‫الفكر الإباضى ودوره فى تأكيد الشخصية العمانية‬ ‫‏‪٠‬‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬حسن الشافكم‪.‬‬ ‫الشخصية ‪ -‬دون دخول فى تفاصيل فنية ‪ -‬هى مجموع العناصر المادية‬ ‫والمعنوية التى تقوم الذات الإنسانية ث وتحدد صفاتها الخاصة وسماتها المميزة ‪.‬‬ ‫يصدق ذلك على مستوى الفرد ‘ وهو ما يقصد عادة فى ميدان الدراسات النفسية‬ ‫المعاصرة ث ويصدق ‪ -‬أيضا ‪ -‬على مستوى الوطن ومستوى القومية ى فيقال ‪:‬‬ ‫الشخصية العربية ‪ 0‬أو الشخصية الروسية ‪ ،‬أو الفرنسية { أو الألمانية ‪ 0‬ونحوها ‪.‬‬ ‫مرادا بها السمات المميزة للفرد الذى ينتمى إلى إحدى هذه القوميات ‪ ،‬ومقوماته‬ ‫الذاتية ‪ 0‬سواء منها المقومات والسمات المادية الطبيعية أو المعنوية الثقافية ‪.‬‬ ‫وسواء رجع ذلك إلى اعتبارات وأسباب طبيعية كالمناخ والجنس والموقع والإقليم ‪.‬‬ ‫أو إلى خبرات واعتبارات ثقافية ومعنوية كاللفة والتاريخ والدين والفن وأسلوب‬ ‫الحياة بوجه عام ‪ .‬وقد تستخدم الكلمة أيضا على صعيد وطنى خاص فيقال ‪:‬‬ ‫‏) ‪( ١‬‬ ‫مجمع لللغة العربية ‪.‬‬ ‫رئيس قسم للفلسفة الإعلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهر ة ‪ 4‬وعضو‬ ‫‪٤٤‬‬ ‫المصرية أو المغربية أو العمانية ‪ 0‬مقصودا بها ‪ -‬فى الغالب ‪ -‬السمات‬ ‫الشخصية‬ ‫المميزة للافراد المنتمين إلى هذه الاوطان ‪ 0‬وترجع إلى ظروفها الخاصة ‪ 0‬وخبراتها‬ ‫المتميزة ‪.‬‬ ‫هذا } وقد ارتبطت " الإباضية " فكرا وتجربة بالوطن العمانى بوجه خاص©‬ ‫منذ ظهرت على مسرح التاريخ الإسلامى { على الرغم من أصدائها وآثارها التى لا‬ ‫تتكر فى دنيا المدرب والمسلمين ‪ .‬وليس من المجازفة فى القول أن نقرر أنها‬ ‫أسهمت ‪ -‬ضمن مؤثرات وخبرات أخرى بالتاكيد ‪ -‬فى صياغة شخصية العمانى‬ ‫المعاصر ‪ ،‬وتحديد قسماته المميزة ‏‪ ٠‬وسماته الخاصة ‪ .‬وسنحاول اليوم أن نوجه‬ ‫النظر إلى جوانب خمسة من تلك الشخصية أو من ذلك المذهب وما بينهما من آثار‬ ‫متبادلة ؛ وهى الجانب الاعتقادى الإيمانى ‪ 2‬والجانب العلمى والفكرى ‪ ،‬والجانب‬ ‫العملى الاجتماعى ‪ ،‬والجانب اللغوى ‪ ،‬ثم الجانب الروحى ‪ .‬وفى كل هذه الجوانب‬ ‫أو المجالات تتميز التجربة العمانية أو الشخصية العمانية بسمات متميزة ‪ .‬ترجع‬ ‫بالتأكيد إلى خبراتها وظروفها الخاصة ‪ ،‬ومنها ‪ -‬فيما أعتقد ‪ -‬خبرة الحركة‬ ‫الإباضية ‪ 0‬وتجربة الفكر الإباضى ‪.‬‬ ‫‏‪ -١‬بين يدى الموضوع‬ ‫وقبل أن أدخل فى صميم الموضوع أود أن أذكر تجربة أو شعورا شخصيا‬ ‫خالجنى بشدة عندما اتجه الر أى إلى أن أكتب فى هذا الموضوع بالذات فقد طالعنى‬ ‫فى خضم مشاعرى لحن قديم ‪ 0‬عزفه واحد من "أهل الاستقامة " ‏‪ ٠‬هو عمران بن‬ ‫حطان ‪ .‬أطلقه من عمان ‘ لتبلغ أصداؤه مسامع العرب والمسلمين فى إفريقية }‬ ‫ويصافح ضمائر هم ‪ 0‬ويظل يتردد ‪ -‬بعد أن سجله ياقوت فى معجمه ‪ -‬حتى‬ ‫يصافحنى فى خضم مشاعرى تلك ‪ ،‬فينزل على قلبى بردا وسلاما ‪ 0‬إذ قال يصف‬ ‫إخوانه من " الأزد " المشاركين فى فتح حصن "بابليون" بمصر ‪ ،‬مع الزبير بن‬ ‫‪٤٥‬‬ ‫العوام ‪ 0‬وغيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفى اختطاط مدينة‬ ‫الفسطاط حوله ‪ 0‬مع تجيب وغافق وغيرهما من قبائل العرب ‪:‬‬ ‫" ببليون " منها الموجفات السوابق‬ ‫فساروا بحمد الله حتى أحلهم‬ ‫مهامه بيد والجبال الشواهق‬ ‫فأامسوا بحمد الله قد حال دونهم‬ ‫بدار لهم فيها غنى ومرافق‬ ‫وحلوا ولم يرجوا سوى الله وحده‬ ‫وجيرانهم فيها تجيب وغافق ‏(‪)١‬‬ ‫فأمسوا بدار لا يفزع أهلها‬ ‫لقد امتد هذا العرق النبيل فى التربة المصرية ‪ -‬وكان من قبل مستقرا فى‬ ‫سيناء وصحراء مصر الشرقية = من الشمال إلى الجنوب ‏(‪ ، )٢‬واجتاز النيل ‏‪٨‬‬ ‫واستقر فى أنحاء مصر بخاصة فى صعيدها } وبلغ الواحات ث ودخل السودان ‪...‬‬ ‫حتى كان فقيه مصر ‪ -‬فى القرن الرابع الهجرى ‪ ،‬ولعله أعظم فقهائها الذين ولدوا‬ ‫بها ‪ -‬أزديا ‪ 0‬وهو الإمام أبو جعفر الطحاوى الأزدى ‪ ،‬الحنفى ‏(‪( )٢‬ت ‪٢٦٢١ :‬ه)ء‏‬ ‫وكان حافظ مصر ومحدثها أبو محمد عبد العظيم المنذرى (ت‪٦٥٦ :‬ه)‏ أزديا أيضا‬ ‫وكذا العديد من علمائها وأدبائها ومفتيها الذين برع البعض منهم فى الفقه الإباضى ©‬ ‫حتى بعث عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ‪ ،‬إمام الدولة الرستمية بالمغرب ‪9‬‬ ‫يستفتيهم فى بعض نوازله ‪ 0‬كما بعث يستفتى شيوخ المذهب وأئمته فى البصرة ‏(‪)٤‬‬ ‫‏(‪ )١‬د ‪ .‬رجب محمد عبد الحليم ‪ :‬الإباضية فى مصر والمغرب ‪ 0‬وعلاقتهم بإباضية عمان‬ ‫والبصرة ‪ .‬مسقط ‪١٤١٠ ،‬ه‪١٩٩٠/‬م‏ ص ‏‪.٤٣‬‬ ‫(؟) د ‪ .‬حسن محمود عبد اللطيف الشافعى ‪ ،‬فى فكرنا الحديث والمعاصر ى القاهرة ‪ 0‬الطبعة‬ ‫‏‪. ١١٢‬‬ ‫الأولى ‪١٤١٠‬ه‪/‬‏ ‪١٩٩٠‬م‏ ص‬ ‫‏(‪ )٢‬د ‪ .‬عبد المجيد محمود ‪ :‬ليو جعفر الطحاوى ‘‪ ،‬مكتبة الخانجى بالقاهرة ‪ 0‬الطبعة الاولى‬ ‫‪ -‬للمقدمة ‪.‬‬ ‫‏‪. ٩٨ - ٩٢ {\ ٤٩‬‬ ‫‏) ‪ ( ٤‬د ‪ .‬رجبا محمد عبد الحليم ‪ :‬مرجع سابق ‪ -‬ص‬ ‫‪٤٦‬‬ ‫وقت‬ ‫حتى‬ ‫بر عايتهم‬ ‫‪-‬‬ ‫‏‪ ١‬لإباضية‬ ‫مذ هب‬ ‫غير‬ ‫وكانو ‏‪ ١‬على‬ ‫‪7‬‬ ‫الحكام‬ ‫‪ .‬شملهم‬ ‫وحتى‬ ‫متاخر ؛ مثال ذلك ما فعله صلاح اندين الأيوبى عندما خصص للطلاب الإباضية‬ ‫جامع ابن كولون ‘ يدرسون فيه ويقيمون ‪ 0‬كما جعل لهم الإقطاعات والرواتب حتى‬ ‫" ) ‏‪( ١‬‬ ‫يتفر غو ‏‪ ١‬لعملهم ودر استهم ‪....‬‬ ‫نعم ‪ ،‬لقد جاعت بعد ذلك فترة من الخمول والتباعد ‪ 0‬جددت مشاعر الفرقةء‬ ‫وأحيت نوازع العصبية ‪ 0‬وأشاعت عن " الإباضية " ما كتبه بعض كتاب المقالات‬ ‫دون تدقيق ‪ 0‬حتى كانت النهضة الحديثة والصحوة المعاصرة ‪ 0‬فصدرتا عن‬ ‫المذهب دراسات حديثة ونصوص قديمة ‪ 0‬تصحح الصورة وتعيد إليها ملامحها‬ ‫الاصلية ث وكان للقاهرة فى ذلك دور لا ينكر ‪ ،‬إلى جانب الجهود العمانية بطبيعة‬ ‫الحال ‪ 0‬ويرجع بعض الفضل فيه إلى اثنين من إخواننا المغاربة ‪ :‬أولهما الشيخ‬ ‫الجزانرى محمد بن يوسف إطفيش بقطب الأئمة فى القرن الماضى ‪ ،‬وثانيهما‬ ‫الباحث الليبى المعاصر على يحيى معمر اللذان صدرت أكثر أعمالهما من القاهرة ‪.‬‬ ‫وقد كاد يساميهما جزائرى آخر متمكن هو الدكتور عمار الطالبى ‪ 0‬لو واصل العمل‬ ‫فى هذا السبيل ‪ .‬كما يرجع إلى العديد من الباحثين المصريين والعرب الذين أفادوا‬ ‫من جهود المستشرقين فى هذا الصدد ‪ 0‬وبخاصة جولد تسيهر ونلينذو وموتيلينكسى‬ ‫وفان إس وويلكنسون وفلهوزن وجواشون ‪ ،‬فاصدروا العديد من الدراسات التى نوه‬ ‫بها الدكتور عوض خليفات فى بحثه القيم عن " نشأة الحركة الإباضية " ‪ .‬وربما‬ ‫جاز لى أن أنوه ‪ -‬أيضا ‪ -‬فى هذا المقام بثلاثة أعمال صدرت فى الأعوام الثلاثة‬ ‫الأخيرة بالقاهرة لأساتذة ثلانة ينتمون إلى المعهد الذى أشرف بالانتماء إليه فى‬ ‫جامعة القاهرة ‪ -‬وهو كلية دار العلوم ‪ -‬أولها كتاب " جابر بن زيد " فى سلسلة‬ ‫أعلام العرب للدكتور أحمد درويش ‪ ،‬وثانيهما كتاب " الإباضية ‪ :‬دراسة فى فكر‬ ‫‪.‬‬ ‫‪٥٠‬‬ ‫‪ ١‬لسابق =_= ص‪‎‬‬ ‫) ‪( ١‬‬ ‫‪٤٧‬‬ ‫عن‬ ‫‪ ،‬وا لاخير بحث‬ ‫عبد المجيد أبو الفتو ح بدوى‬ ‫المذهب ونشأته ‪ .‬للدكتور‬ ‫الإباضية بسلسلة " دراسات عربية وإسلامية " للدكتور عبد الفتاح الفاوى وكلها تنتزع‬ ‫إلى الإنصاف والموضوعية ‪ ،‬وجمع كلمة الأمة بدلا من الفرقة والعصبية المذهبية ‪.‬‬ ‫وما أحوجنا إلى مزيد من التعاون والتواصل ‘ والإنصاف والاحترام‬ ‫المتبادل ‪ 0‬وعسى أن يكون لقاؤنا اليوم خطوة فى هذا الاتجاه ‪ 0‬ولم أقرأ فى هذا‬ ‫الشان أجمل من كلمات المرحوم الأستاذ على يحيى معمر ‪" :‬إن المذهبية فى الامة‬ ‫الإسلامية لا تتحطم بالقوة ‪ 0‬ولا تتحطم بالحجة \ ولا تتحطم بالقانون ؛ فإن هذه‬ ‫الوسائل لا تزيدها إلا شدة فى التعصب وقوة فى رد الفعل ‪ .‬وإنما تتحطم المذهبية‬ ‫بالمعرفة ‪ 0‬والتعارف ‪ ،‬والاعتراف ‪ .‬فبالمعرفة يعرف كل واحد ما يتمسك به‬ ‫الآخرون ‪ ،‬ولماذا يتمسكون به ‪ .‬وبالتعارف يشتركون فى السلوك والأداء الجماعى‬ ‫للعبادات ‪ .‬وبالاعتراف يتقبل كل واحد منهم مسلك الآخر برضا ‪ 0‬ويعطيه مثل الذى‬ ‫يعطيه لنفسه ؛ اجتهد فأصاب أو اجتهد فاخطا ‪ 0‬وفى ظل الأخوة والسماحة تغيب‬ ‫التحديات ‪ 0‬وتجد القلوب نفسها ‪ 0‬وتحاول أن تصحح عقيدتها وعملها ‪ 0‬بالاصل‬ ‫الثابت فى الكتاب والسنة " ‏(‪ )١‬رحمه الله ‪.‬‬ ‫الجانب الاعتقادى ‪ 0‬وسمته المميزة ( الاعتدال والوسطية مع الالتزام‬ ‫‏‪٢‬‬ ‫والإيجابية ) ‪:‬‬ ‫تمثل العقيدة لدى المسلمين ‪ 0‬وسائر المتدينين ‪ }،‬الأساس الراسخ لبناء‬ ‫الشخصية ‪ ،‬بما تحدده من نظرة خاصة إلى الوجود والكون ‪ ،‬والحياة والإنسان ‪9‬‬ ‫والمبدأ والمصير ‪ ،‬وبما ترسمه من هدف للمؤمن فى حياته ‪ 0‬وما تقدمه له من‬ ‫نموذج أخلاقى يهدى سلوكه ويسدد خطاه ‪.‬‬ ‫(‪ )١‬على يحيى معمر ‪ :‬الإباضية بين للفرق الإسلامية نشر مكتبة وهبة‪٦٩٣٢١/٦٧٩١0 ‎‬ةرهاقلاب‬ ‫‪.‬‬ ‫‪١٠٢‬‬ ‫ص‪‎‬‬ ‫‪٤٨‬‬ ‫وتلك أمور بالغة التأثير فى تكوين الشخصية ‪ 0‬ورسم سماتها ‏‪ ٠‬وتلوين‬ ‫سلوكها } وبخاصة لدى من يعتقدون أن الإيمان الدينى ليس مجرد شعار لفظى أو‬ ‫‪ -‬؛ إنه‬ ‫اقتناع عقلى أو تسليم قلبى ‪ 0‬بل هو مع ذلك كله سلوك عملى ‪ -‬أيضا‬ ‫"تصديق بالجنان ‪ 0‬ونطق باللسان ‪ ،‬وعمل بالأركان " كما يقول الجمهور من‬ ‫متكلمى الإسلام ‪ 0‬وكما يتمسك إخواننا الإباضية بوجه أخص ‏(‪. )١‬‬ ‫وليس محض صذفة أن يقرر مؤرخو الإباضية ‘ من أنصارهم وخصومهم‬ ‫على السواء ؤ ما تميز به القوم من التزام بالخلق الدينى ‪ ،‬وتحر للحلال واجتناب `‬ ‫للحرام ‪ 0‬وتمسك بالصدق والعدل والإنصاف ‏(‪ 0 )٢‬وإنما هو تمرة طبيعية للربط‬ ‫الوثيق لديهم بين الإيمان والعمل ‘ والفكر والسلوك ‪ ،‬كما تنطق به آيات القرآن‬ ‫الكريم ‪ 0‬ولمعارضتهم " الإرجاء الغالى " الذى يجعل الإيمان كلمة جوفاء ؛ أو جواز‬ ‫مرور زاتفا ؛ فال يضر مع الإيمان ‪ -‬كما زعموا ‪ -‬معصية كما لا تنفع مع الكفر‬ ‫طاعة ‏(‪. )٣‬‬ ‫وجملة التوحيد كما يبينها الشيخ إطفيش " أن من شهد ألا إله إلا الله وأن‬ ‫محمدا رسول الله ‪ 0‬واعتقد أن ماجاء به محمد من عند ربه هو الحق ‪ 0‬وآمن بأن‬ ‫سلسلة دراسات عربية‬ ‫‏(‪ )١‬انظر د ‪ .‬عبد الفتاح الذاوى ‪ :‬الإباضية ‪ -‬الطائفة والمذهب (ضمن‬ ‫‪-١‬‬ ‫‪١‬ه‪-‬‬ ‫‏‪٩٧١‬‬ ‫الأسكندرية‬ ‫ط‬ ‫ج‬ ‫الخوار‬ ‫آر اء‬ ‫‪:‬‬ ‫طالبى‬ ‫عمار‬ ‫‪ .‬د‪.‬‬ ‫‏‪٩‬‬ ‫= ص‬ ‫‏‪١‬‬ ‫ؤ‬ ‫العدد‬ ‫و إسلامية)‬ ‫أحوشست ‪:‬‬ ‫‏‪ . ٢٠٨‬بكير سعيد‬ ‫ص‬ ‫‏‪ .٢‬و التفقاز انى شر ح العقائد النسفية ط صبيح بالقاهر ة‬ ‫دراسات إسلامية فى الأصول الإباضية ‪ 0‬نشر وهبة بالقاهرة ‪١٦٩٨٨/١٤٠٨‬م‏ [ ‏‪. ٥٢-٥٠‬‬ ‫‪ :‬الخلافة والخو ار ج فى المغرب العربى ؛ ط القاهرة }‬ ‫‏) ‪ ( ٢‬انظر رفعت فوزى عبد المطلب‬ ‫‪ .‬المقدمة وأحمد أمين ‪ :‬ضحى الإسلام القاهرة ض ‏‪ ، ٢٢٣/٢ 0 ١٩٤٩‬والملطى ‪:‬‬ ‫‏‪٩‬‬ ‫‏‪. ٥٢‬‬ ‫التنبيه والرد ص‬ ‫ه‪ ‎.‬ص‪.٦٤-_-٦.٠.‬‬ ‫‪١٤‬‬ ‫‪ ٢‬القاهر ة‪‎‬‬ ‫الشافعى ‪ :‬المدخل إلى دراسة علم الكلام ‪ .‬ط‪‎‬‬ ‫(‪ )٢‬انظر حسن‬ ‫‪٤٩‬‬ ‫الموت حق ‘ وأن الجنة حق ‪ ،‬وأن النار حق ‪ 2‬وآمن بالقضاء والقدر ‪ 0‬من أقر بأن‬ ‫الأمور التى كان يدعو إليها النبى صلى الله عليه وسلم هى عقيدته ‪ 0‬فقد تم إيمان‬ ‫فيما بينه وبين الله © وفيما بينه وبين الناس " ‏(‪. )١‬‬ ‫ولست أريد هنا أن أعدد تفاصيل العقيدة لدى إخواننا من أهل الاستقامة ‏‪٨‬‬ ‫ولا أظن ذلك لازما فى مقامى هذا ‪ 0‬ولكنى أود أن انوه بأمور عكست نفسها فى‬ ‫شخصية المسلم الإياضى على مدار التاريخ ‘ وطبيعى أن ترى فى شخصيته‬ ‫المعاصرة ‪ -‬أيضا ‪ ‘ -‬منها ذلك الترابط بين الإيمان والعمل وما يثمره من إيجابية‬ ‫والتزام وقد أسلفناه ‪ 0‬ومنها التوازن والاعتدال وإنكار الغلو والتطرف ‪ ،‬ومنها أن‬ ‫التزام ذلك الموقف المعتدل المتوازن لم يكن أمرا هينا يسيرا ‪ ،‬بل كان شديدا‬ ‫عسيرا‪ ،‬بذل قيه القوم من ذات أنفسهم ث وخاصموا من أجله ‪ 0‬ونصحوا لله فيه ‪3‬‬ ‫واحتفظوا بولائهم جهد طاقتهم للحق لا للرجال ‪ 9‬ساعرض هنا سريعا للامرين‬ ‫الأخيرين ‪( .‬الأول طابع السماحة ‪ -‬والثانى ما بذلوه فى التمسك به ) ‪.‬‬ ‫أ‪ -‬فى الإيمان والكفر‬ ‫أ ‪ -‬ليس صحيحا أن الإباضية يكفرون مخالفيهم } كما ينسب إليهم البعض فى القديم‬ ‫والحديث ‏(‪ . )٢‬بل هم مع تشددهم فى ربط الإيمان بالعمل يرون أن مرتكب الكبيرة‬ ‫المصر عليها المعرض عن التوبة فاسق كما وصفه القرآن } لكنه موحد ليس‬ ‫بمشرك ‪ ،‬ولا يخرج بمعصيته هذه صغيرة كانت أو كبيرة عن الملة ‪ 0‬والعصمة‬ ‫ثابتة له فى دمه وماله ‪ 0‬ولئن وصف بالكفر ‪ -‬جريا على ما ورد فى بعض‬ ‫الأحاديث ‪ -‬فالمراد كفر النعمة لا كفر الملة ‏‪ ٠‬حيث لم يشكر نعمة ربه فى خلقه‬ ‫انظر ‪ :‬الفاوى ‪ :‬مرجع سابق ‏‪. ٤٨‬‬ ‫((‬ ‫‏‪. ٤٧‬‬ ‫‪ :‬مرجع سابق‬ ‫‪ . ١١١‬والفاوى‬ ‫‏‪- ١٧‬‬ ‫‏)‪ (٢‬معمر ‪ :‬مرجع سابق ص‬ ‫وفى هدايته ‪ 0‬وعليه المسارعة إلى التوبة فى الدنيا هربا من الوعيد الشديد فى‬ ‫الاخرة‪. )١( ‎‬‬ ‫ب‪ -‬ناىلصفات الالهية‬ ‫والله تعالى منزه عن كل نقص ‘ وعن كل مشابهة بالمخلوقين ‪ ' ،‬ليس‬ ‫كمثله شىء وهو السميع البصير " وهو متصف بكل كمال فى الوقت نفسه دون‬ ‫تمثيل أو تعطيل ‪ ،‬عالم مريد قادر ‪ 0‬ولكن هذه الصفات ليست معانى أزلية قديمة‬ ‫مغايرة للذات ‪ 0‬ويشتدون فى أمر الرؤية فهى فى نظرهم غير ممكنة لارتباطها‬ ‫بشروط مادية يجب تنزيه الله عنها (‪٢‬؟)‏ ‪ 0‬ويميلون إلى تأويل الصفات الخبرية من‬ ‫الاستواء ونحوه حتى ليرى البعض أنهم ' أول من فتح باب التأويل ‏(‪ ، )٣‬فتابعهم‬ ‫المعتزلة فى ذلك وفى التحسين والتقبيح ‪ -‬أيضا ‪ -‬‏(‪ " )٤‬وأحسب أن ظروف‬ ‫الفريقين مختلفة وإن تشابهت بعض الآراء أحيانا ‪.‬‬ ‫ج فى الجبر والاختيار‬ ‫وقد يوضح ذلك أن " أهل الاستقامة " من الإباضية قاتلون بالكسب فى‬ ‫أفعال العباد فالله خالقها وهم لها عاملون ومكتسبون ‪ 0‬فلا جبر ولا تفويض ولكن‬ ‫أمر بين بين ‪ 0‬بما يبعدهم عن المعتزلة كثيرا ‪ 0‬ويقربهم من الأشاعرة أو‬ ‫بالأحرى من الماتريدية ث وجماهير المحدثين والسلف وقدماء الشيعة أيضا ‏(‪. )٥‬‬ ‫‪. ١١٦ ، ٤٦ -٤١‬‬ ‫(‪ )١‬عمار طالبى ‪ :‬مرجع سابق‪‎‬‬ ‫‏‪. ٥٨‬‬ ‫‏‪- ٤٢‬۔‬ ‫‪ :‬مرجع سابق‬ ‫‏) ‪ ( ٢‬بكير بن سعيد‬ ‫(‪ )٢‬عمار طالبى ‪ :‬مرجع سابق‪ ٩ ‎‬ة‪. ١٦٠ - ١١٧ ‎‬‬ ‫‏‪. ٦٠‬‬ ‫‪ :‬مرجع سابق‬ ‫‪ .‬وقار ن الفاو ى‬ ‫‏) ‪ ( ٤‬السابق ‏‪- ١١٢٣‬۔ ل‪١١٧‬‏‬ ‫‏‪ ٢١٢‬وما‬ ‫‏(‪ )٥‬انظر حسن الشافعى ‪ :‬لمحات من الفكر الكلامى ‪ .‬ط لأولى القاهرة ‪١٤١٢‬ه‏ ‪ -‬ص‬ ‫بعدها‪.‬‬ ‫‪٥١‬‬ ‫د‪ -‬فاىلعقل والنقل‬ ‫وأما فى منهج الاستدلال على الأحكام الاعتقادية فالقوم متوازنون بين جمود‬ ‫الحشوية على النصوص ‘ وغلو المعتزلة فى التحسين والتقبيح العقليين ‪ 0‬فهم وإن‬ ‫‏‪٥‬‬ ‫قالوا بتحسين العقل وتقبيحه لبعض الأمور فلا يأخذون به مقابلة الحكم المنصوص‬ ‫ويرون ك الحجة لتاقوم لله على الناس إلا بإرسال الرسل ‪ ،‬لقوله ‪ -‬سبحانه ‪' -‬‬ ‫وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ( الإسراء ‏‪ ) ١٥/‬فلا تكليف قبل ورود الشرع‬ ‫الشريف ‪ " ،‬وأن الناس لم ينالوا شيئا من معرفة الله فى الدلالة على توحيده ‪ ،‬ولا‬ ‫من معرفة شىء من دينه إلا بتوفيق من الله لهم على ألسنة رسله وتنبيه منه لهم‬ ‫على أيديهم " ‏(‪ . )١‬وهكذا يحرص القوم فى مختلف المسائل الاعتقادية على التوازن‬ ‫والاعتدال والوسطية ‪ 0‬سواء بلغوا ذلك فى كل الأحوال أو عز عليهم بلوغه أحيانا ‪.‬‬ ‫هم فى مسائل اخرى‬ ‫ونود قبل ان نترك هذه النقطة أن نشير إلى أن القوم فى مسألة الحكم على‬ ‫الصحابة ‪ -‬وهى إن شئنا المصارحة إحدى المسائل البالغة الحساسية التى كلفت‬ ‫الحركة الإباضية الكثيرح قد مالوا إلى ضرب من التوقف ‪ 0‬حتى ليقول أحد الباحثين‬ ‫لمحدثين المصريين ‪" :‬ومما يدعو إلى التفاؤل أن المتأخرين مانلإباضية يرون‬ ‫التوقف فى مسألة الصحابة وعدم الخوض اولى " ‏(‪ 0 )٢‬وهى مسألة تاريخية على‬ ‫كل حال لا يترتب عليها عمل ؛ ولا ينبغى أن تكون مثار فرقة أو خلاف ‪ ،‬كمسألة‬ ‫خلق القرآن التى يختلف فيها النظر الإباضى نفسه بين المشارقة والمغاربة ‪ ،‬وقد‬ ‫‏‪. ٤٩‬‬ ‫‪ :‬مرجع سابق‬ ‫‏) ‪ ( ١‬الفاو ى‬ ‫‪.‬‬ ‫د‬ ‫سابق ‪ -‬المقدمة ص‬ ‫‪ :‬مرجع‬ ‫‏) ‪ ( ٢‬رفعت فوز ى‬ ‫‪٥٢‬‬ ‫تجاوزتها الأحداث ‘ ولا ينبغى الوقوف عندها الآن ‏(‪. )١‬‬ ‫ب‪ -‬أما النقطة الأخرى التى أشرت إليها آنفا ‪ :‬فهى أن التزام الإباضية بهذا الموقف‬ ‫الوسطى المعتدل إلى حد كبير قد كلفهم الكثير ‪ 0‬ولكنه ميزهم عن غيرهم من‬ ‫المعاصرين فى الوقت نفسه ‪ 0‬يحكى أن واصل بن عطاء ‪ -‬وكان يتمنى لقاء أبى‬ ‫عبيدة ‪ -‬قيل له هذا أبو عبيدة فى الطواف ‪ ...‬فقام إليه وقال ‪ :‬أنت أبو عبيدة ؟ نعم‪،‬‬ ‫قال‪ :‬أنت الذى بلغنى أنك تقول ‪ :‬إن الله يعذب على القدر ؟ فقال أبو عبيدة ‪ :‬ما‬ ‫هكذا قلت ‪ 0‬لكن قلت إن الله يعذب على المقدور ‪ .‬فقال أبو عبيدة ‪ :‬وأنت واصل بن‬ ‫عطاء ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ 0‬قال ‪ :‬أنت الذى بلغفى عنك أنك تقول ‪ :‬إن الله يخصى‬ ‫بالاستكراه ؟ قال ‪ :‬فنكس واصل رأسه ولم يجب بشيء ثم قال ‪ :‬بنيت بناء منذ‬ ‫أربعين سنة فهدمه وأنا قائم لم أقعد ولم أبرح مكانى " ‏(‪ . )٢‬وبرغم أية ملاحظات‬ ‫على القصة التى جاءت فى المصادر الإباضية ‪ 0‬وبخاصة التعقيب الأخير من‬ ‫واصل ‘ فهى تصور على أية حال طبيعة العلاقة بين الموقفين الإباضى‬ ‫والاعتزالى‪.‬‬ ‫وربما كان الاشق من ذلك هو مفاصلة الإباضية للرفاق السابقين من‬ ‫الأزارقة والصفرية والنجدات ‏‪ ٥‬وتقديمهم ولاء الحق على رفاق الأمس ‪ ،‬فعندما‬ ‫جاءت رسالة نافع _ كما يروى الطبرى والمبرد ‪ -‬يدعو ابن صفار وابن إياض إلى‬ ‫اللحاق به ‪ 0‬وأن من تخلف عنه لا نجاة له ‪ 0‬بل هم أهل للبراءة منهم ‪ 0‬وأنهم‬ ‫كغيرهم من المخالفين كفار لا تحل مناكحتهم ‪ 0‬ولا أكل ذبانحهم ‪ 0‬ولا قبول‬ ‫شهادتهم‪ ،‬ولا أخذ الدين عنهم ‪ ،‬وأن استعراض المسلمين وقتل أطفالهم حلال ؛ لأنهم‬ ‫‪.‬‬ ‫‪٥٤٤‬ه‪-‬۔‪٥٦‬‏‬ ‫الفاو ى‬ ‫‏‪ ٢٦٧‬وقارن‬ ‫طلالبى ‪ :‬مرجع سابق‬ ‫‏) ‪ ( ١‬انظر عمار‬ ‫‏‪ ، ٦٠-٥٩‬وقارن بالمناظرة بين معتزلى وإياضى التى يرويها‬ ‫‏(‪ )٢‬بكير بن سعيد ‪ :‬مرجع سابق‬ ‫‏‪ ١٦٨/١١‬ط الجزانر ‪١٩٧٤‬م‏ ‪.‬‬ ‫الدرجينى فى طبقاته‬ ‫‪٥٢٣‬‬ ‫مثل كفار العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل ‪ .‬قال ابن إياض ‪ :‬قاتل الله نافعا!‬ ‫أى رأى رأى ؟ لقد صدق لو كان القوم مشركين ‘ وكانت سيرته كسيرة النبى فى‬ ‫المشركين ‪ ،‬لكنه كذب وكنذبنا فيما يقول ‪ .‬إن القوم كفار بالنعم والأحكام وهم برءاء‬ ‫من الشرك ‪ ....‬فقال ابن صفار ‪ :‬برئ الله منك فقد قصرت ‪ 0‬وبرئ الله من ابن‬ ‫الأزرق فقد غلا ‪ .‬فقال ابن إياض ‪ :‬برئ الله منك ومنه ‪ .‬وتفرق القوم ‏(‪. )١‬‬ ‫إنه موقف فاصل يؤكد اعتدال المذهب وحرصه على وحدة الأمة ‏‪ ٠0‬ورفضه‬ ‫للغلو والتطرف ‪ ،‬وهو مثل حرى بأن يحتذى فى التاريخ العربى المعاصر الذى تلم‬ ‫به أعراض الغلو والتطرف ‪ ،‬دينيا كان أو غير دينى ‪ 0‬وقد احتضنت عمان هذا‬ ‫الموقف المعتدل ء الذى زايد عليه الغلاة ولم يرض عنه الطغاة ء بل قاتلت دونه‬ ‫"لعدم تقبلها لأفكار الخوارج المتطرفين " ‏(‪ 0 )٢‬وردت عنها كتائب النجدات التى‬ ‫حاولت الغزو ونجحت إلى حين ‘ وقاتلت الصفرية تحت قيادة ابن الجلندى أول‬ ‫خليفة إياضى ‪ ،‬ثم الأمويين من بعد ‪ .‬واضطرت للتراجع ‪ ،‬حتى استعادت دولتها‬ ‫المستقلة عام ‪١٧٧‬ه‏ بعد قرابة قرن ونصف القرن ‪ 0‬وتشبثت بالمذهب المعتدل الذى‬ ‫أصبح ‪ -‬كما يقول د ‪ .‬خليفات ‪ " -‬المذهب السائد فى عمان ‪ 0‬واعتتقه معظم سكان‬ ‫ذلك القطر ‪ ،‬ولا تزال أغلبية سكانه تعتنق هذا المذهب حتى يومنا الحاضر " ‏(‪)٢‬‬ ‫ومنه أخذت الشخصية العمانية " سمة الاعتدال والوسطية مع الالتزام الأخلاقى‬ ‫والإيجابية " ‪.‬‬ ‫(‪ (١‬عبد المجيد أبو الفتوح بدوى ‪ :‬مرجع سابق‪-٤٠ ‎‬۔ ‪ 0 ٤١‬وعمار طالبى ‪ :‬مرجع سابق‪.١١٢٣ ‎‬‬ ‫(‪ )٢‬خليفات ‪ :‬مرجع سابق‪. ١!٧ ‎‬‬ ‫‪. ١٣٢‬‬ ‫(‪ )٢‬السابق‪‎‬‬ ‫‪٥٤‬‬ ‫‪ ٣‬الجانب العلمى والفكرى ‪ ( -‬ويميز بالتفتح والسماحة والعقلانية‪: ) ‎‬‬ ‫لا يكاد المتابع لتاريخ الفكر الإباضى يقضى العجب والإعجاب بالروح‬ ‫العلمية المبكرة التى حظى بها منذ عقود حياته الأولى ‪ 0‬وخلال القرنين الأول‬ ‫والثانى الهجريين ‪ 0‬وربما تيسر له من تفتح وسماحة وعقلانية ‪ 0‬فى الوقت نفسه ‪.‬‬ ‫ويرجع أكبر الفضل فى ذلك إلى القادة الموهوبين ‪ ،‬والأئمة البارعين الذين‬ ‫قاموا على شئونه منذ البداية ‪ :‬ويأتى فى مقدمتهم العمانى العبقرى جابر بن زيد‬ ‫(‪٩٢-١٨‬ه)‏ وهو صاحب أول ديوان مكتوب فى تاريخ العلم فى الإسلام ث كان‬ ‫يضم فتاواه ومروياته فى مجلدات عشر { فقدت جميعا ‪ 0‬ولم يبق له إلا قليل من‬ ‫"الجوابات" على مسائل محدودة ‪ 0‬وهو المؤسس الحقيقى للمذهب ‪ 0‬ولم يكن إماما‬ ‫مستورا ‪ ،‬يغطيه ‪ 0‬كما يرى بعض الباحثين ابن إياض الذى لم يكن إلا زعيما عمليا‪.‬‬ ‫بل كان جابر فقهيا للبصرة وللامة كلها ث يكره ‪ -‬كغيره من الأنمة ‪ -‬أن يقلده‬ ‫الناس‪ ،‬ويلتزموا رأيه ‪ ،‬فيقول منكرا على من يسجلون آراءه الفقهية ‪" :‬يكتبون عنى‬ ‫رأيا أتحول عنه غدا " ‏(‪ . )١‬وقد تلقى العلم عن مصدره الأصيل من أصحاب النبى‬ ‫وأمهات المؤمنين ‪ 0‬وعلى رأسهم ابن عباس ترجمان القرآن وحبر الامة الذى قال‬ ‫عنه ‪ " :‬لو أن أهل البصرة نزلوا على قول جابر بن زيد لأوسعهم علما عما فى‬ ‫كتاب الله " ‏(‪ )٢‬وأغلب الظن أنه هو الذى بلور فكرة التمييز بين كفر النعمة وكفر‬ ‫الملة ث ولعله ورثها عن شيخه ابن عباس ‏(‪ )٢‬ث كما ورث بذرة الاعتدال الاولى‬ ‫(‪ )١‬د‪ .‬أحمد درويش ‪ :‬جابر بن زيد ‪ -‬حياة من أجل العلم ( سلسلة أعلام العرب بالقاهرة‪) ‎‬‬ ‫العدد‪١٩٩١‎ . ١٤٠ ‎‬م ‪‎ -‬ص‪. ٥٦‬‬ ‫(‪ )٢‬السابق‪. ٤٢ ‎‬‬ ‫‏(‪ )٢‬راجع تفسير القرآن العظيم لابن عباس ‪ ،‬الجزء الأول عند تفسير آية " ومن لم يحكم بما‬ ‫انزل الله فأولئك هم الكافرون " من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪٥٥‬‬ ‫التى ولدت فى "النهروان" وقام عليها قبيلة أبو بلال حتى جاء هو فى النصف الثانى‬ ‫من القرن الهجرى الأول فقام عليها حتى استوت نبتا قويا فى عقده الأخير ‪.‬‬ ‫‪ .‬ثم جاء من بعده تلميذه أبو عبيدة مسلم بن أبى كريمة ‪ -‬رضى الله عنه ‪،-‬‬ ‫وهو وإن لم يبلغ مبلغه فى الفقه فإنه ‪ -‬كما يلاحظ عدد من الباحثين ‏(‪ )١‬كان‬ ‫موهوبا فى مجالى الدعوة والتنظيم ؤ فلئن غلب على جابر التنظير الفقهمى فقد غلب‬ ‫على تلميذه التنظيم الدعوى ؤ بينما غلب على الربيع بن حبيب التدوين والتوثيق‬ ‫العلمى فى مجال الحديث ‪ 0‬فكتب جامعه الذى ما يزال مرجع الإباضية وعمدتهم فى‬ ‫السنة حتى اليوم ث مع حرصه على شئون الدعوة أيضا ‪ 0‬وقد كان مثل خليفته فى‬ ‫توجيه شئون الدعوة وقيادتها محبوب بن الرحيا ‪ -‬أزديا عمانيا ‏(‪. )٦‬‬ ‫حتى لا يتخيل البعض أن هؤلاء القوم كانوا مهيجين يعملون على تصدير‬ ‫الثورة ث وإعداد جنودها وإمداد وقودها ‪ 0‬وهو مفهوم حديث أو معاصر لا ينبغى أن‬ ‫نستسلم لإغراء خلعه على الماضى ‪ ،‬نعيد إلى الأذهان فى هذا المقام ما رواه‬ ‫الطبرى من أنه " اجتمع نفر من الخوارج فى البصرة فقالوا ‪ :‬لو خرج منا خارجون‬ ‫فى سبيل الله ‪ ،‬فقد كانت منا فترة ‪ ،‬فيقوم علماؤنا فى الأرض فيكونون مصابيح‬ ‫الناس يدفعونهم إلى الدين ‪ ...‬‏(‪ )٢‬وهذا تطوير لمعنى الخروج يقترب مما تستعمله‬ ‫بعض الهيئات الإسلامية فى وقتنا الحاضر ‪ .‬ولإخواننا الإباضية موقف من مصطلح‬ ‫"الخروج" ؛ وهم يقصرونه على المروق من الدين ‪ 0‬ويحكمون ‪ -‬كما مر بنا‬ ‫موقفهم من الأزارقة ‪ -‬على المستحلين لدماء المسلمين حكما قاسيا ويتبرأون‬ ‫(‪ )١‬انظر خليفات ص‪ ١٠٣ ‎‬وعبد المجيد بدوى‪ ٦٥ ‎‬وما بعدها‪. ‎‬‬ ‫(‪ )٢‬خليفات‪. ‎‬‬ ‫(‪ )٢‬لنظر تاريخ الطبرى‪. ٥٦٧ / ٥ ‎‬‬ ‫‪٥٦‬‬ ‫منهم ‏(‪ 0 )١‬ومن الخوارج عامة وهم يرون ‪ -‬ولعل الفضل فى تاكيد هذا يرجع إلى‬ ‫جابر بن زيد ‪ -‬أن القعود عن مثل هذا اللون من الخروج أليق بالمؤمن ‪ 0‬وهنا يقول‬ ‫الدكتور عمار الطالبى ‪ " :‬والواقع أن الإباضية أقرب الفرق إلى السلف من أهل‬ ‫السنة ‪ 0‬وهذه الحقيقة قررها مصدر قديم من المصادر الموتوق بها ‪ 0‬وهو كتاب‬ ‫المبرد ى حيث ورد فيه ‪ ( :‬وقول عبد الله بن إياض ‪ :‬هو أقرب الأقاويل إلى‬ ‫السنة)(‪)٢‬‏ ‪.‬‬ ‫فالقوم عملوا على نشر العلم الإسلامى أساسا ‏‪ ٠‬وهو يرتبط بالعمل ‪ ،‬كما‬ ‫هو مقرر فى المصادر الشرعية ‪ 0‬وقوموا به ما استطاعوا من اعوجاج النفوس‬ ‫والاوضاع فى عصورهم طبقا لهذا المفهوم } ولذا فلا محل للإسراف فى خلع‬ ‫مفهومات لاحقه ‪ 0‬على أحداث الماضى ‪ ،‬فإنها قد تعوق الفهم أو تضلله فى بعض‬ ‫الأحيان ‪.‬‬ ‫ولعله من الأنفع لنا لن نرصد بعض الظواهر العلمية والتعليمية التى قدمتها‬ ‫الحركة الإباضية ‪ 0‬فى سياق تطوير التربية الإسلامية وتاريخ العلم فى الإسلام ‪:‬‬ ‫أ‪ -‬فمن ذلك الوعى المبكر باهمية التدوين ووضع قواعد التوثيق والضبط‬ ‫العلمى للروايات والآراء ‪ 0‬وممارسة ذلك فعلا على نحو سبقوا به غيرهم من الفرق‬ ‫الإسلامية ‪ 0‬ويرجع الفضل فى ذلك ‪ -‬كما بين الدكتور أحمد درويش ‏(‪ - )٢‬إلى‬ ‫الإمام الحقيقى للمذهب ‪ ،‬جابر بن زيد ‪ ،‬الذى امتد أثره فيمن بعده ‪ 0‬وبخاصة الربيع‬ ‫ابن حبيب ‪ -‬رضى الله عنهما ‪. -‬‬ ‫بالقاهرة‬ ‫وهبة‬ ‫‘‬ ‫أصولهم‬ ‫عن‬ ‫الإباضية دراسة مركزة‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ 4‬ومعمر‬ ‫‏‪٣,‬‬ ‫‪--‬‬ ‫طالبى‬ ‫‏) ‪ ( ١‬عمار‬ ‫‪٠‬‬ ‫‪٤‬‬ ‫‪٠‬‬ ‫ص‪‎‬‬ ‫(‪ )٢‬السابق‪. ١١٦ ‎‬‬ ‫(‪ )٢‬انظر أحمد درويش ‪ :‬مرجع سابق‪٧٩ ‎‬۔‪. ١٠٩ -‬‬ ‫‪٥٧‬‬ ‫بح ومن ذلك ‪ -‬أيضا ‪ -‬فكرة " المؤسسات التعليمية " وهى ناحية جديرة‬ ‫بالدراسة من رجال التربية والدعوة ‪ " :‬فمدارس حملة العلم " التى توسل بها الإمام‬ ‫أبو عبيدة بالبصرة ‪ -‬إلى جانب الحلقات العامة ‪ -‬لإعداد الداعية الفقيه ‪ 0‬وما سادها‬ ‫من تقاليد ‪ 0‬وما استقبلته من أفوا ج الطلاب ‪ 4‬وما نجم عنها من آثار ‪ 4‬فى تاريخ‬ ‫الحركة وفى الحياة الإسلامية بوجه عام ‪ 0‬كل أولئك أمور جديرة بالدراسة الجادة‬ ‫ذات العائد على حياتنا الحاضرة ‪ -‬دون تغليب العامل الحركى أو السياسى كما‬ ‫غلب على البحوث السابقة ‏(‪. )١‬‬ ‫ومن ذلك ‪ -‬أيضا ‪ " -‬نظام العرابة " الذى شاع بين لياضية المفرب‬ ‫وبخاصة فى الجزائر ‪ 0‬وفى جربة بتونس أيضا { وقد نفت فيه تقاليد ونظم فى‬ ‫الإدارة التعليمية والتربوية جديرة بالدراسة ث وتعتبر سابقة لعصرها إلى حد كبير ‪.‬‬ ‫كتوحيد الزى ‪ ،‬والعناية بالمعوقين ‪ ،‬وبالفروق للدارسين ‪ ،‬وبالأقسام الداخلية ونظم‬ ‫الإعاشة ‪ 0‬وبالرحلات والقوافل التعليمية } وبالمرأة كام بديلة لصغار الطلاب ى إلى‬ ‫غير ذلك من الجوانب الهامة فى الإدارة التربوية ونظم التعليم ‏(‪. )٢‬‬ ‫ج‪ -‬ومن الأمور الهامة فى هذا الصدد التنبه لأهمية العمل الجماعى العلمى‬ ‫أو " الفرق العلمية " ‪ ،‬فقد اشترك سبعة من علماء الإباضية بالمغرب فى تأليف‬ ‫موسوعة فقهية ‪ 0‬فى خمسة وعشرين جزءا } أطلق عليها اسم " ديوان الاشياخ '‬ ‫ويعتبر هذا الديوان من أهم المراجع فى " الفقه الإباضى " ‪ -‬الذى يمثل جانبا بالغ‬ ‫القيمة والخطر من الفكر الإباضى ‪ -‬وهو لا يزال محفوظا فى المكتبات الخاصة ‪9‬‬ ‫وربما وجدت منه أجزاء فى دار الكتب المصرية ‪ .‬وبعده تم تأليف " ديوان العرابة ‏‪٠‬‬ ‫اشترك فى تأليفه عشرة من العلماء " ‏(‪ )٢‬وتلك ناحية فى تاريخنا الثقافى جديرة‬ ‫‪ ، ١٧١ - ١٨٠‬وعبد المجيد بدوى‪ ٦٧ : ‎‬وما بعدها‪. ‎‬‬ ‫(‪ )١‬مثلا خليفات‪‎‬‬ ‫‪. ٤٢٣‬‬ ‫‪ ، ٣٩‬والفاوى ‪ :‬مرجع سابق‪‎‬‬ ‫‪ :‬الإباضية دراسة مركزة‪‎‬‬ ‫) ‪ (٢‬انظر معمر‬ ‫‪. ٢٦‬‬ ‫‪ :‬الإباضية درلسة مركزة‪‎‬‬ ‫)‪ (٢‬لنظر معمر‬ ‫بالدراسة ‪ 0‬والتتبع ‪ ،‬فلدينا مجموعات من الفتاوى وبعض جهود التقنين الفقهى التى‬ ‫حظيت بمثل هذا التنظيم الجماعى ‪ 0‬غير أنها نادرة فيما يبدو ‪ 0‬وقد توسع فيها‬ ‫الغربيون بحكم التطور الثقافى والتقدم العلمى ‪ 0‬ونحتاج فى الحقيقة إلى مزيد من‬ ‫العناية بها ‪ 0‬حيث لم يعد التقدم العلمى رهنا بالجهود الفردية كما كان فى الماضى ‪.‬‬ ‫د‪ -‬ولعلى أكتفى فى هذا المقام بالإلماح إلى روح التفتح العلمى والثقافى فى‬ ‫المؤسسات المشار إليها ؛ إذ لم تقتصر حلقات " حملة العلم " على إمداد الدارسين‬ ‫فيها بفروع الثقافة الإسلامية الأصيلة من لغة وفقه وتاريخ ‪ 0‬بل قدمت لهم إلى جانب‬ ‫ذلك " علوم الفلك والرياضيات ‪ ...‬فضلا عن تبصيرهم بفنون الحكم وأساليب‬ ‫السياسة ‪ ' ...‬‏(‪. )١‬‬ ‫وليس ذلك بمستغرب على مذهب يقوم على العقل والنقل معا ث ويتجه إلى‬ ‫الإنسان من حيث هو ‪ ،‬دون تمييز جنسى أو عنصرى أو تبلى ‪ .‬وقد أخذت‬ ‫الحضارة الإسلامية فى عصور ازدهارها ‪ 0‬من الشرق والغرب ‘ ما أعطاها مكانها‬ ‫ومكانتها المتميزة فى التاريخ العقلى للإنسانية ‪.‬‬ ‫وليس بمستغرب ‪ -‬أيضا ‪ -‬ما نجده فى عمان المعاصرة من عناية‬ ‫بالمؤسسات التعليمية والجامعية ‪ 0‬ومن روح علمية توثيقية وجهود مرموقة فى ميدان‬ ‫إحياء التراث { مع التفتح على الثقافة المعاصرة ‪ 0‬دونما تعارض موهوم بين‬ ‫الأصالة والمعاصرة ‪ 0‬ولعل ذلك التوجه ثمرة لاختمار تلك القيم الثقافية والحضارية‬ ‫فى التربة العمانية بفضل هؤلاء الأسلاف وجهودهم الرائدة ‪.‬‬ ‫‪. ٦٧‬‬ ‫(‪ )١‬عبد المجيد بدوى‪‎‬‬ ‫‪٥٩‬‬ ‫‪ ٤‬الجانب العملى والاجتماعى ( ويتسم بمفهومى التكافل والمساواة‪: ) ‎‬‬ ‫يبرز فى الفكر الإباضى العناية بمفهوم " الأمة " وحقوقها ‪ 0‬وهو ما يعرف‬ ‫فى الفقه الإسلامى " بحقوق الله " ‪ -‬تعالى ‪ 0‬ولكن مرجعها فى الواقع إلى حقوق‬ ‫المجتمع المسلم ومصالحة ‪ .‬كما يعنون ‪ -‬أيضا ‪ " -‬بفروض العين " التى يطالب بها‬ ‫الفرد المسلم فى كل أحواله بحسب شروطها وأوضاعها الشرعية ‪ 0‬وبفروض الكفاية‬ ‫التى هى عبارة عن مسئوليات جماعية تطالب بها الأمة ‪ 0‬فإن قام بها من تتم بهم‬ ‫الكفاية ويتحقق الغرض سقط الطلب عن الباقين ‪ ،‬وإلا أثنمت الأمة جميعا ‪ .‬ومن‬ ‫أظهر هذه الامور واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الذى هو طابع مميز‬ ‫للامة المسلمة ‪ ،‬ما دامت قائمة على أصولها ‪ .‬الشرعية المرعية " ولتكن منكم أمة‬ ‫يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ‪ .‬وأولئلك هم‬ ‫المفلحون"(‪)١‬‏ ‪.‬‬ ‫وهذا هو الاصل الاصيل وراء جهود القوم وتضحياتهم ‪ 0‬ومساعيهم الدائبة‬ ‫لخدمة الأمة والدفاع عن قيمها الأصيلة ‪ 0‬ورثته عنهم فرق أخرى كالمعتزلة‬ ‫وغيرهم ‪ 0‬وهو على كل حال مبدأ أصيل فى الشريعة الإسلامية ذاتها ‪ .‬لكن بعض‬ ‫الباحثين يركز على تطبيقاته السياسية فى مجال الإمامة والنشاط السياسى بوجه عام‬ ‫وهى ناحية من أبرز النواحى فى التراث الإباضى بلا شك ‪ ،‬وللقوم فيها إنجازات‬ ‫ومواقف مشهودة ‪ .‬ونود هنا أن ننوه ‪ -‬أيضا ‪ -‬بتطبيقاته الاجتماعية على سواء ‪.‬‬ ‫ا‪ -‬فمن الناحية السياسية‬ ‫‏‪ -١‬يقرر الفكر الإباضى ضرورة إقامة الدولة التى تقيم الحدود وتتفذ‬ ‫الاحكام ‪ 0‬ويرفضون قول " النجدات " ‪ 0‬ومن وافقهم على عدم ضرورة إقامة الإمام‪.‬‬ ‫(‪ )١‬آل عمران ‪ :‬الآية رقم‪. ١٠٤ ‎‬‬ ‫ويرون أن هذا القول يؤدى إلى تعطيل حدود الله ‪ 0‬وإلى تضييع الأمر‬ ‫بالمعروف والنهى عن المنكر ‏(‪ ، )١‬أى أن غياب الدولة يؤدى إلى الفوضى فى‬ ‫المجتمع المسلم ‪ 0‬ويعطل فروض الكفاية أو أكثرها ‪ 0‬وهى تكليفات جماعية لا‬ ‫مناص من القيام بها وإلا أثم جميع المسلمين ‪ .‬وأحسب أن ضرورة قيام الدولة فى‬ ‫كل مجتمع إنسانى ‪ -‬وطنيا أو قوميا أو عقائديا ‪ -‬هو أمر مستقر فى التجربة‬ ‫الواقعية وفى الفكر السياسى فلسفيا كان أو علميا ‪ 0‬وأصبحت النزعات المضادة‬ ‫القائلة بتقليص الدولة أو إمكانية الاستغناء عنها إما عدمية فوضوية ‪ ،‬أو خيالات‬ ‫فلسفية وهمية ‪ 0‬لا وزن لها فى مجال التطبيق ‪.‬‬ ‫‏‪ ٢‬لكن الأهم من ذلك هو المبدأ الشورى ‪ ،‬أو الديمقراطى إن استخدمنا‬ ‫ألفاظ العصر ى الذى يتمسك به الفكر الإباضى منذ فجر ولادته ؛ " إن الإمامة يجب‬ ‫أن تكون حقا عاما لكل أفراد الأمة ‪ 0‬يتولاها منهم من تتوفر فيه شروطها ‪ 0‬ومن يقع‬ ‫عليه الاختيار من قبل الأمة ث ولن لم يكن قرشيا ‏(‪ . )٢‬إن الطابع الديمقراطى للفكر‬ ‫السياسى الإباضى يقوم على مبدأ المساواة الإنسانية } تكافؤ الفرص بين أبناء الأمة‬ ‫كافة ‪ .‬وكل منصب عام فهو حق لمن توفرت فيه شروطه إذا اختير له من قبل‬ ‫السلطة الشرعية ‪ ،‬وللإباضية فى مجال الشروط وعناصر الكفاية اللازمة للوظائف‬ ‫العامة " مزيد اهتمام باشتراطل صفتى العلم والعدالة " ‏(‪ )٢‬والمقصود بهما الكفاية‬ ‫الفنية والمتانة الخلقية ‪ 0‬وهم يستنبطون ذلك من قول الله سبحانه ‪ " :‬إن خير من‬ ‫استأجرت القوى الأمين " ‏(‪ )٤‬وقوله ‪ -‬عز من قائل ‪ -‬على لسان يوسف ‪ -‬عليه‬ ‫(‪ )١‬عمار طالبى‪. ٢٧٤ : ‎‬‬ ‫‪. ١١‬‬ ‫(‪ )٢‬عبد المجيد بدوى ث ص‪‎‬‬ ‫‪. ١٥٣‬‬ ‫(‪ )٢‬السابق‪‎‬‬ ‫(‪ )٤‬القصص ‪ :‬آية‪. ٢٦ ‎‬‬ ‫‪٦١‬‬ ‫السلام ‪ " -‬اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم " ‏(‪. )١‬‬ ‫‏‪ ٢‬أما مسألة القرشية التى يقول عنها أحد الباحثين ‪ " :‬ليس بين الإباضية‬ ‫وجمهور أهل السنة من خلاف فيما يتعلق بمواصفات الإمام فى شىء واحد ؛ هو‬ ‫النسب ‏(‪ ، )٢‬فقد احتفظ فيها الفكر الإباضى بموقفه الوسط ‪ ،‬وحافظ فى الوقت نفسه‬ ‫على مبادئه التى استخلصها من الشريعة نفسها ؛ فقرر أن القرشية ‪ ،‬التى أشارت‬ ‫إليها بعض الأحاديث ‪ 0‬وهمى شرط مرجح فقط لا يلفى الحق العام فى تكافؤ‬ ‫المسلمين ؛ بمعنى أن القرشى يكون أولى بهذا الأمر عندما يتساوى مع غير القرشى‬ ‫فى الصفات المطلوب توافرها " ‏(‪ 0 )٢‬وأحسب أن هذا هو ما انتهى إليه الفكر‬ ‫السياسى عند أهل للسنة أو قريب منه ؛ إذ يقول سيف الدين الآمدى عنه فى كتاب‬ ‫"غاية المرام " ‪ " :‬ولعمرى إن مثل هذا الشرط واقع فى مجال الاجتهاد ‏(‪ 0 )٤‬ولعلهم‬ ‫نظروا إلى ظروف العصر ‪ ،‬وصعوبة تحقق القرشية ‪ ،‬أو أن المقصود بها الشوكة‬ ‫ولستتباع الناس ‏(‪ . )٥‬فإذا كان هذا هو محل الخلاف الوحيد ‪ -‬فى هذا الصدد ‪-‬‬ ‫فيجب أن ينتهى الخلاف ‪.‬‬ ‫‏‪ -٤‬أما موضوع " الخروج " فهو يؤكد ما قررناه مكررا من طابع الاعتدال‬ ‫والوسيطة فى الفكر الإباضى ‪ ،‬فدار المخالفين دار إسلام لا تجوز الهجرة منها ولا‬ ‫(‪ )١‬يوسف الآية‪. ٥٥ : ‎‬‬ ‫‪. ١٥٠٠‬‬ ‫(‪ )٢‬عبد المجيد بدوى‪‎‬‬ ‫‪. ١٥١‬‬ ‫(‪ )٢‬للسابق‪‎‬‬ ‫‪ ١٤٤‬ب‪. ‎‬‬ ‫‪ . ١٩٧١‬ل‪‎‬‬ ‫(‪ )٤‬انظر الآمدى ‪ :‬غاية للمرام ث ط مصر‪‎‬‬ ‫‪ ، ١٩٦ - ١٦٤‬وقارن عبد المجيد بدوى‪: ‎‬‬ ‫(‪ )٥‬انظر ابن خلدون ‪ :‬للمقدمة ث ط التجارية بمصر‪‎‬‬ ‫‏‪. ١٥١‬‬ ‫مرجع سابق‬ ‫‪٦٢‬‬ ‫الغارة عليها ‪ 0‬وليس الخروج على السلطان الجائر بواجب بل هو جائز بشروطه ث‬ ‫اللهم إلا من غلبته روح الفدائية أو " الشراء " فله ذلك ‪ ،‬دون أن يلزم الامة أو جميع‬ ‫" أهل الاستقامة " بمشاركته المخاطرة بنفسه ‪ ،‬التى اشترطوا لها أيضا بعض‬ ‫الشروط الفقهية ‪ .‬أريد أن أذكر هنا مرة ثانية أن هذا هو موقف أهل السنة تماما من‬ ‫(المتغلب) أو الحاكم المفتقد لشروط الكفاءة } أو الذى لا ترتضيه الجماعة ‏(‪. )١‬‬ ‫‏‪ ٥‬تبقى مسائل فرعية أخرى مثل جواز تعدد الأئمة فى العصر الواحد‬ ‫عند الإباضية وقد أخذ بها بعض أهل السنة أيضا فيما بعد ‏(‪ . )٢‬ومسألة التفضيل‬ ‫بين الخلفاء ‪ 0‬وقد مر بنا الاتجاه المعتدل لدى متأخرى الإباضية إلى إيثار التوقف‬ ‫فيها ‪ .‬وعنها يقول ابن تيمية ‪ " :‬إنها ليست من الأصول التى يضلل المخالف فيها‬ ‫عند أهل السنة " ‏(‪. )٢‬‬ ‫وبعد ؛ فإن أروع ما فى الفكر الإباضى السياسى هو روح المساواة‬ ‫الإنسانية ‪ 0‬ومبدأ الشورى أو الديمقراطية الذى يقوم على هذه المساواة ويتسق مع‬ ‫مذهب يحترم العقل والخبرة مع الالتزام بالوحى والشريعة ‪ 0‬وهو ما يحق للعمانى‬ ‫المعاصر أن يفخر به اليوم } فى عالم يعتبر هذه المبادىء أساس الشرعية فى كل‬ ‫المجتمعات الإنسانية ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬أما من الناحية الاجتماعية‬ ‫فإن روح المساواة والتكافؤ والتكافل بين المسلمين فى حياتهم الاجتماعية‬ ‫التى تتخلل الفكر الإباضي لا تقتصر على المجال السياسى بل تمتد إلى الحياة‬ ‫‏(‪ )١‬انظر بدوى ‪ :‬‏‪ ١٥٦١ 0 ٤٦‬وقارن حسن الشافعى ‪ :‬لمحات من الفكر الكلامى ‘ دار الثاقفة‬ ‫‏‪٢٦٠‬‬ ‫العربية بمصر ‏‪ ١٤١٣‬ه ‘ ص‬ ‫‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬انظر السنهورى ‪ :‬الخلافة‪‎‬‬ ‫(‪ )٢‬ابن تيمية ‪ :‬العقيدة الواسطية ط مصر بلا تاريخ ث ص‪. ٢٦ ‎‬‬ ‫‪٦٢‬‬ ‫الاجتماعية أيضا ‪ ،‬وهى الناحية التى نود أن ننوه بها فى هذا المقام ث وإن أغلها‬ ‫أكثر الباحثين الذين تجذبهم الافكار والتطبيقات السياسية بوجه خاص ‪.‬‬ ‫‪ -١‬وأول ما نذكره فى هذا الصدد حرص الإباضية على وحدة الأمة‪© ‎‬‬ ‫وعدم تبديد طاقتها فى الخلافات الداخلية } والمفاصلة مع أدعياء الخروج وضحايا‪‎‬‬ ‫الطموح السياسى والمراهقة الفكرية ‪ .‬وإذا كان ابن إياض قد عبر عن هذا الموقف‪‎‬‬ ‫فى حسم ‪ ،‬وذادت عمان عن حياضها موجات البغاة والغفلاة من النجدات‪‎‬‬ ‫والصفاريةش فإن الفضل الاكبر يعود إلى إمام المذهب جابر بن زيد الذى جعل أساس‪‎‬‬ ‫توجيهه لأهل الاستقامة مبادئ ثلاثة ‪ :‬همى عدم الهجرة لمجتمع المخالفين من‪‎‬‬ ‫الموحدين ‪ 0‬وكفكفة نوازع الخروج والاحتكاك بالسلطة ‪ 0‬والانصراف إلى الدعوة‪‎‬‬ ‫والتربية ث مؤثرا أن يبنى للمستقبل بدل أن يبدد قوى الحاضر ‪ ،‬وأن ينظر إلى‪‎‬‬ ‫المجتمع ككل بدلا من التركيز على السلطة أو الصفوة الحاكمة‪ . )١( ‎‬ثم جاء بعده‪‎‬‬ ‫تلميذه أبو عبيدة فعمل على أن يجعل ‪ -‬كما يقول د‪ .‬خليفات ‪ " -‬من أتباعه مجتمعا‪‎‬‬ ‫تسوده المودة والمحبة والإخاء ‪ ...‬وتسيطر عليه روح الجماعة ‪ 0‬وكان يحثهم على‪‎‬‬ ‫التالف والتعاون فيما بينهم ‪ 0‬كما طلب من الأغنياء أن يكونوا عونا للفقراء وستندا‪‎‬‬ ‫لهم ‪ ...‬وقد لبى الأثرياء منهم هذا الطلب بحماس شديد‪ )٢( " ‎‬؛ " فلم يكن العلم عند‪‎‬‬ ‫جابر بن زيد والصفوة من علماء عصره ‪ -‬كما يقول د ‪ .‬أحمد درويش ‪ -‬مجرد‪‎‬‬ ‫بحث جاد واستقصاء متصل ‪ ...‬وإنما كان العلم سلوكا ‪ ...‬ومحاولة لإقامة مجتمع‪‎‬‬ ‫إسلامى حقيقى‪ . )٢( " ‎‬وهذا ما نرجوه أن يقدمه المجتمع العمانى الناهض نموذجا‪‎‬‬ ‫للامة الإسلامية فى أزمتها الحاضرة‪. ‎‬‬ ‫‏‪ ٦‬ومن الظواهر التى تسترعى النظر فى الحركة الإباضية عنايتها‬ ‫‏‪. ٦١٢ - ٦١‬‬ ‫‏) ‪ ( ١‬انظر عبد المجيد بدوى‬ ‫‏‪. ١١٢٣‬‬ ‫‏) ‪ ( ٢‬خليفات ‪ :‬مرجع سابق‬ ‫‪. ١١١‬‬ ‫(‪ )٢‬أحمد درويش‪‎‬‬ ‫بالشباب ‪ ،‬ولئن كان هذا الأمر طبعيا فى مجتمعاتنا اليوم فإنه لم يكن كذلك فى‬ ‫الماضى ‪.‬ولعل النزعة الإيجابية ‪ 0‬والروح العقلانية المتحررة ‪ ،‬والالتزام الأخلاقى‪،‬‬ ‫والاهتمام بهموم الأمة فى الفكر الإباضى ‪ ،‬أمور راقت للشباب واستقطبت جهده فى‬ ‫ذلك الزمان المتقدم ‪ 0‬فتلاقى وعى الشيوخ بحماس الشباب ‪ .‬ولا نكاد نجد بروزا‬ ‫للظاهرة الشبابية ‪ .‬لدى الدعوات المختلفة التى زخر بها المجتمع الإسلامى فى‬ ‫الماضى ‘ كما هو الحال فى الحركة الإباضية ‪ .‬وقد كانوا يحفظوننا بالازهر من‬ ‫خطب أبى حمزة الشارى فى أهل مكة ‪ " :‬وتذنكرون أصحابى ‪ ،‬تعيروننى بأنهم‬ ‫شباب ‪ .‬شباب والله مكتهلون فى شبابهم ‏‪ ٠‬غضيضة عن الشر أعينهم ‘ ثقيلة عن‬ ‫الباطل أرجلهم ‪ ،‬فنظر إليهم ربهم فى جوف الليل وهم قيام على أجزاء القرآن كلما‬ ‫مر أحدهم بآية فيها ذكر النار بكى خوفا منها ‪ ،‬أو آية فيها ذكر الجنة طار شوقا‬ ‫إليها ‪ " ...‬فهل يعيد شباب اليوم صور الأسلاف فى بناء مجتمعاتهم على أساس من‬ ‫الالتزام الأخلاقى والسمو الروحى والإيجابية ؟؟‬ ‫‏‪ -٢٣‬والمرأة أيضا ‪ ،‬قد يستغرب بعض المعاصرين ‘ نعم ‪ 0‬لقد عنيت هذه‬ ‫الحركة العجيبة بأمر المرأة المسلمة ودورها فى بناء المجتمع وتنميته وإصلاحه ؛‬ ‫فالمهمة واحدة والمسؤلية عن ذلك مشتركة فى منطق القرآن الكريم ' والمؤمنون‬ ‫والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون‬ ‫الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز‬ ‫حكيم " ‏(‪ . )١‬لا محل إذن للاستغراب ‪ ،‬لقد بدأ الإمام جابر هذه العناية واستن هذه‬ ‫السنة ث وأحياها { فتابعه شيوخ المذهب من بعد ؛ تقول هند بنت المهلب ‪ " :‬كان‬ ‫‪. ٧١‬‬ ‫(‪ )١‬التوبة ‪ -‬الآية‪‎‬‬ ‫‪٦٥‬‬ ‫جابر بن زيد أشد الناس انقطاعا إلى وإلى أمى ؛ فما أعلم شيا كان يقربنى إلى الله‬ ‫إلا أمرنى به ‪ ،‬ولا شيئا يباعدنى عن الله إلا نهانى عنه ‪ 0‬وما دعانى لإلى "الإباضية"‬ ‫قط ولا أمرنى بها ‪ 0‬وإن كان ليأمرنى أن أضع الخمار ‪ -‬ووضعت يدها على‬ ‫الجبهة ‪ " -‬‏(‪ )١‬ث ولست أجد ضرورة للتشكك فى هذه الواقعة فهى لا تعارض دور‬ ‫الرجل فى الحركة ‪ 2‬ولكنها تفيد شيئا هاما ؛ هو أن أنجح أساليب الدعوة هو ما تم‬ ‫بطريق غير مباشر ‪ -‬فرحم الله الجميع ‪.‬‬ ‫أما أبو عبيدة فقد واصل السعى فى هذا السبيل بمزيد نشاط وعناية ‪ ،‬فقد‬ ‫سئل عن " امرأة أعجمية لا تفقه العربية ‪ 0‬ولا تقرأ ولا تتعلم ‪ :‬هل تعطى من‬ ‫الزكاة؟ فاجاب بانها تعطى على قدر فقرها ‪ ،‬إن كان جهلها بالتعليم للبلادة أو غير‬ ‫ذلك ‪ .‬أما إن كان جهلها سببه التضييع والإهمال فلا تعطى شينا " ‏(‪ )٢‬ترى لو رأى‬ ‫أبو عبيدة نساء أمتنا اليوم ماذا كان يفعل ؟ أما هو فقد حاول الإصلاح فى عصره ؛‬ ‫"سألته امرأة من أتباعه أن يسمح لها بالمقام فى مكة بعد أن أدت فريضة الحج ‏‪٥‬‬ ‫فقال لها ‪ :‬الخروج أفضل " ‏(‪ . )٢‬وكان ‪ -‬رضى الله عنه ‪ -‬ربما عقد مجالس‬ ‫الدعوة العامة " فى بيوت النساء العجائز ‪ 0‬أو فى بيوت اللاتى انخرطن فى الدعوة‬ ‫من أصحاب النفوذ السياسى ؛ مثل سعيدة زوجة خال المهدى العباسى الذى كان وليا‬ ‫للعهد آنذاك ‪ " ...‬‏(‪. )٤‬‬ ‫وهكذا كان للمرأة الإباضية " دورها الفاعل والمؤثر ‪ ...‬منذ وقت مبكر ‪8‬‬ ‫‏‪٠‬‬ ‫على التمسك بهذ ه السنة فى مجتمعاتهم المتعددة‬ ‫وقد استمر ‏‪ ١‬لإباضية حريصين‬ ‫‪. ٢٦٩‬‬ ‫(‪ )١‬أحمد درويش‪‎‬‬ ‫(‪ )٦٢‬عبد للمجيد بدوى‪. ٢١٦ ‎‬‬ ‫(‪ )٣‬السابق‪. ٧١ ‎‬‬ ‫(‪ )٤‬للسابق‪. ٦٦ ‎‬‬ ‫‪٦٦‬‬ ‫وفى عصورهم المختلفة ‪ 5‬وقد أفادوا كثيرا من للعنصر النسائى " ‏(‪ 9 )١‬وربما كان‬ ‫من مظاهر ذلك ما يرويه للشيخ على معمر عن لباضية ليبيا ؛ أنه " اشتهر لهم عدد‬ ‫كبير من العلماء ‪ ...‬كما اشتهرت لهم‪ .‬مدار عامرة‪ ،.‬بانظمة تربوية رائعة ©‬ ‫زودت بأقسام داخلية لإفادة الطلبة الغرباء ‪ 0‬تحت لإشراف مربيات قديرات ؛ فنبغ‬ ‫منهن عالمات جليلات سجلت لهن أراء وأقوال فى مسائل الشريعة ‪ 0‬وكان بعضهن‬ ‫يشتركن فى مناظرات مع كبار للعلماء ‪ 4‬ويسجلن على بعضهم فوزا واضحا ‘ وكان‬ ‫لبعضهم مواقف حازمة فى قضليا خطيرة من شنون للسياسة والمجتمع ' ‏(‪ )٢‬وليس‬ ‫بمستبعد مع النهضة العمانية الحاضرة أن نرى متيلات هؤلاء بإذن الله ‪.‬‬ ‫بقيت الآن‪ .‬كلمتان عن للجانب اللغوى ولللجانب الروحى من التراث‬ ‫الإيلضى ‪.‬‬ ‫هاما للجانب للنفوى ‪:‬‬ ‫فإنى اعتقد جازما أن لللغة‪ 0.‬لكل‪ :‬قوم ولأفرلد‪:‬هذا القوم ‪ 0‬مقوم أساسى من‬ ‫مقومات ا!شخصية الجماعية والفردية ‪.‬‬ ‫وأحسب أن تاريخنا يقول ‪:‬الننه‪ :‬بالرغم مين‪:‬أن العديد من المتكلمين فينا‬ ‫والدعاة قد احسنوا للقول وأجادوا للكلام {‪:‬فإن شيوخ الإبلضية قد نالوا من ذلك سهما‬ ‫ولفرا وحظا‪.‬وافيا ‪ .‬صحيح أن المذهب يؤمن بللمساواة الإنسانية ويتوجه إلى‬ ‫المسلمين على اختلاف ألسنتهم وللوانهم ‪ 0‬وقد كان أشهر أنمة الظهور فى المغرب‬ ‫من بنى‪ .‬رستم ‪ 0‬وهم ينزعون إلى عبق فارسى ‪ ...‬وكان القوم يؤمنون بوجوب‬ ‫للطظلاغة ولو تامر عليهم عبد‪ .‬جبشى ‪ .‬ولكن‪ :‬التجارب التى مارستها الحركة‬ ‫() للسايق‪٧٢:‬‏ ‪.‬‬ ‫‏‪ )٢(:‬على يجيىععمر ‪ :‬الإبغضية‪ -:‬درلمسةمزنكزة‪٣٥:‬‏ ‪..‬‬ ‫‪٦٧‬‬ ‫الإباضية والمجتمعات التى سادتها ‪ 0‬كانت فى الأغلب عربية خالصة ء وعلى ‪..‬‬ ‫هه‬ ‫رأسها عمان ‪ ،‬التى منها خرج البيان العربى فى أعرق ألحانه الشعرية ‪ ،‬فكان‬ ‫طبيعيا وقد خالطت بشاشة الإيمان فيها القلوب ‪ 0‬وحملت النفوس أمانة الدعوة ‪ ،‬أن‬ ‫يصدر عنها وعمن يشاركونها موقفها ‪ 0‬أدب رصين حى ‪ 0‬يدفع عن قضية ويذود‬ ‫عن رأى ‪ ،‬وهذا ما نجده فى خطب أبى حمزة وشعر عمران كما مر بنا ‪ 0‬ونجده‬ ‫كذلك على لسان جابر وأبى عبيدة والربيع بن حبيب وإن غلب عليه الفقه أو الرواية‬ ‫أو أسلوب النصيحة والدعوة ‪ 0‬ولا غرو فقد نشا القوم فى بيئة عربية خالصة ‪9‬‬ ‫وخاضوا أهوالا ‪ ،‬وكابدوا من البلاء أشكالا ‪:‬‬ ‫من الأبطال ويحك لن تراعى‬ ‫أقول لها وقد شارت شعاعا‬ ‫طكالنعى‬ ‫تى ل‬ ‫على الأجل الذ‬ ‫فإنك لو سالت بقاء يوم‬ ‫فما نيل الخلود بمستطظاع‬ ‫فصبرا فى مجال الموت صبرا‬ ‫فيطوى عن أخى الخنع البراع‬ ‫ولا ثوب البقاء بثؤب عز‬ ‫وداعيعه لاهل الأرض داع‬ ‫سبيل الموت غاية كل حى‬ ‫إن السليقة ناصعة وافرة ‪ 0‬والتجارب دافقة زاخرة ‪ ،‬والقضية شاهدة‬ ‫حاضرة ‪ ،‬فكيف لا يجود الشعر ويحلو الكلام ؟ فإذا ما ظهر الفقه واستحكم الجدل‬ ‫وذاعت الدعوة ؛ جاءت أسباب جديدة وصيغ مستحدثة وأساليب مخترعة ‪ 6‬لفن‬ ‫القول وتصريفه والسمو به ‪.‬‬ ‫وكان الخوارج قد سبقوا إلى ذلك اللون الأخير ‪ ،‬إذ كانوا "أول من فتح باب‬ ‫الفلسفة الدينية ‪ 0‬والفقه السياسى العقلى ‪ 0‬وبذلك برهنوا ‪.‬على نفاذ فى الفكر ‪ 0‬وقوة‬ ‫‏(‪ " )١‬حتى لقد ضاق بذلك البعض‬ ‫فى الاستدلال ‪ 0‬وبراعة فى إثارة المشكلات‬ ‫‪. ١٢٠‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪١٩‬‬ ‫) ‪ ( ١‬عمار طالبى‪‎‬‬ ‫‪٦٨‬‬ ‫منهم ‪:‬‬ ‫طول الجدال وخلط الجد باللعب‬ ‫كنا أناسا على دين فغيرنا‬ ‫عن الجدال وأغناهم عن الخطب‬ ‫ما كان أغنى رجالا ضل سعيهمو‬ ‫أما أصحابنا الإباضية فلم يضيقوا به لأنه كان وسيلة دعوة وسبيل هداية ‪9‬‬ ‫لا طريق تغير عن الحق أو إعراض عنه ‪.‬‬ ‫وفى النهضة العمانية حس نافذ ووعى صادق بجمال العربية وجلالة تراثها‬ ‫العريق ‪ 0‬فهى منه تمتاح وعليه تبنى وإليه تضيف ‪ ،‬ونحن ندعو بالمزيد ‪ 0‬ونتطلع‬ ‫إلى الجديد ‪ " .‬والبيان ؛ بعد ‪ 0‬هو نعمة الله الكبرى التى أنعم على عباده ‪ ..‬كذلك‬ ‫علمنا ربنا سبحانه إذ قال " علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان " فمن استهان‬ ‫بالكلمة فقد استهان بافضل ألاء الله على عباده ‪ " ...‬‏(‪. )١‬‬ ‫وأما الجانب الروحى ‪:‬‬ ‫فإن الإنسان ليس مجرد عقل أو لسان ‪ ،‬أو جثة شاخصة وكيان ‪ 0‬بل هو‬ ‫مع ذلك ومن ورائه روح وقلب " إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب ‪ ' ...‬‏(‪. )٦٢‬‬ ‫وإذا جاء حديث الروح جاءت إلى الوعى قيمة الذكر ‪ 0‬وهذا حق خالص ؛‬ ‫' ألا بذكر الله تطمئن القلوب ‪ " ...‬‏(‪ 0 )٢‬وقد ضرب النبى صلى الله عليه وسلم‬ ‫مثلا ‪ :‬فقال ‪ " :‬مثل الذى يذكر ربه والذى لا يذكره كمثل الحى والميت " (رواه‬ ‫‏‪. ٣٩‬‬ ‫‪ .‬ط دار البخارى بالقاهرة ص‬ ‫العربية‬ ‫‪ :‬فضل‬ ‫‏) ‪ (١‬محمد بن سعيد‬ ‫‪٠‬‬ ‫‏‪٣٧‬‬ ‫الاية‬ ‫‪-‬‬ ‫ق‬ ‫‏)‪ (٢‬سورة‬ ‫‪. ٢٧‬‬ ‫)‪ (٢‬الر عذ ‪ :‬الأية‪‎‬‬ ‫‪٦٩‬‬ ‫البخارى) ‏(‪ 0 )١‬وسأل أصحابه يوما " ألا أنبنكم بخير أعمالكم ‪ 0‬وأزكاها عند‬ ‫مليككم‪ ،‬وأرفعها فى درجاتكم ‪ 0‬وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ‪ ،‬وخير لكم من‬ ‫ان تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا ‪ :‬بلى ‪ 0‬قال ‪ :‬ذكر الله‬ ‫تعالى " ‪ -‬رواه الترمذى ‪ 0‬قال الحاكم أبو عبد الله ‪ :‬إسناده صحيح ‏(‪ . )٢‬فالقلب‬ ‫الحى جانب جوهرى من شخصية المؤمن ‪ 0‬وقد مربنا كيف كان شباب الإباضية‬ ‫يقضون ليلهم فى الذكر ‪ ،‬تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم ‪ 0‬ولئن رأى‬ ‫بعض العلماء أن زهدهم غلب عليه الخوف من النار ‪ 0‬فقد كان الشوق إلى الجنان‬ ‫لحنا آخر طارت به قلوبهم إلى الملا الأعلى ‏(‪. )٢‬‬ ‫ولكن الحياة الروجية تزدهر حقا باستعلاء المؤمن على حطام الدنيا ‪" 0‬روى‬ ‫الحصين عن جابر بن زيد أنه قال ‪ :‬سألت ربى ثلاثا فاعطانيهن ‪ :‬سألت زوجة‬ ‫مؤمنة وراحلة صالحة ‪ 0‬ورزقا حلالا كفافا يوما بيوم ‪ .‬وقال لأصحابه ‪ :‬ليس منكم‬ ‫رجل اغنى منى ‪ ،‬ليس عندى درهم ولا على دين " ‏(‪. )٢‬‬ ‫والحياة الروجية تزدهر بالخلق الحسن & فجوهر الدين الخلق ‪ ،‬قال الحارثى‬ ‫فى " العقود الفضية " عن جابر ‪ " :‬كان غاية فى الأخلاق والجود والكرم ‪ 4‬خرجت‬ ‫زوجته آمنة إلى الحج ‪ ،‬ولما رجعت شكت إليه سوء معاملة الجمال ث فخرج إليه‬ ‫وأدخله داره ‪ ،‬واشترى لإبله علفا ى وعولج له طعام ‪ 0‬واشترى ثوبين كساه بهما }‬ ‫ودفع له بما كان مع آمنة من قرب وإداوة وغير ذلك ‪ .‬فقالت ‪ :‬أخبرتك بسوء‬ ‫‏‪. ٢٤‬‬ ‫‪ 4‬ص‬ ‫الصالحين « د ار الكتب العلمية بيروت‬ ‫‪ :‬رياض‬ ‫‏) ‪ ( ١‬النووى‬ ‫(؟) السابق ‪ :‬‏‪. ٢٨٦‬‬ ‫‪. ١٩٣‬‬ ‫‏‪. ١٠‬‬ ‫الطالبى‬ ‫(( عمار‬ ‫‪. ٢٢٧‬‬ ‫)‪ (٤‬أحمد درويش‪‎‬‬ ‫العشرة ‪ 0‬ففعلت ما أرى ! فقال ‪ :‬أفنكافيه مثل فعله فنكون مثله ؟ بل نكافيه بالإساءة‬ ‫إحسانا وبالسوء خيرا " ) ‏‪. ( ١‬‬ ‫ووصفه أبو نعيم الفضل بن دكين فى " الحلبة " فقال ‪" :‬المتخلى بعلمه عن‬ ‫الشبه والظلماء ‪ 0‬والمتسلى بذكره فى الوعورة والوعثاء ‪ 0‬جابر بن زيد أبو الشعثاءء‬ ‫كان للعلم عينا معينا ‪ 0‬وفى العبادة ركنا ركينا مكينا ‏‪ ٠‬وكان إلى الحق آيبا ‪ 0‬ومن‬ ‫الخلق هاربا ‪ " ...‬‏(‪ )٢‬أ ه ‪.‬‬ ‫وفى الختام أود أن أنبه إلى أنه بالوسطية والإيجابية فى الجانب الاعتقادى }‬ ‫وبالتفتح والعقلانية فى الجانب الفكرى ‪ ،‬وبالديمقراطية السياسية والاجتماعية فى‬ ‫المجال الاجتماعى ‪ ،‬وبالجمال البيانى والأصالة فى الجانب اللغوى والثقافى ‏‪٥‬‬ ‫وبالزهد والأخلاق والذكر فى الجانب الروحى تزدهر الخصية العمانية بل‬ ‫والمسلمة بوجه عام وتزداد رسوخا وقوة ‪ 0‬وتطالع عالم اليوم بجمال الحنيفية‬ ‫وسماحة ااإسلام ث فى ثقة ونبالة وكرامة ‪ :‬وتلك هى القيم التى قدمها لهم " أهل‬ ‫الاستقامة " ‪.‬‬ ‫يروى أن مازن بن غضوبة سال النبى ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪... " :‬يا‬ ‫رسول الله البحر ينضح بجانبنا ‪ 9‬فادع الله فى ميرتنا وخفنا وظلفنا ‪ ،‬قال الرسول‬ ‫الكريم ‪ :‬اللهم وسع عليهم فى ميرتهم وأكثر خيرهم من بحرهم ‪ .‬قال مازن ‪ :‬زدنى‪6‬‬ ‫قال الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬داعيا لأهل عمان ‪ :‬اللهم لا تسلط عليهم‬ ‫عدوا من غيرهم ‪ .‬ثم قال ‪ :‬قل يا مازن آمين ‘ فإن آمين يستجاب عندها‬ ‫الدعاء"(‪.)٢‬‏‬ ‫‪. ٢٥٧‬‬ ‫(‪ )١‬السابق‪‎‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪٢.٥‬‬ ‫)‪ (٢‬السابق‪‎‬‬ ‫(‪ )٣‬السابق‪.١ ٤ ‎‬‬ ‫‪٧١‬‬