١٤٣٤ غمي ٢٠١٣ م لا يجوز نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب في أي شكل من الأشكال أو بأية وسيلة من ا لوسائل سواء التصويرية أ و الالكترونية، بما في ذلك ا لنسخ الفوتوغرافي أ و سواه وحفظ ا لمعلومات واسترجاعها إلا بإذن خطي من ا لناشر . تقديم تفيد الدراسات الجادة في مجال القواعد الفقهية جانبين مهمين: جانب ُﱠ كشف بعد من أبعاد الاجتهاد وطرائقه في المذهب، وجانب قراءة الاختلاف ُ ِ بين المذاهب الفقهية والعلائق في ما بينها باتباع نهج الفقه المقارن. والكتاب الذي بين أيدينا، له ميزات عدة: فعن طريقه يتبين الجهد الكبير ّ الذي قام به فقهاء المذهب الإباضي في التقعيد وبناء المنهج الأصولي للاستنباط والتجديد، وعن طريقه كذلك تتكون النظرة الشمولية للرصيد ّ ِ الفقهي، وإمكانية إعداد استقراء لجوانبه حيثما تقتضي الحاجة البحثية ذلك. والدكتور الباحث المؤلف أ َع ْم َ ل َ ما لديه من رصيد معرفي وتخصصي ّ ِ لإبراز خصائص التفكير الفقهي في المذهب، إلى جانب تركيزه كذلك على ِ إعمال المنهج المقارن مع المدارس الفقهية الأخرى. إن هذا العمل يفتح صفحة جديدة وممتعة في بحوث القواعد لدى المدرسة الإباضية، وهو عمل من أعمال الاجتهاد والتجديد، فجزى الله جل جلاله ﱠ القائمين عليه خيرا ً ، وعلى الخصوص الباحث الدكتور مصطفى بن حمو أرشوم، داعين الله تعالى أن ينفع بهذا العمل كافة قرائه والمطلعين عليه، من العلماء وطلبة العلم والباحثين، وليكون منطلقا ً نحو آفاق أرحب لإعمال العقل والتدبر والاجتهاد والتجديد. والله ولي كل خير وتوفيق... المقدمة الحمد لله رب العالمين، الهادي إلى صراطه المستقيم، والصلاة والسلام ﱢ على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الأمين المبعوث رحمة للعالمين، الذي أرسى قواعد الدين، ورسم معالم التشريع المبين، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه المجاهدين، الذين ورثوا العلم الرباني، والهدي النبوي القويم، وورثوه لمن بعدهم، حتى تأصلت أصوله في الأنام، وتقعدت قواعده في ّ الأحكام. وبعد: فإن الفقه من أشرف العلوم الشرعية، بل هو غايتها ومنتهاها، لأن هذه العلوم أصولها وفروعها لم تنشأ بين العلماء وتترعرع، وتنضج في عقولهم وتتلألأ، وتظهر على ألسنتهم وأقلامهم، إلا بدافع واحد ولقصد واحد، هو فهم النص الشرعي وفقهه، واستنباط الأحكام الشرعية منه لتسليطها على مستجدات الحياة، وهذا هو عين ما يبحث فيه الفقه، ويهتم به. إن العلوم الشرعية مترابطة ومتكاملة مع بعضها البعض، وهي تكون ّ بمجموعها بناء علميا ً معرفيا ً متراصا ً ، يتجه نحو وجهة واحدة هي فقه الشريعة ّّ ونصوصها، فقها ً يمك ّ ن الفقهاء من إخضاع كل قضايا الحياة ونوازلها وأحداثها لدين الله، وحل ّ مشاكل الإنسان الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية، والتربوية والفكرية، والعسكرية وغيرها، حلا ّ ً يقوم على أساس شرع الله ومنهجه القويم. وإن ضمان استمرار استيعاب الشريعة الإسلامية لقضايا الحياة وتطورها ومستجداتها الكبرى والمعقدة، رهين باستمرار الحركة الفقهية، وبقائها حية نابضة، وبمقدار ما تنشط هذه الحركة وتواصل سيرها، وتمارس وظائفها تنضبط الحياة، ويستقيم أمرها عند الناس. ومن هنا يمكن القول: إن الفقه الإسلامي هو الميزان الذي توزن به الأمة الإسلامية من حيث تقدمها أو تأخرها، فبازدهاره واتساع آفاقه تزدهر هذه ُُ الأمة وتتقدم، وبجموده وموته تجمد الأمة، ويصيبها الشلل والتخلف عن ركب الحضارة. ولعل أعظم ثروة علمية تناقلتها الشفاه، وتوارثتها الأجيال، وسجلتها الأقلام في الإسلام، هي الثروة الفقهية؛ لأنها تشك ّ ل منهاجا ً يهيمن على أفعال المكلفين، ويبين ما يتحتم عليهم من أحكام عملية دقيقة أو كبيرة، ويقرر لهم طرائق السلوك في العبادات والمعاملات، فإن كل جانب من حياة المسلم يقوم على أساس علم الفقه، والإلمام به، والاطلاع على تفاصيله، والسير على الخطوط التي يرسمها، فهذا العلم هو الذي يضمن للبشرية السعادة المرجوة، باعتبار ما يؤول إليه التشريع الإسلامي من جلب المصالح، ودرء المفاسد، وتوجيه مسار الحياة إلى الاتجاه السليم، مع مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية. ولم ينشأ هذا الفقه دفعة واحدة، بل مر بمراحل وفترات كانت مليئة ّ بالأحداث، والوقائع التي بها يستقي غداءه وحياته، ويستمد منها قوته واستمراره، وأخذ ينمو ويزدهر في عصر الأئمة المجتهدين، وبدأ تدوينه تدريجيا ً في كتب ّ مستقلة متخصصة، إلى أن اكتمل واستوى ناضجا ً في عصر التدوين. ولم يكن الفقه في صدر الإسلام على الصورة الموجودة بين أيدينا اليوم من كثرة الفروع فيه، إذ أن التوسع في المسائل الفقهية قد نجم في العصور المتأخرة بعد أن استجدت حوادث وقضايا هامة، فحينئذ لم يبق مندوحة أمام الفقهاء عن تفريع المسائل التي لم ي ُن َص عليها، وتخريجها على أصول تم ّّ ُ وضعها، وأحكم نسجها في القرون الأولى، وبجهود دائبة ومتواصلة في هذا المجال، ومع تعاقب العصور أضحى للفقه الإسلامي كيانا ً مستقلا ّ ً ، محكما ً شامخ البنيان، موط ّ د الأركان. وبجانب التدوين والتفريع نهج الفقهاء مناهج مختلفة، وأساليب متنوعة في إبراز عظمة الفقه الإسلامي، لم تكن معهودة ولا مأثورة من قبل، وتلك الفنون الجديدة ساعدت على نمو الفقه بشكل واسع وسريع؛ كعلم أصول الفقه، وعلم الأشباه والنظائر، وعلم الخلاف، وعلم المقاصد الشرعية، وعلم القضاء، وعلم الفرائض، والنظريات الفقهية، والضوابط الفقهية، ومن أخصب هذه الفنون علم القواعد الفقهية الذي نحن بصدد دراسته في هذا البحث. وتلك الجهود الجبارة التي بذلت في خدمة الفقه على امتداد التاريخ، تمثلها كتب أصول الفقه، ومصادر الفقه التي عكف عليها الأصوليون والفقهاء، لبيان الأصول والفروع على أنماط مختلفة، وبطرق متعددة. فإن المجموعة الأولى من التراث الفقهي تتكون من مصادر أصول الفقه، ﱠ وهي تبحث عن مناهج الاستنباط، وطرق الاستدلال التي تعصم الفقيه عن الوقوع في الخطأ والزلل؛ فعلى ضوئها يسير الفقيه في نهج سديد، وتقوم تلك الأصول القويمة بمثابة ميزان توزن به الأحكام الفقهية، وقد تضمنت تلك الكتب شيئا ً كثيرا ً من الأحكام الفقهية بجانب أنها تتناول الأصول، وت ُصور اتجاهات الفقهاء في البحث عن المسائل الفقهية. ّ أما المجموعة الثانية فإنها تتألف من الفروع الفقهية، أو المسائل التفصيلية المأخوذة من القرآن والسن ﱠ ة، وآثار الصحابة والتابعين، والتي استثمرها الفقهاء ﱡ عن طريق إعمال القياس والتعليل، والنظر في مقاصد الشارع الحكيم، وقد تكدست هذه الثروة الثمينة، ودونت في كتب فقهية كثيرة، منها المختصرات، والشروح، والموسوعات. وكان من تنوع تلك الفروع المتكاثرة المتزايدة، وثمرتها وجود القواعد ّ الفقهية، وبروزها فن ّا ً مستقلا ّ ً إلى الساحة العلمية، ذلك أن الفقهاء بعد إجالة النظر في نصوص الكتاب والسن ﱠ ة، واستقراء تلك الفروع الفقهية، وعن طريق ﱡ استنباط المناط وتحقيقه في كثير من الأحيان، استنتجوا هذه القواعد الجامعة، التي احتلت مكانا ً مرموقا ً بين الفنون الفقهية الأخرى، والتي نشأت وترعرعت في حدود القرن الرابع الهجري، وأسهم فيها فقهاء المذاهب الإسلامية إسهاما ً طيبا ً ، ولعل هذه الدراسة ترصد مدى إسهام المدرسة الإباضية في التقعيد الفقهي، وإظهار حجم هذه المساهمة، منذ بداية انطلاقها، وعند تأصيلها وتطورها عبر نتاجها الفقهي. :åëÑdG á«dÉμ°TEG ولما كان القصد من دراسة أي موضوع والبحث فيه، هو الإجابة عن تساؤلاته، وحل إشكالاته التي تشغل فكر الباحث، وتستدعي اهتمامه، وتهدف كذلك من خلاله إلى الوصول إلى حلول ناجعة، ونتائج مرضية ومقنعة، فلا ريب أن هذا الموضوع يطرح إشكالات كثيرة، وتساؤلات عديدة، ولعل هذه الدراسة ستجيب عنها بما يزيل كل التباس، ومن أهم هذه الأسئلة الملحة ما يلي: ﻞـﻫ ﺪﺟﻮﺗ ﺪﻨﻋﺔﻴﺿﺎﺑﻹﺍ ﺪـﻋﺍﻮﻗ ﺔﻴﻬﻘﻓ ﻰﻠﻋ ﺭﺍﺮﻏﺎﻣ ﺪﺟﻮﻳ ﻲﻓ ﺐﻫﺍﺬﻤﻟﺍ ١ـ ﺔﻴﻬﻘﻔﻟﺍ ؟ﻯﺮﺧﻷﺍ ﻰﺘﻣ ﺕﺮﻬﻇ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ﺔﻴﻬﻘﻔﻟﺍ ﺪﻨﻋﺔﻴﺿﺎﺑﻹﺍ ؟ ﺎﻣﻭ ﻲﻫ ﻞﺣﺍﺮﻣ ؟ﺎﻫﺭﻮﻄﺗ ٢ـ ُﻫ ﺩ ﻞ ﺖﻧ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ﺔﻴﻬﻘﻔﻟﺍﺔﻴﺿﺎﺑﻹﺍ ، ﺎﻣﻭ ﺮﻬﺷﺃ؟ﺎﻬﺗﺎﻔﻨﺼﻣﻭّ ٣ـ ﺍﺫﺎﻤﻟ ﻢﻟ ﺮﺸﺘﻨﺗ ﻩﺬﻫ ﺕﺎﻔﻟﺆﻤﻟﺍ ﻞﺜﻣ ﺐﺘﻜﻟﺍ ؟ﻯﺮﺧﻷﺍ ٤ـ ﺎﻣ ﻯﺪﻣ ﻡﺎﻬﺳﺇ ﺀﺎﻬﻘﻓﺔﻴﺿﺎﺑﻹﺍ ﻲﻓ ﺔﻏﺎﻴﺻ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ﺔﻴﻬﻘﻔﻟﺍ ؟ﺎﻬﻠﻴﺻﺄﺗﻭ ٥ـ ٦ ما مكانة القواعد الكلية عند الإباضي ة؟ هل اعتمدوها في الاستدلال والتخريج الفقهي؟ ٧ ما أوجه الاتفاق والاختلاف بين الإباضية وغيرهم في مجال القواعد الفقهية؟ وهل انفردوا بقواعد خاصة بهم؟ ولعل هذه الدراسة العلمية الرصينة ستجيب عن هذه الأسئلة، وتأتي بالجديد لحل هذه الإشكالات، وتقدم للباحثين والمهتمين بالقواعد، صورة واضحة عن حقيقة القواعد الفقهية عند الإباضي ة، ودورهم في تقعيد الفقه الإسلامي وتطوره. :´ƒ°VƒªdG QÉ«àNG ÜÉÑ°SCG ولما كان البحث عن موضوع محدد مطلوبا ً ، وإعداد دراسة علمية في جانب معين من جوانب الأصول أو الفقه مقررا ً ، باعتبار الباحث متخصصا ً في هذا المجال، فقد قام باستشارات واسعة، ورجع إلى كتب الفقه والأصول لاختيار موضوع مناسب لهذه المرحلة المتخصصة، فوقع اختياره على القواعد الفقهية عند الإباضية » موضوع قديم ومتجدد وهو « إذ كان غاية ما يهدف إليه أن ينتقي موضوعا ً هاما ً جديرا ً بالبحث، وحريا ً بالدراسة، ويكون ّ في الوقت نفسه ممتعا في ذاته، وبالإضافة إلى جدوى الموضوع وأهميته، فهناك دوافع أخرى حفزت الباحث إليه، يمكن تلخيصها فيما يلي: ١ لما استقرت فكرة الموضوع في خاطر الباحث، ونظر في الكتابات السابقة، فوجدها لا تزال تحتاج إلى مزيد من العناية، وما ك ُ تب فيها غير شامل ولا كاف، وتوجد جوانب مهمة لم ت ُ طرق بعد، فهي شاغرة في هذا الباب، أو ناقصة يعوزها الإكمال والنضج، خاصة في إطار المدرسة الإباضي ة، ولم يعثر على دراسات علمية شاملة، مع الاعتراف في الوقت نفسه بأن عديدا ً من الجهود والأبحاث المتقدمة في هذا الميدان، كانت ذات شأن وابتكار. ٢ إن هذا الموضوع ما زال غضا ً طريا ً ، يستجيب لحل كثير من المسائل ّّ والحوادث الجديدة؛ لأنه يتضمن كثيرا ً من القواعد التي تتمتع بسعة ومرونة، بجانب كونها محيطة بكثير من الفروع والمسائل، فمن نظر إلى ،« الضرر يزا ل » و ،« المشقة تجلب التيسي ر » : هذه القواعد مثل قولهم العادة محك » و ّ دفع المفسدة أولى من جلب » و ،« الأمور بمقاصده ا » و ،« م ة لا ينكر تغير الأحكام المبنية على الأعراف والمصالح » و ،« المصلح ة ﱡ يدرك سعة آفاق الفقه الإسلامي، وكفاءته الكاملة ،« بتغير الزمان ونحوها لتقديم الحلول الناجعة للمسائل والمشكلات المستحدثة، وصلاحيته لمسايرة ركب الحياة، وملاءمته لجميع الأزمنة والأمكنة. ٣ ولعل من دواعي التفكير في هذا الموضوع: أنه لم يصل إلى علم الباحث تأليف كتاب قديم شامل، مستقل في القواعد الفقهية عند الإباضي ة، رغم وفرة المصادر الفقهية والأصولية عندهم، وقد صرح أما المذهب فإنني لم » : بهذه الحقيقة أحد الباحثين المعاصرين في قوله وهذا «... أطلع على مصنف مستقل يجمع قواعده ويضبط فروعه النقص زادني رغبة وعزيمة في البحث عنها، وجمعها في مؤلف خاص، يكون مرجعا ً لمن يحتاج إليه، ولعله يساهم أيضا ً في التعرف على أصول هذه المدرسة وقواعدها الاجتهادية، ويكون خطوة في التقريب بينها وبين المدارس الفقهية المشهورة. ٤ أما سبب اقتصار الدراسة على القواعد الفقهية عند الإباضية دون غيرها، لأن معظم الدراسات العلمية الحديثة تناولت القواعد الفقهية في مختلف المذاهب، وأغفلت قواعد الفقه الإباضي، رغم توفر مصادره، فمن المناسب أن تحصر هذه الدراسة في نطاق هذه المدرسة، حتى تكون محددة ومركزة ومعمقة، ولا مانع من الإشارة أحيانا ً إلى مواطن الاتفاق والاختلاف بين الإباضية وغيرها من المذاهب الفقهية، لإثراء الموضوع، والتعرف على الرأي الآخر، وذلك عند اقتضاء الحاجة، خاصة في الفروع والتطبيقات، والاحتجاج بالأدلة عند التأصيل، والتعارض والترجيح، لأن المقارنة في كل المسائل تستنزف وقتا ً طويلا، ً وتتطلب جهدا ً إضافيا ً ، ّ ولعلها تكون سببا ً في ضعف حصيلة الدراسة، وزيادة في حجم البحث. ٥ وإلى جانب ما تقدم، فإنه أصبح من المفيد في البحوث الحديثة أن تكون الدراسات الأكاديمية على هذا النمط، لأنها تحفز الباحث على الإقبال والتطلع إلى دراسة الفقه الإسلامي في مجال محدد، وفي إطار مدرسة معينة، أو شخصية متميزة، أث ْ رت الفقه باجتهاداتها، ولأن الهمم قد تقاصرت عن دراسة الفقه بطريقة مستوعبة شاملة وواعية، فضلا ً عن حفظ المتون، واستحضار الفروع. :á°SGQódG øe ±ó¡dG ١ تهدف هذه الدراسة إلى محاولة الكشف عن مكنونات التراث الفقهي الإباضي، والتعرف على مدى مساهمة فقهائهم في تقعيد القواعد الفقهية وصياغتها، وإبرازه للباحثين والقراء، ليطلعوا عليه، ويستفيدوا منه، حتى تتقارب المدارس في مناهجها، وتضيق شقة الخلاف بينها. ٢ البحث عن القواعد الفقهية في التراث الفقهي الإباضي، وجمعها وتصنيفها، ثم دراستها وتحليلها، وتخريج الفروع الفقهية عليها، أو رد ﱢ المسائل الفرعية إلى تلك القواعد إن لم يصرح بها. ٣ بيان أن التقعيد الفقهي من أهم أسباب اختلاف الفقهاء في اجتهاداتهم، وأن معرفة القواعد الفقهية تعين على التقارب بين المدارس الفقهية، والاستفادة من بعضها البعض، لإيجاد حلول ناجعة للقضايا المستجدة. ٤ إبراز مدى استيعاب الفقه الإسلامي للأحكام الشرعية، ومراعاته للحقوق والواجبات، وتمكين غير المختصين بالفقه على الاطلاع على محاسن هذا الدين، وإبطال دعوى من ينتقصون الفقه الإسلامي ويتهمونه بأنه يشتمل على حلول جزئية، وليس على قواعد كلية. ٥ تكوين ملكة فقهية عند الباحث، تنير أمامه الطريق لدراسة أبواب الفقه الواسعة والمتعددة، ومعرفة الأحكام الشرعية، واستنباط الحلول الناجعة للوقائع المتجددة، والمسائل المبتكرة. ٦ المساهمة في تقنين الفقه الإسلامي وتسهيل عمل القضاة والمفتين والحكام عند البحث عن حلول للمسائل المعروضة، والنوازل الطارئة بأيسر سبيل وأقرب طريق. :á≤HÉ°ùdG äÉ°SGQódG توجهت اهتمامات بعض الباحثين المعاصرين إلى التنقيب في التراث الفقهي الإباضي والبحث عن القواعد والضوابط الفقهية فيه، فظهرت بعض الدراسات العلمية الحديثة في هذا المجال، منها: ١ » ابن بركة السليمي ا لبهلوي ودوره الفقهي في المدرسة ا لإباضية من خلال كتابه (الجامع) « للباحث زهران بن خميس بن محمد المسعودي(١) ، جمع فيه القواعد والضوابط الفقهية من كتاب جامع ابن برك ة، وأفرد لها فصلا ً مستقلا ّ ً في بحثه، وأشار إلى ما يقابلها من القواعد والضوابط المعروفة عند غير الإباضية، وبين أن لا فرق بينها إلا في الصياغة، مع ﱠ (١) تقدم به إلى جامعة آل البيت بالأردن ونال به درجة الماجستير في الفقه وأصوله ونوقشت ١٩٩٨ ، تولت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العمانية طبعه في كتاب، وصدر سنة ُ ١٤٢١ ه/ ٢٠٠٠ م. اعتبار أن ابن بركة قد عاش في القرن الرابع الهجري (ت: ٣٦٢ ه/ ٩٧٢ م) وهي فترة بداية تدوين القواعد الفقهية عند الإباضية وغيرهم. ٢ » القواعد الفقهية ا لإباضية عند الإمام ا لجيطالي في كتابه ) قواعد ا لإسلام «( ِ للباحثة منى بنت هلال الكن ْ دية العمانية (١) قواعد » ، استخرجت من كتاب ُ لأبي طاهر الجيطالي القواعد والضوابط الفقهية عند الإباضية « الإسلام والفروع المتخرجة عليها، وقامت بدراستها وتحليلها وتأصيلها. ٣ » القواعد الفقهية عند الإمام ابن بركة ا لبهلوي « للباحث خلفان بن محمد الحارثي (٢) تناول فيه شخصية ابن بركة السليمي تعريفا ً ، ودوره في القواعد الكلية والضوابط « الجامع » التقعيد الفقهي، واستخرج من كتابه الفقهية المشهورة، وصنفها وشرحها وأصلها، وذكر الفروع المتخرجة عليها، ولم يستقص كل القواعد والمسائل، بل اكتفى بذكر أهمها من باب التمثيل لا الحصر. ٤ » القواعد الفقهية عند الإمام ا لكدم ي، من خلال كتابه: )المعتبر «((٣) ، للباحث الدكتور مصطفى صالح باج و، درس فيه شخصية أبي سعيد الكدمي الفقهية، ودوره في التقعيد الفقهي، ومنهجه في التأصيل (١) تقدمت به إلى جامعة الزيتونة بالمعهد العالي لأصول الدين بتونس لنيل شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية سنة ١٤٢٣ ه/ ٢٠٠٣ م، وما زال غير مطبوع. (٢)قد ّ م ضمن أعمال ندوة تطور العلوم الفقهية في ع ُ مان خلال القرن الرابع الهجري، القواعد الشرعية أنموذجا ً ، سنة ٢٠٠٤ م، وصدر في كتاب الندوة بعنوان: القواعد الفقهية بين التأصيل والتطبيق، جمع وتنسيق الدكتور مصطفى صالح باجو، سنة ٢٠٠٥ م. وهو حاليا ً أستاذ التعليم ّ العالي بجامعة غرداية، الجزائر. (٣)ق ُد ّ م ضمن أعمال ندوة تطور العلوم الفقهية في عمان خلال القرن الرابع الهجري، القواعد ُ الشرعية أنموذجا ً ، سنة ٢٠٠٤ م، وصدر أيضا ً في كتاب الندوة بعنوان: القواعد الفقهية بين التأصيل والتطبيق، سنة ٢٠٠٥ م. والتخريج، وذكر نماذج من القواعد والضوابط الفقهية التي وردت في والفروع المتخرجة عليها، وبين أنه يهتم بالجانب « المعتبر » كتابه ﱠ المقاصدي. ٥ » معجم القواعد الفقهية ا لإباضية « للباحث الدكتور محمود هرموش(١) ، أخذ بهذا العمل المفهوم العام للقواعد الفقهية، فأدخل فيه الضوابط الفقهية والقواعد الأصولية وحتى قواعد العقيدة، وشملت دراسته بعض المصادر الفقهية الإباضي ة، أما المسائل الفقهية في الدراسة فلم يقتصر فيها على الفروع الإباضي ة، بل توسع فيها إلى مختلف المذاهب. القواعد الفقهية عند الإباضية تنظيرا » ٦ ً وتطبيقا ً :« قدمه الباحث هلال بن محمد الراشدي في الجامعة الزيتوني ة، قسم الدراسات الإسلامية بتون س، فنال به درجة الدكتوراه، ونشره سنة ٢٠٠٩ م، اهتم بالقواعد الفقهية التي لها علاقة بالقواعد الأصولية، وصنفها تصنيفا ً يختلف عن التصنيفات المعهودة عند الفقهاء، مثل تقسيمها إلى: كبرى وصغرى، أو أصلية وفرعية، وغيرها، بل ركز على مضمون القاعدة واستنبط منها عنوانا ً للباب أو الفصل. :åëÑdG »a ™ÑàªdG è¡æªdG لما كان الهدف من هذه الدراسة رصد القواعد الفقهية عند الإباضي ة، ودراستها وتأصيلها، وتخريج الفروع عليها، اقتضى ذلك اعتماد المناهج التالية: (١) أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الجنان بلبنان، والكتاب في جزأين نشرته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان سنة ٢٠٠٧ م. ُ ١ المنهج الاستقرائي: وذلك بتتبع مختلف المصادر الفقهية الإباضية بالتقصي والبحث؛ لاستخراج القواعد الفقهية من الفروع والأصول والفتاوى، وجمعها وتصنيفها. ٢ المنهج التحليلي: وذلك بتعريف القواعد الفقهية عند الإباضي ة، وشرح مضمونها، وبيان أدلتها، ومصادرها، وتطبيقاتها على الفروع الفقهية، من خلال الشواهد العديدة المبثوثة في كتب الفقه والأصول الإباضية. كما سلكت في الفصل السادس أسلوب النظريات الفقهية، وذلك بجمع القواعد الفقهية الأقل شمولا ً التي تتمحور حول موضوع واحد، مثل القواعد المتعلقة بنظرية الملك، أو الضمان، أو الإثبات أو العقد وغيرها، ثم أقوم بتحليلها وتخريج الفروع عليها. ٣ المنهج النقدي: ويتمثل في نقد الآراء الإباضية حول القواعد الفقهية، من حيث مدلولها وأدلتها، وتطبيقاتها، ونقد منهجهم المعتمد في التقعيد الفقهي، والنظر في مدى توظيفهم للقواعد في حل القضايا المستحدثة والنوازل المتجددة. ٤ المنهج الوصفي: واستعمله الباحث في التعريف بالمدرسة الفقهية الإباضية ومصادرها، وتحديد مدلول القواعد الفقهية، ونشأتها عند الإباضي ة، ومراحل تطورها حتى بلغت مرحلة النضج والاستقرار والتميز، ووصف تراثهم المتضمن للقواعد الكلية، وإسهامهم في صياغتها وتصنيفها. ٥ وفي مجال التطبيق راوحت ُ بين منهجي الفقهاء والمتكلمين في التأصيل ْ الفقهي، وذلك بتخريج الفروع على القواعد إن صرحوا بها، ورد ّ الفروع إلى أصولها وقواعدها إن سكتوا عنها، فقد توجد قاعدة أساسية ولم يصرح بها الإباضي ة، وتستنتج من سياق كلامهم، ولكن خرجوا عليها ّ فروعا ً عديدة، فينبه عليها، وقد توجد فروع دون قواعد وهو الغالب، ُﱠ فيبين أنها تعود إلى قاعدة مشهورة، وهكذا. ُﱠ ٦ وفي توثيق المعلومات: فقد اعتمدت في نسخ الآيات على مصحف المدينة الجديد برواية حفص عن عاصم، وهو من أضبط المصاحف حسب علمي. وفي تخريج الأحاديث وتوثيقها استفدت من برامج الحاسوب الآلي للأقراص المدمجة فاعتمدت على برنامج » الجامع للحديث ا لنبوي حيث ،« يذكر راوي الحديث، وعنوان الكتاب والباب، ورقم الحديث، واقتصرت على ما رواه الشيخان أولا، ً فما رواه أحدهما أو كلاهما استغنيت به عن ّ الرجوع فيه إلى غيرهما إلا استئناسا ً ، وما لم أجده عندهما رجعت فيه إلى كتب السنن والمسانيد دون استقصاء، أما درجة الحديث من حيث الصحة أو الضعف فقد أخذتها من كتب التخريج عند الاقتضاء، خاصة إذا كان من الأحاديث المعتمدة في تأصيل القاعدة. وأما الأعلام فقد ترجمت لمعظم أعلام الإباضية لكونهم غير مشهورين عند غيرهم، وأحيانا ً أترجم للأعلام غير الإباضية إن اقتضى الأمر ذلك، لأن معظمهم مشهور؛ كالصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الفقهية. كما التزمت الرجوع إلى المصادر الإباضي ة، أما ما لم أجد فيه الغنية استأنست فيه بمصادر غيرهم، أو الدراسات الحديثة. وأعني بالمصدر جميع ما ألفه الإباضية سواء أكانوا متقدمين أم متأخرين، أما الكتب التي اعتبرها مراجع لهذا البحث تنحصر في الدراسات الحديثة من غير الإباضية المتأخرين. أما أقوال المذاهب الفقهية غير الإباضية فقد حرصت أن أرجع إلى مصادرهم الأصلية قدر الإمكان، وأحيانا ً أكتفي بما نقله فقهاء الإباضية عنهم موافقة أو مخالفة، خاصة إذا ورد ذكرها ضمن نص مقتبس، فاقتضت ضرورة الاقتباس أن أنقل النص كما هو دون التصرف فيه؛ لأن الهدف منه بيان رأي الإباضية في هذه المسألة، وليس المقام مقام المقارنة، أما إذا كان القصد هو التعرف على الرأي المخالف لهم، فإنني التزم الرجوع إلى مصادرهم للتأكد من صحة رأيهم وتوثيقه حسب ما تنص عليه قواعد المنهجية العلمية. وفي الإحالات وتوثيق المعلومات وعزوها إلى مصادرها سلكت الطريقة المعتمدة في البحوث الأكاديمية المتخصصة. :åëÑdG á£N ولما كان هذا البحث يهتم بدراسة القواعد الفقهية عند الإباضي ة، دراسة نظرية وتأصيلية وتحليلية وتطبيقية، فقد اقتضى تقسيم البحث إلى ستة فصول، مع فصل تمهيدي ومقدمة وخاتمة. أما الفصل التمهيدي: فكان عن القواعد الفقهية المفهوم والتطور ، ويشمل الدراسة النظرية للقواعد الفقهية مفهوما ً وتطورا ً وتصنيفا ً ، ويتضمن ثلاثة مباحث: كان الأول: لتعريف القواعد الفقهية، وبيان علاقتها بالعلوم والمصطلحات ذات الصلة بها، وفي المبحث الثاني: تحدثنا عن أنواع القواعد الفقهية، وأهميتها، وحجيتها، أما المبحث الثالث: فبحثنا فيه نشأة القواعد الفقهية عند الإباضي ة، وتطورها، ومصنفاتها. وجاء الفصل الأول بعنوان: الأمور » : القاعدة الكلية الكبرى الأولى وما تفرع عنها « بمقاصدها(١) ، ويشتمل على أربعة مباحث: المبحث الأول: في بيان حقيقة القاعدة. واهتم المبحث الثاني: بتأصيل القاعدة الفقهية من القرآن والسن ﱠ ة والآثار، ومن الإجماع والمعقول. والمبحث ﱡ الثالث: خصصناه لفروع القاعدة وتطبيقاتها. أما المبحث الرابع: فجمعنا فيه الأمور بمقاصدها » بعض القواعد المتفرعة عن القاعدة الكلية .« وبحثنا في الفصل الثاني اليقين » : القاعدة الفقهية الكلية الكبرى الثانيةلا يزول بالشك « وما تفرع عنها ، واشتمل هذا الفصل على المباحث التالية: خصصنا المبحث الأول: لبيان مدلول هذه القاعدة، والمبحث الثاني: لتأصيل القاعدة. والمبحث الثالث: اعتنى بفروع القاعدة وتطبيقاتها. وختمنا هذا الفصل بالمبحث الرابع: لدراسة القواعد المتفرعة عن القاعدة الكلية اليقين لا يزول بالشك » .« أما الفصل الثالث فخصصناه لدراسة المشقة » القاعدة الفقهية الكبرى الثالثة تجلب ا لتيسير « وما تفرع عنها ، وأخذ مساحة معتبرة من البحث، لأهميتها ومكانتها في التشريع، وتضمن سبعة مباحث وهي: المبحث الأول: مفهوم القاعدة. والمبحث الثاني: أنواع المشاق وضوابطها. والمبحث الثالث: تأصيل القاعدة. والمبحث الرابع: أسباب التيسير والتخفيف. والمبحث الخامس: أنواع التيسيرات ومجالاتها. والمبحث السادس: تطبيقات وفروع القاعدة عند الإباضية . وختمنا هذا الفصل بالمبحث السابع، وجعلناه المشقة تجلب التيسير » لدراسة القواعد المتفرعة عن قاعدة .« (١) الراشدي سفيان: جواهر القواعد وبحر الفرائد، ٥٤ . السالمي نور الدين: طلعة الشمس على الألفية، مطبعة الألوان الحديثة، سلطنة ع ُ .٩٢ - ٩١/ مان، ١ وفي الفصل الرابع تناولنا الضرر يزال » القاعدة الكلية الكبرى الرابعة « لا ضرر ولا ضرار » و « وما تفرع عنها ، واشتمل هذا الفصل على المباحث التالية: خصصنا المبحث الأول: لتعريف القاعدة. والمبحث الثاني: لتأصيل القاعدة. والمبحث الثالث: لبيان أنواع الضرر وضوابطه وطرق إزالته. وأما المبحث الرابع: جعلناه لتطبيقات القاعدة والفروع المتخرجة عليها. وختمنا هذا الفصل بالمبحث الخامس: وخصص لدراسة القواعد الفقهية المندرجة تحت هذه القاعدة. وأما الفصل الخامس فقد احتل أيضا ً مساحة معتبرة من الدراسة، وبحثنا فيه العادة محكمة » : القاعدة الفقهية الكبرى الخامسة « وما تفرع عنها ، وفصلنا ذلك في المباحث التالية: المبحث الأول: مدلول القاعدة. والمبحث الثاني: عرضنا فيه أنواع العرف والعادة وشروط اعتبارهما في الأحكام الشرعية. أما المبحث الثالث: فخصصناه لتأصيل القاعدة من القرآن الكريم، والسن ﱠ ة النبوية، وآثار الصحابة ﱡ رضوان الله عليهم، ومن الإجماع والمعقول. أما المبحث الرابع: تناولنا فيه تطبيقات القاعدة وفروعها الفقهية عند الإباضية . وختمنا هذا الفصل بالمبحث العادة » الخامس، وبحثنا فيه: القواعد الفقهية المتفرعة عن القاعدة الكبرى .« مح كم ة َ أما الفصل السادس فخصصناه لدراسة « القواعد الفقهية الكلية ا لصغرى » ،لأنها أقل شمول من القواعد الكبرى، ولا يمكن إدراجها تحتها لعدم وجود علاقة تربطها بها، ولكثرتها وتنوعها، اقتصرنا على بعضها، وصنفناها ضمن نظريات فقهية، وقسمناها إلى ثلاثة مباحث: المبحث الأول: لدراسة » القواعد الكلية المتعلقة بنظرية ا لضمان وأما ،« المبحث الثاني فتناولنا فيه: » القواعد الكلية المتعلقة بنظرية الملكية وختمنا ،« هذا الفصل بالمبحث الثالث وخصصناه لدراسة: » القواعد الكلية المتعلقة بنظرية ا لإثبات «(١) ، أو الخاصة بالقضاء وطرق الإثبات، واشفعنا كل مبحث بفروع تطبيقية لتلك القواعد من التراث الفقهي والنوازل المستجدة. أما الخاتمة فلخصنا فيها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، واقترحنا بعض التوصيات التي لم نتمكن من تحقيقها وإنجازها في هذا البحث، ويمكن للباحثين اعتمادها كمشاريع مستقبلية، لاستكمال بناء صرح قواعد الفقه الإسلامي على أسس من الموضوعية، لحل المشكلات والقضايا المتجددة في شتى الميادين، وفق اجتهادات وقواعد المدارس الفقهية المختلفة. ثم أعقبنا هذه الدراسة بفهارس عامة ومتنوعة، شملت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وخصصنا فهرسا ً للقواعد الفقهية والأصولية، وفهرسا ً للأسماء والأعلام، وفهرسا ً للأماكن والبلدان، وقائمة للمصادر والمراجع المعتمدة في الدراسة، وفهرسا ً للموضوعات. :™LGôªdGh QOÉ°üªdG ó≤fh ¢VôY لما كانت الدراسة تهتم بالقواعد الفقهية عند الإباضي ة، اقتضى ذلك البحث في التراث الفقهي الإباضي قديما ً وحديثا ً ، مع الاستعانة بالمراجع الحديثة في القواعد الفقهية، لاختيار المناهج المناسبة في التصنيف، والتحليل والتعليل. ومن أهم المصادر الفقهية الإباضية ما يلي: (١) القواعد الكلية الخاصة بالقضاء وطرق الإثبات. مدونة أبي غانم بشر بن غانم ا لخراساني » ١ « من مؤلفات القرن الثاني الهجري، وهي من المصادر الأولى للفقه الإباضي، وتضم روايات أبي غانم عن شيوخه منهم: الربيع بن حبي ب، وأبي المؤر ج، وعبد الله بن عبد العزيز وغيرهم، تناولت معظم أبواب الفقه، وتمتاز بكثرة الاستدلال بالنصوص من القرآن والسن ﱠ ة، وآثار الصحابة والتابعي ن، وأقوال الإباضية الأوائل؛ كجابر بن ﱡ زي د، وأبي عبيدة مسل م، وتمثلت استفادتنا منها في جانب التأصيل الفقهي، وتخريج الفروع على القاعدة، ولم يصرح فيها بالقواعد الفقهية، وإنما تستنتج من السياق، وأحيانا ً يذكر الفرع فنرده إلى أصله وقاعدته؛ لأن تلك الفترة لم تظهر القواعد بالصيغ المعروفة لاحقا ً ، وإنما يمكن استنباطها من أقوالهم. طبعت هذه المدونة عدة طبعات، وسميت بعدة تسميات، منها: المدونة الصغرى وليس عليها شروح، وتقع في مجلدين، وأعيد طبعها محققة في مجلد واحد، اعتنى بتحقيقها يحيى النبهاني وإبراهيم العساك ر، واعتمدتها في الدراسة، أما المدونة الكبرى فقد رتبها القطب أطفيش وعل ﱠ ق عليها وصدرت الطبعة الأولى دون تحقيق، وتصدى لتحقيقها الدكتور مصطفى صالح باجو فضبط نصوصها وخرجها تخريجا ً علميا ً ، وصدرت في ثلاثة مجلدات. ّ جامع ابن جعفر » ٢ « لأبي جابر محمد بن جعفر الأزكو ي، من علماء الإباضية في القرن الثالث الهجري، يضم هذا الكتاب زيادات وحواشي أضافها من جاء بعده، وتناول فيه معظم الأبواب الفقهية، ويتكون من تسع ﱠ أجزاء محققة، طبعت منه ستة أجزاء، وينقصه الترتيب المناسب للمسائل، أما منهجه في تأليفه فهو يقوم على عرض المسائل الفقهية، وإيراد مختلف أقوال السل ف، سواء شيوخه وغيرهم، مثل: الإمام جابر بن زي د، وأبي عبيدة مسل م، ووائل الحضرم ي، وأبي صفر ة، ومحمد بن محبو ب، ثم يختار ما يراه أكثر صوابا ً ، وإذا كان في المسألة نص اكتفى بإيراده، ثم نجده كثيرا ً ما يورد محاوراته ومراسلاته مع شيخه أبي عبد الله محمد بن محبو ب، ومع معاصريه أبي المؤثر الصلت وأبي الحوار ي، وينقل آراء شيخه الفقهية التي كان يتبنى الكثير منها ويحتج بها. ويمتاز منهجه بنقل آراء الصحابة والتابعي ن، وأعلام مدرسة الرأ ي، أمثال: مجاهد وعطاء وطاووس وإبراهيم النخع ي، فغالبا ً ما يبدأ الفصل بآية قرآنية أو حديث نبوي، فيعلق على النص، ويفرع الكلام في الموضوع، موردا ً أقوال العلماء في ذلك، كما أنه يكتفي أحيانا ً بإيراد المسألة بصيغة تقريرية، ثم يبحث لها عن مختلف الصور المحتملة، مبينا ً حكمها اجتهادا ً منه، أو نقلا ً لقول ّ بعض العلماء، ويأتي أحيانا بالحكم الشرعي في المسألة، ثم يعضدها بدليل من كتاب أو س ُ ن ﱠ ة أو رأي، وعموما ً كان منهجه في تأليف كتابه يصور حقيقة التأليف في المرحلة الانتقالية بين فقه تابعي التابعين، والمرحلة اللاحقة التي تأسست فيها المدارس الفقهية الاجتهادية، والتي تجمع بين النقل والعقل. أما استفادتنا من هذا الجامع فقد اقتصرت على المسائل الفقهية التي تخرجت على القواعد الفقهية، ونقل بعض النصوص لتأصيل القاعدة، ولم يكن يصرح بالقواعد إلا نادرا ً ، بل كان يلمح إليها، وتستنتج من مفهوم عبارته، وكثيرا ً ما نجد القاعدة وردت في الزيادات والشروح التي أضيفت إلى نصه، مما يجعلنا نجزم أن التصريح بالقواعد بالصيغ المعروفة جاء متأخرا ً عنه، وهذا يشير إلى تطور القواعد الفقهية عند الإباضية . ٣ ومن المصادر المعتمدة « كتاب الجامع » لأبي محمد عبد الله بن بركة ُ السليمي البهلو ي، ( ٣٦٢ ه) ويعد هذا الكتاب من أهم ما أل ّ ف في القرن ُ الرابع الهجري من حيث التحقيق والتأصيل الفقهي، رغم ما يمكن أن يوجه إليه من انتقادات بسبب ما يلاحظ عليه من ضعف في ترتيب الأبواب وتقسيمها، وتداخل القضايا وتكرارها، وإدراج عدة مسائل تحت عنوان جزئي يشمل بعضها دون بعض، فلا يتوافق العنوان مع المحتوى، ويلاحظ الباحث التفاوت البين في أحيان عدة في طرح المسائل وبحثها، فقد يطيل في بعضها، ّ ويختصر الكلام في البعض الآخر، والكتاب طبع في جزأين، وعليه تحقيق غير علمي، وتكثر فيه الأخطاء وغالبا ً ما ت ُغير من المعنى المراد، ولعله من ّ تصحيف النساخ، ويحتاج إلى إعادة تحقيق لتجنب هذه الأخطاء. ومهما يكن من أمر فإن هذه الملاحظات لا يمكن أن تقلل بحال من قيمة الكتاب، أو أن تغمز في مكانته ومنهج صاحبه الواضح المعالم، فهو يضم القواعد الأصولية والفقهية، والفروع الفقهية المتنوعة، ويعتبر من المصادر الهامة عند الإباضية في هذا المجال، ولأجل ذلك عكف عليه الباحثون دراسة وتحقيقا ً واستنباطا ً ، فاستخرجوا منه القواعد الفقهية والأصولية. وقد سلك ابن بركة منهجا ً متميزا ً أساسه تحليل النصوص « الجامع » في الشرعية، وتوظيف اللغة العربية في فهمها، وإرساء اجتهاداته على أصول واضحة، ويهتم ببيان أسباب اختلاف الفقهاء، والجمع بين القول الفقهي ودليله الشرعي، من قرآن وسن ﱠ ة أو إجماع أو قياس، أو غيرها من أصول ُ التشريع المعتمدة، مرتبة حسب قوتها في الدلالة والاحتجاج، ثم إنه يحفل كثيرا ً بالمقارنات بين أقوال الفقهاء، والموازنة بينها داخل المذهب، وبين آراء المذهب وبقية المدارس الفقهية الأخرى؛ وكان يفعل ذلك بحس علمي ونقد نزيه، ملتزما ً بآداب المناظرة، واحترام الرأي الآخر، ولم يكن ليغفل في أحيان كثيرة نسبة الأقوال إلى أصحابها، وإن لم يكن ذلك قاعدة عامة، فقد كان يكتفي في بعض الأحيان بنسبة القول إلى المجهول، كأن يقول: قيل، قال بعضهم، قال آخرون، وعند عرضه للمسألة ودراستها، فإنه يحرص على التزام التسلسل المنطقي للمسائل والقضايا المطروحة، فهو يعرض المسألة موضوع البحث ويتفحصها، ثم يعطيها حكمها المناسب مدعما ً بالدليل، وإن كانت لها أقوال أخرى أوردها وأوضحها، وأورد حجج أصحابها، وعاد عليها بالنقض إن هو رأى مخالفتها للصواب. هذا ويمتاز ابن بركة بالتواضع والدقة في نقل أقوال المخالفين، وعزوها إلى أصحابها ولو كان يخالفها، والتعامل معها بكل موضوعية، فقد نقل رأي أبي حنيفة والشافعي في حديثه عن العيوب التي يرد ّ بها النكاح، وتعطي وأستغفر الله من الغلط في حكايتي عنهم، فإني » : للزوجين حق الفسخ فيقول تحريت ُ « إصابة قولهم، والله أعلم(١) . ﱠ وهو واحد من ،« الجامع » هذه بعض ملامح منهج ابن بركة في كتابه النماذج التي تصور إلى حد بعيد المنهج المتبع لدى فقهاء الإباضية في القرن الرابع الهجري، إلى جانب غيره من المؤلفين الذين تركوا بصماتهم بارزة على التراث الفقهي الإباضي. أما استفادتنا من هذا الكتاب فكانت كبيرة، تمثلت في جمع القواعد الفقهية المتناثرة فيه، وهي كثيرة، وأخذنا منه الصيغ الأولى للقواعد، وتتبعنا تطورها عند الذين جاؤوا من بعده، فكان يصرح بالقاعدة، ويذكر دليلها، والفروع المتخرجة عليها، فلم نجد صعوبة في الوصول إلى القاعدة فيه، فغالبا ً ما يأتي بها في مقام التعليل على الأحكام، فيعتبر بحق من أوائل من اعتنى بالقواعد الفقهية الإباضي ة، بمفهومها الاصطلاحي ودونها في كتابه، ّ ومن جاء بعده استفاد منه. ومن منهجه في التقعيد الفقهي: التزامه في كثير من القواعد بالاستدلال لها من دلائل النقل والعقل، وكان يلمح أحيانا ً إلى القاعدة مع كثير من الفروع التي يراها تندرج تحت قاعدته ليؤكد على أصله الذي سار عليه في إنشاء الفروع. (١) .١٤٤/ ابن بركة البهلوي: كتاب الجامع، ٢ وأما كتابه »التعارف « فقد تحدث فيه عن العمدة في قبول الأخبار، وركز فيه على قاعدة العرف والعادة، فأقر ما تعارف عليه الناس في معاملاتهم مما يحصل به اليقين في نفوسهم، ولم يكلفهم عنتا ً بمعرفة اليقين في علم الله، وأن بناء الأحكام على طمأنينة ،« اليقين لا يزول بالش ك » وأشار إلى قاعدة القلب، وما سكنت إليه النفس، وأن الشارع جاء بالتيسير، وفي الكتاب تأصيل لهذه القضايا واستشهاد لها بأمثلة عديدة. وأصل الكتاب أنه جواب عن سؤال ورد إلى ابن بركة ولم يذكر نصه ولا صاحبه، وهو مطبوع طبعة مشوهة دون تحقيق، ولأجل أهميتها مع كثرة الأخطاء التي اتسمت بها فقد انبرى لها أحد الباحثين العمانيين فحققها ُ تحقيقا ً علميا ً ، حافظ على قيمتها العلمية، وسهل على الباحثين فهمها ّ واستيعابها، وما زالت هذه الدراسة غير منشورة. مما تقدم يمكن القول: إن ابن بركة البهلوي يعد من أوائل من أل ّ ف في ُ القواعد الشرعية الأصولية والفقهية عند الإباضية خلال القرن الرابع الهجري، وما يزال المتأخرون يعتمدون على كتبه في هذا المجال حيث برزت فيها بصمات واضحة للتقعيد الفقهي والأصولي. ٤ ومن المصادر المعتمدة في هذه الدراسة كتاب »المعتبر « لأبي سعيد محمد بن سعيد الكدمي (ق: ٤ه)، وهو كتاب عقدي وفقهي جامع، تخلله جامع ابن جعفر » مسائل أصولية عديدة، وقواعد فقهية متنوعة، تتبع فيه « ّ ففصل مسائله، وزاد فيه ما أغفله، وتوسع فيما رآه يحتاج إلى توسع واجتهاد، ويقال: إن حجمه الحقيقي يقع في تسع مجلدات ضخمة ضاع معظمها، وبقي المجلد الأول وقد طبع في أربعة أجزاء صغيرة، وهي كافية لإعطاء صورة عن هذا المصنف ومنهج تأليفه، ولم ينج كغيره من تدخل النساخ والفقهاء اللاحقين، إلا أن فعلهم ذلك لا يؤثر على الصورة العامة للكتاب. ويقرر أبو سعيد الكدمي أنه أل ّ ف كتابه »المعتبر « وسطا ً بين المختصرات المخلة والمطولات المملة، وقد صاغ جله بأسلوب عرض القضايا وتسلسلها، إلى جانب الأسلوب الحواري الذي يقوم على منهج: قال... قلت... ويلزم من قال كذا... أن يكون كذا... وقد سلك المؤلف منهجا ً متفاوتا ً من حيث الإطالة والإيجاز في تحليل القضايا وعرضها حسب الباب والمسائل التي يتضمنها، ولم يكن يهتم كثيرا ً بتقسيم الكتاب وتبويبه بما فيه الكفاية، لكونه وجد نفسه ملتزما ً بما كان ينقله عن جامع ابن جعفر الذي اتخذه منطلقا للتوسع في بحث جملة مسائله. ويلاحظ أن أبا سعيد لم يكن يحفل كثيرا ً بالتمهيد لأبواب الكتاب وفصوله، فقد أراد أن يكون طابعه العام مجرد الاهتمام بالأحكام الفقهية الصرفة، إلا أن ذلك لا يلغي تماما ً ميله لبيان الفضائل والحكمة من التشريع. وفيما يتعلق بأدلته التشريعية ومصادره في الاجتهاد، فإنه لم يخرج عن الإطار العام الذي كان عليه الفقهاء عموما ً فالحق كل » : ، فقد جاء عنه قوله الحق يدرك من كتاب الله تبارك وتعالى أو سن ﱠ ة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع المحققين ُ .« من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو حجة العقل مما وافق فيه هذه الأصول الثلاثة أما القضايا التي لم يرد فيها نص، فكان يجتهد فيها للكشف عن الحكم على الإجماع والقياس والقواعد الفقهية العامة، وقد يعضد قوله في المسألة بآراء السل ف، وأحيانا ً يكتفي بإيراد أقوالهم دون تعليق منه عليها، وهو في غالب أمره لا يميل إلى الخروج عنهم خلافا ً لمعاصره ابن بركة الذي كان أكثر استقلالية في اجتهاداته. لم يخل كتاب »المعتبر « من المقارنات سواء بإيراد الأقوال المتعددة لعلماء الإباضية المرخ ّ صين منهم والمتشددين، أو أقوال المذاهب الأخرى بدرجة أقل، «... قال مخالفونا » : والتي لم يذكرها في أغلب الأحيان بالاسم وإنما يوردها بعبارة ونحوها من العبارات، ويظهر أثر أبي سعيد عند إيراده الأقوال المختلفة في وأصح القول » : الموازنة والتقييم، والاختيار والترجيح، فتكثر عنده عبارات مثل .«... معنا؛ لكن القول بالإعادة هو الأكثر، القول الأول أحب إلينا؛ يعجبني كذا كما يظهر في منهجه بداية ظهور التعريف بالمصطلحات الفقهية تعريفا ً لغويا ً واصطلاحيا ً ، الشيء الذي لم نجده عند ابن بركة الذي كان يهتم ّّ بالجانب اللغوي فقط في بيان معاني الألفاظ. وإلى جانب هذا يلاحظ على أبي سعيد شغفه بمسألة تعليل الأحكام وتحليل القضايا، فقد أعطى عقله ذلك الحق، فكان يبين الصور المختلفة ُ للمسألة، وأحوالها المحتملة من العمد والخطإ والنسيان، وكان يفهم وينقد، ويتعمق في بحث المسائل، وكان يقل ّ بها من كل وجوهها المحتملة، فكأنما ُ كان يذك ّ رنا بأصوله الفكرية التي نشأت في العراق بلد الرأي. كما يلاحظ في فقه أبي سعيد تمسكه بالسن ﱠ ة، والنظر إلى روح الشريعة ﱡ ومقاصدها، واعتبار المصلحة، فهو يؤمن بأن ما رآه المسلمون حسنا ً فهو عند الله حس ن، وحيثما كانت المصلحة في الفروع فثم شرع الله، ما لم يتعارض ذلك مع نص صريح، أو قاعدة متفق عليها، وكان يعلل الأحكام كلما أمكن دون تعسف، فصلاة الجمعة عنده لاجتماع المسلمين، فلا يجوز أن تكون في غير المسجد الجامع باختيار إلا إن عرض عارض؛ لأن السن ﱠ ة ﱡ جاءت بثبوت الجمعة في المساجد، ويعجبه قول من يقول بإجازة الجمعة في غير المسجد الجامع لئلا تتعطل... ولعل من أهم ما يلاحظ في منهجه إلى جانب ما تقدم، أنه كثيرا ً ما يعود في اجتهاده إلى القواعد الفقهية، كدفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغ ر، ودفع المفسدة مقدم على جلب المصلح ة، واليقين لا يزول إلا بيقين مثل ه، ويعطي العرف والعادة مكانة في تحديد الأحكام، ويسميها س ُ ن ﱠ ة أهل البلد. أما استفادتنا من الكتاب فقد تمثلت في استخراج ما ورد فيه من القواعد الفقهية الأساسية والفرعية، والفروع التي تخرجت عليها، ومن تعليلاته للأحكام، ومراعاته للمصالح والمفاسد، ومقاصد الشريعة العامة. أما كتابه » الجامع ا لمفيد « فيكاد فقهاء الإباضية يتفقون أنه في صورته الحالية ليس من صنع أبي سعيد الكدم ي، وإنما هو من فعل تلاميذه، أو من َ جاء بعده من المشتغلين بالعلم، فقد لاحظوا أهمية فتاويه وآرائه الفقهية، وسعة علمه وتعمقه في البحث، فأقدموا على جمعها في كتاب أطلقوا عليه ويتصف هذا الكتاب كغيره من ،« الجامع المفيد من أجوبة أبي سعي د » : اسم كتب الفتاوى بميل صاحبه إلى الاختصار، والاقتصار على تنزيل الحكم الشرعي على الحادثة، فالكتاب مجموعة مسائل مرتبة نسبيا ً على مواضيع ّ الفقه المعهودة. فغالبا ً سئل أبو سعيد » ،« سألته » : ما يعرض السؤال بصيغ متقاربة مثل « وقد يسكت الجامع عن السؤال، إلا أن صيغة الجواب ونصه كافيان للإيحاء به، ويكتفي الكدمي في فتاويه برأي توصل إليه اجتهاده، مستعملا ً في ذلك وقد يعرض الخلاف الوارد في المسألة، ويبين أقوال ،« معي أنه كذا » : عبارة فقهاء المذهب، مدعما ً بدليل شرعي من قرآن أو حديث، أو رأي بمفهومه الواسع. أما استفادتنا من كتابه » الجامع ا لمفيد « فكانت محدودة، تمثلت في بعض التطبيقات على القواعد ولم يكن يصرح بها غالبا ً ، بل يلمح إليها تلميحا ً ، وتفهم من سياق كلامه. ٥ ولأبي العباس أحمد بن محمد بن بكر الفرسطائي (ت: ٥٠٤ ه) مساهمة بارزة في النتاج العلمي للمدرسة الإباضي ة، بمؤلفات فقهية متنوعة، منها كتاب » تبيين أفعال العباد « الذي تناول فيه أحكام أفعال المكلفين، سواء منها أفعال الجوارح أو القلوب، ورك ﱠ ز على المنهيات، وأقوال العلماء في أثر المناهي على الأفعال، والكتاب يمكن تصنيفه في قسم فلسفة الأخلاق، أو ولكنه يعني كثيرا ،« الإحياء » الأفعال المهلكات، كما يسميها الغزالي في ً بالجانب المقاصدي، وبناء الأحكام على اعتبار النوايا التي تصدر عنها تلك واقتصرت ،« الأمور بمقاصده ا » : الأفعال، فكان كلامه يدور حول قاعدة استفادتنا منه على هذه القاعدة الهامة والشواهد المتخرجة عنها. والكتاب قد حققه ودرسه باحثين من قسم التخصص في الدراسات الشرعية بمعهد الحياة بالقرارة، وهو مرقون غير مطبوع. أما مؤل ﱠ فه » كتاب ا لألواح « فتناول فيه بالشرح حديث رفع عن أمتي » ُ «... الخطأ والنسيان وتوسع في صور الخطأ وأحكام الإثم والضمان، متى يلزمان، ومتى يرفعان، وعرض للدعاوى في الخطأ والتعدي، ووجوه الإكراه، وغيرها من المسائل، وإن كان أغلبها مما يتعلق بنظرية الخطأ والضمان. المشقة تجلب التيسير » : واستفادتنا منه تمثلت في تأصيل قاعدة « وفي بيان بعض أسباب التخفيف والتيسير؛ كالخطأ والنسيان والإكراه، وقاعدة: والفروع المتخرجة عليها. ،« الخطأ لا يزيل الضمان ويرفع الإث م » وله كتاب يعرف ب » كتاب أبي مسألة « ويطلق عليه اسم »الجامع « شمل أبواب الفقه من عبادات ومعاملات وأحوال شخصية، وفيه أيضا ً مسائل في الإكراه وأحكامه، وكلها إجابات مختصرة، يكتفي في أكثرها بالحكم المعمول به عند الإباضية حسب اجتهاده، مع ذكر الدليل الشرعي من الكتاب أو السن ﱠ ة، ﱡ أو الإجماع أو القياس، أو غير ذلك مما كان أصلا ً من أصول التشريع عند الإباضية، ولا يكثر من الأدلة، وغالبا ً ما يقتصر في استشهاده على نصوص القرآن، بالإضافة إلى أنه يذكر أحيانا ً الاختلاف بين المجتهدين وأسبابه، والكتاب يوجد مخطوطا ً ومطبوعا ً بتصحيح الأستاذين محمد صدق ي، وإبراهيم أسبع . وكتابه » السيرة في ا لدماء « في موضوع قتال البغاة، وحكم الفتنة إذا وقعت بين أهل القبل ة، وأحكام دفع الصائل، واستفاض في هذه المسائل، ولم يسعفنا في بحثنا كثيرا ً إذ أغلبه مسائل اجتهادية تضبط قواعد حفظ الدين والنفس والمال، والترتيب بينها عند التعارض، وعن هذه القواعد تتفرع معظم مسائل الكتاب، ويمكن الاستفادة منه في تأصيل نظرية المقاصد عند الإباضية في بعض جوانبها. أما كتابه » القسمة وأصول ا لأرضين « فهو كتاب متميز في فقه العمارة، وأحكام الجار، وحقوق الحريم، والطرقات والأودية، وغيرها من المرافق العامة للبلد المسلم، وقد استقى منه إباضية المغرب خصوصا ً كثيرا ً من قواعد العمارة الإسلامية، تنظيرا ً في المؤلفات، وتطبيقا في واقع الحياة، والكتاب مطبوع بتحقيق الدكتور محمد ناصر، وأستاذنا بكير الشيخ بالحاج باشعادل . وتمثلت استفادتنا منه في تطبيقات قواعد الضرر، وكيفية إزالته، والمسائل المتفرعة عنها، ولا يصرح بالقاعدة، وإنما تستنتج من عبارته، ويكاد الكتاب يخلو من الأدلة، وقد استخرج المحققين منه جملة من القواعد وألحقوها به، ْ ليسهل على الباحثين التعرف عليها. ٦ ومن المصادر الهامة في هذه الدراسة » كتاب ا لضياء « لأبي المنذر سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري (ق: ٦ه) وهو موسوعة شاملة تناولت أبواب الفقه، وخصصت الأجزاء الأولى لقضايا الأصول العقدية، والأصول الفقهية، وبعض القواعد الفقهية، وهي مادة معتبرة في حجمها، وإن لم تكن موزعة بصورة متكاملة في العرض والطرح، ولكنها تبين في عمومها اهتمام الإباضية بتأصيل الفقه، بالتوازي مع تدوينه. ويتميز الكتاب بالاهتمام بالجانب اللغوي في التعريفات، وفي أصل اشتقاق المصطلحات، نظرا ً لتأثر المؤلف بموسوعته اللغوية (الاستبانة)، كما ظهر في الكتاب أثر العناية بأسلوب الجدل ولغة المنطق في التعليل والتحليل، وحظي بنصيبه من الأخطاء المطبعية، ولم نجد مخطوطا ً نقابله به، فاضطررنا للاجتهاد حين الضرورة للوصول إلى المعنى بناء على السياق العام للنص، والكتاب يتألف من أربع وعشرين جزء وطبع منه ثمانية عشرا ً جزءا، والباقي ً ما زال مخطوطا ً ، وضاع منه الجزء الرابع والسابع، وحاليا ً يعكف بعض ّ الباحثين على تحقيقه لإعادة طبعه. واقتصرت استفادتنا من الكتاب على المجلد الثالث الذي تضمن جملة كقاعدة: ،« اليقين لا يزول بالش ك » : من القواعد المتفرعة عن القاعدة الكبرى أما الأجزاء ،« والأصل في الأشياء الإباح ة » ،« الأصل بقاء ما كان على ما كا ن »الأخرى أخذنا منها بعض الفروع الفقهية التي تخرجت على القواعد الفقهية، ولو لم يصرح بها وهذا هو الغالب فيه. ٧ كتاب » قواعد الإسلام « لأبي طاهر إسماعيل الجيطال ي، (ت: ٧٥٠ ه) وهو كتاب مختصر يشتمل على أبواب العقيدة والعبادات اقتصر الكلام فيه على سبعة أركان تحتوي » : والحقوق، يقول في وصفه على جمل من الفرائض والمظالم التي يلزم بها الإنسان، وكل ركن منها يشتمل على أربعة أبواب مرتبة مبانيها، وفصول مشروعة معانيها، تكون لسالكي هذا المنهج من التحف المخزونة، والدرر المكنونة، يقل على الناظر لفظها، وسهل على القارئ حفظها، وتكون للمسترشدين ملجأ .« يلجأون إليه، وعصمة يعتصمون به فإذا كان هذا الوصف للكتاب من حيث الشكل، فإن صاحبه قد سلك من حيث المضمون منهج المقارنة على أوسع نطاق، إذ يورد في كل مسألة مختلف الوجوه مع الإحالة على أقوال الفقهاء المتقدمين من الإباضي ة، بذكر أسمائهم مع تدعيم الوجوه المعتمدة بنصوص من الكتاب والسن ﱠ ة، دون أن ﱡ يغفل عن بيان آراء الصحابة والتابعين وأصحاب المذاهب الأربع ة، وعرض أدلة كل فريق، والتنصيص على أقوال الموافقين والمخالفين، وأسباب الخلاف، ومع العناية بإيراد الأقوال، فإن اجتهاده ورأيه الشخصي ظاهر على صفحات كتابه، فهو يرى ويختار، ويصوب ويخطئ. وتمثلت استفادتنا من الكتاب في استخراج بعض القواعد الكلية، والضوابط الفقهية، والأدلة الشرعية، وتوظيفها في البحث، مع الفروع والمسائل التطبيقية التي تخرجت على بعض القواعد الفقهية. ّ « كتاب ا لإيضاح » ٨ لأبي ساكن عامر بن علي الشماخي (ت: ٧٩٢ ه) يشتمل على أبواب العبادات والمعاملات، وقد احتل هذا الكتاب مكانة كبيرة عند الإباضية بعد القرن الثامن الهجري، واعتبره أبو العباس أحمد الشماخي اعتماد أهل المغرب في وقته خصوصا » صاحب السير ً ووصفه ،«... نفوسة وهذا التأليف ما أظن ألف في المذهب مثله، جمعا » : بقوله ً وتعليلا ً واختصارا ً غير مخل، وتطويلا ً .« غير ممل، ولا مكرر بدلائل » وكان من منهج أبي ساكن في تأليف كتابه جمع الآراء الفقهية فعمله على ما يظهر .« مسموعات مستندات، وقياسات مستنبطات مستخرجات من كلامه هذا، لم يتوقف عند الجمع من المؤلفات السابقة، بل اجتهد في تأصيل ما جمع، وتخريج الفروع على الأصول والقواعد الفقهية، وهو عمل ليس بالهين، وفي ذلك إشارة إلى أن صاحب الكتاب لاحظ شيئا ً من النقص ّ في عموم التآليف الفقهية الإباضية في المغرب خاصة، فأراد أن يتمه، كما تطل ّ ع فيما يبدو على أن يثبت أن فقهاء المذهب المتقدمين اكتفوا بإيراد أحكام المسائل المتفق عليها والمختلف فيها من دون دليل، كانوا على معرفة لأن من » تامة بالأصول والقواعد الفقهية، وأن اجتهاداتهم كانت مبنية عليها لم يتحك ّ م في الأصول قل ّ ما تتحصل عنده الفصول .« ِ ولن » : ويشير منهجه إلى التمييز بين المواقف والآراء المختلفة بقوله َق ُ ل في كل موضع قلت في كتابي هذا، فعندي والله أعلم أن سبب اختلافهم، أو العلة كذا وكذا، وأن العلة... كذا وكذا، فإنما في الأكثر استدلال واعتلال .«... مني، لا من صاحب القول الذي على طريقته أسير أما من حيث الاستدلال فهو يكثر من الاعتماد على الأثر، ويصرح بأن وينقل كثيرا ،« وفي أثر أصحابنا كذا » ،« في الأثر كذا » ً عن سلف الإباضية من أهل المغرب الإسلامي خاصة، فينسب الأقوال إلى أصحابها أحيانا ً ؛ كالإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم وابنه أفل ح، من القرن الثالث ٰ الهجري، والإمام الربيع بن حبيب الفراهيد ي، وعبد الله بن عبد العزيز من القرن الثاني من أهل البصر ة، ويشير في عرضه للمسائل إلى اختلافات الفقهاء، مع بيان أسباب الخلاف في أغلب الحالات، ويحاول أن يوفق بينها، ويبدي رأيه فيها مستعملا ً فيما يوجبه النظر » ، في ذلك عبارات كثيرة ويرجح في أغلب ،«... عندي، وهذا القول فيما النظر أصح، هو الأصح الصور والمسائل قول فقهاء الإباضية عند مقارنتها بأقوال غيرهم التي يذكرها أحيانا ً ، وقد صرح بأنه ينظر في كتب غير الإباضية ولكن ذلك كما يظهر لم يكن السمة الغالبة على الكتاب. وعموما ً فإن كتاب »الإيضاح « يمثل بحق قمة التأليف الفقهي الإباضي المؤصل ونهايته، بحيث يمكن أن يعتبر فاصلا ً بين نمطين من التأليف: نمط يقوم على الجمع والتأليف والتأصيل، فكان »الإيضاح « تاجه، وبين نمط جديد يبدأ مع ظهور القرن التاسع يقوم على شرح القديم والتحشية عليه. واستفادتنا من الكتاب تمثلت في جمع القواعد الفقهية منه، وتصنيفها إلى كبرى وصغرى، واستخراج الأدلة الشرعية لتأصيلها، والمسائل المتخرجة عليها، وأحيانا ً لا يصرح بالقاعدة، ويكتفي بذكر فروعها، فنردها إلى أصولها، وكثيرا ً ما يسعفنا بالتطبيقات المختلفة، والتعليلات المتعددة، ومنشأ الخلاف في المسألة، وهذا الجانب كثيرا ً ما يغفل عنه غيره من الفقهاء، ولكثرة ورود القواعد والضوابط الفقهية في هذا الكتاب فإنه يصلح أن ي ُعت َ مد مشروعا ً مستقلا ّ ً للدراسة، للتعرف على مدى مساهمة فقهاء الإباضية في التقعيد الفقهي، والكتاب صدر في طبعات متعددة مذيلا ً بحواشي السدويكشي وأبي ستة المحشي ولم يحظ بتحقيق علمي. ٩ كتاب « تمهيد قواعد الإيمان وتقييد شوارد ا لأحكام » للمحقق سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي ( ١٢٣١ - ١٢٨٧ ه) وهو عبارة عن فتاوى ورسائل وآثار جمعها أحد تلامذته في أربعة مجلدات كبيرة تمثل فقها ً حي ّا ً تنظيري ّا ً ، وقد تم استعراضه كاملا ً فو ُ ( جد فيه ما يقرب من ( ١١٤ قاعدة فقهية، مع ملاحظة أنه لم يؤخذ في الاعتبار استخراج غير القواعد الفقهية والضوابط، الل ﱠهم إلا ما كان منها مشتركا ً كقواعد الألفاظ، وما يقدم ُﱠ منها عند التعارض، أو ما يتعلق بالوسائل والمقاصد والمآلات، أما القواعد الأصولية أو المقصدية، أو الشرعية الخالصة التي لا تندرج تحتها جزئيات وفروع فلم يتم استخراجها. أما منهجه في الكتاب فكان يستعرض السؤال ويجيب عنه إجابة شافية فيختصر أحيانا ً ، ويطيل أيضا ً ، ويعطي للسؤال حقه من الشرح والإيضاح ليزيل كل لبس وخلط قد يقع فيه صاحب السؤال، وكان غالبا ً يدعم إجابته ِ بالأدلة من القرآن والسن ﱠ ة والآثار، وكان يوقف السائل على الحكم ﱡ والأسرار، والعلل والمقاصد التي ينطوي عليها الحكم الشرعي على قدر مستوى المستفتي، وأهمية الموضوع، وكان يصوغ فتاويه بلغة سلسة بسيطة بعيدة عن التعقيد، ويستعمل أحيانا ً العبارات العامية والمصطلحات العرفية خاصة في مجال الزراعة والمساقاة. وتمثلت استفادتنا منه في اعتماد القواعد الكلية الكبرى وما تفرع عنها، وبعض القواعد الفقهية الصغرى مع الفروع المتخرجة عليها، واعتماد أدلته في تأصيل القواعد، والكتاب طبعته وزارة التراث والثقافة العمانية بدون ُ تحقيق في اثني عشر جزءا، وقد عكف عليه بعض الباحثين لتحقيقه، وصدر ً أخيرا ً في عشر أجزاء مجلدة ومحققة. « معارج الآمال على مدارج ا لكمال » ١٠ للإمام نور الدين عبد الله بن حميد بن سلوم السالمي ( ١٢٨٦ - ١٣٣٢ ه) الذي له القدم الراسخة والشهرة الواسعة، لغزارة علمه وسعة مداركه، وكثرة مصنفاته، وكتابه « مدارج الكمال » هو شرح لأرجوزة فقهية من تأليفه، تسمى « المعارج »نظم » مختصر ا لخصال « لأبي إسحاق إبراهيم بن قيس الحضرم ي، وبالرغم من عدم تمام هذا الكتاب إلا أنه يمثل ثروة فقهية، يمتاز بحسن التحرير ودقة التقرير، فهو يضم القواعد الأصولية والفقهية والفروع الفقهية المتنوعة، ويعتبر من أهم المصادر الفقهية الإباضية التي اهتمت بالفقه المقارن. تحليل النصوص الشرعية، « المعارج » وقد سلك السالمي في منهجه في وتوظيف اللغة العربية في فهمها، وإرساء اجتهاداته على أصول واضحة، ويهتم ببيان أسباب اختلاف الفقهاء، والجمع بين القول الفقهي ودليله الشرعي من قرآن وس ُ ن ﱠ ة، أو إجماع أو قياس، أو غيرها من أصول التشريع المعتمدة، مرتبة حسب قوتها في الدلالة والاحتجاج، ثم إنه يحفل كثيرا ً بالمقارنات بين أقوال الفقهاء والموازنة بينها داخل المذهب، وبين آراء المذهب وبقية المدارس الفقهية الأخرى؛ وكان يفعل ذلك بحس علمي ونقد نزيه، ملتزما ً بآداب المناظرة، واحترام الرأي الآخر، ولم يكن ليغفل في أحيان كثيرة نسبة الأقوال إلى أصحابها، وإن لم يكن ذلك قاعدة عامة، فقد كان يكتفي في بعض الأحيان بنسبة القول إلى المجهول: قيل، قال بعضهم، قال آخرون، وعند عرضه للمسألة ودراستها، فإنه يحرص على التزام التسلسل المنطقي للمسائل والقضايا المطروحة، فهو يعرض المسألة موضوع البحث ويتفحصها، ثم يعطيها حكمها المناسب مدعما ً بالدليل، وإن كانت لها أقوال أخرى أوردها وأوضحها، وأورد حجج أصحابها، وعاد عليها بالنقض إن هو رأى مخالفتها للصواب. كما يمتاز السالمي بالتواضع والدقة في نقل أقوال المخالفين، وعزوها إلى أصحابها ولو كان يخالفها، والتعامل معها بكل موضوعية ونزاهة. أما استفادتنا من هذا الكتاب فكانت كبيرة، تمثلت في جمع القواعد الفقهية المتناثرة فيه، وهي كثيرة، فكان يصرح بالقاعدة بصيغتها المعروفة، ويذكر دليلها، والفروع المتخرجة عليها، فلم نجد صعوبة في الوصول إلى القاعدة فيه، فغالبا ً ما يأتي بها في مقام التعليل على الأحكام. ومن منهجه في التقعيد الفقهي التزامه في كثير من القواعد بالاستدلال لها من دلائل النقل والعقل، وكان يلمح أحيانا ً إلى القاعدة مع كثير من الفروع التي يراها تندرج تحت قاعدته، ليؤكد على أصله الذي سار عليه في إنشاء الفروع، والكتاب مطبوع طبعتين، الأولى في ثماني عشر جزءا، ً والثانية في خمس مجلدات ضخمة، ويفتقر إلى تحقيق علمي. ومن مؤلفاته » جوابات الإمام ا لسالمي « وهو عبارة عن فتاوى في أمور العبادات والمعاملات، والأحوال الشخصية وشتى نواحي الحياة، ويمتاز بعرض المسائل مع أدلتها، ومناقشة أقوال فقهاء الإباضية وغيرهم، وترجيح بعضها أو الإنفراد برأيه، لقد قام منهج السالمي الفقهي في كتابه على جملة من الاعتبارات والموازين، فهو حين يجيب عن أسئلة السائلين يربط الفروع بالأصول والقواعد، والفقه بالسن ﱠ ة، ويرفض إيراد ﱡ الأقوال والآراء خالية من الدليل، فهو يرى أن قوة الرأي الفقهي إنما تحددها قوة الدليل الذي قام عليه، كما سلك منهج الاستقلالية عن آراء الآخرين، وفي كثير من الأحيان حين يفتي لا يرجع أصلا ً إلى كتب السابقين للبحث عن الحكم، وإنما يعول في ذلك على اجتهاده في فهم المسألة من النصوص المتعلقة بها، ثم يصدر الحكم المناسب، ويعود في مناسبات لاحقة يذكر بأنه عثر على نفس الحكم في هذا الكتاب أو ذاك فيزداد ثقة وطمأنينة. وحين يتعامل السالمي مع النصوص الشرعية فإنه ينظر إلى روحها ومقاصدها وأبعادها، ولا يكتفي بظاهرها ما وجد إلى ذلك سبيلا ً ، دون مبالغة أو تكل ّ ف، وهو يراعي في ذلك الظروف الزمانية والمكانية، وهو أرفق بالناس في غير الأصول التشريعية الثابتة، فحين يسأل عن مقدار النفقة على الزوجة أو حقوقها يرجع ذلك إلى اختلاف الأحوال والأوقات، ُ وحين يسأل «... فلكل زمان حكم، والحاكم إلى نظره أحوج منه إلى أثره »وأما الشاهد من أحوال الناس اليوم » : عن دخول الإدام في نفقة المرأة يقول .« فلا بد لها من الإدام، وهو ما يفرض لها عندنا كما حارب السالمي التقليد، واعتبر مقلد غيره أسيرا ً لا كيان له ولا شخصية، ودعا إلى الرجوع إلى الحق كلما تبينه المجتهد، وحارب التقوقع والانطواء على الذات، ودعا إلى التفتح على ما عند الآخرين والاستفادة منه، بقدر ما يرى وجوب اطلاع الآخرين على ما عند الإباضية . ومن منهجه 5 رفضه مهادنة التواطؤ على الخطأ وإن أقره العلماء قبله، بسبب ما تضفي عليه الأيام من قدسية، وتسليم السابقين له بالقبول، فبمرور الأيام لا يحرم ولا يحلل، وقد كلفه هذا الموقف عنتا ً ومشقة في سبيل تغيير الباطل المعارض لشرع الله تعالى وسن ﱠ ة نبيه صلى الله عليه وسلم . ُ وفي سياق حديثنا عن منهج السالمي الاجتهادي والبحث الفقهي، نشير إلى ملحظ هام في منهجه في الفتوى باعتباره شكلا ً من أشكال التشريع، وكشف الحكم الشرعي في الحوادث أو الإخبار به، إذ يتميز هذا المسلك ببعض الخصوصيات التي ينبغي الإشارة إليها، لما فيه من تأكيد على تميز الشيخ، وبعد نظره، وسعة أفقه، وفهمه لمقاصد الشريعة، ولدور الفقيه المفتي؛ إذ هو لا يكتفي بإصدار الحكم الشرعي المؤصل والمدعم بالدليل والحجة، وإنما يتحول في أحيان كثيرة إلى ذلك الناصح الأمين الذي يذكر السائل بالله، ويحذره من غواية الشيطان، وقد يظهر ذلك جليا ً في مثال تزويج ّ البنت تحت الإكراه، والأمثلة على ذلك أكثر من أن ت ُع َد ّ ، بأجزائه السبعة. ِ كما كان يوقف السائل على الحكم والأسرار، والعلل التي ينطوي عليها الحكم الشرعي على قدر مستوى هذا المستفتي، وأهمية موضوع السؤال، وكان يصوغ كل ذلك بلغة سهلة وميسرة، بعيدة عن اللفظ الغريب؛ بل نجده لا يتحرج أحيانا ً في استعمال اللغة العامية والمصطلحات العرفية، وكان يدعو أحيانا ً إلى الأخذ بالأحوط ويفتي به، كما أنه يفتي أحيانا ً أخرى بما هو أيسر، وقد يخير المستفتي بين الأخذ بهذا القول أو ذلك، عندما تتساوى عنده الأقوال والآراء، ويعوزه دليل الترجيح. وتجلت استفادتنا بالكتاب في استخراج بعض القواعد الفقهية، وأدلتها مع الفروع المتخرجة عنها، والكتاب مطبوع في أربعة أجزاء بتحقيق القاضي سالم بن حمد الحارث ي، وأعيد طبعه مع إضافات مهمة بتحقيق أبو غد ة، صدر في سبعة مجلدات بعنوان جوابات الإمام السالمي . ومن مصنفاته أيضا ً : كتاب » طلعة الشمس على الألفية في أصول الفقه « شرح فيه منظومته شمس الأصول، ودرس فيه مباحث الأصول وقواعده، ومصادر التشريع، وخصص مبحثا ً لدراسة القواعد الفقهية الأمور بمقاصدها » الأساسية، وعرضها بصيغها المعروفة وهي .« اليقين » ولا يزول بالشك .« المشقة تجلب التيسير » و .« الضرر يزال » و .« العادة » و محكمة .« وصرح بأن الفقه الإباضي يدور حول هذه القواعد، وذكر للقاعدة أمثلة تطبيقية لها. وكانت استفادتنا منه في بيان تطور القواعد الفقهية عند الإباضي ة، ومدى اعتمادها في الفروع الفقهية، وأخذنا من الكتاب أيضا ً أسباب التيسير؛ كالسفر والمرض والإكراه والخطأ والنسيان، وقد بحثها ضمن عوارض الأهلية. والكتاب يمتاز بحسن العرض والترتيب، وقد طبع طبعتين الأولى غير محققة في جزأين، والثانية محققة صدرت مؤخرا ً. « شرح كتاب النيل وشفاء العليل » ١١ لقطب الأئمة أمحمد بن يوسف أطفيش ( ١٢٣٦ - ١٣٣٢ ه) من أمهات الكتب المتأخرة في الفقه المقارن، شرح فيه كتاب النيل وشفاء العليل لعبد العزيز الثمين ي، يشتمل على معظم أبواب الفقه المعروفة، وينقصه الترتيب، ويكثر فيه الاستطرادات في شتى المواضيع، ولم يلتزم فيه خطة معينة بل كان يتتبع المتن ويشرحه، ويستدل بالأدلة من القرآن والسن ﱠ ة والإجماع والقياس والآثار، ونظرا ً لكثرة الجزئيات ﱡ في الكتاب وشدة عنايته بالأقوال، فالقواعد الفقهية فيه قليلة، ولم يسعفنا الوقت بتتبع كل أجزائه، وتمثلت استفادتنا منه في مجال التطبيقات الفقهية على بعض القواعد الكلية، فنأخذ منه المسألة، وأقوال فقهاء الإباضية وغيرهم، والرأي المختار عنده. والكتاب طبع عدة طبعات أشهرها طبعة مكتبة الإرشاد بجدة ١٤٠٥ ه في سبعة عشر مجلدا ً ، وقد أضيف إليه جزء للفهارس، والكتاب لا يخلو من الأخطاء المطبعية وهو في حاجة إلى تحقيق علمي يبزر أهميته ومكانته العلمية. وفي ا لختام أتقدم بالشكر الجزيل إلى معالي الشيخ عبد الله بن محمد السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان يحفظه الله ، ُ فحين عرض عليه هذا المشروع وافق عليه دون تردد، ودعمه منذ كان ُ فكرة لم تختمر، وما يزال يرعاه ويقد ﱢ م كل التسهيلات الضرورية لإنجاحه، رغبة ً منه في سد ﱢ فراغ المكتبة الإسلامية في مجال القواعد الفقهية عند الإباضية، واستثمارا ً للتراث الفقهي الإباضي الذي يزخر بالقواعد والضوابط الفقهية والأصولية، ولم تصل إليه أيدي الباحثين. كما أوجه الشكر والعرفان إلى سماحة شيخنا العلا ﱠ مة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان يحفظه الله الذي أنار دربي، ولم ُ يبخل علي من وقته الثمين، فانتفعت بعلمه وتوجيهاته السديدة، وكان لها ﱠ أثرا ً واضحا ً في نفسي وخطوات بحثي. ولا يفوتني في هذا المقام أن أجزل الشكر والثناء إلى أخينا الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن سليمان السالمي رئيس تحرير مجلة التفاهم ٰ العمانية الذي مهد لي الطريق وذل ﱠ ل العقبات، وما انفك ﱠ يشجعني ويلح ُّ علي بإنجاز هذا البحث وإخراجه، ويتابع بنفسه جميع مراحله حتى اكتمل ﱠ بنيانه وصدر في حلة قشيبة تسر الناظرين. ﱡ كما أشكر كل القائمين على المكتبات العامة والخاصة في الجزائر وع ُ مان الذين سخ ﱠ روا لنا كل الوسائل المتاحة، لننهل من مكنوناتها المخطوطة والمطبوعة، وإلى كل من أسدى إلي بنصح أو توجيه أو رأي ﱠ أو مساعدة، فإلى هؤلاء جميعا ً أقد ﱢ م شكري وامتناني وتقديري، وأسأل الله أن يتقبل منهم ويثيبهم عن ّ ا كل الثواب، ويجعل هذا العمل خالصا ً لوجهه الكريم، وذخرا ً لنا ولهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا ّ من أتى الله بقلب سليم، إنه سميع الدعاء، وبالإجابة جدير. :∫hC’G åëѪdG حقيقة القواعد الفقهية وبيان علاقتها بالعلوم المشابهة. المطلب الأول : تعريف القواعد الفقهية. أولا ً : المعنى اللغوي للقواعد. ثانيا ً : المعنى الاصطلاحي للقواعد. ثالثا ً : الدراسة النقدية للتعريفات. رابعا ً : على القواعد الفقهية. « الأصل » إطلاق مصطلح خامسا ً : للقواعد الفقهية. « الكلية » إضافة مصطلح المطلب الثاني : القواعد الفقهية وعلاقتها بالعلوم والمصطلحات ذات الصلة بها. أولا ً : القواعد الفقهية والضوابط الفقهية. ثانيا ً : القواعد الفقهية والقواعد الأصولية. ثالثا ً : القواعد الفقهية والنظريات الفقهية. رابعا ً : القواعد الفقهية والقواعد المقاصدية. خامسا ً : القواعد الفقهية والأشباه والنظائر. سادسا ً : القواعد الفقهية والفروق الفقهية. :»fÉãdG åëѪdG أنواع القواعد الفقهية وأهميتها وحجيتها. المطلب الأول : أنواع القواعد الفقهية ومراتبها. المطلب الثاني : أهمية القواعد الفقهية وفوائدها. المطلب الثالث : حجية القواعد الفقهية ووظيفتها (حكم الاستدلال بها). :ådÉãdG åëѪdG نشأة القواعد الفقهية عند الإباضية وتطورها ومصنفاتها. المطلب الأول : لمحة مختصرة عن المدرسة الفقهية الإباضية . المطلب الثاني : نشأة القواعد الفقهية عند الإباضية . أولا ً : مرحلة النشوء والتكوين. ثانيا ً : مرحلة تدوين القواعد الكلية مع الفروع الفقهية. المطلب الثالث : مراحل تطور القواعد الفقهية. أولا ً : مرحلة النمو والتوسع. ثانيا ً : مرحلة النضج والرسوخ والتميز. المطلب الرابع : التراث الفقهي الإباضي المتضمن للقواعد الفقهية. حقيقة القواعد الفقهية وبيان علاقتها بالعلوم المشابهة ويشتمل هذا المبحث على تحديد المعنى اللغوي والاصطلاحي للقاعدة مع دراسة « الأصل » الفقهية، وبيان المصطلحات ذات الصلة بها كمصطلح نقدية للتعريفات الاصطلاحية، وذلك بعرض أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين في مفهوم القاعدة، واقتراح تعريف مناسب للقاعدة الفقهية، ونحسب أن يكون جامعا ً ومانعا ً يأخذ بكل الاعتراضات التي اعترض بها الناقدون على التعريفات المتقدمة، ثم نحلل ألفاظه، ونبين علاقة القواعد ﱢ الفقهية بالعلوم المشابهة؛ كالضوابط الفقهية، والقواعد الأصولية والمقاصدية، والنظريات الفقهية، والأشباه والنظائر، والفروق الفقهية، وتفصيل ذلك في المطالب التالية: k :óYGƒ≤∏d …ƒ¨∏dG ≈橪dG :’hCG القواعد في اللغة جمع قاعدة، وهي الأصل والأس، والقواعد الأسس، وأساس الشيء وأصله: كل ما يرتكز عليه حسيا ً كان ذلك الشيء أو معنويا ً ، ّّ فقواعد البيت أساسه(١) قال الله تعالى: ﴿ ! " &%$# ' ﴾ (ا لب قرة : ١٢٧ ( ، ومنه قوله تعالى: ﴿ ÈÇÆÅÄ﴾ )النحل : ( ٢٦ ، فالقاعدة في هاتين الآيتين الكريمتين بمعنى الأساس ومنه ما يرفع عليه البنيان. قال الزمخشري (٢) : والقواعد جمع قاعدة، وهي الأساس والأصل لما » « فوقه، وهي صفة غالبة، ومعناها الثابتة(٣) . قال الزجاج (٤) : القواعد أساطين البناء التي تعمده، وقواعد الهودج خشبات » ّ أربع معترضة في أسفله ت ُ رك ّﱠ .« ب عيدان الهودج فيها (١) الفيومي: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، ط سنة ١٩٢٢ ، المطبعة الأميرية . القاهرة، ص ٧٠٠ (٢) الزمخشري محمود بن عمر بن محمد، (أبو القاسم، جار الله)، (و: ٤٦٧ ه/ ١٠٧٥ م ٥٣٨ ه/ ١١٤٤ م)، من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والأدب. معتزلي المذهب، شديد الإنكار على المتصوفة. أشهر كتبه: الكشاف، في تفسير القرآن؛ أساس البلاغة؛ المستقصى؛... .١٧٨/ إلخ. الزركلي، الأعلام، ٧ (٣) الزمخشري محمد بن عمر، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه .٩٣/ ١٣٥٤ ه ، مطبعة، مصطفى محمد التجارية الكبرى مصر، ١ ، التأويل، ط ١ (٤) الزجاج إبراهيم بن محمد السري بن سهل (أبو إسحاق)، (ولد ببغداد: ٢٤١ ه/ ٨٥٥ م ٣١١ ه/ ٩٢٣ م)، عالم بالنحو واللغة. من كتبه: معاني القرآن؛ الاشتقاق؛ الأمالي، في الأدب واللغة؛ .٤٠/ ٤٩ . الزركلي، الأعلام، ١ / إعراب القرآن؛... إلخ. ينظر: وفيات الأعيان لابن خلكان، ١ وقال أبو عبيد (١) : القواعد: السحاب أصولها المعترضة في آفاق السماء، » « شبهت بقواعد البناء(٢) . قال ابن الأثير(٣) : أراد بالقواعد ما اعترض منها وسفل تشبيها » ً بقواعد « البناء(٤) . قال ذلك في بيان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأل عن سحابة مرت، فقال: « كيف ترون قواعدها وبواسقها »(٥) . وقالوا: في المرأة التي قعدت عن الحيض والولد والزواج قاعد، والجمع قواعد(٦) ، ومنه قوله 8 : ﴿ <;:987 = ﴾ (ا ل نور : ٦٠ (. وتطلق القاعدة أيضا ً على الأشياء المعنوية فيقال: قواعد الإسلام، وقواعد النحو، وقواعد الأصول وغيرها، وكلها قواعد معنوية(٧) . وإذا تأملنا هذه المعاني المتعددة، وجدناها تؤول كلها إلى معنى واحد (١) أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي اللغوي الفقيه المحدث صاحب كتاب الأموال، توفي سنة .٤١٧/ ٢٢٤ ه ، ينظر: تذكرة الحفاظ، ٢(٢) ٣٦١ ، وينظر: الفيروزآبادي، القاموس المحيط مادة / ابن منظور: لسان العرب: مادة (قعد) ٣ .٣٤٠/ (قعد) ١(٣) ابن الأثير مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المحدث الأصولي، من كتبه: .٧٢/ النهاية في غريب الحديث، توفي سنة ٦٠٦ ه ، ينظر: الزركلي: الأعلام، ٥(٤) .٨٧/ ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث، ٤(٥) رواه البيهقي في شعب الإيمان، فصل في بيان النبي صلى الله عليه وسلم وفصاحته، رقم: ١٤١١ . وأورده الأصبهاني في كتاب العظمة، باب الأمر بالتفكر في آيات الله 8 . وقدرته وملكه... رقم: ٦٩٦ في حديث طويل عن موسى بن محمد بن الحارث التيمي عن أبيه. قال أبو عبيد الآجري: سئل أبو داود عن موسى بن محمد... قال: بلغني عن أحمد بن حنبل أنه كان يضعفه. وقال ابن حجر في التقريب: منكر الحديث. (الجامع للحديث النبوي). وورد الحديث أيضا ً في .١٤٧/٦ ، كنز العمال، رقم ١٥٢٤٧ (٦) .٣٦١/ ابن منظور: لسان العرب، مادة (قعد) ٣(٧) الأصفهاني الراغب: معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم، تحقيق نديم مرعي، دار الفكر، . بيروت، ص ٤٢٤ k :á«¡≤ØdG óYGƒ≤∏d »MÓ£°U’G ≈橪dG :É«fÉK يجمعها وهو الأساس أو الأصل، فقواعد كل شيء: أسسه وأصوله التي يبنى عليها، سواء كان ذلك الشيء حسيا ً أم معنويا ً. ّّ وهذا الجامع واضح في كل الأمثلة السابقة، وإذا كان المثال الرابع ﴿ 987 ﴾ )النور : ( ٦٠ ، يبدو بهذا المعنى الجامع غامضا ً ، فإن هذا الغموض يزول إذا تأملنا جيدا ً معنى القواعد من النساء؛ لأن القاعدة عن الحيض والولد والزواج يعني أن ّ ها لم يعد يشتهيها الرجال، ولم تعد تنجب؛ ِ لأنها بلغت سن اليأس، وفقدان الاشتهاء والإنجاب في المرأة هو: فقدان ّ لقوتها ووظيفتها الأساسية، فهي من هذه الناحية قد سكنت وجمدت، والسكون والجمود وانعدام الحركة هي من المعاني اللغوية للقواعد، وهي من أبرز َ معاني الأصل والأساس، وألصق بماهيته وحقيقته. وهكذا من خلال التحليل اللغوي لمعاني القاعدة يتبين أنه قد يكون المراد منه الاستقرار والثبات والسكون، إلا أن أقرب معاني القاعدة هو الأساس، لابتناء الأحكام عليها كابتناء الجدران على الأساس، ومن ث َم كان معنى قواعد ّ الفقه: أسسه وأصوله التي تبنى عليها فروعه وجزئياته ومسائله. عرف العلماء القاعدة بتعريفات عديدة منها: ﱠ ١ عرفها الجرجاني (١)قضية كلية منطبقة على جميع » (ت: ٨١٦ ه) بأنها ﱠ « جزئياتها(٢) . (١) الجرجاني علي بن محمد بن علي، (المعروف بالشريف الجرجاني)، (و: ٧٤٠ ه/ ١٣٤٠ م ت: ٨١٦ ه/ ١٤١٣ م)، فيلسوف، من كبار العلماء بالعربية. له نحو خمسين مصنفا ً ، منها: التعريفات؛ شرح مواقف الإيجي؛ رسالة في فن أصول الحديث؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، .٧/٥ (٢) الجرجاني محمد بن علي، التعريفات، ط ١، دار الكتاب المصري القاهرة ودار الكتاب = ٢ تابع بعض علماء الإباضية الجرجاني في تعريفه، فقد نقل السالمي(١) والراشدي (٢) هذا المفهوم، وبين كل منهما أن جزئيات القاعدة تسمى ّ (٣) فروعا ً ، واستخراجها منها يسمى تفريعا ً . ٣ وعرفها الفيومي (٤) « الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته » : بأنها(٥) . ﱠ = اللبناني بيروت ١٤١١ ه/ ١٩٩١ م، ص ١٨٥ . السالمي أبو محمد عبد الله بن حميد بن سلوم، ١٤ . وينظر: الراشدي سفيان بن محمد بن / شرح طلعة الشمس على الألفية في الأصول، ١ عبد الله، جواهر القواعد من بحر الفرائد، تحقيق حفيده محمد بن يحيى بن سفيان الراشدي، نشر مكتبة الاستقامة، سلطنة ع ُ .٤٢ - ١٤٢٥ ه/ ٢٠٠٥ م، ص ٤٠ ، مان ط ١ (١) السالمي عبد الله بن حميد بن سلوم (نور الدين)، (و: ١٢٨٦ ه ت: ١٣٣٢ ه) من بني ضبة، ينتمي إلى قبيلة السوالم. يعد الإمام السالمي علما ً بارزا ً في مسيرة النهضة العلمية ُ والإصلاحية في عصره، وقد أعاد إقامة الإمامة في ع ُ مان. أل ّ ف في عديد الفنون مؤلفات كثيرة، منها: تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان؛ طلعة الشمس على الألفية، في علم أصول ُ الفقه؛ جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام؛ شرح الجامع الصحيح (مسند الإمام .« أنوار العقول في علم الكلام » الربيع) في الحديث؛ مشارق الأنوار، شرح أرجوزته المسماة .٢٠٧/١ ، معجم أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ٧٨٩(٢) الراشدي سفيان بن محمد بن عبد الله (أبو الحسن)، (و: ١٣٣١ ه ت: ١٣٧٧ ه)، ولد في بلدة القريتين من ولاية إزكي. جعله الإمام الخليلي مفوضا ً ومبعوثا ً إلى من أراد الإمام أن يراسلهم. عين قاضيا ً للإمام الخليلي في جعلان بني بوحسن سنة ١٣٦٤ ه ، من أهم كتبه: ُ المنتخب من الحديث، الاعتقاد في الإسلام، جواهر القواعد من بحر الفرائد. معجم أعلام .١٤٤/١ ، الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ٥٥٤(٣) السالمي أبو محمد عبد الله بن حميد بن سلوم، طلعة الشمس شرح الألفية في الأصول، ١٤ . وينظر: الراشدي سفيان بن محمد بن عبد الله، جواهر القواعد من بحر الفرائد، /١ ، تحقيق حفيده محمد بن يحيى بن سفيان الراشدي، نشر مكتبة الاستقامة سلطنة عمان، ط ١ ُ .٤٢ - ١٤٢٥ ه/ ٢٠٠٥ م، ص ٤٠(٤) الفيومي أحمد بن محمد بن علي، (أبو العباس)، (ت: نحو ٧٧٠ ه/ نحو ١٣٦٨ م)، لغوي مشهور. .٢٢٤/ ألف: المصباح المنير؛ نثر الجمان في تراجم الأعيان؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ١(٥) الفيومي أبو العباس أحمد بن محمد بن علي المقري (ت: ٧٧٠ ): المصباح المنير، مادة قعد، . ص ٧٠٠ ٤ وعرفها التفتازاني (١) حكم كلي ينطبق عليه جزئياته لتعرف أحكامها » : بأنها ﱠ « منه(٢) . ٥ وعرفها ابن السبكي(٣) الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات » : بقوله ﱠ « كثيرة تفهم أحكامها منه(٤) . ٦ ويرى الحموي (٥) حكم أكثري لا كلي ينطبق على أكثر جزئياته » : أنها « لتعرف أحكامها منه (٦) . ٧ أما أبو عبد الله المقري(٧) كل كلي هو أخص من » : فمفهوم القاعدة عنده (١) التفتازاني مسعود بن عمر بن عبد الله، (سعد الدين)، (و: ٧١٢ ه/ ١٣١٢ م ت: ٧٩٣ ه/ ١٣٩٠ م)، من أئمة العربية والبيان والمنطق. من كتبه: تهذيب المنطق؛ المطول، في البلاغة؛ مقاصد .٢١٩/ الطالبين، في الكلام؛ شرح العقائد النسفية؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٧ (٢) .٢٠/ التفتازاني سعد الدين، التوضيح شرح التلويح، ٢ (٣) ابن السبكي عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، (أبو نصر، تاج الدين)، (و: ٧٢٧ ه/ ١٣٢٧ م ت: ٧٧١ ه/ ١٣٧٠ م)، قاضي القضاة، المؤرخ، الباحث. كان طلق اللسان، قوي الحجة، انتهى إليه القضاء في الشام. من تصانيفه: طبقات الشافعية الكبرى؛ جمع الجوامع؛... إلخ. .١٨٤/ الزركلي، الأعلام، ٤ (٤) ابن السبكي تاج الدين عبد الوهاب، الأشباه والنظائر، تحقيق عادل أحمد وعادل محمد .١١/ عوض، ١ (٥) الحموي أحمد بن محمد مكي، (أبو العباس، شهاب الدين)، (ت: ١٠٩٨ ه/ ١٦٨٧ م)، مدرس، من علماء الحنفية. حموي الأصل. كان مدرسا بالمدرسة السليمانية بالقاهرة، وتولى إفتاء الحنفية. صنف كتبا ً كثيرة، منها: غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر؛ نفحات .٢٣٩/ القرب والاتصال؛ كشف الرمز عن خبايا الكنز؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ١ (٦) الحموي أحمد: غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم، ط ١، دار الكتب .٥١/ العلمية لبنان، ١٤٠٥ ه/ ١٩٨٥ م، ١ (٧) المقري: محمد بن محمد بن أحمد القرشي التلمساني، (أبو عبد الله، الشهير بالمقري)، (ت: ٧٥٨ ه/ ١٣٥٧ م)، باحث، من الفقهاء الأدباء المتصوفين، وهو أحد علماء المالكية. له مصنفات، منها: القواعد؛ الحقائق والرقائق؛ رحلة المتبتل؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، .٣٧/٧ k :á≤HÉ°ùdG äÉØjô©à∏d ájó≤fh á«∏«∏ëJ á°SGQO :ÉãdÉK الأصول وسائر المعاني العقلية، وأعم من العقود وجملة الضوابط الفقهية « الخاصة(١) . إن التعريفات التي ذكرناها والتي لم نذكرها عند إلقاء نظرة عليها يتبين أنها التقت على معان مشتركة وإن اختلفت بعض العبارات في بعضها، ويمكن أن نلخص أهم وجوه الاتفاق والاختلاف في نقاط محددة، ويظهر ذلك في أمور: ١ تعريف القاعدة وهو قولهم: قضية كلية أو أمر كلي أو حكم كلي، والقضايا جمع قضية، والمراد بها ما كان موضعها كليا ً ، وقد فسر صدر الشريعة ّ القضايا الكلية بأنها: ما تكون إحدى مقدمتي الدليل على مسائل الفقه، ونص ّ على أنها كبرى القياس(٢) . وعب ّ ر بعضهم بالحكم الكلي، وسمي بذلك نسبة إلى لفظة (كل)؛ لأن القاعدة غالبا ً ما تتصدر بهذه اللفظة، كقول المناطقة : وقول « كل متغير حادث » النحاة : وقول الأصوليين « كل ما لا يعقل يذكر ويؤنث » : كل صيغة أمر عريت » ُ وقول الفقهاء « عن القرائن فهي للوجوب : كل سلف جر نفعا » ً ،« فهو حرا م ّ وهكذا وحتى إذا لم تتصدر القاعدة بلفظة كل، فإن معناها يتضمنها(٣) . ٢ إن هذه التعريفات تعطي صورة واضحة لاصطلاح عام للقاعدة، وقد جرى هذا الاصطلاح في جميع العلوم؛ فإن لكل علم قواعد، فهناك قواعد أصولية، وقانونية، ونحوية، وهندسية، وغيرها، فالقاعدة عند الجميع هي أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته مثل: قول النحاة : الفاعل مرفوع، المفعول به (١) .٢١٢/ المقري أبو عبد الله: القواعد، ١(٢) .٢١/ البخاري عبد العزيز صدر الشريعة: التوضيح بشرح التلويح، ٢(٣) . الروكي محمد: قواعد الفقه الإسلامي، الهامش، ص ١٠٨ منصوب، المضاف إليه مجرور، ويقول الأصوليون : الأمر للوجو ب، والنهي ِ للتحري م، فمثل هذه القواعد سواء في النحو، أو في أصول الفقه، أو في ما سواهما من العلوم قاعدة على جميع الجزيئات، بحيث لا يند ﱡ عنها فرع من الفروع، وإذا كان هناك شاذ ّ خرج عن نطاق القاعدة، فالشاذ أو النادر لا حكم له ولا ينقض القاعدة(١) . ِ ٣ عملية التخريج بتطبيق القاعدة على الجزيئات، وهو قولهم: ليتعرف ّ أحكامها منها، فالتعريفات زادت على معنى القاعدة ما هو من ثمراتها المترتبة عليها، كما أن القضية لا يمكن أن تكون كلية إلا وهي منطبقة على جميع جزيئاتها، وبناء على ذلك يمكن القول: إن كل قضية كلية هي قاعدة أيا ً كان ّ مجالها، فقولنا: كل شاعر مرهف الحس، قضية كلية محكوم فيها على كل أفراد موضوعها، وقولنا: كل فاعل مرفوع، قضية كلية محكوم فيها على أفراد موضوعها، فهي قاعدة أيضا ً ، وهكذا يمكن إجراء هذا على كل قضية من هذا القبيل(٢) . والناظر في هذه التعريفات لا يخفى عنه ما في ظاهرها من الاختلاف، وهذا ما جعل الكثير من الباحثين المحدثين الذين كتبوا في القواعد الفقهية يقفون أمام هذه التعريفات موقف الحيرة، وينتقون منها ما يعتقدون أنه أجمع وأشمل ومانع بعد تعليق ونقد، ووصف بعضها بأنه قاصر، وبعضها بأنه واسع، (٣) وبعضها بأنه مخل بشروط التعريف وحقيقة الحد ّ . (١) الندوي علي أحمد: القواعد الفقهية، ص ٤٠ - .٤١ (٢) الباحسين يعقوب بن عبد الوهاب، القواعد الفقهية، ط ٢، مكتبة الرشد، الرياض، . ١٤٢٠ ه/ ١٩٩٩ م، ص ٣٧ (٣) وأثرها في الأصول، « إعمال الكلام أولى من إهماله » ينظر: على سبيل المثال: القاعدة الكلية أحمد « إيضاح المسالك » محمود مصطفى هرموش، ص ٢٠ . وينظر: مقدمة محقق كتاب بوطاهر الخطابي، ص ١١٠ . وينظر: مقدمة قواعد المقري لأحمد عبد الله بن حميد، ص ١٠٤ . وينظر: القواعد الفقهية لعلي أحمد الندوي، ص ٣٩ - ٤٥ . وينظر: القواعد الفقهية للباحسين، ص ٣٩ - ٥٤ . وكذلك: نظرية التقعيد الفقهي، محمد الروكي، ص ٤٥ - .٥٥ والحقيقة أن سلامة النظر في هذه التعريفات وصحة التعامل معها يتطلب استحضار أمرين لا بد منهما: الأول: أن هذه التعريفات منها ما يشمل القاعدة بصفة عامة، سواء أكانت فقهية أم غير فقهية، ومنها ما يتعلق بخصوص القاعدة الفقهية. الثاني: أن ّ هؤلاء العلماء لم يكونوا يجهلون أن ّ للقواعد استثناءات حتى « ومن المعلوم أن أكثر قواعد الفقه أغلبية » : أنهم قالوا(١) . لذلك كان بعضهم يدخل في تعريفه للقاعدة هذا الاعتبار، بينما كان البعض الآخر يهمله استنادا ً إلى أن الغالب في القاعدة عدم سلامتها من الشذوذ والاستثناء(٢) . وفي ضوء هذين الأمرين وبمراعاتهما ندرك أن بعض هذه التعريفات اهتم فيها أصحابها بالقاعدة من حيث أصل ُ ها غير ملتفتين إلى ما قد يلحقها من استثناء؛ ُ لأن الأصل في القاعدة أن تط ّ رد وتنطبق على جميع جزئياتها، فالاطراد فيها أصل، والشذوذ والاستثناء طارئ، وتعريف القاعدة بهذا الاعتبار هو ما نجده عند كل من الشريف الجرجان ي، والسالم ي، والراشد ي، والفيوم ي، والتفتازاني . بينما نلاحظ تاج الدين ابن السبكي يتجنب في تعريفه ما يدل على الاطراد مشيرا ً إلى أن القاعدة معرضة لشذوذ بعض أفرادها عنها، وهذا ما يفيده قوله: فهو قد استعمل لفظ الكثرة ليدل بمفهوم ،« ينطبق على جزئيات كثيرة »ال مخالفة على أن القلة من جزئيات القاعدة هي عرضة للاستثناء والخروج عن قاعدتها. (١) .٣٦/ المالكي محمد علي بن حسين: تهذيب فروق القرافي في الحاشية، ١ (٢)عق ﱠ ويلاحظ على هذا التعريف أنه غير خاص » : ب محمد شبير على تعريف الحموي فقال بالقاعدة الفقهية؛ لأن القاعدة ليست وحدها الأكثرية وإنما أغلب القواعد من أصولية ونحوية تتصف بالأكثرية أو الأغلبية، وإنما تتميز القاعدة الفقهية بموضوعها وطبيعة القضايا التي ينظر: محمد عثمان .« تشتمل عليها لا بكونها كلية أو أغلبية؛ لأن هذه خاصية عامة للقواعد . شبير، القواعد الكلية والضوابط الفقهية، ص ١٦ أما أحمد الحموي فقد ذهب إلى أصرح من ذلك، وجاء تعريفه واضح الدلالة على إمكان شذوذ بعض الجزئيات عن قاعدتها، حيث وصف حكم القاعدة بأنه أغلبي، وقصر اندراج الجزئيات في القاعدة على معظمها لا على كلها(١) . والقول إن أكثر قواعد الفقه أغلبية مبني على وجود مسائل مستثناة من تلك القواعد تخالف أحكامها حكم القاعدة، ولذلك قيل: حينما أرجع المحققون المسائل الفقهية عن طريق الاستقراء إلى قواعد كلية كل منها ضابط وجامع لمسائل رأوا أن ّ بعض فروع تلك القواعد يعارضه أثر، أو ضرورة، أو قيد، أو عل ّ ة مؤثرة تخرجها عن الاطراد، فتكون مستثناة من تلك القاعدة ومعدولا ً بها عن سنن القياس، فحكموا عليها بالأغلبية لا بالاطراد. فمثال الاستثناء بالأثر: جواز السل َ م والإجارة في بيع المعدوم الذي الأصل ّ فيه عدم جوازه، ومثال الاستثناء بالإجماع: عقد الاستصناع، ومثال الاستثناء بالضرورة: طهارة الحياض والآبار في الفلوات مع ما تلقيه الريح فيها من البعر والروث وغيره(٢) . ولكن العلماء مع ذلك قالوا إن هذا الاستثناء وهذا الاطراد في القواعد لا ينقص من كلية تلك القواعد، ولا يقدح في عمومها(٣) للأسباب التالية: أولا :ً لما كان مقصد الشارع ضبط ُ الخ َ لق إلى القواعد العامة وكانت هذه القواعد التي قد جرت بها سن ﱠ ة الله أكثرية لا عامة، وكانت الشريعة موضوعة ُ (١) .٥١ ،٣٧/ الحموي أحمد: غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي، ١ الروكي، نظرية التقعيد الفقهي، ٤٥ - .٤٦ (٢) ١٢ . وينظر: البورنو محمد صدقي، الوجيز ،١١/ الأتاسي: شرح مجلة الأحكام العدلية، ١ . في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص ١٦ (٣)عبد العزيز محمد عزام: قواعد الفقه الإسلامي، مطبعة مكتب الرسالة الدولية للطباعة . والكمبيوتر، الشرقية مصر، ١٩٩٨ ، ص ١٠ على مقتضى ذلك الوضع كان من الأمر الملفوت إليه إجراء القواعد على العموم العادي لا على العموم الكلي العام الذي لا يتخل ّ ف عنه جزئي ما، حيث يكون الحكم فيها مبنيا ً على المجموع لا على الجميع، أي على الأكثر ّ لا على الكل(١) . وقد أيد الشاطبي(٢) إن الأمر الكلي إذا » : هذه الحقيقة فقال ثبت تخل ّف بعض الجزئيات عن مقتضاه لا يخرجه عن كونه كليا ً ، وأيضا ً فإن ُّ « الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار القطعي(٣) . ثانيا ً : إن المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها ك ُ ل ّي يعارض هذا الكل ّ ي الثابت، ّ وهذا شأن الكليات الاستقرائية، وإنما يتصور أن يكون تخلف بعض الجزئيات قادحا ً في الكليات العقلية، فالكليات الاستقرائية صحيحة وإن تخلف عن مقتضياتها بعض الجزئيات(٤) . كما يقال حيوان يحرك فكه الأسفل حين المضغ، وهذه قاعدة كلية استقرائية خرج عنها: التمساح حيث يقال: إنه يحرك فكه الأعلى حين المضغ، فخروج التمساح عن القاعدة لا يخرجها عن كونها كلية، فكأنه قيل: كل حيوان يحرك فكه الأسفل حين المضغ إلا التمساح. فالعموم العادي المبني على الاستقراء لا يوجب عدم التخلف، بل الذي يوجب عدم التخلف إنما هو العموم العقلي؛ لأن العقليات طريقها البحث والنظر. وأما الشرعيات فطريقها الاستقراء، ولا ينقصه تخلف بعض الجزئيات. (١) محمد بكر إسماعيل: القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، ص ٠٦ . البورنو: الوجيز في . إيضاح قواعد الفقه، ص ١٧ (٢) الشاطبي أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي المالكي (ت: ٧٩٠ ه/ ١٣٨٨ م)، أصولي حافظ، من كبار أئمة المالكية. من كتبه: الموافقات في أصول الفقه؛ الاتفاق في علم الاشتقاق؛ المقاصد الشافية في شرح خلاصة الكافية؛... إلخ. .٣١٩/ ينظر: الزركلي، الأعلام، ٧ (٣) ٥٢ بتصرف. / الشاطبي: الموافقات، ٢(٤) الشاطبي: المصدر نفسه. ثالثا ً: ومن ناحية أخرى فإن تخلف مسألة ما في حكم قاعدة ما يلزم منه اندراج هذه المسألة تحت حكم قاعدة أخرى، فالمسألة المخرجة تندرج ظاهرا ً تحت حكم قاعدة، ولكنها في الحقيقة مندرجة تحت حكم قاعدة أخرى، وهذا من باب تنازع المسألة بين قاعدتين، فليس إذا ً استثناء جزئية من قاعدة ما بقادح في كلية هذه القاعدة، ولا بمخرج لتلك الجزئية عن الاندراج تحت قاعدة أخرى(١) . ومن جهة أخرى فإننا ندرك أيضا ً أن هذه التعريفات قد اهتم فيها أصحابها بالقاعدة من جهة معناها الاصطلاحي العام دون تفريق بين الفقهية منها وغير الفقهية كما أشرنا آنفا ً وهذا ما نجده في معظم التعريفات السابقة، ولذلك نجدها غير مانعة من دخول الضابط الفقهي(٢) . بينما اهتم البعض الآخر بتعريف القاعدة الفقهية على وجه الخصوص، وهذا ما نجده واضحا ً في تعريف أبي عبد الله المقر ي، وباستحضار هذين الملحظين يزول ما يتبادر إلى الذهن من اختلاف هذه التعريفات، ونستطيع الوصول إلى معرفة أي هذه التعريفات أنسب وألصق بحقيقة هذه القاعدة، وقد ّ حاول أحمد الحموي الوصول إلى ذلك حينما فرق بين القاعدة الفقهية وغيرها ّ بفارق الاطراد وعدمه، أي أن القاعدة الفقهية موصوفة بعدم الاطراد، بينما غيرها موصوف بالاطراد فقال مقررا ً إن القاعدة هي عند الفقهاء غيرها » : ذلك عند النحاة والأصوليي ن؛ إذ هي عند الفقهاء حكم أكثري لا كلي، ينطبق على ِ أكثر جزئياته لت ُ « عرف أحكامها(٣) ، فقد نفي الكلية وهو يعني بها الاطراد عن القاعدة الفقهية، واكتفى بإثبات الأكثرية لها، وهو ما عبر عنه بالأغلبية في ّ التعريف السابق، فالفارق الأساسي إذا ً بين القاعدة الفقهية والقواعد (١) البورنو محمد صدقي، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص ١٦ - .١٧ (٢) .٥١/ الحموي أحمد: غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم، ١(٣) .٢٣/ الحصني تقي الدين، كتاب القواعد، ١ الأخرى ليس هو الاطراد وعدمه كما يفهم من كلام الحمو ي، بل إن التعريفات السابقة إذا استثنينا منها تعريف المقري كلها صالحة لأن ْ تنطبق على القاعدة بوجه عام. أما تعريف المقري فهو حسب ما ذهب إليه محمد الروكي ألصق التعاريف بحقيقة القاعدة الفقهية وأخص ما يكون بماهيتها، ذلك أنه جعل القاعدة الفقهية وسطا ً بين الأصول الشرعية العامة والضوابط الفقهية الخاصة(١) . وقد خالف يعقوب الباحسين ما ذهب إليه الروكي في ترجيحه لتعريف ومع ما في التعريف من المزايا إلا أن فيه نوعا » : المقري فقال ً .« من التعميم والإبهام يدل على ذلك اختلاف العلماء في تفسيره وشرحه منهم أبو العباس المنجور (٢)(ت: ٩٩٥ ه). حيث استخدم في تعريفه للقاعدة ما يتوقف فهم معناه على فهم معناها كالضابط وغيره، فالضابط عندهم قاعدة فقهية ولكنها من باب واحد(٣) . مذهب التوفيق بين الاتجاهين (الكلي والأكثري): لخص إبراهيم الشال مواقف العلماء من تعريف القاعدة، وبين أنهم سلكوا ﱠ طريقين(٤) : الطريق الأول: يرى أن القاعدة حكم كلي أو قضية كلية، لذلك عرف ﱠ القاعدة بأنها حكم كلي أو قضية كلية منطبق على جميع جزئياتها. (١) ٥٥ . وينظر أيضا ، الروكي: نظرية التقعيد الفقهي، ص ٤٧ و ٥٤ ً : في كتابه قواعد الفقه الإسلامي من خلال كتاب الإشراف على مسائل الخلاف، للقاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي، ط ١، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، الإمارات العربية المتحدة، . دبي، ١٤٢٤ ه/ ٢٠٠٣ م، ص ١٦٠ (٢) المنجور أحمد بن علي بن عبد الرحمن، ٰ (أبو العباس)، (و: ٩٢٦ ه/ ١٥٢٠ م ٩٩٥ ه/ ١٥٨٧ م)، فقيه مغربي، له علم بالأدب. من كتبه: شرح المنهج المنتخب، في فقه المالكية؛ حاشية على .١٨٠/ السنوسية الكبرى، في العقائد؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ١ (٣) . الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٤١(٤) .٤٩ ، إبراهيم الشال: القواعد والضوابط، ص ٤٨ ومن بين هؤلاء الفيومي والجرجاني والتفتازان ي، ومن الإباضية السالمي والراشدي. أما الطريق ا لثاني: فيرى بأنها حكم (حكم أكثري) أو قضية أكثرية تنطبق على أكثر جزئياته ليعرف أحكامها منه، ومن هؤلاء ابن السبك ي، وأحمد الحمو ي، والندو ي، والروك ي، وأحمد بن عبد الله بن حميد . ولعل الطريقين » : ولم يستطع ترجيح أحدهما عن الآخر فعلل ذلك بقوله اللذين سلكهما العلماء، في تعريف القاعدة وجيهان: فمن نظر إلى القاعدة على أنها حكم كلي أو قضية كلية نظر إلى الصفة العامة لهذه القاعدة، وهي الكلية والعموم، ومن نظر إلى أن القاعدة حكم أكثري أو أغلبي أو قضية أكثرية وأغلبية نظر إلى الاستثناءات والشذوذ التي تخرج عن القاعدة، ولعل القول بأن القاعدة كلية في بعضها أكثرية في بعضها الآخر أقرب إلى الصواب؛ وذلك لأن من القواعد ما فيها استثناءات وشذوذ فتكون أغلبية، ومن القواعد ما تكون فيها الاستثناءات قليلة جد ّ ا ً بل معدومة، وذلك كالقواعد الخمس الأساسية « فتكون قاعدة كلية(١) . ويلاحظ من عبارة إبراهيم الشال أنه حاول التوفيق بين الاتجاهين لعدم تناقضهما رغم ما يظهر بينهما من اختلاف، ولعل الاتجاه الذي يقول بالكلية يترجح عندنا للأمور التي ذكرناها سالفا ً والله أعلم. k :IóYÉ≤∏d Ö°SÉæªdG ∞jô©àdG :É©HGQ وبعد هذه الجولة العلمية النقدية التي قمنا بها للنظر والتأمل في تعريفات الفقهاء والأصوليين للقاعدة الفقهية نرى أنه من الممكن أن نضع تعريفا ً مناسبا ً للقاعدة نحسب أن يكون إلى حد ّ ما أسلم من الانتقادات (١) المرجع نفسه. قضية كلية شرعية عملية تشمل بالقوة على » : والملاحظات، وهو كما يلي .« أحكام جزئيات موضوعها تحليل التعريف: لأنها اشتملت على الحكم الشرعي. :« قضية » فقيد المراد بها القضية المحكوم على جميع أفرادها، وليس المراد :« كلية » وقيد بها ما كان موضوعها كليا ً. ولعل وصفها بأنها كلية أنسب لما يلي: الأمر الأول: أن ّ شأن القواعد أن تكون كلية. الأمر الثاني: أن الفرع المخرج عنها بدليل عند الفقها ء، إما أن يدخل تحت قاعدة أخرى أو لا، وعلى كل فهي كلية بالنسبة إلى غير ذلك الفرع المخرج، ْ فكما أن الدليل أخرج الفرع عنها، كذلك خصصها بما وراءه(١) . الأمر الثالث: أن الكلية لا تعني عدم وجود استثناءات خارجة عن حكم القاعدة؛ لأن ذلك لا يقدح في كونها قاعدة، ولا ينقص من قيمتها العلمية في ضبط فروع الأحكام العملية، ولا ينقص كلية تلك القواعد، ولا يقدح في عمومها؛ لأن الحكم الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضاه لا يخرجه عن كونه كليا ً ، وهذا الأمر ما أكده بعض المحققين من الفقها ء، ّ كالشاطبي (٢) ، وصاحب تهذيب فروق القرافي(٣) . (١) .٢٣ ،٢٢/ الحصني تقي الدين: كتاب القواعد، ١ (٢) ،٩٦/٢ ( ٥٣ . وفي طبعة أخرى محققة (صدرت سنة ١٩٩١ ،٥٢/ الشاطبي: الموافقات، ٢ لما كان قصد الشارع ضبط الخلق إلى » : ٩٧ . ويقول الشاطبي كذلك في موضع آخر ما نصه القواعد العامة وكانت العوائد قد جرت بها سن ﱠ ة الله أكثرية لا عامة، وكانت الشريعة موضوعة ُ على مقتضى ذلك الوضع، كان من الأمر الملتفت إليه إجراء القواعد على العموم العادي ينظر: الشاطبي، المرجع نفسه .« لا على العموم الكلي التام الذي لا يختلف عنه جزئي ما .١٦٩/ تحقيق محي الدين عبد الحميد، مطبعة محمد علي صبيح ط ١٩٢٩ م، ٣ (٣) .٣٦/ المالكي محمد علي بن حسين: هامش فروق القرافي، ١ k :á«¡≤ØdG IóYÉ≤dG ≈∏Y zπ°UC’G{ í∏£°üe ¥ÓWEG :É°ùeÉN يخرج به القواعد المنطقية والنحوية والبلاغية وغير ذلك. « شرعية » وقيد يخرج به القواعد الاعتقادية؛ لأن الفقه يخص بالأحكام « عملية » وقيد العملية. تعني كون تلك « اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها » وأما قيد الأحكام مستعدة؛ لأن ْ توجد وتخرج إلى الوجود، وهي قبل وجودها غير موجودة، فإذا خرجت سميت خارجة بالفعل؛ لأن الفعل يعني كون الشيء خارجا ً من الاستعداد إلى الوجود(١) . هذا ولعل من أهم ما تختص به القواعد الفقهية بالإضافة إلى الخصائص ّ العامة للقاعدة من كونها قضية تركيبية وكلية تجريدية، واشتمالها على الأحكام بالقوة، والصياغة المحكمة : ﺎﻬﻧﺃ ﺪﻨﺘﺴﺗ ﻰﻟﺇ ﺔﻟﺩﺃ ﺔﻴﻋﺮﺷ ﻦﻣ ،ﺏﺎﺘﻜﻟﺍ ﻭﺃ ﺴﻟﺍﱠ ،ﺔ ﻭﺃ ،ﻉﺎﻤﺟﻹﺍ ﻭﺃ.ﺎﻫﺮﻴﻏﻨﱡ ١ـ ﺎـﻬﻧﺃ ﺺـﺘﺨﺗ ﻡﺎﻜـﺣﻷﺎﺑ ﺔﻴﻋﺮـﺸﻟﺍ ﺔـﻴﻠﻤﻌﻟﺍ ﻲﺘﻟﺍ ﻖـﻠﻌﺘﺗ ﻝﺎـﻌﻓﺄﺑ ﻦﻴﻔﻠﻜﻤﻟﺍ ٢ـ ؛ﻢﻬﺗﺎﻓﺮﺼﺗﻭ ،ﺓﻼﺼﻟﺎﻛ ،ﻊﻴﺒﻟﺍﻭ ،ﺝﺍﻭﺰﻟﺍﻭ ﺔﻟﺎﻔﻜﻟﺍﻭ .ﺎﻫﺮﻴﻏﻭ ومما يتصل بمعنى القواعد والضوابط ويطلق عليهما أحيانا ً كلمة (الأصل)، فقد استخدم الفقهاء هذا المصطلح في مصنفاتهم، وتردد ذكره في عباراتهم في مجالات كثيرة، وخلال تتبعنا للمصادر الفقهية الإباضية وغيرها لاحظنا أن الفقهاء في المراحل الأولى لتكوين القواعد الفقهية لم يصرحوا بمصطلح القاعدة، فكانوا يطلقون عليها مصطلح (الأصل) ويعن ُ ون به القاعدة والضابط، ودليل ذلك ما وقفنا عليه في كتاب الجامع لابن بركة(٢) ، والجامع (١) شبير محمد عثمان: القواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية، دار الفرقان، . ١٤٢٠ ه/ ٢٠٠٠ م، ص ١٩ ، الأردن، ط ١(٢) ابن بركة: هو عبد الله بن محمد السليمي البهلوي، (أبو محمد)، (ق: ٤ه). من كبار علماء = لابن جعفر (١) ، والمعتبر للكدمي(٢) ، وكتاب الإيضاح للشماخي(٣) ، وكتاب الضياء للعوتبي (٤) ، وكتاب الموطأ للإمام مال ك، والمدونة للإمام سحنون(٥) ، وتأسيس = القرن الرابع الهجري، إذ كان أصوليا ً وفقيها ً ومتكلما ً ، كما يعتبر أنه أول من كتب في أصول ّ الفقه من الإباضية. ترك آثارا ً جليلة، يقال أنه ضاع منها الكثير، منها: كتاب الجامع المشهور، ورسالة التعارف، والتقييد، وكتاب المبتدأ في خلق السماوات والأرض. معجم أعلام .٢١٨/١ ، الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ٨٣٣(١) ابن جعفر: هو محمد بن جعفر الإزكوي، (أبو جابر)، (حي في: ٢٧٧ ه)، من أشهر علماء القرن الثالث بعمان، أصم، من إزكي، وكان أحد أصحاب مدرسة الرستاق. ولاه الإمام ُ الصلت بن مالك صحار. ألف كتاب الجامع، الذي يعد من أهم مصادر الفقه عند الإباضية. .٣٠١/١ ، معجم أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ١١٥٤(٢) الكدمي: هو محمد بن سعيد بن محمد، (أبو سعيد)، (حي في: ٢٧٢ ه)، والك ُ دمي مسكنا ً ؛ نسبة إلى كدم إحدى قرى بهلا. كان واحدا ً من كبار علماء عمان المحققين، وهو المرجع في الفتوى ُ من مؤلفاته التي .« إمام المذهب » والأحكام عند الإباضية، مما جعل العلماء في عمان يطلقون عليه ُ ضمنها آراءه: كتاب المعتبر، وكتاب الاستقامة، وكتاب الجامع المفيد؛ وجمعت جواباته تحت .٣١٤/١ ، عنوان جوابات أبي سعيد. معجم أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ١٢٠٩(٣) الشماخي: هو عامر بن علي بن عامر ابن يس ﱢ فاو، أبو ساكن، (ت: ٧٩٢ ه/ ١٣٨٩ م)، أحد أكبر مشايخ الإباضية في جبل نفوسة بليبيا، أخذ علمه عن الشيخ أبي موسى عيسى بن ﱠ عيسى الطرميسي،... من مؤل ﱠ فاته: كتاب في العقيدة أل ﱠ فه لنوح ابن حازم، كتاب الإيضاح في .٣٤٤/١ ، أربعة أجزاء... إلخ. معجم أعلام الإباضية (قسم المغرب)، ترجمة: ٥٢٩(٤) العوتبي: هو سلمة بن مسلم، (أبو المنذر)، (ق: ٥ - ٦ه)، من أهل عوتب، إحدى نواحي صحار، وإليهما ينسب. كان من العلماء البارزين، فهو فقيه ولغوي ونسابة، يجمع في قراءاته بين الأصالة، والتفتح على إنتاج الآخرين من غير علماء المذهب. من آثاره: موسوعته الفقهية ؛« الأنساب » وألف كتاب ؛« معجم الإبانة » في أربعة وعشرين جزءا؛ وفي اللغة ألف « الضياء » ً معجم أعلام الإباضية، (قسم .« أنس الغرائب في النوادر والأخبار والفكاهات والأسمار ».١٤٩/١ ، المشرق)، ترجمة: ٥٦٩(٥) سحنون: هو عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي المالكي، (الملقب بسحنون)، (و: ١٦٠ ه/ ٧٧٧ م ت: ٢٤٠ ه/ ٨٥٤ م)، قاض، فقيه، انتهت إليه رئاسة العلم في المغرب. كان زاهدا ً لا يهاب سلطانا ً في حق يقوله. روى المدونة في فروع المالكية، عن عبد الرحمن ٰ .٥/ بن قاسم، عن الإمام مالك. الزركلي، الأعلام، ٤ النظر للدبوسي (١) ، وبناء عليه، فهل معنى الأصل مرادف للقاعدة الفقهية، أم يحمل دلالات متعددة؟ ولبيان صلته بها وبما يشبهها من المصطلحات، فلا بد من تحديد مفهومه في اللغة والاصطلاح، وبيان العلاقة بينه وبين القواعد الفقهية. أ تعريف الأصل: ١ الأصل في اللغة: المصباح » معناه: أسفل الشيء، ومنه إطلاقه على أساس الحائط، وفي « المنير(٢) أن أساس الحائط أصله. هو في اللغة: ما يبتنى عليه غيره، » : يقول السالمي في تعريف الأصل وأصله في المحسوسات، كأصل الجدار بمعنى أساسه، وأصل الشجرة، أي « جدرها، وهو عبارة عما يفتقر إلى غيره(٣) . ٢ الأصل في الاصطلاح: الأصل كما عرفه الشريف الجرجاني : « ما يثبت بنفسه، ويبنى عليه غيره »(٤) . ﱠ ويستفاد من هذا التعريف أن الأصل من حيث مفهومه الشرعي يتميز بأمرين: ١ أن حكمه ثابت بنفسه ولا يحتاج إلى الاستدلال عليه بدليل خارجي. ٢ أن غيره ينبني عليه، وهذا يقتضي أن يستدل به على غيره المبني عليه. (١) الدبوسي: هو عبد الله بن عمر بن عيسى، (أبو زيد)، (ت: ٤٣٠ ه/ ١٠٣٩ م)، أول من وضع علم الخلاف وأبرزه إلى الوجود، وكان فقيها ً باحثا ً . ألف: تأسيس النظر؛ الأسرار في الأصول .١٠٩/ والفروع عند الحنيفة، الأمد الأقصى؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٤ (٢) الفيومي: المصباح المنير، ط ١، دار الحديث القاهرة، ١٤٢١ ه/ ٢٠٠٠ م، ص ١٥ - .١٦ (٣) .٢١/ السالمي: المرجع السابق، ١ ٤) ا ) . لجرجاني: التعريفات، ص ٢٨ ومن معانيه الاصطلاحية أيضا ً : الدليل، والقاعدة الكلية، والمستصحب، والظاهر، والراجح، والغالب والمخرج(١) . قال الكفوي(٢) : يطلق (الأصل) » على الراجح بالنسبة إلى المرجوح، وعلى القانون والقاعدة المناسبة المنطبقة على الجزئيات، وعلى الدليل بالنسبة إلى المدلول، وعلى ما يبتنى عليه غيره، وعلى المحتاج إليه، كما يقال: الأصل في الحيوان الغذاء، والأصل في الإنسان العلم، وعلى المتفرع عليه كالأب بالنسبة إلى الابن، وعلى الحالة القديمة، كما في قولك: الأصل في الأشياء الإباحة « والطهارة(٣) . ويظهر مما تقدم أن الأصل في الاصطلاح يطلق على معان متعددة منها: ١ الدليل ، نحو: الأصل في هذا الحكم السن ﱠ ة، والأصل في وجوب ﱡ الصلاة قوله: ﴿ lk ﴾ )البقرة : (١١٠ ،٨٣ ،٤٣ ، أي الدليل على ذلك. ثم نقل في الاصطلاح إلى الأدلة التي تبنى » : قال السالمي في هذا المعنى عليها الأحكام: كما يقال أن الأصل في كذا: قوله تعالى أو قوله صلى الله عليه وسلم : « كذا (٤) . ونقل العوتبي عن الحسن بن محمد الحلاني(٥) أن جميع دلائل الشرع ضربان: أصل ومعقول أصل؛ فأما الأصل ضربان: مجمل ومفصل، فأما المجمل ّ فهو الذي يستقل بنفسه، وهو مثل قوله تعالى: ﴿ §¦¥ ¨ ﴾ (١) . الشوكاني: إرشاد الفحول، ص ٠٣ . وينظر: سعدي أبو جيب، القاموس الفقهي، ص ٢٠ (٢) الكفوي أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني القريمي (ت: ١٠٩٤ ه/ ١٦٨٣ م): صاحب بتركيا، وبالقدس، « كفه » كان من قضاة الحنفية. عاش وولي القضاء في « الكليات ط »وببغداد. وعاد إلى اسطانبول فتوفي بها، ودفن في تربة خالد. وله كتب أخرى بالتركية. ينظر: .٣٨/ الزركلي: الأعلام، ٢ (٣) الكفوي أبو البقاء: الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق عدنان دروس . ومحمد المصري، ط ٢، مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٤١٩ ه/ ١٩٩٨ م، ص ١٢٢(٤) .١٥/ السالمي: طلعة الشمس، ١(٥) لم نقف على ترجمته. (الأ نع ام : ١٤١ ( ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إلا بحقها » (١)لا سبيل إلى معرفة الحق ومقداره ِ «... إلا ببيان يقترن إليه، والموصل ضربان: محتمل وغير محتمل(٢) . واستعمل إسماعيل الجيطالي(٣) هذا المعنى في مسألة الدفن(٤) فقال: وأجمعوا على وجوبه، والأصل فيه قول الله تعالى: » ﴿ ;:98 ❁ => ﴾ )المرسلات : (٢٦ ،٢٥ . وقوله تعالى: ﴿ ÁÀ¿¾½  ﴾ (ا لم ا ئدة : ٣١ (. (١) رواه البخاري: كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة يستقبل بأطراف رجليه حديث: نعيم، قال: حدثنا ابن المبارك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: » : ٣٨٨ ونصه ُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا » صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلا بحقها « وحسابهم على ا لله قال ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيوب، حدثنا حميد، حدثنا أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال علي بن عبد الله، حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا حميد، قال: سأل من شهد » : ميمون بن سياه، أنس بن مالك، قال: يا أبا حمزة، ما يحرم دم العبد وماله؟ فقال أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وأخرجه مسلم في الصحيح كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس .« وعليه ما على المسلم حتى يقولوا: لا إله إلا الله حديث: رقم: ٥٧ . عن أنس بن مالك. ورواه الربيع، كتاب الجهاد، باب جامع الغزو في سبيل الله، رقم: ٤٦٤ ، ص ١٨٨ ، عن ابن عباس. ّ (٢) العوتبي سلمة بن مسلم بن إبراهيم الصحاري: كتاب الضياء، مطبعة الألوان الحديثة سلطنة ع ُ .١٩/ مان ١٤١١ ه/ ١٩٩٠ م، ٣(٣) الجيطالي: هو إسماعيل بن موسى، (أبو طاهر)، (ت: ٧٥٠ ه/ ١٣٤٩ م)، عالم جليل، ولد بجبل نفوسة، ونشأ بمدينة جيطال. أخذ العلم عن علا ﱠ مة زمانه أبي موسى عيسى بن عيسى الطرميسي، اشتهر الجيطالي بحافظته القوية العجيبة، فكان شيخا ً حافظا ً عالما ً عاملا ً محافظا ً ، شديدا ً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. من مصنفاته: قناطر الخيرات (مط)، شرح نونية أبي نصر في أصول الدين (مخ)، قواعد الإسلام، معجم أعلام الإباضية (قسم المغرب)، .١٠٠/١ ، ترجمة: ١١٠(٤) الجيطالي: قواعد الإسلام تح: بكلي عبد الرحمن ٰ ٣٤٥ ، وقد تردد ذكر كلمة / بن عمر، ١ ٣٢١/ الأصل بمعنى الدليل في جملة من المواضع في كتاب القواعد منها: ١ - ١٣٢/٢ - .١٧٦/٢ - ١٢٥/٢ ٢ القاعدة، نحو: الأصل التحريم في القتل والوط ء، وأصل الماء الطهار ة، وأصل الدم النجاس ة، وأصل النكاح الإباحة حتى يحظر ه، وأصل الفروج التحريم حتى يحلها من وجه أحكام التحلي ل، وأصل الحيوان التحريم حتى يحلها التذكية الشرعية « (١) . ونقل أبو يعقوب الوارجلاني(٢) عن بعض فقهاء الإباضية قولهم: إن الأصل والأصح أن الأشياء على الإباحة » : في الأشياء الحظ ر، واعترض عليهم بقوله قبل ورود الشرع « (٣) . واختار الشماخي والسدويكشي (٤) هذا المفهوم للأصل، فقال الشماخي: .« إنما منعهم من الوصول تضييع الأصول، فلما بطلوا تعطلوا » : قال بعضهم ولأن من لم يتحكم على الأصول » : وعلق عليه السدويكشي في حاشيته بقوله (١) .٢٥/ العوتبي: المرجع السابق، ٣ (٢) الوارجلاني يوسف بن إبراهيم السدراتي، (أبو يعقوب)، (و: ٥٠٠ ه/ ١١٠٥ م ت: ٥٧٠ ه/ ١١٧٥ م)، علم من أشهر علماء الإباضية بالمغرب، ولد بسدراتة، من قرى وارجلان؛ نشأ في موطنه سدراتة، وأخذ مبادئ العلوم على علماء وارجلان، ومن شيوخه بها: أبو سليمان أيوب بن إسماعيل (ت: ٥٢٤ ه/ ١١٢٩ م)؛ من مؤل ﱠ فاته: الدليل والبرهان لأهل العقول؛ العدل والإنصاف في أصول الفقه والاختلاف؛ ترتيب مسند الربيع بن حبيب؛... إلخ. معجم .١٨٠/٢ ، أعلام الإباضية، (قسم المغرب)، ترجمة: ١٠٤٩ (٣) الوارجلاني أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم: العدل والإنصاف في معرفة أصول الفقه والاختلاف، نشر وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة ع ُ .٦٨/ مان، ط ١٤٠٤ ه/ ١٩٨٤ م، ١(٤) السدويكشي: هو عبد الله بن سعيد بن أحمد بن عبد الملك، أبو محم ﱠ د (ت: ١٠٦٨ ه/ ١٦٥٨ م) من علماء الإ ِ ب َ اض ِ ية بجزيرة جربة. كان مفتيا ً للناس، يفصل بين المتخاصمين في ﱠ مسجد لاكين، وكان يجتمع إليه الفقهاء والطلبة لأخذ العلم، ومن أبرز تلامذته: الشيخ محمد بن عمر أبو ست ﱠ ة الشهير بالمحش ﱢ حاشية على الجزء الأول من كتاب » : ي. من مؤلفاته ﱠﱠ للشيخ عامر الشم « الإيضاح ﱠ « حاشية على كتاب الديانات » .( اخي، في موضوع الصلاة (مط للشم ﱠ اخي أ َيضا ً ، أتم ﱠ ه المحش ﱢ ي ثم ﱠ أبو يعقوب يوسف بن مح َم ﱠ رسالة في » .( د المصعبي (مخ مخ). ينظر: معجم أعلام الإباضية (قسم المغرب) ) ،« مجموعة فتاوى » .( مخ ) ،« صلاة الجمعة .٥٦١/١ ، ترجمة: ٥٨٦ إلخ: الأصل له إطلاقات كما تقرر في محله ومقصوده 5 : إن كل شيء متفرع على شيء أو متوقف صحته عليه لا بد في معرفته من معرفة المتفرع عليه، أو معرفة ما يصح به كما هنا، فإن الفروع الفقهية لها شروط وأركان وموانع لا يعرف صحتها إلا بمعرفة شروطها وأركانها، وانتفاء موانعها، والمصنف 5 تكفل ببيان ذلك ليكون عونا ً للمتعلمين هكذا يظهر في « المراد(١) . والأصل أن » : وعبر الجيطالي عن الأصل بمعنى القاعدة الفقهية فقال ّ الصبي مرفوع عنه القلم حتى يحتلم(٢) «(٣) . وذكره أيضا ً بمعنى القاعدة الأصولية واختلف في حكم ركعتي تحية المسجد: فذهب جمهور الأمة إلى أنها » : فقال مندوب إليهما... وذهب أهل الظاهر إلى وجوبهما فيما وجدت تعلقا ً بأن الأصل هو حمل الأمر المطلق على الوجوب حتى يدل الدليل على الندب « (٤) . ٣ المستصحب : أي الحكم المتيقن الذي يجري استصحابه، نحو: كل حلال فهو على » و ،« كل الأشياء على أصولها حتى ينقلها ناقل عنها »،« كل حرام على أصله حتى يصح تحليله » و ،« أصله حتى يصح تحريمه كل نجس » وكذلك ،« كل طاهر على حكم الطهارة حتى يصح نجاسته » وأي المتيقن الذي يستصحب حكمه، ،« فهو على نجاسته حتى تصح طهارته (١) .٥/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ١ (٢) هذه القاعدة مستنبطة من حديث: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام » « حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق ٢٤٩/ أخرجه الحاكم في المستدرك، باب التأمين، ١ رقم الحديث ٩٤٩ . وابن الجارود في المنتقى، باب فرض الصلوات الخمس وأبحاثها، ٦٤ ، رقم ١٤٨ . وأبو داود في سننه، باب في المجنون يسرق أو يصيب حد /١ ّ ا ً ،١٢٩/٤ ، ٦٥٨ ، رقم / رقم ٤٣٩٨ . وابن ماجه في سننه باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، ١ . ٥٧ ، رقم ١١٠٩٠ / ٢٠٤١ . والبيهقي في السنن الكبرى، باب البلوغ بالسن، ٦ (٣) .١٢٨/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ٢(٤) .٣٥١/ الجيطالي: المصدر نفسه، ١ المعلوم لا يرتفع » و ،« اليقين لا يرتفع بالشك » أو يعمل به عند الشك، و « بغير معلوم(١) . وقال الجيطالي : وقيل يتحرى الطاهر منهما في غالب ظنه؛ لأن الأصل » « فيهما الطهارة(٢) . ٤ الصورة المقيس عليها: وهي ما تقابل المقيس أو الفرع في القياس كقولهم: الخمر أصل النبيذ في الحرمة، أي أن ّ الحرمة في النبيذ متفرعة على حرمة الخمر بسبب اشتراكهما في العلة. قال العوتبي : الأصل ما عرف به حكم غيره، والفرع ما عرف حكمه بغيره، » « وقيل الأصل مقدمة المعلوم والفرع نتيجته(٣) . المعلوم على ثلاثة أضرب: » : وقال معلوم هو أصل ليس بفرع، وهو علم البداية والضرورات، ومعلوم هو فرع ليس بأصل، وهو مثل تحريم الأرز بالأرز متفاضلا ً قياسا ً «... على البر(٤) . وقال أيضا ً : ﱡ الأصل في العلل أن يستخرج الحكم بموجبها من غير الموضع الذي استخرجت »منه وأن يتعدا ه، كما أن أصلها أن يوجب الحكم في سائر ما وجدت فيه « (٥) . واختلفوا فيه، هل يسجد في » : وقال الجيطالي في حكم سجود التلاوة الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فمنعه قوم بإطلاق، وهو المستقر به العمل عند أصحابن ا، وبه قال أبو حنيفة على أصله في منع الصلاة المفروضة في هذه الأوقات، واختلف القول في ذلك عند مال ك، وأجازه الشافعية على أصله أن « السنن تصلى في هذه الأوقات ما لم تدن الشمس من الطلوع والغروب(٦) . (١) .١٥/ العوتبي: الضياء، ١(٢) .٢٣٠/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١(٣) .٧/ العوتبي: المصدر، ١(٤) .١٩/ العوتبي: نفسه، ١(٥) .١٦/ المصدر نفسه، ١(٦) .٢٩٩/ الجيطالي: المصدر نفسه، ٢ ٥ المعتمد على مذهب المجتهد: قال السالمي : وعلى مذهب العالم » َ في بعض القواعد، فإنهم يقولون إن فلانا ً بنى على أصله في مسألة كذا أي « مذهبه فيها(١) . نقل العوتبي مسألة خلافية اختلف فيها موسى بن علي(٢) وجده موسى بن أبي جابر (٣) في المتزوجة في بقية عدتها غلطا ً ، وحرمها موسى بن أبي جابر ﱠ على متزوجها الأخير بعد الدخول، وأحلها موسى بن علي بعد أن يعتزل الزوج الأخير، ويستأنف ما بقي من عدتها من الأول، ويرجع إليها الأخير بنكاح جديد حلالا ً أبدا ً ، ثم بين أن الحق فيه في اختلاف المختلفين والاجتهاد ّ في هذا جائز، والنص على غير تحريم هذا وتحليله معدوم، وكل منهم قد ذهب إلى أصل رد ّ قياسه إليه، وذلك أن الله تبارك وتعالى لم يدع خلقه في ل َ بس من دينهم، وقد بين لهم حلاله وحرامه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، فبين أوصاف ّﱠ (١) .٢١/ السالمي: طلعة الشمس، ١ (٢)موسى بن علي بن عزرة، أبو علي (ولد سنة: ١٧٧ ه ت: ٢٣٠ ه) عالم من قرية إزكي، عاصر الإمام غسان بن عبد الله اليحمدي ( ١٩٢ - ٢٠٧ ه). من أساتذته: هاشم بن غيلان، ووالده علي بن عزرة. كان شيخا ً للمسلمين وقاضيا ً في عهد الإمام عبد الملك بن حميد ٢٠٧) - ٢٢٦ ه). بايع الإمام المهنا بن جيفر سنة: ٢٢٦ ه. وشغل منصب القضاء في عهده، وكان مرجع الفتوى والحل والعقد في الخلع والبيعة. من مؤلفاته: كتاب الجامع، ولعله ١٤٩ . البطاشي ،١٤٢ ،١٤٠ ،١٣٣/ من الكتب المفقودة. ينظر: السالمي تحفة الأعيان، ١ . ١٨١ . معجم أعلام الإباضية (قسم المشرق) ص ٤٦٣ / سيف بن حمود: إتحاف الأعيان، ١ (٣)موسى بن أبي جابر: هو موسى بن أبي جابر الإزكوي، من بني سامة بن لؤي بن غالب. أحد كبار العلماء الع ُ مانيين في القرن الثاني الهجري. (ولد حوالي سنة: ٨٧ ه ت: ١٨١ ه وعمره: ٩٤ سنة). كان أحد حملة العلم إلى ع ُ مان، فقد تتلمذ على يد الإمام الربيع بن حبيب بالبصرة، ثم رجع إلى عمان، وكان مرجع العمانيين في وقته، فلا يغيرون عما يرى، ُُ ولا يعقبون على ما يقول. وله سيرة تنبئ عن علم وافر واطلاع. ينظر: سيرة ابن مداد، ورقة، ١٠٩ . معجم أعلام / ١٦٨ . السالمي: تحفة الأعيان، ١ / ٦٠١ . البطاشي: إتحاف الأعيان، ١ . الإباضية (قسم المشرق) ص ٤٦١ النكاح بأحكام مفهومة وأوصاف معلومة، وبين أوصاف الزنا وحرمها بشرط ﱠ ٍ ووصف غير وصف النكاح وحرمها، فعند موسى بن أبي جابر أن ّ كل ما لم يكن بكمال وصف النكاح على ما شرطه الله تعالى ووصفه فهو من حيز الزنا ّ عنده، فحرمه أبدا ً إلا أنه أسقط الحد بالشبهة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ادرءوا الحدود » ّ « بالشبهات م ا استطعتم(١) ، فهذا ما ذهب إليه موسى بن أبي جابر 5 . وعند موسى بن علي 5 أن هذا النكاح لم يستكمل أحكام النكاح فيلحقه حكمه، ولا هو من الزنا المحض فيلحقه حكمه، فجعل له حكما ً (١) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الحدود، وأما حديث شرحبيل بن عن عائشة » أوس حديث: ٨٢٣٢ ولفظه # ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ادرءوا الحدود عن » المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم لمسلم مخرجا ً فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في « العفو خير من أن يخطئ بالعقوبة وأخرجه « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » : وقال البيهقي في السنن الكبرى كتاب السير جماع أبواب السير باب الرجل من المسلمين قد شهد الحرب يقع على الجارية من حديث: ١٧٠١٧ . وروينا في ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود ^ وغيرهما، وأصح الروايات فيه عن الصحابة رواية عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود من قوله. وأخرجه الترمذي في سنن الجامع الصحيح أبواب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب الحدود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في درء الحدود حديث: ١٣٨٢ . وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن عبد الله بن مسعود الهذلي باب حديث: ٩٥٣٨ حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن الثوري، ومعمر، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: قال ابن مسعود: ادرءوا الحدود » ٰٰ « والقتل عن عباد الله ما استطعتم وأخرجه أبو يعلى الموصلي شهر بن حوشب حديث: ٦٤٨١ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ادرءوا الحدود ما استطعتم » . وأخرجه الحافظ ابن حجر العسقلاني في المطالب العالية كتاب الحدود باب درء الحد بالشبهة حديث: ١٩٠٦ قال مسدد: حدثنا شعبة عن يحيى عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله، قال: ادرءوا الحدود » عن عباد الله 8« . رواه ابن ماجه، كتاب الحدود، باب الستر على المؤمن ودفع الحدود ٨٥٠ ، عن أبي هريرة. والبيهقي، كتاب الحدود، باب ما جاء في /٢ ، بالشبهات، رقم: ٢٥٣٥ روي منقطعا » : ٢٣٨ ، عن عائشة. قال ابن حجر /٨ ، درء الحدود بالشبهات، رقم: ١٦٨٣٤ ً وموقوفا ً .٥٦/ التلخيص الحبير، ٤ .« على عمر وبإسناد صحيح ثالثا ً ولم يلحقه بأحد الحكمين المتفق عليهما، فكل قد قاس على أصل والله أعلم(١) . ٦ أصول ا لشريعة : كالصلاة والزكاة والحج، أي من أركان الدين قال السالمي : على ما يكون أصلا » يطلق الأصل ً من أصول الشريعة كالصلاة والزكاة، فإنه سمي أصلا ً «... في الاصطلاح(٢) . ويشير أحد الفقهاء المعاصرين إلى الفرق بين القواعد الفقهية وأصول المراد بأصول الشرع القواعد العامة التي يتوصل إليها » الشريعة، فذكر أن بواسطة استقراء النصوص أو بواسطة تتبع مقاصد الشريعة، فالأصل أعم من النص، وقد يكون أقوى منه، ومن ث َم كانت الأصول أوسع نطاقا ً وأقوى مدلولا ً ّ « من القواعد الفقهية(٣) . ٧ الراجح : نحو: الأصل عدم الحذف، أي الراجح، وإذا تعارض القرآن مع القياس فالقرآن أصل، أي راجح عليه، وإذا تعارضت الحقيقة والمجاز فالحقيقة هي الأصل، أي الراجحة عند السامع(٤) . ٨ الكتب: وقد أشار إلى هذا المعنى السدويكشي صاحب الحاشية على ويحتمل أن يريد بالأصول ما يشمل الكتب، وبالفروع » : كتاب الإيضاح فقال ما يشمل المسائل، فكأنه قال: من لم يتحك ﱠ م على الكتب قل ّ ما تحصل عنده « مسائل(٥) . والحاصل : أنه يلاحظ أن معاني الأصل السابقة شبيهة بالمعنى اللغوي، ولا يهمنا منها إلا المعنى المراد للقاعدة الكلية، فهي كالمعنى السابق المستفاد (١) .١٣/ العوتبي: الضياء، ١(٢) .٢١/ السالمي: طلعة الشمس، ١(٣) . الروكي: قواعد الفقه الإسلامي، ص ١٠٩(٤) . الباحسين يعقوب: القواعد الفقهية، ص ٧٣(٥) .٥/ السدويكشي: الحاشية على كتاب الإيضاح، للشماخي، ١ من تعريف الجرجان ي، وذلك أن القاعدة الكلية إذا ثبت حكمها بنفسه كان أصلا ً شرعيا ً ، وإلا فهي مجرد قاعدة فقهية أو أصولية أو غيرها. ّ ب علاقة الأصل الشرعي بالقواعد الفقهية: وصف الفقهاء »الأصل « بأنه »شرعي :« يعني أن حكمه مستفاد من الشرع. ويمكن القول: إن الأصول الشرعية هي القواعد الكلية التي تستفاد من جملة نصوص الشرع عن طريق الاستقراء والتتبع، أو ما يعل َ م من الدين ِ بالضرورة، كحل ﱢ ية الطيبات، وحرمة الخبائث، ورفع الحرج في الدين، ومراعاة مقاصد المكلفين، وغير ذلك من القواعد الشرعية، فالفرق بين القواعد الشرعية والنصوص الشرعية كالفرق بين المتواتر والآحاد؛ لأن الحكم حينما يرد منصوصا ً عليه بنص شرعي يكون لزاما ً على الفقيه أن يفحص النص من حيث روايته وثبوته، ثم يفقه طريق دلالته على ذلك الحكم، أما إذا ثبت عن طريق أصل شرعي فلا حاجة إلى هذا السبر؛ لأن الأصل لا يتوصل إليه إلا عن طريق استقراء نصوص الشريعة(١) . فالفقهاء حينما قرروا مثلا ً أن ّ من أصول الشرع رفع الحرج عن المكلف، لم يتوصلوا إلى ذلك إلا عن طريق تتبع فروع كثيرة في العبادات والعادات والمعاملات، ومراعاة نصوص الشرع فيها، فتبين لهم من خلال هذا التتبع أن الشرع قصد إلى رفع الحرج عن المكلف في كل جزئية من جزئيات التكليف، فكانت الأصول الشرعية بذلك أقوى دلالة على الحكم من النص الشرعي الواحد. وتسمية الأصول الشرعية بالقواعد والكليات لا يغير منها شيئا ً ؛ لأن العبرة ليست في كونها أصولا ً أو قواعد أو كليات، وإنما العبرة في كونها شرعية، فهذا الوصف هو الذي يحدد ماهيتها ودائرتها الاصطلاحية، ومن ث َم نستطيع ّ (١) .٥٧ - الروكي: نظرية التقعيد، ص ٥٦ القول: إن الفرق بين القواعد الشرعية والقواعد الفقهية هو نفس الفرق بين الشرع والفقه، فالمراد بالشرع أو الشرعية هو: النصوص الشرعية ذاتها من قرآن وسن ﱠ ة وما دلا ﱠ عليه من أحكام، وأما الفقه فهو ف َهم هذه النصوص ُْ ِ واستخراج الأحكام منها، فالشريعة وحي من الله، والفقه فهم وعل ْ م من ْ الإنسان، ومن هنا كان الأحق بصفة المشرع هو الله تعالى، ولا يستقيم أن نقول إنه فقيه، ووصف الإنسان بأنه فقيه، ولا يصح أن يقال إنه مشرع، وأما إطلاق هذه الصفة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنما هو من باب التجوز؛ لأنه إنما يشرع بعلم الله ّ ووحيه وعلى عينه، ألا ترى أن السنة وحي في قوله تعالى ﴿ ,+ ﱡ . ❁ 43210 ﴾ )النجم : ٤ ،٣ ( . ِ وبتأمل المعاني المذكورة في مفهوم الأصل يتضح كذلك أن (الأصل) في اصطلاح العلماء أعم من القاعدة والضابط؛ إذ هو يطلق على القاعدة الكلية ّ الأصل أن الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مقدم » : سواء كانت أصولية، كقولهم « على القياس الصحيح(١) أصل بني آدم الحري ة، » : ، أم قاعدة فقهية كقولهم والرق طارئ عليه م، وكذلك أصلهم الجهل، والعلم حادث لهم، وكذلك « أصلهم العدم، والفناء حادث لهم، وأصلهم الحياة والموت حادث عليهم(٢) ، والأصل براءة الذم ة، فإذا أتلف رجل مال آخر واختلف في مقداره يكون القول للمتلف، والبينة على صاحب المال لإثبات الزيادة(٣) . كما يطلق الأصل على الضابط الجامع لفروع وجزئيات في باب الأصل الذي تبني عليه المرأة » : واحد على رأي طائفة من العلماء، كقولهم (١) الدبوسي أبو زيد عبيد الله بن عمر (ت: ٤٢٠ ه): تأسيس النظر، تعليق وتصحيح مصطفى القباني . الدمشقي، نشر دار ابن زيدون، بيروت بالاشتراك مع مكتبة الكليات الأزهرية، مصر، ص ٩٩(٢) .١٥/ العوتبي: الضياء، ١ (٣) بكلي عبد الرحمن: ملحق القواعد والضوابط الفقهية على كتاب النيل وشفاء العليل ٰ .١١٠٠/ لعبد العزيز الثميني، ٣ حيضها ونفاسها؛ أما في الحيض فالصحيح يومان، وأما في النفاس « فثلاثة(١) ؛ وعلى هذا فكل قاعدة أصل، ولا عكس، كما يمكن أن يقال: كل ضابط أصل إن فسرنا الضابط بأنه قضية كلية تجمع فروعا ً من باب واحد أما إذا فسرناه بالمعنى الذي قلناه، وأنه أعم مما ذكروا فلا يمكن أن يقال ذلك، إذ سيكون بينهما العموم والخصوص الوجهي، فقد يجتمعان فيما كان قضية كلية من باب واحد، وينفرد الضابط بالتقسيمات وبيان الأسباب والتعريفات وغير ذلك من المعاني الأخرى؛ كالدليل، والراجح، والمستصحب، وغيرها. في كتب الفقه من عهد مبكر كما أشرنا « الأصل » هذا وقد تردد مصطلح سابقا ً ، وفي مواضع متناثرة منها، ولم يفرد تأليف بهذا العنوان على ما نعلم فالإباضية أطلقوه على القاعدة الفقهية، وأطلقه بعضهم على كتب العقيدة، مثل كتاب (أصول تبغورين)(٢) ، وقد خصص بعض فقهاء الإباضية بابا ً خاصا ً في كتبهم وجمعوا فيه جملة من الأصول، يتعلق بعضها بالعقيدة، وهي أصول الدين، وبعضها يتعلق بقواعد الاستنباط الفقهي، ويطلق عليها أصول الفقه، وأخرى تتعلق بالأحكام، ويطلق عليها القواعد الكلية والضوابط الفقهية، كما يظهر ذلك مجسدا ً كتاب الضياء للعوتبي » في « باب في » : حيث بدأ كلامه بقوله « شيء من الأصول(٣) . (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٢٨٥/ المصدر نفسه، ١(٢) الملشوطي: هو تبغورين بن عيسى بن داود، (النصف الأول ق: ٦ه/ ١٢ م)، عالم من ملشوطة بأريغ، سكن آجلو، وأخذ علمه عن أبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي ِ (ت: ٤٧١ ه/ ١٠٧٨ م). له غار ات ﱠ خذه حلقة للتعليم في تين ِ ْ ي َسلي، وممن تخرجت على ْ ﱠﱠ يده العالمة ُ ؛« عقيدة تبغورين » عائشة بنت معاذ. من تآليفه: كتاب أصول الدين المشهور ب وعليه عد ﱠ الأدل » ، ة شروح وحواش ﱠ في أصول الفقه، (مخ)،... إلخ؛ معجم أعلام :« ة والبيان .١٦٢/١ ، الإباضية، (قسم المغرب)، ترجمة: ٢٢١(٣) .٧/ العوتبي: الضياء، ٣ أما عند المذاهب الفقهية الأخرى ظهرت مؤلفات مبكرة في القرن الرابع الهجري تحمل هذا العنوان (الأصول)، فقد ن ُ قل أن أبا الحسين الكرخي (١)(ت: ٣٤٠ ه) جمع تسعة وثلاثين أصلا ً فبي ّ ن فيها ما عليه مدار كتب الحنفي ة، كما أل ّ ف أبو الليث السمرقندي (٢)وجمع « تأسيس النظر » (ت: ٣٧٢ ه) كتابه فيه أربعة وسبعين أصلا ً يدور حول أسباب الاختلاف بين الفقها ء، وتابعه أبو زيد الدبوسي (ت: ٤٣٠ ه) مضيفا اثني عشر أصلا ً إلى الكتاب السابق، أي موصلا ً أصوله إلى ستة وثمانين أصلا ً ، وهي أصول تتردد بين معنى القاعدة والضابط ومصطلحات أخرى(٣) . ولما بدأت صناعة الأصول الفقهية وأعني القواعد الفقهية في التطور والازدهار استغني عن هذا المصطلح وأبدل بمصطلح القاعدة، وظهر وكأنه جزء من كل ّ ، فقيل: الأصل في الأشياء الإباح ة، والأصل في الإنسان براءة الذم ة، والأصل في الحيوان الحرمة ... وهكذا وقد سلك هذا المسلك بعض فقهاء الإباضية المتأخرين منهم: الشيخ عبد الرحمن بكلي (٤) ٰ (١) الكرخي: هو عبيد الله بن الحسين (أبو الحسن)، (و: ٢٦٠ ه/ ٨٧٤ م ت: ٣٤٠ ه/ ٩٥٢ م)، فقيه حنفي، انتهت إليه رئاسة الحنفية بالعراق. ألف: رسالة في الأصول التي عليها مدار فروع .١٩٣/ الحنفية؛ شرح الجامع الصغير؛ شرح الجامع الكبير؛... إالخ. الزركلي، الأعلام، ٤ (٢) السمرقندي نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الليث، الملقب بإمام الهدى ( ٣٧٣ ه/ تفسير » ٩٨٣ م): علامة، من أئمة الحنفية، من الزهاد المتصوفين. له تصانيف نفيسة، منها « خزانة الفقه ط » في التصوف، و « بستان العارفين ط » و « عمدة العقائد خ » وله « القرآن مختلف » فتاوى وتراجم، و « عيون المسائل خ » مواعظ، و « تنبيه الغافلين ط » رسالة، و « النوازل من الفتاوى خ » في الخلافيات بين أبي حنيفة ومالك والشافعي، و « الرواية خ .٢٧/ الزركلي: الأعلام، ٨ .« أصول الدين خ » ورسالة في (٣) .٧٦ - الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٧٥ (٤)بكل ﱢ الب » ي: هو عبد الرحمن بن عمر بن عيسى، الشهير ب ِكر ِ و: ١٣١٩ ه/ ١٩٠١ م ) ،« ي ٰ ت: ١٤٠٦ ه/ ١٩٨٦ م). عالم جليل، وشخصية مرموقة، وع ُ رف بالبكري نسبة إلى أبي بكر الصديق. سافر إلى تونس في أواخر ١٩٢٢ م، والتحق بالبعثة العلمية الميزابية بتونس، التي = ﱠ k :á«¡≤ØdG IóYÉ≤dG ≈dEG zá«∏μdG{ í∏£°üe áaÉ°VEG :É°SOÉ°S في قواعده المستنبطة من كتاب النيل وشفاء العليل للثميني (١)وغيره(٢) . من المصطلحات التي ترددت على ألسنة العلماء الذين كتبوا في القواعد ،« الكلية » فإن أرادوا تمييزها عن غيرها وصفوها ب ،« الكليات » والضوابط فكأن هذا الوصف صار مرتبطا ،« القواعد الكلية » : فيقولون ً بها ارتباطا ً عضويا ً ، فما مفهوم هذا المصطلح؟ وما سبب إضافته إلى القواعد الفقهية؟ ّ وما علاقته بها؟ الكليات في اللغة: التي هي من ألفاظ « كل » جمع الكلية، نسبة إلى العموم المفيدة للاستغراق واستيعاب جزئيات ما دخلت عليه، ومن هذا المعنى كما قالوا: الإكليل لإحاطته بالرأس، والكلالة لإحاطتها بالوالد والولد(٣) . = للشيخ « كتاب النيل » كان يشرف عليها الشيخ أبو اليقظان إبراهيم. من أعماله المطبوعة: تحقيق للشيخ إسماعيل الجيطالي؛ « قواعد الإسلام » ضياء الدين عبد العزيز الثميني؛ تحقيق كتاب .٣٦٠/١ ، إلخ. معجم أعلام الإباضية، (قسم المغرب)، ترجمة: ٥٤٨ ...؛« فتاوى البكري » (١) الثميني: هو عبد العزيز بن إبراهيم، الملق ﱠ و: ١١٣٠ ه/ ١٧١٨ م ) « ضياء الدين » ب ب ت: ١٢٢٣ ه/ ١٨٠٨ م)، علم من أعظم أعلام الإباضية، من بني يسجن بميزاب، ولد ونشأ بها. وفي سنة ١٢٠١ ه/ ١٧٨٦ م أسندت إليه مهم ﱠ ة مشيخة العز ﱠ ابة، فلازم العمل الاجتماعي ردحا ً من الزمن، ثم اعتزل الناس ليشتغل بالتأليف والفتوى. من مؤلفاته: أرجوزة في الفلك ﱠ ومنازل البروج (مخ)؛ كتاب النيل وشفاء العليل، عمدة المذهب في الفقه؛... إلخ. معجم .٣٦٧/١ ، أعلام الإباضية، (قسم المغرب)، ترجمة: ٥٥٥ (٢) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٦٥٧ . وكذلك / ٢٨٥ ، و ٢ / ملحق كتاب النيل للثميني، مرجع سابق، ١ .١٠٩٥/٣(٣) العلائي: تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم، ص ٢٠١ وما بعدها. الزركشي: البحر ٦٤ وما بعدها. / المحيط، ٣ وأما في الاصطلاح: فإنهم لا يريدون بها معناها المنطقي الذي هو ما لا يمنع نفس تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه، بل المراد بها المحكوم فيها على جميع أفراد موضوعها، كما هو الشأن في القضايا الكلية الموجبة، فالكليات من القضايا الكلية، ولكن يغلب فيها أن موضوعها خاص، ولعل سبب تسميتها بالكليات مع أن القواعد والضوابط من الكليات أيضا ً ، هو أن المعاني المذكورة في الكليات تتصدرها كلمة (كل)(١) . وقد نشأ استعمال الكليات في سائر العلوم بالنظر إلى وضعها اللغوي في دلالتها على الشمول باعتبار كلمة (كل) صيغة من صيغ العموم، فلا يرجع ذلك في الأصل إلى اصطلاح المناطق ة، وإن كان للذوق المنطقي لدى الفقهاء أثر في شيوع هذا التعبير. ومن المألوف المعهود أن الكلام الذي استهل بكلمة (كل) في الفقه غالبا « الكلية » انسحب عليه مفهوم ً ، سواء أكان من قبيل القواعد أم الضوابط. ويبدو أن العبارات التي تشكل كليات بسبب ابتدائها ب (كل) صيغت أصالة على هذه الشاكلة بقصد الضبط والربط بين المسائل المتقاربة المتجهة إلى منزع فقهي مشترك واحد، ثم جرت مجرى العلل والقواعد والضوابط(٢) . إذ يصلح كل منهما أن يكون « الأصل » من مفهوم « الكلية » ويقرب مفهوم عبارة عن قاعدة أو ضابط، فيمكن أن تكون الكليات في الفقه قواعد إذا اشتملت على فروع من أبواب، وإذا دارت المسائل المنطوية تحتها على باب واحد فهي ضوابط. والملاحظ على أغلب هذه الكليات أنها نوع من الأحكام الفقهية الجزئية، ولم يختلف كثير منها عن ذلك إلا بتصدر كلمة (كل) فيها، والمعلوم أن (١) . الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٧٧(٢) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٥٣ الأحكام الفقهية وإن عرضت بالصيغة الجزئية لكنها ليست مختصة بفرد، بل هي عامة وشاملة وصالحة لوضع كلمة (كل) قبلها، سواء أكان ذلك بإبقائها على حالها، أم بتبديل يسير في الصياغة، فمثلا ً وإذا أكل الصائم أو » : عبارة شرب أو جامع نهارا ً ناسيا ً « لم يفطر(١) كل صائم أكل أو » : ، يمكن أن يقال فيها شرب أو جامع نهارا ً ناسيا ً لم يفطر « إذا طلق » فتصبح بذلك كلية، وعبارة الرجل امرأته فلها النفقة والسكن في عدتها رجعيا ً كان أو بائنا ً«(٢) ، يمكن أن ّ كل امرأة طلقها زوجها، فلها النفقة والسكنى في عدتها » : يقال فيها « فتصير كلية، وهكذا يمكن تطبيق ذلك على أغلب الأحكام الفقهية الجزئية(٣) . ومن المعلوم أن كتب الفقه ت َ عر ِ ض كثيرا ً من الأحكام الجزئية بصيغة (م َن ْ ،( وهي من ألفاظ العموم، فتشارك (كل) في الدلالة على شمول أفراد ما أطلقت عليه، فهي بهذا الاعتبار كلية، لكنها لم تتصدرها كلمة (كل). إن الكثير من الكليات التي ذكرها الفقهاء في كتبهم لا ترقى إلى درجة ٍ القاعدة الفقهية، نظرا ً لاتساع دائرة القاعدة، واعتمادها على استقراء أكثر تتبعا ً ّ مما تم في الضوابط والكليات الفقهية بالمعنى الذي ذكروه، وإن كان هذا ﱠ لا يمنع من وجود عدد من الكليات ذات الشمول والاتساع، وحينئذ تصبح هذه الكليات قواعد، ولولا شرط تقد ﱡ م كلمة (كل) على الكليات لقلنا إن كل ولا عكس، ولكن المعنى يتحقق به ذلك، بخلاف الشكل « كلية » قاعدة هي الذي لا يساعد على مثل هذا الإطلاق، ومن الممكن القول إن بينهما العموم والخصوص الوجهي، فيجتمعان في القاعدة المصد ّ رة ب (كل) وتنفرد القاعدة (١) الجناوني أبو زكرياء يحيى بن الخير بن أبي الخير: كتاب الصوم، مكتبة الضامري للنشر والتوزيع، السيب، سلطنة ع ُ مان، ١٤١١ ه/ ١٩٩١ م، ص ١٤ . الثميني: كتاب النيل وشفاء .١٧٦/ العليل، ١ (٢) .٤٣٥/ الثميني: المصدر نفسه، ٢(٣) . الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٧٨ فيما كان معن ً ى واسعا ً وشاملا ً لم تتصدره (كل)، وينفرد الكلي في تفاصيل المعاني، أو جزئياتها إذا بدأت بكلمة (كل)(١) . « كل » نصوص مأثورة تتصدرها كلمة : وردت أمثلة كثيرة من هذه الكلمات في جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم ومنها الأحاديث الثلاثة الآتية: ١ كل راع مسؤول عن رعيته » « (٢) . ٢ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل » « (٣) . ٣ كل مسكر حرام » « (٤) . وقد ورد ذكر الكليات بالصيغ التي ذكرناها في كتب الفقه منذ عهد مبكر، كما وردت على ألسنة من كانوا قبل فترة التدوين، ثم تعاقب العلماء يستخدمونها عبر القرون، وربما جرت على ألسنتهم وأقلامهم عفوا ً ، ولا يخفى ذلك على من له أدنى إلمام بروايات ومقالات منقولة عن الأئمة المجتهدين، ولعل من المناسب أن أبرهن على ذلك بتقديم نماذج من الكليات التي صاغها الفقها ء؛ فمن الكليات التي تحقق فيها مفهوم القاعدة وتغلغل في أبواب من للإمام الشافعي « الأم » الفقه ما ورد في النصوص الآتية من كتاب : (١) . الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٧٩ (٢) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن. رقم: ٨٦٧ . ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، رقم: ٣٤٩٦ . عن ابن عمر. مع اختلاف في اللفظ وزيادة. . ٣٨ ، برقم ٦٣٧٠ /٥ ؛ ٣٠ ، برقم ٦٣٠٧ / والمناوي: فيض القدير شرح الجامع الصغير، ٥ (٣) رواه البخاري، كتاب الشروط، باب المكاتب وما لا يحل من الشروط التي تخالف كتاب الله. وابن ماجه، كتاب العتق، باب .« ليس في » بدل « خالف » : دون رقم. عن ابن عمر، أو عمر. بلفظ . ٢٢ ، برقم ٦٣١٣ / المكاتب، رقم: ٢٥١٨ . عن عائشة. مع زيادة. والمناوي: فتح القدير، ٥ (٤) رواه الربيع، كتاب الأشربة من الخمر والنبيذ، باب في الأشربة من الخمر والنبيذ، رقم: ٦٢٩ ، ص ٢٤٧ ، عن عائشة، بلفظ: « كل شراب أسكر فهو حرام » ، والبخاري، كتاب المغازي، ﱡ ١٥٧٩ ، عن أبي موسى /٤ ، باب بعث أبي موسى الأشعري ومعاذ إلى اليمن، رقم: ٤٠٨٨ . ٣٠ ، برقم ٦٣٣٦ / الأشعري. والمناوي: المصدر نفسه، ٥ ١ كل ما كان على الإنسان أن يرده بعينه، رده بقيمته » « (١) . ٢ كل أمر لا يتم إلا بأمرين لم يجز أن يملك بواحد » « (٢) . ٣ كل حق وجب عليه فلا يبرئه منه إلا أداؤه » « (٣) . ٤ كل ما قسناه حلالا » ً حكمنا له حكم الحلال في كل حالاته، وكل ما قسناه حراما ً حكمنا له حكم الحرام «... (٤) . أما الكليات التي تكون بمثابة ضوابط فهي كثيرة جد ّ ا ً ، وهنا أكتفي بسرد أمثلة منها: ١ كل حال قدر المصلي فيها على تأدية فرض الصلاة كما فرض الله تعالى » عليه، صلا ّ ها وصل ّ ى ما لا يقدر عليه كما يطيق « (٥) . ٢ كل ثوب جهل من ينسجه، أنسجه مسلم، أو مشرك، أو وثني، أو » َُ مجوسي، أو كتابي، أو لبسه واحد هؤلاء، أو صبي، فهو على الطهارة حتى يعلم أن فيه نجاسة « (٦) . فإن هذين المثالين لا يسري عليهما حكم القاعدة، ولكن يمكن أن ِ يعد ّ كلا المثالين ضابطا ً في ميدان القواعد، من حيث إن المثال الأول بمثابة فرع لما تقرره القاعدة المتداولة بين الفقهاء : الميسور لا يسقط » والمثال الثاني يتضمن فروعا ؛« بالمعسو ر ً اليقين » : تتعلق بالقاعدة الأساسية.« لا يزول بالشك أن تضافرت الكليات في كتب المتأخرين من « الأم » وكان من أثر كتاب (١) .٢١/ الشافعي محمد بن إدريس: الأم، كراء الأرض البيضاء، ٤(٢) .٥٥/ الشافعي: الأم، الخلاف في الصدقات المحرمات، ٤(٣) .٦٩ ،٦٨/ الشافعي: المصدر نفسه، باب صيغة زكاة الفطر قبل قسمها، ٢(٤) .٧/ المصدر نفسه: ما لا يجوز من القراض في العروض، ٤(٥) .٨١/ المصدر نفسه: باب صلاة المريض، ١(٦) .٥٥/ المصدر نفسه: باب طهارة الثياب، ١ فقهاء الشافعي ة، ويشهد لذلك ما ذكره أبو العباس ابن القاص (١)(ت: ٣٣٥ ه) من ذلك قوله في الطهارات: « التلخيص » من ذلك في كتابه١ كل طاهر من الماء طهور إلا واحدا » ً ، وهو المستعمل الذي أدى به « الفرض(٢) . ٢ كل نجاسة غ » ُ سلت مرة تأتي عليها، طهرت، إلا ولوغ الكلب والخنزير فإنه يغسل سبعا ً ، منها مرة بالتراب « (٣) . وقد جمع منها الزركشي (٤)ووضعها في حرف الكاف « المنثور في القواعد » (ت: ٧٩٤ ه) في كتابه من هذا الكتاب مع الإشارة إلى الاستثناءات. وإذا تتبعنا المصادر الفقهية الإباضية المتقدمة والمتأخرة منها خصوصا ً نجد فيها نصوصا ً تشهد بأن ضبط المسائل بالكليات كان محل اعتبار واعتناء عندهم جميعا ً ، ولا بأس نورد نبذة يسيرة منها: _ « مسائل أبي عبيدة مسلم التميمي » ومن كتاب (٥) (ت: ١٤٥ ه): (١) ابن القاص: هو أحمد بن أحمد الطبري ثم البغدادي، (أبو العباس،)، (ت: ٣٣٥ ه/ ٩٤٦ م) شيخ الشافعية في طبرستان. تفقه به أهلها وسكن بغداد. له: أدب القاضي؛ دلائل القبلة؛.. .٩٠/ إلخ. الزركلي، الأعلام، ١ (٢) . ابن القاص: التلخيص، ص ٧٨(٣) . المصدر نفسه: ص ٨٠(٤) الزركشي: هو محمد بن بهادر بن عبد الله (أبو عبد الله، بدر الدين)، (و: ٧٤٥ ه/ ١٣٤٤ م ت: ٧٩٤ ه/ ١٣٩٢ م)، عالم بفقه الشافعية؛ تركي الأصل، مصري المولد والوفاة. له تصانيف كثيرة في عدة فنون، منها: البحر المحيط في أصول الفقه (مخ)؛ المنثور في القواعد (مط) .٦٠/ يعرف بقواعد الزركشي في أصول الفقه؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٦ (٥) أبو عبيدة: هو مسلم بن أبي كريمة التميمي، (ت: حوالي: ١٤٥ ه)، كان آية في الذكاء، وسياسي ّا ً محنكا ً ، وعالما ً جليلا ً . عرفت الإباضية على يديه أكبر إنجازاتها في المشرق والمغرب. أخذ العلم عن الإمام جابر بن زيد، وخلفه وتابع إنجازاته، فمكث في التعل ﱡ م أربعين سنة، وفي التعليم أربعين سنة أخرى. وقد تخرج على يديه مشاهير أئمة الإباضية ودعاتها. كما ترك آثارا ً علمية نفيسة منها: مجموعة أحاديث، كان يرويها عن الإمام جابر بن زيد وجعفر بن السماك = • كل بلاد المشركين يأمن فيها تجار المسلمين والموحدين لا تحل » غنيمة تلك البلاد ولا سباياهم « (١) . _ لأبي غانم الخراساني « المدونة الصغرى » ومن كتاب (٢) (ت: ٢٠٥ ه): • كل شابة تتربص حتى تحيض أو يتبين بها حمل » « (٣) . _ لأبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب « كتاب المستأنف » ومن (٤) (ت: ٢٧٣ ه): • كل من وجب له بإجماع المسلمين اسم أو حكم ثم أحدث حدثا » ً لم ينزل عنه ذلك الاسم والحكم إلى غيره من الأسماء والأحكام إلا = وهو مجموعة من الفتاوى وبعض المحاورات؛ ،« مسائل أبي عبيدة » وصحار العبدي؛ كتاب .٣٥٦/١ ، كتاب في الزكاة؛... إلخ. معجم أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ١٣٦٣(١) أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة: مسائل أبي عبيدة، مخطوط ص ٦ ظ. (٢) أبو غانم: هو بشر بن غانم الخراساني، (ت: أوائل ق ٣ه)، الإمام الحافظ الفقيه، قدم البصرة لتلقي العلم على يد أئمة الإباضية، وخاصة الإمام أبي عبيدة. من شيوخه الذين ذكرهم في مدونته: أبو عبيدة، والربيع، وابن عبد العزيز، وأبو غسان، وأبو المؤرج،... وغيرهم. ومن تلاميذه: الإمام أفلح الذي روى عنه أحاديث، وعمروس بن فتح. من آثاره: المدونة التي تعد أولى مصادر الفقه الإباضي، واختلاف الفتوى. معجم أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، .٣٢/١ ، ترجمة: ٩١ (٣) ضابط فقهي في العدة، ويستثنى منه المرأة التي طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفعت عنها حيضتها، فإنها تتربص تسعة أشهر قدر ما تحمل المرأة وتضع، فإن حاضت الثالثة فقد حلت للأزواج، وإن مضت تسعة أشهر ولم يتبين بها حمل اعتدت ثلاثة أشهر ٢٣٤ . وينظر: / عدة التي أيست من المحيض. ينظر: أبو غانم الخراساني: المدونة الصغرى، ١ القواعد الفقهية عند الإمام الجيطالي في كتابه قواعد الإسلام، الهامش ص ٧٤ - .٧٥ (٤)بشير بن محمد بن محبوب بن الرحيل، (أبو المنذر)، (حي في: ٢٧٣ ه)، من أجلة علماء ع ُ مان في عهده، عاش في عهد الإمام الصلت بن مالك. من مشايخه: عزان بن الصقر (أبو معاوية)، والصلت بن خميس (أبو المؤثر)،.. إلخ؛ ترك آثارا ً منها كتاب: المحاربة، وكتاب أسماء الدار وأحكامها، كتاب الرضف في التوحيد،...إلخ. معجم أعلام الإباضية، (قسم .٣٤/١ ، المشرق)، ترجمة: ٩٧ بإجماع من المسلمين له على ذلك، وقياس على نظير ذلك الحدث حكمه في كتاب الله وسن ﱠ ة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فبكتاب الله وسن ﱠ ة رسوله وإجماع ُُ المسلمين تثبت الأسماء وتجري الأحكام « (١) . _ ق: ٣ه): ) « كتاب جامع ابن جعفر » ومنكل العطايا لا تثبت إلا بالإحراز من المعطي » « (٢) .• ومنه أيضا ً : قال أبو عبد الله محمد بن محبوب (٣)كل شيء » :( (ت: ٢٦٠ ه يلزم الذي في يده غرامته مما يكال أو يوزن فعليه أن يأتي بمثله؛ فإن كان عرضا ً مثل السيوف والثياب فعليه القيمة « (٤) . _ لأبي حفص عمروس « أصول الدينونة الصافية » ومن كتاب (٥) (ت: ٢٨٣ ه): (١) أبو المنذر بشير بن محمد بن محبوب: المستأنف، مخطوط ضمن مجموع السير الع ُ مانية، محفوظ بمكتبة الإمام غالب بن علي الهنائي بالدمام، السعودية، وتوجد نسخة مصورة منه . لدى الباحثة منى بنت هلال الكندية، نزوى سلطنة عمان، ص ٢٥٢ ُ (٢) .٣٤٣/ ابن جعفر الأزكوي: جامع ابن جعفر، ٤ (٣)محمد بن محبوب بن الرحيل، (أبو عبد الله)، (ت: ٢٦٠ ه)، فإذا ذكر في كتب الإباضية فإنه هو المقصود غالبا ،« أبو عبد الله » المشارقة ً ، وذلك لكثرة رواياته وآرائه. وقد تأثر به الكثير من الفقهاء، وتحتل آراؤه مكانة رفيعة في التراث الإباضي، مشرقا ً ومغربا ً . من شيوخه: أبو صفرة، وموسى بن علي الإزكوي،... إلخ، ومن تلاميذه: ابناه عبد الله وبشير، والصلت بن خميس (أبو المؤثر)،... إلخ. من آثاره: مختصر من السن ﱠ ة، وله سير كثيرة منها: سيرته إلى ﱡ أهل المغرب، وسيرة إلى أحمد بن سليمان إمام حضرموت،... إلخ. معجم أعلام الإباضية، .٣٣٨/١ ، (قسم المشرق)، ترجمة: ١٣٠١(٤) .٢١٣/ ابن جعفر: المصدر نفسه، ٤ (٥)عمروس بن فتح المساكني النفوسي (أبو حفص)، (ت: ٢٨٣ ه/ ٨٩٦ م)، من أبناء جبل نفوسة. عاصر الإمام أبا اليقظان محمد بن أفلح، وتلق ﱠ ى علمه على مشايخ الجبل. تول ﱠ ى القضاء بجبل نفوسة في ولاية أبي منصور إلياس في أواخر أيام الدولة الرستمية. من تآليفه: كتابه المسم ﱠ ى بالعمروسي والمعنون ب : الدينونة الصافية؛ كما أن ﱠ له: رسالة في الرد ﱢ على الناكثة وأحمد بن الحسين، (مخ)... إلخ؛ استشهد عمروس بواقعة مانو بين نفوسة وابن الأغلب سنة .٤٦٦/١ ، ٢٨٣ ه/ ٨٩٦ م. معجم أعلام الإباضية، (قسم المغرب)، ترجمة: ٦٩٠ • كل ما هو نصف في الحر فهو في العبد نصف ثمنه » « (١) . _ لابن بركة البهلوي (ت: ٣٦٢ ه): « الجامع » ومن كتاب ٍ • كل مال أيس من معرفة ربه أنه مصروف في الفقراء والمساكين » « (٢) . • كل مالك فملكه محبوس عليه، إلا أن يزيله عن نفسه » « (٣) . ِ • كل ما في المرأة من عضو فديت » ُ ه كنصف ذلك العضو من الرجل « (٤) . _ لأبي العباس أحمد الفرسطائي « القسمة وأصول الأرضين » ومن كتاب (٥) (ت: ٥٠٤ ه): • كل ما في يد رجل من مال غيره يصنع فيه ما يصنع في ماله من دفع »« المضار عنه(٦) . • كل ما يجوز بيعه من الغائب تجوز قسمته أيضا » ً مما لا يتغير في حال « غيابه بالزيادة أو النقصان (٧) . (١) من الضوابط الفقهية في باب القصاص، وقد فسر محقق كتاب أصول الدينونة الصافية هذه أن كل ما يمكن تنصيفه في الحر مثل العينين فهو في العبد » : العبارة بصيغة أخرى وهي . ينظر: المصدر نفسه الحاشية، ص ١٣٠ « كل نصف بنصف ثمنه في العبد (٢) .٢٢٣/ ابن بركة البهلوي: الجامع، ١(٣) .٣٣٣/ ابن بركة: ٢(٤) .٥١٥/ ابن بركة: الجامع، ٢ (٥)أحمد بن محم ّ د بن بكر الفرسطائي النفوسي، (أبو العباس)، (ت: ١٠ ذو الحجة ٥٠٤ ه/ ١٨ جوان ١١١١ م). عالم فذ ّ من علماء وارجلان، أصله من فرسطاء بنفوسة، وهو ابن الشيخ أبي عبد الله محمد بن بكر النفوسي، مؤس ﱢ س نظام حلقة العز ﱠ ابة. أخذ العلم عن أبيه، وعن أبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي؛ من تآليفه الكثيرة: كتاب القسمة وأصول الأرضين، في ثمانية أجزاء؛ كتاب في التوحيد مما لا يسع الناس جهله؛ اشترك في تأليف ﱠ ديوان العز » ﱠ مع ثمانية من العلماء؛... إلخ. معجم أعلام الإباضية، (قسم المغرب)، « ابة .٨٨/١ ، ترجمة: ٨٩(٦) . أبو العباس أحمد بن محمد الفرسطائي: كتاب القسمة وأصول الأرضين، ص ٣٢٨(٧) . أبو العباس أحمد: المصدر نفسه، ص ١٠٢ • كل ما ع » َ مل الشريك في المشترك من العمارة والصلاح ودفع المضار مما يتآخذون عليه، فإنه يدرك عناءه على شركائه على قدر اشتراكهم « (١) . • كل ما أدرك من الغلات يتآخذ الشركاء على جنيه إلا إن كان في تركه » « وصلاح زيادة(٢) . _ للعوتبي (ت: ٥١١ ه تقريبا « الضياء » ومن كتاب ً :( • كل حلال فهو على أصله حتى يصح تحريم ه، وكل حرام على أصله »حتى يصح تحليله « (٣) . • كل طاهر على حكم الطهارة حتى يصح نجاست ه، وكذلك كل نجس »فهو على نجاسته حتى تصح طهارته « (٤) . كل حسن حلال، وليس كل حلال حسن » « (٥) .• _ للجيطالي (ت: ٧٥٠ ه): « قواعد الإسلام » ومن كتاب • كل الكذب مكتوب إلا أن يكذب الرجل في الحرب فإن الحرب خديعة، » أو يكذب بين اثنين فيصلح بينهما، أو يكذب لامرأته ليرضيها « (٧)(٦) . _ للشماخي (ت: ٧٩٢ ه): « الإيضاح » ومن كتاب (١) . المصدر نفسه: ص ٢٧١ (٢) . نفسه: ص ٢٧٢ (٣) .١٥/ العوتبي سلمة بن مسلم الصحاري: كتاب الضياء، ٣ (٤) العوتبي: المصدر نفسه. (٥) .١٤/ العوتبي: الضياء، ٣ (٦) ضابط فقهي في حق الأخوة بين المسلمين يوجب إصلاح ذات البين ولو بالكذب فإنه مما لا إثم فيه، وقد ورد الحديث بلفظ ما لي أراكم تتهافتون على الكذب تهافت الفراش » في النار، كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب أو إصلاح بين « اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها وبهذا اللفظ أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه تهذيب ١٦٥ . وأحمد في مسنده /٢٤ ،( ١٢٨ . والطبراني في المعجم الكبير ( ٤٢٠ /٣ ( الآثار ( ٢١٠ .٨١/ ٤٥٤ . والهيثمي في مجمع الزوائد، ٨ /٦ ،(٢٧٦١١) (٧) .٢٢٧/ الجيطالي: المصدر السابق، ٢ • كل ما اتفقت منافعه فهو صنف واحد، وإن اختلفت أسماؤه » « (١) . كل ما أبيح لأجل الضرر أنه يرتفع تحليله بارتفاع الضرر » « (٢) .• • كل ما ع » َ لم المشتري أنه لا حق فيه للبائع أنه لا رجوع فيه للمشتري على البائع، وأنه يعد متبرعا « (٣) . _ ومن كتاب النيل للثميني (ت: ١٢٢٣ ه): كل مال يؤدي عليه ربه، فالغرم يسقطه » « (٤) .• « (٥) • كل فرج وطئ بحرام فلا يحل أبدا » ً . كل ما خالف المعتاد عيب » « (٦) .• • كل إيجاب فقبوله بعد موت الموجب باطل إلا في الوصية » « (٧) . • كل من يصدق في دعوى التلف، يصدق في دعوى الرد إذا كان قبضه »« بغير بينة(٨) . • كل من فعل ما يجوز له فعله، فتولد منه تلف لم يضمن » « (٩) أن » : يعني الجواز الشرعي ينافي الضمان .« • كل مال يورث فحرام غنيمته، وكل مال يغنم فحرام ميراثه » « (١٠) . (١) .٢٨٦/ الشماخي أبو ساكن عامر بن علي: كتاب الإيضاح، ٢(٢) .١٧/ الشماخي: الإيضاح، ٢(٣) .٣٠٩/ الشماخي: المصدر نفسه، ١ (٤) بكلي عبد الرحمن: ملحق القواعد والضوابط الفقهية على كتاب النيل وشفاء العليل ٰ .٢٨٨/ لعبد العزيز الثميني، ١(٥) .٦٥٧/ بكلي: المصدر نفسه، ٢(٦) .٦٦٢/ المصدر نفسه: ٢(٧) .١٠٩٧/ المصدر نفسه: ٣(٨) .١٠٩٨/ نفسه: ٣(٩) .١٠٩٩/ نفسه: ٣(١٠) .١١٠٩/ نفسه: ٣ فهذه جملة من القواعد الكلية والضوابط الفقهية جمعتها من مختلف المصادر الفقهية الإباضي ة، من باب التمثيل وليس الحصر، وجاء ذكرها في كتبهم ع َرضا ً ، ولم تكن مصنفة في مؤل ﱠ ف مستقل، بل كانت تأتي ضمن الفروع َ الفقهية بهدف التقرير للأحكام الفقهية، وضبط المسائل المتشابهة في أحكامها أو في معرض التعليل. وإن سمح الوقت وتيسرت الأمور نجمعها في تصنيف واحد حتى يسهل الاستفادة منها، لأنه لا نعلم أحدا ً من الإباضية في حدود المعلومات المتوفرة لدينا أفرد الكليات الفقهية المتناثرة بالتأليف، ولعل في الأيام القادمة بحول الله تعالى نكتشف عملا ً في هذا المجال كان مغمورا ً ، أو من تأليف جديد. كان الفقه في بداية نشأته علما ً واحدا ً يتمثل في الأحكام الفقهية المستنبطة من الأدلة التفصيلية، ومع تطوره وتشعب مواضيعه انبثقت منه علوم فرعية مرتبطة به؛ كالقواعد الفقهية، والقواعد الأصولية، والضوابط الفقهية، والقواعد المقاصدية، والفروق الفقهية، والأشباه والنظائر، والحيل والألغاز الفقهية وغيرها، وحتى نتمكن من التمييز بين هذه العلوم المتشابهة، يحسن بنا أن نحدد مفهومها، ونبين علاقتها بالقواعد الفقهية، ونذكر الفروق الممكنة منها، وبيان ذلك فيما يلي: k :á«¡≤ØdG §HGƒ°†dGh á«¡≤ØdG óYGƒ≤dG :’hCG قبل بيان الفرق بين القواعد الفقهية والضوابط الفقهية يحسن بنا أن نعر ف ﱢ الضابط في اللغة والاصطلاح، حتى يتحدد مفهومه في أذهاننا ونتمكن من إدراك الفرق بين المصطلحين. ١ تعريف الضوابط الفقهية: فالضوابط في اللغة: جمع ضابط وهو مأخوذ من ضبط الشيء يضبطه ضبطا، أي حفظه حفظا ً بليغا ً أو حازما ً ، ومنه قيل: ضبطت ُ البلاد، إذا قمت بأمرها قياما ً حازما ً ومحافظا ً عليها، والضبط لزوم الشيء وحبسه وحصره، . والضبط الإتقان والإحكام (١) = (١) . ٥٠٩ ، مادة ضبط. والفيروزآبادي: القاموس المحيط، ٨٧٢ / ابن منظور: لسان العرب، ٢٠ الفيومي: المصباح المنير، ص ٤٨٧ . إبراهيم أنيس ومعه: عبد الحليم منتصر، عطية ويقال ضبط الرجل الشيء يضبطه ضبطا ً إذا أخذه أخذا ً شديدا ً ، ومنه سمي الأسد الأضبط والضابط؛ لأنه يأخذ الفريسة أخذا ً شديدا ً ويضبطها، فلا تكاد تفلت منه(١) . أما الضابط في الاصطلاح الفقهي: لم أقف رغم البحث على تعريف خاص للضوابط الفقهية عند الإباضية وغيرهم، وغاية ما يوجد عند بعضهم إشارات مقتضبة تشير إلى الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي، يقول فرق بينها (القاعدة) وبين الضابط أن القاعدة » :« طلعة الشمس » السالمي في تجمع فروعا ً من أبواب شتى، والضابط يجمع فروعا ً « من باب واحد(٢) . بينما يرى بعض الفقهاء أن الضابط في الاصطلاح مرادف للقاعدة، ومن ذلك ما ذكره التهانوي(٣) حكم كلي ينطبق على » : بعد أن عرف القاعدة بقوله ّ « جزئيات وهو مرادف الأصل والقانون والمسألة والضابط والمقصد(٤) ، وهو والقاعدة في الاصطلاح بمعنى » : بقوله « المصباح المنير » ما يؤكده الفيومي في « الضابط وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته(٥) . وقد تابعهما أحمد الحموي في هذا المعنى إلا أنه يعتبر الضابط في مدلوله = الصوالحي، محمد خلف الله أحمد: المعجم الوسيط، ط ٢ نشر مجمع اللغة العربية، مطابع .٥٣٥/ دار المعارف بمصر، ١٣٩٢ ه/ ١٩٧٢ م، ١(١) ١٧٢/ الزبيدي: تاج العروس، ٥ - ١١٣٩ . ابن حجر: / ١٧٥ . الجوهري: الصحاح، ٣ .٢٨٦ ، غراس الأساس، مادة ضبط، ص ٢٨٥(٢) ١٤ . الراشدي سفيان بن محمد: جواهر / السالمي: شرح طلعة الشمس على الألفية، ١ .٣٣ ، القواعد من بحر الفرائد، ص ٣٢ (٣) التهانوي: هو محمد بن علي ابن القاضي محمد حامد، (ت: بعد ١١٥٨ ه/بعد ١٧٤٥ م)، باحث هندي. ألف: كشاف اصطلاحات الفنون؛ سبق الغايات في نسق الآيات؛... إلخ. .٢٩٥/ الزركلي، الأعلام، ٦ (٤) .٨٨٦/ التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون، ٢(٥) . الفيومي: المصباح المنير، ص ٧٠٠ أخص من القاعدة على حد ّ ورسموا الضابطة بأنها أمر كلي ينطبق على » : قوله جزئياته لتعرف أحكامها منه، قال وهي: أعم من القاعدة ومن ث َم رسموها بأنها ّ « صورة كلية يتعرف منها أحكام جميع جزئياتها(١) . ُ وقد فرق بعض العلماء بين القاعدة والضابط بأن الضابط يجمع فروعا ً من باب واحد، أما القاعدة فهي تجمع فروعا ً من أبواب شتى. وقد تقدم في تعريف أبي عبد الله المقري أن ّ القاعدة الفقهية أعم من العقود وجملة الضوابط الفقهية الخاصة. ومعنى ذلك أن دائرة القاعدة الفقهية تتسع لتشمل كثيرا ً من الفروع والجزئيات التي هي من أبواب متعددة، وجهات مختلفة من العبادات والعادات والمعاملات؛ كقاعدة: المشقة تجلب التيسير » .« الضرر يزال » و .« الأمور بمقاصدها » و .« وغيرها. أما الضابط الفقهي فدائرته لا تتسع أكثر من الجزئيات والفروع التي تندرج العقد على البنات يحرم » : في باب واحد أو في جزء من باب؛ كقولهم ِ الأمهات والدخول على الأمهات يحرم البنات « (٢) . ومن ث َم كانت القاعدة ّ الفقهية أعلى مرتبة من الضابط الفقهي(٣) . وقد نبه إلى ذلك بعض فقهاء ﱠ الإباضية والأصوليين (٤) . وفرق بينها وبين الضابط أن القاعدة تجمع » : يقول السالمي في هذا الشأن فروعا ً من أبواب شتى، والضابط يجمع فروعا ً « من باب واحد(٥) . (١) .٥/ الحموي أحمد: غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ٢(٢) الثميني عبد العزيز: كتاب النيل وشفاء العليل، ملحق القواعد والضوابط الفقهية للمحقق بكلي عبد الرحمن، ٰ .٦٥٧/٢(٣) . الروكي محمد: قواعد الفقه الإسلامي، ص ١١٢(٤) البناني: حاشية البناني على شرح الخليل المحلى على جمع الجوامع ط ١، مصر ١٣٣١ ه/ ١٩١٣ م، .٢٩٠/٢(٥) .١٤/ السالمي: طلعة الشمس، ١ وقد أخذ سفيان الراشدي بهذا التعريف في قواعده وزاده توضيحا ً فقال: والفرق بينها وبين الضابط بالمعنى الاصطلاحي أنها تجمع فروعا » ً شتى من المشقة تجلب التيسير » : أبواب شتى، وهو من باب واحد فقولنا « تبنى عليها جميع رخص الشرع، فالتيمم والقصر والفطر وأكل الميتة ونحوها، أبواب شتى تنطبق عليها القاعدة، فهي جزئيات لها وفروع منها، واستخراج العالم الماء الطاهر المطهر هو الباقي على أوصاف خلقته » : لها منها تفريع، وقولنا فهذا ضابط هذا ،« بلا مخالط، وبعبارة أخرى: ما أطلق عليه اسم ماء بلا قيد إذا اختلف الجنسان جاز بيع أحدهما بالآخر مطلقا » : الباب فقط، وقولنا ً « « ضابط لغير الربويات(١) . ووضح تاج الدين ابن السبكي هذا الفرق بعد أن ذكر تعريف القاعدة في ومنها ما يختص ،« اليقين لا يزال بالش ك » : ومنها ما لا يختص كقولنا » : قوله كل كفارة سببها معصية فهي على الفور » : كقولنا « الغالب فيما اختص بباب «(٢) وقصد به نظم صور متشابهة أن يسمى ضابطا ً . ويقول البناني (٣)مؤكدا ً قواعد تشبه الأدلة فناسب كونها » : لهذا المعنى « خاتمة لبحث الأدلة، والقاعدة تختص بباب بخلاف الضابط(٤) . وكذلك وجدنا السيوطي(٥) في أشباهه يميل إلى هذا التفريق بين القاعدة (١) الراشدي: جواهر القواعد في بحر الفرائد، ص ٣٢ - .٣٤ (٢) .١١/ ابن السبكي تاج الدين: الأشباه والنظائر، ١(٣) البناني: هو عبد الرحمن ٰ بن جاد الله المغربي المالكي فقيه أصولي، (ت: ١١٩٨ ه). الزركلي .٧٤/ الأعلام، ٤(٤) .٢٩٠/ البناني: حاشية البناني على شرح الجليل المحلي على جمع الجوامع، ٢(٥) السيوطي: هو عبد الرحمن ٰ بن أبي بكر بن محمد، (جلال الدين)، (و: ٨٤٩ ه/ ١٤٤٥ م ت: ٩١١ ه/ ١٥٠٥ م)، إمام حافظ مؤرخ أديب. له نحو ٦٠٠ مصنف، منها: الإتقان في علوم القرآن؛ الأشباه والنظائر في فروع الشافعية؛ الألفية في مصطلح الحديث؛ تفسير الجلالين؛... .٣٠١/ إلخ. الزركلي، الأعلام، ٣ أن القاعدة تجمع فروعا » والضابط فيرى ً من أبواب شتى، والضابط يجمع فروعا ً « من باب واحد(١) . وقد اجتهد زهران المسعودي أحد فقهاء الإباضية المعاصرين في استنادا » : تحديد المفهوم الاصطلاحي للضابط فبين أنه ً إلى التفريق بين القاعدة ّ والضابط الذي أشار إليه أولئك الفقهاء مع التأمل في كلام الإمام ابن السبكي في قوله: عند تعريفه للقاعدة والغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم صور «(٢) متشابهة أن يسمى ضابطا ً . يمكن بالاستناد إلى ذلك كله أن يعرف الضابط ُﱠ أصل كلي فقهي، ينتظم صورا » : الفقهي بأنه ً متشابهة من باب واحد، تفهم « أحكامها منه(٣) . ثم عقب المسعودي على تعريفات الفقهاء المتقدمين كابن السبكي والتهانوي والفيومي الذين جعلوا معنى الضابط مرادفا ً وبهذا » : للقاعدة فقال يتبين أن التعريف السابق للضابط الفقهي المتقدم نقله عن بعض الفقهاء تعريف ٌ غير مانع لدخول القاعدة عموما ً تحته؛ لأنها بلا شك أمر كلي ينطبق على جزئياته ليعرف أحكامها منه، لكن تقييد الضابط بأنه ينتظم صورا ً متشابهة من باب واحد كما ورد في تعريفه الأخير يخرج القاعدة من دخولها تحت هذا التعريف؛ لأنها تنتظم صورا ً « متشابهة من أبواب شتى وليست من باب واحد(٤) . ولم ينفرد المسعودي بهذا المفهوم، فقد جاء يعقوب الباحسين بتعريف (١) ٧. وقد تابعه على ذلك ابن نجيم / السيوطي: الأشباه والنظائر في فروع الشافعية، ١ (ت: ٩٧٠ ه) في الأشباه والنظائر، الفن الثاني، ط ١، المكتبة العصرية، بيروت، ١٩٨٨ م، ٤٩ ، وفي طبعة أخرى، ص ٧٢٨ . / ص ١٨٨ . وقرره أبو البقاء الكفوي في الكليات، ٤ . والزركشي في تشنيف المسامع، ص ٩١٩ (٢) .١١/ ابن السبكي: الأشباه والنظائر، ١(٣) المسعودي زهران: ابن بركة السلمي البهلوي ودوره الفقهي في المدرسة الفقهية الإباضية . ص ١٣٧ ،« الجامع » من خلال كتابه(٤) المسعودي زهران: المرجع نفسه. للضوابط الفقهية قريبا ً ما انتظم صورا » : منه وهو ً متشابهة في موضوع واحد، « غير ملتفت فيها إلى معنى جامع مؤثر(١) . لكن يؤخذ عليه أنه تعريف عام وغير مختص بالضوابط الفقهية، والأو َ لى ْ ما انتظم صورا » : إضافة قيد يخص التعريف بالضوابط الفقهية فيقال في تعريفها ً « متشابهة في موضوع فقهي واحد غير ملتفت فيها إلى معنى جامع مؤثر(٢) . ومما يجدر الإشارة إليه أن بعض الفقهاء أحيانا ً لا يهمهم هذا التفريق الدقيق بين المصطلحين فيطلقون لفظة القاعدة على الضابط، ويعتبرون ك ُ لا ّ ً من ذلك نوعا ً من أنواع القاعدة، ومرتبة من مراتبها، فنجد المحقق عبد الرحمن ٰ بكلي من فقهاء الإباضية المعاصرين استخرج قواعد وضوابط من كتاب النيل وشفاء العليل للثميني وجعلها في جدول واحد، ووضع لها عنوانا ً عاما ً ، جدول ما ورد في الكتاب من مسائل » : ففي الجزء الأول من الكتاب يقول ومما جاء فيه. ،« تعتبر كقواعد فقهية عامة أثبتناها هنا إعانة على تفقيه القارئ وكل دم وجد بعد طهر » ،« النجس يؤثر في الوضوء بعد تمامه لا في الغس ل »عشرة أيام فهو حيض « (٣) فهذين المثالين يعتبران ضوابط. بينما نجده في موضع المشترك كالواحد حكما » : آخر يقول ً لا يجتمع خراج وع » ،«... ُ « شر(٤) فهذان المثالان قاعدتان فقهيتان. المسائل » : وفي الجزء الثالث من الكتاب نفسه وتحت عنوان جدول يقول « المعتبرة كقواعد أو ضوابط فقهية أثبتناها هنا إعانة على تفقيه القارئ(٥) ، وذكر (١) . الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٣٧(٢) . شبير محمد: القواعد الكلية والضوابط الفقهية، ص ٢٢(٣) الثميني عبد العزيز: كتاب النيل، تحقيق عبد الرحمن ٰ ١٣٨٦ ه/ ١٩٨٦ م، المطبعة ، بكلي، ط ٢ .٢٨٥/ العربية لدار الفكر الإسلامي، الجزائر، ١ (٤) بكلي عبد الرحمن: ٰ المرجع نفسه. (٥) .١٠٩٥/ المرجع نفسه: ٣ يغتفر في البقاء ما لا يعتبر في » : جملة من القواعد والضوابط الفقهية منها كل مال يورث فحرام غنيمته، وكل مال » وهذه قاعدة فقهية، وأما ،« الابتدا ء يغنم فحرام ميراثه « (١) . يعتبر ضابطا ً فقهيا ً. « كتاب النيل » أما زهران المسعودي فلم يسلك منهج البكري في ملحق للثمين ي، بل حاول أن يميز ويفرق بين القواعد الفقهية الكلية والضوابط الفقهية في مصنفه، فوضع جدولين أحدهما للقواعد الفقهية والآخر للضوابط الفقهية، ويمكن الإشارة إلى » : والتزم التفريق الدقيق بين المصطلحين، ومما جاء فيه ذلك بالجدولين التاليين: أ جدول القواعد ا لفقهية ، فذكر مجموعة من القواعد الفقهية استخرجها الأشياء إذا افترقت وجب لكل » من كتاب الجامع لابن بركة البهلوي، مثاله واحد منها حكم، وإذا اجتمعت كان حكمها واحدا ً .« للإمام أن يسوي » وكذلك بين رعيته فيما يراه صلاحا ً « لهم(٢) . ب جدول الضوابط ا لفقهية ، عرض فيه بعض الضوابط الفقهية الواردة الأبوال كلها نجسة » : ومن بينها ،« كتاب الجامع لابن برك ة » في .« دباغ جلد » و الميتة ذكاته وطهارة له « (٣) . ٢ العلاقة بين القواعد الكلية والضوابط الفقهية: يتبين مما تقدم أن القواعد الكلية والضوابط الفقهية يشتركان في أن كلاًّ منهما ينطبق على عدد من الفروع الفقهية، ولهذا نجد كثيرا ً من الفقهاء لا يفرقون بين المصطلحين في الاستخدام، فيطلقون القاعدة على الضابط والضابط على القاعدة، وقد لاحظنا ذلك كثيرا ً في كتب الفقه المختلفة، (١) .١١٠٩/ نفسه: ٣(٢) .١٦٧ ، المسعودي زهران:، ابن بركة ودوره الفقهي، ص ١٦٦(٣) . المسعودي: المرجع نفسه، ص ١٧٠ فه ُ م يطلقون كلمة (قاعدة) في بعض المواضع على فرع مخصوص من الفروع، وقد أومأ إلى ذلك العلامة تاج الدين ابن السبكي في مقدمة فإن قلت » : (أشباهه) إذ يقول َ : فخرج عن القاعدة نحو قول الغزالي(١) في قاعدة: لو تحرم بالصلاة في وقت الكراهة، ففي الاعتقاد :« الوسيط »وجهان، فقد أطلق القاعدة على فرع مخصوص، قلت ُ : إنما أ ُ طلقها عليه لما تضمنه من المأخذ المقتضي؛ لأن فعل الشيء في الوقت المنهي هل ينافي في حصوله أم لا؟ فلما رجع الفرع إلى أصل هو قاعدة كلية حسن َُ إطلاق لفظ القاعدة عليه، وذلك نظير قوله أيضا ً : قواعد ثلاث، الأولى: » «... المتطوعات إلخ(٢) . أما إطلاق (القاعدة) على الضابط، فهذا أمر شائع مطرد في المصادر الفقهية وكتب القواعد الكلية، كما سلفت الإشارة إلى ذلك، مثال ذلك: ما جاء في قواعد الإمام ابن رجب الحنبلي (٣)(ت: ٧٩٥ ه) تحت عنوان (القاعدة): ش» َ عر الحيوان في حكم المنفصل عنه لا في حكم المتصل « (٤) . كما تناول بعض الضوابط الأخرى تحت عنوان (القواعد) في سائر كتابه، وكذلك فعل (١) الغزالي محمد بن محمد بن محمد الطوسي، (أبو حامد، حجة الإسلام)، (و: ٤٥٠ ه/ ١٠٥٨ م ت: ٥٠٥ ه/ ١١١١ م)، فيلسوف ومتصوف، ويعتبر أحد أعلام الأشاعرة والمتصوفة، أل ّ ف في مختلف الفنون، له نحو مائتي مصنف؛ منها: إحياء علوم الدين؛ مقاصد الفلاسفة؛ تهافت الفلاسفة؛ المنقذ من الضلال؛ المستصفى من علم الأصول؛... إلخ. الزركلي، .٢٢/ الأعلام، ٧ (٢) ٧/ ابن السبكي: الأشباه والنظائر، ١ - .٨ (٣) عبد الرحم ن ٰ بن أحمد بن رجب، البغدادي ثم الدمشقي، (أبو الفرج، زين الدين)، (و: ٧٣٦ ه/ ١٣٣٥ م ت: ٧٩٥ ه/ ١٣٩٣ م)، حافظ للحديث، من العلماء. ولد في بغداد ونشأ وتوفي في دمشق. من كتبه: شرح جامع الترمذي؛ جامع العلوم والحكم؛ الاستخراج .٢٩٥/ لأحكام الخراج؛ القواعد الفقهية؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٣ (٤) ابن رجب الحنبلي: القواعد في الفقه الإسلامي، طبعه دار الكتب العلمية بيروت لبنان دت، ١٠ ، وما بعدها. / ص ٥. ينظر: البكري محمد، الاعتناء في الفروق والاستثناء، ١ مثله البكري(١) أما ابن السبكي ،« الاعتناء في الفرق والاستثناء » في كتابه فوجدناه كثيرا ً « القواعد الخاصة » : ما يذكر الضوابط تحت عنوان(٢) . وقد حاول بعض الباحثين المعاصرين بيان أسباب خلط الفقهاء المتقدمين بين المصطلحين وعدم الاهتمام بالتفريق بينهما، فذكر أنهم كانوا يخلطون بين القواعد والضوابط؛ لأنهم كانوا يهتمون بتقعيد المسائل وتأصيلها، وبيان الفروق الدقيقة بينها أكثر مما يهتمون بالتفريعات الاصطلاحية، وهذا ما نلحظه في كتاب الجامع لابن بركة البهلوي، وكتاب الإيضاح لعامر الشماخي وغيرهم من فقهاء الإباضي ة، ثم جاء من بعدهم فوجدوا كما ً هائلا ً من القواعد والضوابط َّ فظهر لهم أن يجعلوا بينهما فرقا ً ليتمكن الباحثون من تحري الدقة في التأمل والنظر فيما هو خاص بباب واحد، وما هو شامل لأبواب عديدة؛ وليسهل عليهم الرجوع إلى كتب الفقهاء على اختلاف مذاهبهم. (١) هو بدر الدين محمد بن محمد الكرخي البكري الشافعي نزيل مصر ولد سنة ٩١٠ ه وتوفي سنة ١٠٠٦ ه. من تصانيفه حاشية على المنهاج للنووي وصاحب كتاب الاعتناء في الفرق والاستثناء نشرته دار الكتب العلمية بلبنان، حققه: عادل عبد المجيد وعلي معوض جمع هذا الكتاب أكثر من ستمائة قاعدة في الفقه تندرج تحتها الفروع، وتميز بأنه يذكر ما يستثنى من هذه القواعد معددا ً هذه المسائل معللا ً لها أحيانا ً ، عازيا ً قوله إلى فقهاء الشافعية في كثير من الأحيان. وقد رتب هذه القواعد على أبواب الفقه وذلك كقوله تحت كتاب صلاة الجنازة فنذكرهما وعلى « القاعدة الثانية: لا يغسل الشهيد الذي قتل في المعركة إلا في مسألتين »الكتاب تخريجات للأحاديث، وعزو إلى كتب الفقه، وبعض التعليلات. (٢) ينظر: كتابه الأشب َ اه و َ النظائر لتاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، هذب فيه كتاب قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام فزاد عليه فوائد لم تكن فيه، وحذف منه شيئا ً آخر، فهو يذكر القواعد الفقهية يذكر القاعدة ومستندها من الكتاب أو السن ﱠ ة أو الإجماع، ﱡ ومن ذكرها من العلماء، وما يندرج تحتها من مسائل، وما يستثنى من هذه القاعدة، وذكر أصولا ً كلامية عقائدية يبنى عليها فروع فقهية، كما ذكر كلمات نحوية يترتب عليها مسائل فقهية، وذكر فروعا ً اختلف فيها بعد الاتفاق على أصولها، وختم كتابه بالألغاز الفقهية. ابن ١٤١١ ه ، دار ، السبكي: الأشباه والنظائر، تحقيق عادل عبد الموجود، وعلي عوض، ط ١ ٢/ الكتب العلمية، لبنان، المرجع السابق، ١ - .٥ هذا وقد وضع الفقهاء للفقه ضوابط بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه، فما كان متفقا ً عليه فالبحث فيه سهل، وما كان مختلفا ً فيه فالبحث فيه يحتاج إلى بذل شيء من الجهد، لكي يعلم وجهة نظر كل مذهب في الضابط الذي وضعه في تأصيل مذهبه، فضوابط الفقه الإباضي مثلا ً : يرجع الباحث فيها إلى كتبهم أولا ً ، ثم يرجع إلى كتب غيرهم ليعرف وجوه الاتفاق والافتراق بين هؤلاء وألئك، ثم يرجح ما يراه راجحا ً بالدليل(١) . كما حاول الباحث محمد الروكي أن يخفف من حدة هذا الإشكال ويبين أنه من الصعب التفريق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي، ولذلك لا داعي لإثارة هذا الخلاف، ولا مانع أن يطلق أحدها على الآخر، ولا مشاحة في ّ والخروج من » : الاصطلاح، والعبرة بالمعنى لا باللفظ، ومما جاء في اعتراضه هذا الإشكال والحيرة في التفريق أو عدم التفريق بين القاعدة الفقهية والضابط ِ الفقهي يجرنا إلى الحديث عن أنواع القاعدة الفقهية، وهل فعلا ً للقاعدة الفقهية أنواع منضبطة ومحددة أم لا؟ فالناظر في هذه الثروة الضخمة من القواعد الفقهية يجد أنها أنواع كثيرة ِ جد ّ ا ً : فمن حيث مضمونها وتفاوت بعضها فيه مع البعض الآخر نجد أن ،« المشقة تجلب التيسي ر » : منها ما يشمل معظم الفروع الفقهية، مثل قاعدة ومنها ما يشمل جزءا كبيرا ً إذا زالت » : من هذه الفروع والجزئيات مثل قاعدة ً إذا زال المانع عاد الممتنع » و ،« العلة زال الحك م « وغيرها، ومنها ما يشمل قسما ً كاملا ً من الأقسام الكبرى للفقه كقسم العبادات مثلا ً ومن قواعد هذا النوع قول بعض الفقهاء : ومنها ما يشمل جزءا من ،« لا قياس في العبادا ت » ً أحد هذه الأقسام، كقواعد العقود، وقواعد الملك، وقواعد الحق، وقواعد الضمان وغير ذلك، ومنها ما يشمل جزءا أضيق من ذلك، كقواعد الحدود، ً (١) محمد بكر إسماعيل: القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، ط ١، دار المنار، . ١٤١٧ ه/ ١٩٩٧ م، ص ١٠ وقواعد الإرث وغيرها، ومنها ما يشمل أضيق من ذلك كقواعد الكفارة « وغيرها، وهكذا دواليك(١) . ويضيف قائلا ً مسترسلا ً في بيان أنواع وأقسام القواعد الفقهية التي ِ ومن حيث صلة » : تندرج فيها ضوابط فقهية تتصل ببعضها البعض فيقول بعضها ببعض نجد أن منها القواعد الأساسية التي هي أصل لغيرها ولا تتفرع وأن منها القواعد الفرعية التي تتفرع ،« الضرر يزا ل » : هي عن غيرها، كقاعدة عن غيرها، وتكون قيدا ً لها أو تكملة أو تفسيرا ً الضرر لا يزال » : لها، كقاعدة بالضرر « وهكذا. وانطلاقا ً من ذلك يتضح لنا أنه من الصعب حصر القاعدة الفقهية في أنواع وأصناف محدودة، لا من حيث طبيعتها، ولا من حيث مراتبها، لذلك اكتفى الفقهاء بتسميتها قواعد فقهية كلية كما عند القرافي(٢) دون وضع أنواع لها لعسر ذلك وصعوبته. ومن هنا نستطيع القول: إنه لا داعي للتفريق بين القاعدة والضابط، ما دام الضابط يمثل مرتبة من مراتب القاعدة، الل ﱠهم إلا أن يراد بالضابط ُﱠ ما دون القاعدة الكلية من التعريفات الموجزة التي تنتظم في كل منها مجموعة من الأحكام قصد التمييز بينها وبين غيرها، ولعل هذا ما يقصده أعم من جملة الضوابط » المقري في تعريفه السابق للقاعدة الفقهية بأنها .« الفقهية الخاصة والحاصل: أن الكلية معن ً ى يمثل روح القاعدة الفقهية، وركنها وماهيتها، (١) .١١٣ ، الروكي: قواعد الفقه الإسلامي، ص ١١٢(٢) القرافي: هو أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن ٰ الصنهاجي، (أبو العباس، شهاب الدين)، (ت: ٦٨٤ ه/ ١٢٨٥ م)، من علماء المالكية. له مصنفات جليلة في الفقه والأصول؛ منها: أنوار البروق في أنواء الفروق؛ الذخيرة، في فقه المالكية؛ الأجوبة الفاخرة في الرد على .٩٤/ الأسئلة الفاجرة؛... اإلخ. الزركلي، الأعلام، ١ وحقيقتها التي تقوم بها، فمتى وجدنا هذه الكلية في عبارة من العبارات الفقهية فهي قاعدة فقهية، ولا علينا حينئذ أن يسميها البعض ضابطا ً فقهيا ً ، إذ لا مشاحة ّ في الاصطلاح، والعبرة بالمعنى لا باللفظ(١) . هذا ورغم ما ق َ دمه الروكي من تعليلات منطقية لترجيح وجهة نظره بجعل الضابط مرادفا ً للقاعدة كما جرى العمل عند معظم الفقهاء المتقدمين، إلا أنه عند التأمل والنظر في مراتب القواعد الفقهية، نجد أنه لا مانع من اعتبار التفريق بين الضابط والقاعدة في الاصطلاح؛ لأن المصطلحات تتغير وتتطور بكثرة الاستعمال فقد يكون مطلقا ً في عصر فيتطور إلى مقيد، وقد يكون عاما ً فيصبح خاصا ً ، وهذا ما حدث لمصطلح الفقه، فقد كان يطلق عليه في نشأته بالفقه الأكبر والفقه الأصغر، والمراد بالمصطلح الأول العقيدة، والمصطلح الثاني الفقه العملي، ثم مع استقلال العلوم استقلت العقيدة فأصبحت فن ّا ً مستقلا ً وكذا فقه الفروع، ومع ذلك فإنني أرى من الضروري التفريق بين المصطلحين؛ لأن القواعد الفقهية والضوابط الفقهية تختلف عن بعضها البعض من عدة وجوه كما سيأتي. ٣ الفروق بين القواعد الكلية والضوابط الفقهية: ١ الفارق السابق وهو أن القاعدة الفقهية لا تقتصر على باب واحد، مثل الأمور بمقاصدها » : قاعدة « (٢) ، والضابط الفقهي يختص بباب من أبواب ما لا يصلى به لا يصلى عليه » : الفقه مثل ضابط « (٣) ، وبذلك تكون القاعدة أوسع من الضابط أفقيا ً. ّ (١) . الروكي: المرجع السابق، ص ١١٣(٢) الراشدي سفيان بن محمد: جواهر القواعد من بحر الفرائد، ص ٤٠ . السيوطي، الأشباه . ١٤٢٠ ه/ ٢٠٠١ م، المكتبة العصرية بيروت، ص ٢٢ ، والنظائر، ط ١ (٣) بكلي عبد الرحمن: ٰ ملحق القواعد والضوابط الفقهية من كتاب النيل وشفاء العليل للثميني، .٢٨٦/١ ﻂـﺑﺍﻮﻀﻟﺍ ﺔﻴﻬﻘﻔﻟﺍﻻ ﺮـﺼﺘﻘﺗ ﻰﻠﻋ ﺔﻴﻀﻘﻟﺍ ﺔﻴﻠﻜﻟﺍ ـ ﺎﻤﻛ ﺐﻫﺫﻲﻛﻭﺮﻟﺍ ـ ﺎـﻤﻧﺇﻭ ﻞﻤـﺸﺗ ﺔـﻓﺎﺿﻹﺎﺑ ﺎـﻬﻴﻟﺇ ﻒﻳﺭﺎﻌﺘﻟﺍ ﺔﻣﻼﻋﻭ ﺀﻲـﺸﻟﺍ ﺓﺰـﻴﻤﻤﻟﺍ ،ﻪﻟ ﻢﻴـﺳﺎﻘﺘﻟﺍﻭ ﻁﻭﺮـﺸﻟﺍﻭ ﺏﺎﺒـﺳﻷﺍﻭ ﺮـﻴﻏﻭ ،ﻚـﻟﺫ ﻲـﻓ ﻦـﻴﺣ ﻥﺃ ﺓﺪﻋﺎﻘﻟﺍ ﺔـﻴﻬﻘﻔﻟﺍ ﺮـﺼﺘﻘﺗ ﻰﻠﻋ ﺔﻴﻀﻘﻟﺍ ،ﺔﻴﻠﻜﻟﺍ ﻚﻟﺬﺑﻭ ﻥﻮﻜﻳ ﻂﺑﺎﻀﻟﺍ ﻊـﺳﻭﺃ ﻦﻣ(١)ً ﺓﺪﻋﺎﻘﻟﺍ ﺎﺳﺃﺭ. ٢ـ ﻥﺇ ﺔﺣﺎـﺴﻣ ﺕﺍﺀﺎﻨﺜﺘـﺳﻻﺍ ﺓﺩﺭﺍﻮـﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ﻊـﺳﻭﺃ ﺮﻴﺜﻜﺑ ﻦﻣ ﺔﺣﺎـﺴﻣً ﺕﺍﺀﺎﻨﺜﺘﺳﻻﺍ ﺓﺩﺭﺍﻮﻟﺍ ﻰﻠﻋ ؛ﻂﺑﺍﻮﻀﻟﺍ ﻥﻷ ﻂﺑﺍﻮﻀﻟﺍ ﺔﻴﻬﻘﻔﻟﺍ ﻂﺒﻀﺗ ﺎﻋﻮﺿﻮﻣ. ﺍﺪﺣﺍﻭﻼﻓ ﺮﺜﻜﺗ ﺎﻬﻴﻓﺕﺍﺀﺎﻨﺜﺘﺳﻻﺍ (٢) ٣ـ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ﺔﻴﻬﻘﻔﻟﺍ ﻍﺎﺼﺗ ﺓﺭﺎﺒﻌﺑ ﺓﺰﺟﻮﻣ ﻅﺎﻔﻟﺃﻭ ﻝﺪﺗ ﻰﻠﻋ ﻡﻮﻤﻌﻟﺍ ،ﻕﺍﺮﻐﺘﺳﻻﺍﻭ ﺎـﻣﺃ ﻂﺑﺍﻮﻀﻟﺍ ﺔﻴﻬﻘﻔﻟﺍﻼﻓ ﻁﺮﺘـﺸﻳ ﺎﻬﻴﻓ ،ﻚـﻟﺫ ﺪﻘﻓ ﻍﺎﺼﺗ ﻲﻓ ﻞﻤﺟ ﻭﺃ ﺓﺮﻘﻓ ﻭﺃ ﺮﺜﻛﺃ ﻦﻣ ﻚﻟﺫ ﺎﻤﻛ ﻮﻫ ﻆﺣﻼﻣ ﻲﻓ ﺪﻋﺍﻮﻗ ﻦﺑﺍﺐﺟﺭ ، ﻥﺈﻓ ﺎﻬﺒﻠﻏﺃ ﻂﺑﺍﻮﺿ ﺔﻴﻬﻘﻓ ﺖﺴﻴﻟﻭ ﺪﻋﺍﻮﻗ .ﺔﻴﻠﻛ ٤ـ ﻥﺇ ﺪـﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ﺔﻴﻬﻘﻔﻟﺍ ﻲﻓ ﻢﻋﻷﺍ ﺐﻠﻏﻷﺍ ﻖﻔﺘﻣ ﻰﻠﻋ ﺎﻬﻧﻮﻤﻀﻣ ﻦﻴﺑ ﺐﻫﺍﺬﻤﻟﺍ ﻭﺃ ،ﺎﻫﺮﺜﻛﺃ ﺔﺻﺎﺧ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ،ﺔﻴﺳﺎﺳﻷﺍ ﺎﻣﺃﻭ ﻂﺑﺍﻮﻀﻟﺍ ﻲﻬﻓ ﺺﺘﺨﺗ ﺐﻫﺬﻤﺑ ﻦـﻴﻌﻣ ـ ﻻﺇﺎﻣ ﺭﺪـﻧ ﻪـﻣﻮﻤﻋ ـ ﻞﺑ ﻪـﻨﻣﺎﻣ ﻥﻮﻜﻳ ﺔﻬﺟﻭ ﺮـﻈﻧ ﻪﻴﻘﻓ ﺪﺣﺍﻭ ﻲﻓ ﺐـﻫﺬﻣ ﻦﻴﻌﻣ ﺪﻗ ﻪﻔﻟﺎﺨﻳ ﻪـﻴﻓ ﺀﺎﻬﻘﻓ ﻥﻭﺮﺧﺁ ﻦﻣ ﺲﻔﻧ ،ﺐﻫﺬﻤﻟﺍ ﻦﻣﻭ ﻚﻟﺫﺎﻣ ﻩﺮﻛﺫ ﻱﺮﻜﺒﻟﺍ ﻲﻓ ﺡﺮـﺷ :ﻞﻴﻨﻟﺍ ﻥﺃ» ﻞﻜﻟ ﻡﻮﻳ ﺔﻠﻴﻟﻭ ،ﻦﻴﻤﻜﺣ ﻞﻜﻟﻭ ﺔﻠﻴﻟً ﻡﻮـﻳﻭ ﺎـﻤﻜﺣًﺍﺪـﺣﺍﻭ ﺍﺫﺇ ﺪﺤﺗﺍ ،«ﺲـﻨﺠﻟﺍ ﺢﺿﻭﻭ ﻚـﻟﺫ ﻥﺃ ﻩﺎﻨﻌﻣ ﻦﻣ ﻞﻌﻓً ﺎﺌﻴﺷًﺍﺭﺎﻬﻧً ﻢﺛ ﻩﺩﺎﻋﺃﻼﻴﻟً ﻥﺎﻛ ﻪﻠﻋﺎﻔﻛ ،ﻦﻴﻣﻮﻴﺑ ﻦﻣﻭ ﻪﻠﻌﻓﻼﻴﻟً ﻢﺛ ﻩﺩﺎﻋﺃﺍﺭﺎﻬﻧ. ﻥﺎﻛ ﻪﻠﻋﺎﻔﻛ ﻦﻴﺗﺮﻣ«ﻡﻮﻴﺑ (٣) ٥ـ (١) . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ٢٣(٢) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٥٢ (٣) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٢٨٩/ المرجع السابق، ١ ٦ إن المصطلحات العلمية لا تستقر على نمط معين إلا بكثرة استعمالها في المواضع المختلفة، وترددها على الألسنة، وهي دائما ً تنتقل من طور إلى طور وتتغير مع تعاقب العصور، فقد يكون الاصطلاح في فترة من الفترات فيطور إلى أخص مما كان أولا ً ، وهذا ما جرى بالنسبة للقواعد والضوابط فإنه لم يتميز الفرق بينهما تماما ً إلا في العصور المتأخرة حتى أصبحت كلمة (الضابط) اصطلاحا ً متداولا ً شائعا ً لدى الفقهاء والباحثين في الفقه الإسلامي، فأصبحوا يفرقون الآن بين الكلمتين في المجالات الفقهية، وقد أكد الفقهاء هذه الحقيقة في ندوة تطور العلوم الفقهية في ع ُ مان خلال القرن الرابع الهجري (القواعد الشرعية أنموذجا ً )، ومما جاء وقد » : في بيان وتوصيات الندوة الختامية في الفقرة السابعة منه ما نصه درست الندوة القواعد والضوابط الفقهية، وبينت أن هذين المصطلحين قد مرا بالتطور في الاستعمال؛ فبعد أن كان لا يميز بينهما كثيرا ً وصل ّ أمر كلي » : التعريف إلى نوع من الاستقرار، فعرفت القاعدة الفقهية بأنها وأما الضابط ،« أو أغلبي ينطبق على جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منه فيختلف عن القاعدة الفقهية من حيث كونه يضم فروعا ً في باب واحد، « ى(١) بينما القاعدة تجمع أبوابا شت ﱠ . k :á«dƒ°UC’G óYGƒ≤dGh á«¡≤ØdG óYGƒ≤dG :É«fÉK لا يمكن إدراك الفروق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية والعلاقة ِ التي تربط بينها إلا بمعرفة حقيقة علم الفقه وعلم أصول الفقه، فالعلمان (١) ينظر: بيان وتوجيهات ندوة تطور العلوم الفقهية في ع ُ مان خلال القرن الرابع الهجري القواعد الشرعية نموذجا ً ، المنعقدة أيام ١٢ - ١٥ من ذي القعدة ١٤٢٤ ه الموافق ٠٥ - ٠٧ يناير ٢٠٠٤ م، من تنظيم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية سلطنة عمان، وقد شاركت فيه ُ . ببحث حول علاقة القواعد الفقهية بفقه المقاصد، ص ٣ مرتبطان ارتباطا ً وثيقا ً بحيث ليكاد المرء يجزم بالوحدة بينهما، وكيف لا يكون ذلك وأحدهما أصل والآخر فرع لذلك الأصل، كأصل الشجرة وفروعها، فالأصولي ينبغي أن يكون فقيها ً ، والفقيه ينبغي أن يكون أصوليا ً ، وإلا فكيف ّ يمكنه استنباط الحكم من الدليل؟ وكيف يكون مجتهدا ً من لم يتبحر في علم الأصول؟(١) . ١ تعريف علم الفقه وعلم الأصول: أما علم الفقه: فهو علم يبحث فيه عن أحكام المسائل الفرعية المستنبطة من الأدلة التفصيلية الجزئية؛ كأحكام البيع والصلاة والنكاح والعقوبات وغيرها، وموضوعه أفعال المكلفين من حيث الحكم عليها بالوجوب أو الحرمة أو الكراهة أو الندب أو الإباحة. وأما علم أصول الفقه: فهو مجموعة القواعد التي تبين للفقيه طرق استخراج الأحكام من الأدلة الشرعية، سواء كانت تلك الطرق لفظية، كمعرفة دلالات الألفاظ الشرعية على معانيها واستنباطها منها، وطرق التوفيق بينها عند التعارض، أو كانت معنوية كاستخراج العلل من النصوص وتعميمها وبيان طرق استخراجها(٢) . فإذا أراد الأصولي أن يثبت حكما ً شرعيا ً فإنه ينظر في لفظ النص الذي ّ يريد إثبات الحكم به، كما في قوله تعالى: ﴿ nmlk ﴾ )البقرة : ( ٤٣ ، وقوله تعالى: ﴿ \[Z ﴾ (الإ س راء : ٣٢ ( ، فيجد أن ّ لفظ النص الأول من قبيل الأمر المجرد عن القرينة، ويجد أن لفظ النص الثاني من قبيل النهي المجرد أيضا ً ، ثم يستحضر ما تقرر عنده من قواعد أصولية في الأمر (١) . البورنو محمد صدقي: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص ١٩(٢) ١٨ . وينظر: عبد العزيز محمد عزام: قواعد الفقه / السالمي نور الدين: طلعة الشمس، ١ . الإسلامي، ص ١٩ المجرد فيجده يفيد الوجوب ما لم تصرفه قرينة أو صارف، والنهي المجرد يفيد التحريم ما لم يصرفه قرينة أو صارف كذلك، فيقول: ﴿ lk ﴾ )البقرة : ( ٤٣ أمر، والأمر يفيد الوجوب، فالصلاة واجبة والزكاة واجبة، وكذلك يفعل في النص الثاني فيقول: ﴿ \[Z ﴾ (الإ سراء : ٣٢ ( نهي، والنهي يفيد التحريم، فالزنا حرام، فنظر الأصولي يتركز على اللفظ دون المعنى(١) . فعلم أصول الفقه يبين أصل الشريعة في التكليفات العملية، ويرسم المناهج لتعريفها، ويحدد للفقيه المجتهد المعايير، فيسير على منهاج قويم في استنباطه للأحكام الشرعية، فهو القانون الذي يلتزمه الفقيه ليعصم به من الخطأ َ في الاستنباط(٢) . فإن الفقيه المجتهد متى كان عالما ً بأحوال الأدلة الإجمالية، مثل علمه بأن الأمر للوجوب إذا لم تقم قرينة على خلاف ذلك، وأن النهي للتحريم ما لم تقم قرينة تصرفه إلى الكراهة، استطاع أن يستنبط الأحكام للأفعال والتصرفات الصادرة من المكلف، فالمقدمة الأولى في كل من الدليلين القرآنيين السابقين يعلمها من اللغة العربية، والمقدمة الثانية في كل ّ منهما يعلمهما من الأصول، ولولا معرفته لأصول الفقه ما استطاع أن يستنبط هذين الحكمين من دليلهما، ومثل ذلك يقال في غيرهما من الأحكام(٣) . وهكذا يتضح مما تقدم أن علم الفقه وعلم أصول الفقه يشتركان في خدمة (١) .١٩/ نور الدين السالمي: المرجع نفسه، ١(٢) عزام عبد العزيز: قواعد الفقه الإسلامي، ص ٢٠ ،. زهير محمد أبو النور: أصول الفقه، .٣/١ (٣) الونشريسي أحمد بن يحيى: إيضاح المسالك في قواعد الإمام مالك، القسم الأول منه، تحقيق أحمد بوطاهر الخطابي، ط ١، مطبعة فضالة المحمدية، الرباط، ١٤٠٠ ه/ ١٩٨٠ م، ص ١١٥ . وينظر: أبو زهرة، أصول الفقه، ص ٠٨ . سعد الدين دداش، القواعد الأصولية والفقهية من كتاب الفروق، بحث تقدم به لنيل درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله من جامعة .٥٥/ الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة الجزائر، ١ الفقه الإسلامي، وفي الكشف عن الحكم الشرعي لكثير من الأفعال والتصرفات، وقد أكد الزنجاني(١) لا يخفى عليك أن الفروع دائما » : هذه الحقيقة فقال ً تنبني على الأصول، وأن من لا يفهم كيفية الاستنباط ولا يهتدي إلى وجه الارتباط بين أحكام الفروع وأدلتها التي هي أصول الفقه لا يتسع له المجال، ولا يمكنه التفريع عليها بحال، فإن المسائل الفرعية على اتساعها وبعد غايتها لها أصول ُ «(٢) معلومة وأوضاع منظومة، فمن لم يعرف أصولها لم يحط بها علما ً . ومع ذلك يمكن أن يقال: إن علم الفقه وعلم أصول الفقه متمايزان، فأحدهما مستقل عن الآخر من حيث موضوعه، واستمداده، وثمرته، والغاية من دراسته(٣) ، وبالتالي فإن قواعد كل علم منهما تتميز في قواعد الآخر تبعا ً ِ لتمايز موضوعي العلمين؛ فموضوع علم أصول الفقه: هو أدلة الفقه الإجمالية َ ْ والأحكام الشرعية وما يعرض لكل منهما، وكيفية استنباط الحكم الكلي من الدليل الكلي(٤) . وأما موضوع علم الفقه: فهو أفعال المكلفين وما يستحقه كل فعل من حكم شرعي عملي، وبالتالي فإن قواعد علم أصول الفقه تفترق وتتميز عن قواعد علم الفقه رغم التشابه الظاهر بينهما باعتبار أن كلا ّ ً منهما قواعد تندرج تحتها جزئيات كما صرح بذلك الزنجاني(٥) . (١) الزنجاني: هو محمود بن أحمد بن محمود، (أبو المناقب شهاب الدين)، (و: ٥٧٣ ه/ ١١٧٧ م ٦٥٦ ه/ ١٢٥٨ م)، لغوي، من فقهاء الشافعية. ولي في بغداد نيابة قضاء القضاة، وعزل. وصنف: ترويح الأرواح في تهذيب الصحاح للجوهري؛ تخريج الفروع على .١٦١/ الأصول؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٧(٢) . ١٩٨٤ م، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص ٣٤ ، الزنجاني محمود: تخريج الفروع على الأصول، ط ٥(٣) . المسعودي زهران: ابن بركة ودوره الفقهي، ص ١٠٤ . البورنو محمد، الوجيز، ص ١٩(٤) . عزام عبد العزيز: قواعد الفقه، ص ٢٠ . الروكي محمد، قواعد الفقه، ص ١١٧(٥) الزنجاني شهاب الدين محمود: تخريج الفروع على الأصول، تقديم، محمد سلام مذكور، . ١٤٠٧ ه مؤسسة الرسالة، سوريا، ص ٣٤ ، تحقيق محمد أديب الصالح، ط ٥ ولعل أول من فرق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية وميز بينهما ّّ الإمام شهاب الدين القرافي المالكي(١) حيث قال: ،« كتاب الفروق » في مقدمة أما بعد فإن الشريعة المحمدية زاد الله منارها شرفا » ً وعلوا ً اشتملت على أصول ُّ وفروع، وأصولها قسمان: أحدهما: المسمى بأصول الفقه، وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو: الأمر للوجو ب، والنهي للتحري م، والصيغة الخاصة للعموم، ونحو ذلك، وما خرج عن هذا النمط إلا أن كون القياس حجة، وخبر الواحد، صفات المجتهدين. والقسم ا لثاني: قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل ُ «... الإجمال فيبقى تفصيله لم يتحصل(٢) . إن القاعدة ليست مستوعبة في أصول » : ونوه بها في موضع آخر بقوله ّ الفقه بل للشريعة قواعد كثيرة جد ّ ا ً عند أئمة الفتوى والفقهاء، لا توجد في «(٣) كتب أصول الفقه أصلا ً . ٢ الفروق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية: وإذا كانت القواعد الفقهية والأصولية تشتركان في هذا القدر من الخصائص فإننا بعد التدقيق في مسالكهما وطرائق تكوين كل منهما نجدهما تختلفان من عدة وجوه وهي: (١) الإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي المعروف بالقرافي، من علماء المالكية ولد ونشأ وتوفي بالقاهرة سنة ( ٦٨٤ ه) كان بارعا ً في كثير من العلوم والفنون، له ٩٤/ الفروق، والأحكام، والذخيرة وغيرها، ينظر: الأعلام، الزركلي، ١ - ٩٥ ، مختصرا. (٢) .٣ ،٢/ القرافي: الفروق، ١(٣) .١٢٤/ ١١٠ . تهذيب الفروق، محمد حسين المالكي، ٢ / القرافي: المرجع السابق، ٢ الأول : القواعد الأصولية ناشئة ومستمدة في معظمها عن الألفاظ العربية، وما يعرض لها من نسخ وترجيح، وعموم وخصوص، وأمر ونهي، ومن علم الكلام، وتصور الأحكام وغير ذلك(١) ، في حين أن القواعد الفقهية نشأت من الاستقراء، ّ وذلك بتتبع الأحكام الواقعة على أفعال المكلفين في الفقه، وبذلك اجتمعت الأشباه مع أشباهها والنظائر مع نظائرها في قاعدة واحدة(٢) . فهي قواعد استقرائية قياسية ومستمدة من الأدلة الشرعية، تسهل على الفقيه جمع شتات الفروع والجزئيات(٣) . ّ الثاني: القواعد الفقهية متأخرة في وجودها الذهني والواقعي عن الفروع الفقهية والجزئيات؛ لأنها جمع لأشتاتها وربط بينها وجمع لمعانيها، فهي ٌ مجموعة الضوابط التي تجمع الأحكام المتشابهة والروابط التي تربط بين المسائل الجزئية، أما القواعد الأصولية: فالفرق الذهني يقتضي وجودها قبل الفروع؛ لأنها القيود التي أخذ الفقيه نفسه بها عند الاستنباط، ككون ما في القرآن مقد ّ ما ً على ما جاءت به السن ﱠ ة، وأن نصالقرآن أقوى من ظاهره، وغير ﱡّ ذلك من مسالك الاجتهاد، وهذه سابقة في وجودها على استنباط الفروع بالفعل، وكون هذه الأصول كشفت عنها الفروع ليس دليلا على أن الفروع متقدمة عليها، بل هي في الوجود سابقة والفروع لها دالة كاشفة، كما يدل المولود على والده، وكما تدل الثمرة على الغراس، وكما يدل الزرع على نوع البذور(٤) . (١) ٢٥ نقلا / ذكر ذلك تقي الدين الحصني في كتاب القواعد، ١ ً عن بعض علماء الأصول: ينظر: ،٣٢/ ٢٩ ، ومختصر المنتهى، لابن الحاجب، ١ / الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ١ .٤٨/ وشرح الكوكب المنير، للفتوحي، ١(٢) البرهاني محمد مسلم: سد الذرائع في الشريعة الإسلامية، ص ٥٦ . شبير محمد عثمان، القواعد الكلية، ص ٢٨ . إسماعيل علوان القواعد الفقهية الخمس الكبرى والقواعد . ١٤٢٠ ه/ ٢٠٠٠ م، دار ابن الجوزي السعودية، ص ٣١ ، المندرجة تحتها، ط ١ (٣) . الروكي: قواعد الفقه، ص ١١٩(٤) ٢٥ . محمد أبو زهرة: مالك وآراءه الفقهية، ط دار / الحصني تقي الدين: كتاب القواعد، ١ الفكر العربي القاهرة، ص ٢٣٦ - .١٢٠ ، ٢٣٧ . وينظر: الروكي المرجع السابق، ص ١١٩ الثالث : القواعد الأصولية أكثر اطرادا ً وعموما ً ، واستثناءاتها قليلة لا تكاد تذكر، فهي قواعد كلية تنطبق على جميع جزئياتها وموضوعاتها، أما القواعد الفقهية فهي كما تقدم قواعد أغلبية يكون الحكم فيها على أغلب الجزئيات، ويكون لها المستثنيات في حالات خاصة تختلف فيها بعض جزئياتها(١) بالرغم من الاتفاق على مضمون كثير منها، نجدها يستثنى من كل منها مسائل تخالف حكم القاعدة بسبب من الأسباب؛ كالاستثناء بالنص والإجماع، أو الضرورة، أو غير ذلك من أسباب الاستثناء(٢) . الرابع: إن علم أصول الفقه بالنسبة للفقه ميزان وضابط للاستنباط الصحيح من غيره، شأنه في ذلك شأن علم النحو لضبط النطق والكتابة، وقواعد هذا الفن هي وسط بين الأدلة والأحكام، فهي التي يستنبط بها الحكم من الدليل التفصيلي، وموضوعها دائما ً الدليل والحكم، كقولك: الأمر للوجو ب، والنهي للتحري م، والواجب المخير يخرج المكلف عن العهدة فيه ّ ِ بفعل واحد مما خ ُير في ه، والحكم يدور مع علته وجودا ً وعدما ً ، إلى آخر ﱢ ما هنالك من القواعد التي يلتزمها المجتهد عند استنباط الأحكام وتقريرها(٣) . أما القواعد الفقهية فهي قضايا كلية أو أكثرية، جزئياتها بعض مسائل الفقه، وموضوعها دائما ً هو فعل المكلف(٤) . الخامس : القواعد الأصولية في حقيقتها قواعد استدلالية، يلتزمها الفقيه ليعصم بها عن الخطأ في الاستنباط، فهو يرجع إليها لاستنباط التخريج (١) البورنو: الوجيز، ص ٢١ . ينظر: إسماعيل بن حسن بن محمد علوان: القواعد الفقهية الخمس . الكبرى، ص ٣٠(٢) . البورنو: الوجيز، ص ٢١(٣) الندوي: القواعد الفقهية، ص ٥٩ . محمد بكر إسماعيل: القواعد الفقهية بين الأصالة . والتوجيه، ص ١٣(٤) الندوي: المرجع نفسه. محمد بكر: المرجع نفسه. والتفريع، بحثا ً عن الأحكام الشرعية لما يستجد من الوقائع والأحداث، مثل: قاعدة: النهي المطلق يفيد التحري م، فهي تعين الفقيه في اكتشاف الحكم الشرعي، وليست هي ذات الحكم ولا تعبر عنه، في حين أن القواعد الفقهية الأمور بمقاصدها » : تعبر عن حكم شرعي كلي، مثل: قاعدة « فهي تتضمن ﱢ حكما ً شرعيا ً كليا ً يندرج تحته الكثير من الجزئيات التي يتحقق فيها موضوع ّ الكلي العام أو مناطه، ولذلك نجد الفقيه يرجع إليها لاستحضار المسائل الفقهية المتشعبة المبثوثة في أبواب الفقه، وكذلك المتعلم فهي توفر لهما الوقت وتغنيهما عن البحث الطويل في بطون الكتب، فالرجوع إليها أيسر من الرجوع إلى حكم كل مسألة على حدة(١) . السادس : القواعد الأصولية لها من الحجية والقوة بحيث يمكن الاستناد إليها في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، أما القواعد الفقهية فلا يصح الاعتماد عليها وحدها لبيان الحكم الشرعي إلا إذا كانت تستند إلى ،« الخراج بالضما ن » و ،« لا ضرر ولا ضرا ر » : دليل شرعي يعضدها، مثل الأمور بمقاصدها » و « فإنها حجة؛ لأنها تستند إلى نصوص شرعية، ومن ث َم ّ فلا يكفي أن يقتصر عليها المفتي أو القاضي في استخراج الأحكام الشرعية لما يعرض عليه من النوازل والخصومات، بل لا بد من الرجوع إلى النصوص الشرعية، واستنباطها في ضوء القواعد الأصولية لشموليتها وقوتها في الاستيعاب والاحتواء(٢) ، ولأجل ذلك نبهت مجلة الأحكام العدلية العثمانية ّ على أن القواعد الفقهية الكلية إنما هي دساتير تفقيه وليست نصوصا ً للقضاء(٣) . (١) الروكي: قواعد الفقه، ص ١٢٠ . محمد شبير: القواعد الكلية، ص ٢٩ . محمد الزحيلي: بحث القواعد الفقهية منشور في مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي، مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، السعودية، العدد ٦، ص ١١ - .٤١ (٢) .٣٠ ، الروكي: قواعد الفقه، ص ١٢٠ . محمد شبير: المرجع نفسه، ص ٢٩(٣) .٩٤٩/ الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي العام، ٢ ِ وهذا وقد أرجع البعض عدم حجيتها إلى كون القواعد الفقهية أغلبية ت َرد ْ عليها الاستثناءات، وأن بعضها مما اختلف الفقهاء فيه؛ لأنها تستند إلى دليل ظني(١) ، وسوف نبحث هذا الأمر لاحقا ً عند الحديث عن حجية القواعد الفقهية وحكم الاستدلال بها. السابع : القواعد الأصولية لا يفهم منها أسرار الشرع ولا حكمته(٢) ، في حين أن القواعد الفقهية يفهم منها ذلك كما نبه القرافي إلى ذلك(٣) ؛ لأن ّ القواعد الأصولية تركز على جانب الاستنباط، وتلاحظ جوانب التعارض والترجيح وما شابه ذلك من القواعد ليس فيها شيء من ملاحظة مقاصد الشارع، أما القواعد الفقهية فهي مشتقة من الفروع والجزئيات المتعددة بمعرفة الرابط بينها ومعرفة المقاصد الشرعية التي دعت إليها(٤) . الثامن : القواعد الأصولية موضوعها الأحكام الشرعية والأدلة السمعية النقلية، أو أعراض الأدلة؛ كصيغة الأمر يفيد الوجوب إذا لم يصرفها عنه صار ف، أو المخصوص حجة ظنية وغير ذلك، أما القواعد الفقهية فموضوعها دائما ً فعل المكلف سواء كان فعلا أو قولا، كعقد المكلف ونيته(٥) . (١) . محمد شبير: القواعد الكلية، ص ٣٠ . الندوي علي أحمد: القواعد الفقهية، ص ٢٩٥ (٢) ذكر الباحث أبو بكر لشهب عكس ذلك، فهو يرى أن معظم القواعد الأصولية قادمة لحكمة ومقصد من يحكم، ومقاصد الشريعة في الوقت ذاته تدور حول محور استناد الأحكام من ألفاظ الشارع... يراجع: قوله في مجلة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية في مقال بعنوان زاد القاضي والمفتي والقواعد الفقهية والضوابط الأصولية، العدد ١٢ ص ١٤٧ . لأن كلامه يتناقض مع حقيقة القواعد الأصولية وما ذهب إليه بعض الفقهاء المحققين مثل الشيخ . محمد الطاهر بن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة، ص ٠٦ (٣) .٢/ القرافي: الفروق، ١(٤) . ابن عاشور محمد الطاهر: مقاصد الشريعة، ص ٠٦(٥) . محمد شبير: المرجع السابق، ص ٣٠ . عبد العزيز عزام: قواعد الفقه الإسلامي، ص ٢١ ١٤٠٧ ه/ ١٩٨٧ م، ، الوائلي محمد: القواعد الفقهية، تاريخها وأثرها في الفقه، ط ١ . ص ١١٣ التاسع : إن قواعد الأصول محصورة في أبواب الأصول ومواضعه ومسائله، وأما قواعد الفقه فهي ليست محصورة أو محدودة العدد بل هي كثيرة جد ّ ا ً منثورة في كتب الفقه العام والفتوى عند جميع المذاهب، ولم تجمع لحد الآن في إطار واحد خاصة في المذهب الإباض ي، ولعل هذا النقص من الدوافع التي حفزتني لبحث هذا الموضوع ودراسته دراسة علمية جادة، لاستخراج هذه القواعد وتصنيفها كما هو موجود عند المذاهب الفقهية الأخرى(١) . العاشر : القواعد الأصولية تندرج تحتها جملة من الأدلة الإجمالية، فهي ذريعة يتوصل بها لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها، وبهذا تتميز القواعد الفقهية عنها؛ لأنها عبارة عن مجموعة الأحكام المتشابهة التي ترجع إلى نص شرعي، كآية قرآنية أو حديث نبوي، أو إلى علة واحدة تجمعها، أو ضابط فقهي يحيط بها وينظمها، أو إلى قياس واحد يربطها، والغرض منها تفريق المسائل الفقهية وتسهيلها للفقيه والمتعلم(٢) . الحادي عشر : ومن جهة توق ﱡ ف كل منهما على الأخرى واستنتاجها، ُ فالقاعدة الأصولية لا يتوقف استنتاجها والتعرف عليها على قاعدة فقهية، بخلاف العكس، فإن القاعدة الفقهية استنتاجها على القاعدة الأصولية(٣) . هذا ومع وضوح الفروق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، فقد ِ نجد قواعد مشتركة بين العل ْ مين متداخلة أو متراوحة بينهما، لكن تختلف فيها (١) . البورنو: الوجيز، ص ٢٠(٢) ٢٣/ السالمي: طلعة الشمس، ١ - ٢٤ . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٥٩ - ٦٠ . الوائلي: القواعد الفقهية، ص ١٣ . إسماعيل علوان: القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ٣٠ . زهران المسعودي: ابن بركة السلمي ودوره الفقهي، ص ١٤١(٣) الحكيم تقي الدين: الأصول العامة للفقه المقارن، ص ٤٣ . الحصني تقي الدين: كتاب .٢٦/ القواعد، ١ زاوية النظر، حيث إن القاعدة الأصولية ينظر إليها من حيث كونها دليلا ً إجماليا ً ّ يستنبط منه حكم كلي، والقاعدة الفقهية ينظر إليها من حيث كونها حكما ً جزئيا ً ّ لفعل من أفعال المكلفين. فمثلا ً : الاجتهاد لا ينقض بمثله أو بالاجتهاد » : قاعدة « ينظر إليها الأصولي من حيث كونها دليلا ً يعتمد عليه في بيان عدم جواز نقض أحكام القضاة وفتاوى المفتين إذا تعلقت بها الأحكام على سبيل العموم والإجمال. وينظر إليها الفقيه من حيث تعليل فعل من أفعال المكلفين، فيبين حكمه ُّ من خلالها، فإذا حكم حاكم أو قاض بنقض حكم في مسألة مجتهد فيها َ كالخلع، هل هو فسخ للعقد أم طلاق؟ وقد كان حكم حاكم في مسألة بعينها ،« الاجتهاد لا ينقض بمثل ه » بأن الخلع طلاق، فيقال له: لا يجوز ذلك؛ لأن ولكن لك في مسألة أخرى متشابهة أن تحكم فيها باجتهادك لا أن تنقض حكمك إن حكم غيرك في مسالة اجتهادية لا نصية(١) . ومثله أيضا ً : سد الذرائع والعرف، فإذا نظر إليها باعتبار أن ّ موضوعها دليل شرعي كانت قاعدة أصولية، وإذا نظر إليها باعتبار كونها فعلا ً للمكلف، كانت فقهية؛ كسد الذرائع إذا قيل: كل مباح أدى فعله إلى حرام، أو أدى الإتيان به إلى حرام فهو حرام سد ّ ا ً للذريعة، كانت القاعدة فقهية، وإذا قيل: الدليل المثبت للحرام مثبت لتحريم ما أدى إلي ه، كانت القاعدة أصولية(٢) . وفي العرف: إذا فسر بالإجماع العملي أو المصلحة المرسلة كانت قاعدة ُ أصولية، وإذا فسر بالقول الذي غلب في معنى معين، أو بالفعل الذي غلب على الإتيان به كانت قاعدة فقهية(٣) . ولعل هذا التفصيل يعطينا فكرة واضحة وكاملة عن الموضوع ويكشف الفروق الأساسية بين المصطلحين. (١) .٢٢ - البورنو: الوجيز، ص ٢١(٢) الروكي: نظرية التقعيد الفقهي، ص ٦٦ . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٦١ - .٦٢ (٣) . الروكي: قواعد الفقه، ص ١٢٠ هذا ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى خاصية تشترك فيها القواعد الأصولية والفقهية وهي: عدم اتفاق الفقهاء عليها عموما ً ، وقد أشار إلى ذلك بعض ِِ الباحثين المعاصرين بعد عرضه لأهم الفروق التي تميز بين العلمين أن كثيرا ً من القواعد الأصولية والفقهية هي محل خلاف بين الفقهاء والأصوليي ن، وقد انبنى على ذلك اختلافهم في الفروع المندرجة فيها، ومن ث َ م اعتبرت القواعد الأصولية والقواعد الفقهية الكلية سببا ً مهما ً من أسباب الخلاف الفقهي، ظهرت آثاره ُّ وتطبيقاته في الفروع والمسائل الفقهية المبثوثة في كتب الفقهاء، ولعل هذا الجانب يعتبر من المجالات التي تلتقي فيه القواعد الأصولية والفقهية. k :á«¡≤ØdG äÉjô¶ædGh á«¡≤ØdG óYGƒ≤dG :ÉãdÉK مر الفقه الإسلامي في مسيرته التأصيلية بعدة مراحل، فقد بدأ بالفروع ّ والجزئيات التي نتجت عن الإجابات والفتاوى في المسائل والنوازل المستجدة، ثم انتقل إلى تقعيد القواعد الكلية والضوابط الفقهية، وهذا التقعيد يعتبر مرحلة ممهدة لجمع المبادئ الأساسية والنظريات العامة في الفقه الإسلامي، ولكن الظروف التي نزلت بالمسلمين أوقفت العمل الاجتهادي عند مرحلة التقعيد الفقهي، وبقي الأمر كذلك إلى أن ظهرت النهضة الفقهية في هذا العصر، فقام العلماء بصياغة نظريات فقهية عامة مثل: نظرية الملكية، ونظرية الحق، ونظرية العقد، ونظرية الصحة والبطلان، ونظرية الضمان، فما المراد بالنظريات الفقهية؟ وما العلاقة بينها وبين القواعد الفقهية؟ وما موقف الفقهاء منها؟ ١ تعريف النظريات الفقهية: النظرية في ا للغة : مشتقة من النظر، وهو تأمل الشيء بالعين، والنظري هو الذي يتوقف حصوله على نظر وكسب؛ كتصور النفس والعقل والتصديق بأن العالم حادث، ونظرية جمعها نظريات وهي: عبارة عن طائفة من الآراء ُْ النظرية جملة تصورات مؤلفة » : تفسر بها بعض الوقائع العلمية أو الفنية، وقالوا تأليفا ً عقليا ً « تهدف إلى ربط النتائج بالمقدمات(١) . ّ بأنها فرض علمي يربط عدة » : وجاء في المعجم الفلسفي تعريف النظرية قوانين بعضها ببعض ويردها إلى مبدإ واحد يمكن أن نستنبط منه حتما ً أحكاما ً « وقواعد(٢) . أما النظريات الفقهية في الاصطلاح: فقد اختلف العلماء في بيان مفهومها وبيان علاقتها بالقواعد الفقهية، فمنهم من قال بأن النظريات مرادفة للقواعد الفقهية، ومنهم من فرق بينهما واعتبر كلا ّ ً منهما علما ً مستقلا ً عن الآخر، وله ّ خصائص تميزه عنه، وبيان ذلك كما يلي: أ القائلون بالمساواة بين القواعد الفقهية والنظريات الفقهية: يرى بعض الباحثين المعاصرين في الفقه الإسلامي أن ّ النظريات الفقهية العامة مرادفة ومساوية لما يسمى بالقواعد الفقهية، فيعرفون الأولى بحقيقة ثابتة، ّ ولعل ذلك محاولة منهم للإفهام وتيسير المعنى وإيصاله إلى القارئ بالمصطلحات المعروفة اليوم(٣) . ومن ذلك: ما نجده عند محمد أبو زهرة حينما عرف القواعد ّ مجموعة الأحكام المتشابهة التي ترجع إلى قياس واحد يجمعها، » : الفقهية بأنها أو إلى ضابط فقهي يربطها، كقواعد الملكية في الشريعة، وكقواعد الضمان، وكقواعد الخيارات، وكقواعد الفسخ، وبشكل عام فهي ثمرة للأحكام الفقهية (١) نديم مرعشلي وأسامة مرعشلي، إيضاح مختار الصحاح في اللغة، ط، دت، دار الحضارة .٥٨٣ - ٥٨٠/ العربية بيروت، ٢(٢) إبراهيم مدكور وآخرون، المعجم الفلسفي، ط ١٤٠٣ ه/ ١٩٨٣ م، الهيئة العامة لشؤون . المطابع الأميرية القاهرة، ص ٢٠٢(٣) الروكي: نظرية التقعيد في الفقه الإسلامي، ص ٥٩ . ونفسه في قواعد الفقه الإسلام، . ص ١١٥ . الندوي علي أحمد، القواعد الفقهية، ص ٥٣ الجزئية المتفرقة، يجتهد فقيه مستوعب المسائل، فيربط بين هذه الجزئيات ٍ « المتفرقة برباط هو القاعدة التي يحكمها أو النظرية التي يجمعها(١) . وفي معرض بيان الفرق بين علم أصول الفقه وبين القواعد الفقهية يؤكد إنه يجب التفرقة بين علم أصول الفقه وبين » : أبو زهرة هذا المفهوم فيقول القواعد الجامعة للأحكام الجزئية، وهي التي مضمونها يصح أن يطلق عليها النظريات العامة للفقه الإسلامي... وقد التبس على بعض الباحثين الفارق « المميز بينها وبين أصول الفقه، فوجب علينا التنبه إلى ذلك الفرق(٢) . يبدو من عبارة أبي زهرة أنه قد خلط بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية، والأمثلة التي ساقها في تعريفه كلها تنطبق على النظريات الفقهية العامة لا على فأصول الفقه » : القواعد الفقهية، ويؤكد هذه التسوية في المعني قوله بعد ذلك يبنى عليها استنباط الفروع الفقهية حتى إذا تكونت المجموعات الفقهية المختلفة أمكن الربط بين فروعها، وجمع أشتاتها في قواعد عامة جامعة لهذه « الأشتات، وتلك هي النظريات الفقهية(٣) ، فقد صرح بأن القاعدة هي النظرية. ومثل ذلك ما صنعه محمد يوسف موسى الذي لم يفرق بين النظريات للفقه الإسلامي أصوله التي عرفناها، كما » الفقهية والقواعد الفقهية، ويؤكد أن له نظرياته وقواعده الكلية العامة التي قام عليها، والتي عني بها خاصة من أل ّ «... فوا في الأشباه والنظائر(٤) ومثل ذلك صنيع محمد مصطفى شلبي الذي خلط بين النظريات والقواعد وجعل مفهومهما واحدا ً ودائرتهما واحدة، يلمس ذلك في قوله وهو يتحدث وأن » : عن عدم اهتمام الفقهاء المسلمين بالنظريات الفقهية العامة ّ الفقهاء (١) . أبو زهرة محمد: أصول الفقه، ص ٠٨(٢) أبو زهرة: المرجع نفسه. (٣) نفسه. (٤) . محمد يوسف موسى: الفقه الإسلامي مدخل لدراسة نظام المعاملات، ص ٣١٩ «... المسلمين لم يدونوا الفقه على هيئة نظريات عامة وقواعد كلية(١) فقد جمع بين النظريات الفقهية والقواعد الفقهية في المفهوم وكأنهما شيء واحد. ويؤكد هذه التسوية وهذه المرادفة قوله بعد ذلك وهو يتحدث عن الفقه والفقه الأجنبي وإن كان » : الغربي ويصف رجاله باهتمامهم بالنظريات الفقهية في أول أمره ب ُ ني َ على الجزئيات إلا أن رجاله قع ّ دوه وصاغوه على هيئة (٣) «... نظريات(٢) فقد جعل التقعيد وصياغة النظريات شيئا ً واحدا ً . وقريب من ذلك: ما يمكن أن يفهم من كلام الشيخ يوسف القرضاوي حينما تحدث عن معالم تجديد الفقه الإسلامي، فقد جاء في حديثه عن المعلمة الأولى من معالم هذا التجديد ما سماه بتنظير الفقه الإسلامي، ويعني به أن تصاغ أحكام الفقه الجزئية وفروعه المتفرقة، ومسائله المنثورة في أبوابها المختلفة من كتبه في صورة نظريات كلية عامة، تصبح هي الأصول الجامعة التي تنبثق منها فروعها، وتتشعب جزئياتها المتعددة وتطبيقاتها المتنوعة، وذلك على نحو ما هو معروف في القوانين الأجنبية في مثل النظرية العامة للالتزامات، ونظرية الأهلية، ونظرية البطلان وغيرها(٤) . وقد تبع هؤلاء الباحثين في هذا الاتجاه الشيخ أحمد بوطاهر الخطابي في إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي » مقدمة تحقيقه للكتاب(٥) «(٦) . (١) . شلبي محمد مصطفى: المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي وقواعد الملكية والعقود، ص ٣٢٣(٢) . شلبي محمد مصطفى: المرجع السابق، ص ٣٢٣(٣) . الروكي: نظرية التقعيد الفقهي، ص ٦٠(٤) القرضاوي يوسف: الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد،. ط ١، دار الصحوة للنشر القاهرة، .٢٩ - ١٤٠٦ ه/ ١٩٨٦ م، ص ٢٨(٥) الونشريسي: هو أحمد بن يحيى بن محمد التلمساني، (أبو العباس)، (و: ٨٣٤ ه/ ١٤٣٠ م ٩١٤ ه/ ١٥٠٨ م)، فقيه مالكي، أخذ عن علماء تلمسان. من كتبه: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك؛ المعيار المعرب عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس وبلاد المغرب؛ الولايات في .٢٦٩/ مناصب الحكومة الإسلامية والخطط الشرعية؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ١(٦) . الونشريسي أحمد بن يحيى: إيضاح المسالك في قواعد الإمام مالك، ص ١١١ ب القائلون بالتفريق بين القواعد الفقهية والنظريات الفقهية:  ذهب كثير من العلماء المعاصرين إلى التفريق بين القواعد الفقهية والنظريات الفقهية، ولعل من أشهر من عرف النظريات الفقهية وأوضح من ّ كتب فيها واطلعنا عليه في هذا الشأن هو الشيخ مصطفى الزرقا إذ يقول في َ نريد بالنظريات الفقهية الأساسية: تلك الدساتير والمفاهيم الكبرى » : تعريفها التي يؤلف كل منها على حدة نظاما ً حقوقيا ً موضوعيا ً منبثا ً في الفقه ّّ الإسلامي، كانبثاث أقسام الجملة العصبية في نواحي الجسم الإنساني، وتحكم عناصر ذلك النظام في كل ما يتصل بموضوعه من شعب الأحكام، وذلك كفكرة الملكية وأسبابها، وفكرة العقد وقواعده ونتائجه، وفكرة الأهلية وأنواعها ومراحلها وعوارضها، وفكرة النيابة وأقسامها، وفكرة البطلان والفساد والتوقف، وفكرة التعليق والتقييد والإضافة في التصرف القولي، وفكرة الضمان وأسبابه وأنواعه، وفكرة العرف وسلطانه على تحديد ُ الالتزامات، إلى غير ذلك من النظريات الكبرى التي يقوم على أساسها صرح الفقه بكامله، ويصادف الإنسان أثر سلطانه في حلول جميع المسائل « والحوادث الفقهية(١) . ولعل من أبرز ما يلاحظ على تعريف الشيخ الزرقا أنه استطاع أن يقدم تصويرا ً سليما ً ودقيقا ً للمراد بالنظرية عند رجال القانون، وإن كان على خلاف ما تقتضيه الأصول المنطقية للتعريفات، وفيه من الاتساع ما يشمل الموضوعات الأصولية، والموضوعات الجزئية الصغيرة الداخلة في إطار ما هو أوسع منها(٢) .  وقد طرح أحمد فهمي أبو سنة تعريفا ً القاعدة » للنظرية الفقهية فقال: إنها (١) .٢٣٥/١ ،( الزرقا مصطفى أحمد: المدخل الفقهي العام فقرة ( ٩٩(٢) . الباحسين يعقوب: القواعد الفقهية، ص ١٤٦ الكبرى التي موضوعها ك ُ ل ّ ي تحته موضوعات متشابهة في الأركان والشروط، « والأحكام العامة؛ كنظرية الملك، ونظرية العقد، ونظرية البطلان(١) . ويؤخذ على تعريف الشيخ أبي سنة أنه لم يميز القواعد الفقهية من النظريات، فتعريفه تدخل فيه القواعد الفقهية أيضا ً أو بعضها على أقل تقدير، وقد عرفنا أن القواعد لا بد أن يكون موضوعها كليا ً ، وأن ّ أكثرها يدخل تحت ّ موضوعه موضوعات متشابهة مما أشار إليه الشيخ.  موضوعات فقهية، أو موضوع يشتمل على » وعرفها علي الندوي بأنها ّ مسائل فقهية أو قضايا فقهية، حقيقتها أركان وشروط وأحكام، تقوم بين كل «(٢) منها صلة فقهية، تجمعها وحدة موضوعية، تحكم هذه العناصر جميعا ً . ويظهر من تعريفه تأثر واضح بتعريف الزرقا وأبي سن ّ ة في جوانب عدة، ٌُ كبيان حقيقة النظرية، وصلة عناصرها ببعضها.  الفقه الإسلامي » : وممن عرف النظريات الفقهية وهبة الزحيلي في كتابه ّ النظرية: معناها المفهوم العام الذي يؤلف نظاما » : يقول فيه « وأدلته ً حقوقيا ً ّ موضوعيا ً تنطوي تحته جزئيات، موزعة في أبواب الفقه المختلفة، كنظرية ّ « الحق، ونظرية الملكية(٣) . وهناك تعريفات أخرى للنظرية الفقهية حاول أصحابها أن يقدموا تعريفا ً يميز النظرية عن القاعدة قريبة من التعريفات المتقدمة أعرضنا عن ذكرها خوفا ً من الإطالة والإطناب(٤) . (١) أبو سنة أحمد فهمي: النظريات العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية، مطبعة دار التأليف مصر ط، .١٠٩/ ١٣٨٦ ه/ ١٩٦٧ م، ص ٤٤ . أحمد بن عبد الله بن حميد: محقق كتاب القواعد للمقري، ١(٢) . الندوي علي أحمد: القواعد الفقهية، ص ٦٣(٣) ٧. وبهذا التعريف مع تغيير يسير أورد محمد / الزحيلي وهبة: الفقه الإسلامي وأدلته، ٤ . الدسوقي، وأمينة الجابر في كتابهما: مقدمة في دراسة الفقه الإسلامي، ص ٢٢(٤) الحصري أحمد محمد: القواعد الفقهية للفقه الإسلامي، مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة، = مما سبق يتضح أن النظرية الفقهية هي عبارة عن نظام عام لموضوع فقهي خاص، تنطوي تحته مسائل وفروع فقهية عديدة، تتعلق بتعريف الموضوع وبيان مقوماته من أركان وشروط وفروع فقهية، وبيان آثاره وتحديد أسباب نهايته وغير ذلك(١) . الرأي المختار: والحق أن القاعدة الفقهية ليست مرادفة للنظرية الفقهية بل هي مختلفة عنها، ولكن هذا لا يعني حصول التنافر بينهما، فالقاعدة الفقهية كما هي حكم شرعي مستنبط من أحد المصادر الشرعية بطرق الاستنباط المعروفة في علم أصول الفقه، إلا أنه كلي لا جزئي، أما النظرية الفقهية فليست حكما ً مستنبطا ً ، وإنما هي دراسة ينتهي فيها الفقه إلى الجمع بين جملة من الموضوعات والأحكام والبحوث الفقهية التي ت ُ كون بمجموعها فكرة واحدة متكاملة الأجزاء(٢) ، وقد ّ تقدم أن بعض الباحثين المعاصرين يسوي بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية َّ العامة، محاولة منهم لتقريب المعاني الفقهية وتبسيطها للدارسين، ونحن لا ننازعهم في الاصطلاح إذا أرادوا بهذه التسوية نوعا من العموم الذي يجمع بين القاعدة والنظرية، وإنما نريد أن نؤكد على ضرورة المحافظة على روح القاعدة الفقهية وماهيتها ومعناها العلمي الذي تقدم، ولا يكون ذلك إلا بالتفريق بينها وبين النظرية الفقهية(٣) ، ولذلك فأنا أميل إلى ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني من التفريق بينهما وإن اشتركتا في أن ّ ك ُ لا ّ ً منهما يشتمل على فروع فقهية من أبواب مختلفة، إلا أنهما يفترقان من عدة وجوه. = ط، ١٤١٣ ه/ ١٩٩٣ م، ص ٢٢ . فقد نسب تعريفه إلى جمال الدين محمد عطوة في كتابه الموجز في القواعد الفقهية، ص ٧ - . ٩. وينظر: جمال الدين عطية، التنظير الفقهي، ص ٠٩ (١) . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص ٢٥ (٢) .٦١ - الروكي: نظرية التقعيد، ص ٦٠(٣) . الروكي: المرجع نفسه، ص ١١٥ ٢ الفروق بين النظريات الفقهية والقواعد الفقهية: الأول: النظرية الفقهية أكثر اتساعا ً وشمولا ً من القاعدة الفقهية؛ لأن النظرية قد يندرج تحتها كثير من القواعد الكلية والضوابط الفقهية ذات الصلة بموضوع النظرية؛ كنظرية التعسف في استعمال الحق يدخل فيها كثير درء المفاسد مقدم على جلب » و ،« الضرر يزا ل » : من القواعد الفقهية، مثل ،« إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهم ا » و ،« المصال ح وغير ذلك. غير أن القاعدة الفقهية قد تكون في بعض الأحيان أعم من النظرية الفقهية ّ الأمور » : من وجه آخر، فقد تكون ذات صلة بعدة نظريات فقهية، كقاعدة فهي تتصل بعدة نظريات؛ كنظرية العقد، ونظرية الملكية، ونظرية ،« بمقاصده ا المؤيدات الشرعية، وغير ذلك، فتكون العلاقة بين النظرية والقاعدة: العموم والخصوص الوجهي(١) ؛ لأن القاعدة لا تتقيد بموضوع ولا باب معين، فالنظرية حين يكون موضوعها العقد أو الملكية فلا يدخل فيها ما يتعلق بالعبادات، أو غير ذلك ما لا صلة له بالنظرية(٢) . الثاني : النظرية الفقهية تتضمن في الغالب المقومات الأساسية من أركان وشروط وضوابط، وهذا ما لا تتضمنه كثير من القواعد الفقهية(٣) . الثالث : النظرية الفقهية لا تتضمن حكما ً فقهيا ً في ذاتها؛ لأنها مجرد هيكل علمي ينتظم مجموعة من القضايا المتجانسة في إطار ذلك الهيكل، كنظرية الملكية، والفسخ والبطلان، في حين أن القاعدة الفقهية تتضمن حكما ً فقهيا ً في ذاتها، ويستند ذلك الحكم إلى أدلة شرعية من الكتاب، أو السن ﱠ ة، أو ّﱡ (١) .٢٦ ، شبير محمد: المرجع السابق، ص ٢٥(٢) . الباحسين يعقوب: القواعد الفقهية، ص ١٥٠(٣) . شبير: المرجع السابق، ص ٢٦ . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٥٦ القياس، أو غير ذلك، وهذا الحكم الذي تتضمنه القاعدة ينتقل إلى الفروع اليقين لا يزول بالشك » : المندرجة تحتها، فقاعدة « تضمنت حكما ً فقهيا ً في كل ُّ مسألة اجتمع فيها يقين وشك(١) . الرابع : النظرية الفقهية تصاغ على شكل بحث أو كتاب مطول، فهي ّ تشمل جانبا ً واسعا ً من الفقه الإسلامي، مباحثه تشكل دراسة موضوعية مستقلة لذلك الجانب، في حين أن القاعدة الفقهية تصاغ بعبارة موجزة دقيقة، وذلك لعموم معناها، وسعة استيعابها للفروع الجزئية من أبواب مختلفة(٢) . الخامس : القاعدة الفقهية تحمل في عناصرها معنى التقعيد والتأصيل، ِ فهي كالسلسلة التي ت ُ ربط بها حلقاتها ارتباطا ً طبيعيا ً ، أو كالعقد الذي تنتظم في ّ خيطه حباته انتظاما ً يكون صورته الكلية، أو هي كآلة تدور حولها أجزاؤها ُّ وتوابعها دورانا ً آليا ً ، أما النظرية الفقهية العامة فهي تتكون بواسطة تجريد ّ أبواب الفقه الإسلامي وفصوله وموضوعاته، ثم تصنيف ذلك كله تصنيفا ً تنتظم به كل مجموعة أو مجموعات من القضايا المتجانسة والمتشابكة في إطار كبير واحد يجمعها، فالنظريات إذا ً هي بمثابة الوحدات الكبرى، أو المحاور الأساسية التي تدور في فل َ كها أحكام فقهية كثيرة مرتبطة ومتشابكة(٣) . السادس : النظرية الفقهية أسلوب علمي جديد للبحث الفقهي، اقتبسه الفقهاء المسلمون المحدثون من فقهاء الغرب على يد الدارسين بكليات الحقوق، الذين أخذوا يدرسون الفقه في نطاق واسع، واتصل رجاله برجال القانون وأفاد كلا الفريقين من الآخر، وأث ﱠ ر كل منهما في الآخر وتأثر به، فكان (١) شبير: القواعد الكلية، ص ٢٥ . الندوي: المرجع نفسه، ص ٥٥ - ٥٦ . أبو سنة: النظريات العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية، ص ٤٤ . وأحمد بن عبد الله بن حميد: القسم .١٠٩/ الأول الدراسة، من كتاب القواعد للمقري، النسخة المرقونة، ١ (٢) . شبير: المرجع نفسه، ص ٢٦ . الندوي: المرجع نفسه، ص ٥٧ (٣) .١١٦ - الروكي: قواعد الفقه، ص ١١٥ نتائج ذلك أن أصبح عرض المسائل والموضوعات الفقهية يخضع لنظام َْ النظريات الفقهية الحديثة(١) . أن » وقد أكد يعقوب الباحسين هذه الحقيقة التاريخية فبين ّ النظريات ﱠ الفقهية بالمعنى المشار إليه ت ُعد من الأمور المستحدثة التي اقتضتها حاجة َ الدارسين للفقه الإسلامي في كليات الحقوق والقانون الآخذة في مناهجها بطريق الحضارة الغربية، ولهذا فإننا نجد من قاموا بتدريس موضوعات الشريعة والفقه في هذه الكليات تأثروا بذلك، وتكاد كتبهم تجمع على دراسة الشريعة « الإسلامية أو ما أشبه ذلك من الأسماء التي تتصل بهذا الموضوع(٢) . ومن الأمور الثابتة أن الفقه الإسلامي عموما ً والإباضي وخصوصا ً لم تتضمن مصنفاته القديمة بحث المادة الفقهية على هيئة النظريات بالمعنى الذي ٍ ذكرناه، فلا توجد فيه نظرية عامة للعقد مثلا، ً وإنما نجده يتحدث عن كل عقد على حدة؛ كعقد البيع، وعقد الإجارة، وعلى الباحث أن يستخلص النظرية العامة للعقد من خلال استعراضه لهذه العقود المسماة عقدا ً عقدا ً ، ويستخرج الأحكام المشتركة التي تسري على الكثرة الغالبة من الفروع(٣) . (١) الروكي: نظرية التقعيد الفقهي، ص ٦١ - . ٦٢ . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٥٤ (٢) مصادر الحق في الفقه » وفي مجال الدراسات الجديدة: كتاب عبد الرزاق السنهوري، بعنوان المدخل الفقهي » ، في ستة أجزاء، وبعض دراسات مصطفى الزرقا في كتابه القيم « الإسلامي وكتابه ،« النظرية العامة لموجبات العقود » ومؤلفات صبحي محمصاني، في كتابه ،« العام لمحمد مصطفى « قواعد الملكية والعقود فيه » و ،« المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي »شلبي، ودراسات مستقلة أخرى على هذا الطراز. (٣) الندوي علي أحمد: القواعد الفقهية، الهامش، ص ٥٤ ، نقلا ً عن عبد الرزاق السنهوري عند إن الفقه الإسلامي في مراجعه القديمة لا توجد فيه نظرية » : تفصيله لنظرية العقد حيث يقول عامة للعقد بل هو يستعرض العقود المسماة عقدا ً عقدا ً ، وعلى الباحث أن يستخلص النظرية العامة للعقد من بين الأحكام المختلفة لهذه العقود المسماة، فيقف عند الأحكام المشتركة ينظر: مصادر الحق في الفقه الإسلامي « التي تسري على الكثرة الغالبة في هذه العقود .٢٠ ،١٩/ للسنهوري، مصر مطابع دار المعارف، ١٩٦٨ م، ٦ وبسبب خلو الفقه الإسلامي مما ذكرنا، نجد أكثر شيوخ العلم يميلون إلى ُّ رفض اصطلاح (نظرية) في الفقه، ويرى بعض الباحثين تعليل ذلك بأن النظرية تقوم على أساس التنظير الفكري للإنسان، فهي تمثل وجهة نظره إلى الأمور، أما الفقه فأساسه النص الشرعي أو ما استند إليه(١) ، لكن يرى غيرهم أنه عند التأمل والتدقيق في الأمر نجد أن الفقه ليس حصيلة النصوص المجردة، وإنما يجمع إلى ذلك اجتهادات العلماء في فهمها وتفسيرها، والقياس عليها، والبناء على مقاصدها، فللنظر مدخل أيضا ً ، ولهذا فإن الذي يغلب على الظن أن هذا الإنكار يعود إلى أن ّ النظرية من مصطلحات الفقه الغربي والقانون الوضعي، أو أنها من الأمور المحدثة المبتدعة لا يجوز إدخالها في منظومة الفقه الإسلامي(٢) . وقد حاول بعض الباحثين المعاصرين بيان أسباب إهمال الفقهاء المتقدمين تنظير الفقه وجمعه في نظريات عامة كما فعل الفقهاء الغربيون فذكر أن ّ هذا لا يعني أن ّ فقهاءنا القدماء أهملوا هذه النظريات قصورا ً منهم، أو لعدم استيعابهم لدائرتها، بل إهمالهم لها يرتبط أساسا ً بطبيعة الفقه الإسلامي عموما ِ والإباضي خصوصا ً ، حيث الذي نشأ فقها ً عمليا ً ، وواقعا ً تطبيقيا ً في ظل الوقائع ّّ والحوادث، مرتبطا ً بتحليل جزئيات وفق أحكامها الشرعية، على خلاف الفقه الغربي الذي يعتمد أساسا ً على التنظير والتقنين أولا ً ، ثم عرض ذلك على ّ التطبيق ثانيا ً. وإلى جانب ذلك فهناك سبب آخر هو: أن ّ التقعيد الفقهي خاضع للاستنباط وطرقه، وهو أمر قد اهتم به الفقهاء غاية الاهتمام، وتبلور ذلك في علم أصول الفقه الذي يمثل سعة وعمق العقلية الإسلامية عندهم، ويعتبر الوسيلة (١) الباحسين يعقوب: القواعد الفقهية، ص ١٤٨ . الدرعان عبد الله: المدخل للفقه الإسلامي، . ص ١٢٥(٢) الباحسين: المرجع نفسه. والمسلك الوحيد لفهم النصوص الشرعية وفقهها، فكانت حاجتهم إلى التقعيد الفقهي باعتباره ضربا ً من الاستنباط، تفرض عليهم الاهتمام به دون النظريات (١) الفقهية التي هي دراسة محضة، وليست استنباطا ً فقهيا ً . ّ ورغم أن ّ فقهاءنا لم يصنفوا الفقه الإسلامي على شكل نظريات فقهية عامة، لكن ما كتبوه من مسائل الفقه وأحكامها في إطار الأبواب والفصول، يستوعب مادة كاملة يمكن صياغة النظريات الفقهية منها، ولا يحتاج ذلك إلا إلى الجمع والتجريد مع الاستيعاب لعناصر النظرية. ٣ إمكانية إنشاء نظريات عامة من الفروع الفقهية والقواعد الكلية: ولأهمية الموضوع نتساءل كيف تنشأ النظريات الفقهية؟ إن فقهاءنا لم يعقدوا لنظرية العقد مثلا ً بابا ً أو فصلا ً يقدم تصورا ً كاملا ً عنها، لكن ذلك مبثوث بطريقة مباشرة وتطبيقية في كافة أبواب الفقه الإسلامي، فإذا رجعنا إلى ما كتبوه في العقود؛ كالبيوع، والإيجارات، والشركة، والشفعة، والقسمة، والرهن، والقرض، والهبة، والوقف، والصدقة، والنكاح، والطلاق، وسائر العقود الأخرى، استطعنا أن ن ُ كون صورة تامة وفكرة كاملة عن العقد ّ وحقيقته، وأركانه وشروطه، وصحته وبطلانه، ومجلس العقد وخيار المجلس، وموجبات الانعقاد، وموجبات اللزوم والنفاذ، وموجبات الفسخ، وما إلى ذلك من مباحث العقد الأخرى، وكل ذلك يكون دائرة واحدة هي نظرية العقد. ُّ هذا إذا رجعنا إلى ما كتبوه عن الفروع والجزئيات المرتبطة بالعقد، أما إذا نظرنا فيما دونوه في التراث الفقهي من القواعد والكليات، فإننا نقف على جملة من القواعد الفقهية التي ترسم أحكاما ً كلية لدائرة العقد ومنظومته، يمكن للفقيه من خلالها أيضا ً أن يحصل على فكرة كاملة عن نظريات العقد، ومن هذه القواعد مثلا ً: (١) . الروكي: نظرية التقعيد الفقهي، ص ٦٢ ﻁﺮﺸﻟﺍ ﻞﻃﺎﺒﻟﺍﻻ ﺮﺛﺆﻳ ﻲﻓﺪﻘﻌﻟﺍ. _ ﻩﺍﺮﻛﻹﺍ ﻞﻄﺒﻳﺪﻘـﻌﻟﺍ. _ ﺩﻮﻘﻌﻟﺍﻻ ﺖﺒﺜﺗ ﻲﻓﻢﻣﺬﻟﺍ. _ ﺎﻣ ﻮﻫ ﻦﻣ ﺐﺟﻮﻣ ﺪﻘﻌﻟﺍﻻ ﺝﺎﺘﺤﻳ ﻰﻟﺇﻪﻃﺍﺮﺘﺷﺍ. _ ﺔﻟﺎﻬﺠﻟﺍ ﻞﻄﺒﺗﺪﻘﻌﻟﺍ. _ ﻻ ﺪﻘﻋ ﻦﻣﺭﺮﻐﻟﺍ. _ ﺪﻘﻌﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻥﺎﻴﻋﻷﺍ ﺪﻘﻌﻟﺎﻛ ﻰﻠﻋﺎﻬﻌﻓﺎﻨﻣ. _ ﻲﻓ ﺔﺤﺻ ﺪﻘﻌﻟﺍ ﺲﻴﻠﻓ ﻦﻣ ﺐﺟﺍﻮﻟﺍ ﻥﺃ ﻥﺮﺘﻘﻳﻪﺑ. ًﺎﻣ ﺲﻴﻟ ﺎﻃﺮﺷ _ ﱢ. ﻉﺎﻴ ﻞﻛ ﺪﻘﻋ ﺯﺎﺟ ﻥﺃ ﻥﻮﻜﻳ ﻰﻠﻋ ﺔﻤﺴﻘﻟﺍ ﺯﺎﺟ ﻥﺃ ﻥﻮﻜﻳ ﻰﻠﻋ ﺸﻟﺍ _ ﻞﻛﺎﻣ ﺢﺼﻳ ﻩﺪﻴﺑﺄﺗ ﻦﻣ ﺩﻮﻘﻋ ﺕﺎﺿﻭﺎﻌﻤﻟﺍﻼﻓ ﺢﺼﻳ ﻪﺘﻴﻗﻮﺗ. _ ﻞﻛﺎﻣ ﻥﺎﻛ ﺪﺣﻷ ﻦﻳﺪﻗﺎﻌﺘﻤﻟﺍ ﻪﺨﺴﻓ ،ﻪﺟﻮﺑ ﻥﺎﻛ ﺮﺧﻶﻟ ﻪﺨﺴﻓ ﻞﺜﻤﺑ ﻚﻟﺫﻪﺟﻮﻟﺍ. _ ﻞﻛ ﺪﻘﻋ ﺪﺳﺎﻓ ﺩﻭﺩﺮﻣ ﻰﻟﺇﻪﺤﻴﺤﺻ. _ ﻰـﻟﺇ ﺮـﻴﻏ ﻚﻟﺫ ﻦـﻣ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ﺔـﻴﻬﻘﻔﻟﺍ ﻯﺮﺧﻷﺍ ﻲﺘﻟﺍ ﺭﻭﺪﺗ ﻲـﻓ ﻚﻠﻓ ﻉﻮﺿﻮﻣ العقد وفكرته العامة(١) . وكذلك الشأن في نظريات الإثبات في الفقه الجنائي الإسلامي تألفت من عدة عناصر، وهي المواضع التالية: حقيقة الإثبات الشهادة شروط الشهادة كيفية الشهادة الرجوع عن الشهادة مسؤولية الشاهد الإقرار القرائن الخبرة معلومات القاضي الكتابة اليمين القسامة اللعان. فهذا مثال آخر للمنهج الجديد الذي يسلكه المؤلفون في النظريات العامة في تكوينها؛ إذ كل موضوع عنصر من عناصر هذه النظرية، وتندرج تحته فصول، والرابط بينها علاقة فقهية خاصة(٢) . (١) .٦٣ - الروكي: المرجع نفسه، ص ٦٢(٢) الندوي: القواعد الفقهية، ٥٤ - .٥٥ ويمكن كذلك أن ندرج مجموعة من القواعد الفقهية التي تختلف في فروعها وجزئياتها وآثارها، ولكنها تتسم بصفة عامة ومزايا مشتركة، أو تتحد في موضوعها العام تحت نظرية معينة، وعلى سبيل المثال القواعد التالية: • العادة محكمة . .( (م/ ٣٦ • استعمال الناس حجة يجب العمل به . .( (م/ ٣٧ • لا ينكر تغير الأحكام (المبنية على المصلحة أو العرف) بتغير الزمان . .( (م/ ٣٩ • إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت . .( (م/ ٤١ • المعروف عرفا ً كالمشروط شرطا ً . .( (م/ ٤٣ • المعروف بين التجار كالمشروط بينهم . .( (م/ ٤٤ • التعيين بالعرف كالتعيين بالنص . ( (م/ ٤٥(١) . فهذه المجموعة من القواعد الفقهية المعروفة بغض النظر عن الفروع والجزئيات المختلفة التي تندرج تحت كل منها فإنه يمكن أن نضعها جميعا ً تحت عنوان (نظرية العرف) فإن العرف هو الطابع الغالب على جميع هذه القواعد المذكورة(٢) . وبهذه الطريقة بعد الدقة والتأمل يمكن أن نوزع كثيرا ً من تلك القواعد مجموعة تحت قواعد كبرى معينة أو نظريات معينة. (١) هذه القواعد نقلها الندوي في كتابه القواعد الفقهية، ص ٥٦ ، نقلا ً عن مجلة الأحكام العدلية العثمانية. ونقل هذه القواعد عبد العزيز عزام في كتابه قواعد الفقه الإسلامي، ص ٢١ نقلا عن كتاب المستثنيات في العبادات والمعاملات وقواعدها الشرعية التي ترد عليها في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير مقدمة لكلية الشريعة والقانون بالقاهرة جامعة الأزهر للباحث . عثمان أبو العينين إسماعيل، ص ٢١ (٢) الندوي: المرجع السابق، ص ٥٧ . عزام عبد العزيز: قواعد الفقه الإسلامي، ص ٢٨ ، نقلا ً لأحمد فهمي أبو سنة، نشر ،« النظريات العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية » عن كتاب . دار التأليف مصر ١٣٨٦ ه/ ١٩٦٧ م، ص ٤٤ k :ájó°UÉ≤ªdG óYGƒ≤dGh á«¡≤ØdG óYGƒ≤dG :É©HGQ وهكذا فبالرجوع إلى مصنفات الفقها ء، والنظر فيها إلى فقه الجزئيات والكليات يستطيع الفقهاء المعاصرون أن يعيدوا صياغة الفقه الإسلامي كله على شكل هذه النظريات الفقهية الحديثة؛ لأن أسس النظريات ومادتها العلمية ِ موجودة في هذه المصنفات بشكل مفرق وموز ّ ع على أبواب الفقه الإسلامي وموضوعاته وكلياته، وليس بين هذه المادة العلمية وبين أن تصاغ نظريات، إلا أن يقوم الفقيه بجولة علمية في هذه الأبواب والموضوعات والكليات من أجل تجريد النظريات واستخلاصها(١) . لا يمكن إدراك الفروق بين القواعد الفقهية والقواعد المقاصدية، والعلاقة التي تربط بينهما إلا بعد معرفة حقيقة القاعدة الفقهية والقاعدة المقصدية، وقد تقدم بيان مدلول القاعدة الفقهية وبقي لنا معرفة المعنى اللغوي والاصطلاحي للمقاصد، والمعنى الإجمالي للقاعدة المقصدية كما يلي: ١ تعريف المقاصد: المعنى اللغوي للمقاصد: يطلق القصد في اللغة على معان كثيرة من أهمها: استقامة الطريق، ومنه ّ قوله تعالى: ﴿ < = FEDCBA@?> ﴾ )النحل : (٩ . أي على الله تبيين الطريق المستقيم، والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة(٢) . وقد يطلق القصد على الاعتماد والأم ُ نقول: قصده يقصده قصدا ً بمعنى ّ (١) . الروكي: نظرية التقعيد الفقهي، ص ٦٤(٢) الأصفهاني الراغب أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل: مفردات ألفاظ القرآن، ط محققة، .٤٤/ دار القلم، دمشق، ٢ سار إليه واتجه نحوه(١) ، وهذا المعنى هو الأكثر استعمالا ً عند الفقهاء المقاصد تغير أحكام التصرفا ت، والمقاصد معتبرة » : والأصوليي ن، ومنه قولهم « في التصرفات(٢) . المعنى الاصطلاحي للمقاصد: لم يحرص السابقون من الأصوليين والفقهاء على وضع تعريف اصطلاحي للمقاصد بل اكتفوا ببيان وجوه المصالح التي تحققها الأحكام وتقيمها فقالوا: إن الشارع قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية في العاجل (٣) والآجل معا ً . وأما الباحثون المعاصرون فقد عرفوا المقاصد الشرعية بتعريفات كثيرة، ّ وعلى ضوئها يمكن تعريف مقاصد الشريعة بأنها: الأهداف والغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها عند كل حكم من أحكامها(٤) . ويفهم من هذا التعريف أن ّ مقاصد الشريعة هي الغايات والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها، فإن هذا التعريف قد جمع بين المقاصد العامة والمقاصد الخاصة في الشريعة، فالمقاصد العامة هي الغايات المصلحية العامة التي يهدف الشارع إلى تحقيقها في مجال تشريعي محدد، كأحكام الأسرة والقرابة والمصاهرة، إلى غير ذلك من المقاصد الجزئية المرعية في بعض الأحكام أو طائفة منها(٥) . (١) ٣٦٤٢ . إبراهيم أنيس وآخرون: المعجم الوسيط، ط دار / ابن منظور: لسان العرب، ٥ .٧٣٨/٢ ، العارف مصر ١٩٧٣(٢) .٩٨/ ٩٨ . ابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين، ٣ / الشاطبي: الموافقات، ١(٣) ٤/ الشاطبي: الموافقات، ٢ - .١٤١/ ٢٨ . ونفسه: ٤ / ٢٥ . والمصدر نفسه: ٣ (٤) ١٩٩٣ م، دار الغرب الإسلامي، لبنان، ، الفاسي علال: مقاصد الشريعة ومكارمها: ط ٥ . ص ٧(٥) . ابن عاشور: مقاصد الشريعة، ص ١٥٥ ٢ تعريف القاعدة المقصدية: القاعدة المقصدية هي: ما يعبر به عن معنى عام مستفاد من أدلة الشريعة ﱠ المختلفة اتجهت إرادة الشارع إلى إقامته من خلال ما بنى عليه من أحكام(١) . معنى القاعدة: هذه القاعدة تفيد أن ّ مآلات الأفعال معتبرة ومقصودة شرعا ً : فالشارع لا يقصد بالتكاليف الشرعية الإضرار بالناس، بل مقصود الشارع تحقيق المصالح ودفع المفاسد في العاجل والآجل معا ً ، والمصالح والمفاسد راجعة إلى خطاب الشارع(٢) . والأمثلة على ذلك كثيرة منه قول الله تعالى: ﴿ 6543 <;:987 = @?> ﴾ (ا لب قرة : ١٨٣ ( ، وقوله تعالى: ﴿ §¦¥¤ ¨© ﴾ (ا لب قرة : ١٨٩ ( ، وقوله 8 : ﴿ }| ~ ﮯ §¦¥¤£¢¡ ¨ ﴾ (الأ ن عام : ١٠٨ (. فهذه النصوص ترشد إلى أحكام النظر إلى المآل عند بيان الحكم، مما يشير إلى اعتبار ذلك المآل وتوجه القصد إليه، فمقصود الشارع التكليف بما فيه كلفة ومشقة ما، ولكنه لا يقصد نفس المشقة، بل يقصد ما في ذلك من المصالح العائدة على المكلف في المآل(٣) . ٣ الفروق بين القاعدة المقصدية والقاعدة الفقهية: قضية شرعية » كنت قد بينت فيما تقدم من تعريفات القاعدة الفقهية أنها ﱠ وبعبارة أخرى هي: « عملية كلية تشمل بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها (١) الكيلاني عبد الرحمن ٰ . إبراهيم: قواعد المقاصد، ص ٥٥(٢) .٤/ الشاطبي: الموافقات، ٢(٣) عزام عبد العزيز محمد: القواعد الفقهية، طبع دار الحديث، القاهرة، مصر، ١٤٢٦ ه/ ٢٠٠٥ م، . ص ٢٣ قضية كلية تعبر عن حكم عام يتعرف بها أحكام على الجزئيات التي يتحقق ّ ُّ فيها مناط هذا الحكم، وهذه السمة الكلية نجدها متحققة في القاعدة المقصدية؛ بل هي من أهم خصائصها؛ لأن من سمات القاعدة كقاعدة أن تكون كلية في تناولها للجزئيات الداخلة تحت موضوعها، وإلا لم تستحق وصفها بالقاعدة، ويقصد بالكلية أنها لا تختص بشخص دون شخص، ولا بحال دون حال، ولا موضوع دون موضوع، أي تكون عامة(١) . والأمر الآخر الذي يجمع بين القاعدة الفقهية والقاعدة المقصدية؛ أن غايتها في النهاية واحدة وهي: الوقوف على حكم الشرع في الوقائع والنوازل المستجدة وفق إرادة الشارع الحكيم وقصده، فكلا القاعدتين في النهاية وسائل تسعف المجتهد، ليتمكن من إدراك الحكم الذي خاطب الله تعالى المكلفين فيما لا نص فيه بعينه(٢) ، فالغاية النهائية من القاعدة الفقهية مثلا ً : المشقة » تجلب التيسير « لا يقصد الشارع التكليف بالشاق » متفقة مع القاعدة المقصدية « من الأعمال(٣) ؛ ذلك أن ك ُ لا ّ ً من هاتين القاعدتين تؤول في نهاية الأمر إلى إعانة المجتهد أو الفقيه لمعرفة الحكم الشرعي فيما يتحقق فيه مناطها، والكشف عنها(٤) . فهذا هو وجه الصلة الذي يربط بين القاعدة الفقهية والقاعدة المقصدية، أما وجه الفرق بينهما فلعله يظهر فيما يلي من الأمور: (١) الكيلاني عبد الرحمن: ٰ . قواعد المقاصد، ص ٦٧(٢) . الكيلاني: المصدر نفسه، ٦٨(٣) .٩٨ ،٩٣/ الشاطبي: الموافقات، ٢(٤) مصطفى أرشوم: القواعد الفقهية وعلاقتها بفقه المقاصد، بحث نشر في كتاب القواعد الفقهية بين التأصيل والتطبيق ضمن بحوث ندوة تطور العلوم الفقهية في عمان خلال ُ القرن الرابع الهجري القواعد الفقهية أنموذجا ً تنسيق ومراجعة، مصطفى باجو، بإشراف وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان، مطابع النهضة، عمان، ٢٠٠٥ م، ُُ .١٦١ - ص ١٦٠ أ من حيث الحقيقة: فإن حقيقة كل منهما تختلف عن حقيقة الأخرى من حيث إن القاعدة الفقهية بيان لحكم شرعي كلي، تندرج تحته كثير من الأحكام الجزئية التي يتحقق فيها مناط ذلك الحكم الكلي العام، وحقيقة القاعدة المقصدية إنما هي بيان للحكمة التي قصد الشارع إليها من تشريع الحكم. والفرق بين الحكم والحكمة ظاهر، فإذا كانت القاعدة الفقهية تعبيرا ً عن الحكم الكلي، فإن القاعدة المقصدية تعبير عن الحكمة والغاية، فمثلا ً قاعدة: المشقة تجلب التيسير » « وهي قاعدة فقهية تقرر حكما ً كليا ً مفاده أن ّ الجهد غير ّ المعتاد يكون سببا ً للتيسير والتسهيل على المكلف، ولا تلتفت هذه القاعدة إلى مقصد التخفيف على المكلف، كما تعبر عنه غاية هذا الحكم الكلي وحكمته، ّ إن مقصود الشارع من مشروعية الرخص » : بخلاف القاعدة المقصدية مثل قاعدة الرفق بالمكلف من تحمل المشاق « (١) ، فإنها زاخرة ببيان غاية التيسير على المكلف، وتبعا ً لذلك قرر العلماء أن الحرج مرفوع عن الأمة لسببن: أحدهما: خوف الضرر أو الملل، أو بغض الطاعة وكراهيتها. ُ والثاني: خوف تعطيل الأعمال الأخرى والتقصير فيها(٢) . ب من حيث الحجية والمكانة: إن الفقهاء بالنسبة للقاعدة الفقهية استندوا إلى نصوص كثيرة فقرروا من خلالها أنه لا يجوز بناء الحكم على أساس القواعد، ولا ينبغي تخريج الفروع عليها، إذ ليس من المعقول أن يجعل ما هو جامع ورابط للفروع دليلا ً من أدلة الشرع، ومن أجل ذلك يقول أحمد الحموي : إنه لا يجوز الفتوى بما تقتضيه » « القواعد والضوابط؛ لأنها ليست كلية، بل أغلبية(٣) . (١) .٢٥٥/ الشاطبي: الموافقات، ١ (٢) ١٠٤/ الشاطبي: الموافقات، ٢ - ١٠٥ . عبد العزيز عزام: القواعد الفقهية، ٢٣ - .٢٤ (٣) .٣٧/ الحموي أحمد: غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي، ١ حك » : ويؤكد علي حيدر هذا المعنى فيقول ّ ام الشرع ما لم يقفوا على نقل ُ صريح لا يحكمون بمجرد الاستناد إلى واحدة من هذه القواعد، إنما هي شواهد يستأنس بها في تخريج القضايا الجديدة على المسائل الفقهية المدونة، « إذ لها فائدة كلية في ضبط المسائل(١) . أما بالنسبة للقاعدة المقصدية فقد وضح الشاطبي مكانتها في معرض بيانه العموم إذا ثبت فلا يلزم أن يثبت من جهة صيغ العموم » : لأنواع العموم فقال فقط، بل يكون له طريقان: الأول: الصيغ إذا وردت، وهو المشهور في كلام أهل الأصول. الثاني: استقراء مواقع المعنى حتى يحصل منه في الذهن أمر كلي عام، فيجري في الحكم مجرى العموم المستفاد من الصيغ، وهذا هو الطريق الذي حصلت به القواعد المقصدية المختلفة، ولذلك كانت أصلا ً معنويا ً بارعا ً وأسلوبا ً يعتمد عليه في الاستقراء لاقتناص هذه المعاني، فإن المعنى العام كالنص العام سواء بسواء من حيث القوة والاعتبار، وصلاحيته في الاستدلال، ويرى الإمام الشاطبي أن هذا المعنى العام إذا ثبت بالاستقراء الصحيح نهضت به أدلة كثيرة، واستغنى به المجتهد عن النصوص الخاصة في النوازل التي تقع إذا تقرر عند المجتهد اعتبار عموم المعنى ثم استقرأ معنى عاما » : حيث يقول ً ً من أدلة خاصة، واطرد له ذلك المعنى، لم يفتقر بعد ذلك إلى دليل خاص ٍِ على خصوص نازلة ت َعن ّ ، بل يحكم عليها، وإن كانت خاصة بالدخول تحت عموم المعنى المستقرئ من غير اعتبار بقياس أو غيره، إذ صار ما استقرئ من عموم المعنى كالمنصوص بصيغة عامة، فكيف يحتاج مع ذلك إلى صيغة « خاصة بمطلوبه(٢) . (١) .١٠/ حيدر علي: درر الحكام شرح مجلة الأحكام، ١(٢) .٢٢٦ ،٢٢٥/ الشاطبي: الموافقات، ٣ مما تقدم يظهر أن القواعد الفقهية التي تستند على دليل خاص ورد في شأنها أن تكون لها حجية في استنباط الأحكام الشرعية منها، إذ الاحتجاج بها الخراج بالضمان » : نابع من الاحتجاج بأصلها كقاعدة « حيث وردت بهذا اللفظ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) جناية العجماء جبار » : ، وقاعدة « (٢) ، حيث وردت في سياق قول النبي صلى الله عليه وسلم : العجماء جرحها جبار » « (٣) ، فهذه القواعد لا ينطبق عليها الفرق السابق نظرا ً لقوة مستندها، والذي يتمثل في الحديث الشريف (٤) المصرح بالقاعدة نصا ً . ّ ج من حيث الأهمية والاعتبار: لما كانت القاعدة الفقهية تعبر عن حكم شرعي كلي، والقاعدة المقصدية تعبر عن غاية تشريعية عامة، وكانت الأحكام هي وسائل إقامة المقاصد وطرق تحقيقها، ترتب على ذلك أن تكون القاعدة المقصدية أعلى مرتبة من القاعدة الفقهية؛ لأن الغايات مقدمة على الوسائل، والقاعدة الفقهية تعبر عادة عن حكم، والقاعدة المقصدية تعبر عن غاية، وأن القواعد الفقهية ذاتها تنص صراحة على أن ّ : مراعاة المقاصد مقدمة على مراعاة الوسائل » .« وصرح « إن الوسائل أخفض من المقاصد في حكمها » : القرافي بذلك فقال(٥) . (١) رواه الربيع، كتاب الزكاة والصدقة، باب في النصاب، رقم: ٣٣٤ ، ص ١٣٦ ، عن أبي سعيد الخدري، بلفظ: « جرح العجماء جبار » ، والبخاري، كتاب الديات، باب المعدن جبار والبئر جبار، رقم: ٦٥٣٠ ، عن أبي هريرة. وأخرجه النسائي في السنن، باب: الخراج بالضمان، رقم .٢٥٤/٧ ( الحديث ( ٤٤٩٠(٢) . ٨٣ . الزرقا أحمد، شرح القواعد الفقهية، ٤٥٧ / علي حيدر: درر الحكام، ١(٣) ( أخرجه مسلم في صحيحه، باب: جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، حديث رقم ( ١٧١٠ .٣٣٤/٣(٤) عزام عبد العزيز: القواعد الفقهية، ص ٢٥ . سيأتي شرح مفصل للقاعدتين الفقهيتين في الفصول القادمة. (٥) .٦١/ القرافي أبو العباس: الفروق، ٢ وبناء عليه، فإن مراعاة القواعد التي تحقق مقاصد الشرع وغاياته تكون بالضرورة مقدمة على مراعاة القواعد الفقهية التي تحقق وسائل إقامة هذه المقاصد الشرعية من تشريع الأحكام، وكما هو معلوم فإن الغاية مقدمة على الوسيلة، فالوسيلة ما هي إلا خادمة للمقصد(١) . د من حيث الاختلاف والاتفاق على مضمونها: القواعد الفقهية ليست على درجة واحدة من حيث اتفاق الفقهاء على ما تضمنته من حكم كلي، فهي تنقسم إلى قسمين: ١ قسم مسل ﱠ م به: وهو محل اتفاق واعتبار من جميع الفقها ء، كالقواعد ،« اليقين لا يزول بالش ك » و ،« الأمور بمقاصده ا » : الكلية الخمس الكبرى العادة محك » و ،« الضرر يزا ل » و ،« المشقة تجلب التيسي ر » و ّ وغيرها من ،« م ة القواعد الأخرى التي لم يجر اختلاف في اعتبارها والاعتداد بها، مثل قاعدة: ،« تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلح ة » و ،« الضرورات تبيح المحظورا ت »درء المفاسد أولى من جلب المصالح » و « (٢) . ٢ وقسم آخر من القواعد الفقهية: هو موضع اختلاف ونظر بين الفقها ء، فبعضهم اعتبرها وبنى عليها وفرع على أساسها، وآخرون لم يعتبروا مضمونها ّ الأجر » : ولا الحكم الذي عبرت عنه، ومن ذلك على سبيل المثال: قاعدة « والضمان لا يجتمعان(٣) . (١) الكيلاني عبد الرحمن ٰ . إبراهيم: قواعد المقاصد، ص ٧٢(٢) ٣٠٩ . السيوطي، الأشباه والنظائر، ص ١٢١ . ابن / الزركشي: المنثور في القواعد، ١ . نجيم، الأشباه والنظائر، ص ١٢٤(٣) ٢٨٦ . ابن / ٢٩٩ . الشربيني الخطيب: مغني المحتاج، ٢ ،٢٩٨/ الشماخي: الإيضاح، ٦ ٧٧ . الزرقا / ١٦٢ . السرخسي: المبسوط، ١١ / قدامة المقدسي: المغني والشرح الكبير، ٦ أحمد: شرح القواعد الفقهية، ص ٤٣١ . علي حيدر: شرح المجلة، ١٧٨ . ينظر: القاعدة بتفصيل في الفصل السادس من هذا البحث. ولما كانت القواعد الفقهية ليست محل اتفاق بين الفقهاء فإن بعض الفقهاء صاغ كثيرا ً من القواعد الفقهية على صيغة استفهام، مبينا ً أنها ليست محل اتفاق بين الجميع، ومن ذلك قولهم: انقلاب الأعيان، هل له تأثير في الأحكام أو لا؟(١) .• • الظن، هل ينقض بالظن أو لا؟(٢) . • الواجب الاجتهاد أو الإصابة؟(٣) . • نوادر الصور، هل يعطى لها حكم نفسها أو حكم غالبها؟(٤) . وقد سلك بعض فقهاء الإباضية هذا المسلك في مصنفاتهم، فسجل بعض القواعد الفقهية المختلف فيها، إلا أنه لم يجمعها في كتاب مستقل بل نثرها ضمن الفروع الفقهية، وعلى سبيل المثال: • هل الفرض في الاستقبال للقبلة الاجتهاد أو الإصابة فقولان(٥) . • هل تجوز الرخصة للعصاة أم لا؟(٦) . • هل المرأة في جميع العبادات كالرجل أم لا؟(٧) . هل الزكاة عبادة أو حق واجب للمساكين؟(٨) .• • هل الع ُ ش ُ ر حق الأرض أو الزرع؟(٩) . (١) . الونشريسي: إيضاح السالك إلى قواعد الإمام مالك، ص ٤٢(٢) . الونشريسي: المصدر نفسه، ص ١٤٩(٣) . المصدر نفسه: ص ١٥١ (٤) . نفسه: ص ٢٥٦(٥) الجيطالي: قواعد الإسلام، (تح) بكلي عبد الرحمن ٰ .٢٢٤/ بن عمر، ٢(٦) .٢٦١/ الجيطالي: المصدر نفسه، ١(٧) .٢٦٩/ المصدر نفسه: ١(٨) .٢٤/ نفسه: ٢(٩) .٢٥/ نفسه: ٢ فهذه القواعد ليست محل اتفاق بين الفقهاء مما حدا بالجيطالي والونشريسي وغيرهما أن يصوغوها بصيغة الاستفهام مبينين ما يترتب عليها من اختلاف عملي. أما بالنسبة للقواعد المقاصدية فإن لها من المكانة والاعتبار ما يجعلها صنوا ً للنص العام، سواء بسواء من حيث إلزام المجتهد باتباع مضمونها والالتزام بمعناه، إذ صار ما استقرئ من عموم المعنى كالمنصوص بصيغة عامة، ومن ثم فلا يحتاج المجتهد إلى صيغة خاصة بمطلوبه(١) . ّ وإذا وجدنا بعض الفقهاء يخالف معنى إحدى القواعد المقاصدية في مسألة جزئية، فليس معنى ذلك أن هذا الفقيه لا يعتبر تلك القاعدة في الاستدلال، وإنما يرجع الأمر إلى عدم تحقق مناط القاعدة المقصدية في تلك الواقعة الجزئية، فيكون عدم تطبيق القاعدة يرجع إلى عدم تحقق مناطها وفق نظر ذلك الفقيه في الواقعة الجزئية، ومن أمثلة ذلك: أن الشافعي لما قال بجواز بيع العينة الذي هو عقد في صورة بيع لاستحلال الربا، لم يقل بجوازه إهمالا ً النظر في المآل » : منه لقاعدة معتبر ومقصود شرعا ً«(٢) ، وإنما مرد ﱡ ذلك وسببه أنه لا يرى مناط هذه القاعدة قد تحقق في تلك المسألة، أو عرض له دليل آخر وجده أكثر تصرفا ً ببيع العينة، ويساعد على كشف حكمها من تلك القاعدة(٣) . ولعل هذا الموقف هو ما حدا ببعض فقهاء الإباضية في إباحة بيع العينة بناء روى الربيع » على الظاهر دون النظر إلى المقاصد والبواعث، فقد(٤) عن (١) .٢٢٦/ الشاطبي: الموافقات، ٣(٢) .١٤٠/ الشاطبي: المصدر نفسه، ٤(٣) .٢٠١/ الشافعي محمد بن إدريس، كتاب الأم، ٢ (٤)الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي الفراهيدي الع ُ ماني، (ت: ١٧٠ ه)، إمام وداعية ومحدث. هو الإمام الثالث بعد جابر وأبي عبيدة. تتلمذ في البصرة على يد الإمام جابر بن زيد، = ضمام (١)عن جابر (٢) في رجل يبيع من رجل متاعا ً بنسيئة قال: لا بأس أن يشتري منه ذلك المتاع بعينه بأقل أو أكثر، قال الكوفيون : الشراء فاسد، « وهو ضرب من الربا(٣) . وهكذا مما تقدم يمكن القول: إن القواعد المقاصدية نظرا ً لكثرة تأكدها وانتشارها في أبواب الفقه مع اختلاف موضوعها لا يسع الفقيه مخالفتها ولا إهمالها، أو عدم الاعتداد بها. وبهذا يتضح الفرق بين القاعدة المقصدية والقاعدة الفقهية، ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أن هناك بعض القواعد الفقهية تعتبر عند التحقيق قواعد مقاصدية ومنها: = وأبي عبيدة،... إلخ، وخلف شيخه أبا عبيدة في تسيير أمور الدعوة. وقد اعتبر الربيع المحدث الحافظ الثقة عند الأصحاب، وعد ﱠ له العديد من أئمة الحديث. من أهم مؤلفاته: الجامع الصحيح، مسند الإمام الربيع بن حبيب (عمدة الإباضية في السن ﱠ ة)؛ مجموعة من ﱡ الفتاوى والإجابات في العبادات والمعاملات،... إلخ. معجم أعلام الإباضية، (قسم .١٠٣/١ ، المشرق)، ترجمة: ٣٦٨ (١)ضمام بن السائب، (أبو عبد الله)، (حي في: ١٠٠ ه)، من أبرز أئمة الإباضية الأوائل. أخذ العلم عن جابر بن زيد وغيره. كانت له مناظرات مع القدرية والخوارج، وكان قوي الحجة لا يجادل أحدا ً الحجة على » : إلا أفحمه وأسكته. له كتاب في موضوع خلق القرآن بعنوان روايات ضمام بن » : دونت رواياته عن جابر بن زيد في كتاب .« الخلق في معرفة الحق .١٨٧/١ ، معجم أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ٧٢٢ .« السائب (٢)جابر بن زيد الأزدي، (أبو الشعثاء)، (و: ١٨ ه ت: ٩٣ ه)، تابعي مشهور، روى الحديث عن ثلة من خيرة الصحابة، منهم عائشة أم المؤمنين، وعبد الله بن عمر، ورواياته وآراؤه منتشرة في جل مصادر الإباضية، فهو يعتبر إمامهم ومؤسس مذهبهم. ترك آثارا ً علمية جليلة، إلا أنه ضاع، وبقيت بعض ،« ديوان جابر » فمع أنه مفتي البصرة، ترك موسوعة علمية تعرف ب نصوص من تآليفه، منها: كتاب الصلاة (مخ)، كتاب النكاح (مخ)؛ فقه الإمام جابر بن زيد، .٤٠/١ ، (مط). معجم أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ١١٧ (٣)الربيع بن حبيب: آثار الربيع، مخطوط مصو ّ ر، ص ١٢ . جابر بن زيد: من جوابات جابر، .١١١ - ص ١١٠ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح » : قاعدة .« إذا تعارضت » : وقاعدة مفسدتان روعي أعظمهما ضررا ً بارتكاب أخفهما .« يغتفر في الوسائل » : وقاعدة لا » : والقواعد التي توجب إزالة الضرر معه مثل .« ما لا يغتفر في المقاصد ضرر ولا ضرار .« فمثل هذه القواعد وإن كانت قد أدرجت ضمن القواعد الفقهية إلا أنها عند التحقيق نجدها ذات صبغة مقصدية من حيث إنها تكشف عن قصد الشرع في كيفية إقامة المصالح، واعتماد مبدأ الموازنة بينهما عند التعارض، وذلك إضافة إلى كونها تستند إلى أدلة كثيرة ترشد إليها وتنهض بها، الأمر الذي يجعلها في رتبة العموم المعنوي الذي تمتاز به القاعدة المقصدية(١) . k :ôFɶædGh √ÉÑ°TC’Gh á«¡≤ØdG óYGƒ≤dG :É°ùeÉN الأشباه والنظائر علم من علوم الفقه باعتباره يرتكز أساسا ً على الفروع الفقهية، وترجع نشأته إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب 3 الذي ذكر في كتابه الذي بعثه إلى أبي موسى الأشعري 3 اعرف الأمثال » : والذي جاء فيه « والأشباه، ثم قس الأمور عندك(٢) ، وقد ظل هذا الفن في بطون الكتب إلى أن أفرده أبو عبد الله محمد بن عمر المعروف بابن الوكيل (٣)(ت: ٧١٦ ه) (١) الشاطبي: المقاصد عند الإمام الشاطبي، عبد الرحمن ٰ الكيلاني، ص ٦٤ - ٦٧ . عبد العزيز ٢٨ . مصطفى أرشوم: القواعد الفقهية وأثرها في فقه ، عزام: القواعد الفقهية، ص ٢٧ المقاصد، بحث منشور ضمن كتاب القواعد الفقهية بين التأصيل والتطبيق، تنسيق مصطفى .١٦٧ - باجو، ص ١٦١ (٢) .٤٦٦/ السيوطي جلال الدين: الحاوي في الفتاوي، ط ٣، المكتبة التجارية، القاهرة، ١٩٥٩ م، ٢ (٣)محمد بن عمر بن مكي، (أبو عبد الله، صدر الدين)، المعروف بابن الوكيل، (و: ٦٦٥ ه/ ١٢٦٧ م ت: ٧١٦ ه/ ١٣١٧ م)، شاعر، من العلماء بالفقه الشافعي. ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية بدمشق سبع سنين. ألف: الأشباه والنظائر، في فقه الشافعية؛ وله شعر .٣١٤/ وموشحات رقيقة جمعها في ديوان سماه (طراز الدار)؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٦ فما المراد بهذا المصطلح؟ ،« الأشباه والنظائر » : بمصنف مستقل سماه وما العلاقة بينه وبين القواعد الفقهية؟ ١ تعريف الأشباه والنظائر: الأشباه والنظائر في اللغة: ِ الأشباه جمع، مفرده: ش َبه وشبه وشبيه، وهو المثل (١) . ٌ َْ وقال ابن فارس : الشين والباء والهاء: أصل واحد يدل على تشابه الشيء » «(٢) وتشاكله لونا ً ووصفا ً . ولقد تعارف أهل اللغة على استعمال هذه الكلمة في صفات ذاتية أو معنوية، فالذاتية نحو: هذا الدرهم كهذا الدرهم... والمعنوية: زيد كالأسد(٣) . والنظائر جمع، مفرده، نظيرة: وهي المثل المساوي، وقال ابن منظور وهي المثل والشبه في الأشكال والأخلاق والأفعال » : عن النظيرة « والأقوال(٤) . والنظيرة مؤنث مذكره: نظير، وجمعه نظراء، أي مساويه، فكأنك إذا نظرت إلى أحدهما فقد نظرت إلى الآخر(٥) . فعلى القول: بأن معنى الكلمتين الأشباه والنظائر واحد وهو الأمثال تكون الكلمات من باب المترادف، ويكون عطف النظائر على الأشباه من باب عطف التفسير. (١) ٥٠٣ . الزبيدي السيد المرتضى: /١٣ ، ابن منظور: لسان العرب، ط بيروت دار صادر ١٩٥٦ ٣٩٣ . الفيروزآبادي، / تاج العروس من جواهر القاموس، فصل الشين من باب الهاء، ٩ .٢٨٨/ القاموس المحيط، ٤ (٢) .٢٤٣/ ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ٣(٣) .٣٠٣/ الفيومي: المصباح المنير، ١(٤) .٢١٩/ ابن منظور: لسان العرب، ٥(٥) .٦١٢/ الفيومي: ٣ وانطلاقا ً من ذلك المفهوم اللغوي درج العلماء على استعمال تلك الكلمات على معناها اللغوي، فجعلوا الشبيه والنظير بمعنى واحد، واطرد ذلك الاستعمال، ولكن الواقع أن مدلول الكلمات المذكورة في مصطلح المحققين لا يجري على معنى واحد، بل ينبغي التفريق بينهما بحيث تترتب على ذلك آثار ونتائج مهمة(١) . الأشباه والنظائر في الاصطلاح: إذا نظرنا من الناحية الاصطلاحية فإن الشبه: هو الصفة الجامعة الصحيحة التي إذا اشترك فيها الأصل والفرع وجب اشتراكهما في الحكم، كما نص على ذلك علماء الأصول. يقول تاج الدين السبكي : إن قياس الأشباه: هو أن يجتذب الفرع » « أصلان، ويتنازعه مأخذان فينظر إلى أولاهما شبها فيلحق به(٢) . إلحاق العبد المقتول بالحر فإنه له شبها » : ومثال ذلك ً بالفرس من حيث المالية، وشبها ً بالحر، لكن مشابهته بالحر في الأوصاف والأحكام « أكثر فألحق بالحر(٣) . فالمفهوم المتبادر إلى الأذهان لكلمة الأشباه هو ما ذكره ابن السبك ي، غير أنه لا يفصح عن المعنى المتكامل الواضح الذي يمكن من خلاله إدراك مدى سعة المفهوم الذي يتضمنه هذا الاصطلاح في معنى الكلمة، إذ ليس من اللازم أن يكون مدلول الأشباه شاملا ً لكلمة النظائر (٤) أيضا ً. (١) . الندوي علي أحمد: القواعد الفقهية، ص ٧٣(٢) . ابن السبكي: الأشباه والنظائر، القسم الأول، و: ١١٧(٣) ١٧٣/ التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون، ٤ - .١٧٤ (٤) .٧٤ - الندوي: القواعد الفقهية، ص ٧٣ لابن نجيم « شرح الأشباه » وعرفها أحمد الحموي في(١) المراد بها » : بقوله ﱠ (أي: الأشباه والنظائر) المسائل التي يشبه بعضها بعضا ً مع اختلاف في الحكم « لأمور خفية أدركها الفقهاء بدقة أنظارهم(٢) . وبذلك عرفها الحسيني (٣) وعب د الغني النابلسي (٤) ، وبنحو ذلك عرفها التاجي (٥) ، ﱠﱠ والظاهر أن ذلك تعريف لعلم الفروق بين الفروع ومما يدل على ذلك ما يلي: وقد صنفوا » : قول الحموي والحسيني بعد ذكرهما للتعريف السابق لبيانها كتبا ً ، كفروق المحبوبي(٦) والكرابيسي (٧) «(٨) . (١) زين الدين بن إبراهيم بن محمد، الشهير بابن نجيم، (ت: ٩٧٠ ه/ ١٥٦٣ م)، فقيه حنفي مصري، من العلماء. له تصانيف منها: الأشباه والنظائر، في أصول الفقه؛ والبحر الرائق في .٦٤/ شرح كنز الدقائق؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٣ (٢) .١٨/ الحموي أحمد: غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر، ١(٣) حاشيته على الأشباه والنظائر، مخطوط: ١ ورقة ١٠ /أ نقلا ً . عن الندوي القواعد الفقهية، ص ٢٨ (٤) عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي، (و: ١٠٥٠ ه/ ١٦٤١ م ت: ١١٤٣ ه/ ١٧٣١ م)، شاعر ومتصوف، عالم بالدين والأدب. له مصنفات كثيرة جد ّ ا ً ، منها: الحضرة الإنسية في الرحلة القدسية؛ ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث، نفحات الأزهار على نسمات ٣٢ . ينظر: النابلسي عبد الغني: كشف الخطاب عن / الأسحار؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٤ الأشباه والنظائر، مخطوط، ورقة ١٦ /ب. نقلا ً . عن الندوي: القواعد الفقهية، ص ٢٨ (٥) التاجي: التحقيق الباهر، مخطوط، ج ١: ورقة ١٨ /ب. نقلا ً عن الندوي، القواعد الفقهية، . ص ٢٨ (٦) هو العلامة عبيد الله بن إبراهيم جمال الدين المحبوبي، شيخ الحنفية بما وراء النهر، وأحد من انتهى إليه معرفة المذهب، تفق ّ ه على قاضيخان، توفي ببخارى سنة ٦٣٠ ه. ينظر: ابن .١٣٧/ العماد: شذرات الذهب، ٥ (٧) لعله العلامة أبو الفضل محمد بن صالح الكرابيسي السمرقندي فقيه حنفي، من كتبه: الفروق في ٣٢ ، أو هو أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي / فروع الحنفية. ينظر: الزركلي: الأعلام، ٧ النيسابوري (ت: ٥٧٠ ) الذي ألف أيضا ً في الفقه، وقد حققه الأستاذ محمد طموم، « الفروق » وطبع في الكويت تحت إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في جزأين. (٨) ١٨ . الحسيني: الحاشية على الأشباه، ج ١ ورقة ١٠ /أ. / الحموي: غمز عيون البصائر، ١ قول السيوطي : فاعمد » : وفي قوله عمر بن الخطاب لأبي موسى إشارة إلى أن من النظائر ،« إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى ما يخالف نظائره في الحكم لمدرك خاص به، وهو الفن المسمى بالفروق، الذي يذكر فيه الفرق بين النظائر المتحدة تصويرا ً ومعن ً ى، المختلفة ح ُ كما ً « وعلة(١) . كما أن عبارته ترمز أيضا ً إلى نوع آخر من الشبه، وهو: أن يتردد الفرع بين أصلين، فينظر إلى ما كان منهما أكثر شبها ً بالفرع فيلحق به، وهذا ما يسمى قياس الأشباه عند الأصوليين . ويؤكد هذا المعنى ما أشار إليه بعض المحققين في شرحهم لعبارة عمر بن الخطاب 3 كما يظهر من النصين التاليين: قال الجصاص الرازي(٢) ٣٧٠ ه): قوله: ثم اعرف الأمثال والأشباه... ) « هذا لا يكون إلا بالنظر والاستدلال فيه قياس(٣) . ويقول نجم الدين النسفي(٤) ٥٣٧ ه) مبينا ) ً قوله 3 : أي إذا وقعت » واقعة لا يعرف جوابها فرد ّ « ها إلى أشباهها من الحوادث تعرف جوابها(٥) ُ (١) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٧ (٢)أحمد بن علي الرازي، (أبو بكر الجصاص)، (و: ٣٠٥ ه/ ٩١٧ م ت: ٣٧٠ ه/ ٩٨٠ م) فاضل من أهل الري، سكن بغداد ومات فيها. انتهت إليه رئاسة الحنفية. ألف: أحكام .١٧١/ القرآن؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ١ (٣) . الخصاف: كتاب أدب القاضي بشرح الجصاص، ص ١٤ (٤)عمر بن محمد بن أحمد النسفي، (أبو حفص، نجم الدين)، (و: ٤٦١ ه/ ١٠٦٨ م ت: ٥٣٧ ه/ ١١٤٢ م)، من فقهاء الحنفية، عالم بالتفسير والأدب والتاريخ. قيل: له نحو مائة مصنف، منها: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية؛ العقائد (يعرف بعقائد النسفي)؛... إلخ. .٦٠/ الزركلي، الأعلام، ٥ (٥) النسفي: حافظ الدين عبد الله بن أحمد: طلبة الطلبة في اصطلاحات الفقهاء، المطبعة العامرة . مصر ١٣١١ ه ، ص ١٣٠ وإلى هذه المعاني أشار ابن خلدون (١)أيضا ً في مقدمته(٢) . وذلك ما يدل على إعمال القياس عند تحقق العلة الجامعة الصحيحة بين الأصل والفرع، وإلحاق الحوادث الجديدة التي لم ين ُص عليها بأشباهها بعد ّ النظر والتثبت. وقد نبه بعض الباحثين إلى أن الأشباه تختلف عن النظائر في الاصطلاح ّ وليست مثلها تماما ً كما قرر اللغويون وكثير من الفقها ء، فيقول بعد بيان ولا شك أن ما ذكرنا ينطبق على معنى » : معنى الأشباه في الاصطلاح الأشباه؛ أما كلمة النظائر فلم ترد فيما أثر عن عمر 3 ؛ لكن الفقهاء أضافوا كلمة النظائر إلى كلمة الأشباه، وذلك لأنهم لما أرادوا أن يتكلموا في القواعد وجدوها على أصناف متعددة من قواعد كبرى، وقواعد صغرى، وقواعد مذهبية تختلف باختلاف المذهب، وبجانب تلك القواعد أ َل ْف َ وا ما يتلاءم معها من فنون فقهية أخرى مثل: الفروق وأحكام وحقائق هي في الواقع متشابهة مع وجود بعض الفرق فيما بينها، مثل: الوضوء والغسل والنسيان والخطأ، وكل ذلك أفضى بهم إلى إلحاق النظائر إلى الأشباه (١)عبد الرحمن ٰ بن محمد بن محمد، ابن خلدون، (أبو زيد، ولي الدين)، (و: ٧٣٢ ه/ ١٣٣٢ م ٨٠٨ ه/ ١٤٠٦ م)، الفيلسوف المؤرخ، العالم الاجتماعي البحاثة. ولي قضاء المالكية في مصر. اشتهر بكتابه: العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر؛ وكتاب في الحساب؛ ورسالة في المنطق؛... إلخ. .٣٣٠/ الزركلي، الأعلام، ٣ (٢) ابن خلدون: المقدمة، ص ٤٥٣ ، ونص العبارة كما يلي: ...» ثم نظرنا في طرق استدلال الصحابة والسلف بالكتاب والسن ﱠ ة، فإذا هم يقيسون الأشباه بالأشباه... ويناظرون الأمثال ﱡ بالأمثال بإجماع منهم، وتسليم بعضهم لبعض في ذلك، فإن كثيرا ً من الواقعات بعده صلوات الله عليه لم تندرج في النصوص الثابتة، فقاسوها بما ثبت، وألحقوها بما نص عليه بشروط في ذلك الإلحاق تصحح تلك المساواة بين الشبهين أو المثلين، حتى يغلب الظن أن حكم الله تعالى فيهما واحد، وصار ذلك دليلا ً شرعيا ً ،« بإجماعهم وهو القياس ّ ص ٤٣٥ أيضا ً. حتى يمكن جمع تلك الأصناف تحت عنوان شامل، ولا يعد ما يندرج «(١) تحتها دخيلا ً ومقحما ً . ولا شك أن ذلك كان مبنيا » : ويضيف في السياق نفسه ً على أمر دقيق، إذ ّ إنهم أدركوا أن كلمة الأشباه لا تفي بالغرض الذي يتوخونه بحيث يدخل فيها القواعد والضوابط، ولكن لا يدخل فيها الفروق بحال من الأحوال، لأن الفروق عبارة عن شيئين بينهما شبه ضعيف في الظاهر، ولكن يظهر الفرق «... بينهما عند التدقيق والتأمل(٢) . ويشير الباحسين أيضا ً إلى سبب اختيار بعض الفقهاء تسمية كتبهم بالأشباه الأشباه » والذي يظهر أن إيراد مثل هذه الأبواب في كتب » : والنظائر فيقول « الأشباه والنظائر » هو الذي دفع طائفة من العلماء إلى تسمية كتبهم « والنظائر لتشمل المتشابهات التي تجمعها القواعد والضوابط، والمتشابهة صورة المختلفة حكما ً « التي تدخل في مصطلح النظائر(٣) . والحاصل : أن الأشباه: هي الفروع الفقهية التي تشبه بعضها البعض في أكثر الوجوه، مما يقتضي التساوي في الحكم، أما النظائر: فهي الفروع الفقهية التي تشتبه بعضها البعض في بعض الوجوه ولو كان وجها ً واحدا ً مما يقتضي الاختلاف في الحكم، ومن واقع النظر في كتب الأشباه والنظائر أرى أن التعريف المناسب للأشباه والنظائر هو: المسائل التي يشبه بعضها من ناحية التصوير وحكمها واحد(٤) . (١) . الندوي: المرجع نفسه، ص ٧٦(٢) . المرجع نفسه، ص ٧٧(٣) . الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٩٥ (٤) الشعلان عبد الرحمن ٰ بن عبد الله: محقق كتاب القواعد لأبي بكر محمد بن عبد المؤمن ١٤١٨ ه/ ١٩٩٧ م، نشر مكتبة الرشد ، المعروف بتقي الدين الحصني (ت: ٨٢٩ ه)، ط ١ .٢٩/ وشركة الرياض للنشر والتوزيع، الرياض السعودية، ١ ٢ أهمية الأشباه والنظائر: لا ريب أن ّ أهمية علم الأشباه والنظائر ترجع إلى الأثر المترتب على دراسته، فإن ّ من يدرس القواعد يستطيع أن يخرج عليها، ما قد يحدث من ّ المسائل، ولا يقف عند حادثة إلا ويجد لها حك ْ ما ً شرعيا ً عن طريق الإلحاق ُّ والتخريج. أما الإلحاق فهو قياس مسألة جد ّ ت على فرع متشابه لها مندرج تحت قاعدة لتأخذ حكم ذلك الفرع، وأما التخريج فهو الإتيان بالمسألة التي جد ّ ت ولم يكن لها شبيه فنخرجها على القاعدة، فمثلا ً لو قيل: هل الوضوء يحتاج إلى نية؟ نقول: الوضوء عبادة، وكل عبادة تحتاج إلى نية، فالوضوء يحتاج إلى نية، وكذلك لو سئلنا عن استحقاق الإخوة الأشقاء الميراث مع الإخوة لأم، ،« الاجتهاد لا ينقض بالاجتها د » نقول: استحقاق الإخوة الأشقاء اجتهاد، و فينتج استحقاق الإخوة الأشقاء لا ينقض بالاجتهاد، ولذلك قضى عمر بن الخطاب 3 باشتراك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث، وقسمه بينهم بالتساوي، لا فرق بين ذكر وأنثى كأنهم جميعا ً إخوة لأم، ووافقه على ذلك زيد بن ثابت 3 وجم ْ ع ٌ من الصحابة وإليه ذهب الإباضية ومالك والشافعي(١) . وهناك تخريج آخر وهو تخريج الأصحاب على أقوال المذهب، واشتهر بذلك عند الإباضية أصحاب مدونة أبي غانم الخراساني وأبو سعيد الكدم ي، (١) زكرياء البري: الأحكام الأساسية للميراث، ص ١١٣ . الجصاص، أحكام القرآن، ٢٩٨ . ينظر: أطفيش: شرح / ١١١ . ابن رشد: بداية المجتهد ونهاية المقصد، ٢ /٢ ٤٦٥/ النيل، ١٥ - وقد شذت من ذلك المذكور المسألة » : ٤٦٦ . قال القطب ما نصه الحمارية والمشتركة، ووجه الشذوذ أن الأشقاء عصبة ولم يبق لهم شيء، فالأصل أن لا يأخذوا شيئا ً ولكن حكم لهم بأن يشاركوا الإخوة للأم... في الثلث... فإنما سميت حمارية لقولهم أعني: الأشقاء احسبوا أبانا حمارا ً ، وسميت مشتركة لأن عمر أشرك .«... بينهم، ولذا سميت مشتركة وكذلك أصحاب أبي حنيفة والشافعي ومال ك، وحقيقته: أن يثبت الإمام حك ْ مين مختلفين لمسألتين متشابهتين ولم يظهر ما يصلح للفرق بينهما، فيأتي ُ الأصحاب فينقلون حكم المسألة الثانية للأولى، وينقلون حكم الأولى للثانية، فيحصل في كل مسألة حكمان، أحدهما للإمام بالنص والآخر للأصحاب ُ بالتخريج على نص الإمام(١) . وهكذا يمكن بواسطة الإلحاق والتخريج معرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، وهي المسائل التي تستجد دائما ً ، فإن معرفتنا بأحكام هذه المسائل يتوقف على معرفتنا بهذا العلم، إذ بواسطة معرفتنا بالتخريج على القواعد يمكن إثبات أحكام أفعال المكلفين، وهي لا تتناهى ولا تقف عند حد ّ . ومن هنا فقد نقل السيوطي عن بعض أصحاب الشافعي قولهم: الفقه معرفة النظائر، وذلك مبالغة في بيان أهمية معرفة قواعد الفقه، فمن عرف الأشباه والنظائر المستجدة في فروع الفقه فهو خليق بأن يوصف بأنه فقيه، فلا يكون فقيها ً إلا بمعرفة النظائر؛ لأنه بذلك أدرك وجه الارتباط بين الفروع وما تفرعت عنه، أما من درس الفقه فروعا ومسائل في المذاهب الفقهية دون الربط بينها بواسطة القواعد والضوابط التي تجمعها، ومن غير أن تكون لديه ملكة فقهية، ويقتصر على ذلك، فقد لا يقدر على إثبات ح ُ كم حادثة ليس لها نص في كتب الأئمة(٢) . ويشير السيوطي إلى أهمية معرفة الأشباه والنظائر وضرورة دراستها للفقيه وغيره حتى تتحقق له القدرة على التفريع والتخريج والإلحاق؛ لأنها ترشده إلى وجه الارتباط بين الفروع وما تفرعت عنه، وبها يرتقي الفقيه إلى درجة اعلم أن » : الاجتهاد ولو في الفتوى. يقول في هذا الصدد ّ فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ومآخذه وأسراره، ويتمهر في (١) .٥/ الرملي: نهاية المحتاج. ١(٢) .٣٣٣/ السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٦. ابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين، ١ فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان. وإلى تلك الأهمية أشار الخليفة العادل عمر بن الخطاب 3 في الرسالة التي أرسلها إلى أبي موسى الأشعري 3 وهي رسالة مطولة حيث قال له: اعرف الأشباه والأمثال، وقس الأمور عندك، فاعمد إلى أحبها إلى الله بالحق »« فيما ترى(١) . فهذا النص تضمن أسس القضاء، وفيه إشارة إلى أن من النظائر ما يخالف نظيره في الحكم لمدرك خاص، وليس كل النظائر المتحدة الصورة والعلة تأخذ حكما ً واحدا ً ، لأن بعض النظائر تخالف النظائر الأخرى، وينبه عمر أبا موسى إلى هذا الأمر فيقول له: لا يغرنك ما تراه من اتحاد الصورة والشكل، ويوصيه بأن يعرف الأشباه والنظائر حتى تتكون عنده ملكة وحصيلة فقهية ّ يستطيع بها إعمال القياس متى عرفها، لأن القياس يترتب على معرفة الأشباه والنظائر، فالأشبهية في الحق سبب في كون الأمر أحب إلى الله، وليس عليه أن يصل إلى عين الحق واليقين(٢) . أي فيما تظن، وفيها إشارة إلى أمرين: :« فيما ترى » : وقوله ا لأول: أن المجتهد لا يكلف أن يصل إلى نفس الحق، وإنما يكلف بما يظنه صوابا ً. الثاني: أن المجتهد لا يقلد غيره؛ لأنه عدول عن الراجح عنده إلى الأقل رجحانا ً في نظره؛ ولأن ما وصل إليه هو الصواب في رأيه، ولأن تقليده لغيره خطأ عنده، فلو حكم برأي غيره وترك رأي نفسه كان حكمه بغير الصواب، والحكم بغير الصواب حكم بالخطأ فيكون خطأ(٣) . (١) ٨٥/ السيوطي: المصدر السابق، ص ٧. ابن القيم: المصدر السابق، ١ - .٨٦ (٢) . عزام عبد العزيز: القواعد الفقهية، ص ٧٧(٣) .١٤٨/ عزام عبد العزيز: النظام القضائي في الإسلام، ١ وهكذا يتضح مما تقدم أن معرفة الأشباه والنظائر ضرورية للفقيه والمفتي والمجتهد والقاضي، وذلك لأن هؤلاء يفتون ويقضون، ويبينون الأحكام للناس، فكان الواجب لتمام عملهم، وصحة قضائهم وفتاواهم، هو حفظ القواعد الفقهية إلى جانب معرفة الكتاب والسن ﱠ ة والإجماع، ومعرفة كيفية ﱡ القياس للمسكوت عنه على المنصوص عليه، أما عوام الناس فالواجب عليهم هو سؤال أهل الفتوى في دين الله من الفقهاء لقوله تعالى: ﴿ ut zyxwv ﴾ (الأ نب ياء : ٧ (. ٣ علاقة القواعد الفقهية بالأشباه والنظائر: إذا أخذنا في تعريف الأشباه والنظائر بتعريف الحموي والحسيني والنابلسي وغيرهم فإنه لا علاقة بين القواعد الفقهية والأشباه والنظائر، وإذا أخذنا بالتعريف الذي اخترته نجد هناك علاقة بينهما، فهما يتفقان من وجوه: الأول: عند وضع القاعدة الفقهية التي لم تؤخذ من نصشرعي؛ فإن ﱟ القاعدة مستمدة من الأشباه والنظائر، وقد أشار بعضهم إلى هذه العلاقة في هي كل فرع فقهي بينه وبين الآخر وجه » : سياق تعريفه للأشباه والنظائر فقال شبه فيتآخيان في وجه الشبه، ويرتبطان بالأم وهي القاعدة الكلية، وكذلك النظائر؛ لأن شبيه الشيء نظيره، ونظير الشيء شبيهه، وبهذا يتم جمع الحوادث المتشابهة المعبرة عنها بالفروع، ووضعها تحت القاعدة الكلية، ومتى علمنا الأشباه والنظائر أمكننا الانتقال منها إلى القاعدة الكلية(١) . وعلى هذا فلا يمكننا الوصول إلى القاعدة الكلية ومعرفتها إلا بعد معرفة الفروع المندرجة تحتها، وهذه طريقة الحنفي ة، وهي أمثل من طريقة الشافعي ة؛ لأنها تنقل الدارس من الجزء إلى الكل، ومن المحسوس إلى المعقول، وهذا هو التدرج المعقول، فالحنفية فرعوا ثم قعدوا، وأما الشافعية فإنهم قعدوا ثم فرعوا. ّ (١) .٧٦ - عزام عبد العزيز: القواعد الفقهية، ص ٧٥ الثاني: بعد وضع القاعدة الفقهية، وفي تلك الحالة تعتبر الأشباه والنظائر هي مجال تطبيق القاعدة. الثالث: أن ّ الأشباه والنظائر تتفق مع القواعد الفقهية من حيث الموضوع، وهو الفروع الفقهية المتشابهة. الرابع: كما يتفقان من حيث الأثر، وهو الكشف عن الحكم الشرعي. وتختلف الأشباه والنظائر عن القواعد الفقهية من عدة وجوه منها: أ أن الأشباه والنظائر تهتم بالفروع والجزئيات المتشابهة، في حين أن القواعد الفقهية تهتم بالرابط الجامع للفروع والجزئيات(١) ، أو الصفة المشتركة بين الفروع التي تنطبق على القاعدة، فالقواعد الفقهية تمثل المفاهيم(٢) والأحكام العامة، والأشباه والنظائر تمثل الماصدقات(٣) ، أو الوقائع الجزئية التي تتحقق بها تلك المفاهيم أو تنتفي عنها، فمن نظر إلى على كتابه، « القواعد » المعنى الجامع والرابط بين الفروع اتجه إلى إطلاق وقد ،« الأشباه والنظائر » ومن نظر إلى الفروع الجزئية اتجه إلى إطلاق الفرق » أو « الفروق » تفسير إدخالهم « القواعد » يعسر على من سموا كتبهم وبعض المباحث الأخرى في كتبهم، إذا فسرنا القاعدة أو « والاستثناء الضابط بالمعنى الاصطلاحي المعروف، إلا بنوع من التأويل، ولهذا نجد أكثر تصويرا « الأشباه والنظائر » أن التعبير ب ً لموضوعات كتب القواعد الفقهية بوجه عام(٤) . (١) . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية والضوابط الفقهية، ص ٣٤(٢) المفهوم: هو الصفات الأساسية المشتركة بين الأفراد. (٣) الماصدق: هو الأفراد الذين يطلق عليهم اللفظ. ينظر: في معنى المفهوم والماصدق: المنطق لكريم متى، ص ٢٧ ، وضوابط « المنطق » التوجيهي لأبي العلا عفيفي، ص ٢٥ . وكتاب .٤٢ ، المعرفة، لعبد الرحمن حبنكة الميداني، ص ٤١ ٰ (٤) .٩٩ ، الباحسين يعقوب: القواعد الفقهية، ص ٩٨ ب أنها أعم من القواعد الفقهية؛ لأن علم الأشباه والنظائر يهتم ببيان المسائل الفقهية المتشابهة في المعنى المتحدة في الحكم، والمسائل المتشابهة في الظاهر المختلفة في المعنى والحكم، كما أن ّ التماثل في الحكم يرجع إلى الاتحاد في المعنى لا الظاهر، ولكن كتب الأشباه والنظائر لم تقتصر على تلك المسائل فقط، وإنما أضافت إليها المسائل المتشابهة في الظاهر والحكم، وهي التطبيقات الفقهية على القواعد الفقهية، وهذا النوع من المسائل هو الغالب في تلك الكتب، حيث تتصدر القواعد الفقهية هذه الكتب، فيشمل هذا العل َ م على القواعد الفقهية والفروق الفقهية(١) . والجدير بالذكر أن ما ذ ُ كر في بيان العلاقة بين القواعد الفقهية والأشباه والنظائر إنما أساسه النظر إلى تعريفهما، أما بالنظر إلى واقع المؤلفات في علم القواعد الفقهية، فإننا نجد أن العلماء أحيانا يطلقون على القواعد الفقهية فن الأشباه والنظائر، ولا يشددون في التفريق بينهما، ولعل هذا الأمر يتضح أكثر بعد ذكر بعض الكتب التي تسمى بالأشباه والنظائر. منذ « الأشباه والنظائر في الفقه » وإذا دققنا النظر في المؤلفات المسماة كتاب ابن الوكيل الشافعي ( ٧١٦ ه) إلى كتاب ابن نجيم الحنفي ( ٩٧٠ ه)، وجدنا بعض تلك المؤلفات تتناول مسائل الفقه وأصول الفقه، وأحيانا ً بعض مسائل علم الكلام التي لها صلة بالموضوع اعتبارا ً بالفروع المتشابهة المتناظرة، ولو كان الشبه ضعيفا ً كما في الفروق، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الأشباه والنظائر ليس معناها القواعد الفقهية فحسب، بل هي شاملة لمختلف الفنون، التي لها علاقة بقواعد الفقه، ويمكن إجراؤها في سائر العلوم إذا توافرت الشروط واتضحت المعالم(٢) . (١) . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ٣٣(٢) .٧٩ ، الندوي: القواعد الفقهية، ٧٨ أما ما قاله عبد الغني النابلسي وغيره من شراح الأشباه والنظائر لابن نجيم بأن المراد منها: المسائل التي يشبه بعضها بعضا ً مع اختلافها في الحكم لأمور خفية أدركها الفقهاء بدقة أنظارهم، ولما اشتمل هذا الكتاب عليها وهي مفرقة في الفنون بالمعنى المقصود منها سمي هذا الكتاب باسمها، فقيل ﱠ الأشباه والنظائر، إما مجاز من تسمية الكل باسم الجزء، أو من تسمية اللفظ باسم المعنى. وكذلك ما ذكره الحموي : إن التسمية بهذا الاسم مجاز علاقته الكلية » والجزئية، وذلك لأن فن الأشباه والنظائر بعض من ذلك، فأطلق على « كله(١) . فهذا الإطلاق ليس لاشتمال الأشباه على الفروق، بل لاشتمالها على فنون أخرى بعيدة عن الأشباه والنظائر ومن القواعد الفقهية كالألغاز والحيل، أما أشباه السيوطي وغيره فإطلاق اللفظ ينطبق على معناه المتعارف(٢) . وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه رغم اهتمام الفقهاء بموضوع الأشباه والنظائر وبيان أهميته، والكتابة فيه، إلا أن الإباضية لم نعثر عندهم على شيء في مصنفاتهم يشير إلى هذا الموضوع، ولم ينقل عنهم تأليف في هذا الشأن، ولا ندري هل يعنون بهذا المصطلح شيئا ً آخر أم لم يتعارفوا عليه في كتاباتهم؟ ولذلك لم يؤلفوا فيه شيئا ً سواء في الفقه أم في فنون أخرى، كما هو المشهور عند غيرهم، ولعل الأيام كفيلة بظهور مصنف في هذا المجال كان مغمورا ً ، أو يعمد بعض الباحثين إلى التأليف فيه، على غرار ما فعله من قبل ابن نجيم الحنفي أسوة بالسيوطي الشافعي، لتدارك هذا النقص في الفقه الإباضي. (١) .١٨/ الحموي أحمد: غمز عيون البصائر، ١(٢) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٧٩ :á«¡≤ØdG ¥hôØdGh á«∏μdG óYGƒ≤dG :É°SOÉ°Sk الفروق الفقهية علم من علوم الفقه باعتباره يرتكز أساسا ً على الفروع الفقهية، وأول من صنف فيه أحمد بن عمر بن سريج الشافعي ( ٣٠٦ ه)، ثم توالت المؤلفات لهذا الفن في أوساط المذاهب الفقهية المشهورة(١) . ويبدو أن لهذا الفن أسبقية من حيث التأليف والتدوين بالنظر إلى القواعد الفقهية، فقد تأخر رصدها وتدوينها في كتب مستقلة، إذ إن أول كتاب في موضوعها وصل إلينا هي رسالة الإمام الكرخي ( ٣٤٠ ه) ورسالة التعارف لابن بركة البهلوي (ت: ٣٦٢ ه/ ٩٧٢ م) على رغم وجودها ونشأتها في فجر تاريخ الفقه الإسلامي. واسترعى « الفروق » ولعل السبب الذي دفع العلماء إلى التأليف بعنوان انتباه الفقهاء إلى هذه الظاهرة بوجه خاص، وجود المسائل المتشابهة المتحدة في صورها والمختلفة في أحكامها وعللها بكثرة ليس من الميسور إحصاؤها(٢) . ويستفاد مما سبق أنه جرى تدوين الفروق أولا ً ، والقواعد الفقهية ثانيا ً ، ثم جمع بين الموضوعين بعنوان الأشباه والنظائر في بعض المؤلفات. ُ فما المراد بالفروق الفقهية؟ وما العلاقة بينه وبين القواعد الفقهية؟ ١ تعريف الفروق الفقهية: الذي يذكر فيه الفرق بين النظائر » : عرف السيوطي الفروق الفقهية بأنها ﱠ «(٣) المتحدة تصويرا ً ومعن ً ى المختلفة حكما ً وعلة ً . (١) توجد عدة كتب في الفروق الفقهية بالإضافة إلى كتب الأشباه والنظائر، ومن تلك الكتب: الفروق الفقهية لأبي الفضل مسلم بن علي الدمشقي (توفي في القرن الخامس الهجري)، والفروق لأسعد بن محمد الكرابيسي الحنفي (ت: ٥٧٠ ه)، وعدة البروق في جمع ما في المذهب من المجموع والفروق لأحمد يحيى الونشريسي (ت: ٩١٤ ه). لم نعثر على مصنف إباضي بهذا الاسم ولعل جهود الباحثين ستكشف عن كتاب في هذا الموضوع كان مغمورا ً. (٢) . الندوي علي أحمد: القواعد الفقهية، ص ٨٠(٣) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٧ وتناول محمد الفاداني(١) بعض كلام الزركشي بالشرح « الفوائد الجنية » في معرفة الجمع والفرق: أي ما يجتمع مع آخر » : وفيه بيان لمعنى الفروق فقال في الحكم ويفترق معه في حكم آخر، كالذمي والمسلم يجتمعان في أحكام ويفترقان كذلك... ومن هذا الفن نوع يسمى الفروق وهو: معرفة الأمور « الفارقة بين مسألتين متشابهتين بحيث لا يسوى بينهما في الحكم(٢) . لأبي محمد الجويني « الفروق » وجاء في مقدمة (٣)ما يقرب إلى الذهن فإن مسائل الشرع ربما يتشابه » : المعنى المراد من هذا الفن حيث يقول صورها ويختلف أحكامها لعلل أوجبت اختلاف الأحكام، ولا يستغني أهل التحقيق عن الاطلاع على تلك العلل التي أوجبت افتراق ما افترق منها واجتماع ما اجتمع منها، فجمعنا في هذا الكتاب... مسائل وفروقا ً بعضها «... أغمض من بعض(٤) . واقترح يعقوب الباحسين تصويرا ً العلم الذي يبحث فيه » : لهذا الفن بأنه ُ عن وجوه الاختلاف وأسبابها بين المسائل الفقهية المتشابهة في الصورة، والمختلفة في الحكم: من حيث بيان معنى تلك الوجوه، وما له صلة بها، ومن حيث صحتها وفسادها، وبيان شروطها، ووجوه دفعها، ونشأتها، وتطورها، « وتطبيقاتها، والثمرات والفوائد المترتبة عليها(٥) . (١) لم نقف على ترجمته. (٢) الفاداني محمد ياسين: الفوائد الجنية حاشية على الفوائد البهية في شرح منظومة القواعد .٨٧/ الفقهية، ١(٣) الجويني عبد الله بن يوسف بن محمد، (أبو محمد)، (ت: ٤٣٨ ه/ ١٠٤٧ م)، والد إمام الحرمين الجويني. من علماء التفسير واللغة والفقه. من كتبه: التفسير؛ التبصرة والتذكرة؛ الوسائل في .١٤٦/ فروق المسائل؛ الجمع والفرق، في فقه الشافعية؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٤(٤) ، شريط مصور، رقمه في المركز ٣٥ « الفروق » ٨٢ نقلا من ، الندوي: القواعد الفقهية، ص ٨١ . مصدره: مكتبة والدة ترخان سلطان ضمن مكتبة سليمانية، رقم ١٤٦ ، أصول الفقه، و: ١(٥) . الباحسين يعقوب: الفروق الفقهية والأصولية، ص ٢٥ إذا طرح في الماء تراب فتغير به » : ومن أمثلة الفروق في الفقه قولهم طعمه، أو لونه، أو ريحه، لم يسلبه التطهير، ولو طرح فيه طاهر غير التراب كالزعفران، والعصفر، والصابون، والملح الحجري، وغيره بمخالطته بعض صفاته، سلبه التطهير، والفرق بينهما أن التراب يوافق الماء في صفتيه الطهارة والتطهير، فلا يسلبه بمخالطته شيئا ً «... منها(١) . ومن هذا القبيل قولهم: إن الشهادة والرواية تتشابهان في أن ّ كلا ّ ً منهما خبر، ولكن الرواية خبر من النبي صلى الله عليه وسلم للكافة، والشهادة خبر أمام القاضي تثبت به الأحكام. وكذلك الفرق بين القضاء والفتوى، فإن القضاء خبر ملزم في مجلس القاضي، والفتوى خبر من الفقيه غير ملزم(٢) . ٢ أهمية الفروق الفقهية ووظيفتها: نبه بدر الدين الزركشي على أهمية هذا الفن ونوه به فقال في مقدمة ﱠﱠ الثاني (من أنواع الفقه): معرفة الجمع والفرق، وعليه جل مناظرات » :« القواعد »السلف حتى قال بعضهم: الفقه جمع وفرق، ومن أحسن ما صنف فيه كتاب ٍ الشيخ أبي محمد الجوين ي، وأبي الخير ابن جماعة المقدسي(٣) ، فكل فرق بين مسألتين مؤثر ما لم يغلب على الظن أن الجامع أظهر، قال الإمام(٤) : ولا ي ُ كتف َ ى بالخيالات في الفروق، بل إن كان اجتماع مسألتين أظهر في الظن من افتراقهما «... وجب القضاء باجتماعهما، وإن انقدح فرق على بعد(٥) . ُ (١) الندوي: المصدر نفسه، ص ٨٢ ، نقلا ً للسامري: شريط مصور في المركز، « الفروق » عن رقم ٣٦ ، مصدره المكتبة الظاهرية، رقم ٢٧٤٥ ، أصول الفقه، و: ٣ الوجه الأول. (٢) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٨٣(٣) لم نقف على ترجمته. (٤) الظاهر أن المراد منه إمام الحرمين الجويني. (٥) الندوي: المصدر السابق، ص ٨١ ، نقلا ً . و ٢ ،« القواعد في الفقه » ، عن الزركشي وتكمن وظيفة هذا الفن في إظهار المسائل بوضوح، وكشف النقاب عن الاختلاف في الحكم والمناط في المسائل المتشابهة من حيث الصورة، أو المسائل المتقارب بعضها من بعض، حيث يتضح بذلك للفقيه طرق الأحكام، ويكون قياسه للفروع على الأصول متسق النظام كما قال معظم الدين السامري(١) « الفروق » الحنبلي في كتابه(٢) . َّ ّ ٣ العلاقة بين الفروق والقواعد الفقهية: تتفق الفروق الفقهية مع القواعد الفقهية من حيث الموضوع، وهو الفروع الفقهية المتشابهة، ويختلفان من عدة وجوه منها: أ الفروق الفقهية تهتم بالفروع المتشابهة من حيث الصورة المختلفة في الحكم، في حين أن القواعد الفقهية تهتم بالفروع الفقهية المتشابهة من حيث الصورة والمعنى والحكم. ب الفروق الفقهية تبحث في أسباب الافتراق بين الجزئيات المتشابهة، في حين أن القواعد الفقهية تبحث في الرابط الجامع للفروع والجزئيات(٣) . (١) السامري محمد بن عبد الله بن الحسين، (أبو عبد الله، نصير الدين)، (و: ٥٣٥ ه/ ١١٤٠ م ت: ٦١٦ ه/ ١٢١٩ م)، حنبلي، من كبار القضاة. ولد بسامراء، وولي قضاءها وأعمالها مدة؛ ثم ولي القضاء والحسبة ببغداد، وصرف عنهما فلزم بيته. من كتبه: المستوعب، في الفقه؛ .٢٣١/ الفروق؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٦ (٢) الندوي: المرجع نفسه، ص ٨٢ ، نقلا ً للسامري، شريط مصور في المركز، « الفروق » عن . رقم ٣٦ ، مصدره: المكتبة الظاهرية، رقم ٢٧٤٥ ، أصول و: ١ (٣) محمد أبو الأجفان وحمزة أبو فارس، تحقيق مقدمة الفروق الفقهية لأبي الفضل الدمشقي، ص ٢٨ . محمد عثمان شبير: القواعد الكلية، ص ٣٥ . الباحسين: الفروق الفقهية . والأصولية، ص ٢٥ أنواع القواعد الفقهية وأهميتها وحجيتها يشتمل هذا المبحث على دراسة أنواع القواعد الفقهية ومراتبها، وتقسيماتها عند الفقها ء، وبيان أهميتها ومكانتها في التشريع الإسلامي، وفائدة دراستها للمتخصص وغيره، وينظ َ ر في حجية القواعد الفقهية ُ ووظيفتها، ومدى الاعتماد عليها في الاستدلال والاحتجاج بها في المسائل والنوازل المتجددة. تتنوع القواعد الفقهية باعتبارات مختلفة إلى عدة أنواع، وسنذكر فيما يلي أهم هذه الأنواع والتقاسيم حسب الحيثيات المختلفة. k ,á∏eÉ°T iôÑc ≈dEG ´É°ùJ’Gh ∫ƒª°ûdG QÉ``ÑàYÉH óYGƒ≤dG º«°ù≤J :’hCG iôÑc IóYÉb hCG »¡≤a ÜÉÑH á°UÉNh ,(١) : k ’ƒª°T πbCGh أ فالقواعد الكلية الكبرى ا لشاملة : هي القواعد التي ترجع إليها مسائل كثيرة من جميع أبواب الفقه، وقالوا عنها: إن الفقه ي ُبن َ ى عليها، وهي القواعد الخمس التي ذكرها السالمي في طلعة الشمس(٢) ، والراشدي في جواهر القواعد(٣) ، والسيوطي وابن نجيم في الأشباه والنظائر(٤) ، وهي كما يلي: ﺭﻮﻣﻷﺍ» .« ﺎﻫﺪﺻﺎﻘﻤﺑ • ﻦﻴﻘﻴﻟﺍ»ﻻ ﻝﻭﺰﻳ ﻚﺸﻟﺎﺑ.« • ﺔﻘﺸﻤﻟﺍ» ﺐﻠﺠﺗﺮﻴﺴﻴﺘﻟﺍ« • ﺭﺮﻀﻟﺍ» .« ﻝﺍﺰﻳ • ّ .«ﺔﻤ ﺓﺩﺎﻌﻟﺍ»ﻜﺤﻣ • ب وأما القواعد التي هي أقل شمولا ً من ا لكبرى : وسماها الطوفي (٥) (١) . الباحسين: القواعد الفقهية، ١١٨ . محمد شبير: القواعد الفقهية، ص ٧٢(٢) .١٩١/ السالمي نور الدين: طلعة الشمس، ٢(٣) . الراشدي سفيان: جواهر القواعد من بحر الفرائد، ص ٥٣(٤) ، ٩٩ . ابن نجيم: الأشباه والنظائر: ص ٢٧ ،٩٢ ،٨٤ ،٥٩ ، السيوطي: الأشباه والنظائر، ٩ .٩٣ ،٨٥ ،٧٥ ،٥٧(٥) الطوفي: سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع، نجم الدين = بالصغرى، فهي التي ترجع إليها مسائل كثيرة من أبواب الفقه، ولا تختص بباب واحد، لكنها أقل من حيث عدد المسائل وأبواب الفقه، وأطلق عليها السيوطي (ت: ٩١١ ه) وابن نجيم (ت: ٩٧٠ ه): قواعد كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية، وأوصلها السيوطي إلى أربعين قاعدة، واقتصر ابن نجيم على ذكر تسع عشرة منها، ونشير هنا إلى أن ّ معظم هذه القواعد ورد ذكرها في المصنفات الفقهية الإباضية تصريحا ً أو تلميحا ً ، وهي معتمدة عندهم ما عدا بعضها هي محل خلاف، ونذكرها كما يلي: ١ الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد » « (١) . ٢ إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام » « (٢) . ٣ الإيثار في القرب مكروه، وفي غيرها محبوب » « (٣) . ٤ « التابع تابع »(٤) . ٥ الحدود تسقط بالشبهات » « (٥) . = ٦٥٧) - ٧١٦ ه/ ١٢٥٩ - ١٣١٦ م): فقيه حنبلي، من العلماء. ولد بقرية طوف أو طوفا، في أصول الدين، « بغية السائل في أمهات المسائل » : وتوفي في بلد الخليل (بفلسطين). له مختصر الجامع » و « الذريعة إلى معرفة أسرار الشريعة » في أصول الفقه، و « معراج الوصول » و .١٢٧/ في مجلدين. الأعلام للزركلي: ٣ « الصحيح للترمذي خ (١) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١١٣ . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ١٠٥(٢) السيوطي: الأشباه، ص ١١٧ . ابن نجيم: الأشباه، ص ١٠٩ . الوارجلاني أبو يعقوب: .٩٢/ العدل والإنصاف في معرفة أصول الفقه والاختلاف، ١(٣) . السيوطي: الأشباه، ص ١٢٩ . ابن نجيم: الأشباه، ص ١١٩(٤) السيوطي المصدر نفسه، ص ١٣٠ . ابن نجيم: المصدر نفسه، ص ١٢٠ . الشماخي، الإيضاح، ١٨٥/ ٣٠١ و ٤ /٣ - وقول المحشي « الفروع تابعة للأصول فوجب لها حكم الأصل » : ١٩٠ بصيغة الحكم الجاري على الأم يجري على حملها مطلقا » : أبو ستة في الحاشية على الإيضاح ً .« (٥) ٣٦٣ ،٢٦٩ ،١٦٥/٢ ،١٨٥/ ابن بركة: الجامع، ١ - ٤٧٦ ،٤٧٣ ،٣٦٤ - ،٥٢٨ ،٥٠٤ ،٤٧٧ ١٢٦ . والكندي محمد بن ، ٥٥٠ . جابر بن زيد: من جوابات جابر بن زيد، ١٢٥ ،٥٣٢.٩٧/ ١٥ . أبو سعيد الكدمي: الجامع المفيد، ٤ //٦٧ .١٢١ ،٩٧/ إبراهيم: بيان الشرع، ٦٠ = . ﺮﺤﻟﺍ»ﻻ ﻞﺧﺪﻳ ﺖﺤﺗﺪﻴﻟﺍ« (١) ٦ـ ﺍﺫﺇ» ﻊﻤﺘﺟﺍ ﻥﺍﺮﻣﺃ ﻦﻣ ﺲﻨﺟ ،ﺪﺣﺍﻭ ﻣَ ﺎ ،ﺪﺼﻘﻟﺍ ﻞﺧﺩ ﺎﻤﻫﺪﺣﺃ ﻲﻓﻘﻔﺘُ ٧ـ « (٢)ً ﺮﺧﻵﺍ ﺎﺒﻟﺎﻏ. . ﻝﺎﻤﻋﺇ» ﻡﻼﻜﻟﺍ ﻰﻟﻭﺃ ﻦﻣﻪﻟﺎﻤﻫﺇ« (٣) ٨ـ . ﺝﺍﺮﺨﻟﺍ»« ﻥﺎﻤﻀﻟﺎﺑ (٤) ٩ـ ١٠ السؤال معاد في الجواب » « (٥) . ١١ لا ينسب للساكت قول » « (٦) . ١٢ الفرض أفضل من النفل » « (٧) . ٦/ الكندي أبو بكر: المصنف، ٤٠ - ٢٦ ٩ - ٤٨ - . ٨٥ . الثميني: الورد البسام، ص ١٤٤ ٤٠٨/ السالمي: العقد الثمين، ٤ - ٢٠٥/ ٤١٤ . وشرح الطلعة، ٢ - ٢٠٦ . جناو بن فتى ٧٠ . بكلي عبد الرحمن ملحق ، و عبد القهار بن خلف وآخرون، أجوبة علماء فزان، ٦٩ ٰ ١١٠١ . السيوطي: / القواعد والضوابط الفقهية على كتاب النيل وشفاء العليل، للثميني، ٣ . نفسه، ص ١٣٦ . ابن نجيم: نفسه، ص ١٢٧(١) السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٣٨ . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ١٣١ . السدويكشي: الحر لا يباع ولا يجري عليه » : ٢٠ بصيغة / ٥ و، ٤ / الحاشية على الإيضاح للشماخي، ٢ .« معنى البيع(٢) . السيوطي: المصدر نفسه، ص ١٤٠ . ابن نجيم: المصدر نفسه، ص ١٣٢(٣) السيوطي: الأشباه، ص ١٤٢ . ابن نجيم: الأشباه، ص ١٣٥ . ابن السبكي: الأشباه والنظائر، .١٨٣/ ١٧١ . الزركشي: المنثور في القواعد، ١ /١(٤) ٩. الكندي، أحمد بن / ٣٢٤ . الكندي، محمد بن إبراهيم، ٣٠ / ابن بركة: الجامع، ٢ .٧١ ،٦٦/١١ .٣٠٢ ،٢٦٥/ ٧٩ . العوتبي، كتاب الضياء، ١٣ / عبد الله، المصنف، ٢٥ ٢٣١ . بكلي عبد الرحمن: ،٢٠٠/ ٢٦٥ . الشماخي، الإيضاح، ٣ ،٢٤٧ ،٢٤١/١٧ ٰ ملحق ١١٠٠ . السيوطي: الأشباه، /٣ .٦٦٤/ القواعد والضوابط الفقهية على النيل للثميني، ٢ .١١٩/ ص ١٥٠ . ابن نجيم: الأشباه، ص ١٥١ . الزركشي: المنثور، ٢(٥) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٥٨ . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ١٥٤(٦) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٥٧ . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ١٥٣(٧) . السيوطي: المصدر نفسه، ص ١٦١ . ابن نجيم: المصدر نفسه، ١٥٧ . ﺎﻣ» ﻡﺮﺣ ﻩﺬﺧﺃ ﻡﺮﺣﻩﺅﺎﻄﻋﺇ« (١) ١٣ـ . ﻞﺒﻗ ،ﻪﻧﺍﻭﺃ ﺐﻗﻮﻋﻪﻧﺎﻣﺮﺤﺑ« (٢) ً ﻦﻣ» ﻞﺠﻌﺘﺳﺍ ﺎﺌﻴﺷ ١٤ـ . ﻑﺮﺼﺗ» ﻡﺎﻣﻹﺍ ﻁﻮﻨﻣﺔﺤﻠﺼﻤﻟﺎﺑ« (٣) ١٥ـ . ﺔﻳﻻﻮﻟﺍ» ﺔﺻﺎﺨﻟﺍ ﻯﻮﻗﺃ ﻦﻣ ﺔﻳﻻﻮﻟﺍﺔﻣﺎﻌﻟﺍ« (٤) ١٦ـ ﻻ» ﺓﺮﺒﻋ ﻦﻈﻟﺎﺑ ﻴﺒﻟﺍ. ﻦ« ﻩﺆﻄﺧ(٥)ّ ١٧ـ ﺎـﻣ»ﻻ ﻞﺒﻘﻳ ﺾـﻴﻌﺒﺘﻟﺍ ﺭﺎﻴﺘﺧﺎﻓ ﻪـﻀﻌﺑ ﺭﺎﻴﺘﺧﺎﻛ ،ﻪﻠﻛ ﻁﺎﻘـﺳﺇﻭ ﻪﻀﻌﺑ ١٨ـ . ﻁﺎﻘﺳﺈﻛ« ﻪﻠﻛ (٦) . ﺍﺫﺇ» ﻊﻤﺘﺟﺍ ﺐﺒﺴﻟﺍ ﻭﺃ ﺭﻭﺮﻐﻟﺍ ﺓﺮﺷﺎﺒﻤﻟﺍﻭ ﺖﻣﺪﻗﺓﺮﺷﺎﺒﻤﻟﺍ« (٧) ١٩ـ وبقية القواعد الآتي ذكرها، لم يوردها ابن نجي م، وإنما جاءت عند السيوطي وغيره كما يأتي: ٢٠ الخروج من الخلاف مستحب » « (٨) . (١) ٥٥٦ ،٣٣٧/ ابن بركة: الجامع، ٢ - ٣٠٠ . الكدمي، المعتبر، / ٥٥٧ . ابن جعفر، الجامع، ١ ١٠٠/٣ - ٢٣/ ١٠٢ . الكندي محمد بن إبراهيم، بيان الشرع، ٣٥ - ٢٤ . الكندي أحمد، . ٧٨ . السيوطي: الأشباه، ص ١٦٧ . ابن نجيم: الأشباه، ص ١٥٨ ،٦٧ ،٥٧/ المصنف، ٢٠ (٢) ٦٨ . الجناوني / ١٣٩ . الكندي أبو بكر أحمد، المصنف، ٣٩ / ابن بركة: الجامع، ٢ أبو زكرياء، كتاب النكاح، ص ١١٠ . بكلي عبد الرحمن: ملحق القواعد والضوابط الفقهية على ٰ . ١١٠٩ . السيوطي: الأشباه، ص ١٦٩ . ابن نجيم: الأشباه، ص ١٥٩ / كتاب النيل للثميني، ٣ .٢٠٥/ ٣٥٠ . الزركشي: المنثور في القواعد، ٣ / ابن الوكيل: الأشباه والنظائر، ١(٣) ٤٦٠ . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٣٤ . ابن نجيم: ،١٣٩/ ابن بركة: الجامع، ٢ .٢٣٤/ الأشباه والنظائر، ص ١٢٣ . الزركشي: المنثور، ١(٤) . السيوطي: الأشباه، ص ١٧١ . ابن نجيم: الأشباه، ص ١٦٠(٥) . السيوطي: المصدر نفسه، ص ١٧٤ . ابن نجيم: المصدر نفسه، ص ١٦١(٦) السيوطي: نفسه، ص ١٧٨ . ابن نجيم: نفسه، ص ١٦٢ . بكلي عبد الرحمن: ٰ ملحق جدول .١١٠٢/ القواعد والضوابط الفقهية على كتاب النيل للثميني، ٣(٧) .١١٠٨/ السيوطي: نفسه، ص ١٧٩ . ابن نجيم: نفسه، ص ١٦٣ . بكلي: المصدر نفسه، ٣(٨) .١٢٧/ السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٥١ . الزركشي: المنثور في القواعد، ٢ . ﻊﻓﺪﻟﺍ» ﻯﻮﻗﺃ ﻦﻣﻊﻓﺮﻟﺍ« (١) ٢١ـ . ﺺﺧﺮﻟﺍ»ﻻ ﻁﺎﻨﺗ ﻲﺻﺎﻌﻤﻟﺎﺑ« (٢) ٢٢ـ . ﺺﺧﺮﻟﺍ»ﻻ ﻁﺎﻨﺗ ﻚﺸﻟﺎﺑ« (٣) ٢٣ـ . ﺎﺿﺮﻟﺍ» ﺀﻲﺸﻟﺎﺑ ﺎﺿﺭ ﺎﻤﺑ ﺪﻟﻮﺘﻳ«ﻪﻨﻣ (٤) ٢٤ـ «(٥)ً ﻥﺎﻛ ﺮﺜﻛﺃﻼﻀﻓ. ً ﺎﻣ» ﻥﺎﻛ ﺮﺜﻛﺃ ﻼﻌﻓ ٢٥ـ . ﻱﺪﻌﺘﻤﻟﺍ» ﻞﻀﻓﺃ ﻦﻣ«ﺮﺻﺎﻘﻟﺍ (٦) ٢٦ـ . ﺔﻠﻴﻀﻔﻟﺍ» ﺔﻘﻠﻌﺘﻤﻟﺍ ﺲﻔﻨﺑ ﺓﺩﺎﺒﻌﻟﺍ ﻰﻟﻭﺃ ﻦﻣ ﺔﻘﻠﻌﺘﻤﻟﺍ«ﺎﻬﻧﺎﻜﻤﺑ (٧) ٢٧ـ . ﺐﺟﺍﻮﻟﺍ»ﻻ ﻙﺮﺘﻳ ﻻﺇﺐﺟﺍﻮﻟ« (٨) ٢٨ـ . ﺎﻣ» ﺐﺟﻭﺃ ﻢﻈﻋﺃ ﻦﻳﺮﻣﻷﺍ ،ﻪﺻﻮﺼﺨﺑﻻ ﺐﺠﻳ ﺎﻤﻬﻧﻮﻫﺃﻪﻣﻮﻤﻌﺑ« (٩) ٢٩ـ . ﺎﻣ» ﺖﺒﺛ ﻉﺮﺸﻟﺎﺑ ﻡﺪﻘﻣ ﻰﻠﻋﺎﻣ ﺖﺒﺛ ﻁﺮﺸﻟﺎﺑ« (١٠) ٣٠ـ . ﺎﻣ» ﻡﺮﺣ ﻪﻟﺎﻤﻌﺘﺳﺍ ﻡﺮﺣﻩﺫﺎﺨﺗﺍ« (١١) ٣١ـ (١) ١٣٥ بصيغة قاعدة: / السيوطي: المصدر نفسه، ص ١٣٤ . ابن السبكي: الأشباه والنظائر، ١ .١٥٥/ الزركشي: المنثور، ٢ .« الدفع أسهل من الرفع »(٢) .١٦٧/ ١٣٥ . الزركشي: المنثور، ٢ / السيوطي: نفسه، ص ١٥٣ . ابن السبكي: الأشباه، ١ .٢٥٨/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١(٣) .١٣٥/ السيوطي: نفسه، ص ١٥٦ . ابن السبكي: المصدر نفسه، ١(٤) .١٧٦/ ١٥٢ . الزركشي: نفسه، ٢ / السيوطي: نفسه. ابن السبكي: نفسه، ١(٥) . السيوطي: نفسه، ص ١٥٩(٦) . المصدر نفسه، ص ١٦٠ (٧) . السابق: ص ١٦٣ (٨) . السابق: ص ١٦٤(٩) .١٣٨/ ٩٤ . ابن الوكيل: الأشباه والنظائر، ١ / السابق: ص ١٦٧ . ابن السبكي: نفسه، ١(١٠) . السيوطي: الأشباه، ص ١٦٧(١١) ٣٠٠ . الكدمي: المعتبر، / ٥٥٧ . ابن جعفر: الجامع، ١ ،٥٥٦ ،٣٣٧/ ابن بركة: الجامع، ٢ ١٠٠/٣ - ٢٣/ ١٠٢ . الكندي محمد بن إبراهيم: بيان الشرع، ٣٥ - ٢٤ . الكندي أحمد: .١٣٩/ ٧٨ . السيوطي: نفسه، ص ١٦٧ . الزركشي: المنثور، ٣ ،٦٧ ،٥٧/ المصنف، ٢٠ . ﻝﻮﻐﺸﻤﻟﺍ» ﻻ« ﻞﻐﺸﻳ (١) ٣٢ـ ﻤﻟﺍ»ْﻜْ ﺮﺒﻜﻳ ﻻ.« ﺮﺒ(٢)ُ ٣٣ـ . ﻞﻔﻨﻟﺍ» ﻊﺳﻭﺃ ﻦﻣﺽﺮﻔﻟﺍ« (٣) ٣٤ـ . ﻝﺎﻐﺘﺷﻻﺍ» ﺮﻴﻐﺑ ﺩﻮﺼﻘﻤﻟﺍ ﺽﺍﺮﻋﺇ ﻦﻋﺩﻮﺼﻘﻤﻟﺍ« (٤) ٣٥ـ . ﻻ» ﺮﻜﻨﻳ ﻒﻠﺘﺨﻤﻟﺍ ،ﻪﻴﻓ ﺎﻤﻧﺇﻭ ﺮﻜﻨﻳ ﻊﻤﺠﻤﻟﺍﻪﻴﻠﻋ« (٥) ٣٦ـ . ﻰﻠﻋ ﻒﻴﻌﻀﻟﺍ ﻻﻭﺲﻜﻋ « (٦) ﻞﺧﺪﻳ» ﻱﻮﻘﻟﺍّ ٣٧ـ . ﺮﻔﺘﻐﻳ» ﻲﻓ ﻞﺋﺎﺳﻮﻟﺍ ﺎﻣﻻ ﺮﻔﺘﻐﻳ ﻲﻓﺪﺻﺎﻘﻤﻟﺍ« (٧) ٣٨ـ . ﺭﻮﺴﻴﻤﻟﺍ»ﻻ ﻂﻘﺴﻳ ﺭﻮﺴﻌﻤﻟﺎﺑ« (٨) ٣٩ـ . ﻢﻳﺮﺤﻟﺍ» ﻪﻟ ﻢﻜﺣﺎﻣ ﻮﻫ ﻢﻳﺮﺣﻪﻟ« (٩) ٤٠ـ ٣ القواعد الخاصة بباب فقهي أو قاعدة كبرى : فهي التي ترجع إليها مسائل كثيرة من باب واحد أو قاعدة كلية، وأطلق عليها ابن السبكي القواعد الخاصة(١٠) ، وهي بمعنى الضابط ومن أمثلتها: (١) . السيوطي: الأشباه، ص ١٦٧(٢) .١٩٧/ المصدر نفسه: ص ١٦٩ . الزركشي: المصدر نفسه، ٣(٣) . السيوطي: نفسه، ص ١٧١(٤) .١٥١/ السيوطي: الأشباه، ص ١٥٧ . ابن السبكي: الأشباه، ١(٥) . السيوطي: نفسه، ص ١٧٥(٦) . السيوطي: المصدر السابق: ص ١٥٧(٧) يغتفر في الشيء إذا كان » : ٣٧٦ بصيغة / المصدر السابق: ص ١٧٥ . الزركشي: المنثور، ٣ تابعا ما لا يغتفر إذا كان مقصودا ً.« (٨) .١٩٨/ ١٥٥ . الزركشي: نفسه، ٣ / السيوطي: نفسه، ص ١٧٦ . ابن السبكي: الأشباه، ١ ١٥٤ . السالمي: العقد الثمين، / ٣٤٧ . السالمي: معارج الآمال، ٦ / ابن بركة: الجامع، ١ .٣٨٩/ ٢١٦ . أطفيش: شرح النيل، ٥ /٤(٩) . السيوطي: الأشباه، ص ١٣٩(١٠) .٢٠٠/ ابن السبكي: الأشباه والنظائر، ١ (٢) ١ أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام » « (١) .. ٢ الخطأ في الأموال مضمون » « (٣) . ٣ إذا زال القبض بطل الرهن » « (٤) . ٤ كل مضاربة انتقضت، فالمال وربحه لربه، وللمقارض أجر مثله »على قدر عنائه « (٥) . ٥ كل شرط لا يحل تملكه، فالبيع جائز والشرط باطل » « (٦) . (١)ي ُ عد هذا ضابطا ً فقهي ّا ً في باب الطهارة من الحيض، وبناء عليه، لا يحكم للدم الذي جاء دون ثلاثة أيام بحكم الحيض، فلا تترك المرأة الصلاة ولا الصوم، ولا تنقضي به العدة، وهذا القول هو المشهور عند أكثر الإباضية، منهم: الربيع بن حبيب الفراهيدي، وهو القول المعتمد عندهم، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وأساسه حديث أخرجه الربيع بن حبيب في ٢١٨ برقم ( ٥٤١ ) كما أخرجه الطبراني في كل / مسنده، ١ ّ ،١٢٩/ من المعجم الكبير، ٨ ،٣٧٠/ ١٩٠ برقم ( ٥٩٩ )، وفي مسند الشاميين، ٢ / برقم ( ٧٥٨٦ )، والمعجم الأوسط، ١ .( برقم ( ١٥١٥ (٢) الجيطالي إسماعيل: قواعد الإسلام، تح: بكلي عبد الرحمن ٰ .٢١٣/ بن عمر، ١ بكلي عبد الرحمن، ملحق القواعد والضوابط الفقهية على النيل للثميني، ذكره بصيغة: ٰ أقل الحيض على الصحيح ثلاثة، وأكثره عشرة، وأقل أيام النفاس عشرة، وأكثره ».٢٨٥/ ينظر: ١ « أربعون(٣) .٤٨٠ ،٢٦٢/٣ .٢٧٤/ ٤٣٧ . الشماخي عامر: الإيضاح، ٢ / ابن بركة: الجامع، ٢ بكلي عبد الرحمن، ملحق القواعد والضوابط الفقهية على النيل للثميني، بصيغة ٰ الخطأ في الأموال والأنفس لا يزيل ضمانا » : أعم ً « ٦٦٥ . وعب / ينظر: ٢ ّ ر عنه زهران يشمل المال والأنفس والأعراض، فأصبح قاعدة « الخطأ مضمون » : المسعودي بصيغة عامة، ينظر: المسعودي: ابن بركة السليمي البهلوي ودوره الفقهي في المدرسة الإباضية . ص ٢٠٠ « الجامع » من خلال كتابه(٤) .٣٤٤/ ابن بركة: الجامع، ٢(٥) .٣١/ الشماخي: الإيضاح، ٣(٦) .٧٧/ الشماخي: الإيضاح، ٣ k á°Uƒ°üæe ≈``dEG ÉgQó°üeh É``¡∏«dO QÉ``ÑàYÉH óYGƒ≤dG º``«°ù≤J :É``«fÉK á£Ñæà°ùeh(١) : ١ فالقواعد الفقهية المنصوصة هي التي ورد بشأنها نصشرعي من كتاب ﱞ أو سن ﱠ ة مثل: الخراج بالضمان » « (٢)و لا ضرر ولا ضرار » « (٣) . ُ ٢ وأما القواعد الفقهية المستنبطة فهي التي استخرجها الفقهاء بعد استقراء يغتفر في البقاء » : الفروع الفقهية، وتتبعوها في مواردها المختلفة، مثل ما لا يغتفر في الابتداء « (٤) . ومن تطبيقاتها في باب الهبة، ما ذكره بكلي ِ إن هبة الحصة المشاعة لا تصح، لكن إذا وهب رجل » : عبد الرحمن ُٰ عقارا ً من آخر، فاستحق من ذلك العقار حصة شائعة، لا تبطل الحصة في .« حق الباقي، مع أنه صار بعد الاستحقاق حصة شائعة « من غر غيره في أمر كان فيه تلف نفسه أو ماله ضمن » : ومثلها قاعدة(٥) ، ّ فقد استأنس ابن بركة بهذه القاعدة على أنها شاهدة لما ذهب إليه من القول بتضمين من كانت له دابة معروفة بالعقر فجعلها في منزله، ثم أسكنه رجلا ً ، وكتمه عيب دابته، فجنت على الساكن فيه؛ لأنه بكتمانه عيب دابته مع تركها في المنزل مع الساكن فيه تغرير للساكن، وتعريض له لما فيه تلف نفسه أو ماله، فضمن جناية دابته(٦) . (١) الباحسين: القواعد الفقهية، ص ١٢٩ . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية والضوابط . الفقهية، ص ٧٣(٢) تخريج هذا الحديث سيأتي لاحقا ً في الفصل السادس عند شرح هذه القاعدة. (٣) تخريج هذا الحديث سيأتي لاحقا ً في الفصل الرابع عند شرح هذه القاعدة. (٤) بكلي عبد الرحمن: ٰ .١٠٩٥/ ملحق القواعد والضوابط الفقهية على النيل للثميني، ٣(٥) .٤٤٤/ ابن بركة: الجامع، ٢(٦) ، ابن بركة: المصدر نفسه. المسعودي زهران: ابن بركة السليمي ودوره الفقهي، ص ١٧٦ .١٧٧ k ≈dEG É¡à«©ÑJh É¡à«dÓ≤à°SG QÉ``ÑàYÉH á«¡≤ØdG óYGƒ≤dG º``«°ù≤J :ÉãdÉK á©HÉJh á«∏°UCG á∏≤à°ùe(١) : ١ القواعد الفقهية المستقلة أو الأصلية: هي القواعد التي لم تكن قيدا ً ، أو شرطا ً ، أو ضابطا ً في قاعدة أخرى، ولم تتفرع عن غيرها، ومن أمثلة ذلك: • القواعد الفقهية الخمس الكبرى المتقدمة. • إعمال الكلام أولى من إهماله . • الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة . ٢ أما القواعد الفقهية ا لتابعة : فهي القواعد التي تخدم غيرها من القواعد من جهتين: أ بأن تكون متفرعة من قاعدة أكبر منها، وتمثل جانبا ً من جوانب القاعدة الكبرى، أو تطبيقا ً لها في مجالات معينة، وليس المقصود بذلك عدم استقلالها « العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني » : في المعنى، كقاعدة الأمور بمقاصدها » : فإنها تمثل جانب المعاملات في قاعدة .« ومن أمثلتها أيضا ً : الأصل في الصفات العارضة العدم » : قاعدة .« الأصل » و براءة الذمة .« الأصل في المياه الطهارة » و .« فإن هذه الأصول تابعة لقاعدة وهي تمثل جانب اليقين منها، وبوجه خاص ،« اليقين لا يزول بالش ك » كبرى هي تطبيقات لأصل العدم. ألفاظ الواقفين ت » : ومن أمثلتها كذلك قولهم ُ بنى على عرفهم .« وقولهم: المعروف بين التجار كالمشروط بينهم » .« وهاتان القاعدتان تمثلان تطبيقا ً العادة محك » لقاعدة أكبر ّ مة « في مجال معين. ب أو تكون قيدا ً أو شرطا ً أو ضابطا ً الضرورة تقدر » : في غيرها، كقاعدة بقدرها .« الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف » و .« فإنها تعد ّ قيدا ً في قاعدة: (١) ينظر: هذا التقسيم في مقدمة محقق القسم الأول من قواعد الحصني لعبد الرحمن ٰ الشعلان، . ص ١٨ ، وكذلك الباحسين: القواعد الفقهية: ١٢١ الضرر يزال » .« لا عبرة بالعرف الطارئ » : وكذلك قاعدة .« العادة تحكم فيما » ولا ضبط له شرعا ً .« الضرورات تبيح » : أو تكون استثناء من غيرها، كقاعدة المحظورات .« فإنها ت َ ستثني حالات الضرورة من المحظورات الشرعية. k É``¡«∏Y AÉ``ª∏©dG ¥É``ØJG QÉ``ÑàYÉH á``«¡≤ØdG ó``YGƒ≤dG º``«°ù≤J :É``©HGQ É¡«a ∞∏àîeh ,É¡«∏Y ≥Øàe ≈dEG ,É¡«a º¡aÓàNGh(١) : ١ فالقواعد الفقهية المتفق عليها نوعان: أ قواعد متفق عليها بين جميع المذاهب الفقهية، كالقواعد الخمس الكبرى، والتي قيل عنها: إن الفقه يقوم عليها. ب القواعد المتفق عليها بين أكثر المذاهب: كالقواعد التسع عشرة التي ذكرها ابن نجي م، واختارها من أربعين قاعدة عند السيوطي . ومن أمثلة هذا التابع تابع » و ،« الاجتهاد لا ينقض بالاجتها د » : النوع .« ٢ القواعد الفقهية المختلف فيها ، نوعان: أ القواعد المختلف فيها بين المذاهب الفقهية، وهي القواعد المتبقية من القواعد الأربعين التي ذكرها السيوطي بعد أن أخرج ابن نجيم التسع عشرة ما حرم » : قاعدة، فهي قواعد مختلف فيها بين الحنفية والشافعي ة، مثل: قاعدة استعماله حرم اتخاذه .« الرخص لا تناط بالمعاصي » و .« ونجد قواعد أخرى عند الإباضية لم ترد عند السيوطي وابن نجيم وهي محل خلاف بين المذاهب لا نكاح بعد سفاح » : مثل قاعدة « (٢) . « الحرام يحر م الحلال » و(٣) . اعتمدها ّ الإباضية في تحريم نكاح مزنية الرجل. (١) . الباحسين: القواعد الفقهية، ص ١٢٥ . محمد شبير: القواعد الكلية، ص ٧٤(٢) وأصلها قول مأثور رواه جابر بن زيد عن شيخه عبد الله بن عباس. ينظر: ابن خلفون: أجوبة .٤٨/ ابن خلفون، ص ٤٢ . أطفيش: شرح النيل، ٦(٣) ينظر: مصطفى أرشوم: النكاح صحة وفسادا ً وآثارا ً . في المذهب الإباضي، ص ٢٤٣ ب القواعد الفقهية المختلف فيها بين علماء مذهب معين، وهي في ﱠ العصيان هل ينافي الترخيص أم » : الغالب ترد بصيغة الاستفهام، ومن أمثلتها«؟ لا(١) الرخص لا تناط بالمعاصي » ، وعبر عنها الشافعية بصيغة .« هل » وكذلك ّ «؟ الأصل في الأشياء قبل ورود الشرع الإباحة أم الحظر(٢) . (١) . الونشريسي أبو العباس: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، ص ١٣٦(٢) .١٩١/ ٦٩ . السالمي: طلعة الشمس، ٢ ،٦٨/ الوارجلاني أبو يعقوب: العدل والإنصاف، ١ إن دراسة القواعد الفقهية من أهم العلوم التي ينبغي لطلبة العلم الاشتغال ِِ بها والتركيز عليها؛ لما تتضمنه من فوائد جمة، ومنافع متنوعة، ولما لها من ّ مكانة مرموقة في أصول الشريعة، وقد كسب هذا العلم أهميته لدى المشتغلين بعلم الشريعة، وخاصة الفقيه والمفتي والقاضي والقانوني والحاكم، حيث إنهم مطالبون بإيجاد حلول عاجلة للقضايا والنوازل المستجدة، حتى يكون ِ الفقه الإسلامي مرنا ً يساير التطورات الحديثة، ومستجدات الحضارة. َ وتبرز هذه الأهمية أكثر فيما نلاحظه من جهود متواصلة بذلها العلماء والفقهاء القدماء والمعاصرون في إبراز هذا العلم بأجمل صورة، وأبهى ح ُ ل ّ ة، ولعمري إن هذا الفن أي: القواعد الفقهية » : حتى قال الإمام السيوطي عنه ِ لا يدرك بالتمني، ولا ينال بسوف ولعل ولو أني، ولا يبلغه إلا من كشف عن ّْ ساعد الجد وشمر، واعتزل أهله وشد ّ المئزر، وخاض البحار وخالط ّ العجاج(١) ، ولازم الترداد إلى الأبواب(٢) في الليل الد ّ اج(٣) ، ويدأب في التكرار والمطالعة بكرة وأصيلا، وينصب نفسه للتأليف والتحرير بياتا ً ومقيلا ً ، ليس ُ له همة إلا معضلة يحلها، أو مستصعبة ع َز ّ ت على القاصرين فيرتقي إليها ّ ويحلها(٤) «...(٥) . (١) غبار الكتب. (٢) يقصد الأبواب الفقهية كباب الطهارة والصلاة والبيوع وغيرها... (٣) الليل الداج، والأصل الداجي: حذف الياء لضرورة السجع ويقصد به شديد السواد. (٤)حل ّ هنا: بمعنى نزل في المكان، والأ ُ ولى بمعنى أوجد لها حلا ّ ً . (٥) ١٤٢١ ه/ ٢٠٠١ م، نشر ، السيوطي: الأشباه والنظائر، تحقيق عبد الكريم الفضلي، ط ١ . المكتبة العصرية، لبنان، ص ١٠ ِِ وعل ْم هذا شأنه، يتطلب من الباحث التعب والجهد والعناء لتحصيله ٌ والإحاطة به، لا يخلو من فوائد جمة، وثمار كثيرة، تتناسب مع هذا الجهد ُ ٍُ الجبار الذي بذله الفقهاء حتى وضعوا لنا علم الفقه الإسلامي في قوالب وأطر تحفظه من الزيغ والشطط. ويمكن تلخيص بعض فوائد دراسة علم القواعد الفقهية فيما يلي: k :á«∏c óYGƒb »``a É¡£Ñ°Vh Iô``KÉæàªdG á``«¡≤ØdG ´hô``ØdG ß``ØM :’hCG يندرج تحت كل قاعدة أو ضابط عدد من الفروع، فهو يسهل للفقيه معرفة الأحكام الفرعية والمسائل الجزئية والإلمام بها، حيث إنه يصعب على الفقيه معرفة جميع المسائل وذلك لكثرتها وتشعبها وتشابهها، وقد أشار إلى هذه الفائدة كل من ك َ تب في القواعد الفقهية من السابقين ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى » : واللاحقين يقول القرافي في هذا الصدد « عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات(١) ويقول ابن رجب : تنظم منثور المسائل في سلك واحد، وتقيد به الشوارد، وتقرب عليه كل » ّ « متباعد(٢) فإن ضبط الأمور » : ويؤكد الزركشي هذا المعنى في عبارته المنتشرة المتعدد ة في القوانين المتحدة هو أدعى لحفظها وأدعى لضبطها، ِ وهي إحدى حك َ م العدد الذي وضع لأجلها، والحكيم إذا أراد التعليم لا بد له أن يجمع بين بيانين: إجمالي تتشوف إليه النفس، وتفصيلي تسكن ّ (١) ١٩٩٨ م، دار ، القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي المالكي، الفروق، ط ١ .٧/ الكتب العلمية، لبنان، ١(٢) ابن رجب عبد الرحمن ٰ بن أحمد بن رجب الحنبلي: تقرير القواعد وتحرير الفوائد، تحقيق .١٤/ ١٩٩٨ م، دار ابن عفان السعودية، ١ ، مشهور حسن آل سلمان، ط ١ إليه، وقد بلغني عن الشيخ قطب الدين السنباطي (١) 5 أنه كان يقول: « الفقه معرفة النظائر(٢) . وهذه الوظيفة التي تنهض بها القواعد الفقهية أكدها كذلك القرافي في وإن » : مناسبة أخرى فقال ْ خ ُرج َ ت الفروع الكثيرة على قاعدة واحدة، فهو أولى ﱢ من تخريج كل نوع فقهي يخصه؛ لأنه أضبط للفقه، وأقوم للعدل وأفضل في رقية الفقيه، وليكن هذا شأنك في تخريج الفقه، فهو أولى بمن علت همته في « القواعد الشرعية(٣) . وفي هذه القواعد الكلية » : وفي هذا الأمر يقول مصطفى الزرقا كذلك الفقهية: ضبط لفروع الأحكام العملية بضوابط تبين في كل زمرة من هذه ِ الفروع وحدة المناط، وجهة الارتباط برابطة تجمعها، وإن اختلفت موضوعاتها َ وأبوابها، ولولا هذه القواعد الفقهية لبقيت الأحكام الفقهية فروعا ً مشتتة، تتعارض ظواهرها دون أصول تمسك بها، وتبرز من خلالها العلل الجامعة، « وتعين اتجاهاتها التشريعية وتمهد بينها طريق المقايسة والمجانسة(٤) . ّ ولعل سبب تركيز الفقهاء على هذه الخاصية في القواعد الفقهية يرجع إلى أن ّ عدد فروع الفقه وجزئياته غير منحصرة، ويزيد تعدادها على الآلاف، خاصة في المذهب الإباضي الذي يزخر بموسوعاته الفقهية التي يبلغ إحداها (١) السنباطي محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر، قطب الدين ولد بسيواس (ت: ٧٢٢ ه) فقيه وأصولي، تفقه بالظهير القزويني وتقي الدين ابن رزين وغيرهما وسمع من الدمياطي وغيره، وبرع في المذهب الشافعي، وأفتى ودرس وتصدر للاشتغال ونفع الطلبة وكان كثير النقل حافظا ً للفروع ناب في الحكم بالقاهرة قال عنه الأسنوي: كان عارفا ً بالفقه والأصول دينا ً خيرا ً سريع الدمعة حسن التعليم ودرس بالفاضلية والحسامية، وعمل أحكام المبعض .٢٠/ وتصحيح التعجيز. الدرر الكامنة من أعيان المائة الثامنة، ٢ (٢) ٦٥/ الزركشي: المنثور في القواعد، ١ - .٦٦ (٣) القرافي: الأمنية في إدراك النية، ص ٧٦ - .٧٧ (٤) . الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي العام، مطبعة طبرية، دمشق ١٣٧٨ ه/ ١٩٦٨ م، ص ٩٤٨ k :á«¡≤ØdG áμ∏ªdG øjƒμJ :É«fÉK ما يربو على التسعين مجلدا ً (١) ، ولأجل ذلك قال الفقيه البابرتي الحنفي (٢)ما وضعه أصحابنا في المسائل الفقهية هو » : (ت: ٧٨٦ ) في عدد مسائل مذهبه وهو عدد كبير يزيد على ضعف ،« ألف ألف ومائة ألف وسبعون ألف ونيف المسائل التي ن ُ سبت إلى أبي حنيف ة، والتي قيل أنها بلغت خمسمائة مسألة، وهو عدد لا يزال ينمو ويتفرع، وتكثر مسائله خلال العصور بتجدد الحوادث، وتعق ّ د المسائل، وحاجة الناس إلى معرفة الأحكام. هذا في مذهب واحد، فما بالك ببقية المذاهب، فإن مسائلها لا تنحصر، ويستحيل على الفقيه أو طالب العلم حفظها، والإلمام بها دون سلوك طرق القواعد الكلية؛ لأن تلك القواعد سهلة الحفظ بعيدة النسيان، ومن ذكرها استحضر عددا ً كثيرا ً من الفرعيات والجزئيات(٣) . وهي صفة راسخة في النفس تحقق الفهم لمقاصد الكلام الذي يسهم في التمكن من إعطاء الحكم الشرعي للقضية المطروحة، إما برده إلى مظانه في مخزون الفقه، أو الاستنباط من الأدلة الشرعية أو القواعد الكلية(٤) . وقد يطلق عليها البصيرة والحكمة والاجتهاد، فالبصيرة مأخوذة من النص (١) موسوعة السعدي جميل بن خلفان، وتسمى قاموس الشريعة نشرته وزارة التراث والثقافة، عمان، بدون تحقيق. ُ (٢) البابرتي محمد بن محمد بن محمود، (أبو عبد الله، أكمل الدين)، (و: ٧١٤ ه/ ١٣١٤ م ت: ٧٨٦ ه/ ١٣٨٤ م)، علامة بفقه الحنفية، عارف بالأدب. رحل إلى حلب ثم إلى القاهرة. وعرض عليه القضاء مرارا ً فامتنع. من كتبه: شرح وصية الإمام أبي حنيفة؛ شرح مختصر ٤٢ . موسوعة السعدي جميل بن / ابن الحاجب؛ شرح ألفية ابن معطي؛ الزركلي، الأعلام، ٧ خلفان، وتسمى قاموس الشريعة. (٣) . ١١٥ . علي جمعة محمد: المدخل، ص ١٤٤ ، الباحسين يعقوب: القواعد الفقهية، ص ١١٤(٤) . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص ٨٦ القرآني ﴿ ONMLKJIHGFEDCBA@ QP ﴾ (الأ نع ام : ١٠٤ ( ، والحكمة مأخوذة من قوله تعالى: ﴿ ¼» ÁÀ¿¾½ ﴾ )البقرة : ( ٢٦٩ ، والاجتهاد مصطلح أصولي معروف(١) . فالقواعد الفقهية تسهم إسهاما ً كبيرا ً في تكوين الملكة الفقهية عند طالب العلم الشرعي، وتساعده على فهم مناهج الفتوى، وتطلعه على حقائق الفقه ومآخذه، وتمكنه من تخريج الفروع بطريقة سليمة، واستنباط الحلول للوقائع اعلم » : المتعددة، يقول السيوطي (ت: ٩١١ ه) في بيان هذه الخاصية المميزة أن فن الأشباه والنظائر (٢)فن عظيم، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ومآخذه ّ وأسراره، ويتميز في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج(٣) ، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث التي لا تنقضي على ممر الزمان، ولهذا قال بعض أصحابنا : « الفقه معرفة النظائر(٤) . الأول (يقصد: علم القواعد) معرفة » : ويقول ابن نجيم في هذا المعنى القواعد التي ت ُرد ّ إليها، وفرعوا الأحكام عليها، وهي أصول الفقه في الحقيقة، َ « وبها يرتقي الفقيه إلى درجة الاجتهاد ولو في الفتوى(٥) . (١) . شبير محمد: المرجع السابق، ص ٥٨ (٢) يقصد به القواعد الفقهية، فقد اصطلح على ذلك بعض الفقهاء كابن السبكي والسيوطي وابن نجيم، يراجع: مدلول الأشباه والنظائر عند الندوي، القواعد الفقهية، ص ٦٣ . ولم ترد هذه التسمية في المصنفات الفقهية الإباضية، ولم يتعارفوا عليها قديما ً أو حديثا ً. (٣) الإلحاق: هو القياس بمدلوله العام، وقد يراد به مدلوله الفقهي، والتخريج: هو استنباط المسائل الفرعية من أصولها سواء كانت قواعد أو أقوالا ً فقهية، يراجع: السيوطي، الأشباه . والنظائر، (هامش) ص ١٤ (٤) المرجع نفسه. (٥) ١٤١٨ ه/ ١٩٩٨ م، المكتبة ، ابن نجيم: الأشباه والنظائر، تحقيق عبد الكريم الفضلي، ط ١ . العصرية بيروت لبنان، ص ١٤ إنها تضبط للفقيه أصول المذهب، » :( ويقول ابن رجب (ت: ٧٩٥ ه وتطلعه على مآخذ الفقه على ما كان عنده قد يغيب، وتنظم له منثور المسائل « في سلك واحد، وتقيد الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد(١) . ويقول الزركشي تأكيدا ً وهذه قواعد تضبط للفقيه أصول » : لهذا الأمر المذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على نهاية المطلب، وتنظم عقده المنثور في «... سلك، وتستخرج له ما يدخل تحت ملك(٢) . ومن هذه النصوص يتبين لنا أن دراسة القواعد الفقهية تشكل عند طالب العلم الشرعي الملكة الفقهية عن طريق فهم مناهج الاجتهاد، والاطلاع على حقائق الفقه ومآخذه، فهي تبلور العقلية الفقهية القادرة على التجميع والتأصيل، بحيث يتمكن من تخريج الفروع على الأصول، وإلحاق الجزئيات بالكليات بطريقة سليمة منضبطة، وتعينه على استنباط الأحكام الشرعية للقضايا المستجدة، ِ ولذلك تصبح القواعد معينا ً ثريا ً للفقهاء والمفتين والقضاة، ومبعث حركة دائمة، َّ ونشاط متجدد، ومصدرا ً خصبا ً لإثراء التشريعات الحديثة، يبعد الفقه عن أن تتحجر مسائله، وتتجمد قضاياه، وتعمل على إحياء الاجتهاد وتجديد الفقه(٣) ، كل ذلك حفاظا ً على الشريعة الإسلامية، وحرصا ً على أن يخضع لها كل ما تعج به الدنيا من الأحداث والنوازل الصغيرة والكبيرة، والفردية والجماعية. وبعد هذا يمكن القول: إن العقلية والملكة المقتدرة على التقعيد والتأصيل، وجودة الصياغة نحن اليوم أحوج إليها من ذي قبل، وفقهنا المعاصر الذي تواجهه العديد من القضايا والمشاكل التي تزخر بها الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وغيرها... هو في أشد الحاجة إلى الفكر (١) . ابن رجب: القواعد، ط د ت، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، ص ٠٣(٢) ١١٤ . وينظر: محمد صدقي البورنو، الوجيز في إيضاح / الزركشي: المنثور في القواعد، ١ . قواعد الفقه الكلية، ص ٢٤(٣) . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ٧٧ . والباحسين يعقوب: القواعد الفقهية، ص ١١٦ k :¿ÉeRC’G ÜôbCG »a á«¡≤ØdG πFÉ°ùªdG π«°üëJ :ÉãdÉK التقعيدي الأصولي الذي يستطيع به أن يرد كل قضية، وكل مشكلة إلى جوف ِ الفرا(١) ، كما أنه محتاج إلى استنطاق ذلك التراث الفقهي الزاخر، بقواعده الفقهية الذي دون فيه الفقهاء عصارات جهودهم، ومنتهى ما وصلوا إليه في ﱠ عملية التقعيد والتأصيل، وطرائق الاستنباط وأساليب الفهم والتفقيه. ولا أكون مبالغا ً إذا قلت: إن أسلوب التقنين والدراسات القانونية بمختلف شعبها التي بلغ فيها اليوم فقهاء القانون إلى مرحلة بعيدة المدى، لا يستغنى ُ عن هذا الفكر التقعيدي التأصيلي، بل به يكتمل وينضج(٢) . وهذا ما يحتاج إليه الفقيه والمفتي والقاضي في وظيفتهم، فهم في أشد الحاجة إلى الوقت الكافي لاستخراج الأحكام الشرعية للمسائل والقضايا المستجدة، فهذه القواعد تعينهم على هذه المهمة في زمن قياسي، وهذا ما وج ﱠ وإن تعارض » : هنا إليه تاج الدين ابن السبكي (ت: ٧٧١ ه) حيث قال الأمران أي: حفظ (الفروع وتعلم القواعد)، وقصر وقت طالب العلم عن الجمع بينهما، لضيق أو غيره من آفات الزمان فالرأي لذي الصحيح الاقتصار « على حفظ القواعد، وفهم المآخذ(٣) . ويؤكد القرافي هذا المعنى حين يتحدث عن الجهود التي يبذلها الفقيه وأجاب الشاسع البعيد وتقارب، وحصل » : حتى يصل إلى حكم المسألة فيقول طلبته في أقرب الأزمان، وانشرح صدره لما أشرقت فيه من البيان، فبين َْ « المقامين شأو بعيد، وبين المنزلتين تفاوت شديد(٤) . ٌ (١)الف ِ را: حمار الوحش، إشارة إلى المثل العربي، كل الصيد في جوف الفرا. (٢) الروكي: قواعد الفقه الإسلامي، ص ١٢٥ - .١٢٦ (٣) ٩/ ابن السبكي: الأشباه والنظائر، ٢ - .١٠ (٤) .٣/ القرافي: الفروق، ١ وهكذا يتبين من كلام القرافي أن أبرز ما يصور لنا أهمية القواعد الفقهية ُّ هو: كونها تجمع شتات المسائل الفقهية، وتربط بين المتناثر من فروع الفقه، فيسهل استحضاره على الفقيه أي وقت شاء، وهو أمر ييسر عملية الإفتاء ﱠ ويقربه، ويوفر فيها الوقت وعناء البحث(١) . :¬æY ¢†bÉæàdG ™aOh ¬≤Ø∏d ΩÉ©dG ≥£æªdG IóMh ≈∏Y á¶aÉëªdG : k É©HGQ إن الاشتغال بالقواعد الفقهية الكلية وحفظها واستيعابها بحيث تجري مجرى الأمثال في شهرتها ودلالتها، ورد الجزئيات إليها يؤدي إلى المحافظة على وحدة المنطق العام للفقه ودفع التناقض عنه. إن تخريج الفروع استنادا ً إلى القواعد الكلية يجنب الفقيه من التناقض الذي يترتب على التخريج من المناسبة الجزئية، وقد نب ﱠ ه القرافي (ت: ٦٨٤ ه) إلى هذا، وذكر أن تخريج الفروع على المناسبات الجزئية دون القواعد الكلية سيؤدي حتما ً إلى انتقاض أحكام الفروع واختلافها، يقول في هذا الصدد: ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت »« عليه الفروع واختلفت، وتزلزلت خواطره بها واضطربت(٢) . وقد نقل تاج الدين ابن السبكي عن والده ما يؤكد هذه الحقيقة فيقول: وكم من آخذ مستكثر في الفروع ومداركها قد أفرغ جماع ذهنه فيها غفل عن »قاعدة كلية، فتخبطت عليه تلك المدارك وصار حيران، ومن وفقه الله بمزيد « من العناية جمع بين الأمرين فيرى رأي العين(٣) . حق على طالب التحقيق » : وتبع ابن السبكي والده في تأكيد هذا الأمر فقال ِ ومن يتشوف إلى المقام الأعلى في التصور والتصديق أن يحكم قواعد ُ (١) . الروكي: قواعد الفقه الإسلامي، ص ١٢٢(٢) .٣/ القرافي: الفروق، ١(٣) .٣٠٩/ ابن السبكي: الأشباه والنظائر، ١ الأحكام؛ ليرجع إليها عند الغموض، وينهض بعبء الاجتهاد أتم نهوض، ثم ّ يؤكدها بالاستكثار من حفظ الفروع؛ لترسخ في الذهن مثمرة عليه بفوائد غير مقطوع فضلها ولا ممنوع، أما استخراج القوى وبذل المجهود في الاقتصار على حفظ الفروع من غير معرفة أصولها، ونظم الجزئيات بدون فهم مأخذها، « فلا يرضاه لنفسه ذو نفس أبية لحامله من أهل العلم بالكلية(١) . ّ وفي هذا المعنى يضيف ابن تيمية(٢) ويحذر من الوقوع في هذا الخلل لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية قواعد كلية يرد إليها » : فيقول الجزئيات ليتكلم على علم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد « فساد عظيم(٣) . ولذلك ينبغي على الفقيه أن يتنبه لهذا الأمر، ولا ينظر إلى الجزئيات منفردة دون ربطها بكلياتها، كما أنه لا يعتبر الكلي بإطلاق دون اعتبار الجزئي ِ الذي يتحقق فيه مضمونه أو مناطه كما يقول الشاطبي(٤) : فمن الواجب اعتبار » تلك الجزئيات بهذه الكليات، إذ محال أن تكون الجزئيات مستغنية عن (١) ١٠/ ابن السبكي: المرجع نفسه، ١ - .١١ (٢) ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الحنبلي، (أبو العباس، تقي الدين)، (و: ٦٦١ ه/ ١٢٦٣ م ت: ٧٢٨ ه/ ١٣٢٨ م)، يعتبر المجدد في المذهب الحنبلي، سجن مرارا ً إلى أن مات في السجن بدمشق. أفتى ودرس وهو دون العشرين. وألف في الكثير من الفنون مئات المؤلفات، منها: السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية؛ مجموع الفتاوى؛ منهاج السن ﱠ .١٤٤/ ة؛ نقض المنطق؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ١ ﱡ (٣) .٣٠٣/ ابن تيمية أحمد: مجموع الفتاوى، ١٩(٤) الشاطبي إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي، الشهير الشاطبي، (ت: ٧٩٠ ه/ ١٣٨٨ م)، أصولي حافظ، من كبار أئمة المالكية. من كتبه: الموافقات في أصول الفقه؛ الاتفاق في علم الاشتقاق؛ المقاصد الشافية في شرح خلاصة الكافية؛ والاعتصام... إلخ. الزركلي، الأعلام، .٣١٩/٧ « كلياتها(١) ؛ وذلك لأن الجزئي لم يوضع جزئي ّ ا ً إلا أن يكون الكلي فيه على التمام، فالإعراض عن الجزئي من حيث هو إعراض عن الكلي نفسه في الحقيقة وذلك تناقض(٢) . ولكن الناظر في اجتهادات الفقهاء المبنية على الرأي يلحظ أحيانا ً خروجا ً عن ذلك؛ لأن جهد البشر يعتريه النقص، ولا يمكن أن يتصف بالكمال، فلا بد إذا ً من ربط جزئيات الفقه بكلياتها حتى يتجنب الوقوع في التناقض(٣) . :ÉgQGô°SCGh É¡ p μMh á©jô°ûdG ó°UÉ≤e ∑GQOEG :É°ùeÉN ªnp k ومن فوائد دراسة القواعد الفقهية أيضا ً تسهيل إدراك الفقيه لمقاصد الشريعة وأسرارها، إذ أن معرفة القاعدة التي يندرج تحتها فروع عديدة خاصة الكبرى منها فيها تسهيل لاكتشاف قصد الشارع، وقد لا يتيسر هذا من معرفة الجزئيات، ْ فمثلا ً لو قرأ طالب العلم عددا من الأبواب الفقهية، فإنه سيمر على عدد من ﱡ المسائل التي فيها تيسير، إلا أنه مع كثرة الفروع وكثرة المعاني قد لا ينتبه لهذا المشقة تجلب التيسير » : المعنى وهذا المقصد، أما إذا رأى قاعدة « فإنه يتبادر إلى ذهنه أن من مقاصد الشريعة التيسير على العباد(٤) . الضرر » : وكذلك قاعدة يزال « يفهم منها أن ّ رفع الضرر والحرج مقصد من مقاصد الشريعة. وهكذا فإن معرفة القاعدة الفقهية يعطينا تصورا ً واضحا ً عن مقاصد الشريعة والمصالح التي توخاها الشارع من وضعه للأحكام، ليجتهد في (١) .١١٩/ الشاطبي: أبو إسحاق إبراهيم اللخمي، الموافقات، ٤(٢) .٣٨/ الشاطبي: المرجع نفسه. وينظر: كذلك بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي، فتحي الدريني، ١(٣) محمد شبير: القواعد الكلية، ص ٧٩ - .٨٠ (٤) ٣٨ . وقد أشار إلى هذه الفائدة / الحصني تقي الدين: كتاب القواعد، مقدمة المحقق، ١ أيضا ً الباحث أحمد بن عبد الله بن حميد في القسم الدراسي من تحقيق كتاب القواعد . للمقري، ص ١٠٦ تحقيقها، وعدم تجاوز حدودها، فتصير القاعدة بمثابة المخطط الذي يضمن له السير الحسن(١) . وقد نبه بعض الفقهاء إلى هذا الأمر حيث قال القرافي : قواعد كلية جليلة، » ّ كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه(٢) بينما نجد ،« الشيخ الطاهر بن عاشور(٣) هو أنها وبخاصة » : يوضح ذلك أكثر فيقول الكبرى منها تساعد على إدراك مقاصد الشريعة؛ لأن القواعد الأصولية تركز على جانب الاستنباط، وتلاحظ جوانب التعارض والترجيح، وما شابه ذلك من القواعد التي ليس فيها شيء من ملاحظة مقاصد الشارع، أما القواعد الفقهية فهي مشتقة من الفروع والجزئيات المتعددة بمعرفة الرابط بينها، ومعرفة « المقاصد الشرعية التي دعت إليها(٤) . ومما لا شك فيه أن معرفة المقاصد ضرورية لتكوين الملكة الفقهية كما إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف » : صرح بذلك الشاطبي حيث يقول بوصفين، أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها، والثاني: التمكن من « الاستنباط بناء على فهمه فيها(٥) . (١) دداش سعد الدين: القواعد الأصولية الفقهية من كتاب الفروق للقرافي، رسالة تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة الجزائر، نسخة . مرقونة في مكتبة الجامعة، ص ٥٩ (٢) .٣ - ٢/ القرافي: الفروق، ١ (٣) ابن عاشور هو محمد الطاهر، من علماء تونس البارزين في العصر الحديث، كان رئيس مفتي المالكية فيها، وشيخ جامع الزيتونة، وكان عضوا ً في مجمع القاهرة ودمشق، توفي في مقاصد الشريعة الإسلامية » : تونس ١٣٩٣ ه من مؤلفاته .« أصول النظام الاجتماعي في » و وغيرها. يراجع: ترجمة ابن عاشور، الأعلام .« التحرير والتنوير في تفسير القرآن » و .« الإسلام . ١٨٤ . رضا كحالة، المستدرك على معجم المؤلفين، ص ٦٦٢ / للزركلي، ٦ (٤) ابن عاشور: مقاصد الشريعة. (٥) . ١٠٥ ١٠٦ / الشاطبي: الموافقات، ٤ ¢SÉ«bh á«¡≤ØdG ´hô``ØdG º«¶æàd QÉ``«©e á«¡≤ØdG ó``YGƒ≤dG :É``°SOÉ°Sk :ájOÉ¡àL’G á«∏ª©dG ِ مقاصد الشرع قبلة المجتهدين، من » : وينقل السيوطي عن الغزالي قوله َْ « توجه إلى جهة منها أصاب الحق(١) . ونخلص من هذا إلى أن معرفة المقاصد تعين الفقيه على فهم النصوص وكيفية استنباط الأحكام منها، وكيفية إلحاق الفروع بالأصول والقواعد الكلية. فالفقيه يحتاج إلى مقياس يقيس به الجزئيات ويميز بينها، ويربط المتشابه منها بقاعدة واحدة إذا وجد علة تجمعها، وفي هذا الشأن يقول الزرقا : فإن » الفقيه يعتبر القواعد الفقهية معيارا ً لتنظيم فروع الفقه، وجمع أحكامها المتنوعة والمتشعبة في زمر متعددة بمراعاة وحدة المناط، وبهذا ضبطت مسائل الفقه ضبطا ً محكما ً ، بحيث لو لم تجمع هذه القواعد لبقيت الأحكام الفقهية فروعا ً مشتتة، تتعارض ظواهرها دون أصول تمسك بالأفكار، وتبرز فيها العلل « الجامعة، وتعيين اتجاهاتها التشريعية، وتمهد بينها طريق المقايسة والمجانسة(٢) . كما أنه تظهر أهمية القواعد الفقهية وفائدتها في تقويم العملية الاجتهادية، فهي ضابطة للأحكام الشرعية التي يتوصل إليها المجتهد، فإن كانت موافقة لها ِ علم المجتهد بحسن اجتهاده، فق َ بل ما توصل إليه من أحكام شرعية، وإن كانت مناقضة لها أدرك المجتهد سوء اجتهاده، فرفض ما توصل إليه من نتائج اجتهاده، فهي إذن الحارس الأمين، والمعيار الصحيح للمجتهد؛ إذ تأخذ بيده فلا تتركه يزيغ، ولا ينحاد عن جادة الاجتهاد، وهي السل ﱠ م المتين الذي يرقى ﱡ عليه المجتهد درجة في العملية الاجتهادية، ليصل في النهاية إلى الغاية (١) . السيوطي: الرد على من أخلد إلى الأرض وزعم أن الاجتهاد ليس بفرض، ص ١٨١(٢) .٢٩/ الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي، ٢ المرجوة من عمله الاجتهادي، وبعبارة أخرى فإن القواعد الفقهية هي المساعدة له في بناء أي برهان، لأي حكم شرعي، ولأي مسألة بذل جهده فيها. ّّ وعلى هذا فلا يمكن لأي عملية اجتهادية، تهدف إلى اكتشاف حكم شرعي للمسألة المستهدفة أن يستغني عن القواعد الفقهية، سواء من خلال العملية الاجتهادية، أم لمعرفة صوابها من خطئها، أم عند تقييم نتائج الاجتهاد المتحصل عليها(١) . k :»eÓ°SE’G ¬≤ØdG øY ΩÉY Qƒ°üJ øjƒμJ :É©HÉ°S إذا كان تكوين الملكة الفقهية ضروريا ً بالنسبة للمختصين في الفقه، فإن ّ تكوين التصور العام عن الفقه وموضوعاته ضروري للمختصين وغيرهم؛ لأن علم الفقه هو أكثر العلوم الشرعية مساسا ً بحياة الناس، إذ فيه بيان حكم الشرع في تصرفات الإنسان المختلفة، ومشكلات الحياة اليومية المتعلقة بجميع نواحي الحياة الأخروية والدنيوية، من سياسية، واقتصادية، واجتماعية، ولما كانت معرفة تلك الفروع التفصيلية تشق على المختصين بالفقه، فعلى غيرهم شاقة من باب أولى، ولهذا يصار إلى جمع الفروع المتشابهة في قواعد كلية، أو ضوابط فقهية، وتقديمها إلى غير المختصين، بهدف تكوين تصور عام عن الفقه، وهذا التصور يحقق عدة فوائد لغير المختصين منها: ١ تيسير الفقه الإسلامي على غير المختصين، حتى يتمكنوا من الاطلاع على الفقه بروحه ومضمونه بأيسر طريق، وتظهر لهم مدى استيعاب الفقه الإسلامي للأحكام، ومراعاة الحقوق والواجبات، وتبطل دعوى من ينتقصون (١) أحسن زقور: القواعد الفقهية المستنبطة من المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس الأصبحي برواية الإمام سحنون بن سعيد عن الإمام عبد الرحمن ٰ ١٤٢٦ ه/ ٢٠٠٥ م، ، بن القاسم، ط ١ ٢٠٣/ دار ابن حزم، بيروت، ونشر دار التراث، الجزائر، ١ - .٢٠٥ الفقه ويتهمونه بأنه يشتمل على حلول جزئية، وليس على قواعد كلية(١) ، فإن هذه القواعد تجمع فروعا ً متعددة في عبارة سهلة رشيقة لا تعقيد فيها، ولا يحار الذهن في فهمها، ولولا هذه القواعد لبقيت الأحكام مشتتة، قد تتعارض ظواهرها دون أصول تمسك بها في الأفكار(٢) . ٢ التيسير على الباحثين من غير المختصين في الفقه، كعلماء القانون الوضعي، وعلماء الاقتصاد، وعلماء الاجتماع الرجوع إلى تلك القواعد، ورد ّ جزئيات الفقه إليها، والكشف عن الأحكام، فهي تساعدهم على الاستقلال بأنفسهم في فهم النصوص الفقهية، والبحث عن الأحكام الشرعية في مظانها، فالقانوني يحتاج إلى القواعد الفقهية لتفسير المواد القانونية المستمدة من الفقه الإسلامي؛ كالقانون المدني، وقانون الأحوال الشخصية، والاقتصادي يحتاج إليها لتفسير المواد التجارية المستمدة من الفقه الإسلامي(٣) . ٣ التمهيد لصياغة نظريات عامة في الفقه الإسلامي تفيد غير المختصين في الفقه؛ لأن هذا الفقه غني بالنظريات الفقهية العامة، وقد شهد بذلك غير ّ الفقهاء من القانونيين كالسنهوري (٤)وغيره(٥) ، ولكنها تحتاج إلى صياغة وترتيب ِ وتنظيم، ولو صيغت تلك النظريات لضاهت، بل فاقت في رقيها وشمولها ﱢ (١) .٩٤٩/ الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي، ٢(٢) البورنو محمد صدقي: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص ٢٥ . الباحسين: القواعد . الفقهية، ص ١١٧(٣) شبير محمد: القواعد الكلية، ص ٨٠ - .٨١ (٤) السنهوري عبد الرزاق بن أحمد، (و: ١٣١٢ ه/ ١٨٩٥ م ت: ١٣٩١ ه/ ١٩٧١ م)، دكتور مصري، يعتبر كبير علماء القانون المدني في عصره. وضع قوانين مدنية كثيرة لمصر والعراق وسوريا وغيرها. تقلد عدة مناصب في مصر، وحاز على أوسمة عديدة. من كتبه المطبوعة: أصول القانون؛ نظرية العقد في الفقه الإسلامي؛ شرح القانون المدني في العقود؛ مصادر .٣٥٠/ الحق في الفقه الإسلامي؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٣(٥) . القرضاوي يوسف: الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد، ص ٢٩ ومسايرتها للتطور أعظم النظريات الغربية في القانون والاقتصاد، ومن هذه النظريات: نظرية التعسف في استعمال الحق، فالقواعد والضوابط الفقهية مرحلة ممهدة لصياغة النظريات الفقهية(١) ، وقد بذلت جهود جيدة لإخراج ُ بعض النظريات، ولكن الباب لا يزال مفتوحا ً أمام الدارسين. : AÉ¡≤ØdG ±ÓàNG ≈∏Y ôKCG äGP á«¡≤ØdG óYGƒ≤dG :kÉæeÉK وإلى جانب هذه المعالم من الأهمية والمكانة التي تحتلها القواعد الفقهية، فإن لها أثرا ً ظاهرا ً في اختلاف الفقها ء، وهذا الاختلاف يتمثل في الآراء والاجتهادات الفقهية المتنوعة التي توصل إليها الفقهاء عن طريق الاجتهاد في القضايا والنوازل التي لم يرد فيها نص من كتاب أو سن ﱠ ة، ودفع إليه الإخلاص لله، ُ وإقامة دينه بالبحث عن حكم كل ما جد ّ من وقائع الحياة، وهو اختلاف اقتضته طبيعة اللغة، ومناهج الاستنباط، فضلا ً عن تفاوت الفقهاء في قدراتهم العقلية(٢) . يقول ابن خلدون(٣) فاعلم أن هذا الفقه مستنبط من الأدلة » : في هذا الشأن الشرعية، كثر فيه الخلاف بين المجتهدين باختلاف مداركهم وأنظارهم، خلافا ً لا من وقوعه... ثم قال في بيان أهميته: وهو لعمري علم جليل الفائدة في ِ مآخذ الأئمة وأدلتهم، ومران ُ المطالعين له على الاستدلال فيما يرمون « الاستدلال عليه(٤) . (١) . الزحيلي محمد: النظريات الفقهية، ص ٢٠١(٢) . الروكي: نظرية التقعيد الفقهي، ص ١٩٠(٣) ابن خلدون هو عبد الرحمن ٰ بن محمد بن محمد، (أبو زيد، ولي الدين)، (و: ٧٣٢ ه/ ١٣٣٢ م ٨٠٨ ه/ ١٤٠٦ م)، الفيلسوف المؤرخ، العالم الاجتماعي البحاثة. ولي قضاء المالكية في مصر. اشتهر بكتابه: العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر؛ وكتاب في الحساب؛ ورسالة في المنطق؛... .٣٣٠/ إلخ. الزركلي، الأعلام، ٣ (٤) . ابن خلدون: المقدمة، ص ٣٩٨ فالدارس لاختلاف الفقهاء يقف على آراء الفقهاء وأسباب اختلافهم وأدلتهم ومآخذهم، ومناقشة الأدلة بقصد الوصول إلى الرأي الذي ت ُق َ ويه الأدلة، ّ وقد ركز الفقهاء والأصوليون المعاصرون في مجال أسباب الاختلاف على القواعد اللغوية والأصولية(١) ، وأغفلوا القواعد الفقهية مع أن الفقهاء القدامى لم يغفلوا هذا الجانب وأفردوه بالتصنيف، ومن هؤلاء العلماء: أبو زيد الدبوس ي، الكثير من القواعد الفقهية التي كان الخلاف « تأسيس النظر » حيث ذكر في كتابه في تقعيدها وصياغتها سببا ً من أسباب الاختلاف في الفروع الفقهية. وظل هذا الجانب مغفلا ً عند المعاصرين إلى أن جاء محمد الروك ي، نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف » وأفرده بعمل علمي متميز سماه الفقهاء « فجزاه الله خير الجزاء على ما قدم وبذل من جهد في إبراز هذا الجانب، فقد ذكر في كتابه أن الفقهاء في تناولهم للخلاف الفقهي وأسبابه لم يدرجوا ضمن هذه الأسباب التقعيد الفقهي بشكل واضح مباشر مقصود، في حين أنه من أهم أسباب الاختلاف، بل يعادل أسباب الاختلاف كلها؛ لأن أسباب الاختلاف التي تحد ّ ث عنها الفقهاء إنما ترتبط بالأحكام الجزئية، ونحن هنا نريد الحديث عن ارتباطها بالأحكام الكلية، وهي من هذه الجهة تعتبر بمجموعها أسبابا ً للاختلاف(٢) . ويرجع محمد الروكي سبب عدم التركيز على هذا السبب أنه ليس سببا ً بذاته، وإنما هو مسبب عن أسباب الاختلاف المعروفة، ولكن لا يعتبر ذلك مبررا لإغفاله وعدم التركيز عليه، بل لا بد من إظهاره، وبيان العلاقة بين القواعد الفقهية واختلاف الفقها ء، ومن الأمثلة التي تظهر تلك العلاقة قاعدة: (١) من الكتب التي اهتمت بأسباب الاختلاف: أسباب اختلاف الفقهاء، للشيخ علي الخفيف، وأسباب اختلاف الفقهاء لعبد الله التركي، وأثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء لمصطفى الخن. (٢) . الروكي: نظرية التقعيد، ص ٢٤٧ أي رخص الشرع لا يستحقها العصاة؛ لأنهم ،« الرخص لا تناط بالمعاص ي »دخلوا إلى تلك الرخص من باب المعصية لا من باب الطاعة، لكن الفقهاء اختلفوا في هذه القاعدة، فمنهم من أقرها، ومنهم من لا يعتبرها، ولذلك ساقها العصيان هل ينافي الترخيص أم لا؟ وعليه » : الونشريسي بصيغة الاستفهام فقال «... تيمم العاصي بسفره وقصره، وفطره، وتناوله الميتة(١) وقد ترتب على هذا الاختلاف في هذه القاعدة الاختلاف في أحكام الفروع المندرجة تحت هذه القاعدة(٢) . وأما سبب اختلافهم في اعتبار أصل القاعدة فيرجع إلى الاختلاف في المشترك اللغوي الوارد في قوله تعالى: ﴿ ponmlkji q ﴾ (ا لب قرة : ١٧٣ ( ، فقوله تعالى: ﴿ mlk n ﴾ (ا لب قرة : ١٧٣ ( ، يحتمل معنيين: الأول: غير باغ ولا عاد في سفره، فلا بد أن يكون سفره طاعة لا سفر معصية. والثاني: المراد غير باغ ولا عاد في تناوله الأكل المحرم. الرخص لا تناط » : فالذين حملوها على المعنى الأول استنبطوا قاعدة بالمعاصي « والذين حملوها على المعنى الثاني قالوا: لا وجه لاستنباط تلك القاعدة(٣) . وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لما كانت القواعد الفقهية في أكثرها موضع اتفاق بين الأئمة المجتهدين، ومواضع الخلاف فيها قليلة، فإن دراستها والتمكن منها تربي عند الباحث ملكة المقارنة بين المدارس الفقهية المختلفة، وتوضح له وجوه الاختلاف وأسبابه بين المذاهب، فيبذل جهده للتقريب بينها، ويحاول تقليص شقة الخلاف بين المسلمين. (١) . الونشريسي: إيضاح المسلك، قاعدة ( ١٢ ) ص ٦٦(٢) الروكي: المرجع السابق، ص ٢٤٨ - ٢٤٩ . وينظر: محمد شبير: القواعد الكلية، .٨٣ - ص ٨١(٣) الروكي: المرجع نفسه. شبير محمد: المرجع نفسه. بعد أن عرفنا أهمية القواعد الفقهية ومميزاتها، وفائدة دراستها، وأدركنا أن ّ لها دورا مهما ً في الكشف عن الحكم الشرعي، وإلحاق الفروع بالكليات، ُّ يتبادر إلى أذهاننا سؤال يطرح نفسه في هذا السياق، هل يسوغ لنا أن نجعل القاعدة الفقهية أو الضابط الفقهي مصدرا ً شرعيا ً نستند إليه في استنباط ّ الأحكام، أو دليلا ً نحتج به ونعتمد عليه في الترجيح؟ وللإجابة على هذا التساؤل نورد آراء العلماء في هذه المسألة على ضوء النصوص الواردة عنهم بشأنها، وقد اختلفوا في ذلك إلى ثلاثة أقوال: :∫hC’G ∫ƒ≤dG مقتضى قول الجويني (١)(ت: ٤٧٨ ه) وابن دقيق العيد (٢)(ت: ٧٠٢ ه) وابن نجيم (ت: ٩٨٠ ه) عدم جواز الاحتجاج بالقواعد الفقهية كأدلة قضائية وحيدة، وإنما هي شواهد يستأنس بها في تخريج أحكام القضايا الجديدة على المسائل الفقهية المدونة، ولا يمكن الاعتماد عليها في استخراج حكم فقهي(٣) . (١) تقدمت ترجمته. (٢)محمد بن علي بن وهب القشيري، المعروف بابن دقيق العيد، (أبو الفتح، تقي الدين)، (و: ٦٢٥ ه/ ١٢٢٨ م ت: ٧٠٢ ه/ ١٣٠٢ م)، قاض ومجتهد، من أكابر العلماء بالأصول. ولي قضاء الديار المصرية سنة ٦٩٥ ه إلى أن توفي. له تصانيف، منها: إحكام الأحكام في الحديث؛ تحفة اللبيب في شرح التقريب؛ شرح الأربعين حديثا للنووي؛... إلخ. الزركلي، .٢٨٣/ الأعلام، ٦ (٣)أحمد بن عبد الله بن حميد: مقدمة تحقيق كتاب القواعد لأبي عبد الله المقري، .١١٧ - ١١٦/١ يقول إمام الحرمين الجويني في كتابه (الغياثي) بمناسبة إيراده قاعدتي وغرضي بإيرادهما تنبيه القرائح... ولست أقصد » : الإباحة وبراءة الذمة « الاستدلال بهما(١) . ومن الغريب أن بعضهم كابن دقيق العيد بالغ في رفضه الاستدلال بها، وادعى عدم جواز استنباط أحكام الفروع حتى من قواعد أصول الفقه(٢) ، وإذا قلنا: إن المراد من قواعد أصول الفقه قواعد الفقه نفسها نظرا ً لشيوع هذا الإطلاق في عصره، كما ذكر بعض الباحثين(٣) . فيكون ابن دقيق ممن لا يرتضي الاستدلال بالقواعد الفقهية(٤) . وممن نقل عنه عدم الاحتجاج بالقواعد الفقهية أيضا ً ، ابن نجيم إذ أنه « غمز عيون البصائر » نسب إليه الحموي (ت: ١٠٩٨ ه) في شرحه أنه لا يجوز الفتوى بما تقتضيه الضوابط؛ لأنها « الفوائد الزينية » صرح في ليست كلية بل أغلبية، وخصوصا ً وهي لم تثبت عن الإمام بل استخرجها المشايخ من كلامه(٥) . (١) وأنا الآن أضرب من قاعدة الشرع » : نص كلام الجويني بكامله الذي فهم منه عدم الجواز ِ مثلين يقضي الفطن العجب منهما، وغرضي بإيرادهما تنبيه القرائح لدرك المسلك الذي جهدته في الزمن الخالي، ولست أقصد الاستدلال بها، فإن الزمان إذا فرض خاليا ً عن التفاريع والتفاصيل لم يستند أهل الزمان إلا إلى مقطوع به، فالذي أذكر من أساليب الكلام غياث الأمم في » . في تفاصيل الظنون، فالمثلان أحدهما في الإباحة، والثاني في براءة الذمة . ص ٢٦٠ ،« التياث الظلم (٢) .١١٧/١ ، ينظر: مقدمة تحقيق كتاب (القواعد) للمقري، لأحمد بن عبد الله بن حميد، هامش ٠١(٣) . الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٢٢٥(٤) انتقد ابن دقيق العيد الشافعي إبراهيم بن عبد الصمد المعروف بابن بشير المالكي لاستنباطه وأن الفروع لا يطرد تخريجها « إنها غير مخلصة » : أحكام الفروع من قواعد أصول الفقه وقال على القواعد الأصولية (يقصد القواعد الفقهية) يراجع: القواعد الكلية لمحمد عثمان شبير، ص ٨٤ ، نقلا ً . عن الديباج لابن فرحون، ص ٨٧ (٥) ٣٧ ، وقد راجع يعقوب الباحسين هذا القول في / أحمد الحموي: غمز عيون البصائر، ١ = وقد ذهبت لجنة إعداد مجلة الأحكام العدلية العثمانية(١) إلى أن الأصل في القاعدة الفقهية عدم صحة الاستناد إليها في استنباط الأحكام، ما لم يوجد ما يدل عليها نص صريح من الكتاب أو السن ﱠ إن » : ة، فقد جاء في تقريرهم ﱡ المقالة الثانية من المقدمة هي عبارة عن القواعد التي جمعها ابن نجيم ومن سلك مسلكه من الفقهاء رحمهم الله تعالى فحكام الشرع ما لم يقفوا على ُ « نقل صريح لا يحكمون بمجرد الاستناد إلى واحدة من هذه القواعد(٢) . وقد علل بعض شراح المجلة ذلك: بأن هذه القواعد يوجب تفهمها في بادئ الأمر الاستئناس بالمسائل، ويكون وسيلة لتقررها في الأذهان، فهذه القواعد لها مدارك ومآخذ، وشروط قد تغيب عن بال الكثيرين من المقلدين(٣) ، حيث قال الأتاسي(٤) : يتنور بها المقلد ولا يتخذها مدارا » ً للفتوى والحكم، فلعل بعضا ً من حوادث الفتوى خرجت من اطرادها بقيد زائد، أو لأحد الأسباب المتقدم ذكرها، وهذا يحتاج إلى نظر دقيق وتحر عميق، يجري تلك ﱟُ = ( المصدر المذكور فذكر أنه لم يعثر على ذلك في الفوائد الزينية المشار إليها، والبالغة ( ٢٢٥ . فائدة، يراجع: القواعد الفقهية هامش ( ٠٣ ) ص ٢٧٥ (١) تتكون لجنة إعداد المجلة من الأساتذة الأعضاء: أحمد جودت ناظر ديوان الأحكام العدلية، والسيد خليل مفتش الأوقاف، وسيف الدين عضو شورى الدولة، أحمد الخلوصي موظف في ديوان الأحكام العدلية، وأحمد حلمي موظف في ديوان الأحكام العدلية، ومحمد أمين الجندي عضو شورى الدولة، وعلاء الدين بن محمد بن أمين عابدين. يراجع: من هامش . كتب القواعد الكلية لمحمد شبير، ص ٨٦ (٢) . مجلة الأحكام العدلية، ص ١١(٣) . الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٢٧٦ . وينظر: محمد شبير المرجع السابق، ص ٨٦ (٤)عدنان بن هاشم بن خالد الأتاسي ( ١٣٢٣ - ١٣٨٩ ه/ ١٩٠٥ - ١٩٦٩ م): دكتور في الحقوق. ولد في السلط، ونشأ في حمص وتعلم وأحرز الدكتوراه تجمعة جنيف. ودرس الحقوق » الحقوق بدمشق وخاض السياسة على خطى أبيه، وتقلد مناصب وزارية. ألف شوائب الاتفاق في المعاهدات » وبالفرنسية « الحقوق الدستورية ط » و « الجزائية الخاصة ط وتوفي ببيروت، ودفن في حمص. « الدولية ط القواعد في مشملاتها الحقيقية، ويستثنى منها ما خرج عنها بقيد، أو سبب من « الأسباب المارة(١) . وقد استنتج يعقوب الباحسين من عبارة شارح المجلة أنه يرى التفريق بين المقلد والمجتهد في ذلك، ويقصر المنع على المقلد غير القادر على إجراء القواعد في مشملاتها الحقيقية، والمفتقد لمعرفة القيود والمستثنيات التي لا تدخل في إطار القاعدة، وبالتالي فإذا كان القاضي أو المفتي مقلدين لمذهب ِ من المذاهب الفقهية، فإنهما يستأنسان بتلك القواعد، ولا يست َندان إليها في استنباط الأحكام، في حين لو كان القاضي أو المفتي مجتهدين يعلمان بالمدارك والمآخذ والقيود والشروط، يجوز لهما الاستناد إليها في الاستنباط(٢) . ولذلك كانت القواعد » : وعقب مصطفى الزرقا على أصحاب المجلة فقال الفقهية قل ّ ما تخلو إحداها من مستثنيات في فروع الأحكام التطبيقية خارجة عنها، إذ يرى الفقهاء أن تلك الفروع المستثناة من القاعدة هي أليق بالتخريج على قاعدة أخرى، أو أنها تستدعي أحكاما استحسانية خاصة، ومن ث َم لم ّ ت ُ سوغ المجلة أن يقتصر القضاة في أحكامهم على الاستناد إلى شيء من هذه ﱢ القواعد الكلية فقط دون نص آخر خاص أو عام يشمل بعمومه الحادثة المقضي فيها؛ لأن تلك القواعد الكلية على ما لها من قيمة واعتبار هي كثيرة « المستثنيات، فهي دساتير للتفقيه لا نصوص للقضاء(٣) . أدلة أصحاب القول الأول: إن النظر في مسوغات من رفضوا الاحتجاج بالقواعد الفقهية واتخاذها سندا ً للاستنباط والتخريج يظهر أنهم كانوا متحرزين من المغامرة، ومن الوقوع (١) . الأتاسي: شرح مجلة الأحكام العدلية، ص ١١(٢) الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٨٦ . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ٨٦ - .٨٧ (٣) .٩٣٥ - ٩٣٤/ الزرقا: المدخل، ٢ في شراك التعميم في الأحكام، وبالتالي السقوط في دائرة الممنوع، وقد دفعهم إلى هذا التحرز طائفة من الأسباب يمكن إجمالها في الأمور التالية. ١ إن القواعد الفقهية أغلبية وليست كلية في نظرهم، وإن المستثنيات فيها كثيرة، ومن المحتمل أن يكون الفرع المراد استنباطه من القاعدة داخلا ً في المستثنيات(١) . ٢ إن أغلب القواعد والضوابط الفقهية لا تستند إلى نصوص شرعية، وإنما تستند إلى استقراء ناقص للفروع الفقهية، فلا يفيد اليقين، والبعض الآخر منها يستند إلى الاجتهاد، وهو يحتمل الخطأ، فتعميم حكم القاعدة على جميع الفروع فيه نوع من المجازفة(٢) . ٣ إن القواعد الفقهية هي ثمرة للفروع المختلفة، وجامع ورابط لها، وليس من المعقول أن يجعل ما هو ثمرة وجامع دليلا ً لاستنباط أحكام الفروع(٣) . والمقصود من ذلك: أن جعل القواعد الفقهية دليلا ً للأحكام الفرعية يلزم منه الدور الممنوع، بسبب أن القواعد نفسها كان دليلها والمثبت لها هو الفروع الفقهية، فكيف تكون القواعد المذكورة دليلا ً على هذه الفروع؟(٤) . تلك هي أهم المسوغات التي ذكرها المنكرون للاحتجاج بالقواعد الفقهية. :»fÉãdG ∫ƒ≤dG وفي المقابل نجد طائفة من العلماء تستدل بالقواعد الفقهية، وترى صلاحيتها للاستدلال والترجيح، وهو مقتضى قول الغزالي الشافعي وقول (١) . ٩٤٨ . الندوي، القواعد الفقهية، ص ٢٩٤ / الزرقا: المرجع نفسه، ٢(٢) . الباحسين يعقوب: القواعد الفقهية، ص ٢٨٠(٣) البورنو: الوجيز، ص ٣٩ - . ٤٠ . شبير، القواعد الكلية، ص ٨٤ (٤) . الباحسين: المرجع السابق، ص ٢٨١ القرافي وابن بشير (١)والشاطبي من المالكي ة؛ وقالوا: إن الأصل جواز الاستدلال بالقواعد الفقهية الكلية إذا لم يعارضها أصل مقطوع به من كتاب أو سن ﱠ ة أو إجماع. ُ ١ وممن بنى بعض أحكامه أو ترجيحاته عليها أبو العباس القرافي (ت: ٦٨٤ ه) الذي رد ّ فتاوى من لم يوقع الطلاق في مسائل الدور التي منها ِِ قول القائل لزوجته: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ً (٢) ، وقال بنقض قضاء من حكم ببقاء الزوجية وعدم إيقاع الطلاق. وعلل ذلك بمخالفة قاعدة الشرط التي هي صحة اجتماعه مع المشروط ولو قضى باستمرار عصمة من لزمه الطلاق، بناء على المسألة » : وقال السريجية(٣) نقضناه لكونه على خلاف قاعدة: إن الشرط قاعدته صحة اجتماعه مع المشروط، وشرط السريجية لا يجتمع مع مشروطه أبدا ً ، فإن ّ تقد ّ م الثلاث « لا يجتمع مع لزوم الطلاق بعدها(٤) . ومعنى ذلك إلغاء الشرط غير الصحيح في إيقاع الطلاق الذي أوقعه بعد (١) ابن بشير محمد بن سعيد بن بشير بن شراحيل المعافري الأندلسي ( ١٩٨ ه/ ٨١٣ م): قاض، من أهل باجة. ولي القضاء بقرطبة في أيام الحكم بن هشام. وكان صلبا ً في القضاء، له أخبار .١٣٨/ في ذلك. وضرب المثل بعدله. توفي بقرطبة. الزركلي: الأعلام. ٦ (٢) ٧٤ . ووجه الدور أنه متى طلقها الآن وقع قبله ثلاثا، ومتى وقع قبله / القرافي: الفروق، ١ ثلاثا ً ( لم يقع، فيؤدي إثباته إلى نفيه، فانتفى. ينظر: القواعد الفقهية، للباحسين هامش ( ٠١ ص ٢٧٧ . نقلا ً .٢٠/ عن طبقات الشافعية الكبرى، ٠٦ (٣) نسبة إلى أبي العباس أحمد بن عمر بن سريج من أئمة المذهب الشافعي المتوفى ( ٣٠٤ ه) فقد أفتى في هذه المسألة بعدم وقوع الطلاق، نقل ذلك الباحسين في هامش كتابه القواعد الفقهية، ص ٢٧٧ ، وبي ﱠ ن أن ابن تيمية (ت: ٧٢٨ ه) ذكر هذه المسألة في القواعد النورانية، وبين أفكار فقهاء الإسلام من جميع الطوائف، هذا الكلام فانظر: شرح كلام شيخ الإسلام ﱠ عنها ونقده ابن سريج بشأنها، ص ٢٨٣ - .٢٨٤ (٤) .٨٠/ ٤٠ . وتهذيب الفروق للبقوري بهامش الفروق، ٤ / القرافي: الفروق، ٤ ِ من شرط الشرط إمكان اجتماعه » ذلك؛ لأنه يتناقض مع القاعدة المشهورة أن ْ « مع المشروط(١) . ومن العلماء الذين نسب إليهم الاستدلال بالقواعد الفقهية على الأحكام يستنبط أحكا م الفروع من قواعد » أبو طاهر إبراهيم بن عبد الصم د، فقد كان « أصول الفقه، وعلى هذا مشى في كتابه التنبيه(٢) . وعل ﱠ ويبدو أن المراد من ذلك قواعد » : ق يعقوب الباحسين على قوله فقال الفقه لا القواعد الأصولية، بدليل قول ابن فرحون (٣)(ت: ٧٩٩ ه) بعد ذلك: وهي طريقة نبه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد » (٤)(ت: ٧٠٢ ه) أنها غير مخ َ ل ّ صة، ّ « وأن الفروع لا يطرد تخريجها على القواعد الأصولية(٥) . ومثل هذا الوصف « لا ينعت به القواعد الأصولية، ولا سيما من فقيه أصولي كابن دقيق العيد(٦) . ونقل الشاطبي أيضا ً جواز الاستدلال بالقاعدة الفقهية فقد صرح بذلك كل أصل شرعي لم يشهد له نص معين، وكان ملائما » : بقوله ً لتعريفات الشرع، ومأخوذا ً معناه من أدلته، فهو صحيح يبنى عليه، ويرجع إليه إذا كان الأصل قد صار بمجموع أدلته مقطوعا ً « به(٧) . (١) . السدلان صالح: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها، ص ٣٦(٢) أبو إسحاق إبراهيم بن علي المشهور بابن فرحون اليعمري، الديباج المذهب في معرفة . أعيان علماء المذهب، ص ٨٧ (٣) ابن فرحون: هو إبراهيم بن علي بن محمد اليعمري، (برهان الدين)، (ت: ٧٩٩ ه/ ١٣٩٧ م) عالم بحاث، تولى القضاء بالمدينة سنة ٧٩٣ ه ، وهو من شيوخ المالكية. ألف: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب؛ تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج .٥٢/ الأحكام؛ تسهيل المهمات؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ١ (٤) تقدمت ترجمته. (٥) المرجع نفسه. (٦) .٢٧٩ - الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٢٧٨(٧) .٣٩/ الشاطبي: الموافقات، شرح عبد الله دراز، طبعة المكتبة التجارية مصر، ١ ويفهم من كلامه أن الأصل الشرعي يقصد به القواعد الفقهية فهذه التسمية كانت شائعة في ذلك العصر كما سبق بيانه وإلى هذا المعنى ذهب الإمام كل معنى مناسب » : الغزالي الشافعي (ت: ٥٠٥ ه) حسب ما يفهم من كلامه أن للحكم مطرد في أحكام الشرع، لا يطرد فهو مقول به، وإن لم يشهد له أصل « معين(١) . أدلة أصحاب القول الثاني: إن أصحاب هذا القول الذين احتجوا بالقواعد الفقهية، وجوزوا بناء الأحكام عليها استنباطا ً وتخريجا ً وترجيحا ً ، قد أيدوا قولهم بما يلي: ﻥﺃ ﺓﺪـﻋﺎﻘﻟﺍ ﺔﻴﻬﻘﻔﻟﺍ ،ﺔﻴﻠﻛ ﻱﺃ ﺔـﻘﺒﻄﻨﻣ ﻰﻠﻋ ﻊﻴﻤﺟ ،ﺎﻬﺗﺎﻴﺋﺰﺟﻻﻭ ﺡﺪﻘﻳ ﻲﻓ ١ـ ـ (٢). ً ﺎﻬﺘﻴﻠﻛ ﺩﻮﺟﻭ ﺕﺍﺀﺎﻨﺜﺘﺳﺍ ـ ﺎﻤﻛ ﺎﻨﻴﺑ ﺎﻘﺑﺎﺳ ُِ ﻥﺃ ﺔـﻴﺠﺣ ﺓﺪـﻋﺎﻘﻟﺍ ﺎـﻬﺘﻴﺣﻼﺻﻭ ﻝﻻﺪﺘـﺳﻼﻟﺘـﺳﺍ ﺪﻴ ﻦـﻣ ﻉﻮـﻤﺠﻣ ﺔﻟﺩﻷﺍﻔ ٢ـ ﺔـﻴﺋﺰﺠﻟﺍ ﻲـﺘﻟﺍ ﺖﻀﻬﻧ ﻰـﻨﻌﻤﺑ ﻚﻠﺗ ،ﺓﺪﻋﺎﻘﻟﺍ ﻥﺈـﻓ ﻥﺎﻛ ﻞﻛ ﻞﻴﻟﺩ ﻲﺋﺰﺟ ﻮﻫ ﺔـﺠﺣ ﻪﺗﺍﺬﺑ ﺢﺼﻳ ﻝﻻﺪﺘـﺳﻻﺍ ،ﻪﺑ ﻦﻤﻓ ﺏﺎﺑ ﻰـﻟﻭﺃ ﻥﺃ ﻖﻘﺤﺘﺗ ﻩﺬﻫ ﺔﻴﺠﺤﻟﺍ . ﻲﻓ ﺓﺪﻋﺎﻘﻟﺍ ﻲﺘﻟﺍ ﺕﺪﺷﺭﺃ ﺎﻬﻴﻟﺇ ﻉﻮﻤﺠﻣ ﺔﻟﺩﻷﺍ ﻥﻮﻜﺗﻭ ﺎﻬﺘﻟﻻﺩﺔﻴﻌﻄﻗ (٣) َ ﺪﻛﺆﻴ ﻯﺪـﻣ ﻢﻫﺭﺎﺒﺘﻋﺍ ﻩﺬـﻬﻟ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ﻥﺃ ﻊـﺒﺘﺗ ﺕﺍﺩﺎـﻬﺘﺟﺍ ﺔـﻤﺋﻷﺍ ﻡﻼﻋﻷﺍﻟ ٣ـ ﻢـﻫﺩﺎﻤﺘﻋﺍﻭ ﺎـﻬﻴﻠﻋ ﻒـﺸﻜﻠﻟ ﻦـﻋ ﻢـﻜﺤﻟﺍ ﻲﻋﺮـﺸﻟﺍ ﺐـﺳﺎﻨﻤﻟﺍ ﻊـﺋﺎﻗﻮﻠﻟ ﺕﺍﺪﺠﺘﺴﻤﻟﺍﻭ ﻲﺘﻟﺍ ﻢﻟ ﺩﺮﻳ ﺎﻬﻴﻓ ،ﺺﻧ ﺮﻣﻷﺍ ﻱﺬﻟﺍ ﻦﻴﺒﻳ ﺎﻨﻟ ﻥﺃ ﻩﺬﻫ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ . ﺔﺨﺳﺍﺭ ﻲﻓ ﻥﺎﻫﺫﺃﻦﻳﺪﻬﺘﺠﻤﻟﺍ (٤) (١) . الغزالي أبو حامد: المنخول، ص ٣٦٤(٢) . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ٨٥(٣) . الكيلاني إبراهيم: قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي، ص ١٠٨(٤) المرجع نفسه: ويمكن الرجوع إلى أطروحة إتبيرين حيث ذكر مجموعة من القواعد الفقهية اعتمد عليها الشيخ بيوض والبكري في الترجيح والاستدلال على القضايا المستجدة. (هام يراجع). ويؤكد ذلك ما صرح به جمهور الفقهاء أن الجماعة إذا قتلوا واحدا ً يقتلون به، وكان مما احتجوا به بالإضافة إلى قول الصحابي والقياس والقواعد الكلية، فقال ابن العربي(١) : فإن الله » 4 إنما قتل من قتل صيانة للأنفس عن القتل، فلو علم الأعداء أنهم بالاجتماع يسقط القصاص عنهم لقتلوا عدوهم في جماعتهم، فحكم بإيجاب القصاص عليهم ردعا ً للأعداء، وحسما ً « لهذا الداء(٢) . َ :í«LôàdGh ∫GƒbC’G á°ûbÉæe وقد حاول بعض الباحثين المعاصرين مناقشة آراء الفريقين، فبين أن ﱠ المسوغات التي ذكرها أصحاب رفض الاحتجاج بالقواعد الفقهية يمكن أن ﱢ يقال فيها ما يلي:أولا :ً أن القول بأن القواعد الفقهية أغلبية، وأن المستثنيات فيها كثيرة، وأن من المحتمل أن يكون الفرع المراد إلحاقه بها مما يشمله الاستثناء، يبدو بحسب الظاهر مقنعا ً ومسوغا ً لهذا الرفض، ولكن عند إمعان النظر نجد أن ما ذكر قابل للنقاش من جهات عدة نذكر منها: ١ أن العلماء حينما تكلموا عن القواعد، لم يتكلموا عن شروطها، ولا شروط تطبيقها إلا في القليل النادر، كما أنهم لم يدرسوا المستثنيات التي (١) ابن العربي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الاشبيلي المالكي، ( ٤٦٨ - ٤٥٣ ه/ ١٠٧٦ - ١١٤٨ م): قاض، من حفاظ الحديث. ولد في إشبيلية، ورحل إلى المشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين. وصنف كتبا ً في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ. وولي قضاء إشبيلية، ومات بقرب فاس، ودفن بها. قال ابن « العواصم من القواصم ط » : بشكوال: ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها. من كتبه مجلدان، « أحكام القرآن ط » و « عارضة الأحوذي في شرح الترمذي ط » جزآن، و عشرون مجلدا « الإنصاف في مسائل الخلاف » و ً في أصول « المحصول » و « أعيان الأعيان » ، و الفقه، وهو غير محيي الدين ابن عربي. (٢) . ٦٢٤ . وينظر: الكيلاني: قواعد القاصد، ص ١٠٩ / ابن العربي أبو بكر: أحكام القرآن، ٢ ذكروها ليبينوا مدى انطباق شروط القاعدة عليها، وهل كانت استثناء من غير سبب؟ إن قيام مثل هذه الدراسة ستبين أن كثيرا ً من تلك الجزئيات المستثناة لم تكن داخلة تحت القاعدة أصلا، ً إما لأنها لم يتحقق فيها مناط القاعدة، أو ِ لفقدها بعض الشروط، أو لقيام ما يمنع من انطباق حكم القاعدة عليها؛ لأنها قد عارضها ما يمنع من انطباقها على جزئيات(١) . ٢ أن كثيرا ً من القواعد كان من ثمرات الاستقراء الناقص، ولا شك أن نتيجة هذا الاستقراء والتنبؤ عن طريقه بحكم ما لم يستقرأ من الأمور المظنونة، وليس من الأمور اليقينية، إذ من المحتمل أن يكون حكم ما لم يستقرأ مخالفا ً لحكم ما ت َ م استقراؤه... ّ ويضيف قائلا ً : وهذا الكلام صحيح من الجانب النظري والمنطقي، لكن » أهل الاختصاص من العلماء لم ي ُ نكروا إطلاق (قواعد كلية) على نتائج الاستقراء، مع اعترافهم بأن الحكم بالكلية تابع لوجوده في أكثر الجزئية(٢) ، أو في بعضها، فقد عرفوا الاستقراء الناقص بأنه: الحكم على كلي لوجوده في ّ « أكثر جزئياته(٣) . وقد احتج به جمهور الفقهاء والأصوليين وسموه إلحاق الفرد بالأعم الأغلب، وقالوا: إنه مفيد للظن، وهو كاف في إثبات الأحكام الشرعية(٤) . (١) .٢٨٢ ، الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٢٨١(٢) . الباحسين: المرجع السابق، ص ٢٨٢(٣) المرجع نفسه، نقلا عن تحرير القواعد المنطقية، قطب الدين محمود بن محمد الرازي (ت: ٧٦٦ ه) دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي مصر، ص ١٦٥ . وكذلك المنطق . التوجيهي، أبو العلاء عفيفي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر مصر ١٩٣٨ ، ص ١٢٢ (٤) الباحسين نفسه، ص ٢٨٢ ، نقلا ً عن جمع الجوامع بشرح الجلال المحلي وحاشية البناني، ٣٤٧ . ابن السبكي: الإبهاج في شرح المنهاج تاج الدين عبد الوهاب بن علي /٢ .١٧٢/ (ت: ٧٧١ ه). تعليق جماعة من العلماء، نشر دار الكتب العلمية بيروت، ٣ ثانيا ً : وأما ما قيل بشأن قلة الجزئيات المستقرأة، فإن الأمر كما قيل ولكنه ليس عاما ً وشاملا ً ، فبعض القواعد استند إلى استقراء جزئيات كثيرة ّ ِ جدا، فمثل ُ ها لا يتجه إليها هذا المحذور، ولهذا فإن الظن فيها أقوى من الظن المستفاد من القواعد المبنية على استقراء جزئيات قليلة، كما سبق أن ذكرنا ذلك. على أننا نذكر بأن القواعد تختلف ضيقا ً واتساعا ً ، ولا يصح أن نطلب من الجزئيات فيما كانت ضيقة النطاق ما نطلبه من الجزئيات في القواعد العامة والشاملة. أما القواعد المخرجة والمستنبطة بطريق النظر والاجتهاد فهي تابعة للطريق الذي اتبع في استنباط المجتهد، واجتهاد المجتهد مقبول ومعمول به(١) . ثالثا ً : وأما القول بأن القواعد الفقهية ثمرة الفروع، فلا يصح أن تكون دليلا ً على الفروع لما يلزم من الدور، فهو اعتراض جذاب في الظاهر، ولكن هذا إنما يتم لو كانت الفروع المراد استنباطها هي نفس الفروع التي كشفت عن القاعدة، وليس الأمر كذلك، فالفروع المتوقفة على القاعدة هي غير الفروع التي توقفت عليها القاعدة، فكل قواعد العلوم إنما بنيت على فروع هذه العلوم، وكانت ثمرة لها، وأقرب مثال لذلك قواعد الأصول، وخاصة عند الحنفي ة، حيث استنبطت من خلال أحكام المسائل الفرعية المنقولة عن الأئمة الأقدمين، ولم يقل أحد إنه لا يجوز لنا أن نستند إلى تلك القواعد لتقرير الأحكام واستنباطها. وكذلك قواعد اللغة العربية التي استنبطها علماء اللغة من خلال ما نطق به العرب الفصحاء قبل أن تشوب ألسنتهم العجمة واللحن، وهي التي ُْ يستند إليها في استنباط أحكام اللغة، والبناء عليها، ولم يقل أحد أن هذه (١) . الباحسين: المرجع السابق، ص ٢٨٦ القواعد لا تصلح لاستنباط أحكام اللغة العربية منها؛ لأنها ثمرة للفروع الجزئية(١) . :QÉàîªdG …CGôdG وبعد هذه الخلاصة لما قيل في حجية القاعدة الفقهية، وما أبدينا من وجهات نظر حول بعض الآراء والاستدلالات، فإن الذي يترجح عندنا بعد النظر أن الأصل في القاعدة الفقهية عدم جواز الاستدلال بها على الأحكام الفقهية، ويستثنى من هذا الأصل بعض الحالات يجوز الاحتجاج بها إذا توفرت فيها الشروط التالية: ١ أن تستند القاعدة الفقهية على دليل من كتاب أو سن ﱠ ة أو إجماع. ُ ٢ أن لا تعارض القاعدة الفقهية أصلا مقطوعا به من كتاب أو سن ﱠ ة أو ُ إجماع(٢) . وبناء على ذلك فإن القواعد الفقهية تختلف من حيث أصولها ومصادرها، وكذلك من حيث وجود الدليل على حكم المسألة المبحوث عنها، فمن حيث أصول القواعد ومصادرها، فمنها ما كان أصله ومصدره من كتاب الله سبحانه، أو من سن ﱠ ة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو يكون مبنيا ً على أدلة واضحة من الكتاب والسن ﱠ ة ُﱡ المطهرة، أو مبنيا ً على دليل شرعي من الأدلة المعتبرة عند العلماء، أو تكون القاعدة مبنية على الاستدلال القياسي وتعليل الأحكام، فإذا كانت القاعدة نصا ً ّ كريما ً فهي قبل أن تكون قاعدة، أو تجري مجرى القواعد فهي دليل شرعي بالاتفاق، فهل إذا جرى النص القرآني مجرى القاعدة خرج عن كونه دليلا ً شرعيا ً معمولا ً به، ولا يجوز تقديم غيره عليه؟(٣) ّ (١) .٤٣ ، البورنو: الوجيز، ص ٤٢(٢) . شبير محمد: المرجع السابق، ص ٨٧(٣) . البورنو: المرجع نفسه، ص ٤٠ ومن أمثلة ذلك: قوله 4 : ﴿ ;:987 ﴾ )البقرة : ( ٢٧٥ ، فهذا النص الكريم دليل شرعي يفيد حل البيع وحرمة الربا، وهو في نفس الوقت يصلح قاعدة فقهية، يشمل أنواع البيوع المحرمة وبعض مسائل الربا، إما بالنص وإما بالتخريج. ومن السن ﱠ ة النبوية حديث لا ضرر ولا ضرار » « (١) ، وحديث: الخراج » ﱡ « بالضمان(٢) ، وحديث: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه » « (٣) وغيرها كثير، فهذه أدلة شرعية وقواعد فقهية يمكن الاستناد إليها في استنباط الأحكام وإصدار الفتاوى وإلزام القضاء بها(٤) . فحكام » : ولعل هذا لم يفت الفقهاء الذين وضعوا المجلة حيث قالوا فلعلهم أشاروا إلى تلك القواعد التي هي ،« الشرع ما لم يقفوا على نقل صريح ومن ثم » : في الأصل نصوص تشريعية، وكذلك ما أشار إليه الزرقا حين قال ّ تسوغ المجلة أن يقتصر القضاة في أحكامهم على الاستناد على شيء من هذه ّ « القواعد الكلية فقط دون نص خاص أو عام(٥) . وعليه فيمكن القول: إن ْ كانت القواعد الفقهية نصوصا ً شرعية سواء كانت صياغتها واحدة أو مع تغيير في الصياغة غير مؤثر في المعنى، تعتبر حجة ودليلا ً تستنبط منه الأحكام الشرعية، أو يرجح بعضها على بعض، شأنها في ذلك شأن النصوص نفسها عامة كانت أو خاصة(٦) . وأما إن كانت القواعد الفقهية مستنبطة، فيختلف الحكم فيها تبعا ً للأمرين: (١) سيأتي تخريجه لاحقا ً في الفصول القادمة. (٢) سيأتي تخريجه لاحقا ً في الفصول القادمة. (٣) سيأتي تخريجه لاحقا ً في الفصول القادمة. (٤) . لجنة من الأساتذة، مجلة الأحكام العدلية، ص ١٠(٥) .٩٣٤/ الزرقا: المدخل الفقهي، ٢(٦) . الباحسين: القواعد الفقهية، ص ٢٨٦ أ المصدر والدليل الذي استنبطت القاعدة عن طريقه. ب الاتفاق والاختلاف في القاعدة المستنبطة. ويمكن توضيح ذلك بما يلي: ١ إذا كانت القاعدة مستنبطة من النصوص الشرعية الصريحة مثل فإن الاحتجاج بهذه القاعدة نابع من ،« الأمور بمقاصده ا » : القواعد التالية الاحتجاج بأصلها وهو حديث « إنما الأعمال بالنيات »(١) . اليقين » وكذلكلا يزول بالشك .« الضرر يزال » و « كلها قواعد ،« المشقة تجلب التيسي ر » و مستنبطة من القرآن والسن ﱠ ة والإجماع، وتعتبر مصادر يجوز الاستناد إليها في ﱡ الاستنباط؛ لأن الرجوع إليها رجوع إلى الأدلة التي استندت إليها، فهي تشبه الأدلة، وقوتها بقوة الأدلة المعتمد عليها، فلا يمنع الاحتكام إليها(٢) . ٢ أما إذا كانت القاعدة مبنية على دليل شرعي من الأدلة التي اختلف في اعتبارها، فيجب الرجوع أولا ً إلى الأدلة المتفق عليها، فإذا وجد الحكم ّ بأحدها يستأنس بالقاعدة ولا يحكم بها، وإلا نظر إلى الدليل الذي بنيت عليه القاعدة، فإن أمكن إعطاء المسألة حكما ً بموجبه عند من يعتبرونه دليلا ً كان بها، واعتبرت القاعدة دليلا ً تابعا ً يستأنس به. وأما من حيث عدم وجود دليل شرعي لمسألة بعينها، أو نص فقهي، أو دليل أصولي، ووجدت القاعدة التي تشملها، هل تعتبر القاعدة الفقهية الاجتهادية دليلا ً شرعيا ً يمكن الاستناد إليه في الفتوى والقضاء؟ نقول: إن القواعد الاجتهادية التي استنبطها العلماء المجتهدون من معقول النصوص والقواعد العامة للشريعة، أو بناء على مصلحة رأوها، أو عرف ُ اعتبروه، أو استقراء استقرؤوه، فعلى من تعرض لمثل هذه المسائل أن يكون ّ (١) سيأتي تخريج هذا الحديث لاحقا في الفصول القادمة. (٢) البورنو محمد صدقي: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه، ص ٤١ . الباحسين: المرجع السابق، . ٢٨٧ . شبير: القواعد الكلية، ص ٨٧ ، ص ٢٨٦ ِ على جانب كبير من الوعي والإدراك والإحاطة بالقواعد الفقهية، وما بنيت ُ عليه كل قاعدة أو استنبطت منه، وما يمكن أن يستثنى من كل قاعدة حتى لا يدرج تحت القاعدة مسألة يقطع أو يظن خروجها عنها(١) . ويرى البعض أن هذه القواعد التي لا تستند إلى دليل صريح من الكتاب أو السن ﱠ ة أو الإجماع لا تعتبر مصدرا ً يستند إليه في الاستنباط، سواء اتفق ﱡ الفقهاء على تقعيدها أو اختلفوا فيها، ولكن عند الاتفاق يمكن أن يستأنس بها في الترجيح بين الآراء، وتفريع الأحكام وتخريجها(٢) . وبناء على ما سبق فإنه يمكن الجمع بين القولين السابقين، فالقول الأول: يمكن أن يحمل على القواعد الاجتهادية المختلف فيها بين الفقهاء والتي لم يكن أصلها نصا من كتاب أو س ُ ن ﱠ ة، أو لم تكن تستند إلى أدلة صريحة من كتاب أو سن ﱠ ة أو إجماع، وأما القول الثاني: فيحمل على القواعد ُ التي كان أصلها الكتاب أو السن ﱠ ة، أو استندت إلى أدلة صريحة من القرآن أو ﱡ السن ﱠ ة أو الإجماع. ﱡ ويترتب على هذا أن عدم جواز استناد القاضي أو المفتي إلى إحدى القواعد الفقهية وحدها يكون فيما إذا وجد نص فقهي يمكن الاستناد إليه، أما إذا كانت الحادثة لا يوجد فيها نص فقهي أصلا ً لعدم تعرض الفقهاء لها، ووردت القاعدة التي تشملها، فعندئذ يمكن إسناد الفتوى والقضاء إليها، الل ﱠهم ُﱠ إلا إذا قطع أو ظن فرق بين ما اشتملت عليه القاعدة وهذه المسألة الجديدة(٣) . ومما تجدر الإشارة إليه أن الرأي الذي توصلنا إليه هو ما ذهب إليه معظم (١) البورنو: المرجع نفسه. (٢) شبير: المرجع نفسه. (٣) عزام عبد العزيز: قواعد الفقه الإسلامي، ص ٢٧ . نقلا ً عن حسن أحمد مصطفى، الشك وأثره في العبادات، رسالة ماجستير نوقشت بكلية دار العلوم القاهرة، ص ١٥ . وينظر: . الندوي علي أحمد: القواعد الفقهية، ص ٢٩٥ من ك َ تب في القواعد الفقهية، أو حققوا بعض الكتب المؤلفة فيها من العلماء المعاصرين، وتكاد آراؤهم تتفق على أن القواعد الفقهية لا يصلح أن تكون دليلا ً مستقلا ّ ً يستند إليه في استنباط الأحكام الشرعية، إلا إذا كان أصلها مسندا ً إلى دليل من كتاب أو سن ﱠ ة أو غيرهما(١) . ُ وبعد هذا العرض الذي بسطنا فيه رأي الفقهاء المتقدمين والمتأخرين في مسألة حجية القواعد الفقهية يجدر بنا أن نطرح سؤالا ً ملحا ً مفاده: ما هو ّ موقف الإباضية من الاستدلال بالقواعد الفقهية؟ ولعل من المؤسف أن نجد فقهاء الإباضية على كثرة ما أل ّ فوا في الفروع الفقهية، وأجابوا عن النوازل المختلفة في فتاوى متعددة لم يعطوا لهذا الجانب من الموضوع حقه من الدراسة، بل إن أغلبهم لم يتحدثوا عنه ولو عرضا ً ََ إهمالا ً أو إغفالا ً ، ولا عجب في ذلك ما داموا لم يخصصوا للقواعد الفقهية مصنفات مستقلة، وإنما جاءت في معرض حديثهم للتعليق، أو التعليل، أو التخريج، أو الاستدلال، وهذا شأن كثير من الفقهاء في المذاهب المختلفة. وبعد البحث في مصادر الإباضية نجدهم لم يصرحوا بجواز الاحتجاج بالقواعد الفقهية ولا بالمنع؛ ولعل سبب ذلك يرجع إلى عدم اهتمامهم بتنظير القواعد الفقهية، أو بيان مكانتها في التشريع ولو من الناحية النظرية، ومع ذلك يمكن أن نستنتج من خلال استنباطاتهم وتعليلاتهم على الأحكام، وتخريجاتهم على القواعد أو استدلالهم على الفروع أنهم يوافقون مذهب الجمهور في اعتماد هذه القواعد في مجال الاستنباط أو التخريج أو الترجيح أو التعليل، (١) الندوي: المرجع نفسه. البورنو: الوجيز، ص ٢٣ . الباحسين يعقوب: القواعد الفقهية، ص ٢٧٦ - ٢٨٨ . أحمد بن عبد الله بن حمد، مقدمة تحقيق كتاب القواعد: للمقري، ١١٦ . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ٨٧ . السدلان صالح بن غانم: القواعد الفقهية /١الكبرى وما تفرع عنها، ص ٣٥ - . ٣٨ . عزام عبد العزيز: قواعد الفقه الإسلامي، ص ٢٧ وغيرهم. وتشهد على ذلك مصنفاتهم الفقهية القديمة والحديثة، فغالبا ً ما يذكرون الحكم ويسندونه إلى قواعدهم الفقهية سواء متفق عليها أو مختلف فيها. خاصة إذا أعوزهم الدليل من الكتاب أو السن ﱠ ة أو الإجماع، إلا أنه يظهر بعد التأمل أنهم ﱡ لا يجعلونها دليلا ً مستقلا ّ ً بنفسها، بل يعتبرونها تابعة لغيرها، فيذكرونها من باب الاستئناس والتأكيد، وهذا ما نجده عند الكدمي وابن بركة والشماخي والسالمي والمحقق الخليلي (١)وغيرهم. اليقين لا يزول بالشك » : مثال ذلك في قاعدة « استدل بها أبو سعيد الكدمي إن كل شيء من » : على حكم المسألة بعد إشارته إلى الأدلة النصية فقال الأشياء وأمر من الأمور في دين الله تبارك وتعالى وكل حكم في حلال ما أحل الله وحرمة ما حرم، وكل حق من الحقوق المبينة في شرع الله ٍ سبحانه وكل حكم من أحكام الشريعة، جميع هذا كله جار على أصوله المبنية عليه الموضحة له من الكتاب والسن ﱠ ة وإجماع الأمة، فإذا ثبتت هذه ﱡ الأحكام، فهي ثابتة حتى يزيلها أصل مثلها، فكل حكم منها ثبت فيظل ثابتا ً على أصوله، ولا يزول إلا بحكم ثابت مثله يزيله، وإذا زال حكم من أحكام « هذه الحقوق، فأصوله زائلة حتى يثبتها أصل مثلها(٢) . (١)سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي، (و: ١٢٢٦ ه/ ١٨١٦ م ت: ١٢٨٧ ه)، من أشهر علماء الإباضية في عمان في القرن ١٣ ه. لقبه العلماء بالمحقق لشهرته بتحقيق المسائل وتأصيلها ُ واقترانها بالأدلة. له مؤلفات قيمة، منها: وأرجوزة في الزكاة؛ النواميس الرحمانية في تسهيل الطرق إلى العلوم الربانية؛ مجموعة فتاوى شرعية؛... إلخ. لقد كان صاحب مدرسة فكرية رائدة في عمان، ومن أشهر تلامذته: ابنه أحمد، والشاعر أبو مسلم الرواحي... إلخ. معجم ُ .١٣٢/١ ، أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ٥٠٠(٢) .٨٣/ الكدمي أبو سعيد، المعتبر، ٤ نشأة القواعد الفقهية وتطورها ومصنفاتها عند الإباضية يكاد يكون من الأمور الغريبة أن نجد تاريخ الفقه الإباضي منذ نشأة المدرسة الفقهية الإباضية في القرن الأول الهجري لم يتعرض إلى ذكر القواعد الفقهية ولو بالإشارة، فإذا تصفحت مثلا ً الكتب التي تناولت الفقه الإباضي وتاريخه لم تجد فيها إشارة إلى القواعد، فضلا ً عن أن تشيد بذكرها، وتنوه ﱢ بأهميتها ومكانتها، ولأجل ذلك يجد الباحث عناء كبيرا ً في تحديد الفترة ً الزمنية التي نشأت فيها القواعد الفقهية عند الإباضي ة، وحتى عند غيرهم من المذاهب الفقهية. ويمكن أن نقول بعد البحث والاستقراء إن القواعد الفقهية ظهرت في القرن الأول من عصر التشريع ومرت بمراحل: مرحلة النشوء والتكوين، ومرحلة تدوين القواعد الكلية مع الفروع الفقهية، ومرحلة التطور والنمو، ومرحلة النضج والرسوخ والتميز، وأخيرا ً مرحلة الدراسات المتخصصة. وسنتناول في هذا المبحث تعريف المدرسة الفقهية الإباضية من حيث نشأتها، ومؤسسها، ومصادرها التشريعية، وأماكن انتشارها، وأهم مصنفاتها، ثم نتطرق إلى البدايات الأولى لظهور القواعد الفقهية عند الإباضية وجذورها ِ التاريخية، ومن أين أخذوها أو استنبطوها؟ وكيف تطورت وتبلورت؟ ومتى بدأ تدوينها عندهم ضمن فروعهم الفقهية، ثم استقلت عنها وجمعت في مصنفات خاصة كبقية المدارس الفقهية؟ وبيان ذلك كما يلي: الإباضية مدرسة إسلامية أصيلة، تصد ّ رت المدارس الفقهية الإسلامية، كانت نشأتها على يد التابعي الجليل جابر بن زيد الأزدي (ت: ٩٣ ه/ ٧١١ م)(١) وكان عالما ً مفسرا ً ومحدثا ً وفقيها ً ، تتلمذ على الصحابة الكرام، وشهد له بالعلم أستاذه عبد الله بن عباس ^ ، وقتادة بن دعامة السدوسي وآخرون، وأثنوا عليه، وقد روي عن ابن عباس 3 اسألوا جابر بن » : أنه قال للناس َُ وقال عنه أيضا ،« زي د، فلو سأله أهل المشرق والمغرب لوسعهم علمه ً : جابر » وقال أنس بن مالك .« أعلم الناس بالطلاق 3 في موت جابر بن زيد : مات » « أعلم من على الأرض(٢) أدركت سبعين بد » : ، وقال عن نفسه ْ ري ّ ا ً فحويت َ ما عندهم إلا البحر ابن عباس « (٣) . اشتهر أبو الشعثاء جابر بالعلم والورع فكان من أكبر الفقهاء والمحدثين والمفسرين في البصرة في القرن الأول الهجري، وأجمعت الأمة على ورعه وزهده وتقواه وتبحره في العلم، وكان له أتباع كثيرون، منهم: عبد الله بن إباض (١) تقدمت ترجمته ينظر ذلك بتفصيل في المصادر التالية: أبو العباس الدرجيني: طبقات ٢٠٥/ المشايخ بالمغرب، ٢ - . ٢١٤ . أبو العباس الشماخي: كتاب السير، ص ٧٠ ١٣٨/ محمد علي دبوز: تاريخ المغرب، ٣ - ١٤٩ . الحارثي سالم بن حمد: العقود الفضية، ص ٩٣ - ٣٤٠ . صالح / ١٠٥ . فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي، ٢ الصوافي: جابر بن زيد وآثاره في الدعوة (دراسة شاملة) بكير أعوشت: دراسات إسلامية في الأصول الإباضية، ص ٢٠ . جماعة من الباحثين: معجم أعلام الإباضية، ترجمة . جابر بن زيد رقم ٢٣٠ (٢).٧٦/٢ ،( الربيع بن حبيب: الجامع الصحيح مسند الربيع بين حبيب، حديث: ( ٧٤٢ .٢٨٠/ الخراساني أبو غانم: المدونة الكبرى، ٢(٣) الخراساني: المصدر نفسه. التميمي(١) ، ومرداس بن حدير(٢) ، وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي، وغيرهم، ويرجع الفضل له في تأسيس المدرسة الفقهية الإباضي ة، فقد أرسى قواعدها ووضع قواعدها الأصولية والفقهية. ورغم ذلك لم تنسب هذه المدرسة العريقة إلى جابر بن زي د، بل نسبت إلى عبد الله بن إباض المر ّ ي التميمي ( ٨٦ ه/ ٧٠٥ م) لاعتبارات سياسية وأمنية، وهي نسبة غير قياسية، وسببها يعود إلى اشتهار ابن إباضبين الناس بجرأته في الحق، ومواقفه الحازمة في قضايا الأمة، ولمناظراته مع الخوارج بسبب انحرافهم في المعتقد والسلوك، إذ كف ﱠ روا المسلمين واستباحوا الحرمات، كما ناظر الأمويين وانتقد عليهم عدم التزامهم منهج الخلفاء الراشدين في تسيير أمور المسلمين، واستئثارهم بالسلطة، واتخاذها ملكا ً (١) عبد الله بن إباض التميمي، (ت: ٨٦ ه)، تابعي جليل، فقد أدرك كثيرا ً من الصحابة. وعاصر فتنة افتراق المسلمين بعد صفين، وكانت له مواقف حاسمة من تلك الأحداث. ينسب إليه المذهب الإباضي، إلا أن الإباضية، أجمعوا أن إمامهم هو جابر بن زيد (ت: ٩٣ ه)، وإنما نسب المذهب لابن إباض، لمواقفه العلنية من مخالفي الإباضية، ومناظرته للخوارج، واشتهر برسائله إلى عبد الملك بن مروان، ضمنها نصائح له، وموقف جماعته من انحراف السلطة الأموية عن نهج الخلفاء. ينظر ترجمته عند الدرجيني: ٢١٤ . الحارثي: العقود الفضية، ص ١٢١ / الطبقات، ٢ - ١٢٣ . خليفات محمد عوض: نشأة الحركة الإباضية، ص ٧٦ . عمر صالح با: دراسة في الفكر الإباضي، ص ٢٦ - ٣٨ . بكير أعوشت: دراسات إسلامية في الأصول الإباضية، ص ٢٢ . معجم .٢٠١/١ ، أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ٧٧٤ (٢)مرداس بن حدير التميمي، (أبو بلال)، (ت: ٦١ ه)، وأ ُد َي ﱠة ُ أمه. تابعي، من أئمة الإباضية الأوائل. لازم الإمام جابر وأخذ عنه، والتقى عددا ً من الصحابة، منهم ابن عباس وعائشة. وهو من عظماء الشراة وكبار قادتهم، وأحد الخطباء الأبطال. شهد صفين مع علي بن أبي طالب، وأنكر التحكيم، وشهد النهروان. قتل حوالي ٦١ ه ، بعدما أرسل إليه عبيد الله بن زياد جيشا ً كبيرا ً ، يقوده عباد بن علقمة المازني، فأحاط بمرداس وأصحابه، وقتلهم عن .٣٥١/١ ، آخرهم. معجم أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ١٣٤٧ عضودا ً متوارثا ً بينهم، كما ظهر عند الناس بمظهر الزعيم، فعرف أصحابه بأتباع ابن إبا ض، أو الإباضية(١) . لأجل هذه الأسباب كانت نسبة الإباضية إليه دون الإمام جابر بن زيد الذي اختار التقية منهجا ً حفاظا ً على أتباعه من بطش الأمويين وتنكيلهم، واشتغل بالفقه والإفتاء، وطلب العلم ونشره، وعنه أخذوا قواعد المذهب في الاجتهاد والفتوى، ودون علمه في ديوان كبير أتت عليه الأيام، ولم يبق منه ُّ إلى النزر القليل متناثرا ً في الكتب الإباضية وغيرها(٢) . كان الإباضية يسمون أنفسهم أهل الح ق، وأهل الاستقام ة، وأهل الدعو ة، وجماعة المسلمي ن، ولم يسموا أنفسهم بالإباضي ة، بل دعاهم بها غيرهم، ثم ارتضوا هذه التسمية أمرا ً واقعا ً ، وظهرت في مؤلفاتهم أواخر القرن الثالث الدينونة » ( الهجري في مدونة عمروس بن فتح النفوسي ( ٢٨٣ ه/ ٨٩٦ م لأبي سعيد الكدمي (ق: ٤ه/ ١٠ م)، « الجامع المفيد » ثم في كتاب ،« الصافية لابن بركة البهلوي ( ٣٧٢ ه) « الموازنة » وكتاب(٣) . واكتملت صورة هذه المدرسة الفقهية، وتم تحرير أقوالها وآرائها في ّ (١) أبو القاسم البرادي: الجواهر المنتقاة، ص ١٥٦ - ١٦٧ . سليمان الباروني: مختصر تاريخ الإباضية، ص ١٨ - ٢٧ . الحارثي: العقود الفضية، ١٢٣ - ١٣٨ . خليفات: نشأة الحركة الإباضية، ص ٧٦ . عمر صالح با: دراسة في الفكر الإباضي، ص ١١٥ - ١٢٤ . باجو مصطفى: منهج الاجتهاد عند الإباضية: ص ٧٥ . مجموعة من الباحثين: معجم مصطلحات . الإباضية: ص ٠٣ (٢) عن قصة ديوان جابر بن زيد واستنساخه وضياعه، ينظر: أبو العباس الدرجيني: طبقات ٨١/ المشايخ بالمغرب، ١ - ٨٢ .. محمد الشيخ بالحاج: مميزات الإباضية نشأة وتأصيلا ً وتفريعا ً وسلوكا ً . ، ص ٤٠ (٣)عمروس بن فتح النفوسي: الدينونة الصافية، ص ٨٣ . فرحات الجعبيري: البعد الحضاري ، للعقيدة عند الإباضية، ص ٥٦ . خليفات: في كتابيه نشأة الحركة الإباضية، ص ٨١ والأصول التاريخية للفرقة الإباضية، ص ١٢ . معجم مصطلحات الإباضية، ص ٠٤ . باجو . مصطفى: منهج الاجتهاد، ص ٧٦ صورتها النهائية، في أواخر أيام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ( ٤٥ ه/ ١٤٥ ه) الذي خل َ ف جابر بن زيد في الإمامة العلمية بالبصر ة، وعنه حمل طلبته الذين وفدوا عليه من المشرق والمغرب إلى بلدانهم التي أضحت فيما بعد مراكز لدول إباضية هامة، قامت بدور سياسي بارز في كل من جنوب الجزيرة العربية في اليمن وعما ن، وشرقيها في زنجبار والجزيرة الخضراء وكينيا وتنزانيا ُ ومدغشق ر، وفي الشمال إلى خراسان والجمهوريات الإسلامية المحاذية لروسي ا، وفي شمال إفريقي ا، ليبيا والجزائر وتونس وجنوب المغرب الأقصى، ومنها انتقل إلى مصر والأندلس وبلاد السودان العربي، كالسنغال ومالي والنيجر وتشاد وغانا . ودامت تلك الدول ردحا ً من الزمن عمرت بعضها طويلا ً ، كالدولة الرستمية بالجزائر ( ١٦٠ ه ٢٩٦ ه)، ودامت بعضها قرونا ً كما هو حال الإمامة في ع ُ مان (ق: ٢ه/ ١٤ م)، واشتهر في هذه الدول علماء أجلاء، ساهموا بنتاج فكري وفير في مختلف العلوم، وبخاصة في علوم الشريعة، كالفقه والأصول والعقيدة والتفسير والحديث. وظهر التدوين الفقهي في المدرسة الفقهية الإباضية بعد جابر بن زي د، ونما وتطور كثيرا ً عبر القرون، وأنتج لنا مؤلفات تعد بالعشرات، تناولت جميع أبواب الفقه الإسلامي، ومن أشهرها مدونة أبي غانم الخراسان ي، وجوابات الإمامين جابر بن زيد وأبي عبيدة مسلم التميمي، ومسند الربيع بن حبيب الفراهيدي، وجامع ابن جعفر الأزكوي، وجامع ابن بركة البهلوي، وكتاب المعتبر لأبي سعيد الكدم ي، وبيان الشرع لمحمد بن إبراهيم الكندي(١) ، (١)محمد بن إبراهيم بن سليمان الكندي، (أبو عبد الله)، (ت: ٥٠٨ ه)، العالم المحقق الفقيه، من أجل علماء القرن الخامس، تلقى العلم على يد القاضي أبي علي الحسن بن أحمد العقري، ونبغ في جملة من العلوم. اشتغل في حياته بالتأليف والفتوى والقضاء، وممن تتلمذ على يديه الشيخ أحمد بن محمد بن صالح صاحب المصنف. من آثاره: موسوعته الضخمة = وكتاب المصنف لأبي عبد الله أحمد الكندي(١) ، والعدل والإنصاف في أصول الخلاف لأبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلان ي، وكتاب الضياء لسلمة بن مسلم العوتب ي، وكتاب الإيضاح لعامر الشماخ ي، وتفسير هود بن محكم الهواري(٢) ، وتفسير آيات الأحكام لأبي الحواري(٣) ، ومعارج الآمال للسالم ي، وكتاب النيل والورد البسام للثمين ي، وشرح النيل = حوى فيها أصول الشرع والأحكام والأديان؛ اللمعة المرضية في « بيان الشرع » المشهورة في الأديان والأحكام؛.. إلخ. معجم « النعمة » أصول الشرع وفروعه؛ والأرجوزة المسماة .٢٩٠/١ ، أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ١١١٨ (١) الكندي أحمد بن عبد الله بن موسى، (أبو بكر)، (ت: ٥٧٥ ه)، عالم فقيه ومجتهد؛ تلقى العلم على يد الفقيه أبي بكر النزواني وغيره. وقد ترك آثارا ً في شتى العلوم والفنون، أهمها: « التخصيص » في الأديان والأحكام يقع في اثنين وأربعين جزءا؛ وكتاب « المصنف » كتاب ً في الولاية والبراءة؛.. إلخ. قام بترتيب أبواب كتاب بيان الشرع، وسماه بهذا الاسم. معجم .٢١/١ ، أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة: ٣٩ (٢)هود بن محك ﱠ م الهواري، (ق: ٣ه/ ٩م)، عالم متقن، أخذ العلم عن أبيه وعن غيره، قيل في الأندلس، وقيل في تيهرت، وقيل في القيروان. اشتهر بمؤل ﱠ تفسير كتاب » فه وهو تفسير جليل، كان والد هود قاضيا ،« الله العزيز ً للإمام عبد الوه ﱠ اب بن رستم (ت: ٢٠٨ ه/ ٨٢٣ م) فوهم بعض خطأ أن ﱠ هودا ً نفسه كان قاضيا ً . معجم أعلام الإباضية، .١٢٨/٢ ، (قسم المغرب)، ترجمة: ٩٦١ (٣)محمد بن الحواري بن عثمان القري، المعروف بالأعمى، أبو الحواري، (حي في: ٢٧٢ ه)، من علماء النصف الثاني من القرن الثالث، ويرد اسمه أحيانا ً : الحواري محمد بن الحواري، وهو من مشاهير علماء عمان، نشأ وعاش بنزوى وبها أخذ ُ العلم عن شيوخه منهم: محمد بن محبوب، ومحمد بن جعفر، ونبهان بن عثمان، وأبو المؤثر الصلت بن خميس وهو أخص شيوخه وأكثرهم ملازمة له، كان ثالث ثلاثة من علماء أهل عمان في عصره، وقد كان أجمعهم علما ً وفقها ً ، ترك مؤلفات ُ قيمة أشهرها: جامع أبي الحواري (مطبوع في خمسة أجزاء)، تفسير خمسمائة آية في الأحكام. (مطبوع)، وله زيادات على جامع ابن جعفر، وكتب معروضة عليه، وقيل إنه توفي في أوائل القرن الرابع الهجري، ينظر: معجم أعلام الإباضية قسم المشرق، . ترجمة: ١١٤٠ وتيسير التفسير للقطب أطفيش(١) ، وغيرها كثير لا يمكن حصرها في هذه السطور(٢) . وكان بديهيا ً أن يقوم هذا الصرح الفقهي على أصول وقواعد فقهية ثابتة، ّ وجمعت القواعد الأصولية والفروع الفقهية في مصنفات عديدة، وبقيت القواعد الفقهية متناثرة في تلك المصنفات يخرج عليها الفقهاء الأحكام ﱢ الشرعية للنوازل الجديدة، وقد يعللون بها الأحكام، ولم تحظ بالعناية الكافية كما حدث في المدارس الفقهية الأخرى، فلم تصنف في كتب مستقلة، ولم يهتموا بجمعها ولا ترتيبها ولا تنقيحها، وهذا النقص دفع الباحث إلى محاولة تداركه بالبحث عنها في مظانها، وجمعها ودراستها وتأصيلها، مساهمة منه في بناء دعائم هذه المدرسة الأصيلة وتعريفها للناس. وتعتمد المدرسة الفقهية الإباضية في الاجتهاد على المصادر التشريعية المعروفة وهي: القرآن والسن ﱠ ة والإجماع والقياس والاستدلال، ويدخل تحته ﱡ الاستصحاب والاستحسان والمصالح المرسلة، وقد يطلقون على الإجماع والقياس والاستدلال كلمة (الرأي)، فيقولون عندما يتحدثون عن مصادر (١)أمحمد بن يوسف بن عيسى أطفي ﱠ قطب الأ » ش، الشهير ب َ و: ١٢٣٧ ه/ ١٨٢١ م ) ،« ئمة ت: ١٣٣٢ ه/ ١٩١٤ م)، أشهر عالم إباضي بالمغرب الإسلامي في العصور الحديثة. نشأ ﱟﱢ عصاميا ً ، ولم يسافر للدراسة خارج موطنه، جلس للتدريس والتأليف، وعمره لم يتجاوز ستة ّ عشر سنة، وتصدر للفتوى وهو ابن عشرين سنة، وبلغ درجة الاجتهاد المطلق في كهولته. ألف في مختلف الفنون، ومن مؤلفاته: تفسير الق ُ رآن، له ثلاث تفاسير، أهمها: تيسير التفسير؛ ْ ِ شرح كتاب النيل وشفاء العليل؛ ترتيب المدونة الكبرى لأبي غانم بشر بن غانم الخراساني َﱠ (مط)؛ حي على الفلاح: وهي حاشية على ك ِت َ اب الإيضاح (مخ)؛... إلخ. معجم أعلام ﱠ .٦٩/٢ ، الإباضية، (قسم المغرب)، ترجمة: ٨٦٤(٢) علي يحيى معمر: الإباضية دراسة مركزة في أصولهم وتاريخهم، ص ٣٥ - ٣٦ . محمد الشيخ بالحاج: مميزات الإباضية، ص ٥١ - ٥٥ ، مصطفى أرشوم: مقدمة كتاب النكاح صحة وفسادا ً وآثارا ً في المذهب الإباضي، ص ٢٠ - ٢١ . الراشدي مبارك بن عبد الله: نشأة تدوين ١٤٢٢ ه/ ٢٠٠١ م، ص ١٢٤ ، الفقه واستمراره عبر العصور: ط ١ - .١٦ التشريع: هي الكتاب والسنة والرأي، وبسبب ذلك أخطأ بعض م ن ك َ تب عنهم، ﱡﱠ َ فظن أنهم ينكرون الإجماع(١) . وبسبب رحلات إمام هذه المدرسة في شبابه، منذ نهاية عهد الخلفاء الراشدين إلى أن استقر في البصرة وإلى وفاته، فقد نقل الحديث والفقه عن الصحابة بالحجاز عمن كان موجودا ً منهم بالعرا ق، فاتسم فقهه بطابعين: طابع ْ أهل الحدي ث، وطابع أهل الرأ ي؛ فكان يجمع بين النقل والعقل، وبين الأثر والرأي، فتأثر الإمام جابر بن زيد بطريقة الحجا ز، كما التزم وصية شيخه يا جابر إنك من فقهاء البصرة وت » : عبد الله بن عمر حين قال له ُ ستفتى، فلا تفتين ّ إلا بنص قاطع وس ُ ن ﱠ ولا شك يقصد بذلك التأكيد على جابر بعدم .« ة ناطقة الخوض والتعمق في الأخذ بالرأي. كما ن ُ قل إلينا عن الإمام جابر تدوينه ما سمعه من السن ﱠ ة وفتاوى الصحابة ﱡ ِ رضوان الله عليهم وكبار التابعي ن، وذلك ليكون مت ّبعا ً ما يجد فيه الدليل من ُ تفسير للقرآن أو السن ﱠ ة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يجد أثرا ً من الصحابة رضوان الله ﱡ عليهم ولا يذهب إلى الأخذ بالرأي إلا عند عدم الأثر، فإذا أعوزته الحاجة إلى الاجتهاد وإعمال النظر في الوقائع لا يمنعه من ذلك شيء، وخير دليل على ذلك ما نقل عنه من قول الناس له: يا أبا الشعثاء إنهم يكتبون عنك «!(٢) يكتبون ما عسى أن أرجع عنه غدا » : فقال ً . ويفهم من عبارته أنه ينظر في الحكم الشرعي للحادثة، فلعله يقول اليوم ُ فيها برأي ويؤديه اجتهاده غدا ً إلى رأي آخر مناقض لما قاله بالأمس، ات ّ باعا ً (١) علي يحيى معمر: الإباضية، ص ٥٥ وما بعدها. ينظر: الإباضية مذهب إسلامي معتدل، تعليق أحمد بن سعود السيابي، ص ٣٠ وما بعدها. محمد الشيخ بالحاج: مميزات الإباضية، ص ٦٨ - ٧٣ . مصطفى أرشوم: النكاح، ص ١٨ - ١٩ . وينظر: باجو مصطفى: منهج الاجتهاد عند الإباضية، تفسير أصول التشريع عند الإباضية (دراسة شاملة). (٢) الراشدي مبارك: نشأة تدوين الفقه، ص ١١٤ - .١١٥ لما قاله عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري ^ : لا يمنعك قضاء » قضيته بالأمس أن تراجع الحق فيه، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي « في الباطل(١) . ومع أن المدرسة الفقهية الإباضية نشأت بالبصرة على يد مؤسسها أبي الشعثاء جابر بن زيد إلا أنها لم تتأثر بالقياس كل التأثر، فقد كانت تأخذ به على حذر، ومما يؤثر عن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة تلميذ جابر قوله عند « ما سلموا من الدماء والفروج » : ما قيل له: إن أهل عم ان يفتون بالقياس، قال ُُ ُ وأثر عنه قوله أيضا ً : ومعنى ذلك أنه « من ذهب في القياس ذهب في الدمار »لا ينبغي الأخذ بالقياس في كل شيء طالما وجد دليل شرعي في المسألة، ولو كان حديثا ً أ َحاديا ً إذا كان رواته ثقات(٢) . ّ ومن هنا كانت المدرسة الفقهية الإباضية وسطا ً بين مدرسة أهل الحديث التي تتجنب التوسع في الأخذ بالرأي في كل الأمور، على اعتبار أن جميع أمور الحياة قد طرقها التشريع ، وبين مدرسة أهل الرأي التي توغلت في الأخذ بالقياس. ويبدو أن الإباضية لم يرضوا بالتقليد، فأخذوا بالقياس فيما ليس فيه نص ولا إجماع؛ لأن كثيرا ً من مسائل الفقه لم تبين أحكامها، بل هي داخلة ضمن الأدلة الشرعية، فقاسوا ووضعوا شروط القياس(٣) . أما منهج الإباضية في الأخذ بالحديث فهم يعتمدون على السن ﱠ ة النبوية ﱡ الصحيحة الثابتة بالسند الصحيح، ويتثبتون في الرواية تثبتا ً واضحا ً ، وخاصة موقفهم من الأحاديث الآحادية، فإذا صح الحديث قدموه على القياس؛ إذ (١) المصدر نفسه. (٢) . الراشدي مبارك: نشأة التدوين، ص ١١٥(٣) ٢٦١ . ينظر: السالمي: طلعة ،٢١٣ ،٢٠٧ ،١٧٥/ الخراساني أبو غانم: المدونة الكبرى، ٢ ٩١ . باجو مصطفى: منهج الاجتهاد، ٢٩٩ / الشمس شرح الألفية، باب القياس، ٢ - .٣٨٤ لا قياس عندهم مع ورود النص؛ لأنه لا حظ ّ للنظر عند وجود الأثر، ولا يأخذون بأحاديث الآحاد في العقيدة إلا إن وافقت القرآن، وجعلوا القرآن معيارا ً للسن ﱠ ة الصحيحة، إذ لا يمكن تناقض القرآن والسن ﱠ ة فيما عدا النسخ ﱡﱡ والتخصيص، ويقبلون مرسل التابعي الثقة، ويعتمدون رواية الثقة مطلقا ً في غير ما يتعلق بالفتنة ممن خاض فيها، أما غير ذلك فروايته مقبولة عندهم، كما ساهموا أيضا ً في نقل الحديث وتدوينه، والحفاظ عليه من الوضع(١) . وقد جرى على ألسنة البعض أن الإباضية يتمسكون بما يرويه أصحابهم فقط، ولا يأخذون إلا بما ورد في مسند الربيع بن حبيب الإباضي العماني ُ البصري، ولكن هذه الدعوى يعوزها الدليل، فهم يأخذون بالدليل أينما وجدوه، ولو كان في غيرهم عملا ً والحق أحق أن يتبع » : بالمقولة المشهورة .« ولو جاء من البغيض، والباطل مردود على من جاء به ولو جاء من الحبيب وتشهد مصنفاتهم الفقهية اعتمادهم على أحاديث من غير رواة الإباضي ة، كشرح مسند الربيع بن حبيب للسالم ي، وشرح النيل للقطب أطفي ش، وجامع ابن بركة البهلوي، والإيضاح للشماخي . وقبل أن نختم هذا المطلب أود الإشارة إلى أمر ما زال يقلق المنصفين وأتباع هذه المدرسة الأصيلة، فبرغم وفرة الدراسات الحديثة عن المدرسة الإباضية الأكاديمية منها وغيرها، فإن الجهل بها لا يزال يرين على كثير من الدارسين والمختصين في الدراسات الإسلامية، بله عامة المثقفين أو عموم (١) مجموعة من المشايخ المشارقة: سير المسلمين، مخطوط مصور منقطع من آخره ٦٥٣ ٥٨٢ . الربيع بن حبيب: ،٥٨١ ،٤٦٤ ،٢٠٦ ،١٩٧ ،٣٢ ، صفحة، والصفحات المطلوبة ٢٩ ،٢٦٤ ،٢٦١ ،٢٠٣/ ٢٦٩ . الخراساني: المدونة، ٢ ،١٣١ ،٥٦ ، الجامع الصحيح، ٤٤ ٣٨/ ٣٢٥ ،. الكندي أحمد بن عبد الله: ١ ،٢٧٤ - ٦٨ . عمر مسعود الكباوي: الربيع بن حبيب محدثا ً ، ص ٩٢ . محمد الشيخ بالحاج: القرآن والسن ﱠ ،٧٤ ، ة عند الإباضية، ص ٧١ ﱡ ٨٨ - ٨٩ . الراشدي مبارك: أبو عبيدة مسلم أبي كريمة التميمي وفقهه، ص ١٧٠ - .١٧١ المسلمين، ولا يزال تصور معظم المسلمين لهذا المذهب غير واضح أو غير سليم، أو مطبوعا ً وفق الصورة التي رسمها ك ُ ت ﱠ اب المقالات في القديم، كابن حزم الظاهري(١)، والشهرستاني (٢) والبغدادي (٣) ، وتوارثها الأجيال عبر القرون، فأخذت حكم التوارث، وغدت حقيقة لا يعلوها النقد ولا ينالها التمحيص. ولا يسع المجال هنا لدراسة هذه القضية، أو البحث عن أسبابها، أو الرد على الت ﱡ هم والافتراءات التي أ ُ لصقت بالإباضي ة، ولا نريد معرفة المسؤول عنها، فلكل مقام مقال، والذي يعنينا هنا هو مد ّ جسور التواصل، وإزالة الفجوة التي اصطنعتها ظروف الماضي من المسلمين وغيرهم، وهي عديدة متشابكة، مما أدى إلى إقامة أسوار من حديد بين أبناء أمة التوحيد. ولعل هذه الدراسة ستساهم في إزالة هذه الغشاوة والجفوة لتحقيق الهدف المنشود، وهو أن نعيد للأمة الإسلامية لحمتها ووحدتها واجتماعها تحت راية الإسلام، لنصرته والذود عنه. (١) ابن حزم الظاهري علي بن أحمد بن سعيد، (أبو محمد)، الشهير بابن حزم الظاهري، (و: ٣٨٤ ه/ ٩٩٤ م ت: ٤٥٦ ه/ ١٠٦٤ م)، عالم الأندلس في عصره، وأحد أئمة الإسلام. انتقد كثيرا ً من العلماء والفقهاء، فأبغضوه وأجمعوا على تضليله وحذروا السلاطين منه، ونهوا العوام عن الدنو منه؛ فأقصي وطورد من طرف الملوك؛ فرحل إلى بادية ليلة من بلاد الأندلس ، فتوفي فيها. أشهر مصنفاته: الفصل في الملل والأهواء والنحل؛ المحلى؛ .٢٥٤/ جمهرة الأنساب؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٤ (٢) الشهرستاني محمد بن عبد الكريم بن أحمد، (أبو الفتح)، (و: ٤٧٩ ه/ ١٠٨٦ م ت: ٥٤٨ ه/ ١١٥٣ م)، من فلاسفة الإسلام، كان إماما ً في علم الكلام وأديان الأمم ومذاهب ِِ الفلاسفة. من كتبه: الملل والنحل؛ نهاية الإقدام في علم الكلام؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، .٢١٥/٦ (٣) البغدادي عبد القاهر بن طاهر بن محمد، (أبو منصور)، (ت: ٤٢٩ ه/ ١٠٣٧ م)، عالم متفنن، من أئمة الأصول، كان يدرس في سبعة عشر فنا ً ، وكان ذا ثروة. من تصانيفه: أصول الدين؛ .٤٨/ فضائح المعتزلة؛ معيار النظر؛ الفرق بين الفرق؛... إلخ. الزركلي، الأعلام، ٤ k :øjƒμàdGh Aƒ°ûædG á∏Môe :’hCG وتبدأ من عصر الرسالة أو عصر التشريع، حيث كانت فيه البذرة الأولى للقواعد الفقيهة؛ فالقواعد الفقهية المأثورة في المصادر الفقهية الإباضية وغيرها لم توضع كلها جملة واحدة في وقت معين بل تكونت مفاهيمها، وصيغت نصوصها بالتدرج في عصور ازدهار الفقه الإسلامي ونهضته، وذلك استنباطا ً من دلالات النصوص التشريعية العامة، ومبادئ أصول الفقه، وعلل الأحكام، والمقررات العقلية، والمعاني الفقهية لهذه القواعد، فكانت مقررة في أذهان الأئمة المجتهدين يعللون بها الأحكام، ويقيسون عليها، وقد كانت (١) تسمى عندهم أصولا ً . وقد بدأت البذرة الأولى للقواعد الفقهية تنبت إبان عصر الرسالة ومنبع التشريع، فكثيرا ً ما نجد في مصادر المتقدمين من الإباضية وغيرهم كجوابات الإمام جابر بن زي د، ورسائل أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي، ومدونة ﱡ أبي غانم الخراسان ي، ومدونة الإمام سحنون المالكي، ومصنفات الإمام أبي حنيفة النعمان يردون هذه القواعد إلى أصولها من القرآن والسن ﱠ ة قدر الإمكان، وهذا يعني بوضوح أن الملامح الأولى للقواعد الكلية مرسومة في القرآن (١) .١٥/ العوتبي سلمة بن مسلم، الضياء، ٣ والسن ﱠ ة، ويعني أيضا ً أن النشأة الأولى للقواعد الفقهية كان مصدرها هذه ﱡ المعالم والإشارات الموجودة في النصوص التشريعية من القرآن والسن ﱠ ة، فإن ﱡ من آيات كتاب الله، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم كثيرا من الأحكام بمثابة القواعد العامة التي يندرج تحتها فروع ومسائل كثيرة، وباستقرائها وتتبع جزئياتها، ومباشرة تطبيقها، استطاع فقهاء الإسلام أن يصيغوا القواعد الفقهية ويطوروها حتى بلغت صورتها النهائية في العصور المتأخرة. وعند التأمل في نصوص القرآن الكريم والسن ﱠ ة النبوية نجد بعضها يمثل ﱡ بذاته وألفاظه قواعد تشريعية جاهزة دون تحوير بزيادة أو نقصان، وهذه لم يتطلب فيها بذل أدنى جهد لاستنباطها، وبعضها يقدم للفقيه مادة خصبة يستطيع أن يصوغ منها قدرا ً وافرا ً من هذه القواعد بعد بذل بعض الجهد في الاستنباط والتعليل والتخريج(١) . ولا بأس بذكر بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي جاءت بصياغة رائعة، وستبقى مرجع الفقهاء إلى ما شاء الله تعالى في تعليل الأحكام الفقهية للحوادث النازلة، ذلك أن الكتاب والسن ﱠ ة خير مصدر لهذه القواعد، ﱡ لما في كتاب الله 8 من إعجاز وبلاغة وبيان، ولما أوتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم. أ نماذج من القرآن الكريم: ١ قول الله تعالى: ﴿ §¨ «ª© ¬¯® ﴾ (ا لب قرة : ١٨٥ ( ، وقوله 8 : ﴿ ¨§ «ª© ¬ ﴾ )البقرة : ( ٢٨٦ ، ومن هاتين المشقة تجلب » الآيتين الكريمتين أخذ الفقهاء القاعدة الفقهية الكبرى التيسير « وغيرها من القواعد الأخرى المتفرعة عنها. (١) ٩٥١ . السدلان صالح، القواعد الفقهية، ص ٢٣ . الروكي محمد، / الزرقا: المدخل، ٢ . قواعد الفقه الإسلامي، ص ١٢٨ ﮯ¡ ﴾ )ﺍﺞـﺤﻟ: ٨ (٧ ، ﺎﻬﻨﻣﻭ ~ ﻪـﻨﻣﻭ ﻪﻟﻮﻗ :ﻰـﻟﺎﻌﺗ ﴿}|{z ٢ـ ﺲـﺒﺘﻗﺍﺀﺎـﻬﻘﻔﻟﺍ ﺓﺪﻋﺎﻗ ﻯﺮـﺧﺃ ،ﺓﺮﻴﺒﻛ ﻲﻫ ﺓﺪﻋﺎﻘﻟﺍ ﺔﻘﺑﺎـﺴﻟﺍ ﻲـﻓ ﻥﻮﻤﻀﻤﻟﺍ ﺭﺎـﻃﻹﺍﻭ ﻡﺎﻌﻟﺍ ﻱﺬﻟﺍ ﻪﻧﻼﻤـﺸﺗ ﻲﻫﻭ ﺝﺮﺤﻟﺍ»ﻉﻮـﻓﺮﻣ « ﺎﻫﺮﻴﻏﻭ ﻦﻣ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ﺔﻋﺮﻔﺘﻤﻟﺍ .ﺎﻬﻨﻋ :ﻼﻋﻭ ﴿qponmlkji ﴾ ﻟﺍ) ﺒ ﻘ :ﺓﺮ١٧٣ ( ، ﻪﻟﻮﻗﻭﻞﺟﱠ ٣ـ ﺎﻬﻨﻣﻭ ﺬﺧﺃﺀﺎﻬﻘﻔﻟﺍ :ﺓﺪﻋﺎﻗ ﺕﺍﺭﻭﺮﻀﻟﺍ» ﺢﻴﺒﺗﺕﺍﺭﻮﻈﺤﻤﻟﺍ ،« ﺬﺧﺃﻭ ﻢﻬﻀﻌﺑ . :ﺓﺪﻋﺎﻗ ﺺﺧﺮﻟﺍ»ﻻ ﻁﺎﻨﺗ ﻲﺻﺎﻌﻤﻟﺎﺑ« (١) ً ﺎﻀﻳﺃ ﻪﻨﻣﻭ ﻪﻟﻮﻗ :ﻰﻟﺎﻌﺗ ﴿^]\[ _ ﴾ ﻟﺍ) ﻣﺰ :ﺮ٧ ( ، ﺎﻬﻨﻣﻭ ﺬﺧﺃ ﺾﻌﺑِِﺬﺀﺎﻬﻘﻔﻟﺍ :ﺓﺪﻋﺎﻗ ﻡﺍﺮﺤﻟﺍ»ﻻ ﻖﻠﻌﺘﻳ ﺑ.« ﻦﻴﺘﻣّ ٤ـ ﻪـﻟﻮﻗﻭ :ﻪﻧﺎﺤﺒـﺳ ﴿KJIHGFE﴾ ٥ـ ﻋﻷﺍ) ـ :ﻑﺍﺮ١٩٩ ( ، ﻝﺎﻗﻲﺒﻃﺮﻘﻟﺍ(٢) : ﻩﺬـﻫ» ﺔﻳﻵﺍ ﺙﻼﺛ ،ﺕﺎﻤﻠﻛ ﺖﻨﻤﻀﺗ ﻲﻓ ﺕﺍﺭﻮـﻣﺄﻤﻟﺍ ﺕﺎـﻴﻬﻨﻤﻟﺍﻭ :ﻪـﻟﻮﻘﻓ ﴿FE ﴾ ﻋﻷﺍ) ـ:ﻑﺍﺮ ١٩٩( ﻞﺧﺩ ﻪﻴﻓ ﺔـﻠﺻ ،ﻦـﻴﻌﻃﺎﻘﻟﺍ ﻮﻔﻌﻟﺍﻭ ﻦﻋ ،ﻦﻴﺒﻧﺬﻤﻟﺍ ﻖـﻓﺮﻟﺍﻭ ،ﻦﻴﻨﻣﺆﻤﻟﺎﺑ ﺮﻴﻏﻭ ﻚﻟﺫ ﻦـﻣ ﻕﻼﺧﺃ ،ﻦﻴﻌﻴﻄﻤﻟﺍ ﻞﺧﺩﻭ ﻲﻓ :ﻪﻟﻮﻗ ﴿HG ﴾ ﻋﻷﺍ):ﻑﺍﺮ ١٩٩( ﺔـﻠﺻ ،ﻡﺎـﺣﺭﻷﺍ ﻯﻮـﻘﺗﻭ ﷲﺍ ﻲﻓ ﻝﻼـﺤﻟﺍ ،ﻡﺍﺮـﺤﻟﺍﻭ ﺾـﻏﻭ ،ﺭﺎﺼﺑﻷﺍ ﺩﺍﺪﻌﺘـﺳﻻﺍﻭ ﺭﺍﺪـﻟ ،ﺭﺍﺮـﻘﻟﺍ ﻲـﻓﻭ :ﻪـﻟﻮـﻗ ﴿KJI ﴾ ﻋﻷﺍ) ـ:ﻑﺍﺮ ١٩٩( ﺾـﺤﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻖﻠﻌﺘﻟﺍ ،ﻢﻠﻌﻟﺎﺑ ﺽﺍﺮـﻋﻹﺍﻭ ﻦﻋ ﻞﻫﺃ ﻢﻠﻈﻟﺍ ﻩﺰـﻨﺘﻟﺍﻭ ﻦﻋ ﺔﻋﺯﺎﻨﻣ ،ﺀﺎﻬﻔﺴﻟﺍ ﺓﺍﻭﺎﺴﻣﻭ ﺔﻠﻬﺠﻟﺍ ،ﺀﺎﻴﺒﻏﻷﺍ ﺮﻴﻏﻭ ﻚﻟﺫ ﻦﻣ . ﻕﻼﺧﻷﺍ ،ﺓﺪﻴﻤﺤﻟﺍ ﻝﺎﻌﻓﻷﺍﻭ«ﺓﺪﻴﺷﺮﻟﺍ (٣) (١) . الروكي: المرجع نفسه، ص ١٢٩ (٢) القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجى من علماء المالكية، توفي بمصر ٦٧١ ه . ينظر: ابن فرحون، الديباج المذهب في علماء المذهب، ص ٤٠٦ - .٣٢٥/ ٤٠٧ . ابن العماد: شذرات الذهب، ٥ (٣) .٣٤٤/ القرطبي محمد بن أحمد: الجامع لأحكام القرآن، ٧ ﻚﻟﺬﻛﻭ ﻪﻟﻮﻗ :ﻪﻧﺎﺤﺒﺳ ﴿³²¸¶µ´¹ ﴾ ﻟﺍ) ﻨ ﺤ :ﻞ١٢٦ ( . ِ ﻝﺎـﻗ ﻦـﺑﺍ ﺮـﻳﺮﺟﻱﺮﺒﻄﻟﺍ(١) ﺪـﻨﻋ ﻩﺬﻫ :ﺔـﻳﻵﺍ ﻝﻮﻘﻳ» ﻰـﻟﺎﻌﺗﺫ ﻩ ،ﻦﻴﻨﻣﺆﻤﻠﻟ ﻥﺇﻭﺮـﻛُ ٦ـ ﻢـﺘﺒﻗﺎﻋ ﺎﻬﻳﺃ ﻥﻮﻨﻣﺆﻤﻟﺍ ﻦﻣ ﻢﻜﻤﻠﻇ ﻯﺪﺘﻋﺍﻭ ،ﻢﻜﻴﻠﻋ ﻩﻮﺒﻗﺎﻌﻓ ﻞﺜﻤﺑ ﻱﺬﻟﺍ ﻢﻜﻟﺎﻧ ﻪﺑ . ﻢﻜﻤﻟﺎﻇ ﻦﻣﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ (٢) f e d c b a ﴾ ` _ ﻪـﻟﻮﻗﻭ :ﻪﻧﺎﺤﺒـﺳ ﴿^ ٧ـ )ﺍﺮـﻘﺒﻟﺓ: ٤٩ (١ . ﻝﺎـﻗﻲـﺒﻃﺮﻘﻟﺍ ﻲﻓ ﻥﺎـﻴﺑ ﺾﻌﺑ ﻡﺎﻜـﺣﺃ :ﺔـﻳﻵﺍ ﻻ» ﻑﻼﺧ ﻦﻴﺑ . ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻥﺃ ﻩﺬﻫ ﺔﻳﻵﺍ ﻞﺻﺃ ﻲﻓ ﺔﻠﺛﺎﻤﻤﻟﺍ ﻲﻓ«...ﺹﺎﺼﻘﻟﺍ (٣) ﮯ﴾ ﻟﺍ) ﺸ:ﻯﺭﻮ ٤٠( ﺕﺬﺧﺃ ~ ﻚﻟﺬﻛﻭ ﻪﻟﻮﻗ :ﻪﻧﺎﺤﺒـﺳ ﴿}| ٨ـ ﺎـﻬﻨﻣ :ﺓﺪـﻋﺎﻗ ﺀﺍﺰﺠﻟﺍ» ﻦﻣ ﺲﻨﺟﻞـﻤﻌﻟﺍ« (٤) ﻝﺎﻗ ﻦﺑﺍﻢـﻴﻘﻟﺍ: (٥) ﺪﻌﺑ ﺮﻛﺫ ﻩﺬـﻫ ﺔﻳﻵﺍ ﺔـﻳﺁﻭ ﺓﺮـﻘﺒﻟﺍ ﴿^ _` ﴾ )ﺍﺮـﻘﺒﻟﺓ: ٤٩( ١ : ﻞﺧﺩ» ﺎﻬﻴﻓ ﺎﻣﻻ ﻰـﺼﺤﺗ ﻩﺩﺍﺮﻓﺃ ﻦﻣ ﺕﺎـﻳﺎﻨﺠﻟﺍ ،ﺎﻬﺗﺎﺑﻮﻘﻋﻭ ﻰـﺘﺣ ﺔﻤﻄﻠﻟﺍ ﺔﺑﺮﻀﻟﺍﻭ . ،ﺔﻌﺴﻜﻟﺍﻭ ﺎﻤﻛ ﻢﻬﻓﺔﺑﺎﺤﺼﻟﺍ« (٦) *)( ' &%$# " ﻪﻟﻮﻗﻭ :ﻪﻧﺎﺤﺒﺳ ﴿! ٩ـ / ﴾ ﻟﺍ) ﻤ ﺋﺎ :ﺓﺪ٩٠ ( . ﻝﺎﻗ ﻦﺑﺍﻢﻴﻘﻟﺍ : ﻞﺧﺪﻓ» ﻲﻓ . -,+ ، ﻦﻣ ﺐـﻨﻌﻟﺍ ﻭﺃ ﻦﻣ ،ﻩﺮﻴﻏ ﻞﺧﺩﻭً ﻥﺎﻛ ﻭﺃﺎﻌﺋﺎﻣ ً ﺮـﻤﺨﻟﺍ ﻞﻛ ،ﺮﻜـﺴﻣ ﺍﺪﻣﺎﺟ (١) الطبري أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب، الإمام الجليل المجتهد المطلق إمام المفسرين، ولد بآمل طبرستان ٢٢٤ ه وتوفي ٣١٠ ه. ينظر: ابن السبكي، طبقات ١٢٠/ الشافعة، ٣ - .٢٦٠/ ١٢٨ . ابن العماد، شذرات الذهب، ٢ (٢) .١٩٥/ الطبري: جامع البيان، ١٤(٣) .٣٥٨/ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ٢(٤) . الروكي: قواعد الفقه، ص ١٢٩(٥) ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد حزيز الزرعي الأصل الدمشقي، شمس الدين أبو عبد الله، ولد سنة ٦٩١ ه وتوفي بدمشق ٧٥١ . من مؤلفاته: إعلام الموقعين عن ١٦٨/ رب العالمين. زاد المعاد، وتلبيس إبليس، وغيرها ينظر: شذرات الذهب، ٦ - .١٧٠ (٦) .٣٣٤/ ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، ١ في الميسر كل أكل مال بالباطل، وكل عمل محرم يوقع في العداوة « والبغضاء، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة(١) . ﻪـﻟﻮﻗﻭ 8 : ﴿lkjihgfed ﴾ ) ﺎﻤﻟﺪـﺋﺓ: (٤ .ﺍ ١٠ـ ﻞﺧﺩ ﻲﻓ ﺔﻳﻵﺍ ﻞﻛ ﻴﻃ. ﺐ ﻦﻣ ﻢﻋﺎﻄﻤﻟﺍ ﺏﺭﺎﺸﻤﻟﺍﻭ ﺲﺑﻼﻤﻟﺍﻭﺝﻭﺮﻔﻟﺍﻭ(٢)ّ :ﻼﻋﻭ ﴿ÙØ×ÖÕÔ ﴾ )ﻢﺠﻨﻟ : ٩(٣ .ﺍ ﻪﻟﻮﻗﻭ ﻞﺟﱠ ١١ـ :ﻪـﻟﻮﻗﻭ ﴿¿¾½¼»º¹ ﴾ )ﺮـﻘﺒﻟﺓ: ٠٨ (٢ . ﻦـﻣﻭﺍ ١٢ـ ﻩﺬﻫ ﺔﻳﻵﺍ ﺍﻮﻄﺒﻨﺘﺳﺍ ﺓﺪﻋﺎﻗ ﺔﻣﺎﻋ ﺓﺮﻴﺒﻛﻭ :ﻲﻫﻭ ﺔﻘﺸﻤﻟﺍ» ﺐﻠﺠﺗﺮﻴﺴﻴﺘﻟﺍ.« :ﻪﻟﻮﻗﻭ ﴿w v ﴾ ﻟﺍ) ﺒ ﻘ :ﺓﺮ٢٢٩ (. ١٣ـ @?> = :ﻪـﻟﻮﻗﻭ ﴿<;:9 ١٤ـ GFEDCBA ﴾ ) ﺎﺴﻨﻟﺀ: ٩ (٢.ﺍ ﴿^]\[Z ﴾ ﻟﺍ) ﻤ ﺋﺎ :ﺓﺪ١ (. ١٥ـ ﴿JIHGF ﴾ ﻟﺍ) ﻄ :ﻕﻼ٧ (. ١٦ـ ﴿£¢¡ ¦¥¤ ﴾ ﻟﺍ) ﺒ ﻘ :ﺓﺮ١٣٦ (. ١٧ـ ﴿ÕÔÓÒÑÐÏÎÍÌ ﴾ ) ﺎﺴﻨﻟﺀ: (٦.ﺍ ١٨ـ ¨ ﴿~ ﮯ§¦¥¤£¢¡ ١٩ـ ¬«ª© ¯® ﴾ ﻟﺍ) ﻤ ﺋﺎ :ﺓﺪ٤٥ (. ﴿DCBA@ ﴾ ﻟﺍ) ﻨ ﺴ :ﺀﺎ١٢٣ (. ٢٠ـ ﮯ§¦¥¤£¢¡ ~ ﴿}|{ ٢١ـ ³ ﴾ ) ﻞـﺤﻨﻟ : ٦١(١ . ﻦـﻣﻭﺍ ² ± ° ¯ ® ¬ «ª© ¨ ﻩﺬـﻫ ﺔﻳﻵﺍ ﻂﺒﻨﺘـﺳﺍ ﺀﺎـﻤﻠﻌﻟﺍ :ﺓﺪﻋﺎﻗ ﻞﺻﻷﺍ» ﻲـﻓ ﻡﺎﻜﺣﻷﺍ ﺔﻴﻋﺮـﺸﻟﺍ ﺪﻴﻘﺘﻟﺍ .« ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ (٣) (١) المرجع نفسه. (٢) المرجع نفسه. (٣) .٢٢٩/ أحسن زقور، القواعد الفقهية المستنبطة من المدونة الكبرى، ١ وهكذا نجد آيات كثيرة جد ّ ا ً وغيرها ت ُ كون كليات تشريعية كبرى، منها ّ ما هو جاهز بصياغته، ومنها ما يكون مادة خصبة تستقى منها القواعد والأصول الفقهية، فكانت هي الأولى لتقعيد القواعد الفقهية، وكانت هي الملاذ الأول للعلماء كلما أعوزتهم الحاجة إلى معرفة حكم الله تعالى في أي مسألة، فإن لم يجدوا فيها وجدوا أمامهم سن ﱠ ة النبي صلى الله عليه وسلم . ُ ب من السن ﱠ ة النبوية: ﱡ ثبتت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلميمكن اعتبار كل واحد منها قاعدة يندرج تحتها فروع ومسائل كثيرة، من ذلك: ١ قوله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات » « (١) ، فهذا الحديث يعتبر قاعدة كلية جاهزة مصوغة، وعلى هذا الحديث اعتمد الفقهاء في صياغة قواعد النية وأهمها: « الأمور بمقاصدها »(٢) لا ثواب إلا بنية » و « العبرة بالمقاصد والمعاني » ولا بالألفاظ والمباني « إن صورة الفعل وهيئته لا تدل على طاعة » و ولا معصية إنما يصير الفعل طاعة أو معصية إذا أضيفت إليه النية « (٣) . ٢ وقوله صلى الله عليه وسلم : لا ضرر ولا ضرار » « (٤) وهذا الحديث من الأصول الكبرى للشريعة الإسلامية، اعتمد عليه الفقهاء في صياغة كثير من القواعد درء المفاسد أولى من جلب » و ،« الضرر يزا ل » : الفقهية، مثل قاعدة المصالح « وغيرها. (١) الأمور » : متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب سيأتي تخريجه في الفصل الأول قاعدة .« بمقاصدها(٢) . المسعودي زهران: ابن بركة ودوره الفقهي، ص ٢٠٨(٣) .٢٦٤/ ابن بركة البهلوي، كتاب الجامع، ١(٤) ٧٨٤ ، من حديث ابن عباس، والحاكم في / ٣١٣ . وابن ماجه، ٢ / أخرجه أحمد، ١ ٥٧/ المستدرك، ٢ - ٦٩ . والدارقطني في السنن، / ٥٨ . والبيهقي في السنن الكبرى، ٦ ٧٧ ، كلهم من حديث أبي سعيد. /٣ ﻪـﻟﻮﻗﻭ ﷺ : ﺝﺍﺮﺨﻟﺍ»« ﻥﺎـﻤﻀﻟﺎﺑ(١) ﻲﻫﻭ ﺓﺪﻋﺎﻗ ﺓﺰﻫﺎﺟ ﺎﻫﺪﻤﺘﻋﺍﺀﺎﻬﻘﻔﻟﺍ ﺎﻬﻈﻔﻠﺑ ٣ـ ﻦﻣ ﻞﺋﺎﺴﻤﻟﺍ ﺎﻳﺎﻀﻘﻟﺍﻭ ﺔﻘﻠﻌﺘﻤﻟﺍ.ﻥﺎﻤﻀﻟﺎﺑ ً ،ﺎﻬﺘﻏﺎﻴﺻﻭ ﺍﻮﻋﺮﻓﻭ ﺎﻬﻴﻠﻋ ﺍﺮﻴﺜﻛ ﻚـﻟﺬﻛﻭ ﺲﺒﺘﻗﺍﺀﺎﻬﻘﻔﻟﺍ ﻦﻣ ﺚﻳﺪﺣ ﻲﺒﻨﻟﺍﷺ : ﻰﻠﻋﻭ» ﺪﻴﻟﺍﺎﻣ ﺕﺬﺧﺃ ﻰﺘﺣ ٤ـ ﻦﻣ ﺪﻋﺍﻮﻗ ،ﻥﺎﻤﻀﻟﺍ :ﺓﺪﻋﺎﻘﻛ ﻁﺮﻔﻤﻟﺍ»ﻦﻣﺎﺿ « .ﺎﻫﺮﻴﻏﻭ ً« ﻪﻳﺩﺆﺗ (٢) ﺍﺮﻴﺜﻛ . ﺪﻗﻭ ﻲـﻓﻭ ﻪﻟﻮﻗﷺ : ﻞﻛ» ﻁﺮـﺷ ﺲﻴﻟ ﻲﻓ ﺏﺎﺘﻛ ﷲﺍ ﻰﻟﺎﻌﺗ ﻮـﻬﻓ«ﻞﻃﺎﺑ(٣) ٥ـ (١) أخرجه أبو داود في كتاب البيوع، باب فيمن اشترى عبدا ً فاستعمله ثم وجد به عيبا ً ،٧٧٧/٣ ، ٧٨٠ ، من حديث عائشة # مرفوعا ً من قوله صلى الله عليه وسلم . وابن ماجه أيضا ً في كتاب التجارات، ٧٥٤ . وأخرجه الترمذي من حديثهما مرفوعا / باب الخراج بالضمان، ٢ ً من قضائه صلى الله عليه وسلم ، وكتاب البيوع باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيبا ً ٥٠٧/٤ ، - ٥٠٨ . مع التحفة وقال: هذا حديث حسن، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه والعمل على هذا عند أهل العلم، وقال عن الطريق الآخر: وهذا حديث صحيح. (٢) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب البيوع وأما حديث أبي هريرة عن الحسن عن سمرة » حديث: ٢٢٤٣ ولفظه 3 ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على اليد ما أخذت » « حتى تؤديه . هذا حديث » : وقال .« ثم إن الحسن نسي حديثه فقال: هو أمينك لا ضمان عليه » ورواه ابن ماجه في سننه كتاب الصدقات .« صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه باب العارية حديث: ٢٣٩٧ . ورواه النسائي في السنن الكبرى كتاب العارية والوديعة المنيحة حديث: ٥٦١٤ . وأخرجه أحمد بن حنبل في المسند أول مسند البصريين ومن حديث سمرة بن جندب حديث: ١٩٦٤٢ . وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى كتاب العارية باب العارية مضمونة حديث: ١٠٧٣٤ . ورواه الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء .٦٧/ في أن العارية مؤداة، رقم: ١٢٢٤ . وينظر: الصنعاني، سبل السلام، ٣ (٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع باب إذا اشترط شروطا ً في البيع لا يحل، ٤١ بشرح الكرماني. وفي كتاب الشروط باب الشروط في الولاء حديث: ،٤٠/١٠ ٢٥٩٩ وأخرجه صحيح مسلم كتاب العتق باب إنما الولاء لمن أعتق حديث: ٢٨٤٠ . وأخرجه مالك في الموطأ كتاب العتاقة والولاء، باب مصير الولاء لمن اعتق. وأخرجه أحمد ٢٦٤ ، باب العارية مؤداة، عن سمرة بن / ١٣ . والدارمي في السنن، ٢ / في المسند، ٥ جندب. وأخرجه النسائي في السنن الصغرى كتاب الطلاق باب خيار الأمة تعتق وزوجها مملوك حديث: ٣٤١٥ . وأخرجه أبو عوانة في المستخرج مبتدأ كتاب العتق والولاء، . باب بيان الإباحة لمن يكاتب مملوكه إلى أجل ثم يتعجل ما له حديث: ٣٨٨١ صاغ الفقهاء من هذا الحديث كثيرا ً الشرط » : من قواعد العقد، كقاعدة الباطل لا يؤثر في العقد « وغيرها(١) . ٦ وقوله صلى الله عليه وسلم : « البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه »(٢) . . ﻪﻟﻮﻗﻭﷺ : ﺀﺎﻤﺠﻌﻟﺍ» ﺎﻬﺣﺮﺟ«ﺭﺎﺒﺟ (٣) ٧ـ ﻪـﻟﻮﻗﻭﷺ : ﻥﻮﻨﻣﺆﻤﻟﺍ» ﺄﻓﺎﻜﺘﺗ ،ﻢﻫﺅﺎﻣﺩ ﻰﻌـﺴﻳﻭ ﻢـﻬﺘﻣﺬﺑ ،ﻢﻫﺎﻧﺩﺃ ﻢﻫﻭ ﺪﻳ ٨ـ . ﻰﻠﻋ ﻦﻣ«ﻩﺍﻮﺳ (٤) ﱠ ﻪـﻟﻮﻗﻭﷺ : ﺔﺤﻴﻨﻤﻟﺍ»(٥) ،ﺓﺩﻭﺩﺮﻣ ﺔﻳﺭﺎﻌﻟﺍﻭ ،ﺓﺍﺩﺆـﻣ ﺪﻟﺍﻭ ﻦ ،ﻲﻀﻘﻣ ﻢﻴﻋﺰﻟﺍﻭﻳْ ٩ـ (١) . الروكي: قواعد الفقه، ص ١٣١ (٢) ١٣ . سنن الترمذي بتحفة الأحوذي، كتاب / صحيح مسلم بشرح النووي، باب الأقضية، ٣ .٥٧١/ الأحكام باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، ٤ (٣) ٢٥٣ . ومسلم في الحدود / أخرجه البخاري في الديات، باب المعدن جبار والبئر جبار، ٦ باب جرح العجماء والمعدن والبئر ج ُ ١٣٣٤ . وأبو داود في الديات، والترمذي في / بار، ٣ الأحكام، والنسائي في الزكاة، وابن ماجه في الديات، ومالك في العقول وغيرهم، متفق عليه من حديث أبي هريرة 3. (٤) أخرجه الحافظ ابن حجر العسقلاني في المطالب العالية كتاب البيوع باب من رأى توريث المسلم من الكافر، حديث: ١٥٩٤ . وروى أبو يعلى عن عائشة قالت: وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب فيه: المؤمنون تكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، لا يقتل مسلم » « بكافر، ولا ذي عهد في عهده، ولا يتوارث أهل ملتين . ورواه أبو داود في السنن، كتاب الديات، باب إيقاد المسلم من الكافر، حديث: ٣٩٤٨ ورواه ابن ماجه في السنن كتاب الديات باب المسلمون تتكافأ دماؤهم حديث: ٢٦٧٩ . وأخرجه النسائي في السنن الصغرى ٤، وغيرهم. كتاب البيوع باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس حديث: ٦٧٨ (٥) أ المنيحة أو المنحة بمعنى: العطية، ينظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق محمود الطناحي وظاهر أحمد الزواوي، (ط ١، مصر عيسى البابي الحلبي .٣٦٤/ ١٣٨٣ ه) ٤ ب ومعنى الزعيم: الكفيل وفي رواية الحميل: الزعيم، قال الزيلعي نقلا ً عن ابن حبان: الزعيم لغة أهل المدينة، والحميل: لغة أهل العراق، والكفيل: لغة أهل مصر: ينظر: .٥٧/ نصب الراية للزيلعي، ٤ .٣٠٣/ ج الغارم: الضامن، ينظر: ابن الأثير: النهاية، ٢ « غارم(١) ؛ فإن هذين الحديثين الآخرين بما فيهما من شمول لكثير من الأحكام، وكونهما من جوامع الكلم، يمثلان جانب القواعد الفقهية، وقد أومأ إلى ذلك الإمام الخطابي (٢)« غريب الحديث » (ت: ٣٨٨ ه) في كتابه فهذان الحديثان على خفة ألفاظهما يتضمنان » : بعد أن ذكر الحديثين بقوله « عامة أحكام الأنفس والأموال(٣) . ١٠ كل مسكر حرام » « (٤) ، « ما أسكر كثيره فقليله حرام »(٥) . قال ابن تيمية : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلمبما أوتيه من » بعد ذكره هذا الحديث (١) أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف عن أبي أمامة الباهلي، كتاب الزكاة باب صدقة المرأة بغير إذن زوجها حديث: ٧٠٤٥ . السنن الكبرى للنسائي، كتاب العارية والوديعة المنيحة حديث: ٥٦١٣ . أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، باب الصاد ما أسند أبو أمامة شرحبيل بن مسلم الخولاني حديث: ٧٤٥٦ . (٢) الخطابي حمد بن محمد بن إبراهيم البستي، (أبو سليمان)، ( ٣١٩ ه/ ٩٣١ م ٣٨٨ ه/ ٩٩٨ م)، فقيه محدث. من مصنفاته: معالم السنن؛ إصلاح غلط المحدثين؛ غريب الحديث؛... .٢٧٣/ إلخ. الزركلي، الأعلام، ٢ (٣) ٦٤/ الخطابي: غريب الحديث، تحقيق، عبد الكريم الغرباوي، ١ - .٦٥ (٤) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي باب بعث أبي موسى حديث: ٤٠٩٦ . ١٠٨٣ ، ترقيم / وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر حرام، ٣ فؤاد عبد الباقي (ط بيروت ١٣٧٩ ). ورواية في كتاب الأشربة، باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم والنقير حديث: ٣٨١٧ . (٥) حديث أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب معرفة الصحابة @ ذكر مناقب خوات بن جبير الأنصاري 3 حديث: ٥٧٣٦ . ورواه الترمذي في جامعه، أبواب الأشربة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء ما أسكر كثيره فقليله حرام حديث: ١٨٣٥ وقال: حديث حسن غريب، وفي الباب عن سعد، وعائشة، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وخوات بن جبير ورواه النسائي في السنن الكبرى كتاب الأشربة، باب تحريم كل شراب أسكر كثيره ٤، وأبو داود في سننه، باب الأشربة. وأحمد في مسنده باب الأشربة حديث: ٩٧٢ ومن مسند بني هاشم مسند عبد الله بن عمرو بن العاص ^ ٦، وقد صححه حديث: ٣٨٧ . الألباني، ينظر: غاية المرام، ص ٥٣ جوامع الكلم كل ما غطى العقل وأسكر، ولم يفرق بين نوع ونوع ولا تأثير «(١) لكونه مأكولا ً ولا مشروبا ً . فهذا هو الضابط المحكم الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب المسكرات وتحريمها(٢) . ١١ وقوله صلى الله عليه وسلم : لا وصية لوارث » « (٣) . ١٢ وقوله صلى الله عليه وسلم : « الولد للفراش »(٤) . ١٣ وقوله صلى الله عليه وسلم : لا طلاق في إغلاق » « (٥) . (١) ٣٤١/ ابن تيمية: مجموع فتاوى شيخ الإسلام، ٢٨ - .٣٤٢ (٢) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٨١(٣) رواه الترمذي في الجامع الصحيح، الذبائح أبواب الوصايا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء عن عمرو بن خارجة، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على ناقته » لا وصية لوارث حديث: ٢٠٩٨ ولفظه وأنا تحت جرانها وهي تقصع بجرتها، وإن لعابها يسيل بين كتفي فسمعته يقول: إن الله » أعطى كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه رغبة عنهم فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفا ً ولا عدلا ً« وسمعت أحمد بن الحسن يقول: قال أحمد بن حنبل: لا أبالي بحديث شهر بن حوشب. »وسألت محمد بن إسماعيل، عن شهر بن حوشب فوثقه وقال: إنما يتكلم فيه ابن عون، ثم .« روى ابن عون، عن هلال بن أبي زينب، عن شهر بن حوشب: هذا حديث حسن صحيح وأخرجه ابن ماجه في سننه كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث حديث: ٢٧٠٩ . ورواه أحمد بن حنبل في مسند الشاميين من حديث عمرو بن خارجة برقم: ١٧٣٥٦ . ورواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الفرائض جماع أبواب المواريث، باب من جعل ما فضل عن أهل الفرائض حديث: ١١٦٠٦ عن عمرو بن خارجة. (٤) رواه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع باب تفسير المشبهات، حديث: ١٩٦٣ ومواضع أخرى، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الولد للفراش، حديث: ٢٧٢٣ . وأبو داود في كتاب الطلاق، باب الولد للفراش، حديث: ١٩٤٨ . وأخرجه الترمذي في الجامع الصحيح في الرضاع، باب ما جاء أن الولد للفراش حديث: ١١١٣ . وأخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب الطلاق، باب إلحاق الولد بالفراش إذا لم ينفه صاحب الفراش، حديث: ٥٥١٢ رواية عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الولد » « للفراش، وللعاهر الحجر . (٥) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الطلاق، حديث: ٢٧٣٤ عن عائشة # = ١٤ وقوله صلى الله عليه وسلم : ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم » « (١) . ١٥ وقوله صلى الله عليه وسلم : إن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في » « العقوبة(٢) . ١٦ وقوله صلى الله عليه وسلم : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » « (٣) . ١٧ وقوله صلى الله عليه وسلم : الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات » « (٤) . ﱢﱢ ١٨ وقوله صلى الله عليه وسلم : ليس لعرق ظالم حق » « (٥) . ١٩ وقوله صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » «(٦) . = أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا طلاق ولا عتاق في إغلاق » . هذا حديث صحيح » : وقال وقد تابع أبو صفوان الأموي محمد بن إسحاق على روايته، .« على شرط مسلم، ولم يخرجاه عن ثور بن يزيد فأسقط من الإسناد محمد بن عبيد. ورواه ابن ماجه في السنن، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، حديث: ٢٠٤٢ . ورواه الدارقطني في سننه، كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره حديث: ٣٤٩٣ . (١) رواه الترمذي، كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود، رقم: ١٣٨٢ ، والحاكم، كتاب هذا » : الحدود، باب وأما حديث شرحبيل بن أوس، رقم: ٨٢٣٢ ، عن عائشة، مع زيادة. وقال .« حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (٢) هذا جزء من الحديث السابق المتقدم تخريجه. (٣) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب تفسير المشب ّ هات، دون رقم. والدارمي، كتاب البيوع، باب دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، رقم: ٢٤٨٩ . عن أبي الحوراء السعدي. وينظر: ابن رجب، . جامع العلوم والحكم، ص ١٠١ (٤) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب الحلال بي ﱢ ن والحرام بي ﱢ ٧٢٣ ، وفي باب /٢ ، ن، رقم: ١٩٤٦ ١٩ . ومسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، / فضل من استبرأ لدينه، ١ ١٢١٩ مع زيادة، عن النعمان بن بشير. /٣ ، رقم: ١٥٩٩ (٥) رواه البخاري، كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضا ً مواتا ً ٧٠ . وأبو داود، / ، دون رقم. ٣ كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في إحياء الموات، رقم: ٢٦٨٧ . مع زيادة من أوله. عن .٦٦٢/ سعيد بن زيد وفي سنن الترمذي، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات، ٣ (٦) رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، رقم: ١٦٧ . ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، رقم: ٣٣٢٨ ، عن /٣ ،٢٥٧١ .١٣٤٣/ عائشة. ٣ ٢٠ وقوله صلى الله عليه وسلم : مطل الغني ظلم » « (١) . إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية التي هي في ذاتها قواعد فقهية، أو قابلة لأن تستنبط منها القواعد والأصول الفقهية، منها ما يمثل قاعدة كلية، ومنها ما يمثل قاعدة مندرجة، ومنها ما يمثل ضابطا ً في باب من أبواب الفقه، وهي كلها من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن القيم في تقريره لإحاطة النصوص لحكم جميع الحوادث: ...» وإذا كان أرباب المذاهب يضبطون مذاهبهم ويحصرونها بجوامع تحيط بما يحل ويحرم عندهم مع قصور بيانهم، فالله ورسوله المبعوث بجوامع الكلم أقدر على ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم يأتي بالكلمة الجامعة وهي قاعدة عامة، وقضية كلية تجمع أنواعا ً وأفرادا ً « وتدل دلالتين: دلالة طرد، ودلالة عكس(٢) . وهكذا فإذا تتبعنا مصادر السن ﱠ ة المطهرة وجدناها حافلة بمثل هذه الجوامع ﱡ وهي لا تخلو عن كونها قواعد فقهية ذات أهمية وشأن في الفقه الإسلامي. ج القواعد الفقهية في عصر الصحابة والتابعين : فإذا انتقلنا من عهد النبوة ونزول الوحي إلى عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وجدنا في رسائلهم وفتاواهم وقضاياهم أنه قد جرى على ألسنتهم وأقلامهم عبارات ونصوص تصلح أن تكون أو تصاغ منها قواعد فقهية كلية، وقد جاءت متأثرة بالقرآن والسن ﱠ ة مقتبسة من نورهما، وهي كثيرة وافرة. ﱡ وتعتبر هذه الفترة هي الأحسن فهما ً للنصوص الشرعية بحكم معايشة ْ الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعلمهم عليه أمور الدين، وما يحتاجون إليه في معاشهم (١) ، رواه البخاري، في كتاب الحوالات، باب في الحوالة وهل يرجع في الحوالة، رقم: ٢١٦٦ ٥٥ . ومسلم، في كتاب المساقاة باب تحريم مطل الغني رقم / ٧٩٩ ، عن أبي هريرة، ٣ /٢١٥٦٤ ). رواه الربيع، كتاب الأحكام، رقم: ٥٩٨ ، ص ٢٣٦ ، عن ابن عب ) ﱠ اس. (٢) .٣٣٣/ ابن القيم: إعلام الموقعين، ١ ومعادهم، فكانت هذه الفترة حافلة بآثار نقلت عنهم، وخرجت مخرج القواعد الفقهية العامة والخاصة، وسأذكر بعضا ً من هذه الآثار كشواهد على ما أقول: ١ ما جاء في كتاب عمر بن الخطاب 3 لأبي موسى الأشعري 3 في القضاء حيث جاء فيه ...» ،« البينة على المدعي واليمين على من أنكر الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا » و ً أحل ّ حراما ً أو حرم حلالا «...ً (١) ﱠ فهاتان الجملتان عبارة عن حديثين(٢) من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهما يعدان من الضوابط في بابهما واستشهاد عمر 3 بهما وجعلهما أساسين لبابين من أبواب القضاء وهما باب الدعاوى والبينات، وباب الصلح يدل على علمه بما ورد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم من القواعد والضوابط، ويدل على فهمهم لمعناها ومعرفتهم لتطبيقها بسليقتهم وفطرهم السليمة. وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء » : قال ابن القيم بعد ذكره لهذا الكتاب بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء « إليه وإلى تأمله والتفقه فيه(٣) . فهذه الرسالة العمرية القيمة تحمل » : وقد أكد الروكي هذه الأهمية فقال (١) كتاب عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري ^ في القضاء، أخرجه البيهقي في السنن ١١٩/ الكبرى، ١٠ - ٣٦٦/ ١٣٥ . وفي المعرفة، ٧ - ٢٠٦/ ٣٦٧ . والدارقطني، ٤ - .٢٠٧ .٢٤١/ ٨٦ ، وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٨ / وأورده ابن القيم في أعلام الموقعين، ١ (٢) الحديث: « البينة على ا لمدعي » تقدم تخريجه قريبا ً ، وأما الثاني أخرجه الترمذي في كتاب ٥٨٤ . مع التحفة / الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس، ٤ من حديث عبد الله بن عمر وابن عوف عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصلح جائز بين » المسلمين إلا صلحا ً حرم حلالا ً أو أحل ﱠ حراما ً« قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ﱠ ٧٨٨ . وأبو داود في كتاب الأقضية / وأخرجه ابن ماجه في كتاب الأحكام، باب الصلح، ٢ ١٩/ باب في الصلح، ٤ - ٢٠ من حديث أبي هريرة بنحوه. وأحمد من حديثه مختصرا ً ، ١٤٥/ ٣٦٦ ، والحديث صححه الألباني في إرواء الغليل، وأورد طرقه، ٥ /٢ - .١٤٦ (٣) .٨٦/ ابن القيم: إعلام الموقعين، ١ دستورا ً فقهيا ً في القضاء والفصل بين الناس، والمتأمل في عبارتها يقف على ّ كثير من الكليات الفقهية والأصول التشريعية، اقتبسها عمر من مشكاة النبوة « وصدر فيها عن ثاقب فهمه وواسع نظره(١) . ٢ قول عمر بن الخطاب 3 : إن مقاطع الحقوق عند الشروط ولك » « ما شرطت(٢) . ٣ أيما حر اشتراه التجار فارد » : وقوله ُ د ْ عليهم رؤوس أموالهم « (٣) . ّ ٤ لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها في » : وقوله ّ « الشبهات(٤) . ٥ « الإنحال ميراث ما لم يقبض » : وقوله(٥) . ٦ « لا تقطع اليد في عذق ولا عام » : وقوله(٦) . والعذق: النخل، عام سن َ ة: َ عام المجاعة. هذه آثار عن عمر بن الخطاب 3 خرجت مخرج القواعد الفقهية. ٧ قال ابن عباس 3 : كل » و « كل شيء في القرآن (أو)، (أو): فهو مخير » (١) . الروكي: قواعد الفقه، ص ١٣٣ (٢) أخرجه البخاري موقوفا ً ،٣٢٢/ في كتاب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، دون رقم، ٥ ،٤٩٩/ ٢١٧ ، مع الفتح، وابن أبي شيبة في مصنفه، ٣ / مع الفتح، وفي كتاب باب الشروط، ٩ ١٨١ . برقم ٦٦٢ . ورواه سعيد بن منصور، / برقم ١٦٤٤٩ . وسعيد بن منصور في سننه، ١ كتاب الوصايا، باب ما جاء في الشرط في النكاح، رقم: ٦٥٤ . بنفس المعنى. عن عمر. (٣) أخرجه سعيد بن منصور، في الجهاد باب ما أحرزه المشركون من المسلمين ثم يفيئه الله . على المسلمين، رقم، ٢٨٠٣ (٤) ٢٣٨ . وأخرجه ابن أبي شيبة، في الحدود باب درء / أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ٨ .٥١/ الحدود بالشبهات، ٥(٥) .١٧٠/ أخرجه البيهقي في كتاب الهبات، باب شرط القبض في الهبة، ٦ (٦) ١٥٧ . وابن أبي شيبة في الحدود، باب الرجل سرق / أخرجه ابن حبان في الثقات، ٤ ٥٦١ . وأخرجه عبد الرزاق في اللقطة، باب القطع عام سنة، المصنف، / الثمر والطعام، ٥ .٢٤٣/١٠ ﺀﻲـﺷ ﻥﺈـﻓ» ﻢﻟ :«ﺍﻭﺪـﺠﺗ ﻮـﻬﻓ ﻝﻭﻷﺍ«ﻝﻭﻷﺎـﻓ(١)ً : ﻞﻛ» ﺀﻲـﺷ . ﻪﻨﻋﻭ ﺎﻀﻳﺃ ﻩﺯﺎـﺟﺃ ﻝﺎـﻤﻟﺍ ﺲـﻴﻠﻓ ،«ﻕﻼـﻄﺑ ﻲﻨﻌﻳﻊـﻠﺨﻟﺍ(٢) ، :ﻪـﻟﻮﻗﻭ ﻻ» ﺀﻲـﻓ ﻻﺇ ﻲﻓ ﻉﺎﻤﺠﻟﺍ(٣) .« ﻦﻋﻭ ﺪﺒﻋﷲﺍ ﻦﺑ ﺩﻮﻌـﺴﻣ 3 :ﻝﺎﻗ ﺍﻭﺅﺭﺩﺍ» ﻞﺘﻘﻟﺍ ﺪﻠﺠﻟﺍﻭ ﻦﻋ ﻦﻴﻤﻠـﺴﻤﻟﺍ ٨ـ «ﻢﺘﻌﻄﺘﺳﺍ ﺎﻣ (٤) . ﻪﻨﻋﻭ 3 : ﺎﻣ» ﻩﺁﺭ ﻥﻮﻨﻣﺆﻤﻟﺍ ﺎﻨﺴﺣ ﻮﻬﻓ ﺪﻨﻋ ﷲﺍ ﻦﺴﺣ ﺎﻣﻭ ﻩﺁﺭ ﻥﻮﻨﻣﺆﻤﻟﺍ ٩ـ ﺎﺤﻴﺒﻗ ﻮﻬﻓ ﺪﻨﻋ ﷲﺍ«ﺢﻴﺒﻗ (٥) . ١٠ وعن الإمام مالك : « أنه بلغه عن عثمان بن عفان كان ينهى الحكرة »(٦) . (١) رواه عبد الرزاق، كتاب المناسك، باب بأي الكفارات شاء كفر، رقم: ٧٩٣٥ . المصنف، ٣٩٥ . وابن أبي حاتم في تفسيره، سورة البقرة قوله: /٤ ﴿ ×ÖÕ﴾ ، رقم: ١٨٢٩ . عن ابن عباس. (٢).٤٨٧/ عبد الرزاق: المصنف، ٦ (٣) رواه ابن أبي شيبة، كتاب الطلاق، باب من قال: لا فيء له إلا الجماع، رقم: ١٥٠٤٣ . عن إبراهيم بن يزيد النخعي، ومثل ذلك عن ابن عباس والشعبي ومسروق بلفظ (الفيء الجماع). ١٣٨ . وأورده الطبراني في جامع بيانه، القول في تأويل قوله تعالى: / المصنف، ٥ ﴿ 1 765432 ﴾ ، رقم: ٤١٤٦ . عن حماد بن أبي سليمان الأشعري. (٤) أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي في السنن الكبرى، وأخرجه الألباني في إرواء الغليل وحس ﱠ نه، ٢٦ . لم نقف على تخريجه. وقد سبق تخريج ما يقاربه معن /٨ ً ى. (٥) رواه البيهقي، (الكبرى) المدخل، باب أقاويل الصحابة @ إذا تفرقوا فيها ويستدل به، رقم: ٢٥ . عن ابن مسعود. وأورده ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص...، رقم: ١٠٢٣ . عن علي. والحديث حسن موقوف، صححه الحاكم ووافقه الذهبي واشتهر على الألسنة مرفوعا ً ... والصحيح وقفه ُ .« وأخرجه الطبراني ٨١ . والحاكم في المستدرك، / ١١٨ . والبزار في رفع الأستار، ١ / في المعجم الكبير، ٩ ٣٧٩ . والقطيعي في / ٣٧٥ . وأحمد في المسند، ١ / ٧٨ . وأبو نعيم في الحلية، ١ /١. زوائد الصحابة، ص ٥٤١ (٦) رواه مالك، الموطأ، كتاب البيوع، باب الحكرة والتربص، رقم: ١٣٤٠ . ص ٤٥٢ من كلام عمر بن الخطاب. ﻝﺎـﻗﻭ ﺪﺒﻋﷲﺍ ﻦﺑ ﺮﻤﻋ 3 : ﻒﻠـﺴﻟﺍ» ﻰﻠﻋ ﺔﺛﻼﺛ :ﻩﻮﺟﻭ ﻒﻠـﺳ ﺪﻳﺮﺗ ﻪﺑ ١١ـ ﻪـﺟﻭ ،ﷲﺍ ﻚﻠﻓ ﻪﺟﻭ ،ﷲﺍ ﻒﻠـﺳﻭ ﺪﻳﺮﺗ ﻪـﺑ ﻪﺟﻭ ،ﻚﺒﺣﺎﺻ ﺲﻴﻠﻓ ﻚﻟ ﻻﺇ ،ﺐﻴﻄﺑ ﻚﻟﺬﻓ«ﺎﺑﺮﻟﺍ(١) . ً ﻪﺟﻭ ،ﻚﺒﺣﺎﺻ ﻒﻠﺳﻭ ﻪﻔﻠﺴﺗ ﺬﺧﺄﺘﻟ ﺎﺜﻴﺒﺧ ﺎﻤﻣﻭ ﻞﻘﻧ ﻦﻋﻲﻠﻋ ﻦﺑ ﻲﺑﺃ ﺐﻟﺎﻃـ ﻡﺮﻛ ﷲﺍﻪﻬﺟﻭ ـ :ﺕ).(ـﻫ٤٠ ﺃـ . ﺲﻴﻟ» ﻰﻠﻋ ﺐﺣﺎﺻ ﺔﻳﺭﺎﻌﻟﺍﻥﺎﻤﺿ« (٢) ١٢ـ ﻼﻓ ﻥﺎﻤﺿ ،ﻪﻴﻠﻋ ﺍﺫﺇﻭ ﻒﻨﻋﺃ ﻲﻓ ًﺎﻘﻴﻗﺭ ً ـ ﺏ ﺍﺫﺇ» ﻕﺎـﺳ ﻞﺟﺮﻟﺍ ﻪﺘﺑﺍﺩﺎﻗﻮﺳ ﺎﻬﻗﻮﺳ ﺖﺑﺎﺻﺄﻓ ﻮﻬﻓ«ﻦﻣﺎﺿ (٣) . ﻩﺬـﻬﻓ ﺾـﻌﺑ ﺭﺎﺛﻵﺍ ﻦﻋ ﺾـﻌﺑﺔﺑﺎﺤﺼﻟﺍ ﻥﺍﻮـﺿﺭ ﷲﺍ ﻢﻬﻴﻠﻋ ﻰﻠﻋ ﻞﻴﺒـﺳ ١٣ـ ﻞـﻴﺜﻤﺘﻟﺍﻻ ﺮﺼﺤﻟﺍ ﺪﻗ ﺖﺟﺮﺧ ﺝﺮـﺨﻣ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ،ﺔﻴﻬﻘﻔﻟﺍ ﻥﺇﻭ ﻢﻟ ﻦﻜﺗ ﺪﻗ ُﻭ ﺩُّ ﺖـﻧ ﻲـﻓ ﺎـﻬﺘﻗﻭ ﻲﻓ ﺐـﺘﻛ ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ،ﺔـﻴﻬﻘﻔﻟﺍ ﺎﻬﻧﺈﻓ ﺪﻗﺩ ﺖـﻧ ﻲﻓ ﺐﺘﻛﻭّ .ﺚﻳﺪﺤﻟﺍ ﺪﻗﻭ ﻯﻭﺭ ﻦﻋ ﻢﻬﻀﻌﺑ@ ﺕﻼﻴﻠﻌﺗ ﻢﻬﻔﻳ ﺎﻬﻨﻣ ﻲﻧﺎﻌﻣ ،ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ﺪﻘﻓ ﻞﺌﺳ ﺪﺒﻋﷲﺍ ﻦـﺑ ﺮـﻤﻋ 3 :ﺕ) (ـﻫ٦٣ ﻦـﻋ ﻞﺟﺭ ﺮﻗﺃ ﺔﻗﺮـﺴﻟﺎﺑ ﺪﻌﺑ ﺏﺮﻀﻟﺍ. ﻥﺈﻓ ﺍﺬﻫ ﻞﻴﻠﻌﺘﻟﺍ ﺮﻌﺸﻳ ﻰﻨﻌﻤﺑ :ﻝﺎﻘﻓ ﻻ» ﻊﻄﻘﻳ ﻪﻧﺈﻓ ﺎﻤﻧﺇ ﺮﻗﺃ ﺪﻌﺑ«ﻪﺑﺮﺿ (٤) ١٤ـ . ﺓﺪﻋﺎﻗ ﻰﻨﺒﺗ ﻰﻠﻋ ﻚﻟﺫ ﻮﺤﻧ ﻥﺃ :ﻝﺎﻘﻳ ﻻ» ﻊﻄﻗ ﻲﻓ ﺭﺍﺮﻗﺇﻩﺍﺮﻛﻹﺎﺑ« (٥) وإذا انتقلنا من عهد الصحابة إلى عهد التابعين وتابعيهم وجدنا مجال القواعد الفقهية قد اتسع باتساع نطاق الإفتاء وازدهار حركة الاستنباط، وكل (١) رواه مالك، كتاب البيوع، باب ما لا يجوز من السلف، رقم: ١٣٧٣ . البيهقي، (الكبرى) كتاب البيوع، جماع أبواب الخراج بالضمان والرد بالعيوب، رقم: ١٠٢٣٧ . مع زيادة في آخره. عن ابن عمر. (ليس بحديث). ورواه سحنون، المدونة الإمام مالك، كتاب الآجال في .١٩٥/ السلف الذي يجر منفعة، ٣ (٢).١٧٩/ عبد الرزاق: المرجع نفسه، ١(٣) .٢٥٩/ ابن أبي شيبة: المرجع نفسه، ٩(٤) . أبو يوسف يعقوب، كتاب الخراج، ص ١٧٥(٥) الباحسين يعقوب: القواعد الفقهية، ص ٣٠١ - .٣٠٢ ذلك بسبب ما جد ّ من القضايا الحياتية التي دعت الفقهاء إلى البحث عن حلولها وأحكامها الشرعية المنظمة لها، فتكونت لديهم بذلك ثروة وافرة من ﱠ النصوص الفقهية العامة التي تناقلها فقيه عن فقيه وأورثوها من بعدهم، ولكن الكثير منها ظل مطبوعا ً بالطابع العمومي الإجمالي، بحيث تحتاج إلى مزيد من الصياغة والحبك لتصير على شكل قواعد كلية بالمعنى العلمي السابق للقاعدة(١) . ولا بأس أن نذكر بعض العبارات الواردة على ألسنة التابعين تشهد لمثل ما ذكرنا من ذلك: ١ فمن العبارات التي وردت على لسان شريح القاضي (ت: ٧٨ ه): ِ أ « ليس على المستعير، ولا على المستودع غير المغ ل ضمان »(٢) . وهو مستقى من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم . ب لا يقضى على غائب » : وقوله « (٣) . ج كل خ » : وقوله ُ لع تطليقة بائنة « (٤) . ٢ ومن الصيغ التي أثرت ُ عن أبي الشعثاء جابر بن زيد 3 وجرت مجرى القواعد والضوابط الفقهية: أ من ألزم لنفسه شيئا » : قوله ً « ألزمناه له(٥) . (١) . الروكي: قواعد الفقه، ص ١٣٤ (٢).١٧٨/ عبد الرزاق: المصنف، ٨(٣) .٣٠٤/ المصدر نفسه، ٨(٤) .١١١/ ابن أبي شيبة: المصنف، ٥(٥) ٣٦٣ . بولرواح، موسوعة آثار / الجناوني: كتاب الوضع، ص ٢٣٦ . الشماخي: الإيضاح، ٢ ١٢١٦ . محمد بن محبوب، أبواب مختصرة من السن ،٩٨٥/ جابر: ٢ ﱠ ة، مخطوط بمكتبة جمعية ﱡ أبي إسحاق أطفيش بغرداية، الجزائر حققه سليمان بابزيز أخيرا، ص ١٢ . لم أجده في المكتبة الشاملة الإباضية ولا في برنامج الحديث النبوي ولا في كتاب بولرواح. يعد قول جابر بن زيد قاعدة فقهية تدخل في أبواب فقهية عديدة، مفادها أن من ألزم نفسه أمرا ً من الأمور لزمه؛ فمن حلف مثلا ً أن لا يفعل أمرا ً ما لزمه الوفاء، فإن حنث لزمته كفارة يمين، وقد أشار ابن = . ـ ﺏ :ﻪﻟﻮﻗﻭ ﻉﺩ» ﺔﺒﻳﺮﻟﺍ ﺬﺧﻭﻑﺭﺎﻌﻟﺍ« (١) ﻚﻟﺬﻛﻭﺎﻣ ﺩﺭﻭ ﻰﻠﻋ ﻥﺎﺴﻟ ﻢﻴﻫﺍﺮﺑﺇ ﻲﻌﺨﻨﻟﺍ :ﺕ):(ـﻫ٩٦ ٣ـ . ﻲﻓﻭ :ﻆـﻔﻟ ﻞﻛ» ﺽﺮﻗ ﺮﺟ ـ ﺃ ﻞﻛ» ﺽﺮـﻗ ﺮـﺟ ﺔﻌﻔﻨﻣﻼﻓ ﺮـﻴﺧ «ﻪﻴﻓ (٢) . ﺔﻌﻔﻨﻣ ﻮﻬﻓﺎﺑﺭ« (٣) . ـ ﺏ :ﻪﻟﻮﻗﻭ ﺎﻣ» ﻢﻠﻜﺗ ﻪﺑ ﻥﺍﺮﻜﺴﻟﺍ ﻦﻣ ﺀﻲﺷ ﺯﺎﺟﻪﻴﻠﻋ« (٤) ﺎﻤﻣﻭ ﻱﻭﺭ ﻦﻋ ﻲﺒﻌﺸﻟﺍ :ﺕ):(ـﻫ١٠٦ ٤ـ . ﻱﺪﺘﻌﻤﻟﺍ» ﻲﻓ ﺔﻗﺪﺼﻟﺍﺎﻬﻌﻧﺎﻤﻛ« (٥) ﺃـ . ـ ﺏ :ﻪﻟﻮﻗﻭ ﻞﻛ» ﻊﻠﺧ ﺬﺧﺃ ﻪﻴﻠﻋ ﺀﺍﺪﻓ ﻮﻬﻓ ،ﻕﻼﻃ ﻮﻫﻭ ﺔﻘﻴﻠﻄﺗﺔﻨﺋﺎﺑ« (٦) ـ ﺝ :ﻪـﻟﻮﻗﻭ ﻞﻛ» ﻦﻴﻤﻳ ﺖﻌﻨﻣ ﻉﺎﻤﺠﻟﺍ ﻲـﻬﻓﺀﻼﻳﺇ « ﻭﺃ ﻞﻛ» ﻦﻴﻤﻳ ﺖﻟﺎﺣ . ﻦﻴﺑ ﻞﺟﺮﻟﺍ ﻦﻴﺑﻭ ﻪﺗﺃﺮﻣﺍ ﻲﻬﻓﺀﻼﻳﺇ« (٧) ﺎﻤﻣﻭ ﻱﻭﺭ ﻦﻋﻦﺴﺤﻟﺍ ﻦﺑ ﺭﺎﺴﻳ :ﺕ):(ـﻫ١١٠ ٥ـ ـ ﺃ :ﻪﻟﻮﻗ ﺍﺫﺇ» ﺖﻜﻜـﺷ ﻲـﻓ ﺀﻮﺿﻮﻟﺍ ﻞﺒﻗ ﺓﻼﺼﻟﺍ ،ﺄﺿﻮﺘﻓ ﺍﺫﺇﻭ ﺖﻜﻜـﺷ ُِﻌ ﺖﻧﺃﻭ ﻲﻓ ،ﺓﻼﺼﻟﺍ ﻭﺃ ﺪﻌﺑ ،ﺓﻼﺼﻟﺍ ﻼﻓﺗ . ﺪ ﻚﻠﺗﺓﻼﺼﻟﺍ« (٨) ﻪﺒﺟﻭﺃ ﻱﺮﺟ ﻱﺮﺒﻄﻟﺍ ﻰﻟﺇ ﻞﺻﺃ ﺍﺬﻫ ﻦﻣﺴﻟﺍﱠﻨـً ﺔ ﻦﻴﺣ :ﻝﺎﻗ ﻥﺎﻛﻭ» ﻞﻛ ﻦﻣ ﻞﻌﺟ ﻢﻬﻨﻣ ﻪـﺴﻔﻨﻟﺎﺑﺰﺣﱡ = ﻆﻓﺎﺣﻭ ،ﻪﻴﻠﻋ ﻪﻣﺰﻟﻭ ﺎﻤﻛ ﻥﺎﻛ ﺐﻇﺍﻮﻳ ﻰﻠﻋ ﺓﻼﺼﻟﺍ ﻲﺘﻟﺍ ﻥﺎﻛ ﺎﻬﻣﺰﻠﻳ ﻪﺴﻔﻧ ﻦﻣ ﻞﻴﻠﻟﺍﻻﻭ ﻁﺮﻔﻳ ﻲﻓ ﻡﺎﻴﻘﻟﺍ ﺓﺀﺍﺮﻘﺑﺎﻣ ﻡﺰﻟﺃ ﻪﺴﻔﻧ ﻪﺗﺀﺍﺮﻗ ﻦﻣ ﻪﺑﺰﺣ ﻲﻓ ﻪﺗﻼﺻ ﻦﻣ ﻞﻴﻠﻟﺍ ﺎﻤﻛﻻ ﻁﺮﻔﻳ ﻲﻓ ﻪﻈﺣ ﻦﻣ ﻪﺗﻼﺻ ﻞﻴﻠﻟﺎﺑ ﻰﻠﻋ ﺭﺪﻗﺎﻣ ﻡﺰﻟﺃ ﻪـﺴﻔﻧ ﻦﻣ ،ﻚﻟﺫ ﻱﺬﻟﺎﺑﻭ ﺎﻨﻠﻗ ﻦﻣ ﻚﻟﺫ ﻦﻋ ﻝﻮـﺳﺭﷲﺍ ﷺ ﻥﺇﻭ ﻥﺎﻛ ﻲﻓ ﻩﺩﺎﻨﺳﺇ ﺾﻌﺑﺎﻣ .«ﻪﻴﻓ :ﺮﻈﻨﻳ ،ﻱﺮﺒﻄﻟﺍ ﺐﻳﺬﻬﺗ ،ﺭﺎﺛﻵﺍ ﻢﻗﺭ ،(١١٠٦) .٧٧١/٢ (١)محمد بن محبوب المصدر نفسه، ص ٣٨ . سبق تخريجه. (٢).١٤٥/ عبد الرزاق: المرجع نفسه، ٨(٣) ١٨٠ . ونقل عن غيره في ما معناه وما يفيد الكراهة. / ابن أبي شيبة: المصدر نفسه، ٦(٤) ٤٧٨ ، وخالف في ذلك آخرون ففصلوا في الأمر. / ابن أبي شيبة: نفسه، ٦(٥) . أبو يوسف: الخراج، ص ٨٣(٦) .١١١/ ابن أبي شيبة: المصنف، ٥ (٧).٤٤٨/ عبد الرزاق: المصنف، ٦ (٨).١٤٢/ عبد الرزاق المرجع نفسه، ١ ً ـ ﺏ :ﻪـﻟﻮﻗﻭ ﻻ» ﻞـﺤﻳ ﻢﻠـﺴﻤﻟ ﻥﺃ ﻞـﻤﺤﻳ ﻰﻟﺇ ﻭﺪﻋ ﻦﻴﻤﻠـﺴﻤﻟﺍﺎﺣﻼـﺳ ِ ﻢـﻬﻳﻮﻘﻳ ﻪـﺑ ﻰـﻠﻋ ،ﻦﻴﻤﻠـﺴﻤﻟﺍ ﻻﻭﻛ ًﺎـﻋﺍﺮ ،ﻻﻭ ﺎﻣ ﻥﺎﻌﺘـﺴﻳ ﻪﺑ ﻰﻠﻋ ﺡﻼﺴﻟﺍ«ﻉﺍﺮﻜﻟﺍﻭ (١) . ﻦـﻣﻭ ﻚـﻟﺫ ﻝﻮـﻗ ﻦـﺑﺍ ﻦﻳﺮﻴـﺳ:ﺕ) :(ـﻫ١١٠ ﻞﻛ» ﺽﺮﻗ ﺮـﺟ ﺔﻌﻔﻨﻣ ﻮﻬﻓ ٦ـ .« ﻩﻭﺮﻜﻣ (٢) ﻦﻣﻭ ﻚﻟﺫ ﻝﻮﻗ ﺀﺎﻄﻋ :ﺕ):(ـﻫ١١٤ ٧ـ ﻥﻮﻛﺃ ﺎـﻤﻨﻴﺣ ﻝﺎﻗ ﻪﻟ ﻦﺑﺍ ﺞﻳﺮﺟ:ﺕ) :(ـﻫ١١٠ ﺖﻳﺃﺭﺃ» ﻥﺇﺖﻜﻜـﺷُ ﺃـ «؟ :ﻝﺎﻗ ﻼﻓ» ﻢﻘﺗ ﺓﻼﺼﻠﻟ ﻻﺇ«ﻦﻴﻘﻴﺑ(٣) ، ﻞﺻﺃﻭ ﻚﻟﺫ ﺚﻳﺪﺤﻟﺍ ﺖﺛﺪﺣﺃُ . ﻦﻋ ﻝﻮﺳﺭﷲﺍ ﷺ ﻲﻓ ﺍﺬﻫﻉﻮﺿﻮﻤﻟﺍ(٤) ـ ﺏ ﺍﺫﺇ ﻒﻠﺘﺧﺍ ﻦﻫﺍﺮﻟﺍ ﻦﻬﺗﺮﻤﻟﺍﻭ :ﻝﺎﻘﻓ ﺍﺬﻫ» ،ﺓﺮﺸﻋ ﻝﺎﻗﻭ ﺍﺬﻫ ،ﻥﻭﺮﺸﻋ ﻝﻮﻘﻟﺎﻓ ﻝﻮﻗﻦﻫﺍﺮﻟﺍ« (٥) ﻦﻣﻭ ﻝﻮﻗ ﺓﺩﺎﺘﻗ :ﺕ):(ـﻫ١١٨ ٨ـ . ﻦﻣ» ﻖﻠﻃ ﻲﻓ ﻪﺴﻔﻧ ﺲﻴﻠﻓ ﻪﻗﻼﻃ ﻚﻟﺫﺀﻲﺸﺑ« (٦) ﺃـ ب كل شرط قبل النكاح فليس بشيء، وكل شرط بعد النكاح فهو عليه » « (٧) . (١) . أبو يوسف يعقوب، الخراج، ص ١٩٠ (٢)١٤٥ ، وري ذلك عن قتادة أيضا / عبد الرزاق: المرجع نفسه، ٨ ً. (٣).١٤٢/ عبد الرزاق: المصنف، ١ (٤) ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يخرج منها حتى يسمع صوتا » ً أو ريحا ً« متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب من لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، ح: ١٣٦ . وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب الدليل على أن من ٥، وأخرجه بلفظ آخر: (الرجل، يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، تيقن الطهارة، ح: ٦٧ قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا » ً ، أو يجد ريحا ً« . نفس الكتاب والباب، ح: ٥٦٦ . (٥) .٧٩/ ابن أبي شيبة: المرجع نفسه، ٦ (٦).٤١٢/ عبد الرزاق: المرجع نفسه، ٦(٧) .٧/ المصدر نفسه، ٧ َ ج كل شيء لا يقاد منه فهو على العاقلة » « (١) . ٩ كل ف » :( ومن ذلك قول حماد (ت: ١١٩ ه ُ رقة كانت من ق ِ ب ِ ل الرجل فهي ِِ تطليقة، وكل ف ُ « رقة م ن قبل المرأة فليست بشيء(٢) . َ والأمثلة على ذلك من التابعين وأتباعهم كثيرة، وليس المقصود هنا الاستقصاء، وإنما التمثيل والتوضيح، ولعل ما ذكرناه في هذا المقام يفي بالمرام. k :á«¡≤ØdG ´hôØdG ™e á«¡≤ØdG óYGƒ≤dG øjhóJ á∏Môe :É«fÉK ت ُ عد المدرسة الإباضية من أقدم المدارس الفقهية تأسيسا ً ، فقد ظهرت في القرن الأول الهجري مع بروز مؤسسها الإمام جابر بن زيد الأزدي الع ُ ماني (ت: ٩٣ ه)، ومن سار على نهجه من الفقهاء كأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي، (ت: ١٤٥ ه) وعبد الله بن إباضالتميمي، (ت: ٦٤ ه) وأبو سفيان محبوب بن الرحيل (٣)(ت: أواخر ق ٢ه) والربيع بن حبيب الفراهيدي (ت: ١٧٠ ه) وغيرهم. وقد كان لهؤلاء الأئمة دور كبير في إرساء دعائم المذهب الإباضي وأسسه، ونشره في المشرق والمغرب، فأنتجت هذه المدرسة تراثا ً فقهيا ً غزيرا ً تمثل في الأجوبة والفتاوى للنوازل المختلفة، فدونت هذه الفتاوى والأجوبة (١) .٢٢٩/ ابن أبي شيبة: المصنف، ٩ (٢).٤٨٦/ عبد الرزاق: المصنف، ٦ (٣)محبوب بن الرحيل بن سيف، (أبو سفيان)، (ت: في أواخر القرن ٢ه)، الإمام الفقيه، من أكابر العلماء والمؤرخين. قيل إنه تابعي، ويبدو أنه من تابعي التابعين. تتلمذ في بداية أمره على الإمام أبي عبيدة، ثم لازم الربيع. انتقلت إليه زعامة الإباضية بالبصرة بعد وفاة وائل بن إلا أنه ،« السير » أيوب، ويعتبر آخر أئمة الكتمان عند الإباضية في البصرة. من آثاره: كتاب ِ ف ُقد؛ وله آثار فقهية كثيرة مبثوثة ضمن كتب الفقه الإباضية؛ وهو ممن روى عنهم أبو غانم .٢٨٨/١ ، مدونته؛.. إلخ. معجم أعلام الإباضية، (قسم المشرق)، ترجمة ١١١٠ في المدونات والجوامع والموسوعات، كمدونة أبي غانم الخراساني وجامع أبي الحواري . وعلى غرار المدارس الفقهية المشهورة، فقد اعتمد فقهاء الإباضية في اجتهادهم على أصول وقواعد فقهية، كالقرآن والسن ﱠ ة والإجماع والقياس ﱡ والاستصحاب والعرف وغيرها، استنبطوها من نصوص القرآن والسن ﱠ ة وفتاوى ﱡ الصحابة والتابعي ن، مثل: قوله تعالى: ﴿ 8765432 <;:9 = @?> ﴾ )البقرة : ( ٢٢٠ . وقوله صلى الله عليه وسلم : الخراج » « بالضمان . وقوله صلى الله عليه وسلم : لا ضرر ولا ضرار » « . وقوله صلى الله عليه وسلم : ادرؤوا الحدود » « بالشبهات . وقوله صلى الله عليه وسلم : البينة على المدعي واليمين على من أنكر » « . فأصلوا بها المسائل وفرعوا عليها الفروع. وخلال القرون الثلاثة الأولى كان فقهاء الإباضية يستعملون القواعد الفقهية في تعليلهم للأحكام، ويخرجون عليها المسائل الفقهية المتنوعة، ولم تكن مدونة في مصنفات مستقلة، ولا مصوغة في عبارات موجزة، بل كانت محفوظة في الذاكرة، يتناقلونها رواية وسماعا ً ، أو تدون مع الفروع الفقهية ّ والأجوبة والفتاوى أثناء تعليلهم للأحكام، وتخريجهم للفروع. واستمر العمل على هذا الحال طيلة هذه الفترة حتى مطلع القرن الرابع الهجري، وكان نتيجة ذلك أن عثرنا على بعض القواعد والضوابط الفقهية متناثرة في بطون بعض الرسائل والمدونات الفقهية من القرون الأولى، وإن لم يرد لفظ صريح لكلمة القاعدة فيها، ومع ذلك يمكن إدراجها ضمن القواعد الكلية أو الضوابط الفقهية، ما دامت تحمل بعض سماتها وخصائصها، ولو ينقصها بعض الصقل والتنقيح والتطوير، ولا يقتصر ذلك على المصنفات الإباضية الأولى، بل نجد مثله في بقية المدارس الفقهية الأخرى. ولا بأس أن أعرض طرفا من هذه القواعد التي استخرجتها من تلك المصادر المتقدمة كما يلي: ١ فمن كتاب جوابات جابر بن زيد 3 (ت: ٩٣ ه) نلمح ما يحمل سمة القواعد والضوابط الفقهية في هذه الجوابات منها: سئل جابر بن زيد عن رجل ينكح المرأة فلا ينزل » : عن عمرو بن هرم قال (٢) إذا مس الختان فقد وجب الغسل » : قال «؟ عليها « (١) .. ّ سئل جابر بن زيد عن رجل أصابته جنابة بأرض » : عمرو بن هرم قال مثلجة لا يجد نارا ً «؟ يحمي بها الثلج ليغتسل به الصعيد كافيه حتى يجد الماء فيغتسل به، والإيسار أحب إلى الله من » : قال « الإعسار(٣) . قال جابر بن زيد : وأما قوله: » ﴿ <; = A@?> EDCB ﴾ )النور : ( ٢٩ ؛ والله لا يعني بالمتاع الجهاز ولكن ما سواه من الحاجة، إما منزل ينزله قوم بليل أو نهار، أو دار ينظر إليها يدخلها الرجل لجاجته، فهذا المتاع الذي ذكر الله، وكل ما كان من المنافع « فهو متاع(٤) . ٢ ومن مؤلفات الإمام جابر بن زيد أيضا ً كتابه المسمى رسائل جابر بن زيد ظهر فيه ما يعتبر من قبيل القواعد الكلية أو الضوابط الفقهية: (١)ي ُ عد هذا ضابطا ً فقهي ّا ً في باب الطهارة مستنبط من نص حديث إذا مس الختان الختان وجب » « الغسل أخرجه ابن الجارود في المنتقى موقوفا ً .٣٣/١ ،( باب في الجنابة والتطهر لها ( ٩١ وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا ً ١١٤ . والدارمي في /١ ( في جماع أبواب الغسل ( ٢٢٧ ٢٨٨ . ومالك في / ٢١٤ . وأبو عوانة في مسنده، ١ / سننه باب في مس الختان الختان، ١ ٥٧ . وعبد الرزاق / ٤٥ . والطحاوي في شرح معاني الآثار، ١ / الموطأ باب واجب الغسل، ١ .١٥٩/ ٢٤٨ . والشافعي في مسنده، ١ /١ ،( في مصنفه باب ما يوجب الغسل ( ٩٥١ (٢)جابر بن زيد، من جوابا ت الإمام جابر بن زيد، ترتيب سعيد بن خلف الخروصي، ط ١٤٠٤ ه/ ١٩٨٤ م، نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة ع ُ . مان، ص ١٣ (٣). جابر بن زيد المصدر نفسه، ص ١٥(٤) . المصدر نفسه، ص ١٢٠ الختان من المسلمين سن » ﱠ ة واجبة لا ينبغي تركها « (١) . ُ « الجمعة عزيمة من الله على المؤمنين »(٢) . ما كان من أمر خولف فيه السن » ﱠ « ة نقض(٣) . ﱡ (٥) فذر ما يريبك إلى ما لا يريبك » « (٤) .. فإن كانت بك مشقة وعسر فافطر حتى ترجع إلى دارك التي فيها قرارك » « فإن الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر(٦) . ٣ ومن كتاب مسائل أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة (ت: ١٤٥ ه) نجد فيها ملامح القواعد والضوابط الفقهية: كل بلاد المشركين يأمن فيها تجار المسلمين والموحدين لا تحل غنيمة » تلك البلاد ولا سباياهم « (٧) . (١). جابر بن زيد، رسائل جابر بن زيد ترتيب كروم أحمد بن حمو وبازين عمر بن أحمد، ص ٠٧ (٢). جابر بن زيد، رسائل، ص ٠٧(٣) يعتبر هذا الجواب قاعدة فقهية اعتمد عليها جابر في جواباته، منها فتواه بإعادة صلاة من صلى وراء إمام أمي صلى بالناس صلاة فيها قراءة فلم يقرأ إلا بأم الكتاب لم يقمها، وردت ّ .٢٣ ، فروع أخرى لهذه القاعدة، ينظر: المصدر نفسه، ص ٢٢(٤) هذه القاعدة أصلها حديث « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » . أخرجه الحاكم في المستدرك ( ١١٦ . وابن حبان في صحيحه باب الورع رقم ( ٧٢٢ /١ ( في كتاب الإيمان رقم ( ١٦٦ ٥٩ . والهيثمي في موارد /٤ ( ٤٩٨ . وابن خزيمة في صحيحه في كتاب الزكاة رقم ( ٢٣٤٨ /١١٣٧ . والترمذي في سننه في كتاب الزهد /١ ( الظمآن باب الدعاء في الصلاة رقم ( ٥١٢ ٣٠٨ . والشيباني في /١١ ( ٦٦٨ . ومعمر بن راشد في الجامع رقم ( ٢٠٦١٩ /٤ ( رقم ٢٥١٨ .٣٧٤/١ ( ٣٠٣ . والشهاب في مسنده رقم ( ٦٤٥ /١ ( الآحاد والمثاني رقم ( ٤١٦ (٥)ي ُ عد هذا الثر والذي قبله قاعدة فقهية في مسائل الحلال والحرام مفادها الابتعاد عن الأمور التي يشك في حلها إلى ما يتيقن من حله ولا يشك فيه وهي أيضا ً متفرعة عن القاعدة يراجع: .« الأصل براءة الذمة » والقاعدة الفرعية الأخرى « اليقين لا يزول بالشك » الكبرى . المصدر نفسه، ص ٤١(٦) .٢٠٩/ بولرواح: موسوعة آثار الإمام جابر بن زيد الفقهية، ١(٧) أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة: مسائل أبي عبيدة، مخطوط، ص ٦ظ. طاعة الله في الوالدين فرض وإن كانا مشركين، ولا تطعهما في » و « معصية الله(١) . العقيقة لا يجزي فيها إلا ما يجزي في الأضحية من الأسنان وشرف » و « العيون(٢) . ٤ ومن كتاب المدونة الصغرى لأبي غانم الخراساني (ت: ٢٠٥ ه) نجد هذه القواعد والضوابط في ثنايا الفروع، من ذلك: ما نقل عن أبي عبيدة إن الزكاة في الذهب والفضة إذا بلغ مائتي درهم » : مسلم التميمي أنه قال فقد وجب فيه الزكاة وإن زاد فليس في الزيادة شيء حتى يبلغ المال «(٣) أربعين درهما ً . وقال أبو غانم : الأثر عند فقهائنا الذين نأخذ منهم ونعتمد عليهم، أن » ّ السن ﱠ ة في زكاة البقر كالسن ﱠ ة في زكاة الإبل يؤخذ من الإبل ويعمل فيها ما يعمل ﱡﱡ « في الإبل وليس بينهم اختلاف(٤) . من حرم على امرأته عضوا » : وقال ً من أعضائه فقد حرمت عليه « (٥) . ّ كل شابة تتربص حتى تحيض أو يتبين بها حمل » : وقال « (٦) . (١) المصدر نفسه، ص ١٠ و. (٢) المصدر نفسه، ص ٩ و. (٣) الخراساني أبو غانم بشر بن غانم، المدونة الصغرى (دت) ط ١٤٠٤ ه/ ١٩٨٤ م، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة ع ُ .١٥٢/ مان، ١(٤) .١٥٨/ الخراساني: المصدر نفسه، ١(٥) .٢٢٥/ المصدر نفسه، ١(٦) ضابط فقهي في العدة ويستثنى منه المرأة التي طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفعت عنها حيضتها فإنها تتربص تسعة أشهر قدر ما تحمل المرأة وتضع، فإن حاضت الثالثة فقد حلت للأزواج، وإن مضت تسعة أشهر ولم يتبن بها حمل اعتدت ثلاثة أشهر عدة ٢٣٤ . وينظر: القواعد الفقهية / التي أيست من المحيض. ينظر: الخراساني: المصدر نفسه، ١ عند الإمام الجيطالي في كتابه قواعد الإسلام، الهامش ص ٧٤ - .٧٥ كل نبيذ عولج في الجر وغيره مما جاء النهي عنه من كل مختمر في » و ِّ « غير سقاء فلا يصح للمرأة أن تمشط به لأن كل مختمر خمر(١) . ٥ ومن كتاب مسائل نفوسة للإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم(٢) ٰ (ت: ٢٠٨ ه) نلحظ هذه القواعد مجسدة مع الفروع: ليس في القطاني »(٣) « زكاة(٤) .• «(٥) • الحلال لا يكون حراما » ً والحرام لا يكون حلالا ً . (٧) • وقد قيل: ادرؤوا الحدود بالشبهات » « (٦) .. (١) .٥١/ الخراساني: المصدر نفسه، ٢ (٢)عبد الوه ﱠ اب بن عبد الرحمن ٰ بن رستم، (حكم: ١٧١ - ٢٠٨ ه/ ٧٨٧ - ٨٢٣ م)، ثاني الأيم ﱠ ة الرستميين، تلق ﱠ ى العلم بالقيروان ثم بتيهرت عن أبيه عبد الرحمن وغيره من حملة العلم. ﱢَﱠ ٰ عالم متضل ﱢ ع من أكبر علماء زمانه. وقد تصد ﱠ ر للتدريس، فكانت له حلقات علم بتيهرت وجبل نفوسة، وتخرج على يديه خلق كثير، منهم ابنه أفلح، فضلا ً عن كثير من علماء نفوسة. ﱠ ترك كتابا ً وصفه البرادي بأن ﱠ ه ضخم وهو سفر تام، أل ﱠ فه جوابا ً لأهل نفوسة في مسائل ونوازل ﱞ استفتوه فيها. دبر له أعداؤه مكيدة اغتيال باءت بالفشل، وتوف ﱢ ي سنة ٢٠٨ ه/ ٨٢٣ م. معجم ﱠ .٤٠٩/١ ، أعلام الإباضية، (قسم المغرب)، ترجمة: ٦٠٩ (٣) المراد بها: القطنيات وهي الحبوب كالعدس والحمص وغير ذلك. (٤) عبد الوهاب بن عبد الرحم ن ٰ . بن رستم: مسائل نفوسة، ص ٧٢ (٥) عبد الوهاب بن عبد الرحمن: ٰ . المصدر نفسه، ص ١٠٦ (٦) يمثل هذا القول قاعدة فقهية وقد درسناها في الفصل السادس من هذا البحث ووردت بألفاظ تسقط أو » : وفي لفظ .« الحدود تسقط أو تدرأ بالشبهات بخلاف الحقوق » : وصيغ مختلفة منها ينظر: محمد .« الحدود مبناها الإسقاط والدرء بالشبهات » : وفي لفظ « تندرء الحدود بالشبهات ٩٧ . وأصل هذه القاعدة ما روي عن عمر / صدقي البورنو: موسوعة القواعد الفقهية، ٥ قال: لئن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات. أخرج هذا الحديث موقوفا ً ٢٣٨ . وقد ذكر ابن عبد البر رواية عمر في /٥ ( ابن أبي شيبة في مصنفه رقم ( ٢٨٤٩٣ ١٣ . وأخرج ابن ماجه من طريق أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم / الاستذكار، ٨ : ادفعوا » الحدود ما وجدتم له مدفعا ً« ٨٥٠ ، وأخرجه البيهقي عن /٢ ( ينظر: ابن ماجه السنن، ( ٢٥٤٥ عائشة مرفوعا ً : « ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم » .٢٣٨/٨ ( ، السنن، رقم ( ١٦٨٣٤ (٧) عبد الوهاب بن عبد الرحمن: ٰ . المصدر نفسه، ص ١١١ • لا وصية مع الميراث » « (١) . • من لم يسم شيئا » ً يتصدق به عنه فإنه لا تجب في ماله صدقة، لأنه لم يسم شيئا ً ولم يعل ّ « مه(٢) . ّ • ...» لأنه ليس مال قائم بعينه إنما هو مال مضمون، والمضمون « لا يقاتل عليه(٣) . ٦ ومن كتاب أبواب مختصرة في السن ﱠ ة، لأبي عبد الله محمد بن محبوب ﱡ (ت: ٢٦٠ ه) نجد مثل هذه القواعد والضوابط مع الفروع: • تجب النفقة عندنا لكل حامل بانت من زوجها بلعان أو خلع أو »ظهار أو طلاق « (٤) . • « الشفعة لكل شريك من غريب أو يتيم ما خلا أهل الكتاب »(٥) . ٧ ومن كتاب المستأنف المعروف بكتاب الرضف: لأبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب (ت: ٢٧٣ ه) نجد ما يحمل سمة القواعد منها: • كل من وجب له بإجماع المسلمين اسم أو حكم ثم أحدث حدثا » ً لم ينزل عنه ذلك الاسم والحكم إلى غيره من الأسماء والأحكام إلا (١) المصدر نفسه، ص ١٥٨ . وهذا الضابط أصله حديث: « لا وصية لوارث » أخرجه الربيع في ،( ٢٦١ . وأبو عبد الله المقدسي في الأحاديث المختارة، رقم ( ٢١٤٤ /١ ،( مسنده رقم ( ٦٦٦ ١٦٥ .. وسعيد بن منصور في سننه /٥ ( ١٤٩ . وإسحاق بن راهويه في مسنده رقم ( ٢٢٨٧ /٦ كتاب الوصايا رقم ( ٤٢٤ - ١٤٩ ، وابن ماجه في سننه، باب لا وصية لوارث رقم /١ ،(٤٢٥ ٤٤٣٣ ، والبيهقي في ،( ٩٠٦ . والترمذي في سننه، كتاب الوصايا، رقم ( ٢١٢٠ /٢ ،(٢٧١٤).٢٦٤/٦ ،( السنن الكبرى، رقم ( ١٢٣١٦ (٢) عبد الوهاب بن عبد الرحمن ٰ . بن رستم: مسائل نفوسة، ص ١٦٣ (٣) . المصدر نفسه، ص ١٧٥ (٤)محمد بن محبوب: أبواب مختصرة من السن ﱠ ة، مخطوط بمكتبة جمعية أبي إسحاق بغرداية، ﱡ . الجزائر حققه سليمان بابزيز أخيرا، ص ٠٩ (٥) . ابن محبوب: المصدر نفسه، ص ١٧ بإجماع من المسلمين له على ذل ك، وقياس على نظير ذلك الحدث حكمه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فبكتاب الله وسنة رسوله ُﱠ ُﱠ « وإجماع المسلمين تثبت الأسماء وتجري الأحكام(١) . • والقول في السن » ﱠ ة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ضربان: فرض وفضيلة، ﱡ فالفرض لازم فعله ويخرج من الإيمان تاركه، والفضل فغير مؤثم « تركه ولا لازم فعله (٢) . ٨ ومن كتاب أصول الدينونة الصافية: لأبي حفص عمروس بن فتح النفوسى (ت: ٢٨٣ ه) نجد بعض القواعد والضوابط الفقهية منها: «(٣) • من كان على سفر ولم يجد الماء تيمم صعيدا » ً طيبا ً . • من ترك الغسل من الجنابة من غير عذر وهو يجد الماء حتى يذهب »وقت الصلاة ضل ّ « في قول المسلمين(٤) . .• « من كان عليه دين حط من حسب ماله بقدر ما عليه من الدين » (٥) ِ • « من فاته حضور ليلة من ليالي منى فعليه دم »(٦) . • « من رجع إلى بلده ولم يطف طواف الوداع فعليه دم »(٧) . (١) أبو المنذر بشير بن محمد بن محمد بن محبوب، المستأنف، مخطوط ضمن مجموع السير العمانية، محفوظ بمكتبة الإمام غالب بن علي الهنائي بالدمام، السعودية، وتوجد نسخة ُ . مصورة منه لدى الباحثة منى بنت هلال الكندية، نزوى سلطنة عمان، ص ٢٥٢ ُ (٢) وهذه قاعدة أصولية تحدد مدلول السن ﱠ ة وأنواعها باعتبارها المصدر الثاني من التشريع ﱡ . واستنباط الأحكام، ينظر: المصدر نفسه، ص ٢٥٣(٣) أبو حفص عمروس بن فتح النفوسي، أصول الدينونة الصافية، تحقيق كروم أحمد بن حمو، ١٤٢٠ ه/ ١٩٩٩ م، مطبعة ع ، ط ١ ُ . مان ومكتبتها المحدودة، ص ٩٣(٤) . أبو حفص عمروس: المصدر نفسه، ص ٩٥(٥) . المصدر نفسه، ص ٩٦(٦) . المصدر نفسه، ص ١٢١ (٧) . نفسه: ص ١٢٢ • « من أسلم ثم أشرك يقتل »(١) . • من سرق صغيرا » ً فإنه يقطع، ومن سرق كبيرا ً « فإنه لا يقطع(٢) . كل ما هو نصف في الحر فهو في العبد نصف ثمنه » « (٣) .• (٥) • لا وصية لوارث » « (٤) .. • « من ترك الختان من الرجال فلا صلاة له ولا تزويج، ولا يؤكل له ذبيحته »(٦) . ٩ ومن كتاب الجامع: لأبي جابر محمد بن جعفر الأزكوي (عاش في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع) نلمح سمات القواعد والضوابط الفقهية متناثرة في ثنايا أبوابه الفقهية من ذلك: • كل امرأة لم يكن لها مال فلها عندنا أن تأخذ من صداقها الآجل لما »« تحج به عن نفسها حجة الفريضة التي عليها(٧) . • وحفظنا عن أبي عبد الله يعني: محمد بن محبوب » : فيمن حم ّ ل جمالا ً متاعا ً فجاء به قد انكسر حين برك الجمل أو حين نهض أو فزع؛ قال: عليه البينة بما يدعي وإلا غرم، وكذلك كل من عمل شيئا ً « بكراء فتلف(٨) . (١) . نفسه: ص ١٢٥ (٢) يقصد به سرقة إنسان، وتعليل اختلاف الحكمين أن الكبير يسير طواعية، أما الصغير فغير مطاوع ففيه معنى الغصب والاختطاف، وقد تجد الكبير أيضا ً يختطف بالقوة والإكراه . فيخضع لأمر الواقع. ينظر: المصدر نفسه، ص ١٢٩ (٣) من الضوابط الفقهية في باب القصاص، وقد فسر محقق كتاب أصول الدينونة الصافية هذه أن كل ما يمكن تنصيفه في الحر مثل العينين فهو في العبد » : العبارة بصيغة أخرى وهي . ينظر: المصدر نفسه الحاشية، ص ١٣٠ .« كل نصف بنصف ثمنه في العبد (٤) حديث شريف ي ُ عد ضابطا ً في باب الميراث، تقدم تخرجه في الصفحات السابقة. (٥) . أبو حفص عمروس: أصول الدينونة، ص ١٤٥(٦) . المصدر نفسه، ص ١٥٤(٧) .١٧٥/ ابن جعفر: الجامع، ٤(٨) كل من عمل شيئا » : يمكن صياغة هذه القاعدة بصيغة موجزة بعد صقلها فنقول ً بكراء فتلف، .٢٠٦/ ينظر: ابن جعفر: الجامع، ٤ .« فعليه البينة وإلا غرم • وقال أبو عبد الله » 5 : كل شيء يلزم الذي في يده غرامته مما يكال أو يوزن فعليه أن يأتي بمثله؛ فإن كان عرضا ً مثل السيوف والثياب « فعليه القيمة(١) . • « لأن الضمان شرط لازم والضامن غارم »(٢) . • الأمور مبنية على أصولها والشروط فيها واقعة بمعاني الاختلا ف، » «... فمنهم من يثبتها... ومنهم من يبطل الشروط المدخلة(٣) . ُ • أم » ّ الأم أولى من أم الأب، والخالة أولى من العمة، والعم أولى من « الخال(٤) . • ...» والقيام بأمور اليتامى جائز من كل ثقة أو غير ثقة إلا في التسليم « لمال اليتيم وقبض ماله؛ فلا يجوز ذلك إلا من ثقة(٥) . من خلال هذه الأمثلة من القواعد الكلية والضوابط الفقهية المتنوعة من علماء الإباضية الأوائل في القرون الثلاثة الأولى في المشرق والمغر ب، يتضح أن نشأة حركة التعقيد الفقهي بدأت في المدرسة الإباضية في زمن مبكر، ودونت بعضها مع الفروع الفقهية والفتاوى، ثم نمت وتطورت في المراحل اللاحقة، ولم تظهر جملة وتجمع في مصنفات مستقلة في مرحلة النشوء والتكوين، بل حتى في المراحل اللاحقة، كما حدث في المدارس الفقهية الأخرى. (١) .٢١٣/ ابن جعفر: المصدر نفسه، ٤(٢) .٢٣٥/ المصدر نفسه، ٤(٣) .٢٣٥/ نفسه: ٤ (٤)ي ُ عد هذا ضابطا ً فقهي ّا ً .٢٧١/ في درجات الحضانة. ينظر: المصدر نفسه، ٤(٥) .٢٧٤/ ابن جعفر: الجامع، ٤ يمكن إبراز معالم تطور القواعد الفقهية عند الإباضية من خلال مرحلتين: الأولى : مرحلة الظهور والنمو، وتبدأ مع مطلع القرن الرابع الهجري حتى عصر النهضة في القرن الرابع عشر الهجري. الثانية: مرحلة النضج والتميز، وتبدأ من القرن الرابع عشر الهجري حتى العصر الحالي. ويكون تفصيلهما كما يلي: k :ƒªædGh Qƒ¡¶dG á∏Môe :’hCG لقد أسهم علماء الإسلام من مختلف المدارس الفقهية في إثراء القواعد الفقهية تدوينا ً وتحريرا ً وتنقيحا ً ، بيد أن نصيب الإباضية منه كان شيئا ً يسيرا ً ، وإسهامهم فيه كان مغمورا ً ، مقارنة بالموسوعات الفقهية العديدة التي دونوها ونشروها، فلم نعثر حسب اطلاعنا عندهم على مؤل ﱠ ف مستقل وشامل ُ للقواعد الفقهية عند المتقدمين منهم على غرار المذاهب الفقهية الأخرى. ومع بداية القرن الرابع الهجري ظهر تطور جديد في حركة التقعيد الفقهي عند الإباضي ة، فبدأت مرحلة تدوين القواعد الفقهية، وصارت تظهر في المصنفات الإباضية المشرقية خصوصا ً لابن جعفر « الجامع » منها: كتاب لأبي سعيد الكدم ي، وكان لهؤلاء « المعتبر » و « الجامع المفيد » الإزكوي، وكتابي الفضل في تدوين هذه الأصول والقواعد الفقهية في مصنفاتهم، فكانوا يستدلون بهذه الأصول والقواعد على المسائل الفقهية، ويعللون بها الأحكام الشرعية، ويستندون إليها في الاحتجاج على المخالفين. َ ولم تقف جهودهم عند هذا الحد؛ فقد أول َ ى ابن بركة بالقواعد عناية خاصة ولم يدرك شأوه « الجامع » من خلال تأصيله للمسائل الفقهية في كتابه الرائع اللاحقون في المشرق ولا في المغر ب، ولم يكتف بذلك، بل أل ّ ف رسالة اليقين » و ،« العادة محكمة » : مستقلة خصصها لقاعدتين فقهيتين وهما: قاعدة« كتاب التعارف » وسماه ،« لا يزول بالشك(١) ، ويعتبر هذا الكتاب من أول الكتب الخاصة بالقواعد الفقهية عند الإباضية التي وصلت إلينا، وتابع المسيرة من « بيان الشرع » بعدهم فقهاء آخرون، فكانت مؤلفاتهم تضم بعض القواعد؛ ككتاب كتاب » لأبي بكر أحمد الكند ي، و « المصنف » لمحمد بن إبراهيم الكند ي، وكتاب لسلمة بن مسلم العوتب ي، حيث هذا الأخير خصص الجزء الثالث منه « الضياء لأبي إسحاق الحضرمي « مختصر الخصال » لبعض القواعد الفقهية والأصولية، و . ولعل هذا الأمر لم يتحقق مع عموم الإباضي ة، فلم نعثر لهم مصنفات خاصة بالقواعد الفقهية إلا في المراحل المتأخرة، بل بقيت القواعد مدونة مع الفروع الفقهية والمسائل الفقهية في المصنفات الفقهية، ولم تفرد في مؤلفات خاصة كعلم مستقل عن الفقه، كما نلحظه في المدارس الفقهية الأخرى، مثل رسالة أبي طاهر الدباس(٢) الذي جمع فيها أهم قواعد مذهب أبي حنيفة في سبع عشرة قاعدة، وكان ذلك في مطلع القرن الرابع الهجري، ولعل ابن بركة كتاب » الإباضي قد سبقه في تأليف أول رسالة للقواعد الفقهية سماها جمع فيها قاعدتين من القواعد الكلية الكبرى المتفق عليهما وهما: ،« التعارف اليقين لا يزول بالشك » « اليقين لا يزول حكمه إلا يقين » : وعبر عنها بقوله ّ (١) سمي هذا الكتاب بهذا الاسم لأنه اهتم بدراسة قاعدة العرف والعادة وقد أثبت ابن بركة أن هذه القاعدة معتبرة في التشريع الإسلامي ومث ﱠ ل لها بأمثلة عديدة ومتنوعة، والكتاب من الحجم الصغير، يضم ٥٤ صفحة، نشرته وزارة التراث والثقافة العمانية سنة ١٩٨٣ م. وقد ُ حققه أحد الباحثين في سلطنة عمان ولم يطبع وهو في حوزة الباحث. ُ (٢) أبو طاهر الدباس اسمه محمد بن محمد بن سفيان، مشهور بكنيته. تفقه بأبي خازم. وكان من أهل السن ﱠ .٣٣٦/ ة. ويوصف بالحفظ، ومعرفة الروايات. تاج التراجم لقاسم بن قطلوبغا، ١ ﱡ « بمثله(١) العادة محك » : ، والثانية ّ وقد أسهب في الحديث عنها، وبين ،« م ة ّ فالواجب على من أنعم الله » : علاقتها بالأولى، يقول في مقدمة هذا الكتاب ِ عليه بالإسلام وخصه بشريعة الإيمان أن يبدأ بتعل ﱡ م الأصول قبل الفروع، وأن يثبت قواعد البنيان قبل أن يرفع شواهق الأركان، ومن عرف معاني الأصول عرف كيف يبني عليها الفروع، ومن لم يعرف حقيقة الأصول كان حريا ً أن ّ «... تخفي عليه أحكام الفروع(٢) . ومن هنا يتبين أن تأليف ابن بركة سابق على غيره في صياغة القواعد الفقهية، وإلحاق الفروع الملائمة لها، واستثناء الفروع الخارجة عنها، ويلاحظ من عبارته أنه كان يطلق على القواعد مصطلح الأصول، وهو الأمر السائد في تلك المرحلة لدى فقهاء الإباضية وغيرهم. كما وجدنا الاهتمام نفسه لدى إباضية المغرب الإسلامي رغم تأخر تدوين القواعد الفقهية عندهم، فلم ينتشر استعمالها في فروعهم الفقهية وفتاواهم إلا في القرن الثامن الهجري، ولا يعني هذا أنها لم تظهر قبل هذه الفترة بل كانوا يعتمدوها في فتاواهم وأجوبتهم؛ وكانوا يتناقلونها شفهيا ً ، وقد وجد َ ت بعض القواعد الكلية والضوابط الفقهية مدونة في فتاوى الإمام ُ عبد الوهاب بن عبد الرحمن ٰ بن رستم (ت: ٢٠٨ ه)، وفي فقه أبي حفص عمروس بن فتح النفوسي (ت: ٢٨٣ ه)، وأبي يعقوب يوسف الوارجلاني وأبي العباس ،« الدليل والبرهان » و « العدل والإنصاف » (ت: ٥٧٠ ه) في كتابيه ،« أبي مسألة » أحمد بن محمد بن بكر الفرسطائي (ت: ٥٠٤ ه) في كتبه وأبي زكرياء يحيى بن ،« السيرة في الدماء » و ،« القسمة وأصول الأرضين » وأبي الخير الجناوني (٣) « الصوم » و « النكاح » و « الوضع » (ت: ق ٥ه) في كتبه (١) . ابن بركة البهلوي، كتاب التعارف، ص ٣٣(٢) . ابن بركة: المصدر نفسه، ص ٤(٣) الجناوني يحيى بن أبي الخير، (أبو زكرياء)، (ق: ٥ه/ ١١ م)، من العلماء الأعلام بجبل = وغيرهم، ولو أنها تحتاج إلى صقل وتحوير وتطوير، ثم جاء بعدهم الشيخ كتاب » عامر الشماخي في مطلع القرن الثامن الهجري فدون قواعده في ّ وشف ،« الإيضاح ّ ع بها المسائل الفقهية، إذ كان غالبا ً ما يستشهد بها، ويعلل بها في الأحكام، ويعتمد عليها في الاستدلال والاحتجاج، وامتاز على من تقدمه بحسن صياغة القاعدة وسبكها بأسلوب موجز، وكذلك فعل مثله الشيخ .« قواعد الإسلام » إسماعيل الجيطالي في كتابه k :õ«ªàdGh è°†ædG á∏Môe :É«fÉK q تمثل هذه المرحلة التطور الحقيقي للقواعد الفقهية عند الإباضي ة، حيث كللت جهودهم المباركة بظهور أول كتاب مستقل للقواعد الفقهية من تأليف القاضي سفيان بن محمد الراشدي من علماء عم ان في القرن الرابع عشر ُ الهجري، فقد استطاع أن يجمع القواعد الفقهية الكلية الخمس الكبرى وما تفرع عنها من قواعد كلية صغرى، وشرحها شرحا ً موجزا ً ، وضمنها أمثلة ّ متعددة ومتنوعة، معتمدا ً في ذلك على المصادر الإباضية وغيرها، ومما تجدر الإشارة إليه أنه سلك في طريقة تأليفه منهج الإمام السيوطي الشافعي وظهر تأثره به كثيرا « الأشباه والنظائر » في كتابه ً ، فنجده أحيانا ً ينقل عباراته يظهر لي أنه » : بنصها وأمثلته المختلفة، وقد أشار محققه إلى ذلك فقال ،« الأشباه والنظائر » اختزل ما كتبه الإمام السيوطي عن القواعد الكلية في « وأضاف إليه أشياء من كتب المذهب الإباضي وغيرها(١) ، ولا ينقص ذلك = نفوسة بليبيا، من قرية إجن ﱠ اون. أخذ العلم عن أبي الربيع سليمان بن أبي هارون، وغيره من المشايخ، إذ مكث في التعل ﱡ م اثنتين وثلاثين سنة، فصار شيخا ً عالما ً وفقيها ً . من آثاره العلمي ﱠ ة: عقيدة نفوسة (مط)، كتاب الأحكام (مط)، كتاب الوضع مختصر في الأصول والفقه .١٤٤/٢ ، (مط). معجم أعلام الإباضية، (قسم المغرب)، ترجمة: ٩٩٣(١) الراشدي محمد بن يحيى سفيان محقق كتاب جواهر القواعد من بحر الفرائد، لجده سفيان . الراشدي، ص ٠٤ من قدره، ويكفيه فخرا ً أنه استطاع أن يسد ثغرة غفل عنها أسلافه، وقد فعل مثله من قبل الإمام ابن نجيم الحنفي لما وجد أصحابه من الحنفية يفتقرون للسيوطي، فقلده في كتابه فأنتج كتابه « الأشباه والنظائر » إلى كتاب على غرار النعمان، فكان متأثرا « الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة » المشهور ً بمنهجه إلى حد كبير، فربما شعر الشيخ سفيان الراشدي بحاجة الإباضية إلى كتاب يشبه كتاب السيوطي فنسج على منواله، وحاول أن يضيف إليه ما لم يجده في غيره تنسيقا ً وتطبيقا ً ، فأبدع وتميز. وبقي هذا الكتاب النادر مخطوطا ً في دائرة النسيان حتى كتب الله له أن يرى النور، فقام الباحث المجد محمد بن يحيى بن سفيان الراشدي حفيده فحققه ودرسه دراسة علمية منهجية، فسهل الاستفادة منه، وذلك في مذكرة التخرج، ونال بها الشهادة الجامعية من معهد العلوم الشرعية بسلطنة عمان . ُ فقد جاء في كتابه جواهر القواعد » : ومما جاء في مقدمة دراسته ما نصه من بحر الفرائد كاشفا ً اللثام عن القواعد الكلية الخمس التي يرجع إليها الفقه في الإسلام والتي لها من الأهمية ما لها، حيث إنها تعين العالم والمتعلم على معرفة أحكام المسائل على اختلافها وتجددها على مر العصور والأزمان، وغير .« ذلك من القواعد الجليلة وأضاف المحقق مبرزا ً وتزداد أهمية هذا » : أهمية هذا الكتاب الفريد الكتاب ويتضاعف فضله بسبب حوزه فضل السبق في هذا المجال في التراث الإباضي حيث لم يظهر لنا من كتب الإباضية كتاب استقل بموضوع القواعد « الفقهية إلا الذي بين أيدينا(١) . هذا وقد أشار الشيخ سفيان الراشدي إلى الباعث الأساسي على تأليف كتابه وهذه شذرات من عقد جواهر القواعد، وقطرات من بحر الفرائد » : المفيد فقال (١) الراشدي محمد: المرجع نفسه. والفوائد، أجمعها لي ولمن كان مثلي قاصر الباع عن الإطلاع، خامد الهمة عن البحث والتفتيش عن المسائل المهمة، لتكون مذكرة وذخرا ً « في درجات الآخرة(١) . وبهذا الكتاب أسهم هذا العالم المجتهد في تطوير القواعد الفقهية عند الإباضية صياغة وتصنيفا ً وتدوينا ً ، وأضاف لبنة هامة في بناء المدرسة الإباضي ة، ولا شك أنه استفاد من خبرته الطويلة في تعامله مع الفقه الإباضي والمذاهب الفقهية الأخرى، ووظف ذلك في القضاء والإفتاء، والفروع المتكاثرة، فكان كتابه بداية للمجتهد وكفاية للمقتصد. واستطاع سفيان الراشدي بكتابه أن يوجه المجتهدين والباحثين إلى الاهتمام بالقواعد الفقهية لتوظيفها في ضبط الفروع الفقهية المتكاثرة، وما زال ينتظر هؤلاء عمل جبار لاستخراج القواعد الفقهية من التراث الفقهي الإباضي؛ لسد حاجة الفقهاء والمفتين والقضاة الشرعيين في هذا المجال. ولم تظهر بعده كتب أخرى في القواعد الفقهية الإباضية رغم الحاجة الماسة إليها، الل ﱠهم إلا بعض المحاولات المحدودة، وأهمها ما أنجزه شيخنا ُﱠ للثميني، حيث « كتاب النيل وشفاء العليل » عبد الرحمن بكلي أثناء تحقيقه ٰ أضاف إلى كل جزء منه ملحقا ً للقواعد والضوابط الفقهية، استنبطها من مسائل الكتاب، وصاغها بأسلوبه المحكم، فجاءت معظمها مشابهة للقواعد المتعارف بها عند الفقها ء، وأصبحت مرجعا ً هاما ً للمجتهدين والباحثين في الفقه ّ الإباضي، إلا أنه ينقصها الترتيب والتمثيل، والإحالة إلى مظانها في الكتاب، لأبي العباس أحمد بن « القسمة وأصول الأرضين » كما فعل مثله محقق كتاب محمد بن أبي بكر الفرسطائي أستاذنا الشيخ بالحاج بكي ر، ولكنه تميز عن سابقه بالإحالة إلى الصفحات التي توجد فيها تلك القواعد والضوابط الفقهية، مما سهل علينا الرجوع إليها دون عناء يذكر. (١) . الراشدي سفيان بن محمد: المرجع السابق، ص ٣٨ وهكذا استمر العمل والاجتهاد الفقهي عند الإباضية ينمو ويتطور، حتى بلغ مرحلة تقعيد القواعد الفقهية وتوظيفها درجة عالية عند الإباضية المتأخرين، فلم يظهر تطور ملحوظ قبل القرن الرابع عشر، ثم جاء عصر الشيخ عبد العزيز الثمين ي، والشيخ أمحمد بن يوسف أطفي ش، والمحقق سعيد بن خلفان الخليلي والإمام نور الدين السالم ي، وسفيان الراشد ي، فظهرت بوادر التجديد في مجال القواعد الفقهية عند الإباضي ة، إذ جمع السالمي القواعد الفقهية الخمس وأفرد لها مبحثا ،« طلعة الشمس » : الكبرى في كتابه الأصولي ً خاصا ً سماه ّ (خاتمة في قواعد الفقه) أجمل فيه القول ولم يفصله، ومما جاء فيه: ﻻﺇ ﻦـﻴـﻘـﻳ ﻪـﻠـﺜﻣﻪــﻟﻮـﺼـﺣ ﺎـﻣﺃ ﻦـﻴﻘﻴﻟﺍ ﻮـﻬـﻓ ﻻﻪــﻠـﻳﺰﻳ ﺭﺮـﻀﻟﺍﻭ ﻉﻮـﻓﺮـﻣ ﻼـﺑﺪــﻧﺎـﻌﻣ ﺎــﻤـﻧﺇﻭ ﺭﻮـــﻣﻷﺍﺪـﺻﺎـﻘـﻤﻟﺎﺑ ﺫﺇ ﺲـﻴﻟ ﻲﻓ ﻦﻳﺪﻟﺍ ﺏﺍﺬﻋ ﺔـﻣﻷﺍ ﺐـﻠـﺠﻳﻭ ﺮﻴــﺴﻴﺘﻟﺍﺔـﻘــﺸﻤﻟﺎﺑ ﺎﻣ ﺪﻗ ﺕﺮﻛﺫ ﺲﺳﺃ ﻪﻘﻔﻟﺍﻰﻟﻭﻷﺍ ﻰـﻠـﻌﻓ ًﺎـﻤـﻜﺣ ﺓﺩﺎـﻌـﻠﻟ ﻥﺇﻭ ثم شرع في شرح هذه الأبيات شرحا ً موجزا ً مع بعض التمثيل؛ لتوضيح اعلم أن قدماء الفقهاء من أصحابنا (الإباضية » : مدلول تلك القواعد، فقال ( وغيرهم بنو الفقه على خمس قواعد: القاعدة الأولى قولهم: إن اليقين لا يزيله إلا يقين مثل ه، وهو نوع من الاستصحاب المتقدم ذكره؛ لأن بقاء حكم اليقين مستصحب وإن ورد عليه الشك حتى يتيقن انتقاله. ومن فروع هذه القاعدة: إن من تيقن الطهارة وشك في الحدث يأخذ بالطهارة. القاعدة الثانية قولهم: إن الأمور بمقاصده ا، ومن فروع هذه القاعدة: وجوب النية في الطهارة. القاعدة الثالثة قولهم: إن الضرر يزا ل، ومن فروع هذه القاعدة: وجوب رد المغصوب وضمانه بالتلف. القاعدة الرابعة قولهم: إن المشقة تجلب التيسي ر، ومن فروع هذه القاعدة: جواز القصر والجمع والفطر في السفر، وجواز الجمع للمستحاضة والمبطون، وفي وقت الغيم ونحو ذلك. القاعدة الخامسة قولهم: إن العادة محكمة أي: حك ّ مها الشرع، ومن فروع َ هذه القاعدة: بيان أقل الحيض وأكثره، ومسائل التعارف ونحو ذلك(١) . وقد التزم العالم المحقق أبو محمد سعيد بن خلفان الخليلي في كتابه القيم « تمهيد قواعد الإيمان وتقييد شوارد الأحكام والأديان »(٢) العمل بهذه القواعد، فكان في الغالب ما يعلل فتاويه بها، ويخرج عليها الأحكام الفقهية،. وتابعه في هذا النهج الإمام السالم ي، وطبق هذه القواعد في مؤلفاته القيمة، فظهرت جلية ّ وغيرها، فكان اهتمامه بالتقعيد الفقهي « العقد الثمين » و « معارج الآمال » في واضحا ً في جميع مصنفاته. وهذان يمثلان اهتمام الإباضية المشارقة بتطوير القواعد تأصيلا ً وتطبيقا ً ، كما فعل مثلهم فقهاء الإباضية المغارب ة، فبرز في تلك الفترة من القرنين الثالث والرابع عشر الهجريين كل من عبد العزيز الثميني في الورد » و « التكميل لما أخل به النيل » و « النيل وشفاء العليل » كتبه المشهورة كتاب وقام قطب الأئمة الشيخ أمحمد بن يوسف أطفيش بشرح هذه الكتب ،« البسام فكان يعتمد هذه القواعد، « شرح النيل وشفاء العليل » في موسوعته المعتمدة ويستدل بها أحيانا ً إذا أعوزه الدليل ويستأنس بها، ويعلل بها الأحكام، وتجسدت .« كشف الكرب » و « شامل الأصل والفرع » أكثر في كتابيه وهكذا لم تكد تخلو كتب المتأخرين من الإباضية من القواعد الكلية والضوابط الفقهية، كفتاوى الإمام الشيخ بيوض(٣) ، وفتاوى البكري للشيخ (١) .١٩١/ السالمي نور الدين أبو عبد الله بن حميد، طلعة الشمس شرح الألفية، ٢ (٢)يتكو ﱠ ن هذا الكتاب من ١٣ جزء ً ا مطبوع بدون تحقيق وقد حقق أحد الباحثين الع ُ مانيين هذا الكتاب أخيرا ً وصدر في سلطنة عمان. ُ (٣)إبراهيم بن عمر بيوض، (و: ١٣١٣ ه/ ١٨٩٩ م ت: ١٤٠١ ه/ ١٩٨١ م)، رائد النهضة = الإباضية » عبد الرحمن بكل ي، وفتاوى الشيخ أحمد بن حمد الخليل ي، وكتاب ٰ أصول الجمع » لعلي يحيى معم ر، و « دراسة مركزة في أصولهم وتاريخهم للشيخ بالحاج محم د، « وكليات الوفاق بين المذهبين الإباضي والمالكي وغيرهم. ومما تجدر الإشارة إليه أن أغلب المصادر الإباضية تتضمن القواعد والضوابط، إما تصريحا ً وإما تلميحا ً ، تستنتج من السياق من خلال إشارات ضمنية، ويمكن كذلك استخراجها من المسائل التطبيقية للقاعدة بمعنى رد ّ الفروع إلى أصولها، لأن الفقه الإباضي يغلب عليه الجانب العملي، ولم يكن أكثر فقهائهم يهتمون بالجانب التنظيري، والتأصيلي، وهذا ما يفسر ندرة المصنفات في القواعد الفقهية. مجمل القول: من خلال هذا العرض الوجيز لمراحل تكوين القواعد الفقهية وتطورها عند الإباضي ة، وما وصل إلينا من الأحاديث والآثار والأقوال في معنى القواعد، وتمكنا من الاطلاع عليه، يمكن أن نخلص إلى الأمور التالية: ١ وجد َ ت ْ القواعد الفقهية ورسخت فكرتها عند الإباضية في غضون هذه ُ المراحل كلها، قبل أن تعرف تلك العبارات البليغة الموجزة، باعتبارها .« العلم » قواعد وتصطبغ بصبغة = الإصلاحية بالجنوب الجزائري. تعل ﱠ م على يد مشايخ منهم: الحاج إبراهيم البريكي، وأبو العلا عبد الله، والشيخ الحاج عمر بن يحيى. أسس معهد الحياة سنة ١٩٢٥ م، ﱠ ساهم بقلمه في مقاومة الاستعمار. من أعماله: تفسيره للقرآن الكريم كاملا ً في دروس مسجدية، وحرر جزء منه الأستاذ عيسى الشيخ بالحاج؛ فتاوى فقهية، جمعها الأستاذ الشيخ بالحاج بكير؛ مقالات في مختلف الجرائد والمجلات؛ مذك ﱢ راته الخاصة، مثل: .٢١/١ ، أعمالي في الثورة؛... إلخ. معجم أعلام الإباضية، (قسم المغرب)، ترجمة: ٣٣ .( (ص ١٣٩ ٢ وإذا أردنا أن نرسم صورة واضحة لتطور حركة التأليف في مجال القواعد الفقهية عند الإباضي ة، فإن علينا أولا ً أن نعتمد على مثل تلك النصوص ّ المبعثرة هنا وهناك؛ فهي مصدر الانطلاق لنا في هذا الباب. ٣ لقد جرى على ألسنة المتقدمين من الإباضية من القواعد ما يضارع القواعد المتداولة في القرون المتأخرة إلا أنها ينقصها بعض الصقل والضبط في الصياغة. ٤ يظهر أن تلك الآثار والأقوال المأثورة، والفروع الكثيرة المنقولة عن الإباضية المتقدمين كانت حافزا ً للمتأخرين على استنباط القواعد، وجمعها وتدوينها، والتقدم في هذا الاتجاه، ولا أدل على ذلك ما فعله كتاب » سفيان الراشدي في جواهره، والمحقق البكري في تعليقاته على .« النيل٥ ومن خلال تتبع المصادر الفقهية الإباضية يمكن القول بناء على النصوص المأثورة، إنه قامت عندهم اللبنة الأولى للقواعد الفقهية في غضون القرون الثلاثة الأولى، حيث شاع فيها استعمال تلك القواعد، وتبلورت فكرتها في أذهانهم، وإن لم يتسع نطاقها، ولم تدون في مصنفاتهم، لعدم ّ الحاجة إليها كثيرا ً في تلك العصور، ولأن اهتمام فقهاء الإباضية كان منصبا ً على استنباط الأحكام الفقهية من النصوص الشرعية للحوادث ّ والنوازل المستجدة، وبعد أن تجمعت لديهم ثروة فقهية هائلة بدأ بعض الفقهاء يتجه نحو جمع تلك الأحكام الجزئية في قواعد عامة، ليسهل استيعابها واستحضارها، وهذا ما لاحظناه في القرن الرابع الهجري وما تلاه، وظهر ذلك جليا ً عند ابن بركة البهلوي وأبي يعقوب الوارجلاني ّ وأبي ساكن الشماخي . ٦ وقد لاحظنا من خلال عبارات فقهاء الإباضية أنهم كانوا يصيغون القواعد ومن » و « كل » : الفقهية بالعبارات والصيغ الدالة على العموم، مثل « وكان َْ ً ، منذ عهد جابر بن زيد الأزدي مؤسس ظهورها من مصنفاتهم مبكرا المذهب ومن جاء بعده، وتزامنا ً مع نمو القواعد تطورت صياغة القواعد الفقهية عند الإباضية حتى بلغت مرحلة الرسوخ والنضج والتميز ّ عند المتأخرين منهم. ٧ أما بداية تصنيف الإباضية للقواعد الفقهية باعتبارها فن ّا ً مستقلا ّ ً ، يبدو أنها تأخرت كثيرا إلى عصر النهضة الحديثة، فلم نعثر في القرون المتقدمة لابن بركة البهلوي « التعارف » على كتاب في هذا الفن إلا رسالة (ت: ٣٧٢ ه) تضمنت قاعدة العرف والعادة وعلاقتها بالقاعدة الكلية « كتاب جواهر القواعد في بحر الفرائد » ثم ظهر ،« اليقين لا يزول بالش ك »لأبي سفيان الراشدي (و: ١٣٣١ ه/ت: ١٣٧٧ ه). k ÉãdÉK :á°ü°üîàªdG äÉ°SGQódG á∏Môe : ومع انتشار الجامعات والكليات الإسلامية في السنوات الأخيرة، ظهرت بوادر اهتمام الإباضية بجمع القواعد الفقهية وتصنيفها في مؤلفات مستقلة، وتوجه بعض الباحثين نحو الدراسات المتخصصة في المذهب الإباضي ّ عقيدة، وأصولا ً ، وفقها ً ، وحضارة، وذلك لإخراج تراثه المغمور وإنقاذه من الضياع، وإبراز مكانته ودوره في الحفاظ على الشخصية الإسلامية الأصيلة، فبرزت دراسات متخصصة في الفقه الإباضي وأصوله، اهتمت باستخراج القواعد الفقهية من بعض المصنفات الفقهية القديمة، مثل: القواعد الفقهية عند ابن بركة البهلوي لخلفان الحارث ي، والقواعد الفقهية عند أبي سعيد لمصطفى باج و، والقواعد الفقهية عند « المعتبر » الكدمي من خلال كتابه لمنى الكندي ة، ومعجم القواعد ،« قواعد الإسلام » الجيطالي من خلال كتابه الفقهية الإباضية لمحمود هرمو ش، والقواعد الفقهية عند الإباضية تنظيرا ً وتطبيقا ً لهلال بن محمد الراشد ي، وغيرها من الدراسات الحديثة، ولعل هذه الدراسة التي نحن بصددها تندرج في هذا الإطار، وهي من أوسعها وأعمقها، لأنها سوف تساهم في الكشف عن قواعد جديدة لم يسبق إليها، وتضيف لبنة في بناء هذا الصرح الأصيل. ولا ريب أن جهود الباحثين لا تقف عند هذا الحد، وما زال العمل في هذا المجال ناقصا ً ، لأن معظم التراث الفقهي الإباضي ما زال دفينا في الخزانات، وأغلبه مخطوطا ً ينتظر من ينقذه من دائرة الضياع والنسيان. وسيأتي من يتابع هذه المسيرة المباركة، ويستخرج القواعد والضوابط الفقهية من هذا التراث المغمور، ويدرسها دراسة علمية تأصيلية، ويقدمها للقراء في أسلوب يتلاءم مع العصر؛ ليطلع الدارسون على جهود الإباضية في تقعيد القواعد الفقهية. وينتظر الباحثين عمل ٌ مضني لاستخراج القواعد والضوابط الفقهية من ﱞ المصادر الإباضي ة، وترتيبها وتصنيفها في مجموعات يضمها موضوع واحد، مثل: قواعد المقاصد، وقواعد رفع الحرج والمشقة، وقواعد التيسير والضرورة، وقواعد الضرر والضمان، وقواعد العادة والعرف وقواعد الملكية، وغيرها. والمأمول أن يتحقق هذا المشروع، وتتكامل هذه الجهود، وت ُ جمع كل القواعد المستخرجة من الفروع الفقهية الإباضية لتضمها موسوعة شاملة، موسوعة القواعد والضوابط الفقهية عند الإباضية » ويطلق عليها .« التراث الفقهي المتضمن للقواعد الفقهية عند الإباضية أشرنا فيما تقدم إلى أن التراث الفقهي الإباضي يزخر بالقواعد الفقهية، معظمها مقترنة بالفروع الفقهية؛ لأن الفقهاء كانوا يستأنسون بها في تقرير الأحكام وتعليلها، ولذلك فليس من السهل لمن لا يملك ملكة فقهية ودراية بالقواعد الفقهية أن يتعرف عليها ويستخرجها، وربما يزداد الأمر تعقيدا ً إذا ذكرت الفروع الفقهية خالية من القواعد، رغم أن أحكامها تخرجت على قواعد فقهية، فهنا يحتاج الفقيه والباحث في مجال الفقه والأصول أن يرد ّ كل فرع إلى قاعدته، ويجمع تلك الجزئيات تحت قاعدة كلية أو ضابط فقهي، ِ ولصعوبة ذلك قصرت همم الفقهاء وانشغلوا بذلك في تخريج الفروع على الأصول، وحتى يكتمل العمل فلا بد من الاهتمام بالتنظير الفقهي، وصياغة قواعد جديدة من الفروع المتكاثرة. ورغم كل هذا فقد اهتم بعض فقهاء الإباضية بالتنظير الفقهي إلى جانب الاجتهاد في استنباط الأحكام الفقهية للوقائع الجديدة من الأدلة الإجمالية والتفصيلية، وتخريج الفروع على القواعد الفقهية، ونظرا ً إلى أن هذه الدراسة تنحصر في إطار إبراز القواعد الفقهية المعتمدة عند الإباضي ة، فإنني سأقتصر هنا على ذكر بعضها كما وردت في المصنفات الإباضية دون شرح أو تحليل. ولأجل عدم اهتمام الإباضية بتصنيف القواعد الفقهية في مؤلفات مستقلة، فإننا سنعتمد في إبراز اهتمامهم بالقواعد الفقهية على عرض أهم الكتب التي ذكرت القواعد الفقهية، إلى جانب الاجتهاد الفقهي، وأغلبها نجدها متناثرة في هذه الكتب مع الفروع الفقهية، نذكر منها ما يلي حسب التسلسل التاريخي: :ácôH øH’ ™eÉédG `` 1 من كتاب الجامع: لأبي محمد عبد الله بن محمد بن بركة البهلوي (ت: ما بين ٣٤٢ - ٣٥٥ ه) نجد صياغة واضحة تتبلور فيها معاني القواعد الكلية والضوابط الفقهية ومنها: ﻦﻣ» ﺢﺒﺻﺃ ﻪﺘﺑﺎﻨﺠﺑ ﻮﻫﻭ ﻢﺋﺎﺻ ﻦﻣ ﺮﻴﻏ ﺪﻤﻋ ﺎﻫﺮﻴﺧﺄﺘﺑ ﻥﺎﻛ ﻪﻴﻠﻋ ﺀﺎﻀﻗ«ﻪﻣﻮﻳ (١) . • ﻦـﻣﻭ» ﻦـﻘﻴﺗ ﺎﺛﺪﺣ ﻢﺛ ،ﻚـﺷ ﻞﻫ ﺮﻬﻄﺗ ﻡﺃ ﻢﻟ ؟ﺮـﻬﻄﺘﻳ ﻥﺎﻛ ﻰﻠﻋ ،ﻪﺛﺪﺣ ﻦﻣﻭ • ﻦﻘﻴﺗ ﺓﺭﺎﻬﻃ ﻢﺛ ﻚﺷ ﻢﻠﻓ ﺭﺪﻳ ﺙﺪﺣﺃ ﻡﺃ ﻢﻟ ،ﺙﺪﺤﻳ ﻮﻬﻓ ﻰﻠﻋ ،ﻪﺗﺭﺎﻬﻃ ﻞﻴﻟﺪﻟﺍ ﻰـﻠﻋ ﻚـﻟﺫ ﻥﺃ ﻦـﻘﻴﺘﻟﺍﻻ ﻊﻔﺗﺮﻳ ؛ﻚـﺸﻟﺎﺑ ﻪﻧﻷ ﻦﻘﻴﺗ ،ﻢﻠﻌﺑ ﺎﻣﻭ ﻚـﺷ ﻪﻴﻓ ﺮﻴﻏ ،ﻡﻮﻠﻌﻣ ﻡﻮﻠﻌﻤﻟﺍﻭﻻ ﻊﻔﺗﺮﻳ ﺮﻴﻐﺑ«ﻡﻮﻠﻌﻣ (٢) . • • اليقين لا يزول بالشك » : وفي موضع آخر أشار إلى معنى قاعدة « بقوله: كل ما كان على يقين من تمام طهارته ثم شك في فسادها لم تجب عليه »إعادتها، وكذلك من تيقن أنه قد أحدث ثم شك أنه قد تطهر فشكه غير « مزيل لتيقنه(٣) . كل دم عرق فهو نجس بسن » ﱠ ة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما قام دليله(٤) «(٥) . ُ (١) ابن بركة: الجامع، تحقيق عيسى يحيى الباروني، (د. ت) نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة ع ُ .٣٢١/ مان، ١(٢) .٣٢٢/ ابن بركة: الجامع، ١(٣) .٢٥٨/ المصدر نفسه، ١(٤) هذا الضابط مستنبط من حديث النبي صلى الله عليه وسلم : « دم الاستحاضة نجس لأنه دم عرق ينقض الوضوء » ٦٩ . وأخرج أبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم /١ ( أخرجه الربيع في مسنده، ( ١٥٠ حديثا ً فقالت إني أستحاض، فقال: » فيه إنما ذلك دم عرق فاغتسلي ثم صلي « .٣٨٠/١ (٧٤٩)(٥) .٤١٩/ ابن بركة: الجامع، ١ • ألا ترى إلى قول رسول الله » صلى الله عليه وسلم : « الإمام ضامن »(١) . وهذا الحكم ينطبق « على كل إمام في حال ممارسته للإمامة(٢) . • إذا زالت الضرورة قبل تمام الصلاة أعادها لاستحالة وجود الضرورة » « والقدرة(٣) . (٥) • كل ما صلح أن يكون طهورا » ً منها صلح أن يكون مسجدا ً « للمصلى عليها(٤) .. • من ترك الصلاة من طريق الاستحلال كان مرتد » ّ ا ً بذلك يقتل إن لم يتب « باتفاق(٦) . (١) ٥٥٩ . وابن خزيمة في /٤ ( الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه باب الأذان ( ١٦٧١ ١٥ . والنسائي في السنن الصغرى كتاب /٣ ( صحيحه كتاب الإمامة في الصلاة ( ١٥٢٨ ١٤٣ . وابن ماجه /١ ،( ٣٢٥ ، وأبو داود في سننه في كتاب الصلاة) ٥١٧ /١ ،( الصلاة ( ٥٦٠ ٢١٤ . والبيهقي في السنن الكبرى في جماع أبواب الأذان، /١ ( في كتاب إقامة الصلاة ( ٩٨١ ٤٣٨ . والطبراني في المعجم الصغير، /٢ ( ٤٢٥ . والحميدي في المسند ( ٩٩٩ /١ (١٨٤٧).٢٥١/ ٢٨٦ ، والأوسط ٨ / ٦٩ ، والكبير ٨ /٢ (٢) .٤٥٨/ ابن بركة: الجامع، ١ (٣) ضابط فقهي في باب الصلاة، ومن الضرورات التي ذكرها ابن بركة: صلاة المتوضيء خلف المتيمم من الجنابة، وصلاة الطاهر من النساء خلف المستحاضة، وصلاة المتوضئ خلف .٤٥٩/ سلس البول. ينظر: ابن بركة: المصدر نفسه، ١ (٤) هذا الضابط مستنبط من حديث: جعلت لي الأرض مسجدا » ً وترابها طهورا ً« . أخرجه الربيع بن ١٠٨ . والطيالسي في مسنده /١ ( ٧٥ ، ورقم ( ٢٥٥ /١ ( حبيب الفراهيدي في مسنده رقم ( ١٦٧ ٥٦ . بهذا اللفظ وأخرجت أكثر كتب الحديث جزء /١ ( رقم ( ٤١٨ ً ا منه بلفظ: وجعلت لي » الأرض مسجدا ً وطهورا ً «... ( أخرجه البخاري في صحيحه في أبواب المساجد رقم ( ٤٢٧ ٤٦٠ . وأبو نعيم في /٢ ( ١٦٨ . والحاكم في المستدرك في كتاب التفسير رقم ( ٣٥٨٧ /١ ،( ١٢٥ . وابن حبان في صحيحه باب المعجزات رقم ( ٦٣٩٨ /٢ ( المسند المستخرج ( ١١٥١ ٢٤٢ . والهيثمي في مسند الحارث /١ ،( ٣٠٨ . والشافعي في السنن المأثورة رقم ( ١٨٥ /١٤ .١٣١/٢ ،( ٨٧٦ . والترمذي في السنن كتاب أبواب الصلاة رقم ( ٣١٧ /٢ ،( رقم ( ٩٤٢ .٢١٠/١ ( والنسائي في المجتبى كتاب الغسل والتيمم رقم ( ٤٣٢ (٥) .٤٥٩/ ابن بركة: الجامع، ١ (٦) .٥٠١/ ابن بركة: المصدر نفسه، ١ • « كل من استحق اسم آكل فصومه باطل »(١) . • فساد بعض الفرض فساد لجميعه » « (٢) . • العادة محك » : ويشير إلى قاعدة ّ فيرى أنه ن ،« م ة ُ قل الإجماع على قبول الهدية وانتقالها إلى ملك من أهديت بواسطة رسول، وربما كان صبيا ً ، فزوال ّ ملكها من صاحبها المتيقن حصل بما يسكن إليه القلب، وجرت به العادة(٣) . • وكذلك الرجل يتزوج المرأة من وليها وهو غير عارف بها، ثم تسلم إليه المرأة على أنها زوجته، وليس إلا سكون القلب والعادة الجارية، ويحكم على الغائب بالموت بعد مضي مائة وعشرين سنة بموجب العرف والعادة الجارية أنه لا يعيش أكثر من هذا القدر، وليس مرورها يوجب موته بيقين(٤) . • وفي السياق نفسه يقرر أن كثيرا ً من الأمور التي لم ينص الشارع بحكمها مرد ّ ولعل جميع ما تعبد الله به عباده من » : ها إلى العرف والعادة، فيقول طريق الشريعة ما أخذ عليهم أن يخرجوا منه بما هو يقين عندهم، يستدلون « على معرفته بالعادة الجارية والأحوال الظاهرة، لا يعلم حقيقته(٥) . • الأمور بمقاصدها » ويشير إلى القاعد الكلية المشهورة « ويعبر عليها ّ الله » : بصيغ متنوعة فيقول 8 « لا يقبل الطاعة ممن أطاعه إلا بالنية(٦) . «(٧) إذا لم يعمل ما أمر به بقصد واختيار لم يسم مطيعا » ً . كل فعل أوجبه » « الله على أحد من عباده فليس بمؤد له من لم يقصده إلى أداء فرضه(٨) . (١) .٩/ المصدر نفسه، ٢(٢) .١٤/ نفسه: ٢(٣) . ابن بركة: كتاب التعارف، ص ١٦(٤) .٣٩ ، ابن بركة: المصدر نفسه. ١٩(٥) . المصدر نفسه، ص ٧(٦) .٢٥٦/ ابن بركة: الجامع، ١(٧) .٢٦٦/ ابن بركة: المصدر نفسه، ١(٨) .٢٥٦/ المصدر نفسه، ١ يصير الفعل طاعة أو معصية إذا أضيفت له النية » « (١) . ويقول في باب والذي نختاره نحن أنه لا يكون متطهرا » : الطهارات ً لوضوء الصلاة أو لغسل الجنابة إلا بنية وقصد؛ لأن الوضوء فريضة لا تؤدى إلا بالإرادات « وصحة العزائم(٢) . :»eóμdG ó«©°S »HC’ ôÑ੪dG `` 2 من كتاب المعتبر لأبي سعيد الكدمي (عاش في القرن الرابع الهجري) نجده يتناول مفهوم القواعد في تطبيقاته الفقهية، ويظهر فيها الحس الفقهي التقعيدي في هذا الكتاب وغيره؛ لما تضمنته تحليلاته من مسحة تأصيلية للأحكام، إما بالرجوع إلى أدلتها النصية أو إلى قواعدها الفقهية، يوردها بنصها أحيانا ً وبمعناها غالبا ً ، ولا بأس بذكر بعضها: ﻲـﻔﻓ ﺪﻳﺪﺤﺗ ﺔﻴﻧ ﻝﺎـﺴﺘﻏﻻﺍ ،ﺔـﺑﺎﻨﺠﻠﻟ ﻮﻫﻭ ﺮﻣﺃ ﻱﺭﻭﺮـﺿ ﻪﺋﺍﺰﺟﻹ ﺔﺤﺻﻭ • ﺓﻼـﺻ ،ﻪـﺒﺣﺎﺻ ﻦﻤﻓ ﻪﺘﺑﺎﺻﺃ ﺔـﺑﺎﻨﺟ ﻞﻴﻠﻟﺎﺑ ﻢﻟﻭ ﻢﻠـﻌﻳ ﺎـﻬـﺑ ﻰﺘﺣ ،ﺢﺒﺻﺃ ﺩﺍﺭﺃ ﻥﺃ ﺩﺮﺒﺘﻳ ،ﻪﺑ ﻭﺃ ﺮﻴﻏ ﻚﻟﺫ ﻦﻣ ﺏﺎﺒـﺳﺃ ،ﻯﺮﺧﺃ ﺮ ﻡﺎﻘﻓ ﻞـﺴﺘﻏﺎﻓ ﻦﻣﺣَﱟ ﻚﻟﺬﺑ ﻞـﺴﻐﻟﺍ ﻦﻣ ،ﺔﺑﺎﻨﺠﻟﺍ ﻢﻟﻭ ﻢﻠﻌﻳ ﺎﻬﺑ ﻰﺘﺣ ،ﻞـﺴﺘﻏﺍ ﻢﺛ ﻰﻠﺻ ِ ﻢﻟﻭﻮﻨﻳ ﺓﻼـﺻ ،ﺮـﺠﻔﻟﺍ ﺎـﻤﻠﻓ ﻥﺎﻛ ﺭﺎـﻬﻨﻟﺍ ﻢﻠﻋ ،ﺎﻬﺑ ﺍﺬـﻬﻓﻻ ﻪﺋﺰﺠﻳ ﻪﻠـﺴﻏ ،ﻝﻭﻷﺍ ﻪـﻴﻠﻋﻭ ﺓﺩﺎﻋﺇ ﻞـﺴﻐﻟﺍ ﺔﻴﻨﻟﺎﺑ ،ﺔﺑﺎﻨﺠﻠﻟ ﺓﺩﺎﻋﺇﻭ ؛ﺓﻼـﺼﻟﺍ ﻪﻧﻷﻻ ﺢﻠﺼﻳ ﻚﻟﺫ . ﻻﺇﺔﻴﻨﻟﺎﺑ (٣) ﻕﺪﺼﺗ ﺔـﺴﻤﺨﺑ ﻢﻫﺍﺭﺩ ﻰﻠﻋ ،ﺀﺍﺮﻘﻔﻟﺍ ﻢﺛ ً ﻝﻮﻘﻳﻭ ﻲﻓ ﺏﺎﺑ ﺓﺎﻛﺰﻟﺍ ﻮﻟ» ﻥﺃﻼﺟﺭ • ﺮﻈﻧ ﺍﺫﺈﻓ ﻪﻟ ﺎﺘﺋﺎﻣ ﻢﻫﺭﺩ ﺪﻗ ﺖﻟﺎﺣ ﻮﺣ ، ﻢﻟ ﻦﻜﻳ ﻚﻟﺫ ﻪﺋﺰﺠﻳ ﻦﻋ«ﺓﺎﻛﺰﻟﺍ(٤) ؛ًﻻْ (١) .١٦٤/ نفسه: ١(٢) .٢٥٥/ نفسه: ١(٣) .٥٥/ الكدمي: المعتبر، ٤(٤) .٥٦/ الكدمي: المعتبر، ٤ لعدم توفر القصد إلى أداء هذه الفريضة، رغم حصول مؤداها من إخراج قيمة الزكاة المفروضة(١) . • اليقين لا يزول بالشك » واعتمد على القاعدة الكبرى « في باب الطهارات، من وجد بللا » : وما يعرض للمرء من شكوك ووساوس فقال ً في ذكره أو انتشارا ً فظن أنه قد أفسد ثوبه، وكان إذا عناه ذلك فنظر وجد شيئا ً قد خرج، وربما نظر فلم ير شيئا ً ، فعناه ذلك فلم يعلم أخ َ رج منه شيء هذه المرة أو لم يخرج منه، فلا بأس حتى يعلم أنه خرج عليه هذه المرة ما قد أفسد عليه ذلك؛ لأننا نبني في هذه الأمور على اليقين، فإذا نظر ولم ير شيئا ً ، أو لم « يخرج منه شيء، فلا يعتد بالشك في ذلك(٢) . • وفي باب الحقوق؛ إذا علم أنه قد وجب عليه شيء من حقوق العباد وأشباهها، ثم لم يعلم بعد ذلك هل قام بأدائها أو لم يقم بذلك، فحكمه وجوب أدائها لثبوت هذا الحكم في حقه، ولم يكن قد خرج منه بيقين واطمئنان، وكذلك الحج والزكاة من حقوق الله(٣) . • لا ضرر ولا ضرا ر، والضرر يزال » : واعتمد كذلك على قاعدة « وصرح بها في كتابه، فذكر الاختلاف في الأكل من الرجس المحرم، أو من الحلال المملوك للغير عند الضرورة لتنجية النفس من الهلاك، ورجح الأول؛ لأنه لا ضمان فيه، والإثم مرفوع عن صاحبه، بخلاف أكل أموال (١) باجو مصطفى: القواعد الفقهية عند الإمام أبي سعيد الكدمي من خلال كتابه المعتبر، بحث طبع ضمن بحوث ندوة تطور العلوم الفقهية في عمان خلال القرن الرابع الهجري، القواعد ُ الشرعية أنموذجا ً ، نشر في كتاب القواعد الفقهية بين التأصيل والتطبيق، تنسيق ومراجعة مصطفى باجو، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان، ط ٢٠٠٥ ، مطابع النهضة، ُ روي سلطنة عمان. ُ (٢) .١١٣/ الكدمي: المعتبر، ٣(٣) .٧٩/ الكدمي: المصدر نفسه، ٤ الناس ففيه الضمان. ثم زاد توضيح القول الثاني الذي قضى أن ليس لهذا المضطر أن يأكل الرجس المحرم عندما يجد الطاهر الحلال، لأنه لو وجد أرباب الأموال فباعوا له من أموالهم ما يحيي به نفسه ويتعوض ّ به من الضرورة بعدل السعر، أو أكثر من عدل السعر لم يكن له أن يأكل من المحرمات الرجس، وكان عليه أن يشتري بقدر ما يحيي به نفسه، ولا يثبت عليه في حال الضرورة إلا عدل السعر، ولو اشتط عليه البائع فباعه بأكثر من عدل السعر كان ذلك مردودا إلى عدل السعر، لأن الاحتكار حرام، والمحتكر ملعون، والاحتكار داخل في الضرر، والقاعدة أن لا ضرر ولا ضرار(١) . • وقد أخذ أيضا ً العادة محكمة » بالقاعدة الكلية « وخر ّ ج عليها فروعا ً لم ﱠ ا وقد يخرج في معنى الاطمئنان » : أعوزه الدليل، فيقول في هذا الصدد والتعارف وما تجري به العادات ما يشبه معنى الحكم الثابت في الأصول، فتصبح بذلك العادات والتعارف في معنى ما يثبت الأحكام ِ « الثابتة(٢) . ومثل ذلك: رجل وامرأة ثبت بينهما معاشرة ومساكنة، وكان بينهما ما يشبه التزويج والصلة القائمة بين الزوجين، وكلاهما موقن أنه لا يقيم مثل تلك العلاقة إلا مع زوج شرعي، فعارض الرجل شك في حكم هذه الزوجية، ولم يعلم كيف كان التزويج، ولا من أي وجه تم ّّ ذلك، ولا من زوجه، وربما قام له عارض وشك بأن تلك المرأة أخته ّ من الرضاع، أو أمه من الرضاع، أو من سائر ذوات محارمه، بسبب رحم أو نسب أو صهر، فهذا الشك لا يلتفت إليه ويجري التعارف المعهود في معنى الأصل من كونها زوجته، ولا يستريب في ذلك، فكان حكم الأغلب والتعارف والاطمئنان فيما تجري به أمور عامة » (١) .١٠٤/ المصدر نفسه، ٣ (٢) .٨٣/ نفسه: ٤ النا س؛ ذلك لأن هذا هو الأغلب والجائز والمعمول به دون ثبوت الأحكام عليهم في هذا، وكذلك ما أشبهه ونزل بمنزلته من جميع الأحكام والحقوق من الأموال التي في يده إذا نصب نفسه إلى معرفتها ِّ «...؟ من أين اكتسبها وأصابها بعد أن لم تكن في يده(١) . :»Nɪ°ûdG ôeÉ©d ìÉ°†jE’G `` 3 ومن كتاب الإيضاح: لأبي ساكن عامر بن علي الشماخي (ت: ٧٩٢ ه) نجد سمات القواعد الكلية والضوابط ظاهرة ومتصلة بالفروع نذكر منها: • إذا وردت الس » ﱡ ن ﱠ « ة في ترك الفريضة في حالة، فالمباحات أولى بالترك(٢) . • العقوبة لا تكون إلا على ترك الفريضة » « (٣) . • الأحكام تعلل بالأغراض » « (٤) . • « لا يرفع الشك ما ثبت بالدليل الشرعي »(٥) لا يرفع الشك » ، وفي معناها « ما ثبت باليقين(٦) اليقين لا يزيله إلا اليقين » ، وبصيغة أدق « (٧) . • • العذر يظهر من أمر الشرع أن » ّ له تأثيرا ً « في التخفيف(٨) . كل حي طاهر العين، وكل طاهر العين طاهر سؤره » « (٩) . (١) .٨٤ - ٨٣/ الكدمي: المعتبر، ٤(٢) .٨/ الشماخي عامر: الإيضاح، ١(٣) .٩/ الشماخي: المصدر نفسه، ١(٤) .١٢/ الشماخي: نفسه، ١(٥) .١٣/ الشماخي: المصدر نفسه، ١(٦) .٣١١/ نفسه: ١(٧) .١٠٦/ نفسه: ٤(٨) .٨٨/ الشماخي: نفسه، ١(٩) .١٠٢/ الشماخي: نفسه، ١ • الحكم على الأغلب » « (١) . • كل ما أبيح لأجل الضرر أنه يرتفع تحليله بارتفاع الضرر » « (٢) . • الأبدال ترتفع بوجود المبدل منه » « (٣) . • ما خرج عن العادة، فحكمه حكم الأصل الذي تجري به العادة » « (٤) . • « الضرر لا يحل »(٥) . • دفع البدل يزيل الضمان » « (٦) . • ما لا يتم الفعل إلا به فهو مثله » « (٧) . كل ما لا يمتثل الأمر إلا به » وفي معناه فهو مأمور به « (٨) . البينة على المدعي واليمين على من أنكر » « (٩) .• .• « الصغير والمجنون لا حيازة لهم ولا قبول »(١٠) يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع » « (١١) .• الأمين لا تلحقه التهمة ولا يمين المضرة » « (١٢) .• (١) .٣١٦ ،٢٠٣/ نفسه: ١(٢) .٣٠٩/ نفسه: ١(٣) .٣١٠/ نفسه: ١(٤) .١٧/ نفسه: ٢(٥) .٢١٠/ نفسه: ٣(٦) .٢٠٥/ نفسه: ٣(٧) .٢١/ نفسه: ٤(٨) .٣٧/ نفسه: ١(٩) .٣٢/ نفسه: ٤(١٠) .٥٥/ نفسه: ٤(١١) .١٨٧/ المصدر نفسه: الحاشية على الإيضاح لأبي ستة، ٤(١٢) .٢٧٩/ الحاشية على الإيضاح: ٤ :»FÉ£°SôØdG ¢SÉÑ©dG »HC’ AÉeódG »a Iô«°ùdGh ,ø«°VQC’G ∫ƒ°UCGh ᪰ù≤dG `` 4 في كتاب القسمة وأصول الأرضين، وكتاب السيرة في الدماء لأبي العباس أحمد بن محمد الفرسطائي ( ٥٠٤ ه) نجد فقهه ممتزجا ً بالقواعد أو خر ّ ج فقهه عليها دون التصريح بها، بل نلمحها من سياق عبارته من ذلك: • « السابق إلى المشاع أولى من غيره »(١) . • « خليفة الطفل والمجنون بمقامهما في قسمة مالهما مع الشركاء »(٢) . • إقرار الأب على ابنه الطفل (غير البالغ) جائز، أما إقراره على ابنه »« البالغ فلا يجوز(٣) . • • • • • كل جواز (أي: مرور في أرض) لا يدعي به إثبات الطريق، ولم يمنعه »« صاحب الأرض، ولم يكن في سلوكه فيها مضرة، فجائز له الجواز فيها(٤) . « الخطأ في الأموال لا يزيل الضمان »(٥) . كل ما يصل الشركاء إلى منعه من المضار يتجابرون عليه، وما »« لا يصلون إلى دفعه فلا يتجابرون عليه(٦) . « الأصل في الأشياء إبقاء ما كان ولا تغيير إلا لسبب مشروع »(٧) . « القول قول من دعا إلى ما كانت عليه العادة »(٨) . (١) أبو العباس أحمد بن محمد الفرسطائي: كتاب القسمة وأصول الأرضين، كتاب في فقه العمارة، تحقيق بكير بن محمد الشيخ بالحاج، ومحمد صلح ناصر، ط ٢ نشر جمعية التراث . القرارة الجزائر، ١٤١٨ ه/ ١٩٩٧ م. ص ٧٣ (٢) . أبو العباس أحمد: القسمة، ص ٧٤(٣) . أبو العباس: المصدر نفسه، ص ٢٤٨(٤) . المصدر نفسه: ص ١٢٩ (٥) .٣١٢ - نفسه: ص ٣١١(٦) . أبو العباس: القسمة، ص ٢٧١(٧) المصدر نفسه، ص ٢٥٥ وغيرها. (٨) ٣٠٧ وغيرهما. ، نفسه: ص ٢٧٢ :»dÉ£«é∏d ΩÓ°SE’G óYGƒb `` 5 في كتاب قواعد الإسلام، لأبي طاهر إسماعيل الجيطالي (ت: ٧٥٠ ه) نجده يستخدم ألفاظا ً وعبارات تدل على ما يفيد معنى القواعد أو الضوابط وقد أطلق العلماء على هذا النوع من ،« كل » الفقهية، كاستخدام لفظ مصطلح الكليات الفقهية. وكثيرا « كل » القواعد أو الضوابط المبتدئة بلفظ ً نذكر « قواعد الإسلام » ما نعثر على مثل هذا النوع من الكليات في كتاب منها على سبيل التمثيل: • « كل ما تجب منه الفدية لا يجوز استصحابه وهو محرم »(١) . « س(٢) • كل محر » ّ م الأكل فهو في معنى الخ َم ْ . • كل ما كان من غرس الإنسان فلا شيء فيه، وكل ما كان نباتا » ً من ِ « قبل الله ففيه الجزاء(٣) . • كل من فاته الحج بخطأ من العدد في الأيام، أو لخفاء الهلال عليه، »أو غير ذلك من الأعذار؛ فحكمه عند العلماء حكم المحصر بمرض « (٤) . ووردت في كتاب الجيطالي قواعد أخرى متنوعة هي نصوص شرعية أو مستنبطة من القرآن، أو السن ﱠ ة، أو الإجماع، أو القياس، أو من أقوال ﱡ الصحابة والتابعي ن، نذكر منها: (١) الجيطالي إسماعيل، قواعد الإسلام، تحقيق عبد الرحمن ٰ .١٤٦/ بكلي بن عمر، ٢ (٢) ١٨١ . يشير إلى اتفاق العلماء في هذه المسألة استنادا / الجيطالي: المصدر نفسه، ٢ ً إلى ِ النص النبوي قال الجيطالي: وأجمع العلماء على أن صيد البر على المحرم حرام إلا ﱠ الخ َ مس الفواسق التي استثناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خمس من الدواب ليس على المحرم » « في قتلهن جناح: الغراب والكلب العقور والحدأة والعقرب والفأرة . (٣) .١٨٢/ المصدر نفسه، ٢(٤) .١٨٨/ نفسه: ٢ • النصوص التي اعتمد عليها الجيطالي في قواعده في تعليل الأحكام الفقهية ومعظمها من السن ﱠ ة، قوله صلى الله عليه وسلم : دباغ الأديم » ﱡ « طهارته(٢)(١) . (٤) • التيمم طهور المسلم ولو إلى عشر سنين ما لم يجد الماء » « (٣) .. (٦) • إذا التقى الختان وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل » « (٥) .. (١) الحديث أخرجه النسائي في السنن الصغرى بلفظ « دباغ الأديم ذكاته » ، وفي رواية أخرى: « دباغها طهورها » ، وبلفظ: « طهور كل أديم دباغه » ١٦٢ . وأخرجه البيهقي /١ (٢١٢) ،(٢١١) ، بلفظ: « طهور كل إهاب دباغه » .٢١/١ ( وقال رواته كلهم ثقاة، البيهقي، السنن الكبرى ( ٦٩ كما أخرجه أيضا ً بلفظ: « دباغ الأديم ذكاته » . وقال: وفي قصة الحديث دلالة على أن المراد ١٦ .. وأخرجه /١ ( بالذكاة طهارته ( ٥٠الدارقطني في سننه بلفظ « دباغ كل إهاب طهوره » ٤٦ . وبلفظ /١ (١٦) « إذا دبغ الإهاب فقد طهر » . ٤٦ . وبلفظ: /١ (١٧٨) « دباغها طهورها » ٤٦ . وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار بلفظ: /١ (١٤) « دباغ الأديم طهوره » ، وبلفظ: « أيما إهاب دبغ فقد طهر » ٤٦٩ ، وقال الطحاوي في أول الباب: وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم /١ .٤٦٩/ آثار متواترة صحيحة المجيء مفسرة المعنى تخبر عن طهارة ذلك الدباغ، ١ (٢) .١٦٣/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ (٣) الحديث ذكره العيني في عمدة القارئ شرح صحيح البخاري وأثبته حديثا ً من قول ٤٠ ، وبلفظ: / النبي صلى الله عليه وسلم ، ٣ الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين فإذا وجدت » « الماء فأمسسه جلدك . .٢٢٠/١ ( أخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الطهارة ( ٦٢٧ ١٣٥ . وأبو داود في سننه في باب التيمم /٤ ( وابن حبان في صحيحه في باب التيمم ( ١٣١١ .٩٠/١ (٣٣٢١) (٤) .١٩٧/ الجيطالي: المرجع نفسه، ١ (٥) يعتبر هذا الحديث ضابط فقهي ّا ً في باب الطهارة، أخرجه الترمذي في سننه بلفظ: إذا » « جاوز الختان الختان فقد وجب ا لغسل . ١٨١ . والطبراني في المعجم الأوسط /١ (١٠٨) بلفظ: « إذا التقى الختانان وجب ا لغسل » ٨١ ، وبنفس اللفظ أخرجه عبد الرزاق /٢ ،(٥٨٤) ( ٢٤٧ ، والطبراني في الأوسط في حديث من اسمه محمد ( ٧١١٩ /١ ( في مصنفه ( ٩٤٥ ٢٢٩ . والطبراني في /٦ ،( ١٤٧ . وأحمد في مسنده في حديث السيدة عائشة ( ٢٦٠٦٧ /٧ .٢٥١/٣ ،( مسند الشاميين ( ٢٧٥٤ (٦) .٢٠٥/ الجيطالي: نفسه، ١ (٢) • أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام » « (١) .. (٤) • كل راع مسؤول عن رعيته » « (٣) .. (٦) • لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » « (٥) .. (١)ي ُ عد هذا الحديث ضابطا ً فقهي ّا ً في باب الطهارة من الحيض، وبناء عليه لا يحكم للدم الذي جاء دون ثلاثة أيام بحكم الحيض، فلا تترك الصلاة ولا الصوم، ولا تنقضي به العدة، وهذا القول مشهور عند أكثر الإباضية، منهم الربيع بن حبيب وهو القول المعتمد عندهم، وبه أيضا ً قال أبو حنيفة وأصحابه ينظر: القواعد الفقهية عند الإمام الجيطالي، منى بنت هلال ،٢١٨/١ ( الكندية، الهامش ص ٩٣ . وأخرج هذا الحديث الربيع بن حبيب في مسنده ( ٥٤١ ١٢٩ . والمعجم الأوسط /٨ ،( كما أخرجه الطبراني في كل من المعجم الكبير ( ٧٥٨٦ .٣٧٠/٢ ( ١٩٠ . وفي مسند الشاميين ( ١٥١٥ /١ (٥٩٩) (٢) .٢١٣/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ (٣) ضابط فقهي في باب الحقوق، يوجب المسؤولية والحساب على من استرعى رعية فلم يحطها بنصحه. وأصله حديث رواه البخاري وغيره، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن حديث: ٨٦٧ عن عبد الله بن عمر 3 بلفظ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم » راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته .« قال: وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤول » « عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته . (٤) .٢١٢/ الجيطالي: المصدر نفسه، ٢ (٥) ضابط فقهي في باب الحقوق يبين الحد الذي يقف عنده أداء الحقوق والالتزام بالواجبات. وأصله حديث رواه أحمد بن حنبل وغيره، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند الخلفاء الراشدين، مسند علي بن أبي طالب 3 ١، بلفظ: حديث: ٠٧٠ لا طاعة لمخلوق في » معصية الله 8 « . ورواه أحمد في المسند أيضا ً عن عبد الله بن مسعود 3 حديث: ٣٧٧٣ . ورواه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف، كتاب الصلاة، باب الأمراء يؤخرون الصلاة حديث: ٣٦٥٩ . وأخرجه الطبراني، المعجم الكبير، من اسمه عبد الله، من اسمه ١، وصححه عفيف، سماك بن حرب عن الحسن عن عمران بن حصين، حديث: ٥٢٣٢ الألباني. (٦) .٢١٣ ،٢٠٦ ،٢/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ٢ كما نقل الجيطالي (ت: ٧٥٠ ه) في مصنفه قواعد وضوابط فقهية مختلف فيها بين المذاهب الفقهية، ونتيجة عدم الاتفاق عليها اختلفت الفروع الفقهية المخرجة عليها حسب الأخذ بها أو عدمه، نذكر منها على سبيل المثال: • «؟ هل الفرض في الاستقبال للقبلة الاجتهاد أو الإصابة فقولان » (١) • «؟ هل تجوز الرخصة للعصاة أم لا »(٢) . «؟ هل المرأة في جميع العبادات كالرجل أم لا »(٣) .• • «؟ هل الزكاة عبادة أو حق واجب للمساكين »(٤) . • هل الع » ُ «؟ شر حق الأرض أو الزرع(٥) . :…QÉë°üdG »ÑJƒ©∏d AÉ«°†dG `` 6 وفي كتاب الضياء لأبي المنذر سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري (ق: ٥ - ٦ه) نجد أثر التقعيد الفقهي جلي ّ ا ً في هذا المصنف، ولم يكتف صاحبه بنثر قواعده مع الفروع والمسائل كما فعل من تقدمه، بل خصص الجزء الثالث منه لعرض جملة من القواعد الكلية والضوابط الفقهية مع القواعد لتبدأ مرحلة جديدة من ،« باب في شيء من الأصول » : الأصولية وسماها التقعيد الفقهي الإباضي في إطار تطوير صياغتها وتدخل ضمن مرحلة النضج والتميز، ولا بأس بعرض بعض منها؛ ليتسنى الاطلاع عليها والحكم عليها: • اليقين لا يرتفع » : نص على القاعدة الكلية الكبرى في علاج الشك فقال بالش ك، والمعلوم لا يرتفع بغير معلوم « (٦) . (١) .٢٥٣/ الجيطالي: نفسه، ١(٢) .٢٦١/ المصدر نفسه، ٢١(٣) .٢٦٩/ الجيطالي: المصدر نفسه، ١(٤) .٢٤/ المصدر نفسه، ٢(٥) .٢٥/ نفسه: ٢(٦) .١٤/ العوتبي سلمة بن مسلم الصحاري، كتاب الضياء، ٣ ﺮﻴﺸﻳﻭ ﻰﻟﺇ ﺓﺪﻋﺎﻘﻟﺍ ﺔﻋﺮﻔﺘﻤﻟﺍ ﻦﻋ ﺓﺪﻋﺎﻘﻟﺍ ﻯﺮﺒﻜﻟﺍ ﻦﻴﻘﻴﻟﺍ» ﻝﻭﺰﻳﻻﻚﺸﻟﺎﺑ « ﻲﻫﻭ • ﻞـﺻﻷﺍ» ﺀﺎﻘﺑﺎـﻣ ﻥﺎﻛ ﻰﻠﻋ ﺎﻣﻥﺎﻛ « ﻻﻭ ﺮﻴﻐﺘﻳ ﻢﻜﺤﻟﺍ ﻰـﺘﺣ ﻲﺗﺄﻳ ﻞﻴﻟﺩ ،ﻪﻓﻼﺨﺑ ﺮـ ﺎﻬﻨﻋ :ﻪﻟﻮﻘﺑ ﺀﺎﻴـﺷﻷﺍ» ﻰﻠﻋ ﺎﻬﻟﻮﺻﺃ ﻰـﺘﺣ ﺎﻬﻠﻘﻨﻳ ﻞﻗﺎﻧ ،«ﺎﻬﻨﻋ ﻥﺎﻴﺒﻟﻭ ﻚﻟﺫﺒﻋﻭﱠ ﺩﺮـﺳ ﺔﻠﻤﺟ ﻦﻣ ﺔﻠﺜﻣﻷﺍ ﺮﻳﺮﻘﺘﻟ ﻩﺬﻫ ﺓﺪﻋﺎﻘﻟﺍ :ﻝﺎﻘﻓ ﻞﺻﺃ» ﻲﻨﺑ ﻡﺩﺁ ﺔﻳﺮﺤﻟﺍ ﻕﺮﻟﺍﻭ ﺉﺭﺎـﻃ ،ﻢﻬﻴﻠﻋ ﻚـﻟﺬﻛﻭ ﻢﻬﻠﺻﺃ ﻞـﻬﺠﻟﺍ ﻢﻠﻌﻟﺍﻭ ﺙﺩﺎﺣﻢـﻬﻟ ، ﻚﻟﺬﻛﻭ ﻢﻬﻠﺻﺃ ﻡﺪﻌﻟﺍ ﺀﺎﻨﻔﻟﺍﻭ ﺙﺩﺎﺣﻢﻬﻟ ، ﻚﻟﺬﻛﻭ ﻢﻬﻠﺻﺃ ﺓﺎﻴﺤﻟﺍ ﺕﻮﻤﻟﺍﻭ ﺙﺩﺎﺣﻢﻬﻴﻠﻋ ، ﻞﻛﻭ ﻲﺣ ﻮﻬﻓ ﻰﻠﻋ ﻢﻜﺣ ﺓﺎﻴﺤﻟﺍ ﻰﺘﺣ ﺢﺼﻳﻪﺗﻮﻣ ، ﻞﻛﻭ ﺐﺋﺎﻏ ﻮﻬﻓ ﻰﻠﻋ ﻢﻜﺣ ﺔﺒﻴﻐﻟﺍ ﻰﺘﺣ ﺢﺼﻳ ﻪﺗﻮﻣ ﻪﻴﻓﻭﻑﻼﺘﺧﺍ(١) ﺮﻬﻄﻟﺍﻭ ﻮﻫ ﻞﺻﻷﺍ ﺾﻴﺤﻟﺍﻭ«ﺙﺩﺎﺣ (٢) . ﺭﺮـﻘﻳﻭ ﺓﺪـﻋﺎﻗ ﻲﻓ ﻝﻼﺤﻟﺍ ﻡﺍﺮـﺤﻟﺍﻭ ﻞﻛ» ﻝﻼﺣ ﻮﻬﻓ ﻰـﻠﻋ ﻪﻠﺻﺃ ﻰﺘﺣ ﺢﺼﻳ • ﻪـﻤﻳﺮﺤﺗ ، ﻞﻛﻭ ﻡﺍﺮـﺣ ﻰـﻠﻋ ﻪﻠﺻﺃ ﻰﺘﺣ ﺢﺼﻳﻪـﻠﻴﻠﺤﺗ ،« ﺝﺮﺨﻳﻭ ﺎﻬﻴﻠﻋ ﺾﻌﺑ ﺔـﻠﺜﻣﻷﺍ :ﻝﻮـﻘﻴﻓ ﻞﺻﺃﻭ» ﻡﺪﻟﺍ ،ﺔـﺳﺎﺠﻨﻟﺍ ﻞﻛﻭ ﺮﻫﺎﻃ ﻰﻠﻋ ﻢﻜﺣ ﺓﺭﺎﻬﻄﻟﺍ ﻰﺘﺣ ﺢـﺼﻳﻪﺘـﺳﺎﺠﻧ ، ﻚـﻟﺬﻛﻭ ﻞﻛ ﺲﺠﻧ ﻮﻬﻓ ﻰﻠﻋ ﻪﺘـﺳﺎﺠﻧ ﻰﺘﺣ ﺢـﺼﺗﻪﺗﺭﺎﻬﻃ ، ﻞـﺻﺃﻭ ﺡﺎﻜـﻨﻟﺍ ،ﺔﺣﺎﺑﻹﺍ ﻰﺘﺣ ﻩﺮﻈﺤﻳﻢﻳﺮﺤﺗ ، ﻞـﺻﺃﻭ ﺝﻭﺮﻔﻟﺍ ﻢﻳﺮﺤﺘﻟﺍ ﻰﺘﺣ ﺎﻬﻠﺤﻳ ﻦﻣ ﻪﺟﻭ ﻡﺎﻜﺣﺃﻞﻴﻠﺤﺘﻟﺍ ، ﻞﺻﺃﻭ ﻥﺍﻮﻴﺤﻟﺍ ﻢﻳﺮﺤﺘﻟﺍ ﻰﺘﺣ ﺎﻬﻠﺤﻳ ﺔﻴﻛﺬﺘﻟﺍ . ،ﺔﻴﻋﺮﺸﻟﺍ ﻞﺻﻷﺍﻭ ﻢﻳﺮﺤﺘﻟﺍ ﻲﻓ ﻞﺘﻘﻟﺍ«...ﺀﻁﻮﻟﺍﻭ (٣) :ﻝﻮﻘﻴﻓ ﻞﻛ» ﻦﺴﺣ ً ﻦﻴﺒﻳﻭﻲﺒﺗﻮﻌﻟﺍ ﻲﻓ ﻕﺎﻴﺴﻟﺍ ﻪﺴﻔﻧ ﻪﻧﺃ ﺲﻴﻟ ﻞﻛ ﻝﻼﺣﺎﻨﺴﺣ • «(٤)ً ﻝﻼﺣ ﺲﻴﻟﻭ ﻞﻛ ﻝﻼﺣ ﺎﻨﺴﺣ . (١) ،« العادة محكمة » : وقاعدة ،« اليقين لا يزول بالشك » : تناولنا هذه المسألة بتفصيل في قاعدة وعرضنا فيهما أقوال الفقهاء مع أدلتهم. ينظر في الفصول القادمة من هذا البحث. (٢) .١٥/ العوتبي: الضياء، ٣(٣) العوتبي: المصدر نفسه. (٤) ١٤ . ولعل هذه القاعدة تنطبق على الأمور القبيحة فنقول: كل قبيح حرام وليس / نفسه: ٣ كل حرام قبيحا ً ، فقد نجد الحرام شكله حسن، كالطيور الجارحة، والذهب والحرير للرجال وغيرها، والله أعلم. • العادة محك » ويومئ إلى قاعدة متفرعة عن القاعدة الكلية الكبرى ّ مة « وهي الحكم للأغلب » « ويعبر عنها أيضا ً العبرة للحكم الغالب الشائع » بصيغة ﱠ ليس على الآحاد حكم، وإنما الحكم على الأعم الأكثر » : فيقول « لا للنادر « والأغلب الأظهر(١) . • اليقين لا يزول بالشك » ويشير إلى القاعدة المتفرعة عن القاعدة الكبرى « الأصل براءة الذمة » وهي « الأصل أن لا فرض على » : فيقول في هذا الصدد وضرب لذلك مثالا ،« الإنسان حتى تصح الدلالة على إيجاب الفرض عليه ً « سقوط صلاة الجماعة عن النساء بإجماع »(٢) . • واتفاق » : ويشير إلى قاعدة استحالة اجتماع الأضداد في حال واحدة فيقول الجميع أن الحمل معنى والنفاس ضده، ومحال اجتماع الأضداد في حال « (٣) . • الأمور بمقاصدها » ويشير إلى القاعدة الكلية الكبرى « الأيمان على » : فيقول « الإرادات والمقاصد(٤) . • وذكر جملة من القواعد المتفرقة في موضوعات مختلفة منها: • إذا اجتمعت المصلحة والمفسدة في شيء واحد، وتعارضت ولا يمكن دفع المفسدة أولى من » الجمع بينها، فهنا يعمل بالقاعدة الفقهية المشهورة ويشير العوتبي إلى هذه القاعدة بمثال في البيوع فيقول: « جلب المصلحة البيع إذا اعتوره أمران: أحدهما يفسده والآخر يصلحه، فإنه عقد فاسد »« لا يجوز الحكم بإجازته مع تناكر الخصمين له(٥) . (١) .١٤/ العوتبي: الضياء، ٣(٢) .١٥/ المصدر نفسه، ٣(٣) العوتبي: نفسه. (٤) .١٤/ العوتبي: المصدر نفسه، ٣(٥) المصدر نفسه. • البدل لا يكون إلا كالمبدل منه » « (١) . • تعلق الأسماء بمسمياتها » « (٢) . • لا تنازع بين أهل العلم أن صورة الأشياء لا تدل على تحليلها وتحريمها »من طريق مشاهدتها، والعلم بها وبأوصافها، وأن التحليل والتحريم مأخوذ « منها من طريق السمع(٣) . • حكم المختلف فيه يرد إلى حكم المتفق فيه » « (٤) . • « لاحظ للنظر عند وجود الأثر » ويشير إلى القاعدة المشهورة عند الإباضية فيقول: اللفظ أولى من الرأي، فإذا جاء النص بطل القياس، وإذا تعارض الأثر والنظر كان الحكم للأثر وسقط اعتبار النظر(٥) . • ويلمح إلى القاعدة المعتمدة في القضاء وطرق الإثبات وهي: البينة » على المدعي واليمين على المدعى عليه « ، فيقول: ...» وما لقي فيه العلماء بالسن ﱠ ة فعلمه، فلا رجوع له عند الشك ولا شبهة، والوقوف ﱡ في الأمور المتساوية في الحجة، فإن تقدم إحداهما بالبينات كان « مزيلها مدعيا وعليه البينة(٦) . ويؤكد قوله بكلام أبي المنذر بشير بن لا قطع لعذر الشاك فيما لم يقم به شواهد » : محمد بن محبوب إذ يقول « البينونة(٧) . (١) نفسه. (٢) نفسه. (٣) .١٩/ نفسه: ٣(٤) .١٤/ العوتبي، الضياء: ٣(٥) المصدر نفسه. (٦) .١٥/ نفسه: ٣ (٧) نفسه. • ويشير في السياق نفسه إلى طريقة أخرى للإثبات، وهي الحكم بالشهرة الحكم بالمشهور » : وما تعارف عليه الناس لنفي الشك والتهمة، فيقول مبلغه إلى ارتفاع الريب معه « (١) . • الأصل في » : ويشير إلى قاعدة أصولية جرت مجرى القاعدة الفقهية، وهي الكلام الحقيقة « فيقول نقلا ً عن ابن بركة الفقيه الأصولي معقبا ً على قوله تعالى: ﴿ }| ~ ﮯ﴾ ( (الشورى: ٤٠ : الجزاء من الله هو حكمه، » فإذا قام لنا دليل يدل على مجاز لفظه من طريق اللغة، فليس يجب العدول عن « موجب اللغة وحقيقتها، وحقيقة اللغة إنما هو لنا بخلاف ما هو علينا(٢) . :ôª©e ≈«ëj »∏©d Iõcôe á°SGQO á«°VÉHE’G `` 7 كما أشار علي يحيى معمر أيضا ً إلى بعض القواعد الفقهية المعتبرة عند الإباضية في كتابه الإباضية دراسة مركزة في أصولهم وتاريخهم، فقال ما نصه: وفي التفريعات الفقهية تراعى القواعد العامة أمثال: » • كل مكان دخل إليه بإذن تجوز فيه الصلاة ولو بلا إذن . • لا يصح لغاصب أن يوطن بيتا ً غصبه . • المسافر يقصر ما دام على نية السفر . • كل ما لا ي ُ صلى به لا ي ُ صلى عل يه. • شهادة العدلين توجب عملا ً لا علما ً. • الاستثناء في اليمين ينفع في المستقبل لا في الماضي . • الخلوة توجب العدة والصداق الكامل . • الولد تابع لمن أسلم من أبويه . • كل م ُ جمع على تحريمه حرام بيعه وأكل ثمنه . • الأمور بمقاصدها . • اليقين لا يزول بالشك . • الأصل براءة الذمة . • البينة على المدعي واليمين على م َ ن أنك ر. • البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة . • الخراج بالضما ن، والخراج (١) والضمان لا يجتمعان . • لا ضرر ولا ضرا ر، أو الضرر يزال . • الضرورات تبيح المحظورات . • الحاجة تنز ﱠ ل منزلة الضرورة . (١) نفسه. (٢) .١٤/ العوتبي: الضياء، ٣ • درء المفاسد مقدم على جلب المصالح . • المشقة تجلب التيسير . • الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان . • الجواز الشرعي ينافي الضمان . • كل وصية لم تتبين رجعت إلى الأقرب . ٍ • كل مال يورث فحرام غنيمته، وكل مال يغنم فحرام ميراثه . « وأمثالها كثيرة مذكورة في كتب أصول الفقه(٢) . :êÉëdÉH ï«°ûdG óªëªd ¥ÉaƒdG äÉ«∏ch ™ªédG ∫ƒ°UCG `` 8 يقول أستاذنا محمد الشيخ بالحاج عافاه الله في كتابه أصول الجمع وكليات الوفاق بين المذهبين الإباضي والمالكي تحت عنوان القواعد الفقهية: أما القواعد الفقهية المعتبرة في مجال الاستدلال فهي أكثر من أن تستوعب في هذا البحث المختصر لكثرتها، وقد خصها من خصها بالتأليف، وبلغ بها عدة (١) الصيغة المشهورة عند الفقهاء: الأجر والضمان لا يجتمعان، ولعل هذه الصيغة قريبة في المعنى. (٢) علي يحيى معمر: الإباضية، دراسة مركزة، ص ٦٣ - .٦٤ مئات... ولكن... أخص بالذكر بعضا ً منها كأصول لها، وقد أجملها الإمام السالمي فيما يلي: • الأمور بمقاصده ا، أو الأعمال بالنيات. • الشك لا يرفع اليقين، أو اليقين لا يزول إلا بقين مثله . • المشقة تجلب التيسير . • الضرر يزا ل، أو لا ضرر ولا ضرار في الإسلام. • يرتكب الضرر الخاص لتلافي الضرر العا م، أو ما يعبر عنه بارتكاب أخف الضررين . • العادة محك ّ مة، أو المعروف عرفا ً كالمشروط حكما ً ، أو المؤمنون على شروطهم ما وافق الحق منها، أو إلا شرطا ً أحل حراما ً أو حرم حلالا ً . • كل أمر لم يكن عليه أمر المسلمين زمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، فهو رد ّ. • العمد والخطأ في أموال الناس سواء، أو الخطأ لا يرفع الضمان . • الأحكام منوطة بغايات الأمور ومقاصدها لا بالألفاظ والعبارا ت، وذلك لإبطال الحيل والتحايل في الشرع. والأمثلة أوسع وأكثر من أن نورد لها نماذج، ومن شاء المزيد فعليه بالرجوع إلى أمهات التآليف الإباضية(١) . ومعظم هذه القواعد الكلية سنتعرض لتصنيفها ودراستها وتحليلها وتأصيلها وتطبيقاتها في الفصول القادمة. فهذه نبذة مختصرة من الأصول الفقهية والقواعد الكلية والضوابط الفقهية، يعتمدها الإباضية في منهجهم الفقهي، والاستدلال والتخريج، والتعليل والفتوى، ولا نريد بذلك إلا تقديم صورة واضحة عن المدرسة الفقهية الإباضية في منهجها الاجتهادي والتقعيد الفقهي. (١) محمد الشيخ بالحاج: أصول الجمع وكليات الوفاق بين المذهبين الإباضي والمالكي مع تخريج بعض الفروع الخلافية، طبع بمطابع دار البعث قسنطينة ١٩٩٢ . ص ٩٨ - .٩٩ الفصل الأول القاعدة الكلية الكبرى ا لأولى وما تفرع عنها « الأمور بمقاصدها » ويشتمل هذا الفصل على المباحث التالية: :∫hC’G åëѪdG حقيقة القاعدة. :»fÉãdG åëѪdG تأصيل القاعدة. :ådÉãdG åëѪdG فروع القاعدة وتطبيقاتها. :™HGôdG åëѪdG القواعد المتفرعة عن القاعدة الكلية الكبرى .« الأمور بمقاصدها » المطلب الأول : النية أساس العبادات » : قاعدة .« المطلب الثاني : لا ثواب ولا عقاب إلا بالنية » : قاعدة .« المطلب الثالث : كل تصرف من مكلف مرتهن » : قاعدة وصفه بطاعة أو معصية على نيته وقصده .« المطلب الرابع : مقاصد اللفظ على نية اللافظ » : قاعدة في اليمين إلا من حل ﱠ .« فه الحاكم المطلب الخامس : العبرة في العقود للمقاصد » : قاعدة والمعاني لا للألفاظ والمباني .« المطلب السادس : من قصد بتصرفه غرضا » : قاعدة ً غير مشروع عومل بنقيض قصده « من استعجل الشيء » أو قبل أوانه عوقب بحرمانه .« ُ ونشرع في بيان ما أجمل فيما يلي: ∫hC’G π°üØdG ≈dhC’G iôÑμdG á«∏μdG IóYÉ≤dG (1)É¡æY ´ôØJ Éeh zÉgó°UÉ≤ªH QƒeC’G{ الأمور بمقاصدها » يتناول هذا الفصل دراسة القاعدة الكلية الكبرى الأولى « وبيان حقيقتها وأهميتها في الفقه الإسلامي، وأن ّ ميزان الأقوال والأفعال هو النيات؛ لأنها أساس الحكم عليها، وكذلك في الجزاء بالثواب والعقاب، ويتعرض إلى أصل هذه القاعدة ودليلها، والفروع المتخرجة عليها في المصادر الفقهية الإباضي ة، ويختم هذا الفصل بذكر أهم القواعد المتفرعة عن هذه القاعدة أو المندرجة تحتها من باب التمثيل لا الحصر إتماما ً للفائدة، وكل ذلك سيأتي مفصلا ً في ما يأتي: (١) الراشدي سفيان: جواهر القواعد، تحقيق محمد بن سفيان الراشدي، ط ١، نشر مكتبة الاستقامة سلطنة ع ُ مان، ١٤٢٥ ه/ ٢٠٠٥ م، ٥٤ . السالمي نور الدين: طلعة الشمس على الألفية، مطبعة الألوان الحديثة، سلطنة ع ُ .٩٢ - ٩١/ مان، ١ حقيقة القاعدة الأمور بمقاصدها » : يتناول هذا المبحث بيان أهمية قاعدة « ومكانتها عند الإباضي ة، والصيغ التي وردت في مصنفاتهم، ثم يحدد مفهوم هذه القاعدة في اللغة واصطلاح الفقهاء، مع بيان الألفاظ ذات الصلة بالمقاصد حتى يميز بين ّ المفاهيم، ويبين مدى التقارب والتباعد بينها، ثم يخلص إلى تحديد المعنى ّ الإجمالي للقاعدة. يكون تفصيل ذلك في المطالب التالية: تكتسي قاعدة الأمور بمقاصدها أهمية عظيمة في عبادات ومعاملات الفرد المسلم، فهي تتصدر القواعد الخمس الكبرى، وتعتبر أصلا ً لكثير من القواعد ُ الفرعية المتصلة عامة بالمقاصد، بل هي أم قواعد المقاصد في الشريعة ﱡ الإسلامية؛ لأن ّ مقاصد العباد ونياتهم محل نظر الشارع الحكيم، العالم بما يترتب على ما أمر به عباده، فقد عني القرآن الكريم بمقاصد المكلفين ونياتهم ُ عناية فائقة، تفوق الاهتمام بأية مسألة أخرى، كما عنيت بذلك سن ﱠ ة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ُ ُ ذلك لأن ّ الأعمال لها تأثير في القلب، فإذا أنيطت بالقصد الصحيح والنية الخالصة، أحيت القلب وأيقظته، وإذا لم تقترن الأعمال بالمقاصد الشرعية والنوايا الطيبة أماتت القلب وأعمته، وعد ّ ت في ميزان العبد هباء منثورا ً ، وسرابا ً خادعا ً لا يظفر صاحبها بغاية، ولا يروح رائحة النعيم، فميزان الأعمال القصد والنية، ومن وراء ذلك العمل وما يترتب عليه من جزاء(١) . وقد وردت هذه القاعدة في المصنفات الإباضي ة؛ ولكن بصيغ مختلفة، تتضمن معنى القاعدة، ومن ذلك قولهم: (١) السدلان صالح غانم، النية وأثرها في الأحكام الشرعية، مطابع الفرزدق للنشر والتوزيع مكتبة ٢. وينظر كذلك كتابه: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها، /١ ، الخريجي، الرياض، ١٤٠٢ ١٤٢٠ ه/ ١٩٩١ م، ص ٤١ . ينظر: باجو مصطفى، القواعد الفقهية عند الإمام أبي سعيد ، ط ٢ الكدمي من خلال كتاب المعتبر، وهو بحث طبع ضمن بحوث ندوة تطور العلوم الفقهية في عمان خلال القرن الرابع الهجري القواعد الفقهية أنموذجا ً وصدرت في كتاب القواعد ُ الفقهية بين التأصيل والتطبيق، تنسيق ومراجعة، باجو مصطفى، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، طبع بمطابع النهضة، سلطنة عمان ٢٠٠٥ ، ص ٢٩٠ . الباحسين يعقوب: قاعدة الأمور ُ . بمقاصدها، ط ١، نشر مكتبة الرشد، الرياض، ١٤١٩ ه/ ١٩٩٩ م، ص ٥١ • الله » 8 لا يقبل الطاعة ممن أطاعه إلا على النية « (١) . « (٢) • إذا لم يعمل ما أمر به بقصد واختيار لم ي » ُس َ م مطيعا ً . ّ • كل فعل أوجبه الله على أحد من عباده، فليس بمؤد » ﱟ له من لم يقصده إلى « أداء فرضه(٣) . يصير الفعل طاعة أو معصية إذا أضيفت إليه النية » « (٤) .• الفريضة لا تؤدى إلا بالإرادات وصحة العزائم » « (٥) .• ِ • العد » ّ ة عبادة لا تؤدى إلا بقصد وإرادة ونية « (٦) . تطهير القلوب من الذنوب بالقصد والإرادات والنيات » « (٧) .• لا يقوم العمل إلا بالنيات فإذا وقع العمل على غير نية لم يتم » « (٨) .• النية لا تقوم إلا مع الفعل » « (٩) .• والملاحظ من العبارات المتقدمة أن ّ ها متفاوتة في الصياغة والعبارة، ولا غرو ،« الأمور بمقاصده ا » : لكنها تؤدي نفس المعنى المراد من القاعدة في ذلك إذا اعتبرنا هذه الأقوال من المتقدمين بدايات أولى لصياغة هذه القاعدة، حيث أجرى عليها المتأخرون ضروبا ً من التنقيح والصقل (١) .٢٥٦/ ابن بركة: الجامع، ١(٢) .٢٦٦/ ابن بركة: المرجع نفسه، ١(٣) .٢٦٦/ المرجع نفسه، ١(٤) .٥٣/ ٢٦٤ . وينظر: الشماخي: الإيضاح، ١ / المرجع نفسه، ١(٥) .٢٥٥/ ابن بركة: الجامع، ١(٦) .١٩١/ المرجع نفسه، ١(٧) الكدمي أبو سعيد: المعتبر، د ط، نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة ع ُ مان، مطابع جريدة ع ُ مان للصحافة والنشر، روي، سلطنة ع ُ .٦٢/ مان، ١٤٠٥ ه/ ١٩٨٥ م، ٤(٨) .٥٧/ المرجع نفسه، ٤(٩) .١٠٤/ الشماخي: الإيضاح، ٢ والاختصار حتى انتهت إلى ما هي عليه الآن، شأنها شأن بقية القواعد في مختلف المذاهب الفقهية الأخرى، والملحظ الآخر في ذلك هو تركيز مضمون الأقوال المتقدمة على النية والقصد والإرادة، واعتبارها أساسا ً في تقييم الأقوال والأفعال في الشريعة، بمعنى أن الحكم على الظاهر مبني على الباطن. تشتمل هذه القاعدة على لفظين هما: الأمور والمقاصد. أ معنى الأمور: جمع أمر، وهو في أصل اللغة يرجع إلى خمسة أصول كما ذكر ابن فار س، وهي الأمر من الأمور والأمر ضد النهي، والأمر النماء والبركة والمعلم والعجب(١) . ومعناه كذلك الحال والشأن والحادثة والفعل، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿ ÑÐÏÎÍÌËÊÉ Ó﴾ (هود: ٩٧ ( . أي: حاله، وقوله تعالى: ﴿ {zyxw ~}| ے £¢¡﴾ (آل عمران: ١٢٨ ( . أي: الشأن والحال (٢) . وذكر الكفوي أن الأمر يطلق على مقصد وشأن تسمية للمفعول بالمصدر (٣) . وذهب بعض العلماء إلى أنه حقيقة في الفعل مجاز في غيره، وذهب بعضهم إلى أنه متردد بين القول والفعل، والشيء والشأن، والقصة والصفة والطرائق، ولكل منهم استدلالاته في هذا الشأن تعرف في مظانها من كتب الأصول (٤) . (١) .١٣٧/ ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ١(٢) الفيومي: المصباح المنير، ص ١٦ ، بتصرف. (٣) . الكفوي أبو البقاء: الكليات، ١٧٦(٤) ينظر في كل من: البصري أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب: المعتمد في أصول الفقه، تح: محمد حميد وآخرون، المطبعة الكاثوليكية، دمشق سوريا، ١٣٨٤ ه/ ١٩٦٤ م، ٤٥ . الآمدي أبو الحسن سيف الدين علي بن أبي علي: الإحكام في أصول الأحكام، /١١٣١ . ابن السبكي تاج الدين عبد الوهاب بن علي: الإبهاج في /٢ ، مؤسسة النور، ١٣٨٩ ٨. ينظر: الزركشي بدر / شرح المنهاج، د ط، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، د ت، ٢ الدين محمد بن بهادر بن عبد الله: البحر المحيط في أصول الفقه، ط ٢، دار الصفوة للطباعة .٣٤٤/ والنشر، مصر، ١٤١٣ ه/ ١٩٩٢ م، ٢ هنا معناها الواسع الذي لا يقتصر « الأمور » ومهما يكن، فإن الذي يبدو من على الأفعال التي تتبادر إلى الفهم، بل يشمل الأقوال كذلك، كما يشمل الاعتقادات. وذهب الأصفهاني (١) ٥٠٢ ه) إلى أن الأمر لفظ عام في الأفعال ) والأقوال كلها، وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿ ` dcba ponmlkjihgfe﴾ (هود: ١٢٣ ( . وقال تعالى: ﴿ ! ,+ * )( '& %$ # " 8 765 4 3 2 1 0 / . K J I H G F ED C B A @ ?> = < ; : 9 ^]\ [ZY XWVUT SRQPO N ML k jih gf edc ba ` _ s rqponml ﴾ (آل عمران: ١٥٤ ( (٢) . والأمر يجيء أيضا ً بمعنى طلب الفعل وهذا المعنى ليس مقصودا ً هنا، بل المقصود بلفظ الأمر الفعل نفسه، وهو عمل الجوارح ومنها اللسان وفعله القول، ومنها القلب وفعله الاعتقاد (٣) . (١) الأصفهاني الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهاني (أو الأصبهاني) المعروف سكن بغداد، « أصبهان » بالراغب ( ٥٠٢ ه/ ١١٠٨ م): أديب، من الحكماء العلماء. من أهل الذريعة » مجلدان، و « محاضرات الأدباء ط » : واشتهر، حتى كان يقرن بالإمام الغزالي. من كتبه كبير، طبعت « جامع التفاسير » و « أخلاق الراغب » : ويسمى « الأخلاق » و « إلى مكارم الشريعة ط حل متشابهات » و « المفردات في غريب القرآن ط » مقدمته، أخذ عنه البيضاوي في تفسيره، و .٢٥٥/ في اللغة والحكمة. الزركلي: الأعلام، ٢ « تحقيق البيان خ » و ،« القرآن خ (٢) ، الأصفهاني أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب: المفردات في غريب القرآن، ط ٤ . ١٤٢٦ ه/ ٢٠٠٥ م، دار المعرفة، لبنان، ص ٣٤ (٣) ١٧ . البورنو محمد صدقي: الوجيز في / حيدر علي: درر الحكام شرح مجلة الأحكام، ١ . إيضاح قواعد الفقه الكلية، ط ٤، مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان، ١٤١٦ ه/ ١٩٩٦ م، ص ١٢٣ ثم إن الكلام عن تقدير مقتضى، أي أحكام الأمور بمقاصده ا؛ لأن علم الفقه إنما يبحث عن أحكام الأشياء لا عن ذواتها(١) . ب معنى ا لمقاصد : المقاصد جمع مقصد وهو مأخوذ من قصد يقصد قصدا ً ، والمقصد يطلق على عدة معان منها: إتيان الشيء وأ َمه ُ ، واكتناز في ﱡ الشيء، واستقامة الطريق(٢) . وقيل: معناه الاعتزام والتوجه، والأم والنية والإرادة والاعتماد والاستقامة والوجهة(٣) . ولعل المراد من هذه القاعدة: إتيان الشيء وأمه والتوجه إليه، وهي عبارات ﱡ تتوارد على معنى واحد، وهو التوجه إلى الشيء وإرادته، والقصد أقوى من الإرادة؛ لأن لفظه يوحي بقوة العزم وصدق الإرادة(٤) . « هو العزم على المتجه نحو إنشاء فعل » : والقصد في الاصطلاح(٥) . وبعبارة أخرى: الدوافع والدواعي التي تجعل المكلف يتجه بما يصدر عنه إليها(٦) . (١) . الزرقا أحمد: شرح القواعد الفقهية، ص ٥(٢) .٩٦/٣ « قصد » : ابن منظور: لسان العرب، ط دار لسان العرب بيروت، د.ت.، مادة(٣) . الباحسين: قاعدة الأمور بمقاصدها، ٢٥(٤) ١٠٢/ السدلان: النية وأثرها في الأحكام الشرعية، ١ - ١٠٣ . البورنو: الوجيز في إيضاح . قواعد الفقه الكلية، ١٢٣ (٥).٩٦/ عبد المنعم محمود: معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، ٣(٦) . مرجع سابق، ٢٨ ،« الأمور بمقاصدها » : الباحسين: قاعدة توجد عدة ألفاظ ذات صلة بالقصد وهي: النية، والباعث، والإرادة، والعزم، والهم . ونظرا ً لكثرة استعمالها عند الفقهاء وتداولها في عباراتهم، فإن ّ من المناسب أن نبين معنى كل لفظ منها، وعلاقته بالقصد. ﱢ k :á«ædG :’hCG أ في اللغة: مأخوذة من نوى الأمر نويته قصدته، وأصلها في اللغة يرجع إلى معنيين: أولهما: مقصد الشيء، وثانيهما: عجم الشيء، والأول هو الذي يعنينا. قال أهل اللغة : النوى التحول من دار إلى دار، هذا الأصل، ثم حمل عليه ُ الباب كله، يقال: نوى الأمر، ينويه، إذا قصد له(١) . وقال أبو ستة عمر القصبي : والنية يجوز فيها التشديد على أنها من نوى بمعنى قصد، فأصل » نية (نوية)، فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء كما في سيد وميت، ويجوز فيها التخفيف على ّّ أنها من نوى (ب َع ُد َ وأبطأ)؛ لأن النية وسيلة لحصول المنوي مع ب ُ عده لعدم الوصول إليه بالجوارح، وحركتها الظاهرة، وهي لغة القصد الذي عززه « القلب(٢) . (١) .٣٦٦/ الفيومي: المصباح المنير، ٨٦٨ . ابن فارس: معجم مقاييس اللغة: ٥ (٢) القصبي أبو ستة عمر المعروف بالمحشي: حاشية الترتيب على الجامع الصحيح مسند الإمام ، الربيع بن حبيب الفراهيدي، تح: إبراهيم طلاي، د ط، دار البعث، قسنطينة، الجزائر، ١٩٩٤ .٤/١ ب النية في الاصطلاح: يرى بعض الإباضية أنها القصد المقترن بالفعل إلا في الصوم(١) . والمراد بالقصد قصد القلب، فمحلها القلب كما يتبادر من الأحاديث(٢) . القصد للشيء المأمور به باعتقاد من » : وعرفها السدويكشي بأنها « القلب والعزيمة عليه بالجوارح(٣) . ونقل عن البعض بأنها قصد شيء مقترن بفعله، فإذا قصد وتراخى عنه عزم(٤) . وذهب بعض الإباضية إلى أن النية والقصد متقاربان في المعنى، وهو النية من أحوال القلب لأنها قصد إلى شيء » : ما اختاره السالمي فقال « مخصوص(٥) . ووردت تعريفات أخرى لغير الإباضية تتضمن نفس المعنى وزيادة، من قصد الإنسان بقلبه ما يريده » : ذلك ما جاء في الذخيرة عند القرافي بأنها « بفعله(٦) . إرادة تتعلق بإمالة الفعل إلى بعض ما يقبله لا بنفس » : وقال في الأمنية الفعل من حيث فعل، ففرق ٌ بين قصدنا لفعل الصلاة وبين قصدنا لكون ذلك ق ُ « ربة، أو فرضا، أو نفلا، أو قضاء، أو غير ذلك(٧) . (١) ٤. وينظر: أطفيش أمحمد بن يوسف: شامل / القصبي: حاشية الترتيب، المرجع السابق، ١ الأصل والفرع، تح: أبو إسحاق إبراهيم أطفيش، د ط، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة ع ُ .١٥٢/ مان، ١٤٠٤ ه/ ١٩٨٤ م، ١ (٢) .١٥٢/ أطفيش: المرجع السابق، ١(٣) السدويكشي أبو محمد عبد الله بن سعيد: الحاشية على كتاب الإيضاح للشماخي أبو ساكن عامر بن علي، د ط، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة ع ُ .٥٠/ مان، ١٤٠٤ ه/ ١٩٨٣ م، ١(٤) .٥٠/ المرجع السابق: ١(٥) السالمي أبو محمد عبد الله بن حميد بن سلوم: العقد الثمين، تح: سالم بن حمد بن ٣٧٣ . أطفيش: شامل / سليمان بن حميد الحارثي، د ط، دار الشعب، القاهرة، مصر، د ت، ١ .١٥٢/ الأصل والفرع، مرجع سابق، ١(٦) القرافي أبو العباس: الذخيرة في فروع المالكية، تحقيق إسحاق أحمد عبد الرحمن، ٰ نشر دار .٢٤٠/١ ، الكتب العلمية ط ٢٠٠١(٧) . القرافي: الأمنية في إدراك النية، ص ٠٩ k :åYÉÑdG :É«fÉK أما ابن القيم(١) فذكر أن النية هي القصد بعينه، ولكن بينها وبين القصد فرقان: أحدهما: أن القصد معلق بفعل الفاعل نفسه وبفعل غيره، والنية لا تتعلق إلا بفعل نفسه، فلا يتصور أن ينوي الرجل على غيره ويتصور أن يقصده ُ ويريده، والفرق الثاني: أن القصد لا يكون إلا بفعل مقدور يقصده الفاعل، وأما النية فينوي الإنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه(٢) . أ الباعث في اللغة: من البعث وهو الإثارة والإيقاظ من النوم(٣) . وقيل: هو الدافع والحامل على فعل الشيء. جاء في لسان العرب: بعثه على الشيء حمله على فعله(٤) . ب وفي الاصطلاح: ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للباعث عن المعنى اللغوي، وهو الأمر النفسي الذي يحرك الإرادة ويبعثها لتحقيق تصرف معين، بحيث يكون التصرف كالوسيلة للباعث، حتى إذا نفذ الباعث عن طريق (١) ابن قيم الجوزية أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، شمس الدين ( ٦٩١ - ٧٥١ ه/ ١٢٩٢ - ١٣٥٠ م): من أركان الإصلاح الإسلامي، وأحد كبار العلماء. مولده ووفاته في دمشق. تتلمذ لشيخ الإسلام ابن تيمية حتى كان لا يخرج عن شيء من أقواله، بل ينتصر له في جميع ما يصدر عنه. وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه، ألف تصانيف كثيرة منها: إعلام الموقعين، والطرق الحكمية في السياسة الشرعية، وشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، وكشف الغطاء عن حكم سماع الغناء خ). .٥٦/ الزركلي، الأعلام، ٦ (٢) ١٩٠ . وهذا / ابن قيم الجوزية: بدائع الفوائد، تحقيق هاني الحاج، نشر المكتبة التوقيفية د ت ٣ رأي جمهور الإباضية باستثناء ما استثناه الشرع، كالولي ينوي الحج للصبي، والوكيل ينوي الزكاة للموكل، والذي يحج عن غيره، أما خلاف ذلك فلا يجوز النيابة في النية، لقوله صلى الله عليه وسلم : « ولكل امرئ ما نوى » ١٥٣/ ينظر: أطفيش: شامل الأصل والفرع، مرجع سابق، ١ - .١٥٤ (٣) .٤٠٦/ الكفوي: الكليات، مرجع سابق، ١(٤) .٤٢٠/ ابن منظور أبو الفضل جمال بن مكرم: لسان العرب، دار صادر، بيروت، ٢ (١) التصرف كان غاية ومآلا حسيا ً قائما ً . وهو السبب الذي يدفع الشخص إلى ّ التصرف(٢) . الدافع الذي يحرك إرادة المنشئ » : وقد حدده فتحي الدريني بأنه « للتصرف إلى تحقيق غرض غير مباشر(٣) . إذن، فالباعث هو القصد الدافع للمتعاقد أو المتصرف أن يحققه بتصرفه أغراضا ً وغايات غير مباشرة. ومن خلال مفهوم الباعث يتبين لنا أنه يتميز عن غيره بعدة أمور: • أنه أمر نفسي ذاتي خفي، فهو غير معروف من قبل المتعاقد الآخر ولا من قبل القاضي، إلا إذا أفصح عنه حامله. • أنه أمر متغير ومتحول، متغير من شخص لآخر فما كان باعثا ً عند أحد غير باعث عند غيره، وقد يتغير الباعث في الشخص الواحد بين الحين والآخر، كمن يشتري سلاحا ً ينوي به القتل ثم يعدل عنه إلى الصيد. • التعدد، فقد يكون الدافع في التعاقد دافعا ً واحدا ً ، كشراء فاكهة لأكلها، وقد يتعدد الباعث في العقد الواحد، كمن باع منزلا ً للحصول على مال ينفقه على نفسه، ويتصدق منه، ويقرض غيره، ويشتري، وغير ذلك من البواعث. ُ • أنه خارج عن نطاق التعاقد والتعامل، وهذا الأمر راجع للأسباب الثلاثة السابقة، فلما كان الباعث أمرا ً نفسيا ً ومتغيرا ً ومتعددا ً ، فإنه يصعب ضبطه وتحديد معناه، ّ والتعاقد مبني على الموضوعية التي تتنافى مع هذه الأوصاف للباعث )(٤ . (١) سوار وحيد الدين: التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامي، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر ط ١٩٧٩ ، ص ٥٠٤ . الكيلاني عبد الله: نظرية الباعث في الفقه الإسلامي، مطابع . وزارة الأوقاف، الأردن، ص. ٢٧ (٢) شبير محمد عثمان: القواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية، ط ١، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عم ّ . ان، الأردن، ١٤٢٠ ه/ ٢٠٠٠ م، ص ٩٥(٣) . الدريني فتحي: نظرية التعسف في استعمال الحق، د ط، مطبعة جامعة دمشق، ١٩٦٧ م، ص ٤٣٣(٤) الدريني فتحي: نظرية التعسف، مرجع سابق، ٤٣٣ . السنهوري عبد الرزاق أحمد: مصادر الحق في .٦٤/ الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة بالفقه الغربي ط ٢، منشورات الحلبي الحقوقية، ١٩٩٨ م، ٢ k :IOGQE’G :ÉãdÉK أ الإرادة في اللغة: من الرود: فيقال: أراد الرجل كذا إرادة، إذا طلبه أو اختاره أو شاءه(١) . تستعمل » : قال القرافي في معرض حديثه عن حقيقة النية أنها بمعنى (أراد) ومراده: نوى وأراد، ومراده عزم أو قصد أو ع ُ ني، فإنها متقاربة المعاني، حتى يكاد يجزم بينها بالترادف... ثم إن هذه الإرادة متنوعة إلى «... العزم، والهم، والنية، والشهوة، والاختيار، والقضاء، والعناية، والمشيئة(٢) . ّ ب في الاصطلاح: نزوع النفس وميلها إلى الفعل بحيث يحملها » « عليه(٣) . صفة توجب للحي حالا » : وعرفها الجرجاني بأنها ً يقع فيه الفعل على ﱠ وجه دون وجه. وفي الحقيقة هي ما لا يتعلق دائما ً إلا بالمعدوم، فهي صفة تخصص أمرا ً ما لحصوله ووجوده، كما قال تعالى: ﴿ À¿¾½¼ ÅÄÃÂÁ ﴾ (يس: ٨٢ («(٤) . وتتفق الإرادة والقصد في أن كلا ّ ً منهما يدل على تعيين العمل والتوجه ِ نحوه لفعل أو ترك، أو نفي أو إثبات، لكنهما يختلفان من وجهين: أحدهما : أن القصد بمعنى (النية) يختص بفعل القاصد (الناوي) دون فعل غيره، وأما الإرادة فغير مختصة بأحد الفعلين، فهي تتعلق بفعل الفاعل أو غيره. وثانيهما : أن القصد إرادة في حال إيجاد الفعل فقط، فلا يصح أن نقول: قصدت أن أزورك غدا ً ، أما الإرادة فأعم من ذلك(٥) . (١) .١٠٢/ ١٢٥٢ . الكفوي: الكليات، مرجع سابق، ١ / ابن منظور: لسان العرب، مرجع سابق، ١(٢) القرافي أبو العباس أحمد: الأمنية في إدراك النية، ٠٩ - .١٢ (٣) .١٠٣/ الكفوي: الكليات، ١(٤) الجرجاني علي بن محمد: التعريفات، ط ١، دار الكتاب اللبناني، بيروت دار الكتاب . المصري، القاهرة، ١٤١١ ه/ ١٩٩١ م، ٣٣(٥) العسكري أبو هلال: الفروق في اللغة، دار الآفاق الجديدة بيروت، ١٩٩١ م، ص ١١٩ - .١٢٠ القرافي: الأمنية، ٠٧ - .١٢ k :Ωõ©dG :É©HGQ أ العزم في اللغة: من عزم على الشيء عزما ً بمعنى أراد فعله مع القطع عليه، وأصل العزم في اللغة: الصريمة والقطع(١) . ب وفي الاصطلاح: الثبات والشدة فيما عقدت النية عليه(٢) . ويتفق العزم والقصد في أن كلا ّ ً منهما يدل على تعيين العمل والتوجه نحوه لفعل أو ترك، لكنهما يختلفان من حيث وقت التعلق، فالقصد يتعلق بالحال، وأما العزم فيتعلق بالاستقبال(٣) . : k º¡dG :É°ùeÉN q أ الهم في اللغة: من هم بالشيء أراده، وعزم عليه ومنه حديث: أصدق » ّ ّ الأسماء حارث وهمام «(٤) . وإنما كان أصدقها لأنه ما من أحد إلا وهو يهم ّ ّ (٥) بالأمر خيرا ً كان أو شرا ً . (١) . ٣٠٨ . الفيومي: المصباح المنير، ص ٥٥٨ / ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مرجع سابق، ٤(٢) قلعة جي محمد رواس قنيبي حامد صادق: معجم لغة الفقهاء، ط ١، دار النفائس، بيروت، لبنان، ١٤٠٥ ه/ ١٩٨٥ م، ٣١١ . القرافي: الأمنية، ٠٧ - .١٢ (٣) . شبير محمد: القواعد الكلية والضوابط الفقهية، ص ٩٦(٤) رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء، رقم: ٤٣٢٠ . والبيهقي، (الكبرى) كتاب الضحايا، باب ما يستحب أن يسمى به، رقم: ١٧٩٥٩ . والبخاري، كتاب الأدب المفرد، باب أحب الأسماء إلى الله 8 ، رقم: ٨٤٣ . مع زيادة في آخره عن أبي وهب الجشمي. قال المناوي: وقال الهيثمي رواه أبو يعلى والبزار وفيه الحكم بن عطية، وثقه أحمد وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال ابن حجر في الفتح: خرجه البزار ّ وأبو يعلى وسنده لي ّ ٢٤٧ . وأخرجه أحمد بن حنبل في المسند، / ن. فيض القدير: ٣ ٣٤٥ . وقال السيوطي في الجامع الصغير: حسن، ينظر: فيض القدير المناوي، /٤ .٢٤٦/٣(٥) الرازي محمد بن أبي بكر، التفسير الكبير، المطبعة الأميرية، القاهرة، ١٩٠٥ م، ٧٢٤ . ابن .٢٧٤/ الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر، ٥ ب والهم في الاصطلاح: هو عقد القلب على فعل شيء قبل أن يفعل ّ من خير أو شر(١) . والهم والقصد يتفقان في أن كلا ّ ً منهما يدل على تعيين ّ العمل والتوجه إليه، ولكنهما يختلفان في الوقت، فالهم يسبق القصد، فقد يهم ّّ الإنسان بالأمر قبل القصد إليه، وذلك أنه يبلغ آخر عزمه عليه ثم يقصده(٢) . (١) . الجرجاني: التعريفات، ص ٣٢٠(٢) . العسكري: الفروق في اللغة، مرجع سابق، ١٢٠ . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ٩٦ الأمور بمقاصدها » : إن قاعدة « على وجازة لفظها وقلة كلماتها تعتبر من جوامع الكلم؛ فهي ذات معنى عام متسع، يشمل كل ما يصدر عن الإنسان من الجنسية عليه، ولفظ « ال » عام، بدليل دخول « الأمور » قول وفعل؛ إذ إن لفظ كذلك، لإضافته إلى ضمير لفظ عام « المقاصد »(١) ؛ إذن الحكم المترتب على يكون على مقتضى المقصود من ذلك الأمر، وكل تصرفات المكلف « ما » أمر يحكمها دافع منبعث من القلب سواء في ذلك تصرفاته الدنيوية أم الأخروية(٢) . ولما كانت الأعمال متنوعة إلى فعل وقول، وحركة وسكون، وجلب ودفع، وفكر وذكر، وعادة وعبادة؛ كان اعتبار القصد بترتيب الأحكام عليه، فمن عمل عملا ً ولم ينوه ولم يقصده لعارض، كنسيان ونحوه، فإن هذا العمل لا يترتب عليه من الآثار والأحكام، ما يترتب على من قصد العمل وأراده(٣) . فمعنى القاعدة إذن في اللغة: أن الأفعال والتصرفات تابعة للنيات وأما معناها في الاصطلاح الفقهي كما حدده مصطفى الزرقا أن أعمال المكلف وتصرفاته من قولية أو فعلية، تختلف أحكامها ونتائجها الشرعية التي تترتب عليها باختلاف مقصود الشخص، وغايته وهدفه من وراء تلك الأعمال والتصرفات(٤) ، أو أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون موافقا ً ومطابقا ً لما (١) البورنو: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ١٢٤ - .١٢٥ (٢) السدلان صالح بن غانم: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها، دار بلنسية الرياض، . ١٩٩٦ ، ص ٤٣(٣) ابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين، ط ٢، مصابيح السعادة، مصر، ١٢٣ ، بتصرف. / ١٣٧٤ ه ، ٣(٤) .٩٨٠/ الزرقا مصطفى أحمد: المدخل الفقهي العام، ط ٢، دار القلم، دمشق، ١٤٢٥ ه/ ٢٠٠٤ م، ٢ هو مقصود من ذلك الأمر (١) ً . فمن قتل غيره بلا مسوغ مشروع، فإذا كان عامدا فلقتله حكم، وإذا كان مخطئا ً فله حكم آخر، ومن قال لآخر: خذ هذه الدنانير فإن نوى التبرع كان هبة، وإلا كان قرضا ً واجب الإعادة. ومن التقط اللقطة بقصد أخذها لنفسه كان غاصبا ً ، ولو التقطها بنية حفظها وتعريفها وردها لصاحبها متى ظهر كان أمينا ً ؛ فلا يضمنها إذا هلكت بلا تعد منه عليها أو تقصير في حفظها وهلم جرا... (٢) ّ مجمل القول: . إن أحكام التصرفات الصادرة من إنسان تختلف باختلاف الإنسان أو نيته؛ فبالنية يكون الفعل عبادة أو عادة، وبالنية يكون التصرف طاعة أو معصية، وبالنية يكون الفعل والقول حلالا ً أو حراما ً ، وبالنية يكون العقد صحيحا ً أو فاسدا ً ولا فرق في ذلك بين أن يكون التصرف قولا ً أو فعلا ً ، مما يدل على كون الفعل تابعا ً للقصد أو النية، من ذلك قوله تعالى: ﴿ IH [ZYXWVUT SRQPONMLKJ ml k j i h gf e d c b a ` _ ^] \ tsrqpon ﴾ )البقرة : (٢٢٨ ، فالزوج إذا قصد من إرجاع زوجته بعد طلاقها الإصلاح جازت الرجعة، وإن قصد بها الإضرار لم تجز لقوله تعالى: ﴿ ! )('&%$#" 9876543210/.-,+* GFEDCBA@?>=<;: RQPONMLKJIH﴾ (البقرة: ٢٣١ (. (١) البورنو: الوجيز، مرجع سابق، ١٢٤ . الندوي علي أحمد: القواعد الفقهية: مفهومها، نشأتها، . تطورها، ط ٣، دار القلم، دمشق، ١٤١٤ ه/ ١٩٩٤ م. ص ٣٩٦(٢) .٩٨٠/ الزرقا مصطفى أحمد: المدخل الفقهي العام، ٢ ومما يدل على كون القول تابعا ً للقصد أو النية ما رواه الترمذي بسنده عن قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني « البتة » ركانة الذي طلق امرأته بلفظ طلقت امرأتي البتة فقال: «؟ ما أردت » قلت: واحدة، قال: «؟ والله » قلت: والله قال: « فهو ما أردت » فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم نية ركانة في الحكم على قوله، وهو « أنت طالق البتة » : قوله(١) . فالمدار في تصرفات الإنسان الفعلية والقولية على المقاصد والنيات لا على ذات الأفعال والألفاظ، ولأجل ذلك طلب البعض من القضاة والمفتين ضرورة مراعاة المقاصد والنيات قبل الحكم على التصرفات حيث إن الشريعة الإسلامية اهتمت بالمقاصد بربط العمل بنية فاعله، فيكون العمل الواحد بالنوع إثما على البعض وجزاء للآخرين، وعلى القاضي المتمرس قبل إصدار الحكم والفقيه النبيه قبل إصدار الفتوى أن يبحثا في الأحكام والمقاصد لا في الذوات المجردة والتصرفات الظاهرة، ومن هذا الباب أدرجت نظرية الباعث ونظرية الذرائع وقاعدة الاستحسان ضمن هذه واعت ،« الأمور بمقاصده ا » القاعدة الأساسية ُ برت المقاصد في عملية التشريع عموما ً وفي الفقه الإسلامي خصوصا ً ، فمثلا ً البيع والشراء والإجارة والهبة كلها تفيد إباحة التصرف في العين أو المنفعة به، إلا أنها تختلف في كل واحدة منها حسب المقصد والنية، ويترتب على ذلك أحكام تتحد باتحاد المقصد وتختلف باختلافه(٢) . (١) رواه الترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الرجل يطلق امرأته البتة، رقم: ١١٧٧ . وأبو داود، كتاب الطلاق، باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث، رقم: ٢١٩٦ . عن ابن عباس. قال ابن حجر: صححه أبو داود وابن حبان والحاكم وأعله البخاري بالاضطراب، وقال ابن عبد البر في التمهيد ضعفوه، وفي الباب عن ابن عباس رواه أحمد والحاكم وهو معلول أيضا ً . .٢١٣/ التلخيص: ٣(٢) لشهب أبو بكر: زاد القاضي والمفتي في القواعد الفقهية والضوابط الأصولية، مجلة جامعة .١٥٤/ الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة الجزائر، عدد: ١٢ تأصيل القاعدة استدل الفقهاء على مشروعية هذه القاعدة بأدلة كثيرة من الكتاب والسن ﱠ ة ﱡ نذكر منها: k :ºjôμdG ¿BGô≤dG øe ádOC’G :’hCG ١ قال الله تعالى: ﴿ qponmlkjih xwvutsr ﴾ )البينة : (٥ . والإخلاص هو النية لله، » : قال الشماخي في بيان وجه الاستدلال بالآية وهو أن يخلص عمله من جميع الشوائب ويخلصه لله 8 «(١) . فهذا النص القرآني يعتبر من الأدلة الدالة على وجوب النية في العبادات، لأن الإخلاص من عمل القلب، والإخلاص لا يتحقق إلا بالقصد والنية(٢) . وقد اعتبر بعض الإباضية هذه الآية الكريمة أصلا ً لهذه القاعدة(٣) . وقد استدل الإباضية بآيات أخرى تدل على مراعاة الشارع الحكيم لمقاصد المكلفين وترتيب الجزاء حسب النيات من ذلك: قوله تعالى: ﴿ 7654321 ﴾ (الإن سان: ٨ ( ، فقد مدحهم الله تعالى بإنفاقهم لأموالهم إذ كانت المقاصد لله 8 (٤) . (١) .٣٧٥/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ١(٢) . ٤٧٦ ، السيوطي: الإكليل في استنباط التنزيل، ص ٢٢٦ / الشوكاني: فتح القدير، ٥(٣) . الراشدي: جواهر القواعد من بحر الفرائد، ص ٥٤(٤) .٢٦٥/ ابن بركة: كتاب الجامع، ١ ٢ ويقول 8 : ﴿ !" &%$# '( ,+*) -. 3210/ ﴾ )النساء :(٣٨ . وجه الاستدلال بالآية: فقد ذمهم الله بالإنفاق، لأنهم لم يقصدوا بها الله 2 ، وقد استوى الإنفاق في الظاهر، فهذا منفق، وذلك منفق، حصل أحدهما طائعا ً بالإخلاص والقصد إلى الله 8 ، والآخر عاصيا ً لتعريه من هذا الحال مع تساويهما في الإنفاق(١) . ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن فقهاء الإباضية حسب الظاهر استدلوا بالنصوص القرآنية التي تهتم بجانب الإخلاص في القول والعمل؛ لأن الهدف من العمل الصالح هو التقرب إلى الله 4 ، ابتغاء مرضاته، فالجزاء يكون نتيجة العمل الصالح مع القصد الحسن، وقد صرح بذلك الشماخي في وأما النية فهي أن يتحرى » : معرض حديثه عن النية في أداء الطاعات فقال مرضاة الآمر وطاعة الله، وذلك أن ينوي بفعله الصلاة أداء الفرض وطاعة الله 8 أنه واجب مأمور به ويتقرب بفعله إلى الله 8 والتقرب طلب المنزلة « عند الله لأن الله وعد المؤمنين على فعلهم الطاعة الجنة(٢) . ٣ وهناك آيات أخرى في القرآن الكريم تصلح أن تكون دليلا ً قويا ً يمكن ّ الاستناد إليه في تأصيل هذه القاعدة، كقوله تعالى: ﴿ QPONM ] \ [ ZY X W V U T S R ^ _ ` dcba ﴾ )النحل :(١٠٦ . وجه الدلالة في الآية: ففي هذه الآية الكريمة بيان أن من كفر بالله من بعد إيمانه وهو منشرح الصدر بالكفر راض به؛ فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، أما من أكره على الكفر فنطق بكلمة الكفر بلسانه وهو كاره لها، وقلبه (١) المرجع نفسه. (٢) .٣٧٥/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ١ pon مطمئن بالإيمان موقن بحقيقته، صحيح عليه عزمه، غير راض بالكفر، فهذا مستثنى من الوعيد، فعذ َ ره الله تعالى؛ لأنه مكره على الكفر وهو لا يحبه(١) . وقد حكى بعض فقهاء الإباضية إجماع الفقهاء على جواز النطق بكلمة ه(٢) الكفر أو الشرك عند الإكراه، ولا إثم على المكر . وهو ما صرح به َ القرطبي (٣) أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر » : في عبارته فيقول حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، «... ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر (٤) ٤ وقال تعالى: ﴿ mlkjihg |{zyxwvutsrq }~ ﮯ ¦¥¤£¢¡ ﴾ (الأحزاب: ٥ (. وجه الدلالة في الآية: فهذه الآية وردت في موضوع خاص، وهو نسبة الابن إلى غير أبيه فأمر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يدعوا المتبنين إلى آبائهم، ومتى حصل منهم مناداتهم ونسبتهم إلى غير آبائهم سهوا وخطأ (١) علوان إسماعيل بن حسن بن محمد: القواعد الفقهية الخمس الكبرى والقواعد المندرجة تحتها، جمع ودراسة من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ط ١، دار ابن الجوزي، . السعودية، ١٤٢٠ ه/ ٢٠٠٠ م، ص ١٠٦ (٢) الراشدي سفيان بن محمد: جواهر القواعد، مرجع سابق، ص ١١٤ . يراجع: قول الكندي في .١٩٢/ ١٩ وابن بركة، الجامع، ١ / بيان الشرع، ٦ (٣) القرطبي محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي، أبو عبد الله: ٦٧١ ه/ ١٢٧٣ م) من كبار المفسرين. صالح متعبد. من أهل قرطبة. رحل إلى الشرق )الجامع لأحكام » واستقر بمنية ابن خصيب (في شمالي أسيوط، بمصر) وتوفي فيها. من كتبه .٣٢٢/ الزركلي، الإعلام، ٥ .« القرآن ط (٤) القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري: الجامع لأحكام القرآن، تحقيق سالم ١٨٢ . وينظر: الطبري أبو جعفر محمد بن / مصطفى البدري، دار الكتب العلمية ٢٠٠٥ م، ١٠ جرير: جامع البيان في تفسير القرآن ومعه تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، الحسن بن ١٨١/ محمد بن حسين القمي النيسابوري، دار الفكر بيروت ١٩٧٨ م، ١٤ - .١٨٢ فلا حرج عليهم في ذلك، وإن ّ ما المؤاخذة لمن تعمد هذا؛ لأن ّ ه عصى أمر الله ّ بعد علمه به، وإن كانت الآية وردت في سبب خاص، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن ّ من تعمد فعل المحظور بعد البيان والنهي عنه فهو الذي يستحق العقاب والمؤاخذة، أما من حصل منه الزلل من غير قصد، فقد ّ تفضل الله تبارك عليه بالعفو وعدم المؤاخذة، وذلك فضل منه سبحانه، والفرق بين الأمرين إن ّ ما هو وجود القصد إلى الفعل (١) . ³²±°¯®¬«ª©¨ ٥ وقال تعالى: ﴿ § ÄÃÂÁÀ¿¾½¼»º¹¸¶µ´ÖÕÔÓÒÑÐÏÎÍÌËÊÉÈÇÆÅ ßÞÝÜÛÚÙØ×﴾ (البقرة: ٢٨٦ ( ، وهذا من عظيم فضل الله على الناس إذ لم يؤاخذهم عما وقع منهم في حال النسيان أو ّ الخطأ وذلك لعدم القصد إلى الفعل في هاتين الحالتين، فالحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه (٢) . ٦ وقوله عز من قائل: ﴿ !" &%$# '( -,+ * ) /. ﴾ (البقرة: ٢٢٥ (. وجه الاستدلال بالآية: فالشارع الحكيم لم يرتب المؤاخذة إلا ّ على ما يكسبه القلب مما يتعلق بالأقوال والأفعال الظ ّ اهرة، ولم يؤاخذ على أقوال وأفعال لم يعلم بها القلب، ولم يتعمدها، كالذي يقع نسيانا ً وخطأ من دون قصد، وكذلك ما يحد ﱢ ث المرء به نفسه، لم يؤاخذ منه إلا بما قاله أو فعله (٣) . (١) ١٢٠ . وينظر: الطبري محمد بن جرير، جامع البيان، / القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ١٤ .١٢١/٢١(٢) السدلان: القواعد الفقهية، ص ١٠٧ . يسجل هنا قول الإباضية في الآية تفسير التيسير أو جواهر التفسير للخليلي. (٣) المرجع نفسه. ٧ وقال 8 : ﴿ <;:9 @?>= QPONMLKJIHGFEDCBA﴾ )النساء :(٢٩ . وجه الاستدلال: فالآية تفيد تحريم قتل المرء نفسه بقصد ذلك مباشرة أو بفعل السبب المؤدي إلى ذلك، أما جهاد أعداء الله والإقدام في قتالهم الذي فيه ّ تعريض النفس إلى الهلاك، فإن ّ ه مشروع، وقد امتدح الله 8 عباده المؤمنين الذين يقاتلون في سبيله، فيبذلون أرواحهم وأموالهم رخيصة لنيل رضاه، فقال: ﴿ § ³²±°¯®¬«ª©¨ ÂÁÀ¿¾½¼»º¹¸¶µ´ ÑÐÏÎÍÌËÊÉÈÇÆÅÄà Ò﴾ )التوبة : (١١١ . وقال أيضا ً : ﴿ qp utsr {zyxwv﴾ )البقرة : (٢٠٧ ، فقد أثنى الله 8 على عباده المؤمنين الذين يجاهدون في سبيله بأنهم يبيعون أنفسهم لله لينالوا رضوانه وجنته سبحانه، ولم يعتبر فعلهم هذا من قصد قتل النفس المنهي عنه، لاختلاف القصد بين الفعلين (١) . ٨ وقال تعالى: ﴿ +*)('&%-, =<;:9876543210 /. ?> @﴾ (البقرة: ٢٢٠ (. وجه الدلالة في الآية: فهي تدل على اعتبار المقاصد والنوايا، وهي أصل لهذه القاعدة كما قال السيوطي : ،« الأمور بمقاصده ا » : الآية... أصل لقاعدة » ٍٍ ٍِ ف ، ممنوع باعتبار َرب أمر ٍ مباح ٍ ُﱠ أو مطلوب لمقصد ٌ مقصد « ر (٢) آخ َ . (١) . المرجع نفسه، ص ١٠٨(٢) . السيوطي جلال الدين: الإكليل في استنباط التنزيل، ص ٢٢٦ sk :ájƒÑædG áæ°ùdG øe ádOC’G :É«fÉK t وردت أحاديث نبوية كثيرة تدل على اعتبار الشارع للمقاصد والنوايا في الأقوال والأفعال، من ذلك: ١ ما رواه الربيع بسنده عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلمقال: الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى » « (١) . وجاء الحديث أيضا ً في الصحيحين عن عمر بن الخطاب 3 قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن » ّ ما الأعمال بالني ات، وإن ّ ما لكل امرئ ما نو ى، فمن كانت هجرته إلى ِ الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه « (٢) . وجه الاستلال بالحديث: فهذا الحديث مما خص الله به نبيه محمدا ً صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم، ويدل على أنه إن كان من عمل يعمله عامل خيرا ً كان أو شرا ً فهو بحسب ما نواه. فإن قصد بعمله قصدا ً حسنا ً كان له ذلك القصد ّ الحسن، وإن قصد به قصدا ً سيئا ً كان له ما نواه. وقد اعتبر الفقهاء هذا الحديث أصلا ً لهذه القاعدة، وهو يعد عمدة الأحاديث التي وردت في النية، وهو يدل (١) أخرجه الربيع بن حبيب: الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب، باب ( ٠١ ) في النية، وحديث الأعمال بالنيات لم يثبت عن ابن عباس إلا عند » : وقال في شرحه الشيخ السالمي الربيع في هذا الطريق وكفى به حجة، وقد رواه أئمة الحديث من قومنا من طريق عمر بن الخطاب 3 فقط، وقد روي هذا الحديث أيضا ً من غير طريق عمر بن الخطاب فرواه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأنس بن مالك وعلي بن أبي طالب... ثم من خرجه ومن ّ رواه عنهم وأشار إلى بعضهم بالوهم وبعضهم بالغرابة وبعضهم بالتضعيف، وعلى كل حال السالمي نور الدين أبو محمد عبد الله بن .« فالحديث مجمع على صحته مستفيض بين الأمة حميد: من شرح الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي الأزدي، نشر مكتبة الاستقامة، روي، سلطنة ع ُ .١٠ - ١١/ مان، ١(٢) ٢. وأخرجه /١ ،( متفق عليه واللفظ للبخاري وقد أخرجه في كتاب: بدء الوحي باب ( ٠١ مسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم : « إنما الأعمال بالنية » وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من .١٥١٥/ الأعمال، ٣ على اعتبار النية في الأعمال جميعها، قال أبو ستة القصبي قوله صلى الله عليه وسلم : الأعمال » بالنيات، ولكل امرئ ما نوى « : هذا الحديث متفق على صحته، ومجمع على عظم موقعه وجلالته وكثرة فوائده، وأنه أصل عظيم من أصول الدين. قال أبو عبيدة (١) : ليس في الأحاديث أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه، ومن » ثم قال أبو داود: إن ّ ه نصف الدين، ووجهه أن ّ ه أصل أعمال القلب والطاعة ّ المتعلقة بها وعليه مدارها، فهو قاعدة عظيمة للدين ومن ثم كان أصلا ً في ّ الإخلاص أيضا ً ، وأعمال القلب تقابل أعمال الجوارح بل تلك أجل ّ وأفضل، بل هي الأصل، فكان نصفا ً ، بل أعظم النصفين كما تقرر. وقال كثيرون منهم الشافعي أن ّ ه ثلث العلم، قال البيهقي(٢) : لأن ّ كسب العبد إما بقلبه أو بلسانه أو ّ بجوارحه، فالنية أحدها وأرجحها لأنهما تابعان لها صحة وفسادا ً ، وثوابا ً وحرمانا ً ، ولا يتطرق إليها رياء ونحوه بخلافهما، ومن ثم ورد » نية المؤمن خير ّ « من عمله(٣) . قاله ابن حجر(٤) ، ثم قال: وقال الشافعي أيضا ً أن ّ ه يدخل في ﱠ ّ (١) لعله أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري اللغوي الحافظ صاحب التصانيف. روى عن هشام بن عروة وأبي عمرو بن العلاء وليس هو بصاحب حديث. ويوجد غيره ولم نستطع .٣٧١/ تحديده. الذهبي: تذكرة الحفاظ، ١ (٢) البيهقي أحمد بن الحسين بن علي، أبو بكر ( ٣٨٤ - ٤٥٨ ه/ ٩٩٤ - ١٠٦٦ م): من أئمة الحديث. ولد في خسروجرد (من قرى بيهق، بنيسابور) ونشأ في بيهق ورحل إلى بغداد ثم .١١٦/ إلى الكوفة ومكة وغيرهما، وطلب إلى نيسابور، الزركلي: الأعلام، ١ (٣) رواه الربيع، باب في الن ﱢ ي ﱠ ة، رقم: ١، ص ٢٣ ، عن ابن عب ﱠ اس، والطبراني في الكبير، باب ١٨٥ ، عن سهل. /٦ ، السين، سهل بن سعد، رقم: ٢٥٧ (٤)أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل، شهاب الدين، ابن حجر ٧٧٣) - ٨٥٢ ه/ ١٣٧٢ - ١٤٤٩ م): من أئمة العلم والتاريخ. أصله من عسقلان (بفلسطين) ومولده ووفاته بالقاهرة. ولع بالأدب والشعر ثم أقبل على الحديث، ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ، وعلت له شهرة فقصده الناس للأخذ عنه وأصبح حافظ الإسلام في عصره، قال السخاوي: (انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر) وكان فصيح اللسان، راوية للشعر، عارفا ً بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين، صبيح = سبعين بابا ً ، ولم يرد به المبالغة خلافا ً لمن وهم، لأن ّ من تدبر مسائل النية في متفرقات الأبواب وجدها تزيد على ذلك؛ إذ يدخل في ربع العبادات بكامله وكنايات العقود والحلول(١) « ، والإقرار والأيمان إلى آخر ما أطال فيه(٢) . وقد نقل ابن رجب عن الطبري(٣) وغيره أن ّ المراد عموم الأعمال لا يختص منها شيء، وقال الإمام أحمد : أحب لكل عمل عملا » ً من صلاة أو صيام أو « صدقة أو نوع من أعمال البر أن تكون النية متقدمة في ذلك الفعل(٤) . = الدرر الكامنة في » : الوجه. وولي قضاء مصر مرات ثم اعتزل. أما تصانيفه فكثيرة جليلة، منها الإحكام » ستة أجزاء، تراجم، و « لسان الميزان ط » أربعة مجلدات، و « أعيان المائة الثامنة ط فتح الباري شرح صحيح البخاري. « ديوان شعر خ » و « لبيان ما في القرآن من الأحكام خ .١٧٨/ الزركلي، الأعلام، ١ (١) الحلول جمع حل ّ وحل » : يحل بكسر الحاء معناه وجب وبضمه بمعنى نزل، قال ابن منظور ّ عليه أمر الله يحل ّ حلولا ً : وجب، وفي التنزيل: قال تعالى: ﴿ «¬¯® ° ÃÂÁÀ¿¾½¼»º¹¸¶µ´³²± ÈÇÆÅÄ ﴾ (طه: ٨٦ )، ومن قرأ: (أن ي ُ حل) فمعناه أن ينزل، وحل ّ بالمكان ( ابن منظور، مادة حلل، ١ .«... نزل فيه ٧٠٢/ - ٧٠٥ . هذا ما وجدته في المعجم ولا أدري هل يتناسب مع المعنى المراد من عبارة النص المذكور، ولعل القصد غير ذلك. (٢) ٦. ينظر: ابن تيمية تقي ،٥/ أبو ستة عمر القصبي: حاشية الترتيب على الجامع الصحيح، ١ الدين عبد الحليم، مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الله بن محمد بن قاسم، ط ٢، مكتبة ٢٤٩ . وكذا: السيوطي جلال الدين: الأشباه / المعارف، المغرب ١٤٠١ ه/ ١٩٨١ م. ١٨ والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، تح عبد الكريم الفضلي، ط ١، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، لبنان، ١٤٢١ ه/ ٢٠٠١ م، ص ٢٣ - ٢٦ . والباحسين يعقوب بن عبد الوهاب: قاعدة الأمور بمقاصدها، مرجع سابق، ص ٥١ - .٥٤ (٣)محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أبو جعفر ( ٢٢٤ - ٣١٠ ه/ ٨٣٩ - ٩٢٣ م): المؤرخ المفسر الإمام. ولد في آمل طبرستان، واستوطن بغداد وتوفي بها. وعرض عليه القضاء فامتنع، والمظالم فأبى. من مؤلفاته: أخبار الرسل والملوك. وتفسير جامع البيان في آي القرآن. (٤) ابن رجب أبو الفرج عبد الرحمن ٰ بن شهاب الدين الحنبلي البغدادي: جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا ً من جوامع الكلم، تحقيق معروف زريق حسن أحمد، ط ٢ دار ابن حزم بيروت ٢٠٠٢ ، ص ٠٧ . وينظر: ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم: رسالة في شرح حديث = إذن فالحديث واضح الدلالة على اعتبار النية في الأعمال، وأن العمل إن » يختلف حكمه باختلاف نية فاعله، ولفظة ّ تفيد الحصر بمنطوقها، فتثبت « ما المذكور وتنفي ما سواه، فتقدير الحديث يكون: إن ّ الأعمال سواء كانت محمودة أو مذمومة تعتبر إذا كانت بنية ولا تعتبر بلا نية(١) . والمثال المذكور في الحديث هو الهجرة، فمن كان قصده من الهجرة هو طاعة الله ورسوله، ونصرة دينه، وتكثير سواد المؤمنين، والهروب بدينهم من الكفار؛ فهجرته تكون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويعتبر مهاجرا ً وأجره على الله، أما من ّ كان قصده من الهجرة هو غرضا ً دنيويا ً ، كأن يهاجر من بلاد الكفر إلى بلاد ّ الإسلام لقصد أن ينكح امرأة أو يصيب غرضا ً من أغراض الدنيا أيا ً كان، فهذا ّ ليس له من هجرته إلا ما نواه، وليس له أجر المهاجر(٢) . ٢ ومما يستدل به في هذا المقام حديث أبي موسى الأشعري 3 قال: ّ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذ ﱢ كر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : من قاتل لتكون كلمة » الله هي العليا فهو في سبيل ا لله « (٣) . وفي رواية سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله، فقال ّ رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله »(٤) . = « إنما الأعمال بالنيات » ، ص ١١ . وكذا عنده: مجموع الفتاوى، ترتيب عبد الله بن محمد بن ٢٤٤/ ١٤٠١ ه/ ١٩٨١ م، مكتبة المعارف، المغرب: ١٨ قاسم، ط ٢ - .٢٨٤ (١) ، ٢٦٤ . وينظر: النووي: صحيح مسلم بشرح النووي، ط ١٩٨١ / ابن تيمية المرجع نفسه، ١٨ .٥٤/ دار الفكر، بيروت ١٣(٢) .١٠٩ ، علوان إسماعيل حسن: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها، ص ١١٠(٣) متفق عليه واللفظ للبخاري أخرجه في كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله » « هي ا لعليا ١٢٧ . وأخرجه مسلم: كتاب / ، ابن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري: ٦ الإمارة، باب « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله » .١٥١٣ - ١٥١٢/٣ ،(٤) سبق تخريجه. وجه الاستدلال ب الحديث: فهذا الحديث فيه دلالة واضحة على اعتبار النية في العمل، وأن ّ حكم العمل يختلف باختلاف نية العامل وقصده، فهنا العمل كله سمي قتالا، ً ولكن تختلف نيات الناس فيه، فمن الناس من يقاتل ﱢ ليغنم ويحصل على متاع دنيوي، ومنهم من يقاتل رياء وسمعة ليقول الناس عنه شجاع وجريء، ومنهم من يقاتل ليعلو قدره عند قومه وقبيلته ويصير مذكورا ً عندهم، ومنهم من يقاتل حمية لقومه وعشيرته أو جماعته وحزبه، ّ وكل هؤلاء قتالهم ليس قتالا ً في سبيل الله، ولا أجر لهم، وإن ّ ما غاية قتالهم ما قصدوه من مقاصد باطلة، أما من قاتل لإعلاء كلمة الله، وإحقاق الحق ّ وإزهاق الباطل، فهذا هو المقاتل في سبيل الله، الذي ينال أجر المجاهد في سبيل الله، وثوابه عند الله. وحاصل ذلك أن ّ نتيجة العمل وما ترتب عليه تختلف باختلاف قصد العاملين، رغم أن ّ عملهم واحد وهو القتال(١) . ٣ وروي عن أبي هريرة 3 أن ّ ه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن » ّ أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي ُ به فعرفه نعمه فعرفه ا، ﱠ قال: فما فعلت َ فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى ا ستشهدت ُ ، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في ّ النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي ُ به، فعرفه نعمه فعرفها، ثم ﱠ قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد ُ قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه ُّ ّ وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي ُ به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت ﱠ فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: (١) علوان إسماعيل حسن: القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ١١١ - ١١٠ ، بتصرف. ُ كذبت ولكن فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ّ « ثم ألقي في النار(١) . ّ فالمتأمل في هذا الحديث الصحيح يلحظ أن ّ جميع الأعمال التي عملها هؤلاء الثلاثة هي من أحب الأعمال إلى الله، فهي جهاد في سبيل الله، وتعل ﱡ م العلم والقرآن وتعليمه للناس، والإنفاق في سبيل الله، وسد حاجة المحتاجين، ولكن لما قصد بها فاعلوها الرياء والسمعة، ولم تكن خالصة لوجه الله أبطلها ّ الله وأحبطها، وكان جزاؤهم من أعمالهم ما قصدوا وهو أن يذكرهم الناس بأعمالهم، فيقول الناس عنهم: شجاع وكريم وعالم وقد حصل لهم ذلك في الدنيا، إذ قال الناس عنهم ذلك(٢) ، وهذا الحال ظاهر ومشاهد في واقع الناس، فنجد أحدهم لا يشعر بالرضا من عمله إلا بعد مدح الناس له بما قد أسدى لهم من معروف وإحسان، نسأل الله العافية والنجاة يوم الحساب. وهكذا يتبين لنا من خلال هذا الحديث أن ّ الرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليؤكد لنا حقيقة مراعاة الشارع للمقاصد والنوايا في الأقوال والأعمال قبل النظر إلى الظواهر، وسيظهر الله حقيقة الأمور في يوم الحساب والجزاء. ٤ روي عن عائشة # أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ر» ُ فع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو « يفيق(٣) . (١) ١٠١٣/ أخرجه مسلم في كتاب الإمارة باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، ٣ - .١٠١٤ (٢) . علوان إسماعيل حسن: القواعد الفقهية الخمس الكبرى، مرجع سابق، ص ١١٢(٣) .٦٥٨/ أخرجه ابن ماجه: السنن، كتاب الطلاق، باب (طلاق المعتوه والصغير والنائم)، ١ وأخرجه أيضا ً .١٥٦/ النسائي: السنن، كتاب الطلاق، باب (من لا يقع طلاقه من الأزواج)، ٦ وأبو داود: السنن، كتاب الحدود، باب (في المجنون يسرق أو يصيب حد ّ ا ً .٥٥٨/٤ ،( ١٠٠/ وأحمد: المسند، ٦ - ١٤٤ . الدارمي: السنن، كتاب الحدود، باب: ،١٠١ ر» ُ فع القلم « عن ثلاثة هذا حديث » : ٥٩ . وقال عنه / ٢٢٥ . والحاكم: المستدرك على الصحيحين، ٢ /٢ ، ووافقه الذهبي، وجاء الحديث أيضا « على شرط مسلم ولم يخرجه ً من طريق علي 3 عند = وجه الاستدلال: ففي هذا الحديث بيان لعفو الله تبارك وتعالى عن تصرفات وأفعال هذه الأصناف الثلاثة: النائم والصغير والمجنون، وما ذلك إلا لتخلف شرط التكليف عنهم، وهو العقل الذي هو سبب للنية وللقصد إلى الفعل وهم في حالاتهم تلك، فكأن ّ تصرفاتهم في تلك الأحوال لا معنى لها ولا اعتبار، لذلك لم يرتب عليها الشارع الحكيم ما يبنى على فعل العاقل القاصد لفعله؛ من المؤاخذة والمحاسبة عليها، أو العقاب عليها(١) . ٥ كما نص الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم مؤاخذة من ليس له قصد في حديث ابنعباس ^ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن » ّ الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه « (٢) . وجه ا لاستدلال : عل ّ ق أحد فقهاء الإباضية على مدلول هذا الحديث فقال: وهذا أيضا » ً من فضل الله تعالى على هذه الأمة، حيث تجاوز عما وقع منهم من الأفعال خطأ أو نسيانا ً ، أو فعلوه مكرهين عليه، فلم يؤاخذهم بذلك، وما ذلك إلا لأن ّ الفعل يقع من الفاعل حينئذ بدون قصد ولا نية، كما لو أراد رمي = أصحاب السنن وطرق أخرى تنظر عند الألباني محمد ناصر الدين: إرواء الغليل في تخريج .٧٠٤/ أحاديث منار السبيل، ط ٢، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ٢(١) . علوان إسماعيل حسن: القواعد الفقهية، مرجع سابق، ص ١١٣(٢) ٣٠١ ، حديث رقم / أخرجه الربيع بن حبيب: الجامع الصحيح، باب ما جاء في النفقة، ٣ ٧٩٤ . وزاد فيه: « وما لم يستطيعوا » . وأخرجه ابن ماجه: السنن، كتاب الطلاق، باب (طلاق ٦٥٩ . ونقل المعلق عن مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه / المكره والناسي) بنحوه، ١ إسناده صحيح إن سلم من الانقطاع والظاهر أن » : قوله ّ وأخرجه أيضا «... ه منقطع ً من حديث ٦٥٩ ، ون / أبي ذر بنحوه، ١ ُ إسناده ضعيف لاتفاقهم » : قل عن صاحب مصباح الزجاجة قوله وأخرجه البيهقي: السنن: كتاب الخلع والطلاق، باب (ما .« على ضعف أبي بكر الهذلي جو » : ٣٥٦ . وقال بعده / جاء في طلاق المكره)، ٧ ّ ،« د إسناده بشر بن بكر وهو من الثقات هذا حديث صحيح على شرط » : ١٩٨ . وقال / والحاكم: المستدرك على الصحيحين، ٢ ٣٥٨/ ووافقه الذهبي، والحديث صححه الألباني: صحيح الجامع، ١ « الشيخين ولم يخرجاه .١٢٣/ وفي: إرواء الغليل، ١ ً معصوما ً ، فإن ّ ه لا إثم عليه، وإن ّ ما عليه الدية صيد فأخطأه، فأصاب إنسانا « والكفارة(١) . ومثله لو نسي الصائم فأكل أو شرب في نهار رمضان، فلا إثم عليه ويتم صومه وهو صحيح(٢) . ٦ وعن أبي هريرة 3 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ي» ُ بع َ ث الناس على ن ياتهم « (٣) . ٧ وعن سعد بن أبي وقاص 3 أن ّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن » ّ ك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أ ُ جرت عليها، حتى ما تجعل في ف َم ِ « امرأتك (٤) . والأحاديث في الدلالة على اعتبار النيات والمقاصد في الأعمال، والأقوال أكثر من أن تحصى، وقد اكتفيت بهذا القدر لحصول المقصود منها. والله أعلم. k :´ÉªLE’G øe ádOC’G :ÉãdÉK أجمع العلماء في مختلف العصور على اعتبار النية والمقاصد في الأقوال والأعمال من صلاة وصيام وصدقة وغيرها، قال ابن القيم في هذا الصدد: النية روح العمل ول » ُبه وقوامه، وهو تابع لها، يصح بصحتها ويفسد بفسادها، ّ والنبي صلى الله عليه وسلم قال كلمتين كفتا وشفتا، وتحتهما كنوز العلم وهما قوله: إن » ّ ما الأعمال بالنيا ت، وإنما لكل امرئ ما نوى « (٥) ، فبين في الجملة الأولى أن ّ ّ العمل لا يقع إلا بالنية لهذا لا يكون عمل إلا بنية، ثم بينت الجملة الثانية أن ّ ّ (١) . الراشدي سفيان بن محمد: جواهر القواعد، مرجع سابق، ص ١١٩(٢) الجناوني أبو زكرياء يحيى بن الخير بن أبي الخير: كتاب الصوم، مكتبة الضامري للنشر والتوزيع، السيب، سلطنة ع ُ . مان، ١٤١١ ه/ ١٩٩١ م، ص ١٤(٣) ٢٢٧ . وبنفس المعنى روي عن /٢ ،( أخرجه البخاري: الجامع الصحيح، كتاب الصوم، باب ( ٠٦ عائشة # .٢٠/١ ،( عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب ( ٤١ (٤) رواه البخاري، في كتاب الإيمان، باب: ما جاء إن ّ الأعمال بالنية والحسبة، حديث: ٥٦ . عن سعد بن أبي وقاص. والربيع بن حبيب، باب في الوصية، رقم: ٦٨٠ .. سنن أبي داود كتاب الوصايا، باب ما جاء في ما لا يجوز للموصي في ماله؟ حديث: ٢٤٩٥ . وهو صحيح. (٥) سبق تخريجه. العامل ليس له من عمله إلا ما نواه، وهذا يعم العبادات والمعاملات، والأيمان « والنذور، وسائر العقود والتصرفات(١) . k :∫ƒ≤©ªdG øe ádOC’G :É©HGQ ومن الأدلة العقلية التي يستدل بها على اعتبار النية في الأعمال: ١ أن ّ الشارع لم يعتد بأفعال من انتفى قصده كالمجنون والمعتوه والمخطئ والناسي وغيرهم، ويلزم من ذلك اعتبار قصد ما يقابله ممن تحقق قصده؛ لأن ّ تصرفات المكل ﱠ فين لا تخرج عن إحدى حالتين: الاعتبار أو عدمه(٢) . ٢ ولأن ّ أفعال العقلاء الاختيارية لا تصدر إلا عن قصد وإرادة، فلو كل ﱢ فوا أن يعملوا عملا ً بغير قصد وإرادة لكان تكليفا ً بما لا يطاق، ويؤكد لو كل » : ابن تيمية هذا المعنى فيقول ﱢ ف العباد أن يعملوا عملا ً بغير نية كل ﱢ فوا ما لا يطيقون، فإن ّ كل أحد إذا أراد أن يعمل عملا ً مشروعا ً أو غير مشروع فعلمه سابق إلى قلبه، وذلك هو النية، وإذا علم الإنسان أن ّ ه يريد الطهارة والصلاة والصوم فلا بد أن ينويه إذا علمه ضرورة، وإن ّ ما يتصور عدم النية إذا « لم يعلم ما يريد(٣) ، من أجل ذلك ترتب على نيته وقصده التأثيم وعدمه، والجزاء الملائم لنوع النية والقصد، صلاحا ً أو فسادا ً. (١) الباحسين: قاعدة الأمور بمقاصدها، مرجع سابق، ص ٨٤ - ٨٣ . وكذا: شبير محمد عثمان: . القواعد الكلية، ص ٩٩(٢) .١١١/ ابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين، ٣(٣) ٢٦٢ . ينظر: طائفة من الأمثلة وكلاما / ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ١٨ ً موسعا ً عند: الأشقر عمر سليمان: النيات في العبادات، ط ٣، دار النفائس، الأردن، ١٤١٥ ه/ ١٩٩٥ م، ص ٦٥ وما بعدها. تطبيقات القاعدة وفروعها :á«∏μdG IóYÉ≤dG øe äÉ«FõédG ºμM áaô©e á≤jôW قبل أن نقوم بتطبيق القاعدة على المسائل الجزئية ونخرج عليها الفروع ْﱢ ِ الفقهية، يحسن بنا أن نتساءل كيف نستطيع أن ن َعرف حكم مسألة فرعية، انطلاقا ً من قاعدة فقهية كلية؟ نقول: إذا أراد الفقيه أن يخرج حكم مسألة فرعية على قاعدة كلية، فينبغي ﱢ عليه أن يت ّ بع الخطوات التالية: فمثلا ً : الأمور بمقاصدها » : قاعدة « إذا أردنا أن نتعرف منها حكم جزئية ما مما يندرج تحتها نقول: زيد أعطى فلانا ً من الناس مالا ً ، فما حكمه؟ الأمور بمقاصدها » فنستخرج من القاعدة الكلية « إن ّ إعطاء المال قد يكون مقصودا ً به التصدق مثلا، أو الهبة، أو القرض، أو الإيداع، أو الوفاء، أو غير ذلك من المقاصد، ولما كان لكل مقصد حكم يخصه نقول: إن كان مقصد زيد ّّ من الإعطاء التصدق، أو الهبة، كان فعله طاعة يثاب عليها، وإن كان قصده إقراضه إياه أو إيداعه عنده، كان له حق استرداده، وعلى الآخذ وجوب الرد، وهو مضمون على الآخذ في الأولى غير مضمون عليه في الثانية، إذا لم يتعد ّ أو يقصر في الحفظ، وإن كان قصده وفاء دين عليه، كان الحكم براءة ذمته، ﱢّ ورد ّا ً لحق الآخر؛ لأن ّ الأمور بمقاصدها. وكذلك لو رأينا شخصا ً يريد الصلاة ولا يستطيع القيام لمرض أصابه فأقعده، فنقول له: صل ّ قاعدا ً ، وإن لم تستطع فمضطجعا ً ، أو على جنب؛ لأن ّ المشقة تجلب التيسير » « (١) . ونظرا لما يتميز به الفقه الإباضي من كثرة الفروع بسبب ميل ِ فقهائه إلى ّْ الفقه العملي أكثر منه إلى الجانب النظري، فغالبا ً ما يذكرون الفرع دون أصله، وأحيانا ً يربطون القاعدة بفرعها، مما يصعب على الدارس تأصيل هذا الفقه الأمور بمقاصدها » : واستخراج قواعده، وتعتبر قاعدة « من القواعد الفقهية الكلية الكبرى الواسعة الانتشار في الفقه الإسلامي، فقد تجسدت فروعها في معظم أبواب الفقه، ونظرا ً لصعوبة دراسة هذه الجزئيات واستقصائها، سوف نبذل بإذن الله قصارى الجهد في استخراج الأمثلة التطبيقية التي تنطبق على هذه القاعدة الكلية، ونحاول تكييفها؛ بمراعاة مناط الحكم فيها مع ملاحظة مدى ملائمة تلك الفروع الجزئية لحكم القاعدة الكلية، وسوف يتضح منهجنا ّ فيما سيأتي من الفروع، على أن يكون ذكرها من باب التمثيل لا الحصر في المطالب التالية: المطلب الأول : أثر المقاصد في العقيدة. المطلب الثاني : أثر المقاصد في العبادات. المطلب الثالث : أثر المقاصد في المعاملات. المطلب الرابع : أثر المقاصد في الأحوال الشخصية. المطلب الخامس : أثر المقاصد في الحقوق والآداب. المطلب السادس : أثر المقاصد في الجنايات والعقوبات. المطلب السابع: أثر المقاصد في السياسة الشرعية. المطلب الثامن: مستثنيات هذه القاعدة. (١) البورنو محمد صدقي الغزي: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص ١٦٤ - .١٦٥ لا ريب أن العقيدة أساسها القلب وتترجمها الجوارح، وأن المقاصد والنوايا محلها القلب أيضا ً ، ومن هنا ظهرت العلاقة بين العقيدة والمقاصد، ويترتب ِ عليها آثارها، فمن قصد بفعله أو قوله وجه الله خالصا ً ، ق ُبل عمله ونال الثواب، ِ ومن قصد به الرياء والسمعة ورضى الناس، بطل عمله ولا ثواب له، بل وجب عليه العقاب إن لم يتب. وقد بحث الإباضية هذه المسائل العقدية في مصنفاتهم، وبينوا حكمها بيانا ً شافيا ً حتى لا يلتبس أمرها على المكلفين، ومن ذلك: ِ ١ فعل الطاعات لوجه الله وحث الناس عليها: ْ سئل الإمام السالمي : عمن قصد بإيمانه وعمله من الطاعات أن يوسع الله جاهه، وأن ينشر فضله في الدنيا، وأن يقويه وينصره على أعدائه، وأن يثيبه على هذا وغيره من صالح أعماله في الآخرة، هل يقدح ذلك في إيمانه شيئا ً ؟ وهل يعتبر عمله خالصا ً لوجه الله؟ ِ نقلا » : فأجاب ً عن شيخه بأن العمل لله ولغرض آخر لا يجوز؛ لأنه من باب الإشراك مع الله في العمل، وهو الرياء المحرم، لكن يجوز أن يعمل لله مخلصا ً ، ِ ثم يظهر ذلك العمل لتكون له المنزلة عند المسلمين، فيدعون له بخير، وعند ُ العوام ليقتدوا به، فيكون قائدهم إلى ربهم، وطلب الجاه والمنزلة عند المسلمين إذا لم يكن لقصد الثناء والسمعة جائز، وحاصل ما أجاب به: أن فعل الطاعة لقصد الجاه والثواب حرام، وإن ّ إظهارها بعد أن عملت خالصة لوجه الله جائز إذا قصد ُ بإظهارها شيئا ً « من الأمور المتقدم ذكرها، وهو عندي صواب لا غبار عليه(١) . (١) .٣٧/ السالمي: العقد الثمين، ١ ٢ النطق بكلمة الكفر دون الاعتقاد: هذه الحقيقة استنادا « بيان الشرع » ويؤكد صاحب ً الأمور » : إلى قاعدة فالجزاء يكون حسب القصد إن خيرا ،« بمقاصده ا ً فخير، وإن شرا ً فشر، سواء ّ أكان قولا ً أم اعتقادا ً ، فإذا تلفظ بكلمة الكفر ولم يعتقدها فلا يحاسب عليها، أو فعل فعلا ً ولا يقصد به الرياء فلا يحاسب عليه، يقول في هذا الشأن: فالإنسان إذا اعتقد شيئا » ً « ولم يتلفظ به، لم يلزمه حكمه إلا الكفر(١) ؛ لأن النطق بالكفر واعتقاده يبطل الإيمان ويحبط الأعمال. ٣ في حكم العمل للآخرة مع قصد الدنيا: ِ قد يعمد البعض إلى عمل صالح بنية التقرب إلى الله، وطمعا ً في رضى الله وثوابه، ويقرنه بنية الاستفادة منه ببعض حظوظ الدنيا ومنافعها، فهل يعتبر هذا العمل باطلا ً ؛ لأنه لم يخلص النية، وقد أشرك معه قصدا ً آخر، أم يجوز ذلك؟ ومن نوى بعمله » : بحث القطب أطفيش هذه المسألة وبين حكمها فقال ّ ثواب الآخرة مع أمر مباح من الدنيا، مثل: أن يحج تقربا ً وتجارة، وأن يغزو تقربا ً وغ ُن ْ ما ً ، فقيل: لا ثواب له، وقيل: له ثواب بقدر قصده، وإن لم ينو إلا الدنيوي فإنه عاص لا ثواب له، ويعيد العمل إن كان مما تتوقف صحته على « النية، وقيل: أفعال المؤمن تابعة لاعتقاده(٢) . وهكذا يتبين لنا من عبارة القطب أن العمل يجب، أن يكون صالحا ً وخالصا ً لله حتى يكون مقبولا ً عند الله ويثاب عليه، أما إذا أشرك فيه مقاصد أخرى دنيوية ولو كانت مباحة، فلا ثواب عليه، ويخشى أن يحاسب على تلك ُ النية إن لم يرجع عنها؛ لأنه من الشرك الخفي، لقوله صلى الله عليه وسلم : من عمل عملا » ً أشرك فيه غيري فهو له كله، وأنا أغنى الشركاء عن الشرك « (٣) . (١) .١٩/ الكندي محمد بن إبراهيم: بيان الشرع، ٦(٢) .١٥٩/ القطب أطفيش: شامل الأصل والفرع، ١(٣) رواه الربيع، المسند، باب في ذكر الشرك والكفر، رقم: ٦٠ . ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم: ٢٩٨٥ . عن أبي هريرة. k :äGQÉ¡£dG ÜÉH »a :’hCG ١ تحديد النية في اجتماع غسل للجمعة والاغتسال من الجنابة: اختلف الإباضية في حكم الجن ُ ب يغتسل للجمعة، هل يجب عليه أن ُ ينوي لغسل الجنابة وبعد فراغه منه ينوي لغسل الجمعة؟ أم يكتفي بغسل الجمعة؛ بمعنى يأتي بغسل واحد فيجزيه عن غسل الجنابة؟ قال بعضهم: يجزيه ذلك للجنابة، ويكون بذلك متطهرا ً ، وقال بعضهم: لا يجزيه ذلك عن طهارته للصلاة من الجنابة، واختار ابن بركة القول الثاني وهذا هو القول عندي، والنظر يوجبه والسن » : ورجحه فقال ﱠ « ة تؤيده(١) . ﱡ ويبدو أن أصحاب القول الأول قاسوا الغسل للجمعة بالوضوء للنافلة، بينما لم يعمل ابن بركة بالقياس في هذه المسألة، واستند إلى النصوص، يقول وإن توضأ لنافلة أو لقراءة في مصحف، أو لجنازة أو لسجود » : في هذا الصدد « قراءة القرآن، أجزأه أن يصلي به فريضة، وهذا باتفاق منهم فيما علمت(٢) . فإن قال قائل: » : وقد احتج بعض الفقهاء على رأي ابن بركة فناقشهم بقوله ِ لم قلت َ إنه إذا اغتسل للجمعة لم يجزه للجنابة، وقد أجزت له وضوءه للنافلة َ من الفرض؟ وما الفرق وجميع ذلك نفل؟ قيل له: الفرق بين هذه الأشياء وبين الغسل للجمعة أن علة الطهارة: أن ِ ينوي رفع الأحداث، أو ينوي ما يؤدي بتلك الطهارة الفرائض والنوافل، فيغني ُ ِ ذلك عن نية رفع الحدث، فإذا صح ذلك ثم توضأ لنافلة، فالنافلة لا تؤدى إلا (١) .٣١٨/ ابن بركة: الجامع، ١(٢) ابن بركة: المصدر نفسه. بعد رفع الحدث، كما لا يؤدى الفرض إلا بعد رفع الحدث. وكذلك سجود القرآن لا يأتي به إلا متطهرا ً ، لأن ذلك عندنا صلاة، وأما المصحف فلا يمسه إلا متطهرا ً ، ومسه محرم بقول الله تعالى: ﴿ !"# ❁&% ' ❁ ) ,+* ﴾ (ال واق ع ة: ٧٧ - ٧٩ ( . فلا يمس المصحف إلا طاهر، وكذلك في الجنب، فصار معنى ذلك النافلة التي لا تجوز إلا برفع الحدث. ولو أراد أن يصلي فرضا ً أو نفلا، ً أو قراءة قرآن أو سجود قرآن، لما ندب أن يتوضأ؛ لأن المقصد في ذلك رفع الحدث، وقد رفع بطهارته الحدث، فلا معنى في الأمر بإعادته. وأما غسل يوم الجمعة فليس القصد في ذلك رفع الحدث، وإنما القصد في ذلك تجديد الفعل من أجل الوقت، والدليل على هذا أنه لو دخل عليه يوم الجمعة وهو مغتسل لما أجزأه ذلك الغسل، ولا احتاج أن يغتسل ثانية، فهذا كما كان ذلك فيما ذكرناه. « يدل على أن المقصد في ذلك رفع الحدث والذي يفهم من عبارة ابن بركة واختياره: أن غسل الجمعة لا يقوم مقام ُ غسل الجنابة، فلا بد عليه من غ ُ سلين، الأول للجنابة؛ لأنها فرض، والثاني للجمعة؛ لأنه سن ﱠ ة، ولا تكفي نية واحدة فيهما؛ لأن المقصد يختلف بينهما، ُ فلا بد من النية للتفريق بين غسل الفرض والنفل، فغسل الجنابة يقصد به رفع الحدث الأكبر، وغسل الجمعة لأجل الوقت والفوز بفضل ذلك اليوم؛ اقتداء بسن ﱠ ة النبي صلى الله عليه وسلم ، خلافا ً للوضوء، فيجزيه وضوء واحد للنفل والفرض، ُ كما تقدم. ويبدو أن ّ ما ذهب إليه الكندي قد جانب فيه الصواب؛ لأنه يعتبر غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة، ولعله لم يفهم عبارة ابن برك ة، أو قاس غسل َ الجمعة بالوضوء لأداء النفل، والفرق بينهما واضح، وهذا ما تدل عليه عبارته وأما غسل يوم الجمعة، فليس القصد في ذلك رفع الحدث، وإنما القصد في »ذلك تجديد الفعل من أجل الوقت، والدليل على هذا أنه لو دخل عليه يوم الجمعة وهو مغتسل، أجزاه ذلك الغسل وما احتاج أن يغتسل ثانية، فهذا يدل « على أن القصد رفع الحدث كما قال ذلك فيما ذكرنا(١) . ٢ تطهير ماء الآبار من النجاسات: اختلف الإباضية في اشتراط النية عند تطهير ماء الآبار من النجاسات، فمنهم من اشترط القصد، ومنهم من لم يشترطه. وقد أشار السالمي إلى هذا الخلاف في معرض كلامه عن تحديد عدد المرات في نزح البئر المتنجسة فقال: ...» ثم اختلف القائلون بتحديد النزح، فمنهم من اشترط القصد في صحة النزح وطهارة البئر؛ لأنها عبادة لا تؤدى إلا بقصد كغسل الجنابة، ولم يشترط آخرون النية في ذلك، تشبيها ً « للنزح بإزالة الأنجاس، وهو أظهر الوجهين(٢) . ويبدو من كلام السالمي أنه يميل إلى عدم اشتراط النية في نزح البئر، وهو ما يستظهر من قوله، ولعله الأقرب للصواب، وبناء عليه، فمن لم يقصد بالنزح تطهير البئر أجزأه ذلك ما دام المعتبر من ذلك حصول الطهارة، ولا ريب أنها تحصل بتكرير النزح حتى يطمئن بزوال النجاسة واختفاء أثرها؛ لأنه أتى بصفة الفعل المأمور به، وهو النزح، فحصل المقصود. ٣ حكم الوضوء بمس الأمرد: اختلف فقهاء الإباضية في حكم المتوضئ إذا مس الأمرد، هل ينتقض وضوءه أم لا؟ فذهب البعض إلى نقضه مطلقا ً قياسا ً بالمرأة الأجنبية، وهو ما استظهره السدويكشي من عبارته، ويرى آخرون أنه لا ينتقض إلا بقصد الشهوة، فإن كان غير ذلك، فلا نقض عليه قياسا ً بالرجال. قوله في معرض « حاشية الإيضاح » نقل السالمي عن السدويكشي في كذلك الأمرد لم أر فيه نصا » : حديثه عن لمس بدن الأجنبية فقال ً والظاهر أنه َّ (١) ٣١٨/ ابن بركة: الجامع، ١ - .٣٥٤/ ٣١٩ . الكندي أبو بكر، المصنف، ٤ (٢) .١٢٩/ السالمي: معارج الآمال، ٣ « كالمرأة(١) . قلت: حكم الأمرد عندنا حكم الرجال، فمن » : وعقب عليه بقوله مسه على قصد الشهوة فهو عاص، وينتقض وضوءه بالمعصية لا بنفس اللمس، بخلاف مس الأجنبية فإنه ناقض بنفسه، ولو لم يكن مع قصد إلى شهوة، خلافا ً « لمالك حيث اعتبر في مس الأجنبية قصد اللذة أو وجودها(٢) . ولعل ما ذهب إليه السالمي وغيره في حكم لمس الأمرد هو الأنسب والأعدل من الأقوال، فلا ينتقض الوضوء لمجرد اللمس، فإن قصد التلذذ فهو آثم وصحت طهارته، إلا إن طرأ عليه ناقض لها كخروج المذي، وفي هذا رفع للحرج والمشقة. ِ ٤ حكم ترك التسمية في الوضوء: ْ اختلف الإباضية في حكم من ترك التسمية في الوضوء عمدا ً أو نسيانا ً ، هل يفسد الوضوء أم لا؟ أنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « الجامع » نقل ابن جعفر في لا وضوء » لمن لم يذكر اسم الله على وضوءه « (٣) ، فمن ذكر الله بقلبه على وضوئه (١) .١٤٧/ السالمي: معارج الآمال، ٢(٢) ١٤٧/ السالمي: المرجع نفسه، ٢ - .١٤٨ (٣) رواه الربيع، كتاب الطهارة، باب في آداب الوضوء وفرضه، رقم: ٨٨ ، ص ٥٣ ، عن ابن عب ﱠ ٢٥ ، بلفظ: /١ ، اس، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب التسمية على الوضوء، رقم: ١٠١ عن أبي هريرة وهو حسن لغيره. وأخرجه الترمذي في الجامع .« على وضوئه » : بدل « عليه »،٢ الصحيح أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب في التسمية عند الوضوء حديث: ٧ عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، عن جدته، عن أبيها، قال: سمعت ٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول: « لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه » . قال الترمذي: وفي الباب عن عائشة، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وسهل بن سعد، وأنس. قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثا ً له إسناد جيد، وقال إسحاق: إن ترك التسمية عامدا ً أعاد الوضوء، وإن كان ناسيا ً أو متأولا ً أجزأه قال محمد: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن، ٰ ورباح بن عبد الرحمن، عن جدته، عن أبيها، وأبوها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. ٰ وإرادته لله تبارك وتعالى فقد ذكر اسمه، وهذا القول عنه 0 تأكيد على النية عند الوضوء. قال أبو سعيد الكدمي : وأما ذكر اسم الله عند افتتاح الوضوء جاء به » .« التأكيد والأمر، أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يفعل ذلك، ويأمر به ومعي أنه قد قيل في ترك ذلك على التعمد أنه ينقض الوضوء، » : وقال إذا كان ذلك على القصد إلى مخالفة السن ﱠ ة، لعله يخرج عن التعمد إذا ﱡ تعمد لترك ذلك؛ لأن ذكر اسم الله قد جاءني في تأكيد أن يكون فاتحة لكل شيء من طاعة الله، ولا نعلم شيئا ً من طاعة الله، ولا شيئا ً من الأمور التي تضاف إلى أمر الطاعة، وأمر الحلال مؤكدا ً فيه السن ﱠ ة عن النبي صلى الله عليه وسلم ﱡ ذكر الله تبارك وتعالى، وهو أهل لذلك وكل شيء لم يذكر فيه اسم الله ِ ولا ذ ُكر عليه اسم الله، فلا يرجى له معنى الصلاح، ويدرك له معنى نجاح ولا فلاح، وأحسب أنه قيل: قد أساء ولا نقض عليه، أعني في ترك اسم الله .«... على الوضوء وأحسب أنه يخرج معنى فساد وضوءه بترك الذكر لاسم الله » : ويضيف إذا لم يقصد لوضوئه لله على ما خوطب به من التعبد، فهو على ذلك الترك من ذكر اسم الله، أي من ذكر الله في قصده إلى ذلك، وهو حسن، إلا أنه قد يخرج العذر في النسيان للقصد إلى ذلك مع تقدم النية به في جملة « التعبد(١) . وهكذا يتضح من عبارة الكدمي أنه لا يميل إلى نقض الوضوء بترك ذكر اسم الله عليه، ما دام قد تقدمته النية لوجه الله تعالى، أما إن ترك النية والتسمية متعمدا ً بطل وضوءه وعليه الإعادة، وإن ترك التسمية نسيانا ً يعذر ويعفى من الإعادة. (١) .٣٥٨/ ابن جعفر: الجامع، ١ k :IÓ°üdG ÜÉH »a :É«fÉK ١ في حكم الصلاة إذا قصد بها الرياء والعجب: إذا دخل المصلي في الصلاة وكان يقصد بها الرياء والعجب، وابتغاء مدح الناس والطمع في ثوابهم، فما حكمها؟ وإذا دخل فيها على نية أدائها لوجه الله تعالى، ثم طرأ عليه هذا القصد، فما حكمها؟ بحث السالمي هذه المسألة وبين أثر الرياء والعجب على الصلاة فقال: ﱠ فإن الرياء والعجب ناقضان للصلاة من كبائر الذنوب، وذلك إذا أقرهما »المصلي في صلاته، ورضي بهما، سواء دخل في الصلاة على ذلك أو طرأ عليه بعد الدخول، وقال أبو الحسن(١) : إن كان إنما دخل في صلاته على أنه لم يصلها إلا رياء أو نفاقا ً وعجبا ً ، ولم يتعمدها بنية الأداء للفريضة، ولا أحرم ُْ ﱠ على ذلك، فهذا عليه التوبة والاستغفار والبدل والكفارة إن كان قد فات وقتها؛ لأنه قام على غير نية صلاة الفريضة، وإنما قام يصلي للناس. وإن خالطه الرياء والإعجاب بعد الدخول في الصلاة حتى قضاها، فهذا يتوب من ريائه وعجبه « وصلاته تامة، ولا إعادة عليه(٢) . ويقول السالمي معقبا ً وهو ملاحظ في هذا القصد الأول، فإن كان » : عليه القصد طاعة فهو طاعة، وإن كان معصية فهو معصية، وأنت خبير أن العصيان « في أثناء الصلاة كالعصيان في أولها(٣) . ويجيب السالمي على الاعتراضات التي تقدم بها من يرى عدم نقض وله أن يقول: إنه إذا دخلها على الرياء فليس بطاعة، » : الصلاة بالمعصية فيقول بخلاف ما إذا دخلها على قصد الصلاة ثم عارضتها المعصية، فإن الصلاة في ِ نفسها طاعة ولا يضرها المعارض. ُ (١) يقصد أبو الحسن البسيوي، سبقت ترجمته. (٢) .٨٩/ ١٥١ . البسيوي، جامع أبي الحسن البسيوي، ٢ / السالمي: معارج الآمال، ١١(٣) السالمي: المرجع نفسه. والجواب: أن أقل ما يلزمه في ذلك النقض بانتقال نيته عن القصد الأول .« إلى الرياء ِ فإن قيل: لم ينتقل قصده، وإنما قصد إلى الصلاة أولا ً وآخرا ً ، غير أنه َﱠ أحب أن يحمد عليها، وحبه لذلك معصية لم تغير القصد؟ قلنا: م ُ س َ ل ﱠ م، لكن يلزمه النقض من جهة أخرى، وهو أنه أص ْ ح َ ب طاعته بمعصية فكان حقها الرد؛ لأن الله إنما يتقبل من المتقين. فإن قيل: الرد غير النقض، وذلك أن الرد عدم القبول، وهو عبارة عن إعطاء الثواب على العمل، وهو أمر أخروي، والنقض عبارة عن عدم الإجزاء وهو عدم الصحة، فكل منتقض مطالب بفعله مرة أخرى وليس كل مردود كذلك. هذا رد مع إحباط لما روى أبو عبيدة قال: بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه » : قلنا َ قال: الرياء يحبط العمل كما يحبطه ا لشرك » « (١) « فهذا النص في موضع النزاع(٢) . ٢ في حكم الصلاة إذا انتقلت النية عن أصلها: وصورة ذلك: إما أن ينوي الخروج من الصلاة رأسا ً ، وإما أن يحول صلاة ﱢ ِ الفرض إلى النفل، وكلا َ الحالين مفسد لصلاته. أما الأول: فظاهر؛ لأنه أبطل عمله بالقصد إلى تركه. وأما الثاني: فلأن النية شرط لصحة الصلاة. ولما كانت الصلاة أنواعا ً منها: الفرض والنفل وجب التميز بينهما بالقصد، فإذا قصد الفرض ثم بدا له فحول النية إلى النفل، فسد فرضه، ﱠ (١) رواه الربيع، المسند، باب في ذكر الشرك والكفر، رقم: ٦٦ . بلاغا ً ، والترمذي، كتاب صفة ٥٩١ ، ما يقاربه /٤ ، القيامة والرقائق والورع...، باب ما جاء في الرياء والسمعة، رقم: ٢٣٨١ .« هذا حديث حسن صحيح من هذا الوجه » : معنى، عن أبي سعيد. وقال ً (٢) ١٥١/ السالمي: المرجع نفسه، ١١ - .١٥٢ وكذلك إن نوى النفل ثم حول نيته إلى الفرض فسد نفله، ولم يجزه عن ﱠ فرضه(١) . ويذكر السالمي صورا ً ومن دخل في » : أخرى لتوضيح هذه المسألة فيقول صلاة الظهر بنية صحيحة، وبعد ركعة ظن أنها صلاة العصر فاعتقد أنها صلاة العصر حتى صلى الثانية، ثم ذكر أنها صلاة العصر فرجع بنيته إليها، فقيل: تتم له ظهره. وقيل: يبتدئ صلاته لفسادها بانتقال نيته. ومن قصد إلى الظهر، وعند الإحرام نسي فنواها العصر، ثم ذكر بعد الدخول في الصلاة، فقيل: يبني على صلاته؛ لأن هذا زلة، وهو من النسيان العفو، وإن رجع فأحوط(٢) . ٣ في حكم صلاة الصبي وصومه إذا بلغ بعد الدخول فيهما: ذهب الإباضية إلى أن الصبي إذا بلغ أثناء دخوله في الصلاة أو الصوم، فإنه يجب عليه أن يخرج منهما ويعيدهما من جديد؛ لأن الصبي غير مكلف بالعبادة، ولا يدخل ضمن خطاب الشارع للمكلفين، فلا تجب عليه العبادة، ولكن إن أداها بشروطها صحت منه، ونال الثواب؛ لأن الصلاة عبادة ولا تتأتى إلا بنية وقصد، والصبي لا نية له، فإذا دخل الصلاة مثلا ً فظهرت عليه علامة البلوغ فليخرج منها ول ْيتطهر، ثم يكمل ما بقي منها، فإذا تمت استأنفها َ من جديد، أما إن كان صائما ً وبلغ في النهار، فلا يجب عليه قضاء ذلك اليوم ولا قبله؛ لأن صيام بعض اليوم لا يصح، ولأنه غير مخاطب بالتكاليف الشرعية، فلا يصح منه الصوم إلا بتبييت النية من الليل(٣) . نقل ابن بركة هذه المسألة في جامعه واستعرض فيه أدلتها وناقشها فقال: (١) .١٤٧/ السالمي: معارج الآمال، ١١(٢) السالمي: المرجع نفسه. (٣) ٣٥٣/ ابن بركة: الجامع، ١ - .٣٥٤ إذا دخل الصبي في الصلاة ثم بلغ، عليه الخروج مما هو فيه، وعليه أن يتطهر »للصلاة، ويأتيها إذا كان مدركا ً لوقتها، ومن أدرك ركعة والوقت قائم فهو مدرك للوقت إذا كان متطهرا ً ، وإذا قدر على الطهارة ولم يبق في الوقت ما يأتي من ركعة، والوقت قائم فهو غير مدرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من أدرك من العصر » ركعة فقد أدرك ا لصلاة « (١) . فإن قال قائل: لم وجب عليه الخروج مما دخل فيه، وقد كان مأمورا ً بها وفعل الطهارة التي أتى بها؟ قيل له: لما بلغ لزمه الفرض، فوجب أن لا يأتيه إلا بطهارة يقصدها، وصلاة ينويها؛ لأنه صار في جملة المخاطبين بالآية وهو قول الله تعالى: ﴿ onmlkjih ﴾ )البينة : (٥ . وقد كان قبل ذلك زائلا ً عنه الخطاب، وإن قال: وكيف يعلم بلوغه وهو في الصلاة؟ قيل له: البلوغ يقع من وجوه، أحدها: حدوث المني، ومنها استكمال السنين التي هي حد ّ « البلوغ، وإن اختلف الناس في ذلك الوقت(٢) . وبعد أن حدد ابن بركة موقفه من صلاة الصبي بعد بلوغه، انتقل إلى بيان حكم صوم الصبي إذا بلغ أثناء النهار من رمضان، فصرح بأنه لم يؤمر بقطع الصوم وقضائه؛ لأن حكم الصوم يختلف عن الصلاة في مسألة النية ووقتها، وإذا بلغ في النهار لم يلزمه صوم ذلك اليوم من » : وهذا ما دلت عليه عبارته رمضان، ولا يجب عليه قضاؤه، ولا قضاء ما مضى من الشهر؛ لأن اليوم الذي بلغ فيه غير مخاطب بصومه؛ لأن صوم بعض اليوم لا يجوز، ولا يصح الصوم إلا بنية من الليل. فإن قال: فما الفرق بين الصوم والصلاة؟ (١) رواه الربيع، كتاب الصلاة، باب في صلاة الجماعة والقضاء في الصلاة، رقم: ٢١٨ . مع زيادة في أوله. والبخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الفجر ركعة، رقم: ٤٢٣ ، عن /١ ، ٢١١ ، ومسلم، كتاب المساجد، باب من أدرك ركعة، رقم: ٦٠٨ /١ ،٥٥٤ أبي هريرة. (٢) .٣٥٤/ ابن بركة: الجامع، ١ قيل له: اختلاف حاليهما في الأوقات؛ لأن الصوم وقتا ً يشتغل به من أوله ّ إلى آخره، ولا يجوز إيقاع الصوم في بعض وقته، والصلاة لها وقت لا يوجب الاشتغال به من أوله إلى آخره، وجائز أن يؤتى بها في بعض وقتها، فالمدرك للركعة مع ثبوت الطهارة والوقت قائم مدرك للوقت، فمن لزمه الخطاب بعد انقضاء بعض وقت الصوم لا يمكنه أن يأتي به لما ذكرناه آنفا ً أن ّ وقته مخالف وقت الصلاة، والقضاء إنما يجب إذا الخطاب قد لزم، فلم يأته أو عذر بتركه، « فأما من لم يخاطب بالشيء فالقضاء عليه غير واجب والله أعلم(١) . هذا ومما يمكن أن نستدركه على ابن بركة أنه لم يشر إلى حكم الصبية إذا بلغت أثناء الصلاة أو الصوم، فهل حكمها حكم الصبي أم يختلف عنها؟ وعند النظر في علامات بلوغ الصبية فإنها قد تبلغ بالحيض أو النفاس، وهذا عذر شرعي لا يمكن إزالته باختيارها، وعليه فلا يمكن أن تعيد طهارتها في ذلك الوقت لتجديد الصلاة، بل يجب عليها الخروج منها، ولا يلزمها الإعادة ولا القضاء ما دامت غير مأمورة بالخطاب. أما حكم الصوم فإذا انقطع دمها وطهرت فإنها تكمل الأيام التي بقيت من شهر رمضان، ولا قضاء عليها يوم بلوغها ولا ما قبلها من الأيام؛ لأنها لم يلزمها ذلك. هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه المسألة تعتبر من تطبيقات قاعدة: والصلاة والصوم عبادات ولا تصح إلا بنية وقصد، ،« الأمور بمقاصده ا »والصبي غير مكلف بذلك. k :IÉcõdG ÜÉH »a :ÉãdÉK ١ في الزكاة والغرامة المالية: هل يجوز اعتبار الغرامة المالية والزكاة شيئا ً واحدا ً ؟ بمعنى هل تقوم الغرامة مقام الزكاة؟ (١) المصدر نفسه. أشار البكري إلى الفرق بين الزكاة والغرامة واعتبرهما شيئين مختلفين، يظهر لي والله أعلم » : فلا يقوم أحدهما مقام الآخر يقول في هذا الصدد أن ذلك لا يجوز للفرق البين الذي بين الزكاة والغرامة؛ ذلك أن الزكاة وضع ﱢ ٌْ إلهي، نصيبها المفروض قار، لا يزيد ولا ينقص، نسبتها محدودة، وأنواعها ٰ ﱞ التي يخرج عنها منها معلومة، وأصناف مستحقيها محصورة، وفوق ذلك فهي عبادة يتقرب بها إلى الله، فهي تؤدى احتسابا ً ، من أخل ّ بها لا يسأل إلا َ أمام الله، مسؤوليته أدبية، هي ما يناله من عقوبة يوم القيامة إن مات غير موف ﱟ ٍ أو موص بها، بخلاف الغرامة فإنها من وضع البشر، إلزامية الأداء، مقابل عمل أو مصلحة أو منفعة لا شائبة تطوع أو احتساب فيها، معلومها يزداد وينقص حسب مخططات السلطة التي تفرضها وميزانيتها، وتختلف نسبتها باختلاف أموال مؤديها وتبعا ً لكثرة تكاليفهم وقل ﱠ تها، م َ ن أخل ّ بها أو تأخر عن أجلها المحدد عوقب عقوبة مادية زائدة على تلك الغرامة، ترتفع كلما ماطل في الأداء، وقد يؤول أمرها أحيانا ً إلى مصادرة ما لديه من أموال، وأحيانا ً تكون تلك الزيادة غير منضبطة على حسب هوى منفذيها، إلى غير « ذلك من الفوارق(١) . وبعد أن حد ﱠ د البكري الفرق بين الزكاة والغرامة المالية، خلص إلى القول: وعليه، فالزكاة زكاة والغرامة غرامة، فلا تقبل هذه بعنوان تلك، ولا تلك »بعنوان هذه، فإذا كانت الزكاة عبادة لا بد لصحتها من النية، وإذا كانت الأعمال بالنيات، فلا ينبغي للمسلم أن يظهر خلاف ما يبطن، فلا تقبل الزكاة إلا إذا نوى صاحبها قبل الشروع في إخراجها أداء ما عليه من صدقة مفروضة في ماله باختياره وامتثالا ً واحتسابا ً«(٢) الأمور بمقاصدها » ، و .« (١) ١٤٢٣ ه/ ٢٠٠٣ م، ، بكلي عبد الرحمن: فتاوى البكري، تحقيق بورقيبة داود، ط ١ ٰ .١٨٢/٢(٢) ١٨٢/ بكلي: المرجع نفسه، ٢ - .١٨٣ ٢ في استثمار مال الزكاة: ُ إذا أخذ مال الزكاة واستثمر في مشاريع نفعية ورابحة لمصلحة الفقير، ثم يسل ﱠ م ريعها للفقراء، فالإباضية اختلفوا في هذه المسألة، فمنهم من أجاز ذلك ما دام المقصد هو تنمية المال لصالحهم، ومنهم من منع ذلك ووقف في حدود النص، وأوجب تسليم مال الزكاة لمستحقيه، وهم أولى باستثماره أو الانتفاع به. وقد سئل الشيخ بكلي عبد الرحمن عن هذا الأمر فأجاز ذلك بشروط، ٰ هل يسوغ شرعا » : ننقل رأيه بما نصه ً أن يجعل مقدارا ً من مال الزكاة في تنشيط اليد العاملة؟ أي إعانة العائلات الفقيرة، فبدل أن نعطيها تلك المبالغ نقدا ً بعنوان الاحتياج والفقر، فنكون قد أعن ﱠ اها، وإن بكيفية غير مباشرة على ِ الإخلاد إلى البطالة والكسل، عوض ذلك ندفع لها مواد أولية للمنسوجات َ من صوف وقطن وصبغة وما إلى ذلك، أفلا يكون ذلك خيرا ً لها وفتحا ً لباب «؟ السعي في وجهها نعم يمكن ذلك إذا كان يدفع تلك المواد بقيمتها الحقيقية، » : فأجابلا يقصد متاجرة أو التخلص من سلعة بائرة، بل يراعي مصلحة المعطى له لا غير، وعلى شرط أن لا يسترد شيئا ً مما أعطى، والأعمال بالنيات إذا روعيت هذه الشروط، فلا نظن أن ثمة مانعا ً « من هذا القصد النبيل(١) . ولا ريب أن الشيخ بكلي قد اعتمد في جواز استثمار أموال الزكاة لمصلحة ومن مقاصد الشريعة العامة: رعاية ،« الأمور بمقاصده ا » : الفقراء على قاعدة مصالح الناس بجلب النفع لهم ودفع المفسدة عنهم. هذا وقد بسط الشيخ أحمد الخليلي القول في هذه المسألة وأشار إلى أنها محل خلاف بين الفقهاء، وذكر أنه يمكن إباحة استثمار أموال الزكاة ضمن (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ .١٦٩/ فتاوى البكري، ط محققة، ٢ وحاول تأصيل هذا الحكم استنادا « في سبيل الله » مصرف ً إلى نصوص من آثار ولم أجد في شيء من كتب الفقه السابقة » : الصحابة، يقول في هذا الصدد تعرضا ً لاستثمار أموال الزكاة قبل وضعها في مواضعها، وإنما أفادت مراجع الفقه وغيرها ما ذكرته من اختلاف نظرة الفقهاء بين التوسعة والتضييق في بعض المسائل، بناء على اختلاف نظرتهم في ترجيح أحد الأصلين على الآخر، فمن راعى جانب التعبد شدد في ذلك، ومن راعى جانب المصلحة « كان بخلافه(١) . ويشير الخليلي إلى العلة المعتمدة في جواز استثمار أموال الزكاة وهي المصلحة المعتبرة شرعا ً ، فيجب أن يناط الحكم بها، وأوكل هذا الأمر إلى ولئن كانت المصلحة » : الحاكم الأمين الذي يراعي مصلحة المحتاجين، فيقول هي المحور الذي يدور عليه الفقهاء الموسعون، فإن قضية الاستثمار يجب أن تكون موضوعة في إطار المصلحة، فيحكم بجوازه أو منعه بناء على ثبوتها أو انتفائها، إلا أنه لا يمكن أن يترك الحبل على الغارب في ذلك، فيباح لكل أحد أن يتصرف وفق ما يدعيه من المصلحة التي يراها، وإنما ولي المسلمين الأمين هو بمثابة الوكيل الشرعي لهم جميعا ً في رعاية مصالحهم، فإن وجد أن الزكاة قد سدت حاجة الفقراء والمساكين، وكانت بيده فضلة منها لو تركت لاستهلكت، فلا مانع في هذه الحالة حسب نظري من استثمار هذه الفضلة « الزائدة عن حاجة أهلها فيما يعود عليهم بالنفع الأعم(٢) . وقد استند في حكمه إلى جانب دليل المصلحة المرسلة على بعض الآثار المروية عن عمر بن الخطاب 3 لما كان أميرا ً للمسلمين، فاعتبر ذلك وربما كان في » : من السياسة الشرعية، وكذلك على الإجماع، فقال في شأنه (١) الخليلي أحمد: الفتاوى، الكتاب الأول، طبع شركة مطبعة ع ُ مان ومكتبتها المحدودة سلطنة ع ُ . ١٤٢٣ ه/ ٢٠٠٣ م، ص ٥٠٤ ، مان، ط ٣(٢) . الخليلي: الفتاوى، ص ٥٠٤ صنيع عمر 3 عندما حبس الفيء على المسلمين لينتفعوا بريعه من غير أن يقتسموا أصله ما يستأنس به لصحة هذا النظر، وسلامة هذا الاتجاه، وكذلك صنيعه رضوان الله عليه عندما رأى الإسلام اشتد عوده وعظمت دوحته، ولم يكن بحاجة استعطاف المؤلفة قلوبهم لاستدرار نفعهم، واتقاء ضرهم، وقف عنهم سهمهم من الزكاة، وليس ذلك إلا لما أبصره من حكمة التشريع، وأدركه من أبعاد المصلحة، فإن مشروعية اشتراكهم في الزكاة ما كانت إلا لاجتلاب نفعهم ودفع ضررهم، وبما أن المسلمين أصبحوا في غنى عن ذلك لما آتاهم الله تعالى من قوة، ووهبهم من تمكين، رأى ذلك الخليفة الراشد البصير أن بقية مصارف الزكاة هي أولى بالتوفير، فوقف عنهم هذا السهم، وكان ذلك على مرأى ومسمع من سادة الأمة المهاجرين والأنصار @ ولم «(١) يكن منهم نكير، فكان ذلك إجماعا ً سكوتيا ً . ّ ويضيف في سياق تأصيله لحكم استثمار أموال الزكاة قائلا ً : ولئن اجتهد » ولي الأمر في ذلك عندما يرى مصلحة الفقراء والمساكين متعينة في استثمار نصيبهم من الزكاة، بعد سداد خلتهم، وإشباع مسغبتهم، فإنه لأحرى أن يجوز في نصيب المصرف السابع وهو سبيل الله؛ لأنه من أصله موكول إليه ومردود إلى نظره، وقد نص الفقهاء على أن له أن يشتري به ما يراه مصلحة للمسلمين وكذلك » : ما نصه « الإيضاح » لأجل إعلاء كلمتهم، وحماية بيضتهم، ففي جائز له للإمام أن يشتري من الصدقة العد ّ « ة والسلاح والخيل للجهاد(٢) ؛ ُ لأنه قال الله تعالى: ﴿ }| ~ ﴾ (الت وبة: ٦٠ ( . بل نص على أن عامل الإمام في الزكاة يجتهد وسعه فيما يعود بالمصلحة على أصنافها بعد ما تكون أيضا « الإيضاح » في يده إلى أن يدفعها إلى إمامه، ففي ً : وكذلك العامل هو » (١) الخليلي أحمد: المصدر السابق، ص ٥٠٤ - .٥٠٥ (٢) .١٢٠/ الشماخي: الإيضاح، ط دار الفتح بيروت، ٢ الناظر فيما استعمل عليه، وفي جميع ما يصلح له البيع، وفي شراء ما يصلح « له الشراء(١) . وبعد أن عرض الشيخ الخليلي حيثيات المسألة، صرح بالجواز وفق وخلاصة القول: إن استثمار » : شروط محددة على أساس البعد المقصدي فقال أموال الزكاة إنما ينبني جوازه على رأي الذين غلبوا الجانب المصلحي فيها، ولا بد في نظري أن يكون القائم بذلك هو ولي أمر المسلمين، نظرا ً لما هو الأصلح، وحرصا ً على ما هو الأوفر لمستحقي الزكاة، مع استشارة لأهل « النظر من خبراء وفقهاء(٢) . k :Ωƒ°üdG ÜÉH »a :É©HGQ ٍ يرى بعض فقهاء الإباضية أن الإنسان إذا أصبح غير ناو للصوم، واشتغل عن الأكل والشرب والمنكح حتى غروب الشمس، لم يستحق اسم صائم ولا يسمى مطيعا ً ؛ لأنه معرى عن الإمساك مع النية وما أتاه فهو صورة الصوم، ُﱠ ولو تقدم هذا الإمساك بنية من الليل ل َسمي مطيعا ً ، واستحق اسم الصوم(٣) ، َُ الأمور بمقاصدها » عملا بالقاعدة الفقهية الكبرى .« واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ CBA@ ﴾ (هود: ٧ (. فالإنسان إذا لم يعمل ما أمر به بقصد » : قال ابن بركة في هذا المعنى واختيار لم يسم مطيعا ً ، وإن ّما يسمى المطيع مطيعا ً أن يرقب أمر المطاع، فيأتيه ُّ ُﱠ امتثالا ً « لأمره، فحينئذ يستحق اسم مطيع (٤) . (١) ١٢٠/ الشماخي: المصدر نفسه، ٢ - .١٢١ (٢) . الخليلي: الفتاوى، الكتاب الأول، ص ٥٠٦(٣) .٢٦٥/ ابن بركة: الجامع: ١ (٤) .٢٦٥ - ٢٦٦/ المرجع نفسه، ١ k :èëdG ÜÉH »a :É°ùeÉN كثيرا ً من الحجاج يقصدون البقاع المقدسة لأداء مناسك الحج والعمرة، وينتهزون هذه الفرصة لقضاء بعض مآربهم الدنيوية، كالتجارة والسياحة وطلب العلم وغير ذلك، فهل يصح حجهم مع هذه المقاصد، وخاصة إذا خطط لذلك قبل السفر إلى الحج، ولم يطرأ عليه ذلك، أيكون ذلك من باب إشراك العبادة بالمصالح الدنيوية؟ وهل يؤثر ذلك على عبادتهم؟ بحث بعض الإباضية هذه المسألة وبينوا حكمها استنادا ً إلى الأدلة الشرعية وبيان ذلك فيما يلي: ١ إذا خرج الحاج قاصدا ً البيت الحرام وحمل معه متاعا ً للتجارة، هل يجوز له أن يقصد الحج والتجارة معا ً ؟ وما حكم حجه لو قصد التجارة فقط، وكان خروجه من أجل ذلك؟ وما حكم من يبحث عن وصية الحج فيأخذها بأجرة طمعا ً في المال؟ ورد على الشيخ سعيد الخليلي سؤال يشير إلى هذه المعنى يقول فيه وما تقول شيخنا في رجل خرج مسافرا » : السائل ً إلى حج بيت الله، وحمل ما شاء الله من الدراهم، وفضلت عن مؤنته، ثم أراد أن يشتري بها متاعا ً للتجارة، أعليه شك وشبهة في ذلك، إذا كان خروجه من وطنه لقضاء حجه وتأدية فرضه لا لتجارته، إذا كان عن نفسه أو بالأجرة، أك ُ ل ذلك سواء أم لا؟ ﱡ أرأيت َ إذا نوى هذا الرجل ليحمل من الدراهم ما تفضل عن زاده وراحلته، وليشتري بما بقي بضاعة عسى أن يرد بعض ما أتلفه في طريقه، أيجوز له ذلك وتسعه نيته هذه أم لا؟ وإن لم تسعه هذه النية ونوى بها الحجة، فقضى مآربه، وفضلت هذه الدراهم، واشترى بتلك الفضلة، ما الذي تكون له السلامة عند .«؟ الله في جميع ما وصفت لك فأجاب المحقق الخليلي : لا بأس عليه في ذلك إذا كان خروجه للحج » أن يأخذ معه تجارة ويتاجر فيها كما قال الله تعالى: ﴿ EDC JIHGF ﴾ )البقرة : (١٩٨ ، وكذلك من خرج بحجة عن غيره بالأجرة. وقيل: إنه ليس له أن يحمل معه تجارة إلا أن يشترط ذلك على من ِ « أجره، فإن رضي له بذلك وأذن له فيه وإلا امتنع(١) . وتجدر الإشارة في هذا الصدد: أن بعض الناس أهملوا قصد الحج واغتنام موسم العبادة، والتقرب إلى الله طمعا ً في مغفرته وثوابه، فتسابقوا في جمع حطام الدنيا وأهملوا صلاة الجماعة في الحرم، وانتشروا في الأسواق في أوقات الصلوات، بحثا ً عن الربح الزائل من التجارة الدنيوية، فلو فقهوا فضل الحج، وأجر الحاج، وما أعد ّ الله لهم من نعيم، لزهدوا في التجارة المادية، ول َ رغبوا في التجارة الأخروية؛ لأن ما عند الله خير وأبقى. وكذلك قد ساء عمل من يسعى جاهدا ً إلى تأجير نفسه لأداء الحج عن غيره، ويطلب المال الكثير فوق المعتاد كأنه غنيمة، فإن وجد حجة أقل من َﱠ ذلك عزف عنها، وربما تكفيه كل نفقات الحج ويفضل منها، ولكن الطمع أعمى بصائرهم وأزهدهم في ثواب الآخرة، ولا ريب أن كل هذه التصرفات وراءها مقاصد سيئة تحبط العمل، ولا يجني أصحابها منها إلا التعب والنصب، وتورثهم الإثم والندامة، وقد يتحملون مسؤولية التقصير في أداء واجبات الحج كاملة نيابة عن المؤجرين؛ لأنهم قد ائتمنوهم على فرض الحج، وهو د َ ين عليهم، ولكن إذا علم المؤجر بمقاصد المستأجر، وكان من عادته ودأبه ْ أن يستأجر الحجة لأجل المال، وليس لأداء فريضة الحج ابتغاء مرضاة الله، فانه لا يجوز له أن يستأجره، ولا يسلمه هذه الحجة، خاصة إذا كانت للموصي ِ والوصي مسؤول عنها، فعليه أن يبحث عن أمين عالم بأحكام الحج حتى يؤديه صحيحا ً ، وتبرأ بذلك ذمة الجميع، الموصي والوصي، والمؤجر والمستأجر والله أعلم . (١) .٢٣٠/ الخليلي سعيد بن خلفان: كتاب التمهيد، ٦ ٢ ومن جهة أخرى، فإنه ينبغي للحاج أن لا يقصد بحجه الرياء والافتخار، وحب المحمدة من الناس، والإسراف في نفقات الحج بقصد ُّ ْ المخيلة، فكل ذلك حرام يحبط العمل؛ لأن ذلك من أعمال المستكبرين، وقد يغضب بعض الحجاج إذا لم ي ُد ْ ع َ فبئس صنيعهم، وقد أشار ابن « الحاج » بلقب بركة البهلوي إلى هذا الأمر وحذر منه مستدلا ّ ً بنصوص من السن ﱠ ة، فعن ﱡ أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم حج على رحل ٍ قيمته أربعة دراهم، ثم قال: الل » ﱠهم ّْ ُﱠ حجة لا رياء فيها ولا سمعة « (١) . فالواجب على من » : وعقب ابن بركة على هذا الحديث بعبارة بليغة فقال أراد الحج أن يتواضع جهده، وأن يخلص نيته لله وحده، وأن يصرف همته إلى ما عنده، ويجتنب الرياء والسمعة، فإنه سفر عبادة، وأن إظهار المروءات في سفر الحج، والتفاخر والاستكثار من إظهار النعم فيه من دواعي الخيلاء « والإعجاب، اللذين يؤديان إلى إحباط الثواب(٢) . وقد يفهم البعض أنه يجب عليه أن يقتصد في نفقات الحج، فيقت ﱢ ر على نفسه ويمنع الصدقة عن غيره، وهذا الفهم يتنافى مع قصد الشارع في قوله تعالى: ﴿ ponmlkjihgf zyxwvutsrq ﴾ )الحج :(٢٨ ، ولذلك استدرك ابن بركة على هؤلاء ورغ ﱠ بهم في كثرة الإنفاق في الحج، رجاء الثواب وإن أكثر الحاج من النفقة رجاء الثواب كان أفضل له، » : الجزيل من الله، فقال ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال: المنفق في الحج كالمنفق في سبيل الله، الدرهم » (١) رواه ابن ماجه، كتاب الحج، باب الحج على الرحل، رقم: ٢٨٩٠ . عن أنس. والطبراني قال الهيثمي بعد ما عزاه » : ٩٩ . رقم ١٣٧٨ . عن ابن عباس. قال المناوي / في الأوسط: ٢ له وللطبراني رجال أحمد رجال الصحيح.... لكن الحديث له شواهد ترقيه إلى الصحة بل .٢٧/ فيض القدير: ٢ .« ادعى بعضهم تواتره(٢) .٤٤/ ابن بركة: الجامع، ٢ « بسبعمائة(١) ، وذلك كله ترغيبا ً في الإنفاق في ذلك الموسم الذي تضاعف فيه « الحسنات وتمحى السيئات (٢) . k :¿BGô≤dG IhÓJ »a :É°SOÉ°S اعتاد بعض الناس في بعض البلاد أن يجمع بعض القراء في بيته، ويطلب منهم تلاوة بعض السور من القرآن بقصد التبرك وطرد الشيطان من بيته؛ ولأجل الشفاء من الأسقام، أو لجلب الرزق وصلاح الذرية، وما يقدمه لهم صدقة لوجه الله، ولكن بعض القراء لا يراعون حرمة القرآن بتلاوته تلاوة صحيحة، وقد ينشغلون بأمور خارجة عن القرآن، أو يلبون الدعوة طمعا ً في ما يقدم لهم من طعام أو مال، فكل هذه التصرفات تتناقض مع مقاصد القرآن، ولا شك أنها مقاصد سيئة تحبط العمل، وتكسب الإثم لفاعله، وهل يتحمل صاحب المنزل بعض الوزر مما صدر منهم؟ ِ سئل الشيخ السالمي عما يصنعه العوام من الختمة ليطيب لهم التفكه َ بالطعام، وما الذي تحبه وتأمر به، وما يكون نية القارئ؟ وهل تضره النية لقصد الطعام؟ وإذا كانت قراءته مغلوطة هل يصح له ذلك، إذا كان متعارفا معهم أن القراءة أكثرها مغلوطة؟ الله أعلم بهذه الحالة، وكان الأصل في هذه قصد أهل المنزل » : فأجاب التبرك بقراءة القرآن في منزلهم، وإكرامهم للقارئ من تعظيم القرآن، فعلى القارئ أن يصحح النية ويقصد إجابة أهل المنزل للتبرك، ولا يقصد بالقراءة الطعام، فإذا قرأ على نية صحيحة جاز له أكل ما قدم له، كما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) ٢٦٥ ، وأورده الهيثمي بلفظ: /٥ ، رواه الطبراني في الأوسط، رقم ٥٢٧٤ النفقة في ا لحج » ﱢ « مثل النفقة في سبيل الله، الدرهم بسبعمائة . فيه أبو زهير ولم أجد من » : عن بريدة. وقال .٢٠٨/ ذكره. مجمع الزوائد، ٣(٢) ابن بركة: المرجع نفسه. الحريرة(١) ، من بيت عتبان بن مالك(٢) ، وكان قد دعاه للصلاة له في موضع من بيته تبركا ً«(٣) وجاز بمن دعي أن يقرأ ما يحسن من القرآن ولا يضره إن ل » ، َح َ ن، « ومن قصد الأكل فذلك حظه، أي لا يفوز بأجر تلاوة القرآن(٤) . َ (١) الحريرة: دقيق يطبخ بلبن أو دسم، ويطلق هذا الاسم في المغرب على نوع من الطعام يصنع من الدقيق وغيره من المواد الغذائية وله طعم لذيذ!! ويوجد أيضا ً في المناطق الغربية للجزائر مثل وهران وتلمسان. (٢) هو عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاري ال ْخ َز ْر َ ج ِ ي من بني سالم بن عوف ﱡ ِ ِ ِِِ ِِ َِِ ٍِ صحابي مشهور ش َهد َ بد ْرا ً ، وك َان َإمام َق َومه في ع َه ْ د الن ﱠبي صلى الله عليه وسلم وه ُو أع ْ م ى في ب َني سالم .. ََْ ﱢَََ َ ولد بالمدينة المنورة، ومات في خلافة معاوية، روى عشر أحاديث، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: ٤٣٠ ه): معرفة الصحابة، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي دار الوطن للنشر، الرياض الطبعة: الأولى، .٢٢٢٥/ ١٤١٩ ه/ ١٩٩٨ م، ٤(٣) رواه البخاري، كتاب أبواب المساجد، باب إذا دخل بيتا ً يصلي حيث شاء أو حيث أمر ولا يتجسس، رقم: ٤١٤ ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، رقم: ٣٣ . عن عتبان بن مالك. (٤) السالمي: جوابات الإمام السالمي تنسيق ومراجعة عبد الستار أبو غدة، ط ٣ نشر عبد الله بن محمد السالمي مكتبة الإمام السالمي، طبع بطابع النهضة روي سلطنة عمان، ُ .٥٦٩/ ١٤٢٢ ه/ ٢٠٠١ م، ٥ :AÉæÑ∏d IQÉLE’G »a :’k hCGs لو استأجر أحد رجلا ً ليبني له بناء على قبر، فهل يجوز للبن ﱠ اء أن ينجز ذلك؟ أم يمتنع عن الفعل ما دام فيه اعتداء على الغير؟ وكذلك إن كانت مواد البناء مغتصبة أو لا يعلم بها؟ وقد سئل أبو سعيد عن هذه المسألة فبين حكمها ّ وسألته عن الطيان » : بما نصه(١) إذا استعمله إنسان، يبني له على قبر، هل يجوز ّ «؟ له عمله وأخذه الأجرة على جملة عمله هذا معي إنه يخرج هذا البناء على معنى الضياع للمال إلا أن يكون » : فأجاب ِ لمعنى يريده الباني ظلا ّ ً من به، يخرج معناه للثواب، أو لسبب من الأسباب َ « الذي يدخل النفع لأحد من خلق الله الذي فيه الثواب(٢) . قلت: وكذلك الآمر بهذا البناء، قال: هكذا معي إنه إذا نواه » : وسأله كذلك « لمثل هذه المعاني التي تخرج مخرج النفع جاز له ذلك عندي(٣) . ِ وسأله أيضا ً : قلت: فإن كان هذا الآمر بهذا البناء سلطانا » ً جائرا ً والل ﱠبن والطين من أموال الناس، ولا يعلم الطيان ذلك من وجه غصب أو حلال، غير ّ ِ أن ّ السلطان أحضر الطين والل ﱠبن، هل يجوز لهذا الطيان أن يبني ذلك ويعمله، «؟ ويأخذ أجرته أم لا يجوز ذلك قال أبو سعيد : معي أنه إذا أذن له في عمل ما أوتي به ولم يعلم أن الذي » (١) الطيان: الذي يبني بالطين. (٢) ٢١٩/ الكدمي: المصدر نفسه، ٢ - .٢٢٠ (٣) الكدمي: الجامع، نفسه. k :áÑ¡dG »a :É«fÉK أتى به من وجه حرام، واحتمل حلاله بوجه من الوجوه، جاز له ذلك إذا « حسنت نيته في العمل ما يسعه(١) . ُ ويلاحظ من عبارة أبي سعيد أنه يربط كل التصرفات بالمقاصد، سواء صدرت من المؤجر أم البن ﱠ اء، فإن كان البن ّ اء يقصد من بنائه فوق القبر ََ ِ صيانته، أو نفع الناس يرجو ثوابا ً من الله فهذا جائز، أما إن كان البناء مخالفا ً للشرع بدعة في الدين، فهذا لا يجوز قطعا ً سواء كان قصده حسنا ً أم سيئا ً. أشار الشماخي في أقسام الهبة الجائزة إلى أثر المقاصد في الهبة فقال: والجائزة أيضا » ً لا تخلو من وجهين: وجه يقصد بها الثواب، ووجه لا يذكر بها الثواب، والذي يذكر بها الثواب ينقسم أيضا ً قسمين، قسم يقصد بها وجه الله، .« وقسم يقصد بها وجه المخلوق هي صدقة حسنة » : ثم بين حكم الهبة التي يقصد بها وجه الله فقال ﱠ ومندوب إليها، وثوابها عند الله يرتجى، كقوله تعالى: ﴿ }| ~ ﮯ ²±°¯®¬«ª©¨§¦¥¤£¢¡ ³´ ﴾ (الروم: ٣٩ ( ، ولا يحل للمتصدق بها أن يرجع فيها، فقد ثبت في الحديث عن عمرو بن شعي ب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الراجع في هبته كالكلب يرجع في قيئه » « (٢) ، وإن رجع إليه بوجه من وجوه الأملاك فلا بأس عليه في قول بعضهم، والدليل على ذلك ما روي: أن رجلا ً (١) المصدر نفسه. (٢) ٩١٥ ، وأحمد، /٢ ، رواه البخاري، كتاب الهبة، باب هبة الرجل لامرأته...، رقم: ٢٤٤٩ ﱠ مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، رقم: ٦٧٨٤ ، عن ابن عباس. ﱠ ُ تصدق على أمه بجارية، فماتت أمه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلميسأله، فقال له صلى الله عليه وسلم : قد » ﱢﱡ (٢) وقع أجرك على الله، ورد ّ الله عليك جاريتك « (١) .. ولما فرغ الشماخي من بيان حكم الهبة التي يقصد بها وجه الله، توجه إلى ُ وأما الهبة التي يقصد بها » : بيان حكم الهبة التي يقصد بها وجه الناس فقال وجه المخلوق فلا يخلو أن يقصد بها دينه أو دنياه، فإذا قصد بها دينه فلا تحل، ِ ولا يحل لأحد أن يأكل بدينه، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أشراط الساعة » بيع الحكم وقطيعة الرحم، والاستخفاف بالدم، وكثرة الشروط، وأن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا بأفضلهم إلا ليغنيهم به غناء « (٣) ، (١) رواه ابن أبي شيبة، كتاب الميراث، باب الرجل يتصدق بالصدقة ثم يردها إليه، رقم: ٣٥٦ . وسعيد بن منصور، كتاب الميراث، باب الرجل يتصدق بصدقة فترجع / د/ر، ٤ إليه بالميراث، رقم: ٢٤٩ . ابن حجر (المطالب العالية)، كتاب البيوع، باب من تصدق ثم عن حميد بن هلال العدوي، عن أبي » : رجع، رقم: ١٥٨٢ ، عن ابن سيرين. ونص الحديث الدهماء، أنه تصدق على أمه بجارية له كاتبها، فماتت الأم وعليها بقية من مكاتبتها، قال: ُ .« أنت ترث أمك، وأن تقسمها في ذي قرابتها أحب إلي » : فسألت عمران بن حصين، قال صحيح موقوف (٢) ٤٠١/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ط دار الفتح لبنان، ٤ - .٤٠٨ ،٤٠٢ (٣) أخرجه القاسم بن سلام في فضائل القرآن باب ما يستحب للقارئ من تحسين القرآن وتزيينه ١، ونص الحديث، عن زاذان أبي عمر، عن عليم، قال: كنا على سطح، بصوته، حديث: ٩٦ ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال يزيد: لا أعلمه إلا قال: عبس الغفاري فرأى الناس يخرجون في الطاعون، فقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: يفرون من الطاعون. فقال: يا طاعون، خذني. فقالوا: أتتمنى الموت، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «؟ لا يتمنين أحدكم ا لموت » فقال: إني أبادر خصالا » ً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته؛ بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوما ً يتخذون القرآن مزامير، يقدمون أحدهم، ليس بأفقههم ولا أفضلهم، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير من اسمه عبد الله من اسمه عابس ،« إلا ليغنيهم به غناء عابس الغفاري حديث: ١٤٩٠١ بزيادة، وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب معرفة الصحابة @ ذكر مناقب الحكم بن عمرو الغفاري 3 ،٥ حديث: ٨٦٩ وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف كتاب الصلاة باب حسن الصوت حديث: = كما روي أن النبي 0 أمر بعض عماله، أو قال بعض أصحابه أن يتخذ مؤذنا ً لا يأخذ على أذانه أجرا ً ، فعن عثمان بن أبي العاصقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « (١) اتخذ مؤذنا » ً لا يأخذ على أذانه أجرا ً . واستدل كذلك على تحريم الانتفاع بهذه الهبة بما نقل عن أبي محمد أيسر ويلسين (٢) في رواية الشيوخ أنه بات في تمنكرت(٣) فجعل أهل المنزل يخرجون عنه حتى بقي وحده، وكان معه رجل غريب، فلما خرج أهل المنزل فبدأ في القراءة، وكانت له نغمة، وكان له حسن الصوت، فلما سمع أهل المنزل قراءته جاءوه بالطعام، فأبى أن يأكله وقال لصاحبه إن أردت أن تأكل، « لا(٤) ك ُ ل، لو كانوا يطعمون في الله لأطعموني أو . ّْ وقد يستشكل البعض أمر المقاصد والنيات فيقول: كيف نطلع على قصده وهو من الأمور الغيبية، ولا يعلم حقيقة النوايا إلا الله؛ لأنه مطلع على ما في الصدور، فيبين الشماخي أن المقاصد تعرف بالقرائن والدلائل الظاهرة، وهذا غير أن هذا يعرف بالقرائن والدلائل إذا تبين أن الإطعام » : أمر مقدور عليه فيقول = ٤، عن أبي هريرة، أنه سمع رجلا ٠٤٨ ً ذكروا أنه الحكم الغفاري، أنه قال: يا طاعون، خذني الليل، قال أبو هريرة: أما سمعت يا أبا فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم لا يدعو أحدكم بالموت، » « فإنه لا يدري على أي شيء هو منه قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ستا ً أخشى أن يدركني بعضهن قال: بيع الحكم، وإضاعة الدم، وإمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وقطيعة » « الرحم، وناس يتخذون القرآن مزامير يتغنون به . (١) رواه أبو داود، كتاب الص ﱠ ٢٠١ ، والترمذي، /١ ، لاة، باب أخذ الأجر على التأذين، رقم: ٥٣١ كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا ً ، ، رقم: ٢٠٩ ﱠ .« حسن صحيح » : ٤٠٩ ، عن عثمان بن أبي العاص. وقال /١(٢) أبو محم ﱠ د ويسلان بن أبي صالح (أبو عمران): (حي في: ٤٠٥ ه/ ١٠١٤ م) من أهل تجديت، أو من زمرين، وكان أحد السبعة الذين أل ﱠ فوا ديوان العز ﱠ ابة في غار أمجماج بجربة، وكان .١١٢/ رأس هؤلاء. ينظر: معجم أعلام الإباضية (قسم المغرب) لجمعية التراث، ٢(٣) لم أتمكن من تحديد مكانها لعلها بلدة في جبل نفوسة بليبيا. (٤) ٤٠٩/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ٤ - .٤١١ لم يكن لله، وإنما كان على وجه لا يحل ولا يجوز مع هذا، ونظير هذه المسألة ما روي من نهيه 0 » عن كل قرض جر منفعة « (١) ؛ لأن معه قرينة تدل على أنه ُ إنما أعطاه ذلك لأجل ماله وهو منه مداراة، وكذلك كل من له عند رجل حق يجب فيه مثل هذا، وكذلك طعام الرجل عند غريمه، وفي الأثر: وقال من قال: إن طالب الحق لا ينزل على غريمه، ولا يأكل طعامه، ولا يقبل منه هدية إلا أن »يحتسب ذلك من حقه، وأرجو إذا كان بطيبة نفس المطلوب أن لا يكون به بأس. قد قيل ذلك من الرياء أن يأكل الغريم مع غريمه، وقال » : ومن غيره قال .« من قال: إذا جاء يطلبه بحقه، وأما في غير ذلك الوقت فلا بأس وهذا فيما يوجبه النظر إنما » : وعقب الشماخي على هذه الأقوال فقال يرجع إلى القرائن والدلائل، فمن القرائن ما ينزل منزلة التحقيق، ومنها ما هو « دون ذلك(٢) . كما أشار الشماخي إلى نوع من الهبة، وهي التي يقدمها الواهب للموهوب وإذا قصد » : بمقابل مادي أو نفعي، ويطلق عليها هبة الثواب فيقول في شأنها بالهبة ما يثيبه الموهوب لها من الدنيا فإنه لا يخلو أيضا ً أن يكون الثواب معلوما ً أو غير معلوم، فإذا كان الثواب معلوما ً ، فالهبة جائزة وتجري مجرى البيع في معانيها... وإن كان الثواب غير معلوم فهي أيضا ً جائزة، وعلى الموهوب له القيمة، وفي الأثر: وإن ذكروا ثوابا ً ولم يثبه الموهوب له كان له « أن يرجع الهبة، فهذا يدل منهم أن الهبة للثواب بمنزلة البيع يدرك فيه القيمة(٣) . (١) يشير إلى حديث ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل قرض جر منفعة فهو ربا » « رواه الربيع، كتاب البيوع، باب ما ينهى عنه من البيوع، رقم: ٥٦٣ ، ص ٢٢٥ ، عن جابر بن زيد مرسلا ً ، بلفظ: ...» وعن سلف جر منفعة والبيهقي في الكبرى، كتاب البيوع، باب كل قرض جر ،« منفعة فهو ربا ً عن عثمان بن » ٣٥٠ ، عن فضالة بن عبيد. ونص الحديث /٥ ، ، رقم: ١٠٧١٥ أبي العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : » اتخذ مؤذنا ً لا يأخذ على أذانه أجرا ً .« (٢) .٤١٢ ،٤١١/ الشماخي: الإيضاح، ٤(٣) .٤١٢/ الشماخي: المصدر نفسه، ٤ ويستنتج من فحوى خطاب الشماخي أنه اعتمد في بيان أنواع الهبة وإن لم يصرح بها؛ لأنه حسب ،« الأمور بمقاصده ا » : وأحكامها على قاعدة المقصد يتقرر الحكم ويكون الجزاء، فالظاهر هبة، ولكن حكمها يختلف حسب المقاصد، إن كان يقصد بها وجه الله أو وجه المخلوق، أو ينتظر منها تعويضا كالبيع. :É¡∏≤f π«¡°ùJh É¡¶Øëd ájƒHôdG ∑ƒæÑdÉH ∫GƒeC’G ´GójEG ºμM »a :ÉãdÉKk تكاد تتفق كلمة فقهاء الإباضية في تحريم التعامل مع البنوك والمصارف الربوية، ولم يرخص في ذلك إلا البعض عند الضرورة وانعدام البدائل المشروعة، كالمصارف الإسلامية، وأمام تعقد الحياة المادية وفساد أخلاق الناس والاعتداء على الأموال، وتهرب المدينين عن سداد ديونهم التجأ بعض الناس إلى البنوك ّ التقليدية للاستعانة بها في حفظ أموالهم من التلف والسرقات، أو للضغط على المدينين لسداد ما عليهم من ديون، أو جعلها وسيلة عبور ونقل للأموال من مختلف المناطق دون لقاء بين المتعاملين، لصعوبة نقل الأموال الضخمة عبر وسائل النقل المعتادة، فسهلت للناس معاملاتهم، وساهمت في تنشيط الحركة التجارية وازدهار الحياة الاقتصادية، وأمام هذه الأوضاع الجديدة تباينت مواقف الفقهاء واختلفت أحكامهم بين مانع ومجيز بإطلاق أو بقيود. ومن الذين رخصوا في الاستعانة بالبنوك الربوية لقصد حفظ الأموال وتسهيل انتقالها الشيخ عبد الرحمن بكلي مفتي الديار المزابية بالجزائر ٰ سابقا ً فقد ولج هذا الميدان الخطير بجرأة وشجاعة، وقد ّ م للناس حلولا ً مؤقتة لإنقاذهم من شبهات الربا التي وقع فيها كثير من الناس في ظل انتشار البنوك الربوية، وانعدام المصارف الإسلامية في معظم البلاد الإسلامية، وبنى حكمه انطلاقا ً من قواعد التيسير ورفع الحرج والمشقة عن الناس، ومراعاة للنصوص الشرعية ومقاصد الشريعة الإسلامية. ما قولكم يرحمكم الله في مخالطة البنوك » : وقد سئل في هذا الصدد واتخاذها مقرا ً «؟ على الخصوص ّ فأجاب: 5 غالب العمليات التي يجريها أرباب الأموال على البنوك » المؤسسة على قاعدة الربا الفائض لا يقرها الشرع الإسلامي؛ لأنها لا تخلو من ربا حرم الله أكله تحريما ً بات ّا ً لا هوادة فيه، قال تعالى: ﴿ !" 10/.-,+*)('&%$# ;:98765432 ﴾ )البقرة : (٢٧٥ ، كما هدد من لم يتركه ويتنصل منه بحرب من الله ورسوله، ﴿ {zyxwvu }| ~ ﮯ ¢¡ ❁ §¦¥¤ ¨ ¯®¬«ª© ° ³²± ´ ¶μ ﴾ (ال بقرة: ٢٧٨ - ٢٧٩ ( ، ومحارب «... الله محروب لا محالة(١) . ويشير البكري إلى العلة من تحريم الربا، وأنه توجد في البنك معاملات خالية من قصد الربا، ولا تقوم على أساس الربا فيقول: ...» بيد َ أننا إذا بحثنا َْ عن العلة التي أوجبت تحريم هذه العمليات وجدناها تكمن في قصد عملائها استثمار أموالهم وتنميتها على طريقها، وعلى قاعدتها الربوية، وعليه فإذا ما وجدنا صورة لا يقصد بها الاستثمار والتنمية، وإنما يقصد منها وجه آخر مباح، وقفنا إزاءها متأملين: أيشمله المنع، أم تستثنى من القاعدة العامة لخلوها من القصد المحظور؟ ومن بين هذه الصور الأخيرة اتخاذ البنك مقرا ً المعبر عنه في اصطلاحهم ّ ُﱠ بالدسلياسون (٢) ، وإذا تحققنا أن ليس القصد من هذه المخالطة... تنمية (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٢٠٢/ فتاوى البكري، ط الأولى ١٤٠٢ ه/ ١٩٨٢ م، ١ - .٢٠٣ (٢) ) dossiliation )، وقد بي ﱠ ن البكري حقيقة اتخاذ البنك مقر ّ ا ً أنه ي » : وصورة ذلك ُ نز ﱢ ل التاجر ُِ البنك َ منزلة َ وكيله بأن يضع في صندوق البنك ما يدخل يده من الأموال، ويلتزم البنك من جهته تسديد ديون حريفه التي عليه وصكوك ديون حريفه التي عليه لغرمائه، كما يستخلص = الأموال واستثمارها، وإنما حفظها والتذرع بها إلى اتخاذ البنك كوكيل يتولى تسهيل العمليات المالية، إذا تحققنا ذلك ساغ لنا أن نتساءل: هل للقصد تأثير «؟ على تكييف الحكم، بناء على أن الأعمال بالنيات(١) . ويجيب البكري عن هذا الإشكال استنادا ً إلى النصوص الثابتة وأقوال وبناء عليه يترجح أن يكون الجواب والله أعلم في هذه » : العلماء فيقول الصورة إيجابيا ً ، سيما والتضييق في المعاملات إذا لم تشتمل على محادة الله ّ فيما شرع مما لا ينبغي، قال الشيخ رشيد رضا(٢) : إن التعامل في عمل مفيد » = البنك له ما على حرفائه من سندات وصكوك مالية؛ لأن الحرفاء يرهبون جانب البنوك أكثر من جانبهم، يعرف ذلك يقينا ً من ابتلي بالتجارة، ويتلذذ الحرفاء في تسديد ما عليهم متى خاطبهم دائنهم كفاحا ً ، أو أرسل إليهم سنداته على طريق البريد، هذا إلى ما في إيداع أمواله بالبنك من الاطمئنان على صيانتها لا سيما إذا لم تكن تلك الأموال خالصة له، فإن من عاش في هذه الظروف خصوصا ً في بعض الأقطار التي فشت فيها الاضطرابات وعمت الفوضى، وكثر فيها النهب والغصب أثناء بعض التفتيشات المقصودة، لذلك وجد في البنك ملجأ حصينا ً يجعل أمواله في نجوة من أن تنالها يد غاصب أو ناهب أو سارق أو عابث، على أن هذا العميل لو اتخذ له وكيلا ً يتولى له ما أسلفنا ذكره من الأعمال والعمليات والحفظ لتقاضي عليه أضعافا مضاعفة مما يؤديه للبنك، وعليه ألا َ نعتبر ما يأخذ منه البنك بكلي عبد الرحمن .«؟ من قبيل ما يأخذه منه وكيله ٰ .٢٠٤/ فتاوى البكري، ١ (١) ٢٠٢/ البكري: الفتاوى، ١ - ٢٠٣ . بتصرف (٢) محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني، البغدادي الأصل، الحسيني النسب ( ١٢٨٢ - ١٣٥٤ ه/ ١٨٦٥ - ١٩٣٥ م): أحد رجال الإصلاح الإسلامي. من الكتاب، العلماء بالحديث والأدب والتاريخ والتفسير. ولد ونشأ في القلمون (من أعمال طرابلس الشام) وتعلم فيها. وتنسك، ونظم الشعر في صباه، وكتب في بعض الصحف، ثم رحل إلى مصر سنة ١٣١٥ ه فلازم الشيخ محمد عبده وتتلمذ له. وكان قد اتصل به قبل ذلك في بيروت. ثم أصدر مجلة (المنار) لبث ﱢ آرائه في الإصلاح الديني والاجتماعي. وأصبح مرجع الفتيا، في التأليف بين الشريعة والأوضاع العصرية أصدر منها ٣٤ مجلدا « مجلة المنار » : الجديدة. من أشهر آثاره ً « تفسير القرآن الكريم ط » ، و اثنا عشر مجلدا ً .١٢٦/ منه، ولم يكمله. الزركلي: الأعلام، ٦ للآخذ والمعطي شركة أو تجارة، وليس هو من الربا الحقيقي الذي علل الله حرمته بقوله: ﴿ ³´ ¶μ ﴾ )البقرة : (٢٧٩ ، والتضييق في التعامل « يفقر الأمة ويضعفها ويجعلها مسودة للأمم(١) . ثم إذا نظرنا إلى ما قرره الشيخ أطفيش في معرض الكلام على بيع الذرائع الذي يعد ّ الفقهاء صوره صورا ً ربوية في ظاهر الحكم، إذ قال في شرح النيل: َ إن بيع الذرائع الحكم الحقيقي فيه يدور على محور قوله صلى الله عليه وسلم » : إنما الأعمال » (٣) بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى « (٢) .. وبعد أن عرض البكري أقوال بعض الفقهاء الذين ينظرون إلى المقاصد فإذا سلمت النيات » : في المعاملات فيبنون عليها أحكامهم، خلص إلى القول من قصد التذرع إلى أخذ ثمن حاضر ليدفع أثمن منه بعد أجل، كانت الصورة جائزة فيما بينه وبين الله، وإن حكم الحاكم ببطلانها؛ لأن حكمه ينبني على الظاهر والصورة الظاهرية ربوية، ففرق ٌ إذا ً بين ما يسوغ في الحكم، وبين ْ ما يسوغ للمرء بينه وبين الله، وهذا الاعتبار الأخير هو ما يجب على كل مسلم أن يهدف إليه في أعماله، فتبين من هذا الفرق أن للقصد تأثيرا ً أي تأثير في « تكييف الحكم(٤) . هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن البكري لم يجعل حكم اتخاذ البنك مقرا ً ّ مطلقا ً ، بل قيده بشروط حتى لا يتخذه البعض ذريعة إلى الربا؛ لأن الأصل الضرورات تبيح » تحريم التعامل مع البنوك، وهذه الرخصة جاءت من باب الضرورة تقدر بقدرها » و ،« المحظورا ت « وزيادة في » : وفي هذا المعنى يقول الاستبراء ننصح هذا العميل بما يأتي: (١) . رشيد رضا، مجلة المنار، م ١٧ نص ٢٨٠(٢) سبق تخريجه. (٣) ١٥١ . لم ينقله بلفظه بل بمعناه. / أطفيش: شرح النيل في باب الذرائع، ١٤ (٤) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٢٠٣/ فتاوى البكري، ١ - .٢٠٤ ١ أن لا يتخذ ذلك ذريعة لاستغلال البنك بطريقة ماكرة، بأن يظل ما عليه للبنك يفوق أضعافا ً مضاعفة ما لديه مودعا ً بالبنك، فيكون حينئذ بمثابة من يقترض منه مبالغ بفائض وهذا محرم. ٢ أن يجمع كل سنة ما انجر له فائضا ً من هذه المعاملات إذا كان دخله ﱠ أكثر من خرجه، ثم يطرح ما أخذه منه البنك والفاضل يتصدق به على الفقراء، فإذا فعل ذلك فقد بالغ والله أعلم في الاستبراء لدينه ِ وعرضه، قال تعالى: ﴿ ¯® ° ³²± ´ ¶μ ﴾ (ال بقرة: ٢٧٩ (. وبعد أن وضع البكري هذه الضوابط المانعة من الوقوع في أوحال الربا، وعليه، نظرا » : أكد ما توصل إليه بعد طول النظر في حيثيات الموضوع فقال ً للاعتبارات المتقدمة مما أسلفت لك تفصيله، فإن طريقة اتخاذ البنك مقرا ً ّ «(١) أراها جائزة شرعا ً . مجمل القول: بعد عرض رأي البكري في حكم اتخاذ البنك الربوي مقرا ً لحفظ الأموال ّ من التلف، وجعله بمثابة الوكيل الذي يسهل عمليه انتقال الأموال، ومتابعة الزبائن الذين يتعامل معهم، وذلك بالضغط عليهم لسداد ديونهم المستحقة له، يبدو أن ما ذهب إليه البكري هو الرأي الأعدل والأوفق في مثل هذه الظروف؛ لأنه يتماشى مع ضرورة العصر، وفيه مراعاة لمقاصد الشريعة في التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم في مجال المعاملات، ما دامت لا تتصادم مع النصوص القطعية، إلا أنه إن وجدت وسيلة أخرى مشروعة تقوم بحفظ الأموال، وتسهل على المتعاملين انتقال أموالهم بأمان، وتعين العملاء على جمع أموالهم من المدينين، وذلك بالضغط عليهم حتى يسددوا ما عليهم دون (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٢٠٤/ فتاوى البكري، ١ - .٢٠٥ مماطلة في الدفع والقضاء، ففي هذه الحالة يتوجب على المسلم أن يتجنب التعامل مع البنوك الربوية تحت أي ذريعة كانت، ما دامت توجد مؤسسات مالية بديلة تقوم على أساس المعاملات الإسلامية؛ لأن العلة تدور مع المعلول وجودا ً وعدما ً ، فإن زال العذر المانع وانتفى، عاد الحكم إلى أصله وهو المنع، وهذا ما ينبغي على الفقهاء أن ينبهوا إليه ويرشدوا الناس إليه، حتى نساهم في انتشار المصارف الإسلامية، وتقليص المصارف الربوية والله أعلم(١) . k :¢Vô©dGh ∫ɪdGh ¢ùØæ∏d áfÉ«°Uh IGQGóe ºcÉë∏d Iƒ°TôdG ™aO ºμM :É©HGQ أجمع الفقهاء على أن الرشوة محرمة شرعا ً على المعطي والآخذ، ورخص بعضهم في رشوة الحاكم للمداراة اتقاء لشره وضرره، ودفاعا ً عن النفس والعرض والمال، إذا كان لا يقدر على دفع ظلمه إلا بذلك، وقالوا حلال على المعطي المضطر حرام على الآخذ المستغل، وقد اشتبه أمر الرشوة على كثير من الناس، فمنهم من منعها مطلقا ً ، ومنهم من حرمها على الآخذ وأجازها على المعطي عند الضرورة، ومنهم من توقف في حكمها، وقد ورد على َ متى يعتبر ما يبذله » : الشيخ عبد الرحمن بكلي سؤال حول هذه المسألة، مفاده ٰ «؟ المرء لغيره رشوة يحرم تعاطيها الرشوة والسحت والمداراة من شجن واحد، بيد أن » : فأجاب ّ حكمها يختلف، فالرشوة: هي ما يعطى لحاكم تذرعا ً لإبطال حق أو إحقاق باطل، وهي محرمة على المعطي والآخذ معا، ملعونان على لسان الشارع، بل وحتى على الرائش الذي يمشي بينهما، قال تعالى: ﴿ ponmlk {zyxwvutsrq﴾ (البقرة: ١٨٨ ( ، (١) بعد الاطلاع على رأي شيخنا أحمد بن حمد الخليلي في فتاويه وجدته يوافق رأي البكري في تحريم التعامل مع البنوك الربوية إلا عند الضرورة، كاتخاذه مكانا ً آمنا ً لحفظ الأموال عند عدم وجود البديل والضرورة تقدر بقدرها، ينظر: فتاوى المعاملات، الكتاب الثالث، ص ١٣٧ - .١٥٣ وقال صلى الله عليه وسلم : لعن الله الراشي والمرتشي » « ، وقال: الراشي والمرتشي في ا لنار » « (١) ، وقال أيضا ً : لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما » « (٢) (٣) . وبعد أن عرف البكري الرشوة وبين حكمها ودليلها من القرآن والسن ﱠ ة، ﱠّ ﱡ عر ﱠ ف الس ﱡ ح ْ وهو كل ما يأكله الناس بينهم بالباطل، فهو أعم من » : ت فقال الرشوة، وهي منه، وبه ف ُس ﱢ ر قوله تعالى: ﴿ $# ﴾ (ال مائدة: ٤٢ ( . أي ِ ٍَِ للرش َ ى، وهو محرم تناوله، فقد ثبت عن جابر بن ز َ يد أن ﱠ الن ﱠبيء صلى الله عليه وسلم ق َ ال َ ﱠ َ ُُْْ َ ِ ِِ ٍِ ٍَِِ لك َع ْ ب ب ْ ن ع ُج ْر َة َ : ي» َا ك َع ْب ُ ، ك ُل ﱠل َح ْم ن َب َت َمن ْس ُح ْت ف َالن ﱠار ُأو ْل َ ى به « . قال صلى الله عليه وسلم : « كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به »(٤) «(٥) . ﻩﺍﻭﺭ ﻦـﺑﺍ ،ﺮﺠﺣ ﺏﺎﺘﻛ ﺀﺎﻀﻘﻟﺍ ،ﺕﺍﺩﺎﻬـﺸﻟﺍﻭ ﺏﺎﺑ ﻡﺫ ،ﺓﻮـﺷﺮﻟﺍ :ﻢـﻗﺭ٢٢٣٩ . ،ﻢﻛﺎﺤﻟﺍﻭ ﺏﺎﺘﻛ ،ﻡﺎﻜـﺣﻷﺍ ﺏﺎـﺑ ﺎﻣﺃﻭ ﺚـﻳﺪﺣ ،ﻥﺎﺑﻮﺛ :ﻢﻗﺭ٧١٣٠ . ﻦﻋ .ﺔـﺸﺋﺎﻋ ﻪﻈﻔﻟﻭ :ﻝﺎـﻗ ﺎﻨﺛﺪﺣﻥﺍﻭﺮﻣ ﻦﺑ (١) ،ﺔـﻳﻭﺎﻌﻣ ﻦـﻋﻕﺎﺤـﺳﺇ ﻦﺑ ،ﻰﻴﺤﻳ ﻦﻋ ﻲﺑﺃﺮﻜﺑ ﻦـﺑ ﺪﻤﺤﻣ ﻦﺑ ﻭﺮﻤﻋ ﻦﺑ ،ﻡﺰـﺣ ﻦﻋ ،ﺓﺮﻤﻋ ﻦﻋ ﺔﺸﺋﺎﻋ^ ، :ﺖﻟﺎﻗ ﻦﻌﻟ» ﻝﻮﺳﺭﷲﺍ ﷺ ﻲﺷﺍﺮﻟﺍ «ﻲﺸﺗﺮﻤﻟﺍﻭ ﻩﺍﻭﺭﻮﺑﺃ ،ﻰﻠﻌﻳ ﻦﻋﺪﻤﺣﺃ ﻦﺑ ﻊﻴﻨﻣ ﻝﺎﻗﻭ :ﺭﺍﺰﺒﻟﺍﻻ ﻪﻤﻠﻌﻧ ﻦﻋ ﺔﺸﺋﺎﻋ# ، ﻻﺇ ﺍﺬﻬﺑ ،ﺩﺎﻨﺳﻹﺍ ﺩﺮﻔﺗ ﻪﺑﻕﺎﺤﺳﺇ ﻦﺑ ﻰﻴﺤﻳ ﻮﻫﻭ.ﻦﻴﻟ ﻩﺍﻭﺭ ،ﻢـﻛﺎﺤﻟﺍ ﺏﺎـﺘﻛ ،ﻡﺎﻜـﺣﻷﺍ ﺏﺎـﺑ ﺎـﻣﺃﻭ ﺚﻳﺪﺣ ،ﻥﺎـﺑﻮﺛ :ﻢـﻗﺭ .٧٠٦٨ ﻦﻋ .ﻥﺎـﺑﻮﺛ ،ﻱﺬﻣﺮﺘﻟﺍﻭ ﺏﺎﺑﺎﻣ ﺀﺎﺟ ﻲﻓ ﻲـﺷﺍﺮﻟﺍ ﻲـﺸﺗﺮﻤﻟﺍﻭ ﻲﻓ ،ﻢﻜﺤﻟﺍ :ﻢﻗﺭ .١٣٣٦ :ﻆﻔﻠﺑ ﻦﻌﻟ» ﻝﻮـﺳﺭﷲﺍ ﷺ ﻲـﺷﺍﺮﻟﺍ (٢) ﻲﺸﺗﺮﻤﻟﺍﻭ ﻲﻓ ،«ﻢﻜﺤﻟﺍ ﻦﻋ ﻲﺑﺃ ،ﺓﺮﻳﺮﻫ :ﻝﺎﻗﻭ ﻲﻓﻭ ﺏﺎﺒﻟﺍ ﻦﻋ ﺪﺒﻋﷲﺍ ﻦﺑ ﻭﺮﻤﻋ ﺔﺸﺋﺎﻋﻭ ﻦﺑﺍﻭ ﺓﺪﻳﺪﺣ ﻦ ﻡﺃﻭ ،ﺔﻤﻠـﺳ :ﻝﺎـﻗﻭ ﺚﻳﺪﺣ ﻲﺑﺃ ﺓﺮﻳﺮﻫ ﺚﻳﺪﺣ ﻦـﺴﺣ ...ﺢﻴﺤﺻ ﺖﻌﻤـﺳﻭ ﺪﺒﻋﷲﺍ ﻦـﺑ ﺪﺒﻋﻤﺣﺮﻟﺍ ٰ :ﻝﻮﻘﻳ ﺚﻳﺪﺣ ﻲﺑﺃ ﺔﻤﻠﺳ ﻦﻋ ﻦﺑﺍ ﻭﺮﻤﻋ ﻦﻋﻲﺒﻨﻟﺍ ﷺ ﻦﺴﺣﺃ ﺀﻲﺷ ﻲﻓ ﺍﺬﻫ ﺏﺎﺒﻟﺍ.ﺢﺻﺃﻭ (٣) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٢٣٧/١ ، فتاوى البكري، ط ١ - .٢٣٨ (٤) أخرجه الربيع بن حبيب في المسند رواية عن جابر بن زيد، كتاب الأخبار والمقاطيع، رقم: ٩٤١ ، ص ٣٢٩ ، بلاغا ً . والترمذي، كتاب الحظر والإباحة، باب ما ذكر في فضل الصلاة، رقم: ٦، عن كعب بن عجرة، بنفس المعنى وزيادة، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ١٤ لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى. وأخرجه ابن حبان في صحيحه كتاب الحظر ٥؛ عن كعب بن عجرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم والإباحة ذكر الإخبار بإيجاب النار حديث: ٦٤٤ : يا كعب بن عجرة، إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت النار أولى به، يا كعب بن »عجرة، الناس غاديان: فغاد في فكاك نفسه فمعتقها، وغاد موبقها، يا كعب بن عجرة، الصلاة « قربان، والصدقة برهان، والصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا . (٥) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٢٣٨/ فتاوى البكري، ١ كما تعرض البكري لبيان معنى المداراة مبرزا ً العلاقة بينها وبين الرشوة والمداراة وإن كانت من قبيل الرشوة، لكنها غير محظورة » : والسحت فقال على معطيها، وهي محرمة على آخذها؛ لأن المعطي يصانع بها الجبار دفعا ً لظلمه عن النفس أو العرض أو المال، قال صلى الله عليه وسلم : ق» ُ وا بأموالكم عن أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه « (١) . لا بأس أن يصانع الرجل » : وروي عن جابر بن زيد والشعبي أنهما قالا عن نفسه وماله إذا خاف الظل م، وقال الحسن : لعن الله الراشي والمرتشي ِ ليبطل حق ّ ا ً أو يحق باطلا ً « ، أما أن تدفع عن مالك فلا بأس(٢) . ولا تحل المداراة لآخذها لقوله صلى الله عليه وسلم » : قال صاحب النيل : شر الناس من » ﱡ يكرم مخافة شره « (٣) ، وجاز للمسلمين أن يداروا على أنفسهم ومالهم وحرمهم َُ « بأموالهم(٤) . أن يداروا من خافوا منه الظلم ولم يقدروا عليه، » : قال: شارحه َ «(٥) مشركا ً أو مخالفا ً أو موافقا ً . مجمل القول: وبعد أن عرض البكري أقوال الفقهاء في حكم الرشوة والمداراة خلص (١) ٤٩٣ كاملا ،٣٦٤/ أورده ابن عدي في الكامل: ٢ ً . والذهبي في المغني في الضعفاء: ١٢٨٣ ، الشطر الأول منه مع زيادة في /٢١٣/ ١٥٧٢ . وابن حجر في اللسان: ٢ ،١٧٥/١أوله، عن عائشة. قال المناوي: قال ابن عدي: الحسين بن المبارك متهم بالوضع ثم ساق له .٥٢٨/ هذا الحديث. الفيض: ٤ (٢) رواه ابن أبي شيبة، كتاب البيوع، باب الرجل يصانع عن نفسه، رقم: ٢١٥٣٦ . عن جابر بن ٤٧١ . عن جماعة من أئمة التابعين. / زيد. وأورده المباركفوري في التحفة: ٤(٣) .٢٠٨/ ٣١٠ . أبو ستة، حاشية الترتيب: ٤ / أطفيش أمحمد: هميان الزاد إلى دار المعاد: ٤ وقد نسبه لصاحب الضياء. (٤) .٧٠١/ الثميني عبد العزيز: كتاب النيل وشفاء العليل، ٣(٥) أطفيش: شرح كتاب النيل، ط ٢، نشر مكتبة الإرشاد جدة السعودية، وطبع بدار الفتح بيروت، .٨٧/ ١٤٠٥ ه/ ١٩٨٥ م، ١٢ وعليه، فلا يعتبر عندي من الرشوة المحرمة ما يعطيه تاجر » : إلى القول لعامل في منظمة وطنية مقابل تمكينه مما يرغب في شرائه زيادة على قيمتها المقررة قانونا ً ؛ لأنه المباشر للبيع، فتلك الزيادة تعتبر من تمام قيمة البضاعة التي لا سبيل للحصول عليها واقعيا ً إلا من طريق تلك ّ الزيادة، فهو يعطيها مكرها ً رغبة في اقتناء سلعة، وليس الغرض من بذل تلك الزيادة التذرع إلى إبطال حق أو إحقاق باطل، أو كان قصده تأييد الوسيط على غلوله، فتلك الزيادة تشبه ما يأخذه السمسار على التاجر زيادة على سعر البضاعة، وإنما الأعمال بالنيات، هذا بالنسبة للمشتري، أما بالنسبة للوسيط فلا تحل له تلك الزيادة التي يأخذها لنفسه؛ لأنها غلول، قال صلى الله عليه وسلم : من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا » ً ، فما أخذه بعد ذلك فهو « غلول(١) «(٢) . في حكم مداراة الحاكم الظالم بالمال: ومما يشهد بذلك أن » : ويؤكد البكري رأيه في موضع آخر فيقول العلماء فرقوا بين الآخذ والمعطي في باب المداراة وهي من الرشوة طبعا ً وحرموا على الآخذ أخذها؛ لأنه ظالم وأكل لمال الناس بالباطل، وأجازوا للمعطي إعطاءها دفعا ً عن نفسه أو ماله أو عرضه؛ لأنه مظلوم ومضطر أن يصانع الجبار، ولو لم يكن هناك خوف ممن لا يقدر عليه لما ساغ له أن يداري، فيصبح ما يعطيه حينئذ أك ْ لا ً لمال نفسه بالباطل وهو « حرام(٣) . (١) رواه ابن خزيمة، كتاب الزكاة، باب فرض الإمام للعامل على الصدقة رزقا ً معلوما ً ، رقم: ٢٢٠٤ . والحاكم، كتاب الزكاة، باب وأما حديث محمد بن أبي حفصة، رقم: ١٤١٠ . وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. (٢) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٢٣٩/ فتاوى البكري، ١ (٣) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٢٨٠/ المرجع نفسه، ١ ويستنتج من عبارته أن المداراة جائزة عند الضرورة، إذا كان المضطر غير قادر على دفع ضرر الظالم عن نفسه أو ماله أو عرضه، أما إذا كان قادرا ً على الأمور » دفع ذلك دون مداراة فلا يجوز ذلك ما دام قد انتفت الضرورة، و الضرورة تقدر بقدرها » و ،« بمقاصده ا .« k :»°VÉjôdG ¿ÉgôdG ºμM »a :É°ùeÉN اعتادت الحكومات والجمعيات الثقافية والرياضية تنظيم مسابقات ثقافية ورياضية بين الشباب، وترصد للفائزين جوائز قيمة بقصد تشجيعهم على ّ اكتساب الثقافة، وممارسة الرياضة؛ لتنمية عقولهم وأجسامهم، وقد ابتدع البعض فكرة الرهان الرياضي يشارك فيه كل من يرغب في مناظرة فريق رياضي؛ لقصد الربح المادي مقابل مبلغ رمزي يدفعه للجهات المنظمة، وقد اشتبه على البعض حكم الرهان الرياضي وتساءل، هل حكم ما يجنيه المشارك فيه من ريع يعتبر بمثابة الجعل الذي أجازه الفقهاء؟ ُ سئل الشيخ عبد الرحمن بكلي عن الحكم الشرعي في الرهان الرياضي ٰ ِ ِ هو من القمار المحرم؛ لأنه رهان بعوض من الجانبين بدون » : فأجاب َ « محلل، وهو لا يجوز(١) . وزيادة في توضيح هذا الحكم نقل الشيخ عبد الرحمن أقوال بعض الفقهاء في حكم المسابقات الرياضية، فذكر عن ٰ لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب » : القرطبي أنه وعلى الأقدام، وكذا الرمي بالسهام، واستعمال الأسلحة، وقد قصرها فريق من العلماء على الخف والحافر والنصل، وخصها بعض العلماء بالخيل، ِ وأجازها عطاء في كل شيء، كل هذا إذا كان بغير عوض، أما إذا كان بعوض فيجوز في الحالات الآتية: (١) .٢٥١/ بكلي: المرجع نفسه، ١ ١ أن يكون الج ُ عل من غير المتسابقين، كالإمام (وفي معناه الحكومة)، بأن ِِ يقول الإمام لفارسين أو راميين من سبق منكما فله كذا، ومن سبق َْ ُ فلا شيء له. وحكي عن مالك أنه لا يجوز العوض من غير الإمام. ُ ٢ أن يكون المال من جانب واحد، كأن يقول أحد المتسابقين: إن سبقتني ْ أعطيتك كذا، وإن سبقتك لا آخذ منك شيئا ً. ٣ إذا كان معهما ثالث محلل شريطة أن يكون محتمل السبق ولا يخرج من عنده شيئا ً ، ليخرج العقد من متناول القمار. وصورته: أن يقال: إن سبق أخذ منهما أنصافا ً ، وإن لم يسبق لم يعطهما شيئا ً ، وإن سبق أي واحد منهما الآخر فله كذا من مال الآخر، فيأخذ المحلل ّ منهما الجعل إن سبقهما، ولا يعطيهما شيئا ً إن لم يسبقهما، وفيما بينهما أيهما ُ سبق أخذ ما شرط له(١) . وعقب الشيخ عبد الرحمن بكلي على هذه الحالات وما قيل فيها بقوله: ٰ فأنت ترى أن الرهان الرياضي لا ينطبق على صورة من صور الجواز، لذلك »قلنا إنه قمار وأنه حرام، لا يقال إن ما يوضع على كلا الجانبين رهان في مباراة العصر، لا يكون غالبا ً من المتسابقين إنما يضعه غيرهم ذلك يجري على يد ممثله؟ قلنا: فرق بين القصدين، فإن الإمام يمنح ذلك تشجيعا ً لرعيته على ركوب الخيل والفروسية إعدادا ً للقوة، ثم لا يسترد ما أعطى، بخلاف أولئك الهواة فإنهم لا يقصدون من وراء ذلك سوى الربح من طريق القمار، والحصول على الرهان، ولم يكن مقصدهم كالمقصد الأول نبيلا، ً والأعمال بالمقاصد، « فتدبر والله تعالى أعلم وأحكم(٢) . (١) ٢٥١/ بكلي: المرجع نفسه، ١ - .٢٥٢ (٢) .٢٥٢/ المرجع نفسه، ١ خلاصة القول: يظهر من خلال عبارة البكري أن هناك فرقا ً واضحا ً بين الرهان الرياضي والجعل الذي يمنحه الحاكم للمتسابقين، تشجيعا ً لهم على الرياضة، وتقوية ُ لأجسامهم، فالأول حرام؛ لأنه قمار، والثاني مباح، فهو بمثابة العطية أو الهدية من الحاكم. ولا ريب أن البكري توصل إلى هذه الحقيقة اعتمادا ً على قاعدة: .« الأمور بمقاصدها » k :¿Gôμ°ùdG ¥ÓW ºμM »a :’hCG اختلف فقهاء الإباضية في حكم طلاق السكران، فمنهم من يرى أن السكران الفاقد للقصد لا يقع طلاقه كما لا تقع تصرفاته المالية؛ كالبيع الأمور » : والشراء، والهبة، والوصية، والنكاح، وذلك إعمالا لقاعدة بينما يذهب البعض الآخر إلى الحكم بوقوع طلاق السكران ،« بمقاصده ا معاقبة له على جنايته. ولأهمية هذه المسألة فقد بحثها بعض الفقهاء، فبين حكمها وحدد الفرق ّ بين أنواع السكر، وحالة السكران، وقال: هناك من يكون سبب سكره ش ُ رب الحلال دون قصد الإسكار، وقد يكون يشرب الحرام مع القصد، والسكران قد يكون في حالة الإسكار مميزا ً يعقل ما يقول، وقد يكون غير مميز فاقدا ً للوعي، كالمجنون أو المغمى عليه، وفي كل هذه الحالات فالصورة واحدة وهي: السكر والتصرف واحد وهو التلفظ بالطلاق، أما الحكم يختلف حسب الأسباب ﱡّ والأحوال، والمقاصد(١) . ويعد ّ ابن بركة من أبرز من تعرض لهذه المسألة بتفصيل، وحكى اتفاق ُ الإباضية على وقوع طلاق السكران دون غيره من التصرفات، ولكنه اختلف معهم بعد نظره في المسألة من جميع الوجوه، فوجد الحكم يختلف حسب حالة السكران، فصرح برأيه مستندا ً اتفق » : إلى أدلة الشرع، وفي ذلك يقول أصحابنا فيما تناهى إلينا عليهم أن طلاق السكران يقع منه محكوما ً عليه به، (١) ٢٦٤ . وينظر: عبد العزيز الثميني: كتاب النيل وشفاء العليل، / السالمي: طلعة الشمس، ٢ .٤٤٥/٢ وطلاق المجنون غير واقع منه باتفاق منهم ومن مخالفيهم أيضا ً ، وكذلك قال الجميع: إن ّ من وقع منه هذا الطلاق في حال مرض، أو من خولط في عقله َ ببعض العلل أن طلاقه لا يلزم، ولم أعلم أن أحدا ً أجاز بيع السكران « ولا شراءه(١) . وتعجب ابن بركة من موقف جمهور الإباضية الذي يفرق بين طلاق السكران وغيره من التصرفات، ولم تظهر عنده علة مناسبة لذلك، ولا مسند ولم أعلم ما وجه أصحابنا في تفريقهم » : لهم في هذه المسألة، فتساءل وقال بين طلاق السكران وغيره من النكاح، والبيع والشراء، مع استواء حكم الظاهر «! في الجميع مع قولهم: إن الطلاق لا يقع إلا بالنية، والسكران لا نية له(٢) . ولكن بعد التأمل في المسألة والنظر فيها من كل الجوانب تبين له الحكم المناسب الذي لا يسوي بين السكران المميز وغير المميز، فوافقهم في جانب ﱢ التمييز لما يكون السكران واعيا ً لما يصدر منه، واختلف معهم عند ف َق ْ د التمييز والنظر يوجب عندي أن السكران الذي معه تمييز أن الأحكام تلزمه في » : فقال كل شيء؛ لأنه يفعل ما يفعله بقصد لما عنده من التمييز، وأما السكران الذي لا تمييز معه كالمجنون الملقى في قارعة الطريق والساقط على المزبلة، فسبيله عندي سبيل المجنون الذي تقع أفعاله معراة من المقاصد، والله تبارك وتعالى لا يخاطب إلا من يعقل عنه خطابه، ومن كان مجنونا ً أو لا يعقل الخطاب « لا تلزمه أحكام العقلاء(٣) . وقد عضد ابن بركة مذهبه بنص من القرآن يخاطب الله فيه السكارى رغم وقد خاطب الله جل » : أنه يفترض أنهم في حالة فقدان الوعي والإدراك، فيقول ذكره بعض السكارى بقوله: ﴿ zyxwv ﴾ )النساء :(٤٣ . (١) .١٧٩/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) المصدر نفسه. (٣) .١٧٩/ ابن بركة: الجامع، ٢ فالسكران على ضربين: سكران مميز وسكران غير مميز، فالمميز إذا أتى بفعل وادعى عزوب النية وترك القصد مع الفعل، لا تقبل منه دعواه كما تقبل من مميز غيره. والسكران الذي لا يعقل لا يقع منه طلاق ولا غيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إنما » « الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ، فإذا عدمت نيته لزوال عقله بسكر أو « جنون كانت أفعاله غير محكوم بها(١) . ويضيف قائلا ً : ومما يدل على صحة ما قلنا: ما اتفق الناس عليه أنه لو » استأجر في حال ذلك، أو اشترى أو باع، أو وهب أو تزوج، فإن ذلك لا يثبت عليه لعدم القصد منه ومعرفته بحقيقة الفعل، فإذا كان العاقل المميز يل ْ زمه َ حكم ما لفظ به في الطلاق وإن ادعى طلاقا ً من وثاق؛ فإنه لم يرد طلاقا ً يوجب تحريما ً لما عنده من العقل والتمييز، وكذلك السكران المميز يلزمه « ما لفظ به من الطلاق وغيره لما عنده من العقل والتمييز(٢) . فالتمييز عند ابن بركة هو أساس الحكم على تصرفات السكران؛ لأن العقل أساس التكليف، فإذا وجدت العلة وجد الحكم، وإذا زالت العلة زال الحكم . بينما نجد السالمي وغيره يجعل السكر الذي سببه حرام هو سبب ﱡ ِ الحكم على طلاق السكران، سواء وجد التمييز أو انعدم، ولم يق ْ صر هذا وأما » : الحكم على الطلاق دون بقية التصرفات، وفي هذا المعنى يقول السكر الذي سببه حرام فهو أن يسكر المرء من أكل المسكر أو شربه على غير الضرورة المتقدم ذكرها، فإن هذا السكر لا ينافي الخطاب؛ لأنه متعرض بنفسه لتغير عقله اختيارا، فناسب أن تجرى عليه الأحكام الشرعية، ّ (١) .١٨٠/ ابن بركة: المصدر نفسه، ٢(٢) المصدر نفسه. والدليل على أنه غير مناف للخطاب قوله تعالى: ﴿ vu ts zyxw ﴾ )النساء : (٤٣ ، فإنهم ن ُ هوا أن يقربوا الصلاة وهم سكارى، وهذا الخطاب متوجه إليهم حال السكر، فإذا ظهر لك صحة تعل ﱡ ق الخطاب بالسكران ف َ أج ْ ر ِ عليه أحكام الصاحي، فيثبت ُ طلاقه لزوجه وعتقه لعبيده، ويلزمه الإسلام في حال سكره؛ بمعنى أنه إذا كان كافرا ثم سكر ثم ِ أسلم في حال السكر، ثم شاء الارتداد بعد الص ﱠ ح ْ وة فإنه يجبر على الإسلام ترجيحا ً للإسلام على غيره؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، أما لو كان ُ مسلما ً ثم ارتد في سكره، فإنه لا ي ُ الحدود ت » قام عليه حد المرتد؛ لأن ُ درأ « وتغير العقل شبهة واضحة ،« بالشبه ات(١) . ّ وبعد أن حمل السالمي السكران نتيجة أقواله وأفعاله، خلص إلى القول: ﱠ وبالجملة فجميع الأحكام ثابتة على السكران الذي سبب سكره حرام، حتى »قيل: إنه لو فعل في سكره ما يستوجب به الحد يقام عليه الحد، فلو زنا وهو سكران، أقيم عليه حد الزنى، ولو سرق وهو سكران قطعت يده، وكذا سائر الحدود، وقيل: لا يقام عليه الحد في ذلك؛ لأن الحدود ت ُ « درأ بالشبها ت(٢) . واختار السالمي الرأي الثاني عملا ً الحدود تدرأ » : بالقاعدة المشهورة بالشبهات « رغم أن القول الأول هو المشهور، واستدرك عليه أنه لو أخذ برأيهم فإنه يستثنى من الحدود حد ّ الردة؛ لأن فيه شبهة ظاهرة، فقال مرجحا ً وهو الصحيح عندي والأول أشهر، وأقول: إنه ينبغي أن يخرج » : الرأي الثاني من جملة ذلك حد ّ الارتداد، فيقال: إن المرتد في حال سكره لا ي ُ قام عليه حد المرتد، وهو القتل؛ لأن السكران لا تمييز معه، فيجري على لسانه ما لم يكن مقصودا ً «... له(٣) . (١) ٢٦٤/ السالمي: طلعة الشمس على الألفية، ٢ - .٢٦٥ (٢) السالمي: المصدر نفسه. (٣) .٢٦٥/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ مجمل القول: بعد التأمل في قولي ابن بركة والسالمي ومن نحى نحوهما(١) يظهر أن َْ الرأي الأقرب للصواب والذي يطمئن إليه القلب، وتميل إليه النفس هو رأي ابن بركة وغيره لقوة أدلته ووجاهته، ومراعاته للقواعد الشرعية، والمقاصد العامة من التشريع التي تراعي حال المكلفين، وتنظر إلى مقاصدهم، وليس إلى التصرفات الظاهرة فقط، والذي يؤيد ما ذهبنا إليه أن السالمي رغم أخذه ُ بالرأي الذي يعاقب السكران على جميع تصرفاته، فإنه منع من تطبيق العقوبات ُ عليه، وبخاصة في حد ّ الردة للشبهة الحاصلة وهي: أن السكران في حال الردة لا تمييز معه، وهذا يتناقض مع أصله القائم على معاقبة السكران على تصرفاته مطلقا ً ، سواء كان في حالة سكره مميزا أم فاقدا للوعي. ولكن قد يسأل البعض، لماذا يراعي السالمي وغيره في هذه الحالة هذا ُ المقصد، وفي الحالات الأخرى يغفل عنه، ويجري عليه الأحكام، ويحاسبه على تصرفاته، فيحكم بطلاق السكران؟! ولعل السبب في استثناء هذا الحكم من غيره هو للشبهة الحاصلة، لأنه لا يمكن الجزم بقصد السكران في حالة القتل، والحدود تسقط بالشبهات كما نصت عليه النصوص والقواعد الشرعية. ِ وفي السياق نفسه سئل السالمي عن الرجل إذا سكر بخمر لا بدواء ِ فطلق زوجته، حسبت عليه، أما إذا باع أو أعطى أو وهب لا يترتب على ذلك ُ أثر إلا بالقصد. قال السائل: ما الفرق بين السكر بالخمر وبين السكر بالدواء، ثم ما الفرق بين الطلاق وسائر الأشياء المذكورة؟ أما الفرق بين الدواء والخمر، فلأن الخمر مسكر طبعا » : فأجاب ً محرم شرعا ً ، فمن قصده فقد تعرض لزوال عقله، وأثبتوا عليه الطلاق؛ لأنه في حكم (١) بكوش يحيى: فقه الإمام جابر بن زيد، ص ٤٢٠ - .٤٢٢ المتعمد له، وذلك أنه إذا تعمد الإسكار فقد تعمد توابعه؛ لأنه يعلم أن السكران يجري على لسانه أشياء لم يقصدها، وأما السكر بالدواء فهو أمر عارض، فمن قصد الدواء لم يقصد السكر، فإذا عرض عليه السكر من حيث لم يعلمه، كما إذا كان أصل الدواء مباحا ً ، فعراه الإسكار من حيث لا يدري، لم يؤاخذ بما يجري على لسانه؛ لأنه في حكم المغمى عليه، وأما الفرق بين الطلاق والبيع، والعطاء والهبة؛ فلأن هذه الأشياء لا تثبت إلا بنفس القصد « إليها بعينها، بخلاف الطلاق فإنه يثبت بدخوله القصد إلى جملة تتضمنه(١) . ويستفاد من جواب السالمي أنه حكم على السك ْ ر بالحلال بمقتضى قاعدة: بينما حكم على الذي سكر بالحرام بالطلاق بمقتضى ،« الأمور بمقاصده ا »من قصد بفعله غرضا » : قاعدة ً فيعاقب ،« غير مشروع عومل بنقيض مقصود ه على شربه الخمر، ويقع عليه الطلاق عقوبة له لارتكابه للمحرم، فيتحمل تبعات أقواله وأفعاله زجرا ً له وردعا ً لغيره، حتى لا تسول له نفسه اقتراف ّ مثله؛ لأن من مقاصد الشريعة العامة حفظ الدين والعقل والمال، وهو بتصرفه قد اعتدى على دينه وعقله وماله. k :¥Ó£dÉH ∞∏ëdG ºμM »a :É«fÉK ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من حلف بطلاق زوجته فإن يحنث وتطل ّ ق زوجته، سواء حلف ألا يفعل ففعل، أم حلف أن يفعل فلم يفعل. وقد صرح بذلك السالمي في إحدى فتاويه جوابا ً عن سؤال ورد إليه من رجل له زوجتان وكما تعلم ما بين الضرائر من التحاسد والتباغض، فجعلت واحدة » : يقول فيه هي وأهلها يلومونه ويعنفونه على مفتاح بيت الحوائج الذي يحتاج أهل البيت له، أن ّ ابنتهم هذه لا تجده عند الحاجة إليه، فقال الزوج: إنه يترك في موضع ُ (١) .١٧٢/ السالمي: العقد الثمين، ٣ معلوم عند أهل البيت للكل، فما كفاهم قوله، فحلف بالطلاق الثلاث أنه يدعه في الموضع الفلاني، وقال معناه، هو وبقي أهله يتركونه في ذلك الموضع، ِ وهو صادق من قبل نفسه بزعمه، لكن كأنه حلف على غيب من جهة غيره، «؟ فما قولك فيه، أتنظر له رخصة، أم تطلق أزواجه فأجاب السالمي : إذا كان المفتاح يترك في ذلك الموضع في عهده، » وكلما جاء به وجده مكانه في غالب الأحوال فلا حنث عليه، وإن دسته الضرة ّ عن ضرتها في بعض الأحيان بغير علم ولا اطلاع، فلا يضره ذلك إذا لم ي ُ سل ّ طها على ضم ّ ه (إخفائه)؛ لأن العبرة بفعله هو لا بفعل الضرات، ولا تطلق زوجاته مع صدقه، وليس هذا من أيمان الغيب، وإنما هو يمين على ما عهد الأمور بمقاصدها » من حاله وحال أهل بيته، و « ولكل امرئ ما نوى، على أنك .« قد علمت ما في قول العامة بالطلاق إن شيخنا المحقق سعيد بن خلفان بن أحمد (الخليلي) » : ويضيف : جعله بمنزلة قول القائل بالصلاة وبالصوم وبالحج، فكما لا يلزمه من هذا اللفظ صلاة ولا صوم ولا حج، فكذلك لا يلزمه من قوله بالطلاق طلاق، على أن المسألة مختلف فيها والتزويج معلوم الصحة، فالأحوط بقاؤها معه لاستصحاب حكم الزوجية، ونقلها إلى غيره مع ثبوت الخلاف مشكل جد ّ ا ً ، إلا بحكم « حاكم يرى الصحيح ثبوت الطلاق(١) . k ÉãdÉK :IÉaƒdG hCG ¥Ó£dG øe Ió©dG »a : العدة عبادة شرعها الله على النساء ويشرط فيها النية والقصد، فإذا دخلت المرأة في العدة دون عقد النية، فبعض فقهاء الإباضية يرى أن لا عدة لها، الأمور بمقاصدها » ولا تحسب تلك الأيام من العدة؛ لأن « وفي هذا المعنى يقول ابن بركة : ويجب على المعتدة أن تعتد بقصد وإرادة؛ لأنها عبادة تعبدها » (١) ١٨٥/ السالمي: العقد الثمين، ٣ - .١٨٦ الله بها، ولا تأتي بها إلا بالنية، قال الله جل ذكره: ﴿ lkjih onm ﴾ )البينة : (٥ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات » « (١) «(٢) . ولكن ما الحكم لو خرجت المرأة من عصمة زوجها بطلاق أو موت، ومرت عليها مدة العدة دون أن تنوي ذلك، هل تعتبر هذه المدة من عدتها، فالذي يستخلص ُ من عبارة ابن بركة أن الإباضية يعتبرون تلك المدة من العدة ولا إعادة عليها، الحرج » و ،« المشقة تجلب التيسي ر » : ولعلهم استندوا في حكمهم إلى قاعدة مرفوع « عن المعتدة مراعاة لحالها. ويرى بعض الإباضية أنه يجب على المرأة المسلمة المعتدة إذا طلقت أو توفي عنها زوجها أو اختلعت منه، أن تعتد بقصد وإرادة، أي أن تعقد نية العدة قبل الشروع فيها؛ لأنها عبادة تعبدها الله بها، كما أنها حق للزوج ولا تأتي بها ِ ِ إلا بنية، وعليه فإذا مضت مدة العدة بعد طلاق المرأة أو وفاة زوجها، ووصلها الخبر متأخرا ً ؛ فإنها لا تحسب من وقت الطلاق أو الوفاة، بل تبدأ العدة من ُ وقت وصول الخبر ولا عبرة لما سبقه؛ لأن العدة لا بد لها من نية عند إرادة الالتزام بها، وكذلك إذا اختلعت من زوجها ووصلها خبر موافقته متأخرا ً ، وخالف جمهور الإباضية هذا الرأي واعتبروا بداية العدة من وقت الطلاق أو الوفاة أو الخلع، ولو وصل الخبر متأخرا ً ، فتحسب الأيام التي مضت وتكمل ما بقي منها، أما إذا وصلها الخبر بعد مضي وقت العدة تكون بذلك قد خرجت من العدة ومن العصمة الزوجية، ولها حق الارتباط بغيره، ولم يشترطوا القصد والنية لصحة العدة. نقل ابن بركة هذه المسألة في جامعه، وأشار إلى اختلاف فقهاء الإباضية ويجب على المعتدة أن تعتد بقصد وإرادة؛ » : فيها، ثم رجح أحد القولين فقاللأنها عبادة تعبدها الله بها ولا تأتي بها إلا بالنية قال الله جل ذكره: ﴿ jih (١) سبق تخريجه. (٢) .٢٠٢/ ١٩١ . الكندي، المصنف، ج ٣٨ / ابن بركة: الجامع، ٢ onmlk ﴾ )البينة : (٥ . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال ب النيات » « وقال ِ أصحابنا : إذا أتى عليها وقت العدة منذ ف ُ ورقت بالطلاق أو الموت، فقد سقطت «... العدة عنها، والمختلعة سبيلها سبيل المطلقات البوائن في حكم العدة(١) . ويضيف قائلا ً : واختلف أصحابنا في المرأة يأتيها خبر وفاة زوجها أو » طلاقها بعد انقضاء العدة التي تعتد في مثلها، قال أكثرهم: إن عدتها قد انقضت بمرور الوقت، وقال بعضهم: وهو كالشاذ من قولهم لا يكون ما مضى من الأيام التي لم تعلم بوفاة زوجها وطلاقه من انقضاء عدتها، وعليها إذا علمت أن تقصد إلى فعل ما تعبدت به؛ لأن العدة عبادة لا تؤد ﱠ ى إلا بقصد وإرادة وني ة، وهذا أرجح القولين عندي في باب النظر... ويدل على صحة هذه المقالة ما أجمعوا عليه من أن المرأة إذا خلا بها زوجها ثم فارقها، فاتفقا على أنه لم يطأها، أنهما مصدقان في ذلك، ولها نصف الصداق، وهو قول ابن مسعو د، ولا يصدقان في العدة التي أوجبها الدخول؛ لأن العدة عندهم حق الله 8 ، فإذا كانت العدة حق ّ ا ً لله عليها تعبدها بها، فيجب ألا تخرج منها إلا بأن تقصد إلى فعلها، ولا تكون مؤدية لهذا الغرض إلا بقصد ونية، وهذا سبيل سائر العبادات، وقال الله 8 في كتابه: ﴿ LKJI ﴾ )البقرة : (٢٢٨ ، وقال: ﴿ &%$ ' *)( ﴾ )البقرة : (٢٣٤ ، والتربص هو الانتظار، فكيف تكون «؟ متربصة ولم تعلم التربص، ولا تربص وجب عليها(٢) . منشأ الخلاف وثمرته: إذا تأملنا في وجهة نظر الفريقين وفي أدلتهما يظهر أن منشأ الخلاف سببه يعود إلى أمرين: (١) .١٩١/ ابن بركة: المصدر السابق، ٢(٢) .١٩٢/ ابن بركة: المصدر السابق، ٢ ١ هل العدة حق الله تعبد به المرأة بعد الطلاق أو وفاة الزوج؟ ٢ هل يشترط في العدة القصد والنية قبل الشروع فيها؟. فمن اعتبر العدة حق ّ ا ً للزوج على المرأة تعبدها الله به، لم يشترط النية والقصد في بداية العدة، ولذلك لو اعتدت المرأة بدون نية صحت العدة، وكذلك في حالة وصول خبر الطلاق أو الوفاة إليها متأخرا ً بعد مضي وقت العدة أو بعضه، ولا تستأنف من جديد، بل يكون قد خرجت من العدة بعد مضي وقتها، أو تحسب ما مضى وتكمل الباقي. أما الفريق الآخر نظر إلى المسألة من جانب آخر فاعتبر العدة عبادة وحق ﱞ لله تعبد المرأة بها، لذا يجب عليها قبل بداية العدة أن تنوي وتقصد فعلها، ﱠ حتى تصح منها، وكذلك سائر العبادات لا تصح إلا بنية وقصد؛ وبناء عليه فلو وصل للمرأة خبر طلاقها أو وفاة زوجها وقد مضى عليه مدة من الزمن استغرقت كل مدة العدة أو بعضها، فإنها لا تحسب تلك المدة، بل تستأنف من جديد بداية من وقت وصول الخبر. والذي يظهر بعد التأمل في الرأيين أن لكل رأي وجاهته وما يستند إليه، وإنما ،« الأمور بمقاصده ا » : فالذين لم يشترطوا النية في العدة لم يعملوا قاعدة ُ لأن تكليف المرأة بإعادة حساب أيام ؛« المشقة تجلب التيسي ر » : أعملوا قاعدة العدة بعد انتهائها، بسبب تأخر وصول الخبر إليها فيه حرج ومشقة لا يخفيان على أحد، والدين يسر، والله يقول: ﴿ }|{z ~ے ¡ ﴾ )الحج : (٧٨ . وعليه فإنه لا يلزمها إعادة احتساب العدة، بل نطالبها بحسابها من الطلاق أو الوفاة؛ تخفيفا ً لها حتى لا نتسبب في إضرارها، فل َ ربما يتقدم لها ّ خاطب بعد مضي وقت العدة فلا يتسنى لها الارتباط به، وقد لا يسعه الانتظار فنكون بذلك قد ف َوتنا عليها فرصة الزواج من جديد. ﱠ كما تظهر وجاهة الرأي الآخر أيضا ً ، أنه لا يحكم على الأفعال بظواهرها، بل ينظر إلى المقاصد والنوايا؛ لأن التكليف لا يصدر إلا من عاقل عالم بالمقصد من الفعل، كما صرح بذلك السدويكشي في حاشيته على الإيضاح، « وشرط النية العلم بالمنوي » : فيقول(١) صورة الفعل وصفته لا تدل » ، كما أن على طاعة ومعصية، وإنما يصير الفعل طاعة أو معصية إذا أضيفت إليه النية « (٢) . وبناء عليه فقد اشترط جمهور الإباضية على المرأة عقد النية قبل الشروع في العدة، وإذا تأخر خبر وصول الطلاق أو وفاة زوجها تبدأ العدة من لحظة وصوله، ولا عبرة لما سبق إعمالا ً الأمور بمقاصدها » للقاعدة الكبرى .« مجمل القول: الأمور » : وهكذا يتبين من خلال هذا القول أن الإباضية لم يعملوا قاعدة بمقاصدها « المشقة تجلب » : في هذه الحالة، وربما خرجوها على قاعدة ﱠ التيسير « ولكن يمكن التوفيق بين القولين، فمن اشترط القصد والنية في العدة باعتبارها عبادة لا تؤدى إلا بالنية، سواء كان القصد قبل الشروع في العدة أم بعد جواز مدتها، أما من أسقط العدة عن المعتدة بعد مرور وقتها من الفراق فقد نظر إليها باعتباره أمرا ً واقعا ً قد حدث، سواء كان عن قصد أم عن خطأ، فما دامت قد اعتدت طوال تلك المدة ولم تتزوج بعد استبراء رحمها، فتحسب تلك المدة ضمن عدتها تخفيفا ً عليها؛ لأن القصد من العدة استبراء الرحم ومراعاة حرمة الزوج المطلق أو المتوفى، فما دامت المرأة قد راعت هذه المعاني فلا داعي من تكليفها بإعادة العدة بالقصد إليها، وكأنها بذلك قد أضمرت النية وتصرفها يدل على إرادتها للعدة، إلا أنها لم تصرح بها؛ لأن التلفظ بالنية غير واجب. هذا ولا يخفى علينا مدى مراعاة فقهاء الإباضية لمقاصد الشريعة في إصدار الأحكام، فأصحاب القول الأول راعوا المقصد العام من التشريع، وهو (١) .٥٠/ السدويكشي: الحاشية على الإيضاح للشماخي، ١(٢) .٥٣/ ١٦٤ . وينظر: الشماخي، الإيضاح، ١ / ابن بركة: الجامع، ١ التيسير ورفع الحرج، وأصحاب الرأي الثاني نظروا إلى مقاصد المكلفين عند الحكم على أفعالهم. kk k Éî°ùa ΩCG ÉbÓW AGóØdGh ¿BGôÑdGh ™∏îdG ôÑà©j πg :É©HGQ ? ما يوجد من الاختلاف في الخلع: منهم من » سئل الشيخ السالمي عن اعتبر فيه النية ولو لم يكن اللفظ كاملا ً بحروفه، ومنهم من راعى فيه اللفظ، ولو لم تكن نية، كتلفظ الرجل بالطلاق ولم يرده، ومنهم من اعتبر فيه النية مع صحة اللفظ بكمال حروفه على حسب ما يفهم من كلامهم، وعلى نحو هذا « اختلافهم في الطلاق(١) . ظاهر الكلام الإطلاق، فإن كل واحد من اللفظ والنية ركن لتأدية » : فأجاب ِ المعاني على ما هي، أما اللفظ فظاهر، وأما النية؛ فلأنها ت َصرف اللفظ إلى ْ المعنى المقصود دون غيره، فمنهم من رأى أن المعاني إنما توجد من الألفاظ، فاعتبرها مجردة مع النية وعدمها، ومنهم من رأى اللفظ ترجمان القصد فاعتبر النية؛ لأن الألفاظ قد تخرج على جهة الهذيان فلا يعتد بها، وأن المعاني قد تفهم بدون لفظ، كالإشارة ودلائل الأحوال، والمعتمد في هذا كله القصد، ومنهم من جعل اللفظ والنية شيئين متلازمين لا يقوم أحدهما دون الآخر، َْ فاشترط وجودهما معا في الأمور المحتاجة إلى التعبير، وهذه أقوال تخرج في « كثير من المواضع، منها القسم والطلاق(٢) . َ الأمور بمقاصدها » : ويبدو من خلال عبارة السالمي أنه يشير إلى قاعدة « واعتمادها في تقرير الأحكام إذا احتمل اللفظ أكثر من معنى، أو عند الاختلاف فيه، فالحكم ينبني على القصد في كثير من الأمور، مثل الأيمان، (١) .٢٣٤/ السالمي: العقد الثمين، ٣(٢) .٢٣٥/ السالمي: العقد الثمين، ٣ والخلع، والطلاق عند بعض الفقهاء، فاللفظ المجمل والمشترك لا تتحدد دلالته إلا من خلال النية والقصد، خاصة إذا كانت العبارة غير صريحة ككنايات الطلاق. kk :䃪dG ¢Vôe »a ÉKÓK á≤∏£ªdG çGô«e »a :É°ùeÉN ومن الصور الدالة على مراعاة الإباضية للمقاصد في الأعمال والأقوال، واعتبار الباعث في التصرفات، ما ذهب إليه بعضهم في ثبوت الميراث للمطلقة ثلاثا ً في مرض الموت، قياسا ً على حرمان القاتل من الميراث بجامع أن ّ كل واحد من المطلق والقاتل اقترف فعلا ً محرما ً لغرض ومقصد فاسد، فعامله الفقهاء بنقيض قصده. وإعمالا ً الأمور بمقاصدها » : لقاعدة « أثبت جمهور الإباضية الميراث للمطلقة إن توفي زوجها في عدتها، ولو كان الطلاق ثلاثا ً ، وتعتد عدة طلاق َ والضرر » لا عدة وفاة، وعللوا ذلك بأن الطلاق في المرض إضرار بالمرأة أما إن تبين عدم القصد إلى الإضرار؛ فإنها لا ترث، وذلك كأن تطلب ،« يزا ل هي طلاقها(١) . ولفقهاء المذاهب في هذه القضية تفصيل، فمنهم من ورث المبتوتة في ّ مرض الموت إن توفي المطلق في العدة ما لم تتزوج، ومنهم من ورثها ولو ّ تزوجت(٢) . (١) ١٤٣/ ٤٩٧ . السالمي: طلعة الشمس، ٢ / أطفيش: شرح النيل، ٧ - .١٤٤ (٢) ٥٨٥/ باجو: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ٢ - .٥٨٦ nt :á£≤∏dG òNCG øe ó°ü≤dG »a `` 1 الل ﱡق َ طة هي مال ضائع يفقده صاحبه فيجده غيره ولا يعرفه، فهل يجوز أخذ هذه اللقطة؟ وهل يجوز التصرف فيها؟ وماذا يترتب على ذلك؟ بحث فقهاء الإباضية هذه المسألة، وبينوا حكم التقاط اللقطة والتصرف فيها، ومتى يضمنها اللاقط؟ وأشاروا إلى أن الحكم يكون بناء على مقصد الأمور بمقاصدها » اللاقط من تصرفه في اللقطة؛ لأن .« يقول ابن بركة في القاصد إلى أخذ اللقطة لا يخلو بأن يكون تناولها بنفسه، أو » : هذا الصدد تناولها ليحفظها لصاحبه، أو تناولها غافلا ً في أخذها لا ليخون ربها فيها، ولا محتسبا ً في أخذها لمالكها، وإن كانت أحوال اللقطة لا يخلو من هذه الوجوه الثلاثة، والنظر يوجب عندي إن كان قصد إلى أخذها لنفسه ثم َ عزم على ردها وتاب من نيته وفعله، فعليه الضمان في حال أخذه مال غيره لتعديه فيه، فالضمان الذي يلزمه بها لا يبرئه منها إلا الخروج إلى صاحبها منها، وإن كان آخذه لها غافلا ً في أخذها، فالضمان أيضا ً يلزمه؛ وأرجو أنه لا إثم عليه إذا لم ،« الخطأ في الأموال يوجب الضما ن » لأن يقصد التعدي، وأما إن كان أخذها ليحفظها على ربها محتسبا ً لأخيه المسلم في ماله، وحفظه له متأو ﱢلا ً بذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ ¿ ÂÁÀ﴾ )المائدة : (٢ ، ولئلا يكون قد قدر على حفظ مال أخيه فيدعه حتى يتلف، فهذا عندي أنه لا ضمان عليه؛ لأنه في الابتداء محسن، وإذا كان في ابتدائه محسنا ً لم يكن لها ضامنا ً ، قال الله تعالى: ﴿ ts wvu﴾ (التوبة: ٩١ (. مجمل القول: يتضح من عبارة ابن بركة أنه جعل الأحكام المترتبة عن أخذ اللقطة مبنية على المقاصد؛ لأنه يختلف الأمر بين من يأخذها لحفظها لصاحبها رجاء العثور عليه، فهذا لو تلفت منه لا يضمنها، أما من أخذها لنفسه ولا ينوي تسليمها لصاحبها ولو عثر عليه، فهذا حكمه معتد، يجب عليه التوبة ورد ّ اللقطة لصاحبها، فإن تلفت في يده يضمنها، وأما من أخذها خطأ وجهلا ً بحكمها، كأن يعتقد أن صاحبها لا يعود إليها ولا يطلبها؛ لأنها من الأشياء البسيطة، فهذا يجب عليه التوبة من هذا التصرف، ويعرف اللقطة حتى يظهر ُﱢ ،« الخطأ في الأموال لا يزيل الضما ن » صاحبها، فإن تلفت في يده ضمنها؛ لأن الأمور » : ولا ريب أن الفقهاء قد استندوا في تقرير هذه الأحكام على قاعدة بمقاصدها « ولو لم يصرحوا بها، ولكن تفهم من خلال عباراتهم. :ô«¨dG ¥ƒ≤M ¿Éª°V »a `` 2 ذكر الثميني حكم من يعتدي على كتاب الغير المتضمن لأسماء المدينين وقيمة ديونهم وشهاداتهم، وبين أن الحكم عليه مرده إلى قصده من هذا الفعل، ّ فإن قصد بفعله تضييع حقوق الدائنين بإخفاء ما يثبت الد ﱠ ين على المدينين، حتى يضطروا إلى إلغائها أو التخفيف منها، فهذا بلا شك قصده سيئ ِ يحاسب عليه، ويضمن تلك الديون، وإن كان يقصد بأخذه هذا الكتاب حفظه من الضياع أو التلف، إذا عثر في مكان غير آمن، وينوي تسليمه لصاحبه إن وجده، فهذا لا يعتبر متهما ً ؛ لأن القرائن تدل على القصد الحسن، فلا يؤاخذ بفعله، بل قد يؤجر عليه. فمن أخذ كتابا » : يقول في هذا الشأن ً لأحد فيه ديون فقصد إلى إتلافها لزمته الديون، وإن لم يقصده لزمه ضمان القرطاس دون ما فيه من الديون، وبعبارة أخرى: ومن له كتاب فيه ديون على الناس وشهادات، فأخذه أحد فأتلفه وذهبت الديون، فإن تعمد إتلافه، وقد حفظ الشهود شهادتهم وقاموا بها، فلا يضمن إلا القرطاس، وإن ماتوا أو نسوا ما فيه، فإنه يضمنه وما فيه من «(١) الديون، ولو عرف ما فيه منها، أو لم يكن يعرف أن فيه ديونا ً . ويستخلص من عبارة الثميني أن المتلف للكتاب إذا قصد بفعله إتلاف الديون المستحقة عليه حتى لا يترك لغيره أثرا ً أو دليلا ً يثبت عليه الديون أو الشهادات، فإنه يضمن الكتاب وما يحويه من حقوق للغير، فإن وجدت وسيلة ُ أخرى لإثبات هذه الحقوق كان بحفظ الشهود شهاداتهم، أو تكون لصاحب الديون وثائق ثبت حقوقهم، فإن المتلف لا يضمن إلا الأوراق التالفة، أما إن أتلفها ولا توجد وسيلة أخرى لإثبات تلك الحقوق والشهادات، فإنه يضمن الجميع سواء علم بمحتوى الكتاب أو لم يعلم، ولا يمكن أن يعفى من الضمان، ولو ادعى عدم العلم بذلك، أو عدم قصده تضييع حقوق الناس، وذلك سد ّ ا ً للذريعة، وحفظا ً لحقوق الغير، خاصة إذا دلت القرائن على قصده السيئ من ذلك التصرف. n :ôjôëdGh ÖgòdG ∫ÉLôdG ¢ùÑr d ºμM »a `` 3 أجمع الفقهاء على أن ّ ل َبس الرجل للذهب والحرير حرام ومباح للنساء، ْ ولكن تختلف مقاصد الرجال في لبسهم للذهب والحرير، فمنهم من يلبسهما للزينة والتحل ّ ي أو للتشبه بالنساء، ومنهم من يلبسهما للخيلاء، ومنهم من ّ يلبسهما لحفظهما من الضياع والسرقة خاصة في السفر، فهل حكم التحريم يشمل الجميع؟. فرق العلماء بين حالة الاختيار وحالة الاضطرار، وبناء عليه فمن لبسهما لقصد التزين أو التشبه بالنساء أو الخيلاء والتكبر، ففعله حرام وهو آثم، ومن ّ (١) . الثميني: الورد البسام، ص ٢١٣ لبسهما لحفظهما من التلف في حالة السفر أو انعدام الأمن فهذا يجوز له ذلك لأن الحكم يدور مع المعلول وجودا ؛« الضرورة تقدر بقدره ا » للضرورة، و ً وعدما ً ، فإن زالت تلك الضرورة رجع إلى الحكم الأول وهو التحريم؛ لأن .« الأمور بمقاصدها » فقد سئل: عمن اتخذ « العقد الثمين » أشار السالمي إلى هذه المعاني في ساعة من ذهب أو فضة وبها سلسلة ذهب، أيجوز له حملها في جيبه أو خنجره، ويعلقها بتلك السلسلة حفظا لها وقصدا ً للزينة؟ وهل الحمل هنا حكمه حكم اللباس، فإن فرضنا الجواز والحمد لله على تواتر آلائه، وإن فرضنا عكسه وقد ابتلي السائل بارتكاب ذلك قبل سؤاله ، فما يلزمه حينئذ لا سيما في الساعة؛ لأن أمرها أعظم لكونه كان يصلي بها، فعلى تقدير التحريم، فما تكون صلاته، وما يلزمه؟ وأما ساعة الفضة فلا بأس بحملها، سواء قصد الحفظ أو الزينة، وأما ساعة الذهب، فإن قصد في حملها الزينة فذلك تزين بالذهب وهو حرام على الرجال، وفي الأثر أن من حمل في خنجره ذهبا فجائز أن يصلي به، وإن كان متحليا ً بذلك حلية وزينة، فلا يجوز عند أصحابن ا، وفي كلام أرجو أنه عن ِ الشيخ أبي سعيد : أن من تحلى بالمد ْ ية(١) المحلاة بالذهب فلا تجوز صلاته، ِ وإن لبسها لحفظها ولم يكن إلا ذلك، فأرجو أن يجوز له أن يصلي بها، وفي الأثر: قلت له: فهل يلحق الذهب اختلاف في قول أصحابنا؟ لا يبين ذلك، وحاصل ما في المقام أن التزين بالذهب على الرجال » : قال ّ حرا م، سواء كان ذلك من لباسهم أو لا، وأن الصلاة به فاسدة إذا حمل للزينة، وأما إن حمل لغير الزينة بل على قصد الحفظ للمال إذا لم يكن حفظه إلا، ذلك فلا بأس بحمله، ولا بالصلاة به، وأنا أعلم أن حامل الذهب في سفينة أو (١)الم ِد ْ ي َ ة: السكين أو الموسى المستعملة للذبح. ِ مد ْ يته أو ساعته لم يحمله لأجل حفظه فقط؛ لأنه لو شاء الحفظ لجعله في بيته حيث يأمن عليه، فأما الآن وقد جعله في سلاحه وآلته فما هو إلا متزين به، فليتق الله عبد ٌ « حرم الله عليه الزينة بالذهب ثم يراها عليه(١) . ّ ولا شك أن السالمي قد شدد في حمل الرجل للذهب في لباسه أو خنجره، ولعله اطلع على تصرفات هؤلاء الرجال فظهر له القصد من ذلك فأفتى بالمنع، أما لو كان القصد الحفظ فقط فلا أظن أنه يمنع ذاك مطلقا ً ، وخروجا ً من ُ الخلاف يمكن القول: أن من اضطر إلى ذلك وليس له مكان في بيته يحفظه فيه َ فإنه يحمله معه، ولكن لا يضعه في مكان ظاهر يطلع عليه الناس ما دام قصده إخفاءه من السرقة وحفظه من الضياع، كأن يجعله في طرف ثوبه أو في محفظة داخل ثيابه بعيدا ً عن أعين الناس حتى لا يتهم أنه يقصد بذلك التزين أو الخيلاء، أما الساعة الذهبية فلا يجوز للرجل لبسها ولا حملها وبإمكانه امتلاك غيرها اتقاء للشبهات وفي لبسه للفضة مندوحة عن الذهب المحرم عليه. وفي موضع آخر يؤكد السالمي منع الرجال من لبس الذهب خاصة إذا كان من حلي المرأة، فقد سئل عن الرجل إذا لبس شيئا ً من الذهب مما هو ُ ِِ ليس حليا ً له، كالحل َ ق في الأذن، أو الخلخال، أو دملوج، أو في شيء من ُّ ثيابه، ولم يكن قاصدا ً للحفظ بل يريد به الزينة، ما ترى في لباسه وفي الصلاة، وهل في السن ﱠ ة دليل على إجازة مثل هذا؟. ﱡ قد جاء في السن » : فأجاب ﱠ ة ما يدل على لعنة هذا من جهتين: إحداهما ﱡ ل ُ بسه للذهب، و الأخرى تشبهه بالنساء، وقد ساءت أفهام العامة لمسألة أبي ُ ﱡُ محمد (ابن بركة ( المنقولة في مواضع من الأثر، وذلك أنها نقلت منقطعة في بعض المواضع، ومقيدة بقصد الحفظ في الموضع الآخر، وذلك حيث لا يمكنه الحفظ إلا باللبس، فأما أن يلبسه مختارا ً فلا نعلم أن أحدا ً من (١) ٤٤٩/ السالمي: العقد الثمين، ١ - .٤٥٠ المسلمين يرخص له في ذلك، إلا ما يوجد عن حبيب بن سالم(١) من المتأخرين وهو غلط نشأ من سوء فهمه لمسألة أبي محمد «... (٢) . أيضا « العقد الثمين » ونقل السالمي في ً ما ورد عن أبي محمد بن بركة في جواز لبس الرجل ذهب امرأته عند الضرورة لحفظه من المعتدين، وذلك في سؤال يقول فيه سائله: قلت: فيجوز للرجل أن يصلي وفي أذنيه قرط َ ا ذهب؟ قال نعم، قلت: فإن كان في يده دملوج ذهب؟ قال جائز، قلت له: وكذلك لو كان في ساقه خلخال ذهب؟ قال: نعم، وكذلك لو كان في حلقه حلي ذهب قال: نعم، قلت: وكذلك لو كان في ثوبه حلي ذهب حامله وهو ُ يصلي لم تفسد عليه صلاته؟ قال: لا، قلت: وكيف جاز أن يصلي بهذا ولم يجز له أن يصلي وفي يده خاتم ذهب؟ قال: لأن الخاتم حليته، وهذا ليس من حليته، وكذلك ما يوجد عن الشيخ حبيب بن سالم من المتأخرين قال: والذي نحفظه من آثار المسلمين أن لبس الخاتم للرجال هو في الأصبع الخنصر من اليسرى وهو المحرم، وإن كان الذهب أقل من وزن درهم فلا يحرم لبسه، ولا ينقض الصلاة، وأما سائر الأصابع من اليد اليسرى واليد اليمنى فلا يحرم ذلك لا ح َ مل ولا ل َبس، وقد كان السيد سليمان بن مظفر(٣) ْْ (١)حبيب بن سالم بن سعيد أم ْ بوسعيدي (ق: ١٢ ه): عالم وفقيه. كان يسكن نزوى في بلدة العقر. كان كفيف البصر واجتهد في طلب العلم. كان يؤمه كثير من طلاب العلم فيقرؤون عليه الفقه، وقد كان أعلم أهل زمانه. كان أحد الذين عقدوا الإمامة للإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي. وكان من العلماء الذين حكموا بإغراق أموال سيف بن سلطان الثاني. ينظر: ١٦٦ . الفارسي، نزوى عبر الأيام، ١٨٥ . الخروصي، ملامح من / السالمي: تحفة الأعيان، ٢ التاريخ الع ُ .٥٤/ ماني، ١٦٧ . معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١ (٢) .٤٥٤/ السالمي: العقد الثمين، ١ (٣)سليمان بن المظفر بن سلطان النبهاني (ت: ٨٧١ ه) هو ابن السلطان النبهاني المظفر بن سلطان. توفي والده وتركه صغيرا ً لا يقوم بالملك، فقام به عنه فلاح بن محسن بن سليمان. .١٥١/ ١٩٤ . معجم أعلام الإباضية بالمغرب، ١ / ينظر: شقائق النعمان، ٢ بأذنه قرط ذهب وفي يده سوار من ذهب وهو ثقة من ثقات المسلمين فقال: فهذا الذي نحفظه عن أهل العلم. قال السائل: ما تقول في هذين الأثرين المنقولين عن هذين الشيخين، هل هما صحيحان أم باطلان؟ فإن كانا صحيحين فما دليل صحتهما؟ وإن كانا باطلين فما الحجة على بطلانها؟(١) أجاب السالمي : إن ما ذكره الشيخ حبي ب، وزعم أنه يحفظه عن أهل » العلم فلا وجه له أصلا ً ، وهو باطل قطعا ً لما سيأتي من الحجة على ذلك، وأما المنقول عن أبي محمد فإنه يحمل أن يكون أراد بذلك الحال حمل ُ الذهب لا لبسه، فإن تمام مسألته المنقولة من المصنف يدل على ذلك، ونص المنقول من المصنف في تمامها هو هذا. قيل له: فيجوز للرجل أن يتحلى بحلي امرأته؟ قال: لا، ولكنه يكون في سفر وعنده حلي امرأته، وتحضره الصلاة، ويخشى على الحلي أن يضعه على الأرض ويصلي فيؤخذ، فإن عل ّ قه في أذنيه، أو في حلقه، أو في يده، أو في رجله، ولم يشغله عن صلاته فهو جائز؛ لأنه نوى حمله لئلا يذهب، ولم ينو ٍ « حمله لزينة، والخاتم حليته، فإن كان من ذهب فقد تحلى بغير حليته(٢) . المنقول » : وعقب السالمي على قول أبي محمد بن بركة بعد سرده فقال من المصنف في تمام مسألة أبي محم د، وبه يتضح لك أن أبا محمد لم يجوز ﱢ لبس القرطين، والدملوج، وحلي الذهب، وإنما أجاز الصلاة بذلك، إذا خاف عليه من تركه في الأرض الذهاب، فوضعه في أذنه أو يده، على غير قصد الحمل له لا الزينة به، ثم إن أبا عبد الله محمد بن محبوب (٣) @ لم يجز الصلاة بسوار الذهب، وإن خاف عليه الذهاب إلا إذا وضعه في إزاره أو (١) ٤٥٦/ السالمي: المصدر نفسه، ١ - .٢٦٦/ ٤٥٧ . وينظر: السالمي: معارج الآمال، ٦ (٢) .٢٦٦/ ٤٥٧ . وينظر: السالمي: معارج الآمال، ٦ / السالمي: العقد الثمين، ١(٣) تقدمت ترجمته. أمسكه، وأما إذا وضعه في موضع السوار فقد أمره بإعادة الصلاة، ثم إن ظاهر تمام مسألة أبي محمد أن الصلاة بخاتم الذهب لا تجوز؛ لأن الخاتم من حليته، فظاهره المنع من وضعه في الأصبع ولو على قصد الحفظ؛ لأنه حلية له، والقصد لا ينفعه في هذا الموضع. ووجه ذلك: أن الخاتم من زينة الرجال فإذا كان من ذهب حرم عليهم، والقصد لا يقلب الحرام مباحا ً ، هذا وجه كلام أبي محمد . ولا وجه لكلام حبيب إلا البطلان الخالص، ولعله وجد مسألة أبي محمد مقتطعة فتوهم أن المراد بها ظاهرها، فأجاز جميع ذلك حملا ً ولبسا ً ، وزعم حفظه عن أهل العلم، وقد أخطأ فهمه ذلك. أما ما حكاه عن سليمان بن مظفر فلا يحتج به قطعا ً ، ولعل سليمان بن مظفر توهم جواز ذلك من كلام أبي محمد حيث كان مقتطعا ً في بعض الأثر كما توهمه حبي ب، ويأبى الله ورسوله من جواز ذلك، فإنه أشد من لبس الخاتم من الذهب في الخنصر، إذ ليس في لبسه هنالك إلا تحريم لبس الذهب. وأما لبس السوار القرطين ففيه التحريم من جهتين: أحدهما من حيث لبس الذهب، والأخرى من حيث التشبه بالنساء، والكل حرام بنص السن ﱠ ة عن ﱡ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك(١) . ورد السالمي على من قال بجواز لبس الرجال للذهب في حالات الاختيار بأدلة كثيرة من ذلك: ١ ما ورد من النص في تحريم الذهب على الرجال قوله صلى الله عليه وسلم : من كان » « (٢) يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريرا ً ولا ذهبا ً . (١) ٤٥٧/ السالمي: المرجع نفسه، ١ - ٢٦٦/ ٤٥٨ . ينظر: السالمي: معارج الآمال، ٦ - .٢٦٧ (٢) رواه أحمد، مسند الأنصار، حديث أبي أمامة الباهلي...، رقم: ٢١٦٨٧ . والطبراني في الكبير: باب الصاد، ما أسند أبو أمامة، رقم: ٧٦٤٤ . عن أبي أمامة. قال الهيثمي: رواه الطبراني في .١٤٣/ الأوسط وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات. المجمع: ٥ ٢ وعن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات من أمتي وهو يشرب » الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة، ومن مات من أمتي وهو يتحلى الذهب حرم الله عليه لبسه في الجنة « (١) . ٣ وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخذ حريرا ً فجعله في يمينه وذهبا ً فجعله في يساره ثم قال: إن هذين حرام على ذكور أمتي » « (٢) . ِ ٤ وروى أن رجلا قدم من نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار » « (٣) . فهذه الأحاديث دالة على تحريم مطلق الذهب على الرجال فلا يصح بعضه إلا بدليل يخصص عموم التحريم، فلا معنى لتجويز ما دون الدرهم. ٥ وأما النص المحرم لتشبه الرجال بالنساء فما روى عن ابن عباس ^ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من » : قال « النساء بالرجال(٤) . (١) رواه أحمد، ومن مسند بني هاشم، مسند عمرو بن العاص، رقم: ٦٧٨٨ . وأخرجه ابن شاهين، ناسخ الحديث ومنسوخه، باب في لبس الحرير والتحلي بالذهب، رقم: ٥٨٩ . عن ابن عمرو. وقال: حديث حسن صحيح، رواه أحمد ورواته ثقات. (٢) رواه أبو داود، كتاب اللباس، باب في لبس الحرير للنساء، رقم: ٣٥٥٣ . وابن ماجه، كتاب اللباس، باب لبس الحرير والذهب للنساء، رقم: ٣٥٩٣ . عن علي. وفي رواية بزيادة حل »« لإناثهم . قال ابن حجر نقلا ً عن ابن المديني: حديث حسن ورجاله معروفون... تلخيص الحبير: ١/رقم: ٤٤ . وابن حبان، كتاب اللباس وآدابه، باب ذكر البيان بأن لبس الحرير ليس خبر سعيد بن أبي هند عن أبي موسى في » : من لباس المتقين، رقم: ٥٥١١ ، قال أبو حاتم .« هذا الباب معلول لا يصح (٣) ، رواه ابن حبان، كتاب الزينة، باب ذكر الزجر عن أن يلبس المرء خاتم الذهب، رقم: ٥٥٦٧ والطبراني في الصغير، كتاب الزينة، حديث أبي هريرة، رقم: ٥١٢٠ . عن أبي هريرة، قال .« صحيح لغيره » : الألباني (٤) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب المتشبهون بالنساء، رقم: ٥٥٥٤ . وابن أبي شيبة، كتاب الأدب، باب ما ذكر في التخنيث، رقم: ٢٥٩٥٣ . عن عامر بن شرحبيل. فهذا الحديث دليل على تحريم تشبه الرجال بالنساء فلا وجه لتجويزه أصلا ً ، ولا خلاف فيه بين أحد من الأمة فيما علمناه(١) . في السياق نفسه سؤالا « العقد الثمين » وذكر السالمي في ً عن لبس « اللباب » خاتم الذهب قال السائل: وقفنا على مسألة في(٢) أنه جائز، وأنه حمل وليس بلباس، فإن صح ذلك فما المانع من لباس الخنجر المذهبة؟ فإن صح التحريم فما الفرق بينهما؟ مع أن الحديث في تحريم الذهب جاء مطلقا؟ لا فرق في ذلك بين الخاتم والخنجر، بل الكل حرام لثبوت » : فأجاب السن ﱠ ة المجتمع على صحتها في تحريم لبس الذهب على ذكور الأمة، والمسألة ﱡ المنقولة عن اللباب ليست بصحيحة؛ لأن فيها معارضة لتلك السن ﱠ ة المتواترة ﱡ فلا يصح قبولها، ولعل قائلها يتعلق بحديث اتخاذ الخاتم ولا تعلق له في « ذلك فإنه منسوخ(٣) . ويضيف قائلا في بيان أدلة تحريم لبس الذهب مطلقا ً سواء كان خاتما ً أو خنجرا ً : وبيانه ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر » والنجاشي وغيرهم من الملوك يدعوهم إلى الإسلام، قيل: إنهم لا يقبلون كتابا ً إلا بخاتم أو مختوما، فصاغ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما ً من ذه ب، واقتدى به ذ َوو ُ اليسار من أصحابه فصنعوا خواتم من ذهب، فلما لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه لبسوا أيضا ً خواتمهم، فجاء جبريل 0 من الغد، وقال: لبس الذهب حرام (١) ٤٥٨/ السالمي: العقد الثمين، ١ - .٤٥٩ (٢) يقصد به كتاب لباب الآثار الواردة على الأولين والمتأخرين الأخيار لصاحبه مهنا بن خلفان بن محمد البوسعيدي تحقيق عبد الحفيظ شلبي، نشرته وزارة التراث القومي والثقافة الع ُ مانية، طبع بمطابع سجل العرب مصر، ١٤٠١ ه/ ١٩٨١ م، ويتكون من جزئين في العقيدة والعبادات. (٣) .٤٥٥/ السالمي: المرجع نفسه، ١ لذكور أمتك، فطرح النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح أصحابه خواتمهم، ثم اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما ً « حلقه وفصه من فضة إلخ الحديث(١) . هذا وقد احتج السالمي على من قال بجواز ل َ بس الرجل خاتم من ولعل صاحب المسألة لم يجوز لبس خاتم الذهب مطلقا » : ذهب بقوله ً ، ﱢْ وإنما أجازه أن يجعل في غير الإصبع التي يلبس فيها في العادة على قصد حمل ماله لا على قصد الزينة، كما يرشد إليه تحليله بالحمل، وهذا الحال حرام أيضا ً ، إلا إذا لم يجد سبيلا ً إلى حفظ ماله إلا به، فإنهم اتفقوا على أن التزين بالذهب حرام، ولا خلاف نعلمه في ذلك، فمن حمل الذهب على قصد التزين به فقد دخل في هذا المحجور، وأنت تعلم أن ّ من لبس خاتم الذهب في غير موضعه، أو جعل ذهبا ً في شيء من آلته لم يفعل ذلك إلا لقصد التزين به، فإنه لو شاء حفظه فقط لجعله في أعز الأمكنة عنده، حيث لا ينظره أحد من الناس، فأما وقد جعله في آلته فهو متزين به قطعا ً ، فليتق الله امرؤ يتزين بما حرم الله عليه، ويعتل ّ في إباحته بأنه حامل إذ ،« الأمور بمقاصده ا » له لا لابس؛ لأن ْ ليس المقصود من تحريم الذهب علينا تحريم اسم اللباس، بل القصد من تحريمه تحريم التزين به، فحيث ما وقع التزين به للذكور من الرجال فهو حرام، كيف ما كان، وفي أي حالة كان لا فرق في ذلك بين سلاح وغيره، ولا يعترض هذا بما يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وفي سيفه شيء من ذهب(٢) ، فإن ذلك الحديث ضعفه بعض الرواة، ولا تقوم حجة بالضعيف، وأيضا ً فيحمل أن يكون ِ الذهب في سلاح جائزا ً في حال الحرب وذلك مقام حرب لا مقام سلم، (١) رواه البخاري، كتاب العلم، باب ما يذكر في المناولة، رقم: ٦٥ . ومسلم، كتاب اللباس، باب .٤٥٥/ في اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما، رقم: ٣٩٩٥ . عن أنس. ينظر: السالمي: العقد الثمين. ١(٢) أورده ابن أبي عاصم، الآحاد والمثاني، مزيدة العبدي، رقم: ١٥٠٠ . والطبراني في الكبير، بقية الميم من اسمه مزيدة، رقم: ١٧٦٠٥ . عن مزيدة بن جابر. وكذلك لبس الحرير في الحرب جائز، وكذلك مشية الخيلاء لإكبات « العدو، وإظهار قوة الإسلام(١) . مجمل القول: وهكذا يتبين لنا مما تقدم أنه كلما كان لبس الرجل للذهب بقصد سيئ، كالتزين والخيلاء فهو محرم عليه، وكلما كان لقصد حسن كإرهاب العدو أو لحفظه من التلف فهو مباح، بشرط أن يقتصر في ذلك على الضرورة لأن أصله حرام على الرجال. ؛« الضرورة تقدر بقدره ا » ولا يجاوزها و :䃫ÑdG øe AÉ°ùædG êhôN ºμM »a `` 4 اختلف فقهاء الإباضية في حكم خروج النساء من بيوتهن لغير ضرورة، فمنهم من منع ذلك إلا لضرورة بعد استئذان أوليائهن، ومنهم من أجازه إذا كان لحاجة، كالصلاة، وعيادة المريض، والمشاركة في العزاء والأفراح، ومنهم من منعه مطلقا ً اتقاء للشبهات، وخوفا ً من الفتنة، وقد كثر الحديث عن هذه المسألة في عصرنا بعد أن أصبحت النساء يخرجن للعمل ولغيره بغير ضوابط تضبطه، فما حكم الشرع في خروجهن؟ بحث السالمي هذه المسألة ونقل بعض النصوص الشرعية وأقوال العلماء، وبين أن الحكم في خروج النساء يكون حسب القصد والغرض منه، فإن كان ﱠ لمقصد فاسد حرم ذلك، وإن كان بقصد الطاعة والحاجة والضرورة فلا مانع من ذلك، بشرط مراعاة الآداب العامة من التستر والحشمة، وترك التطيب والتعطر، ومرافقة المحرم لها. اعلم أن خروج المرأة إما أن يكون لغرض صحيح » : يقول في هذا الصدد أو فاسد، فإن كان لغرض فاسد حرم عليها الخروج اتفاقا ً ، وذلك أن تخرج (١) ٤٥٥/ السالمي: المرجع نفسه، ١ - .٣٥٦ لأجل أن يرى لباسها، أو يشم طيبها، أو يبدو جمالها، أو يطلع على حسنها ُ وبهائها، أو تخرج لريبة، أو تذهب إلى محل تهمة، أو نحو ذلك، فهذا كان محجورا ً عليها، وليس لها أن تخرج لأجله، فإن خرجت قيل: لا بأس أن تشم رائحة طيبها إذا لم يفسد القصد، وإن عف عن ذلك فهو أزكى. ّ وكان أبو سعيد (الكدمي ( يقرأ كتابا ً فيه قال أبو معاوية(١) : ولا ينبغي للمرأة أن تتطيب وتخرج من بيتها، ولا ينبغي لها أن تلبس مشهورا ً وتخرج من بيتها، معي أنه كذلك إذا كان خروجها لأجل ذلك الطيب، » : وسئل هو عن ذلك فقال ولم تكن في حاجة لا بد لها منها، فإن كانت لها حاجة يمكنها تركها إلى وقت « يذهب عنها ذلك(٢) . واستدل على عدم جواز خروج النساء إذا كن متعطرات بما ورد عن ﱠ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا استعطرت المرأة فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي » « زانية(٣) . والمراد أنها داعية إلى الزنى، » : قال السالمي في بيان مدلول الحديث أي فحالتها حالة تدعو إلى ذلك، وإن لم تكن هي كذلك فهي مبالغة في « الإنكار عليها(٤) . وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم النساء إلى الاغتسال للتخل ّ ص من رائحة الطيب إذا اضطررن إلى الخروج، فقد روي من طريق أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا خرجت المرأة إلى المسجد فلتغسل من الطيب كما تغسل من ا لجنابة » « (٥) . (١) أبو معاوية عزان بن الصقر، (ت: ٢٦٨ أو ٢٧٨ ه) عالم فقيه، أزدي يحمدي خروصي. كان مسكنه بمحلة غلافقة من الغنتق بسفالة نزوى. ومن مشايخه الشيخ محمد بن محبوب بن .٢٣٧/ الرحيل. وكان في مقدمة أهل الرأي بنزوى. معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١ (٢) .٢١٥/ السالمي: معارج الآمال، ٢(٣) رواه ابن خزيمة، كتاب الإمامة في الصلاة، باب التغليظ في تعطير المرأة، رقم: ١٥٧٩ . وابن حبان، كتاب الحدود، باب الزنا وحده، رقم: ٤٤٨٨ . عن أبي موسى الأشعري. (٤) السالمي: المرجع نفسه. (٥) . رواه الطبراني في الصغير، كتاب الزينة، باب اغتسال المرأة من الطيب، رقم: ٥٠٦١ = ولعل من الأمور التي تقلل من خروج النساء عدم الإسراف في كسوتهن، والاقتصار على حاجتهن، والسعي في إحضار ذلك إليهن حتى لا يتخذن ذلك ذريعة للخروج من بيوتهن لتلبية حاجتهن، واختيار ما يناسبهن، وقد وردت بعض النصوص تشير إلى هذا المعنى، منها قوله صلى الله عليه وسلم : ا» ُع ْ روا النساء يلزمن ا لحجال « (١) . قال السالمي معق ﱢ با ً على هذا والمراد بإعرائهن في الرواية: تقليل ثيابهن حتى » : الحديث لإزالة الالتباسلا يجدن ثيابا ً فاخرة، فإن الواحدة منهن إذا لم تجد ثوبا ً فاخرا ً لزمت بيتها، وليس المراد بإعرائهن منعهن الكسوة رأسا ً ؛ لأن ذلك محجور شرعا ً ، إذ من .« حقها عليه كسوة ساترة لجميع عوراتها وهذا كله مبالغة » : ويشير السالمي إلى علة منع النساء من الخروج بقوله « في ستر المرأة وستر زينتها وطيبها؛ لأنهن فتنة الرجال وحبائل الشيطان(٢) . ولا ريب أن هذا التوجيه يتوافق مع مقاصد الشارع الحكيم في حفظ العرض والشرف، فإباحة خروج النساء بالطيب والزينة فيه فساد للأفراد درء المفاسد مقدم على جلب » والمجتمع، ولو كان لقصد مشروع؛ لأن .« المنافع واختلف الفقهاء أيضا ً في حكم خروج النساء لتشييع الجنائز، فمنهم من منع ذلك مطلقا ً استنادا ً إلى نصوص وردت في هذا الشأن، ومنهم من أجازه إذا كان لقصد الاعتبار والتذكرة، وطمعا ً في الأجر والثواب. وكذلك تنهى المرأة عن اتباع الجنائز لما » : يقول السالمي في هذا المعنى = والنسائي في الكبرى، كتاب الزينة، باب اغتسال المرأة من الطيب، رقم: ٩١٢٥ . عن أبي هريرة. (١) رواه الطبراني في الكبير، باب الميم، من اسمه مسلمة، رقم: ١٦٨١٣ . قال الألباني ضعيف. والقضاعي (المسند)، استغنوا عن الناس ولو بشوص سواك، رقم: ٦٤١ . عن مسلمة بن مخلد. (٢) .٢١٤/ السالمي: المرجع نفسه، ٢ روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى النساء عن إتباع الجنائز « (١) ويروى عنه صلى الله عليه وسلم في خروج النساء إلى الجنائز أنهن يرجعن من الوزر بمثل ما يرجع الرجال من الأجر(٢) . قيل: إذا خرجن مستترات يردن به التذكرة للآخرة، ورجاء الثواب في ذلك، ولم يخرجن لبكاء ولا لصياح، ولا رياء ولا لمساعدة لغرض من أغراض الدنيا وسعها ذلك. قال أبو مالك (٣) : أخبرني إبراهيم(٤) أو غيره أنه قال: رأينا النساء يتبعن الجنائز، وعندها الفقهاء فلم نرهم أنكروا عليهن، ولو كان حراما ً لأنكروه. وعق ﱠ ولعل الفقهاء إنما تركوا ذلك تمسكا » : ب عليه السالمي بقوله ً برأي من أجاز لهن الخروج لأجل ذكر الآخرة مع ستر عوراتهن، فسكتوا عن ذلك « لهذا الاحتمال(٥) . ورجح عدم جواز خروجهن للجنائز ولو كان لقصد الطاعة امتثالا ً لنهي (١) . رواه البخاري، كتاب الحيض، باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض، رقم: ٣٠٩ ومسلم، كتاب الجنائز، باب نهي النساء عن اتباع الجنائز، رقم: ١٦٠٦ . عن أم عطية. (٢) رواه ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في اتباع النساء للجنائز، رقم: ١٥٧٣ . وعبد الرزاق، كتاب الجنائز، باب منع النساء اتباع الجنائز، رقم: ٦٠٩٧ . عن عمر بن الخطاب. قال الألباني: هذا حديث ضعيف. (٣)غسان بن محمد بن الخضر البهلوي الصلاني، أبو مالك (حي في: ٣٢٠ ه) من أئمة العلم ،« صلان » هاجر إلى صحار فنزل بمكان فيها يعرف باسم .« بهلا » والفقه في عمان. ولد بمدينة ُ فعرف بالصلاني. أنشأ مدرسة فقهية في بهلا، لها شهرتها التاريخية، تخرج منها جملة من الفقهاء العاملين والأدباء المشهورين. من شيوخه العلامة محمد بن محبوب وولداه بشير وعبد الله. من أشهر تلامذته: العلامة عبد الله بن محمد بن بركة البهلوي. ينظر: السالمي: تحفة .٢٦٨/ ٢٢٤ . معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١ / ١٩٤ . الكدمي: الاستقامة، ١ / الأعيان، ١ (٤)إبراهيم بن يحيى (ق: ٤ه) من أعلام النصف الأول من القرن الرابع الهجري. كان معاصرا ً لأبي مالك غسان الصلاني. لم نقف على ترجمة مفصلة له. ينظر: أحمد الكندي، المصنف، . ٢٨٧ . معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ص ٤٨ /٢(٥) ٢١٥/ السالمي: معارج الآمال، ٢ - .٢١٦ والصواب أن ينهى النساء عما نهاهن عنه » : النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهذا نصه ُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن احتمل لهن في الخروج وجه جائز؛ لأن نفس الخروج وراء الجنائز هو الذي نهاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفتش عن أغراضهن، مع أنه « أعلم بحالهن وأوقى بهن(١) . واختار أبو سعيد الكدمي كذلك عدم خروج النساء للجنائز إلا لغرض تجهيز الميت إذا اضطررن لذلك، كأن تموت المرأة خارج بيتها فيتعذر نقلها لبيتها، فتخرج لها بعض النساء ليغسلنها ويجهزنها للدفن فهذه ضرورة الضرورة تقدر بقدرها » و .« وأما نحن فنحب لهن القعود في البيت وترك تشييع » : يقول في هذا الصدد الجنائز، إلا أن يلزمن ذلك في ذات نفوسهن ويكرهن القائمات بأمر الميت « وتجهيزه، فلا بد من ذلك، وعليهن الخروج فيه(٢) . واشترط أبو سعيد لخروج المرأة أن يكون لقصد صحيح وشريف، كأداء الواجب، أو لطاعة، أو فضيلة، فيجب عليها استئذان وليها؛ لأن طاعته مقدمة ّ على سائر الطاعات، ما دامت لا تبلغ درجة الضرورة، فلا يحسن لها أن تخرج لقصد أداء بعض العبادات المستحبة وتخالف أمر وليها، فتلك معصية لا يبررها فعلها. وإن كان الغرض الذي تخرج إليه صحيحا » : يقول في هذا المعنى ً فخروجها إليه جائز، لكن بشرط أن لا تخالف في ذلك أمر زوجها ولا والدها، فإن طاعتهما أوجب عليها من سائر الفضائل، ثم إن ذلك الخروج إما أن يكون ِ لصلاة عيد، أو لصلاة جماعة، أو لعود مريض، فإن كان الخروج لصلاة عيد ْ « فهو أفضل من مقامها في بيتها(٣) . (١) .٢١٦/ السالمي: المرجع نفسه، ٢(٢) السالمي: نفسه. (٣) .١١٧ - ١١٦/ السالمي: نفسه، ٢ وعبارة الشيخ أبي » : وعقب السالمي على عبارة أبي سعيد الكدمي فقال سعيد تدل على وجوب الخروج عليها في العيد، ولعل ذلك عنده فرض كفاية « عليهن كما يشعر به لحن كلامه، وتدل عليه قواعد مذهبه(١) . ويضيف أبو سعيد بيانه لحالات جواز خروج المرأة من بيتها بعد استيفائها الشروط الشرعية، ما دام القصد صحيحا ً لا يشوبه فساد ولا ريبة، ولا يتعارض وإن كان لأجل صلاة جماعة، أو عيادة مريض، » : مع النصوص الشرعية فيقول فمقامها في بيتها أفضل ما لم يكن مريضا ً يجب عليها عيادته، فإن شاءت الخروج لأجل الجماعة وعيادة المريض فلا بأس، وقد تركت الأفضل في حقها، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أن صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في » « صحن دارها، وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في المسجد(٢) . أما ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من طريق ابن عمر أنه قال: إذا استأذنت أحدكم امرأته » إلى المسجد فلا يمنعها « (٣) ، فذلك حيث لا تخشى فتنة ولا تحذر ريبة، فإن الخروج لها جائز وفيه فضل، وإن كان غيره أفضل، فأمر صلى الله عليه وسلم أن لا يحال بينها وبين شيء من الفضل، ولعلها تسمع من القرآن والذكر والموعظة ما لا تسمعه ِ ما لو قامت في بيتها، أما إذا خيفت الفتنة، وقل ﱠت ْ من الناس الأمانة، وكان « خروجها ريبة وبلاء، فمنعها أفضل كما تدل عليه قواعد الشرع الشريف(٤) . ويفهم من عبارة أبي سعيد الكدمي أنه يميل إلى منع النساء من الخروج من بيوتهن ولو لقصد الطاعة وشهود الفضل، رغم جواز ذلك، سد ّ ا ً لذريعة (١) السالمي: المرجع نفسه. (٢) رواه أبو داود، كتاب الص ﱠ لاة، باب التشديد في ذلك، رقم: ٥٧٠ ، والحاكم، كتاب الإمامة، .« المسجد » : بدل « في بيتها » : رقم: ٧٥٧ ، عن ابن مسعود، بلفظ(٣) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب استئذان المرأة زوجها...، رقم: ٨٤٩ . ومسلم، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد...، رقم: ٦٩٥ . عن ابن عمر. (٤) .٢١/ السالمي: مرجع سابق، ٢ درء » : الفساد ما دام يؤدي ذلك إلى الريبة، ولعله استند في حكمه إلى قاعدة المفسدة أولى من جلب المصلحة .« ويبدو مما تقدم أن السالمي تابع أبا سعيد في منع النساء من الخروج ولو كان لغرض مشروع؛ اتقاء الفتنة والشبهات، واستشهد على رأيه بما روي في الأثر أن رجلا ً من الصحابة كانت امرأته تذهب إلى المسجد مع الرجال بعد موت الخليفتين، فأراد اختبارها فغافلها قرب المسجد، ومسها بيده من ورائها من ظاهر ثيابها، ولم تعلم به أنه زوجها، فرجعت، فقال لها في البيت: كيف « رجعت؟ فقالت: ذهب الناس وبقي النسناس(١) . أنه نهى النساء عن » وفي الأثر: ولعله مما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجلوس في السكك، والخروج في اليوم المطير أو ريح عاصف « (٢) . وإنما نهيت عن الجلوس في السكك؛ » : وعلل السالمي هذا النهي بقولهلأنهن فتنة الناظر، وأيضا ً فجميعهن عورة، فق َ ل ﱠ ما امرأة يمكنها الستر على ما ينبغي، فكان بيوتهن سترهن، وأما نهيهن عن الخروج في اليوم المطير؛ فلأن الثوب إذا ترطب بالماء لصق بالبدن، فيصور أعضاء المرأة، وكذلك ﱢ الريح إذا لصقت بالبدن تصور الأعضاء من جهتها، والنظر إلى محاسنها حرام، ﱢ « فنهيت أن تتعرض لذلك(٣) . مجمل القول: ومهما يكن من أمر فالذي يظهر لي بعد عرض آراء بعض فقهاء الإباضية وأدلتهم وتعليلاتهم في حكم خروج المرأة من بيتها، رغم ما يبدو من اضطراب (١) أورده ابن الأعرابي (المعجم)، باب الدال، رقم: ١٧٢٢ . وأبو نعيم، الحلية، عبد الله بن عباس، رقم: ١١٦٠ . عن ابن عباس. (٢) لم نقف عليه لا في كتب السن ﱠ ة ولا في الفقه. ﱡ (٣) ٢١٧/ السالمي: معارج الآمال، ٢ - .٢١٨ في ظاهرها أنه يمكن التوفيق بينها، وذلك أنه يتعذر منع المرأة مطلقا ً من الخروج؛ لأن هناك حالات اضطرارية تدفعها إلى الخروج، كالعلاج أو زيارة والديها، أو لتجهيز الميتة أو العزاء. وأحيانا ً يكون خروجها لأداء بعض الطاعات، كصلاة العيد، وصلاة الجماعة وإتباع الجنائز، وزيارة الأقارب، والمشاركة في إعداد ولائم الأعراس، فلا شك أن جميع هذه الحالات مباحة لا مانع من حضورها ما دامت ملتزمة بالآداب الشرعية، من استئذان للولي، والستر، ومرافقة ذي محرم لها، وترك التزين والتعطر والتسكع في الطرقات. أما إذا كان خروجها يؤدي إلى مفسدة وفتنة وريبة، فتمنع في هذه الحالات درء المفاسد على جلب » رغم أن خروجها لقصد صحيح مشروع، فهنا يقدم سد ،« المصال ح ّ ا ً للذريعة قال تعالى: ﴿ KJIH ﴾ (ال نور: ٦٠ ( . قال السالمي : وفي هذه الآية إشارة إلى أن المباح ينقلب بقصد المعصية » « حراما(١) . وقد تحتاج المرأة إلى العمل خارج المنزل لسد حاجتها فإن وجد من َُ يعولها ويتولى أمرها، كولي أو قريب، فالأفضل أن تمكث في منزلها حفاظا َِّ على عرضها وشرفها، خاصة في عصرنا الذي هاجت فيه الفتن واستفحل خطرها، وإن أمنت على نفسها فلا أقوى على منعها ما دام المجتمع في حاجة إلى خدمتها، وكذلك خروجها لطلب العلم وحضور مجالسه أصبح من ضرورات هذا العصر، فلا مانع من ذلك ما ٣دامت تقصد به نفي الجهل عن نفسها، ونشر العلم في المجتمع، وسد حاجته للوظائف الملائمة لطبيعة المرأة كالمعلمة والممرضة وغيرها، ولكن بشرط التزامها بالآداب الشرعية العامة التي سبق الإشارة إليها. (١) .٢٠٤/ السالمي: المرجع نفسه، ٢ ومهما حاولنا تبرير منعها من الخروج فلا نستطيع أن نقف حاجزا ً أمام أما إن كان ،« الأمور بمقاصده ا » طموحاتها ما دامت شرعية وصحيحة، و قصدها من الخروج سيئا ً ، كإغراء الرجال وفتنتهم، أو الرياء والظهور، فالمنع أولى، وإن كان القصد شريفا ً وصحيحا ً ، فالجواز أولى مع الالتزام بالضوابط الشرعية، والله مطلع على النوايا والمقاصد. كما تجسدت هذه القاعدة أيضا ً في مجال الجنايات والتعديات، والملاحظ أن الحكم فيها في الغالب يختلف باختلاف البواعث والدوافع على تلك الجريمة، من ذلك: ١ أن الفقهاء حكموا بالقصاص على من ضرب بجميع ما لا يتوهم منه القتل متعمدا ً بالتعدية، فأدى إلى القتل؛ لأن القصد هنا هو المعتبر ولو كانت الوسيلة لا تؤدي إلى الهدف في العادة، وبعضهم أسقط عنه القصاص، وأوجب عليه الدية والإثم. كما عمموا حكم القصاص على من استعمل وسيلة تؤدي إلى القتل عادة؛ كالسيف والمسدس والقنبلة ولو لم يقصد القتل؛ لأن الوسيلة دليل واضح على القصد. أما ما لا يستعمل للقتل عادة ولم يظهر معه القصد إليه، وذلك مثل الضرب باليد أو بالرجل أو ما أشبه ذلك، فإذا أد ّ ى إلى القتل ﱢ كان عليه الإثم والضمان، ولا قصاص عليه(١) . ٢ وكذلك لو ترك أحد خصمه للحية حتى قتلته، أو للعقرب حتى لسعته، ﱠ أو تركه للبرد أو الحر حتى هلك، أو تركه يأكل الس م فمات، كما يفعل بعض ﱢﱡ من يتولى إدارة السجون فيلجؤون إلى التعذيب بهذه الوسائل وغيرها، فإن الفاعل في جميع ما ذكر مسؤول عن تصرفه وضامن، وعليه الدية ولا قصاص عليه؛ لأنه لم يباشر الجريمة بيده، وما يقال على الغير يقال على النفس إذا ُ ُُ فعل ذلك أحد بنفسه فأد ّ ى إلى هلاكها، فإنه يأثم بفعله إذا قصد الإضرار بنفسه عند البعض، وهناك من يرى أنه لا يضمن ما دام لم يباشر القتل بنفسه؛ لأن ُ (١) أبو العباس أحمد: كتاب الألواح مخطوط، ط نقلا ً عن أطروحة باجو، منهج الاجتهاد، .٨٥/٢ بخلاف قاعدة: ،« المتسبب لا يضمن إلا بالتعم د » القاعدة الفقهية تنصعلى أن ﱡ ولكن إذا دلت القرائن أن قصده من هذه ،« المباشر ضامن وإن لم يتعم د »التصرفات هو التعذيب حتى يلقى حتفه فإنه يضمن(١) . وثمة تفاصيل عديدة لصور القتل وأحكامها من خلالها تتجل ّ ى لنا أهمية الفقه بالبواعث والمقاصد، والحرص على حفظ النفس، وهو من كبريات مقاصد الشريعة. (١) أبو العباس أحمد: كتاب أبي مسألة، ص ١٦٦ - .١٦٧ كما يظهر أثر المقاصد في مجال السياسة الشرعية، وقد تجسد ذلك في كثير من الفروع الفقهية نذكر منها من باب التمثيل لا الحصر: :ôμæªdG øY »¡ædGh ±hô©ªdÉH ôeC’G `` 1 قد تظهر على من يتصدى لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعض التصرفات تدعو إلى الريبة في أمره، كمن يمنع الناس عن النهي عن المنكر بحجة أن ّ الظروف غير مناسبة، فهل نحكم عليه بعدم الإخلاص والطمع في السمعة وجزاء الناس؟ أم إن الأمر يرجع إلى المقاصد؛ لأن الله مطلع على ما في الصدور؟ وفي هذا الإطار سئل المحقق الخليلي عمن جاء إلى المسلمين فوجدهم مجتمعين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال لهم: تأخروا عن هذا الأمر وأنا لكم ناصح ولا قدرة لكم عليه في الحال البتة، وإنه متعذر، أو قال لهم: انتظروا الناصر لهذا الأمر، وانتظروا حتى نجتمع ونتكاتف ليكون ذلك أقوى للدولة وأمكن لها من العجلة، ماذا يكون حكمه؟ فأجاب: إن الأمر يرجع إلى النيات والمقاصد، إن كانت نيته صالحة أو سيئة، فلا يجوز الجزم بسوء نيته؛ لأن تصرفه محتمل للخير والشر، فينبغي أن نحسن فيه الظن لعله يكون صادقا ً في قوله. أما قوله » : ولا بأس أن نذكر عبارة الخليلي زيادة في التوضيح فيقول بالإعراف وأنه متعذر، فما أراه إلا قول شيطان ضعيف لقوله تعالى: ﴿ 32 <;:987654﴾ (آل عمران: ١٧٥ ( ، والحجة عليه في ذلك تكثر، فأعتذر عن بسطها. وأما قوله الآخر إلى أن ت ُ لائم الظروف، ولا داعي للعجلة، فلا أقطع عليه في ذلك بتخطئة، ولا أجزم عليه بباطل؛ لأنه ممكن وله في ذلك نية، وعليه نية، ولكل امرئ ما نوى، وعليه ما نوى، والله مثيبه على ذلك أو معذبه، في « هذا يحسن به الظن، وظاهر قوله حسن إن صدق لله فيما بطن(١) . وأضاف قائلا ً في السياق نفسه: ...» إن كان في قوله الأول مراده التثبيط لهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو ما يشبه هذا من النيات الفاسدة فما أراه إلا قول شيطان ضعيف أيضا ً . وإن كان على نية صالحة وقول صدق، في موضع ما يكون الأمر كذلك في النظر عند أهل العقول، فلا أقول بأنه شيطان إذا كان باعث قوله الشفقة على المسلمين، ولم يكن معارضا ً لهم، ولا مانعا ً ولا مخطئا ً ، ولا معنفا ً على الحق، ولا موهنا ً لعزائمهم عنه بقصد إلى ٍ «... ذلك منه، فإن لكل امرئ ما نو ى، وعليه ما نوى(٢) . :ôFÉédG ºcÉëdG ™e πª©dG ºμM »a `` 2 قد يبتلى بعض الناس بالعمل مع حاكم جائر فيتحرج من تنفيذ أوامره ونواهيه، خشية أن يشاركه في ظلمه ويأثم على فعله، ولا مناص له من ذلك؛ لأنه يخشى على نفسه من سطوته، فكيف يتصرف في مثل هذه الأحوال؟ وهل تكفي نية معارضته ثم التصريح بها ما دام الله يجازي على النيات والتصرفات؟ أم لا تكفي النية الحسنة بل يجب عليه إظهار معارضته أو ترك العمل معه؟ مسألة قريبة من هذا المعنى، فقد سئل فيها « الجامع المفيد » ورد في أبو سعيد الكدمي عما إذا ك َ ل ﱠ ف الحاكم من يحرس المحبوسين ولا يدري الحارس، هل حبسوا على حق أم باطل؟ ويخاف إن لم يفعل ما قد أمره به ناله جوره وظلمه في ماله ونفسه وعرضه. (١) .١٧/ الخليلي سعيد: كتاب تمهيد قواعد الإيمان، ٧(٢) .١٨/ الخليلي سعيد: المصدر نفسه، ٧ معي أنه يكون بالنية والاعتقاد، فيمن يحضر إلى هذا الموضع » : فأجاب الذي يجوز إليه الحضور إلى هؤلاء الحاضرين في موضع مباح، أو سكن يجوز لهم دخولهم فيه أنهم إنما يريد بكينونتهم وقعودهم به يتقون به عن أنفسهم، وعن دينهم ما يخافون من السلطان الجائر عليهم، وعلى دينهم أو على حريم من يأمرهم أو حريم من يأمرونه، أو شيء من حقوق الله التي تدفع عنهم هذه الكينونة على أنهم لا يعينونه في ذلك على باطل، ويمنعون عن حق في جميع الأحوال. ويقول المرسل لمن يرسله إلى هذا الموضع بلفظ لطيف مثل: أن يقول له يعلم ما عرضنا له من هذه المحنة التي قد دفعنا إليها، وإنما أحب أن يكون لي هناك شخص بنفسك يرى، وفي الحقيقة أنك لا تعين من كينونتك هذه على شيء من باطل، ولا على شيء من إزالة حق، وإذا خيف من الموكل إذاعة ما يودع إليه من هذه النية والاعتقاد، رجوت أن يجوز كتمان ذلك عنه، ما لم « يظهر معه من الكاتبين إعانة عليه بباطل أو منع من جائر له(١) . والحاصل: أن ما يمكن فهمه من عبارة الكدمي لعله يجيز لمن يعمل مع الحاكم الجائر كالسجان، أن يتعاون مع معارضه لإبطال ظلمه، وحماية المستضعفين ما دام قادرا ً على ذلك، ولا يستسلم لأوامره الجائرة، ويكتم أمره حتى لا ينكل به، والله يجازيه على حسن نيته وعمله، ما دام غير راض بجوره، وهو يحاول قدر استطاعته تغيير منكره ولو بقلبه، وذلك أضعف الإيمان، الأمور بمقاصدها » فلا أظن أنه يحاسب بهذه النية؛ لأن « والله أعلم. (١) .٣٤٣/ الكدمي أبو سعيد: الجامع المفيد، ٢ :IQÉ¡£dG ÜÉH :’k hCGs في حكم مس الذكر عند النسيان: ما أوجب الوضوء فهو على » : عبر بعض الإباضية عن هذه المسالة بقوله ّ العمد والسهو سواء .« اختلف فقهاء الإباضية في نواقض الوضوء، هل تكون بالعمد والسهو أم بالعمد فقط؟ فيرى أكثرهم أن ما أوجب الوضوء فهو على العمد والسهو سوا ء، وذهب بعضهم إلى استثناء حالة النسيان والسهو في بعض الأحوال، كمن مس فرجه ناسيا ً وهو متوضئ، فلا ينقض وضوءه ولا إعادة عليه؛ َْ لأنه لم يقصد بفعله مخالفة نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن مس الذكر بدليل أنه روي عنه أنه قال: من مس ذكره فليجدد ا لوضوء » « (١) ، عملا ً بالقاعدة الفقهية: الأصل في الناسي في الشرع أنه معفو عنه إلا إن يقوم الدليل على غير »« ذلك(٢) . وقد نقل ابن بركة هذا الخلاف وناقش أدلة الفريقين، ثم رجح أحد الرأيين النسيان » : وقاعدة ،« الأمور بمقاصده ا » لقوة أدلته رغم مخالفته للقاعدة الكبرى اختلف أصحابنا في المتوضئ يمس الفرج وهو » : وفي ذلك يقول ،« معفو عن ه ٍ ناس، فقال بعضهم: إذا مس ذلك وهو ناس لم تنتقض طهارته؛ لأن الناسي ّ (١) رواه ابن حبان، كتاب الطهارة، باب نواقض الوضوء، رقم: ١١٢٢ . والحاكم، المستدرك، كتاب الطهارة، رقم: ٤٢٨ . عن بسرة بنت صفوان، وقال بعد ذكره للسند والتأكد منه: فدلنا ذلك على صحة الحديث وثبوته... وزال عنه الخلاف والشبهة. (٢) .٦٥/ السالمي: معارج الآمال، ٢ لا لوم عليه، وكان في التقدير غير فاعل إذا لم يقصد إلى الفعل، وقال بعضهم: ْ عليه النقض للطهارة في المس، ناسيا ً كان أو عامدا ً ، والنظر يوجب عندي إعادة الطهر على الطهر من مس متعمدا ً أو ناسيا ً. ﱠ فإن احتج محتج ممن أسقط عن الناسي الطهارة، وإن كان القاصد إلى ِ المس ممنوعا ً من ذلك بخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ووجب عليه إعادة الطهر عليه لركوبه ِ المن ْ هي بالقصد إلى فعل ذلك، والناسي ليس بقاصد إلى فعل خالف فيه نهيا ً ؛ يقال له: ما أنكرت أن يكون نقض الطهارة يجب بالعمد بالخبر، ويجب نقض الطهارة على من مس ناسيا ً بالدليل، فيكون الخطأ والعمد سواء، لاتفاقنا على ﱠ أن خروج الريح من الدبر تنقض الطهارة بالعمد والقصد لإخراجها، وخروجها بغير قصد وعمد ينقض الطهارة أيضا ً ، فنقض الطهارة يجب بالعمد والسهو جميعا ً ، وكذلك الج ُ ن ُ ب أوجب الله عليه الغسل، وأوجبه عليه الرسول 0 أيضا ً ، فخروج المني ناقض للطهارة بالاختيار، وبالاحتلام الذي يخرج بغير اختيار، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في الصلاة » ِ فينفخ بين إليتيه، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يشم ريحا « (١) ، وقد ع َلم أن ذلك إذا خرج فليس باختيار من المصلي... وكذلك قد أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم على المستحاضة الطهارة في الصلاة(٢) ، واختلف في حكم طهارتها وما يخرج من المستحاضة وليس باختيار منها، فهذا يدل على أن ما أوجب الوضوء فهو على العمد والسهو سواء « (٣) . (١) رواه البخاري، كتاب الطهارة، باب لا يتوض ﱠ أ من الشك حت ﱠ ى يتيق ﱠ ن، رقم: ١٣٧ ، ومسلم، كتاب الحيض، باب الدليل على أن ﱠ من تيق ﱠ ن الطهارة...، رقم: ٣٦١ ، عن عبد الله بن زيد بن عاصم. (٢) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب ع ِرق الاستحاضة، رقم: ٣٢١ ، ومسلم، كتاب الحيض، ْ باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، رقم: ٣٣٤ ، عن عائشة. (٣) ٣٥٥/ ابن بركة البهلوي، كتاب الجامع، ٢ - .٣٥٦ مجمل القول: إن المتأمل في عبارة البهلوي يدرك مدى وجاهة مذهبه وقوة حجته، فهو يعترف بأن أي فعل لا يصدر عن نية وقصد لا يعتد ﱡ به، ولا يترتب عليه حكم، ّ فالناسي أفعاله غير مقصودة ولا لوم عليه؛ لأن النسيان سبب لإسقاط المسؤولية عن الفاعل، إلا أنه لما ثبت عنده نص الحديث الذي يوجب إعادة الطهارة على من انتقضت طهارته بعمد أو سهو أخذ به، عملا ً لا » بالقاعدة المشهورة حظ للنظر عند وجود الأثر .« كما أنه احتج بدليل القياس حيث قاس حكم مس الفرج عند النسيان بالجنابة احتلاما ً ، وخروج الريح من الدبر، ودم الاستحاضة من المستحاضة اضطرارا ً ؛ لاتحاد كل منهما في علة الحكم، وهو خلو الفعل من القصد، سواء بالسهو أو الضرورة، وأمام هذه الحجج القوية لا يملك المرء إلا أن يسل ﱢ م بهذا الأمر ويعمل به خروجا ً من الخلاف، وإعمالا ً للنصوص، وبهذا يظهر لنا أن هذه المسألة يمكن اعتبارها من مستثنيات هذه القاعدة. :èëdG ÜÉH :É«fÉKk ١ هل يلزم تجديد الإحرام على من وجب عليه بعد الميقات لتغير حاله؟ ذهب بعض فقهاء الإباضية إلى أن الصبي إذا بلغ الحلم بعد تجاوزه ميقات الحج، فعليه إعادة الإحرام من مكانه، ولا يعتد بالإحرام الأول؛ لأنه قد ف َعله وهو غير واجب عليه، والإحرام عبادة تستلزم من صاحبه القصد والنية، َ والصبي غير مخاطب به ما دام لم يبلغ، وكذلك العبد إذا أعتق بعد الميقات يجب عليه إعادة الإحرام؛ لأنه لما كان عبدا ً غير مخاطب به ولا يلزمه ذلك، ُ وكذلك من قل ﱠ د الهدي وساقه لا يلزمه ذلك، حتى ينوي إقران الحج بالعمرة، فلو أفرد بالحج فلا يجب عليه. فالصبي والعبد لم يجب عليهما الإحرام عند الميقات لوجود مانع لذلك وهي الطفولية والعبودية، والمفرد بالحج لم يجب عليه الهدي؛ لأنه غير مقرن ولا متمتع بالحج إلى العمرة، فلو فعلوا ذلك لا يعتبر عبادة؛ لأنهم غير ُ مخاطبين بها، والعبادة يشترط لصحتها أو حصول ثوابها القصد والنية. ولكن ُ ذهب غيرهم إلى أن الصبي والعبد إذا أحرما من الميقات جاز ذلك منهما، ولا يجب عليهما إعادة الإحرام، وكذلك من قل ّ د الهدي يجوز له الإفراد بالحج والقران رغم أنهم غير مخاطبين بذلك. ُ ِ والحاصل: أن ّ ما تقدم هو محاولة من الباحث لفهم عبارة ابن بركة ْ وتطبيقها على القواعد، فما وافقها كان تطبيقا ً للقاعدة، وما خالفها كان استثناء منها. ولا بأس أن نذكر عبارة ابن بركة كما وردت في جامعه، لنقف على والصبي والعبد إذا حجا في حال » : مختلف أقوال الإباضية وحججهم فيقول ﱠ عبودية العبد، وطفولية الصبي، ثم بلغ الصبي، وعتق العبد، كان عليهما الحج ِ إذا قدرا عليه ولم يجزهما ذلك عند الفرض؛ لأنهما لم يكونا مخاطبين به في َُ تلك الحال، ولا يسقط عنهما فرض الحج مع القدرة عليه في تلك الحال، ولا يسقط عنهما فرض الحج في هذه الحال مع ورود الخطاب عليهما، قال محمد بن محبوب وغيره من أصحابنا يجزي عنهما ذلك. وإذا اعتق العبد وقد جاوز الميقات أحرم من مكانه؛ لأن الفرض لزمه، وكذلك الصبي، لأن الإحرام فرض، فإن كان قد أحرما من الميقات لم يجزهما؛ لأنهما قد أتيا بغير الفرض، ولم يكن الفرض يلزمهما، ومن قل ﱠ د أو أشعر لم يلزمه الإحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات » « ، فيحتاج مع كل عبادة إلى نية وقصد وإرادة، وقد قال بعض أصحابنا : يلزمه الإحرام إذا قلد أو أشعر، وقال آخرون منهم: ويلزم شركاءه في الب ُد ْ ن (اله َ د ْ ي) وبتقليده، والذي قلناه أشبه بالكتاب والسن ﱠ ة من شاء أفرد الإحرام، ومن ﱡ شاء أقرن للحج والعمرة، والمستحب الإفراد لفضل الثواب في ذلك؛ لأن « الأعمال كلما كثرت كثر ثوابها(١) . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر من دخل بحجة أن ينقلها إلى العمرة(٢) . ِ ٢ في حكم من قتل صيدا ً في الحرم وهو محرم: َ ُْ أجمع الإباضية على أن من قتل صيدا ً في الحرم وهو محرم يجب عليه ضمانه عمدا ً أو خطأ، ومن قتله خارج الحرم وهو محرم يضمنه إذا كان متعمدا ً ، ولا شيء عليه إذا كان خطأ، وإن قتله في الحرم وهو حلال بدون إحرام وجب عليه الجزاء عمدا ً أو خطأ، ولكن بعد النظر في أدلة الإباضية ومن وافقهم من غيرهم نجدهم قد قاسوا حكم هذه المسألة بحكم من قتل نفسا ً خطأ، فإنه يسقط عليه الإثم ويجب عليه الكفارة والدية، وإن أتلف مالا ً فعليه الضمان عمدا أو خطأ، وقد نتساءل لو فعل ذلك في حالة العمد هل يتحمل تبعة فعله لأنه صدر منه بإرادة وقصد؟ أما في حالة الخطأ فإن القصد إلى الفعل معدوم، والشارع الحكيم لا يعاقب على الخطأ، وإنما ينظر إلى المقاصد والبواعث والدوافع، ولا ينظر الأمور بمقاصدها » إلى ظواهر الأفعال فقط لأن .« وقد حاول ابن بركة الإجابة عن هذه المسألة في جامعه، وبحثها من عدة وجوه، وناقش أدلتها وبين مدى ﱠ وجاهتها، ولا بأس أن ننقلها كما عبر عنها زيادة في البيان، وخوفا ً من سوء ﱠ فهم ٍ وإذا قتل المحر » : يظهر للعيان، فيقول ِ م صيدا ً في الحرم خطأ ً أو عمدا ً كان َِ عليه الجزاء، وإن قتله في الحل ّ كان عليه في العمد الجزاء، ولا شيء عليه في الخطأ، وإن قتله وهو حلال والصيد في الحرم، كان عليه الجزاء في الخطأ والعمد، وهذا اتفاق من أصحابنا فيما علمت، وأما بعض مخالفينا أوجب ُُ (١) .٦٦/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) رواه البخاري، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كل ﱠ ها إلا ﱠ . الطواف، رقم: ١٥٦٨ وأبو داود، كتاب المناسك، باب في إفراد الحج، رقم: ١٧٨٩ . مع زيادة. عن جابر بن عبد الله. ﱢ سق ْ ط الجزاء في الخطأ، وأثبته في العمد، واحتج بأن الإنسان لا يعاقب على ُ الخطأ ولا يقال له لم أخطأت؟، قال: وإذا كان اللوم عنه زائلا ً لم يجب أن َُ .«... يتعلق عليه من أحكام الخطأ شيء فإن سألنا » : قال َ منهم سائل، لم َ أوجبتم في الخطأ جزاء ً وليس في ذكر الجزاء وجوب الجزاء في الخطأ ؟ قيل له: إن من شأننا القول بالقياس وقد أوجب الله تعالى في قتل الخطأ في النفس كفارة، ومن أصل القائسين أن يردوا المسكوت عنه إلى المنطوق به، وهذا قاتل خطأ، فألحقنا قاتل الصيد بقاتل النفس من طريق الخطأ لتساويهما في الخطأ. فإن قال: فهلا ﱠ أوجبتم في قتل الخطأ في النفس القصاص لتساوي القتل بالقتل؟ قيل له: إنا نرد جزاء الصيد إلى الجنايات على الأموال. َ ورأين ْ ا على من جنى على مال غيره عامدا ً كان أو خطأ، فالغرم واجب َ عليه، فألحقنا الصيد به؛ لأنه مال، والمال بالمال أشبه، والخطأ بالخطأ أشبه من إلحاق الخطأ بالعمد. فإن قال ليس لك أن ترد حقوق المولى إلى حقوق الآدميين، وما ت ُ نكر أن تكون طريق الصيد غير طريقك التي سلكتها في الأموال، والأغرام تسقط، وأن المال لا يسقط إلا بإسقاط ربه، والصيد فواجب عندك أن تك َ ف ﱢ ر عنه على كل حال، وقد قال الله جل ذكره: ﴿ yxw |{z ﴾ (الأح زاب: ٥ ( ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ر» ُ فع ع َ ن أمتي الخطأ ُ « والنسيان وما أ كرهوا عليه(١) . (١) رواه جابر، باب ما جاء في التقي ﱠ ة، رقم: ٧٩٤ ، مسند الربيع، ص ٢٥١ ، وابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، رقم: ٢٠٤٥ ، مع زيادة، عن ابن عباس. ﱠ ِ قيل له: لو ت ُ ركنا والظواهر لأسقطنا الغ ُ رم في الخطإ في النفس والأموال، ولكن قامت الأدلة يوجب ذلك واتفقت الأمة عليه، فلما أن كان لا إثم عليه في قتل النفس من طريق الخطأ، وعليه مع ذلك الدية والكفارة، كذلك المخطئ ٍِ فيما جعله قيمة غ ُ أن الخطأ لا يسقط الغرم من » رم على متلفه من باب العمد ُ متلفه وهو الأموال وإن لم يكن مأثوما ً«(١) ، وكذلك الصيد له مثل ٌ وقيمة ٌ ، وعلى قاتله الغرم من طريق العمد، فيجب أن لا يسقط ذلك البدل والقيمة في «... الخطأ(٢) . (١) سندرسها لاحقا .« الخطأ لا يزيل الضمان » : يشير إلى قاعدة فقهية في باب الضمان، وهي ً. (٢) ٦٢/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .٦٣ القواعد المتفرعة عن القاعدة الكلية الكبرى « الأمور بمقاصدها » لم يقتصر اهتمام الفقهاء على دراسة القاعدة الفقهية الكلية الكبرى الأمور بمقاصدها » « تأصيلا ً وتحليلا ً وتطبيقا ً على الفروع الفقهية المختلفة، بل شملت حتى القواعد المتفرعة عنها والمندرجة تحتها، فحددوا مفهومها وبحثوا عن أدلتها، وخرجوا الفروع عليها، وطبقوها على المسائل الجزئية ﱠ المتنوعة، وضبطوا بها الفروع المتشابهة والمتناظرة، ولم تكن هذه القواعد الفرعية في مرتبة واحدة من حيث صلتها بالقاعدة الكبرى، بل تفاوتت درجاتها، فمنها ما كان فرعا ً لها، أو قيدا ً لها، ومنها ما كان استثناء منها، وبعضها اقتصر على جانب العبادات والق ُ ربات، وبعضها شمل العبادات ُ والمعاملات والأحوال الشخصية وحتى مجال العقيدة، ونظرا ً لأهميتها وعلاقتها بالمقاصد العامة والخاصة للمكلفين، فسوف نبحثها بشيء من التفصيل، وقبل دراستها تفصيلا ً ، يستحسن عرضها إجمالا ً ، ليسهل فهمها واستيعابها، وهي كما يلي: ١ النية أساس العبادات » : قاعدة .« ٢ لا ثواب ولا عقاب إلا بالنية » : قاعدة .« ٣ كل تصرف من مكل » : قاعدة ّ ف مرتهن وصفه بطاعة أو معصية على ُ .« نيته وقص ده ٤ مقاصد اللفظ على نية اللافظ في اليمين إلا من حل » : قاعدة ﱠ فه .« الحاكم ٥ العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني » : قاعدة .« ٦ من قصد بتصرفه غرضا غير مشروع عومل بنقيض قصده » : قاعدة « أو من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه » .« إن النية سر العبودية وروحها، ومحلها من العمل محل الروح من الجسد، ّ فالعمل بغير نية كالجثة الهامدة التي لا روح فيها، والنية عبادة مشروعة تترتب عليها آثارها في الأعمال وتبنى عليها أحكامها، وهي أساس العمل وقاعدته ومداره عليها صحة وفسادا ً ، وقبولا ً ورفضا ً ؛ فيصح العمل إذا صحت منه النية، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة، ولا يقصد بالنية تلك الخواطر العابرة وأحاديث النفس المارة، بل ُ المراد تلك النيات التي بلغت مرتبة العزم والتصميم، وقد أشار الجيطالي إلى وليت » : هذه المعاني في سياق كلامه عن أهمية النية بالنسبة للأعمال فيقول شعري كيف تصح نية من لا يعرف حقيقة النية؟ أو كيف يصح له عمل صحيح إذا لم يعرف حقيقة الإخلاص؟ أو كيف يطالب المخلص نفسه بالصدق إذا لم ِ يعلم معناه؟ فالواجب على كل عبد أراد طاعة الله تعالى أن يتعلم النية، لت َخ ْل ُ ص له المعرفة ثم يصححها بالعمل بعد ف َهم حقيقة الصدق والإخلاص، اللذين ْ « هما وسيلتا العبد إلى النجاة والخلاص يوم الأخذ بالنواصي(١) . : kk ÉMÓ£°UGh á¨d á«ædG ∞jô©J لغة: القصد. شرعا: توجه القلب نحو الفعل ابتغاء لوجه الله. وقيل: هي القصد للشيء المأمور به باعتقاد من القلب، والعزيمة عليه بالجوارح، وقال محمد بن إبراهيم (١) الجيطالي إسماعيل: قواعد الإسلام مع حاشية أبي ستة تحقيق جماعة من الأساتذة، .٣١٧ - ٣١٦/١ :á«ædG πëe الكندي : « والنية عقد القلب وعزيمة على الجوارح »(١) . وهي بمعناها العام كما يرى الجيطالي : « انبعاث القلب والتحري إلى مرضاة الرب »(٢) . ويؤكد ذلك البيضاوي (٣) انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا » : بقوله ً لغرض من جلب نفع أو دفع ضرر، حالا ً أو مآلا ً ، والشرع خصها بالإرادة المتوجهة نحو الفعل، ابتغاء وجه الله تعالى، وامتثالا ً « لحكمه(٤) . قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى بإيجاد الفعل » : والنية بمعناها الخاص « أو الامتناع عنه(٥) . وتعرف النية في الاصطلاح أيضا ً قصد كلي نسبي شامل للعزم » : بأنها ﱠ « والقصد، المتقدم على الفعل أو المقارن له في بعض أحواله(٦) . اتفق جمهور الإباضية وغيرهم على أن النية محلها القلب، وذهب بعضهم مع أكثر الفلاسفة أنها الدماغ(٧) . واعترض المحشي أبو ستة على من يرى أن (١) .١٩/ الكندي محمد بن إبراهيم: بيان الشرع، ٦(٢) .٣١٨/ الجيطالي: قواعد الإسلام مع حاشية أبي ستة، تحقيق جماعة من الأساتذة، ١(٣) البيضاوي عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي الشافعي، أبو سعيد، أو أبو الخير، ناصر الدين ( ٦٨٥ ه/ ١٢٨٦ م): قاض، مفسر، علامة. ولد في المدينة البيضاء بفارس، تصدى عدة سنين للفتيا والتدريس، وانتفع به الناس وبتصانيفه. من مصنفاته، تفسير القرآن العظيم، والمنهاج في أصول الفقه، وهو مشهور، وله منهاج آخر في أصول الدين، ومنهاج أيضا ً في الفروع، وقد شرحه أيضا ً ، وله شرح التنبيه في أربع مجلدات، وله الغاية القصوى في دراية الفتوى، وشرح المنتخب، والكافية في المنطق، وله الطوالع، وشرح المحصول، .١١٠/ وغير ذلك من التصانيف، الزركلي، الأعلام، ٤ (٤) .٣٠/ السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٣٠ . المناوي: فيض القدير، ١(٥) .« أو الامتناع عنه » : ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٢٩ دون قوله(٦) .٩٦/ السدلان صالح: النية وأثرها في الأحكام الشرعية، ١(٧) .٤/ ٥١ . وينظر: أبو ستة عمر القصبي: حاشية الترتيب، ١ / الشماخي: كتاب الإيضاح، ١ = qn ?Ö∏≤dG áªjõY øY ¿É°ù∏dÉH á«ædG ßØ∏J »Øμj πg النية محلها الدماغ بقوله: ...» إن هذا لا مجال للرأي فيه بل يتوقف على السمع، والأدلة السمعية دالة على الأول، كقوله تعالى: ﴿ kjih onml ﴾ )البينة : (٥ . والإخلاص إنما يكون بالقلب، لا الدماغ كما « زعم بعض بالرأي؛ إذ لا مجال للرأي في هذا(١) . وسئل الشيخ السالمي عن ُ النية أهي بالقلب أم اللسان أم الجوارح؟ النية من أحوال القلب؛ لأنها قصد إلى شيء مخصوص، » : فأجاب ومحل القصد القلب، لا اللسان ولا الجوارح، وإنما اللسان محل القول، وسائر الجوارح محل الفعل، ولا يمكن أن يوجد شيء من هذه الأحوال في ُ محل الآخر، فالقول مثلا ً : لا يمكن إلا باللسان دون اليد وسائر الأركان، والبطش لا يمكن إلا باليد، والمشي لا يوجد إلا بالرجل، وكذلك النية « لا توجد إلا بالقلب(٢) . اتفق فقهاء الإباضية وغيرهم على أن التلفظ باللسان ليس بنية، فمن فعل ذلك دون قصد القلب إلى الفعل فلا يصح فعله، وقد رد الشيخ السالمي على فأما التلفظ بها » : من شدد في التلفظ بالنية وجعلها تقوم مقام قصد القلب فقال باللسان فليس بنية وإنما هو تعبير عن النية، وقد استحبه علماؤنا (٣) والحنفية والشافعية والمالكي ة، جمعا ً للهمة، واستحضارا ً للقصد، وليسهل أيضا ً تعقل = ٣٧٣ . ابن تيمية مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية / السالمي: العقد الثمين، ١ ٢٣ . وما بعدها.. - ٢١/ ج ٢٦(١) ٤. وينظر: القطب أمحمد أطفيش: شامل الأصل / القصبي أبو ستة عمر: حاشية الترتيب، ١ .١٥٢/ والفرع، ١(٢) .٤٧/٤ ، الكندي أبو بكر أحمد: المصنف، مج ٣(٣) ٣٧٣/ السالمي: العقد الثمين، ١ - ٣٧٤ . وينظر أيضا ً .٢١٥/ عنده في: معارج الآمال، ١ معنى النية، وقد رأى بعضهم لزومه، وليس بشيء إذ لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك، مع أن العرب كانوا جديدي عهد بالجاهلية، وقد تسربل الأعراب بالجفاء، فلو كان التلفظ بالنية مشروعا ً لنصب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلمين لها، أو انتصب يعل ﱢ مهم إياها بنفسه كما كان يعلمهم السور من ُ القرآن، ولم ينقل شيء من هذا كله، فعلمنا أنه غير واقع، إذ لو وقع لنقل؛ لأنه « مما تعم به البلوى(١) . ﱡ ألفاظ النية غير » : وقد أكد ذلك شيخنا أحمد بن حمد الخليلي فقال واجبة مطلقا ً ، وإنما الواجب نفس النية، وهي قصد القلب وإرادة الله تعالى ُ بالعمل، وإنما استحب بعض العلماء تأكيد ذلك باللفظ للاستحضار، ولم « ة(٢) ترد بذلك سن ﱠ . ُ ولا يكفي التلفظ باللسان دونه كما لا يشترط مع القلب » : قال ابن تيمية التلفظ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه التلفظ بالنية، لا في حديث صحيح « ولا ضعيف إلا في الحج، بخلاف بقية العبادات(٣) . وقد رد ﱠ السالمي على الحنابلة الذين زعموا أن التلفظ بالنية بدعة؛ لأنه كما تكون بالفعل تكون في الترك أيضا ً ، فمن واظب على فعل لم يفعله الشارع فهو مبتدع على حد ﱢ إنا ن » : قوله ُ سلم أنها بدعة، لكن مستحسنة استحسنها المشايخ للاستعانة على استحضار النية لمن احتاج إليها، وفي « (٤) الحديث: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن » . وهو عليه الصلاة ٌ (١) الخليلي أحمد: الفتاوى الصلاة والزكاة والصوم والحج ، راجعه قسم البحث العلمي بمكتب الإفتاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان، نشر المكتبة الفني للأجيال ُ .٤٩/ ١٤٢١ ه/ ٢٠٠١ م. ١ ، ط ١(٢) ٣٧٣/ السالمي: العقد الثمين، ١ - .٣٧٤ (٣) ٢١ وما بعدها. / ابن تيمية: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ٦(٤) تخريج الحديث مفصلا ً العادة محك » يوجد في الفصل الخامس قاعدة ّ .« مة والسلام وأصحابه لما كانوا في مقام الجمع والحضور لم يكونوا محتاجين ُ « إلى الاحتضار المذكور(١) . هذا وقد ذكرنا أقوال علماء الإباضية وغيرهم في هذه المسألة لنرد ّ على من يزعم أن التلفظ بها واجب، فإذا نسي بعض ألفاظها لا تصح صلاته، ولو كان يعزمها بقلبه، بل ربما يتلفظ بالنية ولا يقصدها بقلبه، فيدخل الصلاة ولا يدري أي الصلاة وجبت في حقه، وهذا خطر كبير يجب التنبيه إليه. ﱠ :πª©dG ∫ƒÑb •hô°T øe á«ædG النية أساس العمل، وتدخل في ج ُ ل ﱢ أبواب الفقه إن لم يكن كلها، ولما كانت الأحكام وغالب العبادات كلها متوقفة على النية استوجب تقديمها على كل عمل من الأعمال، وجعلها أول الأركان، ولا يقبل العمل الذي يتقرب به ُ العبد إلى ربه إلا بأمرين: أ أن تبعث عليه نية صالحة صادقة، إذ النية روح العمل ول ُبه وقوامه، ّ وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها. ب أن تكون صورة العمل الظاهر مشروعية غير مبتدعة، وفي هذا يقول ابنمسعود 3 : لا ينفع عمل إلا بعمل، ولا ينفع قول وعمل إلا بنية، » ولا ينفع قول وعمل ونية إلا إذا وافق السن ﱠ ة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « (٢) . ﱡ ويشير محمد الكندي إلى شروط قبول العمل في معرض حديثه عن أهمية ُ النية فبين أنها فرض في أعمال الطاعات كلها، وهي ل ُب العمل، فيجب على العبد ّ إحكامها، والنية هي القصد إلى العمل طاعة لله ولرسوله، وقيل: النية مستدامة (١) .٢١٥/ السالمي: معارج الآمال، ١(٢) ابن رحب الحنبلي: جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا ً . من جوامع الكلم، ص ٩ ينظر: عمر الأشقر، كتاب النيات في العبادات: ٩٨ . نقلا ً ٨. عزاه فيه إلى / عن كتاب العدة: ١ ابن أبي الدنيا. والعمل ينقطع، والنية لا يدخلها الرياء، والعمل يدخله الرياء، وكل عمل خلا من النية فهو باطل، ولا يصح عمل شيء في الطاعات إلا بتقديم النيات(١) . وقال أيضا ً : وكل عمل بغير نية فهو هدر من فاعل ه، ولا يقبل الله من عباده » َ عملا ً ت َ عبد َ هم به إلا أن يقصدوا بفعله أداء ما ت ُ عبدوا به لمن تعبدهم، قال ﱠّ تعالى: ﴿ ponmlkjih ﴾ )البينة : (٥ «(٢) . ويؤكد الجيطالي هذه الحقيقة فيجزم أن النية هي أساس قبول الأعمال عند ُ الله، وبدونها يكون العمل كالعدم مهدرا ً لا قيمة له ولو كان صالحا ً ، فيقول: اعلم أن النية ل » ُ باب الفعل وصفوه، وعماد الدين وأس ه، ولذلك نفى الرسول 0 ﱡ الأعمال إلا بها، لأنها في العمل بمنزلة البذر في الزراعة، فمن زرع بالبذر، حقيق أن يحصد غبطة، ومن ت َ عن َ ى بلا بذر فثمرته الندامة، ومن أهمل عمله بسهو ٍ ّ وغفلة كان بمنزلة من لم يعمل، والعمل بغير نية عناء، والنية بغير إخلاص رياء « وهو والنفاق سواء، والإخلاص من غير صدق وتحقيق هباء(٣) . :∫GƒbC’Gh ∫ɪYC’G »a á«ædG ôKCG يرشد الجيطالي إلى حقيقة النية وتأثيرها على الطاعات والمباحات دون ِ اعلم أن النية إنما تؤثر في الطاعات والمباحات دون » : المعاصي فيقول المعاصي والسيئا ت، أما أعمال الطاعات فإنه يجب على العبد أن ينوي في كل عمل منها أن يمتثله عبادة لله تعالى وتقربا ً إليه، فحقيقة النية في الطاعة: انبعاث ِ القلب والتحري إلى مرضاة الرب، ف َنية ُ المؤمن خير من عمله كما جاء في ﱠ الحديث(٤) . ومعناه: أن النية في نفسها خير من الأعمال إذا كانت لا تصح إلا (١) .١٩/ الكندي محمد بن إبراهيم: بيان الشرع، ٦ (٢) الكندي: المصدر نفسه. (٣) ٣١٦/ الجيطالي: قواعد الإسلام مع حاشية أبي ستة، تحقيق لجنة من الأساتذة، ١ - .٣١٧ (٤) قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « نية المؤمن خير من عمله » . أخرجه الربيع بن حبيب في مسند الجامع ١) رقم ٠١ عن جابر بن زيد عن ابن عباس، وأخرجه الطبراني في / الصحيح، باب النية ( ١ = بها، ونية المؤمن اعتقاده طاعة الله ولو عاش ألف سنة، وإن مات دونها انقطع « عمله ولم تنقطع نيته، فإن نوى بالطاعة رياء وسمعة انقلب معصية(١) . قال الكندي : ويروى أن النية الصالحة أحب إلى الله من العمل، ومن نية » ِ المؤمن أن لو قدر ل َ ملأ َ الأرض عدلا ً ولم يد ْ ع ُ أن يعصي الله طرفة عين، وهذا « عندي من النية الواجبة عليه(٢) . وينبه الجيطالي إلى إمكانية تحويل العادات إلى عبادات، وذلك بإضافة والمباحات تنقلب طاعة بالنية، فلا ينبغي للعاقل أن » : النية إليها، فيقول يتعاطى أفعاله تعاطي البهائم المهملة، فتصدر أفعاله عنه بسهو وغفلة، فأغلب حظوظ النفس من المباح، كالأكل والنوم والنكاح، فينوي في الأكل التقوي ﱢ للجسم على العبادة، وينوي في النوم استراح الجسم لينشط للقراءة والعبادة، وينوي بالنكاح تحصين الفرج، وإحراز الدين، وطلب الولد لعبادة الله تعالى، وتكثيرا ً لأمة محمد 0 ، فينبغي للعاقل المريد للآخرة أن يقيس جميع أفعال المباح على هذه الثلاثة المذكورة، ويحسن النية في جميعها حتى تصير « طاعة لله تعالى وعبادة(٣) . وأما المعاصي » : ويستثني الجيطالي المعاصي من تأثير النية عليها فيقول فلا تؤثر فيها النية، ولا تنقلب بها لله تعالى قربة وطاعة، مثل: أن يغتاب إنسانا ً تطييبا ً لقلب مسلم، أو يطعم فقير من مال غيره طلبا ً للأجر، فهذا كله جهالة واغترار، لقول صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال ب النيات » « (٤) ، فالنية لا تؤثر في إخراج الفعل عن كونه ظلما ً ومعصية، بل ق َ ص ْ د ُ ه ُ الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع شر ّﱞ = ١٨٥ ) رقم: ٥٩٤٢ ، والخطيب البغدادي في / المعجم الكبير عن سهل بن سعد الساعدي: ( ٦ .(٢٣٧/ تاريخه عن سهل بن سعد المذكور: ( ٩(١) ٣١٨ وما بعدها. / الجيطالي: قواعد الإسلام، ١(٢) .٢٢٦/ ٢٤ . السالمي: معارج الآمال، ١ / الكندي محمد بن إبراهيم: بيان الشرع، ٦(٣) ٣١٨/ الجيطالي: المرجع السابق، ١ - .٣٢١ (٤) سبق تخريجه. o ?äGOÉÑ©dG »a á«ædG âYô°T GPɪd آخر، فإن عرفه، فهو معاند للشرع، وإن جهله كان عاصيا ً بالجهل وارتكاب (٢) الفعل، إذ طلب العلم فريضة على كل مسلم » « (١) .. المقصود من النية في العبادات أمران: الأمر الأول: تمييز العبادات عن العادات(٣) : وذلك كما يلي: ١ الغسل : فإنه متردد بين ما يفعل قربة إلى الله، كالوضوء والغسل من الأحداث، وما يفعل لأغراض العباد: من التبرد والتنظيف والاستحمام والمداواة، وإزالة الأوضار والأقذار، فلما تردد بين هذه المقاصد وجب تمييز ما يفعل لرب الأرباب عما يفعل لأغراض العباد(٤) . النية فرض في الوضوء وفي أعمال الطاعات كلها، » جاء في المصنف وإنما تصير الأفعال طاعة بالنية، وعدم النية في الوضوء يخرج الفعل من أن « يكون طاعة، وما ليس بطاعة فهو من أن تكون فرضا أبعد(٥) . (١) أخرجه ابن ماجه في السنن، المقدمة باب فضل العلماء رقم ٢٢٤ . والطبراني في الكبير عن ابن . ١٩٥ ) رقم: ١٠٤٩ . والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مالك رقم ١٦٦٣ / مسعود ( ١٠(٢) .٣٢١/ الجيطالي: المرجع السابق. ١(٣) .٥٠/ ٥١ . وينظر: حاشية السدويكشي على كتاب الإيضاح، ١ / الشماخي: الإيضاح، ١ ٢١٢/ السالمي: معارج الآمال، ١ - ٢١٤ . باجو مصطفى: القواعد الفقهية عند الإمام أبي بحث مرقون، ص ١٧ ،« المعتبر » سعيد الكدمي من خلال كتاب - ١٨ . السيوطي: كتاب الأشباه والنظائر، ص ٢٧ . الأشقر عمر سليمان: النيات في العبادات، ص ٦٩ - .٧٠ (٤) .٢١٢/ السالمي: معارج الآمال، ١(٥) الكندي أبو بكر أحمد بن عبد الله بن موسى السمدي النزوي ( ٥٥٧ ه/ ١١٦٢ م): المصنف، تحقيق عبد المنعم عامر، جاد الله أحمد، نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان ُ .٤٣/٤ ، طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاءه، مصر. مج ٣ ﺱﻮـﻠﺠﻟﺍ ﻲﻓﺪﺟﺎـﺴﻤﻟﺍ : ﺪﻗ ﻥﻮﻜﻳ ،ﺕﺎﺣﺍﺮﻠﻟ ﻭﺃ ،ﺕﺍﻮـﻠﺼﻟﺍ ،ﻑﺎﻜﺘﻋﻻﺍﻭ ٢ـ ﺔـﺑﺮﻘﻟﺍﻭ ﺭﻮـﻀﺤﻟﺎﺑ ﺎـﻬﻴﻓ ﺓﺭﺎـﻳﺯﺏﺮـﻠﻟ 4 ﻲـﻓ ،ﻪﺘﻴﺑ ﺎـﻤﻟ ﺩﺩﺮﺗ ﻦـﻴﺑ ﻩﺬﻫ ،ﺕﺎﻬﺠﻟﺍ ﺔﻴﻨﻟﺎﻓ ﺰﻴﻤﺗ .ﻚﻟﺫ ﺔ ،ﻱﻭﺍﺪـﺘﻟﺍﻭ ﻭﺃ ﻡﺪﻌﻟ ﺔﺟﺎﺤﻟﺍ ﻙﺎـﺴﻣﻹﺍ ﻦـﻋﺕﺍﺮﻄﻔﻤﻟﺍ : ﺪﻗ ﻥﻮـﻜﻳﻴﻤﺤﻠﻟﱠِ ،ﻪﻴﻟﺇ ﺓﺭﺎﺗﻭ ﻞﻌﻔﺑ ﺔﺑﺮﻗ ﻰﻟﺇ ،ﷲﺍ ﺐﺟﻮﻓ ﻪﻴﻓ ﺔﻴﻨﻟﺍﻟ ﻪﻓﺮ ﻦﻋ ﺽﺍﺮﻏﺃ ﺩﺎﺒﻌﻟﺍﺼﺘْ ٣ـ ﻰﻟﺇ ﺏﺮﻘﺘﻟﺍ ﻰﻟﺇ .ﺩﻮﺒﻌﻤﻟﺍ ِ ﻊﻓﺩﻝﺍﻮﻣﻷﺍ : ﺩﺩﺮﺘﻳ ﻦﻴﺑ ﻥﺃ ﻞﻌﻔﻳﻫ ﺔ ﻭﺃ ﺔﻳﺪﻫ ﻭﺃ ،ﺔﻴﻄﻋ ﻦﻴﺑﻭ ﻥﺃ ﻞﻌﻔﻳ ﺔﺑﺮﻗﺒَ ٤ـ ﻰﻟﺇ ؛ﷲﺍ ،ﺓﺎﻛﺰﻟﺎﻛ ،ﺕﺎﻗﺪﺼﻟﺍﻭ ،ﺕﺍﺭﺎﻔﻜﻟﺍﻭ .ﺭﻭﺬﻨﻟﺍﻭ َ ﺎـﻳﺎﺤﻀﻟﺍﺎـﻳﺍﺪﻬﻟﺍﻭﻟ : ﺎ ﻥﺎﻛ ﺢﺑﺫ ﺢﺋﺎﺑﺬﻟﺍ ﻲـﻓ ﺐﻟﺎﻐﻟﺍ ﺮﻴﻐﻟ ،ﷲﺍ ﻦﻣ ﺔﻓﺎﻴﺿﻤﱠ ٥ـ ﻰﻟﺇ ﻚﻠﻤﻟﺍ ،ﻥﺎﻳﺪﻟﺍ ً ﻥﺎـﻔﻴﻀﻟﺍ ﺔﻳﺬﻐﺗﻭ ،ﻥﺍﺪﺑﻷﺍ ﺭﺩﺎﻧﻭ ﻪﻟﺍﻮﺣﺃ ﻥﺃ ﻞﻌﻔﻳﺎﺑﺮﻘﺗ ﺢﺑﺬﻟ ﺔﺑﺮﻘﻟﺍ ﻦﻋ ﺢﺑﺬﻟﺍ ﺽﺍﺮﻏﻷ ؛ﺔﻳﻮﻴﻧﺩ ﻥﻷ ﺮﻴﻬﻄﺗ ً ﺖﻃﺮﺷ ﻪﻴﻓ ﺔﻴﻨﻟﺍﺍﺰﻴﻴﻤﺗ ﻥﺍﻮـﻴﺤﻟﺍ ﺓﺎﻛﺬـﻟﺎﺑ ﺮـﻴﻬﻄﺘﻛ ﺀﺎﻀﻋﻷﺍ ﻩﺎـﻴﻤﻟﺎﺑ ﻦﻣ ﺙﺍﺪﺣﻷﺍ ﺓﺭﺎـﺗ ﻥﻮﻜﻳ ،ﷲ ﺓﺭﺎﺗﻭ ﻥﻮﻜﻳ ﺮﻴﻐﻟ ،ﷲﺍ ﺔﻴﻨﻟﺎﻓ ﺔﺒﺟﺍﻭ ﻲﻛ ﺰﻴﻤﺘﻳ ﻱﺬﻟﺍ ﷲ ﺎﻤﻋ .ﻩﺍﺪﻋ َﺞـﺤﻟﺍﻟ : ﺎ ﺖـﻧﺎﻛ ﻪﻟﺎﻌﻓﺃ ﺩﺩﺮﺘﺗ ﻦـﻴﺑ ﺕﺍﺩﺎﺒﻌﻟﺍ ،ﺕﺍﺩﺎﻌﻟﺍﻭ ﺐـﺟﻭ ﻪﻴﻓ ﺔﻴﻨﻟﺍﻤﱠ ٦ـ ﺕﺍﺩﺎﺒﻌﻠﻟ ﻦﻋ ،ﺕﺍﺩﺎﻌﻟﺍ ﺕﺍﺩﺎﺒﻌﻟﺎﻓﻻ ﺰﻴﻤﺘﺗ ﻦﻋ ﺕﺍﺩﺎﻌﻟﺍ ﻲﻓ ﺔﻠﺜﻣﻷﺍ ًﺍﺰﻴﻴﻤﺗ ﻲـﺘﻟﺍ ﺎﻫﺎﻧﺮﻛﺫ ﻻﺇ ؛ﺔﻴﻨﻟﺎﺑ ﻥﻷ ﺓﺭﻮﺼﻟﺍ ،ﺓﺪﺣﺍﻭ ﺍﺫﺈﻓ ﺖﻣﺪﻋ ﺔﻴﻨﻟﺍ ﻥﺎﻛ ﻞﻤﻌﻟﺍ ﻳﺩﺎﺒﻋ ﻻًﺎ ﻱﺮ ﻞﻤﻌﻟﺍ ﻦﻋ ﺔﻴﻨﻟﺍ ، ﺕﺍﺩﺎﻌﻟﺍﻭﻻ ﺏﺮﻘﺘﻳ ﺎﻬﺑ ﻰﻟﺇ ﷲﺍ ﺍﺫﺈﻓﻋُّ ﻳﺩﺎﻋًﺎّ ﻥﺎﻛ ﻞﻛﻷﺎﻛ ﺏﺮﺸﻟﺍﻭ ﻡﻮﻨﻟﺍﻭ ﻲﻤﻴﻬﺒﻟﺍ ﻲﻧﺍﻮﻴﺤﻟﺍ ﻱﺬﻟﺍﻻ ﻥﻮﻜﻳ ﺓﺩﺎﺒﻋ ﻪﺟﻮﺑ ﻦﻋ ﻥﺃ ﺮﻣﺆﻳ ،ﻪﺑ ﺐﺗﺮﻳﻭ ﻪﻴﻠﻋ ﺏﺍﻮﺜﻟﺍ ﺏﺎﻘﻌﻟﺍﻭ ﺡﺪﻤﻟﺍﻭ ،ﻡﺬﻟﺍﻭ ﺎﻣﻭ ًﻼـﻀﻓ ﻥﺎﻛ ﺍﺬﻫ ﻪﻠﻴﺒﺳ ﻢﻟ ﻦﻜﻳ ﻦﻣ ﻉﻭﺮﺸﻤﻟﺍ ﺏﺮﻘﺘﻤﻟﺍ ﻪﺑ ﻰﻟﺇ ﺏﺮﻟﺍ ﻙﺭﺎﺒﺗ.ﻰﻟﺎﻌﺗﻭ الأمر الثاني: تمييز العبادات بعضها عن بعض(١) : فالتقرب إلى الله تعالى بالفرض والنقل والواجب، فشرعت النية لتمييزها (١) نفس المراجع السابقة مع الصفحات. ومن الحجة بوجوب النية، أنها قد تقع تارة تطوعا » : قال صاحب المصنف ً وتارة فرضا ً ، فلا بد من نية يميز بها بين طهارة الفرض والتطوع، فإن قيل: هذه نية التمييز لا الطهارة، قيل له: بل هي نية الطهارة، وإنما قلنا أنها نية مميزة للفرض من النفل، إذ كل واحد منهما فعل وحكم يعرف بها، فلا يثبت ذلك إلا بوجوبها، فلذلك كانت مميزة بينهما، وكل شيء فصل بين فعلين، أو شيئين، أو حكمين سمي مميزا ً «... لهما(١) . ويمكن توضيح ذلك بالأمثلة التالية: ١ التيمم : يكون للجنابة والوضوء وصورتهما واحدة. ٢ الصلاة : فالصلاة تنقسم إلى فرض ونفل، والنفل ينقسم إلى راتب وغير راتب، والفرض ينقسم إلى منذور وغير منذور، وغير المنذور ينقسم إلى ظهر وعصر ومغرب وعشاء وصبح، وإلى قضاء وأداء وإعادة، فيجب في النفل أن يميز الراتب عن غيره بالنية، وكذلك تميز صلاة الاستسقاء عن ﱠﱠ صلاة العيد(٢) . ٣ وفي العبادة ا لمالية : نميز الصدقة الواجبة عن النافلة والزكاة عن المنذور والنافلة. ٤ وفي ا لصوم : نميز صوم النذر عن صوم النفل، وصوم الكفارة عنهما، َ وصوم رمضان عما سواه. ٥ وفي ا لحج : نميز الحج عن العمرة والحج المفروض عن المنذور والنافلة. هذا وقد أضاف أحد الفقهاء المعاصرين أمرا ً آخر يميز الأعمال، لا بقصد تمييزها عما يشابهها في الصور كما سبق، وإنما من أجل تحديد الأهداف (١) ٤٣/٤ ، الكندي أبو بكر أحمد: المصنف، مجلد ٣ - .٤٤ (٢) .٢١٢/ السالمي: معارج الآمال، ١ والغايات من العمل أو العبادة، كنية التقرب إلى الله تعالى من الصلاة، ودفع ما يخالطها من البواعث الأخرى التي تخل بالمقصود من العبادة، ونية المقصد الأصلي من العقد ودفع ما يخالطه من البواعث الأخرى التي تخل بالمقصد الأصلي من العقد. ومن الأمثلة على ذلك: أن المقصد الأصلي لعقد البيع هو نقل الملكية بعوض، والمقصد الأصلي لعقد الإجارة هو تمليك المنفعة بعوض، والمقصد الأصلي للرهن هو احتباس مال لتوثيق استيفاء الدين. هذا ولا يشترط نية المقصد الأصلي في المعاملات؛ لأن الله تعالى ندبنا إلى تلك الأعمال لما فيها من المقاصد الأصلية، فإذا قام بها المكلف على وجهها الشرعي تحقق المقصد الشرعي منها، وإنما يشترط عدم نية مقاصد أخرى تؤدي إلى الإخلال بالمقصد الأصلي للعقد، كمن نوى عند عقد النكاح الإضرار بالمرأة وإيذائها، أو نوى من البيع إلى أجل، ٍ الحصول على مال َ بزيادة كما في بيع العينة، فلا يصح هذا العقد، وكذلك من أدخل على المقصود الأصلي للعقد مقاصد أخرى تؤدي إلى الإخلال بالمقصد الأصلي كما في بيع الوفاء (١) . :á«ædG ≈∏Y ∞bƒàJ ’ »àdG ∫ɪYC’G ذكر الفقهاء جملة من الأفعال لا تحتاج إلى نية؛ لأنها عبادة محضة ولا تلتبس بغيرها. لا تجب النية في عبادة لا تكون عادة، أو لا » : نقل السالمي عن ابن حجر قوله تلتبس بغيرها، كالإيمان بالله والمعرفة به والخوف والرجاء والنية والقراءة والأذكار (١) شبير محمد عثمان: القواعد الكلية والضوابط الفقهية، ص ١١٦ . ولمزيد من المعرفة والإطلاع ينظر: خالد بابكر: الباعث وأثره في العقود والتصرفات، رسالة ماجستير، نوقشت . في الجامعة الإسلامية، قسنطينة الجزائر، في عام ١٩٩٤ حتى خطبة الجمعة على الوجه الأكمل، لتميزها بصورتها مع لزوم التسلسل والدور لو توقفت النية على نية، ولزوم التناقض المحال لو توقفت المعرفة عليها، إذ هي قصد المنوي، ولا يقصد إلا ما يعرف، فيلزم أن يكون الإنسان عارفا ً بالله تعالى قبل معرفته به، فيكون عارفا ً « به غير عارف به في حال واحدة (١) . والحق أن القراءة والأذكار » : وعقب السالمي على قول ابن حجر فقال وخطبة الجمعة ونحوها أعمال تتوقف صحتها على صحة النية، فإنها وإن كانت متميزة من سائر العبادات، فهي داخلة تحت الأعمال الموقوفة على النيات، وليس التميز نفسه مقصودا ً من شرع النية، وإنما المقصود تمييزها مع « الإخلاص والرغبة إلى الله وطلب القرب منه تعالى(٢) . وأشار السالمي إلى بعض أعمال التروك التي لا تجب فيها النية نقلا ً عن قال ابن حجر » : ابن حجر فقال : ولا تجب النية في التروك، كت ُ روك الزنا إلا لحصول ثواب الترك؛ لأن القصد اجتناب المنهي، وهو حاصل بانتفاء وجوده « وإن لم تكن نية(٣) . واستدل السالمي على عدم اشتراط النية في أفعال التروك بما نقله أبو البقاء معللا ً والنية في التروك لا يتقرب بها إلا إذا صار كف » : ذلك بقوله ّا ً وهو فعل، وهو المكلف به في النهي لا الترك بمعنى العدم؛ لأنه ليس داخلا ً « تحت القدرة للعبد(٤) . وأضاف: أبو ستة بعض أفعال التروك التي لا تقوم على النية فقال: وكذا لا تجب في إزالة النجاسات، ورد » ﱢ المغصوب والعواري والودائع، (١) .٢١٣/ السالمي: معارج الآمال، ١(٢) السالمي: المرجع نفسه. (٣) ٢١٦/ السالمي: المرجع نفسه، ١ - ٢١٤ . ينظر: ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، .١١/١(٤) .٢١٤/ السالمي: المرجع نفسه، ١ وقضاء النفقات وغير ذلك مما هو معقول المعنى، إلا إذا أراد حصول « الثواب(١) . وأشار السالمي إلى القصد من النية في العبادات والطاعات والقربات، فذكر أن نية العبادات يقصد بها التذلل والخضوع على أبلغ الوجوه، ونية الطاعة هي فعل ما أراد به الله تعالى منه، أما نية القربة يراد بها طلب الثواب بالمشقة في فعلها، أو ينوي أن يفعلها مصلحة له في دينه بأن يكون أقرب إلى ما وجب عقلا ً من الفعل، وأداء الأمانة، وأبعد عما حرم عليه من الظلم وكفران النعمة(٢) . ﱠﱠ ويبين السالمي في معرض حديثه عن النية، أن النية للتمييز لا تكون إلا ﱢ في ملفوظ محتمل، كعام يحتمل الخصوص، أو مجمل أو مشترك يحتمل وجوها ً من المراد ليفيد فائدتها. والنية في الأقوال لا تعمل إلا في الملفوظ، ولهذا لو نوى الطلاق أو العتاق ولم يتلفظ به لا يقع، ولو تلفظ به ولم يقصد وقع في الحكم؛ لأن الألفاظ في الشرع تنوب مناب المعاني الموضوعة هي لها. وأوضح أيضا ً : أن النية في العبادات باللسان مع غفلة الجنان غير معتبرة، لما ورد في الحديث من أن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى » « قلوبكم وأعمالكم(٣) ، وفي رواية: « ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم »(٤) فلو نوى الظهر بقلبه في وقته وتلفظ بنية العصر لا يضره بخلاف العكس(٥) . (١) القصبي محمد بن عمر أبو ستة (المحشي)، حاشية الترتيب على الجامع الصحيح مسند .٢١٤/ ٥. وينظر: السالمي: معارج الآمال، ١ / الإمام الربيع بن حبيب، ١(٢) .٢١٤/ السالمي: المرجع نفسه، ١(٣) رواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم، رقم: ٤٧٥٧ ، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب القناعة، رقم: ٤١٤١ ، عن أبي هريرة. (٤) لم نقف على تخريجه بهذا اللفظ. (٥) ٢١٤/ السالمي: المرجع نفسه، ١ - .٢١٥ :π©Ø∏d á«ædG áÑMÉ°üe بحث الفقهاء مسألة مصاحبة النية للعبادات، واختلفوا في حكم الفعل إذا تقدمته النية، هل يشترط استمرارها مع الفعل حتى يفرغ منه؟ ُ وإذا طرأ على الفاعل النسيان أو نية أخرى لغرض آخر فما حكم ذلك الفعل؟ فهل عليه الإعادة؟ أم البناء عليها؟ نقل السالمي هذه المسألة في وإذا نوى فتوضأ » : وعرض رأي الإباضية فيها وناقش حججهم فقال « المعارج »ثم عزمت نيته، أجزأته نية واحدة، ما لم ينقلها فيحدث مع الفعل أنه يتبرد بالماء أو يتنظف به. فإن قال قائل: إذا كان الوضوء عندكم لا يجزى إلا بنية، فلم لا يحتاج َ الإنسان إلى دوام النية إلى أن يفرغ من الفعل الذي كان له ينوي؟ وما الفرق بين أوله وآخره؟ قيل له: إذا نوى الطهارة في حال مباشرة الفعل لها فليس عليه ذكر ذلك إلى أن يفرغ منها؛ لأن ت َوق ّ ي النسيان إلى أن يفرغ من الفرض لا يمكن، وتلحق َ فيه مشقة، ألا ترى أن الصوم لا يجزئ إلا بنية ثم ينسى صاحبه وينام ويأكل ناسيا ً ولا يضر ذلك، وكذلك لا يجوز له الدخول في الصلاة إلا بنية، ثم قد ينسى ويسهو ولا يضر إذا عرض له ما ذكرناه باتفاق؛ لأن استدامة ذلك إلى أن َ يفرغ من الفرض يشق ويؤدي إلى بطلان الفرائض، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه َُ قال: لا صيام لمن لم يبيت الصيام من ا لليل » «(١) . فأجاز تقديم النية في الصيام ﱢ « والطهارة (٢) . (١) رواه الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الل ﱠ ، يل، رقم: ٧٣٠ ﱠ وأبو داود، كتاب الصوم، باب الن ﱢ ية في الصيام، رقم: ٢٤٥٤ ، بلفظ: من لم يجمع » ﱠﱠ « الصيام قبل الفجر فلا صيام له ، عن حفصة. وقال الترمذي: حديث لا نعرفه مرفوعا ً إلا من هذا الوجه. (٢) ٣١٩/ ابن بركة: الجامع، ١ - .٣٢٠ كذلك عندي، غير أن نية الطهارة مع » : واختار ابن بركة هذا المذهب وقال الدخول فيها، وكذلك النية في الصلاة والزكاة والحج مع الفعل لذلك والنية للصيام وقتها أبعد، وكان التقدير في الصيام كغيره، غير أن الصيام وقته طلوع الفجر وهو وقت لا تتهيأ لأكثر الناس ضبطه؛ ولأن أكثر الناس فيه نيام، فلو ِ أ ُخذوا أن يكونوا في الوقت متأهبين ل َ شق عليهم مراعاة وقتهم ولحقهم في ُﱠ ذلك ضرر شديد، فإذا نوى فهو على نية وعليه استصحابها، واستصحابه لها « هو أن لا ينقلها إلى غير ما دخل فيه ونواه(١) . مجمل القول: يظهر مما تقدم أن ما ذهب إليه ابن بركة وغيره ورجحه هو الأعدل والأوفق من الآراء؛ لأن في اشتراط مصاحبة النية للفعل حتى تمامه، فيه مشقة وحرج شديد للأدلة المتقدمة، ولأجل ذلك يكتفي بالنية المتقدمة للفعل ما لم ينقلها إلى قصد مناقض للأول تيسيرا ً المشقة » للناس ورفع للحرج عنهم؛ ولأن .« تجلب التيسير (١) .٣٧٠/ ٣٢٠ . الشقصي خميس بن سعيد: منهج الطالبين، ٣ / ابن بركة: المرجع نفسه، ١ تعتبر هذه القاعدة من القواعد المهمة في الفقه الإسلامي فقد جعلها ابن « الأشباه والنظائر » نجيم من القواعد الكبرى وبدأ بها في كتابه(١) ، ولها تعلق بأبواب الفقه من طهارة، وصلاة، وزكاة، وصوم، وجهاد في سبيل الله، وتولي الأمور » : القضاء، وغير ذلك من القربات والطاعات. وهي فرع عن قاعدة بمقاصدها « وتندرج تحتها، وفيما يلي بيان لمعنى القاعدة وتطبيقاتها. :IóYÉ≤dG ≈æ©e :’k hCGs الثواب والعقاب إما أن يكون دنيويا ً ، وإما أن يكون أخرويا ً : فأما الثواب ّّ والعقاب الأخروي، فإنه مترتب على النية جملة وتفصيلا، ً فإثابة المؤمنين برضا الله والفوز لديه هو بسبب ما أخلصوا له من الأعمال الصالحة(٢) ... قال 4 : ﴿ ¯® °²± ﴾ )النحل : (٣٢ . وقال تعالى: ﴿ £¢ §¦¥¤ ¨«ª© ¬ ﴾ )القصص :(٦٧ . وقال 8 في حق الكفار: ﴿ JIHGFEDCB ﴾ (الفرقان: ٢٣ (. ويؤكد الرواحي (٣) هذا المعنى في معرض حديثه عن وجوب النية في (١) . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٢٠(٢) . ابن نجيم: المرجع نفسه، ص ١٦٦(٣) الرواحي: هو ناصر بن سالم بن عديم بن صالح بن محمد بن عبد الله بن محمد البهلاني الع ُ ماني، المكن ّ ت: ١٣٢٩ ه) ولد في أحضان بيت علم وفضل في مدينة محرم، ) .« أبو مسلم » ى أعز بلاد بني رواحة في عمان، بعد انتقال أجداده من بهلا إلى وادي محرم. نشأ وتعلم بزنجبار. ُ ويلقب ب (حسان ع ُ مان)، له شعر جيد يصور أحداث عصره، وقد تفوق تفوقا ً ملحوظا ً . ومن مؤلفاته ديوان في الشعر، ونثار الجوهر في علم الشرع الأزهر مطبوع، نثر فيه منظومة جوهر .٣٧٧ ،١١٦/ النظام للشيخ نور الدين السالمي ولم يتمها. معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١ وهي أن يعتقد في قلبه استباحة الصلاة برفع الأحداث، » : صحة الوضوء فيقول « وصح بذلك ولا ثواب له إلا بنية أخرى هي التقرب إلى الله(١) . وإلى هذا المعنى يشير الشماخي أيضا ً وأما النية هي أن يتحرى مرضاة الله وطاعة » : فيقول أمره، وذلك أن ينوي بفعله الصلاة بأداء الفرض وطاعة الله 8 ، وأنه واجب عليه مأمور به، ويتقرب بفعله إلى الله 8 ، والتقرب طلب المنزلة عند الله؛ «... لأن الله وعد المؤمنين الجنة على فعلهم الطاعة(٢) . وإذا تم العمل بلا نية فلا ثواب له، وإذا نوى » : ويقول القطب في الشامل ﱠ في أثنائه فله ثواب ما بقي وصح ما مضى بلا ثواب إن كان مما يصح بلا نية، وقيل: إذا كان في أثنائه ونوى عادت نيته على ما مضى وما أتى، ورخص بعض أن يتداركها ما دام باقيا ً ولو غاب، وما مر من مقارنة النية للعمل هو ّ الصحيح، وأجاز بعضهم تقديمها قبل القيام إليه، لكن إن حدث له ذكر ذلك عند القيام إليه أو الدخول فيه فليجددها. ومن عمل بلا نية فلا ثواب له ِ ولا عقاب إن كان غير فرض، وإلا عصي فالعقاب إن لم يت ُ ب وي ُعد ْ ، وقال غيري: أنه يعصي بعمل نفل أو فرض بلا نية، وقيل: أفعال المؤمن تابعة « لاعتقاده(٣) . وأما الثواب والعقاب الدنيوي فلا يخلو العامل من أحد أمرين: إما أن يكون مكلفا ً أو غير مكلف، فإن كان مكلفا ً وقام بطاعة الله جل ﱠ وعلا حيا حياة َ طيبة سعيدة، وكان له الذكر والثناء الجميل، قال تعالى: ﴿ \[ZY ihgfedcba`_^] kj ﴾ )النحل :(٩٧ . وأما إن عمل ما يستحق به العقاب جوزي بما يستحق من حد ّ أو تعزير أو َُ (١) .١٦٥/ الرواحي ناصر: نثار الجوهر، الطبعة المصورة من المخطوط، ١(٢) ٣٧٥ ، بتصرف. / الشماخي: الإيضاح، ١(٣) ١٥٧/ أطفيش أمحمد بن يوسف: شامل الأصل والفرع، ١ - .١٥٩ ضمان، وإن كان غير مكلف بحيث لم تتوفر فيه شرائط الوجوب، أثيب على الأعمال الصالحة تفضلا ً مع الله، وذلك كحج الصبي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رفعت له امرأة صبيا ً قالت: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر » « (١) . ّ وإن عمل غير المكلف شيئا ً من المعاصي لا يكتب عليه إثم المعصية، ُ ولكنه يؤدب تأديبا ً يردعه عن معصية الله تعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : مروا أولادكم » ُ بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر (سنين) وفرقوا بينهم في ا لمضاجع « (٢) . ولكن لا تقام عليه الحدود؛ لأنه غير مكلف وإن أتلف شيئا ً لزمه الضمان(٣) . قال الثميني : ومن أفسد طفله مالا » ً غرمه من ماله، إن لم يكن لطفله مال، وقيل: لا، ولا شيء على ابن الأم الطفل إن كان معدما ً ... وإن تعمد الطفل «... إفساد ذلك لزمه في ماله إن كان له مال، وإلا غرمه أبوه من ماله(٤) . هذا وقد قصر أحد الباحثين مفهوم القاعدة على الثواب الآخرة، ونسب ذلك إلى إجماع العلماء، ولكن حسب الأدلة التي تقدمت نجد القاعدة شاملة وقد أريد بهذه القاعدة الثواب » : للثواب الدنيوي والأخروي. ومما جاء في نصه الأخروي بالإجماع، للإجماع على أنه لا ثواب ولا عقاب إلا بالني ة، فانتفى الآخر أن يكون مرادا ً ، وقيل: يراد الأخروي والدنيوي فإذا وجدت النية الخالصة (١) رواه مسلم، كتاب الحج ﱢ ، باب صح ﱠ ة حج ﱢ الصبي وأجر من حج ﱠ به، رقم: ١٣٣٦ ، وأبو داود، ﱢ كتاب المناسك، باب في الصبي يحج، رقم: ١٧٣٦ ، عن ابن عباس. ﱢﱡ ﱠ (٢) رواه أبو داود، كتاب الص ﱠ لاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، رقم: ٤٩٥ ، عن عبد الله بن عمرو، والترمذي، أبواب الصلاة، متى يؤمر الصبي بالصلاة، رقم: ٤٠٧ ، عن سبرة بن معبد. ﱠﱡ .« حسن صحيح » : وقال(٣) . ابن اللحام البعلي: القواعد والفوائد الأصولية، ص ١٨(٤) الثميني: عبد العزيز: الورد البسام في رياض الأحكام، تحقيق محمد بن صالح الثميني طبعه حفيده يوسف بن يحيى الثميني ( ١٢٢٣ ه). المطبعة التونسية ١٣٤٥ ه ، تونس، .٢٣٠ - ص ٢٢٩ لله تعالى صح العمل وبرئت الذمة وحصل الثواب، وإذا فقدت النية أو اختلت فسد العمل وشغلت الذمة وكان العقاب، والأولى العموم؛ لأن القاعدة تفيد « العموم(١) . فهذه القاعدة توضح الفرق بين العمل الذي ابتغى به وجه الله وثوابه، وبين ما لم يقصد به ذلك، وإن كان ظاهره أنه طاعة وعبادة، وهنا لا بد من التنبيه على أن من الضروري استحضار نية الاحتساب وطلب الأجر والثواب من الله تعالى على كل من عمل صالح حتى ولو كان واجبا ً ، فإن الإنسان قد يعتاد فعل الواجب فيصير عنده كالعادة، فيفعله دون أن يستحضر أن هذا الفعل ق ُ ربة إلى لله تعالى يرجى بها ثوابه وجنته، وإنما يكون قصده إسقاط الواجب وإبراء الذمة منه، ففي هذه الحالة تسقط عنه المطالبة بالواجب إذا فعله، ولكن قد لا يحصل له الأجر والثواب المرجو من مثل هذه الطاعة. فمثلا :ً سداد الديون واجب، وكذلك النفقة على من يعولهم من زوجة َ وأولاد وما يملكه من دواب، ورد ّ المغصوب كل ذلك واجب، وتبرأ الذمة منه بمجرد فعله، وتسقط المطالبة به، لكن الثواب إنما يحصل لفاعل هذه الأمور رجاء ثواب الله، فيؤدي الديون والحقوق إلى أصحابها؛ لأن الله تبارك وتعالى ِ أمره بذلك، فهو يرجو بفعله رضى الله وثوابه في الدار الآخرة. َ وكذلك الصيام والقيام هما من أجل ﱢ العبادات، ومع ذلك فقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رب صائم حظ » ﱡ ه من صيامه الجوع والعطش، ﱠ ورب قائم حظه من قيامه ا لسهر « (٢) ، وإنما كان ذلك لتخلف شروط القبول عن ٍ هذه العبادات، كأن يكون المكلف مراء في فعله، أو يكون فعله على غير هدى ُ (١) . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية والضوابط الفقهية، ص ١٢٠(٢) . رواه ابن خزيمة، كتاب الصيام، باب نفي ثواب الصوم عن الممسك عن الطعام...، رقم: ١٨٦٣ والحاكم، المستدرك، كتاب الصوم، وأما حديث شعبة، رقم: ١٥٠٧ . عن أبي هريرة، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري. النبي صلى الله عليه وسلم ، والمكلف بفعله الصورة الظاهرة للعبادة تسقط مطالبته بها، ولكن القبول شيء آخر غير هذا، وهو إنما يكون لمن أخلص لله، واتبع ه َ د ْ ي رسوله صلى الله عليه وسلم ، وابتغى بفعله الآخرة والثواب من الله 8 (١) . ويجب على المؤمن أن ينوي نية حسنة حتى يجاز َ ى عليها ولو لم يتمكن من عمله، أما إذا نوى نية سيئة ولو كان العمل لا يلزمه، فإنه يحاسب على تلك النية، فكيف إذا كان يلزمه وأصر عليها حتى مات. وقد أشار القطب إلى ّ ومن نوى أن لا يؤدي حق » : هذه المسألة فقال ّ ا ً من حقوق الله أو من حقوق ِ المخلوق، وهو في الحقيقة لم يلزمه أو قد أداه، أو فعل فعلا ً على نية الحرام ووافق الحلال هلك، وقيل: عصى، وعلى كلا القولين لا حد ّ عليه، وأما عذابه فهو على الأول عذاب الكبيرة، وعلى الثاني كذلك إن لم يتب، وليس لك أن تقول: إن ّ «... عذابه بين الصغيرة والكبيرة(٢) . مجمل القول: بناء على ما سبق يمكن القول: إن المعنى الإجمالي للقاعدة هو أن الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة لا يتحققان في الأعمال والعبادات والقربات إلا بوجود النية، فإذا وجدت وكانت خالصة لله تعالى صح العمل، وحصل الثواب، وإذا فقدت النية أو اختلفت، فسد العمل وكان العقاب(٣) . والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن ينبغي الإجابة عنه هو: هل تشترط النية في التروك؟ وهل يثاب من ترك المنهي عنه؟ قال أهل العلم: إن ترك المنهي عنه كالزنا وشرب الخمر والفواحش (١) علوان إسماعيل حسن: القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ١٥٠ - ١٥١ . ينظر: القرافي، .٥١ - ٥٠/ الفروق، ٢(٢) .١٥٩/ أطفيش: شامل الأصل والفرع، ١(٣) السدلان صالح: القواعد الفقهية الكبرى، ص ٧٠ - ٧١ . شبير، القواعد الكلية، ص ١٦٠ - .١٦١ ِِ لا يحتاج إلى نية الخروج عن عهدة النهي، فمن لم يزن أو لم يشرب الخمر، أو لم يقتل يعتبر منهيا ً عن تلك الأفعال ولو لم تحضره نية الترك، ولكن هل ّ يثاب على ذلك الترك؟ ِ علمنا مما سبق أن ّ الثواب مترتب على نية التقرب إلى الله تعالى بإيجاد ٌْ الفعل أو الامتناع عنه، فمن ترك الزنا بدون استحضار نية الترك أو لعدم قدرته عليه، أو كان أعمى فترك النظر المحرم، فهنا لا ثواب على الترك؛ لأنه لم يتقرب إلى الله بهذا الترك، وإنما يحصل الثواب بأن كان قادرا ً على الفعل ودعته نفسه إليه فكفها عنه طاعة لله، وخوفا ً من عقابه، فهو يثاب بهذه النية لا بمجرد الترك(١) . ودليل ذلك: ١ قصة يوسف مع امرأة العزيز حيث يقول الله على لسانه: ﴿ !" 10/.-,+*)('&%$# :98765432 ﴾ (ي وسف: ٢٣ (. ٢ وكذلك الرجل الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في عرشه يوم القيامة حيث يقول: ورجل دعته امرأة ذات حسن » وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين « (٢) . (١) . البورنو محمد صدقي: الوجيز، ص ١٦٤ ِِ (٢) هذا جزء من حديث رواه الربيع بن حبيب في مسند الجامع الصحيح باب في ال ْولا ِ َ ية ٌَ َ ِِ والإمارة، حديث: ٤٨ عن أنس بن مالك. ورواه البخاري بلفظ قريب منه، كتاب الأذان، َ ََ أبواب صلاة الجماعة والإمامة، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، حديث: ٦٤٠ . ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، حديث: ١٧٧٤ عن أبي هريرة. ولفظ البخاري: سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب » نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معل ّ ق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ً « ففاضت عيناه . وقد تعرض فقهاء الإباضية إلى هذه المسألة في مصنفاتهم، فقال القطب ولا تجب في الت » :« الشامل » في ُ روكات إلا لنيل الأجر، كترك الزنا لا ذنب « على تاركه بلا نية، ولا ثواب على تركه إلا بنية(١) . في سياق شرحه لحديث « حاشية الترتيب » وذكر أبو ستة القصبي في « الأعمال بالنيات » : هذا الحديث أصل في وجوب النية في سائر العبادات، » أن يعني إلا ما قام الدليل على إخراجه من هذا العموم، كأن تكون عبادة معقولة المعنى، كغسل النجاسات، أو تكون من باب الترك، كترك الزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، إلا إذا أراد حصول الثواب على ذلك فلا بد من النية كما «.... تقدم(٢) ، وقال أيضا ً : وكذا لا تجب النية في إزالة النجاسات، ورد » المغصوب والعواري والودائع، وقضاء النفقات، وغير ذلك مما هو معقول « المعنى، إلا إذا أراد حصول الثواب(٣) . وعقب السالمي على قول أبي ستة وزاد من توضيح هذه المسألة في معرض جوابه عن أي العبادات يشترط فيها النية؟ ومتى يحصل على الثواب؟ ﱢ لا يفهم منه أنه لا ثواب على العبادات الغير المعقولة المعنى » : فأجاب والتركية، وإنما يفهم منه أن العبادات الغير المعقولة المعنى يتعين فيها وجوب المعنى، ولا يتعين وجوبها في العبادات المعقولة المعنى، ولا في العبادات التركية، إلا إذا أراد تحصيل الثواب فلا بد من النية، ومعناه في ذلك: أن العبادات الغير المعقولة المعنى تتوقف صحتها على النية، بل يصح فعلها مع الإغفال عن القصد، وكذلك التركيات، كاجتناب المحرمات كلها، فإنه يكون ممتثلا ً بنفس الترك ولو لم يحضره القصد لذلك، لكن إذا أراد تحصيل زيادة الثواب فلا بد من النية والقصد، يعني إذا أراد تحصيل الثواب (١) . أطفيش أمحمد: الشامل، ص ١٥٢(٢) .٨/ أبو ستة عمر القصبي: حاشية الترتيب، مرجع السابق، ١(٣) .٥/ أبو ستة: المرجع السابق، ١ الخاص بحصول النية، فلا بد من النية له من النية؛ لأن النية شرط لحصوله، « وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط(١) . k :IóYÉ≤dG ádOCG :É«fÉK الأمور بمقاصدها » إذا دققنا النظر في هذه القاعدة والقاعدة الكبرى « نجد أن هناك نوعا ً من التداخل بين القاعدتين، وبالتالي فأدلتها يمكن الاستدلال بها لهذه القاعدة، فمثلا ً: ١ حديث عمر بن الخطاب المتقدم: إنما الأعمال بالنيات » « دل ﱠ على اعتبار القصد في الفعل، وأن حكم الفعل يختلف باختلاف النية، فمن كان قصده من الهجرة هو رضا الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم حصل له ما قصده ِ وق ُ بلت هجرته، وحصل ثواب الهجرة، أما من لم يكن كذلك، لم تقبل ﱠ هجرته ولا أجر له. ٢ وكذلك حديث أبي موسى الأشعر ي، فقد بين أن كل من قاتل فليس له ّ إلا ما قصد، وبالتالي فلا يكون مقاتلا ً في سبيل الله إلا من قصد ذلك، ويثاب على نيته هذه، أما من قاتل لغرض غير هذا، فقتاله ليس في سبيل َ الله ولا أجر له. وسأذكر هنا بعض الأدلة مما يمكن الاستدلال به لهذه القاعدة غير ما تقدم فمن ذلك: ١ قوله تعالى: ﴿ }| ~ ﮯ ©¨§¦¥¤£¢¡ «ª ¬¯® ° ³²± ´ ﴾ (الروم: ٣٩ (. يقول تعالى جل » : قال ابن جرير في تفسير هذه الآية ّ ذكره في معنى الآية: وما أعطيتم أيها الناس بعضكم بعضا ً من عطية لتزداد في أموال الناس برجوع (١) ٣٧٥/ السالمي: العقد الثمين، ١ - .٣٧٦ ثوابها إليه ممن أعطاه ذلك ﴿ §¦¥ ¨ ﴾ (ال روم: ٣٩ ( ، يقول: فلا يزداد ذلك عند الله؛ لأن صاحبه لم يعطه من أعطاه مبتغيا ً به وجهه. ﴿ «ª َْ ®¬ ﴾ (ال روم: ٣٩ ( يقول: وما أعطيتم من صدقة تريدون بها وجه الله فأولئك يعني: الذين يتصدقون بأموالهم ملتمسين بذلك وجه الله هم المضعفون، يقول: هم الذين لهم الض ﱢ « عف من الأجر والثواب(١) . وقد بو ّ باب » : ب الإمام البخاري في صحيحه فقال ﴿ §¦¥ ¨ ﴾ (الروم: ٣٩ ( . «... من أعطى عطية يبتغي أفضل منها، فلا أجر له فيها(٢) . إذا ً ، فمن أتى زكاة ماله أو تصدق أو فعل أي فعل خير يريد بذلك وجه ّ الله وثوابه، والدار الآخرة، فهو الذي يؤتيه الله أجره ويضاعفه له، أما من لم يرد وجه الله تعالى بفعله فلا أجر له(٣) . ٢ حديث عثمان بن عفان 3 قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من » َ بنى لله مسجدا ً يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة « (٤) . ففي هذا الحديث بيان أجر من بنى لله مسجدا ً ابتغاء ثواب الله ومرضاته، َ وأن ّ الله 8 يجزيه بأن يبني له بيتا ً في الجنة. أما من بناه ابتغاء أن يقال عنه ِ منفق وجواد ومحسن، فهذا ليس له ثواب في هذا الفعل، وكذلك من بناه ُ ليسميه باسمه فقط، أو ليقال: هذا مسجد فلان، لا ابتغاء ثواب الله، فهذا ليس له في الآخرة من نصيب...(٥) . (١) ٣٥/ الطبري: جامع البيان في آي القرآن، ٢١ - .٤٦ (٢) .٢٠٦/ صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن، ٦(٣) . علوان إسماعيل حسن: القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ١٤٤(٤) متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب من بنى مسجدا ً ٥٤٤ ) مع الفتح. /١) ، وأخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل بناء المساجد والحث عليها، .(٢٢٨٧/ ٣٧٨ ) وفي كتاب الزهد والرقائق، باب فضل بناء المساجد، ( ٤ /١)(٥) . علوان إسماعيل حسن: القواعد الفقهية، ص ١٤٤ ٣ حديث أبي مسعود البدري 3 عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أنفق رجل » على أهله يحتسبها فهو له صدقة « (١) . وهذا بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجر من يقصد ثواب الله 8 حتى في الإنفاق على أهله، فإن الإنفاق عليهم من الواجبات، ومتى ما قصد به العبد الطاعة لله، والابتغاء لثوابه، كان ذلك صدقة له عند الله 8 ، أما إن قصد به إسقاط المؤاخذة فقط، فهذا تسقط عنه المؤاخذة، ولكن لا أجر له؛ لأنه لم يقصده(٢) . أفاد منطوقه » : ونقل ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث قول القرطبي فقال أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد الق ُ ربة سواء كانت واجبة أو مباحة، ْ وأفاد مفهومه أن ّ من لم يقصد القرب لم يؤجر، لكن تبرأ ذمته من النفقة ُ الواجبة؛ لأنها معقولة المعنى، وأطلق الصدقة مجازا ً والمراد بها الأجر، والقرينة الصارفة عن الحقيقة: الإجماع على جواز النفقة على الزوجة « (الهاشمية) التي حرمت عليها الصدقة(٣) . ِ ٤ ما رواه أبو هريرة 3 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تعلم عل » ْ ما ً مما َْ ِ يبتغي به وجه الله 8 ، لا يتعلمه إلا لي ُ صيب به ع َر َ ضا ً من الدنيا، لم يجد ع ُر ْف َ « الجنة يوم القيامة يعني: ريحها (٤) . (١) أن الأعمال بالنية والحسبة، » متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب ما جاء ٣١٧ )، وفي كتاب / ١٣٦ )، وفي صحيح البخاري مع الفتح، ( ٧ /١) « ولكل امرئ ما نوى ٤٩٧ ) مع الفتح، وأخرجه مسلم في كتاب / النفقات، باب فضل النفقة على الأهل... ( ٩ .(٦٩٥/ الزكاة، باب النفقة والصدقة على الأقربين والزوج، ( ٢ (٢) . علوان إسماعيل حسن: المرجع السابق. ص ١٤٥(٣) ١٣٦/ ابن حجر: فتح الباري، ( ١ - .(١٣٧ (٤) ٧١ ). وأخرجه / أخرجه أبو داود في كتاب العلم، باب في طلب العلم لغير الله تعالى، ( ٤ ٩٢/ ابن ماجه في كتاب المقدمة، باب الانتفاع بالعلم والعمل به، ( ١ - ٩٣ ). وأخرجه أحمد ٦٩٢ ). وفي صحيح / ٣٣٨ ). والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ( ٢ /٢)٣٧/ سنن ابن ماجه، ( ١ - .(٣٨ ففي هذا الحديث بيان لمكانة النية، والقصد في العمل في حصول الثواب عليه، إذا قصد به وجه الله، وفي ضياع الثواب، بل وحصول العقاب لمن ابتغى به عرضا ً من أعراض الدنيا؛ فتعل ﱡ م العلم الشرعي من أعظم ُ القربات إلى الله تعالى، كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، منها: قوله صلى الله عليه وسلم : من سلك طريقا » ً يبتغي فيه علما سلك به طريقا ً إلى الجنة، ِ وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له ً « من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في ا لماء (١)ولا يحصل َْ ِ للعالم ولا لطالب العلم هذا الفضل إلا إذا كان قصده من تعلمه وتعليمه ْ رضا الله تبارك وتعالى، وابتغاء مرضاته، فيجب عليه الإخلاص فيه، لينال هذا الثواب العظيم(٢) . k :IóYÉ≤dG äÉ≤«Ñ£J :ÉãdÉK ١ النية فرض للتيمم ؛ لأنه عبادة غير معقولة المعنى ينوي بها المتيمم التقرب إلى الله، والرضى مع النية الخالصة بها، وإن نوى بها رفع الحدث ولم (١) أخرجه الترمذي بهذا اللفظ في كتاب العلم، باب في فصل الفقه على العبادة من حديث ٤٥٠ ) مع التحفة. وأبو داود بنحوه في كتاب العلم، باب الحث على طلب / أبي الدرداء، ( ٧ ٥٧/ العلم ( ٤ - ٥٨ ). وابن ماجه بنحوه في المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب ١١٠ ) بنحوه، وقد / ٨١ ). والدارمي في المقدمة، باب في فضل العلم والعالم، ( ١ / العلم، ( ١ ورد الحديث أيضا ً بطريق أبي هريرة، وقد صحح الألباني حديث أبي الدرداء في صحح ٦٩٤ ). وفي صحيح سنن ابن / ٣٤٢ ). وفي صحيح سنن أبي داود، ( ٢ / سنن الترمذي، ( ٢ ٤٣/ ماجه، ( ١ - ٤٤ ). ورواه الربيع بن حبيب أيضا ً في المسند، باب العلم وطلبه وفضله، بلفظ من سلك طريقا » ً يطلب فيه علما ً سهل الله له طريقا ً « إلى ا لجنة حديث ٢٠ . وفي حديث آخر في الباب نفسه قال الربيع بن حبيب: حدثني أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا » ً « لما يطلب حديث .٧/ ١٩ . الجامع الصحيح مسند الربيع بن حبيب، ١ (٢) . علوان إسماعيل حسن: المرجع السابق، ص ٩٤٨ ِ ينو بها التقرب لله ورضاه، أجزاه ولا ثواب له، والعبادة المعقولة المعنى كذلك ينوي بها التقرب إلى الله والرضي، وإلا صحت بلا ثواب(١) . ٢ إنفاق المال بنية السمعة والرياء ، لا ثواب عليه(٢) . نقل القطب أطفيش هذه المسألة في »شامله « ، وحرر فيها خلاف العلماء، ونية الشر شر، فمن نوى بعمله أن » : وتعرض إلى أدلتهم بالنقد والتوجيه، فقال ّّ يحمده الناس لم يكن له ثواب، وعوقب على نيته، وأما ما رواه أبو المؤثر(٣) : ُ أن رجلا ً أتى النبي صلى الله عليه وسلمفقال له: إني أقاتل في سبيل الله وأحب أن أحمد، فقال له: ألست » َ تقاتل أن تكون كلمة الله هي ا لعليا « فقال: بلى يا رسول الله، فقال: فأنت » َ إذا ً « شهيدا ، أو قال: « لك ا لأجر »(٤) فمنسوخ بقوله تعالى: ﴿ äãâ îíìëêéèçæå ﴾ )الكهف : (١١٠ . روي أنه أتاه رجل فقال له: يا رسول الله إني أتصدق بصدقة وألتمس الحمد والأجر، يعني: حمد الناس وأجر الله، فقال صلى الله عليه وسلم : لا شريك له » « ، فأنزل الله 4 : ﴿ äãâ îíìëêéèçæå ﴾ (ال كهف: ١١٠ ( . وبرواية الربيع (١) .٣٥٠/ أطفيش: شرح النيل، ١(٢) .٢٦٥/ ابن بركة: الجامع، ١ (٣)الصلت بن خميس الخروصي، أبو المؤثر (ت: ٢٧٨ ه) فقيه كبير، من قرية بهلا، حمل العلم عن محمد بن محبوب بن الرحيل، ونبهان بن عثمان وغيرهم، له أجوبة وفتاوى كثيرة تزخر وتفسير آيات الأحكام. .« الأحداث والصفات » : بها كتب الفقه والتاريخ. من مؤلفاته كتاب .(١٨٥/ معجم أعلام الإباضية (قسم المشرق) لمجموعة باحثين ( ١ (٤) لا أحفظ هذا الحديث، والذي وجدته خلاف ذلك، قال جندب بن زهير يا » : قال السالمي إن الله لا يقبل ما ش » : رسول الله إني لأعمل العمل لله فإذا اطلع عليه أحد سرني، فقال ُ ورك فنزل قوله تعالى: ،« فيه ﴿ îíìëêéèçæåäãâ ﴾ ( (الكهف: ١١٠ . وعند الربيع من حديث أبي هريرة يرفعه: يقول الله تبارك وتعالى: من » عمل عملا ً « أشرك فيه غيري فهو له كله وأنا أغنى الشركاء عن ا لشرك . فالله أعلم بصحة .٤٦١/ السالمي، الجوابات: ٦ .« ما ذكرت عن أبي عبيدة عن جابر عن أن س، عنه صلى الله عليه وسلم : يقول الله تبارك وتعالى: من عمل » عملا ً أشرك فيه غيري فهو له كله، وأنا أغنى الشركاء عن ا لشرك « (١) . وبقوله صلى الله عليه وسلم : الرياء يحبط العمل كما يحبطه الشرك » « (٢) . وقد حاول الشيخ أطفيش أن يؤول الحديث الذي ذكر فيه أن الرجل يقاتل ﱢ ويحب الحمد؛ ليجد له مخرجا ً يتناسب مع النصوص المعارضة له، فقال: َ ُُ ويحتمل أن يريد بقوله: أحب أن أحمد، إن » ّ في طبعي حب الحمد، وتنازعني َْ ّ نفسي إلى الحمد، ولم أعمل للحمد بل لإعلاء كلمة الله، ومن ث َ م عمله ّ مخلصا ً ، ثم أثنى عليه ففرح، فقبل عنه صلى الله عليه وسلم ، وتلك عاجلة بشرى المسلم فلا يضره، كذلك قيل، قلت: (والقول للقطب) لعله فرح من حيث أنه خبر، والواضح أن الرياء يكون ولو بعد تمام العمل، فالواجب أن يتوب عن فرحه بالثناء، فإن دام عليه خيف عليه الإحباط، إلا إن فرح يكون فعله خبرا ً تذكره « حين أثنى عليه ففرح به(٣) . ما حكم العمل إذا كان في بدايته خالصا ً ثم طرأ عليه الرياء؟ وذكر المخالفون فيمن طرأ عليه » : يقول القطب أطفيش في هذا الشأن الرياء في عمله فاسترسل فيه خلافا ً ، رجح أحمد وجماعة من السلف أنه يثاب بنيته الأولى، والصحيح أنه لا يثاب، ومحل ا لخلاف في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والحج، وأما ما لا ربط فيه فإنما يثاب فيه على ما سبق الرياء فقط، لكن إن لم يتب بطل ما سبق أيضا ً على مقتضي قواعد المذهب، وإن دفع « الرياء أو دافعه وجاذبه فإنه يثاب(٤) . (١) . أخرجه الربيع بن حبيب في الجامع الصحيح، باب في ذكر الشرك والكفر، حديث ٦٠(٢) رواه أبو عبيدة مسلم معضلا ً في الجامع الصحيح مسند الربيع بن حبيب، باب في ذكر . الشرك والكفر، حديث ٦٦(٣) . أطفيش أمحمد: شامل الأصل والفرع، ص ١٥٨ (٤) .١٥٩ - أطفيش: المرجع نفسه، ص ١٥٨ ٣ ذبح ا لحيوان : قد يكون للأكل فيكون مباحا ً أو مندوبا ً ، وقد يكون للأضحية فيكون عبادة، وقد يكون لقدوم أمير حراما ً أو كفرا ً على قول(١) ، وقد إلى هذه المسألة في معرض حديثه عن حكم « العقد الثمين » أشار السالمي في الشاة المذبوحة بالآلة المتنجسة فقال: ...» وأما الخلاف في تحريم المذبوحة ِ بالآلة المتنجسة فلا أعرف وجه القول بالحرمة في ذلك، ولا أرى إلا حل ّ المذبوح بها، ولعل القائل بالحرمة فيه رأى أن الذبح نوع من العبادات، لما فيه من نوع القربة والتقرب إلى الله تعالى، ورأى أن بعض العبادات لا ت ُ ؤد ﱠ ى إلا بطهارة كالصلاة، فقاس الذبح على الصلاة وجعل الطهارة شرطا ً فيه، ولنا أن نقول على إثره أن الذبح لم يتعين أنه عبادة، وإنما هو من جملة المباحات في غالب أحواله، وإنما يكون قربة بقصد التقرب فيه لا من حيث ذاته، وهذا شأن المباح في جميع صوره، وكون الذبح في بعض أحواله عبادة، كهد ْ ي المتمتع ْ «... لا يستلزم أن يكون عبادة في جميع أحواله(٢) . ٤ الوقف : يصح بدون نية لكن ليس له ثواب إلا إذا نوى التقرب إلى الله تعالى(٣) . ٥ حكم قراءة القرآن بأجرة : سئل الشيخ السالمي عمن يقرأ القرآن في المقابر ّ بأجرة، ونيته أن يقرأ بأجرة لحفظ القرآن، ومعونة لعياله، فهل له من أجر بينه وبين الله تعالى؟ وما الذي تحل له الأجرة به، والذي يحرمها عليه من الشروط؟ إذا قصد بقراءته تحفيظ القرآن لوجه الله تعالى مع القصد إلى أخذ » : فأجاب ِ الأجرة لمؤونة العيال، فعسى أن يمن ّ الله عليه بالثواب؛ لأن كلا َ القصدي ْ ن طاعة، وتحل له الأجرة إذا أوفى بجميع ما اشترط عليه من أمر التلاوة، وتحرم عليه إذا (١) ، أطفيش: شرح كتاب النيل وشفاء العليل للثميني، نشر مكتبة الإرشاد، جدة السعودية، ط ٣ .٤٦٩/ ١٤٠٥ ه/ ١٩٨٥ م، ٤(٢) .٤١١/ السالمي: العقد الثمين، ١(٣) . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٢٣ ضيع شيئا ً من الشروط، وإذا لم يشترط عليه بشيء، لزمه أن يقرأ قراءة متوسطة، ّ يفصح فيها عن الحروف والإعراب، ولا يجوز له أن يقرأ دون قراءته المعتادة « في الغالب أحواله؛ لأن المؤجر إنما أجره على القراءة التي عرفها منه(١) . وقد منع القطب أخذ الأجرة على قراءة القرآن للميت بعد أن نقل أقوال ّ فقهاء غير الإباضي ة، فمنهم من أجاز ذلك مطلقا ً كالنووي (٢) المختار » : وقال صحة الإجارة مطلقا ً ، فإن موضع القرءان موضع بركة ونزول الرحمة، وهذا مقصود ينفع الميت، وأفتى القاضي حسين(٣) بجواز الاستئجار لقراءة القرآن وتقدم أنه » : فقال ،« الكشاف » على رأس القبر، ومنع الزمخشري ذلك في.« لا يجوز الأجرة على القرآن ويقدم الخلاف هل يصل ثواب القراءة إلى الميت؟ اختلفوا في ذلك، قال الزمخشري في معرض بيان مدلول قوله تعالى: ﴿ ÙØ×ÖÕÔ ﴾ )النجم : (٣٩ : لما لم ينفعه سعى غيره إلا مبينا » ً على سعي نفسه، وهو أن يكون مؤمنا ً مصدقا ً كان سعي غيره كأنه سعي نفسه، َْ َ لكونه تبعا ً له وقائما ً لقيامه. ِ وأجاب أيضا ً : بأن سعي غيره لا ينفعه إذا عمله لنفسه، وإن ْ نواه له نفعه في َ «... حكم الشرع، كالنائب عنه والوكيل القائم مقامه(٤) ثم مث ﱠ ل لذلك بثواب (١) .٣٧٦/ السالمي: العقد الثمين، ١(٢) تقدمت ترجمته. (٣) القاضي حسين بن محمد المر َ و ْ زي، فقيه الشافعية وشيخهم، وفقيه خراسان، وصاحب ١٦ ، ابن عماد، شذرات / توفي سنة ( ٤٦٢ ه). ينظر: البغوي، معالم التنزيل، ١ ،« التعليقة » .١٣٤/ ٢٦١ ، ابن خلكان، وفيات الأعيان ٢ / ٣١٠ ، الذهبي، سير النبلاء ١٨ / الذهب ٣(٤) الزمخشري: تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق محمد مرسي عامر، نشر دار المصحف، شركة مكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد، القاهرة ٰ ٥١/ مصر (دت)، ٥ - . ٩٢ . ينظر: أطفيش: شامل الأصل والفرع، ص ١٥٥ وثواب القراءة يصل للميت، وبه قال كثير من الشافعية » : قراءة القرآن فقال ِ والحنفي ة، وبه قال أحمد بعد أن قال: القراءة على القبر بد ْ عة، بل قال: يصله أعمال البر كلها، وقال الآخرون: لا يصله ثواب القراءة، وهو المشهور عن ﱢ الشافعي ومال ك، ونقل عن جماعة الحنفي ة، والصحيح أنه يصله من أجنبي أو قريب، قال ابن القطان(١) «... : كما يصله الدعاء والاستغفار والصدقة والإجماع(٢) . وتقدم أنه » : ثم ذكر مسألة الاستئجار لقراءة القرآن على الميت فقاللا يجوز الأجرة على القرآن وتقدم الخلاف، وأفتى القاضي حسين بجواز الاستئجار لقراءة القرآن على رأس القبر، قال الرافعي (٣)والنووي : ع َود ُ المنفعة ْ إلى المستأجر شرط في الإجارة، فيجب عود المنفعة في هذه الإجارة إلى المستأجر أو ميته، لكن المستأجر لا ينتفع بأن يقرأ الغير له، ومشهور أن الميت لا يلحقه ثواب القراءة المجردة، فالوجه تنزيل الاستئجار على صورة انتفاع الميت بالقراءة وذكروا له طريقين: أحدهما : أن يعقب القراءة الدعاء للميت، فإن الدعاء يلحقه، والدعاء بعد القراءة أقرب إلى الإجابة وأكثر بركة. (١) ابن قطان البغدادي أبو القاسم هبة الله بن الفضل بن القطان بن عبد العزيز بن محمد بن الحسين بن علي بن أحمد ابن الفضل بن يعقوب بن يوسف بن سالم، المعروف بابن قطان الشاعر المشهور البغدادي، كان أبو القاسم المذكور قد سمع الحديث من جماعة من .٥٣/ المشايخ. ابن خلكان، وفيات الأعيان، ٦ (٢) الزمخشري: الكشاف، نفسه. أطفيش: الشامل، نفسه. (٣) الرافعي عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، أبو القاسم الرافعي القزويني ( ٥٥٧ - ٦٢٣ ه/ ١١٦٢ - ١٢٢٦ م): فقيه، من كبار الشافعية، كان له مجلس بقزوين للتفسير والحديث، التدوين في ذكره أخبار » : وتوفي فيها. نسبته إلى رافع بن خديج الصحابي. من مصنفاته في سفره إلى « الخواطر » وهو ما عرض له من « الإيجاز في أخطار الحجاز » و « قزوين خ شرح » في الفقه، و « فتح العزيز في شرح الوجيز للغزالي ط » فقه، و « المحرر خ » الحج، و ابن السبكي، طبقات الشافعية، .« الأمالي الشارحة لمفردات الفاتحة خ » و « مسند الشافعي .٥٥/ ١١٩ . الزركلي، الأعلام، ٤ /٥ والثاني : ذكر الشيخ عبد الكريم الشالوسي أنه إن نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه، لكن لو قرأ ثم جعل ما حصل من الأجر له فهذا دعاء بحصول ذلك الأجر للميت فينتفع الميت، قال النووي : المختار صحة الإجارة مطلقا ً ، فإن موضع القراءة بركة ونزول الرحمة، وهذا مقصود ينفع الميت، وذكر القاضي أبو الطيب (١)طريقا ً آخر هو: ثالثا ً : أن الميت كالحي الحاضر فترجى له الرحمة ووصول البركة إذا « أهدى الثواب له القارئ(٢) . قال القطب معقبا ً قلت: بل للحي أن » : على الأقوال المتقدمة بعد سردها ينوي أول قراءته ثوابها للحي، لكن لا تجوز الأجرة ولا يلحقه إلا ما نوى له قبل انقضائه؛ لأنه إن قرأ مهملا ً فلا ثواب له، وإن نوى لنفسه فله لا للميت، وما قال بعض قومنا ممن ذكرت أن القراءة عبادة بد َ ن فلا تقع على الغير، يرده أن الواقع َ هو الثواب، ومع ذلك ينبغي أن ينوي له الثواب ويدعو له به، والميت يؤجر بدعاء الغير، واعترض إطلاق أن الدعاء ينفع الميت بأنه موقوف على الإجابة، ويمكن أن يقال الدعاء للميت مستجاب، كما أطلقوا اعتمادا ً «... على سعة فضل الله(٣) . (١) القاضي أبو الطيب الطبري طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عبد الله بن عمر ( ٣٤٨ - ٤٥٠ ه/ ٩٦٠ - ١٠٥٨ م)، فقيه وقاض، من أعيان الشافعية. ولد في آمل طبرستان، واستوطن بغداد، وولي القضاء بربع الكرخ، وتوفي ببغداد، عاش مائة وسنتين ولم يختل عقله ولا تغير فهمه، يفتي مع الفقهاء، ويستدرك عليهم الخطأ؛ وهو أحد الأعلام كان ثقة صادقا ً عارفا ً بالأصول والفروع محققا ً حسن الخلق صحيح المذهب، وثقه الخطيب وقال: انتهى إليه علم الفرائض وصنف فيه كتبا ً شرح مختصر المزني » : ، واختلفت إليه وعلقت عنه الفقه سنين. من مصنفاته في « التعليقة الكبرى خ » و ،« جواب في السماع والغناء خ » أحد عشر جزءا في الفقه و « خ ً ٢٦٩/٥ ،٤٢٧/ فروع الشافعية، وله نظم. الوافي بالوفيات، ١ - ٢٧٠ . ابن السبكي، طبقات .٢٢٢/ ٣٥ . الزركلي، الأعلام، ٣ / الشافعية، ١(٢) الزمخشري: نفسه. (٣) أطفيش: شامل الأصل والفرع، ص ١٥٥ - .١٥٦ : á«°VÉHE’G óæY IóYÉ≤dG áfÉμe :k’hCGs الأمور بمقاصدها » هذه القاعدة تفرعت عن القاعدة الكلية الكبرى « وجاء أن صورة الفعل وهيئته لا تدل على » : ذكرها عند ابن بركة بصيغة قريبة منها « طاعة ولا معصية، وإنما يصير الفعل طاعة أو معصية إذا أضيف إليه النية (٢) . ،« جامعه » ولعل ابن بركة أول من صاغ هذه القاعدة بهذه الصياغة وضمنها ّّ فاحتج بها ولم يضف إلى « الإيضاح » ثم جاء من بعده ا لشماخي صاحب صياغة القاعدة شيئا ً يذكر، وإنما حاول صقلها وضبطها مع الاحتفاظ بمضمونها، وصورة الفعل وصفته لا تدل على طاعة ولا معصية، وإنما تدل على » : فقال (٣) طاعة ومعصية بتصرف ا لنية « . فقد صرح بنقل « نثار الجوهر » أما صاحب القاعدة عن ابن ب ركة مع اختصار لها، فاستدل بها في معرض حديثه عن لا يكون متطهرا » : اشتراط النية لصحة الوضوء والغسل من الجنابة، فقال ً في وضوء ولا جنابة إلا بنية وقصد؛ لأن صورة الفعل وهيئته لا تدل معه على (٤) طاعة ولا معصية إلا بالنية « . وهكذا صارت هذه القاعدة معمولا ً بها عند الإباضية المتقدمين والمتأخرين، وقد استدل بها الفقيه باجو مصطفى لبيان مدى اعتبار الشارع (١) المسعودي زهران: ابن بركة السليمي البهلوي ودوره الفقهي في المدرسة الإباضية من خلال . ص ٢٠٤ ،« الجامع » كتابه(٢) .٢٦٤/ ابن بركة: الجامع، ١(٣) .٥٣/ الشماخي: الإيضاح، ١(٤) .١٦٧/ الرواحي ناصر بن سالم: نثار الجوهر، ١ k :IóYÉ≤dG ®ÉØdCG ìô°T :É«fÉK الحكم للباعث معيارا ً للحكم على كثير من الأفعال بالجواز أو المنع، وعلى كثير من التصرفات بالصحة والبطلان(١) . صورة الفعل: الصورة بضم الصاد لغة الشكل(٢) ، ومعنى الهيئة المعطوف قريب من معناه، إذ يعني حال الشيء وكيفيته(٣) ، فهو كعطف بيان، والفعل يقصد به هنا أعمال المكلف وتصرفاته القولية والفعلية، والظاهر أن اقتصاره من باب التغليب أو الاكتفاء، وإلا فإن الأعمال القولية « الفعل » على التعبير ب الصادرة من المكلف تأخذ نفس الحكم الذي تأخذه الأعمال الفعلية الواردة في القاعدة المذكورة(٤) . الطاعة: فعل المأمورات ولو ند ْ با ً ، وترك المنهيات ولو كراهة(٥) . (٦) المعصية: مخالفة الأمر قصدا ً . النية: هي في اللغة انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا ً ؛ لغرض من جلب (٧) نفع أو دفع ضر، حالا ً ومآلا ً. والنية شرعا ً : هي الإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله، وامتثالا ً لأمره(٨) . (١) ٥٨٣ . رسالة دكتوراه النسخة المرقونة، / باجو مصطفى: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ٢ نوقشت ١٩٩٩ بالجامعة الإسلامية قسنطينة، الجزائر. (٢) . الفيروزآبادي: القاموس المحيط، مادة صور، ص ٣٨٥(٣) . الفيروزآبادي: المصدر نفسه، مادة: هيأ، ص ٥٨٣(٤) . المسعودي زهران: ابن بركة السليمي ودوره الفقهي، ص ٢٠٣(٥) . الكفوي أبو البقاء: الكليات، مادة طوع، ص ٥٨٣(٦) . الجرجاني: التعريفات، ص ٢٨٣(٧) . الكفوي: المصدر نفسه، مادة نوى، ص ٩٠٢(٨) الكفوي: نفسه. k :IóYÉ≤dG ≈æ©e :ÉãdÉK يتلخص معنى هذه القاعدة في أن ّ إضافة وصف الطاعة أو المعصية لكل ما يصدر عن المكلف من قول أو فعل، متوقف على نيته في إيقاع ذلك التصرف. ونظرا ً لطول عبارة القاعدة عند ابن بركة والشماخي فقد أجرى عليها الباحث زهران المسعودي تعديلا ً في صياغتها مع المحافظة على مضمونها، كل تصرف من مكلف مرتهن وصفه بطاعة أو » : فعبر عنها بعبارة أوجز وهي ّ معصية على نيته ومقصوده « (١) . وقد اعتمدنا هذه الصياغة؛ لأنها آخر ما دخل عليها من صقل وتحوير، شأن كل القواعد الفقهية، وهذا التطور يؤكد مدى مساهمة الإباضية في إنشاء القاعدة الفقهية وتطويرها حتى تصل إلى الصياغة النهائية. وينبه المسعودي بأن تعل ﱡ ق ارتهان وصف الفعل الصادر من المكلف بالطاعة أو المعصية بالنية حسب مدلول هذه القاعدة، هو من حيث المعنى الإجمالي، وأما من حيث التفصيل، فيمكن بيان ذلك كما يلي: إن كل فعل صادر من المكلف لا يخرج عن كون الشرع الحكيم قد أضفى عليه ابتداء صيغة الوجوب أو الحرمة أو الندب أو الإباحة أو الكراهة، وهي الأحكام الخمسة المعروفة. فإذا صح هذا، فإن هذه القاعدة يندرج تحتها كل فعل داخل تحت أحد الأحكام الأربعة وهي: الوجوب أو الندب أو الإباحة، أو الكراهة مطلقا ً. فمثال: الفعل الواجب: الصلاة، فإن صل ّ ى لأداء ما وجب عليه بنية خالصة لله تعالى، ففعله طاعة، وإن صلى رياء وسمعة، ففعله معصية. ومثال الفعل المندوب: الجهاد غير المتعين عليه، فإن قاتل لإعلاء كلمة الله، ففعله طاعة، وإن قاتل حمية وعصبية ففعله معصية. (١) . المسعودي زهران: المصدر نفسه، ص ٢٠٤ ومثال الفعل المباح: الأكل، فإن أكل للتق َ وي على العبادة، ففعله َ ﱠﱢ طاعة، وإن أكل للتق َ وي على المعاصي ففعله معصية. ﱢ ومثال الفعل المكروه: الطلاق، فإن طلق بقصد الخلاص من زوج سوء مثلا ً كان فعله طاعة، وإن طلق بقصد التذوق للنساء كان فعله معصية(١) . فظهر بهذا أن كل فعل يدخل تحت واحد من الأحكام الشرعية الأربعة المتقدمة، تتحكم نية فاعله في وصفه بالطاعة أو المعصية(٢) . وبقي الكلام عن الفعل الداخل تحت الحكم الخامس، وهو الحرمة من حيث اشتمال هذه القاعدة عليه، وهذا ينبغي جعله على نوعين: أ فعل محرم ، ولا تأتي على المكلف حال يكون فيها مباحا ً له قط، وذلك مثل الزنا أو الربا أو الظهار من الأزواج. فهذا النوع لا يدخل تحت القاعدة المذكورة، بمعنى أن نية الفاعل له لا يمكن أن تتحكم فيه، فيكون طاعة تارة ومعصية تارة أخرى، بل هو حرام على أي حال كان، ولو أتاه فاعله على نية صالحة حسنة في ظنه. فلو زنى بنية تنقية نفسه وتخليص جسمه من المادة المحتقنة به دفعا ً لضررها حسب زعمه الكاذب أو زنت بقصد تحصيل ما يقوتها أو ﱢ يق َ وت من لزمها عوله، أو شرط زيادة على ما أعطى بنية تنمية المال لتوسيع ﱢ دائرة القرض للمحتاجين، أو ظاه َ ر من زوجته بنية العقوبة والنكال لها لإخلافها بواجبات دينها، فكل فعل من هذه الأفعال يبقى محرما ً ومعصية، (١) التذوق للنساء: أي بمعنى أن يجعل الطلاق ديدنه فيتزوج في الصباح ويطلق في العشي لينزو كل يوم على واحدة، أو يكمل النصاب فيستقر على ثلاث، ويجعل الرابعة جديدة كل يوم إشباعا ً لشهوته الحيوانية، وكلا الأمرين من عمل أهل الترف والغواية، نسأل الله العافية في . الدارين... راجع المسعودي، ابن بركة ودوره الفقهي، هامش ص ٢٠٥ (٢) . المسعودي: المرجع السابق، ص ٢٠٥ ولا تجدي نية الفاعل في جعله طاعة؛ لأن الشارع لم يأذن في إتيان مثل هذه الأفعال على أية نية كانت. ب فعل محرم ، ولكن تأتي على المكلف حال يضطر بها إلى أكل الميتة أو شرب الخمر لإنقاذ نفسه من الهلاك، أو شرب أبوال الإبل للعلاج، فهذا فعل واجب عليه، ويكون مباحا ً له، كالتلفظ بكلمة الكفر عند الاضطرار والإكراه تقية لنفسه. فهذا النوع من الأفعال داخل تحت القاعدة المذكورة، وهي متضمنة له، فإن المكلف إذا أكل الميتة أو شرب الخمر أو البول أو تلفظ بكلمة الكفر اختيارا ً بنية الانتهاك أو لاستحلال الفعل فعمله ذلك بلا شك معصية، وإن فعل واحدا ً منها أو كلها عند الاضطرار بنية إحياء النفس، أو العلاج الضروري، فلا شك أن فعله طاعة(١) . حاصل القول: إن كل فعل وهو ما عدا الفعل المحرم الذي لا تأتي حال يكون مباحا ً فيها يتصور وقوعه طاعة أو معصية؛ لأن النية هي التي تتحكم فيه، وإن اتفقت صورة إيقاعه في الخارج في حال الطاعة أو المعصية، وأن ما عدا ذلك وهو ما مر استثناؤه فلا يقع إلا معصية، وإن أتاه الفاعل بنية الطاعة والقربة. ﱠ k :IóYÉ≤dG ádOCG :É©HGQ من الأدلة التي ذكرها الإباضية شاهدا ً على هذه القاعدة ما يلي: أ من القرآن الكريم: ١ قال الله تعالى: ﴿ 7654321﴾ (الإنسان: ٨ ( ، فقد مدح الله تعالى المؤمنين بإنفاقهم لأموالهم إذا كانت المقاصد لله 8 . (١) المسعودي: المرجع السابق، ٢٠٥ - .٢٠٦ ٢ وقال 8 في موضع آخر: ﴿ ! " %$# ﴾ )النساء : (٣٨ . قال ابن بركة في بيان معنى الآيتين: فذمهم بالإنفاق؛ لأنهم لم يقصدوا الله جل ذكره بها، وقد استوى الإنفاقان في الظاهر، وهذا منفق وذلك ﱠ منفق، حصل أحدهما طائعا ً بالإخلاص، والقصد إلى الله 8 ، والآخر عاصيا ً لتعريه من هذه الحال مع تساويهما في الإنفاق(١) . وعق ﱠ فصورة الفعل لا تدل على طاعة » : ب عليه الفقيه باجو بقوله ولا معصية، إنما يصير كذلك إذا أضيفت إليه الني ة، وقد مدح الله الذين قالوا ﴿ <;:9 ﴾ (الإن سان: ٩ ( . وقد ذم ّ فريقا ً آخر من ﴿ !" %$# ﴾ )النساء : (٣٨ ، فاستحق الأولون المدح لنيتهم الحميدة، ونال الآخرون الذم لسوء مقصدهم، والفعل واحد هو الإنفاق، ولكن اختلفت الأحكام لاختلاف النوايا، بل قد يتغير الفعل من طاعة إلى معصية بسبب النية، فمن أسلف من رجل مالا ً ثم عقد النية ألا يرده، فهذه معاملة انقلبت تعدية، ومن غصب مالا ً لرجل، ثم تاب وعقد النية أن يرده له، فهذه تعدية انقلبت « معاملة(٢) . ٣ قال تعالى: ﴿ CBA@ ﴾ (هود: ٧ (. وجه الاستدلال بالآية: قال ابن بركة : فقد صح أن هيئة الفعل وصورته لا تدل على طاعة » ولا معصية... فالإنسان إذا لم يعمل ما أمره به بقصد واختيار لم يسم مطيعا ً ، ّ وإنما يسمى المطيع مطيعا ً أن يرقب أمر المطاع فيأتيه امتثالا ً لأمره، فحينئذ « يستحق اسم مطيع(٣) . (١) .٢٦٥/ ابن بركة: الجامع، ١(٢) ٥٨٣/ باجو مصطفى: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ٢ - .٥٨٤ (٣) .٢٦٦ ٢٦٥/ ابن بركة: المصدر نفسه، ١ ب من السن ﱠة: ﱡ ١ ومن الأحاديث التي جعلها الإباضية دليلا ً لهذه القاعدة الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ » ما نوى «(١) . وجه الاستدلال: يمكن توضيح وجه الاستدلال بالحديث للقاعدة المذكورة، بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل اعتبار الأعمال وتميزها خيرا ً أو شرا ً ، طاعة أو معصية، موقوفا ً على نية ّ الفاعل وقصده من العمل، وأضاف في الشطر الثاني من الحديث نية كل شخص ِ إليه لا فعله الذي صدر منه، حيث قال: وإنما لكل امرئ ما نوى » « . ما » : ولم يقل ْ فكان في الحديث دلالة واضحة على أن الأعمال لا تعتبر بهيئتها وأشكالها « فعل وإنما اعتبارها بالدافع إلى إتيانها، وهذا ما تومئ إليه القاعدة المذكورة(٢) . ٢ ومن أظهر ما استدل به الإباضية لاعتبار هذه القاعدة، والذي تظهر فيه صور الفعل وهيئته محسوسة على نمط واحد، وتتحكم النية في تصريف الفعل إلى طاعة أو معصية، هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الخيل لرجل أجر، » ِ ولرجل ستر، وعلى رجل وز ر، فأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلتها من المرج أو الروضة كانت له حسنات، فهي له أجر، ورجل ربطها تغنيا ً وتعففا ً ، ولم ينس حق الله في رقابها، ولا في ظهورها، فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ً ورياء ونواء لأهل « الإسلام، فهي على ذلك وزر(٣) . (١) ٢٣ . والبخاري عن عمر بن / سبق تخريجه، أخرجه الربيع عن ابن عباس الباب الأول، ١ .٢٦٩/٢ ،٢٢٠/ ١١١ . وأبو داود، كتاب الطلاق، رقم ١ / الخطاب، كتاب الإيمان، ١(٢) المسعودي: ابن بركة السليمي، ص ٢٠٦ - ٢٠٧ . وينظر: أبو ستة عمرو: حاشية الترتيب، ٧/١ - .١١/ ٨. وينظر: السالمي: شرح الجامع الصحيح مسند الربيع بن حبيب، ١ (٣) ١٢٦ . رواه البخاري، كتاب /٢ ، أخرجه الربيع، كتاب الجهاد، باب الخيل، رقم ٤٦٣ = وجه الاستدلال: ووجه الدلالة من هذا الحديث الشريف للقاعدة المذكورة هو: أن الحديث أخبر عن فعل متفق في الهيئة والصورة، وهو حبس الخيل وتربيتها وهو صادر على جهة الانفراد من ثلاثة مكلفين، ومع اتفاق هذه الأفعال الثلاثة منهم في الهيئة والشكل، إلا أن وصف كل فعل منها بطاعة أو معصية رت ﱠ به النبي صلى الله عليه وسلم على نية كل فاعل منهم في حبس خيله وتربيتها، فمن ربطها في سبيل الله ففعله طاعة، ومن ربطها تعففا ً واستغناء، وأدى حق الله فيها، ففعله طاعة، وهو دون الأول، ومن ربطها رياء ومناواة للمسلمين، ففعله معصية(١) . وهكذا يظهر مما تقدم أن القاعدة المذكورة التي أوردها الإمام ابن بركة ومن تبعه من الإباضية بتلك الصياغة المتقدمة، يمكن اعتبارها قاعدة ذلك أن هذه الأخيرة ؛« الأمور بمقاصده ا » فرعية من الكلية الكبرى وهي أعم وأشمل؛ لأنه ينظر فيها إلى القصد الباعث للمكلف إلى إتيان الفعل من جهتين: أولا :ً جهة وصف الفعل بكونه طاعة أو معصية، بناء على نية وقصد ّ فاعله، وهذا هو القدر التي تشترك فيه القاعدة الفرعية مع القاعدة الكبرى .« الأمور بمقاصدها » ثانيا ً : جهة ترتب الأثر الدنيوي بناء على النية والقصد الذي دفع المكلف إلى إتيان ذلك الفعل، ويمثل له بعض الفقهاء المعاصرين بما لو وقع صيد في شبكة إنسان فإنه ينظر: إن كان نشر شبكته للاصطياد، فالصيد ملكه. = المساقاة، باب شرب الناس والدواب من الأنهار، رقم: ٢٢٦٣ ، ومالك، كتاب الجهاد، باب ٧٠/٧ ،( الترغيب في الجهاد، رقم: ٩٥٨ ، عن أبي هريرة. مسلم كتاب الزكاة، باب ( ٦ - .٧١ (١) . المسعودي: المرجع السابق، ص ٢٠٧ ً أو بقصد تجفيفها، فإنه لا يملك الصيد، ولغيره وإن كان نشرها اعتباطا أن يتملكه بالأخذ(١) . ومن المعلوم أن هذه الجهة لا تدخل تحت هذه القاعدة الفرعية؛ لأن مدارها هو وصف الفعل بكونه طاعة أو معصية، بناء على القصد فحسب. ولعل أهمية هذه القاعدة ترجع إلى أنه يظهر من خلالها مدى لطف الله تعالى بعباده، وسعة عفوه ورحمته بهم، إذ رفع الحرج عنهم بعدم مؤاخذتهم بما يصدر عنهم من أفعال أو أقوال، يكون ظاهرها عصيانا ً محضا ً ، لكنها تقع من العباد خطأ ً أو نسيانا ً ، وبعضها نتيجة إكراه، مما يرخص للمكلف فعله لا عند وقوع الإكراه من غير قصد وعزم على ارتكاب هذه المحظورات، ودليل ذلك قوله تعالى حكاية عن عبادة المؤمنين ﴿ ¶¸ »º¹ ½¼ ﴾ (ال بقرة: ٢٨٦ (. كما تبرز هذه القاعدة مقابل ذلك مدى صلة الإنسان بخالقه 8 مما يحتم عليه توجيه القصد والنية إليه تعالى عند مباشرة كل عمل ظاهره الطاعة المحضة، إذ كل عمل ظاهره مما يتقرب به إلى الله تعالى لم تصحبه نية التقرب فهو معدوم النفع، مصداقا ً لقوله تعالى ﴿ lkjih onm ﴾ )البينة : (٥ . k É°ùeÉN :IóYÉ≤dG ´hôa : ١ اشتراط النية في التيمم، ومتى تصح هذه الطهارة؟ أما النية فجمهور العلماء اشترطوا في » : بحث الشماخي هذه المسألة فقال هذه الطهارة (التيمم) النية، والدليل قوله تعالى: ﴿ lkjih onm ﴾ )البينة : (٥ ؛ ولأنها عبادة غير معقولة المعنى فلا تصح إلا بالنية، فضيلة لا فريضة، ويتميز معرفة هذا الاختلاف إن تيمم على أن يعل ّ م غيره، أو (١) .٩٦٦/ المسعودي: المرجع السابق، ص ٢٠٨ . وينظر: كذلك الزرقا، المدخل، ٢ تيمم ونوى به صلاة قد مضت، أو تيمم ونوى به فعل معصية، فعلى مذهب ِ الجمهور لا يجزيه، وعلى مذهب الآخرين يجزيه، وكذلك إن تيمم ولم ينو به شيئا ً « على هذا الاختلاف(١) . ٢ الصيام بدون نية: ٍ لو أن إنسانا ً أصبح غير ناو للصوم، وأمسك عن الأكل والشرب والمنكح حتى غربت الشمس، لم يستحق اسم صائم ولا يسمى مطيعا ً ؛لأن فعله لم يسبقه نية الصوم طاعة لله، وما أتاه فهو صورة الصوم، لقوله صلى الله عليه وسلم : لا صيام لمن لم يبيت النية من ا لليل » « (٢) . ولو تقدم هذا الإمساك بنية من الليل ل َسمي مطيعا ً واستحق اسم الصائم(٣) ، كما أنه لو امتنع عن ُ َّ الطعام إضرابا ً عنه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بقصد تعذيب نفسه، أو ليعبر عن الظلم الذي وقع عليه حتى يصل أمره إلى من يدافع ّ عنه، فأشرف على الهلاك، ففعله معصية؛ لأنه مخالف للشرع لقوله تعالى: ﴿ yxwvut ﴾ (ال بقرة: ١٩٥ (. ٣ متى يكون الفعل معصية يؤاخذ فاعله؟ ِ من أخذ مالا ً من غيره من حرز خف ْ ية، ففعله يحتمل عدة احتمالات، َ فالظاهر أن ّ حكمه سارق، يجب عليه الحد، وتقطع يده، ولكن قد يكون أخد حقه المغصوب، أو استرد وديعته التي جحدها من جعلت في يده، ففي هذه الحالات هل يحكم عليه بالسرقة فتقطع يده؟ فالحكم في مثل هذه الصور يختلف رغم أن صورة الفعل وصفته واحدة، ولكن القصد يختلف، ولذلك ينظر إلى الباعث والدافع على الفعل قبل تطبيق العقوبة، وقد فصل ابن بركة ّ (١) .١٧٨/ الشماخي: الإيضاح، ١(٢) تقدم تخريجه. (٣) .٢٦٥/ ابن بركة: الجامع، ١ ومن أخذ مالا » : القول في هذه المسألة فقال ً من دار رجل مستخفيا ً بذلك فلا قطع عليه، ومن أخذ من دار رجل له عليه حق فالقطع عند أصحابن ا؛ لأنه ّ أخذ غير ماله، فهو سارق عندهم بذلك، والنظر يوجب سقوط الحد ّ عنه إذا كان المأخوذ حقه جاحدا ً للأخذ منه، أو ظالما ً له حق ﱠ ا عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هند بنت عتبة أن تأخذ من أبي سفيان حقها لما شكت إليه من منعه إياها مما يجب لها بحق الزوجية، فإذا قصد هذا القصد، فالنظر يوجب أنه يلزمه قطع لهذا الخبر(١) . ولو قال المسروق منه قد وهبته له، أو عفوت عنه عند الحاكم يقبل ذلك منه، ولا يسقط الحق عنه بذلك؛ لأن الحد ّ حق الله، والمستعير إذا جحد لم « يجب عليه قطع؛ لأن اسم سارق غير واقع عليه(٢) . فانظر كيف يعتبر الإباضية الباعث في الفعل، وقصد الفاعل من ذلك الحدود ت » التصرف، وإذا وجدت شبهة سقط الحد؛ لأن ُ .« درأ بالشبهات ٤ لو التقط ل ُ قطة بنية حفظها لصاحبها كان فعله طاعة، وإن التقطها بنية الغصب وحيازتها كان فعله معصية(٣) . ٥ لو أنفق من ماله بنية القربة لله تعالى، كان فعله طاعة، ولو أنفق رياء وسمعة كان فعله معصية(٤) . ٦ لو ذكر شخصا ً بفعل مذموم بقصد التحذير منه، كان فعله طاعة، وإن ذكره بنية الغيبة كان فعله معصية (٥) . (١) ، رواه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب قصاص المظلوم إذا وجد مال...، رقم: ٢٣٤٨ ومسلم، كتاب الأقضية، باب قضية هند، رقم: ٣٣١٩ ، عن عائشة. (٢) .٤٧٩/ ابن بركة: الجامع، ٢(٣) .٩٦/ ٢٢١ . ينظر: مصطفى الزرقا، المدخل، ٢ / ابن بركة: المرجع السابق، ١(٤) .٢٦٥/ ابن بركة: المرجع نفسه، ١(٥) .٤٦٥/ ابن بركة: نفسه، ٢ ٧ عما ورد في الأثر فيمن نبذ الماء والتمر » في نبيذ التمر، سئل السالمي مثلا ً ونوى به الخمر فهو حرام، أسكر أو لم يسكر، كيف يكون هذا حراما ً بمجرد النية؟ وهل تؤثر النية في غير الأعمال حتى أنه ذكر العلامة أبو سعيد 5 أنه إذا اشترك اثنان مثلا « معتبره » في ً ونوى به أحدهما خلا ّ ً ، والآخر خمرا ً ، يحرم على الآخر دون الأول، وما معنى حرمته على الآخر وحل ّ ه للأول؟ وذلك كله من إناء واحد، مع أنهم قالوا: إن الخمر إذا عولجت حتى زال سكرها أنها تحل، كيف يحل ّ ما كان خمرا ً صريحا ً بعد زوال السكر منه، ويحرم ما لم يباشره السكر رأسا ً ؟ إني لفي عجب من هذا تفضل بالبيان. فأجاب السالمي : نعم قالوا ذلك اعتبارا » ً للمقاصد أخذا ً من قوله تعالى: ﴿ NMLKJ ﴾ )النحل : (٦٧ . ففهموا من معنى الاتخاذ القصد إلى أخذ الشيء، فحيثما قصدوا به سكرا ً حرم بذلك؛ لأن للوسائل حكم ُّ المقاص د، ومن لم يقصد السكر إنما هو على قول لبعضهم، فلا يناقض ما ذكروه هاهنا، إلا إن قال قائل بحل خل الخمر وبتحريم المتخذ قبل الإسكار، فهنا يتناقض عليه، ويلزمه ما ذكرت ُ من التعجب، وأما إن كان القائل « بهذا غير القائل بهذا فلا تناقض والله أعلم(١) . (١) .٣٧٧/ السالمي: العقد الثمين، ١ :IóYÉ≤dG ∫ƒdóe :’k hCGs ومعنى القاعدة: أن اللفظ على نية اللافظ، فهو أن يعتبر فيه قصد ُ المتلفظ به، فهو الذي يحدد مقصوده بلفظه. والألفاظ الصريحة (٢)لا تحتاج (١) . الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ٦٨ (٢) هناك أدلة شرعية تدل على أن بعض الألفاظ الصريحة لا يعتبر فيها قصد قائلها مثل الطلاق، والنكاح والرجعة، فإنه إذا تكلم بها المكلف دل ّ اللفظ على مقصوده وترتب عليه أثره، وإن لم يقصد المتكلم به ما دل ﱠ عليه من معنى لوجود النص في ذلك إذ جاء في حديث أبي هريرة 3 أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، النكاح والطلاق والرجعة » . (٣٦٢/ أخرجه الترمذي في كتاب الطلاق واللعان، باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق. ( ٤ مع التحفة، وقال الترمذي عنه: هذا حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. وأخرجه أيضا ً أبو داود في كتاب الطلاق، باب في الطلاق على ٦٤٣/ الهزل ( ٢ - ٦٤٤ ). وابن ماجه في كتاب الطلاق، باب من طلق أو نكح أو راجع لاعبا ً . ٦٥٧/١) - ١٩٧/ ٦٥٨ ). وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الطلاق. ( ٢ - ١٩٨ ) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال الخطابي معلقا ً اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى » : على الحديث على لسان البالغ العاقل، فإنه مؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعبا ً أو هازلا ً ، أو لم أنو ِ به طلاقا ً ، أو ما شابه ذلك من الأمور، واحتج بعض العلماء في ذلك بقوله تعالى: ﴿ 98 <;: ﴾ (البقرة: ٢٣١ ). وقال: لو أ ُ طلق للناس ذلك لتعطلت الأحكام، ولم يشأ مطلق أم ناكح أو معتق أن يقول: كنت في قولي هازلا ً ، فيكون في ذلك إبطال أحكام الله 4 ، وذلك غير جائز، فكل من تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه، ولم يقبل منه أن يد ّ ينظر: الخطابي، معالم السنن .« عي خلافه، وذلك تأكيد لأمر الفروج واحتياط له. والله أعلم ٢٠٩/ الخبر حديث أبي هريرة ( ٣ « التلخيص » ٤٦٤ )، وقد حسن ابن حجر في /٢) - .(٢١٠ وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب النكاح، باب جامع النكاح موقوفا ً على سعيد بن المسيب .(٥٤٩/٢) « ثلاث ليس فيهن لعب: النكاح والطلاق والعتق » : بلفظ في الغالب إلى سؤال المتكلم عن مراده بها؛ لأنه بين، بخلاف الألفاظ ﱢٌ المحتملة لعدة معان، فإنه لا يمكن معرفة مراد المتكلم بها إلا بعد سؤاله عن قصده بها. وقد تساءل القطب أطفيش : هل يحكم على الحالف بلفظه أم بما ينويه؟ أشار إلى اختلاف العلماء في ذلك، ورجح القول الذي يرى أن المعتبر هو نية الحالف استنادا ً للحديث المشهور: إنما الأعمال بالنيات » « (١) . وكذلك فإن هذه القاعدة تعني أن المؤاخذة إنما تكون على ما قصده اللافظ من لفظه، وخاصة فيما يتعلق بأمور الإيمان والاعتقاد، فإن المتلفظ بالكفر لما كان مكرها ً عليه إكراها ً ألجئ إليه وقلبه مطمئن بالإيمان لم يؤاخذه الله على التلفظ بكلمة الكفر، بل عفا عنه. أما من تلفظ بها مستخف ّا ً بها، فهذا يؤاخذ عليها، كما حصل ذلك ممن استهزأ بالنبي صلى الله عليه وسلم وق ُ راء المسلمين في ﱠ غزوة تبوك، إذ قال قائلهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ً ، ولا أكذب ألسنا ً ، ولا أجبن عند اللقاء(٢) . ُ فعد ّ الله تبارك وتعالى هذا منهم كفرا ً واستهزاء بآياته، كما جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿ \[ZYXWVUTS jihgfedcb❁`_^] rqponmlk ﴾ (التوب ة: ٦٥ - ٦٦ (. وهنا نتساءل: هل هذه القاعدة مطردة في باب الأيمان؟ وهل المعتبر فيها نية الحالف، وهو المتلفظ؟ أم نية المستحلف؟ أقول: قد استثنى العلماء من هذه القاعدة حالة اليمين إذا كانت من المستحلف، كالقاصر فهي على نيته، ولا تكون على نية الحالف. (١) ٣٠٨ ، بتصرف. / أطفيش: شرح النيل، ٤(٢) ١٧١/ الطبري: جامع البيان، ينظر: سبب نزول الآيتين، ١٠ - ١٧٤ . البغوي، التفسير، .٢٨٩ ، ٣٠٨ . الواحدي، أسباب النزول، ص ٢٨٧ /٢ مثال ذلك: ما إذا طلب المدعي يمين المدعي عليه وأجابه إلى ذلك، فإن اليمين تكون على نية المستحلف، ولا يجوز له التأويل؛ لأن ذلك يخالف مقصود المستحلف، ويضيع حقه(١) . k :IóYÉ≤dG ádOCG :É«fÉK استدلال فقهاء الإباضية لهذه القاعدة بما تقدم من الأدلة المذكورة في الأمور بمقاصدها » القاعدة الكبرى « منها: ١ قوله تعالى: ﴿ VUTSRQPONM ba `_^]\[ZYXW dc ﴾ )النحل :(١٠٦ . وجه الاستدلال: فقد دل ﱠ ت هذه الآية الكريمة على اعتبار قصد المتلفظ بالكفر، فإنه لما كان مؤمنا ً حق ّ ا ً قد استقر الإيمان في شغاف قلبه لم يكن من السهل أن ينطق بكلمة الكفر، ولكن لما أوذي في الله وأكره على التلفظ بكلمة الكفر، فنطق بها َ مكرها ً عليها وقلبه مليء بالإيمان بالله تعالى، لما كان الحال كذلك عفا الله عنه؛ لأنه لم يقصد بتلفظه بالكفر كفرا ً ، وإنما قصد اتقاء شر من أكرهه عليها حتى ألجأه إليها(٢) . ٢ وكذلك حديث عمر بن الخطاب 3 : إنما الأعمال بالنيات وإنما » لكل امرئ ما نوى «... (٣) قال أبو ستة : الحديث يدل دلالة واضحة على صحة » هذه القاعدة، وأن النية معتبرة حتى في الألفاظ، فإن الكلام من جملة الأعمال (١) الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ٦٨ . السدلان صالح، القواعد الفقهية الكبرى، . ص ٧١(٢) . علوان إسماعيل بن حسن: القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ١٧٧(٣) تقدم تخريجه. التي يعملها ويحاسب عليها، ويعتبر قصده فيها، وأن حكمه يختلف باختلاف « قصده من هذا القول أو هذا العمل كما تقدم(١) . ِ وقد بوب الإمام البخاري في كتاب الحيل من صحيحه فقال: باب في ّ ترك الحيل وأن لكل امرئ ما نوى حتى الأيمان وغيرها(٢) . كما استدل الإباضية(٣) وغيرهم على أنه لو طلب المستحلف وهو المدعي أو القاضي من المدعى عليه أن يحلف باليمين، فإن يمينه على نية المستحلف؛ وذلك لما ثبت في السن ﱠ ة عن أبي هريرة 3 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ﱡ قال: يمينك على ما يصد » ﱢ قك عليه صاحبك « . وفي رواية « يصدقك به صاحبك » . وفي رواية عنه « اليمين على نية المستحلف »(٤) . وهنا نتساءل، هل هذا الحديث مدلوله على إطلاقه؟ بمعنى أن اليمين تكون على نية المستحلف على كل حال؟ يجيب عن هذا التساؤل الإمام النووي عند شرحه لهذا الحديث فيقول ...» وهذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف القاضي، فإذا كان لرجل على رجل حق ّ ا ً فحل ّ فه القاضي، فحلف وورى، فنوى غير ما نوى القاضي َ َّ انعقدت يمينه على ما نواه القاضي، ولا تنفعه التورية، وهذا مجمع عليه، «... ودليله هذا الحديث والإجماع(٥) . وقد نقل الإمام البخاري في ترجمة باب من أبواب الإكراه في صحيحه (١) .٧/ أبو ستة عمر: حاشية الترتيب على الجامع الصحيح، ١(٢) ٣٢٧ . مع الفتح. / البخاري: صحيح البخاري. ٢(٣) . الراشدي سفيان: الجواهر، ص ٦٨(٤) ، رواه مسلم، كتاب الأيمان، باب يمين الحالف على نية المستحلف، رقم: ٣٢٠٧ ١٢٧٤ ). وابن ماجه، كتاب الكفارات، باب من ور /٣) ﱠ . ى في يمينه، رقم: ٢١١٧ ، ص ٣٥٧ عن أبي هريرة. (٥) .١١٧/ النووي: شرح على صحيح مسلم، ١١ إذا كان المستحلف ظالما » : قول إبراهيم النخعي حيث يقول ً فنية الحالف، وإن كان مظلوما ً « ، فنية المستحلف(١) . وهذا القول واضح في اختلاف الحال المعتبر من الحالفين، فإنه إذا كان طالب اليمين ظالما ً يريد أخد حق غيره، فإن المعتبر هنا هو قصد الحالف ونيته. أما إذا كان المستحل َ ف مظلوما ً ، فالمعتبر هنا نية المستحل َ ف، وكذلك ينبغي أن يكون الحال مع القاضي، فإن الصواب أن يقال: إذا طلب القاضي يمينا ً من متهم، فالمعتبر نية القاضي؛ لا نية الحالف، ولو لم يكن كذلك لأدى هذا إلى ضياع الحقوق وعدم ثبات الت ﱡ هم على من هم أهل لها كما تقدم. ٣ وعن أنس 3 قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر 3 ، وأبو بكر شيخ معروف، ونبي الله شاب لا يعرف قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل: فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما »«... يعني طريق الخير(٢) وهذا ما يسمى المعاريض، وهي جائزة إذا كان استعمالها يحقق مصلحة أو يدفع مضرة لا تندفع إلا باستعمالها واللجوء إلى التأويل(٣) . ونقل أحمد الكندي في مصنفه جواز استعمال المعاريض لدفع الضرر أو جلب نفع، وذكر لذلك أمثلة منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصيب من الرأس وهو (١) أخرجه البخاري في كتاب الإكراه، باب يمينه الرجل لصاحبه أنه.... إذا خاف عليه القتل ٣٢٣ ) مع الفتح آخر ابن أبي... في كتاب الأيمان والنذور والكفارات، باب / أو نحوه. ( ١٢ ١١٣ ) بلفظ (إذا كان مظلوما / الرجل يستحلف فينوي بالشيء. ( ٣ ً فله أن يوري بيمين، فإن كان ظالما ً فليس له أن يوري). (٢) ، رواه البخاري، كتاب المناقب، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، رقم: ٣٧١٩ وأحمد، ومن مسند بني هاشم، ومن مسند أنس، رقم: ١٢٩٧٤ ، عن أنس. (٣) الكندي أبو بكر أحمد، المصنف، تحقيق عبد المنعم عامر وجاد الله أحمد، المجلد الأول، .١٥٥ - ١٥٢/٢ صائم (١) . وعن ابن عباس 3 : أنه كان يقبل وهو صائم(٢) ، وهو من لطيف ّ الكناية. ٤ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: أولكن لحوقا » ً بي أطولكن يدا ً« (٣) ، أي أمدكن ّ يدا بالعطاء والمعروف، قال ابن نجيح(٤) : كانت زينب تعمل الأحزمة والأوعية تقوي بها في سبيل الله، ومن هنا قول اليهود يد الله مغلولة، أي منقبضة عن العطاء، وأصله أن ّ من أعطى مد ّ يده، ومن منع قبضها، وهو لطيف الكناية. ٥ ومنه أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من شهر رمضان أيقظ أهله، ورفع المئزر (٥) ، أي أيقظ أهله للصلاة، ورفع المئزر من لطيف الكناية يريد أنه اعتزل عن النساء، وليس رفعه أن يلقيه عن نفسه، جاء أن هذا خلاف المعنى، ولكن يريد أنه شمره وشد ّ ه، ليس هناك مئزر. ﱠ ٦ وروي أن رجلا ً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب معصفر فقال له: لو أن » ّ ثوبك هذا كان في تنور أهلك لكان خيرا ً « لك ، فذهب الرجل فلا أدري (١) لم نقف على تخريجه. (٢) رواه البخاري، كتاب الص ﱠ وم، باب المباشرة للصائم، رقم: ١٨٢٦ ، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن ﱠ القبلة في الصوم ليست محرمة، رقم: ١١٠٦ ، عن عائشة. ﱠﱠ (٣) رواه الحاكم، كتاب معرفة الصحابة @ ، ذكر زينب بنت جحش، رقم: ٦٨٣٢ ، والبيهقي، كتاب دلائل النبوءة، باب جماع أبواب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالكوائن بعده، رقم: ٢٦٤٩ ، عن عائشة. وقال: رواه مسلم في الصحيح عن محمود بن غيلان، وكذلك رواه زكرياء بن أبي زائدة عن عامر الشعبي إلا أنه أرسله. (٤)علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي المدني، ويكنى أبا الحسن، مولاهم البصري مات بعسكر أمير المؤمنين بسر من رأى يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ٤٣٢ ه ٣٠٨ . التاريخ الكبير، / بالعسكر، سمع منه أحمد بن حنبل. ابن سعد الطبقات الكبرى، ٧ ٢٨٤ . ويوجد أيضا /٦ ً ابن نجيح * المحدث الإمام، أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح، .٥١٣/ البغدادي البزاز، ولد سنة ٢٦٣ .. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ١٥(٥) ، رواه أبو عوانة، كتاب الصيام، باب ذكر الخبر المعارض لخبر علقمة عن عائشة...، رقم: ٢٤٥٠ وابن حبان، كتاب البر والإحسان، باب ما جاء في الطاعات وثوابها، رقم: ٣٢٢ ، عن عائشة. جعله في التنور أو تحت القدر ثم غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «؟ ما فعل الثوب » فقال: صنعت ُ الذي أمرتني به، فقال صلى الله عليه وسلم : ما كذا أمرته، ألا ألقيته على بعض » « نسائك(١) ، وأراد صلى الله عليه وسلم بقوله: أي لو بعته واشتريت بثمنه دقيقا ً تخبزه، وحطبا ً توقده لكان خيرا ً لك من أن تلبسه، ولم يرد إحراقه؛ لأن ذلك فساد والله لا يحب الفساد فلما أحرقه قال: ما كذا أمرتك، أفلا إذا لم تفهم ما أردت كسوته بعض نسائك؛ لأن المعصفر مكروه للرجال لا للنساء. ويجوز للإنسان إرضاء من يخشاه بالقول الذي يرضيه في الظاهر، وهو في الباطن بخلافه، لنفع يستجره، أو لدفع لما يضره، كفعل الحجاج بن أنماط « السلمي ثم التهدي(٢) . قالعمر 3 : « أما في المعاريض ما يكفي المسلم من الكذب »(٣) ، َ والمعاريض هي خلاف التصريح، وهي التورية عن الشيء. ﱠْ َ وذهب مالك والجمهور إلى أن من أكره على يمين إن لم يحلفها قتل أخوه المسلم، أنه لا حنث عليه، وهذا كله إذا ألجئ إلى التأويل، وترتب على ذلك مصلحة عامة لعموم قوله تعالى ﴿ WVUTS X ﴾ )النحل : (١٠٦ . فإذا لم يكن الأمر كذلك فلا يجوز استعمال التورية والمعاريض؛ لأن الأصل التزام الصدق وقول الحقيقة، ولا يعدل عن ذلك إلا لسبب يحقق مصلحة راجحة، وكذلك لا يجوز استعمال التأويل والمعاريض إذا كان يترتب عليها إهدار حق لأحد أو تضييع مصلحة(٤) . (١) رواه الطحاوي، كتاب الكراهة، باب لبس الحرير، ٤٤٣٤ ، وابن حجر (المطالب العالية)، كتاب .« حديث حسن صحيح » : اللباس، باب المعصفر للصبيان وغيرهم، رقم: ٢٢٨٩ ، عن أنس. وقال(٢) ١٥٣/ أحمد: المصنف، المجلد الأول، ٢ - .١٥٥ (٣) ، رواه ابن أبي شيبة، كتاب الأدب، باب من كره المعاريض ومن كان يحب ذلك، ٢٥٥٦١ حديث » : والبخاري، الأدب المفرد، باب من الشعر حكمة، رقم: ٨٨٧ ، عن عمر. قال الألباني .« صحيح موقوف(٤) .٣٢٣/ ابن حجر فتح الباري شرح صحيح البخاري ١٢ k :IóYÉ≤dG ´hôa :ÉãdÉK ١ ومن تطبيقات هذه القاعدة ما ذكره الإباضية في حكم الظهار أنه إن تلف ﱠ ظ بصريح اللفظ تحرم عليه زوجته، وإن نطق بلفظ محتمل وكان ينوي الظهار وقع وإلا فلا، وهذا ما ذهب إليه ابن بركة ويفهم من عبارته إذ يقول: وأما الظهار الذي يحرم به الرجل امرأته على نفسه وهو: أن يقول لها أنت » ُّ طالق علي كظهر أمي أو مثل ظهر أمي، فيلزمه حكم الظهار، وأما إذا قال لها ﱠِ أنت مثل ظهر أمي علي، فعل حالفا ً بذلك ثم حنث، أنه لا يكون ظهارا ً حتى ﱠ يقصد إليه وينوي به الظهار، والقول قوله: إذا قال أردت بذلك المودة لها، وأنها مثل أمي في الحق والتعظيم لها، والبر والكرامة ونحو ذلك، وإذا قال لها ﱢ ِ أنت علي مثل أمي، حالفا ً عليها بذلك، فبين أصحابنا أن في ذلك خلاف: ﱠ فمنهم من قال: يلزمه حكم الظهار، ومنهم من لا يلزمه الظهار حتى يقصد إليه ِ وينويه، وأما إذا قال في يمينه أو في غير يمين أنت علي كظهر أمي، أو من ﱠَ يحرم عليه نكاحه أبدا ً ، فهذا ظهار بغير اختلاف بين أحد من الناس، إلا داود(١) فإنه قال حتى يث َ « ني هذا القول(٢) . ُ ٢ وقد أعمل الإباضية هذه القاعدة في الألفاظ الصريحة، أما في ِ الكنايات فيحكمون عليها وف ْ ق مقصد المتلفظ بها، ويؤكد هذا المعنى ابن بركة (١) لعله يقصد داود الظاهري، هو داود بن علي بن خلف الأصبهاني، أبو سليمان، الملقب بالظاهري ( ٢٠١ - ٢٧٠ ه/ ٨١٦ - ٨٨٤ م): أحد الأئمة المجتهدين في الإسلام. تنسب إليه الطائفة الظاهرية، وسميت بذلك لأخذها بظاهر الكتاب والسن ﱠ ة وإعراضها عن التأويل والرأي ﱡ والقياس. وكان داود أول من جهر بهذا القول. وهو أصبهاني الأصل، من أهل قاشان (بلدة قريبة من أصبهان) ومولده في الكوفة. سكن بغداد، وانتهت إليه رياسة العلم فيها، وله تصانيف عديدة ٢١٦ . وابن خلكان: / أورد ابن النديم أسماءها في زهاء صفحتين. ينظر: ابن النديم: الفهرست، ١ ٣٢١ . ولسان / ١٣٦ . وميزان الاعتدال، ١ / ١٧٥ . والذهبي: تذكرة الحفاظ، ٢ / وفيات الأعيان ١ .٣٣٣/ ٤٢ . الزركلي، الأعلام، ٢ / ٤٢٢ . وطبقات السبكي، ٢ / الميزان لابن حجر، ٢(٢) .١٩٧/ ابن بركة: الجامع، ٢ والطلاق يقع عند » : حيث يوضح ذلك في معرض حديثه عن الطلاق فيقول أكثر أصحابن ا، وعليه العمل منهم اليوم بالإفصاح به والكناية عنه أيضا ً ، والإفصاح هو إظهار اللفظ بالطلاق، وبه يجب الحكم في اتفاق منهم ومن غيرهم، والمكنى فهو مثل قول الرجل لامرأته ألحقي بأهلك، أو أنت خلية ّ مني، أو بري ّ ة، أو ح َ بل ُ ك على غاربك، أو اعتد ﱢ ي، أو ما كان من نحو هذه ْ الألفاظ إذا أراد بها الطلاق فهو طلاق، أو ما يتكلم به الناس من لفظ يريد به « الطلاق فهو معهم طلاق، وهذا قول أكثرهم(١) . وسئل السالمي عمن قال لزوجته: إن لم ت َرد ّ ي الدراهم التي أخذتيها فأنت ُّ طالق، والدراهم ك ُ سرت صيغة. ِ وجه ذلك أنه لاحظ قصد » : فأجاب َ المتكلم، فإن ّ مراد المتكلم تحصيل ْ ِ ما فات من الدراهم، وبرد ّ مثلها يحصل غرضه، هذا وجه قوله، وعندي أنها تطلق ولا يغني عنها رد ّ مثلها؛ لأن ذلك ليس برد ﱟ لها، والقولان يخرجان على قاعدتين «؟ موجودتين في الأيمان وهما: هل تعتبر في الأيمان المقاصد أم الألفاظ(٢) . وسئل أيضا ً عن الرجل يقول لزوجته: اخرجي من بيتي، هل يقع به الطلاق إذا نوى؟ هذه من كنايات الطلاق، واللفظ الأول أقرب إلى الكناية، فإن نوى » : فقال به الطلاق ط ُل ّ قت، وإن لم يقصد الطلاق فلا طلاق عليه، وهو مصدق في « ذلك؛ لأنه أمين نفسه(٣) . وفي سؤال آخر عن رجل سمع رجلا ً يقرأ مسألة من كتاب: أن ﱠ من قال َ لزوجته مفارقة، ولم ينو به طلاقا ً لم تطلق، فساورته (٤)يوما ً زوجته، فقال لها َُ (١) . ١٦٧ . بكوش يحيى، فقه الإمام جابر بن زيد، ص ٤٣٢ / ابن بركة: المصدر نفسه، ٢(٢) .١٩٨/ السالمي: العقد الثمين، ٣(٣) .١٩٩/ السالمي: لمصدر نفسه، ٣(٤) أي أغضبته، هكذا في الأصل، ولعل المراد: فشاورته. مفارقة ولم ينو طلاقا ً ، واعتمد في نيته على ما سمع، ولم يمتنع عن زوجته، َ ِ فإنها صدقته أنه لم ينو طلاقا ً ، ما الذي تراه أحسن له، ترك زوجته فإنه شاق عليه وعليها، أم ترى له رخصة، وكذلك هي فإنها بن َ ت أمرها على التصديق؟ َ « له أن يتمسك بزوجته، ولها تصديقه، ولا يفرق بينهما » : فقال(١) . ِ ٣ ومنها ما ذ ُكر أن الأقوال في الشرع لا تعتبر إلا من عاقل يعلم ما يقول ويقصده؛ لأن العقل مناط التكليف، فأما المجنون والطفل الذي لا يميز، ّ فأقواله كلها لغو في الشرع، لا يصح منه إيمان ولا كفر، ولا عقد من العقود، ولا شيء من الأقوال باتفاق المسلمين، لانعدام العقل في أقواله، وكذلك النائم إذا تكلم في منامه، فأقواله كلها لغوا ً ، سواء تكلم المجنون والنائم بطلاق َ أو كفر أو غيره(٢) ، وألحق إليه البعض المعتوه والمكره. َ ِ ودليل ذلك : ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع القلم عن ثلاث: عن » ُ النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق « (٣) . ِ وقالوا أيضا ً : إن الطلاق يزيل المل ْ ك، فاعتبر فيه العقل، مثل البيع والهبة، وسواء زال العقل بالجنون، أم الإغماء، أم النوم، أم شرب دواء، فكل ذلك يمنع وقوع الطلاق(٤) . وقد أشار السالمي إلى بعض العوارض التي تعترض الإنسان فتذهب عقله كليا ً أو تعطله مؤقتا ً ، فيسقط عنه التكليف؛ لأن العقل أساس التكليف، وبين أن ّّ حكم الجنون والعته حكم الصغر، وذلك أن الجنون مزيل للعقل بالكلية، (١) ٢٠٠/ السالمي: المصدر نفسه، ٣ - .٢٠١ (٢) الجناوني أبو زكرياء يحيى بن الخير، كتاب الوضع مختصر في الأصول والفقه، تحقيق . أبو إسحاق إبراهيم أطفيش: ط ١، د، ت مطبعة العجالة الجديدة، مصر، ص ٢٤١(٣) رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق، رقم: ٤٤٠١ ، والترمذي، كتاب الحدود، فيمن لا يجب عليه الحد ﱡ حديث علي حسن غريب من هذا » : ، رقم: ١٤٢٣ ، عن علي، وقال ﱟﱟ الوجه، وقد روي من غير وجه عن علي ... .« والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم ﱟ (٤) .٤٢٦ ،٤٢٣ ، بكوش يحيى: فقه جابر الإمام جابر بن زيد، ص ٤١٩ وليس في الصبي إلا نقصان العقل، فالجنون أولى برفع التكاليف من الصبي، وأما العته فهو نوع من الجنون. أما النوم فله حكمان: أحدهما : تأخير تعلق الخطاب إلى حال اليقظة، فإن النائم لعجزه عن فهم الخطاب لا يناسب أن يتوجه إليه الخطاب، ولإمكان ف َهم ِ الخطاب منه بالانتباه ْ ِ ُ لم يسقط الخطاب عنه رأسا ً ، لكن أخر عنه إلى أن يستيقظ، واستدلوا على بقاء وجوب الخطاب في حق النائم بقوله صلى الله عليه وسلم : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها » إذا ذكرها «(١) ، قالوا: لو لم يكن الوجوب ثابتا ً في حق النائم والناسي ما أ ُ مروا بالقضاء. والحكم ا لثاني : إلغاء ألفاظه، فلا توصف ألفاظ النائم بخبر ولا استخبار ولا إنشاء، ولا يتم بلفظه بيع ولا شراء، ولا تزويج ولا طلاق ولا عتق، ونحو ذلك، لعدم القصد والإرادة فيها(٢) . ٤ ومنها أيضا ً : أنه إذا حلف رجل عن كلام رجل، ففتح عليه القراءة وهو إمامه في الصلاة، فإنه يحنث، فإذا نوى بذلك رفع صوته بالقراءة لم يحنث، وكذلك إذا كان الحالف بعض المقرئين والمعلمين وسأله المحلوف عن كلامه، فإن فتح عليه ولقنه القرآن، أنه يحنث، إلا أن يكون نوى بذلك رفع صوته بالقراءة لنفسه، لم يحنث(٣) . ٥ ومن حلف أنه يصلي إلى المشرق، فإن نوى التحو ﱡ ل من الدين، (أي: الر ّ دة)، فعليه مغلظة، وإن نوى أنه يسافر حتى يكون غربي الكعبة، فلا عليه(٤) . (١) رواه الربيع، كتاب الص ﱠ لاة، باب في أوقات الص ﱠ لاة، رقم: ١٨٤ ، عن جابر مرسلا ً . وأحمد، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك، رقم: ١١٩٩١ ، عن أنس. ﱠ (٢) ٢٤٩/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ - .٢٥٠ (٣) .٨٩/ ابن بركة: الجامع، ٢(٤) .٢٨٢/ أطفيش أمحمد: شرح كتاب النيل وشفاء العليل، ٤ :IóYÉ≤dG ≈æ©e :’k hCGq لأن العقود من جملة ؛« الأمور بمقاصده ا » : هذه القاعدة تندرج تحت قاعدة الأمور التي تصدر عن الإنسان، وحيث أن المعتبر في أحكام الأمور هو القصد والنية، فكذلك الاعتبار في العقود والأفعال بحقائقها ومقاصدها دون ظواهر ألفاظها وأفعالها؛ ولأن من لم يراع المقصود في العقود وجرى مع ظواهرها يلزمه أن يبيح ما حرم الله تعالى ويحرم ما أباح الله ويقع في التناقض، ولذلك ﱢ قرر ابن القيم أن هذه القاعدة من القواعد الأساسية في الشريعة الإسلامية حيث والقاعدة الشرعية التي لا يجوز هدمها أن المقاصد والاعتقادات معتبرة » : قال في التصرفات والعبارات، كما هي معتبرة في الق ُ « ربات والعبادات(٢) . ِ ومن المعلوم أن كل عقد وضعت له صيغة خاصة به تدل عليه، كبعت ُ واشتريت، وأجرت، واستأجرت من الصيغ التي وضعت لكل عقد. ﱠ ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: لو استبدلت هذه الصيغ بصيغ أخرى قولية، أو ما يدل عليها من الأفعال وتعارف عليها الناس، فهل يصح استعمال تلك الصيغ المستحدثة التي اتفق عليها الناس وتعارفوا عليها؟ المسألة محل خلاف بين الفقهاء، وهذا الخلاف مبني على هذه القاعدة ؟« العبرة بصيغ العقود أم بمعانيها » وهي: هل (١) محمد الشيخ بالحاج: أصول الجمع وكليات الوفاق بين المذهبين الإباضي والمالكي مع تخريج بعض الفروع الخلافية، طبع بمطابع دار البعث قسنطينة ١٩٩٢ . ص ٩٨ - .٩٩ .« الأحكام منوطة بغايات الأمور ومقاصدها لا بالألفاظ والعبارات » : وعبارته قريبة منها (٢) ٩٥/ ابن قيم الجوزية: أعلام الموقعين، ٣ - .٩٦ فمن رأى أنه لا بد من صيغة العقد الموضوعة المعلومة، قال: لا يصح البيع إلا بلفظ بعت ُ ، والشراء بلفظ اشتريت ُ ، ومثله الإجارة والهبة تمسكا ً بلفظ الصيغة المعينة. ومن قال: إن العبرة بمعاني العقود، أجاز ما دل ﱠ على العقد من قول أو فعل؛ لأن القصد من الصيغة مدلولها، وهذا ما ذهب إليه جمهور الإباضي ة، الحمل على العرف مقدم على الحمل على اللغة » : واختاره البكري حيث يقول في البيوع، أي العبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ « (١) . والنظر يوجب عندي أن الأولى أن تبرم العقود بالصيغ المخصوصة ْ لكل عقد، ولكن إذا تعارف الناس على صيغ وألفاظ معينة، وأبرموا بموجبها العقود، وشق عليهم تركها، أو جهلوا الصيغة لكل عقد، تصير ّ الصيغ المتعارف عليها عرفا ً جاريا ً معلوما ً لكل أحد، فإنه من المناسب أن ُ يوسع على الأمة ولا يحجر عليها في المعاملات؛ لا سيما وأنه ليس لدينا ما يدل على المنع صراحة. واختار بعض فقهاء الإباضية هذا التوجه فلم يشترطوا صيغة معينة في عقد البيع، بل اعتبروا أي عبارة واضحة وصريحة، أو إشارة مفهومة من الأخرس ّ تدل على البيع والشراء، تعارفها الناس وتداولوها بينهم تصلح لإبرام هذا العقد، بشرط عدم تعارضها مع قواعد الشرع الحنيف ونصوصه، وفي هذا المعنى يقول أبو مسألة : وتم البيع بما جرى بين قوم في لغتهم، ويكون بيعا » ً ﱠ ما لم يعلموا فيه ما حرم الله، وتقع به الصفقة بين البائعين، ولا يتم ذلك بقلب دون لفظ ولا الجوارح كلها، غير اللسان إلا ما ذكروا من الكتاب في ممنوع الكلام، أو إشارة الأخرس التي يفهم بها على نفسه. وأما الشراء فإنه يجب على المشتري إذا رضي بقلبه فيما بينه وبين الله، (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٦٦٢/ محقق كتاب النيل شفاء العليل لعبد العزيز الثميني، ٢ ويدرك عليه في ذلك اليمين، وأما في الحكم فحتى يلفظ بلسانه بكلام يدل به ِ على الرضى من قلبه، أو ف َعل في شيء فعلا ً يدل به على رضاه بالبيع، مثل َ تصريفه في حوائجه والاستمساك بمن أفسد في ذلك، أو استمسك بصاحبه أن يدفعه له، أو سأل الإقالة فيه أو الرد بالبيع، أو ما أشبه ذلك مما يدل على « رضى البيع وقبوله ورضاه بالشراء(١) . هذا، وإذا كانت النية أساسا ً لكل عمل قولي أو فعلي، فلا بد من اعتبارها في الصيغة المتعارف عليها، واعتبار النية والقصد مقدم على اعتبار اللفظ، فلو سبق اللسان إلى الشيء لم يرده القائل، لا يلزم بموجبه، إذ أنه لا بد من تواطؤ العبرة بمعاني العقود » القلب واللسان، وهذا يؤيده قول من ذهب إلى أنوإذا كنا نرجح هذا المذهب فإننا لا نعممه في كل العقود، وإنما ،« لا بصيغه ا اعتبار ذلك في العقود التي يكثر تداولها، كالبيع والإجارة والمساقاة، وأما العقود التي يقل تداولها كالنكاح فلا تصح إلا بالصيغة المعينة لها وذلك لسببين: ﻥﺃ ﺪﻘﻋ ﺡﺎﻜﻨﻟﺍ ﺎﻤﻣ ﻢﺘﺗ ﻪﺑ ،ﺓﺮﻫﺎﺼﻤﻟﺍ ﻰﻨﺒﺗﻭ ﻪﻴﻠﻋ ،ﺓﺮﺳﻷﺍ ﻪﻧﺈﻓ ﻖﻴﺿﺃ ١ـ ﻪﻧﺄﺷﻭ .ﺮﻄﺧﺃ ﻥﺃ ﺡﺎﻜﻨﻟﺍ ﺝﺎﺘﺤﻳ ﻰﻟﺇ ،ﺩﺎﻬﺷﻹﺍ ﻝﺎﻤﻌﺘﺳﺍﻭ ﺮﻴﻏ ﺔﻐﻴﺼﻟﺍ ﺔﻨﻴﻌﻤﻟﺍ ﻪﻟ ﻦﻣ ﺏﺎﺑ ٢ـ . ،ﺕﺎﻳﺎﻨﻜﻟﺍ ﺔﻳﺎﻨﻜﻟﺍﻭ ﺝﺎﺘﺤﺗ ﻰﻟﺇ ،ﺔﻴﻧ ﺓﺩﺎﻬﺸﻟﺍﻭ ﻰﻠﻋ ﺔﻴﻨﻟﺍ ﺮﻴﻏﺔﻨﻜﻤﻣ(٢) مجمل القول: وبناء على ما سبق يمكن تحديد المعنى الإجمالي للقاعدة: أن الأحكام في المعاملات تبنى على مقاصدها وأغراضها، لا على ظاهر ألفاظها المستعملة في صيغة العقد (الإيجاب والقبول)؛ لأن المقاصد هي حقائق المعاملات (١) أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر الفرسطائي النفوسي (ت: ٥٠٤ ه) حققه وطبعه محمد صدقي ١٤٠٤ ه/ ١٩٨٤ م. دار البعث، قسنطينة، الجزائر، ص ٩٤ ، والسبع إبراهيم، ط ١ - .٩٥ (٢) السدلان صالح: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها، ص ٦٨ - .٦٩ وقوامها، وإنما اعتبرت لدلالتها على المقاصد، فإذا ظهر القصد كان الاعتبار له وبني الحكم عليه، ولكن لا يعني هذا إهمال الألفاظ بالكلية؛ لأن الألفاظ قوالب المعاني والمعبرة عنها، فتراعى أولا ً الألفاظ بما تحمل من معاني ّّ ظاهرة، فإذا ظهرت مقاصد تعارضها وتعذر الجمع بينها وبين الألفاظ، تتقدم المقاصد على الألفاظ، وتعرف المقاصد من العبارات الملحقة بصيغة العقد أو من القرائن(١) . k :IóYÉ≤dG ádOCG :É«fÉK استدل فقهاء الإباضية على صحة هذه القاعدة بأدلة من القرآن والسن ﱠ ة، ﱡ كلها تدل على مراعاة المقاصد في العقود والمعاملات من ذلك: ١ من القرآن الكريم: ﻪﻟﻮﻗ ﻰﻟﺎﻌﺗ ﴿^]\[Z _ ﴾ )ﺎﺴﻨﻟﺀ : (٣.ﺍ ﻪـﻟﻮﻗﻭﻞﺟ :ﻩﺮـﻛﺫ ﴿!"# ﴾ )ﺍﻮـﻨﻟﺭ : ٢(٣ ، ﻥﺎﺗﺎﻫﻭ ﻥﺎﺘﻳﻵﺍﱠ ﻲﻓ .ﺡﺎﻜﻨﻟﺍ ١ـ ٢ـ ﻪﻟﻮﻗﻭ 8 : ﴿987 ﴾ ﻟﺍ) ﺒﻘ :ﺓﺮ ٢٧٥( ، ﻩﺬﻫﻭ ﺔﻳﻵﺍ ﻲﻓ .ﻊﻴﺒﻟﺍ ﻪﻟﻮﻗﻭ :ﻰﻟﺎﻌﺗ ﴿}|{zyx~ ﮯ¢¡ ﴾ ) ﺎﺴﻨﻟﺀ : (٤ .ﺍ ﻩﺬﻫﻭ ﺔﻳﻵﺍ ﻲﻓ .ﺔﺒﻬﻟﺍ ٣ـ ٤ـ ﻪـﻟﻮﻗﻭ ﻙﺭﺎـﺒﺗ :ﻰـﻟﺎﻌﺗﻭ ﴿GFEDCBA ﴾ ٥ـ ) ﺎﺴﻨﻟﺀ : ٩(٢ . ﻩﺬﻫﻭ ﺔﻳﻵﺍ ﻲﻓ :ﺓﺭﺎﺠﺘﻟﺍ ﻊﻴﺒﻟﺍ.ﺀﺍﺮﺸﻟﺍﻭﺍ :ﻪـﻟﻮﻗﻭ ﴿:9876 ﴾ )ﻼـﻄﻟﻕ : (٦ . ﻩﺬﻫﻭ ﺔﻳﻵﺍ ﻲﻓﺍ ﻉﺎﺿﺮﻟﺍ ﺓﺭﺎﺟﺇﻭ .ﻊﺿﺮﻤﻟﺍ ٦ـ (١) . ٦٥ ، بتصرف. شبير عثمان: القواعد الكلية، ص ١٢٣ / منير القاضي: شرح المجلة، ١ ٧ وقوله 8 : ﴿ &%$ ' *)( ﴾ (ال بقرة: ٢٨٢ ( . وهذه الآية في الد ﱠ ي ْ ن. ٨ وقوله سبحانه: ﴿ *('& ﴾ (ال بقرة: ٢٣١ ( . وهذه الآية في الرجعة والطلاق. وغير هذا من الآيات كثيرة، ودلالة هذه الآيات من وجوه: أ الوجه الأول: أنه اكتفى بالتراضي في البيع في قوله: ﴿ EDCBA GF ﴾ )النساء : (٩٢ ، وبطيب النفس في الهبة في قوله: ﴿ zyx }|{ ~ ﮯ ¢¡ ﴾ )النساء : (٤ . فالآية الأولى في جنس المعاوضات، والثانية في جنس التبرعات، ولم يشترط لفظا ً معينا ً ، ولا فعلا ً معينا ً يدل على التراضي، وعلى طيب النفس، ومعلوم بالاضطرار من عادات الناس في أقوالهم وأفعالهم أنهم يعلمون التراضي وطيب النفس، والعلم بهما ضروري في غالب ما يعتاد من العقود، وهو ظاهر في بعضها، وإذا وجد َ ا تعلق الحكم بهما بدلالة القرآن(١) . َُ ب الوجه الثاني: أن هذه الأسماء (أي: البيع، والإجارة، والمداينة، والنكاح، والطلاق والرجعة والهبة... ونحوها) جاءت في كتاب الله وس ُ ن ﱠ ة رسوله صلى الله عليه وسلم معلقا بها أحكاما ً شرعية، وكل اسم فلا بد له من حد ﱟ ، فمنه ما يعلم حده باللغة، كالشمس والقمر، والبر والبحر، والسماء والأرض، ومنه ما يعلم بالشرع، ﱠ كالمؤمن والكافر والمنافق، والصلاة والزكاة والصيام والحج، وما لم يكن له في اللغة ولا في الشرع، فالمرجع فيه إلى عرف الناس، كالقبض ُ (١) . ابن تيمية: القواعد النورانية، ص ١٣٢ المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : من ابتاع طعاما » ً فلا يبعه حتى يقبضه « (١) . والبيع والإجارة والهبة ونحوها لم يحد الشارع لها حد ّ ا ً ، لا في كتاب ولا سن ﱠ ة، ُ ِ بل ولا ن ُقل عن أحد من الصحابة والتابعين أنه عين للعقود صفة معينة ّ الألفاظ، أو قال بأنها لا تنعقد إلا بالصيغ الخاصة، وليس لهذه المسميات يعني: البيع والإجارة والهبة حد ﱞ في لغة العرب بحيث يقال: أن أهل اللغة يسمون هذا بيعا ً ولا يسمون هذا بيعا ً ، حتى يدخل أحدهما في ُﱡ خطاب الشارع ولا يدخل الآخر، بل تسمية أهل العرف من العرب هذه العقود بيعا ً ، دليل على أنها في لغتهم تسمى بيعا ً ، والأصل بقاء اللغة وتقريرها، لا نقلها وتغييرها، فإذا لم يكن له حد في الشرع ولا في اللغة، كان المرجع فيه إلى عرف الناس وعادتهم، فما سموه بيعا ً فهو بيع، وما ﱡ سموه هبة فهو هبة... ﱡ ويؤكد أبو العباس أحمد(٢) ويصح » : في باب النكاح هذا المعنى فيقول العقد للنكاح بلغة الناكح كائنة ما كانت في جميع ما جرت عليه العادة في (١) ، متفق عليه، رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض، رقم: ٢٠٢٨ ومسلم، كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، رقم: ١٥٢٥ ، عن ابن عباس. ﱠ (٢)أحمد بن محم ّ د بن بكر بن أبي بكر بن يوسف الفرسطائي النفوسي (أبو العباس) (ت: ١٠ ذو الحجة ٥٠٤ ه/ ١٨ جوان ١١١١ م) عالم فذ من علماء وارجلان، أصله من فرسطاء بنفوسة، وهو ابن الشيخ أبي عبد الله محمد بن بكر النفوسي مؤس ﱢ س نظام حلقة العز ﱠ ابة. كان يقيم في قرية تمولست. أخذ العلم عن أبيه وعن أبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي في ثمانية أجزاء، ،« القسمة وأصول الأرضين » (ت: ٤٧١ ه/ ١٠٧٨ م)، من تآليفه: كتاب مم » ط. وكتاب في التوحيد ﱠ وغير ذلك من مسائل التوحيد (مخ)، ،« ا لا يسع الناس جهله مخ). والجامع المعروف ب ) ،« كتاب الديات » مخ). و ) ،« السيرة في الدماء والجراحات » وفي ثلاثة أجزاء (مخ)، وغيرها. ينظر: أبو العباس: ،« تبيين أفعال العباد » مط). و ) « أبي مسألة »القسمة وأصول الأرضين، مقد ﱢ مة المحق ﱢ قين، ٥ - ٧١/ ٦٥ . الوسياني: سير، (مخ)، ١ - ٧٥ ٤٤٢ ،٤٢٦ ،٤١٨/ ٢٣١ . الدرجيني: طبقات، ٢ ،١٥٧/٢ - ٤٤٦ . البرادي: الجواهر المنتقاة: ٨٩/ ٢٢٠ . الشماخي: السير، ٢ - .٩١ كلامهم مما يكون عندهم معنى التزويج، ما لم يوافوا في ذلك محرما ً لهم في «... الكلام والمعنى، وكذلك قبول الزوج على هذا الحال(١) . ج الوجه الثالث: أن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات وعادات، وبالنظر إلى أصول الشريعة يتبين أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع. أما العادات؛ فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله 4 ، وإذا كان ذلك كذلك فنقول: إن البيع والهبة والإجارة وغيرها من العادات التي يحتاج الناس إليها في معاشهم كالأكل والشرب واللباس فالشريعة قد جاءت في هذه العادات بالآداب الحسنة، فحرمت منها ما فيه فساد، وأوجبت ما لا بد منه، وكرهت ما لا ينبغي، واستحبت ما فيه مصلحة راجحة في أنواع هذه العادات ومقاديرها وصفاتها، وعلى هذا: فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف شاءوا ما لم تحرم الشريعة، كما يأكلون ويشربون كيف شاءوا، ما لم تحرم الشريعة، وإن كان بعض ذلك قد يستحب أو يكون مكروها ً ، أما ما لم تجد الشريعة فيه حد ّ ا ً فيبقون فيه على الإطلاق الأصلي(٢) . ٢ من السن ﱠ ة النبوية: ﱡ أما ما يمكن الاستدلال به لهذه القاعدة من السن ﱠ ة فمنه ما يلي: ﱡ ١ أن الرسول صلى الله عليه وسلم بنى مسجده، والمسلمون بنوا المسجد على عهده وبعد موته، ولم يأمر أحد أن يقول: وق ﱠ ف ْ ت ُ هذا المسجد، ولا ما يشبه هذا (١) . أبو العباس أحمد الفرسطائي: كتاب أبي مسألة، ص ١٥١(٢) ١٤٠٤ ه ، نشر مكتبة المعارف، ، ابن تيمية: القواعد النورانية، تحقيق معمر حامد الفقهي، ط ٢ الرياض. وينظر: إسماعيل علوان: القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ١٦٥ - .١٦٦ اللفظ، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم : من بنى لله مسجدا » ً بنى الله له بيتا ً « في الجنة(١) . فعل ﱠ ق الحكم بنفس بنائه، فهذا وقف ولم يرد ما يدل على اشتراط لفظ معين له(٢) . ٢ حديث ابن عمر 3 قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنت ُ على ر (٣)ص ٍ بك ْ عب لعمر، فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم، فيزجره عمر فيرده، ثم ََ ِِ يتقدم فيزجره عمر ويرده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: « بعنيه » ، قال: هو لك ِ ِ يا رسول الله، قال: « بعنيه » ، فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو لك » يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت « (٤) . وجه الاستدلال بالحديث: أن فيه بيع وشراء، حيث باع بعيره للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم وهبه رسول صلى الله عليه وسلم لابن ِ عم ر، ولم يصدر من ابن عمر لفظ قبول، فهذه هبة وقد لزمت بق َ بض ابن عمر الهبة، دون أن يتلفظ بصيغة القبول، بل اعتبر فيه القصد والمعنى(٥) . ِ ٣ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي ويهد َ ى إليه، فيكون قبض الهدية قبولا ً لها دون َُ اشتراط صيغة يتلفظ بها المعطي أو الآخذ، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: حديث ابن عباس 3 قال: أهدت أم حفيد (٦) خالة ابن عباس (١) متفق عليه من حديث عثمان بن عفان 3 ، تقدم تخريجه. (٢) ابن تيمية: المصدر نفسه، ص ١٣٥ - .١٣٦ (٣)الب َ ك ْ ر: بفتح الموحدة: الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من الناس. (٤) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيئا ً فوهب من ساعته، قبل أن يتفرقا... ٣٢٤ ) مع الفتح، وفي كتاب الهبة باب من أهدي له هدية، وعنده جلساؤه فهو أحق... /٤) ٢٢٧ )، وفي باب إذا وهب بعيرا /٥) ً .(٢٢٨/ لرجل وهو راكبه فهو جائز ( ٥(٥) . ابن تيمية: القواعد النورانية، ص ١٣٦(٦) أم حف َ يد مصغرة اسمها هزيلة بنت الحارث بن حرب الهلالية أخت أم المؤمنين ُ ميمونة، خالة ابن عباس وخالد بن الوليد @ . ينظر: ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني ٢٠٢/ (ت: ٨٥٢ ه): الإصابة في تمييز الصحابة، نشر دار الكتب العلمية بيروت، ٨ - .٢٢٣ إلى النبي صلى الله عليه وسلم أ ُق ُطا ً وسمنا ً وأ ُضبا ً ، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط ُ والسمن، وترك َ ُ (١) الأض َ ب تقذرا ً ... . ٤ ولما نحر صلى الله عليه وسلم البدنات قال: من شاء ا قتطع » « (٢) ، وكان ذلك مع إمكان قسمتها، فكان هذا إيجابا ً وكان الاقتطاع قبولا ً. ِِ ٥ وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل فيعطي، أو يعطي من غير سؤال، فيقبض ُُ ُ المعطي ويكون الإعطاء هو الإيجاب، والأخذ هو القبول، ولم يكن يأمر الآخذين بلفظ، ولا يلتزم أن يتلفظ لهم بصيغة، كما في إعطائه للمؤلفة قلوبهم، وللعباس بن عبد المطلب (٣) . ٣ من المعقول: ومما يدل لهذه القاعدة من حيث المعنى أيضا ً : أن الإذن العرفي في الإباحة أو التمليك أو التصرف بطريق الوكالة، كالإذن اللفظي، فكل واحد من الوكالة والإباحة ينعقد بما يدل عليها من قول أو فعل، والعلم برضى المستحق يقوم مقام إظهاره للرضى ويتخرج على هذا ما يلي: أ ما ثبت من مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن عفان 3 بيعة الرضوان ْ (٤) وكان غائبا ً . (١) ٢٠٣ ) مع الفتح، / متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب الهبة، باب قبول الهدية. ( ٥ وفي مواضع أخرى من الصحيح. وأخرجه مسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من .(١٥٤/ الحيوان، باب إباحة الضب. ( ٣ (٢) أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن قرط مرفوعا ً في كتاب المناسك، باب في الهدي إذا ع ُط ِ ٣٥٠ ). وصحيح الشيخ الألباني رواية أبي داود / ٣٧٠ ). وأحمد ( ٤ / ب قبل أن يبلغ. ( ٢ .(٣٣١/ في صحيح سنن أبي داود ( ١ (٣) ابن تيمية: المرجع السابق، ص ١٣٦ - .١٣٧ (٤) قصة مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان في بيعة الرضوان، أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب مناقب عثمان بن عفان 3 ٥٤ ) مع الفتح، من حديث ابن عمر /٧) 3 وفيه:...وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: « هذه يد عثمان » ، فضرب بها على يده فقال: « هذه لعثمان » . ب إدخال النبي صلى الله عليه وسلم أهل الخندق إلى منزل جابر بن عبد الله(١) ، وجماعة من الصحابة إلى منزل أبي طلحة(٢) بدون إذنهما، لعلمه أنهما راضيان بذلك(٣) . هذه جملة من الأدلة يمكن الاستدلال بها لهذه القاعدة، وغيرها كثير، وإنما القصد هو التمثيل لا الحصر، وكل هذه الأدلة تدل بدون شك على انعقاد العقود من غير لفظ أو صيغة محددة، وإنها بقصد المتعاقدين، وأن ذلك ٍ كاف في انعقادها. k :IóYÉ≤dG äÉ≤«Ñ£J :ÉãdÉK لا تخفى أهمية هذه القاعدة على كل من له بصيرة بهذا الفن في انعقاد العقود، وفي حصول الآثار المترتبة عليها، ورغم أن الفقهاء الإباضية طبقوا هذه القاعدة في فروعهم الفقهية المختلفة إلا أنهم لم يصرحوا بها، ولم نعثر عليها بهذه الصيغة إلا في كتب المتأخرين(٤) ، وسنذكر أمثله لهذه القاعدة فيما يلي: (١) قصة جابر متفق عليها، فقد أخرجها البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب من تكلم ١٨٣ ) مع الفتح، وفي كتاب المغازي، باب غزوة الخندق. / بالفارسية والرطانة... ( ٦ ٢٩٥/٧) - ٣٩٦ ) مع الفتح. وأخرجها مسلم في كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك ويتحقق تحققا ً تام ّا ً. .(١٦١١ - ١٦١٠/٣) (٢) أما قصة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه إلى بيت أبي طلحة لما دعاه لطعام فقد اتفق عليها الشيخان من حديث أنس بن مالك 3 ، أخرجها البخاري في مواضع من صحيحه منها ٥١٧ ) مع الفتح. وفي / كتاب الصلاة باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب منه. ( ١ ٥٨٦ ) مع الفتح. وأخرجه مسلم في / كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام. ( ٦ كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك، ويتحقق تحققا ً تاما ً . ّ .(١٦١٤ - ١٦١٢/٣)(٣) . ابن تيمية: القواعد النورانية، ص ١٣٧ (٤) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٦٦٢ ، وينظر: / صرح بها في آخر كتاب النيل وشفاء العليل للثميني، ٢ . مصطفى بن حمو أرشوم: النكاح في المذهب الإباضي، ص ٥٢ أ في باب الوصية والوقف: ١ في الوصية: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني » : اعتمد الإباضية على قاعدةلا للألفاظ والمباني « في باب الوصية، وقد أشار إليها القطب أطفيش في مسألة إدخال الرجال الذين لا أزواج لهم في حكم الأيامى والأرامل، وثبوت فليحمل على ما تعارفه الموصي واعتاده؛ لأن نيته تكون » : الوصية لهم، فيقول « عليه، والأعمال بالنيات(١) . ٢ في الوقف: من جعل شيئا ً لمسجد إلى وقت معلوم وهو يقصد به الوقف، فإنه لا عبرة بلفظه، (أي: بلفظ الوقف) وهو منه وصية وليس وقفا ً ؛ لأن الوقف لا يكون العبرة بالمقاصد والمعاني » إلى زمان معين محدود بل هو على الأبد؛ لأن.« لا بالألفاظ والمباني وقد أشار سعيد الخليلي إلى معنى هذه القاعدة من خلال سؤال ورد إليه وما قولك فيمن بنى مسجدا » : وهذا نصه ً وأوق َ ف له بيت حجر أو شيئا ً غير ْ ذلك، ونص القول: لأنه وقف مؤبد إلى يوم القيامة، أو قيد ذلك إلى وقت معلوم، أو أطلق القول ولم يذكر إلا كونه وقفا ً لذلك المسجد، وذلك أن غلته لشيء معلوم من مصالح المسجد، أو لم يذكر وأشهد على ذلك عدولا ً من ِ البرية أو غير عدول أولا ً ، ثم إنه أراد أن يسترجع البيت عنه أو يجعل له عوضا ً بيتا ً مثله بالقياض، أو أفضل أو أدنى (منه)، أو شيئا ً غير ذلك مما يقاومه(٢) في «؟ الثمن، أو عزم أنه يسترجعه بغير عوض أله ذلك أم لا لا رجوع له فيما أوقفه لمسجد أو غيره من أبواب البر مطلقا » : فأجاب ً ، (١) .٤٣٤/ أطفيش: شرح كتاب النيل للثميني، ١٢(٢) هكذا في الأصل، ولعل المراد منه: يقابله. ولا يجوز القياض به، ولا البيع له، ولا التعويض عنه، ولا يكون الوقف إلى زمن معين محدود، بل هي وصية إلى أجل معدود، وكل ما سمي وقفا ً فهو ُ وقف أبدا ً ، ولو لم يذكره وقفا ً مؤبدا ً لازما ً ، ثبت له حكم الوقف لم يجز نقل حكمه الثابت له في أصله، ولا غاية في ذلك إلا انقطاع أمد الدنيا، وهو معنى « التأبيد لا غيره(١) . وبعد أن حد ﱠ د الكدمي ح ُ كم الوقف والفرق بينه وبين الوصية أشار إلى أنه يحكم على الشخص من خلال عباراته الظاهرة، فإذا ظهرت قرائن تدل على أنه لا يقصد ذلك، بل يقصد معنى آخر باطنيا ً ، وأثبت ذلك بالبينة يحكم ّ َُ وأما ذكره أن غلته لشيء من مصالح المسجد، » : له بذلك، وهذا نص عبارته فإن كان مرادك بذكر هذه العبارة عن كون جعله إياه لما ذكره من ذلك الشيء، فإذا ثبت جعله له كذلك مخصوصا ً بالغلة، فهو أشبه معنى الوقف له إن جعل غلته لذلك فيما يأتي على الدوام، لا في غلة حاضرة ولا مخصوصة، وما لم يجعله لذلك فهو له، ولا بد ثبوت جعله له على هذا من أن يكون بلفظ يصح عن عقد نية تخرجه عن ملكة إلى حكم وق ﱠ فه فيما َ بينه وبين الله، لا بمجرد ذكره على غير ما يثبت في أصله إلا أن يخرج مخرج الإقرار الجائز عليه، فيؤخذ به في الحكم بالظاهر إن دعا إليه وصح عليه، ولو كان له مخرج في الباطن، والإشهاد لا يزيده ثباتا ً فيما بينه وبين الله، ولا يتركه يقضي بفساده إلا أنه حجة في الظاهر له، وعليه فيؤمر أمرا ً أكيدا ً لئلا يبقى في يده من بعد فيكون لورثته، ومع الخوف عليه من ثبوت الحجج والدعاوى فيه، فليرم الإشهاد عليه أو تشهيره حتى يظهر أمره، « فلا يخفى فينكر، والله أعلم(٢) . (١) ٣١/ الخليلي سعيد بن خلفان: التمهيد، ٨ - .٣٢ (٢) .٧٦/ بكوش يحيى: فقه الإمام جابر بن زيد، ١ ِ ب بيوع الذرائع أو بيع العينة: ويسمى عند الإباضية بيع الذرائع وهو: أن يبعه سلعة إلى أجل ثم يبتاعها منه بأقل من ذلك ثمنا ً حالا ّ ً ، فهذا التصرف مع التواطؤ والتحايل يبطل البيعين، أما إذا لم يكن بينهما تواطؤ ولا قصد به الحيلة على الربا، فالأولى أن يبطلا البيع الثاني سد ّ ا ً للذريعة. وفي كتب الفقه الإباضي عناية خاصة بهذه القاعدة تجل ّ ت في كثير من اجتهادات فقهائه، خاصة في أبواب البيوع والنكاح. وقد اتسم اجتهاد إمام الإباضية جابر بن زيد بالتنزه عن اللجوء إلى الحيل الشرعية في فتاويه، ويرى بطلانها لمناقضتها لمقصد الشارع(١) . ١ ومن أمثلة الذرائع المحرمة أنه: لو أجنب المكل ﱠ ف ولم يجد ماء ولم يصل إليه إلا بإبداء عورته للناس، أنه لا يظهر عورته؛ لأنه يأثم بذلك، ويتيمم ويصلي؛ لأن الحق لا يقوم بالباطل(٢) . ٢ ومن تسبب في تضييع من يرثه حتى مات، كان بمنزلة قاتله، فلا يرثه وإن لم يكن وارثا ً ، وإن كان الهالك أوصى له، بطلت وصيته قياسا ً على القاتل، ومعاملة بنقيض قصدهما. ِ ٣ وفي المعاملات حرموا بيع العين َ ة لإفضائه إلى الربا المحرم، ومنعوا (٣) بيع السلاح زمن الفتنة، وكذلك بيع العنب لمن يعصره خمرا ً . ٤ وفي بيع العينة روى الربيع : عن ضمام عن جابر في رجل يبيع من رجل متاعا ً نسيئة؟ قال: لا بأس أن يشتري منه ذلك المتاع بعينه بأقل أو أكثر، (١) بكوش يحيى: المصدر نفسه. (٢) الأزكوي أبو جابر محمد بن جعفر:، الجامع لابن جعفر. تحقيق عبد المنعم عامر، نشر وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان، طبع مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاءه القاهرة، ُ .٤١٦ - ٤١٥/١ ،١٩٨١(٣) ٥٨٧ . ينظر: ابن /٢ ، باجو مصطفى: منهج الاجتهاد عند الإباضية، أطروحة الدكتوراه، ١٩٩٩ .٣٥٢/ بركة: الجامع، ٢ قال الكوفيون : الشراء الثاني فاسد، وهو ضرب من الربا(١) . فمن أجازه بنى أيجوز » على الظاهر، ومن منعه اعتبر الباعث، وقد أجاب ابن بركة عن السؤال بيع العنب ممن يتخذ منه الخمر والبسر ممن يتخذ منه الفضيخ إذا لم يقل إنما اشتريته منكم لأتخذ منه الخمر والفضيخ؟ قيل له: يجوز، ولا نأمر به بل ننهى عنه، فإن قال: لم جوزتم ذلك؟ قيل له: قد يجوز بيع الطعام على أهل الذمة في شهر رمضان مع علمنا بأنهم « يأكلونه في ذلك الوقت المحرم عليهم(٢) . وعل ﱠ وفي هذا النص نقاش حول » : ق الفقيه باجو على هذا النص بقوله بعض تعليلاته، والذي يعنينا منه دلالته على اعتبار الباعث في منع هذا البيع، فإذا تحقق القصد السيئ منع صاحبه من ذلك التصرف، وإلا كان الأمر الجواز بناء على الظاهر، والله يتولى السرائر « (٣) . لا يجوز عندنا بيع يتذرع عارض لمتبايعين، كبائع » : قال الثميني في النيل ٌ سلعة بعشرة نقدا ً ، ثم يأخذها من مشتريها بشراء بعشرين لأجل، فيؤول إلى دفع عشرة بعشرين مؤجلة والسلعة بينهما، وهو تارة يؤول إلى ما ذكر، وتارة إلى: أنظرني وأزيدك، وإلى وضع وتعجل ْ ، كبيع سلعة بعشرة مؤجلة، ثم ترد َْ ﱠ بثمانية قبل الأجل بلا مطالبة بزيادة عنده، وإن طولبت آل إلى أنظرني وأزيدك، « وعلى بيع ما لا يجوز نسيئة(٤) . والقصد من بيع الذرائع أو العينة هو التوصل ولو لم ،« للوسائل حكم المقاص د » به إلى الربا ونحوه من المحرمات؛ لأن تصحبها نية سيئة (٥) . (١)الربيع بن حبيب: آثار الربيع، مخطوط مصور، ص ١٢ . جابر بن زيد، جوابات الإمام جابر، .١١١ - ١١٠(٢) .٣٥٢/ ابن بركة: الجامع، ٢(٣) .٥٨٧/ باجو مصطفى: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ٢(٤) ٤٥٧/ الثميني: كتاب النيل وشفاء العليل، ٢ - .٤٥٩ (٥) الخليلي أحمد بن حمد: فتاوى المعاملات، الكتاب الثالث، نشر مكتب الأجيال، سلطنة = وقد عل ﱠ ق المحقق عبد الرحمن بكلي على عبارة الثمين ي، وبين حكم هذه ٰﱠ مجمل القول في حيل » : البيوع والقصد منها، وما يترتب عليها من أحكام فقال ِ الربا إنها داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال ب النيات » « (١) . فمتى سلم قصد َ المتدائنين من الربا جاز عند الله، أما إذا قصدا بذلك التوصل إلى الربا، فذلك «... محرم عند الله وباطل في الحكم(٢) . وينبه البكري إلى الحيلة التي يلجأ إليها الناس عند حاجتهم إلى القرض ّ اعتاد الذين يضطرون إلى اقتراض مبالغ مالية أن يتذرعوا بحيل تكتسي » : فيقول وهي في الحقيقة من بيع ،« صورة البيع المباح يطلقون عليها اسم المعاملة العينة المنهي عنه، حملهم على ذلك احتراز البعض على زعمه من تعاطي الربا كفاحا ً ؛ ذلك أنهم يتفقون أولا ً على مبلغ القرض، وعلى أجله، وعلى ّ نسبة الفائض، ثم يعمدون بعد ذلك إلى سلعة قد لا تساوي المبلغ المتفق عليه، فيتظاهر المستقرض بشرائها من المقرض بعشرة لثلاثة أشهر مثلا، ً ثم يبيعها للذي اشتراها منه بتسعة نقدا ً ، فيؤول الأمر إلى أخذ تسعة حاضرة ليدفع عشرة بعد ثلاثة أشهر والسلعة بينهما حيلة، وهو ما قصداه من أول الأمر. ثم يقرر بعد ذلك أن هذه الحيلة قد تنطلي على الحاضرين، ولا يدركوا مقاصد المتعاقدين، ولا أبعاد هذا العقد، ولكن لا يمكن أن تخفى على الله والحق أن الاحتيال والتستر على من لا يخفى » : عالم الغيب والشهادة، فيقول عليه شيء في الأرض ولا في السماء بكيفيات ظاهرها الإباحة والجواز، وباطنها الحظر والحرمة، لا يؤثر في تغير الحكم شروى نقير، ولا يخرجون ِ بذلك من زمرة المرابين الذين أذنوا بحرب من الله ورسوله، وما أحراهم أن = عمان، إعداد ومراجعة قسم البحت العلمي بمكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ُ سلطنة ع ُ . ١٤٢٢ ه/ ٢٠٠١ م، ص ٤٩ ، مان، ط ١(١) سبق تخريجه. (٢) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٤٥٨/ تعليقات على كتاب النيل وشفاء العليل، ٢ يصدق في حقهم قوله تعالى: ﴿ A@?>=<;: IHGFEDCB ﴾ (ال نساء: ١٠٨ (. ولقد نعى الله على اليهود احتيالهم إذ حرم عليهم الصيد في السبت، فألقوا شباكهم يوم الجمعة ليستخرجوها يوم الأحد، اتقاء لصيد يوم السبت على زعمهم ، وعد ﱠ ذلك منهم اعتداء في السبت، كما لعنهم الرسول صلى الله عليه وسلم على « احتيالهم، كما حرم الله عليهم أكل الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها(١) . ِ وبعد أن وضح البكري حقيقة بيع العينة وحكمه خل ُ ص إلى القول بأن ّ من ﱠ أسباب ضعف المسلمين وتردى أوضاعهم هو: الوقوع في الربا وتعاطيه بعلل واهية، وهذا ما نلاحظه في واقعنا المعاصر، على حد عبارته: ...» ولعل ما وصل إليه أمر المسلمين من الضعف والوهن وسوء الحال، إنما هو من ارتمائهم في أتون الربا الذي لا يبقي ولا يذر، وانسياقهم وراء الأمم الكافرة في معاملاتها، غير مبالين بأحكام الله ولا بوعيده ونقمته، استهوتهم البنوك ُ بقروضها التي ربما خففت عنهم أول الأمر بعض ضائقتهم فيتخيلون أن بها حل ّ لأزمتهم، فيتحمون غمارها ويجذبهم تيارها، حتى إذا ما توسطوا ل ُ جيها ﱡﱠ وأوثقتهم بحبالها وانبث سرطانها في جهازهم الاقتصادي، أصبحوا كالجمل المحرنجم إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر، أمام هوة الإفلاس تبتلع طريفهم وتالدهم، وتلك هي العاقبة التي حذر الله منها عباده المؤمنين: ﴿ 98 <;: ﴾ (ال بقرة: ٢١٦ ( . ألا فلينزه المسلمون مقاصدهم في معاملاتهم وجميع تصرفاتهم، وليباعدوا الربا على اختلاف مظاهره، وليحذروا من حرب « الله، فمغالب الله مغلوب، ومحاربه محروب، والذكرى تنفع المؤمنين(٢) . ُُ (١) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه، رقم: ٢١١١ ، عن أبي هريرة. ومسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، رقم: ١٥٨١ ، عن جابر بن عبد الله. (٢) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٤٥٨/ فتاوى البكري، ٢ - .٤٥٩ وبعد هذا البيان الشافي الذي لا يحتاج إلى تعقيب، فلا نملك إلا التسليم بما قرره البكر ي، ولعله يمث ّ ل ع َ ين الصواب لمن تجرد عن الذات، وسمع لمنطق الشرع والعقل، والعاقل تكفيه الإشارة. ٥ بيع الإقالة: ومن بيوع الذرائع والحيل بيع الإقالة(١) : وهو أن يبيع شخص لغيره شيئا ً مما يملك، ويشترط البائع الإقالة إلى مدة معينة، فإن مضت المدة لم يبق له حق فيها(٢) ، ويطلق عليه الحنفية بيع الوفاء(٣) . ويسمى كذلك ٍ وعرفت التولية بتصيير مشتر ما اشتراه » : بيع التولية، وقد عرفه الثميني بقوله ّ لغيره من بائع أو غيره، بمثل ثمنه على أنها ليست بيعا ً ، أو بخلافه على أنها والإقالة بترك مبيع لبائعه بثمنه على أنها فسخ أو » : وعرف الإقالة بقوله ،« بيع ﱠ « بخلافه وإن لغيره على أنها بيع(٤) . وعند تدقيق النظر في مفهوم التولية والإقالة، يظهر الفرق بينهما وهو: أن الإقالة معناها أن يترك المشتري لنفس البائع لا لغيره حق استرجاع ما اشترى منه بنفس الثمن، بخلاف التولية فإنها أعم، بمعنى أنها لا تقيد بذات ّ والتولية والإقالة » : البائع بل تكون للبائع ولغيره. قال أبو العباس في بيان ذلك بيع من البيوع، وتجوز التولية من المشتري للبائع وغيره من الناس بالثمن (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٢٤٩/ المرجع نفسه، تعرض إلى بيع الوفاء أو الإقالة، ١(٢) . الخليلي أحمد بن حمد: فتاوى المعاملات، الكتاب الثالث، ص ٧٢(٣) بيع الوفاء الذي أجازه الحنفية للضرورة كمخر َ ج من الربا، وحقيقته: أن يبيع المدين سلعة للدائن بما عليه من د َ ين بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع؛ فهذا البيع بهذا الشرط يؤول إلى أن السلعة تبقى في يد المشتري كوثيقة بالدين، فإذا قضى المدين دينه رد المشتري السلعة، وفي فترة البيع له أن يستعملها، فهذا هو الرهن حقيقة، ولكن لا يجوز له استعمال عين الرهن، فلا يصح بيع الوفاء، ومما يدل على أنه رهن أن المشتري لا يستطيع أن يبيع ما اشتراه، فهو كالعين المرهونة. ينظر: ابن عابدين، حاشيته على الدر . ٢٧٦ . وشبير محمد عثمان، القواعد الكلية والضوابط الفقهية، ص ١٢٤ / المختار، ٥ (٤) .٥٢٣/ الثميني عبد العزيز: كتاب النيل وشفاء العليل، ٢ الأول، أو أقل منه، أو أكثر بالوفاق أو بالخلاف ولم يحتاجوا إلى ذكر الثمن في التولية إذا عرفوه... وكذلك الإقالة لا تكون إلا للبائع، ومنهم من يقول: تجوز الإقالة لغير البائع، ولا تحتاج فيها أيضا ً إلى ذكر الثمن، ويكون بالثمن الأول، أو أقل منه أو أكثر، ويكون بوفاق الثمن وخلافه، ويكون في كل «... الشيء، أو في بعضه(١) . الفرق بين الإقالة والرهن: اختلط في هذا العصر مفهوم الرهن بمفهوم بيع الإقالة عند كثير من الناس، مما أوقعهم في المحظور، فما الفرق بينهما؟ ي ُ عرف الفقهاء الرهن بأنه: توثيق مادي للد ﱠ ي ْ ن بتسليم المدين إلى الدائن ﱢ عينا ً يمتلكها المدين لتبقى في يد الدائن إلى أن يستلم حقه من غير أن يستغلها َ ِ وينتفع بريعها، وإنما تبقى في يده ضمانا ً لحقه، وقد أرشد الله إلى ذلك في حال السفر عند فقدان الكاتب بقوله: ﴿ " &%$# ' )( * ﴾ (ال بقرة: ٢٨٣ (. والفرق بينه وبين بيع الإقالة: أن بيع الإقالة كما عرفه الشيخ أحمد الخليلي ﱠ هو نقل » ٌ لملكية العين المبيعة من البائع إلى المشتري حالا ً عند من يقول بثبوته مع بقاء حق الإقالة للبائع إلى مدة يتفقان عليها، وبعد انتهاء مدة الإقالة عند من يقول بوقفه في حال عدم مطالبة البائع بحقه في الإقالة إلى « انتهاء مدتها(٢) . وقد اختلف فقهاء الإباضية وغيرهم في حكمه، فمنهم من ذهب إلى جوازه، ومنهم من حرمه(٣) . (١) . أبو العباس: كتاب أبي مسألة، ص ٩٥(٢) . الخليلي أحمد: فتاوى المعاملات، ص ٥٨(٣) ١٠٦ وما بعدها. / الشماخي: الإيضاح، ٦  أ أما الذين ذهبوا إلى جوازه: فقد قيدوه بشروط، فإذا اختلت هذه ﱠ الشروط بطل البيع، وتتمثل فيما يلي: ﻥﺃ ﻥﻮﻜﻳ ﻦﻤﺜﻟﺍ ﺮﻌﺴﺑ ﻝﺩﺎﻋﻻ ﻝﻼﻐﺘﺳﺍ ﻪﻴﻓ ﺔﺟﺎﺤﻟ .ﻊﺋﺎﺒﻟﺍ ١ـ ﻥﺃ ﻥﻮﻜﻳ ﺪﺼﻗ ﻱﺮﺘﺸﻤﻟﺍ ﻦﻣ ﻊﻴﺒﻟﺍ ﻚﻠﻤﺗ ﻞﺻﺃ ﻦﻴﻌﻟﺍﻻ ﺩﺮﺠﻣ ﻉﺎﻔﺘﻧﻻﺍ ٢ـ .ﺔﻠﻐﻟﺎﺑ ﻥﺃ ﺩﺮﻳ ﻊﺋﺎﺒﻟﺍ ﻦﻴﻌﻟﺍ ﺔﻌﻴﺒﻤﻟﺍ ﻰﻟﺇ .ﻱﺮﺘﺸﻤﻟﺍ ٣ـ ﻻﺃ ﻰـﻘﺒﻳ ﻊـﺋﺎﺒﻟﺍ ﻲﻓ ﻦﻴﻌﻟﺍ ﺔﻌﻴﺒﻤﻟﺍ ﺎﻬﻠﻤﻌﺘـﺴﻳ ﻞـﺑﺎﻘﻣ ﺭﺎﺠﻳﺇ ﻖﻔﺘﻣ ﻪﻴﻠﻋ ٤ـ . ﻪﻌﻓﺪﻳﻱﺮﺘﺸﻤﻟﺍ (١) ومن الذين ذهبوا إلى جوازه من الإباضية منهم: أبو العباس أحمد الفرسطائي والثمين ي، يقول أبو العباس في بيان حكم بيع الإقالة والتولية: وتجوز الإقالة والتولية فيما يجوز فيه البيع، وترد بما يرد به البيع، وينفسخ » «(٢) بما ينفسخ به البيع أيضا ً . (١) فقال: روي أن « الإيضاح » نقل عامر الشماخي دليل مشروعية الإقالة والتولية في ّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل السوق وقال: يا أهل البقيع لا يفترق البائعان إلا عن تراض، والقياض بيع، والإقالة » « بيع، والحوالة بيع، والتولية بيع ٥١١ . لم / ينظر: الإيضاح، ط ٥، نشر مكتبة مسقط، ٣ نعثر على هذا اللفظ، ولعل الزيادة التي جاءت في آخر الحديث من كلام الرواة. أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف، كتاب البيوع، باب: البيعان بالخيار ما لم يفترقا حديث رقم: ١٣٧٩٠ عن أبي قلابة عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي أنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل البقيع فنادى بصوته: « يا أهل البقيع، لا يتفرق بيعان إلا عن رضى » . والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب البيوع باب: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار حديث رقم: ٩٨٠٧ عن أنس بن مالك. وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب البيوع والأقضية، من قال: لا يتفرق بيعان إلا عن تراض حديث رقم: ٢١٩٤٩ . وأخرجه أحمد بن حنبل في مسند أبي هريرة 3 حديث رقم: ١٠٧٠٨ بلفظ: لا يتفرق المتبايعان عن بيع، إلا عن » تراض .« وحسنه الألباني. (٢) . أبو العباس أحمد: كتاب أبي مسألة، ص ٩٥ ويقول الثميني أيضا ً : وجازتا في جائز بيعه بعدا، وهما بيع على » المختار، وجازت تولية بنقد ونسيئة فيما اشترى مطلقا ً ، لا لبائع، وكذا الإقالة إن قلنا بإجازتها وإن لغير البائع وجازت مطلقا ً ما لم تؤد لتذرع « لربا(١) . ِ ولم يكتف أبو العباس بإباحة هذا البيع بل رغ ﱠ ب فيه لما يعود على المقيل ُ من منافع دنيوية وأخروية، وحذر من منع البائع من الإقالة والتولية فقال: والتولية والإقالة لا ينبغي لمن يمنعها من البائع أن ينالهما، لما فيهما من »الفضل، وتكفير السيئات، واليمن والبركة في مال من أقال لصاحبه، ونزوع ُْ « البركة من مال من منعهما(٢) .  ب أما الذين ذهبوا إلى تحريمه: فقالوا إن هذا البيع ذريعة إلى التوصل إلى الربا، بل هو الربا بعينه؛ لأن هذا العقد ينطوي على أربعة وجوه كلها شديدة التحريم: أولها: اجتماع عقدين في عقد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيع(٣) . أي: عقدين في عقد. ِ ثانيها: أنه ربح ما لم يضمن، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع ُْ ِن(٤) ما لم يقبض، وربح ما لم يضم . َُ َُُْ ثالثها: وجود أكثر من شرط في العقد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرطين (١) ٥٢٣/ الثميني: كتاب النيل، ٢ - .٥٢٤ (٢) . أبو العباس: المرجع السابق، ص ٩٥(٣) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب فيمن باع بيعتين في بيعة، رقم: ٣٤٦١ ، والترمذي، حديث » : كتاب البيوع، باب النهي عن بيعتين في بيعة، رقم: ١٢٣١ ، عن أبي هريرة. وقال .« حسن صحيح(٤) رواه الربيع، كتاب البيوع، باب ما ي ُ نهى عنه من البيوع، رقم: ٥٦٣ ، عن جابر بن زيد مرسلا ً ، والترمذي، كتاب البيوع، باب كراهية بيع ما ليس عندك، رقم: ١٢٣٣ ، عن حكيم بن حزام، وابن عمرو. في البيع(١) ، وقد اجتمعت في هذا العقد ثلاثة شروط وهي: الإقالة والإيجار وتحديد الأجرة. (٢) رابعها: أن فيه تذرعا ً إلى الربا، وكفى به إثما ً مبينا ً .  ج المذهب ا لثالث: أنه بيع موقوف، وقد أجاز أصحاب القول هذا البيع ولكنه موقوف إلى نهاية مدة الإقالة، أي لا يمكن للمتعاقدين الاستفادة من منافع العين حتى تنتهي مدة الإقالة، فإما يطالب به البائع فله حق الانتفاع بملكه، وإما لا يطالب به فتنتقل ملكيته إلى المشتري، فله الحق في الانتفاع به، ويصبح حكمه حكم الرهن الشرعي الذي يختلف عن الإقالة، فهو ما يمسكه ذو الحق من عين مملوكه وثيقة إلى أن يؤدي إلى المدين حقه، ولا يجوز للمرتهن أن ينتفع بتلك العين المرتهنة، وإنما تبقى في يده وثيقة في حقه.  د منشأ الخلاف وثمرته : يشير الشماخي إلى سبب الخلاف في بيع والأصل في ذلك فيما يوجبه النظر: هل الأصل في اختلافهم » : الإقالة فيقول في القيلولة هل هي بيع من البيوع أم فسخ بيع؟ فإذا كانت بيعا ً من البيوع، فالبائع وغيره فيها سواء، وإذا كانت فسخ بيع فهي مخصوصة بالبائع « لا غيره(٣) . وأثر هذا الخلاف في الجواز يظهر فيمن له الحق بالانتفاع بالعين إذا تأجرت باتفاق عليه قبل العقد أو بعده، فعند من يقول بثبوته يقول: للشاري ّ مغنمه وعليه مغرم ه، أي له غلته وعليه نفقاته، عملا ً بالقاعدة الفقهية المشهورة الغنم بالغرم » « ولكن اشترط هؤلاء أن يقصد في الشراء ،« الخراج بالضما ن » أو (١) رواه الدارمي، كتاب البيوع، باب في النهي عن شرطين في بيع، رقم: ٢٥٦١ ، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، رقم: ١١٩١ ، عن ابن عمرو. وقال: .« وهذا حديث حسن صحيح » (٢) . الخليلي أحمد: فتاوى المعاملات، ص ٧٢(٣) ٥١٢/ الشماخي: الإيضاح، طبعة مكتبة مسقط، ٢٠٠٤ م، ٣ - .٥١٣ ٍ الأصل من أول الأمر، فإن قصد الغلة ولم يقصد الأصل، فهو مراب على حد ّ ُ عبارة السالمي إذ قال معللا ً : لأن قاصد الغلال مراب » .« وعند من يقول بوقفه، فالغلة والنفقات موقوفة إلى أن تمضي مدة الإقالة، فإن مضت كان لمن صار إليه الأصل المغنم، وعليه المغرم(١) . يقول أبو العباس في هذا المعنى: ...» وما كان من نماء الشيء وغلائه في حال البيع فهو مع الشيء في الإقالة والتولية إلا أن يستثنيه المشتري، ِ وما حدث بعد البيع من النماء والغلة فلا تجر الإقالة إلا ما يجره البيع من ْ «(٢) ذلك أيضا ً. ويقول الثميني أيضا ً : ...» وما انتفع به مشتر من غلة مبيع وخدمته، كنتاج وسكنى ولباس لا يلزمه إخبار به إن أقال (إقالة)، أو ولي ِ (تولية)، إلا ما قام َ بوقتهما فيتبع، كصوف ولو جز ّ ، وتمر وإن صرم، ولزمه غرمه إن تلف إلا إن «... استثناه وجزتا ما يجره البيع(٣) . مجمل القول: بعد بيان حقيقة بيع الإقالة وأحكامه وآثاره، يظهر أن كل فريق قد اعتمد في مذهبه على أدلة تسوغ له ترجيح جواز هذا البيع أو تحريمه، فمن ذهب ﱢ إلى جوازه، نظر إلى ظاهر البيع، واعتبره مختلفا ً عن الرهن، وليس فيه إضرارا ً لأحد المتعاقدين، ولا نية التذرع إلى الربا، بل فيه مصلحة للطرفين، يستطيع المشتري الاستفادة من العين مباشرة بعد انتقال ملكيته إليه، وله حق الانتفاع بها، ومقابل ذلك يتحمل الأضرار والنفقات التي تترتب عليه، وما عليه إلا الالتزام بشرط الإقالة للبائع إذا طلب منه ذلك. وأما البائع فإنه يستطيع استرداد (١) . الخليلي أحمد: فتاوى المعاملات، ص ٧٢(٢) أبو العباس: كتاب أبي مسألة، ص ٩٥ - .٩٦ (٣) .٥٢٤/ الثميني: كتاب النيل، ٢ ملكه، كالدار أو المحل متى أراد قبل انتهاء مدة الإقالة المتفق عليها في العقد، وبذلك إن كان قلبه ما زال معلقا ً بملكه فله حق المطالبة به؛ لأنه قد تحدث للمرء أحوال قاهرة يحتاج فيه إلى المساعدة، كأن يقع في ضائقة مالية فلا يجد من يقرضه، فيلجأ إلى الرهن أو البيع، وبعد خروجه من الضائقة بفضل عقد الإقالة، يحق له المطالبة باستيراد منزله مقابل الثمن الذي دفعه للمشتري. أما الذين حرموا هذا البيع فنظروا إلى المقاصد والغايات منه، فإذا ظهرت دوافع المتابعين وبواعثهما وهي التذرع بالبيع للوصول إلى الربا كأن يتفقا في العقد على أن يستأجر البائع ذلك المحل من المشتري وينتفع بالإيجار أو بالغلة، فيكون ذلك دليلا ً ظاهرا ً على الاحتيال، فهنا يتدخل الشرع فيسد باب الذريعة، ويحرم ذلك البيع؛ لأنه مخالف للنصوص الثابتة في الشرع كما تقدم. وبعد البحث في المصنفات الإباضية لم أعثر في فقهائهم قديما ً وحديثا ً من تصدى لهذا البيع وأجلى حقيقته، وبين مخاطره، فحرمه صراحة سد ّ ا ً ﱠ للذرائع الموصلة إلى الربا، لما وجد العوام تستعمله حيلة للقرض، أو للانتفاع من العين المباحة أو بالتحايل بتسميته رهنا ً. ومن رجح هذا الرأي وأخذ به بعد بيان حقيقته ومقاصده شيخنا أحمد بن ما قولكم » : حمد الخليلي بمناسبة إجابته عن سؤال ورد إليه يقول فيه السائل فيمن أراد بيع شيء من ممتلكاته، كبيته الذي يسكنه، أو دكانه الذي يتجر به، أو مائه الذي يسقي به ماله الأخضر بيع إقالة لمدة معينة، فهل يلزم البائع تسليمه للمشتري أو لا؟ وهل يحل ّ «؟ للمشتري أخذ خراجه قبل قبضه أو لا بيع الإقالة من البيوع المستحدثة التي لم تكن معروفة عند » : فأجاب الرعيل الأول من هذه الأمة، وإنما حدث في القرن الخامس للهجرة (١) (١) مما يؤكد ما ذهب إليه أن أبا العباس أحمد الفرسطائي الذي عاش في القرن الخامس الهجري = بسمرقن د، ومن هناك انتشر في بقاع كثيرة من الأرض، وقد اختلفت فيه الأمة بين موسع ومضيق، وكان اللجوء إليه من الحيل التي استعملها بعض الفقهاء ﱢ ُﱢ للاستغناء به عن المعاملات الربوية الصريحة، ولا أراه حسب تعامل الناس به في عصرنا إلا ربا ً خفيا ً ، والله يعلم السرائر من عباده، وبما أن من الأصول ّ المتبعة عندنا في المذهب (الإباضي) وعند كثير من أهل المذاهب الأخرى سد الذرائع، فإني أرى منعه بتاتا ً من الضرورة بمكان لحماية الأمة من آفة ِ الربا، ولا أدل على كونه من ذرائع الربا من أن أغلب عوام الناس المتعاملين به لا يعرفونه بيعا ً ، بل يسمونه رهنا ً ، وما هو إلا دليل واضح أن المتعاملين به لم يقصدوا إلا الإقراض الذي يجر نفعا ً باستغلال المشتري عين المبيع إلى أن يسترده البائع بالإقالة المعهودة، وفي هذا من وضوح الحقيقة ما لا يخفى على .« ذي لب من كون المشتري لم يقصد إلا الغلة وقد بين أن المجيزين لهذا البيع اشترطوا أن يقصد المشتري أصل ّ وهو أن أصحابنا » : الملك ولا يقصد غلته ومنافعه، فيقول في هذا الصدد الذين قالوا بأنه بيع منجز مع مراعاة شرطه اشترطوا في جواز استغلال المشتري للعين المبيعة أن يكون قصده الأصل لا الغلة، ونصوا على أن « قصد الغلة هو الربا بعينه(١) . ثم بين بعض المخالفات الشرعية التي يرتكبها المتبايعين بعد العقد ﱠ هذا والأدهى من ذلك أنهم يبيعون من هذه المبيعات » : متسترين به فيقول ِ ما لا عل ْ م للمشتري بعينه، بل كثيرا ً ما تكون العين المبيعة مشغولة بعقد آخر، كأن تكون مؤجرة على أحد من الناس، فيكتفي المشتري بتحويل الإيجار إليه ِ من غير قبض للمبيع، بل ولا علم به إلا بمقدار الأجرة التي تتقاضى عليه في = (ت: ٥٠٤ ه) يعتبر الأول من تحدث عنه في كتابه أبي مسألة ولم أعثر على أحد من قبله . تعرض له بالذكر حسب ما توصلت إليه، ينظر: أبو العباس، كتاب أبي مسألة، ص ٩٥(١) . الخليلي أحمد بن حمد: فتاوى المعاملات، ص ٥٧ الشهر أو العام، مع أن بيع ما لم يكن فارغا ً من العقود غير جائز، وكثير من المتبايعين يتفقون على أن يستأجر البائع العين المبيعة من المشتري من أول الأمر مع تحديد الإيجار، وذلك بطبيعة الحال داخل فيما يسمى بيعين في بيع أي: عقدين في عقد وقد ن ُ هي عنه وداخل أيضا ً في باب الشرط في بيع، « وغير ذلك المحظورات(١) . وبعد هذا التحليل القيم للمسألة وتحديد أبعادها، صرح الخليلي برأيه الذي لم يترك فيه مجالا للمساومة على حساب أصول الشرع الحنيف فقال: لذلك أجنح إلى منع هذا البيع رأسا » ً لما يكتنفه من المناهي، وقد اتفق علماء ع مان في عهد أحد أئمة العدل على منعه وهو رأي وجيه حازم، ولئن كان ُ أولئك الأعلام رأوا ذلك في تلك العصور، التي كان الناس فيها أكثر احتياطا ً ، وتوقيا ً للمحجور، فما بالك بهذا العصر الذي لعبت فيه الأهواء بالناس وذهبت « بنفوسهم كل مذهب(٢) . الرأي المختار: ولعل ما ذهب إليه الخليلي وغيره من الإباضية من تحريم بيع الإقالة هو الرأي الذي نختاره ونرجحه في هذا الأمر، وينبغي العمل به، سد ّ ا ً للذرائع، ومنعا ً لكل باب يوصل إلى الربا الذي انتشر في عصرنا، وكثرت أسبابه دفع المفسدة » ومشجعوه، وكذلك مراعاة لقواعد الشريعة التي تنص على أن وحفظ المال من مقاصد الشريعة العامة. ،« أولى من جلب المصلح ة ج تحريم نكاح التحليل: ومن العقود التي تتخذ ذريعة لتحليل الحرام وإباحة السفاح نكاح التحليل. وحقيقته أنه إذا بانت المرأة من زوجها بثلاث تطليقات لم يحل له مراجعتها (١) الخليلي أحمد: المرجع نفسه. (٢) .٥٨ - الخليلي: نفسه، ص ٥٧ حتى تنكح زوجا ً غيره ثم يطلقها، هذا ما نص عليه القرآن صريحا ً : ﴿ Í àßÞ Ý ÜÛ Ú Ù Ø×Ö Õ ÔÓ Ò ÑÐÏ Î ìëêéèçæåäãâá ﴾ )البقرة : (٢٣٠ ، ولكن إذا تزوجها هذا الأخير بنية طلاقها وعلم بنيته بقرائن الحال، كان النكاح محرما ً ، ُ وقد سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالتيس المستعار. وصورة هذا العقد الظاهرة أنه صحيح وتام، قد استوفى كل شروطه، ولكن لما وجد قصد التحليل وهو محرم شرعا ً ؛ لأنه لا يريد به في الحقيقة النكاح الشرعي المعلن عنه، وإنما هو حيلة لتحليل هذه المرأة لمطلقها. وقد أجمع الإباضية وغيرهم(١) على تحريم نكاح التحليل وفساده، ويفسخ قبل العقد وبعده، سواء أكان التحليل مشروطا ً في العقد أم قبله، أم منويا ً فقط، ويكفي في ذلك نية المحل ﱢ ل، فلا يجوز لمن فعله معاشرة ّ الزوجة، ولا تحل به لزوجها الأول، ويأثم الولي والشهود والمرأة إن علموا بذلك(٢) . واعتبروا أن المحلل (وهو الزوج الثاني) هو الذي يضر بالعقد أكثر إذا قصد بنكاحه التحليل، وأما نية المطلق ونية المطلقة ثلاثا ً إذا نويا بزواج ﱠَ المطلقة للثاني مجرد التحليل، فإنها لا قيمة لها؛ ذلك لأن الزوج الثاني هو الذي بيده الطلاق، فإذا نوى التحليل ف َ قد َ شرطا ً أساسيا ً ينبني عليه الزواج، ّ وهو دوام العشرة المقصودة من الزواج(٣) . (١) وهو رأي المالكية والحنابلة، أما الشافعية والحنفية فقالوا: إن التحليل إن لم يشرط في العقد، ٢٦٦ . ابن عبد البر: الكافي في فقه / فالنكاح صحيح. راجع أحمد الصاوي: بلغة السالك ٢ أهل المدينة، ص ٢٣٨ . ابن تيمية: مجموع فتاوى النكاح وأحكامه، ص ٢٠٤ . أبو الحسن .٢٥٨/ المرغيناني: الهداية، ٢ (٢) . الجناوني أبو زكرياء يحيى: كتاب النكاح، ص ٢٩(٣) مصطفى أرشوم: النكاح صحة وفسادا ً وآثارا ً . في المذهب الإباضي، ص ٢٢٧ وحكم الإباضية على هذا العقد أنه إذا تبين هذا القصد السيئ بأن علمه َّ أحد الثلاثة: الزوج أو الخاطب أو المرأة، لم تحل الزوجة لزوجها الأول، ولو ندم الزوج الثاني بعد زواجه؛ لأن نكاحه بني على هذا القصد، فلا اعتداد به ُ في تحليل الزوجة(١) . إنما يأتي الفساد من » : نقل القطب أطفيش عن أصحاب الديوان قولهم ّ الأخير إن أراد التحليل، فإن علم به الأول فلا يتزوجها، وإن اتفقا المحلل والمحلل له لا المرأة فلا تحل له بإرادة التحليل، وإن اتفق مع زوجها فتزوجت غيره بلا اتفاق معها أو به معه، لم يحل لها الأول، وإن تزوجها المحلل على اتفاق منهما لتحليلها فلا يمسها ولا يمسكها، وإن مسها أصدقها وثبت ولده، ولا تحرم عليه، وقيل: إن تابا فلهما أن يقيما على نكاحهما، وقيل: تحرم عليه، وإن لم يرد إلا قضاء وطره كعابر سبيل وغيره فلا عليه، وإن أراد « قضاء الوطر والتحليل لم يحل له ذلك(٢) . أدلتهم: استدل الفريقان (المانعون والمجيزون لنكاح التحليل) بأدلة من القرآن والسن ﱠ ة، من ذلك: ﱡ أ أدلة الجمهور: استدل الإباضية وغيرهم على تحريم نكاح التحليل بأحاديث مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة رضوان الله عليهم نذكر منها. (١)٧٣ . بل ذهب / جابر بن زيد: من جوابات الإمام جابر، ص ١٤٨ . الخراساني، المدونة، ٢ ابن حزم إلى أنه إذا صرح بالتحليل في العقد كان زنى موجبا ً للحد ﱢ لقول عمر 3 : لا » أما إذا لم يتبين قصد التحليل فالنكاح صحيح بناء على .« أوتي بمحلل ومحلل له إلا رجمته .٢٤٩/ الظاهر. ينظر: ابن حزم: المحلى، ١١(٢) .٣٧٥/ أطفيش أمحمد: شرح كتاب النيل ٧ . ﻦﻋ ﻦﺑﺍﺩﻮﻌﺴﻣ 3 :ﻝﺎﻗ ﻦﻌﻟ» ﻝﻮﺳﺭﷲﺍ ﷺ ﻞﻠﺤﻤﻟﺍ ﻞﻠﺤﻤﻟﺍﻭﻪﻟ« (١) ١ـ ﻦـﻋﻭﺔﺒﺘﻋ ﻦـﺑ ﺮﻣﺎﻋ :ﻝﺎـﻗ ﻝﺎﻗ ﻝﻮـﺳﺭﷺ » : ﻻﺃ ﻢﻛﺮﺒﺧﺃ ﺲﻴﺘﻟﺎﺑﺭﺎﻌﺘـﺴﻤﻟﺍ ، ٢ـ . :ﺍﻮﻟﺎﻗ ﻰﻠﺑ ﺎﻳﻝﻮﺳﺭ ﷲﺍ :ﻝﺎﻗ ﻮﻫﻞﻠﺤﻤﻟﺍ ؛ ﻦﻌﻟ ﷲﺍ ﻞﻠﺤﻤﻟﺍ ﻞﻠﺤﻤﻟﺍﻭﻪﻟ« (٢) ﻯﻭﺭﻭ ﻢـﻛﺎﺤﻟﺍﻲـﻧﺍﺮﺒﻄﻟﺍﻭ ﻦـﻋﻊـﻓﺎﻧ ﻪـﻧﺃ :ﻝﺎـﻗ ﺀﺎـﺟ ﻞﺟﺭ ﻰـﻟﺇﺮﻤﻋ ﻦﺑ ٣ـ ﻪﻟ ﻦﻋ ﺮﻴﻏ ً ﺏﺎﻄﺨﻟﺍ 3 ﻪﻟﺄﺴﻓ ﻦﻋ ﻞﺟﺭ ﻖﻠﻃ ﻪﺗﺃﺮﻣﺍ ﺎﺛﻼﺛٌ ، ﺎﻬﺟﻭﺰﺘﻓﺥﺃ َﻌ ﺓﺮﻣﺍﺆﻣ ﺎﻬﻠﺤﻴﻟ ،ﻪﻴﺧﻷ ﻞﻫ ﻞﺤﺗ ؟ﻝﻭﻸﻟ :ﻝﺎﻗ ﻻ» ﻻﺇ ﺡﺎﻜﻧﺔﺒﻏﺭ ، ﺎﻨﻛ ﻧّﺪُ . ﻰﻠﻋ ﺪﻬﻋ ﷺ ﷲﺍ ﻝﻮﺳﺭ« (٣) ً ﺍﺬﻫﺎﺣﺎﻔﺳ ب أدلة القائلين بالجواز: أما الذين قالوا بالجواز إذا لم يشرط التحليل في العقد، فقد تعلقوا بعموم قوله تعالى في المطلقة ثلاثا ً : ﴿ ×ÖÕÔÓÒÑÐÏ ﴾(البقرة: ٢٣٠ ( . (١) ٤٢٨ . والنسائي في /٣ . رواه الترمذي وصححه في كتاب النكاح، حديث رقم ١١٢٠ ٤٥١ ،٤٤٨/ ١٤٩ . ورواه أحمد ١ / كتاب الطلاق ٦ - ٤٦٢ قال الشوكاني والصنعاني: حديث ابن مسعود صححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري، وقال الترمذي: حديث صحيح حسن العمل عليه عند أهل العلم، منهم: عمر وعثمان وعبد الله بن عمر وهو قول الفقهاء من التابعين، وله طرق أخرى أخرجها إسحاق في مسنده. ينظر: الشوكاني: نيل .٢٦٩/ ١٥٧ ، الصنعاني: سبل السلام ٣ / الأوطار ٦ (٢) رواه ابن ماجه في كتاب النكاح، حديث رقم ١٩٣٥ . قال الشوكاني والصنعاني: وحديث عقبة بن عامر أخرجه الحاكم وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالإرسال، وحكى الترمذي عن البخاري أنه استنكره. وقال أبو حاتم: ذكرته ليحيى بن بكير فأنكره إنكارا ً شديدا ً . راجع ١٩٩ ) وقال: هذا حديث صحيح / ١٥٧ . وأخرجه الحاكم ( ٢ / الصنعاني، سبل السلام، ٢ .(٣٢٦/ الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه ( ١ ١٧٠ ). وينظر: إرواء / وقد أورد الحافظ ابن حجر طريق حديث في التلخيص الحبير، ( ٣ .(٣١١ - ٣٠٧/ العليل ( ٦ (٣) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الطلاق، حديث رقم ٢٨٦٠ . وقال ٥٦٢ . وأخرجه الطبراني في / فيه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ٢ ٢٦٧ وقال: رجاله رجال الصحيح. / المعجم الوسيط كما في المجمع، ٤ وقالوا: وهذا زواج قد عقد بمهر وولي ورضاها، وخلوها من الموانع الشرعية، ُ وهو راغب في ردها إلى زوجها الأول، فيدخل في حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إلا نكاح رغبة » «(١) ، وهذا نكاح رغبة في تحليلها للمسلم كما أمر الله تعالى بقوله ﴿ ×ÖÕÔ ﴾ (ال بقرة: ٢٣٠ ( ، والنبي صلى الله عليه وسلمإنما شرط في عودها إلى الأول مجرد ذ َوق العسيل َ ة بينهما، فالعسيلة حل ّ ت له بالنص. َْ َُْْ وقالوا: إذا لم يدل النهي على فساد عقد النكاح، فأحرى أن لا يدل على بطلان التحليل(٢) . كما ردوا على أدلة المذهب الأول بأدلة أخرى تكلم فيها العلماء(٣) . ج منشأ الخلاف: ِ بعد عرض آراء المذهبين في مسألة نكاح التحليل، وذكر أدلتهم مع توجيهها حسب ما يؤيد وجهة نظر كل فريق، نجد أن أصل الخلاف يعود إلى فهم النصوص الواردة في القرآن والسن ﱠ ة، وتأويلها وفق الأصول والقواعد ﱡ المعتمدة لكل مذهب، فمذهب الحنفية والشافعية لا يعول كثيرا ً على النيات ّ والمقاصد والبواعث النفسية، فضلا ً عن إقلالهم من الأخذ بقاعدة سد الذرائع، ِ ومن ث َم كان تصحيحهم للعقد قضاء ما دام لم يشترط فيه التحليل أثناء العقد ًّ صراحة، حيث أن نظرتهم توجهت نحو صيغة العقد الظاهرة لا إلى البواعث والدوافع التي دفعت إليه، وبناء عليه فإن زواج المحلل بلا شرط صريح في العقد على التطليق؛ وإنما بالنية والقصد الباطن هو صحيح مكروه؛ لأن العقد قد استوفى أركانه لا شروطه في الظاهر ويتأثر العقد بالباعث الداخلي. (١) أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح، حديث رقم ١٩٣٤ - ١٩٣٥ . ونقل فؤاد عبد الباقي عن وفي إسناده زمعة بن » : مصباح الزجاجة تضعيفه، فقال عنه الحافظ ابن حجر في التلخيص .(١٧٠/٣) .« صالح وهو ضعيف (٢) .١٠٩١/ ابن رشد: بداية المجتهد، ٣(٣) . مصطفى أرشوم: النكاح في المذهب الإباضي، ص ٢٣٤ ٢٣٥ وقالوا أيضا ً : إن النهي الوارد في الحديث عن عقد نكاح المحلل لا يدل على فساد ما هو فيه، وإنما حملوا النهي على فساد هذا العقد لمن اتخذه مكسبا ً ، أو شرطه في العقد، أما من نوى ذلك في قلبه فمأجور ما دام غرضه الإصلاح. وخلافا ً لهذا المنهج فإن منهج الإباضية والمالكية والحنابلة لا يقفون عند صيغة العقد وظواهر الألفاظ، وإنما يتجاوزونها إلى النيات والدوافع التي دفعت إليه، طالما دلت عليها القرائن ودلائل كافية، كما أنهم عولوا كثيرا ً على ّ قاعدة سد الذرائع، ولذلك اعتبروا نكاح المحلل ولو لم يكن التحليل مشروطا ً ولا مصرحا ً به في العقد حراما ً باطلا ً مفسوخا ً ، لا تحل به المرأة لزوجها الأول؛ لأن الزوج الثاني قصد التحليل وهو ممنوع، والمعتبر هو قصده لا قصد َ الزوج الأول أو المرأة، عملا ً العبرة في العقود للمقاصد » : بالقاعدة الفقهية والمعاني لا للألفاظ والمباني .« وكذلك قالوا: إن اللعن الوارد في الأحاديث السابقة لا يكون إلا على ذنب كبير، والنهي على الشيء يدل على فساد المنهي عنه، وهذا الرأي يتفق مع مبدئهم في سد الذرائع بالباعث الداخلي، فالنية الباطنة تكون سببا ً لإبطال هذا العقد ولو بدون اشتراط هذا التحليل على المحلل(١) . ويؤيد ذلك ما جاء في جامع أبي الحواري نقلا ً عن ابن قيم الجوزية أنه لا فرق عند أهل المدينة وأهل الحديث وفقهائهم بين اشتراط ذلك » : قال بالقول، أو بالتواطؤ والقصد، فإن الق ُ صود في العقود عندهم معتبرة. والأعمال بالنيات، والشرط المتواطأ عليه الذي دخل عليه المتعاقدين كالملفوظ عندهم، والألفاظ لا تراد لعينها بل للدلالة على المعاني. إن هذا الزواج الصوري كذب (١)عبد الرحمن ٰ العدوي: الوسيط في الفقه، ص ١٦٩ ابن القيم: إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق عصام فارس الخرساني، ط ١، دار الجيل بيروت، ١٤١٩ ه/ ١٩٩٨ م، .٢٤٦ - ٢٣٢/٣ ِ وخداع لم يشرعه في دين ولم يبحه لأحد، وفيه من المفاسد والمضار « ما لا يخفى على أحد(١) . د مجمل القول: ِ مما تقدم يتضح أن كلا الفريقين سلك في حكمه على عقد التحليل مسلكا ً يتماشى مع قواعده وأصوله الفقهية في فهمه للنصوص وتأويلها، فمن اعتبر النية مؤثرة في العقد ولو لم يلفظ بشرط التحليل حكم بفساد العقد، ومن جعل اللفظ في العقود هو الأساس اعتبر شرط التحليل في صيغة العقد هو الذي يفسده، وعدم الشرط يجعل العقد صحيحا ً. ولكن إذا تأملنا رأي الإباضية ومن ذهب مذهبهم نجده يتوافق مع روح الشريعة ومقاصدها، والتي تدعو إلى مراعاة مصالح العباد الدينية والدنيوية ودفع المفاسد عنهم. كما أن ّ النصوص الشرعية الثابتة تؤيد هذا الرأي وتعضده، فقد عظم الله من شأن عقد الزواج وقال فيه: ﴿ <; => ﴾ )النساء : (٢١ . وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم المشهور الذي يجعل الأعمال بالنيات. كما أن الإسلام لا يرضى أن يعبث بهذه العقود التي تبنى على أساسها العلاقات الزوجية، ويكون سببا ً لدوامها واستمرارها، وليس من المعقول أن تترك هذه العلاقة ليعبث بها المحل ﱢ ل والمحللة والمحلل له بالتحايل على الشرع، متسترين خلف هذا العقد الظاهري؛ بل يجب أن نسد باب كل ذريعة تؤدي إليه ما دام المقصد الأصلي لهذا العقد هو التحليل فقط، ليس دوام العشرة الزوجية(٢) . (١) ١٢٥/ أبو الحواري محمد: جامع أبي الحواري، ٣ - .١٢٦ (٢) بدران أبو العينين بدران: الفقه المقارن، ص ٣٧٦ . الصباغ: الإيضاح في أحكام النكاح، ٢٧٩ . مصطفى أرشوم: النكاح في المذهب الإباضي، ص ٢٣٧ - .٢٣٨ وبناء عليه، فالراجح عندي هو تحريم هذا الزواج والحكم ببطلانه إذا تم ّ عقده؛ لأنه زواج لا يقصد به ما شرع لأجله، وإنما يقصد به غرض آخر غير مشروع، وهو إحلال الزوجة لمطلقها الأول، فيكون في معنى الزواج المؤقت، وهذا الزواج غير صحيح عند جمهور الفقهاء. ه تطبيقات على نكاح التحليل: طبق الإباضية هذه القاعدة في فروعهم الفقهية، فقد نقل أبو الحواري في رأي الإباضية وبين مدى أخذهم بالباعث النفسي وأثره في تحريم « جامعه » ﱠ وعن رجل طلب تزويج امرأة إلى نفسها أو إلى وليها » : نكاح المحلل فيقول ّ وأراد أن يحللها المطلق لها، أعلمها بذلك أو لم يعلمها، وتزوج بها ولم يجز ُّ بها، أو لم يتزوج ثم ندم على ذلك، واستغفر ربه وترك ذلك التزويج، ثم أراد ّ تزويجها لغير ذلك، هل تحل ّ .«؟ من بعد ذلك التزويج فعلى ما وصفت، فإن كان قد جاز بها فقد حرمت عليه » : فأجاب السائل أبدا ً ؛ إذا أخذها ليحلها لغيره، وكذلك أيضا ً إن كانت المرأة قد علمت فلا تحل لمطلقها الأول بذلك النكاح، إلا أن تتزوج زوجا ً غيره، لعله على غير نية التحليل، وإن لم يجز بها وكان قد أعلمها أنه إنما يريد أن يحلها، ثم رجع عن تلك النية وأعلمها أيضا ً أنه قد رجع عن نيته تلك، فإن أراد أن يرجع إليها « بنكاح جديد جاز له ذلك(١) . وذكر خميس الشقصي(٢) عن أبي سعيد الكدمي أنه سئل عن « المنهج » في (١)١٢٥/ محمد بن الحواري: جامع أبي الحواري ٣ - .١٢٦ (٢) هو خميس بن سعيد بن علي الشقصي، (ت، بين: ١٠٥٩ - ١٠٩٠ ه) من فقهاء الإباضية، أحد أقطاب العلم والسياسة في النصف الثاني من القرن العاشر والنصف الأول من القرن الحادي عشر. ولد بنزوى ثم انتقل إلى الرستاق ونشأ فيها، عقدت الإمامة للإمام ناصر على يديه فكان عضده الأيمن، أصبح قاضيا ً للمسلمين، وقاد جيش الإمام لفتح مسقط، يعد من وله ،« منهج الطالبين وبلاغ الراغبين » : مؤسسي دولة اليعاربة، له مؤلفات جليلة أشهرها = حكم الرجل إذا بانت منه امرأته بثلاث تطليقات، فطلبها رجل ليتزوجها، هل يجوز للمطلق أن يأمر وليها بزواجها به، ويدخل في تزويجها؟ ِ ِ قال: لا يحرم عليه الدخول في تزويجها ما لم ي ُ رد الت ﱠحل ﱠ ة، وإن نوى في ِ ِ دخوله في تزويج الرجل الت ّحل ّ ة، ولم ي ُ ظهر ذلك إلى الزوج ولا إلى المرأة، ثم بانت من هذا الرجل. قال: تجوز له الرجعة إليها ولا تضره نيته، وإنما يفسد النية من الزوج والمرأة، إذا أرادا ذلك، ولا يضره هو في الحكم إن لم يظهر ذلك، وإن أظهر ذلك وأراد التحل ّ ة في الظاهر عند المطلق، ودخل الزوج بها على ذلك، ثم طلقها، هل له أن يرجع إليها، ويكون إثم ذلك عليهما إذا دخلا فيما يؤثمهما؟ وكذلك إن أراد الزوج، والمرأة الت ّ حل ّ ة، وتزوجها على ذلك، وعلم المطلق بإرادتهما، ثم رجعا عن ذلك قبل الدخول بعد التزويج، وعلم المطلق برجعتهما، ودخل بها على ذلك من تجديد النكاح، ثم فارقها الزوج، وانقضت عدتها، هل تحل للمطلق أن يرجع إليها؟ قال: معي أنهما إذا رجعا عن ذلك، وتابا من النية المحرمة المنهي عنها، ودخل بها بعد ذلك، وقد وقع النكاح على السن ﱠ ة، فيخرج عندي أنه لا بأس ﱡ عليهما في الإقامة، وتكون زوجة له ويكون زوجا ً لها، ولا يغيرهما الشرط الفاسد إذا دخل في العقد النكاح؛ لأنه قد قيل: لا ينقض النكاح شرط ولا استثناء . وإذا كانا زوجين كان الوطء من الزوج محللا ً لغيره من المطلقين، وأما إذا دخل بها قبل أن يرجعا عن الشرط الفاسد الذي وقع في عقدة التزويج، من ِ القصد إلى الت ﱠحل ّ ة، فالوطء حرام ولا يحلها لمطلقها، ولا تحل مطلقة، أحلت لمطلقها، ولا تحل لمن أحلها. = كتاب الإمامة العظمى. توفي أيام دولة الإمام سلطان بن سيف الأول. معجم أعلام الإباضية .٨٩/ بالمشرق، ١ ويلاحظ من عبارة أبي سعيد أنه يركز على المقاصد ويجعلها أساسا ً في صحة العقد أو فساده، ولذلك يشرط على الزوجين أن يرجعا عن النية الفاسدة، وإذا اشترطا ذلك في العقد فليتراجعا عنه ما دام لم يقع الدخول، فإذا وقع ذلك بطل العقد ولا تحل له ولا لمطلقها الأول، ويؤكد هذا المعنى بقوله: ِِ ومن تزوج امرأة ليحل » ّ ها لمطلقها فليستغفر ربه مما أراد ونوى، وإن كان وطئ ُ فلا يقيم معها، وإن لم يطأ فليجدد العقد لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: إن » الله لا يحب الذواقين « (١) . وأما إذا ظهر حسن النية من جميع أطراف العقد ولم تظهر قرائن تدل على تبييت النية الفاسدة وهي التحليل فإنه يصح العقد. وإذا خرجت منه بطلاق أو وفاة فيجوز للزوج الأول أن يعقد عليها، وهذا ما بي نه في سؤال آخر وهذا نصه: إذا طلق الرجل زوجته ثم تواعدا أنها ّ ِ تأخذ واحدا ً غيره ت َحل ﱠ ة وترجع إليه، ثم رجعت عن ذلك مع نفسها، أو رجع هو عن ذلك مع نفسه، ولم يخبرها بشيء ولم تخبره، ثم أخذت غيره فطلقها، ورجعت إليه هل لهما ذلك؟ قال أبو سعيد : معي أنه إذا كان ذلك التزويج على غير نية التحلة من الزوجة كان جائز لها أن ترجع إلى الأول، وإذا لم يعلم الأول أن التزويج كان ِ على نية الت ّحل ّ ة، فالتزويج حلال عندي، حتى يعلم أنه حرام، وليس على الزوج (١) رواه البزار في البحر الزخار، مسند أول حديث أبي موسى حديث: ٢٦٢٨ عن أبي موسى الأشعري 3 عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: » ، بلفظ إن الله » 8 .« لا يحب الذواقين ولا الذواقات وفي رواية أخرى بزيادة حديث ٢٦٢٩ : لا تطلق النساء إلا من ريبة إن الله تبارك وتعالى »«... لا يحب ورواه الطبراني في مسند الشاميين ما انتهى إلينا من مسند بشر بن العلاء أخي عبد الله ما انتهى إلينا من مسند عبادة بن نسي عبادة بن نسي عن أبي موسى الأشعري حديث: ٢١٧٩ . ينظر: الشقصي خميس: منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، نشر وزارة التراث القومي والثقافة، تحقيق سالم بن حمد بن سلمان الحارثي. طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي ٣٦٦/ وشركاه بمصر، ١٩٨٣ م، ١٥ - .٣٦٧ أن يسأل الزوجة عن تلك النية، ولا يلزمه ذلك، وكأنه يحكم عليهم بالحلال حتى يعلم الحرام. ِ وأما الذي إذا طلق زوجته ثلاثا ً ، ثم قال لها: إن قضى الله وتزوجت زوجا ً وقضى لك بالخروج منه تراجعنا، فتزوجت زوجا ً ثم بانت منه، أو مات عنها، فإنها إذا لم ترد بتزويجها تحل ّ ة للمطلق بقصد منها إلى ذلك، وإنما قصدت إلى التزويج الجائز، وجاز بها الزوج الأخير، كان ذلك محللا ً لزوجها الأول. وإن كانت أرادت بذلك، تحل ّ ة لزوجها، فلا يجوز، ولا يضر مع ذلك ِ القول، إذا لم تقصد هي التزويج للت ّحلة. وإذا اعتبرنا فيه الأثر، في هذا المعنى إن ّ ذلك إلى عقد النيات من المطل ﱢ ق والمطل ﱠ قة، فإذا برئت نيتهما من العقد الفاسد فلا بأس عليهما. وأما نية الزوج الآخر إذا لم يعلماهما بما هو عق َ د في نفسه من النية للتحلة لهما، فلا بأس عليهما في ذلك إلا أن يعلما بنيته وقصده في ذلك لمعنى التزويج، ليحل لهما ما هو محظور عليهما(١) . د في مجال الحيل: من » : تفرعت عن هذه القاعدة قاعدة فرعية في مجال الحيل وهي وقد نص على هذه القاعدة ،« تحايل على أحكام الشريعة أبطلت حيلت ه كل حيلة باطلة » : المحقق سعيد بن خلفان الخليلي وعبر عنها بقوله ّ « تبطل(٢) . (١) .٣٦٨/ الشقصي خميس: المصدر نفسه، ١٥ (٢) الخليلي أبو محمد سعيد بن خلفان بن أحمد، كتاب تمهيد قواعد الإيمان وتقيد شوارد مسائل الأحكام والأديان من جوابات الشيخ أبي محمد سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي، نشر وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان مطبعة دار إحياء الكتب العربية لصاحبها ُ .١٠٦/ فيصل عيسى البابي الحلبي، مصر، ط، ١٤٠٧ ه/ ١٩٨٦ م، ٦ ومن فروعها: ١ يجوز ترك الناس أن يأخذوا من نخلهم رطبا ً لأكله بقدر الحاجة، فإذا تبين من أخذهم هذا أنه جعلوه حيلة لمنع الزكاة من ثمار النخل أبطلت حيلهم. وقد عرض على الخليلي سؤال يستفتي فيه السائل عن حكم من يتحايل ُ وفي الرطب يطلع لصاحب المال بقدر ما يرزؤه » : ليفر من الزكاة فذكر أنه ّ ِ (يحتاجه) من الرطب أم يزكي الجميع، والناس أكثرهم غير منصفين إن ف ُتح لهم هذا الباب، وقيل: لهم أن يط ّ لعوا بقدر مرزأتهم (حاجتهم) من الرطب «؟ أخذوا الجميع وقالوا: نرزؤه (نحتاجه)، ما يعجبك فيهم، تفضل علينا بالجواب فأجاب الشيخ سعيد بقوله: ....» وأما ما يحتاجه الناس من أموالهم للأكل رطبا ً فكذلك، لا تعارضوهم فيه في الزكاة، إلا أن يعلم أنهم لا يحتاجون إليه « وإنما مرادهم الحيلة على منع الصدقة، فكل حيلة باطلة تبطل(١) . لو تأملنا في عبارة الشيخ لوجدناه يهتم بالمقاصد والنيات في التصرفات، ولا يقف في حدود الألفاظ، فإذا دل ّ ت القرائن أن أصحاب النخيل يستعملون حيلة الحاجة إلى أكل الرطب قبل أن تصبح تمرا ً وجب على الحاكم منعهم من ذلك، وفرض عليهم الزكاة سد ّ ا ً للذريعة. ٢ وإذا وجد أناس شركاء في النخل، أو أرادوا قسمة ثمرها في رؤوس ُ ِِ النخل، وهي غير مدركة بنية الحيلة للفرار من الزكاة، فحيلتهم مردودة عليهم، وتجب عليهم الزكاة في ثمار النخيل إذا بلغت النصاب. وقد بي ّ ن الشيخ سعيد ح ُ وما » : كم هذه المسألة بعد سؤال طرح عليه مفاده تقول في أناس شركاء في شيء من النخل، أيجوز قسمت ُ ها في رؤوس النخل، «؟ وهي غير مدركة إذا كانت نيتهم الفرار من الزكاة أما قسم الثمرة عذوقا » : فأجاب ً (عراجيل) ونيتهم الفرار من الزكاة، فغير (١) .١٠٦/ الخليلي سعيد بن خلفان: تمهيد قواعد الإيمان، ٦ نافع لهم إن كانوا في الأصل ممن تجب عليهم الزكاة بالشركة المذكورة على أصح ما قيل فيه، قياسا ً على قول النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الأنعام: لا خلاط » « و لا وراط(١) . وأما الق َ سم لهم على غير هذه النية فجائز لهم قبل وجوب الزكاة فيه، فإذا ْ تميز كل منهم بنصيبه فلا يحمل حال وجوب الزكاة فيه بعضهم على بعض، ّ لزوال الشركة المقتضية لذلك، لكل امرئ منهم ما نوى، وعليه ما نوى وذلك في القياس، كمن له أربعون شاة إلا واحدة لشريكه، فقبل أن يحول عليه الحول عزلها عن شياهه، فالزكاة واجبة والعزل ليس بنافع لمنع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو افترقا على غير هذه النية جاز لأنه مال ُ هم يتصرفون فيه كما يشاءون ما لم يقصدوا مأثما ً « كذلك في الأثر(٢) . فتأمل كيف يركز سعيد الخليلي على المقاصد والنيات، فإذا ثبت القصد السيئ من تلك المعاملة بطلت حيلته، ووجب عليه ما فر منه من الزكاة. ّ هذا وقد عقب الباحث زهران المسعودي على حكم سعيد الخليلي في جواز قسمة التمر على رؤوس النخيل إذا لم يظهر القصد السيئ من الشركاء ِ ينظر في إجازة المحقق » : فقال 5 قسمتهم للثمر وهو غير مدرك على رؤوس ِ ِ النخل كما نص عليه إذا كان فعلهم ذلك ليس بنية التحايل، فإنه قال بجوازه مع أن الأصحاب (الإباضية ( يعطون أحكام القسمة أحكام البيع، فكما لا يجوز بيع الثمرة على رؤوس النخل غير مدركة، فكذلك لا يجوز قسمتها على هذه الحال، وممن صرح بمنع ذلك من المتأخرين الشيخ خلفان بن جميل (١) أورده ابن أبي عاصم (الآحاد والمثاني)، الضحاك بن النعمان، رقم: ٢٣٨١ . عن مسروق بن وائل. والبيهقي (الشعب)، فصل في بيان النبي صلى الله عليه وسلم وفصاحته، رقم ١٤١٢ . (هذا الحديث والذي بعده تعتبران من جملة الكتاب الذي كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأقبال العباهلة). ينظر: ابن .١٦٠/ بركة: الجامع، ٢ (٢) ١١٠/ الخليلي سعيد: المرجع نفسه، ٦ - .١١١ السيابي (١) جوابا « فصل الخطاب » سلك الدرر) وفي ) « السلك » في ً لسائل سأله «... عن نحو ذلك(٢) . مجمل القول: يظهر من خلال موقف سعيد الخليلي في حكم قسمة الثمر على رؤوس ُ النخيل، أنه لم ينظر إلى أصل التصرف، بل نظر إلى المقصد منه، ولعله استند فما دامت الثمرة ملكا ،« أن الأصل في الأشياء الإباح ة » إلى القاعدة المشهورة ً لهم يجوز لهم التصرف فيها كما يشاءون، بشرط عدم التحايل على الشرع. كما استند في حكمه إلى النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز تفريق المال بعد تجمع ولا جمعه بعد تفرق خوفا ً من الزكاة(٣) . (١)خلفان بن جميل السيابي، أبو يحيى (ت: ١٣٩٢ ه)، من أجل ﱢ علماء ع ُ مان في القرن الرابع عشر الهجري. نشأ في سمائل، في أحضان عائلة فقيرة، ولكن ذلك لم يمنعه من الانقطاع إلى العلم والرغبة فيه والاستزادة منه، وتحصن بالزهد والورع والتقوى، فانكب على كتاب إحياء علوم الدين للغزالي وتأثر به، إذ هو الذي هذبه وشحذ فكره وصفى ذهنه وسما بروحه، حتى ترقى بعناية الله إلى دراسة أصول الدين والفقه وانكب على كتبهما، واصل دراسته مع العلماء المعاصرين له من بينهم الشيخ نور الدين السالمي فقد تتلمذ له واغترف من معين علمه ردحا ً من الزمن، إلى أن أصبح عالما ً مشهورا ً ، وقاضيا ً معتبرا ً ، ومرجعا ً للفتوى. تولى وظيفة التدريس زمنا ً ، وشغل منصب القضاء في عدة مناطق رئيسية في عمان منها الرستاق وسمائل، وظل ُ مشتغلا ً بالعبادة والتأليف، إلى أن ضعف بصره. من مؤلفاته: سلك الدرر الحاوي غرر الأثر، جلاء العمى في ميمية الدماء، فصول الأصول، بهجة المجالس، فصل الخطاب في المسألة .٧٩/ والجواب. معجم أعلام الإباضية بالمشرق لمجموعة من الباحثين، ١(٢) المسعودي زهران: القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب تمهيد قواعد الإيمان للشيخ . سعيد بن خلفان الخليلي، بحث مخطوط في حوزة الباحث. ص ٣٦(٣) يشير إلى حديث رواه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب لا يجمع بين متفرق، حديث أن أنسا » رقم ١٣٩٣ عن أبي بكر الصديق بلفظ 3 حدثه: أن أبا بكر 3 كتب له عن القسمة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية ا لصدقة » . ورواه أيضا ً في كتاب الحيل، باب في الزكاة وأن لا يفرق بين مجتمع، حديث: ٦٥٧٢ . واستدل كذلك بدليل القياس، فقد قاس الذين يقسمون الثمر على النخل بمن يعزل أغنامه عن شريكه فرارا ً من الزكاة، وكل هذه الأدلة تصلح لأن يحتج بها على من اعترض عليه، والله أعلم. ٣ في حكم المختلعة من زوجها المريض: وفي باب الحيل الفقهية أيضا ً سئل أبو محمد سعيد الخليلي عن المرأة إذا اختلعت من زوجها في مرض الموت تحايلا ً وفرارا ً من العدة هل ترثه وتعتد منه؟ ذكر أن ّ الفقهاء اختلفوا في حكمها إلى ثلاثة أقوال، منها: أنها إذا اختلعت عنه لأجل مرضه فرارا ً من العدة، ومات وهي في عدة الطلاق على اعتباره طلاقا ً ، فإن العدة لازمة عليها ولها الميراث؛ لأن ذلك حيلة منها فأبطلت حيلتها، ومن فر عن شيء ر ُ د ﱠ إليه، وحكم هذه المسألة يشبه طلاق الفار من ّ ِ الميراث، ولا بأس من ذكر السؤال وجوابه حتى نتعرف على الأقوال الثلاثة وأحكامها. قال السائل: ما تقول شيخنا إذا اختلعت المرأة من زوجها المريض فرارا ً من العدة، ومات وهي في عدة الطلاق؟ ماذا لها وعليها الميراث والعدة؟ أيحرم الميراث وتلزم العدة؛ لأنها فرت منها، أم لها ميراث ولا عليها عدة؟ ّ اشرح لنا وجه هذه المسألة باختلافاتها معدلا ً ما هو الأعدل، ولك من الله الأجر الأجزل. يخرج القول بذلك هو وجه حسن، ويخرج فيها آخر، أنه » : فأجابلا ميراث لها، وليس عليها عدة الوفاة لثبوت الطلاق عليها، ويخرج في قول الثالث؛ إن لها الميراث وعليها عد ّ « ة الوفاة، لأنه طلاق في المرض(١) . (١) الخليلي أبو محمد سعيد بن خلفان: كتاب تمهيد قواعد الإيمان وتقييد شوارد مسائل الأحكام والأديان من جوابات أبي محمد سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي نشر وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة ع ُ ١٣٠٧ ه/ ١٩٨٧ م مطبعة دار إحياء الكتب ، مان ط ١ .١٢٧/ العربية لصاحبها فيصل عيسى البابي الحلبي القاهرة، ١١ ويظهر من عبارة المحقق الخليلي أنه رجح القول الأول ومقتضاه أن ت ُ حرم من الميراث، وتلزمها عدة الوفاة؛ لأنها فرت منها، واستحسن هذا القول: َ « وهو وجه حسن » : فقال(١) . ه في باب سد الذرائع: ١ ومن فروعها تطبيقا ً لهذا المبدأ حكم الإباضية على من هوى امرأة ََ فقتل زوجها أن ّ المرأة تحرم عليه، قياسا ً على قاتل وارثه ليرثه، أنه يحرم من الميراث وسد ّ ا ً لذريعة الفساد، وزاد آخرون فيمن خبب امرأة على زوجها أنها تحرم عليه(٢) . ٢ وكذلك المرأة إذا زنت ولها زوج، فإنها تحرم لإحصانها، والخلاف في ميراث زوجها منها، إذ ذهب بعض الإباضية إلى أنه لا يرثها؛ لأنها قد ِ بانت منه قبل موتها، وحرمت عليه بزناها، وخرجت من عصمته، ورأى آخرون أن ّ له الميراث، ولا يحرمه بغ ْيها وخيانتها من حقه في الميراث، كما اختلفوا َُ في صداقها للعلة نفسها، والعدل يقضي أنه يرثها ويسترد منها الصداق؛ لأنها خانته فأبطلت بذلك حقها في صداقها، فيسترد الزوج ما أعطاها معاملة لها بنقيض مقصودها(٣) . ٣ وإعمالا ً لمبدأ سد الذرائع، أفتى الإمام جابر بن زيد بمنع الرجل من التصرف في ماله إذا صار في حال يخشى فيه من الموت، ويضعف أمله في ّ الحياة، فلا يجوز له في ماله إلا الثلث، وذلك كأن يكون في الحرب أو المسايفة، أو داخل حريق لا يقدر أن ينجو منه، أو في البحر وقد صار إلى حد (١) الخليلي سعيد: المصدر نفسه. (٢) .٣٤٦/ الوارجلاني أبو يعقوب: العدل والإنصاف، ٣(٣) ٦٥ غير مطبوع وينظر: باجو، منهج الاجتهاد عند الإباضية، / الخراساني: المدونة، ٢ .٥٩٠ - ٥٨٩/٢ الغرق، وألحقوا به المرأة الحامل إذا ضربها المخاض(١) . فهؤلاء ليس لهم حق ّ التصرف في أموالهم إلا في حدوث الثلث، حملا ً لهم على حال الوصية؛ لأنه ْ تصرف مضاف إلى ما بعد الموت. ِ وقال جابر بن زيد في الرجل المريض يوصي لوارثه بد َ ين قد كان له ْ عليه، فأجاز ذلك على أنه إقرار بدين لا وصية، إذ لا وصية لوارث » « (٢) ، وأخذ تلاميذ جابر ،« أصدق ما يكون الناس عند الموت » : وعلل ذلك بقوله ِ بهذا القول، وخالفهم عبد الله بن عبد العزيز(٣) فقال بمن ْ ع ِ تصرف المريض َ مرض الموت، وحمله على الوصية، ولو كان في صورة الإقرار. ورجح أطفيش قول جابر، حملا ً للناس على الظن الحسن، فهذا مريض أقر بتباعة ّ عليه؛ لئلا يلق الله بها، فهي للموصي له ولو كان وارثا ً ، حتى إذا تبين الميل إلى الباطل أو أمارته بطل التصرف(٤) . (١). جابر بن زيد: من جوابات الإمام جابر، ص ١٠٥ (٢) أخرجه الترمذي، كتاب الوصايا حديث رقم ٣٦ . النسائي، كتاب الوصايا، حديث رقم: ٣٥٨١ . أبو داود، كتاب الوصايا، حديث رقم: ٢٤٨٦ . ابن ماجه، كتاب الوصايا، حديث رقم ٢٧٠٥ . أحمد، حديث رقم: ( ١٧٠٠٤ ). (ترقم العالمية). (٣) عبد الله بن عبد العزيز أبو سعيد (ق: ٢ه) من علماء الإباضية في القرن الثاني الهجري، وهو من طبقة الربيع الذين أخذوا العلم عن الإمام أبي عبيدة. عاش في البصرة، ولعله انتقل في آخر عمره إلى مصر. كان شغوفا ً بالعلم وكتابته. وهو أحد العلماء الذين روى عنهم أبو غانم مدونته. كان أبو سعيد كثير القياس في المسائل الفقهية، إذ لديه نزعة التحرر، لكنه يلتزم الدليل، مما جعل الإباضية يعرضون عن آرائه ويأخذون برأي الربيع. قال عنه حاتم بن منصور: ولا نزال بخير ما دام فينا أبو سعيد، فلا ناءت داره، ولا أوحشنا الله بفقده. ينظر: الراشدي مبارك، أبو عبيدة، ٣٢ . الشماخي أبو العباس، سير، ص ٩٧ . أبو غانم الخراساني، المدونة (كلها). ابن خلفون، الأجوبة، ص ١٠٧ . السيابي خلفان، طلقات، ص ٣٦ . الجعبيري فرحات، البعد الحضاري، .٢١٣/ ٢٣٢ . معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١ / ص ٧٠ . ابن سعد، الطبقات الكبرى، ٢ (٤) ١٨٢ . باجو: منهج الاجتهاد / الخراساني: المدونة الكبرى، ترتيب أمحمد بن يوسف أطفيش، ٢ ١٤٢٦ ه/ ٢٠٠٥ م، مكتبة الجيل الواعد، مسقط سلطنة ع عند الإباضية، ط ١ ُ . مان، ص ٧٦٨ ٤ في المواعدة بالنكاح في العدة بالنية: لو طلب رجل من امرأة أن تتزوجه، ورد ّ ت عليه بأن يرجع إليها بعد العدة، وهي ترغب فيه وتغمر في قلبها هذه النية، ولم تصرح له بذلك، هل يعتبر هذا التصرف من المواعدة المحرمة التي تحرم المرأة على الرجل؟ ﱢ سئل أبو سعيد الكدمي عن هذه المسألة فأجاب بما يدل على أن ذلك لا يصل إلى درجة الفساد كالقول، وإنما يشبه التعريض بالنكاح، ومنهم من يعتبر النيات والإرادات بمثابة الأقوال والأفعال، وتكون سببا ً للفساد ما دامت وعن رجل إذا أرسل إلى المرأة رسولا » : النية فاسدة، وفي هذا المعنى يقول في طلبها لتزويج فقالت للرسول: إنها في عدة، فإذا انقضت العدة فيرجع إليها، فرجع الرسول فأخبره، ثم رجع الرسول إليها بعدما انقضت العدة فأنعمت له (فتفضلت له بالموافقة)، هل يجوز له أن يتزوج بها بعد انقضاء عدتها على هذا؟ قال: لا يبين هذا مواعدة في تزويج ولا على التزويج، وهذا يخرج مخرج التعريض إلا أن يكون في النية منها أنه إنما يرجع إليها لتنعم له وتزوجه، وهذا عندي يشبه المواعدة بالنية. قلت له: فالمواعدة بالنية تفسد كما تفسد المواعدة بالقول. قال: معي أنه يخرج ذلك في بعض القول على قول من يثبت النيات والإرادات ويحكم بها في معنى الإيمان والبيوع وأسباب ما يثبت من الأفعال. وعلى قول من لا يثبت النيات في مثل هذا، فمعي أنه إنما يفسد النية، « وعليها التوبة من النيات الفاسدة، ولا تفسد الأفعال من ذلك ولا يجيبها(١) . (١) .٢٧٦/ الكدمي: الجامع المفيد، ٣ ¢SOÉ°ùdG Ö∏£ªdG z ¬fÉeôëH ÖbƒY ¬fGhCG πÑb A»°ûdG πé©à°SG øe{ :IóYÉb z √Oƒ°ü≤e ¢†«≤æH πeƒY ´hô°ûe ô«Z kÉ°VôZ ¬aô°üàH ó°üb øe{ hCG : á«°VÉHE’G óæY IóYÉ≤dG áfÉμe :k’hCGs تعد ّ هذه القاعدة من القواعد الفقهية الهامة في الفقه الإسلامي والتي ترجع إلى تقرير أصل من أصول الشريعة، وهو سد ّ الذرائع والنظر إلى مآلات الأفعال، وتمثل جانبا ً من جوانب السياسة الشرعية في القمع وسد الذرائع(١) ، والحكمة من مشروعيتها صيانة حقوق الناس، ومنع التعسف في استعمالها، وتعتبر أيضا ً ولذلك ارتأينا أن ن ،« الأمور بمقاصده ا » : استثناء من قاعدة ُصن ّ فها َ ضمن القواعد المندرجة تحتها؛ لأن الفاعل هنا يعامل ويعارض بنقيض مقصوده، وسنرى من خلال الأمثلة أن مقصود الفاعل من فعله كان تحايلا ً على الشرع من جانب، أو استعجالا ً لأمر مستحق أو مباح من جانب آخر بفعل أمر محر ّ م، ولذلك أ ُ همل قصد الفاعل وع ُ ومل بنقيض ما قصد، عقوبة له وزجرا ً لغيره، إلى جانب العقوبة المستحقة على الفعل نفسه (٢) . ونجد هذه القاعدة حاضرة في المصنفات الفقهية الإباضي ة، وقد اعتنى بها فقهاؤهم عناية خاصة، تجلت في كثير من اجتهاداتهم وبخاصة في أبواب النكاح والطلاق والوصية والميراث، ونلمسها من خلال التصريح بها أو التلميح إليها أثناء التعليل للأحكام الفقهية(٣) ، يقول أستاذنا الشيخ بالحاج (١) الذرائع جمع الذريعة: وهي الوسائل التي يستغلها بعض الناس في الاحتيال على الشرع وأخذ ما ليس لهم. (٢) البورنو: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص ١٦٠ . الندوي علي أحمد: القواعد . الفقهية، ص ٤٢٠ . محمد بكر إسماعيل: القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، ص ١٢٤(٣) ٦٨ . الجناوني / ١٣٩ . الكندي أبو بكر أحمد، المصنف، ٣٩ / ابن بركة: الجامع، ٢ . أبو زكرياء، كتاب النكاح، ص ١١٠ ومن باب من تعجل » : محمد في معرض حديثه عن تحريم مزنية الرجل عليه ّ « الشيء قبل أوانه عوقب بحرما نه(١) . وكذلك صرح بها شيخنا أحمد الخليلي من تعجل شيئا » : في السياق نفسه فقال: وهو الملائم لقاعدة ً قبل أوانه عوقب « بحرمانه(٢) . وألمح إليها الفقيه ابن جعفر في سياق حديثه عن طلاق الفار « من هرب من الحق رد إليه » : فقال(٣) . ّ k :IóYÉ≤dG ≈æ©e :É«fÉK استعجل الشيء: سارع قبل حصوله ليأخذ بسرعة. وأوان الشيء: وقت حصوله الطبيعي وسببه العام، كموت المورث، سبب َْ َّ طبيعي لانتقال الإرث إلى الورثة (٤) . والمعنى الإجمالي للقاعدة: أن ّ من يتوسل بالوسائل غير المشروعة تعجلا ً َ منه للحصول على المقصود المستحق، فإن الشرع يعامله بضد مقصوده، فأوجب حرمانه جزاء فعله واستعجاله(٥) . ِ فإذا كان الشخص يستحق شيئا ً بسبب ما ولم يحن وقت حصوله، ْ فلم يصبر المستحق وعجل في حصول ذلك السبب بدون وجه حق ليتحقق ّ له استحقاق الشيء، فإنه يعاقب بالحرمان من الاستحقاق(٦) ، وقريبا ً من من استعجل الشيء الذي جعل له الشرع وقتا » هذا المعنى: أن ً محددا ً في تقدير الله تجري عليه الأحكام فيه، فإن الشرع يعاقبه بحرمانه من (١) . الشيخ بالحاج محمد بن بابه: الاجتهاد في المذهب الإباضي، ص ٢٢(٢) . الخليلي أحمد: فتاوى النكاح، الكتاب الثاني، ص ١٥١(٣) .٢٢٤/ ابن جعفر: الجامع، ٦(٤) الفيومي: المصباح المنير، ص ٥٣٩ . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية والضوابط الفقهية، . ص ٣٥٩(٥) . البورنو: المرجع نفسه، ص ١٦٠(٦) . شبير: المرجع نفسه، ص ٣٥٩ . محمد بكر إسماعيل: المرجع نفسه، ص ١٢٤ المنفعة التي استعجل من أجلها هذا الشيء؛ لأنه متعد ّ باستعجاله على « الشرع الحكيم(١) . وقد عبر بعض الفقهاء عن معنى هذه القاعدة بعبارات مختلفة لكنها تحمل ّ مضمونا ً واحدا ً ، وتؤدي مقصودا ً واحدا ً من استعمل ما أخره » : ، من ذلك قولهم الشرع يجازى برده « (٢) . من الأصول: المعاملة بنقيض المقصود » : وقال غيره « الفاس د، أو المعاملة بنقيض المقصود(٣) من تعجل حقه أو ما أبيح » : ، وقاعدة له قبل وقته على وجه محرم عوقب بحرمانه « (٤) ، وقالوا أيضا ً : من أتى بسبب » ّ يفيد الملك أو الحل أو يسقط الواجبات على وجه محرم، وكان مما تدعو ّ النفوس إليه ألغي ذلك السبب وصار وجوده كالعدم ولم يترتب عليه « أحكامه(٥) . وقد لاحظ بعض الفقهاء المعاصرين أمرا ً هاما ً في هذه القاعدة لم يستسيغه، ذلك أن صيغة القاعدة التقليدية التي وردت في المصنفات المتقدمة أو مجلة الأحكام العدلية تضيق نطاق القاعدة فتقصره على سوء القصد المرتبط ّ بالاستعجال، بينما حقيقة القاعدة أوسع من ذلك بكثير، إذ تشمل كل التصرفات التي تقوم على سوء النية والقصد، ولو تذرع لها الشخص بوسيلة مشروعة، طالما كان هدفه الوصول إلى نتيجة ممنوعة، ولاحظ أيضا ً من خلال الأمثلة التي خرجها الفقهاء على هذه القاعدة أنهم استشهدوا بها على مشروعية هذه ّ القاعدة وليست كلها تفيد استعجال الشيء قبل أوانه الشرعي كما صورتها ّ القاعدة المذكورة، لكنها تشترك جميعا ً في وجود سوء نية من الشخص (١) . عزام عبد العزيز: قواعد الفقه الإسلامي، ص ٤١٦(٢) .٨٧/ حيدر علي: درر الحكام شرح مجلة الأحكام، ١(٣) . الونشريسي: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، ص ١١٣(٤) .١٨٣/ الزركشي: المنثور في القواعد، ٣(٥) ابن رجب الحنبلي: القواعد، القاعدة الثانية بعد المائة، ص ٣٢٩ - .٢٣٠ المتصرف، وفي عقوبته برد ّ قصده عليه، فأوجب الشارع الحكيم معاملته بنقيض ما قصده حماية للأحكام الشرعية من أن يتلاعب بها المكلف، فيحولها عن ّ مقاصدها التي شرعت لأجلها، ويسيء بذلك إلى غيره، وهذا في الحقيقة هو روح هذه القاعدة التي جاءت صياغتها قاصرة وأضيق من هدفها التشريعي الشامل. وفي ضوء هذه الملاحظة والأمثلة والشواهد اقترح بعض الفقهاء المعاصرين لهذه القاعدة إحدى الصيغتين التاليتين: يعامل السيئ النية بنقيض قصده » .« من قصد بتصرفه غرضا » أو ً غير مشروع عومل بنقيض مقصوده « (١) . وقد اخترت الصيغة الأخيرة فجعلتها عنوانا ً للقاعدة ولم أهمل الصيغة المتداولة لكونها مألوفة عند الفقهاء وأوسع انتشارا ً. ولا ريب أن ما توصل إليه الزرقا في توسيع نطاق القاعدة حتى يشمل ّ جميع الفروع والجزئيات الفقهية المتنوعة التي يحضر فيها القصد السيئ من الشخص المتصرف، سواء كان مستعجلا ً في فعله أم غيره، وهذا الملحظ يتماشى مع تطور صياغة القواعد الفقهية ومسايرتها للتطورات والمستجدات، وشموليتها لجميع الجزئيات. k :IóYÉ≤dG π«°UCÉJ :ÉãdÉK استدل الإباضية على أصل هذه القاعدة ومشروعيتها بأدلة من القرآن الكريم والسن ﱠ ة والآثار والمعقول. ﱡ أ من القرآن الكريم: ١ قال الله تعالى: ﴿ ^_` nmlk ﴾ (ال حجرات: ١ (. jihgfedcba (١) ١٠٥٩/ الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي العام، ٢ - .١٠٦١ وجه الاستدلال بالآية: فهذه الآية الكريمة تنهى عن التقدم بين يد َ ي الله ورسوله في كل قول أو َ فعل، وتدل أيضا ً على أن ّ من تعجل شيئا ً قبل وقته المقد ّ ر له في علم الله تعالى َ يعاقب بالحرمان منه، حتى لا يلجأ أحد إلى وسائل غير مشروعة تعجلا ً منه ﱡ للحصول على ما هو مستحق له قبل أوانه، فإن فعل ذلك استعجالا ً لحقه قبل الوقت المحدد له في تقدير الله، فإن الشرع يعامله بنقيض مقصوده، فيوجب حرمانه جزاء فعله واستعجاله، ولأنه من قبيل التقديم وعدم التسليم وهو المنهي عنه، كما أنه سوء أدب مع الله تعالى، ويؤكد هذا المعنى ما ذكره الإمام البخاري في سبب نزول هذه الآية الكريمة، أنها نزلت في قوم ذبحوا أضحيتهم قبل أن يصل ّ ي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يعيدوا الذبح، حيث أنهم استعجلوا ُ قبل وقته المحدد له شرعا ً فكان لغوا ً(١) ؛ لأن كل عبادة مؤقتة بميقات لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها (٢) . ٢ وقال الله تعالى: ﴿ UTSRQPON edcba ` ❁ ^ ] \ [ ZYX W V t sr q p o nm l k j i h g f ~}|{zyxwvu ے °¯® ¬«ª© ¨§¦¥¤£¢¡ ¾½¼ »º¹¸¶μ ´³²± (١) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : ،٥ فليذبح على حديث: ١٨٨ قال: ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحية ذات » : عن جندب بن سفيان البجلي، ونص الحديث َُ ﱠْ يوم، فإذا أناس قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة، فلما انصرف، رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة، فقال: من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح حتى » « صلينا فليذبح على اسم الله . (٢) . ٣٠٠ . وينظر: عزام عبد العزيز: قواعد الفقه، ص ٤١٦ / القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ١٦ Í ÌË Ê É È Ç Æ Å Ä Ã Á À ¿ ÔÓÒÑÐÏÎ ﴾ (الن ور: ٣٠ - ٣١ (. فهذه الآية الكريمة استنبط منها العلماء قاعدة سد الذرائع إلى الوصول إلى الحرام، ومن حكمة الله 4 أنه إذا حرم شيئا ً وله طرق ووسائل تفضي إليه ّ يحرمها ويمنع منها خشية أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا ً للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تأبى ذلك كل َ الإباء(١) ، ولذلك أمر الرجال والنساء بغض البصر وستر العورات، ونهى النساء ّ عن إبداء زينتهن لغير محارمهن إلا ما ظهر منها، ومنعهن من ضرب أرجلهن أثناء مشيتهن حتى لا يشعر بهن الرجال أثناء مرورهن، وكل هذه وسائل تمنع من الوقوع في الحرام، سد ّ ا ً للذريعة وصيانة للمجتمع من الفساد والانحلال. ب من السن ﱠ ة والآثار: ﱡ ١ وفي مواقف الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم كثير من القضايا تؤكد حكم هذه القاعدة، ففي موطأ مالك : أن عمر بن الخطاب 3 فرق بين ّ لا يجتمعان أبدا » : رجل وامرأة تزوجها، واقترن بها قبل انسلاخ عدتها وقال ً « عقوبة لهما؛ لئلا يأتي الناس مثل هذا الفعل ويركبون ما نهى الله تعالى عنه، وقد أخذ بمذهبه الإباضية ومالك والليث والأوزاعي(٢) . وزيادة في التوضيح نورد نص ما في الموطأ من حكم عمر 3 في ذلك: عن ابن شهاب عن سعيد بن المسي ب، وعن سليمان بن يسار أن طليحة »الأسدية كانت تحت ر ُ ش َيد الثقفي فطلقها فنكحت في عدتها، فضربها عمر بن ْ الخطاب 3 ثم قال ،« وضرب زوجها بالمخفقة ضربات، وفرق بينهما (١). عبد العزيز: المرجع نفسه، ص ٤١٧ (٢) ١٣٩ . ابن / هذا جزء من النص الذي بعده روي بالمعنى فقط. ينظر: ابن بركة: الجامع، ٢ خلفون المزاتي: أجوبة ابن خلفون، ص ٤١ . الخليلي أحمد بن حمد: فتاوى النكاح الكتاب . الثاني، ص ١٥٣ عمر بن الخطاب 3 : أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي » تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الزواج الأول، ثم ّ كان الآخر خاطبا ً من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لا يجتمعان أبدا ً .« قال مالك : قال سعيد بن المسيب: ولها مهرها بما استحل منها(١) . وذكر أبو الوليد الباجي(٢) في شرحه لهذا الحديث في المنتقى على موطأ أن القول بتأبيد تحريم المدخول بها في العدة على الداخل بها قاله » ، مال ك أيضا ً أحمد بن حنب ل، واستدل له الباجي بحكم عمر 3 واتبع ذلك قوله، وكانت قضاياه تسير وتنتشر وتنقل في الأمصار، ولم يعلم له مخالف فثبت أنه إجماع، قال القاضي أبو محمد(٣) : وقد روي مثل ذلك عن علي بن أبي طالب 3 « ولا مخالف لهما مع شهرة ذلك وانتشاره، وهذا حكم الإجماع(٤) . (١) رواه مالك، كتاب النكاح، باب جامع ما لا يجوز من النكاح، رقم: ١١١٦ . عن وائل بن حجر. وعبد الرزاق، كتاب النكاح، باب نكاحها في العدة، رقم: ١٠٢٣٤ عن عمر بن الخطاب. (٢) هو سليمان بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي، أبو الوليد الباجي ( ٤٠٣ - ٤٧٤ ه/ ١٠١٢ - ١٠٨١ م): فقيه مالكي كبير، من رجال الحديث. عاش بالأندلس، فولي القضاء في بعض أنحائها. وتوفي بالمرية Almeria . إحكام » و « السراج في علم الحجاج » : من كتبه « اختلاف الموطآت » و « التسديد إلى معرفة التوحيد » و ،« الفصول، في أحكام الأصول « الحدود » و « شرح فصول الأحكام، وبيان ما مضى به العمل من الفقهاء والحكام خ » وكبير، في شرح موطأ « المنتقى ط » و « فرق الفقهاء » رسالة في أصول الفقه، و « الإشارة خ » والزركلي: .« التعديل والتجريح لمن روى عنه البخاري في الصحيح » و « شرح المدونة » مالك و .١٢٥/ الأعلام، ٣ (٣) هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (الحفيد) ( ٥٢٠ ه ٥٩٥ ه) له كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق السيد علي السيد محمد بحر العلوم، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، طهران. (٤) الباجي: المنتقى شرح موطأ الإمام مالك، تحقيق: محمود شاكر، ط ١، دار إحياء التراث ٢٨٦/ العربي، بيروت لبنان، ١٤٢٥ ه/ ٢٠٠٥ م، ٥ - .٢٢٨٧ ويؤكد هذا الحكم ما ذكره ابن بركة في جامعه تعقيبا ً على فعل عمر بن الخطاب 3 ولم أعلم أحد ينكر على عم ر، فإذا ترك المسلمون » : فيقول النكير على الإمام حكمه في حادثة كان أثرا ً يعمل به ويعتمد عليه، ألا ترى إلى القاتل حرم بتعديه الإرث عمن يرثه لطمعه بتعجيل ما كان يستحق بغير ُ معصية، فكانت المعصية عقوبة له وحرمانا ً لما كان يستحقه لركوبه نهي الله َ « تبارك وتعالى(١) . ٢ وروي عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم منهم أم المؤمنين عائشة وابن مسعود والبراء بن عاز ب، وعلي بن أبي طال ب، وأبو هرير ة، وجابر بن عبد ا لله، أن ّ من زنى بامرأة ثم تزوجها فهما زانيان أبدا ً . وبه قال من التابعين جابر بن زيد والحسن البصري وابن سيرين وهو ما اتفق عليه عامة الإباضية (٢) . وعق ﱠ وهو الملائم لقاعدة: » : ب شيخنا أحمد الخليلي على هذا الأثر بقوله من تعجل شيئا » ً قبل أوانه عوقب بحرمانه ...« ولا ريب أن إباحة التزاوج بين الزانيين يفتح باب الفحشاء على مصراعيه عند عباد الشهوات ما دام الأمر ميسورا ً إلى هذا القدر، بحيث يمكن للشاب والفتاة أن يلتقيا في ظل الفحشاء وعلى بساط الشهوات، فيستمتعا ما شاءا ثم يختتما صفحتهما بالزواج... على أن باب سد الذرائع من أبواب الفقه الواسعة التي تتسع لكثير من القضايا، وقد « ولج منه كثير من الفقهاء منذ الصدر الأول لعلاج كثير من المشكلات(٣) . (١) .١٤٠ ،١٣٩ ،/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) رواه البيهقي، كتاب النكاح، باب نكاح المحدودين...، رقم: ٤٣٦٩ . عن وائل بن حجر. وعبد الرزاق، كتاب الطلاق، باب الرجل يزني بامرأة. رقم: ١٢٣٨٣ . عن ابن مسعود. ينظر: المزاتي أبو يعقوب يوسف بن خلفون: أجوبة ابن خلفون، ص ١٣٥ . الخليلي أحمد بن . حمد، ص ١٥١(٣) الخليلي أحمد بن حمد: فتاوى النكاح، الكتاب الثاني، ص ١٥١ - .١٥٢ وهذا هو الذي يتفق مع ما أشار إليه الكتاب » : ويضيف في هذا الصدد العزيز من روح العلاقة الزوجية حيث قال تعالى: ﴿ ]\[ZY ^_ ba` ﴾ (الروم: ٢١ ( . فالعلاقة الزوجية سكون وطمأنينة، وأن ﱠ ى يسكن قلب رجل أو امرأة إلى م ن بلاه بنفسه وقاسمه الفحشاء؟ ََ هذا ومما يجب أن لا يعزب عن البال أن الرابطة الزوجية رابطة مقدسة « يجب أن لا يحوم حولها دنس، وأن لا تلتصق بها ريبة(١) . ج من المعقول: إن سياسة الملوك في الدنيا تعتمد على سد ّ كل وسيلة تؤدي إلى انتشار الفساد بين الأفراد والجماعات، فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء، ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه، فإنه يعد ُ متناقضا ً ، ويحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده، وكذلك الأطباء إذا أرادوا حسم الداء، منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه، وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه، فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال، ولا شك أنها عملت على سد الذرائع المفضية إلى المحارم ونهت عنها وحرمتها(٢) . k :IóYÉ≤dG ´hôa :É©HGQ استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه » لقد تجلت قاعدة من « في كثير من الفروع الفقهية الإباضية كالعبادات والمعاملات، وخاصة في أبواب البيوع والنكاح والطلاق والميراث والوصية، ويظهر ذلك من خلال الأمثلة التالية. (١) الخليلي: المرجع السابق. (٢) البرديسي: أصول الفقه، ص ٣٥٢ . عزام عبد العزيز، قواعد الفقه، ص ٤١٧ - .٤١٨ أ في العبادات: ١ الفار من الزكاة: ومن فروعها أن ّ من انتقص النصاب أو أخرجه عن ملكه قبل تمام الحول فرارا ً من الزكاة عومل بنقيض قصده، ووجبت عليه الزكاة، أشار الشماخي إلى هذا المعنى في معرض كلامه عمن أخرج المال أو الثمار عن ملكه بطريقة من ّ طرق الإخراج، مثل: البيع أو الهبة، أو في قضاء د َ ين عليه، أو أنفقه على أبيه فإنه في هذا كله إن أخرجه من ملكه بعدما وجبت فيه » : للحاجة، وهذا نصه الزكاة كانت الزكاة في ذمته، وثبت للمشتري ما اشتراه؛ لأن البائع في ذلك قد أتلف حق الفقراء بإخراجه من ملكه، فإن خرجت هذه التمرة من ملكه قبل وجوب الزكاة فيها، فلا زكاة عليه إلا أن يكون فارا ً من الزكاة؛ لأنه قالت العلماء: لا فرار من الصدقة، والفار يؤدي « (١) . ويوضح الشماخي المقصود بالفار من الصدقة بضرب مثال عليه فيقول: ومعنى الفار من الصدقة: إذا كان عند رجل مال يجب أن يؤدي عليه الزكاة »حتى إذا مضى بعضمن السنة أخرج ذلك من ملكه بوجه من الوجوه، فإنه ٌﱠ يؤدي على ما مضى من الس ّ نة قل ﱠ ذلك أو ك َ ث ُ ر إن لم يطلب بذلك إلا الفرار من الصدقة، وكذلك يعطي على جميع المستغلات إن لم يطلب بذلك إلا الفرار من الصدقة، ولو أنها لم تدرك، وإن طلب في ذلك الفرار من الصدقة وقضاء حاجته جميعا ً فإنه يؤدي في قول بعضهم، وقال بعض: لا يؤدي حين طلب فيه قضاء حاجته وإن ع ُ « ني به الفرار من الصدقة(٢) . ويضيف المحقق الخليلي بيانا ً لحكم الفار من الزكاة بالتحايل في جوابه ما تقول في أناس شركاء في شيء من النخل، أيجوز » : عن سؤال بما نصه (١) .٢٦/ الشماخي: الإيضاح، طبعة دار الفتح، لبنان، ١٣٩٤ ه/ ١٩٧٤ م، ٢(٢) الشماخي: المصدر نفسه. قسمها في رؤوس النخل وهي غير مدركة إذا كانت نيتهم فرارا ً «؟ من الزكاة ُْ أما ق » : فأجاب َسم الثمرة ع ُذوقا ً(١) ونيتهم الفرار من الزكاة فغير نافع لهم ُْ إن كانوا في الأصل ممن تجب عليه الزكاة بالشركة المذكورة، على أصح ما قيل فيه قياسا ً على قول النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الأنعام لا خلاط ولا وراط » « (٢) معاملة لهم بنقيض المقصود. أما الق َ سم لهم على غير هذه النية فجائز لهم قبل وجوب الزكاة، فإذا تميز ّْ كل منهم بنصيبه فلا يحمل حال وجوب الزكاة فيه بعضهم على بعض؛ لزوال الشركة المقتضية لذلك، ولكل امرئ منهم ما نوى(٣) ، وعليه ما نوى، وذلك في القياس: كمن له أربعون شاة إلا واحدة لشريكه فقبل أن يحول عليه الحول ْ َُ عزلها عن شياهه، فالزكاة واجبة، والعزل ليس بنافع لمنع النبي صلى الله عليه وسلم فلو افترقا(٤) على غير هذه النية جاز؛ لأنهم مالهم يتصرفون فيه كما يشاؤون ما لم يقصدوا ُ مأثما ً « ، كذلك في الأثر(٥) ، عملا ً من قصد بتصرفه غرضا » : بالقاعدة ً غير مشروع يعامل بنقيض مقصوده « من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه » أو .« ومنها إذا أخرجه عن ملكه بالوقف، أو دفعها عن د َ ينه، أو أنفقها على أبيه، أو أعارها، فقد وجبت الزكاة في ذمته؛ لأنه فرار من الصدقة فيعامل بنقيض مقصوده. (١) العذوق: جمع عذق وهو عرجون التمر. قال الرازي: العذق بالفتح النخلة بحملها. ينظر: . نديم مرغيشلي وإخوانه: إيضاح الصحاح لأبي بكر الرازي، ص ٢٨٠(٢) تقدم تخريجه. (٣) يشير إلى الحديث المشهور تقدم تخريجه « إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى » . (٤) يشير إلى حديث: « لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية ا لصدقة » تقدم تخريجه. لا يفرق بين مجتمع » : نسب الشماخي هذا الأثر إلى الوليد بن أبي بكر الموصلي قال قال: المجتمع هو المشاع والمفترق هو المقسوم. ينظر: « ولا يجمع بين مفترق حذار الصدقة .٨٣/ الشماخي: الإيضاح، ٢(٥) ١١٠/ الخليلي سعيد: كتاب التمهيد، ٦ - .١١١ وكذلك من وجبت عليه الزكاة فدفع ماله لشراء شيء كالعقارات، أو ليضارب ِ فيه، أو ليعمل به أي عمل فرارا ً من الصدقة، فإن الزكاة تجب عليه معاملة له بنقيض ّ مقصوده(١) ؛ لأن من قصد بتصرفه غرضا ً غير مشروع يعامل بنقيض مقصوده . ٢ زكاة الفطر: قد يلجأ البعض إلى التحايل على الشرع فرارا ً من الواجب، كمن تجب عليه زكاة الفطر فيعطيها إلى أحد، ويعامله الآخر بالمثل، ويترتب عن هذا التصرف كأن لم يخرج من ماله شيئا ً ، وذلك إذا كان هذا التصرف مبنيا ً على ُّ اتفاق مسبق بين الطرفين، فالحكم أنه لا تجوز زكاته؛ لأنه لم يضعها في مستحقيها، فإن أخذها من غيره بغير حق كان معتديا ً على حق الفقراء، وقد سئل الشيخ بكلي عبد الرحم ن، هل يجوز لاثنين أن يتعاطيا الفطرة؟ أي يعطي ٰ كل واحد منهما زكاة فطره للآخر؟ الفطرة تعطى لفقراء المسلمين مطلقا » : فأجاب ً ، والأولوية للمتول ﱠ ى والقريب والشديد الاحتياج، فإذا أخرج كل من لزمته فطرته، وكان ممن يحتاج ﱡ لنفقة عياله، جاز له أن يأخذ على حسب حاله من صاحبه أو من غيره، أما التواطؤ على ذلك من أول الأمر فلا يليق بالمؤمن، وإني لأ َ خاف أن يكون ذلك شعارا ً في باب الصدقة، أو شبيها ً ببيع الذرائع، لسوء القصد، فلا ينبغي « لمن يرغب في ثواب الله أن يرتكب ذلك(٢) . وهكذا يتضح مما تقدم أن ّ من تصرف على هذا النحو يعد ﱡ فار ّ ا ً من زكاة الفطر، ويعامل بنقيض قصده، وتلزمه من جديد، ولا تبرأ ذمته حتى يضعها في من » : مستحقيها دون تحايل عن الشرع، ولعل هذا الفرع يتخرج على قاعدة قصد بتصرفه غرضا ً غير مشروع عومل بنقيض مقصوده .« (١) . هرموش: معجم القواعد الفقهية الإباضية، ص ٤٦٤(٢) .١٨٣/ المرجع نفسه، ٢ ب في المعاملات: ١ في البيوع: في بيع العينة: حرم الإباضية بيع العينة(١) لإفضائه إلى الربا المحرم، ومنعوا بيع السلاح ﱠ لأهل الفتنة، وكذلك بيع العنب لمن يعصره خمرا ً. (١) العينة: الكبير العين، ع ُر ّ فت عند البعض بأنها العدول عن القرض إلى بيع عين بذاتها للمستقرض بسعر أعلى، وقيل: بيع الشيء نسيئة بثمن ثم شراؤه ممن باعه إياه نقدا بثمن . أقل. ينظر: قلعة جي، المعجم، ص ٣٢٦ إن » : ويحدد الشيخ أحمد الخليلي مدلولها وصفتها ويبين حكمها فيقول ﱠ من بين الطرق الملتوية التي يسلكها الناس من أجل أكل الربا ما عرف ببيوع الذرائع، وهي البيوع التي تسمى بيوع العينة، لأن أحد المتعاملين بها إنما يريد العين، فهو يريد بهذه الصورة الظاهرة للبيع التوصل إلى العين التي يقصد اقتراضها ولكن بطريقة فيها تمويه حتى تتجلى للناس وكأنها بيع، هي بيوع محرمة. وقد بلغني أن جماعة من الناس يتعاملون بها فعندما يريد أحدهم اقتراضا ً ولكن لا يجد من يقرضه بالطريق الشرعي القرض الحسن الذي أباحه الله 4 وحض عليه سلك مع صاحب المال مسلكا ً ملتويا ً من أجل أخذ القرض بطريق ربوي غير مكشوف، فيأتي أحدهم إلى التاجر ويقول له: أريد منك كذا فيبايعه مثلا ً كيسا ً من الأرز، وقيمة ذلك الكيس تقريبا ً عشرون ريالا ً ، فيبيعه له إلى أجل بخمسة وعشرين ريالا ً ، ثم على الفور يشتريه منه بعشرين ريالا ً بقيمته، فيكون العشرون في مقابل خمسة وعشرين، هذا هو عين الربا الذي لا يجوز أبدا ً ، ومن المعلوم أن العلماء شددوا في ذلك ولم يجيزوا بحال من الأحوال هذا البيع ولو لم يكن تواطؤ بين الجانبين، ولو قبض المشتري السلعة التي اشتراها فكيف حسبما بلغني بأن ذلك الكيس الذي يباع لا ينتقل من مكانه، ولا يقبضه المشتري من البائع، بل يبيع له على الفور ولربما لم يره بعينه، وهذا أمر فيه من الخطورة ما فيه، وهو من المحرمات على أي يراجع: الخليلي أحمد بن حمد، فتاوى المعاملات، الكتاب الثالث، ص ٤٩٤ .« حال - .٤٩٧ وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذه الحرمة فقد أخرج أحمد وأبو داود والطبراني وابن القطان من طريق ابن عمر 3 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ضن الناس بالدرهم » ّ ِ والدينار وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد أصابهم الله بذل لا يرفعه عنهم إلا « أن يراجعوا دينهم أخرجه أبو داود في كتاب، الإيجار، باب النهي عن العينة ( ٣٤٦٢ )، وأحمد .( ٢٧ ، والطبراني في المعجم الكبير ( ١٣٥٨٣ / في مسنده، ٢ روى الربيع عن ض م ام عن جابر في رجل يبيع من » : وفي بيع العينة ُ رجل متاعا ً بنسيئة قال: لا بأس أن يشتري منه ذلك المتاع بعينه بأقل أو أكثر، قال الكوفيون : « الشراء فاسد، وهو ضرب من الربا(١) . فمن أجازه بنى على الظاهر، ومن منعه اعتبر الباعث والقصد السيئ، وقد أجاب ابن بركة عن أيجوز بيع العنب ممن يتخذ منه الخمر، والبسر ممن يتخذ منه » سؤال ُْ الفضيخ؟(٢) إذا لم يقل إنما اشتريته منكم لأتخذ منه الخمر والفضيخ؟ قيل له: يجوز، ولا نأمر به بل ننهى عنه، فإن قال: لم جوزتم ذلك؟ قيل له: قد َ يجوز بيع الطعام على أهل الذمة في شهر رمضان مع علمنا بأنهم يأكلونه في « ذلك الوقت المحرم عليهم(٣) . وفي هذ النص نقاش حول بعض تعليلاته، والذي يعنينا منه دلالته على اعتبار الباعث والقصد السيئ في منع هذا البيع؛ لأنه غرض غير مشروع فإذا تحقق القصد السيئ منع صاحبه من ذلك التصرف، عملا ً من قصد » : بالقاعدة ُ بتصرفه غرضا ً أما إذا انتفى هذا الغرض ،« غير مشروع يعامل بنقيض مقصود ه كان الأمر على الجواز بناء على الظاهر والله يتولى السرائر(٤) . في بيع الخيار: ومنها في بيع الخيار أو بيع الإقالة المتخذ وسيلة للربا الحرام، ذهب جمهور فقهاء الإباضية إلى تحريم بيع الخيار أو الإقالة الذي يتخذ وسيلة وذريعة إلى الربا خاصة في بيع الأصول كالعقارات والنخيل. (١)الربيع بن حبيب: آثار الربيع، مخطوط مصور، ص ١٢ . جابر بن زيد: من جوابات جابر، .١١١ - ص ١١٠(٢) الفضيخ: شراب يتخذ من الب ُ سر وحده من غير أن تمسه النار. ينظر: مرغيشلي وإخوانه، . إيضاح مختار الصحاح للرازي، ٣٣٤(٣) .٣٥٢/ ابن بركة: الجامع، ٢(٤) . باجو مصطفى: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ص ٧٦٤ وهو بيع لم يقصد » : وقد بين الشيخ أحمد الخليلي حقيقة هذا البيع فقال ّ به إلا التحايل على الربا بأسلوب المخاتلة والخداع ليخفي هذا القصد، فإن المتعاملين به يعمدون إلى إظهار وجه البيع منه ومواراة وجه الربا، وقد تفطن لذلك أهل العلم، فمنعه جمهورهم من أصله لما ينطوي عليه من سوء المقصد، ويترتب عليه من فساد في دين الأمة وأخلاقها؛ ولأن الحلال والحرام لا ينظر في حكمهما إلى الصور الظاهرة، فإن الله العليم الخبير هو الذي تعبد عباده ّ بتحليل ما أحل وتحريم ما حرم، وهو سبحانه لا تخفى عليه خافية مما يعتمل بين طوايا النفوس وحنايا الضمائر، والعبرة إنما هي بالجوهر لا بالشكل، وبالحقيقة لا بالخيال، وهل تتحول النجاسة عن حكمها وتستحيل عن طبيعتها ّ « إن هي صبت في وعاء حسن الصورة نظيف المظهر طيب الرائحة(١) . ُ ويوضح شيخنا أحمد الخليلي رأي فقهاء الإباضية في حكم بيع الخيار أو وأما أصحابنا رحمهم الله » : الإقالة بما يجلي الحقيقة ويدفع الشك، فيقول فإن أوائلهم لم يتعرضوا لحكم هذا البيع؛ لأن الله تعالى عافاهم منه إذ لم يكن معهودا ً في زمانهم، وإنما سرى من بعدهم إلى أعقابهم داؤه، واستشرى في ُ مجتمعاتهم وباؤه فكان بحاجة إلى بحث أحكامه وتفصيل أدلته من قبل أولى العلم والنظر كسائر العقود المستجدة، وقد تفاوتت نظرة أهل العلم إليه بين واقف على شكله الظاهر وغائص إلى أعماق جوهره الباطن، وقد جمع الشيخ الخراسيني (٢) من فتاواهم وأحكامهم وأقوالهم في مسائله كتابا ً يشتمل على (١) . الخليلي أحمد بن حمد: فتاوى المعاملات، الكتاب الثالث، ص ٤٠٨(٢) هو عبد الله بن محمد بن غسان الكندي الخراسيني النزوي (ت قبل: ١٠٥٠ ه) عالم قائد، عاش في القرن الحادي عشر الهجري. كان رئيس ولاية نزوى في أيامه، وكان ذا منزلة كبيرة لدى ناصر بن مرشد، وكان يلقب بالوالي الكبير. أرسله الإمام ناصر قائدا ً لجيوشه في عدة مواقع. ألف كتابا ً كانت بينه وبين أحمد بن .« خزانة الأخيار في بيع الخيار » : في الفقه، سماه مسعود المعمري مراسلات. ينظر: السيابي: أصدق المناهج، ٥٦ . الأزكوي: كشف الغمة، .٢٢٣/ ٨. معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١ / ٣٥٥ . السالمي: تحفة الأعيان، ٢ « خزانة الأخيار في بيوعات الخيار » ثلاثة أسفار، كل منها كبير الحجم سماه ومما جاء في خطبة الكتاب: أما بيع الخيار ففي تحليله وتحريمه اختلاف بين أهل العلم؛ لأنه لم يكن في قديم الزمان، وإنما أحدثوه في آخر الزمان، فقد استهواهم الشيطان، وزين لهم كثير من فعله، وركض عليهم بخيله ورجله، ّ للذي لا يريد الربا ظاهرا ً ، ويستحي أن يكون منه شاهرا ً ، فأعلمه ببيع الخيار ودل ّ ه، وحاد به عن الطريق وأزله، ولعمري أن أكثر الربا في التجارات لا سيما « هذه البيوعات(١) . قال الشيخ الخليلي معقبا ً وكلامه هذا دليل على الفطنة » : على قوله والدراية بما ينطوي عليه هذا البيع من الربا المبط ﱠ ن، وما يترتب على التعامل َ به من فساد في الدين، ومثله قول العلامة الصحاري (٢) الكوكب » صاحب كتاب ّ اختلف المسلمون في تحريمه وتحليله؛ لأنه إنما هو » :« الدري والجوهر البري ّ محدث باستهواء الشيطان وتظليله، زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، وركض ّ عليهم بخيله ورجله، فذلك أعمى لهم، ولعمري أنه المحض الخالص من « الربا المرجح إلى الشبهة في البيوعات أرجح(٣) . ويضيف الخليلي في معرض ذكر موقف الإباضية من هذا البيع فيقول: وأنت ترى أن المؤلفين قد اتفقا على بيع الخيار لم ي » ُ ست َ لهم إلا من وحي ْ الشيطان الذي لم يرد به إلا إضلال الناس وإغوائهم عن الحق، وإيقاعهم في ِ شراك حيله، وأنه عين الربا المحرم بالنص والإجماع... َ (١) الخليلي أحمد: المرجع نفسه، ص ٤١٢ - .٤١٣ (٢) لم نعثر على ترجمته لاشتباه اسمه مع غيره نسبة إلى بلده ص ُ حار بسلطنة ع ُ مان، ولعله خلفان بن عبد الوهاب بن قيصر الصحاري (ق: ١٢ ه) شاعر فقيه، له قصائد في مدح الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي حكم ( ١١٦٧ - ١١٩٦ ه). ولم ينقل عنه أنه أل ّ الكوكب » ف كتاب .٨١/ في فقه المعاملات. ينظر: معجم أعلام الإباضية، ١ « الدري (٣) . الخليلي: نفسه، ص ٤١٣ هذا وقد حكما جميعا ً عن العلامة أبي عبد الله محمد بن عمر بن أحمد بن َ مداد (١) 5 أن بيع الخيار يختلف حكمه باختلاف قصد المشتري بين ابتغاء ومن » : قوله « الكوكب الدري » غلته أو ابتغاء أصله، وأضاف إلى ذلك صاحب ابتاع بيعا ً خيارا ً طمعا ً في غلته فهو المحرم المحظور، لقوله صلى الله عليه وسلم : من أجبى » َْ « فقد أربى(٢) ؛ ولأنهم جعلوا هذا سل ّ ما ً يرتقون به إلى تحليل الثمرة لغباوة ُ عقولهم، إذ أت َوا بأقوال وأعمال منكرة، فصار أمرهم كمن تزوج بضة(٣) ، وأكن ُْ ﱠﱠ تحليلها لمن أبانها، وكمن باع نسيئة مثلا ً بمثلين وأظهر في تأسيس البيع أنه بالتبر أو الورق، وكمن فجر بخرعوبة(٤) « ، وأظهر أنه نكحها(٥) . ْ أجوبة عديدة للإمام السالمي يرد فيها على « العقد الثمين » ووردت في المستفتين ويجلي فيها الحكم، ومما جاء فيه: (١)محمد بن عمر بن أحمد المدادي الناعبي (ق: ١٠ و ١١ ه) كان يسكن نزوى، وهو شيخ فقيه تولى القضاء للإمام ناصر بن مرشد اليعربي على نزوى، وتوفي أيام الإمام، قبل سنة: ١٠٥٩ ه . .١٩/ ٢٢ . السالمي: تحفة الأعيان، ٢ / ينظر: البطاشي: إتحاف الأعيان، ٢ .٤٣٤/ الأزكوي: كشف الغمة، ٣٦٥ . معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١ (٢) هذا جزء من الحديث السابق، رقم: ٨٣ . أخرجه ابن حجر (المطالب العالية)، كتاب النكاح، باب ما يحرم من النساء، رقم: ١٦٠٥ . عن وائل بن حجر. وابن أبي عاصم (الآحاد والمثاني)، الضحاك بن النعمان، رقم: ٢٣٨١ . عن مسروق بن وائل. قال الألباني في ضعيف الجامع الصغير: حديث موضوع. قال الهيثمي: في مجمع الزوائد، رواه الطبراني في الكبير وفيه بقية لكنه مدلس، وهو ثقة. ينظر: الطبراني المعجم الكبير، بقية الميم، من اسمه مسروق مسروق بن وائل الحضرمي حديث: ١٧٥٨٧ . (٣) امرأة باض » : جاء في اللسان ّ ة وبض ّ ة وبضيضة وبضاض: كثيرة اللحم تارة في نصاعة، وقيل هي الرقيقة الجلد الناعمة إن كانت بيضاء أو أدماء، وقال اللحياني: البضة الرقيقة الجلد الظاهرة الدم، وقال الليث: امرأة بض ّ ابن منظور: .« ة تارة ناعمة مكتنزة اللحم في نصاعة لون .٢٢٢/ لسان العرب، ١ (٤) خرعوبة: الفتاة الشابة اللينة. (٥) الخليلي أحمد: فتاوى المعاملات، ص ٤١٣ - .٤١٤ سؤال : عمن أراد أن يبيع شيئا » ً من ماله لآخر خيارا ً ، فقال المشتري اشتريه منك خيارا ً بكذا وكذا، على أن تقتعده(١) مني بكذا وكذا إلى مدة كذا وكذا، وإن أبى البائع من ذلك لم يشتر المشتري إلا إن وافقه على هذا، أترى ذلك جائز لهما على هذا العقد أم فاسد أم منتقضا ً ؟ وهل يجوز للكاتب أن يكتب لهذا المشتري إذا عرف منه أن أكثر شرائه على هذا العقد إذا لم يكن حاضرا ً حين البيع، أم حتى يكون حاضرا ً «؟ أم لا بأس عليه حضر أو لم يحضر أجاب السالمي : هذا باطل؛ لأن من قواعدهم أن البيوع على ما عقدت » في الأحكام، وعلى ما أسست في الحلال والحرا م، وأيضا ً فقد جعل هذا المشتري نفس هذا البيع ذريعة إلى أخذ الغلة(٢) ، ومن جوز بيع الخيار، فإنما ّ جوزه على نية إرادة الأصل لا على قصد إرادة الغلة، قال أبو نبهان (جاعد (٣) (١) تقتعده: من قع ّ د الشيء أجره واستأجره منه، لغة يستعملها أهل ع ُ مان ولا أدري أصلها في اللغة فقد بحثت عنها في المعاجم فلم أعثر على معنى يوافق هذا والله أعلم لعلها كلمة عامية . (٢) الغلة: مصطلح مشهور عند أهل ع ُ مان يراد به الربا والفائدة الناتجة عن الأصل. وله أصل في الغ » : كلام العرب، جاء في اللسان َ ل ّ ة: الد ﱠ خل من كراء دار، وأجر غلام، وفائدة أرض، وفي الحديث: « الغلة بالضمان » ؛ قال ابن الأثير: هو كحديثه الآخر: « الخراج بالضمان » . والغلة: الد ﱠ خل الذي يحصل من الزرع والثمر واللبن والإجارة والن ﱢ ابن منظور، .« تاج ونحو ذلك .١٠١٠/ لسان العرب ٢ (٣) هو جاعد بن خميس بن مبارك الخروصي، اليحمدي، الأزدي، القحطاني، أبو نبهان، (و: ١١٤٧ ه. ت: ١٢٣٧ ه)، يصل نسبه إلى الإمام الصلت بن مالك الخروصي. كان أحد الشيوخ والفقهاء من قرية (العليا) من وادي بني خروص. وكان عالما ً وشاعرا ً ، لقب في عمان ُ بالشيخ الرئيس، أو السيد الرئيس، كان الشيخ جاعد من أجل علماء زمانه والحبر المشار إليه بالبنان، واشتهر بكونه الوحيد في علم الأسرار، ويمتاز بملكة قوية. تتلمذ على الشيخ أبي محمد عبد الله بن ناصر بن محمد بن بشير الخروصي، والشيخ ناصر بن سليمان بن عبد الله الخليلي الخروصي، غير أن الشيخ جاعد كان مع ذلك عصامي التكوين، لأنه عاش في وسط علمي. ومن تلاميذه، ابنه ناصر بن أبي نبهان وخميس بن أبي نبهان وابن ابن أخيه منصور بن محمد بن ناصر بن خميس. له مؤلفات كثيرة منها: مقاليد التنزيل وتفسير لبعض الآيات المتشابهة، وكتاب الدقاق في دق أعناق أهل النفاق، وكتاب إيضاح البيان = الخروصي) في بيع الخيار: إن كان مراده به الغلة فالحرام أولى بها، وإن أراد به الأصل فالاختلاف في تحليلها وتحريمها، وأيضا ً ففعله هذا مشابها ً لفعل الرجل الذي تزوج امرأة لقصد تحليلها لمطلقها، وأظهر ما يصح به التزويج عند الناس، ومشابها ً لفعل من باع مكوكا ً بمكوكين في السريرة وأظهر في َ الظاهر أنه بدراهم، وإذا فسد البيع من أصله فلا يجوز لأحد كتابته، ولا الشهادة عليه إذا علم بذلك، وأما إذا لم يعلم فإن ارتاب قلبه من المشتري فالسلامة البعد من الريبة، وإن لم يرتب فلا بأس عليه إذا أظهروا له وجه الحق، ويكون ْ فساد ذلك على أنفسهم، وإن تعوده أحد حتى صار معروفا ً بذلك فلا يكتب له حملا ً « على عادته التي تعودها حتى يعلم صلاحه(١) . ّ وفي سؤال آخر : عن المشتري نخلة أو نخلات بالخيار وقصده الغلة؛ »لأن صاحب الأصل لا يتمنى بيع القطع، ما ترى لهذا الشاري أولا، ً الترك أو التشبث ببيع الخيار؟ وهل تنفعه نية طلب الأصل إذا كان عالما ً بصاحب «؟ الأصل لا يبيع أجاب السالمي : الخير كله في ترك بيع الخيار ولم يجزه العلماء رحمهم » الله على هذا الأمر الذي فعله عوامنا، وإنما أجازوه مع صحة النية وقصد الخير، فأنت تعلم أن هؤلاء لا يطلبون إلا نفس الغل ّ ة حتى أنهم لو ترك لهم ِ الأصل ما قبلوه، وحتى أن أحدهم يقول: لا أفرط على فلان، ألا َ فالبعاد البعاد، « والفرار الفرار، ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه(٢) . = فيما يحل ويحرم من الحيوان، وكتاب البيوع، وكتاب الطهارات، وشرح كتاب الجهالات، وأجوبة فقهية في سبعة مجلدات. له أشعار كثيرة منها: قصيدته النونية، وقصيدته المسماة: وقد شرحها شرحا ،« حياة المهج » ً وافيا ً . .١٩٠/ ينظر: السالمي: تحفة الأعيان، ٢ للطالب سعيد بن مصبح « إيضاح البيان » ١٥٤ . مقدمة تحقيق كتاب ،١٣٩/ شقائق النعمان، ١ الغريبي، معهد القضاء ع ُ .٤٣/ مان، ١٤١٨ ه ، ١٩٩٧ م. معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١ (١) ٦١/ السالمي: العقد الثمين، ٤ - .٦٢ (٢) .٦٤/ السالمي: نفسه، ٤ ج في الأحوال الشخصية: وقد حظي باب النكاح والطلاق والظهار والوصية والميراث وغيرها بتطبيقات وافرة لهذه القاعدة نذكر منها: ١ في نكاح التحليل: إذا بانت المرأة من زوجها بثلاث تطليقات لم يحل لها مراجعتها حتى لا تنكح زوجا ً غيره ثم يطلقها، هذا ما نص عليه القرآن صريحا ً : ﴿ ÎÍ á à ß Þ Ý Ü Û Ú Ù Ø× Ö Õ Ô Ó Ò Ñ Ð Ï ìëêéèçæåäãâ ﴾ (ال بقرة: ٢٣٠ (. ِ ِ ولكن إذا تزوجها هذا الأخير بنية طلاقها، وعلم بقرائن الحال كان النكاح َُ محرما، وقد سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالتيس المستعار(١) . ّ وحكمه عند الإباضية أنه إذا تبين هذا القصد السيئ بأن علمه أحد الثلاثة، ُ الزوج أو الخاطب أو المرأة، لم تحل المرأة لزوجها الأول؛ ولو ندم الزوج الثاني بعد زواجه؛ لأن نكاحه بني على هذا القصد؛ فلا اعتداد به في تحليل َُ الزوجة عملا ً من تعجل شيئا » : بالقاعدة ً قبل أوانه عوقب بحرمانه « (٢) . ولا تقصر مسؤولية فساد هذا النكاح على الأطراف الثلاثة وهم: الزوج والخاطب والمرأة، بل تشمل كل من شارك في إنشاء هذا العقد، كالولي (١) نص الحديث عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » : ألا أخبركم بالتيس ا لمستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: هو ا لمح َل ّ ل لعن الله ا لمحل ﱢ ل والمحل ﱠ ل له أخرجه ابن ماجه، ،« . كتاب، النكاح، حديث: ١٩٢٦ (٢) جابر بن زيد: من جوابات جابر، ص ١٤٨ . الخراساني، مدونة أبي غانم الخراساني، تحقيق يحيى البهلاني، ولعساكر إبراهيم، ص ٢٣٧ . أرشوم: النكاح صحة وفسادا ً وآثارا ً في المذهب الإباضي، ص ٢٢٦ - ٢١٨ . بل ذهب ابن / ٢٢٧ . ابن جعفر: الجامع، ٦ حزم إلى أنه إذا صرح بالتحليل في العقد كان زنا ً موجبا ً لا أوتى بمحلل » : للحد لقول عمر أما إن لم يتبين قصد التحليل فالنكاح صحيح بناء على الظاهر. ابن « ومحلل له إلا رجمته .٢٤٩/ حزم، المحلى، ١١ والشهود، وتلحق الجميع اللعنة إن علموا ذلك وتعمدوا الفعل، وهذا ما أكده وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا » : الجناوني وصرح به في قوله ً فتزوجها غيره ليحللها له فلا يجوز ذلك للزوج ولا للمرأة ولا للشهود ولا للولي، وإن علموا ذلك ولا يحللها ذلك للزوج الأول، وإن تاب الزوج الآخر، فقيل: إن توبته في طلاقها، وقال بعضهم: توبته في حبسها دون طلاقها، وقد قيل: إن الرجل إذا تزوج المرأة ليحللها لمن طلقها ثلاثا ً فهو ملعون بذلك، والمرأة ملعونة إن تعمدت ذلك، فإن تزوجها الأول على ذلك فلا يؤكل معروفهما، وأن ينكر « عليها فعلها ولا يفرق بينهما(١) . وقال المحقق علي يحيى معمر في حاشيته على كتاب النكاح للجناوني: ِ قوله: وفي التاج »(٢) يفرق بينهما وبين محل ّ ها ومن أحلت له، ويصدقها كل منهما ُ إن دخل بها، ولا يجوز للمحلل أن يقيم معها إن مسها، وإلا تاب وجدد العقد، وكذلك قال ابن الحاجب(٣) بالتفريق، ولكن ولو لم يمس، وعبارته: يفرق بينهما «... قبل البناء وبعده بتطليقه بائنة ولها المسمى إذا أصابها على الأصح(٤) . ولكن المحقق علي يحيى معمر رجح قول الجناوني بعدم التفريق بين (١) . الجناوني: كتاب النكاح، ص ٢٩٧ (٢) الثميني عبد العزيز بن الحاج إبراهيم: التاج المنظوم من درر المنهاج، اختصره من كتاب منهج الطالبين وبلاغ الراغبين لخميس الشقصي العماني، وكل من الكتابين مطبوعين، والأول ُ ١٤٢١ ه/ ٢٠٠٠ م. حققه: محمد بابا عمي بن موسى ومصطفى بن محمد شريفي، ط ١(٣) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو جمال الدين ابن الحاجب ٥٧٠) - ٦٤٦ ه/ ١١٧٤ - ١٢٤٩ م): فقيه مالكي، من كبار العلماء بالعربية. كردي الأصل. ولد في أسنا (من صعيد مصر) ونشأ في القاهرة، وسكن دمشق، ومات من مصنفاته: مختصر منتهى السول في علمي الأصول والجدل، جامع الأمهات في الفقه، الكافية في النحو والشافية ٢١١ . نذير / في التصريف وقد شرحهما، وعقيدة ابن الحاجب وغيرها. الزركلي، الأعلام، ٤ ٦٨/ حمادو مقدمة التحقيق لكتاب مختصر منتهى السول لابن الحاجب، ١ - .٧٧ (٤) علي يحيى معمر: الحاشية على كتاب النكاح للجناوني، ص ٢٩٧ . أطفيش: شرح النيل، باب .٢٧٨/ فيما يحل للرجل مطلقته. ١٣ ولعل أعدل الأقوال في الموضوع هو ما ذهب » : المرأة والزوج الثاني فقال « إليه المصنف(١) . ويبدو من عبارة المحقق أنه استدل في حكمه على الظاهر من حال المحلل إذا ظهرت منه التوبة والندم، ولعل القول بالتفريق هو الأقرب للصواب؛ لأن هذا النكاح باطل وما بني على الباطل فهو باط ل، فما دام القصد السيئ قد ظهر من المحلل وتم العقد أو الدخول على هذا القصد، فالأولى أن يفترقا إعمالا ً من قصد بتصرفه غرضا » : للقاعدة ً غير مشروع عومل .« بنقيض مقصوده ٢ النكاح في العدة: وفي النكاح في العدة حكم عمر على من نكح معتدة ودخل بها بالتفريق بينهما فراقا ً مؤبدا ً ، وإن لم يدخل بها فسخ النكاح واعتدت بقية عدتها، ثم ِ صار واحدا ً من الخطاب. وزاد الإباضية فحرموا حتى الخطبة من الرجل ومن ّ المرأة سواء، وإلا حرمت عليه احتياطا ً وسد ّ ا ً للذرائع(٢) . وتحريم المنكوحة في عدتها حكم اتفق عليه الإباضية والمالكي ة، وهو قول عدد من الصحابة تأييدا ً لفعل عم ر؛ إذ رآه صلاحا ً للرعية فلم ينكروا فإذا ترك المسلمون النكير على الإمام حكمه في حادثة كان أثرا » ، عليه ً يعمل به، ويعتمد عليه « (٣) . من جواب أبي معاوية عزان بن الصقر « الجامع » نقل ابن جعفر في(٤) عن في الرجل يخطب المرأة وهي في العدة ويوافقها على الصداق، ولم » سؤال يعقد عقد النكاح حتى انقضت العدة، أيحل له أن يتزوجها؟ (١) علي يحيى معمر: المصدر نفسه. (٢) . أبو العباس: كتاب أبي مسألة، (مخ) ٦٦ . و(مط) ١٣٩(٣) . ١٣٩ . ابن خلفون: أجوبة، ٤١ / ابن بركة: الجامع، ٢(٤) تقدمت ترجمته. فقال: فإن كان لم يتزوجها فلا يتزوجها، وإن تزوجها لم أتقدم على الفراق « بينهما، وقال بعض المسلمين يفرق بينهما(١) . فيكره التعريض للمطلقة ثلاثا » : وفي موضع آخر يقول ً ما دامت في العدة، ولا بأس بالتعريض للمتوفى عنها زوجها بالقول المعروف بلا مواعدة، فمن «(٢) واعد امرأة في عدتها للتزوج بها فقد حرم عليه تزوجها أبدا ً . ويفهم من عبارة ابن جعفر أنه كره التعريض بالزواج، ومنع المواعدة أو ِِ الخطبة في العدة؛ لأن ذلك استعجالا ً لأمر لم يحن وقته، فإن تعمد فعل ذلك ْ تحرم عليه المعتدة حرمة مؤبدة، معاملة له بنقيض مقصوده، وعملا ً بالقاعدة: من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه » .« ٣ الجمع بين محرمين في العدة: وذهب الإباضية إلى تحريم الجمع بين محرمين في العدة أو بعدها استنادا ً َْ َ إلى قوله تعالى: ﴿ }| ~ ﮯ ¤£¢¡ ﴾ (النساء: ٢٣ ( . وقوله صلى الله عليه وسلم : لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا المرأة وخالتها » « (٣) ، ومن فعل ذلك متعمدا ً فعقده باطل، وإن دخل عليها حرمتا جميعا ً ، وقد سئل أبو عبد الله يفرق بينه » : محمد بن محبوب فيمن تزوج أخت امرأته في بقية من عدتها فقال ّ وبين الآخر، وإن كان دخل بها حرمتا عليه جميعا ً ، وإذا تعمد لتزويجها، وإن كان لم يدخل بالآخرة فرق بينهما، فإذا أكملت الذي طلقها عدتها منه فله أن ّ يرجع إلى الآخرة بنكاح جديد إذا كان تزويجه بها غلطا ً منها أو في العدة، وإن « كان لم يدخل بالآخرة فأراد أن يرد الأولى في بقية عدتها فله ذلك(٤) . (١) .٢٣٠/ ابن جعفر: الجامع، ٦(٢) .٢٢٨/ ابن جعفر: الجامع، ٦(٣) ١٦٩ ، مع زيادة، عن ، رواه الربيع، كتاب النكاح، باب ما يجوز من النكاح وما لا يجوز، رقم: ٥١٧ أبي هريرة. والبخاري، كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها، رقم: ٤٨٢٢ ، عن ابن عمر. (٤) .٢١٨/ ابن جعفر: المصدر نفسه، ٦ ولا شك أن الذي تزوج أخت زوجته في عدتها أراد أن يستعجل ذلك ولو ّ تصادم ذلك مع النصوص، ولم تخرج مطلقته من عدتها، ولذلك عومل بنقيض مقصوده فحرمتا عليه إن دخل بالثانية حتى لا يتلاعب بأحكام الشرع؛ لأن من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه . ٤ في الصداق: يعتبر الصداق من أركان العقد عند الإباضية وعليه فيجب على الزوج أن يقدم للمرأة مهرا ً قبل الدخول بها، ولو كانت المرأة غنية أو قدمت له ّ مالا ً ليتزوجها، ولا يجوز لأحد أن يقبل بالزواج بالمرأة طمعا ً في مالها فإن ّ بيت َ هذه النية ثم حصل عليه طلقها، قال أهل العلم: من فعل ذلك يجب ّ عليه إرجاع ما أخذ من زوجته معاملة له بنقيض قصده السيئ وعملا ً من قصد بتصرفه غرضا » : بالقاعدة ً أو ،« غير مشروع يعامل بنقيض مقصود ه يعامل السيئ النية في التصرف بنقيض قصده، فإن ظهر غير ذلك وكان راغبا ً في البقاء معها ثم طرأ عليه ما يدعو إلى طلاقها فيجوز له أن يحتفظ بما قدمته له. وإن قالت المرأة لرجل خ » : يقول الجناوني هذا المعنى ُ ذ ْ هذا المال فتزوجني، فأخذ منها فتزوجها بصداق آخر غير ذلك المال الذي أخذ منها، ثم طلقها من قبل أن يمسها، وكان عقده للنكاح في قلبه لأخذ مالها ذلك، ثم طلقها، فهو الذي كان في نيته، فعليه أن يرد لها ما أخذ منها، ويعطيها صداقها الذي أصدقها إن مسها، أو نصفه إذا لم يمسها، وإن لم يكن نكاحه إياها رغبة منه في أخذ مالها وحرصا ً عليه ثم طلقها لحاجة أو لأمر بدا له في طلاقها، فعليه صداقها الذي أصدقها إن مسها أو نصفه إن لم يمسها، وليس عليه رد « ما أخذ منها على النكاح(١) . (١) . الجناوني: كتاب النكاح، ص ١١٠ ٥ وفي الزواج بعد الزنى: ومن فروع هذه القاعدة أيضا ً : تحريم نكاح المزنية على من زنى بها، فقد حرم الإباضية هذا النكاح قياسا ً بالنكاح في العدة وباللعان، واعتمدوا في مذهبهم على قاعدة سد الذرائع، حتى لا يتخذ الزنى الحرام ذريعة للنكاح الحلال؛ لأن الوسيلة المحرمة لا تفضي إلى الغاية المباحة، وفي هذا التحريم معاملة للزاني ولا شك أن هذا ،« ومن تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمان ه » ، بنقيض قصده الحكم ينسجم مع مقاصد الشارع في حفظ الأعراض، وكبح جماح الفساد، وحض الناس على اتخاذ السبل المشروعة لبلوغ الغايات المباحة(١) . وقد أشار أستاذنا الشيخ بالحاج محمد إلى هذه المسألة وبين حكمها ّ استنادا ً وكتحريم مزنية الرجل عليه تحريما » : إلى هذه القاعدة فقال ً مؤبدا ً سد ّ ا ً لذريعة الفاحشة، وإن حصلت فمعاملة بنقيض المقصود، ومن باب من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه « (٢) . ٦ في طلاق الفار : ﱢ أقر الإباضية قول عمر 3 فيمن طلق زوجته ثلاثا ً في مرض موته، ومات في عدتها، أنها ترثه ما كانت في العدة، ولا يرثها، وذلك إذا تبين أن الضرر كان من الزوج لقصده السيئ، أما إذا طلبت هي الطلاق فلا ميراث لها. قلت: فرجل » : قال أبو غانم الخراساني للربيع بن حبيب في المدونة طلق امرأته ثلاثا ً في مرضه؟ قال: بلغنا عن عمر بن الخطاب 3 أنه كتب فيها إلى ش ُ ريح أنها ترثه ما كانت في العدة ولا يرثها. وتفسير ذلك عندنا (١) ٢٢/ الجناوني: كتاب النكاح، ص ٤١ . أبو غانم الخراساني: المدونة، ٢ - ٢٣ . ابن بركة: ٤١ ،٣٧ ، ١٣٣ . ابن خلفون: أجوبة، ص ٣٥ / الجامع، ٢ - ٤٢ . الخليلي أحمد بن حمد: فتاوى النكاح، ص ١٥٠ - ١٦٨ . وينظر: / ١٥١ . ابن الحواري: جامع ابن الحواري، ٣ كتابنا، النكاح صحة وفسادا ً وآثارا ً .٢٤١ - في المذهب الإباضي، ص ٢٤٠(٢) . الشيخ بالحاج محمد بن بابه: الاجتهاد في المذهب الإباضي، ص ٢٢ ووجه قول عمر 5 أنه إذا طلقها إضرارا ً فرارا ً من الميراث فإنها ترثه « ما كانت في العدة(١) . الربيع بن حبيب عن ضمام » وروى(٢) عن أبي الشعثاء في رجل طلق امرأته « وهو مريض قال: ترثه ما دامت في العدة فإذا انقضت عدتها فلا ميراث(٣) . كما نقل ابن جعفر هذه المسألة في جامعه وأشار إلى هذه القاعدة فقال: إذا مات رجل من قبل أن يجوز بامرأته فإن لها الصداق والميراث، وعليها »عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن طلقها في مرضه فقد « قيل: إن لها الميراث، ومن هرب من الحق رد إليه(٤) . ُﱠ ٧ في وطء المطلقة قبل الإشهاد على الرجعة: يشترط الإباضية وغيرهم على المطلق إذا أراد إرجاع مطلقته في الطلاق الرجعي أن يشهد على ذلك شاهدي عد ْ ل، فإن ردها بدون إشهاد حرمت عليه عملا ً من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه » : بالقاعدة « يقول ابن بركة وإذا طلق الرجل زوجته طلقة أو اثنتين ثم وطئها قبل أن » : في هذا المعنى (١) . الخراساني: مدونة أبي غانم الخراساني، ص ٢٣٤ (٢)ضمام بن السائب: من أبرز أيمة الإباضية الأوائل، من الطبقة الثالثة ( ١٠٠ - ١٥٠ ه/ ٧١٨ - ٧٦٧ م) فهو من طبقة التابعين، أصله من أزد ع ُ مان، ولد بالبصرة وبها نشأ، وتتلمذ على إمام المذهب أبي الشعثاء جابر بن زيد، ولذا كان جوابه كل ﱠ سألت جابرا » : ما سئل ً ، أو سئل جابر، أو سمعت جابرا ً كما تتلمذ على غيره. وصفته كتب السير بالعلم والتحقيق والكشف ؛«... عن المعضلات. عاصر الإمام أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة، وكان ممن تصد ﱠ ر للفتوى في ﱠ جمعها أبو صفرة « روايات ضمام بن السائب » : عهده. دونت رواياته عن جابر بن زيد في كتاب ﱢ عبد الملك بن صفرة، عن الهيثم عن الربيع بن حبيب عن ضمام عن جابر. وله كتاب في ينظر: الدرجيني: طبقات، .« الحجة على الخلق في معرفة الحق » : موضوع خلق القرآن بعنوان ﱠ ٢٠٨/٢ - ٢٤٦ ،٢١١ - ٢٤٨ * ٦٩ ،٢٠ ،١٩ ، ابن مداد: سيرة، ٦ * الشماخي: السير، ٧١/١ - ٨٢ * .٣٤١/ ابن خلفون: أجوبة، ١١٢ . معجم أعلام الإباضية بالمغرب، ١ (٣). جابر بن زيد: من جوابات جابر، ص ١١٤(٤) .٢٢٤/ ابن جعفر: الجامع، ٦ يراجعا بالإشهاد بالبينة، فإنها تحرم عليه في قول أصحابن ا، وهو ما روي عن ابن عباس : قال: ووجدت في كتاب ابن المفلس(١) يذكر عن ابن عباس أنه قال ي ُح َ د ﱡ ، وأما عمر بن عبد العزيز فروي عنه أنه كان يرى التفرقة، وذكر ابن المفلس(٢) « في كتابه أن جابر بن زيد كان يرى أن عليه الرجم(٣) . ويبدو أن الإباضية شددوا على هذا المطلق فحرموا عليه زوجته، بل ذهب بعضهم إلى إقامة الحد عليه معاملة له بنقيض مقصوده، وحفاظا ً على حقوق المرأة؛ لأنه ربما يراجعها دون إشهاد ثم ينكر ذلك، ولا توجد للمطلقة بينة ّ تثبت بها الرجعة، ومن ذهب إلى عقوبته بالحد فلعله اعتبر ذلك الوطء بمثابة الزنى الموجب للحد، والظاهر أنه ما دامت في العدة فهي في عصمته، وهذه شبهة تنفي الحد عنه، ويكفي أن يعاقب بتحريمها عليه، عملا ً باجتهاد عمر بن الخطاب 3 أن النكاح في العدة يحرم المرأة إلا أن هناك فرقا ً بين معتدته ومعتدة غيره والله أعلم. (١) في الأصل: ابن المفلس، ولم أجد من يحمل هذا الكنية عند الإباضية ولا عند غيرهم، وقد ضبطه زهران المسعودي في كتابه الإمام ابن بركة ودوره الفقهي في المدرسة الإباضية من ِ خلال كتابه الجامع، ص ٦٨ ، ولعله قد اطلع على أصل الكتاب. وابن المغ َ لس بالغين ُ المعجمة هو أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلس، وإليه انتهت رياسة الداوديين في وقته ولم ير مثله فيما بعد، وكان فاضلا ً عالما ً نبيلا ً صادقا ً ثقة مقدما ً عند جميع الناس، ومنزله ببغداد على نهر مهدي يقصده العالم من سائر البلدان، وتوفي لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ٣٢٤ ه ، وله من الكتب: كتاب المزني، وكتاب الطلاق، وكتاب الولاء. ينظر: ابن .٢٩٦/ النديم: الفهرست، ص ٣٠٦ . إبراهيم بولرواح، موسوعة آثار جابر بن زيد الفقهية، ٢(٢) لم نعثر على ترجمته ووجدت إشارة له في بعض الكتب أنه من رواة الحديث وله كتاب ٣٧٩ . النووي: المجموع شرح / في المرويات ولم يصرحوا به. ينظر: تحفة الأحوذي ٢ .٤٢٢/ المهذب، ١٠(٣) رواه البيهقي، كتاب الحدود، باب حد اللواط، رقم: ٥٣٢٣ ، وأورده الآجوري، كتاب ذم اللواط، ذكر أقوال التابعين في حكم اللواط، رقم: ٤٠ ، عن علي. ينظر: ابن بركة: الجامع، .١٨١/٢ ٨ في باب الميراث والوصية: ومن فروع القاعدة أن الإرث والوصية وقتهما الشرعي بعد موت المورث والموصي، فلو قتل شخص مورثه أو الموصي له بلا سبب شرعي يحرم بذلك من الإرث أو الوصية(١) ، عملا ً من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه » : بالقاعدة .« ألا ترى إلى القاتل حرم بتعديه الإرث عمن » : قال ابن بركة في هذا الصدد يرثه لطمعه بتعجيل ما كان يستحق بغير معصية، فكانت المعصية عقوبة له وحرمانا ً « لما كان يستحقه لركوبه نهي الله تبارك وتعالى(٢) . َ وكذلك من تسبب في تضييع مورثه أو وصيته حتى مات، كأن يتعرض أحدهما للغرق أو الحرق فيتقاعس عن إنقاذه وإغاثته فيهلك، فلا يرثه معاملة له بنقيض قصده؛ لأنه قد يكون تركه على تلك الحالة حتى يتخلص منه استعجالا ً من قصد بتصرفه غرضا » للميراث؛ لأن ً غير مشروع عومل بنقيض مقصوده .« وإن لم يكن وارثا ً وكان الهالك أوصى له بطلت وصيته قياسا ً على القاتل ومعاملة له بنقيض قصدهما. وكل ما يجب على الرجل من » : ويقول أبو العباس أحمد في هذا الشأن تنجية نفسه أو تنجية غيره، لو منعه ذلك الشيء من الفساد ولم يفعل حتى هلكت نفسه أو نفس غيره، فهو هالك ويكفر بذلك أيضا ً ، فإن كان ذلك الذي ضيع ممن يرثه من الناس أبطل ميراثه؛ لأنه بمنزلة قاتله، ولا يرث القاتل ّ قتيله (٣) «... ، وكذلك من أوصى له تبطل ذلك وصيته(٤) معاملة بنقيض مقصوده. (١) ١٤٣/ ٤٩٧ . السالمي: طلعة الشمس، ٢ / أطفيش أمحمد: شرح النيل، ٧ - .١٤٤ (٢) ١٣٩/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .١٤٠ (٣) يشير إلى الحديث المشهور في هذا الباب وهو قوله صلى الله عليه وسلم : « لا يرث القاتل » . أخرجه الدارمي في سننه، كتاب الفرائض، باب: ميراث القاتل حديث رقم: ٣٠٣٢ عن ابن عباس، ورواه غيره بطرق أخرى مع زيادة. (٤) . أبو العباس أحمد بن محمد: كتاب أبي مسألة، ص ١٦٧ k :IóYÉ≤dG øe ≈æãà°ùj Ée :É°ùeÉN استثنى بعض الفقهاء بعض الفروع الفقهية واعتبروها خارجة عن هذه القاعدة من ذلك: ٍ ﺢﺟﺍﺭٍ ﺐﻟﺎﻃﻭ َ ﻪﻨﻳ ﻰﻠﻋﻝﻮﻗﺩ ﻮﻟ ﻞﺘﻗ ﻦﺋﺍﺪﻟﺍ ـ ﺐﺣﺎﺻ ﻦﻳﺪﻟﺍ ـ ﻦﻳﺪﻤﻟﺍﻞﺣّ ١ـ ﻪﺑ ،ﺔﺛﺭﻮﻟﺍ ﺐﺟﻭﻭ ﻢﻬﻴﻠﻋ ﻩﺩﺍﺪـﺳ ﻦﻣ ﻪﻟﺎﻣ ﻥﺇ ﻥﺎﻛ ﻪﻟ ،ﻝﺎﻣ ﻭﺃ ﻦﻣ ﻢﻬﻟﺍﻮﻣﺃ ،ﻢـﻬﻨﻣ ﺪﻗﻭ ﺖﺟﺮﺧ ﻩﺬﻫ ﺔﻟﺄـﺴﻤﻟﺍ ﻦﻣ ؛ﺓﺪﻋﺎﻘﻟﺍ ﻥﻷ ﻉﺮـﺸﻟﺍ ﻞﻌﺟ ﻮﻄﺗًﺎـﻋﱡ ﺐﺟﻭﻭ ﺎـﻣ ﻡﺍﺩ ﻦﻳﺪﻤﻟﺍﻴﺣًﺎـً ، ﻥﺈﻓ ﺕﺎﻣ ﻊﻄﻘﻧﺍ ﻞﺟﻷﺍﺎﻋﺮـﺷّ ﱠﺪﻠﻟً ﻦـﻳﻼﺟﺃ ، ﻥﺇﻭً ﺩﺍﺪـﺳ ﻦـﻳﺪﻟﺍ ﻦـﻣ ،ﻪﺘﻛﺮﺗ ﺀﺍﻮـﺳ ﺕﺎـﻣ ﻒـﺘﺣ ﻪﻔﻧﺃ ﻡﺃ ﺕﺎـﻣﻻﻮـﺘﻘﻣ ّ ﻞﺠﻌﺘـﺳﺍ ﺐـﺣﺎﺻﺪﻟﺍ ﻦـﻳ ،ﻪـﻠﺘﻘﺑ ﺪﻘﻓ ﺽﺭﺎـﻌﺗ ﺎﻨﻫ :ﻥﺎﺒﺒـﺳ ،ﻝﺎﺠﻌﺘـﺳﻻﺍ ّ ﻦﻳ ﺪـﻨﻋ ،ﺕﻮﻤﻟﺍ ﻝﺎﺠﻌﺘـﺳﻻﺍﻭ ،ﻥﻮﻨﻈﻣ ﻢﻜﺣﻭ ﻢـﻜﺣﻭ ﻉﺮـﺸﻟﺍ ﻝﻮﻠﺤﺑﺪﻟﺍ ﻉﺮﺸﻟﺍ ﻉﻮﻄﻘﻣ ،ﻪﺑ ﻡﺪﻘﻓ ﻉﻮﻄﻘﻤﻟﺍ ﻪﺑ ﻰﻠﻋ .ﻥﻮﻨﻈﻤﻟﺍ ﻮـﻟ ﻥﺃ ﺓﺃﺮـﻣﺍ ﺖﺑﺮـﺷ ﺀﺍﻭﺩ ﺾﻴﺤﺘﻟ ﺖﺿﺎﺤﻓ ﻢﻟ ﺾـﻘﺗ ؛ﺓﻼﺼﻟﺍ ﻥﻷ ﻡﺪﻋ ٢ـ ﺀﺎﻀﻗ ﺓﻼﺼﻟﺍ ﻖﻠﻌﺘﻣ ﺾﻴﺤﻟﺎﺑ ﺾﻐﺑ ﺮﻈﻨﻟﺍ ﻦﻋ ﺎﻬﻟﺎﺠﻌﺘﺳﺍ ﻪﻟ .ﻪﻣﺪﻋﻭ ﺏﺮـﺷ ﺀﺍﻭﺩ ﻞﺒﻗ ﺮﺠﻔﻟﺍ ﺽﺮﻤﻴﻟ ﻰﺘﺣﻻ ،ﻡﻮﺼﻳ ﻻ ﺐﻗﺎﻌﻳ ً ﻮﻟ ﻥﺃﺎﺼﺨـﺷ ٣ـ ﺾـﻴﻘﻨﺑ ﻩﺪﺼﻗ ﺮﻣﺆﻴﻓ ؛ﻡﻮـﺼﻟﺎﺑ ﻥﻷ ﺔﺼﺧﺮﻟﺍ ﺔﻘﻠﻌﺘﻣ ﺽﺮﻤﻟﺎﺑ ﺪﻗﻭ ،ﻞﺼﺣ ﻻﻭ ﺓﺮﺒﻋ ﺀﻮﺴﺑ ؛ﻩﺪﺼﻗ ﻪﻧﻷ ﺮﻣﺃ .ﻥﻮﻨﻈﻣ ﺎﻬﺗﺮـﺸﻌﻟ ﻞﺟﻷ ،ﺎﻬﺛﺭﺇ ﺎﻬﺛﺭﻭ ﻮﻟ ،ﺖﺗﺎﻣ ﺔﻟﺎﺤﻟﺍﻭ ً ﻦﻣ ﻚـﺴﻣﺃ ﻪﺘﺟﻭﺯﺎﺌﻴـﺴﻣ ٤ـ ﻩﺬﻫ ﻮﻟ ﺎﻬﻜـﺴﻣﺃ ﻞـﺟﻷ ﻊﻠﺨﻟﺍ ﺬﻔﻧﺯﺎﺟﻭ(١) . ﻩﺬـﻫﻭ ﺔﻠﺜﻣﻷﺍ ﻢﻟ ﺮﺜﻋﺃ ﺎﻬﻴﻠﻋ ﻲﻓ ﺕﺎﻔﻨﺼﻤﻟﺍﺔﻴﺿﺎﺑﻹﺍ ﻦﻜﻟﻭ ﻦﻜﻤﻳ ﺎﻬﺠﻳﺮﺨﺗ ﻰﻠﻋ ﻢﻫﺪﻋﺍﻮﻗ ﷲﺍﻭ.ﻢﻠﻋﺃ (١) الزرقا أحمد: شرح القواعد الفقهية، ص ٤٧٤ . البورنو: الوجيز، ص ١٦١ - ١٦٢ . محمد . بكر إسماعيل: القواعد الفقهية، ص ١٢٥ . عزام عبد العزيز: قواعد الفقه، ص ٤٢٢ وما بعدها. الفهرس الفهرس تقديم .............................................................................................................................................................. ٧ المقدمة ........................................................................................................................................................ ٩ الفصل التمهيدي: القواعد الفقهية المفهوم والتطور المبحث الأول: حقيقة القواعد الفقهية وبيان علاقتها بالعلوم المشابهة ............................. ٤٩ المطلب الأول: تعريف القواعد الفقهية ................................................................................. ٥٠ المطلب الثاني: القواعد الفقهية وعلاقتها بالعلوم والمصطلحات ذات الصلة بها ......... ٩١ المبحث الثاني: أنواع القواعد الفقهية وأهميتها وحجيتها .................................................... ١٥٩ المطلب الأول: أنواع القواعد الفقهية ومراتبها ................................................................. ١٦٠ المطلب الثاني: أهمية القواعد الفقهية وفائدتها ................................................................ ١٧١ المطلب الثالث: حجية القواعد الفقهية ............................................................................... ١٨٨ المبحث الثالث: نشأة القواعد الفقهية وتطورها ومصنفاتها عند الإباضية ...................... ٢٠٥ المطلب الأول: لمحة مختصرة عن المدرسة الفقهية الإباضية .................................. ٢٠٦ المطلب الثاني: نشأة القواعد الفقهية ................................................................................... ٢١٦ المطلب الثاني: تطور القواعد الفقهية عند الإباضية ....................................................... ٢٤٥ المبحث الرابع: التراث الفقهي المتضمن للقواعد الفقهية عند الإباضية ........................ ٢٥٧ القواعد الفقهية عند ا لإباضي ّ ة الفصل الأول: وما تفرع عنها « الأمور بمقاصدها » القاعدة الكلية الكبرى الأولى المبحث الأول: حقيقة القاعدة ....................................................................................................... ٢٧٩ المطلب الأول: أهمية القاعدة ومكانتها عند الإباضية ................................................... ٢٨٠ « الأمور بمقاصدها » : المطلب الثاني: تعريف قاعدة ........................................................ ٢٨٣ المطلب الثالث: الألفاظ ذات الصلة بالقصد .................................................................... ٢٨٦ « الأمور بمقاصدها » : المطلب الرابع: المعنى الإجمالي لقاعدة .................................. ٢٩٣ المبحث الثاني: تأصيل القاعدة ...................................................................................................... ٢٩٧ المبحث الثالث: تطبيقات القاعدة وفروعها .............................................................................. ٣١١ المطلب الأول: أثر المقاصد على العقيدة ......................................................................... ٣١٣ المطلب الثاني: أثر المقاصد في العبادات ......................................................................... ٣١٥ المطلب الثالث: أثر المقاصد في المعاملات ................................................................... ٣٣٥ المطلب الرابع: أثر المقاصد في الأحوال الشخصية ..................................................... ٣٥٢ المطلب الخامس: أثر المقاصد في الحقوق والآداب ................................................... ٣٦٥ المطلب السادس: أثر المقاصد في الجنايات والعقوبات ............................................. ٣٨٥ المطلب السابع: أثر المقاصد في السياسة الشرعية ........................................................ ٣٨٧ المطلب الثامن: مستثنيات القاعدة ........................................................................................ ٣٩٠ الفهرس « الأمور بمقاصدها » المبحث الرابع: القواعد المتفرعة عن القاعدة الكلية الكبرى ..... ٣٩٧ « النية أساس العبادات » : المطلب الأول: القاعدة الأولى ............................................... ٣٩٩ « لا ثواب ولا عقاب إلا بالنية » : المطلب الثاني: قاعدة ................................................. ٤١٤ كل تصرف من المكلف مرتهن وصفه بطاعة أو معصية » : المطلب الثالث: قاعدة « على نيته وقصده ........................................................................................................................ ٤٣١ مقاصد اللفظ على نية اللافظ في اليمين إلا من حل » : المطلب الرابع: قاعدة ﱠ فه َ « الحاكم ........................................................................................................................................... ٤٤٣ « العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني » : المطلب الخامس: قاعدة .... ٤٥٤ « من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه » : المطلب السادس: قاعدة من قصد بتصرفه غرضا » أو ً « غير مشروع عومل بنقيض مقصوده ............................. ٤٩٦