ,ص.٤٩ ) (٤البخاري ,الضعفاء الصغير ,ص.٥٣ ) (٥الترمذي ,العلل ,ص.٢٥٧ ) (٦ابن خزيمة ,صحيح ابن خزيمة ,ج ,٤ص.٢٥٤ طريق محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب أنبأ عبد الوهاب بن عطاء قال ابن جريج :وأخبرني محمد بن المنكدر أن النبي قال :عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ,والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن محسر).(١ وجاء الحديث مرسلا من طريق سويد قال :أخبرنا ابن المبارك عن سفيان عن زيد بن أسلم عن النبي قال :عرفة كلها موقف إلا عرنة وجمع كلها موقف إلا محسرا).(٢ ورواه ابن أبي شيبة قال :حدثنا ابن عيينة عن ابن المنكدر وزيد بن أسلم قالا :قال رسول االله :عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة).(٣ وجاء الحديث موقوفا على ابن عباس بإسناد صحيح −كما يقول الحافظ ابن حجر −من حديث عبد االله بن هاشم ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال :أخبرني عطاء عن ابن عباس قال :كان يقال ارتفعوا عن محسر وارتفعوا ) (١البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١١٥ ) (٢الطبري ,جامع البيان ,ج ,٢ص.٢٨٩ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٤٥ وجاء الحكم السابق من حديث محمد بن عمر ثنا صالح بن خوات عن يزيد بن رومان عن حبيب بن عمير عن حبيب بن خماشة الخطمي قال: سمعت رسول االله يقول بعرفة :عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة, والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر).(٢ ورواه إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن المنكدر عن أبي هريرة عن رسول االله قال :عرفة كلها موقف وارفعوا عن عرنة, والمزدلفة كلها موقف وارفعوا عن محسر ,وفجاج مكة كلها منحر).(٣ كما جاء الحكم السابق معللا بسبب النهي كما في حديث أحمد بن محمد بن عباد الجوهري البغدادي قال :نا محمد بن زياد بن زبار الكلبي قال :نا شرقي بن القطامي قال :سمعت أبا طلق العائذي يحدث عن شراحيل بن القعقاع عن عمرو بن معدي كرب الزبيدي قال: ) (١ابن خزيمة ,صحيح ابن خزيمة ,ج ,٤ص.٢٥٤ ) (٢ابن حجر ,المطالب العالية ,ج ,٧ص.١٥ ) (٣إسحاق بن راهويه ,المسند ,ج ,١ص.٣٦٣ ارتفعوا عن بطن عرنة; فإنهم إخوانكم إذ أسلموا).(١ غير أن هذا لا يثبت; فشرقي بن قطامي ضعيف ,وقد بينا الحديث وضعفه في الجزء الثاني في مبحث التلبية. وإلى عدم صحة وقوف من وقف في عرنة الجماهير من أهل العلم),(٢ وهو الراجح عند المالكية ,وحكى سند منهم الاتفاق عليه) ,(٣بل حكي على عدم الإجزاء الإجماع. قال الحافظ ابن عبد البر: وأجمعوا أن الوقوف ببطن عرنة من عرفة لا يجوز لقول رسول االله : وارتفعوا عن بطن عرنة ,واختلفوا فيمن وقف بها ولم يقف من عرفة بغيرها فقال مالك :يهريق دما وحجه تام).(٤ ) (١الطبراني ,المعجم الأوسط ,ج ,٢ص.٣٧٩ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١١٣ ) (٣القرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٢ص ,٤١٨والحطاب ,مواهب الجليل ,ج,٣ ص.٩٧ ) (٤ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص.٢٢ عدم الإجزاء مطلقا ,وثالثها الإجزاء مع الدم ,ورابعها الوقف ,وخامسها الإجزاء مع الكراهة).(١ ورواية الإجزاء مع الدم حكاها ابن المنذر عن الإمام مالك وليست مشهورة عند المالكية بل إنه قد ضعفها جماعة من كبارهم وهو الأليق بها ,قال الشنقيطي :والظاهر أنه لم يصح عن مالك).(٢ ومن الفقهاء من يضيف إلى عرنة موضع الأراك فلا يجزي الوقوف عليه).(٣ ولا أدري ما موضع الأراك هذا أهو من عرفة واستثني ,أو أنه من الأصل ليس من عرفة. وقد كان أهل قريش لا يقفون في عرفة بحجة أنهم أهل الحرم فلا يخرجون منه ,غير أن النبي قد خالفهم في أمرهم السابق فوقف في عرفة ) (١القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص ,٢٥٦والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٧ ) (٢الشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٤١ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٨٧والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٢٨١ دينها يقفون بالمزدلفة ,وكانوا يسمون الحمس ,وكان سائر العرب يقفون بعرفات. فلما جاء الإسلام أمر االله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها ,فذلك قوله تعالى ﴿ .(١)﴾â ̈$ ̈Ψ9$# uÚ$sùr& ß]ø‹ym ô⎯ÏΒ (#θàÒ‹Ïùr& ¢ΟèO وقد عجب أحد الصحابة لما رأ￯ النبي واقفا بعرفة ولم يسلك ما كان عليه أهل الحرم في الوقوف بالمزدلفة كما في حديث مسدد حدثنا سفيان عن عمرو سمع محمد بن جبير عن أبيه جبير بن مطعم قال :أضللت بعيرا لي فذهبت أطلبه يوم عرفة فرأيت النبي واقفا بعرفة فقلت :هذا واالله من الحمس فما شأنه ها هنا).(٢ ولأهل العلم خلاف في المراد بالحمس فقيل لأنهم تحمسوا في دينهم, والحماسة الشدة يقال رجل أحمس وقوم حمس ,أي أشداء ,وتشدد أهل قريش لأنهم كانوا لا يقفون في عرفات ويقولون لا نخرج من الحرم ولا نتركه في ) (١أخرجه البخاري في كتاب :التفسير ,باب﴾â ̈$ ̈Ψ9$# uÚ$sùr& ß]ø‹ym ô⎯ÏΒ (#θàÒ‹Ïùr& ¢ΟèO ﴿ : ).(٤٢٤٨ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :الوقوف بعرفة ).(١٥٨١ الثاني :أنهم سموا حمسا بالكعبة لأنها حمس ,حجرها أبيض يضرب إلى السواد).(١ المطلب الرابع :وقت الوقوف أولا :أول وقت الوقوف لم تكن كلمة أهل العلم متفقة في أول وقت الوقف المشروع مع اتفاقهم أن النبي ما شرع في وقوفه إلا بعد الزوال. ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن أول وقت الوقوف هو زوال الشمس من يوم التاسع من ذي الحجة) ,(٢وحكي على هذا القول الإجماع, قال ابن عبد البر: وأجمعوا على أن من وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال ثم أفاض منها ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧١الرازي ,مفاتيح الغيب ,ج ,٥ص.١٥١ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٥٥والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١١والنووي, المجموع ,ج ,٨ص ,٩٩والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٢٨٤والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص ,٣٧والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٤ أو يقف من ليلته تلك أقل وقوف قبل الفجر فقد فاته الحج).(١ ونقل الإجماع السابق القرطبي) ,(٢ولا إجماع في الحقيقة كما سيظهر بعد قليل. كما نقل الشوكاني الإجماع على أن مبدأ الوقوف هو زوال الشمس ,ونص على تقييد مطلق النهار الوارد في حديث عروة بن مضرس −كما سيأتي− بالإجماع).(٣ وعجيب حال الشوكاني فإنه نص في مواضع كثيرة من كتبه على أن الإجماع الذي يذكره الفقهاء ليس بحجة لعدم إمكان نقله) ,(٤فلا أدري لم أخذ به هنا مع شهرة الخلاف في القضية. وعلى السابق ليس بمعتد بوقوف من وقف قبل الزوال من اليوم المذكور وأفاض من عرفات قبل الزوال ,فيكون صاحبه كمن لم يقف. ) (١ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص.٢٨١ ) (٢القرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٢ص.٤١٥ ) (٣الشوكاني ,السيل الجرار ,ج ,٢ص.٢٠٠ ) (٤الشوكاني ,إرشاد الفحول ,ص.١٣٣ وقت يمكن أن تصلى فيه صلاة الظهر).(١ وعلى هذا فمن كان وقوفه بعد الزوال مباشرة وامتد فترة أقل من صلاة الظهر ثم أفاض من عرفات قبل تحقق الوقت المذكور فليس بنافع له وقوفه السابق. وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن وقت الوقوف المشروع يبدأ بطلوع فجر اليوم التاسع من ذي الحجة ,فمن وقف في أي ساعة بعد الفجر أجزاه وقوفه).(٢ وعلة الخلاف السابق تعارض مطلق قول النبي مع فعله ,وذلك لأن الثابت من فعله أنه ما كان مبدأ وقوفه إلا بعد زوال الشمس ,وهذا يفيد تحديد أول الوقوف. أما قوله الذي استفيد منه أن مبدأ وقت الوقوف هو طلوع الفجر فحديث وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عروة بن مضرس ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٠٢ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١١والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٢٩ فأتيت النبي فقلت :يا رسول االله ,أتعبت نفسي وأنصبت راحلتي, واالله ما تركت حبلا من الحبال إلا وقفت عليه ,فهل لي من حج? فقال رسول االله :من صلى معنا هذه الصلاة وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد قضى تفثه وتم حجه).(١ فقوله "نهارا" مطلق لم يقيده بكونه بعد الزوال ولا قبله ,وهذا الإطلاق يجعل الحكم صحيحا فيما يصدق عليه لفظ النهار ,والنهار وقت لما بعد الفجر إلى غروب الشمس. أما قول ابن عبد البر :وأجمعوا على أن المراد بقوله في هذا الحديث "نهارا" لم يرد به ما قبل الزوال −كما تقدم عنه − َف َر ٌّد عليه إذ لا إجماع في الحقيقة بل الخلاف شهير في المسألة كما تقدم. والفرقاء السابقون كانت لهم ضروب من التأويل لأدلة خصومهم, فالقائلون بالاحتجاج بالفعل −وهم الجمهور −ذكروا أن إطلاق النهار في حديث عروة بن مضرس مقيد بفعل النبي ,وحمل المطلق على المقيد من ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٢٦ ودلائل الحال وقرائن الواقعة تعين السابق ,ومن ذلك أن النبي ترك الوقوف قبل الزوال بل كان خارج عرفة حينها إلى أن آذنت الشمس بالزوال ,وبعدما زالت الشمس خطب وصلى ثم وقف ,وقد أشعر كلام الراوي أنه قد قصد الزوال نفسه مما يعني أنه حد له. وقال بعض أهل العلم إن النبي وقف بعد الزوال فكان مبينا وقت الوقوف بفعله فدل أن ابتداء الوقوف بعد الزوال).(١ الرواح َوابن عمر لما احتج على الحجاج بن يوسف قال له بعد الزوال: إن كنت تريد السنة كما تقدم ذلك عنه. ثم إنه مع فعل النبي السابق تواتر العمل لد￯ الأمة عليه فالخلفاء نقلالراشدون ومن بعدهم إلى اليوم ما كان وقوفهم إلا بعد الزوال ,وما ثمةٌ عن أحد منهم أنه وقف قبل الزوال).(٢ أما أصحاب الاحتجاج بالحديث القولي فلهم أن يتخلصوا من ربقة ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٥٥ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١١٢ صحة غيره وهم قائلون إن أفضل الأوقات هو الوقوف بعد الزوال. ثم إن وقت ما قبل الزوال من يوم عرفة فكان وقتا للوقوف كبعد الزوال).(١ ثم إن في القول المجتزي بوقوف من وقف قبل الزوال –على هذا الرأي− عملا بما أفاده دليلان فيكون الأول منهما وهو الحديث القولي محمولا على الإجزاء من باب التيسير. ويدلك على السابق أنه ذكر الإجزاء لمن وقف ساعة من ليل مع أن النبي أفاض بعد تحقق الليل مباشرة ولم يكن الليل محلا للوقوف بل اقتضى الساعة اليسيرة منه إلى أن يتحقق غروب الشمس واجب استيعاب النهار بالوقوف ,ومع السابق لم يأخذ العلماء بالفعل وأنه تجب الإفاضة بتحقق الغروب بل حكي الاتفاق على العمل بإطلاق كلمة ليل الواردة فيه مع أن فيها معارضة للفعل كما هو الحال في النهار. وقال هؤلاء :أما الدليل الثاني وهو الفعلي فلم نصر إلى إلغائه بل أخذنا ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١١ الوتر يبدأ وقتها بصلاة العشاء ولو كانت الصلاة أول الوقت ,غير أن الأفضل فيها ما بينته السنة الفعلية من حرص النبي على أدائها في ثلث الليل الآخر. ثم إن في ترجيح الأخذ بالحديث الفعلي على الوجه الذي أخذ به الجمهور إلغاء لجزء من الحديث القولي وهو نهار ما قبل الزوال ,أما الأخذ بما يفيده الحديث القولي فلا إلغاء فيه بل هو أخذ بما أفادته نصوص الشارع بدلالاتها المختلفة. ومع القوة النظرية لهذا القول إلا أن قول الجمهور الذي تواطأ العمل عليه من فعل النبي ثم أصحابه وأكثر الأمة أقرب إلى النفس ,وفاعله يجزيه فعله اتفاقا ,أما من اقتصر على الوقوف قبل الزوال ,وأفاض قبله فهو على مذهب الجماهير من أهل العلم كمن لم يقف. أما القول الذي فيه أن وقت الوقوف يبدأ بعد مضي جزء من النهار تصلى فيه الظهر عادة فراعى أصحابه −إن كان ثمة آخذون به حقا −فعل النبي وذلك أنه توجه إلى الوقوف بعد الصلاتين وليس بعد الزوال مباشرة. الفعل أن يشرط لصحة الوقوف مضي وقت الخطبة والصلاتين معا ,وهذا ما لا يقول به أحد. قال الرملي: وإنما لم يعتبر هنا مضي قدر الخطبتين والصلاة بعد الزوال للإجماع على اعتبار الزوال ,بل جوزه أحمد قبله ,فالوجه القائل باشتراط ذلك كما في الأضحية شاذ ,ولعل الفرق التسهيل على الحاج لكثرة أعماله فوسع له الوقت ولم يضيق عليه باشتراط توقفه على شيء آخر بعد الزوال بخلاف المضحي).(١ وتبقى القضية في تعيين أول وقت الوقوف مشكلة بين القولين المشهورين فيها ,والأولى بالإنسان أن يأخذ فيها بالدليل الاحتياطي وهو قول الجمهور خروجا من الإشكال السابق. ثانيا :آخر الوقت ذكر غير واحد من أهل العلم الاتفاق على أن آخر وقت الوقوف بعرفة ) (١الرملي ,نهاية المحتاج ,ج ,٣ص.٢٩٩ وفي حكاية الاتفاق السابق نظر; فإن ثمة علماء يقولون إن الليل ليس بوقت للوقوف رأسا بل الوقوف من زوال الشمس إلى غروبها ,وليس بمعتد بوقوف من وقف بعد غروب الشمس).(٢ البَ هلوي:قال الإمام أبو المؤثرَ وإن غربت الشمس قبل أن يقف بعرفات ثم وقف فقد فاته الحج ,وإن دخل أول عرفات وقد غاب من الشمس قرن فقد فاته الحج).(٣ ومنهم من اجتز￯ بالوقوف لو غاب بعض الشمس ولم تغب كلها إذ حكم النهار باق لا يزول إلا بغيابها كلها).(٤ وصرح بعض هؤلاء أن الواجب أن لا تغيب الشمس إلا والناسك ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧١والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١١وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١١ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٨٦والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٦والنووي, المجموع ,ج ,٨ص.١٠٢ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٨٦ ) (٤الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٩٩والشقصي ,منهج الطالبين ,ج ,٧ص.٢٦٢ الحمد الله وسبحان االله ولا إله إلا االله واالله أكبر ويسبح االله ثلاث مرات ثم غاب من الشمس قرن فقد أدرك الوقوف بعرفات).(١ ومنهم من قال إنه وقت إلا أنه لو أخر الإحرام إلى الليل لم يحز ,ولو أحرم نهارا ووقف ليلا جاز).(٢ لكن اتفقوا أن من طلع عليه الفجر وهو لم يقف سواء فاته الوقوف لعذر حصر أو غيره أو لغير عذر فقد فاته الحج).(٣ وأشار بعضهم إلى أن هناك من قال إن وقت الوقوف بعرفة يمتد إلى ما بعد الفجر إلى طلوع الشمس).(٤ ولعل مما يؤيد السابق حديث حجاج بن الشاعر أنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني شعبة بن أبي هند عن رجل من المغرب من أهل البادية −وقليل من أهل البادية من يكذب في مثل هذا الحديث −أن أباه ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٨٥ ) (٢الغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص.٦٥٨ ) (٣المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص ,٦٢والشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٣٤ ) (٤علي القاري ,مرقاة المفاتيح ,ج ,٥ص.٦٠٥ يا نبي االله أرأيت من فاتته الدفعة من عرفات? فقال له رسول االله :إن وقفت عليها قبل الفجر فقد أدركت ,فقلت: يا نبي االله ,أرأيت إن أدركتني الفجر? فقال لي رسول االله :إن وقفت عليها قبل أن تطلع الشمس فقد أدركت. والحديث أخرجه مسلم في كتاب التمييز) ,(١وقد حكم على الرواية فقال: رواية فاسدة بلا عاضد لها في شيء من الروايات عن رسول االله ,واتفق العلماء على القول بخلافها. ثم قال :واتفاق العلماء على ما وصفنا أن رواية ابن إسحاق التي رواها فجعل إدراك الحج فيها إلى بعد الصبح قبل طلوع الشمس رواية ساقطة وحديث مطرح; إذ لو كان محفوظا وقولا مقولا بمثل سائر الموجبات لم يذهب عن جميعهم).(٢ بدأ النبي وقوفه بعرفة بعد زوال الشمس وما خرج منها إلا بعد تحقق ) (١مسلم بن الحجاج ,التمييز ,ص.٢٠٠ ) (٢مسلم بن الحجاج ,التمييز ,ص.٢٠١ وذكروا علة للسابق وهي جمع الواقف بين الليل والنهار).(١ ومما يدل على الوجوب السابق –مع فعل النبي −نص الشارع على أن الإفاضة بعد غروب الشمس أمر مشروع ليخالف به عوائد المشركين التي جرت على الإفاضة قبل الغروب والشمس على رؤوس الجبال ,وما كان مشروعا للمقصد السابق مع الفعل منه فلا أقل من أن يقال بوجوبه كما في حديث أبي عبيدة قال :لما أتم حجه )النبي (خطب الناس بعرفة فقال: إن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من عرفات إذا صارت الشمس على رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم. ويدفعون من المزدلفة إذا طلعت الشمس على رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم ,وإنا لا ندفع من عرفات حتى تغرب الشمس ويفطر الصائم. وندفع من المزدلفة غدا −إن شاء االله −قبل طلوع الشمس ,هدينا مخالف ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٠وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٥ والحديث السابق جاء أيضا من حديث عبد الوارث بن سعيد عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة عن المسور بن مخرمة قال :خطبنا رسول االله بعرفة فحمد االله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد :فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب الشمس حين تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها فهدينا مخالف لهديهم. وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها فهدينا مخالف لهديهم. والحديث أخرجه الحاكم وقال إثره :حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ,(٢وقال النووي :إسناده جيد).(٣ لكن مع تقرر الوجوب السابق اختلفوا فيمن أفاض قبل غروب ) (١أخرجه الربيع في كتاب :الحج ,باب :في عرفة والمزدلفة ومنى ).(٤٢٢ ) (٢الحاكم ,المستدرك ,ج ,٢ص.٣٠٤ ) (٣النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١١٧ أمر الشارع ,ولم يرجع إليها حتى توارت الشمس بالحجاب. ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا حج له) ,(١وقال هؤلاء إن الوقوف بعرفة بعد الغروب ساعة ليلة النحر فريضة يفوت الحج بفواته ,وأما الوقوف به جزءا من النهار فواجب ينجبر بالدم).(٢ ومن آثار القول السابق قول الجزولي من المالكية :يستحب أن يقوم بالناس الإمام المالكي لأنه إذا كان غير المالكي يفسد على المالكيين حجهم; لأنه ينفر قبل الغروب وإن كان مالكيا لن ينفر إلا بعد الغروب. واعترض الحطاب الجزولي فقال :هذا ليس بلازم; لأن الأمة مجمعة على طلب الوقوف في جزء من الليل).(٣ كما نقل الحطاب عن ابن بشير من المالكية أنه قال :لو دفع من عرفة قبل ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٢والقرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٢ص,٤١٦ والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١١والسالمي ,شرح الجامع الصحيح ,ج,٢ ص ,٢٣٢والشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٣٤ ) (٢الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص ,٩٤النفراوي ,الفواكه الدواني ,ج ,٢ص.٢٧٤ ) (٣الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٤ مراعاة للخلاف ,ونقله التادلي وابن فرحون والقول بالإجزاء ليحيى بن عمر في أهل الموسم ينزل بهم ما نزل بالناس سنة الغلو من هروبهم من عرفة قبل أن يتموا الوقوف أنه يجزيهم ولا دم عليهم).(١ وهؤلاء استدلوا بحديث إبراهيم بن حماد عن أبي عون محمد بن عمرو بن عون عن داود بن جبير عن أبي هاشم رحمة بن مصعب الفراء الواسطي عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن نافع عن ابن عمر قال رسول االله :من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج. واعترض ابن حزم الاستدلال بالسابق بقوله: هذا عورة; لأن أبا عون بن عمرو ورحمة بن مصعب وداود بن جبير مجهولون لا يدر￯ من هم ,وابن أبي ليلى سيء الحفظ ,وعلى هذا الخبر يبطل حج النبي ;لأنه لم يقف بعرفة بليل إنما دفع منها في أول أوقات الليل).(٢ كما اعترض على الحديث بأنه خص الليل; لأن الفوات يتعلق به إذا كان ) (١الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٤ ) (٢ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص.١٢٢ العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها ,ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تدرك الشمس فقد أدركها).(١ وبنى الكاساني −وهو من أرباب القول بصحة الحج −رده على الدليل بافتراضه مقتصرا على الشطر الأول منه ,وتعقبه بكونه مفهوما لا منطوقا, والحنفية لا يقولون بدليل الخطاب خلافا لجماهير العلماء).(٢ لكن يشكل عليه أن الشطر الثاني من الحديث مفيد الحكم المراد بمنطوقه ,وليس الاقتصار فيه على الشطر الأول الذي يفيد الحكم بمفهومه. كما تعقب الدليل السابق بتضعيف موطن الشاهد وهو قوله "ومن فاته عرفة بليل" ,وعلة ذلك خلو الروايات المشهورة منه).(٣ ومما استدل به للسابق حديث سعيد بن منصور نا هشيم أنا ابن أبي ليلى نا عطاء يرفع الحديث قال :من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج ,ومن فاته ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٠ ) (٢الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٢٦ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٥٥ والحديث ضعفهِّبين فابن أبي ليلى تقدم النص على ضعفه مرارا, والحديث ليس بمتصل. كما استدل للسابق بحديث عبد الملك بن حبيب عن أبي معاوية المدني عن يزيد بن عياض بن جعدبة عن عمرو بن شعيب أن رسول االله قال: من أجاز بطن عرنة قبل أن تغيب الشمس فلا حج له. ورد ابن حزم الحديث السابق بعد روايته بقوله: وهذه بلية; لأن عبد الملك ساقط ,وأبا معاوية مجهول ,ويزيد كذاب ,ثم هو مرسل ,ثم إنه مخالف لقولهم; لأن بطن عرنة من الحرم وهو غير عرفة فليس فيه وجوب الوقوف ليلا بعرفة أصلا).(٢ كما استدل للسابق بأن النبي وقف حتى غربت الشمس وقال: لتأخذوا عني مناسككم. لكن أجيب عن هذا بأنه محمول على الاستحباب أو أن الجمع بين الليل ) (١ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص.١٢٣ ) (٢ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص.١٢٣ والأولى من السابق أن يقال إن هذا الحديث الذي فيه الأمر باتباع النبي قد يفيد الوجوب دون تعرض للإجزاء ,وحديث عروة بن مضرس الذي احتج به القائلون بصحة الحج يفيد الإجزاء. وتأول هؤلاء قوله في حديث عروة بن مضرس "ليلا أو نهارا" بأنه أراد ليلا أو نهارا وليلا ,فسكت عن أن يقول وليلا لعلمه بما قدم من فعله لأنه وقف نهارا وأخذ من الليل فكأنه أراد بذكر النهار اتصال الليل به, ويحتمل أن يكون قوله ليلا أو نهارا في معنى ليلا ونهارا فتكون أو بمعنى الواو).(١ وقال ابن حزم رادا على القول السابق: لو صح لكم في الخبر تأويلكم الفاسد لكان لا يصح لأحد حج حتى يقف بها نهارا وليلا معا ,وهذا خلاف قولكم مع أن النبي لم يقف بها إلا نهارا ودفع منها إثر تمام غروب القرص في أول الليل ,والدفع لا يسمى وقوفا بل هو زوال عنها).(٢ ) (١ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص.٢٨٣ ) (٢ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص.١٢٢ لكان الوقوف واجبا ليلا ونهارا ولم يغن أحدهما عن صاحبه ,وهذا لا يقوله أحد ,وقد أجمع المسلمون أن الوقوف بعرفة ليلا يجزي عن الوقوف بالنهار مراهقا ولم يكن له عذر فهو مسيء).(١ إلا أن فاعل ذلك عندهم إذا لم يكنَ وكون )أو( تأتي بمعنى الواو أمر فيه خلاف بين أهل اللغة ,ولئن صح القول به فالاتفاق قائم على أن )أو( بمعنى الواو مجاز وليست بحقيقة),(٢ وعليه فلا بد لها من دليل يصرفها عن معناها الحقيقي ,ولا دليل هنا. ومع وجود القول السابق لد￯ المالكية وأفراد من غيرهم إلا أن الجمهور من أهل العلم قائلون إن حج من نفر قبل غروب الشمس صحيح ويكون آثما عند القائلين بوجوب الوقوف إلى أن تستكمل الشمس غروبها).(٣ ونبه بعضهم على أنه إن دفع من موضعه قبل غروب الشمس فهو بين ) (١ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٩ص.٢٧٥ ) (٢ابن جني ,الخصائص ,ج ,٢ص ,٤٦٠والأنباري ,الإنصاف ,ج ,٢ص ,١٦ والبغدادي ,خزانة الأدب ,ج ,١١ص .٧١ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٨٥والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٥٥والماوردي, الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٢وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٠ الشمس قد غاب. فإن جاوز عرفة بعد الغروب فلا شيء عليه; لأنه ما ترك الواجب ,وإن جاوزها قبل الغروب فعليه ما على من ترك واجبا في الحج).(١ والمالكية فصلوا في الأمر فقالوا من دفع قبل الغروب ولم يخرج من عرفة حتى غابت الشمس أجزاه وعليه هدي ,لأنه كان بنية الانصراف قبل الغروب. ومن دفع قبل الغروب من المحل الذي يقف فيه الناس لأجل الزحمة ونيته أن يتقدم للسعة ويقف حتى تغرب الشمس فلا يضره ذلك).(٢ وإمام الحرمين أتى بعبارة في هذا الموضع ظاهرها أن التحرك من موضع الوقوف يكون عند مقاربة الشمس الغروب ,ولكن الخروج من عرفة لا يكون إلا بعد غروب الشمس إذ قال: ثم الحجيج إذا رأوا الشمس متضيفة للغروب انقلبوا عن الموقف ) (١السمرقندي ,تحفة الفقهاء ,ج ,١ص ,٤٠٥والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٢٧ ) (٢القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص ,٢٦٠والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٤ غير أن ظاهر فعل النبي أنه ما تحرك من موضعه الذي وقفه إلا بعد تحقق غياب الشمس ودخول وقت المغرب. وقال القطب :والصحيح أنه لا يتم إن نو￯ الإفاضة لأن الفرض اللبث وهو قد انتقل).(٢ والرأي الأول أقو￯ فيصح له حجه ,أما التأثيم وعدمه فراجع أمره إلى الخلاف في وجوب الإفاضة بعد تحقق غروب الشمس. قال الإمام أبو المؤثر: إذا وقف الواقف بعرفة فذكر االله ثم أفاض من قبل أن تغيب الشمس فلم يرجع حتى غربت الشمس فإن حجه تام وعليه دم لإفاضته قبل مغيب الشمس وحجه تام ,فإن رجع ووقف ولم يدرك الوقوف من قبل غروب الشمس فهو كمن لم يرجع وعليه دم. فإن رجع فوقف فأدرك الوقوف فذكر االله قبل أن تغرب الشمس فقد ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣١٥ ) (٢القطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص.١٧٦ استدل القائلون بصحة حج من أفاض قبل الغروب بأمور منها أن االله تعالى قال في كتابه "فإذا أفضتم من عرفات" وجاء بالإفاضة مطلقة من قيدي الليل أو النهار).(٢ كما استدل الجمهور للدلالة على صحة حج من أفاض قبل الغروب بحديث وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي أنه حج على عهد النبي فلم يدرك الناس إلا وهم بجمع قال: فأتيت النبي فقلت :يا رسول االله ,أتعبت نفسي وأنصبت راحلتي, واالله ما تركت حبلا من الحبال إلا وقفت عليه ,فهل لي من حج? فقال رسول االله :من صلى معنا هذه الصلاة وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد قضى تفثه وتم حجه).(٣ ثم إن النبي قصد الموقف نهارا وانصرف منه ليلا فجعل النهار وقتا ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٨٥ ) (٢القرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٢ص.٤١٦ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٢٦ للوقوف بل الوقوف فيه ما كان إلا تبعا لتحقق غروب الشمس ,فعلم أن النهار مقصود والليل تبع).(١ ثم إن الواقف في النهار واقف في زمن الوقوف فيجزيه كالليل).(٢ ولأن حكم آخر الوقت إما أن يكون مثل أوله أو أضعف ,ولا يجوز أن يكون أقو￯ منه فلما جعله النبي مدركا بآخره وهو الليل كان أولى أن يكون مدركا بأوله وهو النهار) ,(٣وللسابق صحح الجمهور من أهل العلم الإحرام ليلة العاشر ما لم يخرج وقت الوقوف بعرفة).(٤ لكن اختلف القائلون بصحة الحج ماذا على من أفاض من عرفة قبل الغروب ,فبعضهم أخذ بقاعدة ترك الواجبات فأوجب الدم) ,(٥ومنهم من ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٣ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٠ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٣ ) (٤الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣١١ ) (٥الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٨٥وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٠والمرداوي, الإنصاف ,ج ,٤ص ,٣٠والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٣٧ فيأثم).(١ والذين يقولون إن الجمع بين الليل والنهار في الوقوف سنة لا يوجبون الدم على من أفاض قبل غروب الشمس).(٢ ونقل المرداوي رواية عن الإمام أحمد أنه يلزم من دفع قبل الإمام دم ولو كان بعد الغروب; لأن أصحاب النبي لم يدفعوا قبله).(٣ استدل القائلون بأنه يجب عليه دم بأنه واجب لا يفسد الحج بفواته فلم يوجب البدنة كالإحرام من الميقات) ,(٤ومنهم من قال إن أفاض مع الإمام فمعذور لأنه تابع).(٥ والنبي سن الدفع من عرفة بعد غروب الشمس كما سن الإحرام من ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٠والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٣٠ ) (٢المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٥٩ ) (٣المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص ,٣٠وابن قدامة ,الكافي ,ج ,١ص.٤٤٣ ) (٤ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٠ ) (٥الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٨والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٠٢والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٢٧ الدافع من عرفة قبل غروب الشمس واجب).(١ وقال إمام الحرمين :وإذا اختلف القولان في وجوب الدم تبين من اختلافهما الاختلاف في وجوب الكون بعرفة).(٢ والكون المراد في كلام إمام الحرمين هو الكون عند الغروب والجمع في الوقوف بين الليل والنهار; إذ الذين لا يلزمون بالدم لا يقولون بوجوبه, فالدم يلزم في ترك الواجبات).(٣ ولم أجد دليلا يفيد وجوب شيء على من أفاض من عرفة قبل غروب الشمس ,وحديث عروة بن مضرس يفيد بظاهره عدم وجوب شيء على من أفاض قبل تحقق الغروب إلا الإثم لدليل خارجي ,وهذا هو الأولى من الأقوال ,أما قاعدة وجوب الدم بترك الواجبات فلا يسلم بها ,وقد ذكرناها من قبل. ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٤ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣١١ ) (٣الدمياطي ,إعانة الطالبين ,ج ,٢ص.٢٨٨ عليه الشمس في عرفة فالأكثر على أنه لا شيء عليه; لأنه أتى بالواجب وهو الجمع بين الوقوف في الليل والنهار فلم يجب عليه دم كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم رجع فأحرم منه).(١ وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه يلزمه الدم; لأنه بالدفع لزمه الدم فلم يسقط برجوعه كما لو عاد بعد غروب الشمس).(٢ ولأن الواجب على من وصل إلى عرفات بعد الزوال استدامة الوقوف إلى غروب الشمس ولم يتدارك ذلك بالانصراف بعد الشمس فلا يسقط عنه الدم).(٣ أما من لم يعد حتى غربت الشمس ففيه قولان أيضا ,أولهما عليه دم لأن عليه الوقوف حال الغروب وقد فاته بخروجه فأشبه من تجاوز الميقات غير ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٤وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص,٢١٠ والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٣٠ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٠ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٥٦ آخر النهار بأول الليل وهو كائن بعرفة).(٢ ومن الفقهاء من علل وجوب الدم على من أفاض من عرفة قبل الغروب بقوله إن نفس الوقوف ركن ,واستدامته إلى غروب الشمس واجبة لما فيها من إظهار مخالفة المشركين ,وقد فعله رسول االله وأمر به ,وترك الواجب يوجب الجبر بالدم).(٣ ومن الفقهاء من قال هو مخالف للأصل لكن لا شيء يجب عليه لدلالة حديث عروة بن مضرس ,ثم إن الليل والنهار وقت لإدراك الوقوف بعرفة وقد ثبت أنه لو وقف بها ليلا دون النهار لم يلزمه دم ,كذلك إذا وقف بها نهارا دون الليل لم يلزمه دم).(٤ أما من جاء ليلا ولم يدرك شيئا من النهار قبل غروب الشمس فوقف ليلا فلا شيء عليه وحجة تام ,وحكي عليه الاتفاق لأنه لم يدرك جزءا من ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١١ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣١٢ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٥٦ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٤ ولا اتفاق في الحقيقة كما ذكرنا من قبل قول من قال إن وقت الوقوف هو النهار فقط ويخرج بغياب الشمس).(٢ لكن اختلف الجمهور القائلون بإجزاء الوقوف ليلا دون النهار أعليه شيء أولا ,فذهب الجمهور إلى أنه لا شيء عليه ,وذهب فريق من أهل العلم إلى أنه ملزم بالدم).(٣ والظاهر أن علة الإلزام بالدم هي قاعدة جبر ترك واجبات الحج بالدم المستفادة من موقوف ابن عباس } ,ومن الواجب الجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة. وبعد تحقق مسألة آخر الوقت وأنها بطلوع فجر يوم النحر نقول إنه قد يتعارض لد￯ المكلف أمران هما الصلاة والوقوف بأن يكون إن أد￯ أحد ) (١القرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٢ص ,٤١٦والجويني ,نهاية المطلب ,ج,٤ ص ,٣١١وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١١والشنقيطي ,أضواء البيان ,ج,٤ ص.٤٣٤ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٨٦ ) (٣الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص ,٩٤والشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٣٤ يدرك عرفة ,ولو واصل مسيره أدرك عرفة لكن تفوته العشاء. وللفقهاء في السابق خلاف في أقوال أربعة نذكرها وما أورد عليها ,لكن نقول إنه إن أمكن أن يدخل عرفة ويصلي فيها ويكون وقوفه بمقدار صلاته فإنه يجزيه ذلك; إذ شرطنا في الوقوف إنما هو كينونته في عرفة بأي حال مع نية الوقوف ,ومن غير شك أنه في مثل هذا الحال كائن بعرفة. القول الأول :تقدم الصلاة لعظم أمرها في الشرع واستحقاقها للوقت بالذكر إن كانت منسية. المضيق في الشرع مقدم على ما وسع في تأخيره ,وما وسع ّوقال القرافي: غياه بالعمر كالكفارات ,وما رتب فيه في زمان محصور كالصلاة مقدم على ماّ على تاركيه القتل مقدم على ما ليس كذلك ,فتقدم الصلاة على الحج إجماعا).(١ وممكن أن يعترض على هذا الأخير بما ذكره القرافي نفسه بعد السابق إذ قال :إن فضل الصلاة قد عورض هاهنا بالدخول في الحج وما في فواته من المشاق ,كما استدل للسابق بكون الصلاة أفضل وبكونها فورية إجماعا, ) (١القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٦٠ واعترض الحطاب على السابق بأن كونهما فرضين تزاحما ظاهر ,أما أن ذلك إنما يأتي على القول بالفور فغير ظاهر; لأن الفور والتراخي إنما ينظر فيه قبل الدخول في الإحرام. أما بعد الدخول في الإحرام فقد صار إتمام الحج فرضا على الفور إجماعا, بل لو كان تطوعا وجب عليه إتمامه على الفور ,ولو أفسده وجب قضاؤه على الفور فالوقت مستحق للحج والصلاة معا).(١ القول الثاني :إن كان من أهل مكة وما حولها فيصلي ,وإن كان آفاقيا فيمضي لعرفة ,ولعل دليل هؤلاء أنه لا يقع أهل مكة في الضرورة كما يقع لغيرهم; إذ الحج لهم أمره ميسور لا يكلف من المال والجهد ما يكلفه غيرهم فكانوا أولى بتقديم الصلاة. القول الثالث :تقدم عرفة مطلقا لما في فوات الحج من المشاق ,وهذا القول أسعد الأقوال بالدليل وأرجحها. وآيته أنه قد تعين الحج بالإحرام ,وهو يفوت فعله ,والصلاة وقت ) (١الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٠٠ ولما في قضائه من كبير المضرة حتى راعى ذلك جمهور العلماء إذا غم الهلال فوقف الناس يوم النحر وقالوا يجزيهم وإن لم يكن يوم عرفة).(١ وأما قول القرافي في تقديم المضيق على الموسع إلى آخر كلامه فيعترض عليه بأنه ليس في الصلاة في الصورة المفروضة ما يقتضي تقديمها على الحج إلا كونها ترتب على تاركها القتل على خلاف بين أهل العلم في ذلك. وأما ما قبل ذلك فإن الحج يشاركها فيه لأنه قد استحق ذلك الوقت وصار مضيقا لا يجوز فيه الاشتغال بغيره ,والصلاة الحاضرة تشاركه في ذلك ,ويترجح تقديم الحج على الصلاة بأن الشرع يراعي ارتكاب أخف الضررين إذ تأخير الصلاة لا يكون معه ضرر في المال والجهد ,أما تأخير الحج فيصحبه خسارة في المال والجهد. ثم إن ما يترتب في الذمة ولا يمكن الخلاص منه إلا بعذر من بعيد ينبغي أن يقدم على ما يمكن قضاؤه بسرعة. ويرجح أيضا تقديم الحج أن صون الأموال يقدم على العبادات فيقدم صون المال في شراء الماء للوضوء والغسل إذا رفع في ثمنه على العادة على ) (١الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٩ في القضاء وفي الخلاف على النفس).(١ القول الرابع :يصلي إيماء كالمسايف) ,(٢واعترض على هذا القول بأمرين أولهما أنه قياس مع عدم تحقق وجود الجامع; لأن المشقة في الأصل خوف إتلاف النفس ,وفي الفرع خوف إتلاف المال ,وثانيهما أنه قياس على الرخص).(٣ لكن أجيب عن هذين الاعتراضين كليهما ,فالأول منهما يرده أن الأسفار الشاقة مع بعد المسافة يخشى معها على النفس مع ضميمة إتلاف المال ,ففي الفرع ما في الأصل وزيادة فيعود إلى قياس الأحر￯. وأما الثاني فيرده أن القياس على الرخص المختلف في قبوله إنما هو إذا كان الأصل المقيس عليه منصوصا عليه في الشريعة ,أما إذا كان اجتهاديا فلا يسلم).(٤ ) (١الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٠٠ ) (٢الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٨ ) (٣الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٠٠ ) (٤الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٠٠ المندوب الأول :تعجيل الوقوف وقد حكي الإجماع على استحباب السابق) ,(١ودليله فعل النبي كما هو ظاهر حديث جابر بن عبد االله } في صفة حجة النبي . كما يؤخذ الاستحباب السابق من حديث مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد االله بن عمر قال :كتب عبد الملك إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر في الحج ,فجاء ابن عمر وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس فصاح عند سرادق الحجاج فخرج وعليه ملحفة معصفرة فقال :ما لك يا أبا عبد الرحمن? فقال :الرواح إن كنت تريد السنة ,قال :هذه الساعة? قال :نعم).(٢ ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٠٢ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :التهجير بالرواح يوم عرفة ).(١٥٧٧ لم يكن ثمة خلاف أن الوقوف بعرفة ليس من شرطه الطهارة من الحدثين الأصغر ولا الأكبر بل يصح وقوف المحدث من حائض وجنب ونفساء) ,(١واستدل بعض أهل العلم أيضا بأن الوقوف بعرفة نسك غير متعلق بالبيت فلا تشترط له الطهارة كرمي الجمار).(٢ ولكن مع عدم الشرطية قال جمع من أهل العلم إنه يندب للواقف بعرفة الغسل للوقوف بعد الزوال وقبل الصلاة ,وإن اجتز￯ بالوضوء أجزاه والغسل أفضل).(٣ وعلة السابق أن عرفة مجمع للناس فاستحب الاغتسال لها كالعيد ) (١الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٢٧ ) (٢الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٢٧ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٠والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٥والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٨٧وابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٠ص ,١٨والسرخسي, المبسوط ,ج ,٤ص ,١٥وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٧والنووي ,المجموع ,ج,٨ ص ,١٠٠والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٢٨١وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج,٢ ص ,٣٦١والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٣٩ فشرع لها الغسل كصلاة الجمعة والعيد).(٢ وممكن أن ينقض السابق بالمبيت بمنى ليلة التاسع إذ يجتمع له الخلق في موضع واحد ولم يشرع له الاغتسال) ,(٣لذا يبدو الضعف على هذا التعليل. وأمر اغتسال النبي للوقوف بعرفة يوم حجة الوداع سكت عنه حديث جابر بن عبد االله } في طرقه المشهورة بالصحة ,لكن جاء في بعض الطرق الأخر￯ أمره بالاغتسال يوم عرفة كما في حديث محمد بن عيسى ثنا نعيم بن حماد ثنا عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن علي بن الحسين عن جابر قال :أمر رسول االله في حجته مناديا فناد￯ عند الزوال أن اغتسلوا).(٤ والحديث ليس بحجة بل زيادة الأمر بالاغتسال الأظهر فيها أنها منكرة, فابن إسحاق لم يصرح بالتحديث مع تدليسه ,وفي روايات نعيم بن حماد نظر ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٧ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٩٧ ) (٣النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٠١ ) (٤ابن خزيمة ,صحيح ابن خزيمة ,ج ,٤ص.٢٦١ ورو￯ الإمام الشافعي عن إبراهيم بن محمد قال :أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه أن الإمام علي بن أبي طالب كان يغتسل يوم العيد ويوم الجمعة ويوم عرفة وإذا أراد أن يحرم).(١ ورو￯ الإمام مالك عن نافع أن عبد االله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم ,ولدخوله مكة ,ولوقوفه عشية عرفة) ,(٢كما جاء عنه من طرق أخر￯ ,وجاء الأمر بالاغتسال عن غير واحد من أئمة التابعين).(٣ وقال الشيخ إسماعيل بن طاهر الجيطالي: فإذا زالت الشمس فليغتسل بالماء إن أمكنه غسلا نظيفا) (٤من غير أن يدلك رأسه وجسده ولكن يصب الماء عليه صبا ,فإن لم يستطع الغسل أجزاه الوضوء).(٥ ) (١الشافعي ,الأم ,ج ,١ص.٢٣١ ) (٢مالك بن أنس ,الموطأ ,ج ,١ص.٣٢٢ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٤٢٠ ) (٤كذا في الأصل. ) (٥الجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٢٨١ آخرون على أنه يطلب في غسل عرفة الاتصال فلو اغتسل في أول النهار لم يجزه ,كما أنه يطلب من كل من وقف بعرفة حتى الحائض والنفساء).(٢ المندوب الثالث :الوقوف في مكان وقوف النبي ,وقد ذكرنا الدليل على هذا القول من قبل عند ذكر مطلب مكان الوقوف. المندوب الرابع :استقبال الكعبة).(٣ والدليل على الحكم السابق فعل النبي فقد قال جابر بن عبد االله كما في الحديث الذي تقدم ذكره :ركب رسول االله حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ,وجعل حبل المشاة بين يديه ,واستقبل القبلة. ومن الفقهاء من استدل لاستقبال القبلة بكونه لابد أن يكون مستقبلا ) (١الدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص ,٣٩والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٠٣ ) (٢الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٠٤ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,١٧والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٢وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٠٨ المندوب الخامس :الوقوف بجبل الرحمة وجبل الرحمة يقال له جبل إلال )بفتح الهمزة وكسرها( والنابت )لأنه والقرين ,وهو جبل صغير يتكون من حجارةكالنبتة في الأرض السهل(ُ صلدة كبيرة يقع في شرق عرفات بين الطريقين رقم ٧و ,٨على بعد نحو ١.٥كم من مسجد نمرة).(٢ وقد ذهب إلى الاستحباب السابق بعض أهل العلم) ,(٣لكن خالف آخرون −وهم الجماهير من أهل العلم −فقالوا بأنه لا نسك في الرقي في الجبل المذكور بل هو كسائر بقاع عرفة وإن كان يعتاده الناس).(٤ وقال النووي متعقبا السابق: وأما ما اشتهر عند العوام من الاعتناء بالوقوف على جبل الرحمة الذي ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.٩٧ ) (٢محمد إلياس ,تاريخ مكة ,ص.١١٩ ) (٣النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٠٧ ) (٤الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١١وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٥ من جهلتهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فخطأ ظاهر ومخالف للسنة. ولم يذكر أحد ممن يعتمد في صعود هذا الجبل فضيلة يختص بها بل له حكم سائر أرض عرفات غير موقف رسول االله إلا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري فإنه قال يستحب الوقوف عليه ,وكذا قال الماوردي في الحاوي يستحب قصد هذا الجبل الذي يقال له جبل الدعاء قال وهو موقف الأنبياء صلوات االله وسلامه عليهم. وذكر البندنيجي نحوه ,وهذا الذي قالوه لا أصل له ,ولم يرد فيه حديث صحيح ولا ضعيف ,فالصواب الاعتناء بموقف رسول االله هو الذي خصه العلماء بالذكر وحثوا عليه وفضلوه).(١ غير أن عبارة القاضي الماوردي لا تفيد استحباب رقي الجبل بل تفضيله الوقوف نحوه ,ومعلوم أن وقوف النبي كان بجانب الجبل ,ونص عبارته: فإذا ثبت أن عرفة هي الموقف فالذي يختار من ذلك أن يقصد نحو الجبل ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٠٧ ومع السابق من وقف في الجبل فإنه يجزيه وقوفه; إذ الواقف فيه واقف في عرفة ,ولكن السابق إنما هو للتدليل على أن الجبل كغيره من الأماكن لم يرد في الوقوف فيه بذاته فضل. المندوب السادس :الوقوف راكبا الفقهاء متفقون أن المقصد الأساس الذي على الناسك أن يسعى لإتمامه يوم عرفة هو ذكر االله وجمع النفس لإتمامه على أكمل الوجوه بإلقاء الشواغل, والدعاء بخيري الدنيا والآخرة والاستغفار ,وهذا المقصد هو الأصل فتطوع له الوسائل المشروعة المؤدية إليه. وعلى السابق يقال إنه إن كان يشق على الناسك الوقوف راجلا ,أو كان يضعف به عن الدعاء ,أو كان ممن يقتد￯ به ويحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتد￯ به في عمله فالأفضل له وقوفه راكبا كما هو المنقول عن النبي .(٢) ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٢ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٠٦ نغيب المقصد الأصلي منراجلا فالأفضل الوقوف راجلا; إذ ما كان لنا أنّ الوقوف لهيئة تتنازعها احتمالات شتى وهي جائزة بالاتفاق. أما إن استو￯ الحالان الركوب وغيره فلأهل العلم أقوال في ترجيح الوقوف أو غيره ,ذهب إلى ترجيح الركوب بعض أهل العلم أخذا من فعل النبي كما ثبت ذلك عنه) ,(١ولأنه أعون في الدعاء والذكر) ,(٢كما أن في الوقوف راكبا مباهاة وتعظيما للحج ﴿”uθø)s? ⎯ÏΒ $yγ ̄ΡÎ*sù «!$# uÈ∝ ̄≈yèx© öΝÏjàyèム⎯tΒuρ .(٣)﴾É>θè=à)ø9$# بل قال ابن عبد البر والقرطبي إنه لا خلاف بين العلماء في أن الوقوف بعرفة راكبا لمن قدر عليه أفضل; لأن النبي كذلك وقف إلى أن دفع منها ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٣والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٤وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٨والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٢٨٤القرافي, الذخيرة ,ج ,٣ص ,٢٥٧والنفراوي ,الفواكه الدواني ,ج ,٢ص.٢٧٤ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٣والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٢٨٤ ) (٣ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص ,٢٧٩والقرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج,٢ ص.٤١٧ وقال هؤلاء :إن لم يقدر على الركوب وقف قائما على رجليه داعيا ما دام يقدر ,ولا حرج عليه في الجلوس إذا لم يقدر على الوقوف).(٢ ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الراجل أفضل من الراكب; لأنه أخف على الراحلة).(٣ ومن أهل العلم من احتمل التسوية بين الأمرين فليس لأحدهما مزية على الآخر ,ومنهم من توقف عن الترجيح).(٤ ومن الفقهاء من جعل ندبية الوقوف راكبا خاصة بالإمام دون غيره; لأنه يدعو ويدعو الناس بدعائه ,ثم إنه إن كان على راحلته كان أبلغ في مشاهدتهم إياه).(٥ ) (١القرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٢ص.٤١٧ ) (٢القرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٢ص.٤١٧ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٨والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٢٨ ) (٤الغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص ,٦٥٧وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٠٨والمرداوي, الإنصاف ,ج ,٤ص.٢٩ ) (٥ابن عابدين ,رد المحتار ,ج ,٢ص.٥٠٦ ولا أدري ما يقصد بعدم الإجزاء ,وإن كان يريد الظاهر وهو عدم إجزاء الوقوف فأمر ضعيف جدا لا أدري ما دليله عليه وحسبه أن النبي وقف راكبا. وفعل النبي الذي فيه وقوفه راكبا جاء من حديث أم الفضل بنت الحارث كما في حديث أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري قال: اختلف ناس عند أم الفضل بنت الحارث −وهي والدة عبد االله بن العباس− في يوم عرفة في صيام رسول االله فقال قائلون هو صائم ,وقال آخرون ليس بصائم. قال أبو سعيد :فأرسلت إليه أم الفضل بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه).(٢ كما ذكر جابر بن عبد االله في حديثه الطويل في صفة حجة النبي أنه  ) (١المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٢٩ ) (٢أخرجه الربيع في كتاب :الحج ,باب :في عرفة والمزدلفة ومنى ) ,(٤٢١وأخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :الوقوف على الدابة في عرفة ) (١٥٧٨من طريق عبد االله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر عن عمير مولى عبد االله بن العباس عن أم الفضل. والحال في زماننا أن الوقوف راكبا على الحال المروي عن النبي أمر به من العسر والمشقة ما يكاد يجعله معدوما ,والوقوف على الرواحل الحديثة كالسيارات لا أراه يختلف من حيث الوقوف عن الوقوف راجلا ومن العسير إلحاقها بهيئة الوقوف على الراحلة التي ثبتت عن النبي . المندوب السابع :الفطر صوم يوم عرفة لغير الحاج أمر شهدت النصوص الشرعية له بعظيم الأجر كما في حديث عبد االله بن معبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول االله سئل عن صوم يوم عرفة فقال :يكفر السنة الماضية والباقية).(١ ولكن الحال للحاج الواقف بصعيد عرفات يختلف فيه بين أهل العلم لما ثبت نصا أن النبي أفطر يوم عرفة كما في حديث أم الفضل بنت الحارث الذي ذكرناه في المندوب السابق. ولم يكن ثمة خلاف أنه قد أفطر يوم وقف بعرفة أخذا بالحديث ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الصيام ,باب :استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس ).(١١٦٢ في ذلك اليوم محتمل أمرين: أولهما :لئلا يشق على أمته ,وثانيهما :ليسن فطره لمن كان حاجا; فإنه أقو￯ له على الدعاء والعبادة ,فيكون ذلك تخصيصا للحاج من عموم الحديث ,ويبقى الفضل لغير الحاج).(١ والفقهاء اختلفوا في حكم صوم عرفة للواقف بها لتعارض عموم الحديث القولي الشاهد بالأجر العظيم لمن صامه مع الحديث الفعلي الذي فيه إفطاره . قال الجماهير من الفقهاء إن الفطر في ذلك اليوم أفضل من الصيام, أطاق الصوم أم لا ,وسواء ضعف به أم لا) ,(٢ونقل إمام الحرمين اتفاق ) (١ابن العربي ,القبس ,ج ,٢ص.٥٧٥ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٩٩والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص,١٧٣ والقرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٢ص ,٤٢٠وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص,٢٠٨ والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٠٦والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٢٨٨والقرافي, الذخيرة ,ج ,٣ص ,٢٥٧والشقصي ,منهج الطالبين ,ج ,٧ص.٢٦١ ومما يدل عليه أن ظاهر الحديث الفعلي الذي فيه إفطار النبي أنه يراد به تقرير أمر كون عرفة من حيث الصيام مخالفة لغيرها إذ الصحابة اختلفوا أهو صائم أو لا ,وإشارة النص تفيد أيوم عرفة على أصل الحديث العام أو أن هذا الحال له حكم مخالف. ومما يدل على السابق أيضا ما رواه إسماعيل بن علية عن ابن أبي نجيح عن أبيه أنه سأل ابن عمر عن صوم يوم عرفة فقال :حججت مع النبي  فلم يصمه ,وحججت مع أبي بكر فلم يصمه ,وحججت مع عمر فلم يصمه ,وحججت مع عثمان فلم يصمه ,وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه).(٢ وقد رو￯ الحديث السابق الحميدي قال :ثنا ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجل أن رجلا سأل ابن عمر عن صيام يوم عرفة فقال ابن عمر: حججت مع رسول االله فلم يصمه ,وحججت مع أبي بكر فلم ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣١٣ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.١٩٥ لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه).(١ قال الشيخ خميس الشقصي: يخرج فيما تناهى إلينا من الآثار أن الإفطار يوم عرفة بعرفة أفضل لما يرجى من الاستظهار بالأكل والشرب على القدرة على الدعاء والتضرع والقيام في ذلك الموقف المأمور فيه في ذلك الموقف ,وأما في غير عرفة فالصوم لها أفضل).(٢ ومن الفقهاء من راعى علة الاستعانة على الذكر فأمر بالإفطار في الصيف والصيام في الشتاء) ,(٣كما رو￯ عبد الرزاق عن ابن جريج قال: سألت عطاء قلت :أتصوم يوم عرفة? قال :أصومه في الشتاء ,ولا أصومه في الصيف).(٤ ) (١الحميدي ,المسند ,ج ,٢ص.٣٠٠ ) (٢الشقصي ,منهج الطالبين ,ج ,٧ص.٢٦٢ ) (٣ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص ,٢٣٥والقرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج,٢ ص.٤٢١ ) (٤عبد الرزاق ,المصنف ,ج ,٤ص.٢٨٤ عن صيامه كما سيأتي تخريجه. ومن الفقهاء من صرح بكراهة الصيام يوم عرفة للحاج ,وفي النفس من الحكم بالكراهة حرج; إذ القول بالكراهة مستلزم دليلا ولا أعلم دليلا ثابتا يفيد السابق ,وإفطار النبي يؤخذ منه ندب الإفطار لمن كان بعرفة ,ولكن ندب الإفطار لا يستلزم كراهة الصيام. وأما ما جاء من حديث حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري ثنا عكرمة قال :كنا عند أبي هريرة في بيته فحدثنا أن رسول االله نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. فالظاهر أنه لا يصح عن النبي لأنه قد رواه ابن أبي شيبة) (٢وأبو داود) (٣وعلته مهدي الهجري الراوي عن عكرمة فإنه غير معروف بعدالة ولا جرح ,بل قال ابن معين حينما سئل عنه :لا أعرفه) ,(٤وقال مثله أحمد بن ) (١القرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٢ص.٤٢١ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.١٩٥ ) (٣كتاب :الصوم ,باب :في صوم عرفة بعرفة ).(٢٤٤٠ ) (٤المزي ,تهذيب الكمال ,ج ,٢٨ص.٥٨٦ وقول الحاكم إثر إخراجه الحديث السابق :هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه) ,(٣مردود للسابق. واستدل بعضهم للنهي عن صوم عرفة بحديث وكيع عن موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر قال :قال رسول االله :يوم عرفة ويوم النحر أيام أكل وشرب).(٤ والحديث من حيث إسناده صحيح غير أن بعضهم أعله في محل الشاهد في لفظة "يوم عرفة" ,قال الحافظ ابن عبد البر: هذا حديث انفرد به موسى بن علي عن أبيه ,وما انفرد به فليس بالقوي, وذكر يوم عرفة في هذا الحديث غير محفوظ ,وإنما المحفوظ عن النبي من وجوه :يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق أيام أكل وشرب. ) (١أحمد بن حنبل ,سؤالات أبي داود ,ص.٥٨٦ ) (٢ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص ,١٨وابن حجر ,التلخيص الحبير ,ج ,٢ص.٢١٣ ) (٣الحاكم ,المستدرك ,ج ,١ص.٦٠٠ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.١٩٦ وأنه جائز صيامه بغير مكة ,ومن كره صومه بعرفة فإنما كرهه من أجل الضعف عن الدعاء والعمل في ذلك الموقف والنصب الله فيه فإن صيامه قادرا على الإتيان بما كلف من العمل بعرفة بغير حرج).(١ وقد أورد الحافظ السخاوي الزيادة السابقة في أمثلة الشذوذ في المتن, وقال: ومثاله في المتن زيادة يوم عرفة في حديث :أيام التشريق أيام أكل وشرب ,فإن الحديث من جميع طرقه بدونها ,وإنما جاء بها موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر).(٢ ورو￯ عبد الرزاق عن عبد االله بن عمر عن نافع أن ابن عمر كان يكره صيام يوم عرفة).(٣ ) (١ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٢١ص.١٦٣ ) (٢السخاوي ,فتح المغيث ,ج ,١ص.١٩٧ ) (٣عبد الرزاق ,المصنف ,ج ,٤ص.٢٨٤ من أعظم وظائف الوقوف بعرفة ذكر االله والثناء عليه طلبا للقربى منه والعتق من نار جهنم ,وهو كما جاء في النص الشرعي أكثر يوم يعتق االله فيه عبادا له من النار ,وإنه يتفضل عليهم بإجابة الدعاء).(١ ثم إن يوم عرفة من أيام عشر ذي الحجة الأولى التي نص الشارع أنها أفضل أيام العمل الصالح وأحبه إلى االله تعالى كما في حديث الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :قال رسول االله :ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى االله من هذه الأيام العشر. قالوا :يا رسول االله ,ولا الجهاد في سبيل االله? قال :ولا الجهاد في سبيل االله ,إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء).(٢ وللمنزلة السابقة كان من الواجب على طالب العلى من الجنة أن يستغل ذلك اليوم وأن يقدر له قدره بل يجعل شرطا على نفسه أن يكون ممن يتفضل االله عليهم فيعتقهم من نار جهنم. ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة ).(١٣٤٨ ) (٢ابن حبان ,صحيح ابن حبان ,ج ,٢ص.٣٠ تورث إلا من كان تقيا من عباد االله ﴿ ?tβ%x. ⎯tΒ $tΡÏŠ$t6Ïã ô⎯ÏΒ ß^Í‘θçΡ ©ÉL©9$# èπ ̈Ζpgø:$# y7ù=Ï ? ,(١)﴾$|‹É)sأما أهل النار فهم من قال االله تعالى فيهم ﴿ ...ã&s!θßTMu‘uρ ©!$# ÄÈ÷ètƒ ∅tΒuρ .(٢)﴾Ñ⎥⎫Îγ•Β ÑU#x‹tã ...ã&s!uρ $yγ‹Ïù #V$Î#≈yz #·‘$tΡ ã&ù#Åzô‰ãƒ ...çνyŠρ߉ãn £‰yètGtƒuρ ومن السابق فلا بد من أن يعمر القلب في ذلك اليوم العظيم بالذكر الله تعالى وصدق الالتجاء إليه ,والاستغفار والتوبة مما ألم به العبد في حياته من معاصي وذنوب عسى أن تغرب شمس ذلك اليوم العظيم طاوية معها ذنوبا سلفت فيمسي العبد ممن كتب له العتق من نار جهنم وأنعم بها من رتبة. ولتحقق المنزلة السابقة كان من الواجب على العبد أن يسعى لجعل دعائه وذكره الله ذاتيا في نفسه غير متعلق بعرض غير إقباله الخالص لربه وإحساسه بعز عبوديته لخالقه ,فيدعو ويتضرع مهما تغيرت عليه الظروف وتبدلت الأحوال إذ إن من يدعوه معه أينما حل وفي الظروف كلها ,وذلك ما يمليه واجب الإخلاص. ) (١سورة :مريم ,الآية ).(٦٣ ) (٢سورة :النساء ,الآية ).(١٤ أو بكاؤه وندمه ببكاء غيره إن فعلوا فعل وإلا أضاع يومه ,فما هكذا يكون الإخلاص ولا هكذا تكون العبادة. وعلى قوام أمر الناس ودعاتهم وأهل العلم والفقه منهم أن يرسخوا المبدأ السابق في قلوب العباد وأن يتعهدوهم بين الفينة والأخر￯ بالحث على الدعاء والاستغفار والذكر ,ولو أعطي الناس من وقت لآخر أدعية وأذكارا مع بيان فضل ما ثبت له فضل منها ليعمروا بها يومهم العظيم لكان حسنا وفيه منفعة لهم وشغل لأوقاتهم. والبكاء في هذا اليوم تعظم منزلته إن صدر من قلب مكلوم أبكته خشية االله ,وأخضعته هيبته ,أما أن يبكي الإنسان لبكاء غيره فما علمت شيئا من نصوص الشارع التفت إليه بفضل بل يخشى على صاحبه الرياء. والبكاء ليس له فضل في ذاته فهو عاطفة لا تعبر عن التقو￯ المراد من الإنسان سلوك سبيلها إذ يشترك فيه البر والفاجر والمسلم والكافر ,وقد يبكي الإنسان لبكاء غيره ولو لم يعرف السبب ,وما مثل هذا ما يلتفت إليه الشارع. والواقع كما توحي بذلك الأدلة الشرعية أن البكاء يكون موضع محمدة حضرة الألوف من الناس ,ويكون قلبه كالحجارة أو أشد قسوة إذا ما خلا بربه مناجيا; إذ الأول ليس لبكائه من سبب إلا حرارة الخشية من ربه تتلهب بها أحشاؤه فيورثه ذلك البكاء. ومحمد وقف يوم عرفة إلى غروب الشمس وما جاء عنه أنه كان يحرص على إبكاء أصحابه بل ولا دعا بهم دعاء جماعيا ,نعم كان يذكر لهم − كما سيأتي −أذكارا يعمرون بها يومهم العظيم ,ويدلهم على فضلها ليكون الانبعاث للعمل من قبلهم ذاتيا ,وخير الهدي هدي محمد . والواقع أن كثيرا من الناس لا ينبعثون للدعاء من تلقاء نفوسهم بل يظلون في لغوهم ولغطهم ونومهم منتظرين من يتقدمهم ليدعو لهم من خيري الدنيا والآخرة ,وتعظم منزلته عندهم حينما يسمعون نشيجه الذي تنفعل له عواطفهم فيبكون لبكائه ,وهم بعدها يقيسون الناس بمقدار بكائهم في دعائهم ,وليس لهذا المقياس حظ من أدلة الكتاب ولا السنة. والواقع السابق مر ينبغي للدعاة وأهل العلم أن يبينوا خطأه وأن الدعاء في هذا اليوم وغيره يجب أن ينبعث الداعي إليه مسوقا بسبب القرب من االله والعتق من النار. وهي خلو من معانيها بل يسعى إلى أن يدعو ويذكر بقلب مستشعر بما يدعو, ولينوع لنفسه خشية الملل والسآمة فتارة يقرأ شيئا من القرآن −وهو أفضل ِّ الأذكار ,−وتارة يستغفر ,وتارة يدعو بحاجاته الدنيوية والأخروية. وإن كان الجلوس مع رفاق الآخرة يعيد للإنسان نشاطه في أداء حق هذا اليوم فليجلس معهم ,ومحصلة الأمر أنه طبيب نفسه وأعلم الناس بما يصلحها فليأتها من الباب المشروع الذي يجر لها خيري الدنيا والآخرة. وقد ثبتت من لسان الشارع في الكتاب والسنة أذكار كثيرة ينبغي أن تكون محط اهتمام الداعي الواقف بعرفة فيحرص عليها إذ هي مجامع الخير, ولشيخنا القدوة إمام السنة والأصول العلامة القنوبي −حفظه االله −كتاب جمع فيه ما ثبت من لسان الشارع من أذكار فحسن أن لا يخلو من رفقته سالك درب الآخرة. والدعاء في هذا اليوم يتأدب فيه بآداب الدعاء العامة ليكون أدعى للقبول وأقرب للإجابة ,وهذه الآداب يرجع إليها في مظانها إذ بابنا المناسك. وقد جاءت نصوص تبين مشروعية الحفاظ على أذكار معينة في هذا اليوم العظيم من أيام االله فنبينها ذاكرين الثابت منها من غير الثابت ,وأول من قبلي لا إله إلا االله وحده لا شريك له ,له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. والحديث جاء مرفوعا إلى النبي من طرق أولها من حديث مسلم بن عمر حدثني عبد االله بن نافع عن حماد بن أبي حميد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال ,وقد أخرجه الترمذي) ,(١وقال إثره معلا إياه: هذا حديث غريب من هذا الوجه ,وحماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد وهو أبو إبراهيم الأنصاري المديني وليس بالقوي عند أهل الحديث اهـ ,وقال الحافظ ابن عبد البر :عبد االله بن عمرو من حديث عمرو بن شعيب وليس دون عمرو من يحتج به فيه).(٢ وجاء الحديث السابق من طريق محمد بن عباس ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ثنا عبيد االله بن موسى ثنا موسى بن عبيدة عن أخيه عبد االله بن عبيدة عن علي بن أبي طالب مرفوعا. وزاد في آخره :اللهم اجعل في قلبي نورا ,وفي سمعي نورا ,وفي بصري ) (١كتاب :الدعوات ,باب :في دعاء يوم عرفة ).(٣٥٨٥ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٦ص.٣٩ الصدر ,وشتات الأمر ,وفتنة القبر. اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار ,وشر ما تهب به الرياح ,ومن شر بوائق الدهر. وقد أخرجه البيهقي وأعله عقبه بقوله: تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف ,ولم يدرك أخوه عليا رضي االله عنه) ,(١وأعله ابن عبد البر فقال :حديث علي يدور على دينار أبي عمرو عن ابن الحنفية وليس دينار ممن يحتج به).(٢ وجاء الحديث السابق مرسلا من حديث مالك عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش عن طلحة بن عبيد االله بن كريز أن رسول االله قال. وقد رواه الإمام مالك في الموطأ) ,(٣وعنه عبد الرزاق) (٤والبيهقي),(٥ وأعله بعده بقوله: ) (١البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١١٧ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٦ص.٣٩ ) (٣مالك بن أنس ,الموطأ ,ج ,١ص.٢١٤ ) (٤عبد الرزاق ,المصنف ,ج ,٤ص.٣٧٨ ) (٥البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١١٧ وأعله في الدعوات بقوله بعد روايته :وهذا منقطع ,وقد روي من حديث مالك بإسناد آخر موصولا وهو ضعيف ,والمرسل هو المحفوظ).(١ وقال ابن عبد البر :لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما رأيت ,ولا أحفظه بهذا الإسناد مسندا من وجه يحتج بمثله).(٢ ورو￯ ابن أبي شيبة قال :حدثنا جرير عن منصور عن هلال عن أبي شعبة قال :كنت بجنب ابن عمر بعرفة وإن ركبتي لتمس ركبته أو فخذي يمس فخذه فما سمعته يزيد على هؤلاء الكلمات: لا إله إلا االله وحده لا شريك له ,له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير حتى أفاض من عرفة إلى جمع).(٣ ومما جاء أن النبي كان يقوله حديث بقية بن الوليد حدثني جبير بن عمرو عن أبي سعد الأنصاري عن أبي يحيى مولى آل الزبير بن العوام عن الزبير بن العوام قال: ) (١البيهقي ,الدعوات الكبير ,ج ,٢ص.٢٤٦ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٦ص.٣٩ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٨١ ﴾ÞΟŠÅ6y⇔ø9$# Ⓝ͖yêø9$# uθèδ ωÎ) tμ≈s9Î) Iω 4 ÅÝó¡É)ø9$$Î/ $JθÍ←!$s% ÉΟù=Ïèø9$# (#θä9'ρé&uρ èπs3Í× ̄≈n=yθø9$#uρ uθèδوأنا على ذلك من الشاهدين يا رب. والحديث أخرجه أحمد) ,(١ولا يصح إذ إن جبير بن عمرو لم أجد له توثيقا ولا جرحا ,بل قال الحافظ ابن حجر :لا يدر￯ من هو).(٢ والراوي عنه أبو سعد وأبو يحيى كلهم مجاهيل فلا يثبت الحديث ,وقد أعله بالمجاهيل في إسناده الهيثمي).(٣ ومما جاء من الأذكار يوم عرفة حديث إسماعيل بن أمية عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال :كان مما دعا به النبي عشية عرفة: اللهم إنك تر￯ مكاني ,وتسمع كلامي ,وتعلم سري وعلانيتي ,لا يخفى عليك شيء من أمري ,أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه ,أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال ) (١أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,١ص.١٦٦ ) (٢ابن حجر ,تعجيل المنفعة ,ج ,١ص.٦٧ ) (٣الهيثمي ,مجمع الزوائد ,ج ,٦ص.٣٢٥ وأدعوك دعاء الخائف الضرير ,من خضعت لك رقبته ,وذل جسده, ورغم أنفه ,اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا ,وكن بي رؤوفا رحيما ,يا خير المسؤولين ,ويا خير المعطين. أخرجه الطبراني في الصغير) (١والكبير) ,(٢وقال إثره في الصغير: لم يروه عن عطاء إلا إسماعيل ,ولا عنه إلا يحيى تفرد به ابن بكير بدون المشفق ,وفيه كما هو هنا يحيى بن صالح الأبلي ,قال العقيلي رو￯ عنه يحيى بن بكير مناكير. وقال ابن الجوزي :هذا حديث لا يصح ,قال الدارقطني :كان إسماعيل بن أمية يضع الحديث).(٣ كما جاء من الروايات حديث محمد بن عبد االله بن عبد الحكم ثنا سعيد بن بشير القرشي حدثني عبد االله بن حكيم الكناني من أهل اليمن من ) (١الطبراني ,المعجم الصغير ,ج ,٢ص.١٥ ) (٢الطبراني ,المعجم الكبير ,ج ,١١ص.١٧٤ ) (٣ابن الجوزي ,العلل المتناهية ,ج ,٢ص.٨٤٤ أبصرت عيناي حبي رسول االله واقفا بعرفات على ناقة له حمراء قصواء وتحته قطيفة قولانية وهو يقول :اللهم اجعله حجا غير رياء ولا هباء ولا سمعة. أخرجه ابن خزيمة وعلق القول به على صحة الخبر) ,(١وفي إسناده سعيد بن بشير قال عنه العقيلي بعدما أورده في الضعفاء :لا يتابع على حديثه),(٢ وقال ابن أبي حاتم :سألت أبي عنه فقال :شيخ مجهول ,وعبد االله بن حكيم مجهول لا نعرف واحدا منهما).(٣ وقال الذهبي :سعيد بن بشير القرشي عن عبد االله بن حكيم الكناني, مجهول وكذا شيخه) ,(٤ثم أورد له الحديث السابق ليكون من منكراته. ومما جاء أيضا حديث محمد بن حاتم المؤدب حدثنا علي بن ثابت حدثني قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن علي ) (١ابن خزيمة ,صحيح ابن خزيمة ,ج ,٤ص.٢٦٢ ) (٢العقيلي ,الضعفاء ,ج ,٢ص.١٠١ ) (٣ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٤ص.٨ ) (٤الذهبي ,ميزان الاعتدال ,ج ,٣ص.١٩٢ اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول ,اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ,وإليك مآبي ولك رب تراثي ,اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر ,اللهم إني أعوذ بك من شر ما يجيء به الريح. والحديث أخرجه الترمذي وتعقبه بقوله :هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي) ,(١وضعفه النووي).(٢ ومن الأذكار التي كان يأتي بها النبي التلبية كما يفيد ذلك حديث علي بن صالح عن ميسرة عن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: كنا مع ابن عباس بعرفات فقال :مالي لا أسمع الناس يلبون فقلت: يخافون من معاوية فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال :لبيك اللهم لبيك, ) (١كتاب :الدعوات ).(٣٥٢٠ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٠٩ ومما استحبه بعض الفقهاء من الأذكار قراءة سورة الحشر; لأنه روي ذلك عن الإمام علي بن أبي طالب) ,(٢ومن الفقهاء من استحب قراءة الإخلاص ألف مرة لحديث ابن عباس مرفوعا :من قرأ قل هو االله أحد ألف مرة يوم عرفة أعطي ما سأل) ,(٣ولم أجد هذا الحديث مسندا. المندوب التاسع :أن لا يستظل بل يبرز للشمس إلا للعذر بأن يتضرر أو ينقص دعاؤه أو اجتهاده في الأذكار).(٤ وقيل به لحديث روي أن النبي رأ￯ يوم عرفة رجلا يطلب الفيافي, فقال :اضح لمن أحرمت له أي اخرج إلى الشمس ,.والنبي لم ينقل عنه أنه استظل بعرفات مع الحديث السابق في البروز للشمس وإظهار النفس لها).(٥ ) (١أخرجه النسائي في كتاب :مناسك الحج ,باب :التلبية بعرفة ).(٣٠٠٦ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٣والشربيني ,مغني المحتاج ,ج ,١ص.٤٩٧ ) (٣الشربيني ,مغني المحتاج ,ج ,١ص.٤٩٧ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٣والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١١٠ ) (٥النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١١٠ هذا الكتاب ,والإيرادات التي وجهت إليه وأنه ضعيف لا يصح ,وقال ابن العربي بعد ذكر حديث "أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل االله": وهذا يدل على فضل الظل على الضحاء ,وأنه ليس من العبادة التضحي وترك التظلل ,كما أنه ليس من العبادة أن يكون الفسطاط خشنا بل إن قدر عليه من أدم فهو أحسن ,فليس على الأرض أزهد من نبينا وكان له خباء من أدم ,واستظل ولم يضح).(١ المندوب العاشر :استحب بعض أهل العلم للأنثى والخنثى الوقوف في حاشية الموقف ما لم يخشيا ضررا) ,(٢ومنهم من صرح باستحباب قعودها لأنه أستر لها).(٣ وهذا المندوب ليس خاصا بعرفة بل هو حكم عام في المواضع كلها إذ لا يحل اختلاط الأجانب من الجنسين ,ويقال بالسابق أن لو كان القعود أو الوقوف في حاشية المطاف متعينا معه البروز للرجال أو الاختلاط بهم. أما إن لم يكن شيء من ذلك بأن فصلت النساء في موقف ليس به شيء ) (١ابن العربي ,عارضة الأحوذي ,ج ,٢ص.٣١٥ ) (٢الدمياطي ,إعانة الطالبين ,ج ,٢ص ,٢٨٨والشربيني ,مغني المحتاج ,ج ,١ص.٤٩٦ ) (٣الهيتمي ,الحاشية على الإيضاح ,ص.٣٢٥ معلوم أن زمان الوقوف بعرفة اتفاقا هو اليوم التاسع من ذي الحجة, ولا يسع الناس إلا الوقوف فيه ,غير أنه قد يطرأ من الأمور ما يجعل وقوف الناس في غير موعده المتقرر كأنُيثبت الهلال بشهادة كاذبة فيتقدم يوما ,أو يتأخر من تقوم الحجة برؤيته إلى أن يقف الناس بعد يوم التاسع لإكمالهم عدة ذي الحجة ثلاثين يوما. وللفقهاء كلام في القضية السابقة نذكره بتفاصيله ,فنقول ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه إن كان الوقوف ثم تبين للناس خطؤه وأنه صادف اليوم العاشر فإنه يقع وقوفهم موقعه ,بل حكي على ذلك الإجماع).(١ قالوا :وعلة السابق أنهم لو كلفوا القضاء لم يأمنوا وقوع مثله في القضاء. ثم إن أقاموا لاقوا عسرا ,وإن انقلبوا وآبوا تضاعفت المشقات ,وليس ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٤والرملي ,نهاية المحتاج ,ج ,٣ص,٢٩٩ والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص ,٣٨والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٥ كما استدل آخرون على الصحة بحديث أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا عوام عن السفاح بن مطر عن عبد العزيز بن عبد االله بن خالد بن أسيد أن النبي قال :يوم عرفة اليوم الذي يعرف فيه الناس. والحديث أخرجه أبو داود في المراسيل) ,(٣وقال البيهقي :مرسل جيد),(٤ والسفاح بن مطر هو الشيباني لم أجد من وثقه إلا إيراد ابن حبان إياه في الثقات).(٥ وعلى السابق يكون وقوفهم في العاشر أداء لا قضاء; لأنه لا يدخله القضاء أصلا ,وقد قالوا ليس يوم الفطر أول شوال مطلقا بل يوم يفطر الناس ,وكذا يوم النحر يوم يضحي الناس ,ويوم عرفة اليوم الذي يظهر لهم أنه يوم عرفة سواء التاسع والعاشر لحديث "الفطر يوم يفطر الناس, ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٤والغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص.٦٥٩ ) (٢الرملي ,نهاية المحتاج ,ج ,٣ص.٢٩٩ ) (٣أبو داود ,المراسيل ,ص.١٥٣ ) (٤البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١٧٦ ) (٥ابن حبان ,الثقات ,ج ,٦ص.٤٣٥ واختلفوا هل الحكم السابق يشمل الحادي عشر كما شمل العاشر ,فقيل إنه ليس كمثله فلا يجزيهم وقوفهم; إذ هو نادر الوقوع ,وقيل بالإجزاء كالعاشر; لأنه من تتمته).(١ أما إن كان الخطأ بتقديم الوقوف في اليوم الثامن فله حالان: أولهما أن يتنبهوا لذلك في التاسع قبل انقضائه أي قبل فوات وقت الوقوف ,فهؤلاء ملزمون بإعادة الوقوف ليقع في زمانه المقرر شرعا ,ولو كان ليلا على ما مضى ذكره أن الليل وقت للوقوف أيضا على ما يفيده ظاهر السنة. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لو اشتبه على الناس هلال ذي الحجة فوقفوا بعرفة بعد أن أكملوا عدة ذي القعدة ثلاثين يوما ثم شهد الشهود أنهم رأوا الهلال يوم كذا ,وتبين أن ذلك اليوم كان يوم النحر فوقوفهم صحيح وحجتهم تامة استحسانا وإن كان القياس أن لا يصح. وجه القياس أنهم وقفوا في غير وقت الوقوف فلا يجوز كما لو تبين أنهم ) (١الرملي ,نهاية المحتاج ,ج ,٣ص.٢٩٩ ووجه الاستحسان حديث "صومكم يوم تصومون ,وأضحاكم يوم تضحون ,وعرفتكم يوم تعرفون" فقد جعل النبي وقت الوقوف أو الحج وقت تقف أو تحج فيه الناس).(١ ثانيهما :إن لم يتنبهوا إلا بعد التاسع فاختلف في شأنهم ,فذهب بعض أهل العلم إلى أن وقوفهم يقع موقعه الشرعي كالغلط في التأخير الذي ذكرناه سابقا. قال العلامة ابن جعفر: سئل أبو معاوية عن أهل مكة إذا غلطوا وكانت عرفتهم يوم التروية ,أو كانت عرفتهم يوم الأضحى أيكون حجهم تاما? قال :سمعنا أن حجهم تام ,ولكل قوم هلالهم).(٢ ومن الفقهاء −ونسب إلى الأكثرين −من قال إن وقوفهم لا يقع موقعه, وفرق هؤلاء بين التأخير فأجازوه والتقديم فلم يجيزوه لأمور: ) (١الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٢٦ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٥٨ شهرين ,ووضع الشرع يقتضي الفرق بينهما ,ثانيها :تأخير العبادة عن الوقت أقرب إلى الاحتساب من تقديمها على الوقت. ثالثها :الغلط بالتقديم يمكن الاحتراز عنه ,فإنه إنما يقع الغلط في الحساب أو الخلل في الشهود الذي شهدوا بتقديم الهلال ,والغلط بالتأخير قد يكون للتغيم المانع من رؤية الهلال ,ومثل ذلك لا يمكن الاحتراز عنه).(١ أما شهادة الشهود فيقال فيها بأحد أمرين: أولهما :هذه شهادة قامت على النفي وهي نفي جواز الحج ,والشهادة على النفي باطلة. ثانيهما :أن شهادتهم جائزة مقبولة والوقوف جائز أيضا; لأن هذا النوع من الاشتباه مما يغلب ولا يمكن التحرز عنه فلو لم يحكم بالجواز لوقع الناس في الحرج بخلاف ما إذا تبين أن ذلك اليوم كان يوم التروية; لأن ذلك نادر غاية الندرة فكان ملحقا بالعدم. ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٥والغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص ,٦٥٩والرافعي, العزيز ,ج ,٣ص ,٤٢٠والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩٥ إكمال العدة إذا لم ير الهلال فعذروا في الخطأ بخلاف التقديم فإنه خطأ غير مبني على دليل رأسا فلم يعذروا فيه. نظيره إذا اشتبهت القبلة فتحر￯ وصلى إلى جهة ثم تبين أنه أخطأ جهة القبلة جازت صلاته ولو لم يتحر وصلى ثم تبين أنه أخطأ لم يجز لما قلنا كذا هذا).(١ ورتب بعض الفقهاء على السابق أنه إن اشتبه على الناس فوقف الإمام والناس يوم النحر ,وقد كان من رأ￯ الهلال وقف يوم عرفة لم يجزه وقوفه, وكان عليه أن يعيد الوقوف مع الإمام; لأن يوم النحر صار يوم الحج في حق الجماعة ,ووقت الوقوف لا يجوز أن يختلف فلا يعتد بما فعله بانفراده. وكذا إذا أخر الإمام الوقوف لمعنى يسوغ فيه الاجتهاد لم يجز وقوف من وقف قبله ,كما لو شهد شاهدان عند الإمام بهلال ذي الحجة فرد شهادتهما; لأنه لا علة بالسماء فوقف بشهادتهما قوم قبل الإمام لم يجز وقوفهم; لأن ) (١الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٢٦ بالاشتباه).(١ وفي بيان الشرع: ومن رأ￯ هلال ذي الحجة وحده ولم يخرج الأمير ولا الناس لذلك الوقت فإنه ينبغي لهذا الرجل أن يتهم نفسه ويكون مع الناس; فإن الأضحى والفطر بلغني لكل قوم رؤيتهم وأضحاهم يوم يضحون ,وفطرهم يوم يفطرون).(٢ قال الدمياطي :وإن وقفوا بعد التبين كما إذا ثبت الهلال ليلة العاشر ولم يتمكن من الوقوف فيها لبعد المسافة وإليه حينئذ تنتقل أحكام التاسع كلها فلا يعتد بوقوفهم قبل الزوال ,ولا يصح رمي جمرة العقبة إلا بعد نصف ليلة الحادي عشر والوقوف ,وهكذا جميع الأحكام).(٣ ومن الفقهاء من قال إن الشهود متعبدون برؤيتهم ,فيقف في اليوم الذي ) (١الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٢٦ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٨٣ ) (٣الدمياطي ,إعانة الطالبين ,ج ,٢ص.٢٨٨ والأمور السابقة كلها جائزة الحدوث في زمن كتابتها والحكم فيها ما ذكر سابقا من تفصيل للفقهاء ,وقد امتن االله تعالى لعباده ببلوغ علم الفلك مبلغا عظيما ,وعليه فيعتمد في قبول شهادة الشهود وردها على إمكان الرؤية وعدمها. فإن كان علم الفلك يقضي باستحالة الرؤية لمقدماته اليقينية فترد حينها شهادة الشهود إذ إنه يقطع بعدم مطابقتها للواقع ,أما إن أثبت علم الفلك جواز الرؤية فينظر حينها إلى شهادة الشهود فإن شهد شهود بالرؤية والقرائن لا تنفي صدق شهادتهم قبلت وأثبت الهلال ,ولكن إن لم يشهد أحد بالرؤية مع جوازها في علم الفلك فلا يقال بثبوت الهلال لأن الشارع علق دخول الشهر برؤية الهلال).(٢ وليس في السابق معارضة للسنة ولا تقديم لكلام المنجمين على الشرع –كما يتوهم البعض ;−لأن السنة نصت على الصوم برؤية الهلال والإفطار برؤيته ,وباقي الأشهر كشهر رمضان كما حكي الإجماع عليه. ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٨١ ) (٢بيوض ,الفتاو￯ ,ص.٢٦١ الشاهد إنما هي شرط من الشروط التي تراعى لقبول الشهادة وليست هي الشرط الأوحد ,بل من الشروط كون الشهادة مصدقة من قبل الواقع ,أما إن كان الواقع يكذبها فلا تقبل ولو جاء بها عدلان بلغا أتم منازل العدالة; إذ بمنابذة الواقع لها يتبين أنها ما كانت إلا نتيجة وهم ممن أداها. على أن من المحرر في علم أصول الحديث أن الرواية –ولو كانت من طريق العدول −ترد إن كانت مخالفة يكذبها الواقع ,قال السيوطي في ألفية الحديث: احكم بوضـع خـبر إن يـنجليوقال بعـض العلـماء الكمـل عارضــه أو نــاقض الأصــولاقــد بــاين المعقــول والمنقــولا وقد رد العلماء خبر شريك بن عبد االله القاضي عند مسلم حينما ذكر أن الإسراء بالنبي كان قبل أن ينبأ ,والواقع خلافه ,كما رد أهل العلم خبر أبي سفيان بعد إسلامه حينما طلب من النبي أن يتزوج ابنته حبيبة ,والمعلوم أن النبي تزوجها من قبل ,إلى آخر الأمثلة الكثيرة التي ما كان رد حديث الثقات فيها إلا أن الحديث معارض للواقع والثابت).(١ ) (١شيخنا القنوبي ,الطوفان ,ج ,٣وسلطان العكايلة ,نقد الحديث بالعرض على الوقائع العلل والشروح ,وكتب السيرة المعنية بتحقيق الأحاديث يظهر له السابق, فهل يقال بأن هؤلاء القوم رادون للحديث الصحيح? وعلم الفلك بلغ شأوا عظيما جدا في دقته فكم حدد حوادث من كسوف أو خسوف أو أخبار مذنبات وكواكب قبل سنين من حدوثها بالثانية الواحدة ووقعت كما قال ,والأمر السابق مسلم به لا يجادل فيه أحد. وعليه فيقال بالقاعدة السابقة وهي رد الشهادة إن دل علم الفلك أن الرؤية غير ممكنة ,وقبولها إن دل علم الفلك على إمكانها ,واستكملت الشهادة الأمور الأخر￯ لقبولها. وقد حرر السابق بعض أئمة الفقه من المسلمين ,فقد قال العلامة السبكي )ت ٧٥٦هـ(: وههنا صورة أخر￯ وهو أن يدل الحساب على عدم إمكان رؤيته ويدرك ذلك بمقدمات قطعية ويكون في غاية القرب من الشمس ففي هذه الحالة لا يمكن فرض رؤيتنا له حسا; لأنه يستحيل. فلو أخبرنا به مخبر واحد أو أكثر ممن يحتمل خبره الكذب أو الغلط والمعلومات التاريخية ,ص.٩٥ شاهدان لم تقبل شهادتهما; لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان والظن لا يعارض القطع فضلا عن أن يقدم عليه. والبينة شرطها أن يكون ما شهدت به ممكنا حسا وعقلا وشرعا ,فإذا فرض دلالة الحساب قطعا على عدم الإمكان استحال القبول شرعا لاستحالة المشهود به ,والشرع لا يأتي بالمستحيلات ,ولم يأت لنا نص من الشرع أن كل شاهدين تقبل شهادتهما سواء كان المشهود به صحيحا أو باطلا. ولا يترتب وجوب الصوم وأحكام الشهر على مجرد الخبر أو الشهادة حتى إنا نقول العمدة قول الشارع صوموا إذا أخبركم مخبر فإنه لو ورد ذلك قبلناه على الرأس والعين لكن ذلك لم يأت قط في الشرع بل وجب علينا التبين في قبول الخبر حتى نعلم حقيقتهَّأولا ً. ولا شك أن بعض من يشهد بالهلال قد لا يراه ويشتبه عليه أو ير￯ ما يظنه هلالا وليس بهلال ,أو تريه عينه ما لم ير أو يؤدي الشهادة بعد أيام ويحصل الغلط في الليلة التي رأ￯ فيها ,أو يكون جهله عظيما يحمله على أن ) (١كذا في الأصل ,ولعل الأصوب :عدم قبول. فيتخذ ذلك وسيلة إلى أن يزكى ويصير مقبولا عند الحكام. وكل هذه الأنواع قد رأيناها وسمعناها فيجب على الحاكم إذا جرب مثل ذلك وعرف من نفسه أو بخبر من يثق به أن دلالة الحساب على عدم إمكان الرؤية أن لا يقبل هذه الشهادة ولا يثبت بها ولا يحكم بها ويستصحب الأصل في بقاء الشهر فإنه دليل شرعي محقق حتى يتحقق خلافه. ولا نقول الشرع ألغى قول الحساب مطلقا والفقهاء قالوا لا يعتمد فإن ذلك إنما قالوه في عكس هذا ,وهذه المسألة المتقدمة التي حكينا فيها الخلاف أما هذه المسألة فلا ولم أجد في هذه نقلا ولا وجه فيها للاحتمال غير ما ذكرته).(١ وقال في موضع آخر :واعلم أنه ليس مرادنا بالقطع ههنا الذي يحصل بالبرهان الذي مقدماته كلها عقلية; فإن الحال هنا ليس كذلك ,وإنما هو مبني على أرصاد وتجارب طويلة وتسيير منازل الشمس والقمر ومعرفة حصول الضوء الذي فيه بحيث يتمكن الناس من رؤيته. والناس يختلفون في حدة البصر فتارة يحصل القطع إما بإمكان الرؤية ) (١السبكي ,الفتاو￯ ,ج ,١ص.٢٠٩ نقطع في بعض الأجرام البعيدة عنا بأنا لا نراها ولا يمكنا رؤيتها في العادة وإن كان في الإمكان العقلي ذلك. ولكن يكون ذلك خارقا للعادة وقد يقع معجزة لنبي أو كرامة لولي أما غيرهما فلا ,فلو أخبرنا مخبر أنه رأ￯ شخصا بعيدا عنه في مسافة يوم مثلا وسمعه يقر بحق وشهد عليه به لم يقبل خبره ولا شهادته بذلك ولا نرتب عليها حكما وإن كان ذلك ممكنا في العقل لكنه مستحيل في العادة. فكذلك إذا شهد عندنا اثنان أو أكثر ممن يجوز كذبهما أو غلطهما برؤية الهلال وقد دل حساب تسيير منازل القمر على عدم إمكان رؤيته في ذلك الذي قالا إنهما رأياه فيه ترد شهادتهما; لأن الإمكان شرط في المشهور به وتجويز الكذب والغلط على الشاهدين المذكورين أولى من تجويز انخرام العادة ,فالمستحيل العادي والمستحيل العقلي لا يقبل الإقرار به ولا الشهادة فكذلك المستحيل العادي. وحق على القاضي التيقظ لذلك وأن لا يتسرع إلى قبول الشاهدين حتى يفحص عن حال ما شهدا به من الإمكان وعدمه ,ومراتب الإمكان فيه, وهل بصرهما يقتضي ذلك أو لا ,وهل هما ممن يشتبه عليهما أو لا ,فإذا تبين له غرض لهما وهما عدلان ذلك بسبب أو لا فيتوقف أو يرد. ولو كان كل ما يشهد به شاهدان يثبته القاضي لكان كل أحد يدرك حقيقة القضاء لكن لا بد من نظر لأجله جعل القاضي فإذا قال القاضي ثبت عندي علمنا أنه استوفى هذه الأحوال كلها وتكاملت شروطها عنده. فلذلك ينبغي للقاضي التثبت وعدم التسرع مظنة الغلط ولهذا إن الشاهد المتسرع إلى أداء الشهادة ترد شهادته ومن عرف منه التسرع في ذلك لم تقبل شهادته فيه).(١ والسابق واضح في تقريره ,جلي في بيانه ,ومن العجب الذي لا ينقضي أن تثبت عبادة يؤمها الملايين من المسلمين بشهادة شهود نص الفلكيون المسلمون على استحالة مقتضاها وهو الرؤية حين رأ￯ الرائي الذي شهد بها, بل في بعض الأحيان يكون الهلال غير مولود رأسا ,أو قد غرب قبل الشمس بدقائق ويأتينا شاهدان بأنهما رأياه ويؤخذ بشهادتهما ويقال إننا نطبق سنة النبي . وقد قال الفقهاء قديما إن من موانع الشهادة قرابة الولادة والزوجية وأن ) (١السبكي ,الفتاو￯ ,ج ,١ص.٢١٠ رد هذه الشهادات منابذ للسنة? والواقع أن الرد ما كان إلا لمظنة الكذب مع احتمال الصدق. وعلم الفلك وحساباته قطعية لا ينكرها في هذا الزمان الذي أطبق الناس مسلمهم وكافرهم على الاعتداد بحساباته الدقيقة ,فمن باب الأولى أن لا تقبل شهادة الشاهد إنُك ِّذبت فلكا ,والمأمول ممن بيدهم سلطة إهلال الهلال في منطقة العراص المطهرة أن يرجعوا البصر كرتين فالعبادة شاملة للمسلمين كلهم. ) (١البهوتي ,كشاف القناع ,ج ,٦ص.٤٢٧ @ @ @ @Š‘bÈÛa@âìîÛa@ÞbàÇc@ZåßbrÛa@Ý–ÐÛa @ @òÐÛ...Œß@ÞbàÇc@ZÞëþa@szj1⁄2a @ @òjÔÈÛa@ñŠo@ï߉@ZïãbrÛa@szj1⁄2a @ @ð†a@Š−@ZsÛbrÛa@szj1⁄2a @ @òTMbÏ⁄a@Òaì@ZÉiaŠÛa@szj1⁄2a @ @Š‘bÈÛa@âìîÛa@ÞbàÇc@ ́i@kîmÛa@áØy@Zßb ̈a@szj1⁄2a المطلب الأول :الطريق إلى مزدلفة ذكرنا في الفصل السابق أعمال عرفة وخلاف العلماء في وجوب الاستمرار في الوقوف إلى حين غروب الشمس ,غير أنا بينا أنه مع الخلاف السابق الجميع متفقون أن مجمع الخير والفضل في اقتفاء هدي النبوة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. ومن المتفق عليه بين الرواة أنه ما أفاض من عرفات إلا حينما توارت الشمس بالحجاب وغابت ,والناس قد أفاضوا معه حينها ,وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يصح أن يفيض الناس قبل إفاضة أمير الحج أخذا من الفعل السابق ,بل منهم من بالغ في التشديد حتى ألزم المفيض قبل الإمام دما).(١ ومن السابق حديث وكيع عن إسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى قال: ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٢والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص ,٢٦١وابن مفلح, المبدع ,ج ,٣ص.٢٣٥ كما رواه ابن أبي شيبة أيضا في الموضع المذكور من طريق حفص عن أشعث عن الحسن قال :إذا أفاض قبل الإمام فعليه دم. وبين بعض أهل العلم أن الإمام لو أبطأ في دفعه من عرفة إلى وقت يبعد َّ عما دفع عليه النبي لشرع للمأمومين الدفع بعد الغروب; لأنه لا موافقة في مخالفة السنة ,ومن مكث بعد الغروب وبعد دفع الإمام وإن كان قليلا لخوف الزحام فلا بأس به ,وإن كان كثيرا كان مسيئا لمخالفة السنة).(٢ ولا أظن الإساءة المذكورة تبلغ حد التأثيم إذ لا دليل يفيد ذلك سو￯ الفعل السابق ,وأما ما جاء مرفوعا وفيه النهي عن الإفاضة قبل الإمام فلا يثبت; إذ إنه رواه المقدام نا عبد االله بن يوسف وعثمان بن صالح قالا :ثنا ابن لهيعة عن محمد بن المنكدر عن جابر أن رسول االله قال :لا تدفعوا يوم عرفة حتى يدفع الإمام. والحديث أخرجه الطبراني وقال عقبه :لم يرو هذا الحديث عن محمد بن ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٩١ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٨٦وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٦ وابن لهيعة ضعيف لا يصح حديثه كما ذكرنا ذلك من قبل. ورو￯ ابن حزم من طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي نا ابن أبي نافع عن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه أن رسول االله قال :لا تدفعوا من عرفة ومزدلفة حتى يدفع الإمام ,وتعقبه بقوله :وهذا لا شيء لوجوه :أحدها أنه مرسل ,والثاني أن فيه ثلاثة ضعفاء في نسق).(٢ ومع الحكم السابق وهو التزام حركة أمير الحج في الإفاضة من عرفات إلى مزدلفة إلا أن الحال الآن لا يتقيد فيه بالقيد السابق; فالأعداد الكبيرة من الحجاج الآن لا يكادون يصدرون في أمورهم عن إمرة واحدة بل أظن الدهماء منهم لا يعرفون أن ثمة أميرا للحج وقائدا فيتحركون من تلقاء أنفسهم. نعم ممكن أن تحقق السنة السابقة برؤساء بعثات حج مختلف الدول الإسلامية وجاليات الأقليات الإسلامية على افتراض أنهم ممن يهمهم أن يأتوا المناسك على وجهها الشرعي وذلك لا يكون إلا فيمن تحققت فيه ) (١الطبراني ,المعجم الأوسط ,ج ,٩ص.٣٢ ) (٢ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص.١٢٣ وعندها يقال بالسنة السابقة فلا يخرج أحد من عرفة إلى مزدلفة قبل خروج أميره. وللسابق فوائد جمة لعل من أقلها ضبط الفوضى التي تثيرها الآراء المرتجلة من قبل الأفراد ,كما أن في التقيد بفعل من أسلفنا ذكر أوصافه ضمانا لالتزام الناس بالهدي الشرعي في أداء هذه العبادة. والنبي كان يسير في دفعه من عرفات إلى مزدلفة بكل سكينة وطمأنينة ووقار من غير عجلة ولا سعي ,والصحابة معه يبين لهم ويرشدهم إليها ,لذا فإن من المستحب الاقتداء به والدفع بسكينة لكيلا يتأذ￯ البعض بمصادمة البعض فإن وجد بعضهم فرجة أسرع).(١ وقد جاء الإرشاد إلى الأمور السابقة في غير حديث عنه ومن ذلك حديث أبي عبيدة عن جابر بن زيد قال :سئل أسامة بن زيد كيف كان رسول االله يسير في حجة الوداع حين دفع? قال :كان يسير العنق ,فإذا وجد فرجة نص).(٢ ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٥والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤١٤ ) (٢أخرجه الربيع في كتاب :الحج ,باب :في عرفة والمزدلفة ومنى ).(٤٢٣ فتحريك الدابة حتى تستخرج أقصى ما عندها).(١ ومن السابق يظهر أن الأصل الإسراع في المشي ولكنه كان يمتنع عنه لأجل دفع مفسدة الزحام وخشية أن يؤذي أحدا ,وحينما تزول المفسدة يرجع إلى الأصل وهو الإسراع. وقد علل بعض أهل العلم الإسراع السابق بكونه استعجالا لإدراك وقت الصلاة; إذ المغرب مؤخرة مع دخول وقتها ,فيكون في الفعل السابق مصلحتان الوقار والسكينة عند الزحمة ,والإسراع عند عدمها لأجل الصلاة).(٢ ووصف جابر بن عبد االله سيره فقال: فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ,وأردف أسامة خلفه ودفع رسول االله وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: ) (١السالمي ,شرح الجامع الصحيح ,ج ,٢ص.٢٣٣ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٢٢ص ,٢٠٢والسالمي ,شرح الجامع الصحيح ,ج,٢ ص.٢٣٣ حتى تصعد حتى أتى المزدلفة).(١ وجاء ما يفيد علة أمره بالسكينة كما في حديث سعيد بن جبير حدثني ابن عباس أنه دفع مع النبي يوم عرفة فسمع النبي وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل فأشار بسوطه إليهم وقال :أيها الناس عليكم بالسكينة; فإن البر ليس بالإيضاع).(٢ والإيضاع هو الإسراع كما فسره البخاري بعد إخراج الحديث. قال الخطابي :وفي هذا بيان أن السكينة والتؤدة المأمور بها إنما هي من أجل الرفق بالناس لئلا يتصادموا ,فإذا لم يكن زحام وكان في الموضع سعة سار كيف شاء).(٣ وبين بعض أهل العلم أن تعجيل الدفع من عرفة إنما هو لضيق الوقت; لأنهم إنما يدفعون من عرفة إلى المزدلفة عند سقوط الشمس ,وبين عرفة ) (١أخرجه مسلم ,في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :أمر النبي بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط ).(١٥٨٧ ) (٣الخطابي ,معالم السنن ,ج ,٢ص.٣٢٤ وتلك سنتها فتعجلوا في السير لاستعجال الصلاة).(١ وجلي من النصوص السابقة أن النبي كان في إفاضته من مزدلفة راكبا ,ومع ذلك استحب بعض أهل العلم الإفاضة مشيا لعلة أن ذلك أفضل وأقرب إلى توقير الحرم).(٢ ولا تظهر العلة السابقة بل لو كان ذلك صحيحا لكان النبي وصحبه معه وبعده أولى بتوقير الحرم وتعظيمه ,وما دفعوا إلا راكبين ,فلو كان ثمة تفاضل بين الأمرين لقيل إن أفضلهما الركوب لفعل النبي وصحبه ,وإن قيل إنه لا تفاضل بين الأمرين إلا بما يقترن بهما من أحوال قد يختلف فيها زيد وعمرو من الناس لكان حسنا. والناظر إلى ليلة الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة يجد أن أكثر إصابات الناس بالأمراض تكون من جرائها وما يتبعها من أعمال اليوم العاشر ,إذ الطريق بها من عوادم السيارات أمر عجب يودي بالصحة ويسبب إرهاقا ) (١العيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٧ ) (٢الجيطالي ,قناطر الخيرات ,ج ,٢ص ,٨١وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص,٣٦٦ وابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٣ص.١٥٩٨ ثم إن المسافة بين عرفة والمزدلفة ليست باليسيرة فيصل الماشي مزدلفة وبه من التعب ما به ,وقد لا يتم له نوم تلك الليلة بسبب الزحام وإزعاج المراكب ,ثم يصبح ماشيا إلى منى ويأتي بأعمال اليوم العاشر وهي كثيرة وذلك يورثه إرهاقا يقصر به عن توفية المناسك حقها من الأداء على الصورة المشروعة. فحسن أن يرعى الإنسان أسباب راحته ويقلل من كل ما قد يدخل عليه إرهاقا أو يسبب له مرضا ما دام يؤدي المناسك على الصورة الشرعية فما المقصد إهلاك النفوس بل أداء العبادة على وجهها اليسير الذي جاء به الشرع لتزكو الأرواح. والحال الآن −والله الحمد −أن الركوب لا يكون للدواب فقد مضى عهدها وولى وأبدل االله الناس خيرا منها في السرعة والراحة والرفاهية فيأخذ ركوب الأخيرة حكم ركوب الدواب السابقة ,ولئن قلنا بتفضيل الركوب فما استحدث الناس من رواحل يحقق التفضيل السابق ,فليست السنة متعينة في الدواب بل في جنس الركوب. والنبي توقف في طريق دفعه إلى مزدلفة ليقضي حاجة الإنسان في عباس عن أسامة بن زيد أنه قال: ردفت رسول االله من عرفات فلما بلغ رسول االله الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا ,فقلت :الصلاة يا رسول االله ,قال :الصلاة أمامك ,فركب رسول االله حتى أتى المزدلفة فصلى).(١ والفعل السابق منه داعيه الجبلة وتلبية نداء الفطرة وليس من قبيل التشريع في شيء ,لذا لم يقل الفقهاء باستحبابه ,وابن عمر كان يحرص عليه لشدة تأسيه بالنبي كما قال نافع: كان عبد االله بن عمر يجمع بين المغرب والعشاء بجمع ,غير أنه يمر بالشعب الذي أخذه رسول االله فيدخل فينتفض) (٢ويتوضأ ولا يصلي حتى يصلي بجمع).(٣ وقد أنكر ابن عمر وغيره على بعض خلفاء بني أمية صلاتهم المغرب ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :النزول بين عرفة وجمع ).(١٥٨٦ ) (٢بفاء وضاد معجمة أي يستجمر .ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٢٠ ) (٣أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :النزول بين عرفة وجمع ).(١٥٨٥ ورو￯ الفاكهي من طريق محمد بن أبي عمر قال :حدثنا سفيان قال :ثنا ابن أبي نجيح قال :سمعت عكرمة يقول :اتخذه رسول االله مبالا واتخذتموه مصلى).(٢ ورو￯ الأزرقي السابق عن عطاء).(٣ وكما أسلفنا من قبل أن المقصود من عبادة الحج إقامة ذكر االله تعالى لذا يصحب الحاج ذكر االله في الأحوال كلها ,وإن وقت إفاضته من عرفات إلى مزدلفة أولى بأن يتأكد فيه الأمر بذكر االله تعالى كيف وقد جر￯ عليه النص الشرعي كما في قوله تعالى: ﴿ï∅ÏiΒ ΟçFôÒsùr& !#sŒÎ*sù 4 öΝà6În/§‘ ⎯ÏiΒ WξôÒsù (#θäótGö;s? βr& îy$oΨã_ öΝà6ø‹n=tã }§øŠs9 βÎ)uρ öΝà61y‰yδ $yθx. çνρãà2øŒ$#uρ ( ÏΘ#tysø9$# Ìyèô±yθø9$# y‰ΨÏã ©!$# (#ρãà2øŒ$$sù ;M≈sùttã .(٤)﴾t⎦,Îk!!$Ò9$# z⎯Ïθs9 ⎯Ï&Î#ö7s% ⎯ÏiΒ ΟçFΖà2 ) (١ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٢٠ ) (٢الفاكهي ,أخبار مكة ,ج ,٥ص.٤٥ ) (٣الأزرقي ,أخبار مكة ,ج ,٢ص.٣٩ ) (٤سورة :البقرة ,الآية ).(١٩٨ نسكا للأمر به في الآية والأصل في الأمر أنه للوجوب. وقد ذكرنا من قبل في الجزء الثاني من هذا الكتاب أن التلبية مما يشرع الإتيان به في هذا الموضع; لأن النبي لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في صباح اليوم العاشر. ويستحب أن يمضي على طريق المأزمين لأن النبي سلكها ,وإن سلك الطريق الأخر￯ جاز).(١ واستحب بعض الفقهاء الاغتسال لدخول مزدلفة لأنها من الحرم),(٢ وظاهر حديث جابر بن عبد االله أن النبي ما اغتسل لدخولها ,وعلة استحباب الغسل لدخول الحرم لا يسلم بها لعدم الدليل الذي يثبتها. المطلب الثاني :جمع المغرب والعشاء بمزدلفة لم يختلف نقلة الأخبار أن النبي جمع المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير ,إذ إن وقت المغرب قد دخل عليه وهو في عرفات فلم يصلها ثمة بل ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٥وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٢ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٧٩والجيطالي ,قناطر الخيرات ,ج ,٢ص.٨١ مذهب فقهاء المذاهب كافة).(١ بل من الفقهاء من نص على كونه سنة مؤكدة) ,(٢وحكي الإجماع عليه, قال ابن المنذر :وأجمعوا على أن السنة أن يجمع الحاج بجمع بين المغرب والعشاء) ,(٣ونقل الإجماع السابق ابن حزم).(٤ ومن النصوص التي أفادت الحكم السابق حديث محمد بن أبي حرملة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد أنه قال :ردفت رسول االله من عرفات فلما بلغ رسول االله الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا. فقلت :الصلاة يا رسول االله ,قال :الصلاة أمامك ,فركب رسول االله  ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٤والجيطالي ,قناطر الخيرات ,ج ,٢ص,٨١ والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٥والقاضي عبد الوهاب ,الإشراف ,ج,١ ص ,٤٨٣وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٣ ) (٢القاضي عبد الوهاب ,الإشراف ,ج ,١ص.٤٨٣ ) (٣ابن المنذر ,الإجماع ,ص.٧٤ ) (٤ابن حزم ,مراتب الإجماع ,ص.٧٩ ومما جاء أيضا حديث سالم بن عبد االله عن ابن عمر قال :جمع النبي بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على إثر كل واحدة منهما).(٢ كما جاء السابق من حديث عدي بن ثابت قال :حدثني عبد االله بن يزيد الخطمي قال :حدثني أبو أيوب الأنصاري أن رسول االله جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة).(٣ ومن الفقهاء من استنبط إقامة صلاتي المغرب والعشاء مجموعتين جمع تأخير بمزدلفة من قوله تعالى ﴿ y‰ΨÏã ©!$# (#ρãà2øŒ$$sù ;M≈sùttã ï∅ÏiΒ ΟçFôÒsùr& !#sŒÎ*sù (٤)﴾( ÏΘ#tysø9$# Ìyèô±yθø9$#فقالوا: إن هذا الذكر هو صلاة المغرب والعشاء اللتين يجمع بينهما بالمزدلفة, والذكر الثاني في قوله ﴿ ﴾ öΝà61y‰yδ $yθx. çνρãà2øŒ$#uρهو الذكر المفعول عند ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :النزول بين عرفة وجمع ).(١٥٨٦ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من جمع بينهما ولم يتطوع ).(١٥٨٩ ) (٣أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من جمع بينهما ولم يتطوع ).(١٥٨٩ ) (٤سورة :البقرة ,جزء من الآية ).(١٩٨ ذكرا ,وعلى السابق تكون الآية قد اقتضت تأخير صلاة المغرب إلى أن تجمع مع العشاء بالمزدلفة).(١ وللفقهاء في هذا الجمع خلاف أسببه السفر أو النسك) ,(٢وقد عرضنا للقضية في الفصل المتقدم عند الحديث عن جمع العصرين بعرفة فنؤثر غض الطرف عن القضية هنا خشية التكرار; إذ الأمران لا فارق بينهما ,وقد تبين ثمة أن سبب الجمع السفر لا النسك. والجمع السابق للعشاءين مع الاتفاق على كونه الأولى والأفضل إلا أن الجماهير من فقهاء الأمصار قائلون إنه ليس بواجب ,فلو أفرد كل صلاة في وقتها أو جمعهما جمع تقديم أو صلى إحد￯ الصلاتين مع الإمام والأخر￯ وحده أو صلى في عرفة أو الطريق أو مزدلفة فإن صلاتيه صحيحتان وإن كان فاته فضل اقتفاء السنة).(٣ ) (١الجصاص ,أحكام القرآن ,ج ,١ص.٣٩٠ ) (٢النووي ,شرح صحيح مسلم ,ج ,٨ص ,١٨٧وابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص,٥٢٢ وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٦ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٦والقاضي عبد الوهاب ,الإشراف ,ج,١ ص ,٤٨٣والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٥وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٤ كالظهر والعصر بعرفة ,وفعل النبي محمول على الأولى والأفضل ,ولئلا ينقطع سيره) ,(١ثم إن الجمع رخصة فجاز تركها كسائر الرخص).(٢ ومما تقدم أنه ليس للنسك مدخل في جمع الصلوات وقصرها يتبين أن الأمر باق على أصل الحكم وهو جواز الجمع لا وجوبه. وذهب بعض الفقهاء إلى أن من صلى المغرب قبل أن يأتي المزدلفة لم تجزه ووجب عليه أن يعيدها) ,(٣وما دامت المغرب لا تجزيه حتى يصليها بمزدلفة خارج وقتها فلأن تكون العشاء غير مجزية في غير مزدلفة من باب أولى إذ وقتها باق).(٤ ونص بعض هؤلاء على أنه إذا صلاهما أو إحداهما قبل مزدلفة فقد ارتكب كراهة التحريم ,فكل صلاة أديت معها وجب إعادتها فيجب ) (١القاضي عبد الوهاب ,الإشراف ,ج ,١ص ,٤٨٣وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٤ ) (٢ابن قدامة ,الكافي ,ج ,١ص.٤٤٣ ) (٣الجصاص ,أحكام القرآن ,ج ,١ص ,٣٩٠والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص,٢٦١ والقطب ,الجامع الصغير ,ج ,٣ص.١٩٨ ) (٤الجصاص ,أحكام القرآن ,ج ,١ص ,٣٩٠وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٦ بينهما في وقت العشاء وقد خرج).(١ ورو￯ الفاكهي عن سعيد بن عبد الرحمن قال :ثنا عبد المجيد بن أبي رواد عن ابن جريج قال :أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد االله  يقول :لا صلاة ليلتئذ إلا بجمع) ,(٢وقال الحافظ ابن حجر :وكان جابر يقول لا صلاة إلا بجمع ,أخرجه ابن المنذر بإسناد صحيح).(٣ وقد رو￯ السابق ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال :لا صلاة إلا بجمع) ,(٤غير أنه قد تعاقب في إسناده مدلسان دون تصريح بالتحديث. وقال بعض الفقهاء من صلى العشاءين قبل مزدلفة أعاد صلاة العشاء دون المغرب إن صلاها قبل مغيب الشفق).(٥ ) (١ابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٦ ) (٢الفاكهي ,أخبار مكة ,ج ,٥ص.٤٦ ) (٣ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٢٠ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٦١ ) (٥ابن العربي ,عارضة الأحوذي ,ج ,٢ص.٣١٤ أفضتم من عرفات فاذكروا االله عند المشعر الحرام" وقد ذكرنا قبل وجه دلالة الآية على جمع صلاتي المغرب والعشاء. ووجه الدلالة على عدم إجزاء الصلاة قبل مزدلفة أنه إذا كان المراد به الصلاة يمنع جوازها قبله إذ إن الأمر يقتضي الإيجاب. ثاني الأدلة قول النبي في حديث أسامة الذي تقدم ذكره وتخريجه: الصلاة أمامك ,وهذا الأمر يفيد وجوب أن تكون الصلاة في مزدلفة. لكن اعترض على الاستدلال السابق بأمور أولها أن قوله ذلك للترخيص والترفيه دون العزيمة والإيجاب).(٢ ثانيها قوله "الصلاة أمامك" مثل قوله " لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" ,وقد ثبت أنه صوب فعل من صلى في غير بني قريظة, فيكون المعنى المستفاد من اللفظ هو ترغيب الناس في الوصول إلى المحل ) (١الجصاص ,أحكام القرآن ,ج ,١ص.٣٩٠ ) (٢الخطابي ,معالم السنن ,ج ,٢ص.٣٢٤ الصلاة وعدم الإتيان بها إلا في ذلك المحل على الوصول إليه).(١ كما اعترض على هذا القول بأن الجمع بين الظهر والعصر مسنون بعرفة كما أن الجمع بين المغرب والعشاء مسنون بمزدلفة ,وترك الجمع بعرفة لا يمنع الإجزاء فوجب أن يكون ترك الجمع بمزدلفة لا يمنع الإجزاء. وذلك لأنهما صلاتان سن الجمع بينهما في إحداهما فوجب أن لا يمنع جوازهما ترك الجمع بينهما بمكانهما كالجمع بعرفة ,ولأن ما كان وقتا لصلاة الفرض في غير النسك كان وقتا لها في النسك قياسا على سائر الأوقات).(٢ والحنفية مع قول كثير منهم إن من شرط جمع العصرين بعرفة الصلاة مع الإمام لا يقولون بذلك في جمع العشاءين بمزدلفة ,فقد نصوا على أن هذا الجمع لا يشترط فيه الإمام كما شرط في الجمع المتقدم; لأن العشاء تقع أداء في وقتها والمغرب قضاء ,والأفضل أن يصليهما مع الإمام بجماعة).(٣ ) (١الشوكاني ,وبل الغمام ,ج ,١ص.٥٥٠ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٦ ) (٣ابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٦ مزدلفة قبل حط رحالهم ,ثم أناخ كل إنسان جمله وبعده أقيمت العشاء كما في حديث كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول :دفع رسول االله من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء فقلت له :الصلاة. قال :الصلاة أمامك ,فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ,ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ,ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئا).(١ وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إن وصل مزدلفة أناخ راحلته ثم صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما).(٢ والحال الآن كما ذكرنا قبل ليس للدواب وجود في التنقل بين عراص المناسك بل الرواحل الجديدة ,وإناخة النبي وأصحابه الدواب بين ) (١أخرجه بهذا اللفظ مسلم في كتاب :الحج ,باب :الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعا بالمزدلفة في هذه الليلة ).(١٢٨٠ ) (٢ابن قدامة ,الكافي ,ج ,١ص ,٤٤٣والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٦٢ فليس هو بنسك يقصد لذاته. ومن السابق يجمع الناس الصلاتين دون أن يكون هناك الفعل السابق لفوات محل علته وهي الحيوانات ,أما عدة نوم الناس فيكون إنزالها بعد الانتهاء من الصلاتين. ومع الاتفاق السابق على مشروعية جمع العشاءين بمزدلفة إلا أن الخلاف بين الفقهاء كائن في المشروع من حيث الأذان والإقامة أيشرع أذانان وإقامتان ,أو أذان وإقامتان ,أو إقامتان دون أذان وإن اقتصر على الإقامة للأولى أجزاه ,أو أذان وإقامة للأولى فقط ,أو تكون الصلاتان دون أذان ولا إقامة).(١ وقد عرضنا القضية في الفصل السابق عند الحديث عن صلاتي الظهر والعصر في عرفة ,وقد ذكرنا ثمة أن أرجح أقوال المسألة هو أن المشروع أذان ) (١الشافعي ,الأم ,ج ,٢ص ,٢١٢والشيباني ,المبسوط ,ج ,٢ص ,٣٦٧والجيطالي ,قناطر الخيرات ,ج ,٢ص ,٨١والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٦وابن قدامة ,المغني, ج ,٣ص ,٢١٣وابن مفلح ,المبدع ,ج ,٣ص ,٢٣٥وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج,٢ ص ,٣٦٦والسالمي ,شرح الجامع الصحيح ,ج ,٢ص.٢٢٨ القضية. وفوق الأصل السابق جاء من النصوص ما يصف فعل النبي صراحة أنه كان على الأصل العام السابق أذان وإقامتين كما في حديث جابر بن عبداالله إذ قال :حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا).(١ واعترض الأترازي من الحنفية على الاستدلال بحديث جابر بن عبد االله } بأنه مضطرب لأنه رواه ابن أبي شيبة من طريق حاتم بن إسماعيل عن محمد بن جعفر عن جابر بن عبد االله صلى رسول االله المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامة واحدة ولم يسبح بينهما).(٢ وأجاب العيني بأن الحديث الذي احتج به الأترازي غريب ,ويصح الحكم بالاضطراب لو كانت الروايتان مخرجتين في الصحيح ,والواقع أن الرواية التي اعترض بها الأترازي ليست في الصحيح).(٣ ) (١أخرجه مسلم ,في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  ) (٢العيني ,البناية ,ج ,٤ص.٢٢٩ ) (٣العيني ,البناية ,ج ,٤ص.٢٢٩ ذكر الأترازي بل هي عين ما رواه مسلم في الصحيح بأذان وإقامتين كالنسخة المعتمدة في هذا الكتاب) ,(١ونسخة شركة دار القبلة التي قوبلت على ست نسخ خطية).(٢ ومما يؤكد السابق أن رواية مسلم في الصحيح ما كانت إلا من طريق ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل المدني عن محمد بن جعفر) ,(٣وعليه فالوهم ما كان إلا من الأترازي أو أن في نسخته التي رجع إليها خطأ. غير أن الذين قالوا بالأقوال الأخر￯ كانت لهم أدلة مستقلة نبينها ذاكرين ما أورد عليها. أما القائلون إن المشروع إقامتان دون أذان فاستدلوا بما رو￯ أسامة بن زيد إذ إنه قال :فلما جاء مزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما ,وقد تقدم تخريجه. ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٦٤ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف )تحقيق محمد عوامة( ,ج ,٨ص.٣٦١ ) (٣أخرجه مسلم ,في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  رديفه ,وقد اتفق هو وجابر في حديثهما على إقامة لكل صلاة ,واتفق أسامة وابن عمر على الصلاة بغير أذان ,وإنما لم يؤذن للأولى ها هنا لأنها في غير وقتها بخلاف المجموعتين بعرفة).(١ لكن يرد على هذا القول أن أسامة وابن عمر لم ينفيا الأذان للصلاتين بل اقتصرا على الإقامتين فقط ,أما جابر بن عبد االله فنص على الأذان ,والقاعدة أن المثبت مقدم على النافي ,فكيف والحال هنا أن المعارضين ليسا بنافيين بل هما ساكتان ,فخبرهما محتمل فيكون مجملا ,وخبر جابر بن عبد االله مبين فيقدم عليهما لأن عنده زيادة علم. على أنه رو￯ الفضل بن دكين عن مسعر عن عبد الكريم قال :صليت خلف سالم المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين فلقيت نافعا فقلت له :هكذا كان يصنع عبد االله? قال :هكذا. قال :فلقيت عطاء فقلت له :قد كنت أقول لهم لا صلاة إلا بإقامة).(٢ ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٣وابن مفلح ,المبدع ,ج ,٣ص.٢٣٦ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٦٤ يزيد عن أبي أيوب أن النبي صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة بإقامة. واعترض على السابق بأن قوله أنه جمع بينهما بإقامة يعني لكل واحدة منهما).(١ وأما القائلون بأذان وإقامة واحدة فاستدلوا بحديث ابن عمر أن النبي أذن للمغرب بجمع فأقام ثم صلى العشاء بالإقامة الأولى).(٢ والقولان السابقان يتوجه إليهما ما وجه للقول الذي قبلهما ,وأحاديثهما قد خرجت من قبل. وأما القائلون بأن المشروع أذان وإقامة لكل صلاة فاحتجوا بموقوفات على بعض الصحابة فيها الأذان والإقامة لكل صلاة ,ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن يزيد قال: حج عبد االله )بن مسعود( فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين, ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٦ ) (٢ابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٦ كما جاء السابق من حديث ابن أبي داود قال :ثنا أحمد بن يونس قال :ثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن الأسود أنه صلى مع عمر بن الخطاب صلاتين مرتين بجمع كل صلاة بأذان وإقامة ,والعشاء بينهما).(٢ واعترض على الاستدلال بأفعال الصحابة بأن الذي حملهم على الأذان الثاني هو تفرق الصحابة فكان الأذان لجمعهم) ,(٣ولو لم يكن السابق لكان تقديم المرفوع من الأدلة أولى ,والمسألة مختلف فيها وقد عارضهم غيرهم. وأما القائلون بالجمع دون أذان ولا إقامة فأخذوا بحديث عبد االله بن يزيد الخطمي قال :حدثني أبو أيوب الأنصاري أن رسول االله جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة).(٤ ويعترض على السابق أنه ساكت عن الأذان ,وغيره ناطق بحكمه فيقدم عليه لبيانه وإجمال هذا. ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من أذن وأقام لكل واحدة منهما ).(١٥٩١ ) (٢الطحاوي ,شرح معاني الآثار ,ج ,٢ص.٢١١ ) (٣الطحاوي ,شرح معاني الآثار ,ج ,٢ص.٢١١ ) (٤البخاري في كتاب :الحج ,باب :من جمع بينهما ولم يتطوع ).(١٦٧٤ عليه ابن عمر كما ذكرنا ذلك عنه مخرجا ,وقد ذكرنا عند جمع العصرين بعرفة أن النص جاء من قبل راوي الحديث جابر بن عبد االله أن النبي  لم يصل شيئا بين العصرين ,والحال في مزدلفة لا يعدو السابق).(١ وعلل بعض الفقهاء الأمر السابق بكون التنفل بينهما يقطع الجمع ويخل بواجب الموالاة ,ولأنه مأمور بالتأهب لمناسكه).(٢ وذهب الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة إلى استحباب ركعتين خفيفتين بعد المغرب ,وتعقبه المحشي أبو ستة بقوله :يتعجب من أبي عبيدة ~ كيف يروي الحديث ثم يقول بخلافه ولم يستدل في ذلك بحديث ولا بأثر).(٣ ومن الفقهاء من فرق بين الإمام وغيره ,فقال إن كان إماما فالمشروع في حقه ما تقدم لأنه متبوع فلو اشتغل بالنوافل لاقتد￯ به الناس وانقطعوا عن النوافل ,فليشتغل بجمع الحصى وغيره من المناسك. ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٦وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٤ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٦ ) (٣السالمي ,شرح الجامع الصحيح ,ج ,٢ص.٢٢٨ النوافل المطلقة دون الرواتب).(١ وأولى الأقوال بالقبول ما عليه ظاهر السنة من عدم التنفل بين الصلاتين بشيء ,والتفريق بين الإمام والمأموم مستلزم للدليل. وندبية الصلاة بمزدلفة مقيدة بما إن كان يدرك وقتا يصلي فيه الصلاتين بها قبل أن يخرج وقت العشاء ,أما إن ضاق وقت العشاء ولم يكن ليصل مزدلفة إلا بعد خروج وقت صلاة العشاء فليصلها حيث أدرك) ;(٢إذ العناية بأداء الصلاة في وقتها مقدمة على العناية بأداء الصلاة في مزدلفة فالأول واجب والآخر سنة ,وعند التعارض يقدم الواجب إذ يترتب على إهماله الإثم. ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤١٥والنووي ,روضة الطالبين ,ج ,٣ص.٩٤ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٤والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٠١والرافعي, العزيز ,ج ,٣ص.٤١٥ أولا :التعريف بمزدلفة مزدلفة من الحرم وهي تقع بين منى وعرفة ,ولها أسماء ثلاثة :أولها مزدلفة بكسر اللام ,وفي تسميتها مزدلفة قولان :أولهما أنهم يقربون فيها من منى ,والازدلاف التقريب ومنه قوله تعالى ﴿ (١)﴾t⎦⎫É)−Fßθù=Ï9 èπ ̈Ζpgø:$# ÏMxÏ9ø—é&uρأي قربت. وثانيهما أن الناس يجتمعون بها ,والاجتماع الازدلاف ,ومنه قوله تعالى ﴿ (٢)﴾t⎦⎪ÌyzFψ$# §ΝrO $oΨøs9ø—r&uρأي جمعناهم ; ولذلك قيل لمزدلفة جمع. وثالثها للنزول بها في كل زلفة من الليل ,ورابعها لأنها منزلة وقربة إلى االله ,وخامسها لازدلاف آدم إلى حواء بها).(٣ وثاني أسمائها جمع ,وللفقهاء خلاف في سبب تسميتها بذلك فقيل لأن آدم اجتمع فيها مع حواء ,وقيل لأنها يجمع فيها بين الصلاتين ,وقيل وصفت ) (١سورة :الشعراء ,الآية ).(٩٠ ) (٢سورة :الشعراء ,الآية ).(٦٤ ) (٣البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٦والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١١٧وابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٢٣ فيها).(١ وثالث أسمائها المشعر الحرام ,إذ هي أرض تؤد￯ فيها شعيرة من مشاعر الحج ,ووصفت بالحرمة لكونها في الحرم بخلاف عرفة إذ هي مشعر ولكن ليس بحرام. وحد مزدلفة من مأزمي عرفة إلى قرن محسر ,وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب ,ومساحتها ١٢.٢٥كم.(٢)٢ والحدود السابقة كلها محل للمبيت) ,(٣ونبه الفقهاء على اجتناب وادي محسر; فإنه ليس من مزدلفة ,ومن بات به فكمن لم يبت بمزدلفة).(٤ ثانيا :العبادة المؤداة في المزدلفة الذي عليه الفقهاء أكثرهم أن المقصود في مزدلفة عبادتان أولهما المبيت بها والثانية الوقوف بالمشعر الحرام لذكر االله ,وقد دل على الأولى منهما فعل ) (١البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٦وابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٢٣ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٥وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٤ومحمد إلياس ,تاريخ مكة المكرمة ,ص.١١٣ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٥ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٨وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٥ أما الثانية فدل عليها الأمر بذكر االله تعالى عند المشعر الحرام الذي ورد مطلقا من الوقت وإن كان مقيدا بالمزدلفة ,والتقييد بما بعد الفجر دل عليه فعل النبي الذي ذكر االله تعالى بعد الفجر حتى أسفر جدا كما في حديث جابر بن عبد االله ,والسابق أمر جلي في برهانه مع غض الطرف عن حكم الفعلين السابقين. وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا اعتبار بالمبيت وإنما الاعتبار بالوقوف بالمزدلفة بعد طلوع الفجر ,فإذا تركه لزمه دم ,وهؤلاء جعلوا وقت الوقوف بمزدلفة طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس).(١ فالأمر عندهم أن المبيت ليلة مزدلفة سنة ,والوقوف بعد الفجر الثاني واجب يلزم تاركه بالدم ما لم يكن معذورا بنحو زحام أو ضعف أو علة ولو خوف زحام عند الرمي ,واختلفوا هل خوف الزحام يشمل الرجل والمرأة أو خاص بالمرأة).(٢ ) (١الجصاص ,أحكام القرآن ,ج ,١ص ,٣٩١وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص,٣٦٨ وابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٦١٢ ) (٢ابن عابدين ,رد المحتار ,ج ,٢ص.٥١١ إنما وقتها بالنهار والليل يدخل فيه على وجه التبع).(١ وذهب بعض الفقهاء إلى أن المقصود بالأصالة الذكر في المشعر الحرام, وما المبيت إلا وسيلة إليه فمشروعيته تبعية لا ذاتية. واستدل هؤلاء بأن الوقوف بالمزدلفة محله بعد الوقوف بعرفة بنص القرآن والسنة ,والعبادات المتعاقبة لا يجوز دخول وقت إحداهما في وقت الأخر￯ كأوقات الصلوات ,ووقت عرفة يمتد إلى طلوع الفجر فلو كان وقت مزدلفة ينتهي إلى ذلك الوقت لكان وقت مزدلفة بعض وقت عرفة, وذلك لا يجوز ).(٢ وهذا فيه نظر إذ فعل النبي يعارضه فيكون قياسه فاسد الاعتبار, والأمة كلها متفقة خلا هذا القائل أن المبيت بمزدلفة نسك مستقل بذاته كما تدل على ذلك المصنفات الفقهية في مذاهب الإسلام المختلفة ونص عليه ابن جماعة إذ قال :والمبيت بمزدلفة نسك بالإجماع اقتداء بسيدنا رسول االله .(٣) ) (١الجصاص ,أحكام القرآن ,ج ,١ص.٣٩١ ) (٢ابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٦١٤ ) (٣ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١١٨٢ وقد أخذت مشروعية هذا النسك من فعل النبي وإن اختلفت عباراتهم في تسميته مبيتا أو وقوفا بمزدلفة. والحنفية مع قولهم إن الوقوف بعد الفجر بالمشعر الحرام واجب ويخصونه باسم الوقوف بمزدلفة إلا أنهم يصرحون بكون المبيت نفسه سنة بل منهم من يقول إنها سنة مؤكدة وإن لم يكن نسكا واجبا).(٢ أما تداخل أوقات العبادات المتعاقبة فيرده أن وقت الوقوف الأصلي هو غروب الشمس ,وما بعد ذلك وقت رخصةُي ِّسر به على الناس ,وليس هو الأصل بل الأصل الوقت الذي وقف النبي . ومما يرد السابق أنه قد ثبت أن النبي جمع العصرين وجمع العشاءين في المدينة المنورة من غير خوف ولا سفر ولا سحاب ولا مطر ,وأخذ جمع من أهل العلم من ذلك القول باشتراك وقتي كل صلاتين مع أنهما عبادتان متعاقبتان. ) (١ابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٣ص.١٦١٤ ) (٢ابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص ,٣٦٨وابن الضياء ,البحر العميق ,ج,٣ ص ,١٦١٤وابن عابدين ,رد المحتار ,ج ,٢ص.٥١١ بمزدلفة ليلتها هل يسقط الدم; لأن كلا من الجنون والإغماء عذر والمبيت يسقط بالعذر ,ومنهم من لم يبعد القول بعذره ولكن إن كان له ولي أحرم عنه وجب عليه إحضاره وإلا فعلى الولي الدم ).(١ والمسألة قد ذكرنا طرفا منها عندما ذكرنا الوقوف بعرفة في الفصل الماضي وأنه هل يشترط له النية أو ليست هي بشرط ,وقد تبين ثمة أن الوقوف عبادة غير معقولة المعنى فيشترط لإجزائها عن المكلف العقل الذي يوجه الوقوف قصدا للعبادة ,وما عبادة مزدلفة إلا أخية عبادة عرفة في كونهما غير معقولتي المعنى فلا تجزيان صاحبهما إلا بالنية من المكلف نفسه. والأمر في مزدلفة أقل منه في عرفة; إذ الوقوف بعرفة ركن مجمع عليه لا يقوم غيره مقامه ,أما المبيت بمزدلفة ففيه أقوال ثلاثة السنية والوجوب والركنية. أما ما ذكر من إلزام الدم ولي المجنون وغيره من فاقدي العقل فأمر تبين ضعفه من قبل في الجزء الأول من الكتاب وأن الفدية في الحج من باب خطاب التكليف وليس الوضع كما تفيد ذلك ظواهر الأدلة الشرعية ,فلا ) (١الشرواني ,الحواشي ,ج ,٤ص ,١١٣والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٦٣ المبيت بمزدلفة شيء بل يواصل نسكه من غير أن يكون عليه فدية ولا دم متعين ,وليسأل االله القبول. ثالثا :حكم المبيت بمزدلفة التعبير السابق قال به جمع من الفقهاء ,ومنهم من يعبر عنه بالنزول بمزدلفة ,ومنهم من يعبر عنه بالوقوف بمزدلفة) ,(١والمراد من الكل هو الكون بمزدلفة في الوقت المذكور ولو بمرور كمثل الذي ذكرناه يوم بينا أحكام الوقوف بعرفة في الفصل السابق).(٢ وكون الأكثرين منهم على التعبير بالمبيت لأن النبي بات تلك الليلة ولم يقم بعمل من ذكر وغيره ,ثم إن الأصل أن الناس غالبهم يبيتون. وقال الزركشي :والمراد المكث وإن لم ينم).(٣ وذهب بعض الفقهاء إلى أن المبيت للاستراحة غير نسك واجب, ) (١القاضي عبد الوهاب ,الإشراف ,ج ,١ص.٤٨٣ ) (٢الجيطالي ,قناطر الخيرات ,ج ,٢ص ,٨٢والبجيرمي ,الحاشية ,ج ,٢ص.١٣٢ ) (٣الزركشي ,الديباج ,ج ,١ص.٣٩٨ وبعد تقرر السابق نقول إن للفقهاء خلافا في حكم المبيت بمزدلفة ليلة النحر على ثلاثة أقوال أولها أنه ركن لا يتم الحج دونه ,وثانيها أنه واجب يجبر بالدم ,وثالثها أنه سنة مرغبة لا شيء على من تركها. القول الأول :المبيت بمزدلفة ركن لا يتم حج من لم يأته في وقته المحدد شرعا) ,(٢ومن فاته المبيت بها تحلل من إحرامه بعمرة ثم حج من قابل).(٣ وقد رو￯ ابن أبي شيبة عن ابن مهدي عن سفيان عن ابن أبي السفر عن الشعبي قال :من لم يقف بجمع جعلها عمرة. ورو￯ عن سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن قال :من لم يقف بجمع فلا حج له ويحج من قابل).(٤ استدل هؤلاء لقولهم السابق بعدد من الأدلة: ) (١القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٦٣ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٢١وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٥وابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٢٧ ) (٣ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص ,٥٢٨والشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٤٣ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٩١ ,(١)﴾ ÏΘ#tysø9$# Ìyèô±yθø9$#ووجه الدلالة منها أن في الآية أمرا بذكر االله في المزدلفة, والأصل في الأمر الوجوب) ,(٢ولعل الاستدلال كان بالالتزام إذ كون الذكر واجبا بالمزدلفة يستلزم كون المبيت واجبا. واعترض على الاستدلال بالآية بأن المنطوق فيها وهو الأمر بذكر االله عند المشعر الحرام ليس بركن في الحج إجماعا; فإنه لو بات بجمع ولم يذكر االله تعالى ولم يشهد الصلاة فيها صح حجه فما هو من ضرورة ذلك أولى).(٣ ولأن المبيت ليس من ضرورة ذكر االله تعالى بها وكذلك شهود صلاة الفجر فإنه لو أفاض من عرفة في آخر ليلة النحر أمكنه ذلك فيتعين حمل ذلك على مجرد الإيجاب أو الفضيلة أو الاستحباب).(٤ ثم إن جمعا من أهل العلم قد ذهبوا إلى أن الأمر بالذكر هنا يراد به الأمر ) (١سورة :البقرة ,جزء من الآية ).(١٩٨ ) (٢الطحاوي ,شرح معاني الآثار ,ج ,٢ص.٢٠٨ ) (٣الطحاوي ,شرح معاني الآثار ,ج ,٢ص ,٢٠٨وابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٩ص.٢٧٦ ) (٤الجصاص ,أحكام القرآن ,ج ,١ص ,٣٩١والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص,١٧٧ وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٥ ثم إن الأمر وإن كان الأصل فيه الوجوب على رأي الجماهير من أهل العلم إلا أنه لا تلازم بين الوجوب والركنية ,بل الركنية منزلة أرفع من الوجوب فتستلزم دليلا ,والواقع أن الدليل مقتصر على الوجوب فقط. ثاني أدلتهم حديث وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي أنه حج على عهد النبي فلم يدرك الناس إلا وهم بجمع قال: فأتيت النبي فقلت :يا رسول االله ,أتعبت نفسي وأنصبت راحلتي, واالله ما تركت حبلا من الحبال إلا وقفت عليه ,فهل لي من حج? فقال رسول االله :من صلى معنا هذه الصلاة وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد قضى تفثه وتم حجه).(١ ولعل وجه الدلالة من الحديث أن منطوقه يفيد إدراك تمام الحج بصلاة الفجر في مزدلفة والإفاضة من عرفة ليلا أو نهارا ,ومفهوم الشرط من ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٢٦ كون المبيت ركنا. ويعترض على الاستدلال بهذا الحديث بأمور: أولها :الاستدلال على ركنية المبيت بالمزدلفة هنا كان بدلالة مفهوم المخالفة ,في حين أن حديث ابن يعمر الديلي يدل على نفي ركنيته بدلالة الإشارة ,ودلالة الإشارة من أقسام المنطوق ,وإن كان المنطوق فيها غير صريح إلا أنه مقدم على المفهوم اتفاقا. ثانيها :حديث عروة بن مضرس مفهومه يفيد ركنية صلاة الفجر في مزدلفة مع الإمام ,والواقع أن الإجماع متحقق أنه لو بات بمزدلفة ووقف قبل ذلك بعرفة ونام عن صلاة الصبح فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجه تام).(١ ثالثها :الاستدلال بمفهوم حديث عروة بن مضرس يفيد ركنية الصلاة مع الإمام ,وليس المبيت من لوازم الصلاة فقد يصلي ثمة ولم يبت بالمزدلفة. ) (١الطحاوي ,شرح معاني الآثار ,ج ,٢ص ,٢٠٨والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص,٢٧٦ والشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٤٥ الحج ,ومن فاته فقد فاته الحج).(١ والسابق جاء في بعض ألفاظ حديث عروة بن مضرس فقد رواه النسائي من طريق محمد بن قدامة قال :حدثني جرير عن مطرف عن الشعبي عن عروة بن مضرس قال :قال رسول االله :من أدرك جمعا مع الإمام والناس حتى يفيض منها فقد أدرك الحج ,ومن لم يدرك مع الناس والإمام فلم يدرك).(٢ واعترض على الاستدلال به بأمور: أولها :اتفقوا أن ترك الصلاة هناك لا يفسد الحج وقد ذكرها النبي  فكذلك الوقوف).(٣ ثانيها :إن صح فيحمل على فوات فضيلة الحج).(٤ ثالثها :قوله "فلا حج له" يحتمل أن يريد به نفي الفضل لا نفي الأصل ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٧والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٢١ ) (٢كتاب :مناسك الحج ,باب :فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة ).(٣٠٤٠ ) (٣الجصاص ,أحكام القرآن ,ج ,١ص.٣٩٢ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٧والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٣١ فلا حج له).(١ رابعها :زيادة "ومن لم يدرك مع الناس والإمام فلم يدرك" موطن الشاهد شاذة لا تثبت لخلو رواية أكثر الثقات منها ,قال الحافظ ابن حجر: وقد صنف أبو جعفر العقيلي جزءا في إنكار هذه الزيادة وبين أنها من رواية مطرف عن الشعبي عن عروة وأن مطرفا كان يهم في المتون).(٢ وقال الطحاوي :وهذا المعنى لمن فاته الوقوف بجمع أنه لا حج له فلم نعلم أحدا جاء به في هذا الحديث عن الشعبي غير مطرف ,فأما الجماعة من أصحاب الشعبي فلا يذكرونه فيه) ,(٣ثم ساقه من طرق خمسة من أصحاب الشعبي وكلهم لم يذكر الزيادة التي جاءت عند مطرف مما يستلزم شذوذها وعدم صحتها. وقد أخرج الطبراني في الكبير روايات حديث عروة من طريق زكريا بن أبي زائدة وعبد االله بن أبي السفر وأبي داود بن يزيد الأودي وداود بن أبي هند ) (١الجصاص ,أحكام القرآن ,ج ,١ص.٣٩٢ ) (٢ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٢٩ ) (٣الطحاوي ,شرح مشكل الآثار ,ج ,١٢ص.١١٠ المذكورة) ,(١وزكريا أحفظهم لهذا الحديث عن الشعبي كما نقل ابن عبد البر عن سفيان بن عيينة).(٢ قال ابن حجر :وقد ارتكب ابن حزم الشطط فزعم أنه من لم يصل صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام أن الحج يفوته التزاما لما ألزمه به الطحاوي ,ولم يعتبر ابن قدامة مخالفته هذه فحكى الإجماع على الإجزاء كما حكاه الطحاوي, وعند الحنفية يجب بترك الوقوف بها دم لمن ليس به عذر ومن جملة الأعذار عندهم الزحام).(٣ ورابع أدلتهم على القول بركنية المبيت بمزدلفة هو أن النبي كذلك فعل فقد بات بمزدلفة وقال "لتأخذوا عني مناسككم". ويجاب عن السابق بما ذكرناه مرارا أن المستفاد من الحديث أن فعل النبي للأمر لا يفيد إلا كونه مشروعا والحال هنا أنه لم يخالف أحد في كون ) (١الطحاوي ,شرح مشكل الآثار ,ج ,١٢ص ,١١٠والطبراني ,المعجم الكبير ,ج,١٧ ص.١٥٤ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٩ص.٢٧٣ ) (٣ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٢٩ وهو حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي).(١ القول الثاني :ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن المبيت بمزدلفة نسك واجب يجبر تركه بالدم وإن كان حج من تركه صحيحا).(٢ وقال جمع من الموجبين :من انتهى إلى عرفات ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بالمزدلفة فلا شيء عليه ,ولو أفاض من عرفات إلى مكة وطاف الإفاضة بعد نصف ليلة النحر ففاته المبيت بالمزدلفة بسبب الطواف فلا شيء عليه; لأنه اشتغل بركن فأشبه المشتغل بالوقوف).(٣ والدليل على حكم الوجوب الحديث الصحيح الذي جاء من طريق وكيع عن سفيان عن بكير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن يعمر قال: سمعت رسول االله وهو واقف بعرفة وأتاه أناس من أهل مكة فقالوا :يا ) (١الشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٤٦ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٤والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٧والجصاص, أحكام القرآن ,ج ,١ص ,٣٩١والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٧والقاضي عبد الوهاب ,الإشراف ,ج ,١ص ,٤٨٣وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص,٢١٥ والشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٤٢ ) (٣الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٣٥والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٢٣ قال :الحج عرفة ,فمن جاء قبل طلوع الفجر ليلة جمع فقد تم حجه ,منى ثلاثة أيام فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ,ومن تأخر فلا إثم عليه ,ثم أردف رجلا خلفه يناديهن).(١ والدلالة من الحديث على عدم ركنية المبيت بالمزدلفة مأخوذة بدلالة الإشارة ,وذلك لأن حديث عبد الرحمن بن يعمر لم يقصد به بيان حكم المبيت بمزدلفة ولكنه ذكره قاصدا بيان أن من أدرك الوقوف بعرفة في آخر جزء من ليلة النحر أن حجه تام ,ودليل ذلك سؤال السائل. وهذا المعنى المقصود يلزم منه حكم آخر غير مقصود باللفظ وهو عدم ركنية المبيت بمزدلفة; لأنه إذا لم يدرك عرفة إلا في الجزء الأخير من الليل فقد فاته المبيت بمزدلفة قطعا ,ومع ذلك فقد صرح بأن حجه تام).(٢ وبعد ثبوت أن المبيت بمزدلفة ليس بركن فوجوب الدم فيه كان بسبب ترك النسك ,ومعلوم أنه بترك النسك يلزم الدم. واستدل آخرون بأنه مبيت تضمن من صبيحة الرمي فوجب أن يكون ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٢٦ ) (٢الشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٤٤ الوقوف بعرفة فلو كان المبيت بها ركنا لاختصت بزمان مستثنى لا يشارك زمان الوقوف).(١ وقال آخرون إن المبيت واجب لأنه نسك مقصود في موضعه فكان واجبا كالرمي. وتعقب بأنه ينتقض بالمبيت بمنى ليلة التاسع وبطواف القدوم وبالخطب والتلبية).(٢ واستدل بعض الفقهاء بأنه لو كان الوقوف بمزدلفة ركنا لما رخص رسول االله في تركه للضعفة كما لا يرخص في الوقوف بعرفة لأجل الضعف) ,(٣وكل ما جاز تركه لعذر لم يكن ركنا كطواف القدوم والوداع).(٤ ثم إنه مبيت بمكان فلم يكن شرطا في الحج كالمبيت بمنى).(٥ ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٧ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١١٩ ) (٣الجصاص ,أحكام القرآن ,ج ,١ص.٣٩١ ) (٤الطحاوي ,شرح معاني الآثار ,ج ,٢ص ,٢١٠والقاضي عبد الوهاب ,الإشراف ,ج,١ ص.٤٨٣ ) (٥القاضي عبد الوهاب ,الإشراف ,ج ,١ص.٤٨٣ مزدلفة ما كان إلا بعد أن باتوا بها فيكونون بقضاء ذلك الجزء بمزدلفة قد أدوا ما عليهم من واجب المبيت بها. نعم ممكن أن يستدل بالسابق على خصوص مذهب الحنفية القائل بأن الوقوف بمزدلفة يقصد به الوقوف بعد طلوع الفجر لا في الليل) ,(١غير أن الجماهير من أهل العلم يخالفون الحنفية في ذلك ويقولون المقصود بالوقوف بمزدلفة المبيت بها ليلا والوقوف بعد الفجر كما تقدم ذكره. القول الثالث :المبيت بمزدلفة نسك إلا أنه ليس بواجب) ,(٢وعن عطاء والأوزاعي أنها منزل من شاء نزل به ومن شاء لم ينزل به ,ورو￯ نحوه الطبري بسند فيه ضعف عن ابن عمر مرفوعا :إنما جمع منزل لدلج المسلمين).(٣ وأورد الحافظ ابن عبد البر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس, ) (١الجصاص ,أحكام القرآن ,ج ,١ص.٣٩١ ) (٢الغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص ,٦٦٠وابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٦٠٨ ) (٣ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٩ص ,٢٧٢وابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص,٥٢٨ والشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٤٣ إذا شئت).(١ وقال الشيخ عامر :والوقوف عند المشعر الحرام والذكر فيه سنة في أكثر القول).(٢ وقال الشيخ إسماعيل :واختلفوا في حكم المبيت بالمزدلفة فقال أصحابنا إنه سنة).(٣ وكلام الشيخين هنا محتمل السنية المقابلة للوجوب ,ومحتمل السنية المقابلة للركنية فيكون سنة واجبة ,والاحتمال الأخير هو الأقرب لما سيأتي من آثارهم أنهم يوجبون الدم على من ترك المبيت بالمزدلفة ,وإيجاب الدم فرع كون الشيء واجبا. ودليل هذا القول أن مشروعية المبيت التي أقل أحوالها السنية مجمع على القول بها ,وفعل النبي أقو￯ ما تستند عليه ,وثبت من حديث يعمر الديلي أن الوقوف ليس بركن كما تقدم ذكره ,فما بقي إلا التردد بين الوجوب ) (١ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص.٢٩١ ) (٢الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤١٥ ) (٣الجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص.١٦٣ القائلون بالوجوب ما استدلوا إلا بمطلق الفعل المقترن بقوله  "لتأخذوا عني مناسككم" غير أن هذا الاستدلال كما أوضحنا مرارا لا يفيد إلا المشروعية دون الوجوب ولا الركنية فكم هي الأفعال التي فعلها النبي مقترنة بالنص السابق ولم يقل أحد بوجوبها ,وعليه فالزيادة على مستو￯ المشروعية سواء إلى الوجوب أو الركنية مستلزمة لدليل غير نفس الفعل. ومما يدلك على السابق أن النبي قد بات ليلة عرفة بمنى وهو في نسك الجماهير من أهل ُبأرض من أراضي الحرم التي تؤد￯ فيها المناسك ومع ذلك العلم بل حكي عليه الإجماع −كما تقدم −أن ذلك المبيت ليس بواجب بل هو سنة مع أنه لا يكاد يختلف عن المبيت بمزدلفة شيئا. وقد كانت للقائلين بالسنية أدلة صرحوا بها إلا أنها دون الدليل السابق من حيث قوتها ,ومنها أنه مبيت فكان سنة كالمبيت بمنى ليلة عرفة).(١ واعترض على هذا بأن بين الوقوف بمزدلفة والمبيت بمنى من المباينة في الكتاب والسنة ما لا يجوز معه إلحاق أحدهما بالآخر إلا كإلحاق الوقوف بين ) (١الشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٤٦ وقال آخرون هو ليس بواجب لأن المبيت ليس بمقصود لنفسه وإنما يقصد للوقوف في غداتها ,وذلك ليس بواجب فما يقصد له أولى).(٢ رابعا :المقدار المجزي من المبيت ليس ثمة خلاف أن الحبيب المصطفى وقف بالمزدلفة من بعد صلاتيه وإلى أن صلى الفجر بها وذكر االله تعالى عند المشعر الحرام بعد صلاة الفجر وقبل قطعه وادي محسر الذي كان قبيل طلوع الشمس ,وذلكم الهدي هو أولى ما يحافظ عليه المسلم. ومما اتفق عليه أن النبي قد رخص للضعفة في الإفاضة من مزدلفة قبل الفجر ,والضعفة كل من يخاف من تأذيه بزحمة الناس عند الوقوف والمسير ورمي الجمرة ,وهم النساء والصبيان والمرضى ونحوهم ومن يقوم بشأنهم).(٣ وقال بعض أهل العلم إن الأولى تقديم النساء والضعفة بعد انتصاف ) (١ابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٦١٠ ) (٢ابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٦١٠ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٧٥وابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٥٢٥ وقد جاءت بذلك نصوص في السنة متعددة منها حديث الليث عن يونس عن ابن شهاب قال سالم :وكان عبد االله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون االله ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع. فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ,ومنهم من يقدم بعد ذلك ,فإذا قدموا رموا الجمرة ,وكان ابن عمر يقول :أرخص في أولئك رسول االله .(٢) كما جاء الترخيص السابق من حديث أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد عن عائشة > قالت :نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي سودة أن تدفع قبل حطمة الناس ,وكانت امرأة بطيئة فأذن لها ,فدفعت قبل حطمة الناس. وأقمنا حتى أصبحنا نحن ثم دفعنا بدفعه ,فلأن أكون استأذنت رسول ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٢٢ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر ).(١٥٩٢ كما جاء الترخيص من حديث ابن جريج قال :حدثني عبد االله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة, ثم قالت :يا بني هل غاب القمر? قلت :لا ,فصلت ساعة ثم قالت :هل غاب القمر? قلت :نعم ,قالت: فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها: يا هنتاه ,ما أرانا إلا قد غلسنا ,قالت :يا بني ,إن رسول االله أذن للظعن).(٢ قال الحافظ ابن حجر :ومغيب القمر تلك الليلة يقع عند أوائل الثلث الأخير).(٣ كما جاء الترخيص من حديث عبيد االله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر ).(١٥٩٧ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر ).(١٥٩٥ ) (٣ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٢٧ وأغرب القاضي عبد الوهاب المالكي فقال: وللإمام تقديم ضعفة أهله ليلة المزدلفة إلى منى بشرط الدم ,وقيل إنها رخصت له خصوصا).(٢ وبعد السابق نقول إن كون المبيت إلى الفجر هو الأفضل لا يستلزم كونه أقل ما يجزي الواقف ,وقد اختلف الفقهاء في أقل ما يطلق على صاحبه أنه بات بها فقال بعض الفقهاء إن النزول بمزدلفة بقدر ما يصلي المغرب والعشاء ويتعشى يجزيه ولو أفاض منها قبل نصف الليل ,ومن هؤلاء من يضيف شرط حط الرحال).(٣ ومن الفقهاء من حدد وجوب الإقامة بمزدلفة بنصف الليل ,فمن دفع منها بعد منتصف الليل فلا شيء عليه وأجزاه فعله السابق ,وإن دفع منها قبل نصف الليل لزمه دم).(٤ ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر ).(١٥٩٤ ) (٢القاضي عبد الوهاب ,التلقين ,ج ,١ص.٢٣١ ) (٣الشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٤٣ ) (٤البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٦والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٧وابن ومنهم من لم يشترط استغراق النصف الأول من الليل ,لحديث استئذان سودة فإنه لم يبين لها وقتا مخصوصا).(٢ والدم السابق يحكم به ما لم يعد فإن عاد فلا دم عليه كالذي دفع من عرفة نهارا ,وللشافعية قولان في الدم السابق أهو على سبيل الوجوب أو ليس هو بواجب كما هو الحال معهم فيمن أفاض من عرفات قبل الغروب, وقد تقدم الكلام عليه. ومن لم يوافق مزدلفة إلا في النصف الأخير من الليل فلا شيء عليه ,لأنه لم يدرك جزءا من النصف الأول فلم يتعلق به حكمه كمن أدرك الليل بعرفات دون النهار).(٣ ودليل كون الإجزاء متعلقا بنصف الليل أن النبي بات بها وقال خذوا عني مناسككم ,وإنما أبيح الدفع بعد نصف الليل بما ورد من الرخصة قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٥ ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٥٢ ) (٢القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٦٣ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٨وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٥ واستدل بعضهم بترخيص النبي للضعفة ووجهوه بأنه لو كان الدفع قبل الفجر حراما لما اختلف بالضعفة وغيرهم).(١ ولكن يعترض على هذا القياس بأنه قياس مع وجود الفارق ,على أن الأظهر أن الاختلاف بين الضعفة وغيرهم في الحال والقدرة هو علة التفريق بينهم في الحكم ,ثم إن قياس القوي على الضعيف قياس مع الفارق الكبير).(٢ على أنه لو كان الإذن في الدفع قبل صلاة الفجر عاما للناس لم تستأذنه عائشة لسودة ,ولو فهمت −وهي السائلة −أن إذنه لسودة إذن لكل الناس لم تتأسف على أنها لم تستأذنه لنفسها وهي أعلم بمعنى ما سألته وما أجابها, وإنما كانت الرخصة مقصورة على ذي العذر فخشيت عائشة أن لا تكون هي من جملة أولي الأعذار فبنت على الأصل).(٣ واحتج ابن المنذر لقول من أوجب المبيت بمزدلفة على غير الضعفة بأن حكم من لم يرخص له ليس كحكم من رخص له ,ومن جعلهما سواء لزمه ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٣١ ) (٢الشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٤٨ ) (٣ابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٦٢٢ وللرعاة أن لا يبيتوا بمنى ,فإن أجيب بأن الرخص لا تعدو مواضعها قيل فليستعمل ذلك هنا ولا يأذن لأحد أن يتقدم من جمع إلا لمن رخص له رسول االله .(١) وللاعتراضات السابقة ذهب آخرون من أهل العلم إلى وجوب الوقوف بمزدلفة لمن لم يكن من الضعفة إلى طلوع الفجر بل منهم من ذهب إلى أنه إن دفع منها قبل الفجر لزمه دم; واختلفوا في سبب وجوب الدم فقيل لأن الوجوب استغراق الليل بالمبيت) ,(٢وقيل لأن وقت الوقوف بعد صلاة الصبح ,ومن حضر المزدلفة في ذلك الوقت فقد أتى بالوقوف ومن تركه ودفع ليلا فعليه دم إلا إن كان لعذر. وذهب آخرون إلى أنه إن مر بها ولم ينزل فعليه دم فإن نزل فلا دم عليه متى ما دفع. ) (١ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٢٧ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٣١ يشترط أن يبيت معظم الليل حتى يجزيه ,وقيل بل الشرط الحضور حال طلوع الفجر).(١ قال ابن جعفر: ومن نزل المزدلفة ولم يقف) (٢بها فعليه دم ,وقد أساء حيث لم يبت بها, ومن وقف بالمزدلفة قبل طلوع الشمس فقد وقف ,ولا وقوف بعد طلوع الشمس ,وإن وقف بعد طلوع الفجر ثم أفاض قبل الإمام فلا ينبغي ذلك).(٣ وغني عن البيان أن التفصيلات السابقة إنما هي واردة على قول من ألزم الحاج بالمبيت في مزدلفة سواء كان الفعل ركنا أو واجبا ,أما القائلون بأن المبيت ليس بواجب بل هو سنة فلا يلزمهم السابق إذ لو ترك المبيت رأسا لما لزمه شيء. ومثل الذي ذكرناه في عرفة ذهب بعض أهل العلم إلى أن من أفاض من ) (١النووي ,روضة الطالبين ,ج ,٣ص ,٩٩والمجموع ,ج ,٨ص.١٢٢ ) (٢كذا في الأصل ولعل الأقرب :يبت كما يفيد ذلك السياق. ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٤والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٧٦ والسابق لا أدري له دليلا ,على أن من الثابت أن قد سبق النبي في الإفاضة من مزدلفة كما هو الحال في الضعفة ومن سار معهم ,وقد اعتذر جمع من أهل العلم لأصحاب هذا القول بجواز أنه لم يبلغهم الخبر).(٢ خامسا :إحياء ليلة مزدلفة بالعبادة ذهب جمع من أهل العلم إلى أن ليلة مزدلفة عظيمة تجمع أنواعا من الفضل كشرف الزمان والمكان إذ هي من الحرم ,وانضم إلى هذا جلالة أهل المجمع الحاضرين بها وهم وفد االله تعالى ومن لا يشقى بهم جليسهم ,فينبغي أن يعنى الحاضر هناك بإحيائها بالعبادة من صلاة أو تلاوة وذكر ودعاء وتضرع).(٣ ومما قد يستدل به للسابق حديث :من أحيى الليالي الأربع وجبت له الجنة ,ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر. ) (١ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص.٢٩١ ) (٢ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص.٢٩١ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٧والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٧٦والجيطالي, قناطر الخيرات ,ج ,٢ص ,٨٢والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٢٣وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٦ الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن وهب بن منبه عن معاذ بن جبل عن النبي مرفوعا).(١ وليس الحديث بشيء فسويد بن سعيد ليس بحجة إذ قال البخاري :فيه نظر; كان عمي فلقن ما ليس من حديثه) ,(٢وقال أبو حاتم :كان يدلس يكثر ذاك).(٣ وأسند ابن حبان عن يحيى بن معين قوله :لو كان لي فرس ورمح لكنت أغزو سويد بن سعيد ,وقال ابن حبان :يأتي عن الثقات في المعضلات يجب مجانبة رواياته ,هذا إلى ما يخطئ في الآثار ويقلب الأخبار).(٤ ورو￯ سويد الحديث عن عبد الرحيم بن زيد العمي وقد قال البخاري عنه :تركوه) ,(٥وقال النسائي :متروك).(٦ ) (١ابن عساكر ,تاريخ مدينة دمشق ,ج ,٤٣ص.٩٣ ) (٢البخاري ,التاريخ الأوسط ,ج ,٢ص.٣٧٣ ) (٣ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٤ص.٢٤٠ ) (٤ابن حبان ,المجروحين ,ج ,١ص.٣٥٢ ) (٥البخاري ,الضعفاء الصغير ,ص.٧٧ ) (٦النسائي ,الضعفاء والمتروكين ,ص.٦٨ أنها معمولة أو مقلوبة كلها ,يروي عن أبيه ,رو￯ عنه العراقيون. فأما ما رو￯ عن أبيه فالجرح ملزق بأحدهما أو بهما ,وهذا لا سبيل إلى معرفته; إذ الضعيفان إذا انفرد أحدهما عن الآخر بخبر لا يتهيأ حكم القدح في أحدهما دون الآخر ,وإن كان وجود المناكير في حديث منهما معا أو من أحدهما استحق الترك).(١ ومن الفقهاء من كان استدلاله لإحياء ليلة مزدلفة بما ورد من فضل إحياء ليلة العيد) (٢كحديث المرار بن حموية ثنا محمد بن المصفى ثنا بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي أمامة عن النبي قال: من قام ليلتي العيدين محتسبا الله لم يمت قلبه يوم تموت القلوب. والحديث أخرجه ابن ماجه بالإسناد السابق) ,(٣وفي إسناده بقية بن الوليد مدلس التسوية فلا يقبل ما لم يصرح بالتحديث. ورواه الشافعي من طريق إبراهيم بن محمد قال :قال ثور بن يزيد عن ) (١ابن حبان ,المجروحين ,ج ,٢ص.١٦١ ) (٢الهيتمي ,الحاشية على الإيضاح ,ص ,٣٤٦والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٢ص.١٩٣ ) (٣كتاب :الصيام ,باب :فيمن قام في ليلتي العيدين ).(١٧٨٢ حين تموت القلوب).(١ والحديث موقوف وفيه إبراهيم بن محمد شيخ الشافعي وقد تقدم أنه غير مقبول الرواية بل اتهمه غير واحد بالكذب. والطرق السابقة كلها مع اضطرابها في الصحابي الراوي مدارها على ثور بن يزيد ولم يرو عنه في الطرق كلها إلا متهم. وجاء الحديث من طريق جرير بن عبد الحميد عن عمر بن هارون البلخي عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت أن رسول االله قال :من صلى ليلة الفطر والأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب).(٢ وجاء الحديث من طريق عيسى بن إبراهيم القرشي عن سلمة بن سليمان الجزري عن مروان بن سالم عن ابن كردوس عن أبيه قال :قال رسول االله : من أحيى ليلتي العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب. ) (١البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٣ص.٣١٩ ) (٢الطبراني ,الأوسط ,ج ,١ص.٥٧ وفيه آفات :أما مروان بن سالم فقال أحمد :ليس بثقة ,وقال النسائي والدارقطني والأزدي :متروك ,وأما سلمة بن سليمان فقال الأزدي :هو ضعيف ,وأما عيسى فقال يحيى :ليس بشيء).(١ وقال الذهبي :وهذا حديث منكر مرسل).(٢ والناظر لوصف جابر بن عبد االله يظهر له أن النبي ما قام تلك الليلة بل نام إلى الفجر كما قال جابر بن عبداالله : حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ,ولم يسبح بينهما شيئا ,ثم اضطجع رسول االله حتى طلع الفجر).(٣ قال ابن جماعة :ولم يصح عن النبي في إحيائها شيء ,فتخصيصها بالإحياء بدعة كتخصيص ليلة الرغايب وليلة النصف من شعبان بالإحياء, وقد أنكره جماعة من محققي العلماء).(٤ ) (١ابن الجوزي ,العلل المتناهية ,ج ,٢ص.٥٦٢ ) (٢الذهبي ,ميزان الاعتدال ,ج ,٥ص.٣٧٢ ) (٣أخرجه مسلم ,في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  ) (٤ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١١٩٢ بات النبي في مزدلفة بعد صلاتي العشاءين ,ثم صلى الصبح في أول وقتها كما يثبت عنه ذلك رواة فعله ,فقد قال جابر بن عبد االله أن النبي  صلى الصبح حين تبين الصبح).(١ وفي حديث ابن مسعود :ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع الفجر ,ثم قال :إن رسول االله قال :إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا ,وصلاة الفجر هذه الساعة).(٢ وقول ابن مسعود يريد به أنه صلاها قبل وقتها الذي كان يصليها فيه من قبل وفي أحوال غير مزدلفة).(٣ والتقديم السابق لصلاة الفجر يوم النحر عند طلوع الفجر هو المأمور به عند الفقهاء) ,(٤اقتفاء لفعل النبي ,وليتسع وقت الوقوف عند المشعر ) (١أخرجه مسلم ,في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :متى يصلي الفجر بجمع صلاة الفجر بالمزدلفة ).(١٥٩٩ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٨١ ) (٤الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٧٥والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٨١وابن الدعاء).(٢ وصلاة الفجر بمزدلفة ذهب بعض الفقهاء إلى وجوبها وأن من صلاها خارجها عليه دم إلا إن رجع وصلى قبل خروج الوقت).(٣ وقد كان هدي النبي أنه يذكر االله تعالى عند المشعر الحرام وهو جبل قزح) ,(٤فيرقى عليه إن أمكنه وإلا وقف عنده فذكر االله تعالى ودعا واجتهد حتى يسفر جدا) (٥لما في حديث جابر في صفة حجة النبي أنه لم يزل واقفا حتى أسفر جدا. قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٤والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٢٩٦وابن النجيم, البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٨ ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٤ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١١٥ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٧٧ ) (٤وهو غير منصرف للعدل والعلمية كعمر ,من قزح الشيء ارتفع ,والعدل تقديري فكأنه معدول عن قازح كزفر عن زافر. العيني ,البناية ,ج ,٤ص ,٢٢٨وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٦٦ ) (٥الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٨٢وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٤ الحرام بليل) ,(١وذلك حديث الليث عن يونس عن ابن شهاب قال سالم: وكان عبد االله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون االله ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع. فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ,ومنهم من يقدم بعد ذلك ,فإذا قدموا رموا الجمرة ,وكان ابن عمر يقول :أرخص في أولئك رسول االله .(٢) وذهب بعض أهل العلم إلى أن الوقوف السابق بعد الفجر واجب وهو المقصود بالأصالة في الوقوف بالمزدلفة ,ومن ترك الوقوف بها بعد الصبح من غير عذر فعليه دم ,وإن كان بعذر الزحام فتعجل السير إلى منى فلا شيء عليه).(٣ ) (١ابن تيمية ,شرح العمدة ,ج ,٣ص.٥٢٣ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر ).(١٥٩٢ ) (٣العيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.١٧ اللهم كما وقفتنا فيها وأريتنا إياها فوفقنا لذكرك كما هديتنا ,واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك ﴿y‰ΨÏã ©!$# (#ρãà2øŒ$$sù ;M≈sùttã ï∅ÏiΒ ΟçFôÒsùr& }!#sŒÎ*sù t⎦,Îk!!$Ò9$# z⎯Ïθs9 ⎯Ï&Î#ö7s% ⎯ÏiΒ ΟçFΖà2 βÎ)uρ öΝà61y‰yδ $yθx. çνρãà2øŒ$#uρ ( ÏΘ#tysø9$# Ìyèô±yθø9$# ∪∇®⊇∩ Ö‘θàxî ©!$# χÎ) 4 ©!$# (#ρãÏøótGóTM$#uρ â ̈$ ̈Ψ9$# uÚ$sùr& ß]ø‹ym ô⎯ÏΒ (#θàÒ‹Ïùr& ¢ΟèO ‘§.(١)﴾ÒΟ‹Ïm ولو وقف الناسك في غير قزح أجزاه ,وإن كان الأولى الحرص على موقف النبي بقزح).(٢ واستحب بعض الفقهاء الاغتسال بالمزدلفة بعد نصف الليل للوقوف بالمشعر الحرام وللعيد ولما فيها من الاجتماع ,فإن عجز عن الماء تيمم).(٣ ولا أعلم دليلا يفيد ندبية الاغتسال في هذا الموقف ,وظاهر حديث جابر بن عبد االله أن النبي ما اغتسل. ) (١الدمياطي ,إعانة الطالبين ,ج ,٢ص ,٣١١وابن مفلح ,المبدع ,ج ,٣ص.٢٣٧ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٢٣ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٠والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٢٣والسبكي, فتاو￯ السبكي ,ج ,١ص.٢٨٨ جابر بن عبد االله في وصف فعل النبي إذ قال: وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ,ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده ,فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا).(٢ والذكر السابق على قزح ليس هو بنسك واجب بل أمر مستحب ينبغي الإتيان به دون وجوب ,ولا يترتب على تاركه دم ,وعلى هذا الجماهير من أهل العلم ,بل قد حكي عليه الإجماع كما تقدم).(٣ وذهب بعض أهل العلم إلى أن الذكر عند المشعر الحرام نسك واجب لفعل النبي ,وللأمر به في الآية).(٤ ﴿ï∅ÏiΒ ΟçFôÒsùr& !#sŒÎ*sù 4 öΝà6În/§‘ ⎯ÏiΒ WξôÒsù (#θäótGö;s? βr& îy$oΨã_ öΝà6ø‹n=tã }§øŠs9 βÎ)uρ öΝà61y‰yδ $yθx. çνρãà2øŒ$#uρ ( ÏΘ#tysø9$# Ìyèô±yθø9$# y‰ΨÏã ©!$# (#ρãà2øŒ$$sù ;M≈sùttã ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٢٣ ) (٢أخرجه مسلم ,في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  ) (٣الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٥والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٨٢ ) (٤ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٥والشوكاني ,وبل الغمام ,ج ,١ص ,٥٥٠وشيخنا الخليلي ,الفتاو￯ ,الكتاب الأول ,ص.٣٨٤ .(١)﴾ÒΟ‹Ïm§‘ Ö‘θàxî ©!$# χÎ) 4 ©!$# (#ρãÏøótGóTM$#uρ ومن أهل العلم من ألزم من لم يذكر االله غداة المزدلفة بعد صلاة الفجر دما) ,(٢والإلزام بالدم فرع كون الأمر واجبا. ولكن الأمر بالذكر في الآية الكريمة مطلق لم يقيد بلفظ ولا فعل معين فكل ما صدق عليه أنه ذكر في مزدلفة يبرئ ذمة آتيه إذ يصدق عليه أنه قد ذكر االله في المشعر الحرام ,وقد يتحقق بنفس صلاة الفجر في المزدلفة كما صرح بذلك جمع من أهل العلم ) ;(٣إذ الصلاة من أفضل الأذكار. على أن ظاهر الآية الكريمة أن الأمر بالذكر مأمور به عقب الإفاضة من عرفات فقد عطف بحرف الفاء الذي يفيد التعقيب دون مهلة ,والقائلون بالوجوب السابق قالوا به بعد طلوع الفجر ,ومن غير شك أن في ذلك مهلة طويلة. ) (١سورة :البقرة ,الآيتان ).(١٩٩−١٩٨ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٥٥والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٧والجيطالي, مناسك الحج ,ج ,٢ص.٢٩٧ ) (٣الطبري ,جامع البيان ,ج ,٢ص ,٢٨٧والرازي ,مفاتيح الغيب ,ج ,٥ص.١٥٢ المشعر الحرام ,وهو واقع بمزدلفة على الطريق رقم ) ,(٥وهو مسقف طوله من الشرق إلى الغرب تسعون مترا )٩٠م( ,وعرضه ستة وخمسون مترا )٥٦م( ,ويستوعب أكثر من اثني عشر ألف مصل. وبين هذا المسجد ومسجد الخيف بمنى نحو خمسة كيلومترات )٥كم(, وبينه ومسجد نمرة نحو سبعة كيلومترات )٧كم().(١ المطلب الخامس :الدفع من مزدلفة إلى منى لم يكن ثمة خلاف بين أهل العلم أن السنة في الدفع من مزدلفة أن يكون قبل طلوع الشمس) ,(٢فقد فعل ذلك النبي وأرشد إليه كما في حديث جابر بن عبد االله إذ قال: ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس).(٣ ) (١محمد إلياس ,تاريخ مكة ,ص.١١٤ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٧٥والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٢٠وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٥ ) (٣أخرجه مسلم ,في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  خالفهم النبي كما في حديث عمرو بن ميمون قال :شهدت عمر صلى بجمع الصبح ثم وقف فقال :إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ,ويقولون :أشرق ثبير ,وأن النبي خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس).(١ وبعد تقرر أن المشروع الدفع قبل طلوع الشمس نقول إنه مشروع بعد إسفار الفجر جدا أي قبيل طلوع الشمس بقليل فيستمر الداعي والذاكر في ذكره على وجه يخرج فيه من مزدلفة قبيل طلوع الشمس بقليل ,ودليل ذلك فعل النبي كما رواه جابر في الحديث إذ قال في الحديث الذي ذكر قبل قليل :فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا. ورو￯ ابن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر أنه سمع سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع يخبر عن جبير بن الحويرث أنه سمع أبا بكر وهو واقف على قزح وهو يقول: أيها الناس أصبحوا ,أيها الناس أصبحوا ,ثم دفع فكأني أنظر إلى فخذه ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :متى يدفع من جمع ).(١٦٠٠ وإلى استحباب السابق ذهب جمع من أهل العلم أخذا بالمنقول عن النبي ,(٢)قال الإمام أبو الشعثاء :الدفع من جمع حين تنظر الدواب مواضع قوائمها والناس).(٣ وذهب آخرون إلى أن الأفضل لمن أراد الدفع من مزدلفة أن يخرج بغلس أي والوقت مظلم قبل الإسفار ,وعلتهم مخالفة النبي أهل الجاهلية الذين يفيضون بعد شروق الشمس على ثبير).(٤ والتزام هدي النبي أولى ,ثم إنه لا تلازم بين مجاوزة محسر قبل طلوع الشمس لمخالفة المشركين وبين الخروج بغلس ,بل قد يخرج بإسفار ومع ذلك يجاوز محسر قبل طلوع الشمس كما فعل النبي ,فالأولى الأخذ بفعليه كليهما. وقد يقال بالسابق في حق من كان خروجه في وقت إسفار الفجر يؤدي ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٩٩ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٧٨والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٦وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٦ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٧٨ ) (٤القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٦٣ في وقت تتجاوز فيه وادي محسر قبل طلوع الشمس ولو كان بغلس, فالمقصود بالأصالة مخالفة المشركين بالدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس. ومما يستحب لمن دفع من مزدلفة أن يسرع في دفعه إذا ما بلغ وادي محسر) ,(١وذلك قدر رمية بحجر) ,(٢كما رو￯ ذلك جابر بن عبد االله إذ قال واصفا فعل النبي :حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا).(٣ ورو￯ الترمذي عن محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد االله بن أبي رافع عن الإمام علي بن أبي طالب قال في وصفه فعل النبي :ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر فقرع ناقته فخبت حتى جاوز ) (١الجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٢٩٩والجيطالي ,قناطر الخيرات ,ج ,٢ص ,٨٢وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٦والقرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٢ص ,٤٢٩وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص ,٣٦٨والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٦٣ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٨٢وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٦وابن النجيم ,البحر الرائق ,ج ,٢ص ,٣٦٨والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٦٣ ) (٣أخرجه مسلم ,في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  والتحديد برمية بحجر رواه الإمام مالك عن نافع عن عبد االله بن عمر أنه كان يحرك راحلته في بطن محسر قدر رمية بحجر).(٢ ووادي محسر موضع فاصل بين منى ومزدلفة وليس من واحدة منهما بل أوله آخر مزدلفة ,وآخره أول منى ,وهو من الحرم).(٣ والوادي المذكور سمي وادي محسر بضم الميم وفتح الحاء والسين وكل عن المشددة المكسورة لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيىَّ السير).(٤ ورأ￯ بعضهم خلاف السابق فقالوا إن الفيل لم يدخل الحرم أصلا, ومزدلفة ومحسر من الحرم ,ولكن سمي محسرا لأنه يحسر سالكيه ويتعبهم).(٥ وقيل إنه يسمى أيضا وادي النار ,لأن رجلا اصطاد فنزلت نار حرقته).(٦ ) (١كتاب :الحج ,باب :ما جاء أن عرفة كلها موقف ) ,(٨٨٥وقال إثره :حسن صحيح. ) (٢مالك بن أنس ,الموطأ ,ج ,١ص.٣٩٢ ) (٣النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١١٧ ) (٤النووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١١٧والقطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص.١٦٧ ) (٥العيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.١٦ ) (٦العيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص ,١٦الجمل ,الحاشية ,ج ,٢ص.٤٦٣ الراحلة كما ورد في حال إفاضته من عرفات إلى مزدلفة أنه إذا وجد فرجة نص ,كما يحتمل أن يكون تحريكه ندبا ,وقال الماوردي :أما ما روي من فعل الصحابة فلا يحتمل إلا الندبية).(١ وقد رو￯ ابن أبي شيبة الإسراع في وادي محسر عن جمع من الصحابة),(٢ فقد رو￯ عن وكيع عن مسعر عن سعد بن إبراهيم أن عائشة كانت تسرع في وادي محسر. ورو￯ عن وكيع عن موسى بن عبيدة عن يزيد بن عبد الرحمن أن ابن عمر لما أتى وادي محسر ضرب راحلته ,وعن وكيع عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد االله بن مسعود أوضع في وادي محسر ,وعن ابن فضيل عن إسماعيل عن عطاء عن ابن عباس أنه لم ير بأسا بالإيضاع في وادي محسر وكرهه في جبال عرفات. وعن ابن فضيل عن عمر بن ذر عن عبد الملك بن الحارث عن عقبة مولى أدلم بن ناعمة الحضرمي أنه دفع مع الحسين بن علي من جمع فلم يزد على ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٨٢وابن مفلح ,المبدع ,ج ,٣ص.٢٣٨ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٤٢٧ بسوطك ,ودفع في الوادي حتى استوت به الأرض وخرج من الوادي. ويرو￯ أن عمر لما أتى محسر أسرع وقال: إليك تعدو قلقا وضينها ,مخالفا دين النصار￯ دينها ,معترضا في بطنها جنينها) ,(١كما في حديث علي بن هاشم عن هشام عن أبيه قال :كان عمر يوضع يقول: إليك تعدو قلقا وضينها معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النصار￯ دينها والسابق أخرجه ابن أبي شيبة) ,(٢غير أن به انقطاعا فعروة أبو هشام لم يلق عمر بن الخطاب ,غير أن ابن أبي شيبة رواه في موضع آخر من طريق محمد بن فضيل عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت :كان عمر يتمثل بهذا ) (١ومعنى هذا البيت أن ناقتي تعدو إليك يا رب مسرعة في طاعتك ,قلقا وضينها وهو الحبل الذي كالحزام وإنما صار قلقا من كثرة السير والإقبال التام والإجهاد البالغ في طاعتك ,والمراد صاحب الناقة ,وقوله :مخالفا دين النصار￯ دينها بنصب دين النصار￯ ورفع دينها أي إني لا أفعل فعل النصار￯ ولا أعتقد اعتقادهم. النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٢٨ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٤٢٧ بكونها في وادي محسر بل هي مطلقة من حيث المكان. ورواه هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن عمر بن الخطاب).(٢ وقال القاضي حسين من الشافعية إنه يستحب لمن قطع وادي محسر أن يقول قول عمر بن الخطاب السابق).(٣ وجاء السابق من قول النبي حال الدفع من عرفات كما في حديث أبي الربيع السمان عن عاصم بن عبيد االله عن سالم عن أبيه أن رسول االله  أفاض من عرفات وهو يقول :إليك تعدو قلقا وضينها ,مخالفا دين النصار￯ دينها. والحديث أخرجه الطبراني وقال إثره :وهم عندي أبو الربيع السمان في رفع هذا الحديث إلى رسول االله ;لأن المشهور في الرواية عن ابن عمر من عرفات وهو يقول ثم ذكر الرجز).(١ ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٥ص.٢٧٥ ) (٢البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١٢٦ ) (٣النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٢٨ حديثه. وأما أبو الربيع السمان فقال ابن معين :ليس حديثه بشيء) ,(٢وقال أحمد: حديثه ليس بذاك ,مضطرب) ,(٣وقال يحيى بن أيوب :سمعت هشيم يقول: أبو الربيع السمان كان يكذب ,وقال الدارقطني :متروك. وقال أبو حاتم :ضعيف الحديث منكر الحديث سيء الحفظ يروي المناكير عن الثقات سمعت أبا زرعة يقول :أشعث بن سعيد أبو الربيع السمان ضعيف الحديث).(٤ وقال ابن حبان :يروي عن الأئمة الثقات الأحاديث الموضوعات وبخاصة عن هشام بن عروة كأنه ولع بقلب الأخبار عليه).(٥ ومن أهل العلم من علل التحريك السابق بوادي محسر بكون الوادي المذكور من الأماكن التي حل بها خسف وعذاب وكان من هديه الإسراع ) (١الطبراني ,المعجم الكبير ,ج ,١٢ص.٣٠٨ ) (٢ابن معين ,تاريخ ابن معين )الدوري( ,ج ,٤ص.٨٠ ) (٣أحمد بن حنبل ,العلل ,ج ,٢ص.٥١٦ ) (٤ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٢ص ,٢٧٢وابن عدي ,الكامل ,ج ,١ص.٣٧٦ ) (٥ابن حبان ,المجروحين ,ج ,١ص.١٧٢ بل هو لكل مار به).(١ ومن أهل العلم من قال إن إسراع النبي في الوادي المذكور كان لأنه مأو￯ الشياطين) ,(٢ولا أدري ما الذي يعتل به هؤلاء لقولهم إذ لم أجد دليلا يؤيد ما قالوا ,وما دام الأمر على ذلك فمن العسير الركون إلى قولهم. ومشروعية التحريك في الوادي المذكور مذهب الجماهير من أهل العلم, غير أنه جاء ما يفيد أن تحريك النبي في الوادي المذكور لم يكن لذات التحريك بل لأن الإبل قد أزعجت فتحركت للإزعاج السابق ,وعليه فليس التحريك مقصودا لذاته كما في حديث حماد بن زيد عن كثير بن شنظير عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال :إنما كان بدء الإيضاع من قبل أهل البادية ,كانوا يقفون حافتي الناس حتى يعلقوا العصي والجعاب والقعاب, فإذا نفروا تقعقعت تلك فنفروا بالناس. قال :ولقد رئي رسول االله وإن ذفر￯ ناقته ليمس حاركها وهو يقول بيده :يا أيها الناس عليكم بالسكينة ,يا أيها الناس عليكم بالسكينة. ) (١الجمل ,الحاشية على شرح المنهج ,ج ,٢ص.٤٦٣ ) (٢ابن مفلح ,المبدع ,ج ,٣ص.٢٣٨ بن شنظير كلاما يجرحه ويبعده عن رتبة الصحيح ,فقد قال أبو زرعة :لين, وعن عمرو بن علي قال :كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن كثير بن شنظير, حدثته يوما عن بشر بن المفضل عن كثير بن شنظير فقال :كثير بن شنظير كثير بن شنظير).(٢ وقال النسائي :ضعيف) ,(٣وقال يحيى بن معين :ليس بشيء) ,(٤وقال ابن حبان :كان كثير الخطأ على قلة روايته ,ممن يروي عن المشاهير أشياء مناكير حتى خرج بها عن حد الاحتجاج إلا فيما وافق الثقات).(١ ) (١أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,١ص.٢٤٤ وقد فسر محققو المسند لطبعة مؤسسة الرسالة بعض ألفاظ الحديث فقالوا :الجعاب جمع جعبة وهي الكنانة التي تجعل فيها السهام ,والقعاب جمع قعب وهو القدح الضخم الغليظ من الخشب ,وتقعقعت أي ضرب بعضها بعضا فكان منها صوت وصخب ينفر منه الناس والدواب ,ذفر￯ ناقته أصل أذنها ,والحارك أعلى الكاهل. أحمد بن حنبل ,المسند )طبعة مؤسسة الرسالة( ,ج ,٤ص.٧٥ ) (٢ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٧ص.١٥٣ ) (٣النسائي ,الضعفاء والمتروكين ,ص.٨٩ ) (٤ابن معين ,تاريخ ابن معين )رواية الدوري( ,ج ,٤ص.٢١٢ أولهما :أنه ليس في الحديث تصريح بترك الإسراع في وادي محسر فلا يعارضان الصريح بإثبات الإسراع. ثانيهما :أنه لو صرح فيهما بترك الإسراع كانت رواية الإسراع أولى لوجهين :أحدهما أنها إثبات وهو مقدم على النفي ,والثاني أنها أكثر رواة وأصح أسانيد وأشهر فهي أولى).(٢ والأكثرون من أهل العلم على أن الإسراع السابق مسنون لكل من جاز الوادي المذكور راكبا كان أو راجلا ,وذهب بعضهم إلى أنه أمر خاص بمن اجتاز الوادي المذكور راكبا ,أما الراجل فلا يسن له التحريك في المشي).(٣ ولعل هؤلاء نظروا إلى حال اجتياز النبي فقد كان راكبا وأسرع ,أما الجمهور فنظروا إلى مطلق الاجتياز وأنه كان مع التحريك في السير دون تقييد بركوب إذ ليس الركوب مؤثرا في الحكم فيتعلق الأمر بمطلق الاجتياز وهذا يأتي على الراكب والراجل. ) (١ابن حبان ,المجروحين ,ج ,٢ص.٢٢٣ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٢٩ ) (٣الجيطالي ,قناطر الخيرات ,ج ,٢ص ,٨٢والنووي ,روضة الطالبين ,ج ,٣ص.١٠٠ المذكور وهي كونه من مناطق العذاب ,وهذه العلة ليست بخاصة بالراكب بل شاملة الراجل أيضا. ومن الفقهاء من صرح بكون التحريك السابق بوادي محسر تعبديا خاصا بالرجال دون النساء).(١ وقال الكاساني: وأما مكانه فجزء من أجزاء مزدلفة أي جزء كان ,وله أن ينزل في أي موضع شاء منها إلا أنه لا ينبغي أن ينزل في وادي محسر لقول النبي  عرفات كلها موقف إلا بطن عرنة ,ومزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر. وروي أنه قال :مزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن المحسر ,فيكره النزول فيه ولو وقف به أجزاه مع الكراهة).(٢ وتعقبه ابن الهمام بأن الذي يقتضيه النظر −إن لم يكن إجماع على عدم إجزاء الوقوف بالمكانين −هو أن عرنة ووادي محسر إن كانا من مسمى عرفة والمشعر الحرام يجزي الوقوف بهما ويكون مكروها; لأن القاطع أطلق ) (١الأبي ,الثمر الداني ,ص.٣٧٤ ) (٢الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٣٦ بخبر الواحد لا تجوز فيثبت الركن بالوقوف في مسماهما مطلقا ,والوجوب في كونه في غير المكانين المستثنيين ,وإن لم يكونا من مسماهما لا يجزي أصلا وهو ظاهر والاستثناء منقطع).(١ وحديث استثناء محسر من جمع مضى تخريجه مفصلا في الفصل السابق عند حديث عرفة كلها موقف وارتفعوا عن عرنة. كانت مجاوزة النبي وادي محسر قبل شروق الشمس ,وللفقهاء خلاف في وجوب الفعل السابق ,فذهب الجمهور منهم إلى عدم وجوبه وأن من أخل بالسابق فلم يجاوز الوادي المذكور إلا بعد طلوع الشمس فليس عليه شيء) ,(٢ورجح هذا الرأي الإمام أبو سعيد الكدمي .(٣) ولا أدري ما الذي يصرف الكثيرين عن القول بالوجوب هنا مع أن تأصيلهم الذي بنوه أن الأصل في أفعال الحج الوجوب لحديث "لتأخذوا ) (١ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٨٤ ) (٢الشافعي ,الأم ,ج ,٢ص ,٢١٢والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص ,٢٦٣والشقصي ,منهج الطالبين ,ج ,٧ص.٢٤٧ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٧٦ السابق إذ الحديث المذكور يؤخذ منه مطلق المشروعية التي أقل مراتبها الندب والسنية ,فيفهم فعل النبي على الأصل السابق. وذهب بعض أهل العلم إلى أن من طلعت عليه الشمس ولم يجاوز وادي محسر فإن عليه دما) ,(١وإيجاب الدم على تارك فعل فرع كون ذلك الفعل واجبا) ,(٢وقد مضى ما فيه ,ومن هؤلاء من عذر من ذهب به النوم والمغمى عليه لأنهما مغلوبان) ,(٣وقد يستدل للقول بالوجوب بأن فعله كان مخالفة لهدي المشركين فيجب. والدافع من مزدلفة يستصحب معه التلبية كما تقدم; إذ التوقف عنها لا يكون إلا عند رمي جمرة العقبة. ) (١البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٧وشيخنا الخليلي ,الفتاو￯ ,الكتاب الأول ,ص.٣٨٣ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٧٥ ) (٣البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٧٧ المطلب الأول :وصف جمرة العقبة جاوز النبي وادي محسر حينما أسفر الفجر جدا ,فقصد جمرة العقبة ولم يعرج على شيء سواها ,وقد كان سالكا في سيره هذا الطريق الوسطى التي تؤدي إلى جمرة العقبة مباشرة. وعندما كان في محسر أمر الناس أن يلتزموا في حجارة رميهم أن تكون مثل حصى الخذف كما في حديث الليث عن أبي الزبير عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس عن الفضل بن عباس −وكان رديف رسول االله − أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا: عليكم بالسكينة وهو كاف ناقته حتى دخل محسرا وهو من منى قال: عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة ,وقال لم يزل رسول االله يلبي حتى رمى الجمرة).(١ ووصف جابر بن عبد االله } تحركه فقال :حتى أتى بطن محسر ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر ).(١٢٨٢ أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ,رمى من بطن الوادي).(١ والطريق الوسطى التي سلكها النبي مخالفة لما ذكرناه عنه أنه سلكه من قبل إذ إنه سلك في ذهابه من منى إلى عرفات طريق ضب ,وفي رجوعه إلى منى سلك طريقا غيره ,وقد كان ذلك سننا يقتفيه كما كان يخالف طريق ذهابه إلى مصلى العيد وطريق إيابه ,ودخل مكة من طريق وخرج من غيره ,وحول رداءه يوم الاستسقاء تفاؤلا بتغير الحال إلى الأحسن) ,(٢وقد استحب جمع من أهل العلم سلوك الطريق التي سلكها النبي ,(٣)وقال الأزرقي: الطريق الوسطى وهي التي سلكها رسول االله يوم النحر من مزدلفة حين غدا من قزح إلى الجمرة ولم تزل أئمة الحج تسلكها حتى تركت من سنة ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  ) (٢النووي ,شرح صحيح مسلم ,ج ,٨ص.١٩٠ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٨والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٢٨وابن مفلح, المبدع ,ج ,٣ص.٢٣٩ وليست بطريق النبي).(١ ويتمثل هذا الطريق في الوقت الحاضر في طريق المشاة الممتد من عرفات فمزدلفة فوادي محسر منتهيا إلى منى فجمرة العقبة ,وهو بين طريق الملك عبد العزيز في غرب منى وشارع الجوهرة وسوق العرب من جهة الشرق).(٢ وقد كان في سيره هذا متظللا اتقاء الشمس كما في حديث زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته قالت :حججت مع رسول االله حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي , والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة).(٣ وظاهر الأمر أن النبي قصد الجمرة بإفاضته من محسر ,لذا قال جمع من الفقهاء إنه يستحب أن لا يعرج على شيء من نزول أو حط رحل أو غير ) (١الأزرقي ,أخبار مكة ,ج ,٢ص.١٨٦ ) (٢من كلام للأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان المكي في مقال عن منى نشرته صحيفة عكاظ السعودية في عددها ٢٠٢١الصادر بتاريخ ٩شوال ١٤٢٧هـ الموافق ٢٠٠٦/١٢/٢٩م. ) (٣أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ).(١٢٩٨ منى ,ومنهم من قال تحية الحرم. قال ابن جماعة :وهذه المبادرة مستحبة إن لم يكن معها أذ￯ ,فإن كان فيستحب التأخير إلى أن تزول الزحمة المؤذية).(١ وقال بعض الفقهاء يسن لمن دخل منى قبل طلوع الشمس تأخير الرمي إليه ,وقد ينظر فيه بأن الرمي تحية البقعة والتحية تفوت بالتأخير ,ولا يعارض ذلك الكلام المذكور; لأن معناه أنه يندب تأخير دخول منى إلى طلوع الشمس).(٢ والندبية السابقة على قول من أجاز رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس, وقد خالف ذلك جمع من الفقهاء وقالوا إنه لا يصح رميها إلا بعد طلوع الشمس كما سيأتي بيانه. وجمرة العقبة هي في آخر منى من جهة مكة شرفها االله ,وقد اختلف أهل العلم فيها أهي من منى أو ليست هي من منى) ,(٣وليس ذلك بكبير الأهمية إذ ) (١ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص ,١٢١٨وابن الضياء ,البحر العميق ,ج.١٦٥٨ ,٣ ) (٢الهيتمي ,الحاشية على الإيضاح ,ص.٣٥٧ ) (٣ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص ,٥٨١والهيتمي ,الحاشية على الإيضاح ,ص,٣٥٤ أي بها تنتهي ,وهي ليست بالكبيرة من حيث المساحة ,فالأورع عدم المبيت فيها ليالي التشريق خروجا من الخلاف إذ ليس في القضية نص يحسم النزاع. والجمرة سميت باسم ما يرمى فيها وهي الحجارة) ,(١والجمرة مجتمع الحصى بمنى فكل كومة من الحصى جمرة) ,(٢وهي التي بايع رسول االله  الأنصار قريبا منها قبل الهجرة).(٣ وقال بعض الفقهاء إن هذه الجمرة على العقبة عن يمين مستقبل الكعبة إذا وقف في الجادة ,والمرمى مرتفع قليلا في سفح الجبل).(٤ ونقل الحطاب عن ابن فرحون في شرحه على ابن الحاجب أنه قال: وليس المراد بالجمرة البناء القائم وذلك البناء قائم وسط الجمرة علامة على موضعها والجمرة اسم للجميع).(٥ والأبي ,الثمر الداني ,ص ,٣٧٤ومجلة مجمع الفقه الإسلامي ,د ,٣ج ,٣ص.١٥٧٦ ) (١الأبي ,الثمر الداني ,ص.٣٧٤ ) (٢الأزهري ,الزاهر ,ص ,١٨٢والفيومي ,المصباح المنير ,ج ,١ص ,١٠٨مادة :جمر. ) (٣ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص ,١٢١٩وابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٨١ ) (٤ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١٢١٩ ) (٥الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٣٤ والجمرة اسم لمجتمع الحصى ,سميت بذلك لاجتماع الناس بها يقال تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا ,وقيل إن العرب تسمي الحصى الصغار جمارا فسميت تسمية الشيء بلازمه ,وقيل لأن آدم أو إبراهيم لما عرض له إبليس فحصبه جمر بين يديه أي أسرع فسميت بذلك).(٢ قال ابن جماعة :المرمى مجتمع الحصى عند البناء الشاخص هناك لا ما سال من الحصى ,ولا البناء الشاخص فإنه بني علامة على موضع الرمي).(٣ ولم أجد فيما وقعت عليه يداي من مراجع توصيفا صريحا للجمرة ما هي ,أهي حجر يرمى ,أو أنها موضع يقصد بالرمي دون غيره ,ثم إنه لو كان أحد الأمرين السابقين ما طوله وعرضه ,كل ذلك لم أجده. ونقل عن الجمال الطبري أنه قال :ولم يذكروا في المرمى حدا معلوما غير أن كل جمرة عليها علم فينبغي أن يرمي تحته على الأرض ولا يبعد عنه ) (١ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١٢١٩ ) (٢ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٨١ ) (٣ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١٢٢٤ جمرة العقبة فليس لها إلا وجه واحد وهو قريب مما تقدم).(١ وذكر الأزرقي أنه كانت الجمرة زائلة عن موضعها أزالها جهال الناس برميهم الحصى ,وغفل عنها حتى أزيحت عن موضعها شيئا يسيرا منها من فوقها فردت إلى موضعها الذي لم تزل عليه).(٢ والذي تواطأ الفقهاء على ذكره أن المكان الذي يقصد بالرمي هو مجتمع الحصى).(٣ وقال النووي :والمراد مجتمع الحصى في موضعه المعروف ,وهو الذي كان في زمان رسول االله ,فلو حول −والعياذ باالله −ورمى الناس في غيره واجتمع الحصى فيه لم يجزه ,ولو نحي الحصى إلى موضعه الشرعي ورمى إلى نفس الأرض أجزاه لأنه رمى في موضع الرمي).(٤ وفسر البجيرمي المرمى بقوله: ) (١الشربيني ,الإقناع ,ج ,١ص ,٢٥٧والشرواني ,الحواشي ,ج ,٤ص.١٣٢ ) (٢الأزرقي ,أخبار مكة ,ج ,١ص.٣٠٣ ) (٣البهوتي ,شرح منتهى الإرادات ,ج ,١ص ,٥٨٤والشربيني ,الإقناع ,ج ,١ص.٢٥٧ ) (٤النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٤٠ دون ما سال إليه ودون العلم المنصوب اهـ. ثم ذكر الخلاف في الشاخص أهو من المرمى أو ليس هو من المرمى, وعلى أنه ليس من المرمى لو أزيل من موضعه لم يجز الرمي في محله ,ثم ذكر القطع بأنه حادث ليس في زمان النبي ,ولم يكن النبي وصحبه يرمون حوالي محله ويتركون محله ,ولو وقع ذلك لنقل; فإنه غريب).(١ ويظهر من كلام بعض أهل العلم أن الجمرة موضع من الأرض يقصد بالرمي ,فقد قال الشرواني: لو فرش في جميع المرمى أحجار فأثبتت كفى الرمي عليها كما هو ظاهر; لأن المرمى وإن كان هو الأرض إلا أن الأحجار المثبتة فيه صارت تعد منه ويعد الرمي عليها رميا على تلك الأرض).(٢ والتفريع السابق وهو إجزاء رمي ما علا على الجمرة من أشياء هو تفريع لما قاله جمع من أهل العلم إن العلو يعطى حكم سفله ,والأمر هنا أن ما علا الجمرة متصل بها فأعطاه جمع من الفقهاء حكم الجمرة ,ومن ذلك نصهم ) (١البجيرمي ,حاشية البجيرمي ,ج ,٢ص.١٣٧ ) (٢الشرواني ,الحواشي ,ج ,٤ص.١٣٤ له. ومن السابق نصهم على أنه لو هبط المرمى إلى تخوم الأرض أو علا إلى السماء ورمي فيه أجزأ نظير الطواف ,وأنه لو بني عليه دكة أو منارة عالية أو سطح أو فرشت فيه أو بعضه أحجار وأثبتت أو ألقيت على أرضه وسترته بلا إثبات).(١ وقال الشيخ سليمان بن علي: المرمى الذي يترتب عليه الأحكام هو الأرض المحيطة بالميل المبني).(٢ وعرفه بعض المتأخرين بما يوحي بالسابق ومن ذلك تعريف إبراهيم رفعت في كتابه "مكة الحرمين" إذ قال: الجمار :هي حائط من الحجر ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار في عرض نحو مترين ,أقيم على منطقة صخرية مرتفعة عن الأرض بنحو متر ونصف ,ومن أسفل هذا الحائط حوض من البناء تسقط إليه حجارة الرجم. وعرفه الشيخ عبده بن علي العمري الحضرمي في منسكه "دليل الطريق )(١الشرواني ,الحواشي ,ج ,٤ص.١٣٤ ) (٢مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ,د ,٣ج ,٣ص.١٥٨٨ المرمى :هو المحل المبني فيه العلم −أي العمود −وضبط بثلاثة أذرع من مجموع جوانبه ,وقد حوط الآن على هذا المقدار بجدار قصير فالمرمى يكون داخله. وهذا في غير جمرة العقبة ,أما هي فلها جهة واحدة وعليها دائرة أمامها, فالمرمى يكون في وسط الدائرة تحتها).(١ وقد بني في موضع الجمرة شاخص لم أجد شيئا من النصوص يشير إليه أنه كان موجودا في زمن النبي وأصحابه والتابعين ,وقد جزم بعض الفقهاء بكونه حادثا وليس بموجود في القرون الفاضلة. ومنهم من ذكر أن الشاخص ما هو إلا علامة على الجمرة ,ومن السابق قول الإمام السالمي ~: للناســـكين الرمـــي للجـــمارومــن تمــام النــسك المختــار ثلاثـــة موضـــعها قـــد بينـــاوهــي مواضــع أعــدت بمنــى )(٢ وكلها بعـد الغـروب تقـذفــرف بنـــوا عليهـــا نقـــصا تعـِّ ) (١لم أر هذه الكتب لكن نقلت الكلام بالواسطة من كتاب :حدود المشاعر المقدسة للبسام. مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ,د ,٣ج ,٣ص.١٥٩٠ ) (٢السالمي ,جوهر النظام ,ج ,١ص.١٤٨ بقول أبي طالب عم النبي إذ قال: ) (١ يؤمون قذفا رأسها بالجنادلوبالجمرة الكبر￯ إذا صمدوا لها ومنهم من احتمل أن يكون في موضع الشاخص في عهده أحجار موضوعة بأمره الشريف ثم أزيلت بعده وبني الشاخص في موضعها, وسبب الاحتمال السابق استبعاد عدم تحديد النبي موضع الجمرة مع أنه َّبين حدود الحرمين الشريفين ونصب الأعلام عليها).(٢ والشاخص تناقله الناس ,ولم أجد أحدا من أهل العلم أنكره ,أوّبين مبدأه ,وقاعدة استصحاب العكس أو الاستصحاب المقلوب –لو قيل بها− تبين أنه كان موجودا في الزمن الماضي لعدم النص على حدوث تغيير فيها, فضلا عن المنقول من شعر أبي طالب. وقد كان مرمى الجمار غير محوط بل شاخص ويرمي الناس أصل الشاخص وما قرب منه من الأرض ,ثم أحدث في آخر شهر ذي القعدة من سنة ١٢٩١هـ )١٨٧٥م( شباك حديدي حول المرمى لدفع الزحام لا ) (١مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ,د ,٣ج ,٣ص.١٥٩٠ ) (٢البجيرمي ,حاشية البجيرمي ,ج ,٢ص ,١٣٧والشرواني ,الحواشي ,ج ,٤ص.١٣٤ ومساحة يسار العلم إلى جهة منى ما بين ركن العلم والشباك بذراع اليد أربعة أذرع وخمس أصابع ونصف ,ويمينه إلى جهة مكة ما بين ركنه والشباك خمسة أذرع ,وأما من جهة الوادي ذراع واحد وعشرة أصابع من جهة مكة ومنى ,وما بين طرفي الشباك مع إدخال مساحة العلم فيه ثلاثة عشر ذراعا وعشر أصابع ونصف).(١ والشباك الحديدي السابق أوقع الناس في التوهم أن كل ما دار عليه هو منطقة للرمي فدفع بإزالته وبناء أحواض على منطقة المرمى الأصلية عام ١٢٩٢هـ).(٢ وفي الأزمنة المتأخرة مرت جمرة العقبة بتطورات كثيرة حتمتها الأعداد الهائلة من الحجاج التي تؤم المشاعر العظام أيام الحج ,وأول تلك التطورات إزالة العقبة المعتلية في جانب الجمرة شمالا شرقا في جماد￯ الأولى سنة ١٣٧٦هـ )١٩٥٦م( لصالح توسعة المكان. ثم إنه في عام ١٣٩٣هـ تمت الموافقة على بناء طابق علوي على شارع ) (١مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ,د ,٣ج ,٣ص.١٥٨٩ ) (٢مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ,د ,٣ج ,٣ص.١٥٩٠ الزحام في منطقة الرمي السفلية).(١ والأمور السابقة كانت مع الحفاظ على منطقة المرمى على الحد الذي تناقلته الأمة عن سلفها جيلا بعد آخر. ومع السابق لا زالت مآسي الجمرات تتكرر كل عام للأعداد الهائلة من الحجيج وغلبة عدم التقيد بالأنظمة عليهم ,وكم هي قوافل الموتى التي تساق ضحية لحوادث الجمرات مع أن رسول االله قال :لزوال الدنيا أهون عند االله من قتل رجل مسلم).(٢ وللسابق وسعت منطقة الجمرات توسعة ضخمة تمثلت في زيادة منطقة المرمى زيادة كبيرة جدا تتضاعف على المنطقة السابقة بمرات كثيرة ,كما وسع معها شاخص الجمرة ,وجعل الرمي في طوابق أربعة نظمت فيها مناطق الذهاب والإياب على وجه يصبح فيه التزاحم والتدافع أمرا معدوما أو في حكم النادر ,وقد حمد الناس الرمي في هذا العام )١٤٢٨هـ( واستسهلوه جدا مع أنه كان في طوابق ثلاثة إذ رابع الأدوار لما يكتمل إنشاؤه بعد. ) (١الجيزاني ,فقه النوازل ,ج ,٢ص.٣٥٦ ) (٢أخرجه النسائي في كتاب :تحريم الدم ,باب :تعظيم الدم ).(٣٩٨٧ لم يكن ثمة خلاف بين أحد من الأمة أن من المشروع رمي الجمار, والأصل للسابق فعل النبي الذي نقل عنه الرمي كما نقل عن أصحابه وسارت عليه الأمة جيلا بعد آخر. وقد جاء من الروايات ما يفيد أن مبدأ مشروعية الرمي كان عند أبي الأنبياء إبراهيم ~ كما في حديث الحسين بن عبد المؤمن قال :ثنا علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس } قال: جاء جبريل عليه الصلاة والسلام إلى إبراهيم~ ليريه أين المناسك. قال :فلما ذهب به انفرج له ثبير فدخله فأتى عرفات فقال له :أعرفت? قال :نعم ,قال :ثم أتى جمعا فجمع به بين الصلاتين ,قال :فمن هناك سميت جمعا ,ثم أتى به منى فعرض له الشيطان عند الجمرة الأولى فقال له جبريل عليه الصلاة والسلام: خذ سبع حصيات فارمه بها ,وكبر مع كل حصاة ,ففعل ذلك فساخ الشيطان ,ثم عرض له عند الجمرة الثانية فقال له :خذ سبع حصيات فارمه, وكبر مع كل حصاة ,ففعل فساخ الشيطان ,فعرض له عند جمرة العقبة فأمره وروايات عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير تقدم الحديث عنها وأنها لا تثبت بانفرادها. ولكن جاء السابق من حديث يونس أنا حماد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول االله قال :إن جبريل ذهب بإبراهيم إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ. ثم أتى الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ, ثم أتى الجمرة القصو￯ فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ ,فلما أراد إبراهيم أن يذبح ابنه إسحاق قال لأبيه: يا أبت أوثقني لا أضطرب فينتضح عليك من دمي إذا ذبحتني ,فشده فلما أخذ الشفرة فأراد أن يذبحه نودي من خلفه :أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا).(٢ وهذه الرواية لا تعدو الرواية السابقة ,وفيها مخالفة وهي ذكر أن الذبيح كان إسحاق ,وهو خلاف الثابت أن الذبيح هو إسماعيل أبو العرب. ) (١الفاكهي ,أخبار مكة ,ج ,٤ص.٢٨٤ ) (٢أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,١ص.٣٠٦ حديث عبد السلام عن حجاج بن أرطاة عن القاسم بن الوليد والقاسم بن أبي بزة عن طلحة بن مصرف عن مجاهد عن ابن عمر أن رجلا سأل النبي  عن رمي الجمار ما لنا فيه? فسمعته يقول :تجد ذلك عند ربك أحوج ما تكون إليه. والرواية لا تصح فحجاج وعبد السلام ممن لا يصح حديثهم وقد قدمنا ذكرهم مرارا ,والطبراني بعد إخراجه الحديث قال: لم يرو هذا الحديث عن القاسم إلا حجاج ولا عن حجاج إلا عبد السلام تفرد به عبد المؤمن).(١ وذكر الهيثمي عن ابن عباس قال :قال رسول االله :إذا رميت الجمار كان لك نورا يوم القيامة ,وقال :رواه البزار وفيه صالح مولى التوأمة وهو ضعيف).(٢ وجاء من الآثار ما يفيد أن ما يقبل من الجمار رفع ,وهذه الآثار منها المرفوع ومنها الموقوف ,أما المرفوعات فلا تصح ,وأما الموقوفات فالظاهر ) (١الطبراني ,المعجم الأوسط ,ج ,٤ص.٢٦٣ ) (٢الهيثمي ,مجمع الزوائد ,ج ,٣ص.٢٦٠ ومن ذلك حديث الحسين بن إسماعيل نا سعيد بن يحيى الأموي نا أبي نا يزيد بن سنان عن يزيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبي سعيد قال :قلنا :يا رسول االله ,هذه الجمار التي يرمى بها كل عام فنحتسب أنها تنقص? فقال :إنه ما تقبل منها رفع ,ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال).(١ وقال الطبراني إثر هذا الحديث: لم يرو هذا الحديث عن عمرو إلا زيد تفرد به يزيد بن سنان. ويزيد المذكور أبو فروة ليس بحجة في الرواية فقد قال أبو زرعة :ليس بقوي الحديث ,وقال علي بن المديني :ضعيف الحديث ,وقال يحيى بن معين: ليس بشيء) ,(٢وقال الفسوي :ضعيف).(٣ وجاء الحكم السابق مرفوعا من حديث محمد بن صدران ثنا عبد االله بن خراش عن واسط بن الحارث عن نافع عن ابن عمر قال :رسول االله :ما ) (١الدارقطني ,السنن ,ج ,٢ص ,٣٠٠والطبراني ,المعجم الأوسط ,ج ,٢ص.٢٠٩ ) (٢ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٩ص.٢٦٦ ) (٣الفسوي ,المعرفة والتاريخ ,ج ,٣ص.٢٤٦ والحديث أخرجه ابن عدي في ترجمة واسط بن الحارث وقال إثرها: رو￯ عنه ابن خراش بنسخة ,وعامة هذه الأحاديث لا يتابع عليها) ,(١وقال الذهبي :مقل وله مناكير).(٢ أما الآثار الموقوفة فمنها حديث ابن عيينة عن سليمان بن المغيرة العبسي عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال :ما يقبل من حصى الجمار رفع).(٣ ومن ذلك أيضا حديث ابن عيينة عن فطر عن أبي الطفيل قال :قلت لابن عباس :رمى الناس في الجاهلية والإسلام? فقال :ما يقبل منه رفع ,وإلا كان ذلك أعظم من ثبير).(٤ وبعد بيان إجماع الأمة على مشروعية الرمي وأنه من مناسك الحج نقول إنه نقل بعض أهل العلم الاتفاق على كون الرمي ليس بركن وإنما هو من الأبعاض ,وأنه مجبور بالدم قولا واحدا ,ومنهم من صرح بكونه واجبا بلا ) (١ابن عدي ,الكامل ,ج ,٧ص.٩٣ ) (٢الذهبي ,ميزان الاعتدال ,ج ,٧ص.٢١٦ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٩٩ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٤٠٠ وقال بعض الفقهاء :من ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فعليه دم; لأن كل وظيفة هذا اليوم رمي ,وكذا إذا ترك الأكثر منها ,وإن ترك منها حصاة أو حصاتين أو ثلاثا تصدق لكل حصاة نصف صاع إلا أن يبلغ دما فينقص ما شاء; لأن المتروك هو الأقل فتكفيه الصدقة).(٢ وبين بعض أهل العلم أن وجوب رمي جمرة العقبة ثابت بالإجماع والنص ,فقد أجمعت الأمة على الوجوب ولم يؤثر عن أحد القول بأقل من الوجوب ,وأما النص فحديث" :ارم ولا حرج" ,والأصل في الأمر أنه للوجوب. ومن أدلة الوجوب أيضا فعله إذ إنه رمى ,وأفعال النبي فيما لم يكن بيانا لمجمل الكتاب ,ولم يكن من حوائج نفسه ,ولا من أمور الدنيا محمولة على الوجوب لورود النصوص بوجوب الاقتداء به والاتباع له ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٣٠والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص,٣٢٠ والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٣٥وابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص ,١٢١٩وابن الضياء ,البحر العميق ,ج.١٦٦٠ ,٣ ) (٢المرغيناني ,الهداية ,ج ,١ص.١٦٨ ويظهر في ثاني الاستدلالين بالحديث نظر من حيث كون الأمر فيه للوجوب وذلك لأن قرينة السياق تمحضه لمطلق المشروعية ,وبيانه أن السائل قد خالف الترتيب المشروع الذي فعله النبي فجاء سائلا أيشرع له أن يرمي بعدما قدم على الرمي ما هو مؤخر عنه فبين له أن لا حرج في رميك في هذا الوقت. وقال العلامة أبو نبهان: هو من السنن في الحج الثابتة على وجوبها فيما قيل بالإجماع ,ولا نعلم في ثبوتها من قول المسلمين اختلافا).(٢ ونقل العلامة الكندي قولا لبعض أن من ترك رمي جمرة العقبة لم يبطل حجه ولم يجب عليه دم) ,(٣وهذا قد يفهم منه أن الرمي عند هؤلاء غير واجب ,ولكن ذلك ليس بلازم فقد يقال بالوجوب من غير بطلان للحج وهذا لا إشكال فيه ,وهكذا قد يقال بالوجوب من غير لزوم الدم لعدم ) (١الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٣٦ ) (٢أبو نبهان ,الحج) ,مخطوط( ,والصائغي ,لباب الآثار ,ج ,٤ص.١٠٩ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٣٠ وذكر العلامة ابن جعفر أن عطاء قال إن من ترك رمي جمرة العقبة عامدا بطل حجه) ,(١وفصل الشيخ الكندي مذهب عطاء بأنه إن تركه عامدا بطل حجه ,وإن تركه ناسيا أراق دما).(٢ ثم إنه ذكر −والكلام لابن جعفر −أن من رمى جمرة الوسطى يوم النحر وحسبها جمرة العقبة فذبح وحلق ثم علم بعد ذلك أنه كان أخطأ فعليه دم والحج من قابل).(٣ والأصل في إيجاب الحج من قابل هو كون الرمي ركنا ,غير أنه مشكل جدا ,وغالب الظن أن في الكلام سقطا وليس هو على ظاهره ,ويؤيده أن العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم الكندي نقل المسألة السابقة على الوجه الصحيح إذ قال: ومن رمى الجمرة الوسطى يوم النحر وحسبها جمرة العقبة فذبح وحلق ثم علم بعد ذلك أنه كان أخطأ من الغد فعليه دم يريقه ,وقيل دمان ويعيد ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٦٥ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٣٠ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٦٦ ومن رماها )أو لبى دونها() (١وهو يحسبها جمرة العقبة وذبح وحلق وأفاض وطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتى أهله ثم علم أنه كان أخطأ فعليه بدنة والحج من قابل).(٢ وهذا هو الوجه الصحيح للمسألة; إذ وجوب الحج من قابل كان للجماع في الإحرام الذي لم يخرج منه صاحبه لأن الحلق والذبح والطواف لم يقعا موقعهما فذمة المكلف مشغولة بالإحرام. وذكر المالكية الخلاف بينهم في ركنية رمي جمرة العقبة ,وقد ذهب عبد الملك ابن الماجشون إلى أن رمي جمرة العقبة من أركان الحج).(٣ ونص بعضهم على أنه حكى الواقدي عن مالك مثل قول عبد الملك بوجوب رمي جمرة العقبة ,وحكاه ابن عرفة عن ابن رشد عن الواقدي).(٤ وحقيقة مذهبه −كما يقول غير واحد من المالكية −أن رمي جمرة العقبة ) (١كذا في الأصل. ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٢٦ ) (٣القاضي عبد الوهاب ,التلقين ,ص ,٢١٠وابن جزي ,القوانين الفقهية ,ص,٨٧ والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص ,٩والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.٦٤ ) (٤الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩ رمى الجمار ثاني يوم تحلل برمي العقبة ,ولا يشترط بها تعيين نية ,فإن لم يذكرها حتى زالت أيام منى بطل حجه ووجب عليه القضاء من قابل والهدي).(١ واستدل له بدليلين أولهما حديث عائشة قالت :قال رسول االله :إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء. ووجه الدلالة من ذلك أن الشارع جعل رميها شرطا في التحليل فتكون ركنا. وثاني دليليه أنها عبادة تتكرر سبعا فتكون ركنا كالطواف والسعي).(٢ وفي الاستدلالين كليهما نظر ,أما أولهما وهو الحديث فقد رواه أبو داود من حديث مسدد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا الحجاج عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة) ,(٣وقد ضعفه إذ قال إثره :هذا حديث ضعيف الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه. ) (١الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩ ) (٢الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩ ) (٣كتاب :المناسك ,باب:رمي الجمار ).(١٩٧٨ ذكرنا ذلك من قبل مرارا ,وقد اضطرب في هذا الحديث كثيرا جدا ,وقد بينا شيئا من اضطرابه فيه فيما تقدم من الكلام عن أسباب التحلل من الإحرام آخر الجزء الثالث. أما القياس فلا يسلم به إذ لا يسلم بأن العلة في ركنية الطواف والسعي كونهما عبادة تتكرر سبعا بل العلة النصوص التي أفادت ذلك في أمر تعبدي لا مدخل للقياس فيه. والعلة الأولى التي ذكروها غير مناسبة ولا مؤثرة ,ثم إنها تنتقض برمي الجمار أيام التشريق فهو مع كونه عبادة تتكرر سبعا إلا أن الإجماع حاصل − كما سيأتي −على أنه ليس بركن ,وقياس رمي جمرة العقبة يوم النحر على رمي أيام التشريق أولى من قياسه على الطواف).(١ ثم إن القياس السابق فاسد الاعتبار; فإن بعض ظواهر الأدلة الأخر￯ تفيد تمام الحج وقضاء النسك بالوقوف بعرفة ,وتمامه بالسابق يستلزم أن لا يكون هناك ركن بعده وإلا ما تم إلا ما جاء به الدليل وتحقق فيه الإجماع وهو طواف الإفاضة ,ورمي جمرة العقبة لم يأت دليل يخرجه بذاته من الحكم ) (١الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.٩ ومما يؤخذ منه حكم عدم ركنية رمي الجمار حديث يعمر الديلي كما في رواية وكيع عن سفيان عن بكير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن يعمر قال :سمعت رسول االله وهو واقف بعرفة وأتاه أناس من أهل مكة فقالوا :يا رسول االله ,كيف الحج? قال :الحج عرفة ,فمن جاء قبل طلوع الفجر ليلة جمع فقد تم حجه ,منى ثلاثة أيام فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ,ومن تأخر فلا إثم عليه ,ثم أردف رجلا خلفه يناديهن).(١ ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٢٦ أولا :موضع أخذ حصى الجمار لم يختلف أهل العلم في أنه يجوز أخذ حصى الجمار من أي محل من الحرم) (١لكنهم اختلفوا في أخذ الحصى من خارج الحرم ,والذي عليه الجمهور أن لا يشترط أن يكون الحجر المراد رميه في هذه العبادة من حصى الحرم. وذهب آخرون إلى أن الشرط في الحصى المرمي أن يكون مأخوذا من الحرم ,فإن رمى بحصى الحل أعاد الرمي بحصى الحرم ,وإن فات ذلك وأحل فعليه دم).(٢ والذين قالوا بالجواز من أي موضع نص كثير منهم على أنه يكره الأخذ من ثلاثة مواضع مع الإجزاء: أولها :حصى المسجد; لأنه من جملته ,وقد جاء في الحديث أن الحصى ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣١٩والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٨وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٣والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٨١والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣١٩ ثانيها :الحصى النجس; لأن الرمي عبادة فيكره أداؤها بنجس. ثالثها :ما رمي به مرة; لأنه غير متقبل. رابعها :حصى الحل).(١ ومن الفقهاء من قال يجزي الرمي بحصى الحرم جميعه إلا ما رمي به وما أدخل في البنيان).(٢ والرمي بما رمي به يأتي بحثه بعد قليل ,وأما ما أدخل في البنيان فلم أجد لد￯ المانعين سو￯ إطلاق العبارة باللفظ السابق دون بيان لها ,ولعلهم يقصدون الحجارة الداخلة في بنيان الآخرين; إذ أخذها مضرة بهم ,فيكون النهي عن أخذها لا لذات الحجارة بل لأمر خارج وهو ما ذكرناه. وقال إمام الحرمين :والحجيج يعتادون أخذ ما يحتاجون إليه من الحصى من جبال مزدلفة; فإنهم يصادفون فيها أحجارا رخوة ,ولم يرد في التزود منها ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٨والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٢٢والنووي, المجموع ,ج ,٨ص.١٢٤ ) (٢القطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص.١٩٣ ومن أهل العلم من استحب لمن أراد رمي جمرة العقبة أن يلقط الحصى من طريقه أو من مزدلفة لئلا يشتغل عند قدومه بشيء قبل الرمي; فإن الرمي تحية منى كما أن الطواف تحية المسجد فلا يبدأ بشيء قبله).(٢ والسابق مروي عن بعض السلف من الصحابة وتابعيهم فقد كان ابن عمر يأخذ الحصى من جمع) ,(٣وفعله سعيد بن جبير وقال :كانوا يتزودون الحصى من جمع. وقال الماوردي إن النبي أخذها من مزدلفة).(٤ ولم أجد نصا على أن النبي أخذ الحصى من المزدلفة ,وما جاء من خبر لقط الحصى للنبي ليس بصريح أنه من مزدلفة بل هو محتمل إذ جاء تعبير الراوي بأن اللقط لحجارة الرمي كان غداة منى ,ومن الفقهاء من قطع أنه ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٢١ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٢٢والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٢٣وابن قدامة, المغني ,ج ,٣ص ,٢١٦والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص ,١٥٦والجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص.١٦٧ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٨ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٨ ومن الفقهاء من قال يأخذ حصى جمرة العقبة من المأزمين) ,(١ومنهم من قال يأخذها من وادي محسر).(٢ ولعل هؤلاء يستدلون بحديث محبوب القواريري عن عبد االله بن عامر الأسلمي عن أبي الزبير عن جابر قال :لما بلغنا وادي محسر قال رسول االله :خذوا حصى الجمار من وادي محسر).(٣ غير أن الحديث لا يثبت فالأسلمي عبد االله بن عامر لا يصح حديثه, فقد قال البخاري :يتكلمون في حفظه) ,(٤وقال أحمد :ضعيف ,وقال ابن معين :ليس بشيء ضعيف) ,(٥وقال النسائي :ضعيف) ,(٦وقال ابن حبان :كان ممن يقلب الأسانيد والمتون ويرفع المراسيل والموقوف).(٧ ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٨ ) (٢الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٢٧ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٠٢ ) (٤البخاري ,التاريخ الكبير ,ج ,٥ص.١٥٦ ) (٥ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٥ص.١٢٣ ) (٦النسائي ,الضعفاء والمتروكين ,ص.٦١ ) (٧ابن حبان ,المجروحين ,ج ,٢ص.٦ خلو من هذا الأمر. ومن الفقهاء من لم يفاضل بين مناطق أخذ الحصى فيأخذ من أراد الرمي الحصى من حيث شاء سواء كان ذلك من مزدلفة أو من منى).(١ وهؤلاء استدلوا بحديث زياد بن حصين عن أبي العالية قال :قال ابن عباس :قال لي رسول االله غداة العقبة وهو على راحلته :هات القط لي, فلقطت له حصيات هن حصى الخذف ,فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء ,وإياكم والغلو في الدين; فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين).(٢ والحديث صحيح كما هو ظاهر إسناده ,ووجه الاستدلال منه أن اللقط السابق ما كان إلا من منى لقول الراوي :غداة العقبة ,والنبي فارق مزدلفة ودخل منى قبل طلوع الشمس).(٣ ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٦والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٢٧ ) (٢أخرجه النسائي في كتاب :مناسك الحج ,باب :التقاط الحصى ) ,(٣٠٥٧وابن ماجه في كتاب :المناسك ,باب :قدر حصى الرمي ).(٣٠٢٩ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٦ ولقط النبي من منى واقعة حال لا تخصص عموما ولا تقيد إطلاقا. واختلف القائلون بالأخذ من مزدلفة في أمور منها في مقدار الملقوط من الحجارة فمنهم من ذكر أنه يأخذ سبع حصيات لرمي جمرة العقبة مع إضافة بعض للاحتياط. ومنهم من قال إنه يأخذ سبعين حصاة لرمي يوم النحر وأيام التشريق, ومنهم من قال يستحب الأخذ من المزدلفة لجميع الرمي لكنه لرمي العقبة أحب).(١ ولا دليل يؤيد واحدا من الأقوال السابقة ,فيرجع كل مكلف إلى نفسه وما هو الأفضل لها; إذ الشارع ملتفت إلى تحقيق الرمي وهيئته وترك أمر تحصيل الحجارة التي يحقق بها الأمر السابق مسكوتا عنه. كما اختلفوا في وقت اللقط أهو قبل صلاة الفجر لئلا يشتغلوا في النهار ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٢٢والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٢٤والعيني ,البناية, ج ,٤ص ,٢٣٩والمحروقي ,الدلائل ,ص ,١٢٥والقطب ,شرح كتاب النيل ,ج,٤ ص ,١٩٢والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص ,٤٦والحطاب ,مواهب الجليل ,ج,٣ ص.١٢٧ والمفاضلة مستلزمة للدليل. ونص بعض الفقهاء على أن كل مريد للرمي يحمل حصى نفسه ولا يستعين على حمله بغيره).(٢ ثانيا :تكسير حصى الجمار كسر من حجارة كبيرة فيجزييصدق لفظ الحصى على ما التقط وعلى ماِّ الرمي بالقسمين كليهما ,ولكن ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن التقاط الحصى أولى من تكسيره) (٣لخبر لقط النبي للحصى الذي تقدم ذكره ,ولم يأت أنه كسره ,وقال بعض أهل العلم :ولأنه لا يؤمن في التكسير أن يطير إلى وجهه شيء يؤذيه).(٤ واستدل بعض الفقهاء بما روي أن النبي قال :التقطوا ولا تنبهوا ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٢٢والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٢٤ ) (٢الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٣٣ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٢٣والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٨وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٧وابن الحاجب ,جامع الأمهات ,ص ,١٩٩والعبدري, التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٢٧ ) (٤ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ إيذاء الآخرين ,فلو ارتفعت العلة ارتفع الحكم. والحديث الذي استدل به على كراهة تكسير الحصى بحثت عنه فلم أجده إلا في أدب الإملاء والاستملاء لأبي سعد السمعاني من طريق محمد بن نافع بن إسحاق المكي ومحمد بن أحمد بن إبراهيم قالا :ثنا محمد بن خالد بن يزيد المكي ثنا علي بن الموفق البغدادي ثنا شبويه بن عبد الرحيم أبو أحمد المروزي ثنا عبد االله بن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير عن عدي عن أنس بن مالك مرفوعا).(٢ والإسناد السابق مسلسل بالمجاهيل الذين لم أجد لهم ترجمة فلا يكون حجة في المراد ,ومن الفقهاء من فضل كسر الحصى على التقاطه) ,(٣ولا أدري على ماذا يستند هؤلاء في رأيهم السابق. ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٨ ) (٢أبو سعد السمعاني ,أدب الإملاء والاستملاء ,ص.٩٧ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٨ ثبتت النصوص عن صاحب الدعوة أنه أمر برمي جمرة العقبة بمثل حصى الخذف ونهى عن الغلو في الدين ,ومن ذلك حديث زياد بن حصين عن أبي العالية قال :قال ابن عباس :قال لي رسول االله غداة العقبة وهو على راحلته :هات القط لي ,فلقطت له حصيات هن حصى الخذف ,فلما وضعتهن في يده قال :بأمثال هؤلاء ,وإياكم والغلو في الدين; فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين).(١ ومن الحديث السابق قال جمع من الفقهاء إن حصى الجمار مثل حصى الخذف) (٢يكون أكبر من الحمص ودون البندق) ,(٣ومنهم من قال هو دون الأنملة طولا وعرضا بقدر الباقلاء) ,(٤ومنهم من قال قدر الفولة ونحوها),(٥ ) (١أخرجه النسائي في كتاب :مناسك الحج ,باب :التقاط الحصى ) ,(٣٠٥٧وابن ماجه في كتاب :المناسك ,باب :قدر حصى الرمي ).(٣٠٢٩ ) (٢قال الإمام الخليل بن أحمد الفراهيدي :الخذف رميك بحصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك ,وتخذف بها أي ترمي .الفراهيدي ,العين ,ج ,٤ص.٢٤٥ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٨و الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٣٨ ) (٥العبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٢٧ على أن الحصى الذي يرمى به مثل الجوزة والبندقة) ,(٢وكان ابن عمر يرمي بمثل بعر الغنم).(٣ غير أن الإمام مالك بن أنس استحب أن تكون حصى الجمار أكبر من حصى الخذف قليلا ,وكان القاسم بن محمد يرمي بأكبر من حصى الخذف).(٤ وأجاب المالكية عن قول الإمام مالك ومخالفته لما في الحديث بجوابين: أولهما :أنه لم يبلغه الحديث ,وثانيهما :أنه بلغه لكن استحب الزيادة على حصى الخذف لئلا ينقص الرامي ذلك).(٥ وفي الحديث السابق أمر من النبي بالتزام الرمي بمثل حصى الخذف وأن لا يزاد عليه إذ هو غلو في الدين ,وهو سبب هلاك الأمم من قبل, والفقهاء مختلفون فيمن رمى بحجارة أكبر مما جاء به الحديث فقال بعض ) (١الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٣٣ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٣والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٨٢والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٢٠ ) (٣البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١٢٨ ) (٤القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص ,٢٦٤والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٣٣ ) (٥الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٣٣ واستدل هؤلاء بالنصوص الشرعية التي أمر النبي فيها بالرمي بمثل مارمى ,ثم إنه نهى عن الغلو في الدين وجعله سببا أهلك الأولين ,والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ,ولأن الرمي بالكبير ربما آذ￯ من يصيبه).(٢ ورأ￯ آخرون أصل الرمي بحجارة وتحققه فقرروا إجزاء رمي من رمى بالحجارة الكبيرة).(٣ وقال ابن الهمام :لما أجازوا الأكبر قليلا ولو كان مثل حصاة الخذف علم أن الأمر بحصى الخذف محمول على الندب نظرا إلى تعليله بتوهم الأذ￯, ويلزمه الإجزاء برمي الصخرات فيكون المنع منها منع كراهة لتوقع الأذ￯ بها).(٤ ومنهم من قال يكره الزيادة والنقصان على المقدار المذكور في النصوص ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣١٩والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٩وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ ) (٤ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٨٥ وذهب بعض الفقهاء إلى التفريق فقالوا لا يجزي الصغير جدا كالحمصة لأنه في حكم العدم ,ويكره الكبير خوف الأذية ولمخالفته السنة وأجزأ صاحبه).(٢ رابعا :جنس المرمي ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أنه يجزي الرمي بكل ما يسمى حجرا, والحجارة الصغار سواء كان أسود أو أبيض أو أحمر من المرمر أو البرام أو المرو وهو الصوان أو الرخام أو الكذان أو حجر المسن).(٣ وكل ما لا ينطلق عليه اسم الحجارة لا يصح الرمي به) (٤كالآجر والطين والجص والنورة والكحل والزرنيخ والفضة والذهب والنحاس والرصاص واللؤلؤ والملح).(١ ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٨والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٣٨ ) (٢القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص ,٢٦٤والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٥٠ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٥والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص,١٧٩ والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٢١وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص,٢١٧ والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٣٣ ) (٤الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٢١ قال الإمام أبو المؤثر: بدر ولا بعظم ولا بخشب ولا بجص ولا بآجرلا يرمي الرامي الجمارٍُّ ولا بطين ولا بمدر ولا ببندق ,ولا يرمي إلا بالحصى ,فمن رمى بشيء من ذلك فهو كمن لم يرم ,وليعد الرمي بالحصى).(٣ واستدل هؤلاء لقولهم السابق بأن النبي رمى بالحصى ,وأمر بالرمي بمثل حصى الخذف فلا يتناول غير الحصى ويتناول جميع أنواعه ,فلا يجوز تخصيصه بغير دليل ولا إلحاق غيره به; لأنه موضع لا يدخل القياس فيه).(٤ وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض ,ومنهم من قال يجزي الرمي بأي شيء حجرا كان أو طينا أو غيرهما مما هو من جنس الأرض ,بل منهم من قال بأجزاء الأرض ولو بكف من ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٥والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٩والقاضي عبد الوهاب ,الإشراف ,ج ,١ص.٤٨٤ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٢٠ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٩والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٢١وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ عدد ما يجوز الرمي به فقال يجوز بكل ما كان من أجزاءومن هؤلاء منَّ الأرض سواء كان مدرا أو طينا أو يابسا أو قبضة تراب ,كما يجوز بالنورة والأحجار النفيسة كالياقوت والزمرد والملح الحيلي والكحل والزبرجد).(٢ واستدل هؤلاء بأن المنصوص عليه فعل الرمي ,وذلك يحصل بالطين كما يحصل بالحجر ,والأصل فيه فعل الخليل~ ,ولم يكن له في الحجر بعينه مقصود ,إنما مقصوده فعل الرمي إما لإعادة الكبش أو لطرد الشيطان ,فقلنا بأي شيء حصل فعل الرمي أجزاه بمنزلة أحجار الاستنجاء فكما يحصل الاستنجاء بالحجر يحصل الاستنجاء بالطين وغيره. ورد هؤلاء على من يقولون من رمى بالبعرة أجزاه ,ومن رمى بالفضة أو الذهب أو اللؤلؤ والجواهر لم يجزه; لأن المقصود إهانة الشيطان وذلك يحصل بالبعر دون الذهب والفضة والجواهر ,ردوا عليهم فقالوا إن الرمي بالفضة والذهب يسمى في الناس نثارا لا رميا ,والواجب عليه الرمي فيرمي بكل ما ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٦والمرغيناني ,الهداية ,ج ,١ص ,١٤٧والكاساني, بدائع الصنائع ,ج ,٢ص ,١٥٧وابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٨٨ ) (٢العيني ,البناية ,ج ,٤ص.٢٤٤ واستدل بعض هؤلاء بما ورد الأمر فيه بالرمي من غير قيد الحجارة كـ" أول نسكنا في يومنا هذا الرمي ثم الذبح ثم الحلق" ,و"من رمى وذبح وحلق فقد حل له كل شيء إلا النساء" قالوا :هذه الآثار مطلقة عن صفة الرمي. والرمي بالحصى من النبي وأصحابه محمول على الأفضلية لا الجواز توفيقا بين الدلائل لما ذهب إليه هؤلاء أن المطلق لا يحمل على المقيد بل يجر￯ المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده ما أمكن ,وهاهنا أمكن بأن يحمل المطلق على أصل الجواز والمقيد على الأفضلية).(٢ وتعقب المحقق ابن الهمام أصحابه الحنفية في استدلالهم السابق بأنه يصدق اسم الرمي على الذهب والفضة مع كونه يسمى نثارا فغاية ما فيه أنه رمي خص باسم آخر باعتبار خصوص متعلقه ,ولا تأثير لذلك في سقوط اسم الرمي عنه ولا صورته. ولو غير أصل الجواب إلى اشتراط الاستهانة اندفع الكل لكنه يطالب ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٦٦ ) (٢الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٥٨ يستلزم بمجرد التعيين كرميه من أسفل الجمرة لا من أعلاها وغيره ولو استلزمه تعين الحجر وهو مطلوب الخصم. ثم لو تم نظر إلى ما أثر من أن الرمي رغم للشيطان إذ أصله رمي نبي االله إياه عند الجمار لما عرض له عندها للإغواء بالمخالفة استلزم جواز الرمي بمثل الخشبة والرثة والبعرة ,وهو ممنوع ,على أن أكثر المحققين على أنها أمور تعبدية لا يشتغل بالمعنى فيها. والحاصل أنه إما أن يلاحظ مجرد الرمي أو مع الاستهانة أو خصوص ما وقع منه عليه الصلاة والسلام ,والأول يستلزم الجواز بالجواهر ,والثاني بالبعرة والخشبة التي لا قيمة لها ,والثالث بالحجر خصوصا ,وهذا أولى لكونه أسلم ,والأصل في أعمال هذه المواطن التعبد والتوقيف إلا ما قام دليل على عدم تعينه كما في الرمي من أسفل الجمرة).(١ وحكي عن داود الظاهري أنه يجوز الرمي بكل شيء حتى بالعصفور الميت استدلالا بعموم النصوص في الرمي دون تقييد بالحجارة كقوله : "فإذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء. ) (١ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٨٩ فأعوزتها السابعة فرمت بخاتمها).(١ واعترض على أدلة هذا القول بأن قوله "إذا رميتم وحلقتم" المقصود به ما يقع به التحلل لا ما يجوز الرمي به. أما حديث سكينة فقد قيل إنها رمت خاتمها إلى سائل كان هناك ,ولو صح أنها رمت به بدلا من الحصى السابعة فالمقصود منه فصه وكان حجرا وفضة الخاتم تبع).(٢ ثم إن فعل سكينة بنت الحسين ليس بتشريع بل هي نفسها ملزمة بالدليل لما ذهبت إليه ,ومحصلة الكلام أنه إن صح عنها لم يزد على كونه اجتهادا رأته وقد يخالفها فيه غيره ,والواقع أني بحثت عن القصة مسندة فلم أجدها. خامسا :الرمي بما رمي من الحجارة اختلف الفقهاء في رمي الحجارة التي أخذت من المرمى أيجزي صاحبها أو لا يجزيه مع الاتفاق على كراهية الفعل السابق. ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٧٨وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٩ العموم) ,(١وليس رميه به سالبا عنه اسم الحجر المطلق ,ولم يكن أداء العبادة به مانعا من أدائها ثانية به كالكسوة والإطعام في الكفارات ,إذ لو اشتراها ممن دفعها إليه ثم أعطاها آخر لأجزاه).(٢ وبعض السابقين عللوا كراهيتهم الفعل السابق مع القول بالإجزاء بأن ما عند الجمرة من الحصى مردود فيتشاءم منه ولا يتبرك به ,ولكن مع هذا يجزيه لوجود فعل الرمي).(٣ وذهب آخرون إلى أن ذلك لا يجزيه) ,(٤ومنهم من قال إن كان في حصاة واحدة أجزاه وإلا فلا) ;(٥لأن النبي أخذ من غير المرمى وقال :خذوا عني مناسككم ,ولأنه لو جاز الرمي بما رمى به لما احتاج أحد إلى أخذ الحصى من ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٧والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص,١٧٩ والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٧والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٢١وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٧والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٣٣ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٨٠والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٣٩ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٦٧ ) (٤الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٢٠والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٣٥ ) (٥ابن عبد البر ,الكافي ,ص.١٤٦ ولأن ابن عباس قال :ما يقبل منها يرفع).(١ كما استدل بعضهم بقياس الحجارة المرمي بها على الماء المستعمل إذ لا يصح الوضوء به).(٢ ومن الفقهاء من فرق بين رميه ورمي غيره له ,فما رماه هو لا يجزيه ,وما رماه غيره يجزيه).(٣ واعترض على القياس على الماء المستعمل بوجهين: أولهما :أن استعمال الماء قد سلبه اسم الماء المطلق فلم يجز استعماله, والرمي بالأحجار لم يسلبها اسم الأحجار فجاز الرمي بها. ثانيهما :أن الماء يستعمل على وجه الإتلاف فلم يجز أن يستعمل ثانية كالعتق في الكفارات).(٤ ومن الفقهاء من فصل في الموضوع فقال إن تعدد الشخص أو الجمرة أو ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٢٠ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٨٠ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٨٠والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص,١٣٩ والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٦٧ أولهما المنع لاتحاد الأسباب ,والعدد مطلوب معني. ومنهم من قال بالإجزاء كصور الاتفاق السابقة فإن الرمي قد تعدد فلا اعتبار بعده باتحاد وتعدد).(١ وصور الحالة الأولى وهي التعدد أن يرمي شخص حصاة إلى جمرة ثم يأخذها ويرميها إلى أخر￯ ,أو يرمي شخص جمرة ثم يأخذها شخص فيرمي بها الجمرة نفسها أو غيرها ,أو ترمى الحصاة في يوم ثم ترمى في يوم آخر الجمرة نفسها أو غيرها ,من قبل الرامي الأول أو غيره. أما صورة الحالة الثانية فأن ترمى جمرة بحصاة ثم ترمى بالحصاة نفسها من قبل الرامي الأول نفسه. وأولى الأقوال الأول إذ ليس ثمة دليل يشترط كون الحجر لم يرم به من قبل ,وقياسه على الماء المستعمل قياس مع الفارق كما تقدم فضلا عن أن الخلاف في الوضوء بالماء المستعمل مشهور إن لم يتغير شيء من أوصافه يزيل عنه وصف الماء المطلق وينقله إلى المضاف ,والحجارة ولو قد رمي بها لا يزول عنها وصف كونها حجارة. ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٢٢والغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص.٦٦٨ إن شئت بما رمي به مرة ,ورو￯ عن ابن جريج عن عطاء قال :قلت :سقطت حصاة أو حصيات قال :خذها من تحت رجليك).(١ سادسا :غسل حصى الجمار اختلف الفقهاء في استحباب غسل حصى الجمار ,فنظر جمع منهم إلى آثار رويت عن بعض الصحابة والتابعين أنهم يغسلونها فاستحبوا غسل حصى الجمار) ,(٢حتى قال الإمام الشافعي :لا أكره غسل حصى الجمار بل لم أزل أعمله وأحبه).(٣ ومن الآثار المروية ما جاء عن ابن عمر أنه غسله ,وكان طاوس يفعله, وكان ابن عمر يتحر￯ سنة النبي .(٤) ورو￯ ابن أبي شيبة عن وكيع عن زمعة عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٠٢ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٢٠والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص,١٧٨ والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٢٥وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٧وابن الهمام, فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٨٨ ) (٣النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٢٥ ) (٤ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ القاسم يغسل حصى الجمار ,ويأخذه كما هو فيرمي به ,ورو￯ عن ابن مهدي عن مورع بن موسى قال :سمعت شيخا يحدث أنه رأ￯ سعيد بن جبير غسل حصى الجمار).(١ ومنهم من علل استحباب غسل حصى الجمار بأنه ليتيقن طهارتها فإنه يقام بها قربة).(٢ ومنهم من استدل بأن السيدة عائشة > كانت تغسل حصى النبي ,(٣)ولم أجد هذه الرواية مسندة فضلا عن أن تكون صحيحة ,وقال ابن المنذر:لا يعلم في شيء من الأحاديث أن النبي غسلها وأمر بغسلها ,ولا معنى لغسلها ,وكان عطاء والثوري ومالك وكثير من أهل العلم لا يرون غسلها ,وروينا عن طاوس أنه كان يغسلها).(٤ ورأ￯ آخرون أن النبي لم يأت عنه أنه غسله ,وظاهر حديث لقط ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٩٧ ) (٢ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٨٨ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٧٨ ) (٤النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٣٢ بمشروع غسل حصى الجمار من حيث أصل عبادة الرمي).(١ والرأي القائل بعدم مشروعية غسل الجمار من حيث أصل العبادة هو الأقرب ,وتقييد السابق بأصل العبادة يخرج ما لو كان الغسل لغير أصل عبادة الرمي كأن يكون نجسا فيغسل لنجاسته ,أو يكون به من الوسخ أو الطين ما قد يؤذي الآخرين فهنا يغسل لهذه الأسباب. والفقهاء مختلفون أيجزي الرمي بالحجارة النجسة ,وجمع منهم على أنه يجزي ذلك ,إذ الأمر بالرمي كان بحصى مع الخلو من قيد الطهارة) ,(٢وقال أبو نبهان عمن رمى بحجارة نجسة: قد أساء في فعله ,وترك ما كان ينبغي أن لا يترك مع القدرة عليه من غسله ,وأرجو أن يجزيه ولا شيء عليه).(٣ ومن الفقهاء من احتمل عدم الإجزاء لأنه يؤدي به العبادة فاعتبرت ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٧١وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٧ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٥والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٣٨وابن قدامة, المغني ,ج ,٣ص ,٢١٨وابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص ,٤٨٨والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٣٣ ) (٣أبو نبهان ,الحج) ,مخطوط( ,والصائغي ,لباب الآثار ,ج ,٤ص.١١١ استعمال النجاسات وملابستها).(٢ المطلب الرابع :وقت الرمي أولا :مبدأ وقت الرمي لم يكن خلاف بين أرباب السير والفقه أنه ما رمى جمرة العقبة يوم النحر إلا بعد طلوع الشمس كما في قول جابر بن عبد االله :رمى رسول االله الجمرة يوم النحر ضحى ,وأما بعد فإذا زالت الشمس).(٣ والفقهاء متفقون على أن هذا هو أفضل أوقات رمي جمرة العقبة يوم النحر ,ومن رمى فيه فقد أجزاه) ,(٤ومنهم حدد طلوع الشمس بقيد رمح).(٥ قال العلامة الجيطالي النفوسي :وأجمعوا على أن من رماها بعد الطلوع إلى الزوال أنه رماها في وقتها).(٦ ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٨والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٣٦ ) (٢الشوكاني ,السيل الجرار ,ج ,٢ص.٢٠٣ ) (٣أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :بيان وقت استحباب الرمي ).(١٢٩٩ ) (٤ابن حزم ,مراتب الإجماع ,ص.٧٩ ) (٥ابن جزي ,القوانين الفقهية ,ص.٩٠ ) (٦الجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص ,١٦٦ونقل الإجماع السابق ابن عبد البر, إفاضتهم كما في حديث ابن جريج قال :حدثني عبد االله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة ,ثم قالت :يا بني هل غاب القمر? قلت :لا ,فصلت ساعة ثم قالت :هل غاب القمر? قلت :نعم ,قالت: فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها :يا هنتاه ,ما أرانا إلا قد غلسنا ,قالت :يا بني ,إن رسول االله أذن للظعن).(١ وجاء الترخيص أيضا من حديث الليث عن يونس عن ابن شهاب قال سالم :وكان عبد االله بن عمر } يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون االله ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع. فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ,ومنهم من يقدم بعد ذلك ,فإذا الاستذكار ,ج ,٤ص.٢٩٣ ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر ).(١٥٩٥ .(١) وأخرج الإمام البخاري هذا الحديث بالإسناد نفسه في التاريخ الأوسط غير أنه قال :عن ابن عمر قال :فمنهم من يقدم ليلا ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة).(٢ وجاء السابق عن ابن عمر من طريق أخر￯ من حديث ابن نمير عن عبيد االله بن عبد االله قال :كان ابن عمر يبعث بصبيانه ليلة المزدلفة فيصلون الصبح بمنى ,ويرمون الجمرة قبل أن يأتي الناس).(٣ ومن الباب السابق حديث أبي خالد الأحمر عن عبيد االله بن عمر عن القاسم عن عائشة قالت :وددت أني كنت استأذنت رسول االله كما استأذنته سودة أن تأتي منى بليل وترمي من قبل أن يأتي الناس فأذن لها, وكانت امرأة ثبطة ثقيلة) ,(٤وظاهر إسناده الصحة. ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر ).(١٥٩٢ ) (٢البخاري ,التاريخ الأوسط ,ج ,١ص.٢٩٧ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٧١ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٢٠ بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: أرسل النبي بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت اليوم الذي يكون رسول االله تعني عندها).(١ َاليوم ُفأفاضت وكان ذلك وهذا حديث ظاهر إسناده الصحة إلا كلاما يسيرا في الضحاك ينزله إلى رتبة الحسن ,قال البيهقي :وهذا إسناد صحيح لا غبار عليه).(٢ ورواه الطبراني من حديث علي بن حرب الموصلي ثنا هارون بن عمران ثنا سليمان بن أبي داود عن هشام بن عروة عن أبيه قال :حدثتني أم سلمة قالت :قدمني رسول االله فيمن قدم من ضعفة أهله ليلة المزدلفة ,قالت: فرميت الجمرة بليل ثم مضيت إلى مكة فصليت بها الصبح ثم رجعت إلى منى).(٣ والحديث في إسناده سليمان بن أبي داود ,وقد تقدم من قبل أنه ليس حجة في الرواية. ) (١أخرجه أبو داود في كتاب :المناسك ,باب التعجيل من جمع ).(١٩٤٢ ) (٢البيهقي ,معرفة السنن والآثار ,ج ,٤ص.١٢٧ ) (٣الطبراني ,المعجم الكبير ,ج ,٢٣ص.٢٦٨ الإفاضة من مزدلفة قبل الفجر وفي رمي جمرة العقبة. لكن جاء من الروايات ما يفيد أن النبي نهى ضعفة أهله عن الرمي قبل طلوع الشمس كما في حديث سفيان عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال :بعثنا رسول االله أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات يلطح أفخاذنا ويقول :أبيني :لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس. والحديث من هذا الطريق أخرجه النسائي) (١وأبو داود) ,(٢وأخرجه ابن أبي شيبة وأحمد من حديث وكيع عن مسعر وسفيان عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال: قدمنا رسول االله أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات من جمع وجعل يلطح أفخاذنا ويقول :أبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ,زاد سفيان فيه :ولا إخال أحدا يرميها حتى تطلع الشمس ).(٣ ) (١كتاب :مناسك الحج ,باب :النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس ).(٣٠٦٤ ) (٢كتاب :المناسك ,باب :التعجيل من جمع ).(١٩٤٠ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص ,٢٣٣وأحمد بن حنبل ,المسند ,ج,١ص.٢٣٤ أحمد والبخاري وابن معين) ,(١لكن رواه ابن أبي شيبة من طريق جرير بن عبد الحميد عن منصور عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أو عن الحسن عن ابن عباس).(٢ وهذا الشك غير مجزوم فيه بشيء فلا يكون حجة فضلا عن أن غيره من الرواة قد بينه بصيغة الجزم أنه دون ذكر سعيد بن جبير. وجاء الحديث من طريق بشر بن السري قال :حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس أن النبي قدم أهله وأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس. أخرجه النسائي بالإسناد السابق) ,(٣وأخرجه أبو داود من حديث الوليد بن عقبة ثنا حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس).(٤ ) (١أحمد بن حنبل ,العلل ,ج ,١ص ,١٤٣والبخاري ,التاريخ الأوسط ,ج ,١ص,٢٩٦ وابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٣ص ,٤٥وابن أبي حاتم ,المراسيل ,ص,٤٦ والزيلعي ,نصب الراية ,ج ,٣ص.٧٥ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣١٩ ) (٣كتاب :مناسك الحج ,باب :النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس ).(٣٠٦٥ ) (٤كتاب :المناسك ,باب :التعجيل من جمع ).(١٩٤١ لا تقبل روايته إلا بالتصريح بالتحديث) (١وهو ما لم يفعله هنا. وجاء الحديث من طريق أحمد بن إسحاق الحضرمي ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن النبي قال :لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس).(٢ وأعل الإمام البخاري هذه الرواية بقوله :وحديث الحكم هذا عن مقسم مضطرب لما وصفنا ولا ندري الحكم سمع هذا من مقسم أم لا).(٣ ووجه الاضطراب أنه رواه محمد بن بشار قال :حدثنا غندر قال :حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن عباس دخل على النبي ناس من بني هاشم − وقال شعبة :أحسبه قال ضعفتهم −وأمرهم ألا يرموا حتى تطلع الشمس).(٤ ورواه معاذ بن معاذ حدثنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي قال :لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس. ) (١ابن حجر ,طبقات المدلسين ,ص.٣٧ ) (٢الطحاوي ,شرح مشكل الآثار ,ج ,٩ص ,١١٨والبيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج,٥ ص.١٣٢ ) (٣البخاري ,التاريخ الأوسط ,ج ,١ص.٢٩٥ ) (٤البخاري ,التاريخ الأوسط ,ج ,١ص.٢٩٤ عباس وقف النبي وردفه الفضل بعرفة ثم أفاض فلم أرها رافعة يديها عادية حتى أتى جمعا ,قال أسامة :ثم أردفني ووقف جمعا ,وردفه أسامة ثم أفاض يبادر طلوع الشمس فلم أرها رافعة يديها حتى أتى منى ,قال :ونحن على حمرات لنا فجعل يضرب أفخاذنا ويقول :أبيني أفيضوا ولا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس).(١ ورواه محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن عباس).(٢ وجاء من حديث الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا محمد بن أبي بكر ثنا فضيل بن سليمان ثنا موسى بن عقبة أخبرني كريب عن ابن عباس أن النبي كان يأمر نساءه وثقله من صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد وأن لا يرموا الجمرة إلا مصبحين).(٣ وجاء الحديث من طريق شريك عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال :عجلنا النبي أو عجل أم سلمة وأنا معهم من المزدلفة إلى جمرة العقبة ) (١البخاري ,التاريخ الأوسط ,ج ,١ص.٢٩٥ ) (٢أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,١ص.٢٤٨ ) (٣البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١٣٢ والحديث ضعيف ليس بحجة فشريك وليث كلاهما ضعيف. قال الزيلعي :ورو￯ البزار في مسنده من حديث الفضل بن عباس أن النبي عليه السلام أمر ضعفة بني هاشم أن يرتحلوا من جمع بليل ويقول أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس).(٢ ورو￯ البخاري في التاريخ الأوسط عن آدم قال:حدثنا ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس بعثني النبي مع أهله إلى منى يوم النحر فرمينا الجمرة مع طلوع الفجر).(٣ وجاء الحديث موافقا لرواية البخاري وظاهره أن الرمي كان قبل طلوع الشمس من طريق داود العطار عن عمرو بن دينار حدثني عطاء بن أبي رباح أنه سمع ابن عباس يقول :أرسلني رسول االله مع ثقله وضعفة أهله ليلة المزدلفة فصلينا الصبح بمنى ورمينا الجمرة).(٤ ) (١أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,١ص.٢٧٢ ) (٢الزيلعي ,نصب الراية ,ج ,٣ص.٨٦ ) (٣البخاري ,التاريخ الأوسط ,ج ,١ص.٢٩٦ ) (٤أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,١ص.٢٧٢ للضعفة بالرمي قبل طلوع الشمس أكثر وأصح كما يقول الإمام البخاري فقد جاءت من حديث عائشة وسودة وأم سلمة وابن عمر. أما حديث المنع من الرمي قبل طلوع الشمس فما جاء إلا من طريق ابن عباس وقد اضطربت الرواية فيه كثيرا كما تقدم فمنه ما جاء بالمنع من الرمي قبل طلوع الشمس غير أنه ضعيف مضطرب في السند ,ومنه ما جاء بأسانيد صحيحة موافقا ما رواه الجماعة من الترخيص في الرمي قبل طلوع الشمس. وعند التعارض السابق يترجح ما رواه الجماعة على ما رواه ابن عباس فيرخص للضعفة ومن معهم ممن لا غنى لهم عنهم في الرمي قبل طلوع الشمس ,أوُْ قل بعد النفر مباشرة ولو كان قبل طلوع الفجر. وفعل النبي هو الحكم العام فلا يشرع رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس من حيث عموم الناس لحديث "لتأخذوا عني مناسككم". وبعد ثبوت الحكم السابق نقول إن بعض الفقهاء منعوا من الرمي قبل طلوع الشمس بإطلاق دون تفريق بين الضعفة وغيرهم من الناس أخذا من ) (١البخاري ,التاريخ الأوسط ,ج ,١ص.٢٩٧ واختلف الفقهاء في حكم غير الضعفة من الناس على قولين أولهما أن لهم الرمي مع الضعفة ,وثانيهما أن وقت رميهم مخالف لوقت رمي الضعفة. استدل القائلون بمفارقة وقت رمي غير الضعفة لوقت رمي الضعفة بأن الأحاديث التي فيها الرمي قبل طلوع الشمس خاصة بالضعفة فقد نص فيهما أن النبي رخص فيهم ,والأصل في الرخص أن لا يتعد￯ بها مواضعها إذ علتها الضعف ,والحكم لا يدور إلا مع علته فمن لم يتحقق فيه الوصف السابق كان على الأصل وهو فعل النبي ,وقد ذكرنا هذا الأمر عند ذكر حكم استغراق المبيت بالمزدلفة. والقول الثاني هو الناص على أن لغير الضعفة حكم الضعفة فلهم الرمي قبل طلوع الشمس ,واختلفوا أبعد نصف الليل يبدأ وقت الرمي أو بعد طلوع الفجر. قال الذين حددوا الرمي بغياب القمر إن الحديث الذي فيه وصف فعل ) (١الطحاوي ,شرح مشكل الآثار ,ج ,٩ص ,١٢٥والكندي ,بيان الشرع ,ج,٢٣ ص ,٣٤٥والقطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص ,١٩٢وعليش ,منح الجليل ,ج,٢ ص.٢٧٩ للضعفة فتدل على وقت الإجزاء ,فيجوز الرمي بعد غياب القمر ,والأفضل الرمي بعد طلوع الشمس).(١ كما استدلوا بأن نصف الليل وقت للدفع من مزدلفة فكان وقتا للرمي كبعد طلوع الشمس).(٢ واستدل آخرون منهم بأن ما بعد نصف الليل من توابع النهار المستقبل فوجب أن يكون حكمه في الرمي حكم النهار المستقبل ,وتحرير ذلك قياسا أنه رمى بعد نصف الليل فوجب أن يجزيه كالرمي بعد الفجر).(٣ ومنهم من قال إنه علق رمي أم سلمة بما قبل الفجر وهو صالح لجميع الليل ولا ضابط له فجعل النصف ضابطا; لأنه أقرب إلى الحقيقة مما قبله, ولأنه وقت الدفع من مزدلفة ,ولأذان الصبح فكان وقتا للرمي كما بعد الفجر).(٤ ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٨٥والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٧وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٨ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٩ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٨٥ ) (٤زكريا الأنصاري ,أسنى المطالب ,ج ,١ص.٤٩٣ من رمى قبل الفجر ,والأفضل الرمي بعد طلوع الشمس) ,(١وهذا الوقت شامل عندهم للضعفة وغيرهم ,فلا يجوز للضعفة الرمي قبل طلوع الفجر).(٢ وفصل بعض هؤلاء فقالوا إن الرمي يوم النحر ثلاثة أنواع :مكروه ومسنون ومباح ,فما بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقت مكروه ,وما بعد طلوع الشمس إلى الزوال وقت مسنون ,وما بعد الزوال إلى غروب الشمس مباح ,والليل مكروه إن كان بغير عذر ,ومباح إن كان بعذر).(٣ وقال ابن المنذر :وأجمعوا على أنه إن رمى جمرة العقبة يوم النحر بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس أنه يجزي).(٤ قال السرخسي :وحجتنا في ذلك ما روي أنه لما قدم ضعفة أهله قال :أي بني لا ترموا جمرة العقبة إلا مصبحين ,فنعمل بالحديثين جميعا فنقول بعد ) (١مالك بن أنس ,المدونة الكبر￯ ,ج ,٢ص ,٤١٨والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص,٢١ والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٥٢ ) (٢ابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٣ص.١٦٦٤ ) (٣نظام ,الفتاو￯ الهندية ,ج ,١ص ,٢٣٣وابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٣ص.١٦٦٧ ) (٤ابن المنذر ,الإجماع ,ص.٧٤ كما استدلوا بحديث ابن أبي ذئب قال :حدثني سعيد عن ابن عباس قال :بعثني النبي مع أهله وأمرني أن أرمي الجمرة بعد الفجر).(٢ كما استدل هؤلاء بأن دخول وقت الرمي بخروج وقت الوقوف إذ لا يجتمع الرمي والوقوف في وقت واحد ,ووقت الوقوف يمتد إلى طلوع الفجر ,فوقت الرمي يكون بعده أو وقت الرمي هو وقت التضحية وإنما يدخل وقت التضحية بطلوع الفجر الثاني فكذلك وقت الرمي).(٣ واستدل هؤلاء أيضا بأن حكم ما بعد نصف الليل كحكم ما قبله لكونه وقتا للمبيت بمزدلفة ,فوجب أن يستوي حكمها في المنع من رمي جمرة العقبة ,وذلك قياسا إن رمى بليل فوجب أن لا يجزي كما قبل نصف الليل. واعترض على هذا الاستدلال بأن المعنى في النصف الأول أنه من توابع اليوم الماضي فلذلك لم يجزه ,والنصف الثاني من توابع اليوم المستقبل فلذلك ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٢١ ) (٢ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص.٢٩٤ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٢١ كما استدل للقول بعدم الإجزاء بأن الرمي يجب في يوم النحر وأيام منى, فلما لم يجز رمي أيام منى قبل طلوع الفجر لم يجز رمي يوم النحر قبل طلوع الفجر ,ولأنه قد يتعلق بيوم النحر شيئان رمي وذبح ,فلما لم يجز بتقديم الذبح قبل الفجر لم يجز تقديم الرمي قبل الفجر).(٢ واعترض على هذا الاستدلال بأن القياس المذكور قياس مع الفارق ,إذ رمي أيام التشريق وقته بعد الزوال فلا يجوز قبله ,ورمي يوم النحر وقته قبل الزوال اتفاقا ,وللفارق السابق جاز الرمي يوم النحر قبل الفجر وإن لم يجز أيام التشريق).(٣ كما استدل آخرون لجواز الرمي بعد الفجر بأن الليل زمان الوقوف بعرفة ,والرمي تحلل ,وغير مناسب وقوع التحلل في زمن الإحرام ,ولأنها ليلة لا يصلح الرمي في أولها فلا يصلح في آخرها كيوم عرفة عكسه يوم ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٨٦ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٨٥ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٨٦ ومنهم من أجاب عن فعل أم سلمة بأنه يحتمل أن يكون المراد بالفجر صلاة الفجر ,أو يكون خاصا بها).(٢ ومنهم من أجاب عن حديثي أسماء وأم سلمة بأمرين: أولهما :ليس في حديث أم سلمة دلالة على أنه علمها ذلك وأقرها عليه ,ولا أنه أمرها أن ترمي ليلا ,وبمثل ذلك لا يترك المرفوع الناهي عن الرمي قبل الإصباح. ثم إن من المحتمل أن تكون رمت بعد طلوع الفجر ولكن ظن الراوي الرمي قبله. وأما حديث أسماء فيفيد أن دفعها من المزدلفة كان بعدما غاب القمر, وهو لا يغيب في الليلة العاشرة إلا آخر الليل ,وأغلب الظن أنهم إلى أن يتأهبوا للدفع ويصلوا إلى منى يطلع الفجر. ومحتمل أنها قعدت بعدما غاب القمر زمانا طويلا لأنه لم يذكر الراوي ) (١القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٦٥ ) (٢القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٦٥ وهذه الأمور كلها احتمالات لا يندفع بها ظاهر الحديث الذي فيه النص على على نفي الحرج عن الرمي ليلا. كما استدل هؤلاء لدفع القول بنصف الليل بأن قولهم يؤدي إلى خرق الإجماع بتحصيل حجتين في سنة واحدة ,وذلك بأن يرمي بالليل ,ثم يطوف للزيارة بالليل ,ثم يحرم بحجة أخر￯ ويرجع إلى عرفات ويقف بها قبل طلوع الفجر ,ثم يفعل بقية الأفعال ,ولو كان هذا جائزا لما أمر من أفسد حجه بالجماع أن يقضي من قابل).(٢ وأقو￯ الآراء السابقة ما نص على أن وقت رمي الضعفة يبدأ بغياب القمر ليلة النحر ,ومن عداهم على الأصل المنقول من فعل النبي وهو الرمي بعد طلوع الشمس; إذ ليس ثمة دليل يخرجهم ,والقياس على الضعفة قياس مع الفارق فحال الضعفة مقتض الترخيص لهم لضعفهم. على أن التقييد بمنتصف الليل –عند من قيد −لم أجد شيئا من النصوص الشرعية يفيده ,وحديث أسماء كان التقييد فيه بغروب القمر. ) (١ابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٣ص.١٦٦٣ ) (٢الزيلعي ,تبيين الحقائق ,ج ,٢ص.٣١ الشمس من اليوم العاشر وهذا أمر مخالف للسنة الصحيحة صراحة فلا يلتفت إليه ,وقد علق المرداوي عليه بعد نقله بقوله :وهذا ضعيف مخالف لفعله عليه أفضل الصلاة والسلام).(١ ثانيا :منتهى وقت الرمي لئن كانت ثمة نصوص تبين بإشارتها مبدأ وقت الرمي فإنها لا تكاد توجد في بيان منتهى وقت الرمي ,وقد اختلف الفقهاء في المسألة إلى أقوال, لكن ذكر الحافظ ابن عبد البر الإجماع على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحسنا له).(٢ كما اتفقوا على أن من فاتته أيام التشريق ولم يرم فقد فاته وقت الرمي).(٣ واختلفوا فيما عدا السابق فذهب بعض أهل العلم إلى أن وقت رمي جمرة العقبة هو من طلوع الشمس إلى آخر الوقت الذي يطلق عليه أنه ضحى).(١ ) (١المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٣٧ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٧ص.٢٦٨ ) (٣الجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص.١٧٢ المنتهى ففعله إذ إنه رمى ضحى ,وتأول حديث الذي استفتى النبي أنه رمى بعدما أمسى بأنه ترخيص لمن جهل الوقت لا لمن علمه).(٢ ومن الفقهاء من قال إن آخر وقت الرمي هو زوال الشمس ,وعلتهم أن أوقات العبادة لا تعرف إلا بالتوقيف ,والتوقيف ورد بالرمي في يوم النحر قبل الزوال فلا يكون ما بعده وقتا له أداء كما في سائر أيام النحر; لأنه لما جعل وقته فيها بعد الزوال لم يكن قبل الزوال وقتا له).(٣ ومنهم من قال لا يجوز تأخير رمي جمرة العقبة بعد الزوال إلا لمريض أو ناس ,ولا دم على من رمى بها قبل الغروب وإن كان مسيئا).(٤ ومن الفقهاء من قال إذا غربت الشمس فقد فات الوقت ,وعليه الفدية).(٥ ومنهم من عبر بقوله آخر الرمي زوال الشمس في وقت الاختيار ) (١الشوكاني ,السيل الجرار ,ج ,٢ص.٢٠٥ ) (٢الشوكاني ,السيل الجرار ,ج ,٢ص.٢٠٥ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٤والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٣٧ ) (٤ابن عبد البر ,الكافي ,ص.١٤٤ ) (٥الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٣٧ واستدل هؤلاء لقولهم بالاعتبار بسائر الأيام وذلك لأن في سائر الأيام ما بعد الزوال إلى غروب الشمس وقت الرمي فكذا في هذا اليوم; لأن هذا اليوم إنما يفارق سائر الأيام في ابتداء الرمي لا في انتهائه فكان مثل سائر الأيام في الانتهاء ,فكان آخر وقت الرمي كسائر الأيام).(٢ وهؤلاء اختلفوا فيمن لم يرم حتى غابت الشمس فقال بعضهم يرمي قبل طلوع الفجر من اليوم الثاني فيجزيه ولا شيء عليه ,وإن أخر الرمي حتى طلع الفجر من اليوم الثاني رمى وعليه دم للتأخير ,وقيل :لا شيء عليه ,وسبب الخلاف هل الرمي موقت أو ليس بموقت فمن وقت ألزم الدم).(٣ والدليل على الرمي ليلا إذن النبي للرعاة أن يرموا بالليل ,وأجاب هؤلاء عن الاعتراض بأن الرعاة كانوا معذورين وهؤلاء ما كان لهم عذر; لأنه كان يمكنهم أن يستنيب بعضهم بعضا فيأتي بالنهار فيرمي ,فثبت أن ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٨٥ ) (٢الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٣٧ ) (٣الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٣٧ وقد جاءت بعض الآثار التي فيها ما يدل على الرمي ليلا ومن ذلك حديث أبي خالد عن ابن جريج عن ابن سابط قال :كان أصحاب رسول االله يقدمون حجاجا فيرعون ظهرهم فيجيئون فيرمون بالليل).(٢ ومنه حديث أبي خالد عن ابن جريج عن عمرو قال :أخبرني من رأ￯ بعض أزواج النبي ترمي مغربان الشمس غربت الشمس أو لم تغرب),(٣ وهذه الأسانيد كلها محل نظر. ومن السابق حديث محمد بن عبيد عن عبيد االله بن عمر عن نافع أن أم ابن لعبد االله بن عمر فولدت بالمزدلفة فتخلفتسلمة ابنة المختار كانت تحتٍ معها صفية فلم تضع ليلتها تلك ومن الغد. ثم جاءتا منى من الليل فرمتا الجمرة فلم ينكر ذلك عليهما عبد االله ,ولم يأمرهما أن تقضيا شيئا).(٤ ) (١الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٣٧ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٩٨ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٩٨ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٩٨ الليلة المستقبلة يوم الحادي عشر اعتبارا بالوقوف بعرفة لما تعلق بالنهار وبالليلة المستقبلة).(١ ومن النصوص التي استدل بها على رفع الحرج عمن رمى ليلا حديث عبد الأعلى حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس } قال :سئل النبي  فقال :رميت بعد ما أمسيت? فقال :لا حرج ,قال :حلقت قبل أن أنحر? قال :لا حرج).(٢ والواقع أن الدليل السابق ليس نصا في الرمي ليلا; إذ المساء لا يلزم منه أن يكون في الليل ,وقد اتفق أئمة المعاجم اللغوية على أنه يطلق على ما بعد الزوال إلى غروب الشمس ,واختلفوا أيطلق على ما بعد الغروب إلى منتصف الليل ,قال الإمام الخليل بن أحمد الفراهيدي :المساء بعد الظهر إلى صلاة المغرب ,وقال بعض إلى نصف الليل).(٣ ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٧والغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص.٦٦٧ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب الذبح قبل الحلق ).(١٦٣٦ ) (٣الفراهيدي ,العين ,ج ,٧ص ,٣٢٣والأزهري ,تهذيب اللغة ,ج ,١٣ص ,٨٢والفيومي, المصباح المنير ,ج ,٢ص ,٤٥٧وابن منظور ,لسان العرب ,ج ,١٥ص.٢٨١ أنه رمى بعدما زالت الشمس فحمله ذلك على السؤال لأن الذي فعله النبي أنه رمى بعد شروق الشمس. وذهب بعض الفقهاء إلى أن أيام التشريق كلها محل للرمي ,ولا يفوت وقت رمي جمرة العقبة إلا بغروب شمس ثالث أيام التشريق).(١ ومن هؤلاء من قصر وقت الرمي على النهار فمن لم يرم حتى غابت الشمس لم يشرع له الرمي ليلا) ,(٢وإنما ينتظر الأمر إلى أن تزول الشمس من يوم الحادي عشر).(٣ واستدل هؤلاء بأن ابن عمر قال :من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد).(٤ وأجابوا عن قول النبي ارم ولا حرج للذي سأله بأنه رمى بعدما ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٥والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص ,١٣٧وابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١٢٢١ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٣والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٤والبسيوي, الجامع ,ج ,٢ص.٢٨١ ) (٣الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٧وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٩ ) (٤ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٩ قبل مغيب الشمس).(١ والاختلاف السابق بين أهل العلم رحمة للأمة ,والمكلف يوصى أن يكون رميه أقرب إلى هدي النبي ,فإن لم يستطع فقبل الغروب ,وإن لم يستطع رمى ليلا ,وإن لم يكن بد من بيان الأظهر فالأظهر القول الناص على تحديد الرمي بغروب الشمس ,وواسع الأخذ بما عدا ذلك. وبعد السابق نقول إن الفقهاء السابقين نص أكثرهم على أنه إن فات وقت الرمي دون أن يرمي صاحبه فإن عليه دما ,بل منهم من حكى الإجماع على وجوب الدم لمن ترك الرمي حتى فات وقته كما تقدم. واختلف في التحلل دون الإتيان ببدل الرمي فمنهم من قال إن التحلل يتوقف على الإتيان ببدل الرمي ,ومنهم من قال إنه يفرق بين أن يكون البدل صوما وأن يكون دما ,فإن كان صوما لم يتوقف عليه لطول الزمان ,لكنه يتوقف عليه في حال كون البدل دما).(٢ ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٩ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٨والغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص.٦٦٢ أولا :النية كان الأمر الذي مضينا عليه في بيان الأحكام السابقة للحج يوم ناقشنا الطواف والسعي والوقوف بعرفة هو اشتراط النية لإتيان النسك ,وكل نسك خلا من نية التعبد فليس هو بشيء بل صاحبه لا يجزيه ولو وجدت منه صورة الفعل. والحال في الرمي كالسابق فمن رمى حجارة وكان رميه خلوا من معنى العبادة التي في نسكه وقصد الرمي لها كأن يريد رمي إنسان أو جهة أو دابة فأصابت الجمرة مباشرة أو بعد ارتدادها فليس رميه ذلك بشيء; إذ الرمي عبادة تعبدية يشرط لها النية كما ذكرنا الأمر من قبل).(١ ومن الفقهاء من قال إنه يعتد بالرمي السابق ولا أدري بما يعتلون).(٢ ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٣٩ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٢٥ لم يكن ثمة خلاف أن النبي رمى جمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيات ,وأن ذلك هو المشروع المجزي باتفاق).(١ واختلفوا في رمي أقل من السابق أو أكثر ,أما الأقل فالجماهير من أهل العلم على أنه لا يجزي الرامي إلا أن يرمي سبع حجرات ,واختلفوا فيما يلزم من ترك أقل من السبع فقيل يتصدق بشيء ,وقيل من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك جبره بدم. وقيل في ترك حصاة مد ,وفي ترك حصاتين مدان ,وفي ثلاث فأكثر دم, وقيل في الثلاث ثلاثة مساكين وفي الأربع دم).(٢ وقيل إن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع وإلا فدم).(٣ ومن الفقهاء من رخص في الحصاة لا ترمى كما في حديث يحيى بن موسى البلخي قال :حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح قال مجاهد :قال سعد: ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٨وابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١٢٢٧ ) (٢الجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص ,١٧٢والجناوني ,الوضع ,ص ,٢٢٨والشقصي, منهج الطالبين ,ج ,٧ص.٢٧٦ ) (٣ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٨١ رميت بست فلم يعب بعضهم على بعض).(١ وأعل الحديث بعدم سماع مجاهد من سعد بن أبي وقاص إذ إنه لم يدركه).(٢ وجاء عن بعض السلف الاجتزاء برمي ست جمرات كما في حديث عباد بن العوام عن عمر بن عامر عن قتادة عن ابن عمر أنه قال :ما أبالي رميت الجمار بست أو بسبع. وقد أعلت رواية قتادة عن ابن عمر بكون قتادة لم يسمع من ابن عمر).(٣ وعن زياد بن سعد عن ابن طاوس عن أبيه فيمن رمى ستا قال طاوس: يتصدق بشيء).(٤ وأما الزيادة على السبع فمن الفقهاء من لم يجزه ,ومنهم من كرهه ,ومنهم من قال يثاب بالزيادة) ,(٥وغريب القول بندب الزيادة بل الأولى القول بمنعها ) (١النسائي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٢ص.٤٤٠ ) (٢العلائي ,جامع التحصيل ,ص.٢٧٣ ) (٣ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٨١ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٠١ ) (٥ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١٢٢٨ ثالثا :هيئة الرامي رمى النبي جمرة العقبة يوم النحر راكبا كما في حديث عيسى بن يونس عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول :رأيت النبي يرمى على راحلته يوم النحر ويقول :لتأخذوا مناسككم; فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه).(١ ومما جاء في ذلك أيضا حديث زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته قالت :حججت مع رسول االله حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي ,والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة).(٢ ومما جاء في وصف فعل النبي أيضا حديث وكيع عن أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد االله قال :رأيت النبي رمى جمرة العقبة يوم النحر على ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ).(١٢٩٧ ) (٢أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ).(١٢٩٨ ومما جاء أيضا حديث الحجاج بن أرطأة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي رمى الجمرة يوم النحر راكبا. والحديث أخرجه الترمذي) (٢وابن ماجه) (٣غير أن في إسناده الحجاج بن أرطأة ضعيف ومدلس وقد تقدمت ترجمته مرارا ,ولكن يشهد للحديث ما تقدم. كما رمى الجمار الثلاث أيام التشريق راجلا ولم يكن راكبا كما في حديث القعنبي ثنا عبد االله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيا ذاهبا وراجعا ويخبر أن النبي كان يفعل ذلك).(٤ وعبد االله بن عمر الراوي عن نافع لا يثبت حديثه كما تقدم غير مرة لكن رواه الترمذي من حديث يوسف بن عيسى حدثنا ابن نمير عن عبيد االله عن ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٣٣ ) (٢كتاب :الحج ,باب :ما جاء في رمي الجمار راكبا وماشيا ).(٨٩٩ ) (٣كتاب :المناسك ,باب :رمي الجمار راكبا ).(٣٠٣٤ ) (٤أخرجه أبو داود في كتاب :المناسك ,باب :في رمي الجمار ).(١٩٦٩ وقال الترمذي :حسن صحيح. وروي الأخير موقوفا من فعل ابن عمر من حديث ابن أبي شيبة عن ابن نمير عن عبيد االله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمار ماشيا ذاهبا وراجعا).(٢ ومن الفعلين السابقين أخذ الفقهاء الجواز للأمرين) ,(٣وحكي على جوازهما الإجماع).(٤ لكن اختلفوا في المستحب من الأمرين ,فقال بعض الفقهاء الأولى رمي جمرة العقبة راكبا وما بعدها من الجمار أيام التشريق راجلا على ظاهر ما روي عن النبي في الأمر).(٥ ) (١كتاب :الحج ,باب :ما جاء في رمي الجمار راكبا وماشيا ).(٩٠٠ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٣٢ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٣٣وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٨والعبدري, التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٢٦ ) (٤العيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٧٥ ) (٥الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٨٤والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٢٣والعبدري, التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٢٦ يرمي الرامي جمرة العقبة يوم النحر وهو راكب ,وأما أيام التشريق فلا يرم الجمار راكبا إلا من عذر).(١ وعلل بعضهم تفريقه بين يوم النحر وأيام التشريق بأن رمي جمرة العقبة مما يستحب البدء به في يوم النحر عند القدوم ,ولو سن له المشي إليها شغله النزول عن البداءة بها والتعجيل إليها بخلاف سائرها).(٢ وقال بعض الفقهاء يستحب لمن وصل منى راكبا أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ,ولو رماها ماشيا جاز ,وأما من وصلها ماشيا فيرميها ماشيا ,وهذا في يوم النحر ,وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فالسنة أن يرمي فيهما جميع الجمرات ماشيا وفي اليوم الثالث يرمي راكبا وينفر).(٣ وقال بعض الفقهاء كل رمي كان بعده وقوف فالرمي فيه ماشيا أفضل, وما ليس بعده وقوف فالرمي راكبا أفضل) ,(٤ومن الفقهاء من قال إن ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٣٦ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٩ ) (٣النووي ,شرح صحيح مسلم ,ج ,٩ص.٤٥ ) (٤السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٢٣والعيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٧٥ فالأفضل المشي).(١ وذهب بعض الفقهاء إلى أن لا نسك في الركوب أو المشي عند الرمي إنما هي هيئة فقط ,والمقصود بالأصالة معهم هو الاستعجال لرمي جمرة العقبة, فمن كان راكبا رمى راكبا قبل أن ينزل ,ومن كان ماشيا رمى ماشيا ,ولو مشى الراكب وركب الماشي لم يكن فيه شيء; لأن هذه هيئة وليس بنسك مستقل).(٢ ومن الفقهاء من استحب رمي جمرة العقبة ماشيا بإطلاق) ,(٣ولعل هؤلاء يستدلون بحديث عبد الجبار بن العلاء قال :ثنا بشر بن السري قال: ثنا إبراهيم بن نافع أنه سمع عطاء يحدث عن جابر بن عبد االله } أنه كان يكره أن يرمي شيئا من الجمار راكبا إلا من ضرورة).(٤ ) (١العيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٧٥ ) (٢الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٢٦ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٣٣وأبو البركات ,المحرر في الفقه ,ج ,١ص,٢٤٧ والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٣٤ ) (٤الفاكهي ,أخبار مكة ,ج ,٤ص.٢٩١ الخلاف فيها شائع. والقول بأن الركوب وعدمه هيئة ليست بنسك بل ينظر الإنسان الأقرب إليه من غير أذية بغيره هو الأولى ,إذ الفعلان ثابتان عن النبي , وعلة أولهما أنه جاء من طريق راكبا فصادف الحال الرمي راكبا ,وفي أيام التشريق هو مقيم في مكان ليس بالبعيد من الجمرة فرمى راجلا. ثم إن الحال في زماننا على شدة الزحام الموجود عند الرمي يتعين المشي عند رمي الجمرات ,بل ليس من البعيد أن يقال بإثم من يرمي راكبا ,وليس الإثم لذات الركوب بل لما يسببه الركوب من ضرر للحجاج. وأجاب العلامة الشيخ أبو نبهان ~ عن حكم من رمى الجمرة قاعدا فقال: لا أعلم أنه يحضرني في تمامه ولا فساده شيء أعتمد عليه من قول المسلمين ,وكأني على فساده لا أقو￯ ,وفي نفسي أنه لا يبطل وإن كان قد خالف النهي لحصول الرمي هنالك وثبوته في الاسم وعلى وقوعه ومع الإرادة فكيف لا يصح له وقد رمى. على الأرض لأنهما في النظر −على الصحيح −كلاهما قاعدان هذا على الأرض وذاك على الدابة ,فما الفرق بين القاعدين أخبروني فإني لا أر￯ ذلك ,أم اسم القعود في الركوب ممكن على حصوله بما لا شك فيه وليس بمنكر).(١ رابعا :وقوع الحصى في المرمى الرمي قائم على قذف الحصى في منطقة مجمع الحصى بالجمرة من قبل الرامي نفسه ,وعليه فمن لم تقع حصاته على مكان الرمي لم يجزه ذلك الرمي, وحكي على ذلك اتفاق أهل العلم).(٢ لكن قال بعض أهل العلم إن رماها من بعيد فلم تقع الحصاة عند الجمرة فإن وقعت قريبا منها أجزأه; لأن هذا القدر مما لا يتأتى التحرز عنه خصوصا عند كثرة الزحام وإن وقعت بعيدا منها لم يجزه; لأن الرمي قربة في مكان مخصوص ففي غير ذلك المكان لا يكون قربة).(٣ ) (١أبو نبهان ,الحج) ,مخطوط( ,والصائغي ,لباب الآثار ,ج ,٤ص.١١٢ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٣والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص,١٨٠ والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص ,١٣٧وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٩ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٧والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٣٨ الجمرة ,وهذا مخالف للسابق ,وللفقهاء خلاف فيمن رمى شاخص الجمرة دون أن يرمي أصل الجمرة المقصودة أصالة بالرمي ,فمنهم من قال إن رميه ذلك ليس يجزيه لما ذكرناه قبل ,ومنهم من قال بالإجزاء لأن لهواء الجمرة حكم سفلها. وقال ابن عابدين: وفي اللباب ولو وقعت على الشاخص أي أطراف الميل الذي هو علامة للجمرة أجزأه ولو على قبة الشاخص ولم تنزل عنه أنه لا يجزيه للبعد).(١ ومنهم من رأ￯ الاجتزاء لأن للبناء الشاخص حكم أسفله ,وما قرب من الشيء أعطي حكمه).(٢ وقال ابن الضياء :وقال المغلي المالكي في مناسكه إن بعض المتأخرين من المالكية حذر من الرمي في البناء الذي هنالك وقال إنه لو رمى إليه لم يجزه, ) (١ابن عابدين ,رد المحتار ,ج ,٢ص ,٥١٣وابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٣ص.١٦٧٣ ) (٢ابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٣ص.١٦٧٢ بحرم االله الشريف).(١ خامسا :صفة الرمي جاء النص الذي فيه وصف فعل النبي أنه رمى الجمرة بسبع حصيات ,كما جاء أنه أمر بالرمي بمثل حصى الخذف ونهى عن الزيادة عليه لأنه من الغلو في الدين. والأصل في الرمي أن يكون باليد كما هو المتبادر من فعل النبي والذي جر￯ عليه عمل الأمة ,وقال بعض الفقهاء :إن لم يستطع اليد فيقدم القوس ثم الرجل ثم الفم).(٢ والفقهاء مختلفون في صفة الرمي المشروعة فقال بعضهم إنه يضعه على بطن الإبهام ويرميه برأس السبابة).(٣ وقيل كيفية الرمي أن يضع الحصاة على ظهر إبهامه اليمنى ويستعين بالمسبحة).(١ ) (١ابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٣ص.١٦٧٣ ) (٢الشرواني ,الحواشي ,ج ,٤ص.١٣٢ ) (٣الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٣٨ على ظهر الإبهام كأنه عاقد سبعين فيرميها. وقيل أن يحلق سبابته ويضعها على مفصل إبهامه كأنه عاقد عشرة ,قال ابن الهمام :وهذا في التمكن من الرمي به مع الزحمة والوهجة عسر).(٢ ومن الفقهاء من قال يمسكها بإبهامه والوسطى).(٣ وقيل يأخذها بطرفي إبهامه وسبابته ,وهذا الذي قال به الجماهير ,وهو أيسر والمعتاد الذي عليه عمل الناس ,بل لا تكاد تجد أحدا يرمي بغيره).(٤ والصورتان الأوليان يصدق فيهما وصف الخذف ,ولعلهما مأخوذتان من ذكر النبي للخذف وقوله :بأمثال هذا فارموا ,وهذا لا يدل ولا يستلزم كون كيفية الرمي المطلوبة مثل كيفية الخذف ,وإنما هو تعيين ضابط مقدار الحصاة إذ كان مقدار ما يخذف به معلوما لهم).(٥ ) (١المرغيناني ,الهداية ,ج ,١ص.١٤٧ ) (٢ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص ,٤٨٧ونظام ,الفتاو￯ الهندية ,ج ,١ص.٢٣٣ ) (٣الأبي ,الثمر الداني ,ص.٣٧٤ ) (٤الأبي ,الثمر الداني ,ص.٣٧٤ ) (٥ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٨٧ قوله بعد أن أوصى بالرمي بمثل الخذف :والنبي يشير بيده كما يخذف الإنسان).(١ واعترض ابن الهمام الاستدلال السابق بأنه ليس يستلزم طلب كون الرمي بصورة الخذف لجواز كونه ليؤكد كون المطلوب حصى الخذف كأنه قال خذوا حصى الخذف الذي هو هكذا ليشير أنه لا تجوز في كونه حصى الخذف ,وهذا لأنه لا يعقل في خصوص وضع الحصاة في اليد على هذه الهيئة وجه قربة فالظاهر أنه لا يتعلق به غرض شرعي بل بمجرد صغر الحصاة. ولو أمكن أن يقال فيه إشارة إلى كون الرمي خذفا عارضه كونه وضعا غير متمكن واليوم يوم زحمة يوجب نفي غير المتمكن).(٢ وأورد الكاساني حديثا فيه السابق عن معاذ أنه قال :خطبنا رسول االله بمنى وعلمنا المناسك وقال :ارموا سبع حصيات مثل حصى الخذف ووضع إحد￯ سبابتيه على الأخر￯ كأنه يخذف).(١ ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر ).(١٢٨٢ ) (٢ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٨٧ ومن الفقهاء من ضعف الرمي بصورة الخذف أخذا من أن الشارع قد نهى عن الخذف فكيف يرمي الإنسان به ).(٢ ودليل نهي الإنسان عن الخذف بالصورة السابقة حديث شعبة عن قتادة قال :سمعت عقبة بن صهبان الأزدي يحدث عن عبد االله بن مغفل المزني قال :نهى النبي عن الخذف ,وقال :إنه لا يقتل الصيد ,ولا ينكأ العدو, وإنه يفقأ العين ويكسر السن).(٣ قالوا :وهذا الحديث عام يتناول الخذف في رمي الجمار وغيره ,فلا يجوز تخصيصه إلا بدليل ,ولم يصح فيما قاله صاحب الوجه الأول شيء ,ولأن النبي نبه على العلة في كراهة الخذف وهو أنه لا يأمن أن يفقأ العين أو يكسر السن ,وهذه العلة موجودة في رمي الجمار).(٤ ) (١الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٥٧ ) (٢النووي ,روضة الطالبين ,ج ,٣ص ,١١٣والمجموع ,ج ,٨ص.١٣٨ ) (٣أخرجه البخاري في كتاب :الأدب ,باب :النهي عن الخذف ).(٥٨٦٦ ) (٤النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٣٨ الإبهام كما في حديث عفان ثنا وهيب ثنا عبد الرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند أنه سمع حرملة بن عمرو وهو أبو عبد الرحمن قال: حججت حجة الوداع مردفي عمي سنان بن سنة قال :فلما وقفنا بعرفات رأيت رسول االله واضعا إحد￯ إصبعيه على الأخر￯ ,فقلت لعمي :ماذا يقول رسول االله قال :يقول ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف. والحديث أخرجه أحمد) ,(١وفي إسناده يحيى بن هند ,ولم أجد أحدا قد وثقه غير ما قاله ابن أبي حاتم :يحيى بن هند الأسلمي رو￯ عن سنان بن سنة ,ولسنان صحبة رو￯ عنه عبد الرحمن بن حرملة سمعت أبي يقول ذلك).(٢ وبعد الاتفاق على مطلوبية الرمي للحصيات اختلفوا فيمن طرح الحجارة في مكان الرمي أيجزيه ذلك ,ذهب بعض الفقهاء إلى أن ذلك يجزيه اكتفاء بالحصول في المرمى ,ولأن الطرح رمي).(٣ ) (١أحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,٤ص.٣٤٣ ) (٢ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٩ص.١٩٤ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٨والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٧والرافعي, لأن الواجب عليه فعل الرمي والواضع غير رام ,وإن طرحها طرحا أجزاه وقد أساء; لأن الطارح رام إلا أن الرمي تارة يكون أمامه وتارة يكون عند قدميه بالطرح ,ولكنه مسيء لمخالفة فعل رسول االله وصفا).(١ ومنهم من رأ￯ أن اسم الرمي لم يتحقق فيمن طرح الحجارة فلم يروا إجزاء فعله السابق) ,(٢وهذا أقرب للأخذ ,فالمسألة تعبدية لا تعلم علتها, والنبي رمى ولم يطرح. ونص بعض الفقهاء على أن من وضع الحجارة وضعا دون رمي لم يجزه فعله ذلك).(٣ وذكر الفقهاء هنا صورا للرمي قد يقع فيها الناس وبينوا أحكامها فمن ذلك قولهم إن رمى حصاة فوقعت في غير المرمى فأطارت حصاة أخر￯ فوقعت في المرمى لم يجزه لأن التي رماها لم تقع في المرمى ,والحصاة الأخر￯ العزيز ,ج ,٣ص ,٤٣٨وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢١٩ ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٧وابن الحاجب ,جامع الأمهات ,ص.١٩٩ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٢٦والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٣٣ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٨والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٨٢ وإن رمى حصاة فالتقمها طائر قبل وصولها لم يجزه لأنها لم تقع في المرمى).(٢ وإن وقعت على موضع صلب في غير المرمى ثم تدحرجت على المرمى أو على ثوب إنسان ثم طارت فوقعت في المرمى أجزأته لأن حصوله بفعله, وإن نفضها ذلك الإنسان عن ثوبه فوقعت في المرمى فقيل إنها تجزيه; لأنه انفرد برميها ,وقيل لا يجزيه لأن حصولها في المرمى بفعل الثاني فأشبه ما لو أخذها بيده فرمى بها ,وهذا أشبه).(٣ وأورد ابن جعفر أن من رمى حصاة فأصابت شيئا ثم رجعت إلى الجمرة أجزأت ,وعلق عليه في الزيادات بقوله: ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٢٠ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٢٠ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٣والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٢٦والكندي, بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٤١وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٢٠ الجمرة فهو كما قال ,وإن كان قصد برميه غير الجمرة فأصابت ما قصد ورجعت إلى الجمرة فلا تجزيه).(١ ثم إن النبي كما هو ظاهر الحديث رمى سبع الحصيات حجرا بعد حجر ولم يرمها دفعة واحدة كما قال جابر بن عبد االله :حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة) ,(٢وقد قال: لتأخذوا عني مناسككم. ومما جاء مفيدا الحكم السابق حديث علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت :رأيت رسول االله  يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة ورجل من خلفه يستره فسألت عن الرجل فقالوا :الفضل بن العباس ,وازدحم الناس فقال النبي :يا أيها الناس ,لا يقتل بعضكم بعضا ,وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف).(٣ ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٦٥ ) (٢أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  ) (٣أخرجه أبو داود في كتاب :المناسك ,باب :في رمي الجمار ).(١٩٦٦ غير مرة وأنه ضعيف ,ولكن يشهد لهذا ما تقدم من حديث جابر بن عبد االله في الصحيح. والسابق يفيد أن المشروع هو الرمي بالوصف السابق فالمقصود أمران أعداد الحصى وأعداد الرمي ,فمن رمى سبع الحصيات دفعة واحدة لم يجزه رميه; لأنه خلاف المشروع ,وكان رميه بمنزلة حجر واحد).(١ وقال بعض أهل العلم استدلالا للسابق إن المنصوص عليه تفرق الأعمال لا عين الحصيات ,فإذا أتى بفعل واحد لا يكون إلا عن حصاة واحدة كما لو أطعم كفارة اليمين مسكينا واحدا مكان إطعام عشرة مساكين جملة لم يجزه إلا عن إطعام مسكين واحد).(٢ ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٨والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص,١٩٥ والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٧والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٨٢والجويني, نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٢٦وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢١٩والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٢٧ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٦٧ الوصول إلى الجمرة أجزت راميها ولو كان أصل الرمي دفعة واحدة).(١ كما اختلف هؤلاء فيمن أتبع الحجر الحجر أيجزيه ذلك إن وقعا في المرمي دفعة واحدة ,فمنهم من رأ￯ صورة الرمي وكونها على الوجه المشروع فاجتز￯ بالرمي السابق إذ الاعتبار بتعدد الرمي وهو الأولى ,ومنهم من نظر إلى الاجتماع في الوقوع فلم يحكم بالإجزاء).(٢ وهكذا اختلافهم فيما إذا أصاب الحجر المرمي ثانيا قبل الحجر المرمي أولا أيجزي أو لا يجزي) ,(٣والأولى الإجزاء لعلة أن العبرة بتعدد الرمي. ومن السابق ذهب بعض أهل العلم إلى أن من رمى حصاتين باليمين والأخر￯ باليسر￯ دفعة واحدة حسبت واحدة).(٤ ومن الفقهاء من رأ￯ أن المقصود الرمي بسبع حصيات دون نظر إلى تعدد الرميات فاجتز￯ برميهن دفعة واحدة ,ومنهم من قال إن وقعت على ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٢٦ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٢٦و الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٣٩ ) (٣الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٢٦ ) (٤ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١٢٢٩ مواطن من المرمى).(١ ومنهم من رأ￯ أن المقصود أعداد التكبير والحصى دون الرمي ,فإذا رمى بالسبع دفعة أجزأه إذا كبر سبعا ,وإن لم يكبر سبعا لم يجزه).(٢ واستدل لهذا بالقياس على الحد في اعتبار العدد إذ إن ضرب من وجب عليه الحد مئة سوط دفعة واحدة كضربه مئة سوط متفرقة ,فيجب أن يكون رميه بالسبع في دفعة واحدة كرميه سبع حصيات متفرقات).(٣ واعترض على السابق بأن المقصود من ضرب الحد الإيلام والزجر وهو متحقق بالأمرين كليهما ,ثم إن الحدود مبناها على التخفيف فاجتزي بالدفعة ,أما الرمي فعلته خافية مبنية على التعبد فمن هنا افترقا. ونص بعض أهل العلم على أن الفرق بينهما أن الحد عبادة وجبت على المحدود وقد وصل إلى بدنه ضرب مئة فكان وصول مئة سوط دفعة واحدة كوصول السوط الواحد مئة دفعة; لأنه قد وصل إلى بدنه ضرب مئة. ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٢٠و ابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٣ص.١٦٧٧ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٥ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٦ بسبع دفعات; لأنه لم يوجد منه سبع رميات).(١ ونقل العلامة أبو نبهان أن الإمام أبا محمد ابن بركة قال إن الحجة توجب لمن رمى السبع دفعة واحدة اسم الاستحقاق برمي سبع ,وعلق عليه الشيخ أبو نبهان بقوله :وليس في الشرع ولا في صحيح النظر ما يحيله ويدل بالحق على فساده بالقطع من كل وجه لحصول الرمي بالسبع في المرة بما لا شك فيه. ألا تر￯ أنه إن حلف أن يرمي جمرة بسبع من الحصى فرماها بهن في مرته لبر في يمينه ولم يحنث; لأنه قد رماها ولا شك).(٢ غير أنه اختار في خاتمة كلامه مذهب الجماهير وهو عدم الإجزاء لأن اتباع الصحيح من الأثر أولى من تكلف النظر ,والعمل في الحق بما لا شبهة فيه أولى مما لا يخلو من الشبهة. وإن حصل شك من الرامي أوقعت حصاته في المرمى أو لم تقع فالأصل عدم الوقوع وشغل الذمة حتى يبرأ بيقين أو ظن غالب).(١ ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٩٦والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٤١ ) (٢أبو نبهان ,الحج) ,مخطوط( ,والصائغي ,لباب الآثار ,ج ,٤ص.١١٨ تبين مما تقدم في الجزء الأول من هذا الكتاب أن الجمهور من أهل العلم قائلون بمشروعية النيابة في الحج من حيث الجملة على تفاصيل اختلفوا فيها, والحال أنهم قائلون بمشروعية النيابة أيضا في الرمي لمن كان غير قادر على الرمي بنفسه).(٢ ودليل السابق أن النيابة إذا جرت في أصل الحج فجريانها في أبعاض المناسك غير ممتنع من باب الأولى).(٣ ومن الفقهاء من قال إنه وإن لم يرد ما يدل على النيابة في الرمي ولكن الأعذار مسوغة للاستنابة إلا أن يقال إن العذر مسقط للوجوب من الأصل لأنه لا وجوب على معذور إلا أن يكون مثل رعاء الإبل).(٤ وهؤلاء يشرطون لجواز النيابة في الرمي ما يشرطونه في جواز النيابة في ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٤٣وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٢٠ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٠وابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص ,٣٨٥والكندي, بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٤٢والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٩والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٢٧ ) (٣الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٢٧والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٣٩ ) (٤الشوكاني ,السيل الجرار ,ج ,٢ص.٢٠٨ وإن رمى عنه أولا وقع عن نفسه. واختلفوا في رمي أيام التشريق أشرط الجواز رمي الجمرات الثلاث عن نفسه ثم يرمي عن المنوب ,أو له أن يرمي عن نفسه جمرة ثم يرمي عن المنوب عنه).(٢ كما اختلفوا فيما إذا زال عذر المنوب عنه ووقت الرمي باق ,والأكثرون منهم على الإجزاء).(٣ ومنهم من يقول إن رجي زوال العذر المانع من الرمي في وقت الرمي فلا يجوز له أن يستنيب غيره ,وإن لم يرج إلا بعد زوال وقت الرمي فله أن ينيب غيره عنه).(٤ وقد نص بعض هؤلاء بأنه لو أغمي على المستنيب لم ينعزل النائب بخلاف الوكيل في التصرفات; لأن علة هذه النيابة العجز فلا تضادها زيادة ) (١البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٨٠ ) (٢الشرواني ,الحواشي ,ج ,٤ص.١٣٧ ) (٣الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٤٠ ) (٤الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٢٧ واستحب بعض القائلين بالسابق أن يناول النائب الحصى إن قدر عليه وكبر هو).(٢ وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يستنيب العاجز من يرمي عنه ,ولا يسقط عنه الدم برمي النائب ,وفائدة الاستنابة سقوط الإثم ,وهذا الأمر بخلاف حال الصبي فإنه لا دم عليه عند هؤلاء إن رمى عنه غيره ,وإن لم يرم عنه لزم الدم على من أحجه).(٣ ومن الفقهاء من اشترط أن يكون النائب في الرمي من الحجاج ,فلا يجزي أن ينوب من لم يكن من الحجاج في ذلك العام).(٤ ولم أجد نصا صريحا للذين لا يقولون بمشروعية النيابة في أصل الحج أيجيزونها في هذا الموضع أو لا يجيزونها ,وقياد قولهم أن الرمي يسقط عنه إذ لم يرد على لسان الشارع ما يثبت مشروعية النيابة في الرمي والأصل الاقتصار ) (١الغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص.٦٦٨ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٣٩ ) (٣ابن الحاجب ,جامع الأمهات ,ص ,١٩٩والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٤٨ ) (٤فتاو￯ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ,ج ,١١ص.٢٨٤ الإنسان عن نفسه. ولا يبعد أن يختلفوا أيلزم الدم بالترك أو لا يلزم أخذا من خلافهم في قاعدة وجوب الدم بترك الواجبات. المطلب السابع :مندوبات الرمي أولا :الاغتسال أو الوضوء والاستحباب السابق أمر مروي عن السلف دون أن أجد فيه شيئا مرفوعا أو له حكم الرفع ,ومما جاء حديث أبي أسامة عن عبيد االله عن نافع قال :ما رأيت ابن عمر أراد أن يرمي الجمار إلا اغتسل).(١ ورو￯ في الموضع السابق عن وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عبد الرحمن بن الأسود أنه كان يغتسل إذا راح إلى الجمار ,وعن أبي معاوية عن الحجاج عن الحكم قال :كانوا يغتسلون إذا راحوا للرمي).(٢ وقال العلامة أبو المؤثر: الذي يستحب للرامي بالجمار أن يغتسل كل يوم قبل الرمي ويتوضأ ثم ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٤٠٣ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٤٠٣ والنفساء يرميان الجمار على هيئتهما لا يغسلان ولا يتوضآن ورميهما تام).(١ ثانيا :ذكر االله عند الرمي وأول الأذكار التي ثبتت في الموضوع التكبير مع كل حصاة) ,(٢وأدلتها ذكرناها مرارا في حديث جابر بن عبد االله الطويل ,وبين بعض الفقهاء التكبير بأن يقول :االله أكبر االله أكبر االله أكبر لا إله إلا االله واالله أكبر) ,(٣ومن الفقهاء من نص على التكبيرة الواحدة مع كل حصاة) ,(٤لأن جابرا قال: فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ,وهذا ظاهر العبارة فهو أولى. ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٣٦وينظر :الجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٣١٩ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٢٠والغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص ,٦٦٠والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٢٦ ) (٣المحروقي ,الدلائل ,ص.١٢٥ ) (٤البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٨والشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص ,٤١٧والدردير, الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٤٥ ضعف إذ معية التكبير مع رمي كل حصاة منصوص عليها في حديث جابر وهو الأصل في هذا الباب. ولكن جاء ما يفيد بظاهره أن النبي كان يكبر إثر الرمي كما في حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ,ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه).(٢ وقال بعض الفقهاء ممكن حمل التكبير في لفظ الرواة على معناه من التعظيم فيدخل كل ذكر لفظا لا معنى فقط ,وتعقب بأن في ذلك بعدا لأن المعروف من إطلاق لفظ كبر االله ونحوه إرادة ما كان تعظيما بلفظ التكبير فإنه إذا كان غيره قالوا سبح االله ووحده أو ذكر االله فهذا المعتاد يبعد هذا الحمل).(٣ ) (١المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٣٤ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة ).(١٦٦٤ ) (٣ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٨٦ من حكى الإجماع على هذا الرأي)− (١ولا إجماع على الحقيقة ,−وعلى السابق من رمى ولم يكبر صح رميه وأجزاه. وذهب بعض الفقهاء إلى أن من ترك التكبير كله يوم النحر عند الرمي فليعد رميه ويكبر ,فإن ذبح وحلق قبل ذلك فعليه دم ,وإن لم يذكر حتى مضى يوم النحر فالذي يستحب له أن يهدي شاة ,والذي نسي تكبيرة أو تكبيرتين فليعد ويكبر معهما إن كان من ساعته ,وإلا فليصنع معروفا بترك التكبيرة والتكبيرتين).(٢ واختار العلامة أبو المؤثر أن من نسي أن يكبر على إثر كل حصاة إذا رمى الجمار فإن كان في مقامه أو قريبا من ذلك فليرجع وليكبر سبع تكبيرات وليس عليه إعادة الرمي ,وإن لم يرجع فلا شيء عليه وقد تم رميه ,وإن كان قد تباعد فلا شيء عليه في التكبير).(٣ ) (١ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص ,٥٨٢والعيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٩٠ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٠والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٨٠والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٢٥ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٣٤ الرمي حفظا لعدده كالتسبيح بالحصى ,فالدم يتعلق عندهم بترك التكبير لا بترك الرمي ,ومن كبر ولم يرم فلا شيء عليه).(١ ومما يفيد هذا حديث الحسين بن إسماعيل نا زهير بن محمد نا الهيثم بن جميل نا محمد بن مسلم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: إنما جعل الحصى ليحصى به التكبير −يعني حصى الجمار.(٢)− ومن الفقهاء من استحب أن يضيف مع التكبير قول :هذه في طاعة الرحمن ,وهذه في غضب الشيطان ,ومنهم من استحسن أن يقال عند الرمي: اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا) ,(٣ومنهم من استحب أن يقول إثر كل تكبيرة :والله الحمد) ,(٤ومنهم من قيد هذا الحمد بأن يقال في إثر آخر حصاة ترمى).(٥ ) (١الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص ,١٢٦وابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٣ص.١٦٧٥ ) (٢الدارقطني ,السنن ,ج ,٢ص.٣٠٠ ) (٣البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٩والحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص,١٢٦ والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٣٤ ) (٤الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص ,٤١٧والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٣٠٠ ) (٥المحروقي ,الدلائل ,ص ,١٢٥والجناوني ,الوضع ,ص.٢٢٥ مغفورا ,وعملا مشكورا. ولعلهم يستدلون بحديث عبد االله بن حكيم بن الأزهر المدني حدثني زيد أبو أسامة قال :رأيت سالم بن عبد االله بن عمر استبطن الوادي ثم رمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة االله أكبر االله أكبر ,اللهم اجعله حجا مبرورا ,وذنبا مغفورا ,وعملا مشكورا ,فسألته عما صنع فقال :حدثني أبي أن النبي كان يرمي الجمرة في هذا المكان ويقول كلما رمى بحصاة مثل ما قلت. والحديث أخرجه البيهقي وتعقبه بتضعيفه ,وعلته عبد االله بن حكيم).(١ وجاء السابق من حديث ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه قال :أفضت مع عبد االله فرمى سبع حصيات استبطن الوادي حتى إذا فرغ قال :اللهم اجعله حجا مبرورا ,وذنبا مغفورا, ثم قال :هكذا رأيت الذي أنزل عليه سورة البقرة صنع).(٢ ) (١البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١٢٩ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص ,٢٦٠وأحمد بن حنبل ,المسند ,ج ,١ص.٤٢٧ الرواية كما تقدم. لكن جاء السابق موقوفا من قول ابن عمر كما في حديث أبي إسحاق السبيعي عن الهيثم بن حنش قال :سمعت ابن عمر حين رمى الجمار يقول: اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا).(١ والحديث علته أبو إسحاق السبيعي مدلس كما تقدم ,ولم يصرح بالتحديث ,وللسابق حكم من حكم من أهل العلم على أثري ابن عمر وابن مسعود بالضعف).(٢ والظاهر أن ثمة فقهاء يقولون بأن الذكر السابق يقال عند رمي كل حصاة لا بعد الفراغ منه كما هو نص حديث ليث بن أبي سليم السابق, ورو￯ ابن أبي شيبة من حديث ابن مهدي عن سفيان عن مغيرة قال :قلت لإبراهيم :ما أقول إذا رميت الجمرة? قال :قل :اللهم اجعله حجا مبرورا ,وذنبا مغفورا ,قال :قلت :أقوله مع كل حصاة? قال :نعم إن شئت) ,(١ومنهم من استحب إضافة البسملة مع ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٦٠ ) (٢ابن حجر ,التلخيص الحبير ,ج ,٢ص.٢٥٠ فقط. وقال بعض الفقهاء لو لم يكبر مع كل حصاة أو جعل مكان التكبيرات تسبيحا أجزأه; لأن المقصود ذكر االله تعالى عند كل حصاة ,وذلك يحصل بالتسبيح كما يحصل بالتكبير ,ثم هو من آداب الرمي وليس من واجباته فتركه لا يوجب شيئا).(٣ ومن الفقهاء من استحب أن يقول إثر الرمي :اللهم هذه حصياتي وأنت أحصى لهن مني فتقبلهن مني ,واجعلهن في الآخرة ذخرا لي ,وأثبني عليهن غفرانك ورضوانك).(٤ ثالثا :الانصراف بعد رميها للنسك الذي بعده من غير توقف للدعاء وقد قال بالسابق جمع من أهل العلم) ,(٥وأخذ الاستحباب السابق من فعله إذ إنه انصرف بعد رمي الجمرة مباشرة ولم يقف كما هو ظاهر من ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٦١ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٢٠ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٦٦ ) (٤الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص ,٤١٧والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٣٠٠ ) (٥البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٧٩والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٢١والكندي ,بيان يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر).(١ وفي أيام التشريق كان يقف للدعاء بعد الجمرتين الصغر￯ والوسطى ولا يقف بعد العقبة كما في حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر } أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ,ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه. ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا. ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف فيقول هكذا رأيت النبي يفعله).(٢ الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٢٧ ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة ).(١٦٦٤ السبب هو كثرة ما عليه من الشغل كالذبح والحلق والإفاضة إلى مكة. وقد اعترض هذا بأن الشغل منعدم أيام التشريق ومع ذلك كان النبي  يقف للدعاء بعد الجمرتين الأوليين ولا يقف بعد جمرة العقبة. ومن الفقهاء من علل ذلك بأن الوقوف بعد العقبة يكون في الطريق فيوجب قطع سلوكها على الناس وشدة زحام الواقفين والمارين وإفضاء ذلك إلى ضرر عظيم بخلافه في باقي الجمار فإنه لا يقع في نفس الطريق بل بمعزل منضم عنه).(١ والأولى السكوت عن العلة الفارقة بين جمرة العقبة وغيرها من الجمار لعدم الدليل فيلتزم بالمنقول عن النبي مع التسليم. والشيخ عامر ~ ذكر أنه بعد رمي جمرة العقبة ينصرف ولا يقف عندها) ,(٢وقال في موضع آخر أن الدعاء عند جمرة العقبة وعند الجمار كلها مستحب) ,(٣ولعله يريد بالدعاء الدعاء أثناء الرمي لا الدعاء الذي يقال بعد ) (١ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٨٦ ) (٢الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤١٧ ) (٣الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤١٩ فلا يقف عندها إذا رماها).(١ رابعا :رفع اليدين عند الرمي حتى ير￯ بياض إبط الرامي وعلل السابق بكونه أعون على الرمي وأمكن ,وهذا خاص بالذكور دون الإناث والخناثى) ,(٢ومنهم من صرح بأن الرمي يكون باليمنى من اليدين).(٣ والسابق لم أجد له نصا مرفوعا غير أنه جاء عن ابن عباس كما في حديث يحيى بن سليم الطائفي عن عبد االله بن عثمان قال :سمعت مجاهدا وسعيد بن جبير يقولان :كنا نر￯ عبد االله إذا رمى الجمرة يرفع يديه حتى يساوي رأسه وير￯ بياض إبطيه ,وكان حصاه مثل البندقة الحادرة).(٤ ) (١الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤٣٧ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٤والشرواني ,الحواشي ,ج ,٤ص.١٣٣ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٨٤وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٢٠وابن مفلح ,المبدع ,ج ,٣ص.٢٣٩ ) (٤ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٧١ مجاهد قال :إذا رمى الجمرة فليرفع يديه حتى ير￯ بياض إبطيه).(١ خامسا :الرمي من بطن الوادي كانت جمرة العقبة على سفح جبل بعض جهاتها في الوادي كما تقدم ذكر ذلك ,والنبي رمى هذه الجمرة من بطن الوادي ,ولم يأت من سفح الجبل, قال الشافعي :ولا يمكنه غير ذلك; لأنها على أكمة فلا يتمكن من رميها إلا كذلك).(٢ ومما يفيد الحكم السابق حديث الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال :رمى عبد االله من بطن الوادي فقلت :يا أبا عبد الرحمن ,إن ناسا يرمونها من فوقها? فقال :والذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة .(٣) ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٧١ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٨٤ ) (٣أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :رمي الجمار من بطن الوادي ).(١٦٦٠ أنه انتهى إلى الجمرة الكبر￯ جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع وقال :هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة .(١) وجاءت بعض روايات حديث ابن مسعود مفيدة أن النبي استقبل الكعبة عند رميه الجمرة كما في حديث المسعودي عن جامع بن شداد أبي صخرة عن عبد الرحمن بن يزيد قال: لما أتى عبد االله جمرة العقبة استبطن الوادي واستقبل القبلة وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن ثم رمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم قال :واالله الذي لا إله إلا هو من ها هنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة. واستقبال القبلة عند الرمي أمر قال باستحبابه جمع من الفقهاء) ,(٢غير أن الحديث أخرجه الترمذي) (٣وهو مخالف للروايات الصحيحة التي فيها أن ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :رمي الجمار من بطن الوادي ).(١٦٦١ ) (٢الشقصي ,منهج الطالبين ,ج ,٧ص.٢٦٥ ) (٣كتاب :الحج ,باب :ما جاء كيف ترمى الجمار ).(٩٠١ اختلط).(١ وللسابق رأ￯ الجماهير من أهل العلم أن الأفضل رمي جمرة العقبة حيث رمى النبي من بطن الوادي ,وأن يجعل الرامي مكة عن يساره ومنى عن يمينه).(٢ لكن اختلفوا أذلك على سبيل الوجوب فلا يصح رمي هذه الجمرة إلا من بطن الوادي أو أنه ندب فحسب. ذهب جمع من الفقهاء إلى أن ذلك واجب ,فمن رمى الجمرة من أعلاها لم يجزه رميه ذلك) ,(٣قال العلامة ابن جعفر: ومن رمى جمرة العقبة من فوقها يوم النحر فليعد الرمي من بطن الوادي ,فإن ذبح وحلق قبل أن يعيده فيعيد الرمي وعليه دم ,وإن كان في غير يوم النحر فليعد ما كان بمنى ولا شيء عليه).(١ ) (١العقيلي ,الضعفاء ,ج ,٢ص ,٣٣٦والمزي ,تهذيب الكمال ,ج ,١٧ص ,٢١٩والعلائي, المختلطين ,ص.٧٢ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٢٠والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٢والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٢٦ ) (٣البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٨٠ آمر أن تؤخذ المناسك عنه ,والذي فعله الرمي من بطن الوادي فكان ذلك متعينا. وذهب آخرون إلى أن فعل النبي الذي حكاه ابن مسعود دليل أفضلية وليس دليل وجوب فيجوز رميها من غير الجهة التي رماها النبي ,(٢)فضلا عن أنه قد يكون رمي النبي من أسفل الجمرة لسهولة الموضع وعسر أعلاها ,فيكون فعله واقعة حال كما هو الأظهر. ورجح القول بإجزاء رمي من رمى العقبة من أعلاها العلامة أبو المؤثر وتابعه عليه العلامة أبو نبهان).(٣ ووجه بعضهم رمي النبي الجمرة من أسفلها بأنه يتوقع الأذ￯ إذا رموا من أعلاها لمن أسفلها; فإنه لا يخلو من مرور الناس فيصيبهم بخلاف الرمي من أسفل مع المارين من فوقها).(٤ ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٦٠ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٨٤وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص,٢١٨ والمرغيناني ,الهداية ,ج ,١ص ,١٤٧والجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص.١٧٠ ) (٣أبو نبهان ,الحج) ,مخطوط( ,والصائغي ,لباب الآثار ,ج ,٤ص.١١٤ ) (٤ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٤٨٦ استقبلها أو جعلها عن يمينه أو عن يساره ,أو رماها من فوقها أو أسفلها ,أو وقف في وسطها ورماها; لأن ما حولها موضع نسك لكنه ترك الأفضل).(١ واختلفوا في استقبال القبلة عند رمي جمرة العقبة ,فنص بعضهم على أفضلية استدبارها) ,(٢وقال ابن جماعة :ولا دليل لهم في ذلك).(٣ وقال بعض الفقهاء بل يشرع استقبال القبلة ,ومن الفقهاء من قال إنه يجعل الكعبة على يساره ,ومنى على يمينه ويستقبل الجمرة).(٤ ورو￯ ابن أبي شيبة حديث وكيع عن المسعودي عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد االله لما أتى إلى الجمرة العقبة استبطن الوادي واستقبل الكعبة وجعلها على حاجبه الأيمن ثم رماها بسبع حصيات يكبر ) (١ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص ,٥٨٢وابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٣ص,١٦٦٧ وابن المنذر ,الإجماع ,ص.٧٤ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٤٢ ) (٣ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٣ص.١٢٢٣ ) (٤السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٨والنووي ,روضة الطالبين ,ج ,٣ص,١١٠ والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٢٦ وقد تقدم بيان ضعف هذا الحديث وأن الصحيح أن عبد االله بن مسعود قد جعل مكة عن يساره ,وحكى ذلك عن النبي . ورو￯ عن إسماعيل بن عياش عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير أنهم كانوا إذا رموا الجمار استقبلوا البيت).(٢ ومع كون هذه الآثار غير مرفوعة هي ضعيفة في أسانيدها فإسماعيل وليث ممن لا يثبت حديثهم كما تقدم ذكرهم غير مرة. ورو￯ ابن عدي من طريق عاصم بن سليمان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال :رأيت رسول االله رمى الجمرة يوم النحر وظهره مما يلي مكة).(٣ وعاصم بن سليمان الذي في الحديث هو العبدي الكوزي ,وهو متروك كما قال النسائي) ,(٤بل قال ابن عدي :يعد فيمن يضع الحديث) ,(١وقال ابن ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٤٠٤ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٤٠٤ ) (٣ابن عدي ,الكامل ,ج ,٥ص.٢٣٨ ) (٤النسائي ,الضعفاء والمتروكين ,ص.٧٨ جهة التعجب).(٢ وللسابق حكم الحافظ ابن حجر على الحديث بأنه موضوع).(٣ وقال الجمل :ويختص هذا بيوم النحر لتميزها فيه بخلاف بقية أيام التشريق فإن السنة استقباله للقبلة في رمي الكل).(٤ سادسا :الموالاة بين الحجارة السبع ودليل السابق ظاهر فعل النبي ,ومن الفقهاء من أطلق فقال :لا تشترط الموالاة بين الرميات بل يسن فيكره تركها) ,(٥وقد حكى بعض أهل العلم الاتفاق على أن التفريق اليسير بينها لا يضر ,واختلف في التفريق الطويل).(٦ ) (١ابن عدي ,الكامل ,ج ,٥ص.٢٣٧ ) (٢ابن حبان ,المجروحين ,ج ,٢ص.١٢٦ ) (٣ابن حجر ,التلخيص الحبير ,ج ,٢ص.٢٦٥ ) (٤الجمل ,الحاشية على شرح المنهج ,ج ,٢ص.٤٦٤ ) (٥ابن عابدين ,رد المحتار ,ج ,٢ص ,٥١٤والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٢٧ ) (٦النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٤١ ستا من الحصى إن كان في موضعه ,وإن انصرف فليعد رمي سبع حصيات).(١ وقال بعض الفقهاء إن من رمى جمرة العقبة بست حصيات وترك واحدة إلى الليل أو إلى الغد ناسيا أو عامدا فإن كان ناسيا فليرم الواحدة من الغد قبل أن يرمي الجمار ,وإن كان عامدا فعليه الاستغفار ودم).(٢ وقال ابن جزي :ويفرق بين كل حصاتين بقدر ما يمكث ساجدا في الصلاة) ,(٣وهذا أمر فيه شيء من البعد; إذ التفريق معه ليس باليسير خاصة إن علمنا أن ثمة زحاما في الموضع ,ومثله ينبغي التنبيه عليه في الرواية إذ هو خلاف الأصل ,والظاهر أنه كان يرمي حجرا إثر حجر. ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٣٣ ) (٢الجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٣٠٤ ) (٣ابن جزي ,القوانين الفقهية ,ص.٩٠ استحب بعض الفقهاء لمن رمى جمرة العقبة أن يأتي مسجد الخيف بعدها فيصلي ركعتين قبل النحر ,فإن لم يمكنه صلى في رحله ركعتين ,ولا يكثر في الركعتين من تكبير العيدين).(١ والظاهر من فعل النبي أنه نحر بعد الرمي مباشرة كما يفيده حديث جابر بن عبد االله } ,فالأولى الحرص على ما فعله النبي . ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٣٧والقطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص.٢٣١ ذكرنا في المبحث السابق أن النبي انصرف من جمرة العقبة بعد رميها إلى نسك النحر ,وقد وصف جابر بن عبد االله فعله إذ قال: ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبر￯ حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ,رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ,ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ,ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب رسول االله فأفاض إلى البيت).(١ وللسابق يندب لكل من أراد أن ينحر أو يذبح أن ينصرف بعد رمي الجمرة مباشرة إلى النسك التالي كما فعل النبي . والنبي تولى نحر ثلاث وستين من البدن بيده لذا نص جمع من الفقهاء على أن المستحب أن يتولى الناسك ذبح نسكه بيده) ,(٢مع جواز أن ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٨٨وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٢٠والنووي, بقي من بدن النبي . كما يفيد السابق أن النبي ضحى عن نسائه البقر ,وقد جاء من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت :سمعت عائشة > تقول: خرجنا مع رسول االله لخمس بقين من ذي القعدة لا نر￯ إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول االله من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل ,قالت :فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت :ما هذا? قال :نحر رسول االله عن أزواجه).(١ وصفة الذبح والنحر وما يتعلق بأسنان الهدي أمر ليس خاصا بالمناسك فنعرض عن ذكره صفحا خشية الإطالة إذ بابه كتاب الذبائح والأضاحي كما عليه أكثر المصنفين في كتاب الحج. المجموع ,ج ,٨ص.١٤٤ ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :ذبح الرجل عن نسائه من غير أمرهن ).(١٦٢٣ تبين من قبل أن أول المشروعات في اليوم العاشر هو الإفاضة إلى منى ثم رمي جمرة العقبة وبعده ذبح الهدي لمن تعبد به ثم التحلل بالحلق أو التقصير, وقد مضى بيان السابق كله والله الحمد والمنة. والنبي بعدما تحلل بالحلق أفاض إلى مكة قاصدا طواف الزيارة ,وقد مضت أحكام طواف الإفاضة في الجزء الرابع من هذا الكتاب. وصف جابر بن عبد االله } أفعال النبي ذلك اليوم فقال: ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبر￯ حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ,ثم أعطى عليا فنحر ما غبر ,وأشركه في هديه ,ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم ركب رسول االله فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال :انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم واستحب جمع من الفقهاء دون إيجاب الشرب من ماء زمزم بعد الفراغ من طواف الإفاضة) (٢أخذا من فعل النبي الذي رواه جابر بن عبد االله. قال شيخنا القدوة العلامة الخليلي: الشرب من ماء زمزم ليس من مناسك الحج وليس بواجب ,وإنما هو ماء مبارك ,وقد جاءت فيه روايات بعضها صحيح وبعضها دون ذلك).(٣ ومن الفقهاء من نص على الأمر بدخول زمزم وأن يشرب ثلاث جرع ويغسل صدره ووجهه ويصب على رأسه).(٤ ولم أجد للسابق نصا يؤيده غير أنه وردت في تعظيم شأن زمزم آثار منها ما جاء في حادثة إسلام أبي ذر أن النبي قال له :متى كنت ها هنا? قال: قلت :قد كنت ها هنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم ,قال :فمن كان يطعمك? )(٥ قال :قلت :ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :حجة النبي .(١٢١٨)  ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٩٣والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٤٤ ) (٣شيخنا الخليلي ,الفتاو￯ ,الكتاب الأول ,ص.٤٣٦ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٩٣والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٤٤ ) (٥العكن جمع عكنة ,والعكن والأعكان الأطواء في البطن من السمن. طعم).(١ وبعد أن طاف النبي طواف الإفاضة وشرب من ماء زمزم قفل راجعا إلى منى ,وقد اختلفت الروايات عنه في المكان الذي صلى فيه الظهر, فجابر بن عبد االله –كما تقدم عنه −يروي أن صلاة النبي الظهر كانت في مكة −شرفها االله.− ورو￯ ابن عمر من صحابته أنه صلاها في منى كما في حديث محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا عبيد االله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول االله أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى ,قال نافع :فكان ابن عمر يفيض يوم النحر ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى ويذكر أن النبي  فعله).(٢ والإشكال في الروايتين ظاهر ,والجمع بينهما عسير إذ هو جمع بين النفي والإثبات ,والترجيح بينهما مفتقر إلى الدليل ولا دليل يظهر ,وللسابق قال الفراهيدي ,العين ,ج ,١ص ,٢٠٣وابن منظور ,لسان العرب ,ج ,١٣ص.٢٨٨ ) (١أخرجه مسلم في كتاب :فضائل الصحابة ,باب :من فضائل أبي ذر ).(٢٤٧٣ ) (٢أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :استحباب طواف الإفاضة يوم النحر ).(١٣٠٨ ثم رجع من يومه ذلك إلى منى فصلى بها الظهر هذا قول ابن عمر, وقالت عائشة وجابر بل صلى الظهر ذلك اليوم بمكة ,وهذا الفصل الذي أشكل علينا الفصل فيه بصحة الطرق في كل ذلك ,ولا شك أن أحد الخبرين وهم والثاني صحيح ,ولا ندري أيهما هو).(١ وقد كانت لأهل العلم سبل مختلفة في الجمع بين الروايتين المختلفتين فمنهم من توقف لعدم المرجح كما هو حال المنقول عن أبي محمد بن حزم. ومنهم من سلك جانب الترجيح فقال تترجح صلاته بمكة لكونها أفضل ,ويؤيده ضيق الوقت; لأنه عليه الصلاة والسلام رجع قبيل طلوع الشمس من المشعر ورمى بمنى ونحر مئة من الإبل وطبخ لحمها وأكل منها ثم ذهب إلى مكة وطاف وسعى فلا شك أنه أدركه الوقت بمكة وما كان يؤخرها عن وقتها المختار لغير ضرورة ,ولا ضرورة هنا واالله أعلم).(٢ ومنهم من قال إن الأغلب أنه صلى الظهر في ذلك اليوم بمكة لوجوه أحدها اتفاق عائشة وجابر على ذلك واختصاص عائشة > بموضعه . ) (١ابن حزم ,حجة الوداع ,ص.١٢٤ ) (٢العظيم أبادي ,عون المعبود ,ج ,٥ص.٢٦٨ وقد دفع من مزدلفة قبيل طلوع الشمس إلى منى وخطب بها الناس ونحر بدنا عظيمة وتردد بها على الخلق ورمى الجمرة وتطيب ثم أفاض إلى مكة فطاف بالبيت سبعا وشرب من زمزم ومن نبيذ السقاية ,وهذه الأعمال يبدو في الأظهر أنها لا تنقضي في مقدار يمكن معه الرجوع من مكة إلى منى قبل الظهر ويدرك بها صلاة الظهر في أيام آذار).(١ ومن أهل العلم من سلك مسلك الجمع بين الروايتين فقال :يحتمل أن صلى منفردا في أحد الموضعين ثم مع جماعة في الآخر ,أو صلىيكونَّ بأصحابه بمنى ثم أفاض فوجد قوما لم يصلوا فصلى بهم ثم لما رجع إلى منى وجد قوما آخرين فصلى بهم; لأنه لا يتقدمه أحد في الصلاة أو كرر الصلاة بمكة ومنى ليتبين جواز الأمرين في هذا اليوم توسعة على الأمة ويجوز أن يكون أذن في الصلاة في أحد الموضعين فنسبت إليه ).(٢ ومن الفقهاء من قال إنه طاف للإفاضة قبل الزوال ثم صلى الظهر بمكة في أول وقتها ,ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخر￯ بأصحابه ) (١ابن حزم ,حجة الوداع ,ص.٢٩٦ ) (٢العيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٦٨ وهذا كما ثبت في صلاته ببطن نخل أحد أنواع صلاة الخوف فإنه  صلى بطائفة من أصحابه الصلاة بكمالها وسلم بهم ,ثم صلى بالطائفة الأخر￯ تلك الصلاة مرة أخر￯ فكانت له صلاتان ولهم صلاة).(١ ومن أهل العلم من ضعف حديث ابن عمر الذي فيه الصلاة بمنى).(٢ وجاءت رواية تضاد السابق كله ومفادها أن النبي طاف للزيارة ليلة الحادي عشر كما في حديث عمر بن محمد الهمداني قال :حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد قال :حدثني أبي عن جدي قال :حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول االله  صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بمنى ثم ركب إلى البيت فطاف به. والحديث أخرجه ابن حبان) ,(٣وقال عقبه جامعا بينه ورواية طوافه  قبل الظهر: ) (١النووي ,شرح صحيح مسلم ,ج ,٨ص.١٩٣ ) (٢ابن الملقن ,التوضيح لشرح الجامع الصحيح ,ج ,١٢ص.١٤٠ ) (٣ابن حبان ,صحيح ابن حبان ,ج ,٩ص.١٩٥ وفي خبر أنس أنه صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بمنى ثم ركب إلى البيت فطاف به ,فجعل أنس طوافه للزيارة بالليل وأخبر ابن عمر أنه طاف الزيارة قبل الظهر ,وتلك حجة واحدة وطواف واحد للزيارة. والذي يجمع بين الخبرين به أنه رمى جمرة العقبة ونحر ثم تطيب للزيارة ثم أفاض فطاف بالبيت طواف الزيارة ثم رجع إلى منى فصلى الظهر بها والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بها ,ثم ركب إلى البيت ثانيا فطاف بها طوافا آخر بالليل دون أن يكون بين الخبرين تضاد أو تهاتر اهـ. وجمع بعض أهل العلم بين الروايتين بقوله إن النبي طاف للزيارة قبل الظهر من يوم النحر إلا أنه في أيام منى كان يأتي مكة بالليل مستترا فيطوف فمن رأ￯ ذلك منه ظن أن طوافه ذلك للزيارة فنقل كما وقع عنده).(١ وجاءت رواية مفادها أن النبي أفاض بعدما صلى الظهر كما في حديث عبد االله بن سعيد الأشج ثنا سليمان بن حسان عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة قالت :أفاض رسول االله من آخر يومه حين صلى الظهر ,ثم رجع فمكث بمنى ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٢٢ الأولى وعند الثانية فيطيل القيام ويتضرع ,ثم يرمي الثالثة ولا يقف عندها. والحديث أخرجه ابن خزيمة) ,(١ولكنه يعل بعنعنة ابن إسحاق فلا يصح ,وقال عقبه جامعا بينه وحديث ابن عمر سابق الذكر: هذه اللفظة )حين صلى الظهر( ظاهرها خلاف خبر ابن عمر الذي ذكرناه قبل أن النبي أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى, وأحسب أن معنى هذه اللفظة لا تضاد خبر ابن عمر لعل عائشة أرادت أفاض رسول االله من آخر يومه حين صلى الظهر بعد رجوعه إلى منى. فإذا حمل خبر عائشة على هذا المعنى لم يكن مخالفا لخبر ابن عمر ,وخبر ابن عمر أثبت إسنادا من هذا الخبر. وخبر عائشة ما تأولت من الجنس الذي نقول إن الكلام مقدم ومؤخر كقوله ﴿ ,(٢)﴾ 2%y`uθÏã ...ã&©! ≅yèøgs† óΟs9uρ |=≈tGÅ3ø9$# Íνωö7tã 4’n?tã tΑt“Ρr& ü“Ï%©!$# ¬! ߉÷Κptø:$#ومثل هذا في القرآن كثير قد بينت بعضه في كتاب معاني القرآن وسأبين باقيه إن شاء االله ,وهذا كقوله ﴿ Ïπs3Í× ̄≈n=yθù=Ï9 $uΖù=è% §ΝèO öΝä3≈tΡö‘§θ|1 §ΝèO öΝà6≈oΨø)n=yz ô‰s)s9uρ ) (١ابن خزيمة ,صحيح ابن خزيمة ,ج ,٤ص.٣١١ ) (٢سورة :الكهف ,الآية ).(١ فمعنى قول عائشة −على هذا التأويل −أفاض رسول االله من آخر يومه ثم رجع حين صلى الظهر فقدم حين صلى الظهر قبل قوله ثم رجع كما قدم االله عز وجل خلقناكم قبل قوله ثم صورناكم والمعنى صورناكم ثم خلقناكم. ومما جاء بالسابق حديث محمد بن المثنى قال :حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن عائشة وابن عباس أن النبي أخر الطواف يوم النحر إلى الليل. والحديث أخرجه النسائي في الكبر￯) ,(٢وقال البيهقي بعد روايته :وأبو الزبير سمع من ابن عباس ,وفي سماعه من عائشة نظر قاله البخاري) ,(٣ومع سماعه لا بد من أن يصرح بالتحديث ,وقد أعل ابن حزم هذا الحديث بعنعنة أبي الزبير. عمر بن قيس عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد عن ) (١سورة :الأعراف ,الآية ).(١١ ) (٢النسائي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٢ص.٤٦٠ ) (٣البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١٤٤ رسول االله مع نسائه ليلا).(١ وهذا الحديث لا يصح بل هو مخالف لما استقر من رواية الثقات عن جماعة من أصحابه أنه طاف للزيارة نهار اليوم العاشر. جعفر بن عون أنبأ مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس أن رسول االله طاف طواف يوم النحر من الليل) ,(٢والحديث مرسل فلا يعارض به الأحاديث الصحاح. ) (١البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١٤٤ ) (٢البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١٤٤ الإتيان بأعمال اليوم العاشر على وفق ما أتى النبي أمر لا يختلف في أفضليته وأنه أولى ما يحافظ عليه المتنسك ,وعليه فيرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس ثم يذبح ثم يحلق أو يقصر ثم يطوف طواف الإفاضة).(١ والفقهاء مختلفون في حكم الترتيب بين الأعمال السابقة فذهب جمع من الفقهاء إلى أن الترتيب السابق ليس بواجب بل هو سنة وللناسك أن يقدم أيها شاء ويؤخر أيها شاء).(٢ وهؤلاء يجعلون وقت كل عمل من الأعمال الثلاثة يبدأ بوقت رمي جمرة العقبة ,فمن يقول منهم بأن وقتها انتصاف ليلة العيد يقول أيضا بأنه وقت للطواف والحلق; إذ الترتيب بين الأعمال المذكورة ليس بواجب فتدخل أوقاتها في وقت أول الأعمال).(٣ ودليل عدم وجوب مراعاة الترتيب بين أعمال اليوم العاشر جاء من طرق منها حديث عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن ابن عباس قال رجل ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٩وابن مفلح ,المبدع ,ج ,٣ص.٢٤٥ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٦والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٤٢ ) (٣الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣١٦والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٤٣ قال :لا حرج ,قال :ذبحت قبل أن أرمي? قال :لا حرج).(١ كما جاء من حديث حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد االله أن رجلا قال :يا رسول االله ,ذبحت قبل أن أرمي? فقال :ارم ولا حرج ,فقال آخر :يا رسول االله ,حلقت قبل أن أذبح? قال: اذبح ولا حرج ,فقال آخر :طفت قبل أن أرمي يا رسول االله? فقال :ارم ولا حرج).(٢ وجاء السابق من حديث زيد بن علي عن أبيه عن عبيد االله بن أبي رافع عن علي عن النبي أن رجلا أتاه فقال :أفضت قبل أن أحلق ,قال :فاحلق أو قصر ولا حرج ).(٣ كما جاء السابق من حديث بشر بن معاذ العقدي قال :حدثنا عمر بن علي قال :سمعت الحجاج يذكر عن عبادة بن نسي قال :حدثني أبو زبيد قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول :سئل رسول االله − وهو بين الجمرتين− ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :الذبح قبل الحلق ).(١٦٣٥ ) (٢ابن حبان ,صحيح ابن حبان ,ج ,٩ص.١٩٠ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٦٣ قال :أيها الناس إن االله قد رفع عنكم الضيق والحرج ولكن تعلموا مناسككم فإنها من دينكم).(١ وقال الطبري بعد إخراج الروايات السابقة: والذي فيها من ذلك الإبانة من النبي عن صحة قول القائلين بأن من قدم شيئا من نسك حجه عن وقته قبل شيء منه هو أولى بتقديمه عليه ,أو أخر شيئا منه عن موضعه على شيء هو أولى بتقديمه على ما قدمه عليه فلا حرج عليه ولا فدية ولا جزاء. وذلك أن الفدية والجزاء في النسك إنما هو عوض من تقصير في واجب وتضييع للازم قد فات وقت عمله وحرج بتضييعه وأثم بتقصيره فيه ,وفي إعلام النبي أمته أنه لا حرج على من قدم شيئا من مناسك حجه التي صفتها ما ذكرت قبل شيء منها أو أخر شيئا منها عن موضعه أبين البيان وأوضح البرهان على أن لا كفارة على من أعلم أنه لا حرج عليه فيما فعل من ذلك ولا فدية; إذ كان من زال عنه الحرج زائلا عنه البدل الذي كان له لازما ) (١الطبري ,تهذيب الآثار )مسند علي( ,ج ,١ص.٢٢٧ وأما كون الترتيب سنة ففعل النبي الذي اتفق على كونه هو الأولى بأن يقتفى كما تقدم ذكر ذلك ,وقد ثبت ترتيبه. ومما قد يستفاد منه عدم وجوب الترتيب ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن نمير عن ابن أبي ليلى عن عطاء قال :قال رسول االله :من قدم من حجه شيئا مكان شيء فلا حرج) ,(٢ولكن الحديث مرسل وفي إسناده ابن أبي ليلى وهو ضعيف كما تقدم. لكن رواه ابن أبي شيبة بعده بإسناد حسن من طريق وكيع عن أسامة الليثي عن عطاء عن جابر عن النبي :من قدم من حجه شيئا مكان شيء فلا حرج).(٣ وذهب بعض الفقهاء إلى أن الترتيب واجب من حيث الأصل لكن من أخل به جهلا أو نسيانا فلا حرج عليه ,ومن أخل به ممن كان من غير ) (١الطبري ,تهذيب الآثار )مسند علي( ,ج ,١ص.٢٢٩ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٦٣ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣٦٣ ودليل هذا القول أنه جاء في بعض طرق الحديث السابق أن السائل صرح بعدم شعوره حينما ارتكب الخطأ السابق ,أو أنه ما كان يعرف أن الفعل الفلاني مشروعيته أن يكون قبل الفعل الفلاني فقدم ما حقه التأخير, كما في حديث الإمام الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد قال :بلغني عن عبد االله بن عمرو بن العاص قال في حجة الوداع: إن رجلا جاء إلى رسول االله فقال :يا رسول االله ,لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ,فقال له :اذبح ولا حرج ,فجاءه آخر فقال له :يا رسول االله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ,فقال :ارم ولا حرج ,فما سئل في ذلك اليوم عن شيء إلا قال :ولا حرج. وجاء متصلا من طريق مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة عن عبد االله بن عمرو أن رسول االله وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه فقال رجل :لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح? قال :اذبح ولا حرج ,فجاء آخر فقال :لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي? قال :ارم ولا حرج ,فما سئل يومئذ عن ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٣٢والسالمي ,شرح الجامع الصحيح ,ج,٢ ص ,٢٥٨وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٠والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٤٢ وجاء الحديث من طريق يحيى بن سعيد حدثنا ابن جريج حدثني الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد االله بن عمرو بن العاص −رضي االله عنه −حدثه أنه شهد النبي يخطب يوم النحر فقام إليه رجل فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا ,ثم قام آخر فقال :كنت أحسب أن كذا قبل كذا حلقت قبل أن أنحر ,نحرت قبل أن أرمي ,وأشباه ذلك فقال النبي :افعل ولا حرج لهن كلهن ,فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال :افعل ولا حرج).(٢ كما رو￯ التقييد بعدم الشعور ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب ,وصالح عن ابن شهاب ,وزاد في آخره :فما سمعته يسأل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء ويجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال رسول االله :افعلوا ذلك ولا حرج).(٣ ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :الفتيا على الدابة عند الجمرة ) ,(١٦٤٩ومسلم في كتاب :الحج ,باب :من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي ).(١٣٠٦ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :الفتيا على الدابة عند الجمرة ).(١٦٥٠ ) (٣أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي ).(١٣٠٦ على أن الناسي والجاهل معفو عنه فقال: قول السائل لم أشعر أي لم أعلم ,فهذا يدل على أن الرخصة لهذا الجاهل أو المخطئ ,ويؤيد ذلك ما في رواية عند مسلم :فما سمعته يسأل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال رسول االله افعلوا ولا حرج. وأيضا فإن الدليل دل على وجوب اتباع الرسول في الحج بقوله: خذوا عني مناسككم ,والأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص هذا الحكم بهذه الحالة وتبقى صورة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج. وأيضا الحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز اطراحه, ولا شك أن عدم الشعور مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يصح اطراحه).(١ ومن غير شك أن هذا الدليل قوي جدا ,ولكن أصحاب الزهري الذين ) (١السالمي ,شرح الجامع الصحيح ,ج ,٢ص ,٢٥٩وابن حجر ,فتح الباري ,ج,٣ ص.٥٧٢ رووه مع قيد عدم الشعور الذي قام عليه هذا الدليل. لكن رواه آخرون من أصحاب الزهري بدون القيد السابق بل على نسق الأكثر من الصحابة كما في رواية ابن عباس وعلي وجابر بن عبد االله وأسامة بن شريك ,ومن تلامذته الذين رووه عنه دون التقييد بعدم الشعور سفيان بن عيينة ,ومعمر ومحمد بن أبي حفصة ,وكل ذلك عند مسلم في صحيحه).(١ ورو￯ النسائي أيضا عدم التقييد بعدم الشعور في الرواية السابقة من طريق عمرو بن علي قال :حدثنا يحيى قال :حدثنا مالك قال :حدثني الزهري).(٢ وقد اعترض بعض أهل العلم الاستدلال السابق الذي ساقه الإمام السالمي وغيره بأن الجاهل والناسي لا يضع عنهما عذرهما المذكور حكم المتعمد في موضع مناسك الحج ,وإنما يضع الإثم. وذلك أنه لا خلاف بينهم أن جاهلا من الحاج لو جهل ما عليه فلم يرم الجمرات حتى انقضت أيام الرمي أن حكمه في الفدية كالعامد ,وكذلك ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي ).(١٣٠٦ ) (٢النسائي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٢ص.٤٤٧ ذلك ومؤخره الجاهل والعامد فيه سواء لأنه قال :لا حرج ,ولم يفصل بجوابه بينهم).(١ ومن السابق تكون الأقوال ثلاثة أولها لا يجب الترتيب مطلقا ,وثانيها يجب الترتيب مطلقا ,وثالثها التفريق بين غير المتعمد كالجاهل والناسي فيعفى عن التقديم والتأخير ,والمتعمد تلزمه الفدية. وقال ابن عبد البر :ولا يحلق حتى ينحر هديه ,فإن حلق قبل أن ينحر, أو نحر قبل أن يحلق ,أو قبل أن يرمي فلا حرج ,ولا يحلق حتى يرمي ,فإن حلق قبل الرمي فعليه عند مالك الفدية).(٢ وذهب الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة إلى أن الرخص السابقة المذكورة في الأحاديث خاصة بأولئك السائلين دون غيرهم ,قال الإمام السالمي مبينا دليل هذا القول: لأن الناس يومئذ لم يعلموا أحكام المناسك على التمام ,وإنما خرجوا معه ليأخذوا مناسكهم فناسب أن يعذر المخطئ يومئذ لتعذر الاطلاع من ) (١ابن الملقن ,التوضيح ,ج ,١٢ص.١١٠ ) (٢ابن عبد البر ,الكافي ,ص.١٤٤ اليوم لهذا العذر ,وقد استقرت الأحكام وانتشرت بعد ذلك اليوم فلا عذر لجاهل ولا مخطئ عن وجوب الفداء).(١ وقال ابن قدامة عن الترتيب بين الحلق والنحر :لا نعلم خلافا بينهم في أن مخالفة الترتيب لا تخرج هذه الأفعال عن الإجزاء ,ولا تمنع وقوعها موقعها ,وإنما اختلفوا في وجوب الدم).(٢ وعلى كل الأحوال سواء قلنا إن الترتيب واجب أم ليس بواجب يظهر أنه ليس بشرط ,وعلى القول بالوجوب يلزم المفرط فيه ما يلزم المفرط للواجب في الحج التوبة وحدها ,أو التوبة مع الدم. ونفي الشرطية عنه كان لعلة أن الشارع ناص على العفو عمن فرط فيه دون عمد كما في الأحاديث السابقة ,والشروط من باب خطاب الوضع الذي لا يفرق فيه بين عمد وغيره ,وبانتفاء خطاب الوضع يكون الأمر بالترتيب من باب خطاب التكليف الذي يفرق فيه بين العمد فيأثم صاحبه وبين غير العمد فلا يأثم. ) (١السالمي ,شرح الجامع الصحيح ,ج ,٢ص.٢٥٩ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣١ @ @ @ @ @ @Õ튒nÛa@âbíc@ÞbàÇc@ZÉbnÛa@Ý–ÐÛa Õ튒nÛa@âbíc@ÑíŠÈm@ZÞëþa@szj1⁄2a óä¶@oîj1⁄2a@ZïãbrÛa@szj1⁄2a paŠà¦a@ï߉@ZsÛbrÛa@szj1⁄2a óäß@åß@ŠÐäÛa@ZÉiaŠÛa@szj1⁄2a k–bi@ÞëŒäÛa@Zßb ̈a@szj1⁄2a @ @ أيام التشريق هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي القر لقرار الناس في منى بعد أن كانوا يومالحجة ,والأول منها يسمى يومَ التروية ويوم عرفة ويوم النحر في تعب من الحج. ومن باب الإطلاق السابق حديث عبد االله بن قرط عن النبي قال :إن أعظم الأيام عند االله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر).(١ ويسمى أيضا يوم الرؤوس; لأن الناس يأكلون رؤوس ذبائحهم ,قال الزمخشري :أهل مكة يسمون يوم القر يوم الرؤوس لأنهم يأكلون فيه رؤوس الأضاحي) ,(٢ومن باب الإطلاق السابق حديث ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن حدثتني جدتي سراء بنت نبهان −وكانت ربة بيت في الجاهلية −قالت: خطبنا رسول االله يوم الرؤوس فقال :أي يوم هذا? قلنا :االله ورسوله ) (١أخرجه أبو داود في كتاب :المناسك ,باب :في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ ),(١٧٦٥ والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم بإخراجهم إياه. ابن خزيمة ,صحيح ابن خزيمة ,ج ,٤ص ,٣١٥وابن حبان ,صحيح ابن حبان ,ج,٧ ص ,٥١والحاكم ,المستدرك ,ج ,٤ص.٢٤٦ ) (٢الزمخشري ,أساس البلاغة ,ص ,٢١٢والزبيدي ,تاج العروس ,ج ,١٦ص.١٠٩ أما الثاني عشر فيوم النفر الأول ,والثالث عشر يوم النفر الثاني ,كما يسمى يوم الخلا; لأن منى تخلو فيه من أهلها) ,(٢وسبب تسمية هذه الأيام بالتشريق فيه وجوه لأهل العلم فمنهم من يقول سميت بذلك لإشراقها نهارا بنور الشمس وليلا بنور القمر) ,(٣ويشكل عليه أنه لو كان من السابق لكانت أيام الإشراق. ومنهم من قال إنها سميت أيام التشريق لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس) ,(٤ومنهم من قال سميت بالتشريق; لأن الناس يشرقون اللحم فيها في الشمس) ,(٥أي ينشرونها في الشمس ويقددونها).(١ ) (١أخرجه أبو داود في كتاب :المناسك ,باب :أي يوم يخطب بمنى ) ,(١٩٥٣وربيعة بن عبد الرحمن لا يعرف توثيقه إلا عن ابن حبان ,وقال الذهبي :تابعي فيه جهالة .الذهبي, ميزان الاعتدال ,ج ,٣ص.٦٨ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٢٠والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٩٤وابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٧٥ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٤ ) (٤الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٤٢ ) (٥الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٤ ذكرنا في الفصل السابق أن النبي رجع بعدما أفاض إلى منى ,وقد بقي بها أيام التشريق يبيت الليل فيها ويرمي الجمار بعد الزوال ,إلى أن نفر منها بعد رمي الثالث عشر إلى منطقة المحصب بين مكة ومنى. والذي يدل عليه فعل النبي أنه استقر بمنى طيلة أيام التشريق, وأرجح الروايات أنه ما خرج من منى بعد طواف الإفاضة إلا بعد أن نفر بعد رمي اليوم الثالث ,وعليه فالمشروع للحاج أن يمكث أيام منى بها وأن لا يغادرها فما هي إلا يومان ونصف لمن أكمل العدة ,أو يوم ونصف لمن تعجل. والبقاء في منى نهارا –كما هو ثابت من فعل النبي −لم يتعرض له الفقهاء السابقون بذكر من حيث حكمه –على ما رأيت ,−لكن ذكروا المبيت بمنى وحكمه ,ولا أدري لم هذا الاقتصار عليه مع أن المبيت والمقيل ثابتان عنه . قال العلامة أبو المؤثر :الذي نستحبه إذا ازدار البيت أن يرجع إلى منى ) (١الهيتمي ,الحاشية على الإيضاح ,ص.٣٩٧ والفقهاء لما اقتصروا على ذكر المبيت ليالي التشريق بمنى اختلفوا في حكمه بعد الاتفاق على أنه مشروع ومأمور به) ,(٢فذهب بعضهم إلى أنه واجب) ,(٣ونسب هذا الرأي إلى الأكثر) ,(٤ومن هذا الباب ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن ليث عن عطاء عن ابن عباس أنه قال :لا يبيتن أحد من وراء العقبة ليلا بمنى أيام التشريق).(٥ ورو￯ عن ابن نمير عن عبيد االله بن عمر عن نافع عن ابن عمر كان ينهى أن يبيت أحد من وراء العقبة وكان يأمرهم أن يدخلوا منى) ,(٦ورو￯ عن زيد بن الحباب عن حسن بن عبد االله المزني قال :سمعت محمد بن كعب ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٦٧ ) (٢النووي ,شرح صحيح مسلم ,ج ,٩ص.٦٣ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٧٠والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٧٧وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣١والجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص.١٧٢ ) (٤ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص.٣٤٣ ) (٥ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص ,٢٩٧وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. ) (٦ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٩٧ ورو￯ الإمام مالك عن نافع عن عبد االله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال :لا يبيتن أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة).(٢ وقال الشيخ عامر الشماخي :وأما المبيت بمنى ليالي منى سنة) (٣اهـ, ويريد بالسنة هنا أي السنة الواجبة ,أو الواجب الذي ثبت بالسنة بدليل أنه رتب بعد ذلك الدم على من لم يبت ,وقال الشيخ الجيطالي :ولا يجوز لأحد أن يبيت ليالي منى في غيرها).(٤ والقائلون بوجوب المبيت بمنى ليالي التشريق استدلوا بأمور أولها فعل النبي إذ إنه قد قال :خذوا عني مناسككم ,والأصل عند جماعة من أهل العلم وجوب ما فعله النبي .(٥) كما استدل القائلون بالوجوب بحديث نافع عن ابن عمر أن العباس ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٩٧ ) (٢مالك بن أنس ,الموطأ ,ج ,١ص.٤٠٦ ) (٣الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤٣٦ ) (٤الجيطالي ,قواعد الإسلام ,ج ,٢ص ,١٧٢والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٣٢٥ ) (٥ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٢ الدلالة من السابق أن تخصيص العباس بالرخصة دليل على أنه لا رخصة لغيره).(٢ والسابق استدلال بمفهوم اللقب ,وهو على رأي الجمهور من أهل العلم ليس بحجة) ,(٣لكن ذكر العلة بعد المنطوق السابق يستفاد منه أن الإذن كان لكل من تحققت فيه العلة المنصوصة أو معناها ,ومن لم تتحقق فيه لم يستحق الرخصة ,ومن لم يستحق الرخصة وجب عليه المبيت بمنى. وجاء النص صريحا بحصر الرخصة بالعباس كما في حديث علي بن محمد وهناد بن السري قالا :ثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس قال :لم يرخص النبي لأحد يبيت بمكة إلا للعباس من أجل ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى ) ,(١٦٥٨ومسلم في كتاب :الحج ,باب :وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق والترخيص في تركه لأهل السقاية ).(١٣١٥ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٧٦وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٢ ) (٣السالمي ,طلعة الشمس ,ج ,١ص ,٢٦٥والسيابي ,فصول الأصول ,ص.١٥٠ وأورده الحافظ ابن حجر من حديث إسحاق أخبرنا أبو عامر العقدي ثنا أيوب بن سنان عن عطاء عن ابن عباس قال :لم يرخص لأحد أن يبيت عن منى إلا للعباس بن عبد المطلب من أجل سقايته).(٢ ومع الوجوب الذي يقول به هؤلاء إلا أنه يجوز لأهل سقاية العباس إذا رجموا جمرة العقبة يوم النحر أن يدعوا المبيت بمنى ليالي منى ,وقد تقدم النص على ذلك من حديث استئذان العباس من النبي . والعلة منصوصة أن الإذن كان لأجل السقاية ,وعليه فكل من تحققت فيه العلة السابقة كان مأذونا له في البيتوتة خارج منى لدوران الحكم مع علته أينما وجدت ,وهذا الذي عليه الأكثر ,ومن الفقهاء من قال إن رخصة السقاية خاصة بأهل بيت المصطفى وهم بنو هاشم لما روي أن النبي  أرخص لأهل السقاية من أهل بيته) ,(٣ومنهم من قال إن رخصة السقاية ) (١أخرجه ابن ماجه في كتاب :المناسك ,باب :البيتوتة بمكة ليالي منى ).(٣٠٦٦ ) (٢ابن حجر ,المطالب العالية ,ج ,٧ص.٤٠ ) (٣الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٣٧ والرأيان الأخيران ضعيفان; لأنه لا مستند لهما ولا مناسبة فيهما إذ الترخيص كان للاشتغال عن المبيت بما هو أولى منه إذ السقاية الحاجة إليها عامة ,والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة كما هو في القاعدة الفقهية. وممن رخص لهم في ترك المبيت بمنى الرعاة كما يفيد ذلك حديث مالك بن أنس حدثني عبد االله بن أبي بكر عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه قال :رخص رسول االله لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر فيرمونه في أحدهما).(٢ وفرق بعض الفقهاء بين عذر سقاية الحجيج وعذر الرعي في البيتوتة بمنى ليالي التشريق فأثبت الرخصة بإطلاق للسقاة ,وقصر الرخصة للرعاة بما إذا لم تغرب عليهم الشمس بمنى ,فإن غربت لزمهم المبيت ,ووجه ذلك أن السقاية يحتاج إليها في الأوقات كلها ,أما الرعي فليس يكون في الليل),(٣ ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٧٠والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٣٥ ) (٢أخرجه الترمذي في كتاب :الحج ,باب :ما جاء في الرخصة للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما ) ,(٩٥٥وقال :حسن صحيح. ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٩٨والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٣٤وابن بالليل).(١ والأولى من السابق أن يقال فيه بقاعدة تقدير الضرورة بقدرها للطرفين كليهما ,فكل من أمكنه المبيت دون الوقوع في المشقة لزمه ذلك على هذا القول ,ومن تحققت فيه المشقة رخص له. والترخيص السابق للرعاة والسقاة يؤخذ منه الترخيص لكل صاحب عذر كالمرضى ومن له مال يخاف ضياعه ونحوهم في ترك المبيت بمنى ليالي التشريق إذ النبي نص على الرعاة والسقاة لمعنى وجد في غيرهم فوجب إلحاقه بهم).(٢ وفي بيان الشرع عن العلامة أبي المؤثر: أرأيت الرجل تعنيه الحاجة إلى مكة وغيرها فيدركه الليل ,هل عليه بأس? قال :ما لم ينم فلا أر￯ عليه بأسا ,قلت :فإن خرج من منى في الليل قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٥٦ ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٣٤ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٩٧والغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص ,٦٦٦والرافعي, العزيز ,ج ,٣ص ,٤٣٥وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٥٦ فإن لم يرجع إلى منى حتى أدركه الصبح? قال :لا بأس ,قلت :فإن نام في غير منى في ليل أو نهار? ,قال :أما النهار فلا أر￯ عليه بأسا ,وأما الليل فلا أوجبه عليه برأي).(٢ ومن الفقهاء من قال إن الرعاة وأهل السقاية مخصوصون بذلك دون غيرهم من أصحاب الأعذار لتخصيصهم بالرخصة وما يعود بتأخيرهم من الرفق والمعونة فباينوا غيرهم من أصحاب الأعذار) ,(٣ومنهم من قال إن غير السقاة والرعاة لا يلحقون بهم لأن شغلهم ينفع الحجيج عامة ,وأعذار غيرهم تخصهم).(٤ والقائلون بالوجوب نصوا على أنه متعلق بأكثر الليل فله أن يخرج أوله أو آخره إن قضى أكثره في منى).(٥ ) (١كذا في الأصل. ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٦٧ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٨ ) (٤الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٣٥ ) (٥الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٢٧٤والطحاوي ,شرح مشكل الآثار ,ج,٤ الليل كله ولكن طلع عليه الفجر فيها فقد أد￯ حق المبيت).(١ ومن هؤلاء من نص على أنه إن كان الاشتغال عن المبيت بطواف الإفاضة لم يكن عليه فدية لأن الطواف عمل لازم من أعمال الحج ووقت الليل من الأوقات التي يجوز أن يطاف فيها) ,(٢وفي هذه الأيام قد يخرج أناس لطواف الإفاضة رواح اليوم العشر ولا يرجعون –بسبب الزحام −إلا آخر الليل ,فلا يكون عليهم حرج للسابق. واختلف القائلون بالوجوب فيمن ترك المبيت بمنى فذهب بعضهم إلى أن الليلة يجب بها مد من طعام ,والليلتان مدان ,والثلاث دم ,وقيل بل في الليلة الواحدة درهم ,وفي الليلتين درهمان ,وفي الثلاث شاة ,وقيل في الليلة الواحدة ثلث شاة).(٣ ص ,٢٢٧والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢٠٥والنووي ,المجموع ,ج,٨ ص.١٧٧ ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٣٣ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠٥ ) (٣المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٤٧ يقول −في ترك شيء من المناسك درهما ولا نصف درهم فإيجابه بغير نص تحكم لا وجه له).(١ وقال الإمام أبو سعيد الكدمي: وفي قول أصحابنا من بات بمكة بعد الزيارة أو نام بها مطمئنا أن عليه دما ,ولا أعلم بينهم في ذلك اختلافا ,وأما من نام بعد أن خرج منها –أعني مكة شرفها االله تعالى −تلك الليلة بعد الزيارة فمعي أن فيه تشديدا أن يبيت دون منى ,ويختلف فيه في معاني وجوب الجزاء ,وأرجو أن بعضا ير￯ عليه الجزاء وبعضا لا ير￯ عليه جزاء. وأما ليالي منى غير ليلة الزيارة فمعي أنه يختلف فيها من قول أصحابنا فيمن نام بمكة فيهن ,وأحسب فيمن نام في غير منى من غير عذر فمعي أن بعضا ير￯ عليه الكفارة دما لكل ليلة ,وأرجو أن بعضا ير￯ عليهّلليالي كلها دما ولكل ليلة مسكين ,وأرجو أن بعضا لا ير￯ عليه الكفارة ولا نأمر بذلك).(٢ ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣١ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٢٧٠ هذه الأقوال لا دليل على صحتها يعني الصدقة بدرهم أو بإطعام شيء أو بإيجاب دم أو بمد أو مدين أو ثلث دم أو ثلثي دم أو الفرق بين المبيت أكثر الليل أو أقله ,وما كان هكذا فالقول به لا يجوز ,وما نعلم لمالك ولا للشافعي في أقوالهم هذه سلفا أصلا لا من صاحب ولا من تابع).(١ وعلى القول السابق الناص على الوجوب يقال فيه إنه حكم تكليفي فيسقط عن غير المستطيع عليه لمرض أو نحوه ,والشرع قد التفت إلى الحاجة فأسقط بها الوجوب كما هو حال الرعاة والسقاة ,فما كان أشد من الحاجة فهو أولى بالترخيص. ومن الواقع هذه الأيام أن منى معمورة بالخيام التي تؤوي المقيمين بها وتوفر لهم شيئا من سبل الراحة وتجعل إقامتهم بمنى ممكنة مع ظروف هذا الزمان ,غير أن هذه الخيام لا يستفيد منها إلا من دفع أجرتها وهي على مراتب بمقدار خدماتها وقربها من أماكن الجمرات. ومن لم يستطع الخيام المذكورة بأن لم يجد المال الذي يستأجر به أو لم يجد ) (١ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص.١٨٥ شوارع منى بل يسقط عنه الوجوب إذ بقاء الإنسان عرضة على الغادي والرائح ,مع أذ￯ الناقلات وأوساخ الطرق أمر ضرورته أدعى من ضرورة الرعاة والسقاة فيستحق صاحبه معه الترخيص في ترك المبيت مع عدم وجوب شيء عليه. وذهب آخرون إلى أن المبيت بمنى ليالي التشريق ليس بواجب) ,(١ومن هذا القبيل ما رواه ابن أبي شيبة عن زيد بن الحباب قال :أخبرنا إبراهيم بن نافع قال :أخبرنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال :إذا رميت الجمار فبت حيث شئت).(٢ وهؤلاء يرون أن العبادة المقصودة في أيام التشريق إنما هي رمي الجمار, وما المبيت في منى إلا وسيلة لذلك ,وقد استدل هؤلاء بأثر ابن عباس السابق ,وبأنه قد حل من حجه فلم يجب عليه المبيت بموضع معين كليلة الحصبة. ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٣٤وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣١والزركشي, الديباج ,ج ,١ص.٤٠٢ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٩٨ وقد ذهب غيره من أصحاب رسول االله إلى وجوب المبيت ,وعليه فلا يكون قول الصحابي حجة ,أما الاستدلال الثاني فيرده أنه مع الإحلال من الحج تلزمه أفعال أخر￯ كالرمي الذي حكي الاتفاق على وجوبه ,وإن كان لم يطف للإفاضة لزمه ذلك ,وأما المبيت ليلة الحصبة فعدم وجوبه لعدم الدليل لا للإحلال من الإحرام. ومما استدل به لنفي الوجوب عن المبيت بمنى حديث إبراهيم بن محمد بن عرعرة قال :دفع إلينا معاذ بن هشام كتابا وقال :سمعته من أبي ولم يقرأه, قال :فكان فيه عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس أن نبي االله كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى).(١ ووجه الشاهد من ذلك أن النبي ما كان يبيت بمنى بل كان يذهب للطواف ,وذلك دليل على عدم الوجوب. والواقع أن عبارة النص لا تفيد المبيت من حيث وجوبه ولا عدم ) (١البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص ,١٤٦والطبراني ,المعجم الكبير ,ج ,١٢ص,٢٠٥ والرامهرمزي ,المحدث الفاصل ,ص.٤٩٩ الأمر فيها أنه ما دام يزور البيت كل ليلة إذن هو لا يبيت بمنى. وقد اعترض على هذا الاستدلال بأمرين: أولهما :أنه حديث لا يصح ,وقد قال الأثرم :قلت لأبي عبد االله :تحفظ عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس أن النبي كان يزور البيت كل ليلة? فقال :كتبوه من كتاب معاذ ولم يسمعوه ,قلت :ها هنا إنسان يزعم أنه قد سمعه من معاذ ,فأنكر ذلك قال :من هو? قلت :إبراهيم بن عرعرة, فتغير وجهه ونفض يده وقال :كذب وزور ,سبحان االله ما سمعوه منه إنما قال فلان كتبناه من كتابه ولم يسمعه ,سبحان االله واستعظم ذلك منه).(١ ثانيهما :ليس في الحديث دليل على أنه لم يكن يبيت بمنى إلا بإشارة بعيدة ,ومع ذلك فمن الجائز أن يطوف بالبيت ويرجع منى فيقضي فيها أكثر الليل ,وذلك هو المراد من المبيت ,ويؤخذ من هذا الحديث جواز الخروج ) (١الخطيب البغدادي ,تاريخ بغداد ,ج ,٦ص.١٤٨ كما استدل لهذا الرأي بأن المبيت مشروع بمنى فوجب أن لا يتعلق به دم قياسا على ليلة عرفة) ,(٢لكن اعترض عليه بأنه نسك مشروع بعد التحلل فوجب أن يكون واجبا يتعلق به الدم قياسا على الرمي ,أما ليلة عرفة فليست نسكا).(٣ وممن ذهب إلى القول بعدم وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق ابن حزم في المحلى ,وقد استدل لرأيه بقوله: أهل السقاية مأذون لهم من أجل السقاية ,وبات ~ بمنى ولم يأمر بالمبيت بها فالمبيت بها سنة وليس فرضا; لأن الفرض إنما هو أمره فقط, فإن قيل إن إذنه للرعاء وترخيصه لهم وإذنه للعباس دليل على أن غيرهم بخلافهم. قلنا :لا ,وإنما كان يكون هذا لو تقدم منه~ أمر بالمبيت والرمي فكان يكون هؤلاء مستثنين من سائر من أمروا ,وأما إذا لم يتقدم منه أمر عليه ) (١الطحاوي ,شرح مشكل الآثار ,ج ,٤ص.٢٢٧ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠٥ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠٦ منهيا فهم على الإباحة).(١ والمبيت السابق لا يقصد به وجوب النوم بل أن يكون تلك الليالي في منى سواء نامها أو لم ينمها ,وإن كان الأصل النوم ,وإن لم ينم ليلا ونام نهارا أجزاه ذلك وليس عليه حرج من حيث المناسك مع غض الطرف عن الواجبات الأخر￯ ,على أن لفظة المبيت لا تستلزم النوم كما يقول الشاعر: نوما وتبغـي بعـد ذاك لحـاقيأأبيت سـهران الـدجى وتبيتـه ومما قد يقع في أيامنا هذه أن من الناس من لا يجد نزلا يقضي فيه أيام التشريق إلا خارج منى ,وفي هذا الحال يقال إنه لا حرج عليه أن يبيت خارج منى لكن يكون منزله متصلا بمنازل الحجاج ,واالله تعالى ما كلف الناس حرجا وقد قال ,(٢)﴾÷Λä⎢÷èsÜtFóTM$# $tΒ ©!$# (#θà) ̈?$$sù ﴿ :ويكون منزله متصلا بخيام الحجاج كالجماعة إذا امتلأ المسجد يصفون عند نهاية الصفوف ويكون لهم حكم المصلين داخل المسجد).(٣ ) (١ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص.١٨٤ ) (٢سورة :التغابن ,جزء من الآية ).(١٦ ) (٣ابن عثيمين ,مجموع الفتاو￯ ,ج ,٢٣ص.٢٤٠ تقدم في الفصل السابق رمي جمرة العقبة وأحكام الرمي من حيث العموم ,وهنا سنبين الأحكام التي تطلب في رمي أيام التشريق مما لم نذكره في الفصل السابق. المطلب الأول :وقت الرمي أولا :مبدأ وقت الرمي ذهب أكثر أهل العلم إلى أن وقت رمي الجمرات أيام التشريق يبدأ بزوال الشمس ,وكل من رمى أيام التشريق قبل الزوال لزمه إعادة الرمي).(١ قال ابن جعفر :ولا ترمى الجمار إلا بعد زوال الشمس إلا جمرة العقبة في يوم النحر فإنها ترمى قبل الزوال وبعده).(٢ وقال العلامة أبو المؤثر :ومن رمى الجمار قبل أن تزول الشمس فلا ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٣والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص,١٣٧ والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٢٣والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص,١٩٤ وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣١ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٦٦ لم أر عليه بأسا ,وإن لم يعد حتى تنقضي أيام التشريق رأيت عليه لرمي كل جمرة شاة في كل يوم).(١ ودليل الرأي السابق أمران أولهما أنه فعل النبي إذ الثابت عنه أنه كان يرمي أيام التشريق بعد الزوال ,وذلكم يفيد أن مشروعية هذا الرمي إنما هي بعد الزوال لقوله :لتأخذوا عني مناسككم. قال هؤلاء :لو كان الرمي قبل الزوال جائزا لأذن به النبي للضعفة, ثم إنه لو كان جائزا لرمى أول النهار لأنه أبرد له من حرارة نصف النهار الملتهبة) ,(٢ومعلوم من حاله أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ,ولو كان الرمي قبل الزوال جائزا لاختاره أو صرح به. والدليل الثاني أن الرمي بعد الزوال هو المعروف عند الصحابة في زمانه فقد كانوا يتحينونه وذلك ظاهر أن الوقت هو الزوال وما قبله ليس بوقت للرمي كما يفيد ذلك حديث مسعر عن وبرة قال :سألت ابن عمر : ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٤٨ ) (٢ابن عثيمين ,مجموع الفتاو￯ ,ج ,٢٣ص.٢٢٨ نتحين فإذا زالت الشمس رمينا).(١ وأما الروايات التي فيها أن النبي رمى بعد الزوال فمنها حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال :رمى رسول االله الجمرة يوم النحر ضحى ,وأما بعد فإذا زالت الشمس).(٢ ومما يفيد الحكم السابق حديث محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت :أفاض رسول االله من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها. والحديث أخرجه أبو داود) (٣وابن خزيمة) (٤وابن حبان) (٥والحاكم ونص ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :رمي الجمار ).(١٦٥٩ ) (٢أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :بيان وقت استحباب الرمي ).(١٢٩٩ ) (٣كتاب :المناسك ,باب :في رمي الجمار ).(١٩٧٣ ) (٤ابن خزيمة ,صحيح ابن خزيمة ,ج ,٤ص.٣١٧ ) (٥ابن حبان ,صحيح ابن حبان ,ج ,٩ص.١٨٠ وإن كان أكثر الرواة عنه على العنعنة ومما يؤيد رواية الأكثر عنه أن في السند إليه عند ابن حبان من تكلم فيه. ولكن يشهد له ما تقدم من الأحاديث إلا قوله " من آخر يومه حين صلى الظهر " فإنه مما لا يوافق عليه بل هو من منكراته; إذ الثابت من رواية الثقات أنه أفاض قبل صلاة الظهر ,وإنما اختلفوا أصلى الظهر بمكة أو بمنى كما تقدم ذكره. كما استدل هؤلاء بحديث حجاج بن أرطأة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال :كان رسول االله يرمي الجمار إذا زالت الشمس. والحديث أخرجه ابن أبي شيبة) ,(٢وفيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس ضعيف لا حجة في روايته وقد تقدمت ترجمته مرارا. ولكنه توبع في روايته هذه فقد رو￯ ابن ماجه عن جبارة بن المغلس ثنا إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول ) (١الحاكم ,المستدرك ,ج ,١ص.٦٥١ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٣١٨ الظهر).(١ ولكن هذه المتابعة لا تصلح في شيء; فإبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة ليس بحجة في الرواية فقد قال أحمد :منكر الحديث ,وقال ابن معين :ليس بثقة ,وقال أبو زرعة :ضعيف) ,(٢وقال الجوزجاني :ساقط) ,(٣وقال ابن حبان: كان إذا حدث عن الحكم جاء بأشياء معضلة وكان ممن كثر وهمه وفحش خطؤه حتى خرج عن حد الاحتجاج به وتركه يحيى بن معين).(٤ والأدلة السابقة جلية في ظهورها أن وقت الرمي أيام التشريق مبدؤه الزوال; لأن النبي رمى بعد الزوال ,وقد أمر بأخذ المناسك عنه. ومع السابق لأهل العلم أقوال أخر￯ نذكرها ونبين أدلتها ,وأولها قول من قال إن الأصل في الرمي أن يكون بعد الزوال لكن يجوز لمن أراد النفر أن ) (١كتاب :المناسك ,باب :رمي الجمار أيام التشريق ).(٣٠٥٤ ) (٢ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٢ص.١١٥ ) (٣الجوزجاني ,أحوال الرجال ,ص.٦٤ ) (٤ابن حبان ,المجروحين ,ج ,١ص.١٠٤ قال الكاساني :وأما وقت الرمي من اليوم الثالث من أيام التشريق وهو اليوم الرابع من أيام الرمي فالوقت المستحب له بعد الزوال ,ولو رمى قبل الزوال يجوز في قول أبي حنيفة).(٢ وأوضح الكاساني دليل أبي حنيفة وهو موقوف ابن عباس أنه قال :إذا افتتح النهار من آخر أيام التشريق جاز الرمي ,قال :والظاهر أنه قاله سماعا من النبي ;إذ هو باب لا يدرك بالرأي والاجتهاد فصار اليوم الأخير من أيام التشريق مخصوصا من حديث جابر بهذا الحديث. ثم إن له أن ينفر قبل الرمي ويترك الرمي في هذا اليوم رأسا فإذا جاز له ترك الرمي أصلا فلأن يجوز له الرمي قبل الزوال أولى).(٣ والظاهر أن هذه الرواية المرجوحة في مذهب أبي حنيفة دليلها ليس نصيا بل الرخصة كانت لأجل الحاجة فقط وقد نصت الرواية عنه أنه إن كان من ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٦٨والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص ,٤٥وابن النجيم, البحر الرائق ,ج ,٢ص.٣٧٤ ) (٢الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٣٨ ) (٣الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٣٨ وإن رمى بعد الزوال فهو أفضل ,وإن لم يكن ذلك من قصده لا يجزيه الرمي إلا بعد الزوال; لأنه إذا كان من قصده التعجيل فربما يلحقه بعض الحرج في تأخير الرمي إلى ما بعد الزوال بأن لا يصل إلى مكة إلا بالليل فهو محتاج إلى أن يرمي قبل الزوال ليصل إلى مكة بالنهار فير￯ موضع نزوله فيرخص له في ذلك ,والأفضل ما هو العزيمة وهو الرمي بعد الزوال).(١ وهذه الحاجة ليست مما ينتهك لأجله النص الشرعي فالترخيص بها ضعيف ,ثم إنه إن كان الأمر معلقا بالحاجة إلى ذلك فالأمر منتف في هذا الزمان من حيث يسر الرمي ووصول الحاج إلى مكة قبل الليل. والقول الثاني هو أن وقت الرمي هو زوال الشمس ولكنه يجزي من رمى قبل الزوال رميه وإن اختلفوا في جواز أن ينفر قبل الزوال ,وهذا الرأي منسوب إلى عطاء وطاوس وعكرمة).(٢ وترجع أدلة هؤلاء إلى أمرين أولهما ما سبق من النصوص في ترخيص ) (١الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٣٨ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٧ص.٢٧٢ وثانيهما قولهم ليس للتحديد أصل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من القياس ولا الإجماع) ,(١ومع عدمه فإنه لا يجوز أن يسمى ما قبل الزوال وقت نهي بدون أن ينهى عنه رسول االله ,وغاية الأمر أنه مسكوت عنه رحمة منه بالناس) ,(٢ولو كان ما قبل الزوال وقت نهي غير قابل للرمي لحذر منه النبي ;إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة).(٣ وهذه الأدلة ضعيفة لا تقو￯ على معارضة الفعل الذي حافظ عليه النبي في أيام الرمي كلها ,ثم إن قول ابن عمر :كنا نتحين كالصريح في التحديد ,أما حديث افعل ولا حرج فهو في أعمال اليوم العاشر التي دخل مسلمون أن من وقف عرفة في اليوم الثامن أن وقوفهوقتها ,وإلا فالجميعّ ذلك لا يجزيه ولا ينفعه عموم افعل ولا حرج. الأفضل في الرمي أيام التشريق −على الرأي الذي عليه الجمهور ويفيده ) (١آل محمود ,مجموعة الرسائل ,ج ,١ص .٧ ) (٢آل محمود ,مجموعة الرسائل ,ج ,١ص .١٣ ) (٣آل محمود ,مجموعة الرسائل ,ج ,١ص.١٧ ذلك أمران أولهما حديث ابن عمر أنهم كانوا يتحينون الزوال فإذا تحقق رموا ,وثانيهما أن الرمي في أول الوقت خير إذ هو مسارعة في الصالحات وإبراء للذمة. قال العلامة أبو المؤثر :إذا زالت الشمس فليرم الرامي الجمار وليعجل أن يرمي عند الزوال ثم يصلي الظهر).(٢ ثانيا :آخر وقت الرمي ينبغي للإنسان أن يبادر إلى الرمي بعد الزوال ما وجد إلى ذلك سبيلا مسارعة إلى تنفيذ أوامر الشارع ,والأدلة المذكورة في بيان أول وقت الرمي يفيد ظاهرها أن النبي كان يبادر إلى الرمي بمجرد الزوال ,وأنه كان يؤخر الصلاة إلى أن يرمي في أيام التشريق كلها. وقد جاء ما ينص على الأمر السابق وهو حديث إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول االله كان يرمي ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٦٩ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٤٧ تخريجه وهو مما لا يثبت; إذ إبراهيم بن عثمان ضعيف. وقد اتفق الفقهاء على أن رمي يوم النفر الثاني ينقضي بغروب شمس ثالث أيام التشريق; إذ لا نسك بعد ذلك ,قال العلامة ابن جعفر: وإذا دخل الليل فقد خرج وقت الرمي بإجماع ,أجمع المسلمون على أن النفر الأول يوم النحر الثالث من النحر) ,(١وهذا يدل على أن الأيام المعدودات هن ثلاثة أيام التي بعد النحر ,قال االله تعالى’Îû Ÿ≅¤fyès? ⎯yθsù ﴿ : .(٢)﴾ Ïμø‹n=tã zΝøOÎ) Iξsù t ̈zr's? ⎯tΒuρ Ïμø‹n=tã zΝøOÎ) Iξsù È⎦÷⎫tΒöθtƒ ولكن اختلفوا في آخر رمي كل يوم من أيام التشريق ,والمسألة إن كانت بها أدلة ظاهرة في وقت بدء أيام التشريق إلا أنها ليس بها ذلك القدر من الأدلة في تعيين آخر وقت الرمي من كل يوم على حدة. ذهب بعضهم إلى أن آخر وقت الرمي في الأيام كلها النحر والتشريق هو ) (١كذا في الأصل وهو مشكل ,والنص نفسه موجود في منهج الطالبين بلفظ :أجمع المسلمون أن النفر الأول يوم الثالث من النحر اهـ ,وهذا أولى. الشقصي ,منهج الطالبين ,ج ,٧ص.٢٧٩ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٦٦ الشمس).(١ قال العلامة ابن جعفر :ووقت الرمي في أيام التشريق إلى مغيب الشمس ,ولا يرمي في الليل إلا الخائف والراعي).(٢ ودليل هذا الرأي أن الرمي إنما هو لذلك اليوم ,واليوم ينقضي بغروب الشمس ,فيكون ذلك آخر وقت الرمي ,وبعد غروب الشمس يدخل يوم آخر ,وقد أفادت الأدلة أن بدأ الرمي من الزوال ,والسابق يفيد أن آخره الغروب. وقد اختلف أرباب هذا القول فيما إذا انقضى الوقت وغربت الشمس أثمة تدارك للرمي بعد الوقت السابق أو لا ,قيل إنه لا يتدارك ليلا) (٣كما هو الحال في ثالث أيام التشريق حملا للمختلف فيه على المتفق عليه; إذ الغالب فيه التعبد ,وعليه فيلزم من خرج وقت الرمي وهو لم يرم ما يلزم من ترك ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٢٣ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٦٤ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٣٤٦والماوردي, الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٧ ومما يدل على هذا القول أيضا أن الرمي في أيام منى موقت فلو كان جميعها وقتا لرمي الأيام كلها لجاز له في اليوم الأول أن يرمي عن جميع الأيام; لأنه وقت لها ,ولما لم يكن اليوم الأول وقتا لرمي جميعها إجماعا لم يكن اليوم الأخير وقتا لرمي جميعها حجاجا ,وسواء ترك ذلك عامدا أو ناسيا).(١ وقال بعضهم إن من ترك حصاة أو حصاتين أو ثلاثا إلى الغد رماها وعليه لكل حصاة نصف صاع ,وإن ترك أربعا رماها وعليه دم).(٢ وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه يتدارك الرمي بعد خروج الوقت, قال العلامة أبو الحسن البسيوي: ولا يجوز شيء من ذلك في الليل ,وإنما يقضى ما ترك في النهار ,وقال قوم :إذا فات ذلك فإنما هو قضاء جاز في الليل والنهار).(٣ ومن الذين قالوا بالتدارك من نص على أن وجه التدارك تشبيهه ببقاء ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٧ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٦٥ ) (٣البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٨١ بمعظم العبادات الموقتة).(٢ والقائلون بالتدارك السابق في الرمي مختلفون أذلك الرمي أداء تأخر عن وقت الاختيار ,أو قضاء على الحقيقة ,فقيل إنه أداء وأيام منى في حكم الوقت الواحد للرمي لكن تخير الشارع لكل قدر منها وقتا فهو كالأوقات المختارة في الصلوات).(٣ ثم إن لهم خلافا في وجوب الدم بالتدارك فقيل به كما لو أخر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر فيقضي ويفدي ,وقيل لا شيء عليه لأنه أداه في وقته وإن لم يكن الوقت الأفضل).(٤ ومما بني من القضايا على الخلاف السابق أنه إن قيل إن رمي اليوم الأول مقضي في الثاني فلا يجوز التقديم ,وإن قيل إنه مؤد￯ −وإن أخر −فلا يمتنع ) (١الغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص ,٦٦٧والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٧٠ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٢٣ ) (٣الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٢٣والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٤١ ) (٤الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٤٣ والقائلون بكون الرمي في اليوم الثاني قضاء اختلفوا في جواز إيقاعه في النصف الأول من النهار ,المجوزون استدلوا بأن المقضي لا وقت له على التعيين ,والمانعون قالوا إن القضاء قد يتأقت بعض التأقت وما قبل الزوال لم يشرع فيه رمي لا أداء ولا قضاء فكانت تلك الساعات بمنزلة الليل في الصوم).(٢ قال العلامة الشيخ عامر الشماخي: لا يرمي قبل زوال الشمس في أول النهار إلا من فاته رمي أمس قضاه أول النهار إن شاء; لأن هذا قضاء ,وإن أخره إلى زوال الشمس فلا بأس; لأن رمي الجمار لا يفوت حتى تنقضي أيام التشريق إلا جمرة العقبة).(٣ والقائلون بكون الرمي أداء لهم خلاف في الرمي ليلا وقبل الزوال).(٤ وقد ذهب جمع من الفقهاء إلى أن آخر وقت الرمي هو آخر أيام ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٢٣ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٢٤ ) (٣الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤٣٦ ) (٤الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٢٤ إلى آخر أيام التشريق ترك السنة ولا شيء عليه إلا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث).(١ واختلف هؤلاء في رمي يوم النحر فقيل يقضى في أيام التشريق ,ويكون حكم الأيام الأربعة واحدا ,وقيل يوم النحر مستقل عنها فلا يقضى فيها; لأن حكم الرمي في يوم النحر مخالف لحكم الرمي في أيام منى في عدده ووقته وحكمه ,ورمي أيام منى متفق في عدده وحكمه ووقته).(٢ قال العلامة ابن جعفر :ومن لم يرم الجمار في اليوم الأول أو الثاني رماها في اليوم الثالث بحصى الأيام جميعا ولا شيء عليه ,وذلك غير يوم النحر, وقال أبو عيسى :يرمي في الأولى بسبع والوسطى بسبع ثم يعود ولا يرمي بأربعة عشر جميعا. وفي قول آخر قال :إن شاء أن يعيدها جميعا في موقف واحد ,وليس عليه أن يرجع ,فإن خلت الثلاث ولم يرم فيها فعليه لرمي كل جمرة في كل يوم ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٩٦وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٥ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٧ واستدل القائلون بأن آخر وقت الرمي هو ثالث أيام التشريق بأن النبي رخص لرعاة الإبل وأهل سقاية العباس أن يدعوا رمي اليوم الأول ويقضوه في اليوم الثاني ,فعلم أن حكم جميعها واحد وأنها زمان للرمي, ولأنه لما كان جميع أيام التشريق وقتا لنحر الأضاحي وجب أن يكون جميعها وقتا لرمي الجمار).(٢ وعلى الأحوال السابقة كلها الرمي لا يكون بعد أيام التشريق فمن فاتته أيام التشريق بأن غربت شمس الثالث من أيام التشريق فإنه لا يقضي الرمي).(٣ والخلاف السابق بين الفقهاء يجعل في المسألة شيئا من المرونة يراعى في الأخذ به الظروف والأحوال المختلفة; إذ الأقوال قريبة من التكافؤ لانعدام الأدلة النصية في المسألة ,وعليه فيراعى فيها القاعدة الفقهية التي تنص على أن الأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق. ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦١والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٣٨ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٧ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠١ فهذا القول أظهر الأقوال المحددة لآخر الوقت ,ومع الضيق ينبغي لمن بيده أمر تنظيم الحجاج أن يوسع في الأخذ بالآراء الأخر￯ ما دامت الأقوال في حدود الرأي الجائز ,فإن ذلك هو الأولى خشية تكرر المآسي التي شهدتها منطقة رمي الجمرات في السنوات الماضية. المطلب الثاني :الترتيب بين الجمرات في الرمي اتفق أهل العلم على أن المشروع في الرمي أيام التشريق أن يبدأ الرامي بالجمرة الصغر￯ التي تلي مسجد الخيف وهي الأبعد عن مكة ,ثم الجمرة الوسطى ثم الجمرة الكبر￯ جمرة العقبة التي تلي مكة كما نقل لد￯ الجميع من فعل النبي . لكن اختلفوا فيمن خالف الترتيب السابق فبدأ بالكبر￯ ثم الوسطى ثم الصغر￯ ,أو بدأ بالكبر￯ ثم الصغر￯ ثم الوسطى ,أو بالصغر￯ ثم الكبر￯ ثم الوسطى ما عليه? ذهب جمع من أهل العلم إلى أن الترتيب بين الجمرات شرط لإجزاء رميها ,وعليه فيعاد كل ما لم يكن على الوصف الذي فعله النبي ,فمن بدأ بالكبر￯ ثم الوسطى ثم الصغر￯ أجزاه رمي الصغر￯ وأعاد الوسطى ثم ومن بدأ بالكبر￯ ثم الصغر￯ ثم الوسطى أعاد رمي الكبر￯ إذ الأولى والوسطى مرتبتان على الوصف المنقول عن النبي والكبر￯ بخلاف ذلك فتعاد).(١ ومما تقدم عند ذكر أحكام رمي جمرة العقبة أن من رمى أكثر من حصاة دفعة واحدة لم تعد إلا واحدة على الراجح من أقوال أهل العلم وبالجمع بين ذلك وشرط الترتيبّفرع بعض أهل العلم أن من رمى في الجمرة الأولى بالسبع دفعة واحدة ,ورمى في الثانية والثالثة حصاة بعد حصاة كان رميه بالسبع في الجمرة الأولى كرميه بحصاة واحدة ,فيكمل رمي الأولى بست حصيات ليكمل سبعا ,ويستأنف رمي الثانية والثالثة ليكون مرتبا. ولو رمى في الأولى سبع مرات ,ورمى في الثانية مرة واحدة بسبع حصيات اعتد برمي الجمرة الأولى وبحصاة من الثانية ,وكملها سبعا بست رميات ,واستأنف رمي الثالثة. ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٩٤وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص,٢٣٣ والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٤٢ واحدة بسبع حصيات اعتد بالأولى والثانية وحصاة من الثالثة وكملها سبعا بست رميات. ولو علم أنه قد رمى في إحد￯ الجمرات بالسبع دفعة وليس يعرفها حسبها الأولى تغليظا ,وكمل رميها واستأنف الثانية والثالثة وعاد فرمى حصاة من تلك الجمرة ليكمل سبعا واستأنف ما يليها).(١ وهؤلاء المشترطون للترتيب في الرمي استدلوا بفعل النبي الذي اتفق عليه وقد قال :لتأخذوا عني مناسككم ,ثم إن الرمي في أيام التشريق نسك متكرر فاشترط فيه الترتيب كالسعي) ,(٢ومنهم من قال :لأنه نسك يتكرر فوجب أن يكون ابتداؤه معينا كالطواف).(٣ وذهب آخرون إلى أن الترتيب بين الجمرات الثلاث ليس بواجب بل هو مندوب) ,(٤قال العلامة ابن جعفر :ومن رمى جمرة العقبة ثم الوسطى ثم ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٦ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٣ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٥ ) (٤القطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص.٢٣٢ واستدل هؤلاء بأمور منها حديث أن النبي قال :من قدم نسكا بين يدي نسك فلا حرج. ولأنها مناسك متكررة في أمكنة متفرقة في وقت واحد ليس بعضها تابعا لبعض فلم يشترط الترتيب فيها كالرمي والذبح).(٢ لكن اعترض على هذه الأدلة أن الحديث المستدل به إنما جاء فيمن يقدم نسكا على نسك لا في تقديم بعض النسك على بعض وقد تقدم تخريجه ,أما القياس المذكور فيبطل بالطواف والسعي).(٣ ومن الفقهاء من ألزم بإعادة الرمي لمن نسي فرمى العقبة ثم الوسطى ثم الصغر￯ ما دامت الشمس لم تغب ,فإذا غابت الشمس ولم يبدل لم يكن عليه شيء) ,(٤ولعل هؤلاء يرون الترتيب بين الجمرات عند الرمي واجبا وليس ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦١والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٨٠و الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٣٧ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٣ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٣ ) (٤الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٣٣٥ ومما قد يبنى على القول بإيجاب الترتيب بين الجمار المسألة التي نقلت عن الإمام أبي الحواري ~ :فيمن أخذ إحد￯ وعشرين حصاة فرمى الجمار وبقيت في يده واحدة ولم يدر من أيهن فإنه يرمي بها الأولى ويعيد على الباقيتين سبعا سبعا ,وقال أهل مكة يجزيه أن يرمي كل واحدة بحصاة, وكذلك عن بقي حصاتان أو ثلاث ,وإن بقي في يده أربع أعاد الرمي لكل جمرة سبعا ,وكذلك في الخمس والست والسبع).(١ والترتيب السابق كما اختلفوا فيه في حال رمي الجمرات كذلك اختلفوا في الترتيب بين الأيام كما إذا تدارك عليه رمي يومين كالرعاة وأهل السقاية إذا تركوا رمي الحادي عشر وأرادوا الرمي في الثاني عشر. وكمن ترك الرمي عامدا أو ناسيا في الحادي عشر وجوز له القضاء على أحد القولين في الثاني عشر ,أو تدارك عليه رمي ثلاثة أيام ,وذلك أن يترك رمي الحادي عشر والثاني عشر ويريد القضاء في الثالث عشر).(٢ فمن الفقهاء من يقول إن الترتيب في هذا الحال واجب ,ومنهم من يقول ) (١الشقصي ,منهج الطالبين ,ج ,٧ص.٢٧٨ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠٢ الخلاف في رمي اليوم الثاني أهو قضاء أو أداء ,فمن قال إنه قضاء لم يوجب الترتيب ,ومن قال منهم إنه أداء ألزم بالترتيب السابق).(١ المطلب الثالث :الوقوف للدعاء بعد الجمرتين الصغر￯ والوسطى ذكرنا في مبحث رمي جمرة العقبة من الفصل السابق أن الراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يشرع الوقوف بعد جمرة العقبة للدعاء وإنما المشروع الوقوف للدعاء بعد الجمرتين الصغر￯ والوسطى. قال الشيخ عامر: فإذا فرغت من رميها فتقدمها واستقبل القبلة وادع مثل دعائك على الصفا والمروة وتفعل ذلك ثلاث مرات ثم امض إلى الجمرة الوسطى).(٢ واختلفوا في مقدار ما يقف عند الجمرة الأولى فكان ابن مسعود يقف عندها قدر قراءة سورة البقرة مرتين ,وعن ابن عمر كان يقف عندها قدر قراءة سورة البقرة عند الجمرتين ,وعن أبي مجلز قال :كان ابن عمر يشبر ظله ثلاثة أشبار ثم يرمي وقام عند الجمرتين قدر قراءة سورة يوسف ,وكان ابن ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠٢ ) (٢الشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص.٤٣٥ ذكر ودعاء).(١ والفقهاء ذهب جمهورهم إلى أن الدعاء بعد الجمرتين السابقتين مسنون وليس هو بواجب ,وعليه فما على من تركه شيء).(٢ وذهب بعض الفقهاء إلى أن من ترك الوقوف للدعاء بعد الجمرتين فيطعم شيئا وإن أراق دما كان أفضل; لأن النبي فعله فيكون نسكا).(٣ المطلب الرابع :حكم من تر ك رمي الجمار لا يخلو حال من ترك الرمي أن يكون تركه للرمي كله أيام التشريق ,أو يكون تركه الرمي لجمرة أو يكون تركه لحصيات معدودة. أما من ترك رمي أيام التشريق كله فاختلف الفقهاء في حكمه فقيل عليه دم واحد بناء على أن أيام منى كاليوم الواحد ,وقيل عليه ثلاثة دماء بناء على الرأي القائل إن لكل يوم حكم نفسه ,وقيل عليه لكل جمرة دما ,فيكون المجموع تسعة دماء ,قال العلامة ابن جعفر: ) (١العيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٩١ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٣ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٤ يوم دم ,ولكل حصاة لم يرمها من الجمار إطعام مسكين ,وفي السبع حصيات من كل جمرة في كل يوم دم).(١ أما إن ترك رمي يوم كله ففيه دم كما لو حلق شعر رأسه كله. أما إن كان الترك لبعض الحصيات فاختلف الفقهاء في ذلك ,فقيل في الحصاة مد من طعام ,وفي الحصاتين مدان ,وفي الثلاث دم ,وقيل في الحصاة درهم ,وفي الحصاتين درهمان وفي الثلاث دم ,وقيل في الحصاة ثلث شاة ,وفي الحصاتين ثلثا شاة وفي الثلاث شاة).(٢ ولا أعلم للسابق كله دليلا إلا القياسات التي يختلف فيها بين المذاهب الفقهية. ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٣والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٨١ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠٣ لا يختلف الرمي في اليوم الثاني من أيام التشريق عن الرمي في اليوم الأول في وقته وصفته وهيئته ,وقد ذكر الإجماع على الرأي السابق).(١ والنبي فرق بين رمي اليوم الذي ما أراد النفر بعده واليوم الذي نفر بعده بأنه في الأول رمى بعد الزوال مباشرة وصلى في منى ,أما في اليوم الذي نفر بعد رميه فرمى أول الوقت ثم غادر منى وصلى الظهر في المحصب. وللسابق من أحوال النبي قال بعض الفقهاء إن الأولى إذا رمى بعد الزوال أن ينفر قبل صلاة الظهر ,ويرمي راكبا; لأنه يصل رميه بالنفر كما يرمي راكبا يوم النحر; لأنه يصل رميه بالإفاضة بالطواف ويرمي في اليوم الأول نازلا لأنه مقيم بمنى وكيف رمى أجزأ).(٢ وأمر النفر قبل صلاة الظهر فيه اتباع لما ثبت عن النبي ولكن لا بد من النظر إلى الظروف المصاحبة له ,ففي أحيان يسبب الزحام الشديد تأخر الإنسان عن الوصول إلى مكان استقراره بعد الخروج من منى ولا تكاد تسلم له صلاته إلا بتضييع شيء من حدودها ,ومع هذا الحال يؤدي الإنسان ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٤ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٩ وقع الاتفاق على أنها لا تؤثر على النسك من حيث صحته. وقد شرع لمن أحب الخروج من منى بعد رمي اليوم الثاني أن يخرج ويسقط عنه المبيت بمنى في ليلته ,ويسقط عنه رمي الجمار من غده. ومن أراد أن يبقى إلى أن يرمي اليوم الثالث من أيام التشريق فذلك له كما هو مأخوذ من قوله تعالى’Îû Ÿ≅¤fyès? ⎯yθsù 4 ;N≡yŠρ߉÷è ̈Β 5Θ$−ƒr& þ’Îû ©!$# (#ρãä.øŒ$#uρ ﴿ : .(١)﴾4’s+ ̈?$# Ç⎯yθÏ9 4 Ïμø‹n=tã zΝøOÎ) Iξsù t ̈zr's? ⎯tΒuρ Ïμø‹n=tã zΝøOÎ) Iξsù È⎦÷⎫tΒöθtƒ والآية السابقة ظاهرة في أن الحكم السابق عام لأهل مكة وغيرهم فيباح لهم التعجل في النفر ,والدليل الأنص على الحكم السابق شمول الحكم السابق أهل مكة الحديث الصحيح الذي جاء من طريق وكيع عن سفيان عن بكير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن يعمر قال :سمعت رسول االله وهو واقف بعرفة وأتاه أناس من أهل مكة فقالوا :يا رسول االله ,كيف الحج? قال :الحج عرفة ,فمن جاء قبل طلوع الفجر ليلة جمع فقد تم حجه ,منى ثلاثة أيام فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ,ومن تأخر فلا إثم عليه ,ثم ) (١سورة :البقرة ,جزء من الآية ).(٢٠٣ والفقهاء ذكر عنهم الإجماع على أن من أراد الخروج من منى شاخصا عن الحرم غير مقيم بمكة أن ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق).(٢ أما من كان يريد الإقامة بمكة بعد النفر فكره له بعض الفقهاء أن ينفر متعجلا بل يؤخر نفره إلى اليوم الثالث عشر) ,(٣واستدل هؤلاء لما ذهبوا إليه بقول عمر بن الخطاب :من شاء من الناس كلهم أن ينفر في النفر الأول إلا آل خزيمة فلا ينفرون إلا في النفر الآخر. وقد جعل هؤلاء معنى قول عمر إلا آل خزيمة أي إنهم أهل حرم مكة).(٤ وفي هذا الرأي ضعف فيقال إن عموم الآية السابق −والذي جاء به الحديث −ظاهر في دلالته على أن الحكم يشمل أهل مكة وغيرهم فليسوا هم ) (١ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.٢٢٦ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٤والقرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٣ص.١٢ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٤ ) (٤ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٤ ومما يؤيد السابق أيضا أن الدفع السابق دفع من مكان فاستو￯ فيه أهل مكة وغيرهم كالدفع من عرفة ومن مزدلفة).(١ والتخيير بين التعجل أو التأخر إلى الثالث عشر ثابت الحكم به للجميع كما تقدم غير أن التأخر في النفر إلى ما بعد رمي الثالث عشر مرجح بقرينة فعل النبي فإن الثابت عنه أنه ما دفع من منى إلا بعد رمي الثالث عشر),(٢ فضلا عن أن في التأخر زيادة في العبادة تستلزم زيادة في الأجر فيكون أفضل مع ثبوت أصل التخيير للجميع ,ثم إن المتعجل قد ترفه بترك بعض الأعمال والمقيم لم يترفه).(٣ ومن الفقهاء من قال إن الإقامة للإمام إلى يوم النفر الثاني أأكد منه لغيره; لأنه يقتد￯ به ,ولأنه يقيم الناس بإقامته ,فإن تعجل جاز ولا فدية عليه كغيره).(٤ ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٤ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٠ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.١٩٩ ) (٤النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٠ العقبة يوم النحر وإحد￯ وعشرين في الجمرات الثلاث يوم الحادي عشر, وإحد￯ وعشرين في الجمرات الثلاث يوم الثاني عشر ,وذلك أقل ما يرميه الحاج فإن كان معه حصى الجمار في اليوم الثالث ,فإن شاء ألقاه ,وإن شاء دفنه ,وإن شاء دفعه إلى غيره ,وليس في دفنه نسك ولا في إلقائه كراهة),(١ ونص بعضهم على أن دفنه بدعة).(٢ والفقهاء مختلفون في وقت النفر الأول فقيل من أدركه العصر وهو بمنى من اليوم الثاني من أيام التشريق لم ينفر حتى الغد) ,(٣ولست أعلم بماذا يستدل هؤلاء. وذهب الجمهور من الفقهاء إلى أن من رمى الجمار في اليوم الثاني فله النفر إلى غروب الشمس ,فإن غربت الشمس وهو لم يخرج من منى لزمه المبيت بها ورمي اليوم الثالث عشر سواء كان ارتحل أو كان مقيما في منزله, ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢٠٠والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٣٦ ) (٢الهيتمي ,الحاشية على الإيضاح.٤١١ , ) (٣القرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,ج ,٣ص.١٣ قال ابن جعفر: جاء رجل إلى ابن محبوب ~ بمنى يوم النفر الأول وقد غربت الشمس فقال :إني أريد الخروج إلى بلدي الليلة ,قال :لا يجوز إذا غربت الشمس يوم النفر الأول خروج لأحد ,ولكن أقم إلى غد حتى ترمي الجمار الجمال لا ينتظرني ,قال :فاذبح لكل جمرة شاة).(٢وتنفر مع الناس ,قال :إنّ واستدل هؤلاء بقوله تعالى ﴿ ﴾ Ïμø‹n=tã zΝøOÎ) Iξsù È⎦÷⎫tΒöθtƒ ’Îû Ÿ≅¤fyès? ⎯yθsùإذ اليوم اسم للنهار ,فمن أدركه الليل فما تعجل في يومين).(٣ وقال ابن المنذر :ثبت عن عمر أنه قال :من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس).(٤ واختلف هؤلاء فيمن ارتحل فغربت الشمس قبل أن ينفصل عن منى, ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٢والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٥١والماوردي, الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,١٩٩وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٤والشماخي, الإيضاح ,ج ,٢ص.٤٣٦ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٦٤ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٥ ) (٤ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٥ وهو في شغل الارتحال فيلزمه المبيت ,ومن الفقهاء من رخص له في النفر).(١ وذهب بعض الفقهاء إلى أن له أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث; لأنه لم يدخل اليوم الآخر فجاز له النفر كما قبل الغروب) ,(٢ومنهم من استدل لهذا القول بأن الليل يتبع ما قبله في الحج كليلة عرفة ,ولا يتبع ما بعدها من يوم النحر).(٣ واعترض السابق بأمرين :أولهما أن التعجيل يتعلق باليوم وخروج اليوم معتبر بغروب الشمس ,فوجب أن يكون الحكم المعلق عليه معتبرا بغروب الشمس. وثانيهما :أن النفر نفران ,فلما ثبت أن ما بعد النفر الثاني من الليل ليس بتابع له ثبت أن ما بعد النفر الأول من الليل ليس بتابع له ,وما ذكره من ليلة عرفة فليست تبعا وإنما هي ويوم عرفة فيه سواء في الحكم).(٤ ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٣٦والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٠ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٥ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠٠ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠٠ ذكرناها من قبل أن الليالي في الحج تتبع النهار الذي قبلها ,فرميه قبل الفجر −معهم −هو رمي في اليوم الثاني عشر. ويظهر من كلام ابن حزم أنه يقول بالتخيير مطلقا بين النفر في اليوم الثاني والنفر في اليوم الثالث ,أما تقييد النفر في اليوم الثاني بالليل فخطأ وحكم بلا دليل وخلاف للقرآن ).(١ ولكلام ابن حزم حظ من الدليل; فإن الآية ظاهرة في التخيير بين اليومين والثلاثة ,والإلزام بالثالث من الأيام إن غربت الشمس أو طلع الفجر محتاج إلى دليل ,ولا إجماع في المسألة حتى يرجع إليه. وبعض القائلين بالتحديد لجواز النفر الأول نصوا على أن من فارق منى قبل غروب الشمس ثم عاد إليها ليلا أو نهارا فقد استقر حكم النفر وسقط عنه رمي الغد سواء عاد ليلا أو نهارا لحاجة أو لغير حاجة).(٢ ومن فارقها متعجلا للنفر منها ثم تيقن أنه ترك رمي يومه أو شيئا منه فلا يخلو من ثلاثة أحوال: ) (١ابن حزم ,المحلى ,ج ,٧ص.١٨٥ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠٠ غروب الشمس فيلزمه العود إلى منى ورمي ما ترك من الحصى لوجوب الرمي وبقاء الوقت ,ثم له أن ينفر منها إن لم تغرب الشمس وهو بها ,فإن غربت وهو بها لزمه المبيت بها والرمي من الغد على رأي الجمهور. والحالة الثانية :أن يذكره بعد غروب الشمس من اليوم الثالث فليس عليه العود إلى منى لفوات وقته ,وقد استقر حكم تارك الرمي عليه. والحالة الثالثة :أن يذكره في اليوم الثالث قبل غروب الشمس منه فإن قلنا إن لكل يوم حكم نفسه لزمه الفدية ولم يعد الرمي لخروج وقته ,وإن قلنا :إن أيام منى كلها زمان للرمي ,وأن حكم الجميع واحد لزمه العود إلى منى لرمي ما ترك لبقاء وقته فإن لم يعد فعليه الفدية).(١ ومن الفقهاء من نص على أن من نفر من منى النفر الأول ولم يرم ذلك اليوم وعاد بعد غروب الشمس فقد فاته الرمي ولا استدراك ,وانقطع أثره من منى ولا حكم لمبيته ,ويكون نفره ذلك بمنزلة انقضاء أيام التشريق, ويكون حكمه حكم من ترك الرمي).(٢ ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠٠ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٣٣٠ أقوال أربعة: أولها :إذا نفر فقد انقطع الرمي ولا ينفعه العود ,ولو عاد لم يلزمه المبيت, ولو بات لم يكن لمبيته حكم. ثانيها :يجب عليه العود ويرمي حسبما عليه ما لم تغرب الشمس ,فإذا غربت تعين الدم ,وعلى هذا الرأي لو رمى وغابت عليه الشمس بمنى لزمه المبيت والرمي من الغد. ثالثها :هو بالخيار إن أراد الرجوع والرمي فله ذلك ويسقط عنه الفرض ,وإن أراد أن لا يرجع ويريق الدم جاز له ذلك. رابعها :التفريق بين النفر الأول والنفر الثاني ,فإن خرج في النفر الأول ثم عاد قبل غروب الشمس ورمى لم يقع رميه موقعه ,وإن خرج في النفر الثاني ولم يرم ثم عاد ورمى قبل غروب الشمس وقع الرمي موقعه. ووجه الفرق بينهما أن الخروج في النفر الثاني لا حكم له فإنه منتهى الوقت نفر أو لم ينفر فنفره وعدمه بمنزلة واحدة ,أما الخروج في النفر الأول فله حكم وهو وجوب بقائه إلى الثالث إن لم يخرج فيؤثر خروجه في قطع ومن تأخر نفره إلى اليوم الثالث عشر زاد على من نفر قبل ذلك واحدا وعشرين حصاة فيكون مجموع ما يرمي يوم النحر والتشريق سبعين حصاة. ومن الفقهاء من نص على أن من شروط النفر الأول أن يبيت ليلتين بمنى ,فمن لم يبت الليلة الأولى من ليالي منى وبات الليلة الثانية لم يجز أن يفيض في النفر الأول ونفر ولزمه أن يبيت في الليلة الثالثة لأن من بات في الليلة الأولى والثانية جاز أن يفيض في النفر الأول ويدع المبيت في الليلة الثالثة; لأنه قد أتى بأكثر النسك ومعظمه فرخص له في ترك الأقل ,ومن بات في الليلة الثانية دون الأولى فقد أتى بأقل النسك فلم يجز أن يرخص له في ترك الأكثر).(٢ ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٣٣٠والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٤٣ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢٠٥ ثبت من فعل النبي أنه بعد أن رمى جمرة العقبة من ثالث أيام التشريق أتى المحصب وصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد ثم طاف بالبيت طواف الوداع وبعدها صلى الفجر ثم خرج من مكة كما في حديث عمرو بن الحارث أن قتادة حدثه عن أنس بن مالك حدثه عن النبي  أنه صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به).(١ والفقهاء مختلفون هل النزول السابق الذي نزله النبي في منطقة المحصب نزول تشريع أو حصل له اتفاقا ,ذهب جمع منهم إلى أن النزول السابق ليس للتشريع بل حصل من النبي اتفاقا. ومن هذا الباب حديث سفيان قال عمرو عن عطاء عن ابن عباس } قال :ليس التحصيب بشيء إنما هو منزل نزله رسول االله ,(٢)ومنه أيضا حديث سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة > قالت :إنما كان منزلا ينزله ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من صلى العصر يوم النفر بالأبطح ).(١٦٧٥ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :المحصب ).(١٦٧٧ ومما يؤيد الرأي السابق حديث سفيان بن عيينة عن صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار قال :قال أبو رافع :لم يأمرني رسول االله أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكني جئت فضربت فيه قبته فجاء فنزل).(٢ وذهب جمع من الفقهاء إلى أن النزول السابق بالأبطح مستحب وليس بواجب) ,(٣وقد نقل الإجماع عليه) ,(٤ومن هذا الباب ما ثبت أن عمر بن الخطاب وابنه عبد االله كانا ينزلان المنزل السابق كما في حديث خالد بن الحارث قال :سئل عبيد االله عن المحصب فحدثنا عبيد االله عن نافع قال: نزل بها رسول االله وعمر وابن عمر ,وعن نافع أن ابن عمر } كان يصلي بها −يعني المحصب −الظهر والعصر −أحسبه قال والمغرب −قال خالد :لا أشك في العشاء ويهجع هجعة ويذكر ذلك عن النبي .(٥) ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :المحصب ).(١٦٧٦ ) (٢أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :استحباب النزول بالمحصب ).(١٣١٣ ) (٣الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٣والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٨٣والسرخسي, المبسوط ,ج ,٤ص.٢٤ ) (٤النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٤ ) (٥أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :المحصب ).(١٦٧٩ النبي وأبا بكر وعمر وعثمان رضي االله عنهم نزلوا المحصب).(١ وهؤلاء رأوا نزول النبي نزول تشريع فقد قصده النبي لذاته كما يفيد ذلك حديث الزهري قال :حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال :قال رسول االله حين أراد قدوم مكة :منزلنا غدا −إن شاء االله −بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر ).(٢ ومعنى تقاسموا على الكفر تحالفوا وتعاهدوا عليه ,وهو تحالفهم على إخراج النبي وبني هاشم وبني المطلب من مكة إلى هذا الشعب وهو خيف بني كنانة ,وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة ,وكتبوا فيها أنواعا من الباطل وقطيعة الرحم والكفر. فأرسل االله تعالى عليها الأرضة فأكلت كل ما فيها من كفر وقطيعة رحم وباطل وتركت ما فيها من ذكر االله تعالى فأخبر جبريل النبي بذلك فأخبر به النبي عمه أبا طالب فجاء إليهم أبو طالب فأخبرهم عن النبي بذلك ) (١أحمد بن حنبل ,المسند ,ج.١٣٨ ,٢ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :نزول النبي مكة ).(١٥١٢ ووجه الشاهد من الحديث أنه أراد به الإشارة إلى تعاهد المشركين في ذلك الموضع على هجران بني هاشم فظهر من ذلك أنه نزله قصدا لإراءة المشركين لطيف صنع االله تعالى به فيكون النزول فيه سنة بمنزلة الرمل في الطواف).(٢ والواقع أن الحديث من حيث المذكور فيه تعارض مع حديث أبي رافع الذي ذكرناه ضمن أدلة القائلين بعدم مشروعية التحصيب وفيه قوله :لم يأمرني رسول االله أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكني جئت فضربت فيه قبته فجاء فنزل. ولكن قد يجمع بين الأمرين بأن أبا رافع لم يكن يعلم كلام النبي  السابق ,وعليه فمن حفظ قوله السابق حجة على من لم يحفظ ,لكن في النفس من حديث أبي هريرة السابق إشكال وإن لم أجد من ذكره. بيان ذلك أن في حديث أبي هريرة السابق اضطرابا بينا من العسر معه ) (١ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٥ص ,٢٤٦والنووي ,شرح صحيح مسلم ,ج ,٩ص,٦١ والعيني ,عمدة القاري ,ج ,٩ص.٢٢٩ ) (٢المرغيناني ,الهداية ,ج ,١ص ,١٥٠والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٢٤ في موضع قول النبي فمنها ما فيه أنه قال ذلك في منى عند الفراغ من حجة الوداع ,ومنها ما فيه أنه قال ذلك عند فتح مكة ,ومنها ما فيه أنه قال ذلك يوم حنين ,ومنها ما جاء الكلام فيه بأنه قال ذلك يوم أراد القدوم لمكة. أما الأول من الأمور وهو قوله ذلك في منى فجاء التصريح فيه من حديث الوليد حدثنا الأوزاعي قال :حدثني الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال :قال النبي من الغد يوم النحر وهو بمنى :نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر).(١ وجاء السابق من حديث محمد بن عزيز الأيلي أن سلامة حدثهم عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول االله قال حين أراد أن ينفر من منى :نحن نازلون غدا إن شاء االله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر).(٢ وفي هذه الرواية إشكال من حيث إنه قال ذلك –على ما تفيده الرواية− يوم السبت الحادي عشر من ذي الحجة ,وهذا يفيد أن نفره كان يوم الثاني ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :نزول النبي مكة ).(١٥١٣ ) (٢ابن خزيمة ,صحيح ابن خزيمة ,ج ,٤ص.٣٢٢ وفي رواية مسلم من الطريق السابق قال أبو هريرة :قال لنا رسول االله  ونحن بمنى :نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر).(١ أما ما يفيد أنه قال السابق يوم غزوة حنين فحديث عبد العزيز بن عبد االله قال :حدثني إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال :قال رسول االله حين أراد حنينا :منزلنا غدا −إن شاء االله −بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر).(٢ وأما رواية أنه قال ذلك يوم فتح مكة فجاءت من حديث شعيب حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال :قال رسول االله :منزلنا − إن شاء االله −إذا فتح االله الخيف حيث تقاسموا على الكفر).(٣ أما الرواية المطلقة فيفيدها حديث شعيب عن الزهري قال :حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال :قال رسول االله حين أراد قدوم مكة :منزلنا ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :استحباب النزول بالمحصب ).(١٣١٤ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :فضائل الصحابة ,باب :تقاسم المشركين على النبي  ).(٣٦٦٩ ) (٣أخرجه البخاري في كتاب :المغازي ,باب :أين ركز النبي الراية يوم الفتح ).(٤٠٣٣ ورو￯ البخاري إطلاق الحديث من غير تقييده بموضع عن أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة).(٢ ومن الفقهاء من حمل السابق على أنه قاله في الأوقات السابقة كلها),(٣ وفي ذلك نظر إذ مخرج الرواية واحد ,وما حصل الخلاف إلا بين الرواة عن ابن شهاب الزهري ,وعليه فلا بد من الحكم بالاضطراب فيقدم حديث أبي رافع الذي فيه أنه أعد نزل النبي في منطقة المحصب برأيه هو لا برأي النبي ,وعليه يبقى الاستدلال بنفس الفعل. واختلف القائلون بالمشروعية هل هو مسنون لمن نفر ثالث أيام التشريق كما هو فعل النبي ,أو هو مسنون لكل من نفر ولو كان متعجلا) ,(٤كما اختلف في حد المحصب فقيل ما بين الجبلين إلى المقبرة سمي به لاجتماع ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :نزول النبي مكة ).(١٥١٢ ) (٢كتاب :التوحيد ,باب :في المشيئة والإرادة ).(٧٠٤١ ) (٣العراقي ,طرح التثريب ,ج ,٥ص.١٥٢ ) (٤الهيتمي ,الحاشية على الإيضاح ,ص.٤١٤ وخيف بني كنانة).(١ وقيل :حد المحصب من الحجون مصعدا في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى حائط خرمان مرتفعا عن الوادي فذلك كله المحصب) ,(٢وقيل حده ما بين شعب عمرو إلى شعب بني كنانة) ,(٣وقيل هو مابين شعب عمرو الذي هو الملاوي إلى ثنية إذخر ,وقيل ما بين شعب الصفي إلى حائط مقيصرة وهو فناء دار محمد بن سليمان إلى حائط خرمان إلى ثنية الوداع).(٤ والأماكن السابقة لا يمكن للناس في هذه الأيام أن يقتفوا فيها هذه السنة على من ير￯ مشروعية التحصيب ,وما ذلك إلا لأن المنطقة عمرت بالبنايات والأسواق والأزقة التي لا مجال في أن يقف الإنسان بها فضلا عن البقاء من صلاة الظهر إلى منتصف الليل ,وما بقي من الأمر عند من ير￯ مشروعية التحصيب إلا النية الصالحة التي يدرك الإنسان بها أجر العامل. ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٥والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٣ ) (٢الأزرقي ,أخبار مكة ,ج ,٢ص.١٦٠ ) (٣الحموي ,معجم البلدان ,ج ,٥ص.٦٢ ) (٤الفاكهي ,أخبار مكة ,ج ,٤ص.٧٣ @ @ @ @Êa...ìÛa@Òaì@ZŠ‘bÈÛa@Ý–ÐÛa @ @énÓëë@Êa...ìÛa@Òaì@óäÈß@ZÞëþa@szj1⁄2a @ @@éÐîîØmë@éàØyë@Êa...ìÛa@Òaì@òîÇ늒ß@ZïãbrÛa@szj1⁄2a @ @@Êa...ìÛa@Òaì@éÔy@¿@ÊŠ’í@åß@ZsÛbrÛa@szj1⁄2a Êa...ìÛa@Òaì@†Èi@ŠÐäÛa@Ìi@ÞbÌn‘üa@ZÉiaŠÛa@szj1⁄2a Êa...ìÛa@Òaì@æë...@ŠÐã@åß@áØy@Zßb ̈a@szj1⁄2a Êa...ìÛa@pbië†äß@Z...bÛa@szj1⁄2a يأتي طواف الوداع آخر الأعمال التي يقوم بها قاصد بيت االله الحرام للحج والعمرة ,ومشروعيته ما هي إلا ترسيخ لمكانة البيت الحرام مهو￯ أفئدة أحباء االله وأصفيائه ,فيظهر الطائف فيه من الحزن على فراق هذا المكان المعظم ويجعله آخر ما يقوم به في هذا البيت الحرام فليس بعده إلا النفر ومعالجة أسباب الخروج; إذ هو أشرف عباداته. وأبان بعض أهل العلم أنه شرع طواف الوداع لأن القادم ينبغي له السلام إذا فارق ,ولما كان السلام على االله تعالى محالا لكونه سالما لذاته فلا يدعى له بالسلامة جعلت الصلاة والطواف بدلا منه لتمييز جناب الربوبية عن غيرها).(١ وقد رو￯ الإمام مالك عن نافع عن عبد االله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال :لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت; فإن آخر النسك الطواف بالبيت ,ثم علق عليه بقوله: في قول عمر بن الخطاب فإن آخر النسك الطواف بالبيت إن ذلك فيما نر￯ −واالله أعلم −لقول االله تبارك وتعالى$yγ ̄ΡÎ*sù «!$# uÈ∝ ̄≈yèx© öΝÏjàyèム⎯tΒuρ y7Ï9≡sŒ﴿ : ) (١القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٣٥ كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق).(٣ وقد سمي هذا الطواف بهذا الاسم لأنه لتوديع البيت ,كما يسميه بعض الفقهاء طواف الصدر لأنه يكون عند صدور الناس من مكة) ,(٤ويسميه آخرون طواف الخروج) (٥لخروج الناس من مكة إثره ,وقال الحطاب من المالكية :وكره مالك في الموازية أن يقال طواف الوداع ,قال :وليقل الطواف).(٦ وقد سعيت لأن أجد النص الذي قاله الإمام مالك فلم أجد إلا ما نقله ابن عبد الهادي ونصه: قال مالك في وداع البيت :ما يعرف في كتاب االله ولا سنة نبيه الوداع, ) (١سورة :الحج ,الآية ).(٣٢ ) (٢سورة :الحج ,جزء من الآية ).(٣٣ ) (٣مالك بن أنس ,الموطأ ,ج ,١ص.٣٦٩ ) (٤ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٧ ) (٥سمته بذلك أم سلمة كما في الرواية التي أخرجها النسائي في كتاب :الحج ,باب :طواف الرجال مع النساء ).(٢٩٢٦ ) (٦الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٣٧ وليس لهذا الطواف وقت محدد لا يعدوه من شرع في حقه بل أمره معلق بإرادة من شرع في حقه النفر من مكة ليكون هذا الطواف آخر العهد بالبيت على ما جرت به العادة في توديع المسافر أهله وإخوانه) ,(٢فقد يشرع في حق الإنسان ليلا كما قد يشرع نهارا ,كما أنه قد يشرع إثر الرمي وقد يشرع بعد أعوام منه ,والجامع أن سببه إرادة النفر من مكة ,فمتى تحقق شرع طواف الوداع وكان الوقت وقته. وذهب بعض الفقهاء إلى أن لمن طاف الإفاضة يوم العاشر أن يطوف بعده للوداع ثم يرجع بعدها إلى منى وينفر منها إلى وطنه; لأن طواف الوداع يراد لمفارقة البيت وهذا قد تحقق فيه المراد السابق).(٣ وهذا رأي ضعيف فالرسول مصرح بوقته أنه آخر عهد الناسك, والآتي به قبل الرمي آت به قبل وقته إذ الرمي والمبيت أيام التشريق هو آخر العهد وليس الطواف بالبيت فلا يجزيه ,ثم إنه وأصحابه ما طافوا للوداع ) (١ابن عبد الهادي ,الصارم المنكي ,ص.٣٧٠ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٧ ) (٣النووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٨٧والسخاوي ,التحفة اللطيفة ,ج ,١ص.٣٨٠ عشر ,ويكون بقي عليه رمي الثاني عشر ومبيته ,فهل يشرع في حقه طواف الوداع أو لا يشرع في حقه? لم أجد هذه المسألة عند الفقهاء المتقدمين لكن ذكرها المعاصرون ولهم فيها قولان أولهما أنه لا يشرع في حقه طواف الوداع ,وعلتهم أن طواف الوداع لا يكون إلا بعد أن ينهي الناسك أعمال الحج ,ومن نفر في الحادي عشر غيرُمنٍ ْه أعمال الحج فيكون الطواف في غير وقته ,وألزم هؤلاء المبتلى بالسابق بما يلزم به تارك طواف الوداع. والواقع أنه لا بد من رجع الخلاف إلى أمر سنذكره بعد قليل في تكييف طواف الوداع فمن قال إنه مشروع لوداع البيت دون تعلق بنسك أو غيره فيقول هنا إنه مشروع في حق هذا. ومن قال إن طواف الوداع نسك فيدخله الخلاف ,والرأي الأول القائل بعدم مشروعيته في حق من نفر قبل إتمام الأعمال تقدم دليله ,والقول الثاني – وهو الأظهر −أنه مشروع لأن مشروعيته معلقة بالنفر لقول النبي :فلا ينفرن حتى يكون آخر عهده بالبيت ,فطواف الوداع معلق بالنفر لا بإنهاء المناسك. المطلب الأول :مشروعية طواف الوداع اتفقت المذاهب الفقهية على القول بمشروعية طواف الوداع من حيث الجملة) ,(١والدليل على المشروعية السابقة فعل النبي وقوله وإجماع الأمة عليه بعد ذلك ,أما فعله فقد رو￯ أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة > قالت :نزل رسول االله المحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال :اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت فإني أنتظركما ها هنا. قالت :فخرجنا فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة فجئنا رسول االله وهو في منزله من جوف الليل فقال :هل فرغت? قلت :نعم ,فآذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة).(٢ أما أمره غيره بطواف الوداع فجاء في أحاديث مختلفة منها حديث ابن ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٤٣والشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص ,٤٥١والماوردي, الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢١٢وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٦ ) (٢أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :بيان وجوه الإحرام ).(١٢١١ بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض).(١ والاحتجاج بالسابق على الوجوب ينبني على القول القائل بأن إخبار الصحابي عن صيغة الأمر كحكايته لها ,وقد نسب هذا الرأي إلى الأكثر من الأصوليين ,وفي المسألة أقوال ثلاثة أولها القول بكونه مرفوعا ,وثانيها الحمل على أنه من الصحابة دون الرسول , وثالثها الوقف حتى يقوم دليل).(٢ والخلاف السابق إنما هو في حال الخلو من القرائن ,أما مع القرينة فيصار إلى ما أفادته ,والحال هنا أن القرينة دالة على أن الآمر هو النبي كما في حديث سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال :كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول االله :لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت).(٣ والحميدي رو￯ حديث سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول ثم نقل عن ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :طواف الوداع ).(١٦٦٨ ) (٢ابن السمعاني ,قواطع الأدلة ,ج ,٢ص ,٢٠٣وابن دقيق العيد ,الإحكام ,ج ,٣ص,٨٧ والسبكي ,الإبهاج ,ج ,٢ص ,٣٢٨وابن أمير الحاج ,التقرير والتحبير ,ج,٢ ص.٣٥١ ) (٣أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :وجوب طواف الوداع ).(١٣٢٧ لم أسمع في هذا الحديث أحسن من هذا الذي حدثنا سليمان ,قال سفيان :وأخبرنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال :أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض).(١ كما جاء النص على أن النهي من قبل النبي في حديث علي بن محمد ثنا وكيع ثنا إبراهيم بن يزيد عن طاوس عن ابن عمر قال :نهى رسول االله أن ينفر الرجل حتى يكون آخر عهده بالبيت. والحديث أخرجه ابن ماجه) ,(٢ولكنه لا يثبت من حيث سنده فإبراهيم بن يزيد الخوزي مضى ذكره غير مرة وأنه لا يثبت حديثه. والحديث رواه الترمذي من حديث عيسى بن يونس عن عبيد االله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال :من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض ورخص لهن رسول االله .(٣) ) (١الحميدي ,المسند ,ج ,١ص.٢٣٣ ) (٢أخرجه ابن ماجه في كتاب :مناسك الحج ,باب :طواف الوداع ).(٣٠٧١ ) (٣كتاب :الحج ,باب :ما جاء في المرأة تحيض بعد الإفاضة ) ,(٩٤٤وقال إثره :حسن صحيح. من حديث الحجاج بن أرطاة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرحمن بن السلماني عن عمرو بن أوس عن الحارث بن عبد االله بن أوس قال :سمعت النبي يقول :من حج هذا البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت ,فقال له عمر :خررت من يديك سمعت هذا من رسول االله ولم تخبرنا به?).(١ غير أن في إسناده الحجاج بن أرطأة وقد مضى مرارا أنه ليس بحجة فهو مدلس ضعيف الرواية ,لذا قال الترمذي بعد إخراجه :حديث الحارث بن عبد االله بن أوس حديث غريب ,وهكذا رو￯ غير واحد عن الحجاج بن أرطاة مثل هذا وقد خولف الحجاج في بعض هذا الإسناد اهـ. والحجاج قد توبع على الإسناد السابق من قبل يزيد بن أبي زياد عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي كما عند الطبراني) ,(٢ولكن يزيد بن أبي زياد لا يثبت حديثه كما تقدم ذكره. وقد جاء الحديث السابق من طريق أخر￯ بسياق مختلف ولا أدري هل هو السابق نفسه أو اضطراب في الحديث يسقطه ,والحديث من طريق عفان ) (١كتاب :الحج ,باب :ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت ).(٩٤٦ ) (٢الطبراني ,المعجم الكبير ,ج ,٣ص.٢٦٣ بن عبد االله بن أوس الثقفي قال: سألت عمر بن الخطاب عن المرأة تطوف بالبيت ثم تحيض? فقال :ليكن آخر عهدها بالبيت ,فقال الحارث :كذلك أفتاني رسول االله ,فقال عمر: أربت عن يديك) (١سألتني عن شيء سألت عنه رسول االله كيما أخالفه).(٢ َ ِ َْ وأورد الحافظ ابن حجر هذا الحديث مرفوعا من طريق عطاء من حديث مسدد حدثنا عيسى بن يونس ثنا ابن أبي ليلى عن عطاء رضي االله عنه قال :إن النبي قال :من حج هذا البيت فليكن آخر عهده الطواف بالبيت ورخص للنساء).(٣ ومما يفيد المشروعية –على ما قاله بعض أهل العلم −أنه لما كان من سنة القادم أن يطوف بالبيت تحية وتسليما اقتضى أن يكون من سنة الحاج أن يطوف بالبيت تحية وتوديعا ,وإذا كان هذا ثابتا فمن سنة العائد إلى بلده بعد ) (١أي سقطت آرابه ,والآرباب جمع إرب وهو العضو ,والكلمة دعاء لا يراد به الوقوع .ابن الجوزي ,غريب الحديث ,ج ,١ص.١٧ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.١٧٤ ) (٣ابن حجر ,المطالب العالية ,ج ,٧ص.٩٩ وبعد تبين مشروعية طواف الوداع نقول إنه كسائر أنواع الطواف في الأركان والشرائط والسنن ,ومنه صرحوا باستحباب ركعتين بعده وأن المقام لهما بعده لا يبطل الوداع) ,(٢بل منهم من قال إن من ودع في غير وقت صلاة فلا يخرج من المسجد حتى يصلي ,فإن خرج فعليه دم).(٣ ومنهم من استدل للركعتين التي بعد طواف الوداع بأن النبي صلى الفجر بعد أن طاف للوداع كما سيأتي دليل ذلك).(٤ ومن الفقهاء من قال إن تعيين النية لطواف الوداع ليس بشرط حتى لو طاف بعد طواف الزيارة لا يعين شيئا أو نو￯ تطوعا كان للوداع; لأن الوقت تعين له فتنصرف مطلق النية إليه كما في صوم رمضان) ,(٥وفي هذا الكلام نظر ذكرناه في الجزء الرابع من هذا الكتاب. والسنن التي ذكرناها من قبل وقد علقت بوصف ليس في طواف الوداع ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢١٢ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٨والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٩ ) (٣البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٨٢ ) (٤ابن عثيمين ,مجموع الفتاو￯ ,ج ,٢٣ص.٣٥١ ) (٥الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٤٣ بعض الفقهاء الاتفاق عليه).(١ ومن الفقهاء من نص على أن النيابة لا تدخل هذا الطواف ,فمن خرج ولم يودع فأوصى بعض أصحابه أن يودع عنه فودع عنه لم يجزه ذلك وعليه دم إن لم يرجع).(٢ وذهب بعضهم إلى أن طواف الوداع يصح من غير طهارة ,وأن الطهارة فيه تجبر بالدم ,وهذا منسوب في كتب الشافعية إلى الأبيوردي منهم).(٣ لكن تعقب الزركشي ذلك بأنه إنما قال الأبيوردي هذا من حيث إنه ألزم وقيل له لو جاز جبر طواف الوداع بالدم لجاز جبر الطهارة به كالدم ,فارتكبه وقال يجبر بالدم ,قال الزركشي :وهذا غلط; فإن الجبر للطواف لا للطهارة. وكان الزركشي مقررا أنه لم يحسن نقل الرافعي الحكم السابق قولا للأبيوردي لأنه قد يرتكب في المناظرة الخلاف لأنه موضع ضرورة وقد ) (١ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٤ص.١٣٧٣ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٥٤ ) (٣الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٩والنووي ,روضة الطالبين ,ج ,٣ص.١١٧ المطلب الثاني :مشروعية طواف الوداع للمعتمر مشروعية طواف الوداع لمن أنهى نسك الحج وأراد الخروج من مكة متفق عليها كما تقدم ,غير أن الفقهاء مختلفون في مشروعية أن يكون للعمرة طواف وداع لمن أراد الخروج من مكة ,فذهب بعض الفقهاء إلى عدم مشروعية أن يكون للعمرة ذاتها طواف للوداع) ,(٣واستدل هؤلاء بأدلة متعددة: أولها :أن الأدلة التي ورد فيها ذكر طواف الوداع ما هي إلا أدلة في الحج ,وما قال النبي ذلك إلا في نسك الحج فيقتصر على موارد النصوص في أمر تعبدي).(٤ ) (١الزركشي ,المنثور في القواعد ,ج ,٢ص.١٤٠ ) (٢الفقهاء –كما سيأتي −مختلفون في تكييف طواف الوداع أهو نسك أو واجب متعلق بنفس الخروج من مكة سواء كان صاحب نسك أو غيره ,وهذا المطلب والخلاف فيه لا يتصور إلا عند القائلين بكونه نسكا. ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٣٥والسمرقندي ,تحفة الفقهاء ,ص ,٤١٠والعيني, عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٩٥ ) (٤الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص ,٢٢٧والعيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٩٥ ولو طاف لنقل ,فلما لم ينقل دل على عدم اقتضاء العمرة ذاتها طواف وداع. ثالثها :أن معظم الركن في العمرة الطواف ,وما هو معظم الركن في النسك لا يتكرر عند الوداع كالوقوف في الحج; لأن الشيء الواحد لا يجوز أن يكون معظم الركن في نسك وهو بعينه غير ركن في ذلك النسك ,ولأن ما هو معظم الركن مقصود وطواف الوداع تبع يجب لقصد توديع البيت, والشيء الواحد لا يكون مقصودا وتبعا).(١ وذهب آخرون من الفقهاء إلى مشروعية طواف الوداع للمعتمر) ,(٢وقد اختلفت مآخذهم في الاستدلال لقولهم ,فمنهم من أخذ المشروعية من كون طواف الوداع مشروعا لكل من خرج من مكة وليس هو للنسك ,والخارج بعد أداء العمرة إلى خارج مكة تشمله العلة السابقة كما سيأتي تفصيل ذلك بعد قليل).(٣ ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٣٥ ) (٢مالك بن أنس ,المدونة الكبر￯ ,ج ,٢ص ,٥٠٢والسرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص,٣٥ وابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٤ص ,١٣٦٦وابن الضياء ,البحر العميق ,ج,٤ ص ,١٩١٠شيخنا الخليلي ,الفتاو￯ ,الكتاب الأول ,ص.٣٧١ ) (٣الزركشي ,الديباج ,ج ,١ص.٤٠٤ فيقاس عليه نسك العمرة لعدم الفارق; إذ العلة النسك والعمرة نسك اتفاقا. ومنهم من قال إن ثبوته في العمرة كان بظاهر النص الشرعي الذي ألحق بعمومه العمرة بالحج كما في حديث يعلى بن أمية لما أحضر إلى النبي من تضمخ بالصفرة فقال له :اخلع عنك الجبة ,واغسل أثر الخلوق عنك, وأنق الصفرة ,واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك).(١ ووجه الدلالة من ذلك أن كل ما ثبت في الحج ثبت في العمرة إلا ما دل الدليل أو الإجماع على خلافه).(٢ ومنهم من استدل لإثبات طواف الوداع للعمرة بأن النبي سمى العمرة حجا أصغر فتعطى أحكام الحج ,ثم إن االله تعالى قال في كتابه ﴿(#θ‘θÏ?r&uρ (٣) ﴾¬! nοt÷Κãèø9$#uρ ¢kptø:$#وإذا كان طواف الوداع من تمام الحج فهو من تمام العمرة ) (١أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :يفعل في العمرة ما يفعل في الحج ).(١٦٩٧ ) (٢ابن عثيمين ,مجموع الفتاو￯ ,ج ,٢٢ص.٤٣٦ ) (٣سورة :البقرة ,جزء من الآية ).(١٩٦ والقول الناص على مشروعية طواف وداع للمعتمر هو الأولى سواء قلنا إن الدليل هو عموم النص فيما يشرع في العمرة أم قلنا إن الدليل هو القياس الذي علته النسك فكلا الدليلين حجة في إثبات مشروعية طواف الوداع للمعتمر. وقد جاء مرفوعا ما ينص على أنه يشرع للمعتمر طواف وداع كما في حديث عبد الرحمن البيلماني عن عمرو بن أوس عن الحارث بن عبد االله بن أوس قال :سمعت رسول االله يقول :من حج هذا البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت ,فقال له عمر :خررت من يديك سمعت هذا من رسول االله ولم تخبرنا به. والحديث أخرجه الترمذي كما تقدم بيانه وبيان علته. أما أدلة القائلين بعدم المشروعية فالأول منها ساقط بما ذكرناه من أدلة القائلين بالمشروعية ,إذ عدم ذكرها هناك مقابل بالأدلة التي تلحقها بالمذكور سواء بعموم النص كما في حديث يعلى بن أمية أم بالقياس الجلي. ) (١ابن عثيمين ,مجموع الفتاو￯ ,ج ,٢٣ص.٣٢٤ للوداع فيها فيرد عليه بأن العمر الأربع أولها عمرة الحديبية التي كانت سنة ست من الهجرة ,والنبي قد منع من دخول الحرم فضلا عن الطواف ,وما عدت عمرة إلا لأصل الإحرام بها والمسلم مأجور بالنية ,وعليه فليس في َُّ عدم طوافه للوداع هنا دليل. أما العمرة الثانية فعمرة القضاء من السنة التالية لعمرة الحديبية ,وهذه العمرة لم يذكر فيها طواف الوداع ,ولكن عدم الذكر لا يستلزم عدم الوقوع حقا وإن أفاده ظاهرا. ومع الظاهر السابق قد يرد هذا الدليل بأن الأدلة التي فيها طواف الوداع متأخرة والأصل أن يؤخذ بالأحدث من أموره ,فلعل طواف الوداع لم يكن مشروعا حينها ثم شرع يوم حجة الوداع. أما العمرة الثالثة فعمرة الجعرانة في ذي القعدة من عام فتح مكة بعد حنين" ,وهذه العمرة لم يبق فيها رسول االله بمكة إنما اعتمر وخرج في ليلته إلى الجعرانة وهي خارج حدود الحرم وذلك لقسم غنائم حنين. مكة ولم يمكث فليس عليه طواف وداع) ;(١لأن هذا الفعل يستلزم أن يكون آخر عهده بالبيت ,وإذن ليس فيها دلالة لعدم وجوب طواف العمرة").(٢ ومما يدل بظاهره على أن المعتمر إن خرج بعد العمرة مباشرة أنه ليس عليه طواف وداع حديث أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة > قالت: .....نفرنا من منى فنزلنا المحصب فدعا عبد الرحمن فقال :اخرج بأختك الحرم فلتهل بعمرة ثم افرغا من طوافكما أنتظركما ها هنا ,فأتينا في جوف الليل فقال :فرغتما? قلت :نعم ,فناد￯ بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس ومن طاف بالبيت قبل صلاة الصبح ,ثم خرج موجها إلى المدينة).(٣ وظاهر هذا أن نفر النبي وأصحابه كان بعد أن فرغت من العمرة مباشرة ,وليس فيه أنها طافت للوداع للحج ,مع الاتفاق أن طواف الوداع مشروع للحج ,ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال قوله :لا خلاف بين ) (١القطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص.٢٦٥ ) (٢الكلام للأستاذ الدكتور سليمان العيسى كما في موقع :المسلم ,ركن النوازل. ) (٣أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع ).(١٦٩٦ فعلت عائشة).(١ ولو لم يسلم بالسابق فيرد على الاستدلال به بكون الأدلة المفيدة مشروعية طواف وداع للعمرة متأخرة في السنة العاشرة للهجرة يوم طواف الوداع ,والمتأخر يقضي على المتقدم كما تقدم عند الحديث عن العمرة الثانية. أما العمرة الرابعة فهي التي كانت مع حجته ,وهذه لا دلالة فيها على المراد إذ من المتفق عليه أن النبي قد طاف حينما نفر من مكة بعد أن رمى الجمار ,ولم يبين هل طوافه ذلك لأجل النسكين معا العمرة والحج أو هو للمجموع منهما إذ إنه كان قارنا أو لمطلق النسك أو لمفارقة مكة. وعلى الاحتمالات السابقة كلها العمرة داخلة مما يفيد المشروعية ,وعدم صلاحية هذا الدليل لنفي اقتضاء العمرة طواف وداع. ) (١ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص ,٦١٢والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٣٧ بعد الاتفاق على مشروعية طواف الوداع من حيث الجملة اختلف الفقهاء في تكييفه ,فمنهم من قال إنه نسك من أنساك الحج ,ومن هؤلاء من حكى الاتفاق على أن من خرج من مكة لا يشرع له طواف وداع إلا إن كان حاجا ,وقال هؤلاء إنه لا تعويل على ما يعتاده المكيون من الحرص على الوداع أكثر من حرص الغرباء) ,(١ومنهم من قال إنه لا خلاف في كون طواف الوداع نسكا).(٢ وعلى هذا فهو من توابع الحج ,وبالأخذ بأنه لا يشرع لأهل مكة فيقال إن علة وجوبه إتمام نسك الحج مع كون الناسك عازما على النفر منها. والواقع أنه لا اتفاق على ما ذكره بعض هؤلاء من كونه لا خلاف في كونه نسكا; إذ إن جماعة من أهل العلم يرون أن طواف الوداع ليس من جملة المناسك بل يؤمر به كل من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر سواء كان مكيا يريد سفرا أو أفقيا يريد الرجوع إلى أهله ,وقد كانت مشروعيته تعظيما للحرم وتشبيها لاقتضاء خروجه للوداع باقتضاء دخوله الإحرام. ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٢٩٩والغزالي ,الوسيط ,ج ,٢ص.٦٧٢ ) (٢ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص.٢١٢ النسك ,بل يؤمر به كل من يخرج من مكة مكيا كان أو غريبا).(١ ثم إن هؤلاء نقلوا الاتفاق على أن المكي إذا حج وهو عازم على أن يقيم بوطنه أنه لا يؤمر بالوداع ,والآفاقي إذا حج وأراد المقام بمكة فحكمه مثله, ولو كان من جملة المناسك لأشبه أن يعم الحجيج كلهم).(٢ والواقع أن الأمر السابق ليس بلازم فالشرع قد فرق بين أهل مكة وغيرهم في لزوم دم التمتع وهو من المناسك اتفاقا ,ثم إن علة وجوبه المذكورة سلفا تشمل الجميع المكيين وغيرهم. واستدل بعض أهل العلم أيضا لإثبات أن الطواف ليس نسكا بل هو لكل خارج من مكة بقوله :يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا),(٣ ووجه الدلالة أن طواف الوداع يكون عند الرجوع فسماه قبله قاضيا ) (١الرافعي ,شرح مسند الشافعي ,ج ,٢ص.٣٥٤ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٦والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٨٦وابن تيمية, مجموع الفتاو￯ ,ج ,٢٦ص ,٨والدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٥٣ ) (٣أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :جواز الإقامة بمكة للمهاجر منها بعد فراغ الحج والعمرة ثلاثة أيام بلا زيادة ).(١٣٥٢ واعترض على هذا بأن الظاهر أن المراد به النسك الذي تمكن الإقامة معه ,أو الذي ليس بتابع على أن المهاجر إذا طاف للوداع ثم خرج من مكة يجوز أن يرجع ويقيم بها ثلاثا لا غير للخبر فلا يلزم حمله على الإقامة قبل الطواف).(٢ كما اعترض على القول بكونه نسكا بأنه مع القول بوجوبه يقتضي منع العمرة قبله كما يمنعها بقاء الرمي وليس كذلك فقد اعتمرت عائشة قبله. لكن أجيب عن هذا الاعتراض بأنه لما كان الوداع آخر ما يفعله قاصد الخروج تعذر تقديمه عليها فاحتمل تقديمها عليه بخلاف الرمي).(٣ ولا أدري ما يقول الذين لا يرون طواف الوداع نسكا في خروج النبي إلى منى وعرفات خروجا قصر فيه الصلاة ومع ذلك لم يثبت أنه طاف للوداع ,والظاهر أنه ما طاف للوداع وإلا لنبه عليه. ثم إنه ما دام طواف الوداع ليس من المناسك على رأي هؤلاء فما ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٨٦وروضة الطالبين ,ج ,٣ص.١١٧ ) (٢الرملي ,الحاشية ,ج ,١ص.٥٠٠ ) (٣الرملي ,الحاشية ,ج ,١ص.٥٠٠ واجبا من واجبات الحج معلوم دليله ,ولكن وجوبه على من ترك واجبا ليس هو بالنسك مفتقر إلى الدليل ,وتعلق طواف الوداع بالنسك ظاهر لأن الخطاب كان للناسكين ,أما تعديه إلى غيرهم فمستلزم دليلا. وللخلاف السابق في تكييف طواف الوداع ظهرت بعض الآثار الفقهية, منها أنه رتب بعض الفقهاء أثرا على الخلاف في تكييف طواف الوداع أهو نسك أو ليس بنسك فقالوا إن الأجير إذا تركه وقلنا إنه نسك حط من الأجرة بقدره ,أما إن قلنا إنه ليس بنسك فلا يحط من الأجرة شيء).(١ ومن الفقهاء من رتب على السابق أثرا آخر وهو أنه على قول القائلين بكونه ليس نسكا لا يدخل تحت غيره من الأطوفة بل لا بد من طواف يخصه حتى لو أخر طواف الإفاضة وفعله بعد أيام منى وأراد الخروج عقبه لم يكف).(٢ والواقع أن هناك فقهاء يقولون بأن طواف الوداع ليس بنسك بل هو مشروع لكل خارج من الحرم ومع ذلك يصرحون بدخوله تحت غيره من ) (١البجيرمي ,الحاشية ,ج ,٢ص.١٣٩ ) (٢الشربيني ,مغني المحتاج ,ج ,١ص.٥١٠ وهؤلاء يعللون توجههم السابق بأن طواف الوداع ليس مقصودا لذاته بل المقصود أن يكون آخر عهده بالبيت للحديث فأي طواف كان أجزاه فرضا أو تطوعا).(٢ ومنهم من يجعله من باب تداخل العبادات في واجب وكل منهما مقصود في نفسه ومقصودهما مختلف فلا تداخل ,ومن ثم قالوا طواف الوداع مقصود في نفسه ولذلك لو طاف للإفاضة بعد رجوعه من منى ثم أراد السفر عقبة لم يكف بل لا بد أن يطوف للوداع أيضا).(٣ ومن الفقهاء من قال إنه على القول بأنه من المناسك يلزم الولي أن يطوف بالصغير مطلقا إذا أحرم به ,ولا يلزم الولي ذلك مطلقا على القول بأنه واجب مستقل ليس من واجبات الحج).(٤ ) (١الدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٥٣ ) (٢الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص.١٣٧ ) (٣الزركشي ,المنثور في القواعد ,ج ,١ص ,٢٦٩وابن رجب ,تقرير القواعد ,ج,١ ص.١٤٩ ) (٤ابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٤ص ,١٣٦٧والجاوي ,نهاية الزين ,ص.٢١٠ بعد الاتفاق على مشروعية طواف الوداع من حيث الجملة الفقهاء متفقون على أن طواف الوداع ليس بركن بدليل سقوطه عن الحائض ولو كان ركنا لما اختلف الحكم فيه من شخص لآخر).(١ غير أنهم مختلفون في حكمه ,فذهب جماعة منهم –إخالهم الجمهور −إلى أنه واجب ,واختلفوا في حكم تاركه ,فقال أكثرهم يجب الدم على من شرع في حقه وتركه دون عذر) ,(٢ومنهم من ذهب إلى الوجوب ولكن تاركه يأثم من غير وجوب الدم عليه).(٣ ودليل القائلين بالوجوب حديث الأمر به والنهي عن النفر قبل الإتيان به ,وقد تقدما عند ذكر المشروعية ,ووجه الدلالة منهما أن الأصل في الأمر أن يكون للوجوب ,والأصل في النهي أن يكون للتحريم ما لم تصرف عن ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٧والقرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٨٣ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٩والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٨٢والسرخسي, المبسوط ,ج ,٤ص ,٤١والسمرقندي ,تحفة الفقهاء ,ص ,٣٨٢وابن الجوزي ,التحقيق, ج ,٢ص ,١٥٠وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٧ ) (٣الكندي ,المصنف ,ج ,٨ص ,١٩٣والشقصي ,منهج الطالبين ,ج ,٧ص,١٤٠ والشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٠٥ وجوبه ,والأحاديث التي فيها النهي عن النفر قبله يؤخذ منها حرمة النفر قبله وذلك مقتض وجوبه. ثم إن مما يفيد أن حكم طواف الوداع الوجوب أن الشرع رخص للحائض في النفر دون أن تأتي بطواف الوداع ,ومفهوم ذلك أنه لا رخصة لغير الحائض في النفر قبل طواف الوداع ,ونفي الرخصة عن الفعل يفيد وجوبه على من لم يتحقق فيه وصف الرخصة. ونص بعض الفقهاء على أنه لا يقالَُْ أمر النبي بالوداع أمر ندب بقرينة المعنى وهو أن المقصود الوداع; لأنا نقول ليس هذا صالحا لأن يكون صارفا عن الوجوب لجواز أن يطلب حتما لما في عدمه من شائبة عدم التأسف على الفراق وشبه عدم المبالاة به. على أن معنى الوداع ليس مذكورا في النصوص بل أن يجعل آخر عهدهم بالطواف فيجوز أن يكون معلا بغيره مما لم نقف عليه. ولو سلم فإنما تعتبر دلالة القرينة إذا لم يفقها ما يقتضي خلاف مقتضاها, وهنا كذلك فإن لفظ الترخيص يفيد أنه حتم في حق من لم يرخص له; لأن معنى عدم الترخيص في الشيء هو تحتم طلبه; إذ الترخيص فيه هو إطلاق ومما يفيد أيضا أن الأمر على حقيقته من الوجوب ما وقع في صحيح مسلم من أنه كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول االله :لا ينصرفن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ,فهذا النهي وقع مؤكدا بالنون الثقيلة وهو يؤكد موضوع اللفظ).(١ واستدل بعض أهل العلم لإثبات الوجوب بأن طواف الزيارة لتمام التحلل عن إحرام الحج فطواف الصدر لانتهاء المقام بمكة فيكون واجبا على من ينتهي مقامه بها وهو الأفقي أيضا الذي يرجع إلى أهله دون المكي الذي لا يرجع إلى موضع آخر).(٢ وقال السيوطي :وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال :طواف الوداع واجب ,وهو قول االله ﴿ (٣)﴾È,ŠÏFyèø9$# ÏMøŠt7ø9$$Î/ (#θèù§θ©Üu‹ø9uρاهـ ,ولكن أسند الطبري عن ابن عباس أن المراد بالطواف المذكور في الآية طواف الزيارة).(٤ ) (١ابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٥٠٤ ) (٢السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٣٥ ) (٣السيوطي ,الدر المنثور ,ج ,٦ص ,٤١والزمخشري ,الكشاف ,ج ,٣ص.١٥٤ ) (٤الطبري ,جامع البيان ,ج ,١٧ص.١٥٢ قال :سألت زهيرا عن قول االله ﴿ ,﴾È,ŠÏFyèø9$# ÏMøŠt7ø9$$Î/ (#θèù§θ©Üu‹ø9uρقال :طواف الوداع).(١ أما الخلاف في وجوب الدم على تاركه ,فراجع أمره إلى قاعدة جبر الواجبات بالدم ,والقاعدة السابقة راجعة إلى عد طواف الوداع نسكا. واعترض على إثبات الدم السابق بأن الدم لما في الإحرام من خلل الواجبات وهذا بعد الإحرام فكيف يجب).(٢ وقد يقول قائل بالقاعدة السابقة ولكن لا يثبت الدم على تارك الوداع لكونه ليس من النسك بل هو أمر مشروع لكل خارج من الحرم ,وعليه فيكون على منتهك الأمر وزر انتهاكه ,والدم أمر لم ينطق به الدليل الشرعي. لكن أولى ما يقال في الأمر أن طواف الوداع نسك في حق من شرع له, وتركه موجب للإثم لمن لم يرخص له النفر قبله ,ولكن الدم أمر لم يدل عليه دليل فلا يجب. والوجوب السابق على قول من قال به تستثنى منه الحائض فقد جاء من ) (١الطبري ,جامع البيان ,ج ,١٧ص.١٥٢ ) (٢القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٨٣ جابر بن زيد عن عائشة > قالت: إن صفية بنت حيي زوج النبي حاضت فذكرت ذلك لرسول االله  فقال :أحابستنا هي? فقيل إنها أفاضت ,قال :فلا إذن).(١ وجاء السابق من حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة).(٢ وجاء في بعض روايات الحديث من طريق يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول االله أراد من صفية بعض ما يريد الرجل من أهله) (٣فقالوا :إنها حائض يا رسول االله. ) (١أخرجه بهذا اللفظ الربيع في كتاب :الحج ,باب :ما تفعل الحائض في الحج ).(٤٤١ ) (٢أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت ).(١٦٧٠ ) (٣قال الحافظ العراقي :وهذه الرواية مشكلة; لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن علم بأنها طافت طواف الإفاضة كما اتفقت عليه سائر الروايات فكيف يريد وقاعها وحكم الإحرام في حقها بالنسبة إلى الوقاع باق قبل الطواف? وجوابه أنه عليه الصلاة والسلام ظن أنها طاهرة ,وأنها طافت طواف الإفاضة ,فلما تبين له أنها حائض توهم حينئذ أنها لم تطف طواف الإفاضة فما حدث له هذا التوهم إلا بعد علمه بأنها حائض فلم يجتمع إرادة الوقاع وتوهم عدم الطواف في زمن واحد واالله أعلم. قال :فلتنفر معكم).(١ قال الحافظ ابن عبد البر: هذا حديث لا خلاف بين فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام في القول به ,وأن المرأة إذا حاضت بعد طوافها بالبيت طوافها للإفاضة أنها تنفر ولا تنتظر طهرها لطواف الوداع ,وأن طواف الوداع ساقط عنها ولا شيء في ذلك عليها).(٢ وقال العلامة ابن جعفر :والمرأة إذا نفر أصحابها فليس عليها دم إن نفرت ولم تطف للصدر).(٣ وقد رو￯ الشافعي عن مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت إذا حجت ومعها نساء تخاف أن يحضن قدمتهن يوم النحر فأفضن فإن حضن بعد ذلك لم العراقي ,طرح التثريب ,ج ,٥ص.١٠٩ ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض ).(١٢١١ ) (٢ابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,٢٢ص.١٥٣ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٤٠٥والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٥٢ وقد كان بعض الصحابة يفتون بوجوب أن تنتظر الحائض إلى أن تطهر حتى تودع إلى أن بلغهم خبر ترخيص النبي ,ومن هؤلاء الصحابة ابن عمر كما في حديث ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: رخص للحائض أن تنفر إذا أفاضت ,قال) :(٢وسمعت ابن عمر يقول: إنها لا تنفر ,ثم سمعته يقول بعد :إن النبي رخص لهن).(٣ وممن كان يفتي بعدم الرخصة للحائض في النفر زيد بن ثابت كما في حديث الحسن بن مسلم عن طاوس قال :كنت مع ابن عباس إذ قال زيد بن ثابت :تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت? فقال له ابن عباس :إما لا) (٤فسل فلانة الأنصارية هل أمرها بذلك رسول االله ?قال :فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عباس يضحك وهو يقول: ) (١الشافعي ,المسند ,ص.١٣٢ ) (٢القائل هو طاوس .ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص ,٥٨٨والعيني ,عمدة القاري ,ج,٣ ص.٣١٣ ) (٣أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت ).(١٦٧٢ ) (٤قال الرافعي :المعنى إن لم يكن ذلك الأمر فافعل كذا .الرافعي ,شرح مسند الشافعي, ج ,٢ص.٣٥٨ وممن خالف أيضا جابر بن عبد االله كما في حديث وكيع عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس قال: ما رأيت ابن عباس خالفه أحد في شيء فتركه حتى يقرره ,فخالفه جابر بن عبد االله في المرأة تطوف ثم تحيض ,فقال ابن عباس :تنفر ,فأرسلوا إلى امرأة كان أصابها ذلك فوافقت ابن عباس).(٢ وهؤلاء الصحابة قد ثبت رجوعهم عن القول السابق ,لكن أسند ابن المنذر بإسناد صحيح –كما يقول الحافظ ابن حجر والعيني −إلى نافع عن ابن عمر قال: طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف بالبيت ,قال ابن المنذر :وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث ) (١أخرجه مسلم في كتاب :الحج ,باب :وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض ).(١٣٢٨ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.١٧٣ ورو￯ ابن أبي شيبة عن جرير عن أبي فروة قال :سألت القاسم بن محمد عن امرأة زارت البيت يوم النحر ,ثم حاضت قبل النفر? فقال :يرحم االله عمر ,كان أصحاب محمد يقولون قد فرغت إلا عمر فإنه كان يقول: يكون آخر عهدها بالبيت).(٢ وممن كان يقول بقول عمر أيضا الحارث بن عبد االله بن أوس الثقفي كما في حديث عفان قال :ثنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد االله بن أوس الثقفي قال: سألت عمر بن الخطاب عن المرأة تطوف بالبيت ثم تحيض? فقال :ليكن آخر عهدها بالبيت ,فقال الحارث :كذلك أفتاني رسول االله ,فقال عمر: أربت عن يديك سألتني عن شيء سألت عنه رسول االله كيما أخالفه).(٣ َ ِ َْ قال الحافظ ابن حجر :استدل الطحاوي بحديث عائشة وبحديث أم ) (١ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص ,٥٨٧والعيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٩٦ ) (٢ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص ,١٧٣وفي بعض الألفاظ تصحيف فأصلحتها من النسخة المحققة من قبل الشيخ محمد عوامة طبعة شركة دار القبلة .ابن أبي شيبة, المصنف ,ج ,٨ص.١٤٠ ) (٣ابن أبي شيبة ,المصنف ,ج ,٣ص.١٧٤ وقال أبو الحسن البسيوي :وكذلك لا تخرج إن لم تطهر وقد حجت حتى تودع البيت; لأنه قد جاء الحديث بأن النبي أمر الحائض بأن لا تخرج حتى يكون آخر عهدها بالبيت...وإن خرجت إلى بلادها ولم تطف طواف الصدر للوداع فعليها دم تبعث به إلى مكة).(٢ والقول بسقوط طواف الوداع عن الحائض هو المتعين للأدلة النصية التي فيها رخصة النبي . والنفساء في الحكم السابق كالحائض) (٣لعدم الفارق بينهما بل هي أولى بالرخصة لطول أيامها ,وقد يقال إنها منصوص عليها أيضا لحديث مالك عن عبد االله بن أبي بكر عن أبيه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره أن أم سليم بنت ملحان استفتت رسول االله وقد حاضت أو ولدت بعد ما أفاضت يوم النحر فأذن لها رسول االله فخرجت).(٤ ) (١ابن حجر ,فتح الباري ,ج ,٣ص.٥٨٧ ) (٢البسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٣٠٣ ) (٣ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٤٠٦وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٩وابن الضياء, البحر العميق ,ج ,٤ص.١٩١٤ ) (٤مالك بن أنس ,الموطأ ,ج ,١ص.٤١٣ تلويث المسجد منه وفاقد الطهورين والمستحاضة في زمن نوبة حيضها والخائف على نفس أو بضع أو مال تأخر له وقالوا هذه الأعذار تسقط الدم والإثم).(١ الإثم لا الدم فيما إذا َالعذر ُونص بعض أهل العلم على أنه قد يسقط لزمه وخرج عامدا عالما عازما على العود قبل وصوله لما يستقر به وجوب الدم ثم تعذر العود).(٢ وقسم بعض أهل العلم تارك طواف الوداع دون عذر إلى أقسام ثلاثة: أحدها :لا دم ولا إثم ,وذلك في ترك المسنون منه ,وفيمن عليه شيء من أركان النسك ,وفيمن خرج من عمران مكة لحاجة ثم طرأ له السفر. ثانيها :عليه الإثم ولا دم وذلك فيما إذا تركه عامدا عالما وقد لزمه بغير عزم على العود ثم عاد قبل وصوله لما يستقر به الدم فالعود مسقط للدم لا للإثم. ) (١الدمياطي ,إعانة الطالبين ,ج ,٢ص.٣٠٥ ) (٢الدمياطي ,إعانة الطالبين ,ج ,٢ص.٣٠٥ والحائض والنفساء إن طهرتا قبل مفارقة البنيان رجعتا فاغتسلتا وودعتا لأنهما في حكم الإقامة بدليل أنهما لا تستبيحان الرخص ,فإن لم يمكنهما الإقامة فمضتا أو مضتا لغير عذر فعليهما دم ,وإن فارقتا البنيان لم يجب الرجوع إذا كانتا قريبتين كالخارج ) ,(٢وإن كانتا في مكان القصر لم يلزمها الرجوع. والفرق بين الحائض ومن نفر وهو لا يزال قريبا أنه هناك ترك واجبا فلم يسقط بخروجه حتى يسير إلى مسافة القصر لأنه يكون إنشاء سفر طويل غير الأول وها هنا لم يكن واجبا ولا يثبت وجوبه ابتداء إلا في حق من كان مقيما).(٣ ومنهم من قال إن الفرق أن الحائض مأذون لها في الانصراف ,أما غير الحائض فليس بمأذون له في الانصراف).(٤ ) (١الدمياطي ,إعانة الطالبين ,ج ,٢ص.٣٠٥ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢١٣والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٨وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٩والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٥٢ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٩ ) (٤الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٤٨ الحطابين وأهل البقول والفواكه فقالوا ليس عليهم وداع كما لا يعتمرون إذا قدموا ,وترك العمرة أشد من ترك الوداع ,وإسقاط الوداع عمن خرج لحاجة قريبة ثم يعود بين لأنه ليس في عداد المفارق والتارك للبيت بخلاف من خرج ليقيم بأهله في منزله).(١ ذلكم هو قول الجمهور الموجب لطواف الوداع ,والقول الثاني في حكم طواف الوداع هو ما ذهب إليه بعض أهل العلم من أن طواف الوداع من السنن المندوبة وليس بواجب) ,(٢ومنهم من قال سنة مؤكدة لا جبران على تاركه).(٣ والدليل على هذا القول أنه لو كان نسكا واجبا لا يستوي فيه حال المعذور وغير المعذور والمقيم بمكة وغير المقيم بمكة ,فلما لم يكن نسكا ) (١الحطاب ,مواهب الجليل ,ج ,٣ص ,١٣٧والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٨٢ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢١٣وابن عبد البر ,التمهيد ,ج ,١٧ص,٢٦٩ وابن جماعة ,هداية السالك ,ج ,٤ص ,١٣٦٦والعبدري ,التاج والإكليل ,ج,٣ ص ,١٣٧والصنعاني ,سبل السلام ,ج ,٢ص ,٢١٥والشنقيطي ,أضواء البيان ,ج,٤ ص.٤٠٤ ) (٣الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٢٩٦ يلزم بتركه دم).(١ كما استدل القائلون بعدم وجوب طواف الوداع بأن طواف القدوم لا يجب بتركه دم وكذلك طواف الوداع).(٢ واعترض على هذا الرأي بأنه ليس في سقوطه عن المعذور ما يجوز سقوطه لغيره كالصلاة تسقط عن الحائض وتجب على غيرها ,بل تخصيص الحائض بإسقاطه عنها دليل على وجوبه على غيرها إذ لو كان ساقطا عن الكل لم يكن لتخصيصها بذلك معنى).(٣ أما تشبيهه بطواف القدوم في إسقاط الدم فمردود بأن هناك من أهل العلم من أوجب الدم على من ترك طواف القدوم ,وقد مضى ذكر ذلك ودليله في الجزء الرابع. ثم إنه على القول بسقوط الدم عن تارك القدوم فالفرق بين الطوافين ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢١٣والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٧وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٧والشنقيطي ,أضواء البيان ,ج ,٤ص.٤٠٤ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢١٣والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٧وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٧ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٧ طواف العمرة ,أما طواف الوداع فمقصود لذاته فلا يدخل في غيره).(١ واستدل الكاساني للقائلين بعدم الوجوب فقال إن وجه قولهم مبني على أنهم لا يفرقون بين الفرض والواجب ,وليس طواف الوداع بفرض إجماعا فلا يكون واجبا ,لكنه سنة لفعل رسول االله إياه على المواظبة وأنه دليل السنة).(٢ ) (١الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٤٧ ) (٢الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٤٢ اتفقت الكلمة على أن طواف الوداع مشروع في حق من كان من أهل الآفاق وأراد مغادرة مكة ,ومن كان منزله داخل الحرم لا يشرع في حقه طواف الوداع ما دام لا يريد بعد النفر من منى إلا منزله; إذ المشروعية كما في الحديث للنافر وهذا ليس بنافر بل مقيم ,لكن استحب أبو يوسف من الحنفية أن يطوف المكي لأنه يختم المناسك).(١ وفي الاستحباب السابق نظر إذ إن مشروعية طواف الوداع ما كانت لختم المناسك بل أومأ إليها قوله :فلا ينفرن حتى يكون آخر عهده بالبيت وهي النفر ,وأهل مكة لا ينفرون فلا يشرع في حقهم طواف الوداع. وذهب بعض الفقهاء إلى أن طواف الوداع يتوجه لكل من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر ,ومن أراد دون مسافة القصر لم يتوجه له طواف الوداع. ومن أهل العلم من قال إن كل من أراد الخروج من مكة مشروع له طواف الوداع سواء كان يريد مسافة القصر أو دونها ,وسواء كانت المسافة ) (١العيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٩٥ الخروج من مكة ,أما من كانت مكة داره فلا يصدق عليه أنه نافر بل هو مستقر فيها. واختلفوا فيمن كان قريبا من الحرم ولكنه خارجه فقيل عليه طواف الوداع) (٢لعلة أنه من خارج الحرم فهو نافر منه لذا فيشمله قوله :فلا ينفرن حتى يكون آخر عهده بالبيت. ومن الفقهاء من قال إن طواف الوداع يتوجه لكل من أراد الخروج من الحرم).(٣ وذهب بعض الفقهاء إلى أنه ليس على أهل مكة ومن وراء الميقات طواف الوداع إنما ذلك على أهل الآفاق الذين يصدرون عن البيت بالرجوع إلى منازلهم) ;(٤لأنهم معدودون من حاضري المسجد الحرام بدليل سقوط دم المتعة عنهم. ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٧ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٧ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٥٥والكندي ,المصنف ,ج ,٨ص.١٩٢ ) (٤ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٧٠والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص ,٢٨٢والسرخسي, المبسوط ,ج ,٤ص ,١٧٩والعيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٩٥ عهده بالبيت" ,ثم إن هؤلاء خارجون من مكة فلزمهم التوديع كالبعيد).(١ وسقوط دم المتعة عمن كانوا داخل المواقيت أمر مختلف فيه وقد تقدم ذكر ذلك في الجزء الثاني من هذا الكتاب وتبين حينها أن أولى ما يقال في القضية أن الذين يسقط عنهم دم المتعة هم أهل الحرم ,أما من سواهم من الناس فمتعبدون به إذا ما تمتعوا لظاهر قوله تعالى ﴿ ...ã&é#÷δr& ô⎯ä3tƒ öΝ©9 ⎯yθÏ9 y7Ï9≡sŒ .(٢)﴾ ÏΘ#tptø:$# ωÉfó¡yθø9$# “ÎÅÑ$ym ومن الفقهاء من نص على أن المقيم بمكة الخارج إلى التنعيم ليس عليه وداع) ,(٣والدليل أن النبي لما أعمر عائشة من التنعيم مع أخيها عبد الرحمن لم يأمرها عند ذهابها بوداع بل الظاهر أنها خرجت من المحصب إلى التنعيم مباشرة كما هو ظاهر الرواية التي ذكرناها مرارا. وأيد بعضهم القول بعدم الوداع بأنه أقيس; لأنه راجع في عمرته إلى ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٧ ) (٢سورة :البقرة ,جزء من الآية ).(١٩٦ ) (٣الجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٣٩٠والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٧ ومن أهل العلم من قال من فرغ من حجه فخرج ليعتمر من الجعرانة أو التنعيم فليس عليه طواف الوداع ,وأما إن خرج ليعتمر من ميقات كالجحفة وغيرها فليودع).(٢ ومنهم من نص على أن الخارج إلى منى لا وداع عليه).(٣ وأما من أراد الإقامة بمكة فلا وداع عليه سواء كان من أهل مكة أم غريبا عنها; لأن الوداع من المفارق لا من الملازم سواء نو￯ الإقامة قبل النفر أو بعده) ;(٤إذ إن علة طواف الوداع هي النفر من مكة لا من منى فهو مشروع لمن أراد النفر من مكة. وقال بعض الفقهاء :ليس على أهل مكة ومن كان داخل الميقات وكذا من اتخذ مكة دارا ثم بدا له الخروج ليس عليهم طواف صدر ,وكذا فائت ) (١ابن عبد البر ,الاستذكار ,ج ,٤ص.٢١١ ) (٢مالك بن أنس ,المدونة الكبر￯ ,ج ,٢ص ,٥٠٢والعبدري ,التاج والإكليل ,ج,٣ ص.١٣٧ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٥٥ ) (٤الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢١٢والجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٢٩٩وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٦والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٥ طواف وداع).(١ وهذا الكلام يسلم به في حق أهل مكة ومن اتخذها دارا ثم بدا له الخروج بعد أن استقر فيها ,أما من كان داخل الميقات فتقدم الكلام فيهم, وأما فائت الحج فلا يسلم بما قيل فيه لأن خروجه من الإحرام يكون بعمرة, وتقدم الكلام في العمرة أنه يشرع لها طواف وداع كما هو الحال في الحج. وبنية الإقامة يسقط عن الناسك طواف الوداع فلا يشرع في حقه ,ولو أراد السفر ونقض عزيمة الإقامة فلا وداع عليه ,وهؤلاء قالوا إن الوداع من جملة مناسك الحج ,وليس على الخارج من مكة وداع بخروجه منها ,وليس الخروج في اقتضاء الوداع كدخول الغرباء مكة في اقتضاء الإحرام).(٢ وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إن نو￯ الإقامة بمكة واتخذها دارا سقط عنه طواف الوداع إن كانت نيته قبل أن يحل النفر الأول; لأن وقت الوداع بعد حل النفر الأول ,وقد جاء وقت الوداع وهو من أهل مكة فلا يلزمه طواف الوداع. ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,١٨٠والقاري ,مرقاة المفاتيح ,ج ,٥ص.٥٧١ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٢٩٩والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٦١ الإقامة بعد ذلك كالمرأة إذا حاضت بعد خروج وقت الصلاة لا تسقط عنها تلك الصلاة. وقال بعضهم إذا نو￯ الإقامة قبل أن يأخذ في طواف الوداع سقط عنه طواف الوداع; لأنه وإن دخل وقته فلا يصير طواف الوداع دينا عليه بدخول وقته ,فنيته الإقامة بعد دخول وقته وقبله سواء كالمرأة إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة لا تلزمها تلك الصلاة. فأما إذا نو￯ الإقامة بعد ما أخذ في طواف الصدر فعليه أن يأتي بذلك الطواف لأن بالشروع فيه لزم إتمامه فلا يسقط بنية الإقامة بعد ذلك ,فإن بدا له الخروج من مكة بعد ما اتخذها دارا لا يلزمه طواف الصدر لأنه بمنزلة المكي يقصد الخروج).(١ واعترض على هذا الرأي بتفصيلاته السابقة بأن من أراد الإقامة بعد دخول وقت الوداع غير مفارق فلا يلزمه وداع كمن نواها قبل حل النفر, وإنما قال النبي لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت وهذا ليس بنافر).(٢ ) (١السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,١٧٩والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٤٢ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٧ جاء النص النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام بجعل الطواف آخر عهد الناسك بالبيت ,لذا نص جمع من أهل العلم على أن من طاف للوداع ثم اشتغل في مكة بتجارة أو إقامة فعليه إعادته ليكون آخر عهده بالبيت).(١ ومن نام بعد طواف الوداع نوم استراحة واستقرار لزمه أن يطوف للوداع مرة أخر￯ ,قال ابن جعفر :من بات بمكة بعدما ودع فعليه دم إلا أن يرجع فيه فيودع).(٢ أما إن غالبه النوم وهو في حال النفر أو في حكمه كمن ينتظر رفقة ولشدة إعيائه نعس ولم يرده لذاته فلا إعادة عليه. ومن الباب السابق ما ذكره صاحب بيان الشرع عن سليمان بن سعيد عن أبي صفرة قال :لو أن رجلا ركب في محمله من باب الصفا ثم نام وهو ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢١٢وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص,٢٣٧ والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٣٧ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٩والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٨٢ وقال صاحب المصنف :من ودع ثم نام بمكة فإن نام بالأبطح قال: كأنهم قالوا إذا تعد￯ الردم فهو أهون ,وما دون الردم فهو أشد لا بيع هناك ولا شراء).(٢ ونص بعض أهل العلم على أن من طاف للوداع وضاع بعض رفقته واستمر يومين يبحث عنه أنه لا يلزم بطواف وداع غير الأول; لأنه أقام بعد الطواف للضرورة ,وليست إقامته متيقنة بل متى وجد ضالته نفر).(٣ وإن اشتغل بأسباب الخروج من شراء الزاد وشد الرحل أو انتظار الرفقة ونحو ذلك فالأكثر من أهل العلم على أنه ليس عليه شيء; لأن المشغول بأسباب الخروج مشغول بالخروج غير مقيم ,ومنهم من قال إن عليه إعادة الوداع ليكون آخر عهده بالبيت) ,(٤والأول من القولين أولى. ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٥٦ ) (٢الكندي ,المصنف ,ج ,٨ص.١٩٤ ) (٣ابن عثيمين ,مجموع الفتاو￯ ,ج ,٢٣ص.٣٦٠ ) (٤ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٧٠والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص,٢١٢ والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٧والنووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٨٦وابن تيمية, مجموع الفتاو￯ ,ج ,٢٦ص.١٤٢ أما جابر وعطاء فقيل إنهما رخصا للمودع أن يشتري الطعام والعلف, ويقضي الشيء الذي يكون عليه وهو نافر على طريقه ,وقال ذلك ابن أبي ميسرة أيضا ,ومن أخذ بذلك لم أر عليه بأسا).(١ ومنهم من رخص في الصلاة يؤديها بالمسجد إن أقيمت فلا يعيد طواف الوداع) ,(٢ويؤيد هذا الرأي الظاهر من فعل النبي إذ إنه صلى الفجر عند البيت بعد أن طاف للوداع قبل الصلاة ,ومما يفيد ذلك حديث هشام بن عروة عن عروة عن أم سلمة > زوج النبي أن رسول االله قال وهو بمكة وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج فقال لها رسول االله : إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ,ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت).(٣ ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٨والكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٥٤ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢١٢والنووي ,روضة الطالبين ,ج ,٣ص.١١٧ ) (٣أخرجه البخاري في كتاب :الحج ,باب :من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد ).(١٥٤٦ فقد طاف للقدوم والإفاضة نهارا ,وعليه لم يكن بد من السابق أن يكون الطواف المذكور هو طواف الوداع. وجاء في بعض روايات الحديث النص على كونه طواف الخروج كما في حديث محمد بن آدم عن عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة قالت :يا رسول االله ,واالله ما طفت طواف الخروج ,فقال النبي :إذا أقيمت الصلاة فطوفي على بعيرك من وراء الناس).(١ وذهب بعض الفقهاء إلى أن من صلى بعد أن ودع فعليه إعادة الطواف) ,(٢ونقل في بيان الشرع أن وائل بن أيوب طاف لوداعه ثم نودي لصلاة العصر فانتظر حتى صلى فقال له أبو المهاجر :أعد طوافك لوداعك, فقال وائل :صلاتي لا تحدث علي وداعا).(٣ وقال بعضهم إن صلاة الفريضة لا تنقض الوداع) ,(٤ونص شيخنا ) (١أخرجه النسائي في كتاب :الحج ,باب :طواف الرجال مع النساء ).(٢٩٢٦ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٤٨ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٤٨ ) (٤الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٤٨ الوداع).(١ قال ابن جعفر: قال أبو صفرة :قال محبوب ~ :إن أبا عبيدة ~ ودع ثم تحول إلى بئر الجمال :يا ميمون فسلم على امرأتين من المسلمين ثم قام يصلي المغرب فقالّ أبا عبيدة حبستني ,قال : َأ َو َما حبسك غيري? قال :لا ,قال :فركب أبو عبيدة من وقته ليجمع في موضع آخر).(٢ ورخص جمع من الفقهاء فيمن قضى حاجة في طريقه أو اشتر￯ زادا أو شيئا لنفسه ولم يوجبوا عليه الإعادة; لأن ذلك ليس بإقامة تخرج عن أن يكون آخر عهده بالبيت).(٣ قال ابن جعفر :وإن احتاج إلى ماء يشرب أو يتوضأ فلم يجد إلا بشراء فيشتري ولا يتمهل ,ويقضي ما كان عليه من دين وهو مار ,ولا بأس أن ) (١شيخنا الخليلي ,الفتاو￯ ,الكتاب الأول ,ص.٣٧٤ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص.٣٦٩ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٨والبهوتي ,كشاف القناع ,ج ,٢ص.٥١٢ وقال بعضهم يبطل كونه وداعا −وإن كان الطواف في نفسه صحيحا− بإقامة بعض يوم بمكة فيطالب بإعادته لا بشغل خف ولو بيعا فلا يبطل أي لا يطلب بإعادته).(٢ وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا طاف للوداع أو طاف تطوعا بعدما حل له النفر أجزاه عن طواف الوداع وإن أقام سنة; لأنه طاف بعدما حل له النفر فلم يلزمه إعادته كما لو نفر عقيبه).(٣ وقال هؤلاء إن من شرع في حقه طواف الوداع ما قدم مكة إلا لأداء النسك فعندما تم فراغه منه جاء أوان الصدر فطوافه بعد ذلك يكون للصدر ,وتأويل الحديث أن آخر نسكه طواف الصدر لا آخر عمله بمكة).(٤ وفي هذا القول نظر لأنه مخالف للحديث ,إذ الرسول آمر بجعل البيت آخر عهد الناسك ,وعلى رأي هؤلاء لا يكون البيت هو آخر العهد ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٩والبسيوي ,الجامع ,ج ,٢ص.٢٨٢ ) (٢الدردير ,الشرح الكبير ,ج ,٢ص.٥٣ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٢٩والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص,١٤٣ والعيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٩٥ ) (٤السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٢٩والكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص.١٤٣ أو كما يقول بعض الفقهاء إنه طواف للصدر والوداع فوجب إذا وجد قبل زمانه وزال عنه اسم موجبه أن لا يجزيه; لأنه لا يكون طواف صدر ولا وداع لوجوده قبل الصدر والوداع).(٢ والاشتغال بغير النفير من أسباب الإقامة موجب على الإنسان الطواف مرة أخر￯ ليتحقق الأمر الشرعي بجعل الطواف آخر العهد بالبيت ,ولكن الأمر السابق تكليفي يلزم الإنسان ما دام قادرا عليه ,أما إن كان خارجا عن نطاق قدرته بأن أكره على الإقامة أو الاشتغال بشيء من أسباب فلا يلزمه أن يطوف بعد القدرة على النفر بل يجزيه الطواف السابق إذ إنه ارتفع عنه قلم التكليف بسبب الإكراه الملجئ الذي لم يستطع له دفعا).(٣ ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٨ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢١٢ ) (٣الإسنوي ,التمهيد ,ص.١٢١ ذهب جمع من الفقهاء إلى أن طواف الوداع نسك واجب لذا نصوا على أن من تركه يلزمه دم لتركه نسكا واجبا) ,(١أما من يقول إنه ليس بواجب بل هو مستحب فلا يوجب الدم على تاركه).(٢ ومن الفقهاء من قال إن إثم الخروج وتحقق الدم يكون بمجاوزة الحرم, أما من لم يجاوز الحرم ورجع وودع فلا شيء عليه).(٣ وقد ذهب جمع من الفقهاء إلى أن من نفر قبل طواف الوداع رجع إن بعد بعث بدم) ,(٤ومن هذا الباب حديثكان قريبا ولم يكن عليه دم ,وإنَُ يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع البيت).(٥ ونص آخرون على أنه إذا خرج قبل الوداع وكان قريبا فعليه الرجوع إذا ) (١ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٧والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢١٣ ) (٢ابن جعفر ,الجامع ,ج ,٣ص ,٣٦٧والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢١٣ ) (٣الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص.٥٢ ) (٤ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٨والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٥١ ) (٥مالك بن أنس ,الموطأ ,ج ,١ص ,٣٧٠ومن طريقه البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج,٥ ص.١٦٢ وإن كان بعيدا وهو مسافة القصر لزمه الدم سواء رجع أو لا).(١ واختلفوا في تفسير القرب والبعد ,منهم من فسر القرب بما دون مسافة القصر ,والبعد بما هو بالغ مسافة القصر لأن من دون مسافة القصر في حكم عد من حاضري المسجد الحرام).(٢الحاضر في أنه لا يقصر ولا يفطر ولذلكَُّ ومنهم من قال القريب من كان في الحرم والبعيد من كان خارج الحرم),(٣ ومنهم من قال إنه يرجع ما لم يصل المواقيت).(٤ واختلفوا في البعيد يرجع فيطوف الوداع فذهب بعض الفقهاء إلى استقرار الدم عليه وعدم سقوطه لأنه قد استقر عليه الدم ببلوغه المكان البعيد فلم يسقط برجوعه كمن تجاوز الميقات فأحرم دونه ثم رجع إليه, وقيل بسقوط الدم لأنه واجب أتى به فلم يجب عليه بدله كالقريب).(٥ ) (١المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٥١ ) (٢الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢١٣وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٨ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٨ ) (٤العيني ,عمدة القاري ,ج ,١٠ص.٩٥ ) (٥الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٢٩٧والرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٧وابن قدامة, المغني ,ج ,٣ص.٢٣٨ مدركا للوداع ولا شيء عليه) ,(١ولكن دخوله مكة لا يكون إلا بإحرام بنسك ,فإذا تحلل وودع وخرج يكفيه الوداع الذي جاء به عن النسك الذي أحدثه وعن الذي أراد أن يتداركه ,وقيل بل يشرع في حقه طوافان أولهما الذي فاته ثم عن النسك الجديد).(٢ ونص بعض هؤلاء أنه لا فرق بين تركه عمدا أو خطأ لعذر أو غيره; لأنه من واجبات الحج فاستو￯ عمده وخطؤه والمعذور وغيره كسائر واجباته).(٣ وقال بعض الفقهاء إن من نفر ولم يطف وجب عليه أن يرجع ويطوف ما لم يجاوز الميقات; لأنه ترك طوافا واجبا وأمكنه أن يأتي به من غير الحاجة إلى تجديد الإحرام فيجب عليه أن يرجع ويأتي به. وإن جاوز الميقات لم يجب عليه الرجوع; لأنه لا يمكنه الرجوع إلا بالتزام عمرة بالتزام إحرامها ثم إذا أراد أن يمضي مضى وعليه دم. ) (١الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص.٢٩٧ ) (٢الجويني ,نهاية المطلب ,ج ,٤ص ,٢٩٧والمرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص.٥١ ) (٣ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٨ ثم بطواف الصدر ,ولا شيء عليه لتأخيره عن مكانه ,وقالوا الأولى أن لا يرجع ويريق دما مكان الطواف; لأن هذا أنفع للفقراء وأيسر عليه لما فيه من دفع مشقة السفر وضرر التزام الإحرام).(١ والحنفية فصلوا في ترك طواف الوداع لأنه إما أن يتركه كله فيجب عليه شاة ,أو أكثره فمثل السابق ,وإن ترك الأقل فعليه صدقة لكل شوط مقدارها نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير).(٢ ومن يقول إن طواف الوداع ليس بواجب لا يوجب الدم على من تركه) ,(٣وإن كان بعضهم يقول إنه مع انتفاء وجوبه إلا أنه مسنون),(٤ والمالكية مع نفيهم الوجوب عن طواف الوداع إلا أنهم يستحبون لمن غادر دون أن يطوف للوداع أن يرجع ما دام قريبا ,ومنهم من يقول يرجع ما لم يخش فوات أصحابه).(٥ ) (١الكاساني ,بدائع الصنائع ,ج ,٢ص ,١٤٣وابن الهمام ,فتح القدير ,ج ,٢ص.٥٠٣ ) (٢ابن الضياء ,البحر العميق ,ج ,٤ص.١٩٢١ ) (٣الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢١٣ ) (٤النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٥ ) (٥القرافي ,الذخيرة ,ج ,٣ص.٢٨٣ يشترط لتوجهه إلى المكلف القدرة عليه ,ومن لم يكن قادرا عليه أو كان قادرا ولكن بمشقة غالبة فإنه لا يكلف به وليس عليه شيء في تركه. قال الإمام الربيع بن حبيب :إذا كانت الحائض والمريض لا يقدران على الوداع إذا زارا البيت فلا بأس عليهما أن لا يودعا).(١ لكن إن استطاع الطواف محمولا فيتعين عليه ذلك كما يفيده حديث أم سلمة المتقدم إذ إنها كانت شاكية فطافت بالبيت راكبة. ثم إن التارك لطواف الوداع مع القدرة عليه وتوجه الخطاب إليه آثم يلزمه الرجوع للإتيان به ,وإن لم يأت به وخرج من مكة استقر الإثم عليه فتلزمه التوبة مما أتى من معصية ,والدم مختلف فيه أيلزمه –كما تقدم,− وأظهر الأقوال أنه غير ملزم بالدم لعدم الدليل. ) (١الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٤٨والقطب ,شرح كتاب النيل ,ج ,٤ص,٢٦٦ والسالمي ,شرح الجامع الصحيح ,ج ,٢ص.٢٧٢ أولا :وقوف المودع في الملتزم وذكر االله عنده الملتزم بضم الميم وفتح الزاي هو منطقة ما بين ركن الحجر الأسود وباب الكعبة المشرفة ,سمي بذلك لأن الناس يلزمونه بالدعاء) ,(١وقد نص بعض أهل العلم أن الملتزم من المواضع التي يستجاب عندها الدعاء) ,(٢ولم أجد لهذا دليلا يكون حجة للمذكور. وذهب بعض أهل العلم إلى مسنونية أن يلتزم الإنسان المنطقة السابقة فيلصق بها صدره ووجهه ويدعو بما فتح االله عليه بعدما يصلي ركعتي الطواف وقبل أن يخرج).(٣ ومنهم من قال يقف بين الباب والحجر ,ويعتمد علىَُُّْ أسكفة الباب واليد اليسر￯ على أستار الكعبة ويلزق بطنه بجدار الكعبة).(٤ ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٩ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٨٩ ) (٣الكندي ,المصنف ,ج ,٨ص ,٣٠والشماخي ,الإيضاح ,ج ,٢ص ,٤٥٢وابن قدامة, المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٩والجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص ,٣٨٦والمرداوي ,الإنصاف, ج ,٤ص ,٥٢والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٣٧ ) (٤ابن وصاف ,شرح الدعائم ,ج ,١ص.٣٥٦ اليمنى إلى الباب واليسر￯ إلى الحجر) ,(١ومنهم من قال يقف بحد الملتزم بين الركن والباب ويدعو).(٢ ولمنع الحائض من دخول المسجد استحب لها بعض الفقهاء أن تقف على باب المسجد الحرام وتدعو) ,(٣قال الشيخ أبو طاهر الجيطالي: وإن بقي عليها طواف الوداع فإنها تقف على باب المسجد وتوادع وتدعو بما أمكنها وتسافر مع أصحابها ولا شيء عليها).(٤ وقد جاءت بعض الآثار المرفوعة فيها مشروعية الالتزام ومنها حديث عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان قال: لما فتح رسول االله مكة قلت لألبسن ثيابي ,وكانت داري على الطريق فلأنظرن كيف يصنع رسول االله فانطلقت فرأيت النبي قد خرج من ) (١الماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص.٢١٢ ) (٢الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص.٤٤٩ ) (٣النووي ,المجموع ,ج ,٨ص ,١٨٥وابن مفلح ,الفروع ,ج ,٣ص.٣٨٥ ) (٤الجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٣٦٧ خدودهم على البيت ورسول االله وسطهم. والحديث أخرجه أبو داود) ,(١ولكنه لا يثبت ففي السند يزيد بن أبي زياد وهو غير حجة في الرواية كما ذكرناه من قبل ,لذا نص بعض أهل العلم على ضعفه) ,(٢ثم إنه لو قيل بثبوته جدلا فمنطقة الالتزام كانت من الباب إلى الحطيم وذلك خلاف ما يقرره كثير من الفقهاء من أن الملتزم هو ما بين الباب والحجر. ثم إن هذه الرواية لو سلم جدلا بصحتها ليست في طواف الوداع على ما يظهر إذ إنها كانت يوم فتح مكة ,وما حفظ عنه يومها أنه طاف للوداع وقد تقدم. ومما جاء في إثبات حجية الالتزام المذكور حديث المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال :طفت مع عبد االله فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ? قال :نعوذ باالله من النار ,ثم مضى حتى استلم الحجر وأقام بين ) (١أخرجه أبو داود في كتاب :المناسك ,باب :الملتزم ).(١٨٩٩ ) (٢النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٩٠ ثم قال :هكذا رأيت رسول االله يفعله. والحديث أخرجه أبو داود) ,(١وهو ضعيف لا يثبت وعلته المثنى بن الصباح فقد قال أحمد عنه :لا يساوي حديثه شيئا مضطرب الحديث ,وقال أبو حاتم وأبو زررعة :لين الحديث ,وقال ابن معين والدارقطني :ضعيف, وقال أبو حاتم :يروي عن عطاء ما لم يرو عنه أحد وهو ضعيف) ,(٢وقال يحيى بن سعيد القطان :كان منه اختلاط في عقله) ,(٣ولأجله ضعف الحديث بعض أهل العلم).(٤ ورو￯ البيهقي عن سليمان بن بلال عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي الزبير عن عبد االله بن عباس أنه كان يلزم ما بين الركن والباب ,وكان يقول: ما بين الركن والباب يدعى الملتزم لا يلزم ما بينهما أحد يسأل االله شيئا إلا أعطاه إياه).(٥ ) (١أخرجه أبو داود في كتاب :المناسك ,باب :الملتزم ).(١٩٠٠ ) (٢ابن أبي حاتم ,الجرح والتعديل ,ج ,٨ص.٣٢٤ ) (٣البخاري ,الضعفاء الصغير ,ص.١١٢ ) (٤النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٩٠ ) (٥البيهقي ,السنن الكبر￯ ,ج ,٥ص.١٦٤ الضعيفة في فضائل الأعمال مما اتفق العلماء على القول به).(١ وقال منصور :سألت مجاهدا إذا أردت الوداع كيف أصنع? قال :تطوف بالبيت سبعا وتصلي ركعتين خلف المقام ثم تأتي زمزم فتشرب من مائها ثم تأتي الملتزم ما بين الحجر والباب فتستلمه ثم تدعو ثم تسأل حاجتك ثم تستلم الحجر وتنصرف).(٢ والناظر إلى الأدلة السابقة التي فيها الالتزام يتبين له أنها مع ضعفها المقصي لها عن رتبة الاحتجاج ليست في طواف الوداع بل ظاهرها أنها في يوم فتح مكة ,ويرشح من كلام الإمام مالك أنه كان يكره الالتزام السابق فقد جاء في الموازية: قلت لمالك :أفتر￯ هذا الطواف الذي يودع به أهو الالتزام? قال :بل الطواف ,وإنما قال فيه عمر آخر النسك الطواف بالبيت ,قيل لمالك :فالذي يلتزم أتر￯ له أن يتعلق بأستار الكعبة عند الوداع? قال :لا ,ولكن يقف ) (١النووي ,المجموع ,ج ,٨ص.١٩٠ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٩ واستحب بعض أهل العلم) (٢له أن يقول: اللهم هذا بيتك ,وأنا عبدك وابن عبدك ,حملتني على ما سخرت لي من خلقك ,وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك ,وأعنتني على أداء نسكي ,فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا ,وإلا فمن الآن قبل أن تنأ￯ عن بيتك داري. فهذا أوان انصرافي أن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك ,اللهم فأصحبني العافية في بدني ,والصحة في جسمي, والعصمة في ديني ,وأحسن منقلبي ,وارزقني طاعتك أبدا ما أبقيتني ,واجمع لي بين خيري الدينا والآخرة إنك على كل شيء قدير. وعن طاوس قال :رأيت أعرابيا أتى الملتزم فتعلق بأستار الكعبة فقال: بك أعوذ وبك ألوذ ,اللهم فاجعل لي في اللهف إلى جودك والرضا بضمانك ) (١نقل النص عن الموازية ابن عبد الهادي ,الصارم المنكي ,ص.٣٧٠ ) (٢الكندي ,بيان الشرع ,ج ,٢٣ص ,٤٣والماوردي ,الحاوي الكبير ,ج ,٤ص ,٢١٢وابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص ,٢٣٩والعبدري ,التاج والإكليل ,ج ,٣ص.١٣٧ القريب ومعروفك القديم وعادتك الحسنة. ثم أضلني في الناس فلقيته بعرفات قائما وهو يقول :اللهم إن كنت لم تقبل حجتي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته فلا أعلم أعظم مصيبة ممن ورد حوضك وانصرفت محروما من وجه رغبتك. وقال آخر :يا خير موفود إليه قد ضعفت قوتي ,وذهبت منتي ,وأتيت إليك بذنوب لا تغسلها البحار أستجير برضاك من سخطك ,وبعفوك من عقوبتك ,رب ارحم من شملته الخطايا وغمرته الذنوب وظهرت منه العيوب ,ارحم أسير ضر وطريد فقر أسألك أن تهب لي عظيم جرمي يا مستزادا من نعمه ,ومستعاذا من نقمه ارحم صوت حزين دعاك بزفير وشهيق. اللهم إن كنت بسطت إليك يدي داعيا فطالما كفيتني ساهيا فبنعمتك التي تظاهرت علي عند الغفلة لا أيأس منها عند التوبة فلا تقطع رجائي منك لما قدمت من اقتراف وهي لي الإصلاح في الولد والأمن في البلد والعافية في الجسد إنك سميع مجيب. عني ,وقد أوجبت لكل ضيف قر￯ وأنا ضيفك الليلة فاجعل قراي الجنة. اللهم إني سائلك عند بابك من ذهبت أيامه وبقيت آثامه وانقطعت شهوته وبقيت تبعته فارض عنه وإن لم ترض عنه فاعف عنه فقد يعفو السيد عن عبده وهو عنه غير راض).(١ ومن الفقهاء من استحب أن يأتي الحطيم فيدعو ,ثم يشرب من ماء زمزم ويستلم الحجر الأسود) ,(٢ومنهم من قال يستحب له أن يأتي الباب ويقبل العتبة).(٣ ومن الفقهاء من قال إذا فرغ من طواف الوداع المتبوع بركعتيه استحب له أن يدخل البيت ما لم يؤذ أو يتأذ بزحام أو غيره وأن يكون حافيا وأن لا ينظر إلى أرضه ولا يرفع بصره إلى سقفه تعظيما الله تعالى وحياء منه وأن يصلي فيه ولو ركعتين).(٤ ) (١ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٩ ) (٢المرداوي ,الإنصاف ,ج ,٤ص ,٥٢والبهوتي ,الروض المربع ,ج ,١ص.٥٢١ ) (٣السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص.٢٤ ) (٤الشربيني ,مغني المحتاج ,ج ,١ص.٥١٠ باب المسجد فيخر ساجدا ويطيل السجود ويسبح االله تعالى ويدعو بما بدا له ثم يقوم خارجا من المسجد متوجها إلى أهله) ,(١ولا أعلم لهذا دليلا وتركه هو الأولى. ثانيا :أن لا يقف بعد الدعاء ولا يلتفت ذهب إلى السابق بعض أهل العلم ,واستحبوا لمن التفت أن يعيد الوداع) ,(٢ومنهم من قال يستحب له أن يتبع نظره البيت ما أمكنه) ,(٣ومنهم من قال يخرج وبصره إلى البيت ليكون آخر عهده بالبيت ,وقيل يلتفت إليه في انصرافه كالمتحزن على مفارقته ,ومنهم من نص على أنه يمشي القهقر￯, ومنهم من قال :ينصرف وهو يمشي وراءه ووجهه إلى البيت متباكيا متحسرا على فوات البيت حتى يخرج من المسجد).(٤ وليس في هذا المذكور سنة ترو￯ بل هو أقرب إلى الابتداع إذ ليس له ) (١الجيطالي ,مناسك الحج ,ج ,٢ص.٣٨٨ ) (٢ابن قدامة ,المغني ,ج ,٣ص.٢٣٩ ) (٣الرافعي ,العزيز ,ج ,٣ص ,٤٤٩والنووي ,روضة الطالبين ,ج ,٣ص.١١٨ ) (٤السرخسي ,المبسوط ,ج ,٤ص ,٢٤والجيطالي ,قناطر الخيرات ,ج ,٢ص ,٨٥والهيتمي, الحاشية على الإيضاح ,ص.٤٤٦ وقال العلامة ابن النضر ~: إسبالابالبكا عينيكماءوابك عند الوداع منك وأسبل واسقه منك واكفا وسحالاسحا وعلى البيت فاسكب الدمعَّ ابتهالاإليكآيبتائبفإذا ما نفرت قلت إلهي ناصرا رب لا تكن خذالافقني السيئات منك وكن لي )(٢ ذكرك االله منك حالا فحالاثم أكثر من ذكرك االله يصلح ) (١الهيتمي ,الحاشية على الإيضاح ,ص.٤٤٦ ) (٢ابن وصاف ,شرح الدعائم ,ج ,١ص.٣٥٦ بعد رحلة ماتعة مضمخة بصنوف من العناء والمشقة زادتها حلاوة ونضارة بين أفانين المعارف وطيبات العوارف آن لنا أن نلقي عصى الترحال مدنين جنى تلك الرحلة حتى بدا على طرف الثمام قربا ويسرا وكالشمس في رائعة النهار وضوحا. وهذا ما كان ولم يكن لولا فضل من االله تعالى وحده وتوفيق ,فأسألك ربي كما وفقت لختامه أن تنعم على عبدك الضعيف بقبوله فقد تقرب به إليك, والتوفيق ما كان إلا منك وحدك ولم يرد به عبدك الضعيف أحداّإلاك ,كما أسألك ربي أن تنفع به كل من قرأه. (١إبراهيم بن عمر بيوض )ت١٤٠١هـ١٩٨١/م( ,فتاو￯ الإمام الشيخ بيوض ,ترتيب وتقديم بكير محمد الشيخ بالحاج ,الطبعة الثانية١٤١١ ,هـ١٩٩٠/م ,مكتبة أبي الشعثاء ,السيب ,سلطنة عمان. (٢أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني )ت ٥٨٧هـ١١٩١/م( ,بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ,الطبعة الثانية١٤٠٢ ,هـ١٩٨٢/م ,دار الكتاب العربي ,بيروت ,لبنان. (٣أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن القرافي )ت٦٨٤هـ١٢٨٥/م(, الذخيرة ,تحقيق محمد حجي١٤١٤ ,هـ١٩٩٤/م ,دار الغرب الإسلامي ,بيروت ,لبنان. (٤أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي ,السنن الكبر￯ ,تحقيق محمد عبد القادر عطا١٤١٤ ,هـ١٩٩٤/م ,دار الكتب العلمية, بيروت. (٥ــــ ,معرفة السنن والآثار ,تحقيق سيد كسروي حسن ,دار الكتب العلمية ,بيروت. التنزيل ,الطبعة الأولى ,مكتبة الاستقامة ,سلطنة عمان. (٧أحمد بن حمزة الرملي ,نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج١٤٠٤ ,هـ ١٩٨٤م ,دار الفكر للطباعة ,بيروت. (٨أحمد بن حنبل الشيباني ,المسند , ,مؤسسة قرطبة ,مصر. (٩ــــ ,العلل ومعرفة الرجال ,تحقيق وصي االله بن محمد عباس ,الطبعة الأولى١٤٠٨ ,هـ١٩٨٨/م ,المكتب الإسلامي ,بيروت. (١٠أحمد بن سعيد بن خلفان الخليلي ,الطلع النضيد ,تحقيق محمد بن سالم بن خميس المقبالي ,الطبعة الأولى١٤٢٧ ,هـ٢٠٠٦/م ,مكتبة الجيل الواعد ,سلطنة عمان ,مسقط. (١١أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي ,السنن الكبر￯ ,تحقيق د.عبد الغفار سليمان البنداري ,الطبعة الأولى١٤١١ ,هـ١٩٩١/م, دار الكتب العلمية ,بيروت. (١٢ــــ ,المجتبى من السنن ,تحقيق عبد الفتاح أبو غدة ,الطبعة الثانية, ١٤٠٦هـ ١٩٨٦/م ,مكتب المطبوعات الإسلامية ,حلب. (١٣ــــ ,الضعفاء والمتروكين ,تحقيق محمود إبراهيم زايد ,الطبعة (١٤أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ,شرح العمدة في الفقه ,تحقيق د .سعود صالح العطيشان ,الطبعة الأولى١٤١٣ ,هـ ,مكتبة العبيكان ,الرياض. (١٥ــــ ,كتب ورسائل وفتاو￯ ابن تيمية ,جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي ,الطبعة الثانية ,مكتبة ابن تيمية. (١٦أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين أبي زرعة العراقي ,تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل ,تحقيق عبد االله نوارة١٩٩٩ ,م ,مكتبة الرشد, الرياض. (١٧أحمد بن علي الرازي الجصاص ,أحكام القرآن ,تحقيق محمد الصادق قمحاوي١٤٠٥ ,هـ ,دار إحياء التراث العربي ,بيروت. (١٨أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي ,مسند أبي يعلى, تحقيق حسين سليم أسد ,الطبعة الأولى١٤٠٤ ,هـ١٩٨٤/م ,دار المأمون للتراث ,دمشق. (١٩أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني ,فتح الباري شرح صحيح البخاري ,تحقيق محب الدين الخطيب ,دار المعرفة ,بيروت. السيد عبداالله هاشم اليماني المدني١٣٨٤ ,هـ١٩٦٤/م ,المدينة المنورة. (٢١ــــ ,تهذيب التهذيب ,الطبعة الأولى١٤٠٤,هـ١٩٨٤/م ,دار الفكر بيروت. (٢٢ــــ ,طبقات المدلسين ,تحقيق د .عاصم بن عبداالله القريوتي, الطبعة الأولى ,مكتبة المنار عمان ١٤٠٣هـ١٩٨٣/م. (٢٣أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ,البحر الزخار ,تحقيق د. محفوظ الرحمن زين االله ,الطبعة الأولى١٤٠٩ ,هـ ,مؤسسة علوم القرآن ,بيروت ,ومكتبة العلوم والحكم ,المدينة. (٢٤أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ,شرح مشكل الآثار ,تحقيق شعيب الأرنؤوط ,الطبعة الأولى١٤٠٨ ,هـ١٩٨٧/م ,مؤسسة الرسالة ,بيروت. (٢٥ــــ ,شرح معاني الآثار ,تحقيق محمد زهري النجار ,الطبعة الأولى١٣٩٩ ,هـ ,دار الكتب العلمية ,بيروت. القراءات الأربعة عشر ,تحقيق أنس مهرة ,الطبعة الأولى, ١٤١٩هـ١٩٩٨م ,دار الكتب العلمية ,بيروت. (٢٧أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي )ت ٧٧٠هـ١٣٦٩/م(, المصباح المنير ,د ط ت ,المكتبة العلمية ,بيروت ,لبنان. (٢٨أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي ,السبعة في القراآت, تحقيق شوقي ضيف ,الطبعة الثانية١٤٠٠ ,هـ ,دار المعارف بمصر. (٢٩إسماعيل بن موسى الجيطالي )ت٧٥٠هـ١٣٤٩/م( ,قواعد الإسلام ,صححه وعلق عليه بكلي عبد الرحمن عمر ,الطبعة الثانية, ١٤١٣هـ١٩٩٢/م ,مكتبة الاستقامة ,سلطنة عمان. (٣٠ـــــ ,مناسك الحج ,تحقيق فايز بن ناصر بن سعيد الرزيقي وآخرين ,رسالة تخرج من معهد العلوم الشرعية بسلطنة عمان ,غير منشور. (٣١خلفان بن جميل السيابي )ت ١٣٩٢هـ١٩٧٢/م( ,فصول الأصول ,تحقيق د .سليم بن سعيد آل ثاني ,الطبعة الثانية, ١٤٢٦هـ٢٠٠٥/م ,مطابع مؤسسة عمان للصحافة والأنباء والنشر (٣٢ــــ ,سلك الدرر الحاوي غرر الأثر ,الطبعة الثانية, ١٤٠٩هـ١٩٨٨/م ,وزارة التراث القومي والثقافة ,سلطنة عمان. (٣٣خليل أحمد السهارنفوري )ت١٣٤٦هـ( ,بذل المجهود في حل أبي داود ,تعليق العلامة محمد زكريا الكاندهلوي ,الطبعة الأولى, ١٤٠٨هـ١٩٨٨/م ,دار الريان ,القاهرة. (٣٤الخليل بن أحمد الفراهيدي )١٧٥هـ٧٩١/م( ,العين ,تحقيق د. مهدي المخزومي ,و د .إبراهيم السامرائي ,د ط ت ,دار ومكتبة الهلال ,بيروت ,لبنان. الشقصيمسعودبنعليبنسعيدبن (٣٥خميس )حي١٠٧٠هـ١٦٦٠/م( ,منهج الطالبين وبلاغ الراغبين ,تحقيق سالم بن حمد بن سليمان الحارثي ,وزارة التراث القومي والثقافة, سلطنة عمان. (٣٦الربيع بن حبيب الفراهيدي البصري ,الجامع الصحيح ,تحقيق محمد إدريس وعاشور بن يوسف ,الطبعة الأولى١٤١٥ ,هـ ,دار الحكمة ,بيروت ,ومكتبة الاستقامة سلطنة عمان. الطبعة الثانية ,دار المعرفة ,بيروت. (٣٨سعيد بن خلف الخروصي ,من جوابات الإمام جابر بن زيد, الطبعة الثانية١٤١٢ ,هـ١٩٩٢/م ,وزارة التراث القومي والثقافة, سلطنة عمان. (٣٩سعيد بن خلفان الخليلي الإمام المحقق الخليلي ,تمهيد قواعد الإيمان وتقييد شوارد مسائل الأحكام والأديان ,طبعة وزارة التراث والثقافة بسلطنة عمان. (٤٠شيخنا سعيد بن مبروك بن حمود القنوبي ,الرأي المعتبر في حكم صلاة السفر ,الطبعة الثالثة١٤١٩ ,هـ. (٤١ــــ ,السيف الحاد في الرد على من أخذ بحديث الآحاد ,الطبعة الثالثة. (٤٢سليمان بن أحمد الطبراني ,المعجم الأوسط ,تحقيق طارق بن عوض االله بن محمد وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني ,دار الحرمين, القاهرة١٤١٥ ,هـ. (٤٣ــــ ,المعجم الكبير ,تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي ,الطبعة (٤٤سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي ,سنن أبي داود, تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ,دار الفكر. (٤٥سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي ,حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب )التجريد لنفع العبيد( ,المكتبة الإسلامية ,ديار بكر, تركيا. (٤٦سيدي أحمد الدردير أبو البركات ,الشرح الكبير ,دار الفكر, بيروت. (٤٧ظفر أحمد العثماني التهانوي ,إعلاء السنن ,الطبعة الأولى, ١٤٢١هـ٢٠٠١/م ,دار الفكر ,بيروت ,لبنان. (٤٨عامر بن علي الشماخي )ت٧٩٢هـ( ,الإيضاح ,الطبعة الخامسة, مكتبة مسقط ,سلطنة عمان١٤٢٥ ,هـ٢٠٠٤/م. (٤٩عبد الحي بن عبد الحليم اللكنوي ,التعليق الممجد على موطأ محمد, تحقيق د .تقي الدين الندوي ,الطبعة الأولى١٤١٢ ,هـ١٩٩٢/م ,دار السنة والسيرة ,بومباي ,الهند ,ودار القلم ,دمشق ,سوريا. (٥٠عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي التميمي ,الجرح العربي بيروت. (٥١عبد الرحيم بن الحسين وابنه أبو زرعة العراقيان ,طرح التثريب في شرح التقريب ,تحقيق عبد القادر محمد علي ,الطبعة الأولى٢٠٠٠ ,م, دار الكتب العلمية ,بيروت. (٥٢عبد الرزاق بن همام الصنعاني )ت ٢١١هـ٨٢٦/م( ,المصنف, تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ,الطبعة الثانية١٤٠٣ ,هـ١٩٨٣/م, المكتب الإسلامي ,بيروت ,لبنان. (٥٣عبد العزيز بن الحاج بن إبراهيم الثميني )ت١٢٢٣هـ١٨٠٨/م(, التاج المنظوم من درر المنهاج المعلوم ,تحقيق محمد بن موسى بابا عمي ومصطفى بن محمد شريفي ,الطبعة الأولى١٤٢١ ,هـ٢٠٠٠/م. (٥٤عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني )ت٧٦٧هـ(, هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك ,تحقيق صالح بن ناصر بن صالح الخزيم ,الطبعة الأولى١٤٢٢ ,هـ ,دار ابن الجوزي, الدمام ,السعودية. شرح الوجيز ,تحقيق علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود, الطبعة الأولى١٤١٧ ,هـ١٩٩٧/م ,دار الكتب العلمية ,بيروت, لبنان. (٥٦ـــ ,شرح مسند الشافعي ,تحقيق وائل محمد زهران ,الطبعة الأولى, ١٤٢٨هـ٢٠٠٧/م ,وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ,قطر. (٥٧عبد االله بن أحمد بن قدامة المقدسي ,المغني ,الطبعة الأولى, ١٤٠٥هـ ,دار الفكر ,بيروت. (٥٨عبد االله بن علي بن الجارود ,المنتقى من السنن المسندة ,تحقيق عبداالله عمر البارودي ,الطبعة الأولى١٤٠٨ ,هـ١٩٨٨/م ,مؤسسة الكتاب الثقافية ,بيروت. (٥٩عبد االله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي ,الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ,تحقيق كمال يوسف الحوت ,الطبعة الأولى, ١٤٠٩هـ ,مكتبة الرشد ,الرياض. المطلب في دراية المذهب ,تحقيق أ.د عبد العظيم محمود الديب ,الطبعة الأولى١٤٢٨ ,هـ٢٠٠٧/م ,دار المنهاج ,جدة ,السعودية. (٦١ــــ ,البرهان في أصول الفقه ,تحقيق د .عبد العظيم محمود الديب, الطبعة الرابعة١٤١٨ ,هـ ,الوفاء المنصورة ,مصر. (٦٢عبد االله بن حميد السالمي )١٣٣٢هـ١٩١٤/م( ,شرح الجامع الصحيح ,دون معلومات الطباعة. (٦٣ـــــ ,طلعة الشمس على الألفية١٤٠١ ,هـ١٩٨١/م ,وزارة التراث القومي والثقافة ,سلطنة عمان. (٦٤ــــ ,معارج الآمال على مدارج الكمال١٤٠٤ ,هـ١٩٨٤/م ,وزارة التراث القومي والثقافة ,سلطنة عمان. (٦٥ــــ ,مدارج الكمال نظم مختصر الخصال ,الطبعة الثانية, ١٤٢٣هـ٢٠٠٣/م ,مكتبة الضامري ,سلطنة عمان ,السيب. (٦٦عبداالله بن عبدالرحمن أبو محمد الدارمي ,سنن الدارمي ,تحقيق فواز أحمد زمرلي وخالد السبع العلمي ,الطبعة الأولى١٤٠٧ ,هـ, دار الكتاب العربي ,بيروت. في ضعفاء الرجال ,تحقيق يحيى مختار غزاوي ,الطبعة الثالثة, ١٤٠٩هـ١٩٨٨/م ,دار الفكر ,بيروت. (٦٨عبد االله بن يوسف أبو محمد الحنفي الزيلعي ,نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية ,تحقيق محمد يوسف البنوري١٣٥٧ ,هـ ,دار الحديث ,مصر. (٦٩عبدالوهاب بن علي بن نصر البغدادي )ت٤٢٢هـ( ,الإشراف على نكت مسائل الخلاف ,تحقيق الحبيب بن طاهر ,الطبعة الأولى, ١٤٢٠هـ١٩٩٩/م ,دار ابن حزم ,بيروت. (٧٠عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمرو الداني ,التيسير في القراءات السبع ,تحقيق :اوتو تريزل ,الطبعة الثانية١٤٠٤ ,هـ/ ١٩٨٤م ,دار الكتاب العربي ,بيروت. (٧١علي بن أبي بكر الهيثمي ,مجمع الزوائد ومنبع الفوائد١٤٠٧ ,هـ, دار الريان للتراث ,القاهرة ,ودار الكتاب العربي ,بيروت. (٧٢علي بن أحمد بن حزم الأندلسي )ت ٤٥٦هـ١٠٦٤/م( ,المحلى ,د ط ت ,دار الآفاق الجديدة ,بيروت ,لبنان. ١٩٩٨م ,بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع ,الرياض. (٧٤علي بن سليمان المرداوي ,الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف, تحقيق محمد حامد الفقي ,دار إحياء التراث العربي ,بيروت. (٧٥علي بن عبد الكافي السبكي وابنه عبد الوهاب ,الإبهاج في شرح المنهاج ,تحقيق جماعة من العلماء ,الطبعة الأولى١٤٠٤ ,هـ ,دار الكتب العلمية بيروت. (٧٦علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن الدارقطني البغدادي, العلل الواردة في الأحاديث النبوية ,تحقيق د .محفوظ الرحمن زين االله السلفي ,الطبعة الأولى١٤٠٥ ,هـ١٩٨٥/م ,دار طيبة ,الرياض. (٧٧علي بن محمد الآمدي ,الإحكام في أصول الأحكام ,تحقيق د .سيد الجميلي ,الطبعة الأولى١٤٠٤ ,هـ ,دار الكتاب العربي ,بيروت. (٧٨علي بن محمد بن حبيب الماوردي ,الحاوي الكبير ,تحقيق علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود١٤١٩ ,هـ١٩٩٩/م ,دار الكتب العلمية ,بيروت. الحسن البسيوي١٤٠٤ ,هـ١٩٨٤/م ,وزارة التراث القومي والثقافة ,سلطنة عمان. (٨٠عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشهير بابن الملقن )ت٨٠٤هـ(, الإعلام بفوائد عمدة الأحكام ,تحقيق عبد العزيز بن محمد بن أحمد المشيقح ,الطبعة الأولى١٤٢١ ,هـ٢٠٠٠/م ,دار العاصمة, الرياض ,السعودية. (٨١ــــ ,البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير ,تحقيق مجدي بن السيد بن أمين وآخرين ,الطبعة الأولى, ١٤٢٥هـ٢٠٠٤/م ,دار الهجرة للنشر والتوزيع ,الرياض, السعودية. (٨٢ــــ ,التوضيح لشرح الجامع الصحيح ,تحقيق دار الفلاح للبحث العلمي ,الطبعة الأولى١٤٢٩ ,هـ٢٠٠٨/م ,وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ,قطر. (٨٣ــــ ,خلاصة البدر المنير في تخريج كتاب الشرح الكبير للرافعي, تحقيق حمدي عبد المجيد إسماعيل السلفي ,الطبعة الأولى١٤١٠ ,هـ, (٨٤مالك بن أنس أبو عبد االله الأصبحي)ت ١٧٩هـ٧٩٥ /م(, الموطأ ,تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي. (٨٥ــــ ,المدونة الكبر￯ ,د ط ت ,دار صادر ,بيروت ,لبنان. (٨٦محمد الحبيب بن الخوجة ,محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة الإسلامية١٤٢٥ ,هـ٢٠٠٤/م ,طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر. (٨٧محمد الطاهر بن عاشور )ت ١٣٩٣هـ١٩٧٣/م( ,التحرير والتنوير ,د ط ت ,الدار التونسية للنشر ,تونس. (٨٨محمد بن إبراهيم الكندي )ت٥٠٨هـ١١١٥/م( ,بيان الشرع, ١٤٠٨هـ١٩٨٨/م ,وزارة التراث القومي والثقافة ,سلطنة عمان. (٨٩محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري ,الإجماع ,تحقيق د .فؤاد عبد المنعم أحمد ,الطبعة الثالثة١٤٠٢ ,هـ ,دار الدعوة ,الإسكندرية. (٩٠محمد بن إسماعيل أبو عبداالله البخاري الجعفي ,التاريخ الصغير, تحقيق محمود إبراهيم زايد ,الطبعة الأولى١٣٩٧ ,هـ١٩٧٧ /م ,دار الوعي ,حلب ,ومكتبة دار التراث ,القاهرة. (٩٢ــــ ,الجامع الصحيح ,تحقيق د .مصطفى ديب البغا ,الطبعة الثالثة ١٤٠٧هـ١٩٨٧/م ,دار ابن كثير ,اليمامة ,بيروت. (٩٣محمد بن أحمد الأزهري ,معجم تهذيب اللغة ,الطبعة الأولى ,دار إحياء التراث العربي ,بيروت. (٩٤محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ,الجامع لأحكام القرآن ,دار الشعب ,القاهرة. (٩٥محمد بن أحمد الذهبي ,ميزان الاعتدال في نقد الرجال ,تحقيق الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبدالموجود ,الطبعة الأولى١٩٩٥ ,م ,دار الكتب العلمية ,بيروت. (٩٦محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي )ت ٤٩٠هـ١٠٩٧/م(, أصول السرخسي ,د ط ت ,دار المعرفة ,بيروت ,لبنان. (٩٧محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي )ت ٤٩٠هـ١٠٩٧/م(, المبسوط ,د ط ت ,دار المعرفة ,بيروت ,لبنان. البلد الحرام ,تحقيق عادل عبد الحميد العدوي وآخرين ,الطبعة الأولى١٤١٧ ,هـ١٩٩٦/م ,مكتبة نزار مصطفى الباز ,مكة المكرمة. (٩٩محمد بن أحمد بن محمد المكي الحنفي )ت٨٥٤هـ( ,البحر العميق في مناسك المعتمر والحاج إلى البيت العتيق ,تحقيق د .عبداالله نذير أحمد ,الطبعة الأولى١٤٢٧ ,هـ٢٠٠٦/م ,المكتبة المكية ,مكة المكرمة. (١٠٠محمد بن إدريس الشافعي ,الأم ,الطبعة الثانية١٣٩٣ ,هـ ,دار المعرفة ,بيروت. (١٠١محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي ,أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه ,تحقيق د .عبد الملك بن عبد االله بن دهيش ,الطبعة الثانية, ١٤١٤هـ ,دار خضر ,بيروت. (١٠٢محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري ,صحيح ابن خزيمة ,تحقيق د .محمد مصطفى الأعظمي١٣٩٠ ,هـ١٩٧٠/م, المكتب الإسلامي ,بيروت. المنعم إبراهيم ,الطبعة الأولى١٤٢١ ,هـ٢٠٠٠/م ,مكتبة نزار مصطفى الباز ,مكة المكرمة. (١٠٤محمد بن جرير بن يزيد الطبري ,تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول االله من الأخبار ,تحقيق محمود محمد شاكر ,مطبعة المدني, القاهرة. (١٠٥محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري ,جامع البيان عن تأويل آي القرآن١٤٠٥ ,هـ دار الفكر ,بيروت. (١٠٦محمد بن جعفر الإزكوي )حي ٢٨٠هـ٨٩٣/م( ,الجامع ,تحقيق عبد المنعم عامر ,طبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه ,وزارة التراث القومي والثقافة ,سلطنة عمان. (١٠٧محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي ,الثقات ,تحقيق السيد شرف الدين أحمد ,الطبعة الأولى١٣٩٥ ,هـ١٩٧٥/م ,دار الفكر. (١٠٨ــــ ,صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ,تحقيق شعيب الأرنؤوط ,الطبعة الثانية١٤١٤ ,هـ١٩٩٣ /م ,مؤسسة الرسالة, (١٠٩ــــ ,المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ,تحقيق محمود إبراهيم زايد ,الطبعة الأولى١٣٩٦ ,هـ ,دار الوعي ,حلب. (١١٠محمد بن صالح العثيمين ,مجموع الفتاو￯ والرسائل ,جمع وترتيب فهد بن ناصر السليمان ,الطبعة الأولى١٤٢٤ ,هـ٢٠٠٤/م ,دار الثريا للنشر والتوزيع ,الرياض. (١١١محمد بن عبد الرحمن السخاوي ,فتح المغيث شرح ألفية الحديث, الطبعة الأولى١٤٠٣ ,هـ ,دار الكتب العلمية ,بيروت. (١١٢محمد بن عبد الرحمن المغربي أبو عبد االله ,مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ,الطبعة الثانية١٣٩٨ ,هـ ,دار الفكر ,بيروت. (١١٣محمد بن عبد االله ابن العربي)ت٥٤٣هـ( ,أحكام القرآن ,تحقيق محمد عبد القادر عطا ,دار الفكر للطباعة والنشر ,لبنان. (١١٤ــــ ,عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ,ضبط صدقي جميل العطار١٤١٥ ,هـ١٩٩٥/م ,دار الفكر ,بيروت. (١١٥محمد بن عبد االله بن أحمد الأزرقي ,أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ,تحقيق رشدي الصالح ملحس١٤١٦ ,هـ١٩٩٦/م ,دار (١١٦محمد بن عبد الواحد السيواسي الشهير بابن الهمام الحنفي )ت٨٦١هـ١٤٥٧/م( فتح القدير للعاجز الفقير ,الطبعة الثانية ,دار الفكر ,بيروت. (١١٧محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي المقدسي ,الأحاديث المختارة, تحقيق عبد الملك بن عبد االله بن دهيش ,الطبعة الأولى ,مكتبة النهضة الحديثة ,مكة المكرمة١٤١٠هـ. (١١٨محمد بن عبداالله أبو عبداالله الحاكم النيسابوري ,المستدرك على الصحيحين ,تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ,الطبعة الأولى , ١٤١١هـ١٩٩٠/م ,دار الكتب العلمية ,بيروت. (١١٩محمد بن علي الشوكاني ,وبل الغمام على شفاء الأوام ,تحقيق محمد صبحي حسن ,الطبعة الأولى١٤١٦ ,هـ ,مكتبة ابن تيمية ,القاهرة, مصر. (١٢٠ــــ ,السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ,تحقيق محمود إبراهيم زايد ,الطبعة الأولى١٤٠٥ ,هـ ,دار الكتب العلمية بيروت. (١٢١ــــ ,نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار١٩٧٣ ,م ,دار الجيل, (١٢٢محمد بن عمر بن موسى العقيلي ,الضعفاء الكبير ,تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي ,الطبعة الأولى١٤٠٤ ,هـ ١٩٨٤م ,دار المكتبة العلمية ,بيروت. (١٢٣محمد بن عيسى بن سورة الترمذي السلمي ,سنن الترمذي ,تحقيق أحمد محمد شاكر ,دار إحياء التراث العربي ,بيروت. (١٢٤محمد بن محمد الغزالي ,المستصفى في علم الأصول , ,تحقيق محمد عبد السلام عبد الشافي ,الطبعة الأولى١٤١٣ ,هـ ,دار الكتب العلمية ,بيروت. (١٢٥محمد بن محمد بن حسن الشهير بابن أمير الحاج الحلبي )ت٨٧٩هـ١٤٧٤/م( ,التقرير والتحبير على التحرير في أصول الفقه ,تحقيق عبد االله محمود محمد عمر ,الطبعة الأولى, ١٤١٩هـ١٩٩٩/م ,دار الكتب العلمية ,بيروت ,لبنان. (١٢٦محمد بن محمد أمين بن عمر عابدين ,رد المحتار على الدر المختار, ١٤٢١هـ٢٠٠٠/م ,دار الفكر للطباعة والنشر ,بيروت. (١٢٧محمد بن محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى دار الهداية. (١٢٨محمد بن محمد بن محمد الغزالي ,الوسيط في المذهب ,تحقيق أحمد محمود إبراهيم ومحمد محمد تامر مشهور ,الطبعة الأولى١٤١٧ ,هـ, دار السلام القاهرة. (١٢٩محمد بن مفلح المقدسي ,الفروع ,تحقيق أبي الزهراء حازم القاضي, الطبعة الأولى١٤١٨ ,هـ ,دار الكتب العلمية ,بيروت. (١٣٠محمد بن مكرم بن منظور )ت ٧١١هـ١٣١١/هـ( ,لسان العرب, الطبعة الأولى ,دار صادر ,بيروت ,لبنان. (١٣١محمد بن وصاف العماني )ق٦هـ١٢/م( ,شرح الدعائم ,تحقيق عبد المنعم عامر ,وزارة التراث القومي والثقافة ,سلطنة عمان. (١٣٢محمد بن يزيد أبو عبد االله القزويني ,سنن ابن ماجه ,تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ,دار الفكر ,بيروت. (١٣٣محمد بن يوسف أطفيش )ت١٣٣٢هـ١٩١٤/م( ,شرح كتاب النيل وشفاء العليل ,الطبعة الثالثة١٤٠٥ ,هـ١٩٨٥/م ,مكتبة الإرشاد ,جدة ,السعودية. والثقافة ,سلطنة عمان. (١٣٥محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري ,التاج والإكليل لمختصر خليل ,الطبعة الثانية١٣٩٨ ,هـ ,دار الفكر ,بيروت. (١٣٦محمد زكريا الكاندهلوي )ت١٤٠٢هـ( ,أوجز المسالك إلى موطأ مالك ,تحقيق أ.د .تقي الدين الندوي ,الطبعة الأولى, ١٤٢٤هـ٢٠٠٣/م. (١٣٧محمد عليش ,منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل, ١٤٠٩هـ١٩٨٩/م ,دار الفكر ,بيروت. (١٣٨محمود بن أحمد العيني ,عمدة القاري شرح صحيح البخاري ,دار إحياء التراث العربي ,بيروت. (١٣٩محمود بن أحمد بن موسى العيني )ت٨٥٥هـ( ,البناية شرح الأولى,الطبعةشعبان,صالحأيمنتحقيقالهداية, ١٤٢٠هـ٢٠٠٠/م ,دار الكتب العلمية ,بيروت. (١٤٠محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ,الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ,تحقيق عبد الرزاق المهدي, (١٤١مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري ,الجامع الصحيح ,تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ,دار إحياء التراث العربي, بيروت. (١٤٢مصطفى بن سعد السيوطي الرحيباني ,مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى ,الطبعة الأولى١٣٦٠ ,هـ ,المكتب الإسلامي دمشق. (١٤٣مصطفى محمد أحمد الزرقا ,الفتاو￯ ,اعتنى بها مجد أحمد مكي, الطبعة الأولى١٤٢٠ ,هـ١٩٩٩/م ,دار القلم ,بيروت. (١٤٤منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني )ت٤٨٩هـ( ,قواطع الأدلة في أصول الفقه ,تحقيق د .علي بن عباس بن عثمان الحكمي, ود .عبداالله حافظ أحمد الحكمي ,الطبعة الأولى١٤١٩ ,هـ١٩٩٨/م. (١٤٥مهنا بن خلفان بن محمد البوسعيدي )ت١٢٥٠هـ١٨٣٥/م(, لباب الآثار الواردة على الأولين والمتأخرين الأخيار١٤٠٥ ,هـ, ١٩٨٥م ,وزارة التراث القومي والثقافة ,سلطنة عمان. (١٤٦يحيى بن شرف بن مري النووي ,شرح صحيح مسلم المعروف بالمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ,الطبعة الثانية١٣٩٢ ,هـ, دار إحياء التراث العربي ,بيروت. (١٤٨ــــ ,روضة الطالبين وعمدة المفتين ,الطبعة الثانية١٤٠٥ ,هـ, المكتب الإسلامي ,بيروت. (١٤٩يحيى بن معين أبو زكريا ,تاريخ ابن معين )رواية الدوري( ,تحقيق د .أحمد محمد نور سيف ,الطبعة الأولى١٣٩٩ ,هـ ١٩٧٩م ,مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي ,مكة المكرمة. (١٥٠يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني ,المسند ,دار المعرفة ,بيروت. (١٥١يوسف بن الزكي عبدالرحمن أبو الحجاج المزي ,تهذيب الكمال في أسماء الرجال ,تحقيق د .بشار عواد معروف ,الطبعة الأولى, ١٤٠٠هـ١٩٨٠/م ,مؤسسة الرسالة ,بيروت. (١٥٢يوسف بن عبد االله بن عبد البر القرطبي )ت ٤٦٣هـ١٠٧١/م(, الاستذكار ,تحقيق سالم محمد عطا وعلي محمد معوض ,الطبعة الأولى, ١٤٢١هـ٢٠٠٠/م ,دار الكتب العلمية ,بيروت ,لبنان. (١٥٣ــــ ,التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ,تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري١٣٨٧ ,هـ ,وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ,المغرب. الفصل السادس :أعمال يوم التروية وخطب الحج٥ ............. توطئة٧ ......... ............... ............... ............... المبحث الأول :سبب التسمية بيوم التروية٩ .................... المبحث الثاني :زمان الإحرام بالحج وموضعه١١ ................. موضع الإحرام بالحج١٧ ........................................ المبحث الثالث :الذهاب إلى منى٢١ .............. ............... المبحث الرابع :أداء الصلوات الخمس بمنى٣٠ ................... المبحث الخامس :الخطب المندوبة في الحج٣٤ .................... الفصل السابع :أعمال يوم عرفة٤٧ ............... ............... توطئة :سبب تسميتها بعرفة٤٩ .................. ............... المبحث الأول :الذهاب إلى عرفة٥٢ .............. ............... المبحث الثاني :الإقامة بنمرة والانتقال إلى بطن وادي عرنة٦١ .... المطلب الأول :الإقامة بنمرة إلى حين الزوال٦١ .................. مسجد نمرة وموقعه من عرفة٦٥ ................................ المبحث الثالث :خطبة عرفة٦٦ ................... ............... المطلب الأول :مشروعية الخطبة وصفتها وحكمها٦٦ ............ المطلب الثاني :مندوبات الخطبة٩٢ ............... ............... أولا :تقصير الخطبة٧٨ .......................................... ثانيا :ارتفاع الخطيب٧٩ ......................................... ثالثا :بدء خطبة عرفة بالتكبير٨٠ ................................. رابعا :موضوع خطبة عرفة٨٠ ................................... المبحث الرابع :الأذان والإقامة٨٦ ............... ............... المبحث الخامس :صلاة الظهر والعصر٩١ ........ ............... المطلب الأول :تعجيل الصلاة حين تزول الشمس٩١ ............ المطلب الثاني :جمع صلاتي الظهر والعصر بعرفة٩٣ ............... المطلب الثالث :الإسرار في الصلاتين المجموعتين١٠٥ ............. المطلب الرابع :قصر صلاتي الظهر والعصر١٠٧ ................... المطلب الخامس :رواتب الصلاتين والتنفل المطلق١١٢ ............ المطلب الأول :معنى الوقوف بعرفة١١٣ ........... ............... المطلب الثاني :حكم الوقوف١٢٠ ................. ............... المطلب الثالث :موضع الوقوف١٢٤ ............... ............... المطلب الرابع :وقت الوقوف١٣٨ ................. ............... أولا :أول وقت الوقوف١٣٨ ..................................... ثانيا :آخر الوقت١٤٥ ............................................. المبحث السابع :مندوبات الوقوف بعرفة١٧٠ ...... ............... المندوب الأول :تعجيل الوقوف١٧٠ .............................. المندوب الثاني :الغسل١٧١ ....................................... المندوب الثالث :الوقوف في مكان وقوف النبي ١٧١ ............ المندوب الرابع :استقبال الكعبة١٧٤ .............................. المندوب الخامس :الوقوف بجبل الرحمة١٧٥ ....................... المندوب السادس :الوقوف راكبا١٧٧ ............................. المندوب السابع :الفطر١٨١ ....................................... المندوب الثامن :الذكر والدعاء١٨٨ ............................... المندوب العاشر :الوقوف في حاشية الموقف للأنثى٢٠١ ........... المبحث الثامن :الخطأ في تاريخ الوقوف٢٠٣ ....... ............... الفصل الثامن :أعمال اليوم العاشر٢١٩ ............ ............... المبحث الأول :أعمال مزدلفة٢٢١ .................. ............... المطلب الأول :الطريق إلى مزدلفة٢٢١ ............. ............... ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يصح أن يفيض الناس قبل إفاضة أمير الحج ,وتطبيق ذلك في رؤساء بعثات الحج حاضرا٢٢١ . الأفضل الركوب عند أداء الشعائر٢٢٧ ............................ التلبية مما يشرع الإتيان به في هذا الموضع٢٣١ ...................... المطلب الثاني :جمع المغرب والعشاء بمزدلفة٢٣١ ... ............... سبب جمع الصلاتين بمزدلفة السفر لا النسك٢٣٤ ................. جمع الصلاتين بمزدلفة مسنون وليس بواجب٢٣٤ ................. إناخة النبي الدواب بين صلاتي المغرب والعشاء ليس نسكا ٢٤٠ المطلب الثالث :المبيت بمزدلفة٢٤٨ ................ ............... أولا :التعريف بمزدلفة٢٤٨ ....................................... ثالثا :حكم المبيت بمزدلفة٢٥٤ .................................... رابعا :المقدار المجزي من المبيت٢٦٨ ............................... خامسا :إحياء ليلة مزدلفة بالعبادة٢٧٦ ............................ لم يثبت في فضل إحياء ليلة مزدلفة شيء٢٧٦ ....................... المطلب الرابع :صلاة الفجر بمزدلفة وذكر االله فيها٢٨١ ............ وصف مسجد المشعر الحرام٢٨٧ .................................. المطلب الخامس :الدفع من مزدلفة إلى منى٢٨٧ .... ............... ندبية الإسراع في وادي محسر والخلاف في علة ذلك٢٩٠ ........... الإسراع مسنون لكل من جاز الوادي راكبا كان أو راجلا٢٩٨ ..... حكم مجاوزة محسر قبل شروق الشمس٣٠٠ ....................... المبحث الثاني :رمي جمرة العقبة٣٠٢ ............... ............... المطلب الأول :وصف جمرة العقبة٣٠٢ ............ ............... الطريق الوسطى التي سلكها النبي إلى جمرة العقبة٣٠٣ .......... شاخص الجمار وأصل مشروعيته٣١١ ............................. المطلب الثاني :مشروعية رمي جمرة العقبة٣١٥ ...... ............... أولا :موضع أخذ حصى الجمار٣٢٧ ................................ ثانيا :تكسير حصى الجمار٣٣٣ ..................................... ثالثا :حجم حصى الجمار٣٣٥ ...................................... رابعا :جنس المرمي٣٣٨ .......................................... خامسا :الرمي بما رمي من الحجارة٣٤٣ ........................... سادسا :غسل حصى الجمار٣٤٧ ................................... المطلب الرابع :وقت الرمي٣٥٠ ................... ............... أولا :مبدأ وقت الرمي٣٥٠ ....................................... ثانيا :منتهى وقت الرمي٣٦٧ ...................................... المطلب الخامس :صفة الرمي٣٧٤ ................. ............... أولا :النية٣٧٤ .................................................... ثانيا :عدد مرات الرمي٣٧٥ ....................................... ثالثا :هيئة الرامي٣٧٧ ............................................. رابعا :وقوع الحصى في المرمى٣٨٣ ................................. خامسا :صفة الرمي٣٨٥ .......................................... المطلب السابع :مندوبات الرمي٤٠٠ .............. ............... أولا :الاغتسال أو الوضوء٤٠٠ ................................... ثانيا :ذكر االله عند الرمي٤٠١ ...................................... ثالثا :الانصراف بعد رميها للنسك الذي بعده من غير توقف للدعاء٤٠٧ ....................................................... رابعا :رفع اليدين عند الرمي حتى ير￯ بياض إبط الرامي٤١٠ ..... خامسا :الرمي من بطن الوادي٤١١ ............................... سادسا :الموالاة بين الحجارة السبع٤١٧ ............................ سابعا :إتيان مسجد الخيف بعد رمي جمرة العقبة٤١٩ .............. المبحث الثالث :نحر الهدي٤٢٠ ................... ............... المبحث الرابع :طواف الإفاضة٤٢٢ ............... ............... استحباب الشرب من ماء زمزم بعد طواف الإفاضة٤٢٣ ........... اختلفت الروايات في المكان الذي صلى فيه الظهر يوم النحر ٤٢٤ المبحث الخامس :حكم الترتيب بين أعمال اليوم العاشر٤٣٢ ........ الفصل التاسع :أعمال أيام التشريق٤٤٣ ............ ............... المبحث الثاني :المبيت بمنى٤٤٧ .................... ............... حكم من لم يستطع استئجار خيام منى٤٥٧ ........................ المبحث الثالث :رمي الجمرات٤٦٣ ................ ............... المطلب الأول :وقت الرمي٤٦٣ ................... ............... أولا :مبدأ وقت الرمي٤٦٣ ....................................... ثانيا :آخر وقت الرمي٤٧١ ........................................ المطلب الثاني :الترتيب بين الجمرات في الرمي٤٧٩ . ............... المطلب الثالث :الوقوف للدعاء بعد الجمرتين الصغر￯ والوسطى٤٨٤ .................... ............... ............... المطلب الرابع :حكم من تر ك رمي الجمار٤٨٥ ..................... المبحث الرابع :النفر من منى٤٨٧ .................. ............... المبحث الخامس :النزول بالمحصب٤٩٨ ........... ............... الفصل العاشر :طواف الوداع٥٠٧ ........... .................... المبحث الأول :معنى طواف الوداع ووقته٥٠٩ ..... ............... مشروعية طواف الوداع لمن نفر قبل رمي الثاني عشر٥١٢ .......... المطلب الأول :مشروعية طواف الوداع٥١٣ ....................... المطلب الثاني :مشروعية طواف الوداع للمعتمر٥٢٠ ............... المطلب الثالث :تكييف طواف الوداع٥٢٧ ......... ............... المطلب الرابع :حكم طواف الوداع٥٣٢ ........... ............... المبحث الثالث :من يشرع في حقه طواف الوداع٥٤٧ ............... المبحث الرابع :الاشتغال بغير النفر بعد طواف الوداع٥٥٣ ......... المبحث الخامس :حكم من نفر دون طواف الوداع٥٦٠ ............ المبحث السادس :مندوبات الوداع٥٦٥ ............ ............... أولا :وقوف المودع في الملتزم وذكر االله عنده٥٦٥ ................... ثانيا :أن لا يقف بعد الدعاء ولا يلتفت٥٧٣ ....................... الخاتمة٥٧٥ ......... ............... ............... ............... كشاف بأكثر المراجع٥٧٦ ......................................... <Ýø‰ý]<íÛñ_<^ãé×Â<...^‰<Ö]<íŞf–ß1]<íé×é‘`jÖ]<‚Â]çÏÖ]<äé–jÏi <ïçu< ]„×Ê< HØéÖ‚Ö]< ±c< h†Îù]< ë_†Ö]< ±c< Ùç‘ç×Ö< Ì׉< ‚Ãe< ^Ë×} <Ù`è< < íé¿Âæ< l^Î]†cæ< íénè‚u< l^«†¡æ< íéãÏÊ< løé‘`i << ívé’Þ< ï†è< ^Ú< î×Â< ^â†è†Ïiæ< ^â†è† < »< ]‚ãq< ^ãfu^‘ <