١٤٣٤ غمي ٢٠١٣ م لا يجوز نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب في أي شكل من الأشكال أو بأية وسيلة من ا لوسائل سواء التصويرية أ و الالكترونية، بما في ذلك ا لنسخ الفوتوغرافي أ و سواه وحفظ ا لمعلومات واسترجاعها إلا بإذن خطي من ا لناشر . الفصل الثاني القاعدة الفقهية الكلية الكبرى الثانية اليقين لا يزول بالشك » « وما تفرع عنها ويشتمل هذا الفصل على المباحث التالية: :∫hC’G åëѪdG حقيقة القاعدة. :»fÉãdG åëѪdG تأصيل القاعدة. :ådÉãdG åëѪdG فروع القاعدة وتطبيقاتها. :™HGôdG å``ëѪdG اليقين » القواعد المتفرعة عن القاعدة الكلية .« لا يزول بالشك المطلب ا لأول: الأصل بقاء ما كان على ما كان » : قاعدة .« المطلب ا لثاني: الأصل براءة الذمة » : قاعدة .« المطلب ا لثالث: الأصل في الأمور أو الصفات » : قاعدة .« العارضة العدم المطلب ا لرابع: الأصل إضافة الحادث إلى » : قاعدة .« أقرب أوقاته المطلب ا لخامس: هل الأصل في الأشياء الإباحة » : قاعدة .«؟ أو الحظر »fÉãdG π°üØdG á«fÉãdG iôÑμdG á«∏μdG á«¡≤ØdG IóYÉ≤dG É¡æY ´ôØJ Éeh z ∂°ûdÉH ∫hõj ’ ø«≤«dG{ اليقين لا يزول » يتناول هذا الفصل دراسة القاعدة الكلية الكبرى الثانية بالشك « وما تفرع عنها، ويبين حقيقتها وأهميتها في الفقه الإسلامي، وأن ّ ّ الأحكام الفقهية لا تبنى دائما ً على اليقين، بل جاء معظمها مبنيا ً على غلبة ّ الظن، ويبحث في أصل هذه القاعدة ودليلها، والفروع المتخرجة عليها في المصادر الفقهية الإباضي ة، ونختم هذا الفصل بذكر بعض القواعد المتفرعة عن هذه القاعدة أو المندرجة تحتها من باب التمثيل لا الحصر إتماما ً للفائدة، وكل ذلك سيأتي مفصلا ً في ما يأتي: حقيقة القاعدة :É¡àfÉμeh IóYÉ≤dG √òg ᫪gCG : ’k hCGs ت ُ عد هذه القاعدة من الأصول الشرعية ذات الشأن العظيم، عليها مدار كثير من الأحكام الفقهية وتدخل في معظم أبواب الفقه من عبادات ومعاملات وأحوال شخصية وعقوبات وأقضية، والكثير من القواعد الدائرة في الفقه وأصوله وثيقة الصلة بها بل ناشئة عنها(١) . وتظهر مكانتها أكثر إذا علمنا أنها تتض ّ من ثلاثة أرباع علم الفقه لذلك قال السيوطي : هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه والمسائل المخرجة » « عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر(٢) . وقال النووي : « هذه قاعدة مطردة لا يخرج عنها إلا مسائل »(٣) . كما أن أهمية هذه القاعدة تبرز في أنها تمثل مظهرا ً من مظاهر اليسر والرأفة والرحمة في الشريعة الإسلامية، وهي تهدف إلى رفع الحرج حيث فيها تقرير لليقين باعتباره أصلا ً معتبرا ً ، وإزالة للشك الذي كثيرا ً ما ينشأ عن الوسواس، لا سيما في باب الطهارة والصلاة، ومن المعلوم أن الوسواس داء عضال إذا اشتد بصاحبه لا ينفك عنه، فيقع المكلف في المشقة ويكابد عناء أداء الواجبات. (١) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٣٥٤(٢) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٧٧(٣) .٢٠٥/ النووي: المجموع، شرح المهذب، ١ وكذلك في سائر المسائل والقضايا الفقهية التي تسري فيها هذه القاعدة يتجلى الرفق والتخفيف عن العباد. : á«°VÉHE’G äÉØæ°üªdG »a z ∂°ûdÉH ∫hõj ’ ø«≤«dG{ :IóYÉb :kÉ«fÉK وقد عبر الإباضية عن هذه القاعدة بصيغ عديدة متقاربة في المعنى، أن اليقين لا يزول بالشك » :« جواهره » من ذلك ما ذكره الراشدي في « (١) ، وذلك لتقدير فعل المكلف في هذه القاعدة فيقال: الفعل المتيقن لا يزال اليقين لا يزول إلا بيقين مثله » : بالشك، وعبر عنه كذلك بقوله « (٢) . ﱠ « اليقين لا يرتفع بالشك » ونص عليها ابن بركة بصيغ أخرى منها(٣) ، واليقين لا يزيل حكمه إلا بيقين مثله » « (٤) الإجماع لا يزول بالشك » ، و « (٥) ، ما » : بقوله « الإيضاح » وعبر عنها المحشي السدويكشي في حاشيته على ثبت بيقين لا يزيله إلا اليقين « (٦) ، وعبر عنها الشماخي بقوله: ...» لا يرفع الشك ما ثبت باليقين « (٧) . فنحن على » : وفي مكان آخر ذكرها بصيغة ما تيقنا عليه، ولا يزيل اليقين إلا اليقين مثله « (٨) . أن » : وقد أومأ الكدمي إلى هذه القاعدة بعبارة قريبة من المقصود وهي كل شيء من الأشياء وأمر من الأمور في دين الله تبارك وتعالى وكل حكم في حلال ما أحل الله وحرمة ما حرم، وكل حق من الحقوق المبينة (١) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ٦٩(٢) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ٧٤(٣) .١٠٠/ ٢٢٢ ، وكذلك نص السالمي في معارج الآمال، ٢ / ابن بركة: الجامع، ١(٤) ابن بركة: التعارف، ٣ - .٣٣ (٥) ٢١٥/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .٢٣١/ ٢١٦ ، وكذلك ٢ (٦) .٢٣٣/ السدويكشي سعيد: الحاشية على كتاب الإيضاح لعامر الشماخي، ١(٧) .٣١١/ الشماخي: الإيضاح، ١(٨) .٣٥٢/ الشماخي: المرجع نفسه، ١ ٍ في شرع الله سبحانه وكل حكم من أحكام الشريعة، جميع هذا كله جار على أصوله المبنية عليه الموضحة له من الكتاب والسن ﱠ ة وإجماع الأمة، ﱡ فإذا ثبتت هذه الأحكام، فهي ثابتة حتى يزيلها أصل مثلها، فكل حكم منها ثبت فيظل ثابتا ً على أصوله ولا يزول إلا بحكم ثابت مثله يزيله، وإذا زال « حكم من أحكام هذه الحقوق، فأصوله زائلة حتى يثبتها أصل مثلها(١) . هذه بعض العبارات التي عثرنا عليها في بعض المصنفات الإباضية المتقدمة والمتأخرة تؤكد مدى اعتمادهم هذه القاعدة وتخريج الفروع الفقهية عليها. k :IóYÉ≤dG äGOôØe π«∏ëJ :ÉãdÉK لقد تفاوتت مراتب الإدراك للأشياء كما يلي: اليقين، ثم غلبة الظن، وبعدها الظن، وآخرها الشك، فمن الجدير بالذكر أن نتناول الكلمات التي جرت باعتبارها مصطلحات علمية، خصوصا ً في مجال الفقه والأصول بشيء من الشرح والتحليل، ونبين الفروق المتمايزة الأساسية فيما بينها، ما دام يجري استعمالها عند فقهاء الإباضية وغيرهم. ١ معنى ا ليقين: نقل الراشدي في جواهره أن اليقين هو العلم الحاصل عن نظر واستدلال ولهذا لا يسمى علم الله يقينا ً ، ويقن الأمر ييقن يق َ نا ً من باب َْ تعب، إذا ثبت ووضح(٢) . (١) .٨٣/ الكدمي: المعتبر، ٤(٢) . ٧٣ ، والفيومي، المصباح المنير، ص ٣٥١ / الراشدي: جواهر القواعد، ٥ وقال الجوهري (١) : هو العلم وزوال الشك منه، يقنت الأمر يقنا » ً وأيقنت ُ واستيقنت ُ « وتيقنت، كله بمعنى واحد(٢) . اليقين: العلم وإزاحة الشك، وتحقيق الأمر، واليقين « اللسان » وجاء في ضد الشك(٣) . « والشك نقيض اليقين »(٤) ، وهو أصل في اللغة بمعنى الاستقرار: « يقال يقن الماء في الحوض إذا استقر ودام »(٥) . اليقين هو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق :« الكليات » وقال أبو البقاء في للواقع، وقيل: هو عبارة عن العلم المستقر في القلب لثبوته من سبب متعين له بحيث لا يقبل الانهدام(٦) ، وقيل: هو سكون الفهم مع ثبات الحكم(٧) . واليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية... يقال: علم اليقين ولا يقال: معرفة يقين(٨) . في أصل اللغة مماثلا « اليقين » وليس ً للعلم، وإن قيل تجوزا ً إن ّ اليقين العلم الذي لا تردد معه، فالفرق بين العلم واليقين ثابت كما قال أبو هلال العسكري (٩) : إن العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل » (١) الجوهري إسماعيل بن حماد، أبو نصر ( ٣٩٣ ه/ ١٠٠٣ م): أصله من فاراب، لغوي، من الأئمة. وخطه يذكر مع خط ابن مقلة، وهو أول ُ من حاول (الطيران) ومات في سبيله. أشهر كتبه (الصحاح) مجلدان. وله كتاب في (العروض) ومقدمته في (النحو). الزركلي، الأعلام، .٣١٣/١(٢) الجوهري: تاج اللغة وصحاح العربية، مادة (يقن). (٣) .٤٥٧/ ابن منظور: لسان العرب، مادة (يقن)، ط بيروت دار صادر، ١٣٧٥ ه/ ١٩٥٦ م، ١٣(٤) .٤٥٠/ المصدر نفسه، ١٠(٥) . الجرجاني علي: كتاب التعريفات، ص ٢٥٩(٦) . الكفوي أبو البقاء: الكليات، القسم الخامس، ص ١١٦(٧) . الأصفهاني الراغب: المفردات في غريب القرآن، ص ٥٥٢(٨) الأصفهاني: المصدر نفسه. (٩) هو الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري، أبو هلال (ت: بعد ٣٩٥ ه/ بعد ١٠٠٥ م): عالم بالأدب، له شعر. نسبته إلى (عسكر مكرم) من كور الاهواز. الحث » و « جمهرة الأمثال ط » في اللغة، و « معجم خ » في اللغة، و « التلخيص » : من كتبه = الثقة، واليقين هو سكون وثلج الصدر بما علم، ولهذا لا يجوز أن يوصف الله تعالى باليقين، وقيل: الموقن: العالم بالشيء بعد حيرة الشك، والشاهد أنهم يجعلونه ضد الشك، فيقولون: شك ويقين، وقلما يقال: شك وعلم... وسمي علمنا يقينا ً « ؛ لأن في وجوده ارتفاع الشك(١) . وقد أكد ابن بركة هذا المعنى حيث يرى أن اليقين الذي عندنا يحصل بالاطمئنان وسكون القلب وليس المراد به اليقين عند الله وهذا نص عبارته: وما هو يقين عندنا بما تسكن إليهم نفوسنا وتطمئن به قلوبنا... وأن اليقين »الذي تعبدنا به هو ما عندنا؛ لأن ما عند الله من اليقين لا يبلغه علمنا... ولعل جميع ما تعبد الله به عباده من طريق الشريعة أن ما أخذ عليهم أن يخرجوا منه بما هو يقين عندهم، بما يستدلون على معرفته بالعادة الجارية والأحوال الظاهرة لا بما يعلم حقيقته إنما يقع بالحس والمشاهدة، وما يعلم بالاستدلال «... لا يوصل إلى معرفته إلا بظاهر الحال(٢) . هذا المعنى وبين أن اليقين الذي « التمهيد » وقد أكد المحقق الخليلي في ﱠ تعبدنا الله به هو اليقين الذي يحصل عندنا وليس اليقين الذي عند الله، فيقول رد ّا ً على سؤال ورد عليه حول مسألة حد القصر في الصلاة فيقول السائل: أرأيت إن أحب الاحتياط على نفسه في صلاته ويصلي في ذلك الموضع »الذي شك فيه جمعا ً وتماما ً ، ونيته إن كان ذلك الموضع في علم الله تعالى قد جاوز فيه الفرسخين فقد صلى جمعا ً ، وإن كان في علم الله تعالى لم يجاوز الفرسخين فقد صلى تماما ً .« = « الفرق بين المعاني » و « كتاب الصناعتين: النظم والنثر ط » رسالة، و « على طلب العلم خ في اللغة، « الفروق ط » و « ديوان شعره » في تفسير القرآن، خمس مجلدات، و « المحاسن » و .١٩٦/ جزآن. الزركلي: الأعلام، ٢ « ديوان المعاني ط » و (١) العسكري أبو هلال: الفروق في اللغة، ص ٦٣ - .٦٤ (٢) . ابن بركة: كتاب التعارف، النسخة المحققة، ص ٧ هو غير متعبد من ذلك بما في علم الله تعالى، ولكن على حكم » : فأجاب ﱠ التمام والحضر، فيصليهما تماما ً حتى يستيقن على تعدي الفرسخين وليس له مع الشك أن يصليهما سفرا ً ولو كان في علم الله تعالى قد جاوز الفرسخين «... فإنه غير مسؤول عن علم الله وإنما يسأل عن علمه هو(١) وقد أيد ابن بركة ما ذهب إليه بأدلة مختلفة تؤكد هذه الحقيقة فذكر أن الدليل على أن الله تعبدنا بما هو يقين عندنا مما، نعلم والظاهر من الأمور، ونستدل على معرفتها ونخرج من العبادة دون أن نعلم حقيقته عند الله من ذلك: ١ ما تعبدنا الله بإباحة الفروج والدماء والأموال التي عظ ّ م حرمتها وتوعد عليها بأليم العقاب بالعدول من البينة دون غيرهم من الفساق. ٢ اعتماد شهادة الشهود العدول في إثبات الأحكام، وهؤلاء الشهود نحكم عليهم حسب الظاهر ولا يمكن معرفة أحوالهم الخفية وفي هذا المعنى يقول ابن بركة : فعلينا طلب العدالة بظاهر أمورهم، وما هو يقين عندنا » بما تسكن إليهم نفوسنا وتطمئن به قلوبنا؛ لأن الله جل ﱠ ذكره لا يجوز أن يفترض علينا الحكم بالبينة العادلة عنده؛ لأن الله يعلم سرهم وجهرهم، إلا أن ينصب لنا ع َل َ ما ً ي ُ « عرفون به كالسماء بين أعينهم(٢) . َ ويضيف ابن بركة توضيحا ً ألا ترى أن المصلي » : لهذا الأمر فيقول كلفه الله أن يصلي بثوب طاهر عنده، وذلك من اليقين معه، فهو مؤد لصلاته، خارج من فرضه باليقين الذي معه، فإذا تبين له أنه كان يصلي بثوب غير طاهر لم يكن مأثوما ً في فعله وإن خرج وقت الصلاة ورجع إلى «... صلاته وأعادها(٣) . (١) ٢٢٢/ الخليلي سعيد: التمهيد، ٥ - .٢٢٣ (٢) . ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٧(٣) ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٧ - .٨ درك الشيء على ما هو » ويبين أبو يعقوب الوارجلاني حقيقة العلم وهو « عليه(١) ، ويورد تقاسيم للعلم بحسب أنواعها وطبيعتها أو مصدرها، فمن حيث حس مطبوع، » : المصدر نجد أن الرق التي تتطرق منها العلوم إلى العباد ثلاثة « وعقل مجموع، وشرع مسموع(٢) . كما يورد أبو يعقوب تقسيما ً آخر للعلوم حسب حدوثها وعدم حدوثها. فغير المحدث علم القديم سبحانه، والمحدث علم المحدث (المخلوق أو »الإنسان)، وعلم المحدث ينقسم قسمين: ضروري ّا ً ومكتسبا ً«(٣) ، ثم يقسم علوم الضرورة وعلوم الكسب إلى أنواع. فأنواع العلم الضروري: أولها : علم البنية، وهو علم الإنسان بوجوده وبذاته وأفعاله وصفاته، وما يختلف من أحواله من لذة وألم وسرور وغضب، وقد تلتبس الحقائق بالخيال في هذا العلم وإن كان ضروريا ً لعلة تعتري الإنسان في بدنه أو حواسه أو عقله. ّ ثانيها : ما علم من العقليات، الواجبات والجائزات والمستحيلات، وقد تقع للإنسان من أول وهلة، وربما تقع بعد تردد الخاطر فيها. ثالثها: ما يعلم من جهة الحواس، وللحواس أغلاط في إدراكها، ولذلك لا يوثق بحاسة واحدة، ما لم تعضدها حاسة أخرى، ولأمر ما جعل الله الشهادة في الأحكام عدلين اثنين. الرابع: ما يعلم من جهة الأخبار المتواترة، وهي مترددة بين الضروري والمكتسب، فبدايتها كسب ونهايتها ضرورة(٤) . (١) .٢٣/ الوارجلاني: العدل والإنصاف، ١(٢) .١٧/ الوارجلاني: المصدر نفسه. ١(٣) .١٩/ المصدر نفسه: ١ (٤) ٢٣ . باجو مصطفى: أبو يعقوب الوارجلاني وفكره الأصولي، ط ١٤١٥ ه/ ١٩٩٥ م، / نفسه: ١ .١٨٢ - نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان. ص ١٨١ ُ أحد أنواعه: ما يقع من جهة » وأما العلم الكسبي فيرى الوارجلاني أن الاستدلال بما أدركت الحواس، وما دل عليه ما أدركته الحواس: فالأول : كالصوت تدركه الحاسة موزونا ً منغما ً منظما ً رخيما ً. والثاني : ما يدل عليه هذا الصوت من معنى: أمرا ً أو نهيا ً أو خبرا ً أو غير ذلك. وثاني أ نواعه : ما وقع العلم به من جهة النظر والبحث من علوم الشرائع، والفقه، والطب، وسائر العلوم المعنوية. ثالثها : « ما وقع العلم به من جهة العادة في علم الصناعات والحرف(١) . ولعل بعد هذا التقسيم للعلم وبيان حقيقته ندرك الفرق بين العلم واليقين. ٢ غلبة ا لظن: قال أبو هلال العسكري : غلبة الظن عبارة عن طمأنينة الظن، وهي » رجحان أحد الجانبين على الجانب الآخر رجحانا ً مطلقا ً يطرح معه الجانب « الآخر(٢) بمعنى أنه لم يبق له اعتبار في النظر لشدة ضعفه. وتتحقق هذه الكيفية إذا تردد المكلف بين أمرين بحيث ترجح أحدهما وجنح إليه قلبه بطرح الاحتمال الآخر. وحكم الظن الغالب أنه يقوم بمثابة اليقين عند الفقها ء، ويجوز بناء الأحكام الفقهية عليه عند عدم وجود اليقين الذي قل ّ ما يحصل عند النظر والاستدلال. ويؤيد ذلك ما ورد في عبارات بعض فقهاء الإباضية فقد صرح بذلك ابن بركة فلو كان » : في سياق كلامه عن أحكام الغائب والمفقود ونحوهما فيقول ما ذهب إليه من لا علم له بما الناس عليه، وما جاءت به الآثار لكان ما ذكرنا (١) ٢٣ . باجو مصطفى: أبو يعقوب الوارجلاني وفكره / الوارجلاني: العدل والإنصاف، ١ . الأصولي، ص ١٨٢(٢) . العسكري أبو هلال: الفروق في اللغة، ص ٧٩ لا يجب أن يحكم في شيء منه إلا بيقين، إذ اليقين عنده ما لا يجوز أن يكون غيره، بل الذي أخذ علينا وتعبدنا به أن نحكم بما هو يقين عندنا وفي غالب « ظنوننا، لا اليقين الذي عند الله(١) . ويؤكد الشماخي أيضا ً هذا الأمر في معرض حديثه عن حالات وجوب الغسل من الجنابة إذا وجد الشخص أثرها في ثوبه أو جسده بعد النوم فقال: وهذا كله عندي مبني على أن الظن الغالب يجب منه الغسل؛ لأن جل أحكام »الشريعة مبنية على غلبات الظنون والله أعلم ولذلك يجب من هذه الأشياء « المذكورة الغسل(٢) . ويشير الثميني في » الورد البسام « إلى مفهوم غلبة الظن واعتماده في تقرير ولا يشرط في الشرعيات العلم اليقيني بل يكفي فيها الاعتقاد » : الأحكام فيقول الراجح، قال تعالى: ﴿ JIHGF ﴾ )النور : (٣٣ . وقال أيضا ً : ﴿ §¦¥ ﴾ )الممتحنة : (١٠ . وقد ينقلب العلم بذلك ويتخلف، كالعلم بعدالة الشهود أكفاء بالظاهر وغلبة الظن، أن هذا الإنسان تجب علي ولايته، ﱠ « وأنه تدفع له الزكاة(٣) . وأومأ ابن بركة أيضا ً كذلك كلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم » : إلى هذا المعنى فقال أن يجتهدوا في حكم الحوادث التي كلفهم الله الحكم فيها، فإذا استدلوا وطلبوا ما كان عندهم أنه الحق الذي كلفهم إياه وقاسوا، وغلب على ظن كل واحد منهم أنه قد أصاب الحق حكم به، وحكم له بالثواب على ذلك. ألا َ ترى أن الواحد ٍ منهم قد يحكم بإباحة فرج ٍ أو تمليك حال، ثم يظهر على خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ْ «... ذلك فيرجع إليه ويعمل به، ويدع ما كان عمل به قبل ذلك(٤) . (١) . ابن بركة: المصدر السابق، ص ٣٩(٢) .١٧٥/ الشماخي: الإيضاح، ١ (٣) .٢٦٠ - الثميني عبد العزيز: الورد البسام، ص ٢٥٩(٤) . ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٨ ٣ الظن: اسم لما يحصل عن أمارة ومتى » : عرف الراغب الأصفهاني الظن بأنه ﱠ « م(١) قويت ِ ْ أدت إلى العلم، ومتى ضعفت ْ جد ّ ا ً لم يتجاوز حد التو َ ه ﱡ . إنه الوقوف بين شيئين بحيث » : وعرفه الحموي في شرح الأشباه فقال ﱠ .« يترجح أحدهما دون أن يطرح الآخر ولكي يتضح الفرق بجلاء بين الظن وغلبة الظن، فمن المفيد أن نسجل هنا ما ذكره ابن عابدين نقلا ً عن بعض الفقهاء : أن أحد الطرفين إذا قوي » وترجح على الآخر ولم يأخذ القلب ما ترجح به ولم يطرح الآخر فهو الظن، وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الآخر فهو أكبر الظن وغالب « الرأي(٢) . ٤ ا لشك: هو نقيض اليقين، وهو في أصل اللغة: الاتصال واللزوق(٣) . قال الفتني في في حديث الغامدي ة، أمر بها فش » : شرح هذا اللفظ ُ ك ﱠ ت(٤) عليها ثيابها، ثم رجمت (٥) ، أي جمعت عليها ول ُف ﱠ ت، لئلا تنكشف في تقلبها... والشك: « الاتصال واللزوق(٦) . وقال الراشدي : هو الارتياب(٧) . (١) الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن، ص ٣١٦ - .٣١٧ (٢) .٢٤٧/ ابن عابدين: رد المحتار، ١(٣) .٤٥٧/ ابن منظور: لسان العرب، ١٣(٤) قال الأوزاعي: فش ُ ك ﱠ ت عليها ثيابها يعني: فش َ د ﱠ ت. ينظر: الجامع للحديث النبوي. وينظر: سنن ش» ١٢٢ وفيه / أبي داود بشرحه عون المعبود ١٢ ُ ك ﱠ ت ثيابها أي شد ﱠ .« ت(٥) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنى، رقم ٣٢٩٥ عن عمران بن حصين. (٦) ٢٤١ ، نقله / الفتني: مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل والأخبار ط. الهند حيدر أباد ٣ . الندوي في القواعد الفقهية، ص ٣٥٩(٧) . الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ٧٤ ثم عرف هذا اللفظ واشتهر في العرف في معنى التردد، قال سراج الدين ُﱢ المراد بالشك التردد في طرفي الوجود والعدم على » :« الأشباه » ابن الملقن في « التساوي(١) . وجاء في شرح الأشباه لابن نجيم : الشك لغة مطلق التردد، وفي » اصطلاح الأصول: استواء طرفي الشيء، وهو الوقوف بين الشيئين بحيث « لا يميل القلب إلى أحدهما(٢) . وإلى هذا المعنى جنح السالمي حيث يقول: الظن خلاف الشك إذ المراد بالشك ما يتساوى فيه طرفا الشيء لا يترجح »« أحد الطرفين على الآخر فإن ترجح أحد الطرفين زال الشك(٣) . وقال أبو البقاء : هو اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما، وذلك قد » « يكون لوجود أمارتين متساويتين عنده في النقيضين أو لعدم الأمارة فيهما(٤) . بينما نجد الإمام الرازي ينبه إلى الفرق بين الشك والظن والوهم فيقول: التردد بين الطرفين إن كان على السوية فهو على الشك، وإلا فالراجح ظن »« والمرجوح وهم(٥) . هل الشك والظن في اصطلاح ا لفقهاء بمعنى واحد أم ي فترقان؟ أن الشك مرادف للظن وعكس « الجامع » ذكر ابن جعفر الأزكوي في فليس ظنون الشك حكم لازم ولا حجة قائمة، والشك ضد اليقين، » ، اليقين كما أن الباطل ضد الحق، فمن اتبع الباطل ترك الحق ولم ينتفع به، ولو كان لمعالم الحق واصفا ً ولأحكامه عارفا ً ، كذلك من ترك اليقين لم ينتفع (١) ابن الملقن سراج الدين: الأشباه والنظائر مخطوط، ص ١٤ ، الوجه الأول نقله عنه الندوي: . القواعد الفقهية، ص ٣٦٠(٢) .٨٤/ الحموي: غمز عيون البصائر، ١(٣) .١٠/ السالمي: معارج الآمال، ١٨(٤) الكفوي أبو البقاء: الكليات، ٩٧٩ - .٩٨٠ (٥) .١٠١/ الفخر الرازي: المحصول في علم أصول الفقه، تحقيق: طه جابر فياض العلواني ١ .٢٠٥/ وينظر: الزركشي: المنثور في القواعد، ٢ به، ومن لم ينتفع بيقينه لم ينتفع بيقين غيره، كمن لا يبصر بعينه لم يبصر «... بعين غيره(١) . ويوضح الشقصي (٢) الإباضي أن الشك الذي يعترض الإنسان نوعان: الأول: شك التباس، والثاني: شك معارضة، ويطبق ذلك على مسألة الشك والشك شك » : في الصلاة، ويبين حكمهما فيقول ﱠ ان: شك التباس، وشك معارضة، فإذا كان المصلي حافظا ً لصلاته مقبلا ً عليها بقلبه، ثم عارضه الشك في شيء من صلاته في القراءة أو الركوع أو السجود أو ركعة، فلا يلتفت إلى ذلك، وليمض على أوفق ما في نفسه من ذلك، وهذا شك المعارضة. وأما شك الالتباس هو أن يكون الرجل مشتغلا ً بذكر الدنيا وهمومها، فذلك إذا شك فلم يدر ما صل ّ ى، فذلك الذي تنتقض صلاته ويعيدها، وقد قيل من عناه ذلك الشك مضى على أحسن ظنه وأتم صلاته، ثم يرجع يبتدئها من « أولها، وبعض يقول بقطعها ويستأنفها(٣) . ومما تجدر الإشارة في هذا الصدد أنه لم أعثر على أحد من فقهاء الإباضية سلك هذا المسلك في بيان أنواع الشك والتمييز بينها، وإنه في الحقيقة لجدير (١) .٤٠٢/ ابن جعفر أبو جابر الأزكوي: الجامع لابن جعفر، ١ (٢)خميس بن سعيد بن علي الشقصي (ت، بين: ١٠٥٩ - ١٠٩٠ ه) هو الفقيه العلامة أحد أقطاب العلم والسياسة في النصف الثاني من القرن العاشر والنصف الأول من القرن الحادي عشر. ولد بنزوى ثم انتقل إلى الرستاق ونشأ فيها، عقدت الإمامة للإمام ناصر على يديه فكان عضده الأيمن، صحبه إلى نزوى ورافقه في غزواته وأصبح قاضيا ً للمسلمين وقاد جيش الإمام لفتح مسقط. سار قاصدا ً بوشر فأرسل إليه البرتغاليون يطلبون منه الصلح فأجابهم إليه وتصالح معهم وكف القتال، ولذا فهو يعد من مؤسسي دولة اليعاربة. له مؤلفات وهو يعد موسوعة علمية إذ يقع في عشرين « منهج الطالبين وبلاغ الراغبين » : جليلة أشهرها جزء ً ٥. الإزكوي، كشف الغمة، / ا، وله كتاب الإمامة العظمى. ينظر: مقدمة منهج الطالبين، ١ ٨٧/ ٣٤٩ . السالمي: اللمعة المرضية، ٢٥ . معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١ - .٨٨ (٣) ٢٢٦/ الشقصي: منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، ٤ - .٢٢٧ بالاهتمام بهذا الأمر حتى نتمكن من التقليل من حالات الشك المختلفة، ونحدد لها حكمها وما يترتب عليه. وقد زاد الإمام النووي توضيحا ً لهذه الحقيقة فيرى أن الشك عند الفقهاء مطلق التردد، لا فرق بين المساوي والراجح، وذلك يفضي إلى القول بأن اعلم أن مراد الفقهاء » : الشك والظن عندهم سواء، ونص عبارته كما يلي بالشك في الماء والحدث والنجاسة، والصلاة والصوم، والطلاق والعتق وغيرها هو التردد بين وجود الشيء وعدمه، سواء كان الطرفان في التردد سواء ً أو أحدهما راجحا ً ، فهذا معناه في استعمال الفقهاء في كتب الفقه، وأما أصحاب الأصول ففرقوا بينهما فقالوا: التردد بين الطرفين إن كان على السواء «(١) فهو الشك، وإلا فالراجح ظن والمرجوح وه ْ م . وقد مال إلى هذا الرأي كل ٌ من ابن نجيم (٢)وابن القيم (٣)(ت: ٧٥١ ه). ويعلل ابن قدامة المقدسي (٤)إذا شك » : (ت: ٦٢٠ ه) هذا الرأي بقوله تعارض عنده الأمران، فيجب سقوطهما كالبينتين إذا تعارضتا ويرجع إلى اليقين، ولا فرق بين أن يغلب على ظنه أحدهما أو يتساوى الأمران عنده؛ لأن غلبة الظن إذا لم تكن مضبوطة بضابط شرعي لا يلتفت إليها، كما لا يلتفت ُ « الحاكم إلى قول أحد المتداعيين إذا غلب على ظنه صدقه، بغير دليل(٥) . والظاهر أن هذا القول ليس سديدا ً على إطلاقه، فقد تعقب الزركشي كلام النووي وانتقده مع غيره في تحديد معنى الشك عند الفقها ء، ونعت قولهم (١) .٢٢٣/ النووي: المجموع شرح المهذب، ١(٢) . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٨٢(٣) .٢٦/ ابن القيم: بدائع الفوائد، ٤(٤) ابن قدامة عبد الله بن أحمد موفق الدين المقدسي (ت: ٦٢٠ ه) من فقهاء الحنابلة، ومن .١٩١/ مؤلفاته: المغني شرح الخرقي في فروع الحنابلة. الزركلي الأعلام ٥(٥) .١٩٧/ ابن قدامة المقدسي: المغني، ١ بعدم الفرق بين المساوي والراجح، في جميع الأبواب الفقهية كما هو في اللغة بالزعم، وقال ما يفيد أن الفقهاء إنما لم يفرقوا بين المساوي والراجح في الأحداث فقط، ولكنهم فرقوا بينهما في مواضع كثيرة..(١) . ولا ينبغي الجزم بأنه » : واعترض الحموي كذلك على قول ابن نجيم فقال عند الفقهاء مطلقا ً من قبيل الشك، لئلا يتوهم ترك استعماله بمعنى الطرف الراجح أصلا ً « ، فتأمل(٢) . فالواقع أن الفقهاء لم يتمسكوا بهذه الاصطلاحات تمسكا ً صارما ً ، بل تسامحوا فيها ودرجوا على استعمال الظن مقام الشك في كثير من المواضع وهذا أومأ إليه ابن بركة فلم يفرق بين الظن والشك وجعلهما في مرتبة واحدة، وإن اليقين لا يزول حكمه إلا بيقين مثل ه، » : وهذا ما تشير إليه عبارته فيقول ِ وإنما سوى ذلك لا يكون إلا ظن ّ ا ً وشك ّ ا ً ، وأن الفرائض والأموال وسائر « الحقوق لا يزول بالشك والظن(٣) . ومن جهة أخرى فقد يطلق الظن أحيانا ً عند الفقهاء ويراد به في بعض المواطن الظن عن أمارة » :« كشف الأسرار » الظن الغالب، فعلى سبيل المثال ما جاء في « دليل من دلائل الشرع كالاجتهاد في الأحكام، فيجوز بناء الحكم عليه(٤) . فالظاهر أن المراد هنا بالظن هو الظن الغالب الذي تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب. k :IóYÉ≤∏d »dɪLE’G ≈橪dG :É©HGQ وبعد تحليل مضمون القاعدة، وتحديد مفهوم اليقين والشك في اللغة والاصطلاح، يمكننا أن ندرك المفهوم الصحيح الذي تتضمنه هذه القاعدة، (١) .٥٢/ ٢٥٥ . والبحر المحيط للزركشي، ١ / الزركشي: المنثور في القواعد، ٢(٢) .١٠٤/ الحموي أحمد: غمز عيون البصائر، ١(٣) . ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٣(٤) .٢٥٥/ البزدوي: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، ١ اليقين لا يزول بالشك » : فمعنى قولنا « اليقين لا يزال إلا بيقين مثله » أو « أن العلم الثابت للمكلف بطهارة ثوبه مثلا ً أو بولاية شخص أو البراءة منه لا يرفع ويثبت نقيضه بالارتياب والتردد(١) . وبعد أن حددنا معنى اليقين والشك عند الفقها ء، أصبح معنى القاعدة واضحا ً وجليا ً ، فالأمر الثابت والمقرر بدليل، أو أمارة، أو أي طريق من طرق ّ الإثبات المعتد بها، والمعبر عنه بالأصل أو اليقين، لا يرتفع حكمه بالش ك، أي الاحتمالات التي لا يعززها دليل، بل يبقى حكم اليقين ساريا ً حتى يقوم الدليل المعتد به في تغيير ذلك الحكم. فالذي يتبادر إلى الذهن أن معنى اليقين هنا هو الاستصحاب لما تيقن في الماضي وهو الأصل، وأطلق عليه اليقين مجازا ً ، والمراد من الشك هو: الشك الطارئ بعد حصول اليقين، فلا يتعين هنا إلا هذا المفهوم باعتبار أن اليقين لا يتصور مع وجود الشك إذ أنهما نقيضان(٢) . ولتوضيح ذلك أكثر يمكن القول: إن الأصل براءة الذم ة، فاليقين في ذلك ن(٣) أنها ليست مشغولة، وإذا قام الدليل على شغلها كان اليقين شغلها بالد ﱠ ي ْ . كما أن الأصل في المياه الطهارة سواء كانت مياه أمطار أو أنهار أو بحار أو عيون أو آبار، فهذا هو اليقين فيها، فلا يعدل عن ذلك بالشك، والأصل في الذبائح الحرم ة، أي الأمر المتيقن فيها أنها كذلك ما لم يقم دليل على تذكيتها، والأصل في الكلام الحقيق ة، أي المتيقن في دلالة الألفاظ استعمالها في المعنى الذي وضعت له، ما لم يقم دليل على صرفها عن ذلك، والأصل في العام أن يتناول جميع ما يصلح له، وهذا هو المتيقن ولا يصرف عنه إلى الخصوص ما لم يقم دليل عليه . (١) . الراشدي سفيان: الجواهر، ص ٧٤(٢) السبكي: الإبهاج في شرح المنهاج، تحقيق وتعليق شعبان محمد إسماعيل مطبعة أسامة، ط، .٢٠/ القاهرة ١٤٠٢ ه/ ١٩٨٢ م. حيدر علي: درر الحكام شرح مجلة الأحكام، ١(٣) . الراشدي سفيان: الجواهر، ص ٧٤ ِ والحكم الثابت بالدليل يبقى ثابتا ً ما لم ي َ رد ْ دليل يرفع ه، فيعتبر بقاؤه يقينا ً استنادا ً إلى الدليل فلا يزيله احتمالات ليس لها ما يبررها، فمن ملك شيئا ً بعقد أو إرث أو أي سبب صحيح يبقى مالكا ً لما في حوزته ولا ينتقل إلى غيره إلا بدليل؛ لأن الملك استند إلى سبب صحيح، فثبوته يقيني فلا يزول إلا بيقين مثله(١) . وبناء عليه، يجب أن يفسر اليقين بمعنى الاستقرار الذي أشار إليه الجرجاني كما سلف، ولا يراد به المعنى الذي « يقن الماء في الحوض إذا استقر » : بقوله بينه ابن منظور وابن جعفر وغيرهما بأنه نقيض الشك جريا ً على اصطلاح علماء المنطق وعرفهم، حيث عبروا عنه بالاعتقاد الجازم المطابق الثابت. فإن الاعتقاد الجازم يخرج به الظن وغلبة الظن، لأنه لا جزم فيهما، ومن المعلوم أن الظن الغالب يعتد به في الشرع، وتبنى عليه الأحكام فلا عبرة بقول المناطق هنا، لأن تفسيرهم لليقين لا ينسجم مع ما يقرره الشرع، وذلك لأن الأمر في كثير من الأحيان يكون في نظر الشارع يقينا ً لا يزول بالشك، في حين أن العقل يجيز أن يكون الواقع خلافه، ومثال ذلك: الثابت بالبينة الشرعية، فإنه في نظر الشرع يقين كالثابت بالعيا ن، مع أن شهادة الشهود لا تخرج عن كونها خبر آحاد يجيز العقل فيها السهو والكذب، وهذا الاحتمال الضعيف لا يخرج ذلك عن كونه يقينا ً ؛ لأنه لقوة ضعفه قد طرح أمام قوة مقابلة ولم يبق له اعتبار في نظر الناظر(٢) . والسبب في ذلك أن الأحكام الفقهية تبنى على الظاهر، والوصول إلى اليقين يتعذر في كثير من الأحيان، فيجوز الشرع اعتبار الظن الغالب لندرة ّ خطئه وغلبة إصابته(٣) . (١) دراسة نظرية تأصيلية، ط ١، مكتبة الرشد « اليقين لا يزول بالشك » : الباحسين يعقوب: قاعدة . الرياض، ١٤٢١ ه/ ٢٠٠٠ م، ص ٤٦ (٢) ابن بركة: التعارف، ص ٧ - ٢٦ - . ٣٧ . الزرقا أحمد: شرح القواعد الفقهية، ص ٣٥ (٣) ابن بركة: المصدر نفسه، ص ٩ - . ١٠ وما بعدها. الندوي: القواعد الفقهية، ص ٣٦٢ قال القرافي : الأصل أن لا تبنى الأحكام إلا على العلم، لكن دعت » الضرورة للعمل بالظن لتعذر العلم في أكثر الصور، فثبتت عليه الأحكام لندرة «(١) خطئه وغلبة إصابته، والغالب لا يترك للنادر وبقي الشك غير معتبر إجماعا ً . وخلاصة ا لقول: إن معنى القاعدة: هو ما كان ثابتا ً متيقنا ً لا يرتفع بمجرد طروء الشك عليه؛ لأن الأمر اليقيني لا يعقل أن يزيله ما هو أضعف منه بل ما كان مثله أو أقوى، فاليقين القوي أقوى من الشك فلا يرتفع اليقين القوي بالشك الضعيف، أما اليقين فإنما يزول باليقين الآخر، فما ثبت من الأمور ثبوتا ً يقينيا ً قطعيا ً وجودا ً ّّ أو عدما ً ثم وقع الشك في وجود ما يزيله، يبقي الأمر المتيقن هو المعتبر إلى أن يتحقق السبب المزيل(٢) . وقد أكد هذا المعنى أبو سعيد الكدمي فذكر أن اليقين لا يزيله الشك وإنما يزول بيقين مثل ه، وإلا بقي على أصله حتى يظهر دليل ينقله من أصله إن كل شيء من الأشياء وأمر من » : إلى أصل آخر مثله، يقول في هذا الصدد ِ الأمور في دين الله تبارك وتعالى، وكل حكم في حلال ما أحل الله وحرمة ْ ما حرم، وكل حق من الحقوق المبينة في الشرع، وكل حكم من أحكام الشريعة، جميع هذا كله جار على أصوله المبنية عليه الموضحة له من الكتاب والسن ﱠ ة وإجماع الأمة، فإذا ثبتت هذه الأحكام فهي ثابتة حتى يزيلها أصل ﱡ مثلها، فكل حكم منها ثبت فيظل ثابتا ً على أصوله، ولا يزول إلا بحكم ثابت مثله يزيله، وإذا زال حكم من أحكام هذه الحقوق فأصوله زائلة حتى يثبتها « أصل مثلها(٣) . (١) ١٦٧ ، وينظر: المقري: القواعد، ص ١٤ / القرافي: الذخيرة، ١ - .١٥ (٢) . السدلان صالح غانم: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها، ص ١٠١ . البورنو: الوجيز، ٩٢ (٣) .٨٣ - ٨٢/ الكدمي: المعتبر، ٤ :á«∏≤ædG ádOC’G `` CG :ºjôμdG ¿BGô≤dG øe :’k hCGs edcba قال تعالى: ﴿ ZYXWV [ ^]\ _` hgf﴾ )يونس : (٣٦ . فالظن هنا بمعنى التوهم، لأن الظن في القرآن اسم لما يحصل عن أمارة، فإذا كانت قوية كان بمنزلة اليقين، وإذا كانت ضعيفة كان توهما ً (١) ، فالله 4 ينعى على المشركين عدم اهتدائهم إلى طريق العلم أصلا ً ، أي ما يتبع أكثرهم في معتقداتهم ومحاوراتهم إلا التوهم الذي يستند إلى أدلة واهية(٢) . (١) . ٢٧ نقله عنه محمد عثمان بشير: القواعد الكلية، ص ١٣٢ / الماوردي: الحاوي، ١٠(٢) . الكرخي: أصول الكرخي مع تأسيس النظر للدبوسي، ص ١١٠ تأصيل ا لقاعدة تضافرت الأدلة على الاعتداد بهذه القاعدة من المنقول ومن المعقول، وكلها تؤكد على مشروعيتها والعمل بها عند مختلف المذاهب الفقهية، واعتمادها في تخريج الفروع الفقهية المختلفة. أما المنقول فقد استدل لها الفقهاء بالكتاب والسن ﱠ ة والإجماع، وفيما يأتي ﱡ بيان هذه الأدلة وتوضيحها. وقد أكدت كثير من الآيات هذا المعنى، فمنها قوله 8 : ﴿ ÂÁÀ ÆÅÄà ﴾ )النجم : (٢٣ ، وقوله تعالى: ﴿ ,+ -10/. <;:98765432 ﴾ )النجم : (٢٨ . فالحق بمعنى الحقيقة، وهي اليقين فلا يرتفع بالتوهم ولا بالشك. إن » : وقد اعترض يعقوب الباحسين على الاستدلال بهذه الآيات وقال الاستدلال بهذه الآيات وما يشبهها إنما يستقيم إذا حمل الظن على معنى ُ الشك في اصطلاح الفقها ء، أما الآية الأولى فقد فسر الظن فيها بتفسيرات متعددة ذكر الماوردي منها وجهين: أحدهما: أنه منزلة بين اليقين والشك، ليست يقينا ً وليست شك ّ ا ً. «(١) الثاني: أن الظن ما تردد بين الشك واليقين، وكان مرة يقينا ً ومرة شك ّ ا ً . وهذان الوجهان لا يساعدان المستدل بالآية على حجية القاعدة، لكن ِ ذكر الطبري أن المراد من قوله: ﴿ ZY ﴾ إلا ما عل ْم لهم بحقيقته وصحته، َ بل هم منه في شك وريبة، إن الشك لا يغني من اليقين شيئا ً ولا يقوم في شيء مقامه(٢) . كما عق ﱠ ب الباحسين على الآيتان الأخريان مستدلاًّ بأقوال بعض المفسري ن، فسر الظن فيهما بالتوهم قال الآلوسي » فذكر أنه(٣) في قوله تعالى: ﴿ ÁÀ à﴾ )النجم : (٢٣ ، إلا توهم أن ما هم عليه حق توهما ً باطلا ً ، فالظن هنا (١) الماوردي أبو الحسن علي بن الحسن البصري (ت ٤٥٠ ه): النكت والعيون (تفسير ، الماوردي)، تحقيق محمد خضر، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت، ط ١ .١٨٩/ مطابع مقهوي، الكويت ١٤٠٢ ه/ ١٩٨٢ م، ٢ (٢) .٨٢/ الطبري: جامع البيان، الطبعة الأميرية، مصر ١١(٣) الآلوسي: عبد الله (بهاء ا لدين) بن محمود (شهاب ا لدين) بن عبد الله الآلوسي ( ١٢٤٨ - ١٢٩١ ه/ ١٨٣٢ - « المتنان في علمي المنطق والبيان » : ١٨٧٤ م): فقيه بغدادي من قضاة الشافعية. له التعطف على التعرف في الأصلين والتصوف خ » و « الواضح في النحو » و .« الأعلام للزركلي، .(١٣٦/٤) « مراد به التوهم، وشاع استعماله فيه(١) ، وقال في قوله تعالى ﴿ à﴾ )النجم : (٢٣ ، أي: التوهم الباطل، وعلى هذا التفسير يمكن الاستدلال بهذه الآيات على طرح الشك والأخذ باليقين الذي يدخل فيه الظن عند الفقهاء(٢) . :ájƒÑædG á k æs °ùdGt øe :É«fÉK استدل الإباضية على هذه القاعدة بأحاديث مشهورة من ذلك: ١ بقوله: أصلها حديث الربيع « جواهره » ما نص عليه الراشدي وغيره في عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا شك » «(٣) أحدكم في صلاته ف لا ينصرف حتى يسمع صوتا ً أو يشم ريحا ً . فهذا الحديث دليل ساطع على أن من استيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك ولا عبرة بذلك الشك الطارئ(٤) ، قال السالمي (١) .٥٨/ الآلوسي: روح المعاني، ٢٧(٢) الباحسين يعقوب: قاعدة اليقين لا يزول بالشك، ص ٢١٣ - .٢١٤ (٣) رواه الربيع، كتاب الطهارة، باب ما يجب منه الوضوء، رقم ١٠٦ ، عن ابن عباس. (٤)فائدة: وقيل للماء شيطان » : أرشد أحمد الكندي إلى مصدر الشكوك وآثارها على الإنسان فقال يقال له الولهان، يولع الإنسان به لكثرة استعمال الماء عند الوضوء، واستعمال الشكوك مكروه ومتروك؛ لأنه من عوارض الشيطان، ويقال: إن كثرة الوضوء من الشيطان؛ لأن في ذلك الأذى للإنسان، والانقطاع من طاعة الرحمن، وربما أدى إلى تضييع الصلوات، وذهاب الأوقات، ٰ .« ومنع من كثرة الطاعات، وصد عن تأدية العبادات بالشكوك المعارضة، والوساوس المعترضة ١٠١ . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ،١٠٠/ ينظر: أحمد الكندي، المصنف، ٤ إن للوضوء شيطانا » ً « يقال له الولهان، فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك فليستعذ ب الله الحديث صحيح، رواه ِِ الربيع، كتاب الطهارة، باب جامع ِ ال ْوضوء، رقم ١٢٩ . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قمتم للصلاة » ََُ ُُ فإن الشيطان يحيطكم بين إلياتكم ف لا تصدقوه على أنفسكم حتى تروا شيئا ً قاطرا ً ، أو تشموا ريحا ً رافعا ً« . الحديث ضعيف جد ّ ا ً ، رواه الترمذي، أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب كراهية الإسراف في الماء، رقم ٥٤ وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في القصد ٤، والحاكم في مستدركه بهذا السند عن أبي بن كعب. في الوضوء وكراهية التعدي فيه، ح ١٨ ُ .« وله شاهد بإسناد آخر أصح من هذا » : في المتن وقال « فاحذروه » بزيادة لفظ سبب الحديث ما ذكر البخاري أنه شكا إلى » : وغيره في شرح هذا الحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: لا ينفتل » «(١) أو لا ينصرف حتى يسمع صوتا ً أو يشم ريحا ً . والمعنى أن الشك في نقض الوضوء لا يؤثر في صحته لا سيما إن كان في الصلاة، ومثله أيضا ً الشك في غيرها لأن من تيقن الطهارة وشك في انتقاضها يكون على يقينه منها ولا يرفع الشك ما ثبت باليقين، ثم أن هذه القاعدة مطردة في كل شيء لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى، وهو معنى قولهم لا يزول اليقين إلا بيقين مثله « (٢) . ٢ والحديث نفسه روي عن عبد الله بن زيد 3 أيضا ً شكي إلى » : قال النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال: لا ينصرف ُّ «(٣) حتى يسمع صوتا ً أو يجد ريحا ً . وهذا الحديث أصل » : قال النووي (ت: ٦٧٦ ه) عند شرح هذا الحديث من أصول الإسلام، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه: وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ « عليها(٤) . ونقل السالمي عن النووي أن هذا الحديث أخذ به جمهور العلماء (١) صحيح البخاري كتاب الوضوء باب من لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن حديث: ١٣٦ عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري. (٢) ١٦٥/ السالمي عبد الله: شرح الجامع الصحيح مسند الربيع بن حبيب الفراهيدي، ١ - .١٦٦ وينظر: الشماخي: الإيضاح في مسألة نواقض طهارة التيمم وهذا نص عبارته بعد أن ذكر فكان شكه في الصلاة لا يؤثر في طهارته وكذلك في غير الصلاة على هذا » : الحديث فقال .١٢٧/ ٣١١ . وينظر: أبو ستة: الحاشية على الترتيب، ١ /١ « الحال والله أعلم (٣) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، رقم ١٧٥ ، ومسلم، كتاب الحيض، باب الدليل على أن من تيقن الطهارة، رقم ٣٦١ ، عن عبد الله بن زيد. (٤) .٥٠ ،٤٩/ شرح النووي على صحيح مسلم، ٤ وخالف مالك فروى عنه النقض بالشك مطلقا ً وروى عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها وروى هذا التفصيل عن الحسن البصري وكلاهما مخالف لظاهر النص ولعل الحديث لم يبلغهما أو بلغ الحسن فقصر العفو على مورد النص (١) . ٣ ما رواه مسلم (ت: ٢٦١ ه) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا » ً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا ً أو يجد ريحا ً«(٢) ، والحديث ﱠ بمعنى ما تقدم. وهذه الأحاديث وإن وردت بمسألة خاصة وهي الشك في نواقض الوضوء، لكن العلماء ذهبوا إلى تعميم حكمها في جميع الأمور التي يجتمع فيها شك ويقين(٣) . ٤ وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا » شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صل ّ ى ث لاثا ً أم أ ربعا ً ؟ فليطرح الشك وليبن « على ما استيقن(٤) . ٥ ما رواه الترمذي (ت: ٢٧٩ ه) عن عبد الرحمن ٰ بن عوف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » إذا سها أحدكم في صلاته، فلم يدر: أواحدة » (١) ١٦٦ . وانظر: أبو ستة: حاشية الترتيب على مسند / السالمي: شرح الجامع الصحيح، ١ .١٢٨/ الربيع بن حبيب، ١/ باب ( ١٧ ) ما يجب منه الوضوء، ١(٢) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب من لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، ،٥ ١، ومسلم، كتاب الحيض، باب الدليل على أن من تيقن الطهارة، رقم ٦٧ رقم ٣٦ بلفظ آخر: الرجل، يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يسمع » صوتا ً ، أو يجد ريحا ً«. (٣) .٢٠٣/ الشوكاني علي: نيل الأوطار، ١(٤) متفق عليه، رواه البخاري، أبواب القبلة، باب التوجه نحو القبلة، رقم ٣٩٢ ، مسلم، كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة، والسجود له، رقم ٥٧٢ ، عن ابن مسعود. صل ّ ى أم اثنتين؟، فليبن على واحدة، فإن لم يتيقن صلى اثنتين أم ث لاثا ً ؟ فليبن على اثنتين، فإن لم يدر أ ثلاثا ً أم أ ربعا ً ؟ فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين « م(١) قبل أن ي سل ّ . فهذا الحديث والذي قبله واردان في مسألة خاصة هي السهو والشك في عدد ما صلاه المكلف من الركعات، وكان موقف العلماء بشأنها كموقفهم من الحديثين اللذين سبقاهما، والمتعلقين بالشك في ناقض الوضوء من تعميم الحكم وتوسيع نطاقه، وعدم قصره على السبب الخاص. وهذه الأحاديث المذكورة هي التي » : وقد أكد النووي ما أشرنا إليه فقال استند إليها الفقهاء في استنتاج القاعدة المذكورة، ولا شك أنها دلت بجلاء على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث، ولكنها ليست مقصورة على بيان هذا الجانب فحسب، بل شاملة لكافة المعاني الداخلة تحت موضوعها؛ وذلك عن طريق التعليل والقياس، فالفقهاء حققوا حكم الحديث في جميع المسائل التي « تشارك النصوص المذكورة في علتها ومعناها(٢) . وقال ابن حجر في نفس المعنى نقلا ً عن الخطابي (٣) : وليس المراد » تخصيص هذين الأمرين(٤) باليقين؛ لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان « الحكم للمعنى(٥) . (١) رواه الترمذي، أبواب الصلاة، الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان، رقم ٣٩٨ ، والحاكم في المستدرك، كتاب السهو، رقم ١٢١٣ ، عن عبد الرحمن بن عوف. قال الترمذي: حسن ٰ غريب صحيح. (٢) الندوي علي أحمد: القواعد الفقهية، ص ٣٥٥ ، وينظر: أيضا ً ما ذكره المحقق محمد الراشدي . في هامشه على كتاب جواهر القواعد لسفيان الراشدي، ص ٧٣(٣) تقدمت ترجمته. (٤) أي: صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث. (٥) ٢٣٧/ ابن حجر: فتح الباري، ١ - ٢٣٨ ، ترقيم فؤاد عبد الباقي. k :´ÉªLE’G øe :ÉãdÉK أجمع الفقهاء من الإباضية وغيرهم على أصل العمل بهذه القاعدة وإن اختلفوا في بعض التفصيلات، قال القرافي : ...» فهذه قاعدة مجمع عليها، « وهي أن كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم الذي يجزم بعدمه(١) . وقال ابن القيم بشأن استصحاب الوصف المثبت للحكم حتى يثبت خلافه ولم يتنازع الفقهاء في هذا النوع، وإنما تنازعوا في بعض أحكامه، لتجاذب »« المسألة أصلين متعارضين(٢) . ويدل على ذلك استقصاء كتب الفقه في المذاهب كلها، فقد بنت الأحكام على ذلك، ولا سيما في مباحث الطهارة(٣) . :á«∏≤©dG ádOC’G `` Ü استدل طائفة من الأصوليين والمتكلمي ن، بعدد من الأدلة العقلية نقتصر منها على ذكر بعضها: إن حدوث الشيء يحتاج إلى مؤثر، بخلاف بقائه فإنه لا يحتاج إلى ذلك، وإلا للزم تحصيل الحاصل، وهو باطل، فيكون الوجود والبقاء أولى لعدم حاجته إلى المؤثر(٤) . (١) .١١١/ القرافي: الفروق، الفرق العاشر، ١(٢) .٢٩٥/ ابن قيم الجوزية: أعلام الموقعين، ١(٣) . الباحسين: قاعدة اليقين لا يزول بالشك، ص ٢١٧(٤) الرازي فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين (ت: ٦٠٦ ه): المحصول في علم الأصول، ط. دار ٥٤٩ ، وفيه تفصيل لتوجيه هذا الدليل والإجابة عما / الكتب العلمية بيروت ١٤٠٨ ه/ ١٩٨٨ م، ٢ أثير حوله من اعتراضات. وينظر: الآمدي أبو الحسن سيف الدين علي بن أبي علي (ت: ٦٣١ ه): الإحكام في أصول الأحكام، تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي، ط. ١ نشر مؤسسة النور ١٢٨ . وينظر: الابتهاج في شرح المنهاج لابن السبكي تاج الدين عبد الوهاب بن / ١٣٨٩ ه)، ٤ ).١٧٢/ علي (ت: ٧٧١ ه)، تعليق جماعة من العلماء، نشر دار الكتب العلمية بيروت، ٣ وتوضيح ذلك: أن حدوث الطهارة يحتاج إلى مؤثر، وهو الوضوء أو الغسل، أما بقاؤها فلا يحتاج إلى ذلك، وما لا يحتاج أولى مما يحتاج(١) . اليقين أخذ في معناه عدم إمكان الزوال، » واستدل بعضهم على ذلك، بأن « ومن مقوماته الاستقرار والثبات، وهو ينافي زواله بالشك(٢) . بأن اليقين أقوى من الشك، فكون » ، واستدل بعض المعاصرين على ذلك ْ اليقين أقوى وأحكم أمر ثابت لا غبار عليه؛ لأن في اليقين حكما ً قطعيا ً جازما ً ّ « فلا ينهدم بالشك(٣) ، وهذا الدليل قريب في معناه من الدليل الذي سبقه، لكن ِ ُ الدليل السابق أخذ من أن معنى اليقين يقتضي عدم إمكان الزوال، والقول بزواله يناقض ذلك المعنى، والدليل الآخر تضمن هذا المعنى، لكنه جعل العلاقة بين اليقين والشك التعارض بين قوي وضعيف، وترجيح القوي على ّ الضعيف. ومما استدل به أيضا ً : أن ظن البقاء أغلب من ظن التغير، وذلك لأن » البقاء لا يتوقف على أكثر من وجود الزمان المستقبل، ومقارنة ذلك الباقي له كان وجودا ً أو عدما ً ، أما التغير فمتوقف على ثلاثة أمور: وجود الزمان المستقبل. وتبدل الوجود بالعدم أو العدم بالوجود. ومقارنة ذلك الوجود أو العدم لذلك الزمان. (١) الباحسين: قاعدة اليقين لا يزول بالشك، ص ٢١٧ - ٢١٨ نقلا ً عن كفاية الأصول للشيخ ١١/ ١٦ وما بعدها، ومباني الاستنباط، ١ / كاظم الخراساني بشرح الوصول للشيرازي، ٥ وما بعدها وغيرها من المصادر. (٢) .٤٨٣/ ابن رجب الحنبلي: جامع العلوم والحكم، ١(٣) ٩٦٧ ، وينظر: الندوي علي أحمد: ،( الزرقا مصطفى أحمد: المدخل الفقهي، فقرة ( ٥٧٤ . القواعد الفقهية، ص ٣٥٦ ولا يخفى أن تحقق ما يتوقف على أمرين لا غير أغلب مما يتوقف على « ذينك الأمرين وثالث غيرهما(١) . ومما استدل به كذلك تعارف الناس على ذلك: قال الفخر الرازي (٢)وأما العرف؛ فلأن من خرج من داره وترك أولاده فيها على » :( (ت: ٦٠٦ ه حالة مخصوصة، كان اعتقاده لبقائهم على تلك الحالة التي تركهم عليها راجحا ً على اعتقاده لتغير تلك الحالة، ومن غاب عن بلده فإنه يكتب إلى ّ أحبابه وأصدقائه عادة في الأمور التي كانت موجودة حال حضوره، وما ذاك إلا لأن اعتقاده في بقاء تلك الأمور راجح على اعتقاده في تغيرها، بل لو ّ تأملنا لقطعنا بأن أكثر مصالح العالم، ومعاملات الخلق مبني على القول « بالاستصحاب(٣) . وقد اعتمد الإباضية هذا الدليل في تقرير الأحكام الفقهية، في سياق كلامه عن قاعدتي: « التعارف » وهذا ما أشار إليه ابن بركة في كتابه اليقين لا يزول بالشك » « العادة محكمة » و .« (١) .١٢٨/ الآمدي: الإحكام بالنص، ٤(٢) الفخر الرازي محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري، أبو عبد الله، فخر الدين الرازي ( ٥٤٤ - ٦٠٦ ه/ ١١٥٠ - ١٢١٠ م): الإمام المفسر. أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل. وهو قرشي النسب. أصله من طبرستان، ومولده في الري وإليها نسبته، ويقال له: (ابن خطيب الري) رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان، وتوفي في هراة. أقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها. وكان يحسن الفارسية. من لوامع البينات في » ثماني مجلدات في تفسير القرآن الكريم، و « مفاتيح الغيب ط » تصانيفه المحصول في علم » و « معالم أصول الدين ط » و « شرح أسماء الله تعالى والصفات ط السر المكتوم في مخاطبة » بلاغة، و « نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز ط » و « الأصول خ في أصول الدين وغيرها كثير. الزركلي، « نهاية العقول في دراية الأصول خ » و « النجوم خ .٣١٣/ الأعلام، ٦ (٣) .٥٥٩/ الرازي أبو بكر: المحصول، ٢ فروع القاعدة وتطبيقاتها هذه القاعدة كثيرة الفروع وعميقة الجذور في الفقه الإسلامي، يتفرع عليها مسائل شتى من أبواب مختلفة؛ كالطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج والبيع والإجارة والعارية والوديعة والضمان والغصب والقرض والإقرار وغير ذلك... فأحرى بنا أن نورد هنا طرفا ً من الفروع المتخرجة عليها وهي كما يلي: k :äGQÉ¡£dG ÜÉH »a :’hCG ١ إذا تلاقى يابسان أحدهما منجوس ، فإنه لا يحكم على الطاهر بالنجاسة؛ وذلك لأن الجسد المنجوس نجاسة متيقنة والطاهر كذلك، فإذا لم نتيقن بانتقال النجاسة إليه بملامسة ذلك الجسم النجس، فالحكم هو الطهارة؛ لأننا تيقنا منها وشككنا في النجاسة، وهذا القول هو ما ذهب إليه الشماخي وصححه ونقله السالمي(١) وأكده. والفقهاء في هذه المسألة على خلاف، اليقين لا يزول بالشك » : فمنهم من أعمل قاعدة « فحكم بالطهارة وطرح الشك في النجاسة، ومنهم من فصل بين النجاسة اليابسة والسائلة، وكذلك الطهارة، واشترط في انتقال النجاسة إلى الطهارة أن يكون الجسم المنجوس مبلولا ً والطاهر يابسا ً ، ومنهم من مال إلى الاحتياط وغل ﱠ ب النجاسة على الطهارة في كل الأحوال. (١) ٣٥٠/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ١ - ٣١٨/ ٣٥٢ السالمي: معارج الآمال، ٣ - .٣٢٠ ولا بأس أن ننقل ما ذكره السالمي من خلاف بين العلماء في هذه وبيان ذلك أن العلماء اختلفوا » : المسألة، زيادة في البيان والتوضيح فيقول في كيفية نجاسة الأشياء الطاهرة إذا لاقت الأشياء النجسة، فقال بعضهم: لا يحكم على الجسد الطاهر بالنجاسة إذا لاقى المنجوس إلا إن ظهر عليه أثر النجس، وذلك في ما إذا كانا جميعا ً مبلولين أو كان الجسد المنجوس هو المبلول. وأما إذا كان الجسد المنجوس يابسا ً والجسد الطاهر مبلولا ً ، فإن بعضهم ذهب إلى نجاسة الجسد الطاهر حيث كان مبلولا ً . وقال آخرون: ما دام الجسد المنجوس اليابس يجبذ إليه فلا ينجس، المبلول الطاهر بملاقاته إياه كما أشار إليه أبو محمد (ابن بركة) . قال الشيخ عامر (١)(الشماخ ي)، وهذا في الأنجاس البطيء الرطوبة مثل: الدم والنطفة والقيء وما أشبهها، وأما ما كان منها سريع الرطوبة مثل البول والماء المنجوس وما كان في معناهما فلا. وقال آخرون بنجاسة الجسد الطاهر إذا لاقى الجسد المنجوس ولو كان يابسين. قال الشيخ عامر : وهذا عندي والله اعلم على الاستحاطة (الاحتياط) لئلا يكون الجسد الطاهر قد تعلق به شيء من الجسد النجس، وذلك أنه لما كانت الملاقاة تؤثر في الأنجاس وتزيلها من أماكنها بالشرع، أعني بالملاقاة: مس، وجب أن يكون الشيء الذي مسح به منجوسا ً كالدفعة الأولى من الماء الذي لم يرتفع به أثر النجس بعد. وقال بعض: لا بأس بملاقاة اليابسين ولو كان أحدهما منجوسا ً ، قال الشيخ عامر : وهذا القول عندي أصح لأنهم جعلوا النجس قاعدا ً في مكانه، وقعدوا له الطهارة وجعلوا له الحملان(٢) في موضع يمكن فيه، وذلك أن (١) ٣٥٠/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ١ - .٣٥١ (٢) الحملان: ربما يقصد به الاحتمال أو الشك، ينظر: في القاموس. الجسد المنجوس تيقنا نجاسته ولو لم نتيقن بانتقاله إلى الجسد الطاهر بملاقاته إياه فنحن على ما تيقنا، ولا يزيل اليقين إلا يقين مثله (١)ولا شك أن ّ الشماخي ،« الأصل في الأشياء الطهار ة » قد استند في ما ذهب إليه إلى القاعدة الفقهية فلا يحكم بنجاستها إلا ببينة(٢) . ٢ إذا وجد الماء متغيرا ً وشك في طهارته ولم يعلم سببه ، فهو على طهارته ما لم يتيقن نجاسته، قال ابن بركة : وكل ماء وجد متغيرا » ً ، ولم يعلم أن تغييره من نجاسة فهو محكوم له بحكم الطهار ة؛ لأنا على يقين من أنه كان طاهرا ً ولسنا على يقين أنه قد صار نجسا ً ، وليس شكنا في زوال الطهارة عنه « بموجب ثبوت النجاسة فيه(٣) . ٣ ومنها : أن من تيقن حدثا ً ثم شك هل تطهر بعده أم لم يتطهر؟ كان على حدثه، ومن تيقن طهارته ثم شك فلم يدر هل أحدث أم لم يحدث؟ فهو على طهارته(٤) . يقول أحمد الكندي في سياق مسألة المتوضئ الذي يشك في شيء من وضوئه: ...» وكل من كان على يقين من طهارته، ثم شك في فسادها، لم يجب عليه إعادته ا، وكذلك من تيقن أنه قد أحدث ثم شك أنه تطهر أم لا، فشكه غير مزيل ليقينه، ولا يزيل ما ثبت من الطهارة إلا كتاب أو س ُ ن ﱠ ة أو إجما ع، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : « لا وضوء إلا من صوت أو ريح »(٥) . (١) ٣١٨/ السالمي: المعارج، ٣ - ٣٥٠/ ٣٢٠ . وينظر: الشماخي: الإيضاح، ١ - .٣٥٢ (٢) .٣٥٢/ الشماخي: نفسه، ١(٣) .٢٥٧/ ابن بركة: الجامع، ١(٤) ٣٢١/ ابن بركة: الجامع، ١ - ٢٥٨ . الشقصي خميس: منهج الطالبين / ٣٢٢ . وانظر كذلك ١ ٥٠/ ١٣ . السالمي: معارج الآمال، ٣ / وبلاغ الراغبين، ٣ - .٥١ (٥) رواه الترمذي، أبواب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء من الريح، رقم ٧٤ ، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب لا وضوء إلا من حدث، رقم ٥١٥ ، عن أبي هريرة. قال الترمذي: حسن صحيح. فلا يجوز أن يرتفع ما تيقن وجوبه بالتجويز، فإن المعلوم لا يرتفع بغير « معلوم(١) . وقد عل ّ أن التيقن لا يرتفع بالش ك؛ لأنه تيقن بعلم وما » : ل ابن بركة ذلك شك فيه بغير معلوم، والمعلوم لا يرتفع بغير معلو م، ووجه آخر هو: أن الله 8 قد أوجب علينا إتيان الطهارة، فإذا تيقنا الحدث فقد ارتفعت الذمة بالطهارة، ولا يجوز أن يرفع ما تيقنا وجوبه بالتجويز، والواجب عليه أن يأتي ما يكون به على يقين من أداء ما افترض عليه، فإذا كان هذا هكذا فشكه فيما أمر به أوقعه «... أو لم يوقعه لا يزيل عنه ما تيقن وجوبه(٢) . ونقل ابن بركة قولا ً مخالفا ً لهذه القاعدة واعترض عليه، ورجح رأي وقال بعض أصحابنا » : الجمهور فقال : من تطهر لصلاة بعينها ثم شك في طهارته أنه لا يصلي بتلك الطهارة حتى يتيقن أنه لم يحدث(٣) ، وهذا عندي فيه نظر؛ لأن الطهارة مأمور بها من كان بها محدثا ً ، فإذا حصلت له وتيقنها كان له أن يصلي ما شاء بتلك الطهارة ما لم يحدث، فإذا تيقن ثبوت الطهارة لم يكن شكه فيها هل أحدث أم لم يحدث لم تجزه صلاته حتى يتيقن الطهارة التي يدخل بها الصلاة، لا تجزيه إلا بيقين. (١) .١٠٣/ الكندي أبو بكر: المصنف، ٤(٢) .١١٩/ الكدمي: المعتبر، ٣(٣) وهذا ما عليه العمل عند المالكية، ينظر: الدردير أحمد الشرح الصغير على مختصر خليل، وبحاشيته بلغة السالك إلى أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك لأحمد الصاوي، نشر مؤسسة العصر للمنشورات الإسلامية، وزارة الشؤون الدينية الجزائر، مطابع المطبوعات ٥١/ الجميلة، الجزائر، د.ت.، ١ - ٥٢ . القروي محمد العربي: الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية، نشر مكتبة رحاب، د.ت.، الجزائر، ص ١٩ - ٢٠ . ينظر: حاشية الخرشي محمد بن عبد الله بن علي المالكي على مختصر خليل (ت: ٧٦٧ ه) وعليه حاشية علي بن أحمد العدوي (ت: ٨١٣ ه) على الخرشي ضبطها زكرياء عميرات، ط ١، منشورات ٢٩٢/ دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ١٤١٧ ه/ ١٩٩٧ م، ١ - .٢٩٣ واحتج ابن بركة على أصحاب هذا القول: أن الخبر قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالثبات على اليقين المتقدم في الطهارة يقوله صلى الله عليه وسلم : إذا شك أحدكم » فلا ينصرف حتى يسمع صوتا ً أو يشم ريحا ً«(١) فلما جعل 0 البناء على الصلاة مع وقوع الشك كان ينبغي أن يكون استفتاح الصلاة مع وقوع الشك في الطهارة ولا فرق بينهما...، وإذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس إلا اتباعه، وقد وافقنا الشافعي في هذا وقال: من ثبت له حكم يقين بشيء لم يزل الحكم عنه إلا بيقين ثان «... (٢) . وما ذهب إليه جمهور الإباضية هو ما يتفق مع رأي الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية في إعمال الأصل السابق، وهو الطهارة وطرح الشك الطارئ، وأجازوا الصلاة في هذه الحالة؛ لأن الطهارة متيقنة والمشكوك فيه ملغى لا اعتبار له(٣) ، واستندوا في هذه المسألة إلى الحديث النبوي المتقدم. أما المالكية فسلكوا مسلكا ً آخر، ومنعوا من الصلاة مع الشك في بقاء الطهارة، معللين ذلك بأن ترتب الصلاة في الذمة هو الأصل الأول، ولا يمكن الخروج عن العهدة والبراءة من الذمة إلا بطهارة متيقنة(٤) . وقد فصل أحمد الدردير هذه المسألة، ومما جاء في قوله: ...» الشك ﱠ ناقض؛ لأن الذمة لا تبرأ مما ط ُ لب منها إلا بيقين ولا يقين عند الش ك، (١) سبق تخريجه. (٢) ٣٥٦/ ابن بركة: الجامع، ١ - .٣٥٧ (٣) ابن عابدين: رد ّ ٧٧ . البهوتي منصور بن / ١٥٠ . النووي: روضة الطالبين، ١ / المحتار، ١ يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، راجعه وعلق عليه هلال مصيلحي ومصطفى ١٣٢ . ابن حزم أبو محمد علي محمد / هلال، نشر مكتبة النصر الحديثة، الرياض، ١ أحمد بن سعيد، المحلى، منشورات المكتب التجاري للطبع والنشر والتصوير، بيروت، ّ .٢١١ - ٧٩/٢(٤) ٢١٢/ القرافي: الذخيرة، ١ - ٢١٣ الحطاب: شرح الحطاب على مختصر خليل، ط. .٢٩٤/ طرابلس مكتبة النجاح، فصل: في نواقض الوضوء، ١ والمراد باليقين ما شمل الظن (أي: الظن الغالب) والشك الموجب للوضوء ثلاث صور: الأولى: أن يشك بعد علمه بتقدم طهره، هل حصل منه ناقض من حدث أو سبب أم لا؟ الثانية: عكسها، وهو أن يشك بعد علم حدثه، هل حصل منه وضوء أم لا؟ ِ الثالثة: ع َلم كلا ّ ً من الطهر والحدث وشك ّ « في السابق منهما(١) . منشأ ا لخلاف: يبدو أن أساس الخلاف في هذه المسألة نجم عن تعارض الأصلين وهما: أصل الطهارة، وبراءة الذمة، فإن جمهور الفقهاء من الإباضية وغيرهم يعملون ُ أصل الطهارة، فإذا صلى في هذه الحالة سقط الفرض عنه، أما المالكية فقد ذهبوا إلى وجوب الوضوء عليه إعمالا ً للأصل الآخر وهو ترتب الصلاة في ذمته، فلا تسقط عنه إلا بطهارة متيقنة. ولعل الراجح من القولين رأي الجمهور استنادا ً إلى الحديث المتقدم، فهذا الخلاف ليس إبطالا ً لهذا الأصل، بل حدث لمعارضة الأصلين، وهما بقاء ما كان على ما كان » براءة الذمة، والأصل « فكل فريق أخذ بأصل واعتمد عليه في استدلاله(٢) . ٤ حكم من تيمم ثم شك هل انتقض تيممه أم لا؟ يرى الإباضية أن من تيمم وشك في طهارته لا يلزمه إعادة التيمم بنفس الشك فيه، أما إن شك أنه تيمم أم لا، فإنه يجب عليه أن يتيمم حتى يعلم أنه خرج من عهدة التكليف(٣) ، وهذا ما ذهب إليه الشماخي معتمدا ً في ذلك على (١) ١٤٧/ الدردير أبو البركات أحمد: الشرح الصغير على مختصر خليل، ١ - .١٤٨ (٢) .٣٦٨ - الندوي: القواعد الفقهية، ص ٣٦٧(٣) .٣١٠/ ٢٧٤ . الشماخي: كتاب الإيضاح، ١ / المرجع نفسه، ٣ اليقين لا يزول بالشك » : قاعدة « وإن شك أنه تيمم أو لا فإنه يتيمم » : وهذا نصه حتى يكون على اليقين، وأما إن أيقن التيمم فشك أنه انتقض عليه أم لا، فإنه « على اليقين من تيممه، ولا يرفع الشك ما ثبت باليقين(١) . وقاس السالمي حكم الشك في التيمم بالشك في الوضوء، فبين أنه كما ﱠ ليس عليه أن يعيد وضوءه بالشك فكذلك التيمم، واستدل ّ على هذا الحكم بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا شك أحدكم في صلاته ف لا ينصرف حتى يسمع » صوتا ً أو يجد ريحا ً«(٢) ، فلما كان شكه في صلاته لا ينقض طهارته، فكذلك ُ شكه في غير الصلاة(٣) . ٥ ومنها في الجنب يشك أنه اغتسل من الجنابة، أو لم يغتسل، وما أشبه ذلك من ا لفرائض: اختلف الإباضية فيمن كان ج ُن ُ با ً ثم صل ﱠ ى صلاة أو صلوات ولم يعلم أنه اغتسل، أو شك في الغ ُ سل، فما حكم صلاته؟ قال أبو الحسن البسيوي : يعتبر هذا عندي قد اغتسل، ولا يعيد الغسل والصلاة حتى يعلم يقينا ً أنه لم يغتسل، إذا كان قد تعود، وكان من أهل القبلة، ّ ويدين بوجوب غسل الجنابة، ولا يعرف من نفسه عادة أنه يترك غسل الجنابة في أي وجه من الوجوه، أو على أي حال من الأحوال. وخالفه أبو سعيد هذا يخرج على الاطمئنان وليس على الحكم؛ » : الكدمي في هذا الرأي وقاللأن المفروض بقاؤه على الجنابة حتى يستيقن أنه اغتسل، وإن كان ممن يدين بها فليس الغسل من الجنابة مثل الوضوء؛ لأن الوضوء في أكثر الأحوال لا يصلى إلا بوضوء وأنه على وجه من الوجوه إذا لم يكن قد علم منه بوضوئه (١) الشماخي: المرجع السابق. (٢) سبق تخريجه في الصفحات السابقة. (٣) .٣١٠/ ٢٧٤ . الشماخي: الإيضاح، ١ / السالمي: معارج الآمال، ٣ أنه لا يصلي الصلاة حتى يتوضأ، وليس غسل الجنابة كذلك عندي، ويخرج « في الغسل أنه يجري عليه معنى النسيان(١) . ٍ وبناء عليه، فإذا علم أنه على جنابة فقد لزمه حكم الغسل، فهو باق عليه ً حتى يعلم أنه اغتسل، فإن كان ذاكرا ً لغسله حتى مضى إلى الماء فوقع فيه فليغتسل، أو مضى ليغتسل، وعرف ذلك أو ذكر شيئا ً من هذا، كان هذا مما يزيد في الاطمئنان إذا كان قد صل ّ ى أو مضى عليه وقت الصلاة لم يعلم أنه لم يصلها، ثم شك فيها هل صلاها أو لم يصلها؟ فقول: ليس عليه أن يصليها حتى يعلم أنه لم يصلها، وما دام في وقتها فشك فيها، فعليه أن يصلي حتى يعلم أنه قد صل ّ ى. قال الكدمي : وأرجو أن » هذا المعنى يخرج على معنى الحكم، لا على معنى الاطمئنان؛ لأنه ليست الصلاة في زوال وقتها كمثل الغسل؛ لأنه ليس للغسل وقت معروف ولا في « أكثر العادة ألا يصلي إلا بغسل كما لا يصلي إلا بوضوء(٢) . واختار الكدمي ألا يقاس حكم الغسل على حكم الوضوء والصلاة لأن بينهم اختلاف؛ فالصلاة عادة لا تصلى إلا بوضوء ولا يفوت وقتها دون أداء، ولذلك فإن شك أنه صلى بوضوء أو بغير وضوء، فلا إعادة عليه بمعنى الحكم حتى يعلم أنه صل ﱠ يفترق معنى الغسل في » ى بغير وضوء أو لم يصل. ويرى أنه النظر مع معنى الوضوء كما ذكر، وإن كان يحسن في الاطمئنانة، إذ ليس من مذهب المصلي، أن يصلي بالجنابة حتى يغتسل، إلا من عذر. ولا يعلم أحد من أهل القبلة يقول بترك الغسل من الجنابة بدين ولا برأي، إلا منتهكا ً لدينه. فإذا كان يعرف نفسه بانتهاك الغسل من الجنابة، كان على أصل ما يعرف نفسه في أمر صلاته في معنى الحكم، حتى يعلم أنه اغتسل. وأما إذا لم يكن (١) .٣٢١/ ٧٧ . الكندي أبو بكر: المصنف، ٤ / الكدمي: المعتبر، ٤(٢) ٣٢١/ ٧٨ . الكندي: المصنف، ٤ / الكدمي: المصدر نفسه، ٤ - .٣٢٢ كذلك، وكان يدين بالاغتسال ولا يعرف نفسه بتركها، فمضى عليه وقت صلاة بعد علمه بالجنابة، أو جامع ثم لم يعلم غسل أو لم يغسل، فيخرج في الاطمئنانة أنه ليس عليه غسل، إلا أن يعلم أنه كان ناسيا ً للجنابة، وأنه لم يغتسل. ولا يثبت ذلك على الحكم؛ لأنه كما تعلق عليه حكمه، وكان لازما ً له، فهو عليه حتى يعلم أنه قد أداه إذا لم يكن عليه عمل ذلك في وقت معروف لا يسعه تركه فيه، وإنما العمل له لغيره، وليس هو مما لا يجوز ذلك « العمل إلا به في كل وقت على كل حال، والغسل يخرج مثل هذا(١) . خلاصة ا لقول: اليقين لا يزول » : يظهر من عبارة الكدمي أنه يميل إلى إعمال قاعدة بالشك « في حكم الجنابة، فلا يخرج منها إلا بيقين وهو الغسل، واستثنى من ذلك حالة ما إذا كان المصلي معتادا ً للاغتسال، كما يفعل في الوضوء والصلاة وأدى الصلاة ثم طرأ عليه الشك هل اغتسل أم لا؟ ففي هذه الحالة يرى الكدمي أنه يلزمه العمل بما غلب عليه ظنه واطمأنت َ إليه نفسه، ما دام يدين بالاغتسال، فلا يعيده؛ لأنه غالبا ً لا يصلي إلا وهو َ طاهر، وكأنه بذلك قد أوكل الأمر إلى الشاك وجعله يحكم على نفسه، مصداقا ً ْ لقوله 8 : ﴿ ÄÃÂÁÀ ﴾ (ال قيامة: ١٤ (. ٦ ومنها إذا رأى الرجل في منامه أنه يجامع امرأة حتى أ منى ، ثم انتبه فلم يجد أثرا ً لمني في جسده أو ثيابه، فلا يلزمه غسل؛ لأنه بات على أصل الطهارة فلا ينتقل عنها بشك(٢) . وذكر الكدمي أنه إذا رأى الجماع أو ما يشبه ذلك من أنواع المس أو أي وجه من وجوه ما يقرب إلى معنى الشهوة من مقدمات الجماع، وسواء كان (١) ٧٨/ الكدمي: نفسه، ٤ - .٣٢٢/ ٧٩ أحمد الكندي: المصنف، ٤ (٢) .٢٢٩/ ٩٨ . وينظر: الخليلي سعيد: المصدر نفسه، ٢ / الكدمي: المعتبر، ٤ قد وجد الشهوة أو لم يجدها، ثم انتبه في حين ذلك فلمس فلم يجد شيئا ً ثم خرج منه بعد ذلك شيء من البلل لا يعلم أن هذا البلل من ماء دافق، فالحكم أنه يخرج في هذا الفصل أنه لا غسل عليه ولا يعلم في ذلك اختلافا ً ، إلا أن يكون يدرك الشهوة بعد يقظته التي بها يخرج المني فلمس في حين ذلك فلم يجد شيئا ً ثم يكون خروج ذلك في الشهوة وفي بقية الشهوة التي أدركها والتي بمعناها يخرج الماء الدافق فعنده أن عليه في هذا الفصل الغسل ولا يظهر له (١) في ذلك اختلافا ً . وسئل أبو الحسن البسيوي عن رجل إذا انتبه من نومه فوجد بللا ً لا يعرف ما هو على رأس الذكر هل عليه غسل أم لا؟ قال: إن كان رأى شيئا ً من النساء مثل مس أو جماع أو كلام مما يبين الشهوة، أو شيء من ذلك مما يقرب من الشهوة، ثم انتبه فوجد بللا ً فعليه الغسل، وإن لم ير جماعا ً ولا شيئا ً فلا غسل عليه حتى يعلم أن تلك الرطوبة نطفة (أي: جنابة). وهذا القول هو ما نقله أبو الحواري عن بعض الإباضية(٢) . وحكى الكدمي الإجماع في هذه المسألة، فذكر أنه إذا رأى الحالم الجماع في المنام وأدرك الشهوة ووجدها أو لم يدركها ولم يجدها، ثم انتبه من نومه فوجد بللا ً في حين انتباهه، ولم يعلم أو يتحقق أن ذلك كان نطفة أو أنه فقط كان مذ ْ يا ً أو ود ْ يا ً أو كان شيئا ً أن عليه الغسل، إذا كان قد » غير ذلك، فيرى ََ رأى الجماع أو ما يشبه الجماع ثم انتبه فوجد بللا ً ... وهذا الحكم على قول من قال به على حسب ما يوصف لك، ومعي أنه قيل: إن هذا الفصل مما يشبه « القول فيه معنى الاتفاق بوجوب الغسل عليه فيه في هذا الموضع(٣) . وذهب البعض إلى القول أنه إذا وجد نطفة ميتة فلا غسل عليه، ولكن (١) .٩٤/ الكدمي: المعتبر، ٤(٢) الكدمي المصدر نفسه. (٣) .٩٦/ الكدمي: المصدر السابق، ٤ الكدمي خالفهم في ذلك، فلم يفرق بين النطفة الحية والميتة، بل أوجب عليه الغسل عموما ً وكذلك عندي » : من باب الحكم أو من باب الاحتياط، فيقول إذا رأى الجماع بمعناه، أو ما يشبهه من المداعبات والمقدمات، ثم وجد بعد يقظته نطفة في شيء من بدنه مما يمكن أن يخرج فيه من الاحتلام منه بمعنى من المعاني في الاحتمال، أو في ثوبه الذي نام فيه، فمعي أنه قد قيل: إن عليه الغسل من مثل هذا، وإذا رأى الجماع أو ما يشبهه ثم رأى مثل هذا رطبا ً أو يابسا ً فتبين أنها نطفة، خرج عندي وجوب الغسل عليه، بمعنى ما لا يبين لي فيه اختلاف لما يقارب معنى وجوب الأحكام بذلك، ولا يخرج عندي من معنى الاحتياط على حال ما احتمل ذلك بوجه من الوجوه، أن يكون ذلك من « غيره أو نطفة ميتة، ولو ثبت أنها نطفته(١) . من خرج من الماء من غسل النجاسة أو الجنابة أو من الوضوء وشك في الطهارة، فقد ن َ قل أحمد الكندي عن محمد بن محبوب : أنه من خرج من الماء م ن غ ُسل ٍ من جنابة أو نجاسة، ثم شك أنه لم يغسل شيئا ً من يديه أو لم يحكم ْ الاستنجاء، قال: إذا لبس ثوبه فلا إعادة عليه ولا يرجع حتى يستيقن، وكذلك إذا خرج من الماء على أنه قد غسل أو توضأ، ثم شك فلا يرجع إلى الشك حتى يستيقن ولو لم يكن لبس ثوبه(٢) . ويبين الكندي أيضا ً ومن شك في » : حكم من شك في وضوءه فقال ﱢَ وضوءه كله بعد خروجه منه فلا نقض، ولا يرجع إلى الشك؛ فإن شك في عضو أنه لم يحكمه بعد أن خرج منه، لم يرجع، ولو كان ذلك لكان الإنسان لا يبرح يتوضأ. وإن شك وهو بعد ُ فيه، فلا يخرج منه حتى يحكمه، إنما ُ « لا يرجع إذا خرج من الحدث وأدى الفرض، وكذلك الغسل(٣) . (١) ٩٦ . وفيه تفصيل دقيق في هذه المسائل. / الكدمي: المعتبر، ٤(٢) .١٠١/ الكندي أبو بكر أحمد: المصنف، ٤(٣) .١٠٠/ المصدر نفسه: ٤ ٧ وفي باب الحيض والنفاس: اختلف الإباضية في حكم الصفرة والكدرة هل يعتبران من الحيض أم لا؟ فذهب أكثرهم إلى أن الصفرة والكدرة ليستا بحيض إلا إذا اتصلتا بالدم؛ لأنهما ليستا من ألوان دم الحيض، فإذا حاضت المرأة واتصلت بدم حيضها صفرة أو كدرة فهو من حيضها؛ لأنها دخلت بيقين ولا تخرج منه ن(١) . إلا بيقين وترى النقاء البي ّ ونظرا ً لأهمية هذه المسألة وضرورة تفقه أحكامها أرى أنه من المناسب أن أنقل أقوال الإباضية وأدلتهم مع بيان وجه الاختلاف وثمرته. يرى ابن بركة أن المرأة إذا رأت صفرة أو كدرة في الوقت الذي كان الحيض يأتيها فيه فليس ذلك عنده بحيض، وإن كان قد قال بذلك بعض الإباضي ة، فإن اتصل بالصفرة دم فقد قال بعضهم يكون ذلك حيضا ً. أنه قيل: لا يكون حيضا « المعارج » ونقل السالمي في ً حتى يكون الدم العبيط(٢) هو الأكثر الغالب على الصفرة والكدرة والحمرة، فإن كان ذلك الدم العبيط هو الغالب على ذلك كان ذلك حيضا ً ، ولو تقدمت الصفرة ونحوها وهو القائل قد جعل الحكم للأغلب من الدماء. وقال أبو الحواري ومحمد بن الحسن : الذي نأخذ به أن الصفرة في أيام حيضها ليس بحيض إلا أن يتقدمها دم. (١) ٢٣٠/ ابن بركة: الجامع، ١ - ١٨٦/ ٢٣١ الشماخي: الإيضاح، ١ - .١٨٧ (٢) الدم العبيط: هو الدم الخالص لم يخالطه شيء من صفرة أو كدرة. قال ابن الأثير: العبيط الطري عند النضيج، ينظر: ابن منظور، لسان العرب المحيط، مادة (عبط)، نشر دار العرب، ٦٧٠ . وعرفه غيره بأنه الدم الطري الذي لا يتخثر، وهو دم الحيض، / بيروت، د.ت.، ٢ ﱠ وحقيقته تهد ﱡ مات جدار الرحم، ينظر: محمد رواس قلعة جي وحامد قنيبي، دار النفائس بيروت ١٤٠٥ ه/ ١٩٨٥ م. واعترض أبو سعيد الكدمي على من قال: أن الصفرة والكدرة متى كانت في أيام الحيض فهي حيض وقال: هو عندي يشبه الشاذ. وعق ﱠ أما من ذهب من أصحابنا إلى أن » : ب ابن بركة على بعضهم بقوله الصفرة والكدرة في أيام الحيض إذا لم يكن الدم متصلا ً بها فهو حيض « فقوله فيه نظر(١) . وقال آخرون: لا يكون ذلك حيضا ً إلا أن يتقدمه الدم وتتصل الصفرة والكدرة به في أيام عادتها. قال أبو إسحاق الحضرمي : لا تكون الصفرة أو الكدرة حيضا » ً إلا في خصلة واحدة وهي أن يتقدمها الدم في أيام الحيض فحينئذ تكون حيضا ً وإن لم يكن دم معها، وقد قال بعض أصحابنا أن الدم الأحمر الرقيق « حكمه حكمها(٢) . وبين ابن بركة أن هذا القول عليه العمل أكثر، والحجة له أقوى، وعلله ﱠ بأن المرأة ما لم تر الدم فهي طاهر باتفاق الأمة، فإذا رأت صفرة أو كدرة، اختلف الناس في حكمها فسماها بعضهم به حائضا ً وسماها بعضهم مستحاضة، وسماها بعضهم محدثة كسائر الأحداث الموجبة لرفع الطهارة، ثم خلص إلى القول أن هذا الاختلاف غير مزيل للإجماع إلا بحجة، فهي أبدا عنده طاهر ما لم يتفقوا على أنها حائض أو ترى دما ً فيكون دمها ذلك دليلا ً على حيضها، إذ الصفرة والكدرة ليست من ألوان دم الحيض، فإذا حاضت فاتصل بدم حيضها صفرة أو كدرة فهو من حيضها؛ لأنها دخلت بيقين ولا تخرج منه إلا بيقين، وترى النقاء البين ما لم تتجاوز ما نعلم أنه ليس بحيض. (١) .٦٢ - ٦١/ السالمي: المعارج، ٤(٢) . الحضرمي أبو إسحاق إبراهيم بن قيس: مختصر الخصال، ص ٤٥ واستدل ابن بركة على مذهبه بما روي عن عطاء عن عائشة # أنها إذا رأت المرأة الدم فتمسك عن الصلاة حتى ترى بعده البياض » : قالت (٣) كالق َصة(١) « ، ثم تغتسل وتصلي(٢) .. ﱠ ونقل فيه مختلف « الإيضاح » هذا وقد أورد الشماخي هذه المسألة في الأقوال، وأشار فيها إلى منشأ الخلاف، ورجح رأي أكثر الفقهاء لقوة أدلتهم، وأما الصفرة » : ومراعاتهم لأحوال النساء وعادتهن في الدماء. وهذا نص عبارته والكدرة فقد اختلف الفقهاء فيهما هل هما حيض أم لا؟ فقال قوم: هما حيض في أيام الحيض لا في غيرها، وقال آخرون: لا حكم للصفرة والكدرة، إنما الحكم لما سبقهما وتقدمهما؛ إن سبقهما حيض فحكمهما الحيض، وإن سبقهما طهر فحكمهما حكم الطهر، وقال آخرون: إن الصفرة والكدرة حيض في أيام الحيض وفي غير أيام الحيض رأت ذلك مع الدم أو لم تره، وقال آخرون: إن الصفرة والكدرة لا تكونان حيضا ً لا في أيام الحيض ولا في غيرها ولا بأثر الدم ولا بعد انقطاعه. وأصل الاختلاف: مخالفة ظاهر حديث أم عطية لحديث عائش ة، وذلك أنه كنا لا نعد الصفرة ولا الكدرة حيضا » : روي عن أم عطية الأنصارية قالت ً في « زمان النبي صلى الله عليه وسلم(٤) لا تطهر المرأة من حيضها » : ، وروي عن عائشة أنها قالت حتى ترى الق َ « صة البيضاء(٥) . (١) قال ابن بركة: القصة هي قصة الصبح أو بياض من النهار الذي يرتفع بظهوره حكم الليل .٢٣١/ وسواده وكدرته، ينظر: الجامع، ٢(٢) إذا رأت » : رواه الدارمي، كتاب الطهارة، باب الطهر كيف هو، رقم ٨٦٣ ، عن عائشة بلفظ .« الدم فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر أبيض كالفضة ثم تغتسل وتصلي (٣) ٢٣٠/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .٢٣١ ِ (٤) رواه الربيع، كتاب الطلاق، ب َ اب ٌ في ال ْح َي ْض، ِ رقم ٥٤٣ . والبخاري، كتاب الحيض، باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض، رقم ٣٢٠ ، عن أم عطية. (٥) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب إقبال الحيض وإدباره، رقم ٣١٤ ، ومالك في الموطأ، كتاب الطهارة، باب طهر الحائض، رقم ١٢٨ ، عن عائشة. فمن ذهب إلى حديث عائشة جعل الصفرة والكدرة حيضا ً سواء ظهرت في أيام الحيض أو في غيرها، مع الدم أو بلا دم؛ لأن حكم الشيء الواحد في نفسه لا يختلف. ومن ذهب إلى ظاهر حديث أم عطية لم ير الصفرة والكدرة شيئا ً لا في ِِ أيام حيض ولا في غيرها، ولا بأثر الدم ولا بعد انقطاعه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم رواية عن الزهري عن عروة : إن دم، الحيض أسود ي عرف، فإذا كان ذلك فأمسكي » َُ « عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق(١) وجعل الصفرة والكدرة من سائر الرطوبات التي يرخيها الرحم. ومن رأى الجمع بين الحديثين قال: إن حديث عائشة هو في أيام الحيض، وحديث أم عطية في غير أيام الحيض، أو حديث عائشة هو في أثر الدم، وحديث أم عطية بعد انقطاع الدم(٢) . وهذا القول عندي أصح » : وتابع الشماخي رأي ابن بركة وصححه فقال أن تكون الصفرة والكدرة حكمها حكم ما سبق لهما، وكذلك الثرية والعلقة والتيبس؛ لأنها أبدا ً طاهر بالإجماع ما لم تتيقن على أنها حائض أو ترى دما ً َﱡ ٌ خالصا ً ، فإذا حاضت واتصل بدم حيضها صفرة أو كدرة فهما من حيضها؛ لأنها دخلت بيقين فلا تخرج إلا بيقين، أو ترى النقاء البين ما لم تجاوز « ما تعلم أنه ليس بحيض(٣) . (١) ، رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، رقم ٢٨٦ ، والبيهقي في الكبرى، كتاب الحيض، باب المستحاضة إذا كانت مميزة، رقم ١٤٤٩ عون .« قال المنذري: ورواه النسائي حسن » : عن فاطمة بنت أبي حبيش. المباركفوري .٣٢٣/ المعبود، ١ (٢) ١٨٥/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ١ - .١٨٧ (٣) ٢٣١ . وينظر: السالمي: المعارج، / ١٧٨ ، وينظر: ابن بركة: الجامع، ٢ / الشماخي: الإيضاح، ١ .٦٤ - ٦٢/٤ k :IÓ°üdG ÜÉH »a :É«fÉK ١ حكم الشك في تكبيرة ا لإحرام: من شك في أداء تكبيرة الإحرام فلم يدر أكبرها أم لم يكبرها، اختلف ﱠﱢ الإباضية في حكمه. قال ابن بركة : فالأصل أنه لم يأت بها، فلا يخرج من فرضها إلا بيقين، » إعمالا ً واحتج كذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم في ،« اليقين لا يزول بالش ك » : لقاعدة الصلاة: « تحريمها التكبير وتحليلها ا لتسليم » (١)ولا يحرم فيها إلا ما كان محللا ً من الكلام وغيره إلا بالإحرام. وذهب أكثر الإباضية إلى القول: إن ّ تكبيرة الإحرام وغيرها مما هو في الصلاة إذا جاوز المصلي موضعه لم يعده إذا شك فيه ولم يرجع إليه، ونحن نختار قول من فرق بين تكبيرة » : وخالفهم ابن بركة في هذا الحكم وقال ّ الإحرام وسائر التكبير الذي في الصلاة؛ لأن ذلك ليس بفرض تكبيرة الإحرام، ألا ترى لو تركها المصلي ونسيها كانت صلاته فاسدة لإجماع الأمة، ولو ذكر «... أنه نسي غيرها من التكبير أن صلاته لا تفسد ولو كثر(٢) . ولعل ما ذهب إليه ابن بركة هو رأي وجيه وأقرب للصواب، له ما يبرره؛ فالأصل عدم تكبيرة الإحرام، فإذا شك في عدمها فيجب عليه الإتيان بها؛ لأنها من أركان الصلاة، ولا يمكن الدخول فيها بدونها، فإذا (١) رواه الربيع، كتاب الصلاة ووجوبها، باب في ابتداء الصلاة رقم ٢٢٠ ، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب فرض الو ضوء: رقم ٦١ ، والترمذي، أبواب الطهارة، أن مفتاح الصلاة الطهور، رقم ٣، عن علي بن أبي طالب. وقال: هذا الحديث أصح شيء في الباب وأحسن. المناوي: رمز المؤلف[السيوطي] لحسنه تبعا للنووي بل قال أعني المؤلف: إنه حديث متواتر وزعم »ابن العربي أن إسناد أبي داود أصلح من الترمذي. قال اليعمري: ولا وجه له وفيه محمد بن عقيل ضعفه الأكثر لسوء حفظه لكن ينبغي أن يكون حديثه حسنا ً .« .٥٢٧/ فيض القدير، ٥ (٢) .٤٥٢/ ابن بركة: الجامع، ١ تركها سهوا ً أو عمدا ً لا يمكن جبرها وعليه إعادة الصلاة من أجلها، بخلاف سائر التكبيرات داخل الصلاة فهي من السنن، ومن شك في أدائها فلا يعيدها إلا إذا تيقن من ذلك، ومن سها عنها وتذكرها بعد أن تجاوزها سجد سجود السهو. ٢ حكم الشك في القراءة من ا لصلاة: إذا دخل المصلي في الصلاة وشك هل قرأ القرآن أم لم يقرأ؟ وأين يتحدد هذا الشك، هل في الفاتحة أم في السورة؟ ،« المعارج » وقع الخلاف بين الإباضية في هذه المسألة، لخصه السالمي في اعلم أن الشك إما أن يكون في الحمد (الفاتحة) أو في السورة » : ومما جاء فيه التي تقرأ بعدها، فإن كان في السورة فلا يستأنف قراءته بل يستمر فيها، فإن بعضها يجزي. فلو قدرنا أنه لم يقرأ أو صحت صلاته بقراءة آخرها، فإن أعاد القراءة فلا بأس؛ لأن تكرار السورة جائز لا سيما في مثل هذا الموضع. وإن كان الشك في قراءة الفاتحة، فإما أن يشك بعد الفراغ من قراءتها أو قبل الفراغ؛ فإن شك بعد الفراغ فلا يرجع إليها حتى يتيقن أنه تركها، وهذا ما ذهب إليه أبو عبد الله محمد بن محبوب(١) . وهكذا سائر الحدود، فإنه إذا خرج من الحد لا يرجع إليه بالشك فيه؛ لأن الأصل أنه أتى به على وجهه حتى يصح غير ذلك. والأصل عدم الناقض لصلاته بعد تيق ّ ن الدخول فيها، حتى يتيقن أنه أتى بما ينقضها. وإن شك وهو في قراءتها، فإن شك في إحكام الكلمة التي هو فيها، فقيل: لا يمضي عنها حتى يحكمها؛ لأن الأصل أنه لم يأت بها حتى يتيقن أنه أتى بها على وجهها. (١) .١٤٣ - ١٤٢/ السالمي: المعارج، ٤ ويرجح السالمي عدم إعادتها ما دام متيقنا ً بقراءتها على الوجه الصحيح، حتى لا يترك مدخلا ً وأقول: إنه إذا » : لوساوس الشيطان. يقول في هذا الصدد كان الشك في الإحكام مع تيق ّ ن الإتيان بها، فالأصل أنه أتى بها على وجهها « حتى يتيقن غير ذلك، وللشيطان في التشكك سبيل يجب علينا قطعه(١) . وإن شك في أول الفاتحة وهو في آخرها فقيل: عليه أن يستأنف قراءتها إذ ليس له أن يخرج عن الحد حتى يتيقنه ويحكمه. وقيل: إذا قرأ أكثرها لم يكن عليه أن يبتدئ قراءتها، بل يمضي على صلاته تنزيلا ً للأكثر منزلة الكل. ويختم السالمي قوله: بأن الأمر كله يعود إلى الاطمئنان النفسي، فإذا اطمأنت نفسه للإعادة أعادها وإن اطمأنت لغيره تمسك به، وهذا على حد وأقول: إن اطمأن قلبه بأنه لم ينته إلى آخرها إلا بعد الشروع في أولها » : عبارته « وسكنت نفسه إلى ذلك جاز له التمسك به ولا يرجع مع هذا الشك(٢) . أما إذا كان المصلي إماما ً وشك في قراءة الفاتحة فما حكم ذلك؟ قال أبو محمد (ابن بركة ( 5 : اختلف أصحابنا (الإباضية » ( في الإمام يصلي يقوم ثم يشك أنه لم يبتدئ بأول فاتحة الكتاب، وهو بعد ُ في القيام لم يقرأ السورة، فقال بعضهم: يرجع فيبتدئ بفاتحة الكتاب ما لم يجاوزها إلى غيرها، وقال بعضهم: إذا جاوز شيئا ً منها وشك في أولها وقد بلغ إلى آخرها، وقبل أن يتمها وقد قال: ﴿ CB ﴾ )الفاتحة : (٧ ، فلا يرجع إلى الشك؛ لأن من عادة الناس لا يبتدئون فاتحة الكتاب من وسطها، وإذا كان الشك بخلاف العادة لم يكن له حكم يدفع العادة، « ولا يدفعها إلا اليقين(٣) . (١) .٢٢٣/ ١٤٣ . الشقصي خميس: منهج الطالبين، ٤ / السالمي: المرجع السابق ٤(٢) ٢٠٧/ ١٤٣ . ابن جعفر: الجامع، ٢ / السالمي: المعارج، ٤ - .٢٠٨ (٣) .١٣٦/ ٢٢٥ . ينظر: أطفيش: شرح النيل، ٢ / الشقصي: منهج الطالبين، ٤ ولعل ما ذهب إليه السالمي هو ما ينبغي أن نسلكه في أداء العبادات، خاصة لمن ابتلي بمرض الوسواس. ويعجبنا لمن ابتلي بالشك أن يأخذ بأرخص » : قال الشقصي في هذا الشأن القول من المسلمين؛ ليقوى بذلك على دفع الشيطان لعنه الله على « صلاته(١) . وهذا المسلك سلكه بعض فقهاء الإباضية في دفع الشك وعلاج وقال » : بما نصه « المنهج » أصحاب الوساوس، ومن ذلك ما نقله الشقصي في محمد بن جعفر : قالت لي عبيدة بنت محمد إن أبا علي موسى بن علي 5 رآها قد صل ّ ت العتمة (صلاة العشاء) وشكت في صلاتها فأبدلتها، ثم شكت ِ أيضا ً في البدل، فقال لها: إنما البدل من الشك مرة واحدة، فإن شككت أيضا ً فإنما ذلك من الشيطان، فلا ترجعي تبديلها. قالت: قلت ُ له فإني قد شككت ُ في البدل وأنا أصلي، والذي معي الساعة إني لم أصلها، قال: دعيها ونامي، فإنما ذلك من الشيطان، قالت: فلم أصل ّ ها برأيه فنمت ُ « فذهب عني الشك(٢) . وقد أفتى محمد بن محبوب 5 لمن ابتلي بالشك في صلاته أن يجهر بها كلها، حتى يسمعه الذي يحفظ عليه ويعلمه أنه قد أتم صلاته لحال حاجته إلى ذلك، وذلك مساعدة له من التخفيف من حدة الشك والوسواس، وإلا ضيع الفرائض واتبع ما يمليه الشيطان عليه، وإذا حفظ عليه صلاته رجل أو امرأة جاز إذا كان ممن يثق به في ذلك، ولو كانت أمة مملوكة فله أن يأخذ بقولهم إذا قالوا إن صلاته تامة(٣) . ونجد ابن بركة يرشد من يريد الصلاة إلى ما ينبغي الالتزام به قبل الدخول (١) .٢٢٤/ الشقصي: منهج الطالبين، ٤(٢) .٢٢٣ ،٢٢٢/ الشقصي: المصدر نفسه، ٤(٣) .٢٢٣/ المرجع نفسه، ٤ في الصلاة، حتى يقطع الشك في الصلاة ويحافظ على الخشوع فيها، فيقول: يجب على المرء أن يلقي علائقه كلها قبل القيام إلى الصلاة ليكون مقبلا » ً بجميع جوارحه عليها، مصروف الهمة إليها منقطع الخواطر عن غيرها، فإذا فعل ذلك ثم شك فيها أو سها عن بعضها مما لا تتم الصلاة إلا به، لم يكن خرج بتعرضه للسهو عنها إذ قد يجري بحسب طاقته، ولم يكلف الله أحدا ً « ما ليس في قدرته(١) . قال أبو سعيد تأكيدا ً وينبغي للمبتل » : لما سبق َ ى بالشكوك في الصلاة والطهارة ويؤمر أن يأخذ بأرخص أقوال المسلمين التي لا تخرج من العدل؛ ُ لأن يتقوى بذلك على أمر الشيطان، ولا يساعد الشكوك، فإن ذلك مما يفسد عليه دينه، ويشغل بذلك عن أمور آخرته وخلوته بعبادة ربه لقوله صلى الله عليه وسلم : » يسروا «... فإن الله يحب ا ليسر(٢) «(٣) . ٣ حكم الشك في عدد الركعات والسجدات: إذا شك المصلي في صلاته هل صلى ركعة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا ً أو أربعا ً ، أو سجد مرتين أو واحدة، أو ركع أم لا؟ اختلف الإباضية في هذه المسألة إلى أقوال: قال بعضهم: يبني على اليقين في هذا كله؛ لأن الله 8 لا يعبد بالشك، فإذا شك في ثلاث ركعات أو أربع ألقى ما شك ،« واليقين لا يزول بالش ك » (١) .٢٣٦/ ٤٥١ . الشقصي: المنهج، ٤ / ابن بركة: الجامع، ١(٢) متفق عليه، رواه البخاري في كتاب الأدب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : يسروا ولا، رقم ٥٧٨٠ ورواه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير، رقم ٣٣٥١ . ولفظ البخاري: « يسروا ولا تعسروا، وبشروا، ولا تنفروا » كتاب العلم، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم رقم ٦٩ . عن أنس بن مالك بن النضر. (٣) .١٠٦/ الكندي أبو بكر أحمد بن عبد الله بن موسى: المصنف، ٤ فيه وبنى على يقينه، وإذا شك في سجوده أنه سجد واحدة أو اثنتين زاد سجدة أخرى ليكون على يقين(١) . وقال بعضهم: يعيد صلاته؛ لأنه لا يدري لعله زاد في صلاته، لما روي أنه قال 0 : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك »(٢) . وقال بعضهم: لا يشتغل بالشك إذا كان عنده أنه قد صلى(٣) . إذا شك أنه صلى ثلاثا » : قال موس ى بن علي ً أو أربعا ً لم تضره تلك َُ الركعة الخامسة؛ لأنه كان بقي عليه التسليم، وإن كان قعد للثالثة فقد أتى « بالرابعة وتمت صلاته(٤) . وكذلك حفظ لنا » : ما يفيد هذا المعنى فقال « المنهج » نقل الشقصي في الثقة عن موسى بن علي 5 أنه قال: كلما خرج المصلي من حد من حدود الصلاة وصار في الحد الثاني ثم شك أنه لم يحكم ذلك الحد الذي خرج منه، فيمضي في صلاته ولا يرجع إليه حتى يستيقن، وقول يرجع إليه حتى «... يستيقن(٥) . هذا وقد خالف أبو سعيد ما ذهب إليه جمهور الإباضية في تعميم الحكم على من شك في شيء من صلاته، فلا ينظر إلى الشك ويمضي في صلاته، سواء كان قولا ً أو فعلا ً ولا يعيدها إلا إذا تيقن ذلك، حيث ميز بين الشك في الفعل والشك في القول، فإذا كان الشك في الفعل فلا يجاوزه حتى يأتي به (١) .٢٢٣/ الشقصي خميس: منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، تحقيق سالم بن حمد الحارثي، ٤ (٢) رواه الترمذي، باب صفة القيامة والرقائق، باب، رقم ٢٥١٨ ، والنسائي في المجتبى، كتاب الأشربة، باب الحث على ترك الشبهات، رقم ٥٧١١ ، عن الحسن بن علي. قال الترمذي: حسن صحيح. (٣) .٢٩٨/ السالمي: معارج الآمال، ٨(٤) .٥٠٣/ ابن بركة: الجامع، ١(٥) .٢٢٤/ الشقصي: منهج الطالبين، ٤ ويتيقن من فعله، أما إذا كان الشك في القول فلا يعود إليه ويبني على ما سبق حتى يتيقن أنه لم يقله. وتأكيدا ً لهذا المعنى وزيادة في البيان نورد عبارة أبو سعيد الكدمي كما ومن ر » : نقلها إلينا الشقصي فيقول َ د ﱢ أبيسعيد 5 في كتاب الإشراف(١) قال في قول أصحابنا (الإباضية ( إذا شك المصلي في شيء من أمر صلاته وهو في حد من الحدود التي هو فيها من الصلاة ولم يجاوزه إلى غيره، فعليه أن يأتي به حتى يستيقن أنه قد عمله، ولو شك أنه قد عمله أو لم يعمله، وإن جاوزه إلى حد غيره ثم شك في الذي جاوزه، فإنه يرجع إلى إحكامه ما لم يكن بينه وبينه حد ﱞ ثان، وهو في الحد الثالث، فإذا كان هكذا فقول يمضي على صلاته، وقول يعيدها، وقول إذا جاوزه وشك فيه لم يكن عليه رجعة، وأما إن شك فيما يقال في الحدود بعد أن جاوز الحد الذي شك فيما يقال فلا رجعة عليه إلى ذلك الحد، ويبني على صلاته حتى يستيقن أنه لم يقله، وأما إذا شك في ركعات الصلاة فقول لا يعمل ْ شيئا ً من ذلك إلا على العلم وما شك فيه من ذلك عاده؛ لأن الصلاة لا تؤدى على الشك، وقول يتحرى المعنى الذي يشك فيه، فإن كان غير زائد في الصلاة احتاط في صلاته وأتمها كالذي يشك أنه في الركعة الثانية أو الثالثة من صلاة المغرب ويستيقن على الواحدة أنه صلاها فإنه يقعد ثم يقوم فيأتي بركعة ،« محمد عبده ورسوله ...» : إلى «... التحيات » لقراءة ثانية والتحيات، لأنه ليس في هذا الموضع زيادة في التحري في الصلاة إن كانت قد تمت صلاته في الماضي وإنما وقعت الزيادة في هذه الركعة في هذا الموضع زيادة في التحري في الصلاة في هذه الركعة بعد تمامها (١) سمي هذا الكتاب زيادات أبي سعيد على كتاب الإشراف لأبي المنذر النيسابوري الشافعي وهو ما زال مخطوطا ً ، رأيته في مكتبة السيد أحمد بن حمد البوسعيدي في سلطنة عمان، ُ وبلغني مؤخرا ً أن الباحث إبراهيم بولرواح بصدد تحقيقه. «... إن لم تكن قد تمت بها، وما خرج بمعنى هذا فهو مثله(١) وهذا حكم من شك في شيء من صلاته. ٤ حكم من شك في صلاته ووضوئه؟ يقول جناو بن فتى المديوني(٢) : سألت أبا بكر عتيق بن أسدين(٣) عن رجل يدخله الشك في صلاته ووضوئه وفي الكلام، وعندما يتكلم حتى يكثر ذلك منه، هل ترى له يرحمك الله أن يمضي على ما هو فيه، فإن قال في نفسه لم يتم وضوءه أو صلاته، والرجل ترى منه الوسوسة حتى يخاف أن تخرج صلاته؟ إن الشيطان للإنسان عدو مبين، وإنه يرصدكم عند كل عمل » : فأجابه وقول، وقد علمكم الله الذي ترجى به النجاة من وساوسه فقال: ﴿ \[ ^] ﴾ (ال ناس: ٤ ( ، وذلك أنه يوسوس في قلب ابن آدم بخطرات لو جرى معها أفسد عليه دينه ودنياه وبغض عليه العيش، وكدر له الأمور وخلط عليه، فكثرة الذكر لله بها يخنس الشيطان... فالرجل إذا دخل في ُ الوضوء فإنما ضميره ونيته أن لو تم ذلك كما أمر، وكذلك إذا دخل في ﱠ (١) ٢٣٤/ الشقصي: منهج الطالبين، ٤ - .٢٣٥ (٢)جناو بن فتى المديوني (أبو الحسن) (أوائل ق: ٣ه/ ٩م) من أهل التحقيق، عالم وفقيه وشيخ من شيوخ فز ﱠ البربرية. لعل « مديونة » ان بليبيا، وهو من قبيلة ﱠ ه أخذ العلم عن حملة العلم إلى المغرب أو عن أبي عبيدة مسلم مباشرة. تتلمذ عليه عبد القهار بن خلف، وله أجوبة ﱠ له، وأخرى لأبي يوسف وريون بن الحسن. حق ّ ق الدكتور عمرو خليفة النامي هذه الأجوبة ينظر: الشماخي: .« أجوبة علماء فزان » وأتمها الشيخ إبراهيم طلاي، وطبعت تحت عنوان ﱠّ ١٦٥ . علي معم / السير، ١ ﱠ ٥٣ . النامي: أجوبة علماء / ر: الإباضية في موكب التاريخ، ٢ فز ﱠ ان، ٢٦ - ٣٢ . بحاز: الدولة الرستمية، ٣٢١ . جمعية التراث: معجم أعلام الإباضية .١٧٧/ قسم المغرب، ١ (٣)عتيق بن أسدين، أبو بكر (ق: ٣ه/ ٩م) كان فقيها ً ، عاصر الشيخ جن ﱠ او ابن فتى المديوني، والشيخ عبد القه ﱠ.٤١٥/ ار بن خلف. معجم أعلام الإباضية بالمغرب، ١ الصلاة فنيته وضميره تمامها، فإذا عارضه الشيطان بعدما فرغ بخطرات يشكك عليه فعله، ويلبس عليه أمره، فليمض على ما استيقن عليه أمره ويلقي عن نفسه ما أدخل عليه الشيطان من الشك، ولو كان في إعادته الوضوء والصلاة رشدا ً لم يحمله على ذلك، بل كان يحسن عليه فعله، ألا ترى إلى قول المسلمين فيمن أحس من نفسه خروج الريح أنه إذا لم ّ يسمع صوتا ً أو يجد ريحا ً أنه يمضي على وضوئه أو صلاته إذا لم يكن الحدود تدرأ بالشبهات » على يقين من تقصيره، ألا ترى أن « إذا لم يكن الأمر مجردا ً مشهورا ً ، وما كان الله ليعذب على أمر قد أبهمه ولم يبينه اعتبر ذلك يقول ابن عباس : ك» ُ ل ْ ما شككت َ « حتى لا تشك(١) ، ألا تراه أبطل الشك حتى يكون على اليقين المجرد، ولو أطاع الناس الشيطان فيما يدخل عليهم من الشكوك، لأفسد عليهم دينهم ودنياهم ولم يصف لهم «... عمل(٢) . ومن شك في أربع ركعات أنهن ثلاث، أو » : قال ابن جعفر في الجامع ثلاث أنهن اثنتان وفي اثنتين أنهما واحدة فليس هذا شك إذا صلى، وبان له ما جاوزه وشك فيه، ولم يصح معه كم صلى، فلا يجوز له أن ينصرف من وكل ما شك أبدل... ،« ولا يزيل اليقين إلا بيقين مثل ه » ، صلاته على شك واستدل بحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من شك في النقصان فليأت بما » (١) رواه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصيام باب الطعام، رق م ٧١٣٣ ، والبيهقي في الكبرى، كتاب الصيام، باب من أكل وهو شاك في طلوع الفجر، رقم ٧٥٥٩ . وفي معناه يعني بذلك الأكل قبل التأكد من وقت الإمساك في » : قال المحقق عمرو خليفة النامي ينظر: هامش .« رمضان فأباح الأكل عند وجود الشك وحمله على الإباحة حتى يستبين . كتاب أجوبة علماء فزان، ص ٨٤ (٢) أجوبة علمان فزان: جناو بن فتى وعبد القهار بن خلف من علماء القرن الثالث الهجري، ، تحقيق: عمرو خليفة النامي وإبراهيم محمد طلاي، طبع بمطابع البعث قسنطينة ١٩٩١ . ص ٨٤ « بقي حتى يشك في ا لزيادة(١) وعلق عليه بقوله: والله أعلم بصحة ذلك إلا أنه « أصل لهذا المعنى(٢) . وهنا نجد ابن جعفر يعمل القاعدة في هذه المسألة، ويرشد الشاك إلى الإتيان بما شك فيه إذا لم يدر كم صلى، أما إذا لم يتيقن فلا يعيد، إلا إذا تيقن صلى بأصحابه » : النقص استدركه. واستدلوا بحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ركعتين ثم سلم وقام لينصرف فقال له رجل: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال رسول الله: أصدق ذو ا ليدي ن؟ قالوا: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل ذلك لم ي كن... «(٣) قال ابن بركة : يعني بذلك والله أعلم أن كل ذلك » « لم يكن عندي أني نسيت ولا أنها قصرت(٤) . إن النبي صلى الله عليه وسلم سل » : وفي رواية ّ م من اثنتين فقيل له: يا رسول الله، أقصرت الصلاة؟ فقام فأت ﱠ م ما بقي من الصلاة وسل ّ « م فسجد سجدتين بعد السلام(٥) . ونقل بعض الإباضية عن غيرهم أنهم قالوا: إن كان ذلك في وقت كان الكلام في الصلاة جائزا ً قبل أن يرد نسخ الكلام في الصلاة، وأشار ابن بركة (١) رواه أحمد، مسند المبشرين بالجنة، حديث عبد الرحمن ٰ بن عوف، رقم ١٦٨٩ ، والحاكم في المستدرك، كتاب الإمامة والصلاة، باب التأمين، رقم ٩٥٩ ، عن ابن عمر، قال: صحيح على شرط الصحيحين، ووافقه الذهبي. (٢) .٢٠٧/ ابن جعفر: الجامع، ٢ (٣) متفق عليه واللفظ لمسلم، رواه البخاري، كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة، رقم ٦٨٤٤ . ومسلم في كتاب المساجد ومواضع إن » : ٩، عن أبي هريرة. قال الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقم ٢٩ رسول الله صلى الله عليه وسلم سل ّ م من اثنتين فقيل له: يا رسول الله، أقصرت الصلاة؟ فقام فأت ﱠ م ما بقي من الصلاة وسل ّ .« م فسجد سجدتين بعد السلام (٤) .٤٥١/ ابن بركة: الجامع ١ (٥) رواه البخاري، أبواب السهو، باب إذا سلم في ركعتين، رقم ١١٦٩ ، عن أبي هريرة، والربيع، كتاب الصلاة ووجوبها، باب في السهو في الصلاة، رقم ٢٤٨ . عن جابر بن زيد مرسلا .ً وزعم بعض مخالفينا أنه بنى على صلاته بعد أن » : إلى هذه الرواية فقال واستنبط ابن بركة من هذا الحديث أمورا .« سألهم ً نذكر منها: أ أن ّ في هذا الخبر دلالة على أن المصلي إذا انصرف عن صلاته على أنه قد صلاها لما عنده من اليقين كان مؤديا ً لفرضه، ولو كان لا ينصرف إلا عن يقين لا شك فيه، كما قال الإباضية(١) لما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن الركعتين حتى أخبره أصحابه أنه انصرف من غير يقين، ولو كان انصرف عن يقين لم يصدقهم ويعود إلى الصلاة ويزيل يقينه(٢) . ب وهذا الحديث أيضا ً يدل على جواز غير هذا في باب العبادات. ج وأضاف أن فائدة هذا الخبر قد عظمت أيضا ً وجل خطره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الصلاة ولم يكملها، وعنده أنه قد فرغ منها، فجائز للناس أن يخرجوا من الفرائض إذا كان عندهم في الظاهر أنهم قد أكملوا وإن لم يعلموا ذلك علما ً يقينا ً « لا يجوز عليه الانقلاب(٣) . د كذلك أخذ ابن بركة من هذا الحديث أن من سها حتى قدم شيئا ً من الصلاة، عاد إلى فعل ما نسي، ثم فعل الذي بعده(٤) . ويستفاد من قول ابن بركة أن الإباضية وغيرهم لا يعتمدون د َ وما ً على اليقين في إثبات الأحكام أو نفيها، بل يأخذون بالظن الغالب إذا تعذر الوصول إلى العلم اليقيني، وهذا ما أشرنا إليه في مستهل القاعدة. (١) .٢٩٨/ السالمي: معارج الآمال، ٤(٢) ٤٥١/ ابن بركة: الجامع، ١ - .٤٥٢ (٣) ٢٣٦/ ٤٥٢ . وينظر: كذلك الشقصي: منهج الطالبين، ٤ / ابن بركة: الجامع، ١ - .٢٣٧ (٤) .٢٣٧/ الشقصي: نفسه، ٤ k :Ωƒ°üdG ÜÉH »a :ÉãdÉK ذهب بعض الإباضية كابن بركة وغيره إلى أن الخروج من الصوم في شهر رمضان يثبت بالشهادة ولا تقل عن شاهدين عدلين؛ فإذا ق ُ بل َ خبر العدل الواحد في دخول الشهر من طريق التعبد، فيصير خبر العدل واجب قبوله، رغم أنه لا يصل إلى علم اليقين بل يفيد غلبة الظن، فإذا ثبت فرض الصيام به فيصبح حينئذ كاليقين، فلا يجوز الخروج من الفرض المتيقن إلا بيقين مثله، ولذلك لا يكفي خبر الواحد للفطر، فلا بد لثبوته من عدلين؛ لأن الدخول في الفرض فيه تكليف للنفس وقد شهد على نفسه بوجوب الصوم، فيكفي فيه الواحد، أما الخروج من الفرض ففيه إسقاط للتكليف وقد شهد لنفسه بالفطر، فيحتاج إلى ثبوته أكثر من الواحد وذلك لقطع الشك والاقتراب من الخبر اليقين؛ لأن خبر الواحد يفيد العمل دون العلم(١) . ويتابع الشماخي ابن بركة في رأيه ويفصل القول في المسألة، ولا بأس أن نذكر جانبا من كلامه زيادة في البيان، فيقول في شأن ثبوت شهر رمضان بخبر وأما الخبر فإنهم اتفقوا إذا شهد عدلان أنهما رأيا الهلال أنه يصام بهما » : الشهود ويفطر بهما لأنهما حجة، واختلفوا في الواحد العدل هل يصام به أم لا؟ قال بعضهم: لا يصام به وذلك أنه عند هؤلاء لا يصام به كما لا يفطر به، وقال والذي عندي أن الواجب أن يقتدوا للصيام » : أبو عبد الله محمد بن بركة في كتابه بأحدث ثلاث جهات: إما رؤية هلال رمضان، أو استكمال عدة أيام شعبان، أو « نهى عن صوم يوم الشك » خبر يوجب البيان، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم(٢) ، فخبر .« الواحد لا يزيل الشك من قلوبنا، فإذا وجدنا ما يزيل الشك وجب فرض الصوم (١) .٢١/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) رواه أبو داود، كتاب الصيام، باب كراهية صوم يوم الشك، رقم ٢٣٣٤ ، والترمذي، كتاب من صام اليوم الذي يشك به الناس » : الصوم، باب كراهية صوم يوم الشك، عن عمار بلفظ وقال: حسن صحيح. .« فقد عصى أبا القاسم ورد ّ لا نسلم أن » : السالمي على ابن بركة أنه ّ خبر العدل لا يزيل الشك، ومن المعلوم قطعا ً أنه يوجب ظن ّا ً راجحا ً ، والظن خلاف الشك، إذ المراد بالشك ما يتساوى فيه طرفا الشيء لا يترجح أحد الطرفين على الآخر، فإذا ترجح أحد الطرفين زال الشك، ولو كان خبر العدل لا يزيل الشك لما وجب قبوله في الأحكام المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت قبوله في ذلك في عصر الصحابة ومن بعدهم. ولو ألغينا خبره لانهدم كثير من الأحكام الشرعية، فإن غالب فروع الشريعة إنما ثبت بطريق الآحاد. وكره ابن بركة الإفطار بخبر الواحد العدل قال: ولا أوجبه عليهم فرضا ً ؛ ِ لأن خبر العدل مقبول ويجب العمل به حكما ً ، ولا يوجب علما ً. قال: فإن قال قائل: لم قلت َ بالصوم عند خبره وكرهت إفطاره، وقبلت خبره، وخبره لا يفيد علما ً؟ قيل له: إنما قلنا ذلك من طريق التعبد، لأن خبر العدل واجب قبوله من طريق العبادة، وأما الفرض فلا يزول بغير اليقين. قال: فإن قال: ما الدليل على أن الله تعبد عباده بقبول عدل واحد دون أن ّ ٍ يكون معه ثان، والله تعالى إنما أمر بقبول شهادة العدلين؟ قيل له: أن الله وله الحمد قد تعبدنا بأشياء مختلفة: فأما الأموال : فإنه أمر ألا ﱠ يقبل فيها إلا قول عد ْ لين، وفي عمل ا لأبدان : ََ أمر أن يقبل فيها خبر عدل بقوله جل ّ ذكره: ﴿ 3210/ 654 ﴾ (ال حجرات: ٦ ( . فلما أمرنا بالتبين عند خبر الفاسق، علمنا أنه ﱡ قد أمرنا بقبول خبر غير الفاسق إلى أن قال: فإن قال قائل: لم أجزت شهادة العدل في الصوم فأوجبته بقوله ولم تقبل قوله في الفطر؟ قيل له: في الابتداء شاهد على نفسه، وفي الفطر شاهد لنفسه. قال: فإن قال: فما أنكرت ألا يقبل شهادة الشاهدين في الفطر على ما أحلت لأنهما يشهدان لأنفسهما؟ قيل له: لأن شهادة الواحد في الابتداء إقرار منه على نفسه، وشهادة الشاهدين جائزة ويحب العمل بها وتعبدنا بعلم الظاهر والإجماع على ذلك(١) . منشأ ا لخلاف: أشار إسماعيل الجيطالي إلى سبب اختلاف الفقهاء في هذه المسألة فقال: وسبب الخلاف: اختلاف الآثار، وتردد الخبر بين أن يكون من باب الشهادة »« أو من باب العمل بالأحاديث، فلا يشترط فيها العدد(٢) . إن صام الناس بشهادة الواحد الثقة صاموا » : ويفصل الشماخي ذلك بقوله ُّ ثلاثين يوما ً غير اليوم الذي كان من شعبان، وشهد الثقة أنه من رمضان، إلا إن صح هلال شوال؛ لأن الثقة مقبول قوله تقليدا ً له، فإذا صح في العبادة العلم بوجوبها، لم يزل إلا بعلم مثله يزيل حكم ما وجب من فرضها من رؤية الهلال واستكمال العدة التي لا ريب في الخروج من العبادة بها، أو شهادة العدلين برؤية الهلال، فإن قال قائل: إن شهادة الشاهدين لا توجب علما ً بالحقيقة على ما أصلته لنفسك من العلم الحقيقي الذي يفيد الخروج من العبادة الثابتة باليقين، قيل له: إنما جواز شهادة الشاهدين من طريق الشريعة لا من طريق العلم والإجماع على ذلك، لأنا لو تركنا وصحة اليقين ما صح لنا علم « بشهادة(٣) . (١) ٨/ السالمي: المعارج، ١٨ - ٩. ينظر: ابن بركة: الجامع، ط دار الفتح، بيروت .٢٢ - ٢٠/ ١٣٩٤ ه/ ١٩٧٤ م، ٢ (٢) ٩ وينظر: الجيطالي قواعد الإسلام تعليق بكلي عبد الرحمن، ،٨/ السالمي: المعارج، ١٨ ٰ ٧٣/٢ - ٧٤ . كذلك البسيوي: جامع أبي الحسن البسيوي ط ١ دار جريدة ع ُ مان للصحافة والنشر، سلطنة ع ُ .٢٢٥ - ٢٢٤/ مان، ١٩٨٤ م، ٢ (٣) .١٥٠ - الشماخي: الإيضاح، ١٤٨ أدلة ا لإباضية في قبول خبر الواحد في الصيام: ١ قال الشماخي : والدليل عليه من طريق الشرع ما ثبت من حديث الأعرابي » فقال ،« أبصرت الهلال الليلة » : الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا » ً «؟ رسول الله قال الأعرابي: «(١) «(٢) فقال النبي صلى الله عليه وسلم « نعم » : قم يا بلال ف أذ » ّ ن في الناس فليصوموا غدا ً . ٢ وقال السالمي : والحجة لنا على قبول شهادة الواحد في الصوم: حديث » ابن عمر قال: تراءى الناس فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنني رأيته فصام وأمر .« الناسبصيامه ٣ وحجتنا على اشتراط العدلين في الإفطار: حديث » : ويضيف عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب : أنه خطب في اليوم الذي شك فيه فقال: ٰ ألا ﱠ إني جالست ُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم، وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها، فإن غ » ُم ﱠ عليكم فأتموا ثلاثين ي وما ً « ، فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا(٣) . ٤ عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن » : وعن أمير مكة الحرث بن حاطب قال ٍ « ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما(٤) . (١) ، رواه أبو داود، كتاب الصيام، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان، رقم ٢٣٤٠ قال » : والترمذي، كتاب الصوم، باب الصوم بالشهادة، رقم ٦٩١ ، عن ابن عباس. ابن حجر الترمذي روي مرسلا ً .« وقال النسائي إنه أولى بالصواب وسماك إذا تفرد بأصل لم يكن حجة .١٨٧/ تلخيص الحبير، ٢ (٢) .١٥٠/ الشماخي: الإيضاح، ١ (٣) رواه النسائي في المجتبى، كتاب الصيام، باب قبول شهادة الرجل الواحد في هلال رمضان، ١، عن رقم ٢١١٦ ، وأحمد، مسند الكوفيين، حديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رقم ٨٩١٥ ذكره الحافظ في التلخيص ولم يذكر فيه قدحا » : رجال من الصحابة. الشوكاني ً وإسناده .٥٦٨/ نيل الأوطار، ٤ .« لا بأس به على اختلاف فيه (٤) ، رواه أبو داود، كتاب الصوم، باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال، رقم ٢٣٣٨ = وبعد أن عرض السالمي الأحاديث التي استدل بها على شرط العدالة في فالحديثان الأولان » : الشهادة وعدمها، أشار إلى وجه الاستدلال بها فقال ﱠ يدلان على قبول شهادة الواحد في الصوم. والحديثان الآخران يدلان على « اشتراط شهادة الاثنين في الإفطار(١) . خلاصة ا لقول: إن شهادة الشهود معتبرة شرعا ً في إثبات الأحكام إذا توفرت فيهم العدالة، ولعل الذي قبل شهادة الواحد العدل في الدخول في الصيام؛ نظر إلى أن ّ فيه تكليف وإقرار على النفس، ولكنه لم يقبلها منه عند إرادة الخروج من الصوم؛ لأن فيها إسقاط للتكليف وشهادة للنفس، فلا بد من التثبت والاحتياط؛ لأننا تيقننا الصوم بعد الدخول فيه، فلا ينبغي الخروج منه بالشك، ولأن اليقين لا يزول إلا بيقين مثله . إنما فرق أكثر أصحابنا » : ويؤكد السالمي هذا الحكم مع التعليل فيقول ّ (الإباضية ( بين الصوم والفطر؛ لأن هلال رمضان للدخول في العبادة، وهلال شوال للخروج من العبادة، وقول الواحد في إثبات العبادة يقبل دون الخروج من العبادة. وأيضا ً فنقبل قول الواحد في هلال رمضان لكي يصوموا ولا يفطروا احتياطا ً ، فكذلك لا نقبل قول الواحد في هلال شوال لكي يصوموا ولا يفطروا ِ احتياطا ً . وقيل: فرقوا بينهما لسد الذريعة ألا يد ﱠ عي من لا يوثق به أنه رأى ﱠ الهلال وهو لم يره. وقيل: لأنه في الصوم يشهد على نفسه، وفي الإفطار يشهد لنفسه. وهي ن ُ « كت غير متنافية ويجب اعتبار الجميع (٢) . = والدارقطني في السنن، كتاب الصيام، باب الشهادة على رؤية هلال الفطر، رقم ١، عن الحارث بن حاطب الجمحي. وقال: هذا إسناد متصل صحيح. (١) .٨/ السالمي: المعارج، ١٨(٢) .٧ ،٦/ السالمي: المعارج، ١٨ k :¥ƒ≤ëdG ÜÉH »a :É©HGQ إذا علم المكل ﱠ ف أنه قد وجب عليه شيء من حقوق الله كالصلاة والصوم والزكاة والحج، أو حقوق العباد وأشباهها كالديون والتبعات والكف ﱠ ارات مما ينعقد عليه حكمه، ولا يكون هالكا ً بترك أدائه في وقت يخرج في الحكم أنه لم » دون وقت، ثم شك في أدائه، فيرى الكدمي أنه يؤده حتى يعلم أنه أداه، إلا أن يعلم أنه كان قد دخل في معنى أدائه، بسبب من الأسباب من خروج إليه، أو وصول إليه، أو دخول فيه، وانصراف منه على معنى أدائه، خرج في الاطمئنان أنه مؤد له حتى يعلم أنه لم يؤده، أو لم يعلم أنه ترك منه شيئا ً « ولم يؤده(١) . ويلاحظ من عبارة الكدمي أنه سلك في هذه المسألة منهج التفصيل الدقيق للتمييز بين أنواع الواجبات والحقوق؛ لأن منها ما يتكرر في اليوم أو السنة، ومنها ما لا يتكرر، ومنها ما يعذر في تأخيره وما لا يعذر، وأثر ذلك على الشك واليقين في أدائه(٢) . وحتى تتضح هذه الحقوق أكثر، وندرك حكمها في حالة الشك، يحسن بنا أن نذكر بعض الأمثلة التي نص عليها الكدمي لبيان أنواع الحقوق، وما يترتب عليها من أحكام إن اعترى فيها الشك، وهي تنقسم إلى حقوق الله وحقوق العباد كما يلي: (١) ٣٢٢/ ٧٩ . أحمد الكندي: المصنف، ٤ / الكدمي: المعتبر، ٤ - .٣٢٣ (٢) مصطفى باجو: القواعد الفقهية عند الإمام أبي سعيد الكدمي من خلال كتاب المعتبر، صدر في كتاب القواعد الفقهية بين التأصيل والتطبيق، بحوث ندوة تطور العلوم الفقهية في عمان خلال القرن الرابع الهجري، القواعد الشرعية أ ُنموذجا ً ، تنسيق ومراجعة، ُ ، مصطفى بن صالح باجو. نشر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان ٢٠٠٥ ُ . ص ٢٩٥ أ الشك في حقوق الله: ١ في الزكاة والحج: بعد أن وضع الكدمي ضابطا ً لهذه الفروع يضبطها في حالة الشك، وهو ما قدمناه آنفا ً ويخرج ذلك في الحج والزكاة من حقوق الله، وفي الحج » : قال أثبت ذلك أنه إذا وجب عليه ثم شك أنه أداه أو لم يؤده، ففي الحكم عليه أنه لم يؤده حتى يعلم أنه أداه؛ لأن ذلك ليس عليه في وقت واحد، ولا هو مما تجري فيه العادة أنه كل عام يحج. وأما الزكاة فهي أقرب إلى الأداء من الحج، إذا كان يعرف نفسه بأنه يزك ّ ي في كل عام، إذا كان مما يجب عليه أداؤه من الزكاة من النقدين، سواء كان ذلك ذهبا ً أو فضة، وكذلك في الثمار وأنه لا يترك الزكاة في وقتها، فإذا كان يعرف ِ نفسه بهذا، ثم شك بعد انقضاء وقته، وكان في أكثر عاداته أنه يط ﱠ رد عنده باستمرار أداء الزكاة في مواعيدها ومقاديرها، خرج في الاطمئنانة أنه لا شيء عليه حتى يعلم أنه لم يز َك ّ ، وأما في الحكم فلا مخرج نراه له من ذلك وتبقى ذمته مشغولة بالزكاة؛ لأن وقت ذلك ليس كوقت الصلاة؛ إذ لا يسع تركها في وقتها حتى ينقضي بوجه من الوجوه، إلا بما يزول عنه العمل لها في وقتها ِ وبعده، وليس كذلك الزكاة؛ لأن الزكاة قد يجوز تأخيرها لعدم وجود السيولة عنده مثلا ً ، وتبقى دينا ً في ذمته، ويلزمه أداؤها من بعد ذلك، وقد يجوز تأخيرها على غير العدم باعتقاد النية لأدائها وقت وجوبها، فإذا صح وجوبها بعد لزومه في الحكم، لم ي ُز َ ل إلا بالعلم أو بما يشبهه من معاني الاطمئنانة(١) . ٢ زكاة ا لفطر: أما زكاة الفطر فهي عند الكدمي أقرب في الاطمئنانة في أدائها، إذ ْ إخراجها في وقتها من عادات أغلب الناس؛ وأنهم لا يؤخرونها كالزكاة، ولو شك في (١) ٧٩/ الكدمي: المعتبر، ٤ - .٣٢٣/ ٨٠ أحمد الكندي: المصنف، ٤ تأديتها بعد وقتها وهو انقضاء يوم الفطر وقد كان يعرف نفسه بأداء ما يلزمه فيها، وهو ممن يلزمه إخراجها، فنجد الكدمي لا يوجب عليه إخراجها من باب الاطمئنان حتى يعلم أنه لم يخرجها، وصرح بهذا الحكم بعبارة تتضمن معاني التيسير قائلا ً : أعجبني أن يكون في أغلب معاني الاطمئنان أنه لا يجب » عليه إخراج ذلك حتى يعلم أنه لم يخرجه، ولا يخرج ذلك في الحكم، إذ لا يكفره تأخيرها، ولو عذر في الوقت عن أدائها لمعنى، وهو معسر لها، لم يكن ذلك العذر مما يزيل عنه حكم إخراجها، كما لو عذر عن الصلاة في وقتها وزال عنه حكم العمل لها، أنه لا بد َ ل عليه بعد فوات وقتها إذا كان في حين وقتها معذورا ً ، أو كان لا يكفره ترك العمل بها على غير عذر، ولا يثبت عليه في الحكم عند الكدمي أن يكون تاركا ً ما يكفره تركه في دينه، ولا يحمل ُ « عليه حكم النسيان له إذا تعدى وقته(١) . ٣ الشك في صوم شهر رمضان: وكذلك صوم شهر رمضان، إذا كان المكل ﱠ ف فيه مقيما ً غير مسافر، وسليما ً غير مريض، وليس له عذر في ترك صومه، فشك فيه بعد انقضاء وقته، هل صامه أو لم يصمه؟ وكل حالة كان فيها لا يخرج معه أن يترك صومه لعذر يعذر فيه، خرج صومه في الحكم بمنزلة الصلاة، وإن كان يعرف نفسه أنه كان في حالة يحتمل أن يصوم، ويحتمل أن يسعه ترك الصوم، إلا أنه لما شك بعد خروجه من الشهر، أو انقضاء ما مضى من الأيام التي شك فيها في الإفطار أو الصيام، فيلحق الاحتمال في مثل هذا(٢) . ويعجبني أن » : واختار الكدمي في هذه الحالة عدم إعادة الصوم فقال يصح له حكم صوم ما مضى في الحكم، إلا أن يغلب عليه حكم الارتياب؛ (١) .٣٢٤/ ٨٠ . الكندي: المصنف، ٤ / الكدمي: المعتبر، ٤(٢) ٣٢٤/ ٨٢ . الكندي أحمد: المصنف، ٤ ،٨١/ الكدمي: المعتبر، ٤ - .٣٢٥ لأن وجوب صوم رمضان يلزم عليه في وقته لا يسع تركه إلا بعذر، ولا تأتي عليه حال يعذر بإفطاره إلا أن يصح العذر، ولو صح العذر كان «(١) فيه مخيرا ً . وذهب غيره إلى أن الصوم أولى في الحالات كلها بثبوت فرضه، حتى يعلم أنه أفطر أو أنه نوى الإفطار ولو كان من المرضى أو من أصحاب السفر. اليقين الذي لا يزول » : ولكن الكدمي رجح العمل في الصوم بقاعدة فمن هذا أعجبني أن يكون له في رمضان » : كما فعل في الصلاة فيقول ،« بالش ك ما يكون له في الصلاة عند شكه في ذلك بعد انقضاء وقته، ولكل يوم مضى حكمه عندنا ما مضى ولو كان في السفر. فإذا ثبت عليه حكم البدل لشهر رمضان أو للصلاة، وزوال وقت ما وجب عليه بدله والعمل به، فهما عند أكثر الإباضية بمنزلة سائر الواجبات إذا شك فيهما أبدلهما أو لم يبدلهما، وعليه بدل ما وجب عليه حتى يعلم أنه قد أبدل ذلك بصحة حكم أو غلبة اطمئنانة « لا يشك فيها(٢) . ب الشك في حقوق ا لعباد: وذهب الكدمي أيضا ً إلى أن ّ ما كان من حقوق العباد مما لزم ووجب أداؤه من الديون والتبعات والديات والحقوق، وجميع ما يصح معه لزومه له، ثم شك المكل ّ ف في أدائه أو مما لا يجب أداؤه في وقت معروف لا يسعه تركه، فشك في أن يكون أد ﱠ اه أو لم يؤده، كذلك فهو في الحكم بحاله، حتى يعلم أنه أداه بحكم أو اطمئنانة لا يرتاب فيها. وإذا ثبت له في معنى الدخول في أدائه أو خروجه منه على معنى الأداء له، ثم شك فيه أنه لم يحكمه أو أنه جهل أحكامه؛ فيرى الكدمي والكندي في ُ (١) .٣٢٥/ ٨٢ . الكندي: المصدر السابق ٤ / الكدمي: المصدر السابق، ٤ (٢) ٨١/ الكدمي: المعتبر، ٤ - ٣٢٤/ ٨٢ بتصرف يسير. الكندي أحمد: المصنف، ٤ - .٣٢٥ هذه الأحوال أنه يعجبهما أن يكون له حكم الاطمئنانة أي يكون مؤديا ً ، حتى يصح معه أنه لم يؤده بحكم صادر في حقه(١) . ومن حقوق العباد كذلك: ما كان يؤد ﱠ ى في كل يوم أو كل شهر أو كل سنة في التعارف، مثل الك َ سوات والنفقات للنساء وغيرهن ممن تلزمه شرعا ً ْ كسوتهن ونفقتهن، فشك في أدائه بعد انقضاء وقته الذي يجب عليه أن يؤديه فيه في الأغلب من الأحوال، وفيما يعتقده ويلزم به نفسه مما قد ثبت عليه في الحكم، فهذه الحقوق عند الكدمي والكندي حكمها مثل الزكاة التي تجب ويعجبنا أن » : عليه، فيشك فيها بعد انقضاء وقتها، وقد أكدا هذا الحكم فقالا يكون له في معنى الاطمئنان أن يكون المكلف مؤديا ً ، حتى يعلم أنه لم يؤده، أو يأخذه في ذلك الحكم الذي يوجب عليه أداؤه من أحكام أهل العدل الذي يجب عليه حكمهم ولا يسعه الخروج منه، وأما في الحكم أي: في الأصل فلا يظهر لهما أنه قد برئت ذمته من ذلك الحق، ولو كان شكه فيه بعد انقضاء وقته؛ لأنه قد يكون تركه له من وجه العدم له، أو يكون تركه من وجه التوسع ما لم يطلب بذلك طلبا ً لا يسعه تركه، ولا يزيل عنه حكم ما قد لزمه منه. ُ فهنا نلاحظ أن الكدمي والكندي حك َ ما له بحك ْ مين: حك ْ م يستند إلى َ ُُ الاطمئنان النفسي الذي يشعر به المكلف عندما يعتريه الشك فيراجع نفسه فيجد هناك مؤشرات ترجح أنه قد أدى ذلك الحق، خاصة إذا انقضى وقته واعتاد أداؤه في ذلك الوقت، فهنا لا يطالب بأدائه مرة أخرى، وهذا طبقا ً العادة محكمة » للقاعدة المشهورة .« أما إذا نظرنا إلى هذه المسألة من جانب آخر، نجد أنه ما دامت هذه الحقوق واجبة عليه وثبتت في الذمة، فإذا وصل وقتها شغلت ذمة صاحبها، ولا تبرأ إلا بأداء ما يلزمه، وهذا هو الأصل عملا ً اليقين لا يزول بالشك » : بالقاعدة .« (١) .٢٣٥/ ٨٢ . الكندي: نفسه، ٤ / الكدمي: نفسه، ٤ وحتى لا يبق الناس في تردد بين الأمرين وضع بعض الإباضية ضابطا ً عاما ً يضبط مثل هذه الحالات مما لا يدع مجالا ً أن » : للشك والارتياب، وهو كل شيء من الأشياء وأمر من الأمور في دين الله تبارك وتعالى وكل حكم من حلال في حلال ما أحل الله وحرمة ما حرم، وكل حق من الحقوق المبينة ٍ في شرع الله سبحانه وكل حكم من أحكام الشريعة، جميع هذا كله جار على أصوله المبينة عليه الموضحة له من الكتاب والسن ﱠ ة وإجماع الأمة، فإذا ﱡ ثبتت هذه الأحكام فهي ثابتة حتى يزيلها أصل مثلها، فكل حكم منها ثبت فيظل ثابتا ً على أصوله ولا يزول إلا بحكم ثابت مثله يزيله، وإذا زال حكم من « أحكام هذه الحقوق، فأصوله زائلة حتى يثبتها أصل مثلها(١) . وهذا الضابط هو ما صرح به الكدمي والكندي بعد تقريرهما للفروع المتقدمة، فجعلوه قاعدة عامة تضبط المسائل الجزئية المتعددة، ويحتكم إليها ُ عند الاختلاف والارتياب، وهي بلا شك تتطابق مضمونا ً اليقين » : مع قاعدة.« لا يزول بالشك في باب ا لجنايات: يرى ابن بركة أن من وجد رجلا ً ملفوفا ً في ثوبه فقطعه، فحكمه قاتل؛ َ لأن الأصل في ذلك الحياة، والحياة تقدمت بيقين، فلا يجب أن يزيل ما تيقنه »وذكر أن الشافعي خالف أصله وتقعيده في ،« من حكم الحياة للشك المعترض هذه المسألة، فحكم بأن الأصل في ذلك الملفوف الموت(٢) . ما يستثنى من ا لقاعدة: اليقين لا يزول بالشك » : لم يعمل الإباضية بقاعدة « لا يزول اليقين إلا » أو بيقين مثله « في كل الأحوال، بل وجدنا بعضهم يستثني بعض الفروع، ويستند (١) ٨٢/ الكدمي: المعتبر، ٤ - .٢٣٥/ ٨٣ الكندي: المصنف، ٤ (٢) .٣٥٦/ المرجع نفسه، ١ فيها إلى غلبة الظن واطمئنان النفس، وما جرى في عرف الناس وعاداتهم. ولا بأس أن نذكر بعض النماذج من هذه المسائل استثنيت من هذه القاعدة. تعرض ابن بركة إلى بيان هذا الأمر، وذكر أن كثيرا ً من الفروع الفقهية لا يمكن أن تدخل ضمن هذه القاعدة، وقد ثبتت أحكامها بغلبة الظن، أو بالاطمئنان النفسي، أو بالعادة والعرف، ويظهر ذلك فيما يلي: ١ تصرفات الأعمى: ِ يتصرف الأعمى تصرفات كثيرة، ويعتمد عليها مع غياب بصره، فقد يخبر، ُ ِ ويفتي، ويتزوج ثم تسل ّ م إليه امرأة لا يعرف من يسلمها إليه ويطؤها، ومثل ذلك بقية أحواله كلها إلا ما شاء الله تقوم على سكون قلبه واطمئنانه لها، وكان ينبغي على قياس من لا يعمل بسكون القلب أن لا يقبل قول زوجته، ولا يطؤها حتى يتيقن أنها زوجته، وكذلك في جميع أحواله، قال ابن بركة : وهذا ما لا يدفع » جوازه أحد، والدليل على ذلك أن أبا المؤثر كان ضريرا ً وكان يروي عن محمد بن محبوب وعن غيره من الفقها ء، ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم الروايات ولا هو « يرى من يروي عنه، فقد صح عنده ما يرويه بالقول الذي سمعه(١) . ﱠ ٢ دخول بيوت الغير دون استئذان عند الحاجة أو ا لضرورة: واستدل بعض الإباضية أيضا ً على عدم الاعتماد دوما ً على اليقين بل على ْ الاطمئنان وغلبة الظن، أنهم قالوا: إن الإنسان إذا سمع صوتا ً من بيت في ليل أو نهار استغاثة بالمسلمين أن يهجم على أهل البيت بغير استئذان، فقد أجاز الفقهاء دخول البيوت المحرمة عليهم بغير إذن. وكذلك دخول بيت المأتم والعرس ومجالس الحكام، والبيت الذي فيه ُ الحريق، وما كان في هذا المعنى، وكذلك كانت تلك البيوت محرم الدخول (١) ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٣٣ - .٣٤ إليها، ثم أجاز الفقهاء الدخول إليها بغير علم من أربابها، وقد أمروا بدخولها، وإنما يعلم ذلك بدليل من القلب وسكونه لا برأي مالكه. بينما في عامة ُ الأحوال من أراد الدخول على أهل تلك البيوت يستأذن أهلها، لأن الله قد منع من دخولها دون استئذان. ألا ترى أن هذا الرجل إذا استأذن بالدخول وسمع ِ الصوت من البيت بأن قال له: ادخل، فله أن يدخل من غير أن يعلم من أذن َ له من صبي أو بالغ أو مالك أو غير مالكه، وقد استباح بالصوت ما كان عليه ّ قبل ذلك محرما ً ، والصوت لا يعمل به، ولا يحكم به وهو غير اليقين، فقد دل هذا على ما قلنا(١) . ٣ قبول الشهادة والأخبار والحكم بصحتها وثبوتها بشهادة عدلين أو ب التواتر: ويضيف ابن بركة أدلة أخرى يستشهد بها على مستثنيات هذه القاعدة للعد » أن ْ ل َ ين أن يشهدا على صحة الخبر بقول جماعة يسيرة نحو العشرة أو أقل ما يكون فوق عدد الثلاثة إذا جاءوا مفترقين بالخبر، وتواتر الخبر بهم، ثبت بذلك في النفس، وجاز للعد ْ ل َ ين أن يشهدا على صحة الخبر عند ِ الحاكم، ألا ترى أن رجلين ثقتين لو جاءا إلينا وأخبرانا بخبر عن السوق أو بقدوم الحاج أو مصيبة أصابت بعض الناس، ك ُ ن ّ ا نشك في خبرهم ولا نعلم صحة قولهما ويجوز عليهما الغلط والتأويل الفاسد الذي يغلط به الناس عند الشهادة والخبر. ولو جاءنا العوام مفترقين بذلك، لا يعترض عليهم أحد بتكذيب ما يقولون، ولا يختلف خبرهم، علمنا أن ّ ما نقلوه على هذا الوصف صحيح، حتى لو أراد أحد ُ نا أن يدخل الشك على قلبه في خبرهم مع تواتره، لكان مكابد الغفلة، وهذا يدل أيضا ً « على ما قلناه(٢) . (١) ٣٥ . بتصرف ، ابن بركة: المصدر نفسه، ص ٣٤(٢) ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٣١ - .٣٢ واستشهد ابن بركة بحادثة حفظها عن شيخه أبي مالك(١) الصلاني 5 ٍ أنه أجاز تحمل الشهادة بالليل بغير نار ولا قمر، أي في الظلمة إذا لم يكن ريب وشك، وتيقن الإنسان على معرفة المشهود عليه، وقد كان جرى هذا بسبب تزويج امرأة وقع بعوت َ ب (٢) ، وكان في الليل فطلب الزوج فسخ التزويج ُ في النهار، واحتج بأني ز ُ وجت في الظلام، وأمر الشيخ مالك البنت تؤدي ﱢ الشهادة إذا كانت متيقنة على معرفة المشهود عليه وما جرى في ذلك المجلس(٣) . ٤ في دفع الحقوق إلى أ صحابها: أن الناس اتفقوا على دفع الحقوق وإبرائهم منها بالمكاييل » يرى ابن بركة والموازين، مع العلم أن المكاييل والموازين لا تبلغ معرفتها إلى الغاية من وفاء الحق منها على أن لا يكون هناك زيادة ولا نقصان، فإن المكاييل كلما زيد عليها انصب منها، وهو مع ذلك لو حمل شيئا ً ليحمل حسب ما تعارف ُ عليه الناس وأصحاب الخبرة، فقد جازت البراءة للإنسان من الحق على هذا اليقين لا يزول إلا بيقين » الوصف، وهو غير يقين كما نقول من أغفل أن وهذا دليل على أن هذه القاعدة لا يمكن أن تجرى في جميع الأحوال، ،« مثل ه فقد يتعذر ذلك فنعمد إلى ما تسكن إليه النفس وتطمئن له مما يجري في « عرف الناس وعاداتهم(٤) . (١) تقدمت ترجمته. هو العلامة أبو مالك غسان بن محمد بن الخضر الصلاني المقيم في منطقة صحار بسلطنة عمان والمنسوب إلى أحد قراها التي تسمى صلان، يراجع: المسعودي ُ .٤٣٢/ زهران: ابن بركة وفقهه، ٤٧ البطاشي: إتحاف الأعيان، ٢(٢) لعلها قرية عوتب، توجد في ع ُ مان ربما في منطقة صحار وينسب إليها سلمة بن مسلم بن إبراهيم العوتبي الصحاري المنوفي: القرن الخامس الهجري. (٣) . ابن بركة: المصدر نفسه، ص ٣٢(٤) .٣٢ ، ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٣١ ٥ في المرأة تترك الصلاة والصوم إذا رأت ا لدم: وكذلك المرأة تترك الصلاة ويحكم لها بالحيض إذا طبق الدم بها بغير يقين أنه دم حيض، ولا الوقت الذي تركت فيه الصلاة وقت حيضها، ولكن لما كانت عادتها جرت بأن تحيض في مثل ذلك الوقت أو في كل شهر، حكم لها على التحري وقتا ً تدع فيه الصلاة، فقد جاز أن تترك الصلاة المفروضة ﱢ بغير يقين، فالمرأة إذا ً يحكم لها وعليها بالعادة الجارية، وهو أنها تؤمر بترك الصلاة في الوقت الذي كان يأتيها الحيض فيه قبل ذلك، فقد جاز أن تؤمر بترك ما هو يقين فرضه هو الصلاة بغير يقين مثله بما تؤمر بالعادة وغلبة الظن، وتؤمر أن تصوم وقتا ً وتقطع وقتا ً ، وتنقضي عدتها لوقت يدوم الدم بها من غير يقين ويحكم بانقضاء عدة المطلقة إذا انقطع حيضها إذا بلغت ستين سنة وبلوغها الستين ليس يقين، ويروى عن ابن عباس أنه حكم للمطلقة إذا لم تر الدم سنة ولم يكن بها حمل بانقضاء العدة وليس ذلك بيقين(١) . وكذلك تصوم وقتا ً وتترك الصيام في شهر رمضان؛ لأجل حيض يحكم به لها مع التحري لوقتها إلا بيقين معها، ومع من حكم به لها، وكذلك بانقضاء عدتها مع مرور السنين إذا كان مثلها قد أيس من الحيض، ويحرم عليها أخذ النفقة من المطلق بعد أن كانت تأخذه بالحكم، ويجوز لها التزويج بعد أن كان محرما ً عليها وهذا أيضا ً لا يؤخذ مع اليقين(٢) . ٦ في أحكام المفقود والغائب: وكذلك يحكم بموت المفقود إذا مضى أجل الفقد وهو أربع سنين، واليقين خلافه، والأثر في المفقود الذي لا يعلم حاله أنه يحكم بموته بعد أربع سنين رجلا ً كان أو امرأة ومن وراء الأربع سنين ليس بعلم ولا يقين. (١) . ابن بركة:. كتاب التعارف، ٣٦(٢) ابن بركة: نفسه. وكذلك من حمله السبع وألقى به في جزيرة البحر وانقطعت أخباره، ثم لم يعلم له نجاة إلى مدة أربع سنين، حكم له بالموت واليقين خلافه. وكذلك الغائب يحكم بموته إذا مضى له مائة وعشرون سنة بعد غيبته فقد حكموا ِ بزوال اليقين منذ ف ُقد، وليس مرورها يوجب موته بيقين. ِ يقول ابن بركة معللا ً : فلو كان التعبد على ما يذهب إليه من جهل أحكام » ّ ََ الشريعة، وما عليه الناس من أعمالهم من مذاهب الفقها ء، وإن علمناه يقينا ً لا يزول إلا بيقين مثل ه، ليطلب الآثار ولم يذهب شيئا ً من هذه الأخبار، إلا أن الله يسر هذا الدين وخفف المحنة عليهم، وكذلك قال 8 في محكم كتابه: ﴿ §¨ «ª© ¬¯® ﴾ (ال بقرة: ١٨٥ («(١) . أما الحكم على المفقود والغائب بالوفاة بعد الأجل المحدود فمبني على أن الظن بحياتهما بعده ضعيف؛ لأن الغالب من أحوال أمثالهما الوفاة في مثل تلك الحال، إذ لو كانا حيين لجاء عنهما خبر في أغلب الأحوال. ﱠْ فحمل المفقود والغائب بعد الأجل َ ين على أغلب الأحوال استحسانا ً ، ْ وكان القياس عدم الحكم بموتهما حتى يصح ذلك كما أشار إليه بعض الأثر في الغائب(٢) . ويرد ّ ابن بركة على من اعترض عليه واتهمه باعتماد طريق الشكوك في وإن قال قائل: إنكم تزيلون الفرائض واليقين » : إثبات بعض الأحكام فيقول بالظن والشكوك؛ لأن مبلغ كلامكم يدل على ذلك، قيل له: أسأت الظن بنا لجهلك بما له قصدنا، ذلك أن الظن والشك الواسطة بين العلم والجهل، ونحن نقول بالعلم واليقين وهما ما بنينا عليه أصلنا، وهي القاعدة التي عليها الفقهاء وذلك أن العلم على ضربين: (١) . ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٣٦(٢) ١٧٩ . الراشدي: جواهر القواعد، ص ٧٨ / السالمي: طلعة الشمس في الأصول ٢ - .٧٩ (الأول): فعلم لا يجوز عليه الانقلاب فيصير جهلا ً أبدا ً ، وهو علم المشاهدة، وخبر التواتر وما يوجب العلم ضرورة. (الثاني): وعلم الظاهر: قد يعتقد المعتقد فتكون خلافه، كشهادة الشاهدين له، قد يقلبهما ويجوز أن يكون بخلاف ما ظهر له، وإنما ظهرنا ّ ِ على ذلك، ومع هذا قد يسمى عل ْ ما ً نحو قول القائل: علمت هذا الأمر بشاهدي عدل، وكذلك قول الله 8 : ﴿ JIHGF ﴾ )النور : (٣٣ ، وقوله: ﴿ §¦¥ ¨ ª© « ﴾ )الممتحنة : (١٠ ، ِ فسمي هذا علما ً ، وأيضا ً فإن النبي صلى الله عليه وسلم صل ﱠ ى بأصحابه ركعتين ثم سلم، فلما انصرف قال له ذو اليدين : يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: « كل ذلك لم ي كن »(١) ومعناه عند النبي صلى الله عليه وسلمما ذهب إليه الفقهاء لم يكن، غير أني نسيت ولا أنها قصرت، وعاد إلى الصلاة، ولو كان اليقين لا يزول إلا باليقين الذي يعلمه الله، لكان لا ينصرف عن ركعتين؛ لأن من انصرف عن بعض الصلاة ولم ينصرف عن يقين، ولكن قد انصرف على يقين عنده، واليقين أيضا ً كذلك(٢) . ولعل ما ذ ُ اليقين لا يزول بالشك » : كر من الأمثلة المستثناة من قاعدة « تكفي لإثبات أنها ليست مطردة في جميع الفروع الفقهية، وإنما يستثنى منها بعض المسائل، ولعلها تندرج في قاعدة أخرى والله أعلم. (١) رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقم ٩٢٩ عن أبي هريرة. ورواه غيره بألفاظ متقاربة، تقدم تخريجه في هذا الفصل. (٢) ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٣٨ - .٣٩ القواعد المندرجة تحت القاعدة الكبرى: « اليقين لا يزول بالشك » يتناول هذا المبحث بعض القواعد الفقهية المتفرعة، أو المندرجة تحت وذلك في المطالب التالية: ،« اليقين لا يزول بالشك » القاعدة الكلية الكبرى الأصل بقاء ما كان على ما كان » : المطلب الأول: قاعدة .« الأصل براءة الذمة » : المطلب الثاني: قاعدة .« الأصل في الأمور أو الصفات العارضة العدم » : المطلب الثالث: قاعدة .« الأصل إضافة الحدث إلى أقرب أوقاته » : المطلب الرابع: قاعدة .« .«؟ هل الأصل في الأشياء الإباحة أم الحظر » : المطلب الخامس: قاعدة ونشرع بالحديث عن القاعدة الأولى في المطلب التالي: ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على » : ومن مرادفاتها « خلافه(٢) . القديم يترك على قدمه » : وقاعدة .« وهو ما يعبر عنه الأصوليون بالاستصحاب أو استصحاب الأصل . :IóYÉ≤dG ≈æ©e :’k hCGs ما يبنى عليه الحكم اعتبار ما ثبت للشيء المحكوم » : عرفها الراشدي بأنها ﱠ عليه وبقاؤه ما كان عليه، فمن تيقن الطهارة، وشك في الحدث أو تيقن الحدث «... وشك في الطهارة، أخذ باليقين وألغى الشك(٣) . وفي هذا المعنى يقول الكدمي : وكل شيء يكون على أصوله فهو ثابت » فيه حكمه سواء كان على أي وجه من الوجوه من طاهر أو حلال حتى يصح فساده أو يصبح ليس حلالا ً « بحال من الحال(٤) . إن ما ثبت على حال في الزمان الماضي ثبوتا » : ويزيد البورنو بيانا فيقول ً أو نفيا ً « يبقى على حاله ولا يتغير ما لم يوجد دليل يغيره(٥) ، أي أن ينظر ّ (١) الراشدي سفيان بن محمد: جواهر القواعد من بحر الفرائد، ص ٧٥ . السالمي: طلعة ١٥٥ . مصطفى باجو: القواعد الفقهية / ١٧٥ . السالمي: معارج الآمال، ١٨ / الشمس، ٢ . عند الإمام أبي سعيد الكدمي من خلال كتاب المعتبر، ص ٢٣ (٢) السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٢٥١ ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٧٥ الزرقا، المدخل .١٠ ، ٩٦٩ ، مادة ٥٧٥ والمجلة العدلية، مادة ٥ / الفقهي العام، ٢(٣) . الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ٧٥(٤) .١١٨/ الكدمي أبو سعيد: المعتبر، ٤(٥) . البورنو: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص ١٧٣ للشيء على كل حال كان فيحكم بدوامه على ذلك الحال، ما لم يقم دليل فالشيء الذي ثبت حصوله » : على خلافه. وهذا المعنى أكدته المجلة العدلية في الزمن يحكم ببقائه في الحال ما لم يوجد دليل على خلافه، والشيء الثابت وجوده في الحال يحكم أيضا ً باستمراره من الماضي ما لم يوجد ما يزيله، فإذا باستصحاب » : وجد المزيل لا يحكم ببقاء الشيء بل يزال، ويسمي ا لفقهاء الأول « باستصحاب الحال للماضي » : ويسمي بعضهم الثاني ،« الماضي للحال(١) . ومن هذا المفهوم تعتبر هذه القاعدة مرادفة لدليل الاستصحاب أو استصحاب الحال كما يعبر عنه الأصوليون . ١ معنى الاستصحاب: أ في ا للغة: مأخوذ من الصحبة، قال ابن فارس : الصاد والحاء والباء أصل واحد يدل على مقارنة شيء ومقاربته، وكل شيء لاءم شيئا ً فقد استصحبه(٢) ، وجاء في القاموس: استصحبه دعاه إلى الصحبة ولازمه (٣) . صحبه وصاحبه: عاشره، والصاحب المعاشر :« اللسان » وجاء في واستصحب الرجل: دعاه إلى الصحبة، وكل ما لازم شيئا ً استصحبه(٤) . ومن هذه التعاريف نخلص إلى أن معنى الاستصحاب في اللغة هو: الملازمة والصحبة والملاءمة. (١) .( ٢١ مادة رقم ( ٥ ،٢٠/ مجلة الأحكام العدلية، ١(٢) ابن فارس أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي المتوفى ٣٩٥ ه ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار إحياء الكتب العربية القاهرة الطبعة الأولى، ١٣٧١ ، مادة: صحب. (٣) الفيروزآبادي مجد الدين محمد بن يعقوب (ت: ٧١٧ ه)، القاموس المحيط، مادة (صحبه) .٩١/ دار الفكر، بيروت ١٣٩٨ ه/ ١٩٧٨ م، ١(٤) .٢٢٠٠/ ابن منظور: لسان العرب، مادة صحب، ٤ ب في ا لاصطلاح: والاستصحاب عند الأصوليين والفقهاء من الإباضية وغيرهم: الحكم على الشيء بما كان ثابتا ً له أو منفيا ً عبارة » : عنه، لعدم قيام الدليل على خلافه فهو ّ عن إبقاء ما كان على أصوله التي كان عليها من وجود أو عدم أو نحوهما، ما لم يرد دليل ينقله عن حكم أصله إلى حكم آخر(١) ، فمبناه عدم قيام الدليل على تغيير حكم سابق، ولذلك اعتبر آخر ما يلجأ إليه المجتهد(٢) ؛ لأن ما ثبت في الماضي فالأصل بقاؤه في المستقبل(٣) . وهو ما سار عليه الوارجلان ي، إذ جعله آخر أقسام أدلة الشرع(٤) . ويتبين من تعريف الاستصحاب أنه نوعان: الأول: استصحاب حكم العقل بالإباحة، أو البراءة الأصلية عند عدم الدليل على خلافه. الثاني: استصحاب حكم شرعي ثبت بالدليل، ما لم يقم دليل على تغيير ذلك الحكم(٥) . وهو أنواع عند الأصوليين كما أشار إلى ذلك السالمي : الأصل » : فيقول (١) ٨٢ . السيابي خلفان: فصول / ١٧٩ . الرواحي: نثار الجوهر، ١ / السالمي: طلعة الشمس، ٢ الأصول، ٣٥١ الراشدي: جواهر القواعد، ٧٦ - .٧٧ (٢) علي حسب الله: أصول التشريع الإسلامي، دار الفكر العربي القاهرة، ١٤٠٢ ه/ ١٩٨٢ م، . ص ١٦٨(٣) الشوكاني: إرشاد الفصول إلى تحقيق الحق في علم الأصول، طبع دار الطباعة المنيرية بمصر . ١٣٤٧ ه ، ص ٢٠٨(٤) باجو: أبو يعقوب الوارجلاني وفكره الأصولي، ص ٣١٨ ، رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية ١٩٩٣ ، وهو مطبوع وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان وينظر: باجو: منهج ُ الاجتهاد عند الإباضية، رسالة دكتوراه ١٩٩٩ ، وهو مطبوع، نشر مكتبة الجيل الواعد مسقط سلطنة ع ُ ١٤٢٦ ه/ ٢٠٠٥ م. ، مان ط ١(٥) .١٧٩/ السالمي: الطلعة، ٢ إبقاء ما نفاه العقل كوجوب صوم رجب على حاله الأول حتى يقوم الدليل بوجوب صيامه، وكذلك نقول أن الأصل إبقاء العموم على عمومه وإبقاء النص على حاله حتى يرد المخصص للعموم أو الناسخ للمنصوص . وهكذا في كل شيء علم وجوده أو نفيه من شرع أو عقل أو جنس، فإن الأصل بقاؤه على حاله الذي علم عليه حتى يقوم الدليل على انتقاله. ومقتضى كلام السالمي أن الاستصحاب ثلاثة أنواع: ١ استصحاب النص إلى أن يرد نسخ، أي: العمل بالنص من كتاب أو سن ّ ة حتى يرد دليل ناسخ. ُ ٢ استصحاب العموم إلى أن يرد دليل تخصيص، أي: العمل باللفظ العام حتى يرد المخصص، فيصير العام على بعض أفراده. ٣ استصحاب الحال، وهو ظن دوام الشيء بناء على ثبوت وجوده قبل ذلك، وهذا قريب من تعريف الفقهاء التالي: لزوم حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه، كالملك عند جريان العقد الممل ّ ك، ولشغل ذمة المتلف عند وقوع الإتلاف، وذمة المديون عند مشاهدة استدانته(١) . أما فائدته: فإنه يفيد تأكيد الحكم السابق، ولا يثبت به حكم جديد، بل يستمر به حكم البراءة الأصلية الثابت بالعقل أو حكم الشرع الثابت بدليله(٢) . ٢ حكم ا لاستصحاب: الاستصحاب حجة عند الإباضية والشافعية والحنابل ة، وقد عقد له ابن القيم فصلا ً مطولا ً خلافا ،« إعلام الموقعين » في كتابه ً للمعتزلة والحنفية (٣) . (١) ١٧٤ . الأتاسي محمد خالد وابنه محمد طاهر الأتاسي ، البورنو محمد: الوجيز، ١٧٣ . الحمصي: شرح المجلة العدلية، ط ١، مطبعة حمص، سوريا، ١٤٢٩ ه ، ص ٢٠(٢) . ينظر: باجو: منهج الاجتهاد، ص ٧٣٥(٣) ١٧٩ . الراشدي: جواهر القواعد، ص ٧٧ . التلاتي عمر بن رمضان / السالمي: الطلعة، ٢ الجربي ( ١١٨٧ ه): رفع التراخي في مختصر الشماخي ( ١٣٧ ورقة) نسخ عمر بن موسى = وفي تنزيل هذا الدليل على أرض الواقع أفرز خلافا ً بين الأصوليي ن، هل يصلح حجة في الدفع والإثبات معا ً ، أم في الدفع دون الإثبات؟ يرى الإباضية أن الاستصحاب حجة فيهما معا ً للدفع والإثبات، وإن كان مذهب بعضهم عدم حجته(١) . أما الحنفية فالاستصحاب عند أكثرهم يصلح حجة للدفع لا للاستحقاق، وهذا ما نص عليه الكرخي(٢) الأصل أن الظاهر يدفع الاستحقاق » : حيث يقول « ولا يوجبه(٣) . وهذا ما يوضحه لنا اجتهادهم التطبيقي في بعض المسائل. ومن ذلك: خلافهم في حكم المفقود الذي انقطع خبره وبقي أمره مجهولا ً فلم يعلم موته ولا حياته، حتى حكم القاضي بوفاته بناء على طول غيبته ورجحان موته، فما حكم ميراثه ممن مات من أقاربه الذين يرثهم في فترة الفقد، وقبل صدور الحكم بوفاته؟ ١ ذهب الحنفية إلى أن هذا المفقود لا يرث في هذه الحال لعدم تحقق وجوده حيا ً حين غيبته أو فقده، حيث أن استصحاب حياته يمنع تقسيم تركته ّ وبينونة امرأته، ولكنه لو مات شخص يرثه المفقود فلا يستحق المفقود من إرثه شيئا ً ، لعدم تحقق حياته عند موت مورثه، فاستصحاب حياة المفقود لم يصلح حجة لاستحقاقه الإرث في حال غيبته بل يصلح حجة للدفع فقط(٤) ، والتعليل أن الثابت باستصحاب الحال يصلح حجة لإبقاء ما كان على ما كان » : عندهم = ت. ن. ١٢٦٤ ، مكتبة الحاج صالح لعلي، بني يزجن غرداية الجزائر. الغزالي: ٢١٧ . ابن القيم الجوزية أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ( ٧٥١ ه): إعلام / المستصفى، ١ ٣٣٩ ، مراجعة وتعليق طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل / الموقعين عن رب العالمين، ١ ١٩٩ فما بعد. / بيروت لبنان ١٩٧٣ . السرخسي: أصول السرخسي، ٢(١) ١٧٩/ السالمي: الطلعة، ٢ - . ١٨٠ . باجو: منهج الاجتهاد، ص ٧٣٥ (٢) تقدمت ترجمته. (٣) . الكرخي: أصول الكرخي، ص ١١٠(٤) ١٧٩/ السالمي: الطلعة، ٢ - . ١٨٠ . علي حسب الله: أصول التشريع الإسلامي، ١٧٠ ولا يصلح لإثبات ما لم يكن « (١) . ولذلك قالوا كون الاستصحاب يصلح حجة فالمفقود تجري ،« اليقين لا يزول بالش ك » للدفع يدخل تحت القاعدة الكلية عليه أحكام الأحياء فيما كان له؛ لأن حياته حين تغيبه متيقنة وموته مشكوك فيه، وأما فيما لم يكن فتجري عليه أحكام الأموات، فلا يرث أحدا ً إلا ببرهان على ِ حياته كأنه ميت حقيقة(٢) . وبناء على هذا الرأي قالوا كذلك: إن الجزء إذا بيع ِ من الدار وطلب الشريك الشفعة، فأنكر المشتري ملك الطالب للشفعة فيما في يده، فالقول للمشتري ولا شفعة للطالب إلا ببينة(٣) . ٢ بينما ذهب الإباضية والمالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية إلى أن المفقود يرث ويورث؛ لأنه قبل فقده كان حيا ً يقينا ً فيجب استصحاب حياته حتى يظهر خلاف ذلك، وهذا حسب رأيهم أن الاستصحاب حجة للدفع والاستحقاق معا ً ، فيستصحبون حياته التي كانت ثابتة قبل فقده بيقين، وتستمر إلى حين ظهوره أو الحكم بموته، فيتغير حكم الأصل حينئذ، فهو إذا ً قبل الحكم بموته في عداد الأحياء يرث ولا يورث وبعد الحكم عليه في عداد الأموات يورث ولا يرث(٤) . ولا يعامل باعتبارين مختلفين؛ لأن ذلك يتناقض وقاعدة الاستصحاب. والمفقود » : فقال « كشف الغوامض » وقد أكد سفيان الراشدي هذا المعنى في والغائب ما داما في المدة فإنهما يرثان؛ لأنه محكوم لهما وعليهما بأحكام الحياة «... فإذا انقضت المدة وحكم الحاكم بموتهما قسم ما لهما على ورثتهما(٥) . ّ (١) .٢١/ الأتاسي: شرح المجلة، ١(٢) . البورنو: الوجيز، ص ١٧٦(٣) .٢١/ البورنو: الوجيز، ١٧٦ نقلا عن الأتاسي: شرح المجلة ١(٤) ١٧٩/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ - ١٨٠ باجو: منهج الاجتهاد، ص ٧٣٦ علي حسب الله: . أصول التشريع، ١٧٠(٥) الراشدي أبو الحسن سفيان بن محمد: كشف الغوامض في فن الفرائض، صححه الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان، نشر معهد القضاء الشرعي والوعظ ُ . ١٤١٢ ه/ ١٩٩١ م، طبع بالمطابع الذهبية، سلطنة غمان. ص ١٥ ، والإرشاد، ط ٢ وأما الحنابلة فيوقفون نصيب المفقود لحين ظهور حياته أو موته، فإن ظهر حيا ً ورث، وإلا رد المال لورثة مورث المفقود(١) . وحتى يتضح الخلاف في هذه المسألة وتظهر لنا ثمرته جليا ً ، لا بأس أن ّ وقالت المعتزلة » : نورد نص السالمي لوضوح عبارته وعمق معانيها، فيقول والحنفية أن استصحاب الحال ليس حجة شرعية، وقيل: حجة في الدفع به عما ثبت له دون الدفع به عما ثبت، ومعنى هذا القول أن استصحاب الأصل حجة في بقاء ما كان على حاله الأول من غير أن يزاد حكما ً آخ ر، مثال ذلك: استصحاب حياة المفقود دافعه لغيره من أخذ ماله بسبيل الإرث فماله لا يورث لاستصحاب حياته قبل الأجل وهو مع ذلك لا يكون وارثا ً من غيره عند صاحب هذا القول للشك في حياته، وشرط أخذ الميراث عند هذا القائل تيقن حياة الوارث بعد موت الموروث، فحصة المفقود على هذا موقوفة حتى يتحقق موته أو حياته بعد موت مورثه، وهو عندنا (الإباضية ( وارث وموروث بناء على حجية الاستصحاب كما هو مذهب أكثر الأصحا ب، «... وإن كان لازم مذهب بعضهم عدم حجيته(٢) . وهذا ما أكده الراشدي في والمفقود والغائب ما داما في المدة فإنهما يرثان » : فقال « كشف الغوامض »« لأنه محكوم لهما(٣) . k :IóYÉ≤dG ádOCG :É«fÉK بقاء ما كان » استدل الإباضية على حجية هذه القاعدة (الاستصحاب) أو على ما كان عليه « بأدلة عديدة منها: (١) .٤٤٤/ ابن قدامة: المقنع، ٢ (٢) .١٨٠ - السالمي: الطلعة، ١٧٩(٣) . الراشدي: كشف الغوامض، ص ١٥ ١ ،« اليقين لا يزول بالش ك » حديث سبق الاحتجاج به في القاعدة الكلية وهو قوله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان ليأتي أحدكم فيقول أحدثت أحدثت، ف لا ينصرفن » «(١) حتى يسمع صوتا ً أو يجد ريحا ً . قال أبو ستة : وهو حديث أخذ به جمهور العلماء، ونقل عن الخطابي أن هذا الحديث أصل حكم بقاء الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر ُ الشك الطارئ عليها، وكذلك بقية الأحاديث التي تقدم الاستدلال بها في القاعدة اليقين لا يزول بالشك » الكلية « تصلح للاحتجاج بها في هذه القاعدة الفرعية. ٢ كذلك الحديث الذي أرشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من شك في حدثه بعد أن تيقن الطهارة أن لا ينصرف حتى يتيقن الحدث، هو في ذاته دليل على أنه يستصحب الأصل من حاله وهو الطهارة فيبقى على الأصل ولا يتحول عنه إلا إذا تيقن تغير هذا الأصل. ٣ وكذلك يمكن القول في حديث إصابة السهم للصيد: إنه يستصحب السبب الظاهر لموت الصيد وهو إصابة السهم له ويبقى على هذا الأصل، ولا يتحول عنه إلا أن يثبت له ما ينقله عنه بيقين. ٤ وكذلك القول فيمن شك في صلاته فلم يدر كم صل ّ ى، فإنه يستصحب العدد المتيقن ويبني عليه، وما دام شاكا ً في الزيادة عليه فالأصل عدم ما شك فيه وبقاء ما استيقن على حاله(٢) . ٥ وكثير من قواعد الشرع دالة على الاستصحاب، فمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله حرم دمه وماله مدة حياته، ولو لم يسمع منه تشهد بعد ذلك َُ َُّ أبدا ً ، حتى يصح ارتداده، وهو معنى الاستصحاب. وكذلك الحكم في الأشياء الطاهرة ببقائها على طهارتها حتى يصح تنجسها. وكذلك الحكم في الأشياء (١) سبق تخريجه، ينظر: الصفحات السابقة. (٢) علوان إسماعيل بن حسن بن محمد: القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ٢٠٤ - .٢٠٥ المحرمة ببقائها على حرمتها حتى يصح تحليلها بوجه شرعي ونحو ذلك كثير، فقد اعتبر الشرع في هذه الأمور استصحاب حال الأصل فجعلناه حجة فيما سكت عنه الشارع(١) . وقد جمع العوتبي كثيرا ً من أصول الأحكام على الأشياء تأكيدا ً لهذه القاعدة، نذكر منها: أن أصل بني آدم الحرية(٢) ، والرق طارئ عليهم . وأصل الماء الطهار ة، وأصل الدم النجاس ة، وأصل النكاح الإباحة حتى يحظره التحري م، وأصل الفروج التحريم حتى يحلها واحد من أوجه أحكام التحلي ل، وأصل الحيوان التحريم حتى يحلها التذكية الشرعية . وكل حلال فهو على أصله حتى يصح تحريم ه، وكل حرام على أصله حتى يصح تحليل ه، وكل طاهر على حكم طهارته حتى يصح تنجيسه . وكذلك كل نجس فهو على نجاسته حتى تصح طهارت ه، وكل حي فهو على حكم الحياة حتى يصح موت ه، وكل غائب فهو على حكم الغيبة حتى يصح موت ه، وفيه اختلاف، والطهر هو الأصل والحيض حاد ث، والأصل التحريم في القتل والوطء . والأشياء على أصولها حتى ينقلها ناقل عنها(٣) . (١) .١٨٠/ السالمي: الطلعة، ٢(٢) .١٥/ العوتبي: كتاب الضياء، ٣(٣) ٣٧٠ . قال ابن بركة: إذا كان طفل في يد رجلين يدعي أحدهما أنه / ابن بركة: الجامع، ٢ ولد له، والآخر يدعي أنه عبده فأقام كل واحد منهما شاهدي عدل فإن البينة بينة الحرية في قول أصحابنا ويقبلون البينة فيما يجوز كونه، وقد يجوز أن يكون الطفل ولد الرجل وهو عبد الآخر، فإذا ثبتت أيديهما عليه وجبت حريته بإقرار أحدهما وكان مملوكا ً بادعاء الآخر عليه العبودية كان حكم الحرية أولى، وكذلك لو أقام كل واحد منهما البينة على ما يدعيه ٣٧٥ ). فالأصل / الجامع، ٢ ) « وتكافأت البينة في العدالة كان الرجوع إلى الأصل وهو الحرية هو الحرية والعبودية صفة عارضة ولذلك فهي في حكم العدم. k :IóYÉ≤dG ´hôa :ÉãdÉK هذه القاعدة لها أمثلة عملية تطبيقية كثيرة متناثرة في المصنفات الفقهية الإباضية نذكر بعضها: أ باب الطهارات: ٍ ١ كل ّ ماء وجد متغيرا ً ولم يعلم أن تغييره كان من نجاسة، فهو محكوم له بالطهارة؛ لأنها اليقين وما سواه شك عارض(١) . قال الجيطالي : والذي يزيل الوسواس أن تعلم أن الأشياء خ » ُ لقت طاهرة بيقين، فما لم تشاهد عليه نجاسة، ولا قامت الحجة بها، فحكمها الطهارة على الأصل « الأول(٢) . ٢ رجل يشبه له أن البول يخرج منه، فيتحرى فيجد البول حينا ً ولا يجده حينا ً ، هل عليه أن ينظر كلما شك؟ ّ قال الإباضية : يبني على الحال الأغل ب، وإذا تحققت التهمة استحبوا له الاستبراء، وما لم يقع اليقين والمعاينة فلا يحكم بالنجاسة على ظاهر الأمر(٣) . ما حكم من يعتريه بلل البول » : وقد سئل عبد الرحمن بكلي عما يشبه ذلك ٰ حتى تملكه نوع وسواس؛ لأنه يجد ما يحسه تارة ولا يجده أخرى؟ فأجابه: لا ينبغي لصاحب البلل أن يستسلم للوسواس وإلا وقع في محنة لكنه يتفقد نفسه إذا أحس ببلل، فإن وجده فعلا تطهر وإلا دفع عن نفسه الشك واستصحب حال الأصل، يعني إذا كان قبل على طهارة لا يحكم بانتقاضها وإنما يعتبر نفسه باقيا ً « على طهارته(٤) . (١) .٢٥٧/ ابن بركة: الجامع، ١(٢) ٣١٠/ الجيطالي إسماعيل: قواعد الإسلام، ١ . (٣) ٣٠٤/ ابن جعفر: الجامع، ١ - .٣٠٥ (٤) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٣٥٢/ فتاوى البكري، ١ - .٣٥٣ ٣ وحكم المتوضئ لفريضة أو نافلة أو صلاة بعينها أنه على طهارته ما لم يحدث، وإن طرأ عليه ما ينقض وضوءه وجب عليه الإتيان به وإلا بطلت (٢) صلاته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقبل صلاة من أحدث حتى ي توضأ » «(١) . . فالمتطهر إذا شك في الحدث فهو على طهارته حتى يتيقن بالحدث، فشكه في الحدث لا يرفع عنه ما ثبت باليقين(٣) . ٤ في مسائل ا لحيض: احتج الشماخي بقاعدة الاستصحاب في معرض حديثه عن أقل مدة الطهر وأقل الطهر عشرة أيام على مقدار أكثر الحيض عند » : وأقل مدة الحيض، فقال أكثرهم وهو الأصح، وقال آخرون: أقل الطهر خمسة عشر يوما ً على مقدار أكثر الحيض عند بعضهم، وحجتهم أنهم قالوا: إنما هو حيض وطهر فلا يخلو أن يكون سواء، أو أن يكون الحيض أكثر من الطهر؛ لأن أيام الطهر هي الأصل في العبادات الواجبات عليها والحيض حدث طارئ لا يسقط ما وجب في الأصل إلا ما قام الدليل على إسقاط ه، وقد وجدنا الله تعالى يقول في عدة النساء: ﴿ LKJI H ﴾ )البقرة : (٢٢٨ ، وقال في الآيسات: ﴿ «¬¯® ° ³²± ´¶µ ﴾ )الطلاق : (٤ ، وجعل ثلاثة أشهر بإزاء ثلاثة قروء، وجعل مقام كل شهر قرء ً ا، والحيض لا يجاوز خمسة عشر يوما ً بالإجماع، فلم يبق إلا أن يكونوا سواء، أو يكون الطهر أكثر من الحيض، فعلم بذلك أن أقصى مدة الحيض خمسة عشر يوما ً ، وأن أقل الطهر خمسة عشر يوما ً ، ومما يدل على هذا من السن ﱠ ة ﱡ (١) رواه البخاري في صحيحه كتاب الوضوء، باب: لا تقبل صلاة بغير طهور، رقم ١٣٤ عن أبي هريرة بلفظ « لا تقبل صلاة من أحدث حتى ي توضأ » . (٢) .١٨٠/ ٣٦٠ . الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ / ابن بركة: الجامع، ١ (٣) .٣٥٧ - ٣٥٦/ ٣٢٢ و ١ - ٣٢١/ ابن بركة: ١ قوله 0 : « تقعد إحداكن شطر دهرها لا تصلي ولا تصوم »(١) ، فلزم بهذا أن يكون أقل الطهر مقدار أكثر الحيض(٢) . وفي السياق نفسه يتعرض الشماخي إلى مسألة تحديد الحائض المضطربة دورتها وقتا ً للصلاة؟ هل تبدأ بأيام الحيض ثم تحسب أيام الصلاة؟ أم تبدأ بأيام الطهر، ولا تحسب أيام الحيض؟ نقل الشماخي مختلف الأقوال في هذه المسألة ورجح أنها لا تتخذ وقتا ً وفي الأثر: وأما التي حاضت فرأت » : للعبادة إلا بعد تحديد أيام حيضها فيقول الطهر على تمام حيضها فاغتسلت وصلت عشرة أيام، ولم تتم خمسين صلاة فردفت بالدم، أو صلت خمسين صلاة ولم تتم عشرة أيام، فردفت بالدم، فإنها تعط َ ى للحيض حتى تتم عشرة أيام أو خمسين صلاة، ومن العلماء من يقول: إذا تمت خمسين صلاة فإنها تعطى للحيض ولو لم تتم عشرة أيام، وقيل أيضا ً إن « تمت عشرة أيام فردفت بالدم فإنها تعطى للحيض ولو لم تتم خمسين صلاة(٣) . وبعد أن عرض الشماخي هذه الأقوال دون مناقشة ولا تعقيب وضع ضابطا ً عاما ً يضبط هذه المسائل الدقيقة، معتمدا ً على قاعدة استصحاب الأصل ولا تأخذ المرأة الوقت للصلاة ما لم تأخذ الوقت للحيض؛ لأن أيام » : فقال الطهر هي الأصل في العبادات الواجبات عليه ا، والحيض حدث طارئ لا يسقط به ما وجب في الأصل إلا ما قام الدليل على إسقاط ه، فالواجب (١) لم نعثر عليه بهذا اللفظ ولعله قول بعض الفقهاء، قال البيهقي: وأما الذي يذكره بعض فقهائنا في هذه الرواية من قعودها شطر عمرها، وشطر دهرها لا تصلي، فقد طلبته كثيرا ً فلم أجده في شيء من كتب أصحاب الحديث، ولم أجد له إسنادا ً بحال. ينظر: في معرفة السنن والآثار للبيهقي، كتاب الحيض، ترك الحائض الصلاة، حديث: ٥٦٠ ورد ذلك في حديث طويل رواه عن سعد بن مالك. (٢) .١٩٩ ،١٩٨/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ١(٣) .٢٠٣/ الشماخي: المصدر السابق، ١ عليها استصحاب حال الأصل المتقدم وهو وجوب العبادات من غير توقيت ما لم يصح ما تسقط به وهو الحيض ، ولذلك لزم أن لا تتخذ وقتا ً ما لم تتخذ وقتا ً للحيض. أما النفاس، فإنه تأخذ له الوقت ولو لم يكن لها وقت للحيض؛ لأن حكم دم النفاس مثل حكم دم الحيض، ويسقط به من العبادات ما يسقط بدم «... الحيض(١) . إن الحائض في جميع الأشياء نفس » : ويؤكد الكدمي هذا المعنى فيقول حكم الحائض طوال فترة بقاء الحيض، حتى تغتسل الغسل الذي يبيح لها « الصلاة، وحتى تكون طاهرة بما يبيح وطء زوجها لها(٢) . ٥ في اعتماد المبتلى بالشك في النجاسات والأحداث على قاعدة: الأصل في الأشياء ا لطهارة : وفي مسائل الشك في النجاسة والأحداث يخفف الكدمي على من ابتلي بالشك الدائم فيها ولا يطمئن قلبه للطهارة فيرشده إلى التمسك بقاعدة: الأصل ويعجبني » : في الأشياء الطهار ة، حتى لا يضيع وقته في التثبت والتحري فيقول معي الحكم في هذا ما لم يقع هنالك ما يشبه اليقين بذلك ويصير المبتلى بذلك إلى معنى وحكم مدافعة اليقين. وكذلك عندي يخرج في هذا إذا وجد شبه طعم الدم في فيه أو عرفه في أنفه، وأشبه هذا أيضا ً خروج الريح من دبره أو ََ بمعنى سواك من كان يستاك به أو غيره ولم يستيقن. وكذلك عندي أن هذا يشبه ما خرج من الدبر أو من ق ُ بل الرجل أو المرأة، فكل ذلك معي سواء، وهو عندي يخرج في القولين، والأخذ بمعنى الحكم أقوى في معارضة الشيطان، والأخذ « بالأحوط ما لم يخف في ذلك دخول الشك والوسواس عليه(٣) . (١) ٢٠٣/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ١ - .٢٠٤ (٢) .١٢٠ - ١١٩/ الكدمي: المعتبر، ٤ (٣) .١١٨ - ١١٧/ الكدمي: ٣ ويفهم من عبارته والله أعلم أن مراده بالحكم يقتضي أن الطهارة هي ِ الأصل، فمن المستحسن أن يعتقد المبتلى أنه طاهر، ولا يلتفت إلى ما يوسوس به الشيطان من حدوث النجاسة، أما الأخذ بالأحوط هنا يريد به تجديد الطهارة حتى يقطع الشك باليقين. ولكنه ربما كان من ترك الحكم وطلب المبالغة » : ويضيف في هذا الصدد في الخروج من مثل هذا، تول ّ د في نفسه الشك والوسواس الذي يخرج صاحب ذلك إلى معاني مفارقة الحكم والاحتياط من ترك الفرائض في وقتها، وترك حضور الجماعات فضلا ً عن المشقة والحرج فيما لو تتبع ذلك في كل مرة، ِ حتى تكونت عنه عادة عرف بها، وعندي أنه في هذه الحالة وحتى يقطع الشك ُ عن نفسه فإنه يتبع الحكم الذي يبنى على أساس اليقين، واستبعاد معارضة ُ الشيطان؛ لأنه لو أطاع هذه الوساوس لضاع عليه حضور الجماعات مع أهلها، وفاته مع ذلك لذة ما أدرك غيره ممن التزم الحكم وأخذ بالأحكام واستقام عليه... فيخرج عندي كل ذلك على معنى الحكم في جميع ذلك أنه على طهارته؛ لأن الأصل في الأحكام أن الأشياء على طهارتها ما لم يثبت بالنظر غير ذل ك، وعلى ذلك فإنه على معنى حكم الطهارة من وضوء أو غيره حتى معه من ذلك ما لا يشك فيه، وليس عليه إذا أحس من ذلك معارضة الشيطان بمثل ذلك ولم يستيقن على شيء أن يشغل نفسه في ذلك بنظر ولا مس ِ ُ « وأحب أن يمضي على ما هو عليه حتى يستيقن(١) . ّ سئل الشيخ عبد الرحمن بكلي عن حكم من يعتريه بلل البول حتى تملكه ٰ نوع من وسواس لأنه يجد ما يحسه تارة ولا يجده أخرى. فأرشده إلى ترك الشك وعدم الانسياق مع الوسواس والاستمساك بالأصل وهي الطهارة حتى يتيقن النجاسة معتمدا ً لا ينبغي لصاحب » : على قاعدة استصحاب الأص ل، فقال (١) .١١٨ - ١١٧/ الكدمي: المعتبر ٣ البلل أن يستسلم للوسواس وإلا وقع في محنة، لكنه يتفقد نفسه إذا أحس ببلل، فإن وجده فعلا تطهر، وإلا دفع عن نفسه الشك واستصحب حال الأصل، يعني إذا كان قبل على طهارة لا يحكم بانتقاضها وإنما يعتبر نفسه باقيا ً « على طهارته(١) . ب في باب ا لنية: وكذلك النية يجب استصحابها للعبادات إذا أراد فعلها، واستصحابها هو أن لا ينقلها من عمل هو فيه إلى غيره، أما غروب النية من غير قصد له، فلا يقدح في الاستصحاب(٢) . أن المتوضئ يجب عليه استصحاب حال » : قال الجيطالي في نية الوضوء الوضوء عند فعل الصلاة، وإن طرأ عليه ما ينقضه وجب عليه الإتيان به، وإلا (٤) بطلت صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى ي توضأ »(٣) .. أن من نوى فتوضأ ثم غربت نيته أجزأته واحدة، » : وذكر صاحب المصنف ِ فإن قيل: فإن كان الوضوء عندكم لا يجزئ إلا بنية، ف َلم لا يحتاج الإنسان إلى َ دوام النية، إلى أن يفرغ من الفرض؟ قيل له: هذا ما لا يمكن، وتلحق فيه مشقة. ألا ترى أن الصوم لا يجزئ إلا بنية، ثم ينسى صاحبه وينام ويأكل ناسيا ً ولا يضره ذلك. وكذلك لا يجوز له الدخول في الصلاة إلا بنية، ثم قد ينسى ويسهو، ولا يضره ذلك إذا عرض (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٣٥٣ ،٣٥٢/ فتاوى البكري، ١(٢) .٢٦٧/ ابن بركة: الجامع، ١(٣) متفق عليه، رواه البخاري في صحيحه بلفظ « لا تقبل صلاة من أحدث حتى ي توضأ » كتاب الوضوء، باب: لا تقبل صلاة بغير طهور، رقم ١٣٤ . ومسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، رق م ٣٥٦ عن أبي هريرة الدوسي. (٤) الجيطالي أبو طاهر إسماعيل بن موسى (ت: ٧٥٠ ): قواعد الإسلام، تحقيق عبد الرحمن ٰ .١٨٠/ بكلي، ١ له ما ذكرنا باتفاق؛ ولأن استدامة ذلك إلى أن يفرغ من الفرض يشق ويؤدي « إلى بطلان الفرائض(١) . وفي الموالاة في الوضوء يقول المحشي السدويكشي تعليقا ً على قول في اشتراط الموالاة في الوضوء، وتركها لعذر :« الإيضاح » الشماخي في وكذلك العذر... إلخ. فحاصله أنه » : كالنسيان والخطأ 5 اختار أن الموالاة واجبة مع الذكر والقدرة، وأنه إن فق َ د أحدهما ب َن َ ى على ما تقدم طال أو لم يطل، وظاهره أنه لو بنى بغير نية أجزاه، ولعل الأمر كذلك لاستصحاب النية، وظاهره أيضا ً في عذر النسيان مطلقا ً ، وقيل: يستثنى من العذر بالنسيان من ْ فرق ناسيا ً فأمر أن يبني على فعله الأول فنسي ثانيا ً ، فإنه يبتدئ وضوءه ﱠ ولا يعذر بنسيانه ثانيا ً ، ولم أر من تعرض لها من أصحابن ا، والظاهر أنه يعيد ِ « ولا يبني كما يظهر بالتأمل(٢) . ج باب الصلاة: ١ في حد ّ السفر الموجب قصر ا لصلاة: من خرج مسافرا ً وشك في مجاوزة الفرسخين(٣) وهو حد السفر فالأصل أنه لم يتجاوزهما، فيصلي تماما ً حتى يستيقن أنه جاوزهما، فيقصر. وقد صرح المحقق الخليلي بهذا الحكم بناء على قاعدة الاستصحاب في وما تقول في المسافر إذا شك في » : جوابه عن سؤال ورد إليه يقول سائله مسألة موضع القصر، هل هو في سفره ذلك قد تجاوز الفرسخين، ويجوز له جمع الصلاتين أم بعد ُ في حكم الحضر ولا يجوز له الجمع؟ فما يعجبك له َ على هذا الجمع أم التمام له أولى؟ أرأيت إن أحب الاحتياط على نفسه في ّ (١) .٤٧/ الكندي أبو بكر أحمد: المصنف، ٤(٢) ٨٧/ السدويكشي: الحاشية على كتاب الإيضاح للشماخي، ١ - .٨٨ (٣) الفرسخان: مسافة تقدر باثني عشر كيلومتر تقريبا ً. صلاته، ويصلي في ذلك الموضع الذي شك فيه جمعا ً وتماما ً ، ونيته إن كان ذلك الموضع في علم الله تعالى قد جاوز فيه الفرسخين فقد صل ّ ى جمعا ً ، وإن كان في علم الله تعالى لم يجاوز الفرسخين فقد صلى تماما ً .« هو غير متعبد من ذلك بما في علم الله تعالى ولكن هو على » : فأجابه حكم التمام والحضر، فيصليهما تماما ً حتى يستيقن على تعد ّ ي الفرسخين، وليس له مع الشك أن يصليها سفرا ً ، ولو كان في علم الله تعالى قد جاوز الفرسخين فإنه غير مسؤول عن علم الله، وإنما يسأل عن علمه هو، وهو في الحكم على الأصل من التمام حتى يصح معه ما ينقله عنه إلى حكم السفر، وليس عليه أن يصلي مرتين، فإن صلى مرتين سفرا ً وحضرا ً لموضع الشك فيه، فهو من احتياطه ولا بأس به، وإن كان لا يلزمه في قول من نعلمه « والله أعلم(١) . ٢ حكم صلاة الزوجة إذا نزع الزوج وطنه ولم ي خبرها: إذا نزع الزوج وطنه ولم يعلم زوجته بذلك، وخرجت زوجته بإذن منه إلى هذا الوطن المنزوع من قبل الزوج، فإنها تصلي تماما ً حتى تعلم نزعه ولا يضرها ذلك ولا بدل عليها. فقد سئل أبو محمد سعيد الخليلي :« التمهيد » وردت هذه المسألة في كتاب في المرأة إذا نوت التمام بنية زوجها، ثم إن الزوج اتخذ وطن » َين وزارت المرأة ِْ أهل زوجها، ألها أن ت ُتم أم تصلي صلاة السفر؟ أرأيت إن حول الزوج نيته واتخذ وطنا ً غير دار أهله ولم يخبر المرأة ّ بتلك النية، وأرادت المرأة الزيارة لدار أهله بأمر منه، والتبس الأمر عليها أتصلي تماما ً على النية أم لا؟ تصلي تماما » : فأجاب ً في وطنه ما لم تعلم بتحويل نيته عن الاستيطان، (١) .٢٣٣ - ٢٣٢/ الخليلي: التمهيد، ٥ ولو حول النية وهي لم تعلم فصلت تماما ً فلا يضرها ذلك ولا بدل َﱠ « عليها(١) . د في باب الصوم: ١ حكم السحور عند الشك في طلوع ا لفجر: إذا شك المكل ﱠ ف في طلوع الفجر ويريد السحور، فقد جوز له بعض فقهاء ّ الإباضية أن يأكل ويشرب حتى يتأكد من بزوغ الفجر الصادق؛ لأن الأصل بقاء الليل والفجر حادث، فلا بد من دليل يثبت حلول الصبح وإدبار الليل، حتى « الأصل بقاء ما كان على ما كان » حتى يمسك عن الأكل والشرب؛ لأن يثبت خلاف ه، وهذا ما صرح به بعض الإباضية في حالة الشك في طلوع الفجر واختلاف الناس في ثبوته. وإذا اختلف الناظرون فالمرجع » : يقول المحقق الخليلي في هذا الشأن إلى حكم الليل، كما يروى عن أبي عبيدة في مسألة الصيام إذا اختلف الخادمان َ في العبارة عن الفجر فقال: آك ُ ل حتى يصطلحا َ «...(٢) . ٢ حكم ما يدخل عن طريق العينين عند الصيام، كالكحل والإثمد: أجاز بعض فقهاء الإباضية أن يكتحل الصائم في عينه في نهار رمضان، لأن العين لم تكن معهم من مجاري الطعام، فإن وجد في حلقه شيئا ً من ذلك ْ ِ مجه ولفظه ولا يبتلعه. وكره بعضهم الاكتحال بالصبر لما فيه من السريان، فإن ﱠّﱠ ليس » : طعمه بالحال يوجد في الحلق. وقال أبو عبد الله محمد بن محبوب .« عليه بأس إذا وجد طعم الكحل في حلقه ولم ينفرد الإباضية في ترخيصهم في هذا الأمر، بل أخذ غيرهم من الفقهاء بهذه الرخصة؛ كالحسن البصري والنخعي والأوزاعي والشافعي (١) .٢٤٤ - ٢٤٣/ الخليلي: التمهيد، ٥(٢) .٣٤/ الخليلي: المصدر نفسه، ٥ وأبو ثور (١) ، وأصحاب الرأي (الحنفي ة)، وكره ذلك سفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق (٢) . ونسب أبو محمد عبد الله بن بركة الكراهة أيضا ً إلى بعض الإباضي ة، وقال السالمي ولم أجد ذكر ذلك غيره، وكره قتادة الاكتحال بالصبر ورخص بالإثمد(٣) ، ومنع منصور بن المعتز وابن أبي ليلى وابن شبرمة الاكتحال عند الصوم، وقالوا: إن اكتحل الصائم فعليه أن يقضي يوما ً مكانه(٤) . أدلة ا لجمهور: واستدل الجمهور على جواز الاكتحال في حالة الصوم بشيئين: أحدهما: البراءة الأصلية؛ لأن الأصل في كل ثابت إباحته بقاؤه على حال ه، ومن المعلوم ثبوت إباحة الاكتحال فلا يمنع للصوم إلا بدليل ثابت من جهة الوحي. وثانيهما: حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان وهو صائم(٥) . ومن طريق محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتحل وهو صائم(٦) . (١) ذكره ابن أبي شيبة، المصنف، كتاب الصيام من رخص في الكحل للصائم، رقم ٩١١٧ . (٢) ذكره الترمذي، أبواب الجمعة أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء في الكحل ٦، وعبد الرزاق الصنعاني، كتاب الصيام، باب الكحل للصائم، رقم ٧٢٧٤ للصائم، رقم ٩٠ . (٣) ذكره عبد الرزاق في المصنف، كتاب الصيام باب الكحل للصائم، رقم ٧٢٦٩ . (٤) رواه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف، كتاب الصيام، باب الكحل للصائم، رق م ٧٢٧٣ ولفظه: عبد الرزاق، عن ابن التيمي، أن أباه، ومنصور بن المعتمر، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة قالوا: إن اكتحل الصائم فعليه أن يقضي يوما » ً .« وكان أبوه يكره الكحل للصائم » : قال « مكانه(٥) رواه ابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في السواك والكحل للصائم، رقم ١٦٧٨ ، والطبراني .١٩٠/ في الأوسط، رقم ٦٩١١ ، عن عائشة، ضعفه ابن حجر في التلخيص. تلخيص الحبير، ٢ (٦) رواه ابن خزيمة، جماع أبواب الأفعال المباحة في الصيام، باب الرخصة في السواك والكحل للصائم، رقم ٢٠٠٨ ، والبيهقي في الكبرى، كتاب الصيام، الصائم يكتحل، رقم ٨٠٧٤ . ابن .١٩٠/ تلخيص الحبير، ٢ .« حديث منكر » : حجر: أبو حاتم ومن حديث ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مملوءتان من الإثمد وذلك في رمضان وهو صائم(١) . وعل ﱠ ق السالمي على درجة هذه الأحاديث، فذكر أن هذه الأحاديث وإن الأصل » كانت لا تخلو من ضعف في سندها غير أن البراءة الأصلية تعضدها، و بقاء ما كان على ما كان .« أدلة ا لمانعين: واحتج أصحاب الرأي الآخر بحديث عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن ٰ هوذة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال: ّ « ليتقه ا لصائم »(٢) ، وقد تعلق به القائلون بالقضاء والقائلون بالكراهة. وبناء عليه فقد حملوا النهي على التحريم، وأوجبوا القضاء على من فعله. ورد ّ المجيزون للاكتحال في نهار رمضان، أن النهي يحمل على التنزيه فقالوا بكراهته فقط. وقالوا: إن الخبر ضعيف، وأن في رواته منكرا ً ومجهولا ً ، وفي سنده اضطراب، وعلى فرض صلاحيته للاحتجاج يكون محمولا ً على الأمر باجتناب الكحل الطيب؛ لأن المروح المطيب، ّ فلا يتناول ما لا طيب فيه. واحتج الفريق الثاني بحديث ابن عباس الذي ذكر فيه لفظ الفطر من ما دخل، والوضوء من ما خرج، فقالوا: وإن وجد طعمه فقد دخل. وأجيب بأن سند هذا الحديث ضعيف جدا ً . وقيل: الأصل فيه أنه موقوف، وأنه لا يثبت مرفوعا ً . وعلى تقدير صلاحيته للاحتجاج يكون اكتحال النبي صلى الله عليه وسلم مخصصا للكحل(٣) . (١) الرواية عن أبي رافع وتقدم تخريجها. (٢) تقدم تخريجه. (٣) ١٥٤/ السالمي: معارج الآمال، ١٨ - .١٥٥ هذه بعض أدلة الفريقين المجيزين والمانعين ، إلا أن المتأمل فيهما يجد أن أدلة الفريقين دخلها الضعف، فلا تصلح للاحتجاج بها أو الاعتماد عليها، فضلا ً عن الترجيح، ولذلك نرجع إلى البراءة الأصلية، فنقول كما قال أصحاب القول الأول: ما دام لم يرد دليل صحيح وقوي على تحريم الاكتحال في نهار رمضان، فيبقي الحكم على أصله، وهو الإباحة الأصلية حتى يرد ما يخالف ذلك، إلا أن حكم الأصل وهو الإباحة يشوش عليه ما يجده ّ الصائم في حلقه من أثر الكحل، وقد يعسر عليه إخراجه ويسبقه إلى جوفه، وبذلك ينقض عليه صومه. هذا بالنسبة للكحل، فما حكم القطرات التي توضع في العينين للعلاج، ويظهر أثرها كذلك في الحلق؟ هل تقاس بالكحل، في ُ رخ ﱠ ص استعمالها أثناء الصوم كما يرى البعض؟ أم يحظر اتخاذها في حالة الاختيار، على اعتبار أنها مادة سائلة قد تتسرب للجوف؟ يبدو أن هذه المسألة لم تحسم بعد عند العلماء، وما زالت تحتاج إلى دراسة وبحث مستفيض من أهل الاختصاص، ولذلك فمن باب الاحتياط نقول بمنعها في حالة الصيام خروجا ً من الخلاف، ما دام المريض قادرا ً على تحمل الألم، إلا إن اضطر إلى استعمالها وهو صائم، فإنه يقضي ذلك اليوم احتياطا ً والله أعلم. ه في باب المعاملات: ١ في حكم التصرف في مال الغير دون إذن: من علم مالا ً لرجل ثم غاب أو مات، فوجد المال عند غيره، فحكمه للأول حتى يصح انتقاله للآخر بدليل صحيح، وليس له أن يزيل ما تقدم من علمه إلا بعلم مثله(١) . (١) .٢٥/ العوتبي: الضياء، ٣ ومن وجد مال َ ه في يد غيره يتصرف فيه دون إذنه، فكيف يستطيع إثبات حقه حتى يسترجعه منه؟ اختلف الإباضية في حكم هذه المسألة. وأشار إلى خلاف فقهاء ،« جامعه » نقل ابن بركة هذه المسألة فيالإباضية فيها، واختار أحد الأقوال بناء على النص والنظر، وذكر أن ّ من ِ وجد ماله عند غيره وتصرف فيه ببيع أو إعارة دون إذنه، فله الحق في َ الأصل بقاء ما كان على ما كان » استرجاعه؛ لأن « حتى يثبت خلافه، وفي واختلف أصحابنا فيمن استعار دابة أو عبدا » : هذا الصدد يقول ً فوجدها قد باعها المستعير، فقال بعضهم: ليس لربها أخذها، وله أن يأخذ المستعير ّ حتى يمك ﱢ نه من المشتري فيطالبه، وقال آخرون: لصاحبها أخذها بغير ثمن، ويرجع المشتري على البائع بالثمن، وهذا القول هو الذي يوجبه النظر ويشهد لصحته الخبر، ولو لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، والخبر والنظر متفقان معا ً على صحته، الدليل على ذلك: أن كل مالك فملكه محبوس عليه إلا أن يزيله عن نفس ه، إذا كان البائع متعديا ً عليه في ماله وملكه، كان بيعه ما لا يحل له فاعل ما لا يحل له، فبيعه باطل؛ لأنه تصرف في « ما لا يجوز التصرف فيه(١) . ويضيف مستدلا ً وأيضا » : لإثبات صحة رأيه ً يدل على صحة اختيارنا لهذا الرأي ما روي عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا » ضاع لأحدكم متاع أو سرق له متاع فوجده في يد رجل بعينه، فهو أحق به « ويرجع المشتري على البائع ب الثمن(٢) «(٣) . (١) .٣٣٣/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) رواه ابن ماجه، كتاب الأحكام، باب من سرق له شيء فوجده، رقم ٢٣٣١ ، وأحمد، مسند الكوفيين، حديث سمرة بن جندب، رقم ٢٠١٥٨ ، عن سمرة. قال الأرنؤوط: حسن. (٣) .٣٣٣/ ابن بركة: الجامع، ٢ ٢ حكم الديون التي تثبت بذمة الإنسان قبل موته: حكمها أنها تخرج من تركته قبل قسمتها، وليس للورثة في مال الميت سبيل حتى يصح انتفاء الديون؛ لأن كل شيء على أصله ثابت حتى يصح انتقاله عن حال ما ثبت علي ه، وقد ثبت هذا الدين على الهالك في ماله، حتى يصح خروجه منه بحكم ثابت(١) . قال السالمي ...» : ومنها أن الدين ينتقل من ذمة الميت إلى ذمة الكفيل إن كان له كفيل، فيلزم الكفيل قضاء دينه وله أن يأخذه من مال الهالك، فإن لم يكن له كفيل تعين الد ﱠ ين في مال الهالك وعلى الورثة قضاؤه فلا يأخذون من ّْ « ماله إلا ما فضل من دينه وجهازه ووصيته(٢) . و في باب ا لشهادات: إذا شهد شاهدان على رجل أن ّ المال الذي في يده حرام، أو علاقته بزوجته حرام، أو وقعت الحرمة بينهما، ولم يفسرا بالبينة ما هذه الحرمة، لم يعت َد ّ بشهادتهما في هذه الأحكام، فالأشياء على أصولها حتى يصح تحولها ُ بما لا شك فيه ولا ريب، سواء في الطهارات والمحرمات والطلاق والظهار والولايات والبراءات(٣) . ز في باب الضمان: من أحدث حدثا ً يوجب الضمان عليه، ولم يدر هل فعله في صباه أم بعد َ بلوغه، ففي الحكم لا يلزم ه؛ لأن الأصل أنه ف َ عله وهو صبي حتى يتيقن أنه فعله وهو بالغ، وهذا يجري في الفعل الذي لا يضمنه الصبي إذا فعله، أما إذا كان يضمنه ولو كان أثناء إتيانه له صبيا ً ، فعليه الضمان(٤) . (١) .٤٤٨/ البوسعيدي: لباب الآثار، ١٤(٢) .٢٥٧/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٣) .٣٤٤/ ابن جعفر: الجامع، ١(٤) .٢٧٥/ الخليلي: التمهيد، ١١ ح في باب النكاح: ١ دعوى عدم تسليم الصداق ا لعاجل. سؤال عن تزويج امرأة على صداق عاجل « العقد الثمين » ورد في وآجل، ولم يدخل بها وادعى أنه أعطاها صداقها وأنكرت هي من يكون المدعي، أرأيت إن دخل بها وأقرته على الدخول، وادعى أنه أصدقها وأنكرت من يكون المدعي، وكذلك إن مات وادعت هي على الورثة أنه لم يصدقها سواء دخل بها أو لم يدخل بها، من يكون المدعي من الورثة، والمرأة والحق ثابت سابقا ً شرعا ً. فأجاب السالمي نقلا ً عن الشيخ ناصر بن خميس(١) : فيمن ادعى تسليم » ما ثبت عليه لزوجته من الصداق العاجل، فقد قيل عليه البينة دخل بها أو لم يدخل على أكثر القول، والمعمول به عندنا قال ابن عبيدان(٢) ، وقول إن القول قول الزوج بعد الدخول. قال الشيخ ناصر : وحكمه غير داخل بها على قول من يقول إنها مدعية بقاء ما عليه لها من الصداق العاجل بعد صحة الدخول « بها، قال: ويعجبنا القول الأول، وبه نعمل ونحكم(٣) . وعلى » : ورجح السالمي القول الأول بناء على قاعدة الاستصحاب فقال (١) هو ناصر بن خميس الحمراشدي (ق: ١٢ ه) عالم شيخ، عاش في القرن الثاني عشر الهجري. ولد بالرستاق. كان من بين العلماء الذين عقدوا الإمامة لسلطان بن سيف بعد وفاة أبيه، سيف بن سلطان. عمل قاضيا ً على نزوى أيام سلطان بن سيف. له أجوبة متفرقة بعضها في كتاب التبيان للشيخ درويش المحروقي. ينظر: دليل أعلام عمان ١٥٩ . المشيفري، تحقيق ُ .٣٧٦/ تحفة الأعيان، ٣٠٩ . معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١(٢) هو الشيخ العالم الفقيه القاضي محمد بن عبد الله بن جمعة بن عبيدان النزوي العقري، من علماء القرن الحادي عشر، قد أصيب بالعمى، توفي سنة ١١٠٤ ه/ ١٦٩٢ م، كان هو والشيخ خلف والشيخ ناصر بن خميس الحمراشدي والشيخ صالح الزاملي في منزلة واحدة، فقد تصدر للفتيا، وكان قاضيا ً للإمام سلطان بن سيف وابنه بلعرب. المصدر: إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء ع ُ .٤٧/ مان، ص ٤٦١ . معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١(٣) .٤٨/ السالمي: العقد الثمين، ٣ هذا فإن من مات قبل الدخول، فالحكم بقاء الصداق حتى يصح بالبينة أنه قضاه في حياته؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان . وكذلك إن ماتت هي قبل الدخول، وأما إذا مات أحدهما بعد الدخول فيجري فيه الخلاف المتقدم آنفا، فإنه على قول من يقول إنها تكون بعد الدخول مدعية، فكذلك يكون حكم وارثها، وعلى قول من يقول إن الزوج المدعي، فكذلك يكون حكم وارثه(١) . ٢ في ثبوت الحقوق الزوجية بعد الوفاة، هل يجوز لأحد الزوجين أن يغسل ا لآخر؟ يرى ابن بركة أنه إذا مات أحد الزوجين، فيجوز أن يغسل كل منهما صاحبه؛ لأن العصمة باقية بينهما بعد الموت، قال تعالى: ﴿ "# &%$ ﴾ )النساء : (١٢ ، وقال أيضا ً : ﴿ !" $# % ﴾ (ال بقرة: ٢٣٤ ( ، والمدعي قطع العصمة بينهما محتاج إلى دليل(٢) . بحث َ السالمي هذه المسألة، ونقل خلاف العلماء فيها، واستدل على ثبوت العصمة بعد وفاة أحد الزوجين بأحاديث نبوية وآثار الصحابة فقال: ...» لكن لها أن تغسله ما دامت في عدته؛ لأن التزويج إنما شرع لحاجة الرجل، ومن حاجته جهازه بعد موته، وقيل: ليس لها أن تغسله لانقطاع الزوجية بالموت، وقيل بل تغسله ويغسلها؛ لأن جهاز الميت منهما تابع للزوجية وهو من بعض حقوقها، ور َ جح الجواز مطلقا ً ما نقل عن عائشة # لو » : أنها قالت كنت استقبلت ُ من أمري ما استدبرت ُ « ما غسل النبي صلى الله عليه وسلم غير نسائه(٣) . وكذلك (١) ٤٧ . بتصرف / السالمي: المصدر نفسه، ٣(٢) ٣٦٢/ ابن بركة: الجامع، ١ - .٣٦٣ (٣) رواه ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الرجل امرأته، رقم ١٤٦٤ ، والبيهقي في ، الكبرى، كتاب الجنائز جماع أبواب غسل الميت، باب غسل المرأة زوجها، رقم ٦٤٥٧ عن عائشة بنت أبي بكر ^ . رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع وأنا أجد صداعا » : ما روي عنها أنها قالت ً في رأسي وأنا أقول: وارأساه فقال: « بل أنا يا عائشة وارأساه » ، ثم قال: وما ضرك » َّ ِ ِ ِ ِ« (٢) (١) لو مت ﱢ قبلي ف قمت ُ عليك ف غسلت ُ ك وكفنت ُ ك وصليت ُ عليك ودفنت ُ ك .. ومن آثار الصحابة ما نقله أنس بن مالك 3 أوصى أبو بكر » : قال الصديق 3 أن تغسله زوجه أسماء فغسلته، وكذلك أوصت عائشة بنت عميس أن يغسلها زوجها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وأسماء ُ فغسلاها، وكذلك غسل ابن مسعود امرأت ه، وكذلك قال ابن عباس : الرجل أحق بغسل امرأته من النسا ء، وكذلك كانت الصحابة يغسلون أزواجهم (٤) « وتغسلهم أزواجهم(٣) .. ط في باب الوكالة: ِ هل يشترط العلم بنزع الوكالة من الوكيل؟ وما الحكم إذا لم يعلم الوكيل بنزعها؟ وهل يعتمد على الحالة الظاهرة استصحابا للأصل؟ رأي الإباضية في هذه المسألة فقال: إذا وكل « جامعه » نقل ابن بركة في رجل رجلا ً في بيع ماله أو طلاق زوجته ثم نزعه من الوكالة وقد غاب عنه الوكيل، فامتثل الوكيل أمره به ولم يعلم الوكيل بأن الموكل قد نزعه مما وكله َْ ّ ٍ فيه، فإن فعله ماض في قول محمد بن محبو ب، وقال غيره من أصحابنا : إن ِ فعله يكون باطلا ً ، فإن جهل فعل الموكل فيه ووجدت الشافعي وافق أصحاب ْ هذا القول. (١) رواه ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الرجل امرأته، رقم ١٤٦٥ ، والدارمي، ٨، عن عائشة بنت أبي بكر. البوصيري: إسناد المقدمة، باب في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم ٠ رجاله ثقات. (٢) .٢٥٦/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٣) ذكره عبد الرزاق في المصنف، كتاب الجنائز باب المرأة تغسل الرجل، رقم ٥٩٢٥ . (٤) ٢٥٦/ السالمي: المرجع نفسه، ٢ - .٢٥٧ ؛« وهذا عندي أنظر القولين » : واختار ابن بركة هذا الرأي وصححه، فقاللأنهم أجمعوا أن الوكيل يعمل بالوكالة، فإذا زال عنها زال فعله من مال الموكل. وكذلك إذا وكله في المال، فزال المال عن الموكل إلى غيره بطل فعل الوكيل فيه. وإن جهل، ألا ترى أن فعل الوكيل يبطل فيما وكل فيه بموت الموك ﱢ ل له، وإن جهل وقت موته، فهكذا يجب أن يكون إذا أخرجه من الوكالة ُ ونزعه منها أن يكون فعله باطلا ً وإن جهل ذلك. وإلى هذا الرأي ذهب الشيخ أطفيش في شرح النيل(١) . مجمل ا لقول: بعد التأمل في الرأيين يظهر أن ّ أصحاب القول الأول ومنهم ابن محبوب لم يبطلوا تصرفات الوكيل بعد نزع الموكل له وعدم علمه بذلك، وذلك اعتمادا ً على الحالة الظاهرة واستصحابا ً للأصل أي: أنه ما زال وكيلا ً يملك حق التصرف في أموال الموكل بتفويض منه ، أما أصحاب القول الثاني فقد ذهبوا إلى بطلان تصرفات الوكيل بعد خلع الموكل له، سواء علم بذلك أم لم يعلم، فكل تصرف قام به بعد ذلك النزع فهو موقوف حتى يقره الموكل أو يبطل من أساسه، وذلك قياسا ً بالموكل إذا مات، فإن صلاحيات الأصل بقاء » : الوكيل تتوقف ولا اعتبار للوكالة، ولم يعملوا بالقاعدة الفقهية ما كان على ما كان « في حالة نزع الموكل للوكيل وعدم علمه بذلك؛ لأنه يعامل بها في حالة عدم وجود ما يخالف ذلك الحكم، وما دام قد صدر من الموكل حكم مخالف له، فيجب العمل به وتبطل الوكالة. ٌ مستثنيات ا لقاعدة: من المسائل التي خرجت عن قاعدة الاستصحاب، ما ذكره سعيد الخليلي :« التمهيد » في (١) .١٧٥/ ٤٠٤ . أمحمد أطفيش: شرح كتاب النيل للثميني ٩ / ابن بركة: الجامع، ٢ ١ في سداد ديون ا لمور ث: َُﱢ ِ يرى بعض الإباضية أن من علم بحقوق على موروثه، ومضى عليها من َ الزمان ما يمكن أنه قد قضاها واحتمل بقاؤها، ولم يعلم أن موروثه قضى ذلك الحق في حياته، فلا يلزم الوارث إنفاذه من التركة إلا أن يوصي به، أو يقيم من كان الحق بينة على صحة بقاء الحق مع يمين القضاء عند من يحكم بها في ّ مثل هذه الدعاوى. وإنما خرجت هذه المسألة عن تلك القاعدة، لأن الوارث الأصل بقاء ما كان على ما كان » علم بالحق على موروثه ولو يعلم بوفائه له، و « ولا تطيب التركة للورثة إلا بعد إخراج الحقوق الواجبة على موروثهم، ولكنهم لم يلزموه بذلك، وهو قول. وفي المسألة قول آخر أن على الوارث إنفاذه وتسليمه إلى من له الحق َ ما لم يصح أن الهالك قد قضاه؛ لأنه بحكم الأصل باق عليه(١) . وعلى هذا القول، فالمسألة داخلة تحت القاعدة المذكورة ومستثناة على القول الأول. ٢ الأمين يصدق ببراءة ذمته: ِ لو ادعى الأمين أنه أعاد الوديعة لصاحبها، أو أنها تلفت في يده بلا َ تعد ﱟ منه أو تقصير، يقبل ادعاؤه بدون يمين، مع أنه كان يجب بمقتضى قاعدة الاستصحاب أن ي ُع َد ّ الأمين مكلفا ً بإعادة الأمانة ما لم يثبت إعادتها؛ لأن الحال الماضي هو وجود الأمانة عند المودع. ولكن السبب في تصديقه بلا يمينه: أن الأمين هنا ي َد ّ عي براءة الذمة من الضمان، وأما المودع فهو يدعي الأصل براءة الذمة » شغل ذمة الأمين، وذلك خلاف الأصل؛ لأن .« أما إذا جحد الأمين تسببه في تلف الأمانة، وقدم المدعي البينة على إهماله لها، فلا يصدق الأمين إلا ببينة أو يمين تثبت عكس ذلك. يقول الثميني في ويصدق مستودع ومستعير ومضارب لا بيمين في تلف ما بأيديهم » : هذا المعنى (١) .٣١/ الخليلي: التمهيد، ١٢ إن كانوا أمناء، وكذا وارثهم إن ادعى تلفه بيد مورثه لا في يده، وإن جحد « كمستودع ما بيده فبين عليه، ثم ادعى تلفه لم يصدق إلا ببيان أو يمين(١) . ولم ّ يتفق الحنفية مع الإباضية في هذا الأمر، واشترطوا دعوى الأمين أن يؤكدها بيمينه، فلا يصدق في براءة ذمته إلا بذلك(٢) . (١) الثميني عبد العزيز: كتاب النيل وشفاء العليل، تحقيق عبد الرحمن ٰ .٨٢٢/ بكلي، ٣(٢) الكرخي أبو الحسن: أصول الكرخي، الأصل الثاني عشر، ١١٢ علي حيدر: درر الحكام، .٢١٢/١ اليقين لا يزول بالشك » : هذه القاعدة تتفرع عن قاعدة « وقد جعلها بعض الفقهاء مستقلة، لارتباطها بأبواب كثيرة مهمة في الفقه، كالقضاء والحدود. :IóYÉ≤dG ∫ƒdóe :’k hCGs ١ المعنى اللغوي للقاعدة: القاعدة المستمرة كقولهم: الأصل أن » : المراد بالأصل في نص القاعدة الفاعل مرفوع(١) . الذمة في اللغة لها معان كثيرة، لعل أقربها إلى الأصل الذي معنا تفسيرها بالعهد والأمان والضمان، إذ أن نقض العهد موجب للذم، ومن معانيها الكفالة، ِ كالذمامة والذم(٢) . قال تعالى: ﴿ DCBA@? ﴾ (الت وبة: ٨ ( ، وقالوا: إن الذمام كل حرمة تترتب على من ضيعها المذمة، ومن ذلك تسمية أهل العهد أهل الذمة، ورجل ذمي رجل له عهد(٣) . البراءة: في أحد أصليها: المزايلة والتخلي والتباعد، وتطلق على معان (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ جدول المسائل المعتبرة كقواعد أو ضوابط فقهية ملحق على كتاب النيل ١١٠٠ . الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ٨١ . الكرخي: / لعبد العزيز الثميني، ٢ . أصول الكرخي مع تأسيس النظر، ص ١١٣ ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٥٩ (٢) . البورنو: الوجيز، ص ١٧٩(٣) الفيومي: المصباح المنير، ص ٢٨٦ . الجرجاني: التعريفات، ص ١١٩ . سعدي أبو جيب: القاموس الفقهي لغة واصطلاحا ً . ، ص ١٣٨ كثيرة، والمراد بها هنا: السلامة والخلو من العيب والمكروه، وبراءة الذمة، خلو الذمة من الدين(١) . ٢ المعنى الفقهي ل لقاعدة: أي: أن القاعدة أو الأمر المتيقن انتفاء المسؤوليات والالتزامات عن الذمة(٢) . أما الذمة في اصطلاح الفقهاء والأصوليين فهي بمعنى النفس أو الذات التي لها عهد، وقد انقسموا في تعريفها إلى اتجاهين: أحدهما: جعلها وصفا ً ، وعرفها: بأنها وصف يصير به الشخص أهلا ً ﱠ للإيجاب والاستيجاب بناء على العهد الماضي الذي جرى بين العبد والرب يوم الميثاق(٣) . والاتجاه ا لآخر: جعلها ذاتا ً ، وعرفها: بأنها نفس لها عهد، وذكر بعضهم أن ﱠ الذمة لا معنى لها، وأنها من اختراع الفقهاء الذين يعبرون عن وجوب الحكم على المكلف بثبوته في ذمته. بمعنى النفس أو الذات التي لها عهد. قال الجرجاني : ومنهم من جعلها وصفا » ً وعرفها: وصف يصير الشخص ﱠ به أهلا ً للإيجاب له وعلمه، ومنهم من جعلها ذاتا ً يعرفها بأنها: نفس لها عهد، ﱢ فإن الإنسان يولد وله ذمة صالحة للوجوب له وعليه عند جميع الفقهاء بخلاف « سائر الحيوانات(٤) . الأصل في » : ويشير يحيى الجناوني الإباضي إلى براءة الذمة فيقول (١) محمد رواس قلعة جي وحامد صادق قنيبي: معجم لغة الفقهاء ط ١، طبعة دار النفائس . بيروت ١٤٠٥ ه/ ١٩٨٥ م، ص ١٠٦(٢) . سعدي أبو جيب، القاموس الفقهي، ص ٣٤(٣) ٣٩٤ . الجرجاني، التعريفات، ص ٩٥ . الكفوي أبو البقاء، / الدبوسي: كشف الأسرار، ١ . الكليات، ص ٤٥٤(٤) . الجرجاني: التعريفات، باب الذال، ص ١١٩ الفرائض براءة الذمة منها لا فرض إلا بثبوت الشرع عليه، فمن ادعى شغلها فعليه الدليل، ومن نفاه بعد ثبوته فعليه الدليل « (١) . وإلى هذا المعنى ذهب الوارجلاني (٢) . والحق أن المقصود من ذلك محل الذمة، وهو النفس. يقال: ثبت في ذمتي كذا، أي على نفسي(٣) . فمعنى القاعدة هو: القاعدة المستمرة أن الإنسان بريء من وجوب شيء أو لزومه، وكونه مشغول الذمة خلاف الأصل؛ لأن المرء يولد خاليا ً من كل دين أو التزام أو مسؤولية، وكل شغل لذمته بشيء من َْ الحقوق إنما يطرأ بأسباب عارضة بعد الولادة والأصول في الأمور العارضة العدم، فالأصل المذكور أن الأمر المتيقن هو أن الإنسان خلق خاليا ً من المسؤوليات والالتزامات أو حقوق الآخرين فلا تشغل ذمته بأي حق أو التزام إلا بيقين، أي دليل وبينة كما صرح بذلك الجناوني والوارجلاني . لذا يقبل شاهد واحد في جانب المدعي، لضعفه، فلا يقاوم جانب المدعى عليه، لقوته بالأصل حتى يعتضد بشاهد آخر، أو يمين المدعي، فلما وسمه بتهمة الادعاء احتيط من جانبه باليمين(٤) . ولأن الأصل براءة ذمة الإنسا ن، فالمتمسك بالبراءة متمسك بالأصل، والمدعي متمسك بخلاف الأصل، ولذلك كان القول للمد ﱠ عى عليه مع يمينه عند عدم البينة لأنه متمسك بالأصل(٥) . ومجال هذا الأصل (١) الجناوني أبو زكرياء يحيى بن الخير (ق ٥): كتاب الوضع مختصر في الأصول والفقه، تحقيق . أبو إسحاق إبراهيم أطفيش، ط ١، مطبعة الفجالة، مصر، د.ت.، ص ٠٧(٢) .١٨/ الوارجلاني أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم: كتاب العدل والإنصاف في معرفة أصول الفقه ١(٣) التهانوي محمد بن علي بن محمد الفروقي (كان حيا ١١٥٨ ه)، كشاف اصطلاحات الفنون، . نشر دار صادر، بيروت. البورنو: الوجيز، ص ١٧٩(٤) . الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ٨١(٥) السدلان صالح بن غانم: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها، ص ١٢١ - ١٢٢ البورنو: ٢٥/ الوجيز، ١٧٩ ، كل منهما نقل عن الأتاسي: شرح المجلة العدلية، ١ - .٢٧ واسع، قال ابن عبد السلام (١)الأصل براءة ذمته من الحقوق » :( (ت: ٦٦٠ ه وبراءة جسده من القصاص والحدود والتعزيرات، وبراءته من الانتساب إلى شخص معين، ومن الأقوال كلها والأفعال بأسرها « (٢) . وعلى هذا ّ يحكم بيقين انتفاء الأحكام وبراءة الذمة من التكاليف الشرعية قبل مجيء الشرع، وبعد مجيئه أيضا ً عند عدم الدليل الشرعي إذ يلجأ إليه المجتهد عند عدم وجود الأدلة(٣) . k :ÉgQó°üeh IóYÉ≤dG π«dO :É«fÉK هذه القاعدة مأخوذة من الحديث الشريف وهو قوله صلى الله عليه وسلم : البينة على » « المدعي واليمين على المدعى عليه(٤) . أن كل من يتمسك بخلاف » : ومعناه الظاهر ويريد إثبات أمر عارض فهو مدع وعليه البين ة؛ لأنه مثبت، وكل متمسك (١) عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، عز الدين الملقب بسلطان العلماء ( ٥٧٧ - ٦٦٠ ه/ ١١٨١ - ١٢٦٢ م): فقيه شافعي بلغ رتبة الاجتهاد. ولد ونشأ في دمشق. وزار بغداد سنة ٥٩٩ ه فأقام شهرا ً . وعاد إلى دمشق، فتولى الخطابة والتدريس بزاوية الغزالي، ثم الخطابة بالجامع الأموي. خرج إلى مصر، فولاه صاحبها الصالح نجم التفسير » : الدين أيوب القضاء والخطابة ومكنه من الأمر والنهي. ثم اعتزل ولزم بيته. من كتبه قواعد الأحكام » و « الفوائد خ » و « قواعد الشريعة خ » و « الإلمام في أدلة الأحكام » و « الكبير في مجاز « الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز ط » فقه، و « في إصلاح الأنام ط ٨٠/ في التصوف. طبقات السبكي، ٥ « مسائل الطريقة ط » القرآن، و - ١٠٧ . الزركلي: .٢١/ الأعلام، ٤ (٢).٢٦/ العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ٢ (٣) ١٨ . باجو: منهج الاجتهاد، ص ٧٣٢ ، ينظر: علي / الوارجلاني: العدل والإنصاف، ١ . حسب الله: أصول تشريع الإسلام، ١٦٨ (٤) رواه الترمذي، أبواب الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء في أن البينة على المدعي، ١، والبيهقي في الكبرى، كتاب الدعوى والبينات، باب البينة على المدعي واليمين رقم ٢٩٩ على المدعى عليه، رقم ١٩٧٢٣ عن ابن عباس، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. بالأصل منكر للأمر العارض، فهو مد ﱠ ع َ ى عليه، فعليه اليمين؛ لأنه ناف « ولا سبيل لإقامة البينة على النفي(١) . k :π°UC’G Gòg QÉÑàYG âbh :ÉãdÉK يعتبر هذا الأصل، ويكون القول قول من يتمسك به مع يمينه إذا لم يعارضه ظاهر، سواء كان الظاهر هو الأصل بحسب ما يتبادر أو بحسب المعنى، مثال ذلك: ٍِ لو ادعى رجل على بك ْ ر بالغة أن وليها زوجها منه قبل استئذانها، فلما َﱠ ﱠ بل ﱠ غها سكتت، وقالت: بل رددت، فالقول لها، وإن كان المدعي متمسكا ً بأصل وهو عدم الكلام وكان القول لها؛ لأن قولها يشهد له الظاهر بحسب المعنى؛ ولأنه يدعي تملك بضعها بدعواه سكوتها من غير ظاهر معه، وهي َُ تنكر، والظاهر الاستمرار على الحالة من عدم ورود ملك عليها وهو الأصل فكانت هي متمسكة بأصل فيه معنى الظاهر، فكان القول قولها(٢) . k :IóYÉ≤∏d á«≤«Ñ£àdG ´hôØdG :É©HGQ إن هذا الأصل بوجه عام تنبني عليه طائفة كبيرة من الأحكام، وسنكتفي بذكر بعض ما يتعلق بالعبادات، وأمور المعاملات والجنايات، وما يتصل بطرق الإثبات، مقتصرين على نماذج محدودة منها دون استقصاء لكل ما ذكر بشأن ذلك. (١) ٧٧ . عبد الرحمن ، علي حيدر: درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية، مادة ٧٦ ٰ الناصر . السعدي: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخبار في شرح جوامع الأخبار، ص ١٥٧ . البورنو: الوجيز، ص ١٠٠ . السدلان: القواعد الفقهية الكبرى، ص ١٢٠ (٢) . السيوطي: الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، لبنان، ص ٥٣ أ باب ا لعبادات: توجد فروع كثيرة في الفقه الإباضي تتعلق بباب العبادات والتكاليف ِ براءة الذمة » : الشرعية بنيت على هذا الأصل « مما لم يرد به الشرع، نذكر منها: َُ ١ حكم استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء ا لحاجة: ذكر الشماخي أن ّ بعض فقهاء الإباضية اعتمدوا في بيان حكم استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة على هذه القاعدة، وأشار إلى خلافهم ولا يستقبل القبلة » : في هذه المسألة، وبين سببه بعد أن قرر الحكم العام فقال ّ ولا يستدبرها ببول ولا غائط، والناس في استقبال القبلة واستدبارها على ثلاثة أقوال: قول: أنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها ببول ولا غائط أصلا، ً ولا في موضع من المواضع. وقول: أنه يجوز على الإطلاق. وقول: يجوز في المباني، ولا يجوز في الصحاري وغير المدن والمباني. وسبب اختلافهم: حديثان متعارضان: أحدهما: حديث أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بمصر : والله لا أدري كيف أصنع هذه الكرايس، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إذا ذهب » أحدكم لغائط أو بول ف لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه « (١) . والثاني: دخلت » : حديث ابن عمر قال ُ على حفصة فرأيت ُ رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ً لحاجته في بيت حفصة بين لبنتين مستدبرا ً للكعبة مستقبلا ً « لبيت المقدس(٢) . (١) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب الاستطابة، رقم ٢٦٥ ، والربيع، كتاب الطهارة، ب َ اب ٌ ف ِ ي ِِ ِ الاستجمار، رقم ٧٩ ، عن أبي هريرة. ْ َْ (٢) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الطهارة، باب من تبرز على لبنتين، رقم ١٤٥ ، ومسلم، ِ ِِ ِ كتاب الطهارة، باب الاستطابة، رقم ٢٦٦ ، والربيع، كتاب الطهارة، باب في الاستجمار، ٌَ َْْ رقم ٧٨ ، عن ابن عمر. فمن ذهب مذهب الجمع حمل حديث أبي أيوب الأنصاري على الصحاري وحيث لا سترة، وحمل حديث ابن عمر على السترة، وقد روي عن جابر بن زيد قال: سألت ابن عباس عن ذلك قال: إذا كان في الصحاري والقفار، وأما في البيوت فلا بأ س؛ لأنه حال بين الناس وبين القبلة حائل وهو الجدار(١) . ومن ذهب مذهب الترجيح رجح حديث أبي أيوب الأنصار ي؛ لأنه إذا تعارض حديثان، أحدهما فيه شرع، والآخر موافق للأصل الذي هو عدم الحكم، ولم يعلم المتقدم من المتأخر، وجب أن يصار إلى الحديث المثبت للشرع؛ لأنه قد وجب العمل بنقله من طريق العدول، وترك الذي ورد من طريق العدول يمكن أن يكون ذلك قبل شرع ذلك الحكم، ويمكن أن يكون ذلك بعد، فلم يجز أن يترك شرع وجب العمل به بظن لم يؤمن أن يوجب النسخ به، إلا لو نقل أنه كان بعد؛ لأنه لم يرفع الشك ما ثبت بالدليل الشرعي. وأما من ذهب مذهب الرجوع إلى الأصل، وهو براءة الذمة عند التعارض يوجب أن الشك يسقط الحكم ويرفعه. وقول رابع: من قصر النهي في استقبال القبلة واستدبارها بمك ة، وهو ق(٢) مذهب الجمع أل ْ ي . َ ٢ الصلوات ا لواجبة: أوجب الشرع خمس صلوات في اليوم والليلة، فتبقى السادسة غير واجبة، وأوجب صوم شهر رمضان فيبقى الصوم في غيره من الأشهر غير ِِ (١) ذكره الربيع، كتاب الطهارة، ب َ اب ف ِ ي الا ِ ستج ْمار ِ ، رقم ٧٧ عن ر َسول ُ الله صلى الله عليه وسلم : لا» َ ت َست َق ْب ِل ُ وا ٌَْ ُ ْ ٍِِ ٍِ َِِ ٍِِِِ ال ْقب ْل َة َ بب َو ْل و َلا َغ َائط «. ق َال َج َابر ٌ: ف َس َأل ْت ُع َن ْذ َلك َاب ْن َع َب ﱠ اس ق َال َ: ذ َلك َإذ َا ك َان َفي الص ﱠح َاري ِِِِ ِِِ ِ و َال ْقف َار، و َأ َم ﱠا في ال ْب ُي ُ وت ف َلا َب َأس َْ ، لأن َﱠه ُق َد ْح َال َب َي ْن َ الن ﱠ اس ِو َب َي ْن َال ْقب ْل َة حي َال ٌ ، و َه ُو َال ْجد َار ُ . .١٦/ وينظر: الصنعاني، سبل السلام، ١ (٢) .١٣ - ١١/ الشماخي: الإيضاح، ١ واجب(١) ، لا بتصريح من الشرع بنفيها، بل البناء على براءة الذمة المستندة إلى البراءة الأصلية، أو العدم الأصلي، وعلى هذا الأصل لم تثبت نوافل غير ما ثبت بالسمع، وبه احتج من نفى وجوب الأضحية أو وجوب زكاة َ الخيل والحلي والخضروات أو تخميس السلب، وبنى بعضهم على ذلك أصلا ً هو: أن كل ما أشكل وجوبه فالأصل براءة الذمة فيه(٢) . ب باب ا لمعاملات: وفيما يتعلق بأمور المعاملات فقد ذكر فقهاء الإباضية أمثلة تخ َ رجت على ﱠ هذه القاعدة، من ذلك: ١ عدم الأخذ بالدعوى المشغولة ب الد ﱠي ْ ن أو غيره: فإنه لا يؤخذ بدعوى شغلها المدعي بالد ﱠ ين أو غيره من الحقوق ما لم يقم دليل على ذلك، والقول قول النافي؛ لأنه المتيقن لموافقته لبراءة الذمة، وإن كان من المحتمل أن تشغل بالدين، أو بأي سبب يوجب ذلك من إتلاف أو جناية أو غيرها، لكن هذا شك لا يرفع يقين الأصل، فإن أثبت ذلك بالبينة زال اليقين لكن بيقين مثله لا يشك واحتمال، وإذا قامت البينة على الشغل، واختلف في مقدار ما شغلت به الذمة من دين أو قيمة متلف، أو غير ذلك، (١) ٤٠٧ . ابن السبكي جمع الجوامع في شرح الجلال ،٤٠٦/ الغزالي أبو حامد: المستصفى ٢ المحل ّ ٣١١ . العطار أبو السعادات حسن بن محمد (ت: ١٢٥ ه) نشر / ي حاشية العطار ٢ دار الكتب العلمية بيروت. ابن السبكي تاج الدين عبد الوهاب بن علي (ت: ٧٧١ ه) ١٦٨ . تعليق جماعة من العلماء، نشر دار الكتب العلمية بيروت. / الإبهاج شرح المنهاج، ٣ ابن النجار، محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الحنبلي (ت: ٩٧٢ ه) شرح الكوكب المنير، تحقيق نزيه حماد ومحمد الزحيلي، منشورات مركز البحث العلمي بجامعة أم لقرى، .٤٠٤/ مكة ٤ (٢) ١٢٦٤ . نقله يعقوب الباحسين في قاعدة اليقين لا يزول ، أبو يعلى: العدة، ص ١٢٦٣ . بالشك، ص ١٠٢ فالقول قول من عليه الدين، الضمان بيمينه؛ لأنه ينكر الزيادة، فهو متمسك بأصل براءة الذمة مما زاد، إلا إذا كان هناك ظاهر يعارضه(١) . ٢ الأمين يصدق ببراءة ذمته: لو ادعى الأمين أنه أعاد الوديعة لصاحبها، أو أنها تلفت في يده بلا تعد منه أو تقصير، يقبل ادعاؤه بيمين، مع أنه كان يجب بمقتضى قاعدة الاستصحاب أن يعد الأمين مكلفا ً بإعادة الأمانة ما لم يثبت إعادتها؛ لأن الحال الماضي هو وجود الأمانة عند المودع، ولكن السبب في تصديقه بلا يمينه أن الأمين هنا يدعي براءة الذمة من الضمان، وأما المودع فهو يدعي شغل ذمة الأمين وذلك خلاف الأصل؛ لأن الأصل براءة الذم ة، أما إذا جحد الأمين تسببه في إتلاف الأمانة، وقدم المدعي البينة على إهماله، فلا يصدق الأمين إلا ببينة أو يمين تثبت عليه الدعوى(٢) . وإذا دفع رجل إلى رجل ماله، وجعله » : قال ابن بركة في هذا المعنى أمينا ً « عليه فالقول قوله في ادعائه أنه تلف مع يمينه(٣) . وخالف الثميني ابن بركة وغيره من الإباضية في اشتراط اليمين على الأمين عند ادعائه حدوث ويصدق مستودع » : التلف دون تعد منه، بل يصدق بدونها. يقول في هذا الصدد ومستعير، ومضارب لا بيمين في تلف ما بأيديهم إن كانوا أمناء، وكذا وارثهم إن ادعى تلفه بيد مورثه لا في يده، إن جحد كمستودع ما بيده فبين عليه ثم ُﱠ ﱠ « ادعى تلفه لم يصدق إلا ببيان أو يمين(٤) . (١) الباحسين يعقوب: قاعدة اليقين لا يزول بالشك، نقلا ً عن إمام الحرمين الجويني، الغياثي، ٤٠٥ . الأتاسي محمد خالد: شرح مجلة / ص ٥٠٤ . الفتوحي: شرح الكوكب المنير، ٤ .٢٠٠ ،١٩٩/ العدلية، ص ٢٦ . الفاداني: الفوائد الجنية، ١ (٢) الثميني عبد العزيز: كتاب النيل وشفاء العليل، تحقيق عبد الرحمن ٰ .٨٢٢/ بكلي ٣(٣) .٤٣٢/ ابن بركة: الجامع، ٢(٤) .٨٢٢/ الثميني: كتاب النيل، ٣ ومن وضع عند أحد أمانة ومات ولم يصح له » : ويقول في موضع آخر وارث وعمد المؤتمن إلى ما بيده ففرقه، فقيل يضمنه، ولو فرقه في بلد الميت، ﱠ ويوصي به ويعتقده لمن يصح له، ولا يضمنها إن لم يفرقها فهلكت أو ضاعت «... بلا ضياع منه (١) وفي السياق نفسه ذكر الثميني أنه لو أتلف رجل مال آخر واختلف في مقداره، يكون القول للمتلف والبينة على صاحب المال لإثبات الزيادة؛ لأن المتلف متمسك بالأصل وهو براءة الذمة(٢) . هذا وقد خالف الحنفية رأي الإباضية في تصديق الأمين في دعواه ببراءة ذمته دون يمين، واشترطوا لقبول دعوى الأمين أن يعضدها بيمينه فلا يصدق في دعواه إلا مع يمينه(٣) . ٣ في ا لد ﱠ ين: ذكر القطب أطفي ّش مثالا ً آخر يؤكد فيه أن الأصل عدم الد ﱠ ي ْ ن، جاء في شرح الكفن بعد الدين فيدفن عريانا » : النيل ما نصه ً ليقضي ما في ذمته أو بعضه؛ لأن حق المخلوق شديد... ولاحتمال أن يكون عرفه بلا دين، ولاحتمل أن يكون أمرهم؛ َْ َ لأن الأصل عدم الد ﱠ ين، فجرى على الأصل معتمدا ً « على أنه لو كان لأخبروه(٤) . ٤ في النكاح: ِ إذا تزوج الرجل امرأة على أنها بكر، فإذا هي ثيب، فليس عليه أن يسألها الأصل براءة الذمة » عن ذلك؛ لأن « من التهمة حتى يثبت ذلك بالإقرار، أو بالبينة، أو القرائن، فتشغل الذمة، وعليه فإن سألها عن ذلك فاعترفت بغلبة (١) . الثميني: الورد البسام في رياض الأحكام. ص ٢٩٩(٢) .١١٠٠/ الثميني: كتاب النيل، ٣(٣) الكرخي أبو الحسن: أصول الكرخي، الأصل الثاني عشر، ص ١١٢ . علي حيدر، درر .٢١ - ٢٠/ الحكام، ١(٤) .٤٠٤/ أطفيش: شرح النيل، ١٢ الرجال من قبل التزويج، فله أن يقيم عليها إذا تبين له أنها تزوجت قبل ذلك، ْ وإن لم يتبين له أنها تزوجت قبل ذلك بالغلبة على نفسها بالزنى، فلا يقيم ّ ِ عليها، وقد قيل: إنها حرمت عليه، وإن اعتلت بعل ّ ة أخرى غير الرجال مثل: الغسل أو القروح، فله أن يقيم عليها(١) . ج ما يتعلق بطرق ا لإثبات: البينة على » لو بحثنا في أحكام القضاء الإسلامي نجد الأصل المشهور من ادعى واليمين على من أنكر « (٢) هو الأساس المعتمد في طرق الإثبات، وإنما كانت البينة على المدعي؛ لأن الأصل المتيقن هو العدم أو براءة الذمة، فلا يزول هذا اليقين إلا بيقين مثله، وهو البينة هنا، وإذا لم تقم البينة، اكتفى بيمين؛ لأن الأصل يشهد له، وقد تأيد هذا بعد مجيء الشرع بقوله صلى الله عليه وسلم : البينة » « على المدعي واليمين على من أ نكر(٣) . ويلحق بذلك القرائن الصالحة لرفع يقين البراءة، وشغل الذمة بما تدل عليه من الحقوق. وقد أشار الراشدي في ِ إلى الوسائل التي يمكن اعتمادها في الإثبات، لرفع يقين البراءة « جواهره »وهناك فروع يقبل في بعضها شهادة رجل وامرأتين، » : وشغل الذمة، فيقول (١) الجناوني أبو زكرياء يحيى بن الخير: كتاب النكاح، ص ١٧٣ - .١٧٤ (٢) الثميني: كتاب النيل. (٣) قال النووي في أربعينه: حديث حسن رواه البيهقي، وغيره، وقد ورد بصيغ مختلفة، وقد رواه ابن ٍُ ماجه عن ابن عباس بلفظ لو ي عطى الناس بدعواهم لادعى أ ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن » ُ ٌَ « البينة على من المدعي واليمين على المدعى عليه ، وهو عند الشيخين أيضا ً ، والراجح أنه مرفوع لشهادة البخاري ومسلم وغيرهما خلافا ً لمن ادعى الوقف، أو قال: إن لفظ البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه مدرج في الحديث. ينظر: ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي (ت: ٨٥٢ ه) تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، دار المعرفة ٢٠٨ . وينظر: العجلوني: إسماعيل بن / بيروت، ١٣٨٤ ه/ ١٩٦٤ م، تعليق عبد الله هاشم مدني، ٤ محمد الجراحي (ت: ١١٦٢ ه) كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة ٣٤٢/ ١٤٠٢ ه/ ١٩٨٣ م، ١ ، الناس، تعليق أحمد القلاش نشر مؤسسة الرسالة، ط ٣ - .٣٤٣ وذلك في الأموال، وفي بعضها شهادة رجلين وهي الحدود، خلا الزنى؛ فأربعة ممن ترضون من الشهداء. وقد تقوم هناك قرائن ت ُقوي جانب المدعي ّ فتكفي في الرضاع امرأة، ويحكم بالنكول(١) « إلى غير ذلك(٢) . ويضيف الراشدي مفصلا ً والمقصود أن الحاكم » : ما أجمله فيقول يحكم بالحجة التي ترجح الحق ما لم يعارضها مثلها، ولذا حكموا بالأمارة في البغي، وأجازوا بها سفك الدماء، ومشاطرة عمر 3 عماله أموالهم، ورجم المرأة بالحبل من غير ز َ وج(٣) ، وجلدهم على الخمر بالرائحة(٤) . ْ وقول عثمان 3 ما تقي » ّ « أها أي: الخمر إلا بعد أن شربها(٥) ، حكم « بالقرائن والأمارات المعارضة للأصل براءة الذمة(٦) . ﻝﻮـﻜﻨﻟﺍ ﻮـﻫ ﻉﺎـﻨﺘﻣﻻﺍ ﻙﺮﺗﻭ ﻡﺍﺪﻗﻹﺍ ﻰﻠﻋ ،ﺮـﻣﻷﺍ ﻪﻨﻣﻭ :ﻢﻬﻟﻮﻗ ﻞﻜﻧ ﻦﻋ ﻦـﻴﻤﻴﻟﺍ :ﻱﺃ ﻊﻨﺘﻣﺍ ﻦﻋ ﻡﺍﺪﻗﻹﺍ .ﺎﻬﻴﻠﻋ :ﺮﻈﻨﻳ :ﻲﻣﻮﻴﻔﻟﺍ ﺡﺎﺒﺼﻤﻟﺍ ،ﺮﻴﻨﻤﻟﺍﺹ ،٣٢١ .ﻑﺮﺼﺘﺑ (١) ﻱﺪﺷﺍﺮﻟﺍ :ﻥﺎﻴﻔﺳ ﺮﻫﺍﻮﺟ :ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍ ٨١- .٨٤ ﻩﺍﻭﺭ ،ﻱﺭﺎـﺨﺒﻟﺍ ﺏﺎـﺘﻛ ،ﺩﻭﺪﺤﻟﺍ ﺏﺎـﺑ ﻢﺟﺭ ﻰﻠﺒﺤﻟﺍ ﻲﻓ ،ﻰﻧﺰﻟﺍ ﻢﻗﺭ ،(٦٨٣٠) ،ﻢﻠـﺴﻣﻭ ﺏﺎﺘﻛ ،ﺩﻭﺪﺤﻟﺍ ﺏﺎﺑ ﻢﺟﺭ ﺐﻴﺜﻟﺍ ﻲﻓ ،ﻰﻧﺰﻟﺍ ﻢﻗﺭ ،(١٥) ﻦﻋ ﻦﺑﺍ.ﺱﺎﺒﻋ ﻩﺮـﻛﺫ ،ﻱﺭﺎـﺨﺒﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻞﺋﺎﻀﻓ ،ﻥﺁﺮـﻘﻟﺍ ﺏﺎﺑ ﺓﺀﺍﺮﻘﻟﺍ ﻲﻓ ﺏﺎﺤﺻﺃ ﻲﺒﻨﻟﺍﷺ ، ﻢـﻗﺭ (٥٠٠) ﻦﻋ ﺔﻤﻘﻠﻋ :ﻝﺎﻗ ﺎﻨﻛ) ،ﺺﻤﺤﺑ ﺃﺮﻘﻓ ﻦﺑﺍ ﺩﻮﻌـﺴﻣ ﺓﺭﻮـﺳ ﻒـﺳﻮﻳ ﻝﺎﻘﻓ :ﻞﺟﺭﺎﻣ ﺍﺬﻜﻫ ﺖﻟﺰﻧﺃ :ﻝﺎﻗ ﺕﺃﺮﻗ ﻰﻠﻋ ﻝﻮﺳﺭﷲﺍ ﷺ :ﻝﺎﻘﻓ«ﺖﻨﺴﺣﺃ» ، ﺪﺟﻭﻭ ﻪﻨﻣ ﺢﻳﺭ ﺮﻤﺨﻟﺍ :ﻝﺎﻘﻓ ﻊﻤﺠﺗﺃ ﻥﺃ ﺏﺬﻜﺗ ﺏﺎﺘﻜﺑ ﷲﺍ ﺏﺮﺸﺗﻭ؟ﺮﻤﺨﻟﺍ ﻪﺑﺮﻀﻓ.ﺪﺤﻟﺍ (٢)(٣)(٤) ﺔﻟﻮﻘﻤﻟﺍﺮﻤﻌﻟ ﻦﺑ ،ﺏﺎﻄﺨﻟﺍ ﻩﺮﻛﺫ ﻦﺑﺍ ﺔﺒﻴﺷ ﻲﻓ ﺦﻳﺭﺎﺗ ،ﺔﻨﻳﺪﻤﻟﺍ ﺔﻣﺎﻗﺇ ﺮﻤﻋ3 ﺩﻭﺪﺤﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﺐﻳﺮﻘﻟﺍ ،ﺪـﻴﻌﺒﻟﺍﻭ ﻢـﻗﺭ١٣٣٧ ﻦـﻋﺮﻤﻋ ﻦﺑ ﺏﺎﻄﺨﻟﺍ3 ﻆﻔﻠﺑ ﻦﻋ» ،ﻲﺒﻌـﺸﻟﺍ :ﻩﺮـﻴﻏﻭ ﻥﺃ ﺩﻭﺭﺎﺠﻟﺍ ﺏﺮﺿ (٥) ﺔﻣﺍﺪﻗ ﻦـﺑ ﻥﻮـﻌﻈﻣ ﻲﺤﻤﺠﻟﺍ ﻦﻳﺮﺤﺒﻟﺎﺑ ﻲﻓ ﺮﻤﺨﻟﺍ ،ﺪﺤﻟﺍ ﻮﻫﻭ ،ﻢﻫﺮﻴﻣﺃ ﻎﻠﺒﻓ ﻚﻟﺫ ﺮﻤﻋ3 ﻞـﺳﺭﺄﻓ ،ﻢـﻬﻴﻟﺇ ،ﺍﻮـﻣﺎﻘﻓ ﻝﺎﻘﻓ :ﺩﻭﺭﺎﺠﻠﻟ ،ﻪﻴﻫ ﺕﺃﺮﺘﺟﺍ ﻰﻠﻋ ﻱﺮﻬﺻ ﻝﺎﺧﻭ ؟ﻱﺪﻟﻭ ﻝﺎﻘﻓ :ﺩﻭﺭﺎﺠﻟﺍﻻ ﺉﺮﺘﺟﺃ ﻰـﻠﻋ ﻲـﺷﺮﻗ ،ﻙﺪﻌﺑ ﻝﺎﻘﻓ ﺮـﻤﻋ3 : ﻦﻌﺟﻭﻷ ﻚﻨﺘﺧ ـ :ﻲﻨﻌﻳ ﺎﺑﺃ ﺓﺮﻳﺮﻫ ،ـ ﻝﺎﻘﻓ :ﺩﻭﺭﺎﺠﻟﺍ ﺏﺮـﺸﻳﺃ ﻚﻨﺘﺧ ﺏﺮﻀﻳﻭ ؟ﻲﻨﺘﺧ ﻝﺎﻘﻓ ﺮﻤﻋ3 : ﺎﻣ ﻙﺍﺫ ،ﻝﺪﻌﻟﺎﺑ ﻢﺛ :ﻝﺎﻗ ﺕﺎﻫ ،ﻚﺘﻨﻴﺑ ﺀﺎﺠﻓ ﻲﺑﺄﺑ ﺓﺮﻳﺮﻫ3 ،ﺪﻬـﺸﻓ ﺀﺎﺟﻭ ﺔﻤﻘﻠﻌﺑ ﻲﺼﺨﻟﺍ ﺪﻬـﺸﻓ ﻪﻧﺃ ﻩﺁﺭ ،ﺎﻫﺀﺎﻗ ﻝﺎﻘﻓ ﺮﻤﻋ3 : ﺎﻣ» ﺎﻫﺀﺎﻗ ﻰﺘﺣ ،«ﺎﻬﺑﺮـﺷ ﺮﺧﺄﻓ ً ، ﺮـﻤﻋ3 ﺔـﻣﺍﺪﻗ ﺾﻌﺑ ﺮﻴﺧﺄﺘﻟﺍ ﻊﺟﻮﻟ ﻥﺎﻛ ،ﻪـﺑ ﻢﺛ ﻩﺎﻋﺩ ﻪﺑﺮﻀﻓ ،ﺪﺤﻟﺍ :ﻝﺎـﻗﻭ ﷲﺍﻭﻻ ﻚﻤﻠﻛﺃ ﺍﺪﺑﺃ ،ﻩﺮﻴﻏ ﺎﻤﻓ ﻙﺭﻮﺑ ﻲﻟ.«ﻪﻴﻓ ًﻼﺟﺭ ُ ﻯﺃﺮﻓ ﺎﻳﺅﺭ ﻩﺎﺗﺄﻓ ،ﻪﻤﻠﻜﻓ :ﻝﺎﻗﻭ ﺎﻣ» ﺖﻴﺑﺎﺣ ﺬﻣ ﺖﻴﻟﻭ :ﻱﺪﺷﺍﺮﻟﺍ ﻊﺟﺮﻤﻟﺍ ،ﻖﺑﺎﺴﻟﺍ.٨١ - ٨٠ ﺹ (٦) عن أحمد بن سعيد الشماخي في بيان الفرق بين « النيل » نقل الثميني في الشهادة والرواية، وبين أن الشهادة تختص بمعين، والرواية غير مختصة، بل ﱠ ُّ هي عامة وإن اشتركتا كونها خبرين، ومث ﱠ ل للرواية بأمور من ذلك: الإخبار عن نجاسة الشيء وطهارته، والأذان، ورؤية هلال رمضان، وكذا ولاية المجهول أو براءته، وتزكية الأشخاص، وما أشبهها، وعللها بأنها إخبار عن السبب الموجب للحكم، وهذه أمور لا يشترط فيها العدد، وإن أشبهت الشهادة لكونها في الأمور الجزئية، ثم ضرب مثالا ً لأمر يثبت بالشهادة ولا يثبت بالرواية، وهو رؤية هلال شوال للخروج من واجب الصوم، وعلل ذلك بأنها براءة الذمة. وعل ﱠ ق الشارح أمحمد أطفيش على كلام الثميني بعد ما ذكر قول أحمد بن سعيد الشماخي في بيان الفرق بين الشهادة والرواية: أن ّ الشهادة تختص بمعين، والرواية غير مختصة بل عامة وإن اشتركتا في كونهما خبرين لغوين، ومعنى الرواية: النقل إلى الغير ولو يفعل الناقل، كأن يغسل ويقول غسلت، ومن الرواية: الإخبار عن نجاسة الشيء وطهارته، ووقت الأذان، أو وقوع الأذان، ورؤية هلال رمضان أو ذي الحجة أو غيرهما، وما لا يرجع إلى النزاع بالذات، وليس ببراءة الذمة بالذات؛ لأنها إخبار عن السبب الموجب للحكم، وهذا على العموم، فإن ذلك المذكور من نجاسة هذا الثوب وطهارته، والأذان، وهلال رمضان، يعمل به كل من سمع به، ويجري عليه ما يجري من الأحكام المختلفة، فكل من صل ّ ى بذلك الثوب مثلا صدق عليه أنه صل ّ ى بطاهر، وكذا ولاية المجهول أو براءته... وكذا وإن أشبهت هذه الروايات » ، ما أشبهها، أي: التزكية مما لا يشترط فيه العدد ِ الشهادة؛ لكونها في الأمور الجزئية المعينة كل على حدة؛ لأن المراد طهارة ُ َﱠ هذا الثوب مثلا ً ، ورمضان هذه السنة، أو أذان ظهر هذا اليوم مثلا ً ، وأصل الرواية أن تكون في العموم مثل قوله: يط ْ هر النجس بالماء، وصوموا لرؤيته، َ وأكملوا العدة ثلاثين يوما، والأذان لدلوك الشمس، وأما رؤية هلال شوال فمن الشهادة؛ لأن مقتضاها براءة الذمة من الصوم، ولولا الشرع لم يجز الإفطار بالعد ْ لين أيضا ً ، بل بالإكمال أو التواتر أو مشاهدة الهلال؛ لأن الشهادة لا تفيد اليقين، والقاعدة أن ّ ،« ما ثبت باليقين لا يزول إلا باليقي ن » « ولكن الشرع جعلها تفيد العمل(١) . مجمل ا لقول: وهكذا استطاع الثميني والقطب أطفيش أن يميزا بين الرواية والشهادة، ّ ُ ًُّ فالأولى عامة لا يشترط فيها العدد، أما الثانية خاصة يشترط فيها ذلك، وكلا منهما يعتبران خبرين في اللغة، يمكن الاعتماد عليهما في إزالة حكم شرعي ثبت بيقين، أو براءة الذمة، إلا أن شهادة عد ْ لين لا تصل مرتبة التواتر في تغيير حكم ثبت بيقين، ولكن الشارع جوز ذلك، واعتمده العلماء في كثير من الأمور ﱠ الجزئية لإثبات حكم أو نفيه، كما في رؤية شهر شوال، فإن الخبر الذي يثبت ذلك يكون من عد ْ لين أو بالتواتر، أو بإكمال عدة شعبان، حتى يقبل بإزالة الصوم وإثبات حكم الإفطار، وهذا كله اعتمادا ً على قاعدتين مشهورتين، أن الأصل براءة الذمة » : أحدها « اليقين لا يزول إلا بيقين مثله » وثانيها: أن .« د ما يتعلق بالأحكام ا لجنائية: تفرعت أصول كثيرة على هذا الأصل منها: ١ الأصل براءة المتهم(٢) . (١) ٢٣٩/ أطفيش أمحمد بن يوسف، شرح كتاب النيل وشفاء العليل لعبد العزيز الثميني، ١٣ - .٢٤٠ (٢) جعفر جواد الفضل: بحث الأصل براءة المتهم في الشريعة الإسلامية، من مجموعة بحوث الندوة العلمية الأولى للمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب في الرياض ١٤٠٢ ه/ ١٩٨٢ م، بعنوان المتهم وحقوقه في الشريعة الإسلامية ينظر أيضا ً : سليم العوا: . بحث الأصل براءة المتهم، في المصدر نفسه، ص ٢٤٣ ٢ المتهم بريء حتى تثبت إدانته(١) . ٣ الشك يفسر لصالح المتهم(٢) . ٤ الأصل أن ّ الحدود تدرأ بالشبهات(٣) . والأصول الثلاثة الأولى لم ترد بنصوصها المذكورة في كتب الفقه الإسلامي، ولكنها من صياغة بعض القوانين الجنائية، أو قوانين الإجراءات الجنائية المعاصرة، وهي نتيجة منطقية لقاعدة أو أصل براءة الذمة(٤) ، أما الأصل الرابع فهو من الأصول الثابتة عند الفقها ء، وهو مستند إلى أن الأصل العد م، أو براءة الذمة(٥) ، لكنه تأيد بعد مجيء الشرع بما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من ّ قوله: « ادرؤوا الحدود ب الشبهات »(٦) . k É°ùeÉN :IóYÉ≤dG øe ≈æãà°ùj Ée : ١ حكم الاختلاف في الوطء بعد الدخول، أو الخلوة الصحيحة بعد ا لطلاق: إذا اختلف الزوجان في الوطء وقد صح الدخول بينهما، أو أغلق عليهما الباب، ثم وقع الطلاق، فمن منهما ي ُصد ّ ق في قوله عند الخلاف؟ يرى (١) . سليم محمد العوا: أصول النظام الجنائي الإسلامي، ص ٩٤(٢) المصدر نفسه. (٣) بكلي عبد الرحمن: جدول المسائل المعتبرة كقواعد أو ضوابط فقهية، ملحق على كتاب ٰ ١٣٧ . السيوطي: / ١١٠١ . ابن عبد السلام: قواعد الأحكام، ٢ / النيل لعبد العزيز الثميني ٣ الأشباه والنظائر، ص ١٣٦ وما بعدها. (٤) ينظر: نصوص بعض الدساتير والهوامش في كتاب (أصول النظام الجنائي الإسلامي) سليم العوا، ص ٩١ وما بعدها. (٥) .١٠٣ ، الباحسين يعقوب: قاعدة اليقين لا يزول بالشك، ص ١٠٢(٦) رواه ابن ماجه، كتاب الحدود، باب الستر على المؤمن ودفع الحدود بالشبهات، رواه الترمذي وذكر أنه قد روى موقوفا » : رقم ٢٥٤١ ، عن أبي هريرة. قال الشوكاني ً وأن الوقف أصح قال: وقد روى عن غير واحد من الصحابة @ نيل .« أنهم قالوا مثل ذلك .١٥٦/ الأوطار، ٧ الإباضية أن القول قول المرأة أنه وطئها، ولها جميع الصداق، وعليها العدة، وإن اتفقا على أنه لم يكن بينها وطء، فلها نصف الصداق وعليها العدة، ولا يصدقان في حق الله عليهما، فهو ما تعبدها به من العدة(١) . وقد أكد الجناوني هذا الحكم وعل ّ لأنه قيل تؤمن في الذي لها » : له بقوله َ ولا تؤمن في الذي عليها، وإن لم يطأها فلا عدة بينها وبين الله، وتلزمها في َ الحكم، ولا يلزمه في الولد إن لم يمس فيما بينه وبين الله، ويلزمه في « الحكم(٢) . وقد حكى ابن بركة إجماع الإباضية على هذا الحكم في معرض حديثه عن وجوب العدة أو الخلوة، فقال: ويدل على صحة هذه المقالة ما أجمع ِ عليه من أن المرأة إذا خلا بها زوجها ثم فارقها، فاتفقا على أنه لم يطأها، أنهما مصد ﱠ قان في ذلك، ولها نصف الصداق، وهو قول ابن مسعو د، ُ ولا يصدقان في العدة التي أوجبها الدخول؛ لأن العدة عندهم حق الله 8 ، َُ وخالف ابن بركة رأي جمهور الإباضية، واعترض عليهم بأن ادعاءهما عدم الوطء بعد الدخول لا يقبل في الحكم؛ لأن الظاهر يؤكد ذلك، فالدخول والخلوة من الأسباب المبيحة للوطء ومقدماته. وبناء عليه، يلزمها العدة، ويجب عليه الصداق؛ لأننا متعبدون بالحكم الظاهر وغير مسؤولين عن حكم الباطن، ولو كان ما صرح به الزوجان هو الحق والصواب. والذي عندي أنه لا يقبل منها في الحكم، » : يقول ابن بركة في هذا المعنى فأما ما بينهما وبين الله، فإذا كانت صادقة في خبرها لم تلزمها عدة؛ لأن الله « تعالى لم يوجب العدة إلا على المواطأة بعد الطلاق(٣) . وخالف الحنفية رأي الإباضية وقالوا: لو اتفقنا على أنه لم يكن وطئها وقد خلا بها، أن ّ عليه جميع (١) .١٩٢/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) . الجناوني: كتاب النكاح، ص ١٦٩(٣) .١٩٣ ،١٩٢/ ابن بركة: الجامع، ٢ الصداق ولا عدة عليها؛ لأنهم يوجبون الصداق بتسليمها نفسها، وبخلوة الزوج بها في مكان يمكنه أن يصير إلى حقه منها(١) . ويقرر ابن بركة في هذه الحالة أن القول قول المرأة في الوطء وهو رأي الإباضية كما أشرنا ، فإذا اعترفت المرأة بالوطء بعد الدخول، أو صد ّ قت زوجها في عدم الوطء فالحكم واحد، بينما نجد الإباضية خالفوا هذا الأصل وغل ّ بوا قول َ المرأة في هذه الحالة، فإذا أقرت بالوطء أو أنكرته وصدقت قول ّ زوجها، فالمعتمد هو قولها وليس قول الزوج. وبينما نجد الحنفية حسب ما ألمح إليه ابن بركة يوافقون الإباضية فيما ذهبوا من تصديق المرأة في الوطء إلا أنهم يختلفون معهم في وجوب العدة عليها، وعليه فلو اتفق الزوجان بإنكار الوطء، فإنه يجب على الزوج نصف الصداق، وتسقط العدة على المرأة. واستدرك ابن بركة عليهم: بأن هذا الحكم خلافا ً للأصل المعتمد عندهم ، بمعنى أن الأصل قول الزوج بعدم الوطء؛ لأن الأصل « براءة الذمة » وهو والحجة توجب على أصحابنا » : عدم وقوع الوطء من الزوج، فيقول بما نصه (الإباضية ( بما أصلوه لأنفسهم أن يكون القول قول الرجل في الوطء...؛ لأن ِ الأصل أنه غير واطئ، ألا ترى أنه بالوطء يكون محصنا ً يلزمه الرجم؟ وبالتزويج والدخول لا يكون محصنا ً حتى يعترف بالوطء أو يولد له ولد على فراشه وهذا شرطهم في الإحصان... ويدل على ذلك قولهم: أنها لو اعترفت له بقوله وصدقته أنه لم يكن وطئ وقد دخل بها، أن ّ القول في ذلك قوله، ولما كان الدخول ليس هو الموجب للصداق حتى يكون يجامعه الوطء، دل ﱠ « على أن القول قول الزوج(٢) . (١) ابن بركة: المصدر نفسه. ينظر: الكاساني علاء الدين أبي بكر بن مسعود الحنفي (ت: ٥٨٧ ه)، ،٤٥٧/ تحقيق محمد طعمة خير حلبي، ط ١، دار المعرفة، بيروت، ١٤٢٠ ه/ ٢٠٠٠ م، ٢ .٢٩٩/٣ (٢) .١٩٣/ المصدر نفسه، ٢ الرأي ا لمختار: ولعل ما ذهب إليه ابن بركة هو الرأي الأعدل والأقرب للصواب؛ إعمالا ً وهذا الأصل يعمل به إذا كان لا يتعارض مع حكم ،« براءة للذمة » : لقاعدة الظاه ر، ولكن من جهة أخرى نلحظ في هذه المسألة تعارضا ً بين حكم الأصل وهو براءة الذمة من الوطء وحكم الظاهر وهو شغل الذمة بالوطء والقرائن كلها تؤكد حكم الظاهر، وهي الدخول وتمكين المرأة نفسها للزوج بالخلوة معه دون مانع، فلذلك يترجح معنا حكم الظاهر؛ لأنه سبب قوي اعتبره الشارع مناطا ً مناسبا ً لثبوت حكم جديد، والله أعلم. ٢ النكول عن ا ليمين: براءة الذمة » : ومن مستثنيات قاعدة « ما ذكره بعض الإباضية أنه لو توجهت اليمين على المدعى عليه فنكل فلا يقضى بمجرد نكوله، ولا يثبت للمدعي حق ّا ً بمجرد نكول المدعى عليه؛ لأن الأصل براءة الذمة بل ت ُعرض على َ المدعي، ولكن جمهور الإباضية لم يعملوا بهذا الأصل في هذه المسألة، وهو قول بعض الحنفية أيضا ً ، وأثبتوا الحق للمدعي بسبب نكول المدعى عليه، ولا تعرض اليمين على المدعي إلا إذا طلبها المدعى عليه وهذا باتفاق، ووافقهم على ذلك المالكية . وذكر خلاف العلماء فيها، وأومأ ،« جامعه » نقل ابن بركة هذه المسألة في ِ إلى أن ّ من سلطة الحاكم أن يجبر المدعى عليه حتى يحلف أو يعترف وإلا اختلف أصحابنا » : عوقب بالحبس؛ لأن طاعة الحاكم واجبة، وهذا نص عبارته فيمن نكل عن اليمين عند الحاكم، فقال أكثرهم: إذا نكل عن اليمين لزمه الحق، وبهذا يقول أبي حنيفة أيضا ً ، وقال بعضهم وهو الشاذ فيهم، أن الحاكم يأخذه حتى يحلف أو يعترف، وهذا الذي يوجبه النظر؛ لأن طاعة الحاكم واجبة عليه، فإذا امتنع من طاعة الحاكم لزمه الحبس وهو عاص في فعله، وعلى المسلمين أن يعينوا الحاكم عليه، وليس للحاكم أن يعذره من أن تكون الدعوى التي ادعيت عليه صحيحة أو أن يدرأها عن نفسه بيمين، ويدل على هذا قول الله تعالى: ﴿ <; => ﴾ )البقرة : (٢٨٢ . فللحاكم أن يأخذه بالذي عليه وهو أحد شيئين: إما الدعوى وإما اليمين، ولم يصح «... للمدعى حق بعد فيلزمه إياه(١) . واتفق أصحابنا على القول برد اليمين إذا طلب » : ويضيف في السياق نفسه ذلك المدعى عليه، ووافقهم على ذلك مالك بن أن س، وأما الشافع ي، وأبو حنيف ة، فلم يريا رد ّ اليمين على المدعي إذا طلب المدعى عليه ذلك، إلا أن الشافعي أوجب اليمين على المدعي إذا شهد له شاهد على دعواه، وإن لم يرد «... المدعى عليه ذلك، فجعل يمين المدعي مع شهادة شاهد(٢) وقد رد ّ ابن بركة على من اعترض على الإباضية في جواز رد ّ المدعى عليه اليمين على المدعي، واحتج بالنصوص الثابتة في السن ﱠ ة النبوية منها: حديث ﱡ «... البينة على المدعي واليمين على من أنكر »(٣) . (١) ٤٥١/ ابن بركة: الجامع ٢ - .٤٥٢ (٢) ابن بركة: المصدر نفسه. (٣) تقدم تخريجه. اليقين لا يزول بالشك » ومما يتفرع عن القاعدة الكبرى « الأصل » : قاعدة وسوف ندرس فيها الأمور التالية: ،« في الأمور العارضة العد م الصيغة التي وردت بها والتعبير المختار لها. معنى القاعدة. تطبيقات القاعدة. ما يستثنى منها. k :É¡d QÉàîªdG ô«Ñ©àdGh É¡H äOQh »àdG ᨫ°üdG :’hCG مما يجب ملاحظته أن هذه القاعدة وردت في كتب الإباضية وغيرها بصيغة: الأصل العدم « جواهر القواعد » بصيغ مختلفة، فقد جاءت في(١) ، وكذلك عند السالم ي، فقد أشار إليها في سياق حديثه عن الأحكام العقلية وقيل: إن نفى » : والأحكام الشرعية، وبين أن الأصل انتفاء الحكم فقال ّ حكما ً عقليا ً أقام الدليل على دعواه، إلا إذا كان حكما ً شرعيا ً ، فالدليل ّّ على المثبت لا النافي؛ لأن الأصل في الأحكام الشرعية انتفاؤها، فلم يحتج النافي لها إلى دليل بخلاف العقليات، ورد ّ بأن كون الأصل العد م، ُ دليل على النفي مطلقا ً «... فلا وجه للفرق(٢) ووردت في مصادر غير (١) . الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ٨٨(٢) .١٨٢/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ والأصل » ،« الأصل في الصفات العارضة العد م » : الإباضية تحت عنوان وليس العدم مطلقا ،« العد م ً وإنما هو في الصفات العارضة(١) . ولكن الفقهاء كثيرا ً ما يعبرون في تعليلاتهم بلفظ (الأمور) بدلا ً من ﱢ (الصفات)، وهذا هو المراد بالقاعدة، فإن القاعدة لا يقتصر شمولها على الصفات كالجنون والمرض مثلا ً ، بل تشمل الأمور المستقلة مثل: العقود والإتلافات، كما يتضح من الأمثلة الآتية، لذا فإن التعبير المختار لهذه القاعدة الأصل في الأمور العارضة العدم » : أن يقال « (٢) . k :IóYÉ≤dG ≈æ©e :É«fÉK العارضة: مؤنث العارض، اسم فاعل جمعه عوارض، والعارض من « الطارئ خلاف الأصلي » ، الأشياء(٣) . والمراد بالأمور العارضة: ما كان عدمه هو الحالة الأصلية أو الغالبة، فيكون العدم هو المتيقن؛ لأنه الحالة الطبيعية، ويكون تغيره إلى الوجود عارضا ً مشكوكا ً فلو ادعى شخص على آخر أنه عقد معه عقدا » ، فيه ً أو أتلف له مالا ً أو ارتكب جريمة، وأنكر الآخر، فالقول للمنكر حتى يثبت المدعي هذه الفعال؛ لأنها أمور عارضة، وأن الحالة الأصلية المتيقنة ق َبلا ً ْ « هي عدمها(٤) . (١) السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٥٧ . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٦٢ . الخادمي: قواعد الخادمي، ص ٣١٢ . مجلة الأحكام العدلية مادة ( ٩) الأتاسي: شرح المجلة العدلية، . ص ٢٧ . البورنو: الوجيز، ص ١٨٤ (٢) .٩٧٠/٢ ، الزرقا: المدخل، فقرة ٥٧٧(٣) الفيومي: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير مادة (عرض). (٤) ٩٦٩ . السدلان صالح: القواعد /٢ ، الزرقا مصطفى أحمد: المدخل الفقهي العام، فقرة ٥٧٧ . الفقهية الكبرى، ص ١٤١ والعدم: بفتح العين والدال: ضد الوجود(١) ، والأشياء لها صفات، وهذه الصفات نوعان: النوع ا لأول : صفات أصلية، وهي ما كان الأصل وجودها في الموصوف ابتداء مثل: كون المبيع صحيحا ً سليما ً من العيوب، وكون رأس مال المضاربة ْ خاليا ً من الربح أو الخسارة. النوع الثاني: صفات عارضة، وهي صفات الأصل عدم وجودها في الموصوف، ولم يتصف بها ابتداء، كالعيب في المبيع؛ لأن الأصل سلامته، والربح أو الخسارة في المضاربة، والصحة في العقود بعد انعقادها، وبكارة الجارية، فعلى هذا فالذي يد ّ عي الصفات الأصلية فالقول قوله، وأما الذي َ يدعي العدم فيجب عليه الإثبات، فلو اشترى شخص من آخر فرسا ً أو سيارة وتسلمه ُ ، ثم ادعى أن ّ فيه عيبا ً قديما ً ، وادعى البائع سلامته من العيوب، فالقول للبائع مع اليمين، والذي يد ّ عي الصفة العارضة مد ّ ع خلاف الأصل، ومن َ ادعى خلاف الأصل فعليه البينة(٢) . ولو اختلف العاقدان في سلامة المبيع من العيوب وعدم سلامته، أو في صحة البيع مثلا ً وفساده، فالقول لمن يتمسك بسلامة المبيع وصحة العقد؛ لأنه يشهد له الأصل، بخلاف ما لو اختلف المتعاقدان في صحة البيع وبطلانه، فإن القول قول من يتمسك بالبطلان؛ لأن الباطل غير منعقد فهو ينكر وجود العقد والأصل عدمه(٣) . (١) الفيومي: المرجع السابق، مادة (عدم). (٢) سليم رستم باز: شرح مجلة الأحكام العدلية، ص ٢٣ ، ط دار إحياء التراث العربي لبنان، الطبعة الثالثة (د. ت). (٣) أحمد محمد الزرقا: شرح القواعد الفقهية، ص ١١٧ - ١١٨ ، تعليق وتصحيح ابنه مصطفى أحمد الزرقا، ط ٢، دار القلم، دمشق، ١٤١٤ ه/ ١٩٩٣ م. ويلحق بالصفات الأصلية الصفات العارضة التي ثبت وجودها في وقت ما، فإن الأصل فيها حينئذ البقاء بعد ثبوت وجودها (١) . ومن هنا يظهر أن هذه القاعدة متعلقة بالصفات العارضة؛ لأن عدمها هو الأصل بخلاف الأصلية، فإن وجودها هو الأصل، فإذا اختلف شخصان في ثبوت الصفة العارضة فإنه يرجح قول نافيها (٢) . k :IóYÉ≤dG äÉ≤«Ñ£J :ÉãdÉK ١ في خيار ا لبيع: لو باع رجل سلعة إلى آخر وطلب هذا الأخير الخيار لمدة معلومة، وحصل الخلاف بينهما بسبب ظهور عيب في تلك السلعة، وأراد المشتري فسخ البيع وأنكر البائع ذلك؛ لأن المشتري قد تجاوز مدة الخيار ولم يتقدم للفسخ، أو تصرف بالسلعة أثناء مدة الخيار ببيع أو هبة أو صداق أو إجارة بما يدل على رضاه بها، فهل يحق له ذلك؟ فهنا القول قول المنكر وهو البائع، ويلزم البيع على المشتري؛ لأن التأخر عن الرد أو التصرف في السلعة دليل على الرضى عملا ً بالقاعدة: والأصل في البيع اللزوم، والخيار ،« الأصل في الأمور العارضة العد م »شرط زائد علي ه، وفي هذا المعنى يقول الشماخي : وإن أحدث فيه صاحب » الخيار حدث من بيع أو هبة أو صداق أو إجارة، أو ما أشبه ذلك من الوجوه التي توجب إخراج الملك فهو له لازم؛ لأن هذا كله دليل على رضا المشتري بالبيع إن كان اشترط الخيار، ودليل على إنكار البائع، إن (١) . المرجع نفسه، ص ١١٧(٢) الراشدي سفيان: جواهر القواعد. هامش تحقيق حفيد المؤلف: محمد بن يحيى بن سفيان . الراشدي، ص ٨٨ كان هو مشترط الخيار، ومنهم من يقول: إنما ينظر في هذا إلى تمام المدة، وكذلك أيضا ً انتفاع المشتري بذلك يدل على رضاه به، ويلزمه به البيع مثل الخدمة والسكنى واللباس وأكل الغلة، والمسيس في النكاح إن كان الشيء أمة، ومنهم من يقول: لا يلزمه البيع بالانتفاع به، فإن رده رد كراء « ما استنفع(١) . ٢ في ا لمضاربة: إذا اختلف شريكا المضاربة في حصول الربح وعدمه، فقال رب المال: ربحت ألفا ً وقال المضارب: ما حصل ربح، فالقول للمضارب مع يمينه لتمسكه بالأصل وهو عدم الصفة العارضة وهي الربح، والبينة على رب المال ّ لإثبات الربح؛ لأنه يدعي خلاف الأصل فيحتاج للإثبات(٢) . إذا » : ويوضح ابن بركة كيفية حل هذه المسألة بين الطرفين فيقول اختلف المضارب ورب المال في الربح كان للمضارب مثل ما يأخذ مثله في مثل تلك التجارة في ذلك البلد والموضع الذي يتجر فيه، قال بعض أصحابنا (الإباضية :( له أجر مثله بقدر عنائه في ذلك المال وذلك البلد، فإن اختلفا في الربح وكان بينهما شرط واتفقا عليه واختلفا في مقداره، وقال بعض أصحابنا وأظنه محمد بن محبوب : إن على رب المال اليمين بما يدعيه المضارب من الزيادة على ما يقر له به، وعلى المضارب البينة بالزيادة، والشرط الذي ادعاه، وقال موسى بن علي : إذا اختلفا في المقدار وكل بينهما شرط اختلفا فيه، فإني أردهما إلى أجرة مثله بعد .« أن يتحالفا وذهب ابن بركة إلى أن ّ المضاربة تفسد بالشرط إذا كان غير معلوما ً ، (١) .١٧٨ - ١٧٧/ الشماخي: الإيضاح، ٦(٢) الراشدي: المرجع نفسه. والنظر يوجب عندي في ذلك؛ لأن ما شرطه المضارب لا يكون إلا » : وقال في الزرع والربح، ولا يعلم أنه يربح ولا يخسر؛ لأن الأخذ من الأصل « يوجب الضمان(١) . ٣ في ا لإجارة: لو أجر رجل صانعا ً ليصنع له شيئا ً معينا ً ودفع إليه ذلك الشيء، كالخشب ّ للنجار، والقماش للخياط، والإسمنت للبناء، والذهب للصائغ، ثم أحدث الصانع عيبا ً فيما دفع إليه، فالقول لصاحب السلعة مع يمينه، وعلى الصانع إثبات عكس ذلك بالبينة، وإلا يضمن ذلك ويغرمه، وقد اتفق الفقهاء على تضمين الصناع عند التعدي. وإذا اختلف صاحب السلعة والعامل فيها » : يقول ابن بركة في هذا المعنى كان القول قول صاحب السلعة، مثل ذلك: أن يدفع رجل إلى خياط ثوبا ً ليقطعه قميصا ً أو ق ُ باء أو سراويل، أو يدفع إلى صباغ ثوبا ً ثم يختلفان، فالقول قول صاحب السلعة؛ لأنه لا خلاف بين العلماء من أهل الوفاق وأهل الخلاف أن من أحدث حدثا ً في مال لا يملكه، أنه مأخوذ بحدثه وأن ّ الدعوى لا تنفع ه، والخياط مقر لربه، وأنه أحدث فيه حدثا ً ، وادعى إذنه وإجازته عليه، فإن أقام « بينته على دعواه وإلا حلف صاحبه وضمنه ما أحدث في ثوبه(٢) . ولا تقبل ولكن إذا ؛« الأصل براءة الذم ة » دعوى من يرى أنه لا ضمان على الصانع؛ لأن الأصل في » ثبت أن ما أحدثه في السلعة كان بسببه فلا بد من تضمينه؛ لأن أي: وجود هذه العيوب قبل اشتغاله به، وإنما حدثت ،« الصفات العارضة العد م بعد مباشرة العمل فيه. (١) ٣٧٠/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .٣٧١ (٢) ٣٩٤/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .٣٩٥ ٤ في باب الرهن والد ﱠ ين: إذا رهن رجل رهنا فوجد المرتهن به عيبا ً كان له رده على صاحبه، وعلى الراهن تسليم البدل منه ويكون وفاء لحقه؛ لأن الأصل سلامة العين المرهونة من العيوب وما ظهر من العيب صفة عارضة، ولذلك فالقول قول المرتهن ويجب على الراهن تقديم بديل عنها. إذا اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الدين والرهن فلمن يكون الحق؟ بحث ابن بركة هذه المسألة، ونقل فيها اختلاف الفقها ء، ومما جاء في واختلف الناس في الراهن والمرتهن إذا اختلفا في الحق والرهن، » : نصه فقال أهل المدينة (المالكية :( القول قول المرتهن فيما في يده، وفي الحق إلى قيمة الرهن. وقال أهل العراق (الحنفية :( القول في الرهن قول المرتهن، وفي الحق قول الراهن، وإلى هذا يذهب أصحابنا (الإباضية ( والنظر يوجبه؛ لأنه مد ّ ع ومدعى عليه. وحجة أهل المدينة أن الله تعالى جعل الرهن بدلا ً من البينة (الشهود)، وقال: ﴿ A@? ﴾ (الب قرة: ٢٨٢ ( . فلما كانت البينة يحكم بقولها كان الرهن يحكم بقيمته، إذا كان بدلا ً منها ولم يكن الذي عليه «(١) الحق أمينا ً . وقد فصل الشماخي ما أجمله ابن برك ة، ومث ﱠ ل للمسألة بأمثلة توضح وجهة ﱠ وتفصيل ما ذكرنا: القول في الرهن قول المرتهن، أعني » : نظر كل فريق، فقال في تلفه وفي صفته بعد التلف، ثم يحلف على تلك الصفة فيقومها الأمناء، ُﱢ وكذلك قوله في ثمن الرهن إذا باعه بأكثر إن ادعى عليه الراهن أنه باعه بأكثر مما ذكر. وكذلك أيضا ً القول قول المرتهن في الرهن إن اختلف مع الراهن في كم رهن فيه، إن قال الراهن: رهنته عندك في عشرين، وقال المرتهن: لا بل في عشرة، فالقول قوله، وعلى الراهن، وكذلك القول قول المرتهن في جميع (١) .٢٦٥/ ابن بركة: المصدر نفسه، ٢ ما أنفق على الرهن من جميع ما يدركه على الراهن من النفقات كلها، وعليه اليمين في هذا كله... وكذلك أ يضا ً إن اختلفا في جنس ا لرهن ، فالقول قول المرتهن، ومثل ذلك... إذا قال المرتهن للراهن: هذا هو الثور الذي رهنتني أو العبد وما أشبه ذلك، وقال الراهن: لا بل هو غيره، فالقول قول المرتهن مع يمينه، وعلى الراهن البينة بأن رهنه غير هذا... وكذلك إن اختلفا في قلة الرهن وكثرته : وذلك مثل: إن قال المرتهن للراهن: إنك رهنتني ثوبا ً واحدا ً أو عبدا ً واحدا ً ، أو ما أشبه ذلك، فالقول قول المرتهن مع يمينه، وعلى الراهن البينة، وكذلك إن اختلفا في حدوث العيب، مثل: إن قال الراهن للمرتهن: رهنتك إياه صحيحا ً فجنيت عليه هذه الجناية، وقال المرتهن: لا، بل رهنته منقطعا ً أو مكسورا ً على حاله هذا، فالقول قول المرتهن مع يمينه، وعلى الراهن البينة، فإن أتى بالبينة فليغرم المرتهن ما أحدث عنده من العيوب، أو يكون ذلك قضاء من حقه، وكذلك إن ادعى عليه الراهن أنه باعه بيعا ً فاسدا ً ، أو أنه انفسخ من يده، أو ذهب بعضه، فعليه البينة في هذا كله، وعلى المرتهن اليمين كما ذكرنا(١) . وأما اختلافهما في ا لدين : إذا قال المرتهن: عشرون دينارا ً ، وقال الراهن: لا، بل عشرة، فالقول قول الراهن في الحق، وعلى المرتهن البينة فيما يدعيه، وكذلك أيضا ً إن اختلفا في جنس الدين، مثل إن قال المرتهن: رهنتني رهنك في الدنانير، وقال الراهن: لا، بل رهنتك إياه في القمح أو الشعير، أو ما أشبه ذلك مما خالف الدنانير، فالقول قول الراهن وعلى المرتهن البينة كما ذكرنا، إلا إن ادعى إليه الراهن أنه دفع إليه الدين، فعليه البينة بما ادعى، وعلى المرتهن اليمين إن لم تكن له بينة... (١) ٣٠٦/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ٧ - .٣٠٧ وأما إن اختلفا في الأجل، مثل: إن قال الراهن: الدين إلى أجل والرهن ْ إلى أجل، وقال المرتهن: الدين قد ح َ ل ﱠ وبيع الرهن مثله، فعلى الراهن البينة أن الدين والرهن إلى أجل، ويجزيه الخبر في ذلك دون الشهادة، وكذلك أيضا ً إن تصادقا على الأجل واختلفا في مقداره، فالقول قول المرتهن، وعلى الراهن البينة فيما يدعيه من كثرة الأجل ويجزيه الخبر في ذلك، وأما إن تصادقا على الأجل وفي مقداره، فقال المرتهن: قد حل الأجل، وقال الراهن: لم يبلغ َﱠ « أجله، فالقول قول الراهن، وعلى المرتهن البينة، ويجزيه الخبر في ذلك(١) . ومما يلاحظ على ما ذكره الشماخي أنه إذا كانت الدعوى تتعلق بالرهن فإنه يجعل القول للمرتهن، ويشترط معه اليمين، وهذا الأمر لم يصرح به ابن برك ة، ولا أدري هل أغفل ذلك أم تعمده؟ بخلاف الراهن فإنهما لم يشترطا عليه اليمين إذا كان الأمر يتعلق بالد ّ ين، وكان القول قول الراهن. ولذلك فلا يكون القول قول المرتهن (الدائن) إذا تعلق الأمر بالدين؛ لأن الله طلب منه أن يملي قيمة الد ّ ين على المدين، ويكتبها بنفسه حتى تكون حجة عليه عند الاختلاف، فلا يملك القدرة على التغيير ما دام قد أقر على نفسه بتلك القيمة. مجمل ا لقول: بعد النظر في الأقوال المتقدمة يظهر أن ما ذهب إليه الإباضية والحنفية وعليه، ففي ،« الأصل في الأمور العارضة العد م » يتماشى مع القاعدة المقررة الرهن يكون القول قول المرتهن مع يمينه وهو الدائن؛ لأنه بمثابة أمين على الرهن لا يزيد فيه ولا ينقص منه، فهو باق على أصله، وكل زيادة يد ّ عيها الراهن فهي عارضة، فيلزم عليه إثبات ذلك بالبينة، أما ما يتعلق بالدين المعبر عنه بالحق، فالقول فيه للمدين وهو (الراهن) مع يمينه، وهو أمانة في يده (١) ٣٠٧/ الشماخي: المصدر نفسه، ٧ - .٣٠٨ لا يملك حق الانتقاص منه أو الزيادة فيه، وكل زيادة أو نقص يدعيها المرتهن أو الدائن على أصل الدين فهي مردودة؛ لأنها أمر عارض على الد ّ ين. أما أصحاب القول الآخر فقد اعتمدوا في رأيهم على القياس، وقاسوا الرهن بالبينة، فكما أنه يحتكم إلى البينة عند حدوث الخلاف بين الدائن والمدين، فكذلك الرهن قد جعله الله بدلا ً من البينة يحتكم إلى قيمته عند الاختلاف، ولكن بعد التأمل في هذا القول وحجته نجده قد اعتمد على القياس مع الفارق، فليس من الضروري أن يكون قيمة الرهن تساوي قيمة الدين، فقد تزيد عليه أو تنقص عنه؛ لأن القصد من الرهن لما جعله الله في يد المرتهن توثقة لدينه وحقه فقط، فإن عجز المدين عن الوفاء بالدين فللدائن حق استيفائه من الرهن بقيمة الدين، ويعود بالباقي إلى صاحبه إن كان يزيد عليه، وإن كان ناقصا ً يطالبه بالفارق. ونخلص من هذا أن ما ذهب إليه الإباضية والحنفية هو رأي وجيه وتطمئن إليه النفس، ويمكن ترجيحه؛ لأنه يستند إلى الأصول والقواعد المقررة في الفقه الإسلامي. ٥ في حكم عيوب ا لنكاح: لو وقع عقد الزواج وتم الدخول، وأراد أحد الزوجين فسخ العقد بدعوى ﱠ اكتشاف العيب، وادعى الآخر أنه قد أعلمه بذلك قبل العقد، فالقول قوله، ويلزم كل منهما إثبات عكس ذلك بالبينة، وحتى تتضح هذه المسألة أكثر نورد وإن أراد رد » : فيقول « النكاح » عبارة الجناوني كما جاءت في كتابه ّ ها بالعيب فادعت المرأة أنها قد أعلمته به قبل التزويج، فعليها البينة مثل خبر الأمناء، ّ فإن لم تكن لها بينة فعليه اليمين، وكذلك إذا اد ّ عت أنه قد علم بالعيب بعد ّ النكاح ورضي به فعليها البينة، فإن لم تكن لها بينة، فعليه اليمين على الإقرار بالرضا، وكذلك إن كان العيب في الزوج فأرادت رد ّ ه به، فادعى أنه قد أعلمها قبل النكاح فعليه البينة، فإن لم تكن له بينة فعليها اليمين، وكذلك إن ادعى أنها قد علمت بالعيب بعد النكاح ورضيت به فعليه البينة، فإن لم تكن له بينة «... فعليها اليمين على الإقرار بالرضا(١) فالأصل في هذه المسألة أن عدم العيب والسلامة هو الأصل، وظهور العيب بعد العقد صفة عارضة، ولذلك من ادعى غير ذلك فعليه البينة، وسواء كان قبل الزواج أو بعده. ٦ في باب ا لطلاق: لو طل ﱠ ق الرجل زوجته ولم يقع بينهما الدخول أو خلوة الصحيحة، كإرخاء الستار وإغلاق الباب، فادعت وطئا ً وأنكره المطلق صد ﱢ ق؛ لأن القول قوله، ُ والأصل عدم الوطء ولم يحدث ذلك(٢) . (١) . الجناوني: المصدر نفسه، ص ١٧٠(٢) . الراشدي: الجواهر، ٨٨ اليقين لا يزول بالشك » : ومما تفرع عن القاعدة الكبرى « القاعدة الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته » : الفرعية « وسوف ندرس فيها العناصر التالية: الصيغ التي وردت بها هذه القاعدة. اليقين لا يزول بالشك » علاقة هذه القاعدة بالقاعدة الكبرى .« شرح ألفاظ القاعدة. المعنى الإجمالي للقاعدة. تطبيقات القاعدة. :IóYÉ≤dG √òg É¡H äOQh »àdG ≠«°üdG :’k hCGs ترددت هذه القاعدة على أعلام الفقهاء وألسنتهم في مواضع التعليل الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته » : والترجيح بالصفة المذكورة هنا « (١) ، الأصل في كل حادث » : أو الصيغ المتقاربة معها، فقد عبر عنها الراشدي بقوله ﱠ تقديره بأقرب وقت « (٢) . الحادث يحال بحدوثه إلى » : وعبر عنها بعضهم بقوله ﱠ « أقرب الأوقات (٣) . (١) المجلة العدلية: القاعدة العاشرة، المادة ( ١١ ). وينظر: الزرقا أحمد: شرح القواعد الفقهية، . ص ١٢٥ . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٦٤(٢) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ٨٩(٣) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٣٩٢ ، السدلان: القواعد الكبرى، ص ١٤٧ :z ∂°ûdÉH ∫hõj ’ ø«≤«dG{ :iôÑμdG IóYÉ≤dÉH IóYÉ≤dG ábÓY :kÉ«fÉK اليقين لا يزول بالشك » هذه القاعدة فرع عن القاعدة الكبرى « وتندرج تحتها، فإذا كانت الأحكام تختلف باختلاف تاريخ حدوثها فإنه لا بد من معرفة التاريخ، وإذا حصل شك فيه هل وقع في وقت كذا أو في وقت كذا؟ أضفناه إلى أقرب تلك الأوقات المشكوك فيها، فيكون أقرب الأوقات هو حكم اليقين، فلا يعدل عنه إلا بدليل (١) . k :IóYÉ≤dG ®ÉØdCG ìô°T :ÉãdÉK الحادث في ا للغة : مصدر حدث حدوثا ً تجدد وجوده فهو حادث، والحادث نقيض القديم(٢) ، ولا يخرج المعنى اللغوي فهو في استعمال الفقهاء « الشيء الذي كان غير موجود ثم وجد » (٣) . والوقت : جمعه أوقات: المقدار من الدهر أو الزمان، فإذا اختلف في زمن وقوع الحادث وسببه، فما لم تثبت نسبته إلى الزمان القديم ينسب إلى الزمن الأقرب منه وهو الحال، فإذا ثبت نسبته إلى الزمان البعيد (القديم) يحكم بذلك (٤) . k :IóYÉ≤∏d »dɪLE’G ≈橪dG :É©HGQ إذا وقع اختلاف في زمن حدوث أمر ولا بينة ينسب هذا الأمر إلى ّ أقرب الأوقات إلى الحال ما لم يثبت نسبته إلى زمن أبعد. وتعليل ذلك: أن أحكام الحوادث ونتائجها وما يترتب عليها كثيرا ً (١) شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص. ١٥٤ السدلان: المرجع نفسه. (٢) . الفيومي: المصباح المنير، ص ١٧٠(٣) .١٧٢ ، قلعة جي وقنيبي: معجم لغة الفقهاء، مادة حادث: ١٧١(٤) . قلعة جي وقنيبي: المرجع نفسه، مادة (وقت)، ص ٥٠٧ ما تختلف باختلاف تاريخ حدوثها، فعند التنازع في تاريخ الحادث يحمل على الوقت الأقرب إلى الحال حتى يثبت الأبعد؛ لأنه الوقت الأقرب. وعليه فإذا وقع اختلاف في زمن حدوث شيء نسب إلى أقرب الأوقات إلى الحال، ولا يعدل عن هذه النسبة إلا بدليل؛ وذلك لأن الخصمين اتفقا على حدوث الشيء، وادعى أحدهما حدوثه في وقت، والآخر ادعى حدوثه في وقت آخر قبل ذلك الوقت، فقد اتفقا على أنه كان موجودا ً في الوقت الأقرب، وانفرد أحدهما بدعوى أنه كان موجودا ً قبل ذلك، والآخر ينكر دعواه، مما يورث شك ّ ا ً في صحة كلامه، فيعمل بالوقت الأقرب؛ لأنه يقين ويترك الوقت الأبعد لأنه شك، وعليه فيكون القول للمنكر. ومثاله : لو كان في مل ْ ك أحد مسيل لآخر يمر وسطه، ووقع بينهما ُّ اختلاف في الحدوث والقدم، فادعى صاحب الدار حدوثه وطلب رفعه، وادعى صاحب المسيل قدمه، فإن القول لمدعي القدم والبينة لمدعي الحدوث، حتى إذا أقام كل منهما بينة رجحت بينة مدعي الحدوث وهو صاحب الدار؛ وذلك لأن بينته تثبت ولاية النقض فكانت أولى، أما مدعي القدم فهو منكر متمسك بالأصل(١) . k :IóYÉ≤dG äÉ≤«Ñ£J :É°ùeÉN نقل الإباضية في مصنفتهم الفقهية فروعا ً كثيرة تخرجت على هذه ّ القاعدة في أبواب العبادات: كالطهارات، والمعاملات: كالبيع وفسخه، والحجر والوكالة، والأحوال الشخصية: كالطلاق والميراث والهبة، والقضاء: كالإقرار والدعاوى وغيرها، فمن ذلك: (١) . الزرقا أحمد: شرح القواعد الفقهية، ص ١٢٥ ١ في باب الطهارة: من رأى في ثوبه منيا ً ، ولم يذكر جماعا ً ولا احتلاما ً ، لزمه الغسل على َْ َّ الصحيح عند الإباضية (١)وغيرهم(٢) ، وتجب عليه إعادة كل صلاة صلاها من آخر نومة نامها. ِ وكذلك من رأى في ثوبه غائطا ً ولم يكن على عل ْ م بذلك من قبل رؤيته له، فإن وقت حدوث الغائط يقدر بآخر قعدة قعدها، وعليه فإنه يعيد ما صلاه ْ بعدها(٣) . وكذلك من رأى في جسمه أو ثوبه دما ً بعد أن صل ﱠ ى، أو جنابة بعد أن أفطر، واحتمل ذلك أن يكون حدوثه بعد الصلاة أو بعد الصوم، فإنه يضاف إلى أقرب وقت ممكن حدوثه فيه، فلا يحكم بنقض صلاته ولا صيامه إن أمكن أن يكون ذلك حادثا ً بعد فراغه منهما(٤) . ومنها: لو توضأ من بئر أياما ً وصل ّ ى، ثم أخرجت منه فأرة، فلا يلزمه قضاء ما صل ّ ى إلا ما تيقن أنه صلاها بالنجاسة؛ لأنه يحتمل سقوطها في ذلك الوقت القريب(٥) . ٢ في باب ا لميراث: ذكر الجناوني شاهدا ً لهذه القاعدة وذلك: لو أن ّ رجلا ً جرح امرأة ثم تزوجها بعد ذلك، فماتت من ذلك الجرح، فلا يرثها، ومنهم من يقول يرثها، (١) البسيوي أبو الحسن علي بن محمد البسياني: مختصر البسيوي، نشر وزارة التراث القومي . والثقافة، سلطنة عمان د.ت، ص ٣٥ ُ (٢) . ١٧٤ . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٨٦ / الزركشي: المنثور في القواعد، ١(٣) الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ٨٩ مع الهامش. (٤) ٩٩ . الجيطالي إسماعيل: قواعد الإسلام، مذيلا / الكندي أبو بكر أحمد: المصنف، ٣ ً بحاشية ٢٣٠/ أبي عبد محمد بن عمر بن أبي ستة، تحقيق بشير بن موسى الحاج موسى، ٢ - .٢٣١ (٥) الراشدي: المرجع نفسه. السيوطي: المصدر نفسه. فالذي ذهب إلى منعه من الميراث اتهمه بالتسبب في قتلها بهذا الجرح، وهذه شبهة تمنع من الميراث، والذي ورثه لم يتهمه بذلك، ما دام قد تزوجها بعد الجرح، ولا يكون ذلك إلا بعد الرضى، إلا إذا تزوجها بالغصب، فهنا يكون ْ متهما ً . وكذلك إن ْ جرحته ثم تزوجها بعد ذلك، فمات من ذلك الجرح، فقيل ُ ترثه، وقيل لا ترثه(١) . ِ ويلاحظ من القولين أنهما في كلا الحالتين يريان منعه من الميراث، ََ استنادا ً فالموت كان ،« الأصل إضافة الحادث إلى أقرب زم ن » : إلى قاعدة بسبب الجرح، ولا يغير الزواج من الأمر شيئا ً. ّ ٣ في باب الدعاوى: أ في دعوى التصرف بالمال في حالة العمى والمطالبة ب الفسخ: كانت عمياء عند بيعها للرجل، وادعى هو أنها كانت مبصرة وقت البيع، وقد مضت مدة يمكن حدوث العمى فيها، فقيل: إنها لما أقرت بالبيع، فالأصل أنها باعت وهي مبصرة، فعليها البينة لإثبات العمى أثناء العقد؛ وذلك لأن العمى أمر حادث، وقد أمكن أن يحدث بعد البيع، فالأصل أن الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته . وقد عرضت هذه المسألة على الشيخ سعيد بن خلفان الخليل ي، ففصل فيها القول بما يزيل كل شك ويجلي الحق، بناء على ذلك الأصل المقرر، ما تقول شيخنا الخليلي في امرأة باعت مالا » ومما جاء في هذه المسألة ً لها على رجل، ثم غيرت من بيعها ذلك وادعت أنها باعته في حال هي عمياء فيه، وقال المشتري: إنه اشتراه في حال هي فيه بصيرة، وهي في حال مخاصمتها ِ في هذا المال عمياء، فعلى هذا من المدعي وعليه البينة؟ أعلى المشتري أنه َ «؟ اشتراه وهي بصيرة؟ أم على المرأة أنها باعته وهي عمياء (١) . الجناوني: كتاب النكاح، ص ١٣٤ يحسن في ذلك الاختلاف، والأشبه بالأصول أن البيع غير » : فأجاب ثابت حتى يصح أنها غير عمياء، هذا إذا كان المبيع من نوع ما لا يثبت فيه بيع الأعمى إلا بوكيل؛ لأن إقرارها بالبيع وقع وهي عمياء، فكان حكمه إقرارا ً بما لا يثبت عليها، لو قد فعلته في الحال، فالعدول إلى الحكم به ولو كانت بصيرة يحتاج إلى إقرار آخر أو بينة على الأصح، كمسألة الصبية ّ المغ َيرة إذا ادعت هي الصبى مع التزويج، وأنكر الزوج ذلك وهي في ﱢ ﱢَ الحال بالغ، فلا يحكم بوقوع التزويج في الصبى الذي تدعيه لنفسها مع ﱢَ التزويج إلا بالبينة. فكذلك ما يدعيه الخصم على هذه من البصر المخالف لحالة الإقرار الكائن في هذا الوقت، لا يصح فيما عندي إلا بالبينة، ولو كان الوجه الآخر غير خارج من الصواب؛ لأنها أقرت ببيع وادعت فيه ّ ما يبطله، أو يوجب لها فيه الغير بالجهالة، فيحكم عليها بإقرار البيع بظاهر الحكم على مجرد الإقرار، وتلزم البينة على ما تدعيه من العمى الموجب لنقض البيع الذي أقرت به، والأول أصح في الأحكام وأوضح في ّ «... الحجج(١) . ب في ادعاء العيب في ا لبيع: لو ظهر في البيع عيب بعد القبض، وادعى البائع حدوثه عند المشتري، ِ وادعى المشتري حدوثه عند البائع، فالقول لمد ّ عي الوقوع في الزمن الأقرب، ُ ويعتبر العيب هنا حادثا ً عند المشتري؛ فليس له الحق في فسخ العيب حتى يثبت أن ّ العيب قديم عند البائع، إلا أن يكون العيب مما لا يحدث مثله، بل هو من أصل الخ ِ لقة (كالخ ِ يف في الفرس)، وهو أن تكون إحدى عينيه سوداء والأخرى زرقاء، فإن البائع يلزم به(٢) . (١) ١٣١/ الخليلي أبو محمد سعيد: التمهيد إلى قواعد الإيمان، ٨ - .١٣٢ (٢) .٥٧٩/ الزرقا أحمد: شرح القواعد، ص ١٢٨ . الزرقا مصطفى: المدخل، ٢ ج في دعوى الطلاق في ا لمرض: إذا ادعت الزوجة أن زوجها طلقها أثناء مرض الموت، طلاق الفار وطلبت الإرث، وادعى الورثة أنها طلقت في حال صحته، وأنه لا حق لها في الإرث، فالقول للزوجة؛ لأن ّ الأمر الحادث المختلف على زمن وقوعه هنا هو الطلاق في المرض، فيجب أن يضاف إلى الزمن الأقرب، وهو مرض الموت ِ الذي تدعيه الزوجة، ما لم يقم الورثة البينة على أن ّ طلاقها كان حال الصحة. ُ سئل أبو سعيد الكدمي عن الرجل إذا طلق زوجته ثلاث تطليقات في معي أنها ترثه إذا مات، وهي في العدة، قالوا: هذا » : المرض هل ترثه؟ قال « وليس بينهم فيه اختلاف(١) ، وذلك معاملة له بنقيض مقصوده، فلو أراد بهذا الطلاق إلحاق الضرر بها فإنه لا تتحقق إرادته. وسئل أيضا ً عن رجل طلق زوجته وهي مريضة، هل يكون بمنزلة من َ طلقها وهو مريض؟ قال: معي أنه إذا كان المعنى في الميراث وهو يرثها إذا ماتت في العدة، وإذا طلقها ثلاث لم يرثها عندي إذا ماتت في العدة. قلت له: فإن طلقها ثلاثا ً وهي صحيحة وهو صحيح، ثم ماتت هي أو مات هو وهي في العدة، هل يتوارثان؟ « معي أنهما لا يتوارثان » : قال(٢) . ففي هذه الصورة لما انتفت التهمة فلم يكن قصده حرمانها من الميراث، فطلاقه لها يجعله يحرم من ميراثها، ولذلك يرثها في العدة فقط لا بعدها، أما في الطلاق الثلاث فلا يرثها في حال مرضها، وكذلك لا يتوارثان في حال الصحة؛ لانتفاء التهمة والله أعلم. (١) .٨٨/ الكدمي أبو سعيد محمد الكدمي: الجامع المفيد، ٤(٢) .١١٥/ الكدمي: نفسه، ٤ د في ادعاء حصول البيع بعد ا لحجر: ْ إذا ادعى المحجور عليه أو وصيه أن عقد البيع الذي أجراه المحجور قد حصل بعد صدور الحكم بحجره، وطلب فسخ البيع، وادعى المشتري حصول البيع قبل تاريخ الحجر، فالقول للمحجور أو وصيه؛ لأن وقوع البيع بعد الحجر أقرب زمنا ً مما يدعيه المشتري، وعلى هذا الأخير إثبات خلاف الأصل، وهو حصول البيع له قبل صدور الحكم بالحجر(١) . ه في ادعاء عقد البيع بعد العزل من ا لوكالة: ما لو قال الوكيل بالبيع بعد عزله: بعت ُ وسلمت ُ المبيع قبل العزل، وقال موكله: إنك بعت َ وسلمت َ بعد العزل، وكان المبيع قائما ً غير مستهلك، فإن القول للموكل الذي يضيف الحادث إلى أقرب أوقاته، وأما إذا كان المبيع مستهلكا ً فإن القول للوكيل، وتكون المسألة حينئذ من جملة المستثنيات. والفرق بين الحالتين أنه في حالة هلاك المبيع يكون مقصود الموكل إيجاب الضمان في ذمة الوكيل، والوكيل ينكر الضمان، فالقول قوله؛ لأن الأصل براءة الذم ة، أما في حالة قيام المبيع فإن إرادة التضمين غير ممكنة، وإنما يدعي الوكيل حينئذ انتقال العين من ملك الموكل إلى ملك الآخر المشتري، والموكل ينكر الانتقال، فالقول قوله؛ لأن الانتقال من الأمور العارضة، فالأصل عدمها(٢) . (١) . السدلان: القواعد الكبرى، ص ١٢٦ الزرقا أحمد: شرح القواعد الفقهية، ص ١٢٧ .١٥٠ - السدلان: القواعد الكبرى، ص ١٤٩(٢) .١٨٩/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ :IóYÉ≤dG á≤«≤M :’k hCGs « الدليل على خلافهما (٢) . k :IóYÉ≤dG ≈æ©e ¿É«H :É«fÉK : وأذنت له، ومنه الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل في حدود الإذن، وأباح المحظور، جعله حلالا(١) . والمباح في الشرع: ما دل » ّ الدليل السمعي على خطاب الشارع بالتخيير « منه بين الفعل والترك من غير بدل(٢) . ما كان خاليا » : وعرفه السالمي بقوله ً من طلب الفعل ومن طلب الترك، ﱠ فذلك مباح، ككسب المعيشة فوق الكسب اللازم، وكالأكل والنوم والشرب « ونحو ذلك، فإن العبد يفعله كيف شاء ما لم ينته إلى حد يمنع الشرع فعله(٣) . ويوضح السالمي المقصود بالإباحة التي تكون قبل ورود الشرع، وإرسال الرسل، وليس الإباحة التي تكون ضمن الأحكام الشرعية وترد بعد ورود والمراد بقولنا قبل ورود الأحكام إنما ثبتت بعد ورود الشرائع، » : الشرع، فيقول « وبعدها حرم ما حرم لا قبل ذلك، لعدم الدليل على ثبوت الحكم(٤) . مصدر ا لإباحة : تستفاد الإباحة من لفظ الإحلال (أحل ّ لكم) ورفع الجناح، (لا جناح) والإذن، والعفو، وإن شئت فافعل، وإن شئت فلا تفعل، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع، وما يتعلق بها من الأفعال، نحو قوله تعالى: ﴿ :9876543 ﴾ )النحل : (٨٠ ، ونحو: ﴿ 10/ ﴾ )النحل : (١٦ . ومن السكوت عن التحريم، ونفي الحرج والإثم والمؤاخذة، والإنكار على من حرم الشيء، وإقرار الرب تبارك وتعالى، وإقرار رسوله إذا علم الفعل، فمن إقرار الرب تعالى: قول جابر 3 : كنا » (١) محمد قلعة جي، وحامد قنيبي: معجم لغة الفقهاء، ص ١٧ . الندوي: القواعد الفقهية، ص ١٠٧ ، نقلا ً عن الغياثي، للجويني إمام الحرمين، ص ٤٩٠ . قلعة جي وقنيبي: المرجع . نفسه، ص ٣٧ (٢) .١٢٣/ الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ١(٣) .٢١٧/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٤) .١٩٠/ السالمي: المصدر نفسه، ٢ « نعزل والقرآن ينزل(١) ، ومن إقرار رسوله صلى الله عليه وسلم : قول حسان لعمر ^ : كنت » « أنشد فيه، وفيه من هو خير منك (٢) . ٢ تعريف الحظر: الحظر في اللغة: بفتح وسكون مصدر، حظر: المنع الحوز، والمحظور خلاف المباح. وفي الاصطلاح: منع الشيء منعا ً يثاب على تركه ويعاقب على فعله(٣) . k :IóYÉ≤∏d »dɪLE’G ≈橪dG :ÉãdÉK أن كل ما في الأرض مباح للإنسان أن يتناوله على الجهة التي يكون بها ذلك، أكلا ً أو شربا ً أو تصرفا ً أو غير ذلك من جهات التناول مما ينتفع به من غير ضرر، ولا يخرج عن هذه الدائرة العريضة إلا بنص ملزم أو مانع(٤) . (١) ٤، ورواه مسلم متفق عليه، رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب العزل، رقم ٩١٥ في صحيحه، كتاب النكاح، باب حكم العزل، رقم ٢٦٨٦ . عن جابر بن عبد الله الأنصاري. (٢) ذكرها البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم ٣٠٤٠ ، عن ابن المسيب، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت، رقم ٢٤٨٥ ، عن أبي هريرة أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه، فقال: قد كنت أنشد » : بلفظ ّّ وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني ا لل » ﱠ«؟ هم أيده بروح ا لقدس قال: الل ﱠ.« هم نعم ُﱠ ُﱠ (٣) الجرجاني على محمد: كتاب التعريفات، ص ١٠٢ . ومحمد قلعة جي وقنيبي، معجم لغة . الفقهاء، ص ١٨٢(٤) ١٤٠٠ ه/ ١٩٨٠ م نشر ، العبادي عبد السلام: داود، الملكية في الشريعة الإسلامية، ط، ١ ٦٢٣ . الموسوعة الفقهية الكويتية، / جامعة الأمير محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ٢ وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الكويتية، كلمة إباحة، مطابع ذات السلاسل، الكويت، ط، .١٣٠/ ١٤٢٥ ه/ ٢٠٠٤ م، ١ ،٥ ¿É«YC’Gh AÉ«°TC’G »a π°UC’G πg{ :IóYÉb øe AÉ¡≤ØdG ∞bƒe :kÉ©HGQ :º¡àdOCGh z? ô¶ëdG ΩCG áMÉHE’G لم تكن هذه القاعدة محل اتفاق بين الفقها ء، بل اختلف فيها الإباضية وغيرهم، إلى عدة أقوال، فذهب بعضهم إلى أن ّ الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما دل دليل على حرمت ه، وعلى رأس هؤلاء بعض الإباضية والشافعي ة، ويرى آخرون أن ّ الأصل في الأشياء الحرمة إلا ما دل دليل على إباحت ه، وهو رأي كثير من الإباضية والحنفية . ويلخص السالمي هذا الاختلاف في أرجوزته فيقول: والحكم في الأشياء قبل الشرع إباحة الكل بغير منع وإنما حرم ما قد حرما من بعد ما جاء الخطاب فاعلما وقال قوم حكمه الحظر، وفي قول بأن الحق في التوقف(١) . من خلال هذه الأبيات يتبين أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال: القول الأول: الأصل في الأشياء ا لإباحة : يرى أصحاب هذا القول أن الأصل في الأشياء الإباحة، وهو قول جماعة من الإباضي ة، ذكر منهم السالمي البدر الشماخي(٢) ، وأبو زكرياء يحيى بن أبي (١) . ١٨٩ ١٩١ / السالمي: طلعة الشمس، ٢ (٢)أحمد بن سعيد أبي عثمان بن عبد الواحد، بدر الدين الشماخي، أبو العباس (و: الأربعينيات ق ٩ه/ الثلاثينيات ق ١٥ م ت: ٩٢٨ ه/ ١٥٢٢ م) عالم من بلدة ي َ ف ْر َ ن بجبل نفوسة من أعمال طرابلس الغرب، تحو ﱠ ل في طور دراسته إلى تِط ﱠ اوين ِ وت َ لا َل ْ ت، بِج َب َ ل دم ﱠ ر في تونس، طالبا ً للعلم؛ ومن مشايخه: أبو عفيف صالح بن نوح التندميرتي، والشيخ البيدموري، وأبو زكرياء يحيى بن عامر، ونقل كذلك عن فقيه إباضي عماني هو محمد بن عبد الله ُ « شرح عقيدة التوحيد » .« إعراب القرآن الكريم » و .« سير المشايخ » : السمائلي. ومن أشهر كتبه مختصر العدل » في علم الكلام، و « شرح على متن الديانات » .( لعمرو بن جميع (مط وشرحه في أصول الفقه. والعدل والإنصاف لأبي يعقوب يوسف الوارجلاني؛ « والإنصاف = بكر (١) العدل » ، واختاره أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني في ومال إليه الكدم ي، وهو قول الأكثرين من الفقهاء من مختلف « والإنصاف المذاهب(٢) . هذا مذهبنا :« أشباهه » قال السيوطي في(٣) . وقال الحموي : المختار أن الأصل الإباحة عند جمهور أصحابنا(٤) ، ويشير ابن نجيم إلى رأي الحنفية إن الأصل في الأشياء الإباحة عند بعض أصحابنا ومنهم الكرخي » : فيقول « (٥) . وعن الشافعي ما لم يدل دليل على » : ونقل الزركشي رأي الشافعية فقال تحريمه فهو حلال « (٦) هل الأصل في » : ، وهو ما أكده ابن نجيم الحنفي فيقول = شرح مر » َ مشكل إعراب » في علم المنطق للوارجلاني أبي يعقوب (مفقود) و « ج البحرين لابن النضر الع « الدعائم ُ ماني، (مخ). وغيرها. الشماخي: مختصر العدل والإنصاف، مقد ﱢ مة علي يحيى معمر، ٣ - ٧. السالمي: اللمعة المرضية، ٢٨ . الباروني سليمان: مختصر تاريخ ﱠ الإباضية، ٥١ . علي معم ﱠ ١٣٠ . الجعبيري: البعد ،١٢٥/ ر: الإباضية في موكب التاريخ، ٣ .١٢٦/ الحضاري، ١ (١)يحيى بن أبي بكر بن سعيد اليهراسني الوارجلاني، أبو زكرياء (ت: ٤٧١ أو بعد ٤٧٤ ه/ ١٠٧٨ أو بعد ١٠٨١ م)، ولد في وارجلان بالجزائر. أشهر من نار على علم. تلق ﱠ ى العلم في وادي أريغ عند الشيخ أبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي. روى عنه أبو عمرو عثمان بن خليفة السوفي، وكانت له حلقة علم، له أجوبة وفتاوى في علم الكلام، ورسائل في الفقه، يبدو أن ﱠ ها فقدت. إلا ﱠ أن ﱠ نا نجد بعض العلماء يستشهدون بأقواله وآرائه الكلامية، منها ما ذكره ﱠ ينظر: .« السيرة وأخبار الأيمة » أبو سهل يحيى بن إبراهيم في بداية كتابه في العقيدة. وكتابه ١٤/ أبو زكرياء: السيرة (ط. ت) ١ - ٣٧١ . الدرجيني: طبقات، ١/ي، م؛ ،٣٦٧/٢ ؛١٥ ٤٤٨ ،٤٢٧ ،٣٥٢/٢ - ٤٥١ . الشم ﱠ ٩٢/ اخي: السير، ٢ - ٩٣ . بروكلمان: تاريخ الأدب ٩٢/ العربي، ٣ - .١٦٨/ ٩٣ . الزركلي: الأعلام، ٩ (٢) .١٩١ - ١٨٩/ السالمي: ٢(٣) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٨٧(٤) ٢٢٤ بتصرف. ، الحموي أحمد: غمز عيون البصائر، ص ٢٢٣(٥) . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٨٧(٦) .٧٠/ الزركشي: المنثور في القواعد، ٢ الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على عدم الإباح ة، وهو مذهب الشافعي 5 «(١) . أما المالكية فقد اعتمدوا على هذه القاعدة في تقرير الأحكام، ونص عليها في عدة مواضع بصيغ متقاربة، من ذلك: « التمهيد » ابن عبد البر المالكي في « الأصل أن الأشياء على الإباحة حتى يثبت النه ي، وهذا في كل شيء »(٢) . والأصل في الأشياء الإباحة حتى يصح المنع بوجه لا معارض له، ودليل » غير محتمل للتأويل « (٣) . الأشياء على الإباحة حتى يثبت » : وفي موضع آخر « الحظر والمنع(٤) . أدلة القول الأول: استدل أصحاب هذا القول بأدلة من القرآن والسن ﱠ ة والمعقول. ﱡ أ من القرآن الكريم: ١ قوله تعالى: ﴿ ÅÄÃÂÁÀ¿¾ ﴾ )البقرة :(٢٩ . وقوله 8 : ﴿ ßÞÝÜÛÚÙØ×Ö ﴾ )الجاثية : (١٣ . والاستدلال بهاتين الآيتين من وجهين: الوجه ا لأول : أن هاتين الآيتين وردتا في مقام الامتنان، فقد امتن الله 4 ِ علينا بخل ْ ق ما في الأرض لنا، وأبلغ درجات المن الإباحة، ولا يمتن الله إلا ّ بالجائز. والوجه ا لثاني : أن الله 8 أضاف ما خلق لنا باللام، واللام هنا تفيد الملك، وأدنى درجات الملك إباحة الانتفاع بالمملوك(٥) . (١) ابن نجيم: المصدر نفسه. (٢) .١١٤/ ابن عبد البر: التمهيد، ١٧(٣) ٣٤٤/ ابن عبد البر: المصدر نفسه، ٦ - .٤٤٥ (٤) .١٢٩/ المصدر نفسه، ١٠(٥) . البورنو: الوجيز، ص ١٩١ ٢ وقال تعالى: ﴿ <;:9876543=﴾ (الأعراف: ٣٢ ( . ووجه ا لاستدلال بالآية: أن ﱠ الله 4 أنكر على من حرم ذلك، فوجب أن لا تثبت حرمته، وإذا لم تثبت حرمته ك َ ك ُ ل ّ ، امتنع ثبوت الحرمة في فرد من أفراده؛ لأن المطلق جزء من المقيد، فلو ثبتت الحرمة في فرد من أفراده لثبتت الحرمة في زينة الله، وفي الطيبات من الرزق، وإذا انتفت الحرمة بالكلية ثبتت الإباحة (١) . ٣ وقوله 8 : ﴿ tsrqponmlkji ~}|{zyxwvu ے £¢¡ ¤ °¯®¬«ª©¨§¦¥ ²±﴾ (الأنعام: ١٤٥ ( ، فجعل الأصل في الأشياء الإباح ة، والتحريم مستثنى من عامة الأشياء. ٤ وقوله تبارك وتعالى: ﴿ ª©¨§¦¥¤£¢ »º¹¸¶µ´³²±°¯®¬« ÉÈÇÆÅÄÃÂÁÀ¿¾½¼ ÔÓÒÑÐÏÎÍÌËÊ﴾ (الأنعام: ١٥١ (. ٥ وقوله أيضا ً : ﴿ [ZYXWVUTSRQP edcba`_^]\ lkjihgf﴾ (الأعراف: ٣٣ (. ففي هاتين الآيتين الآخرتين بين سبحانه ما حرم بتعداده وبطريق الحصر، ّ فدل ّ ذلك على إباحة ما سواه. ب من ا لسن ﱠ ة المطهرة: ﱡ وردت في السن ﱠ ة النبوية ما لا يحصى كثرة من الأحاديث في إرساء ﱡ هذه القاعدة وتقريرها، وإبانة فضل الله على خلقه بتشريعها، حيث إن ّ لهم (١) المرجع نفسه. فيها الفسحة الواسعة والرخصة التي تبعد كل أسباب الضيق والحرج ومن ذلك: ١ ما رواه أبو الدرداء 3 عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أ حل » ّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله « عافيته، فإن الله لم يكن ن سيا ، ثم تلا هذه الآية: ﴿ ëêéè ﴾ ّ )مريم :(٦٤ )(١ . ٢ ومن السن ﱠ ة ما رواه أبو ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله » ﱡ فرض فرائض ف لا تضيعوها وحد ّ حدودا ً فلا تعتدوها، ونهى عن أشياء « فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رخصة لكم ليس بنسيان ف لا تبحثوا عنها(٢) . وفي لفظ للطبراني : وسكت عن كثير من غير نسيان ف لا تتكلفوها رحمة » « لكم فاقبلوها(٣) . ٣ ولابن ماجه حديث عن سلمان 3 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم س ُ ئل عن الج ُ بن والسمن والفراء فقال: الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في » « كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه(٤) . (١) رواه أبو داود، كتاب الأطعمة، باب ما لم يذكر تحريمه، رقم ٣٨٠٠ ، عن ابن عباس، والحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، تفسير سورة مريم، رقم ٣٤١٩ ، عن أبي الدرداء، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. (٢) رواه الدارقطني في سننه، كتاب الرضاع، رق م ٣٨٥٣ ، والبيهقي في الكبرى، كتاب الضحايا، جماع أبواب ما لا يحل أكله وما يجوز للمضطر من الميتة، باب ما لم يذكر تحريمه، الأشبه بالصواب مرفوعا » : رقم ١٨٣٤٩ ، عن أبي ثعلبة. الدارقطني ً .« .٣٢٤/ العلل، ٦ (٣) رواه الطبراني في الصغير، حرف النون، من اسمه: النعمان، رقم ١١١١ ، عن أبي الدرداء مرفوعا ً . فيه أصرم بن حوشب وهو متروك. وفيه نهشل بن سعيد الترمذي وهو » : الهيثمي .٤٢٣/ ٤١٦ ، و ٧ / مجمع الزوائد، ١ .« متروك (٤) رواه الترمذي، أبواب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء، رقم ١٧٢٦ ، والبيهقي في الكبرى، ، جماع أبواب ما يحل ويحرم من الحيوانات، باب ما جاء في الضبع والثعلب، رقم ١٩١٧٥ عن سلمان، قال الترمذي: الموقوف أصح. ٤ وروى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص 3 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أعظم المسلمين جرما » ً من سأل عن شيء لم يحرم َُ « على المسلمين، فحرم عليهم من أجل مسألته(١) . ج من ا لمعقول: كما دل ّ العقل على تقرير هذه القاعدة ويتجلى ذلك فيما يلي: ١ أن الانتفاع بالمباح انتفاع بما لا ضرر فيه على المالك وهو سبحانه قطعا ً ولا على المنتفع، فوجب أن لا يمتنع، كالاستضاءة بضوء السراج، والاستظلال بظل الجدار. ٢ إن ّ الله سبحانه إما أن يكون خلق هذه الأعيان أو الأشياء لحكمة أو ّ لغير حكمة، وكونه خلقها لغير حكمة باطل، لقوله تعالى: ﴿ ÓÒÑ ×ÖÕÔ ﴾ (ال دخان: ٣٨ ( . وقوله كذلك: ﴿ ~ے ¡ £¢ ¦¥¤ ﴾ )المؤمنون : (١١٥ ، والعبث لا يجوز على الحكمة الإلهية، فثبت أنه سبحانه خلقها لحكمة ومقصد، ولا تخلو هذه الحكمة إما أن ٰ ِ تكون لعود النفع إليه سبحانه، أو إلينا، والأول باطل لاستحالة الانتفاع َْ عليه 8 ، فثبت أنه خلقها لينتفع بها المحتاجون إليها، فعلى ذلك كان نفع المحتاج مطلوب الحصول أينما كان، فثبت أن الأصل في المنافع الإباحة(٢) . القول الثاني: الأصل في الأشياء ا لحظ ر؛ أي: ا لتحريم : وهذا قول أكثر الإباضية والشافعية وأبي حنيف ة، والمعتزلة والشيعة الإمامية . وقال أكثر أصحابنا (الإباضية) وأكثر معتزلة » : وقد صرح بذلك السالمي فقال (١) متفق عليه، واللفظ لمسلم، رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسن ﱠ ة، باب ما يكره ﱡ ٦، ومسلم، كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم ، من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه، رقم ٨٨٠ ٤، عن سعد. رقم ٤٥٣(٢) الشوكاني: إرشاد الفحول، ص ٢٥٧ بتصرف البورنو: الوجيز، ص ١٩٣ - .١٩٤ بغدا د، والإمامية والشافعية بأن ّ « حكمها الحظر(١) . وقال السيوطي : وعند أبي » حنيفة : الأصل فيها التحريم حتى يدل الدليل على الإباحة « (٢) . وقال الزركشي : وعن أبي حنيفة » : ما دل الدليل على حله فهو الحلال « (٣) . ونقل ابن نجيم في أن بعض أهل الحديث قالوا: الأصل فيها (الأشياء) الحظر » :« أشباهه » « (٤) ، ونسبه الشافعية إلى أبي حنيفة 5 . :« الروضة » وقال ابن قدامة الحنبلي في وقال ابن حامد »(٥) والقاضي (٦) « وبعض المعتزلة هي على الحظر(٧) . أدلة القول الثاني والرد عليها: استدلوا بأدلة من القرآن والسن ﱠ ة والمعقول. ﱡ أ من القرآن: ١ قوله تعالى: ﴿ ÇÆÅÄÃÂÁ ﴾ (الإس راء: ٣٦ ( . ووجه الاستدلال أي: لا تتبع ما ليس لك به » : بالآية: كما قال الراشدي في جواهره علم من قول أو فعل أو اعتقاد، تقليدا ً أو ظن ّا ً أو ب ُ هتا ً (٨) ، فالآية دليل على أن (١) السالمي: طلعة الشمس، ط ١، نشر وزارة التراث الع ُ .١٨٩/ مانية ١٤٠١ ه/ ١٩٨١ م، ٢(٢) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٨٧(٣) .٧٠/ الزركشي: المنثور في القواعد، ٢(٤) . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٨٧(٥) ابن حامد الحسن بن حامد بن علي البغدادي أبو عبد الله الوراق إمام الحنابلة في زمانه، له .١٩/ الجامع في الفقه، وغيره، توفي ( ٤٠٣ ه)، ينظر: الفتح المبين، ١(٦) القاضي محمد بن الحسين بن محمد الفراء الحنبلي أبو يعلى، صاحب العدة في الأصول، .٢٤٥/ كان عالم في زمانه، إما ما في الفروع والأصول، توفي سنة ٤٥٨ ه. الفتح المبين، ١(٧) .١١٨/ ابن قدامة المقدسي: روضة الناظر بحاشية نزهة الخاطر، ١ (٨)الب ُه ْ ت: الكذب ومنه حديث الغيبة، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الغيبة، ح، ر ٧٠ ص، ١١٠٤ ، عن أبي هريرة 3 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: » أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما ي كره « قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: « إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد ب هته » أي: .« كذبت وافتريت عليه » الأصل في الأشياء كلها الحظ ر، بيانه أن الله حرم على كل من يعقل الخطاب ق َ ف ْ و ما ليس له به علم، والعلم يشمل الظن الراجح، فالحكم بشهادة العدلين َ أو العدل والعدلتين من الظن الراجح، وسمى الله الحكم بالأمارة التي تفيد غلبة الظن ع ِل ْ ما ً في قوله: ﴿ §¦¥ ﴾ )الممتحنة : (١٠ ، وقوله تعالى: ﴿ +* ,-. 0/ ﴾ (النحل : ٤٣ ، الأنبياء : (٧ ، أمر الله جل ﱠ وعلا أن نسأل العلماء عما لم نعلم، فدلت الآية الكريمة أن ّ الأصل في الأشياء ّ « الحظ ر، لوجوب سؤال العلماء(١) . ٢ قوله تعالى: ﴿ }|{ ~ ﮯ ¤£¢¡ §¦¥ ¨ «ª© ¬ ¯® °± ﴾ )النحل : (١١٦ . قالوا: أخبر الله سبحانه أن ّ التحريم والتحليل ليس إلينا وإنما عليه، فلا نعلم الحلال والحرام إلا بإذنه. ويجاب عليهم: بأن القائلين بالإباحة لم يقولوا بذلك من جهة أنفسهم، بل قالوه بالدليل الذي استدلوا به من كتاب الله وسن ﱠ ة رسوله صلى الله عليه وسلم . وأيضا ً هذا ُ الدليل كما هو لكم هو عليكم؛ لأنكم حرمتم شيئا ً لم يقم الدليل على حرمته. ب من ا لسن ﱠة: ﱡ واستدل بعضهم بقوله صلى الله عليه وسلم : الحلال ب ين والحرام ب ي » ن وبينهما أمور ﱢٌ ﱢ مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه «... وعرضهالحديث(٢) . فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى اتقاء الشبهات بترك ما بين الحلال والحرام، ولم يجعل الأصل في أحدهما. قال الراشدي في سياق حديثه عن إن الأصل في الأموال الحظ ر، ما يوضح مدلول هذا الحديث، » : هذه القاعدة (١) الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ٩٠ - .٩١ (٢) الحديث متفق عليه، رواه البخاري، حديث رقم: ٥٢ و ٢٠٥١ . ومسلم حديث رقم: ١٥٩٩ من حديث النعمان بن بشير. ِِ وليس لنا أن نتصرف في ملك الغير إلا بإذ ن، فما ع َلمنا حل ّ ه فذلك المأذون ِ فيه، وما علمنا حرمته وجب اجتنابه، وما أشكل عليك ف َ« قف عنه(١) . وأجيب عنه: بأن هذا الحديث لا يدل على أن الأصل المنع؛ لأن المراد بالمشتبهات في الحديث ما تنازعه دليلان، أحدهما يدل على إلحاقه بالحلال، والآخر يدل على إلحاقه بالحرام، كما يقع ذلك عند تعارض الأدلة، أما ما سكت عنه فهو مما عفا الله عنه(٢) . ج من ا لمعقول: كذلك استدل أهل الحظر المانعون بدليل عقلي فقالوا: إن التصرف في ملك الغير بغير إذنه لا يجوز وقبي ح؛ والقول بالإباحة دون دليل تصرف في ملك الله بغير إذنه، وهذا باط ل؛ ولأنه يحتمل أن ّ في ذلك ضررا ً ، فالإقدام عليه خطر(٣) . وأجيب عن هذا بأنه إنما امتنع التصرف في ملك الغير بالنسبة للعباد؛ لأنهم يصيبهم الضرر عند التصرف في أملاكهم بغير إذنهم؛ وأما بالنسبة لله 8 فذلك غير وارد؛ لأنه سبحانه لا يصيبه ضرر بتصرف العباد فيما يملك ولم يرد دليل بالمنع. وقالوا أيضا ً : سل ّ منا أنه يمتنع التصرف في ملك الغير وإن لم يتضرر. فرد عليهم: أنه إنما يمتنع ذلك في ملك غير الله سبحانه، لما يخشى من تفويت مصلحة يرجوها في وقت من الأوقات، والأشياء قبل ورود الشرع جميعها ملك الله 4 ، ولا ضرر عليه بتصرف غيره فيها، ولا منفعة له منها، فإنه إنما خلقها لينتفع بعضها ببعض، ولم يخلقها لينتفع بها بنفسه(٤) . (١) . الراشدي: الجواهر، ص ٩٠(٢) . البورنو: الوجيز، ١٩٦ . السدلان: القواعد الكبرى، ص ١٣٢(٣) .١١٨/ ١٩٠ . ابن قدامة المقدسي: روضة الناظر، ١ / السالمي: طلعة الشمس، ٢(٤) . السالمي: المصدر نفسه. ابن قدامه المقدسي: المصدر نفسه. البورنو: الوجيز، ص ١٩٦ . السدلان: القواعد الكبرى، ص ١٣٢ هذا وقد اختلف القائلون بالتحريم والحظر، فمنهم من خصبدليل العقل ّ ِ بعض الأشياء الضرورية، منها قوام حياة الإنسان ولا يعيش بدونها، ومنع كل ما زاد على ذلك، ومنهم من وسع في الأمر وجعلها في دائرة حاجات الإنسان، ﱠ ومنهم من منع جميع الأشياء وجعلها محظورة حتى يرد من الشرع ما يدل على واختلف الذين قالوا بالحظر: » : حكمها، وقد أشار السالمي إلى هذا الخلاف فقال فمنهم من قال: أما ما لا يقوم البدن إلا به من طعام وشراب ونحوهما فمباح، وما ّ سواه محظور، ومنهم من قال: بل كل ما مست الحاجة إليه فمباح، وما سواه « فمحظور، ومنهم من قال: بل الجميع على الحظر، وتختلف عللهم في ذلك(١) . القول الثالث: ا لتوق ّ ف عن ا لترجيح: ومعنى ذلك أنه لا يدرى هل هناك حكم أم لا؟ وإن كان، فلا ندري أهو إباحة أم حظر؟، وهؤلاء تعارضت عندهم الأدلة فلم يترجح واحد منها، وينسب هذا القول إلى بعض الحنفية وأبو الحسن الأشعري(٢) وأبو بكر الصيرفي (٣) (١) . السالمي: المرجع نفسه، ص ١٨٩ (٢) هو علي بن إسماعيل بن إسحاق، أبو الحسن، الأشعري ( ٢٦٠ - ٣٢٤ ه/ ٨٧٤ - ٩٣٦ م): مؤسس مذهب الأشاعرة. كان من الأئمة المتكلمين المجتهدين. ولد في البصرة. وتلقى مذهب المعتزلة وتقدم فيهم ثم رجع وجاهر بخلافهم. وتوفي ببغداد. قيل: بلغت مصنفاته « مقالات الإسلاميين ط » و « الرد على المجسمة » و « إمامة الصديق » ثلاثمائة كتاب، منها « مقالات الملحدين » و « رسالة في الإيمان خ » و « الإبانة عن أصول الديانة ط » جزآن، و رسالة. ابن « استحسان الخوض في الكلام ط » و « الأسماء والأحكام » و « خلق الأعمال » و٣٢٦ . ابن كثير، البداية : ٢٤٥ . وابن خلكان وفيات الأعيان، ١ : السبكي طبقات الشافعية ٢ .٢٦٣/ ١٨٧ . الزركلي، الأعلام، ٤ : والنهاية ١١ (٣) الصيرفي أبو بكر محمد بن عبد الله الأصولي الفقيه الشافعي البغدادي، وأحد المتكلمين، البيان في » : كان أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي (ت: ٣٣٠ ه/ ٩٤٢ م). له كتب، منها ينظر: الفتح المبين، ،« الفرائض » في أصول الفقه، وكتاب « دلائل الأعلام على أصول الأحكام ٣٤٦ . وابن / ٤٥٨ . الصفدي: الوافي بالوفيات ٣ / ٨٠ . ابن خلكان: وفيات الأعيان، ١ /١ .٢٢٤/ ١٦٩ . الزركلي: الأعلام، ٦ : السبكي، طبقات الشافعية ٢ وأبو الحسن الخزري الحنبلي(١) ... واحتجوا بأنه يلزمنا الامتناع من غير أن نحكم بحظر ولا إباحة، ويجب الامتناع كذلك من الحكم على الأشياء؛ لأنه (٢) لا نأمن من كونه محظورا ً . وأجيب عنه: بأن لكل تصرف حكم ولا يخلو تصرف عن حكم، عرفه من عرفه وجهله من جهله. ور َ د ﱠ أصحاب القول الأول على القائلين بالتوقف والحظر بالقول: إننا نلاحظ بأن كل واحد من القائلين بالتوقف أو بالحظر قد أثبتوا للأشياء حكما ً قبل ورود الشرع، والأحكام إنما ثبتت بعد وروده لا قبله، فلا سبيل إلى إثبات شيء من ذلك إلا عند من جعل العقل حاكما ً ، والصحيح أن الحاكم كما أنه: « طلعة الشمس » و « مشارق الأنوار » هو الشرع كما حققه السالمي فيلا ينبغي أن يقال: إن الإباحة حكم أيضا ً ، فيلزمكم من إثباتها إثبات حكم قبل ِ الشرع؛ لأنا نقول: لم ن ُرد بالإباحة الحكم الشرعي الذي هو مقابل الحظر وإنما أردنا بها رفع الأحكام رأسا ً ، وإذا ارتفعت الأحكام بقيت الأشياء على أصل خلقها، بلا حكم، فالتصرف وعدم التصرف فيها سواء، بمعنى أنه لا عقاب على كلا الطرفين(٣) . ورجح السالمي القول الأول بأن ّ الأصل في الأشياء الإباح ة، وصححه والحجة لنا على تصحيح هذا القول هي أنه لا مخالف في جواز التنفس » : فقال وجذب أجزاء الهواء ودفعها، وذلك نوع انتفاع بالأشياء، فيقاس عليه سائر « الانتفاعات بالأشياء(٤) . (١) الخزري أبو الحسن ويقال: الجزري البغدادي الحنبلي الفقيه الأصولي، له ترجمة في طبقات .١٦٢/ الحنابلة، ٢(٢) . ١٨٩ . البورنو الوجيز، ص ١٩٦ / السالمي: طلعة الشمس، ٢(٣) ١٨٩/ السالمي: المرجع نفسه ٢ - .١٩٠ (٤) .١٩٠/ نفسه: ٢ كما نبه السالمي إلى أن ّ ما حدث من خلاف بين العلماء في أصل الأشياء ﱠ هل هي مباحة أم محرمة قبل ورود الشرع وإنزال الكتب؟، كذلك ظهر الخلاف بعد ورود الشرع، وبيان أحكام الأشياء، فاختلفوا في الأشياء المسكوت عنها ولم « طلعة الشمس » يرد فيها حكم لا بالحل ولا بالحظر؟ وأشار إلى هذا الخلاف في واعلم أنهم اختلفوا في حكم الأشياء بعد ورود الشرع أيضا » : فقال ً على ثلاثة مذاهب، قيل: إن الأصل في الأشياء التحري م، وقيل: إن الأصل فيها الح ل، وقيل: إن أصل المنافع التحليل، وأصل المضار التحري م، وصححه ابن السبكي وتبعه المحلي (١) شارحه مستدلا ّ ً على صحته بقوله تعالى: ﴿ ÛÚÙØ×Ö ßÞÝÜ ﴾ )الجاثية : (١٣ ، ذكره في معرض الامتنان ولا يمتن إلا بالجائز. واستدل أيضا ً بقوله صلى الله عليه وسلم في ما رواه ابن ماجه وغيره: « لا ضرر ولا ضرار »(٢) ، أي في ديننا أي لا يجوز(٣) . واختار الكدمي هذا القول فقال: تحل الأشياء ما لم يرد محرم، وبناء عليه، فقد عذر كل من أتى شيئا ً على الجهل فوافق فعله الحلال ولو ُ « كان مذهبه في ذلك التحريم، ولا يجب عليه التوبة(٤) . (١) لم نستطع تحديد هوية المحلي الذي شرح كتاب ابن السبكي لتشابه الأسماء، ولعل المقصود هو: جلال الدين المحلي ( ٧٩١ - ٨٦٤ ه/ ١٣٨٩ - ١٤٥٩ م) محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلي الشافعي: أصولي، مفسر. مولده ووفاته بالقاهرة. عرفه ابن العماد بتفتازاني ٣٣٣ . ويوجد آخر شرح كتاب / العرب. الزركلي، الأعلام، ٥ َ ي السبكي اسمه: ابن المحلي ٨٢٥) - ٨٩٠ ه/ ١٤٢٢ - ١٤٨٥ م): محمد بن أحمد بن علي المحلي ثم السمنودي المعروف قال السخاوي: « أدب القضاء » بابن المحلي: فقيه شافعي. مولده ووفاته بسمنود (بمصر) من كتبه مفيد جد ّ ا ً . شرح تائية السبكي في السيرة النبوية خ » و .« .٣٣٥/ الزركلي، الأعلام، ٥ (٢) رواه ابن ماجه، كتاب الأحكام، باب من بن َ ى في حقه ما يضر بجاره، رقم ٢٣٤٠ ، عن ١، عن عبادة بن الصامت. ومالك، كتاب الأقضية، باب القضاء في المرفق، رقم ٤٢٧ .٨٢/ شرح الأربعين النووية، ١ .« حديث حسن » : عمرو بن يحيى. ابن دقيق (٣) ١٩٠ . وينظر: كذلك في ابن السبكي، القواعد الفقهية، أو كتابه / السالمي: طلعة الشمس، ٢ في الأصول مع شرح المحلى. (٤) .٩١/ السالمي: نفسه، ٢ منشأ ا لخلاف: ولعل سبب اختلاف الفقهاء في هذه القاعدة يرجع إلى استشكالهم في حكم الأعيان التي خلقها الله سبحانه لعباده، ولم تنتقل إلى ملك أحد منهم، وذلك كالحيوانات التي لم ينص تحريمها لا بدليل عام ولا خاص، وكالنباتات التي تنبتها الأرض مما لم يدل دليل على تحريمها، وليست مما يضر مستعمله بل مما ينفعه(١) . وكذلك كان الاختلاف في حكم المسكوت عنه، أي في الأشياء التي لم يرد فيها دليل يبيحها أو يحرمها، فهل يحكم عليها بالإباحة أم بالحظر؟ فبعض الفقهاء يرى أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يثبت دليل الحرم ة، ومنهم من رجح فيها جانب الحرمة، واعتبر الأصل في الأشياء والأعيان الحظر حتى يثبت دليل الإباح ة، ومنهم من توقف فلم يغلب أحدهما على الآخر خروجا ً من الخلاف. الرأي ا لمختار: وبعد عرض الأقوال المختلفة وأدلتهم ومناقشاتهم واعتراضاتهم وردودهم يمكن ترجيح أحد الأقوال بعد النظر فنقول: والمختار عند جمهور العلماء هو الرأي الأول، وليس لهذا الخلاف أثر إلا في المسكوت عنه، مثل الحيوان المشكل أمره، والنبات المجهول تسميته، والنهر الذي لم يعرف حاله هو مباح أو مملوك، ودخول اليمام إلى برج أحد، ويش ُ ك فيه هل هو مباح أم مملوك لأحد؟ ْ والقول بأن الأصل في الأشياء الإباحة جدير بالاعتبار ونحن نرجحه على غيره؛ وذلك لأن الأشياء إنما خ ُ لقت لمنفعة الإنسان، فإذا لم يرد نص بحظرها، أو بيان مضارها، فإنها تكون على ما خلقت لأجله، ولا يحرم شيء منها إلا (١) الشوكاني: محمد بن علي: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من الأصول مطابع مصر، ١٤٠١ ه/ ١٩٨١ م، ، ص ٢٨٤ . الرازي فخر الدين: المحصول في علم أصول الفقه ط ١ .١٣١/٢ ، قسم ٣ بنص صريح وواضح الدلالة(١) . ويؤيد هذا ما ورد في القرآن الكريم من آيات بينات منها: ّ ١ من القرآن: قوله تعالى: ﴿ ÅÄÃÂÁÀ¿¾ ﴾ )البقرة :(٢٩ . وجه ا لدلالة : أن الله 4 أخبر بأن جميع المخلوقات الأرضية للعباد؛ لأن (ما) موضوعة للعموم، واللام في (لكم) تفيد الاختصاص على جهة الانتفاع للمخاطبين، أي أن ذلك مختص بكم، فيلزم منه أن يكون الانتفاع بجميع المخلوقات مأذونا فيه شرعا، إلا ما أخرجه الدليل. ٢ وقوله تعالى: ﴿ <;:9876543 = ﴾ (الأعراف: ٣٢ (. ووجه ا لدلالة : أن الله أنكر على من حرم الزينة والطيبات لعباده، فوجب ألا تثبت حرمة شرع من ذلك إلا بنص من الشارع؛ لأن إنكار التحريم يقتضي انتفاءه وعدم ثبوته في أي شيء من الطيبات وزينة الله، وإذا انتفت الحرمة ثبتت ّ الإباحة، وهذا هو المطلوب. ٣ قوله تعالى: ﴿ tsrqponmlkji wvu ﴾ (الأن عام: ١٤٥ (. وجه ا لدلالة : أن الله 4 جعل الأصل الإباح ة، والتحريم مستثنى من الإباحة. ٤ ومن ا لسن ﱠ ة: قوله صلى الله عليه وسلم : إن أعظم المسلمين ج » ُ رما ً من سأل عن شيء ﱡ « لم يحرم فحرم على السائل من أجل مسألته(٢) . (١) يوسف حامد العالم: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، ص ٢٨٢ - .٢٨٣ (٢) رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسن ﱠ ة، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ﱡ ٦، ومسلم، بلفظ، ما لا يعنيه، رقم ٨٨٠ إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما » ً ، من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين، فحرم عليهم من أجل مسألته « كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم ، رقم ٤٤٥٣ عن سعد بن أبي وقاص. وجه ا لدلالة : أن ّ هذا الحديث يدل على أن ّ ما لم ينص على تحريمه فهو مبا ح؛ لأن السؤال عن المسكوت عنه يعتبر من أعظم الجرم؛ لأنه قد يكون ُ سببا في تحريمه. ٥ قوله صلى الله عليه وسلم جوابا ً لمن سأله عن بعض المطعومات: الحلال ما أحله الله » « في كتابه، والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه(١) . فقد أحال السائل إلى قاعدة يرجع إليها في معرفة الحلال والحرام، وهي أنه يكفيه ما ح ُ ر ﱢ م أن يعرف به ما ح َ ر ﱠ م الله، فيكون كل ما عداه حلالا ً طيبا ً إلا بنص أو عفو. ٦ قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله فرض فرائض ف لا تضيعوها، وحد حدودا » ً فلا تعتدوها وحرم أشياء ف لا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان ف لا تبحثوا « عنها(٢) . فهذا الحديث يدل على أن المسكوت عنه صار معفو عنه. ّ أما من حيث الدليل العقلي: فإن الانتفاع بما سكت عنه المشرع انتفاع بما لا ضرر فيه على المالك، ولا على المنتفع، كالاستفادة بضوء الغير، ِ والاستظلال بجداره، فكان الحكم بحل ّ الأشياء غير منصوص على حكمها هو المتفق مع سن ﱠ ة الفطرة والطبيعة. ُ ثم إن الله خلق الأشياء لحكمة، لقوله تعالى: ﴿ ÓÒÑ ×ÖÕÔ ﴾ )الدخان : (٣٨ . وهذه الحكمة هي من أجل انتفاع المخلوقات بها، وأيضا ً فإن تكليف الناس بدون بيان ما كلفوا به، تكليف بما (١) رواه الترمذي، أبواب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء، رقم ١٧٢٦ ، والبيهقي في الكبرى، ، جماع أبواب ما يحل ويحرم من الحيوانات، باب ما جاء في الضبع والثعلب، رقم ١٩١٧٥ عن سلمان، قال الترمذي: الموقوف أصح. (٢) رواه الدارقطني في سننه، كتاب الرضاع، رق م ٣٨٥٣ ، والبيهقي في الكبرى، كتاب الضحايا، جماع أبواب ما لا يحل أكله وما يجوز للمضطر من الميتة، باب ما لم يذكر تحريمه، الأشبه بالصواب مرفوعا » : رقم ١٨٣٤٩ ، عن أبي ثعلبة. الدارقطني ً .« .٣٢٤/ العلل، ٦ لا يطاق، وهو قبيح تعالى الله عنه، ويؤيد هذا قوله تعالى: ﴿ `a lkjihgfedcb ﴾ (الت وبة: ١١٥ ( . يعني: أن الله 4 لا يحكم على قوم بالضلالة والمعصية، والمعاقبة عليها حتى يتبين لهم المعاصي وموجبات الضلالة فيتركونها، وأما قبل البيان لا يكون الفعل حراما(١) . مجمل ا لقول: مما تقدم نستطيع القول بأن المسكوت عنه في الشريعة مباح حلال، وذلك في باب العادات والمعاملات، والأعيان والتصرفات، أما في العبادات فالأمر خلاف ذلك، فلا يعبد الله إلا بما شرع، ولذا قرر الفقهاء القاعدة الفقهية التي لا تشرع عبادة إلا بشرع الله، ولا تحرم عادة إلا بتحريم الله » : تقول .« لا يعبد الله إلا بما شرعه على ألسنة » : يقول ابن القيم في هذا المعنى رسله، فإن العبادة حقه على عباده، وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه، وأما العقود والشروط والمعاملات، فهي عف ْ و حتى يحرمها، ولهذا نعى الله 4 ٌ على المشركين مخالفة هذين الأصلين وهو تحريم ما لم يحرمه، والتقرب إليه « بما لم يشرعه(٢) . ونشير هنا إلى أن ّ القصد من العادات هي كل ما اعتاده الناس في حياتهم مما يحتاجون إليه، وهو يشمل طرق الكسب، وكل عقود البيع والإيجار، والهبة والشركة ونحو ذلك، ويشمل أيضا ً كيفيات تناول الطعام والشراب، وهيئات اللباس والسكن، والشيء يكون مباح الاستعمال ما لم يثبت ضرره، وإلا حرم، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا ضرر ولا ضرار في ا لإسلام »(٣) . (١) . يوسف حامد العالم: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، ص ٢٨٥(٢) ١١٩ / ابن القيم: إعلام الموقعين، ١(٣) تقدم تخريجه. فكل ما ثبت تحريمه فضرره محقق، سواء ظهر ذلك الضرر في عقولنا أم لم يظهر لها؛ لأن عدم العلم ليس علما بالعدم؛ ولأن عقولنا قاصرة وأسيرة للشهوات والأهواء التي تجعل عليها غشاوة تحول دون إدراك الحقيقة، فقد لا يرى الإنسان ضررا ً في تناول لحم الخنزير أو الميتة، ولا يجد بأسا ً في تناول الخمر، والكسب بالميسر، أو التعامل بالربا، ونحو ذلك، فاعتقاده بأن لا ضرر في هذا لا يدل على عدم وجود الضرر المحقق، ولو تجرد عن الأهواء والشهوات لا نكشف له أضرار عظيمة ومفاسد جسيمة من ارتكاب هذه المحظورات، وقد يعود الضرر عليه، أو على من يتعامل معه، (١) أو عليهما معا ً . ثمرة ا لخلاف: ويظهر أثر الاختلاف حول هذه القاعدة وثمرته في المسكوت عنه، وما أشكل حاله من الحيوان والمجهول تسميته من النباتات من ذلك: ١ أن ّ الحيوان المشكل أمره كالزرافة والفيل فيهما وجهان، أصحهما في الزرافة الحل: (أي: حل أكلها)؛ لأن الأصل الإباحة وليس لها ناب كاسر؛ وكذلك في الثعلب والضبع، فقد رجح الكدمي جواز أكل لحمها خلافا ً وك » : لجمهور الإباضية وقال َ ره أيضا ً لحوم السباع وأسآرها قوم من ّ ا، إلا الضبع ّ « والثعلب حلال اللحم مكروه سؤرهما(٢) . واختلفوا أيضا ً في ما يشتبه فيه من دواب البحر ودواب البر وأسمائه، وذكر البعض في قول أن ّ ذلك مما يشبه أجناس الأنعام، وقد قيل: إنه ليس في البر دابة إلا في البحر مثلها أو ما يشبهها، مثل الكلب وغيره، ويسمى ذلك كلب البحر أو غول البحر وما أشبه ذلك، فما كان من الدواب التي في البحر (١) يوسف حامد العالم: المرجع نفسه، ص ٢٨٥ - .٢٨٦ (٢) .١٨٢/ الكدمي: المعتبر، ٤ خارجة من أجناس صيد البحر، إلى شبه دواب البر وصيد البر، وقد قيل: إن ما كره من دواب البر، فمثله يقال فيه بالكراهة من دواب البحر. واختار الكدمي قول من يرى جواز كل صيد البحر دون استثناء وصححه، وقال من قال: كل صيد البحر جائز؛ لأن الله لم يستثن منه شيئا » : فقال ً ، وهو أصح القول، لقول الله تبارك وتعالى: ﴿ &%$#"! ' )( ,+* -6543210/. ﴾ )المائدة :(٩٦ . وعلى هذا فقد أجمعوا لا نعلم بينهم اختلافا ً أن ّ ما كان من أجناس الصيد المعروف بصيد البحر، ولا يشبه صيد البر ولا دواب البر، أن ذلك حلال، وإن ِ حيه وميتته سواء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم » :أ ُحل لكم ميتتان ود َ مان، فأما الميتتان فهما السمك والجراد، وأما الدمان [فإن ّ هنا أقاويل، وأصحها] الكبد والطحا« ل(١) «(٢) . وأما جميع ما كان من » : وفي موضع آخر يؤكد الكدمي هذا الحكم فيقول ذلك لا يعيش في البر ولو كان يلحق دواب البر وما أشبه دواب البر، فهو بمنزلة السمك وصيد البحر، ولا ذكاة فيه ولا عليه، وجميع ما كان في البحر ولو أشبه دواب البر فلا يلحقه معنى التحريم، ولو كان شبه القرد والخنزير والكلب وما أشبه السباع؛ لأنه قيل: إن لكل دابة في البر شبهها في البحر يسمى باسمها ويشبهها بلونها، فقيل: إن جميع ذلك بمعنى واحد وأنه بمنزلة « صيد البحر لا ذكاة عليه ولا تحريم(٣) . (١) ٣، والبيهقي في الكبرى، رواه ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال، رقم ٣١٤ جماع أبواب ما يفسد الماء، باب الحوت يموت في الماء والجراد، رقم ١١٢٨ ، ابن حجر: في حكم المرفوع لأن قول الصحابي أحل لنا وحرم علينا كذا » : الأصح أنه موقوف، وقال .« مثل قوله أمرنا بكذا ونهينا عن كذا فيحصل الاستدلال بهذه الرواية لأنها في معنى المرفوع .٢٦/ تلخيص الحبير، ١ (٢) .١٩٨ - ١٩٧/ الكدمي: المعتبر، ٢(٣) .١٩٩/ الكدمي: المعتبر، ٤ ٢ أما ما أشكل من الحيوانات مما يعيش في البر والماء من الطير وغيره من الدواب المشبهة لدواب البر أو غير مشبهة من ذوات الدم، فنظرا ً لدخول نسبة البر عليه فقد وضع الكدمي لذلك قاعدة عامة تضبطها، وهي أن ّ الحكم للأغلب » « من أمور معيشته، فإن كان الأغلب من أموره أن يعيش في البر أكثر، فهو من دواب البر، وحكمه حكم دواب البر وصيد البر، ولو كان صيدا ً ودمه مفسد بالأغلب من أموره أنه يعيش في البر أكثر زمانه، وأكثر شأنه من دواب البر. وأما ما كان الأغلب في زمانه وعيشه في البحر والماء، إلا أنه قد يعيش في البر عيشة يفارق بها دواب الماء التي لا تعيش في البر، وأنها متى فارقت الماء هلكت، فإذا كان كذلك فلا يصح حلاله إلا بالتذكية؛ وذلك لدخول سبب البرية عليه، ويحكم له أو عليه بالأغلب من أموره؛ لأنه قد يعيش في البر، ومث ّ ل الكدمي لذلك بالضفادع والسلحفاة والأفاعي والأماحي وغيرها، وما قيل في لحمها يقال كذلك في طهارتها ونجاستها مما فصل فيه العلماء القول ونتج عنه اختلاف(١) . خلاصة ا لقول: يظهر أن ّ بعض علماء الإباضية يفض ّ ل الاحتكام في مسألة الانتفاع الأصل في » : بالحيوانات المختلفة البرية والبحرية إلى القاعدة المشهورة وبنى عليها، فكل حيوان « الأشياء والأعيان الإباحة ما لم يثبت دليل بالتحريم أشكل حكمه ولم يرد في شأنه دليل بالحل ولا بالحرمة فيبقى على الإباحة، ومن العلماء من غل ﱠ ب جانب الشبه بين الحيوانات فما يشبه الحيوانات البرية َ من الحيوانات البحرية يعطى حكمها والعكس كذلك، والبعض أخذ بقاعدة الحكم للأغلب في حياتها المعيشية من حيث ترددها بين البر والبحر، وبعضهم فضل فيها التوقف، وبعضهم حكم عليها بالحرمة حتى يثبت حلها. (١) ١٩٢/ الكدمي: المصدر نفسه، ٤ - .١٩٨ الإباحة الأصلية » : ولعل من اعتمد على قاعدة « فيما أشكل من الحيوانات َ كان موسعا ً على الناس، حيث استطاع أن يزيل الشكوك التي تعترض البعض عن حكم بعض الحيوانات التي لم يرد ذكرها في النصوص الشرعية، والأصل أن الأصل في الأشياء الإباحة » أن نحتكم إلى اليقين، وهو .« ٣ وما قيل في شأن الحيوانات المشتبهة يقال في المجهول من النباتات التي لم يرد ذكرها في القرآن أو السن ﱠ ة، ولم يتبين حكمها، فالعلماء فيها على ﱡ ِ خلاف، والأظهر فيها القول بالحل ّ ، عملا ً الأصل في الأشياء » بالقاعدة أن « الإباحة(١) . ٤ وكذلك ما يتعلق بالانتفاع بالمعادن التي أودعها الله في الأرض؛ كالذهب والفضة والنحاس والحديد والفوسفات والزئبق وغيرها، فما ثبت ِ حرمته بالنص بقي على حرمته، كحرمة لباس الذهب للرجال وحل ّ ه للنساء، وما لم يرد فيه نص بالحرمة يبقى على أصله، وهو الإباحة. وقد مث ّ ل العلماء لذلك بما لو شك أحد في استعمال الإناء المضبب أو المزين بمادة معدنية، ّّ فالأصل فيه الإباحة(٢) . ٥ ويتخرج على هذا الأصل كثيرا ً من الأطعمة والأشربة من النباتات والفواكه والحبوب التي ترد إلينا من بلاد بعيدة ولا يعرف أسماؤها، ولم يثبت ضررها كأنواع الأجبان والعصائر، والحلويات المختلفة، فالأصل فيها الإباحة حتى يثبت دليل المنع. فقد ورد في فتاوى البكري سؤالا ً مفاده: هل يحل أكل لحم مستورد من بلاد أجنبية؟ اللحم تابع لمن ذكاه إذا كان الحيوان مما يجوز أكله، فإذا » : فأجاب كان المذك ﱢ ي (الذابح) مسلما ً أو نصرانيا ً أو يهوديا ً ، فذلك اللحم جائز أكله، (١) . السدلان: القواعد الكبرى، ص ١٣٤(٢) . السيوطي: الأشباه والنظائر نص ٨٨ لقوله تعالى: ﴿ ° ´³²± ¸¶µ ¹ ﴾ (ال م ائدة: ٥ ( ، أما إذا كان مشركا ً أو ملحدا ً أو وثني... فحرام أكله: لا فرق في ذلك بين ْ بلاد أجنبية أو غير أجنبية، أما إذا جهلت هوية المذك ﱢ ي فما استورد من بلاد إسلامية أو من بلاد تدين بالنصرانية أو اليهودية فجائز أكله، وأما ما استورد من بلاد لا تدين بدين سماوي، أي: ليست بمسلمة ولا من أهل الكتاب « فلا يحل أكله(١) . فكلام البكري يفيد أنه إذا ثبت لدينا أن الحيوان مما يحل أكله، ووصل إلينا من بلاد متدينة، فالأصل الإباح ة، ولو لم نتعرف على هوية المذك ﱢ ي، أما إذا ورد إلينا من بلاد لا تدين بدين سماوي فالأصل فيه الحرمة. ٦ ويتخرج على هذا الأصل كثير من أنواع الفرش والأثاث والملابس المستوردة، والآلات المستخدمة فيما لا يندرج تحت النهي. ٧ ويتخرج عليها أيضا ً بعض أنواع العقود المستحدثة، والمعاملات المستجدة، إذا ثبتت خلوها من الربا والجهالة، والضرر والغرر(٢) . ومن ذلك: ِ بيع التقسيط، وعقد التأمين(٣) ، والمقاولات(٤) . ولا بأس أن نورد مثالا ً لكل ّ من بيع التقسيط وعقد التأمين، والمقاولات لبيان مدى اعتماد الإباضية على هذه َْ القاعدة في مثل هذه العقود المستحدثة في إباحتها أو تحريمها. بعض أنواع العقود المستحدثة: أ في بيع ا لتقسيط: جاء في فتاوى المعاملات للخليلي سؤال عن صورة حديثة من صور (١) بكلي عبد الرحمن ٰ بن عمر: فتاوى البكري، المطبعة العربية، غرداية الجزائر، ١٤٠٢ ه/ ١٩٨٢ م، .٣٦٤/١ (٢) .١٩٨ - البورنو: الوجيز، ص ١٩٧ (٣) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٢٤٥ وما بعدها. / فتاوى البكري، ١(٤) . الخليلي أحمد بن حمد: فتاوى المعاملات، ص ٢٣ و ٢٤٢ ِ أن من المتعارف عليه أنه إذا اشترى إنسان سيارة بالأقساط ثم » : البيوع مفاده أنه استطاع بعد ذلك أن يدفع المبلغ كاملا ً في أي وقت، فإنه مباشرة يتم «؟ تنقيص المبلغ الذي اشترى به، فما الحكم في ذلك إن كان ذلك مشروطا » : فأجاب ً في صفقة البيع فلا يجوز؛ لأنه مما يدخل في بيعين في بيع، وأما إن كان غير مشروط في صفقة البيع، وإنما ذلك يتم َْ فيما بعد ففيه خلاف بين أهل العلم، مع أنه ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد جلاء بني النضير عن المدينة المنورة تعلق بهم الأنصار لحقوق كانت لهم عليهم، « فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يحطوا ويعجلوا(١) . ولكن هذه الروايات طعن فيها، وفيها بأنها لا تصح، إلا الأصل عدم المنع، ولا دليل يمكن أن يستند عليه يدل على المنع، وعليه فإن أصل الإباحة يقوي الرواية السابقة ويعضدها، فلا مانع من ذلك، ولكن يشترط أن يكون تشارط على هذا في أثناء صفقة « البيع كما تقدم(٢) . ب عقد ا لتأمين: اختلف العلماء في حكم عقد التأمين لكونه عقدا ً حديثا ً لم يرد من الشرع نص بمنعه أو إباحته، وظهر مع احتكاك المسلمين بغيرهم في المجال التجاري والنقل البحري، ويتنوع هذا العقد إلى ثلاثة أنواع(٣) : (١) رواه البيهقي في الكبرى، جماع أبواب السلم، باب من عجل له أدنى من حقه قبل محله ١، والطبراني في الأوسط، أول الكتاب، رقم ٨١٧ ، والدارقطني فقبله ووضع، رقم ٠٩٢٠ اضطرب في إسناده مسلم بن » : في السنن، كتاب البيوع، رقم ١٩٣ ، عن ابن عباس. وقال خالد وهو سيئ الحفظ ضعيف، مسلم بن خالد ثقة إلا أنه سيئ الحفظ وقد اضطرب في هذا .٤٦/ سنن الدارقطني، ٣ .« الحديث (٢) . الخليلي أحمد: المرجع نفسه، ص ٢٨ (٣) عقد من العقود » لجنة من الباحثين: معجم المصطلحات الإباضية، عرفوا التأمين بأنه ينظر: «... المستحدثة التي لم يعرفها الفقهاء الأقدمون وهو أنواع أشهرها التأمين التجاري .٧١ ،٧٠/١ ﻦﻴﻣﺄﺘﻟﺍ ﻦﻣ ﺔﻴﻟﻭﺆﺴﻤﻟﺍ ﺔﻴﺋﺎﻨﺠﻟﺍ ﺔﻴﻟﻭﺆﺴﻤﻟﺍﻭ ﺔﻴﻧﺪﻤﻟﺍ ﻦﻣ ﺪﻤﻌﻟﺍ ﺲﻜﻌﻟﺍﻭ ١ـ ﻦﻳﺭﺩﺎﺼﻟﺍ ﻦﻣ ﻝﻭﺆﺴﻤﻟﺍ .ﻪﺴﻔﻧ ﻦﻴﻣﺄﺘﻟﺍ ﻰﻠﻋ .ﻝﺍﻮﻣﻷﺍ ٢ـ ﻦﻴﻣﺄﺘﻟﺍ ﻰﻠﻋ.ﺹﺎﺨﺷﻷﺍ ٣ـ وقد بحث العلماء المعاصرين من الإباضية وغيرهم(١) هذا الموضوع من كل جوانبه، وانقسموا إلى ثلاثة أقسام: الأول المانعون مطلقا ً : وهم الأغلبية يرون في التأمين على الأموال أنه كالقمار أو الرهان المحرم، وعلى الحياة اجتراء على قضاء الله وقدره(٢) . الثاني المترددون: يرون وجوب التحري في هذه المسألة، فلا ينبغي لفرد أن يبت فيها وحده، بل يجمع فيها المختصون وأهل الفكر من العلماء ورجال الاقتصاد في مختلف النواحي ليدرسوها دراسة عميقة ويخرجوا برأي مجمع عليه، فإن هذا وحده هو الذي يناهض الإجماع المشهور لدى العلماء على التحريم وبغيرها فيظل الناس منقسمين، منهم من يحرم إتباعا ً للمأثور والمشهور، ومنهم من يبيح رغبة في التيسير والمسايرة للتطور، ومن هؤلاء المترددين من يميز بين نوع ونوع آخر كأبي زهرة محمد(٣) . ّ (١) رفيق يونس المصري: الخطر والتأمين، هل التأمين التجاري جائز شرعا ً ، ، ط ١ ١٤٢٢ ه/ ٢٠٠١ م، نشر دار القلم، دمشق والدار الشامية بيروت والدر البشير جدة ينظر: من ص ٥١ - ، ٨٤ . الزرقا مصطفى أحمد: نظام التأمين حقيقته والرأي الشرعي فيه، ط ٤ ١٤١٥ ه/ ١٩٩٤ م، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان، ينظر: ص ٢٧ - .٣٢ (٢) ينظر: علي محي الدين القرة داغي: موقف العلماء من التأمين التجاري قديما ً وحديثا ً ، وأدلة التأمين الإسلامي، دراسة فقهية تأصيلية مقارنة بالتأمين » المانعين والمجوزين في كتاب ّ ١٤٢٦ ه/ ٢٠٠٥ م، نشر دار البشائر الإسلامية، ، ط ٢ ،« التجاري مع التطبيقات العملية .١٩١ - بيروت، لبنان، ص ١٤٣(٣) نشر أبو زهرة رأيه حول التأمين في مجلة الأهرام الاقتصادي في العدد ١٣٢ الصادر في ١٥ فبراير ١٩٦١ تحت عنوان: التأمين هل هو حلال أم حرام؟ وجاء في تصريحه ما نصه: = وهذا الخلاف كله بالنسبة للتأمين لقاء قسط محدد، أما التأمين المتبادل (أو التأمين بالاكتتاب) فجائز لدى الجميع لا شبهة فيه؛ لأنه عقد جماعي تعاوني محض، والتعاون كما لا يخفى ثابت بالنص القرآني، ﴿ À¿ ÈÇÆÅÄÃÂÁ ﴾ (ال م ائدة: ٢ (. الثالث المجيزون: ويرون الجواز المطلق في كل أنواعه إذا خلا من الربا، وحجتهم أن كلامنا ينحصر في التأمين ذاته من حيث أنه نظام تعاوني وليس الكلام فيما تقوم به شركات التأمين من أعمال وعقود أخرى مشروعة أو ممنوعة، وعقد التأمين من قبيل المعاوضة وهذه المعاوضة مفيدة فائدة محققة للطرفين، ففيها من حيث النتائج النهائية ربح اكتسابي للمؤمن، وفيها أمان ُﱢ للمستأمنين قبل تحقق الخطر وتعويض بعد تحققه. ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن هذا العقد في الحقيقة عقد تعاوني مشروع؛ لأن غايته التعاون على ترميم المضار وتفتيت مصائب الأقدار، وهو نظام معاوضة تعاونية وإن انحرف به ممارسوه وأحاطوه بشوائب ليست من ضرورة نظامه، وليس عقد بيع؛ لأن عقد البيع يقوم على مبادلة المنفعة المادية، بينما عقد التكافل يقوم على سد الحاجات ودفع أثر المصائب والكوارث، فالمشاركة بالمال في عقد التكافل لا يستلزم حقا ً مقابلا ً ماديا ً طالما ليست هناك ضرورة تدعو إلى ذلك، والضرورة أو الحاجة في نطاق التكافل تعطى بمقدارها حسبما قدرت، وليس بالمقابل من المال المدفوع من المؤمن، فعقد التأمين يتضمن ﱢ في الحقيقة عقدين. أ عقد المشاركة في دفع الضرر والتكافل عند الملمات. = إن التأمين على السيارات مثلا » ً لضمان إصلاحها ليس حراما ً ، وإن كان في النفس منه شيء، والتأمين على الحياة نوع من المقامرة، لأنه إن دفع شخص بعض المال ومات فبأي حق يستحق كل المبلغ، وإن عاش حتى نهاية مدة التأمين فإنه يأخذ المال الذي دفعه مع فائدة . ورد هذا النص في كتاب نظام التأمين لمصطفى الزرقا، ص ٢٩ ،« وهذا ربا ب عقد الوكالة والمضاربة، وليست شركة التأمين إلا وكيلة من طرفي عقد التكافل أو مفوضة منها في تنفيذه. على أن في الشريعة الإسلامية شواهد يستأنس بها على جواز التأمين لا تختلف معه في روحه وغايته من ذلك: ﻊﻴﺑ :ﺀﺎﻓﻮﻟﺍ ﻰﻤﺴﻳﻭ ﺪﻨﻋﺔﻴﺿﺎﺑﻹﺍ : ﻊﻴﺑ .ﺔﻟﺎﻗﻹﺍ ١ـ ﺪﻘﻋ ،ﺓﻻﺍﻮﻤﻟﺍ ﻮﻫﻭ ﻥﺃ ﻝﻮﻘﻳ ﺺﺨـﺷ ﺮﺧﻵ ﺖﻧﺃ ﻲﻴﻟﻭ ﻞﻘﻌﺗ ﻲﻨﻋ ﺍﺫﺇ ٢ـ ﺟ . ﻞﻘﻌﻟﺍﻭ ﻮـﻫ ﻊﻓﺩ ﺾـﻳﻮﻌﺘﻟﺍ ﻲﻟﺎﻤﻟﺍ ﻲﻓ ﺖـﻴﻨ ﻲـﻨﺛﺮﺗﻭ ﺍﺫﺇ ﺎﻧﺃﺖـﻣَﱡ ﺔﻳﺎﻨﺟ .ﺄﻄﺨﻟﺍ ﻥﺎﻤﺿ ﺮﻄﺧ ﻖﻳﺮﻄﻟﺍ ﺪﻨﻋﺔﻴﻔﻨﺤﻟﺍ. ٣ـ ﻡﺎﻈﻧ ﻞﻗﺍﻮﻌﻟﺍ ﻲﻓ ﻡﻼﺳﻹﺍ .(ﺔﻠﻗﺎﻌﻟﺍ) ٤ـ ﺓﺪﻋﺎﻗ ﺕﺎﻣﺍﺰﺘﻟﻻﺍ ﺪﻋﻮﻟﺍﻭ ﻡﺰﻠﻤﻟﺍ ﺪﻨﻋﺔﻴﻜﻟﺎﻤﻟﺍ. ٥ـ ﻡﺎﻈﻧ ﺪﻋﺎﻘﺘﻟﺍ .ﺕﺎﺷﺎﻌﻤﻟﺍﻭ ٦ـ وبعد أن عرض الشيخ بكلي عبد الرحمن آراء العلماء في حكم عقد التأمين ٰ مال إلى رأي المجيزين واختاره استنادا ً إلى أدلة شرعية وحيثيات واقعية ترجح وبهذا: فإن جمهرة العلماء المعاصرين يجيزون التأمين » : ما ذهبوا إليه، فقال على اختلاف أنواعه متى خلا من الربا هذا أولا .ً ثانيا ً: ولكونه بعيدا ً عن الضرر والغرر والإيذاء. ثالثا ً: ولكون الأصل في المعاملات حلها، وحرمتها تكون لما يتأكد أو يبدو فيه الضرر. رابعا ً: ولكون حياة المجتمع المعاصر كثرت تفاعلاتها، وزادت أعباؤها، وتعددت مشاكلها ومسؤولياتها، فكان في نظام التأمين تفتيت لأضرارها وكوارثها، وتحقيق لأعبائها وتكاليفها وتقليل من مشاكلها ومسؤولياتها (والمشقة تجلب التيسير .( خامسا ً: وعملا ً بالقاعدتين العظيمتين في الإسلام اللتين قررهما القرآن: ﴿ }|{z ~ے ¡ ﴾ )الحج :(٧٨ ، ﴿ §¨ «ª© ¬ ¯® ﴾ (الب قرة: ١٨٥ (. وبعد أن عرض البكري آراء الفقهاء وأدلتهم صرح برأيه دون تردد فقال: وبناء على ما تقدم فما ذهب إليه الأستاذ الزرقا معقول ومقبول والله الموفق »« للصواب(١) . الرأي ا لمختار: ومهما يكن من اختلاف فالذي يهمنا في هذا المقام أن القائلين بجواز الأصل في » : عقد التأمين قد اعتمدوا على القاعدة المقررة في المعاملات أن والحق أن رأيهم وجيه يتماشى ،« العقود الإباحة ما لم يرد دليل على تحريمه ا مع مقاصد الشريعة في التيسير ورفع الحرج، خاصة في الحالات الاضطرارية مثل التأمين على السيارات والمركبات والممتلكات الخاصة، كالمحلات التجارية والسكنات حيث تفرضه بعض البلاد على الملا ﱠ ك في قوانينها الوضعية، ُ وتدفعهم إلى إجراء هذا العقد الإلزامي مع شركات التامين، وكل من رفض ذلك تعطلت مصالحه ولحقه ضرر ومشقة لمخالفته لهذه القوانين الملزمة. ج عقد ا لمقاولات: ورد على الشيخ أحمد الخليلي سؤال عن جماعة تشتغل في مقاولات البناء، وقالوا: لدينا عمل في مقاولات البناء، ويتقدم إلينا الكثير من الناس بطلب بناء منازل سكنية، أو محلات تجارية لهم من ممولة من البنك، وهذا ﱠ التمويل هو عبارة عن قروض ربوية تلقاها المذكورون من ذلك البنك، فهل يجوز لنا نحن المقاولين ذلك. (١)عبد الرحمن ٰ ٢١٥/ بكلي: فتاوى البكري، ١ - ٢٤٥ - ٢٤٧ إن كان الاتفاق بينكم وبين أرباب البيوت من غير أن تدخلوا في » : فأجاب معاملات ربوية فلا مانع منه، ولا يضركم تعامل أصحاب البيوت مع مؤسسات « ربوية(١) . فهنا نلاحظ أن الخليلي اعتمد في جواز المقاولات مع أصحاب الأصل في العقود الإباحة ما لم يرد دليل بالمنع » : البيوت على قاعدة « لأجل الربا أو الغرر أو الجهالة أو الشروط الباطلة. :äGOÉÑ©dG ÜÉH »a أ حكم الصلاة في الملابس ا لمصنوعة: أباح الشارع الصلاة بجميع الملابس المصنوعة من الصوف والقطن والوبر والشعر وما أشبههما، وكذلك كل لباس من نبات الأرض كالحلفاء وأوراق الشجر، ويلحق بها كذلك الملابس المصنوعة من النفط المستخرج من الأرض وغيرها عملا ً الأصل في الأشياء الإباحة » بالقاعدة المقررة أن « وقد أشار إليها فقال: « الإيضاح » الشماخي في ...» تجوز الصلاة بجميع الثياب المعمولة من صوف أو قطن أو كتان أو وبر أو شعر لقوله 8 : ﴿ 543 :9876 ﴾ )النحل :(٨٠ . وما روي من طريق ابن عباس أنه قال صلى الله عليه وسلم : عليكم بهذه الثياب البيض » ُ ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم، فإنها من خير ث يابكم «(٢) ، فقوله: من » « خير ث يابكم دليل على الندب إليها، والدليل أيضا ً ما روي عن عبادة بن خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة من صوف شامية ضيقة » : الصامت قال (١) . الخليلي أحمد: فتاوى المعاملات، ص ٢٤٢(٢) رواه الربيع، كتاب الجنائز، باب الكفن والغسل، رقم ٤٧١ ، وأحمد، مسند الكوفيين، حديث سمرة بن جندب، رقم ٢٠١٦٦ ، عن سمرة. ورواه الحاكم في المستدرك، كتاب الجنائز، رقم ١٣٠٨ ، عن ابن عباس، وقال: صحيح على شرط مسلم. ابن حجر: إسناده صحيح. فتح .١٣٥/ الباري، ٣ « الكمين، فصلى بها وليس عليه غيرها(١) . وكذلك تجوز الصلاة بجميع المعمول من نبات الأرض إذا ستر، كما تجوز الصلاة عليه. وذكر الشماخي أنواعا ً أخرى ت ُلب َ س على الر ِج ْ لين كالخف والنعلين إلا أن هذا الأخير مختلف في إباحته، ولكنه رجح جواز لبسه ما دام لم يرد فيه دليل المنع، وبين أن حجة المانعين بنيت على الاحتياط لحرمة الصلاة والمسجد، ُّ ُ وخوفا ً ولباس الر » : من انتقال النجاسة إليه بواسطته. يقول في هذا الصدد ﱢ ج ْ ل كله مثل الخف والقرق وغيره فلا بأس بالصلاة به إلا النعلين ففيهما قولان، والدليل اتفاق الجميع على إباحة لباسه، ولم يبلغنا ما يمنع من ذلك في الصلاة، فنحن على الإباحة حتى يصح الدليل على خلافها، غير أن المسلمين كانوا يخلعون أخفافهم ونعالهم عند دخول المساجد وعند الصلاة، وذلك عندي احتياط أن يكون نالها شيء من الأذى، ولم يعرفوا به، وتعظيما ً لحرمة « المسجد وحرمة الصلاة(٢) ، ويؤيد هذا قوله تعالى لموسى : ﴿ ÃÂÁÀ ÆÅÄ﴾ (طه: ١٢ (. كما أباح بعض فقهاء الإباضية الصلاة بثوب فيه صور رغم تحرج ﱡ الأصل في الأشياء » بعض الناس منه، ولعلهم استندوا في رأيهم إلى أن وقد نقل الشماخي هذا الرأي عن ،« الإباحة ما لم يثبت دليل بالتحري م وقال بعضهم: إن صلى بالثوب الذي فيه التصاوير » : بعض العلماء فقال (١) رواه البخاري، أبواب الصلاة في الثياب، باب الصلاة في الجبة الشامية، رقم ٣٦٥ ، عن كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: » : المغيرة بن شعبة بلفظ يا مغيرة خذ ا لإداوة . فأخذتها فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توارى عني فقضى حاجته وعليه جبة شامية فذهب ليخرج يده من كمها فضاقت فأخرج يده من أسفلها فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة ومسح على ورواه الربيع، كتاب الصلاة ووجوبها، باب في الثياب والصلاة فيها وما .« خفيه ثم صلى يستحب من ذلك، رقم ٢٦٨ . عن المغيرة. (٢) .٣١ - ٣٠/ الشماخي: الإيضاح، ٢ جازت صلاته، والدليل على هذا القول: ما روي أنه اشتكى أبو طلحة الأنصاري فدخل عليه ناس يعودونه فنزع نطعا ً(٣) تحته فقيل له: لم نزعته يا أبا طلح ة؟ فقال: لأن فيه تصاوير، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد علمتم فقال رجل من القوم: ألم يقل: « ما كان رقما في ث وب » ؟ فقال: بلى، « ولكنه أطيب للنفس وأحوط من الإثم(٤) فعلى هذا الحديث إن صلى جازت الصلاة به والله أعلم. ولكن الشماخي اختار القول الأول وصححه وهو: تحريم الصلاة في ثوب عليه تصاوير وقال: والقول الأول أصح؛ لأنه أحوط من الإثم كما قال « أبو طلحة(٥) . ومما يستفاد من هذا الأثر أنه يجوز للمصلي أن يصلي بثوب فيه تصاوير عند الاضطرار لا الاختيار خاصة في هذا العصر الذي افتتن فيه أهله مما يفد عليهم من مصنوعات البلاد غير الإسلامية، فقلما تعثر على ملابس لا يوجد فيها صور أو أشكال مختلفة، ولا شك أن هذا الحكم قد اعتمد أصحابه على أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يصح المنع من وجه لا معارض » : القاعدة والدليل الذي استدل به أصحاب القول الأول يخص نوع معين من الثياب ،« له كالملابس الرياضية، ولم يكن عاما ً لكل أنواع الملابس، وبناء عليه، فالملابس ّ التي تحمل أرقاما ً مميزة يجوز الصلاة بها، فنحن نميل إلى هذا القول عند تعذر غيره حتى لا يكون حجة لمن يؤخر الصلاة عن وقتها لانشغاله بحثا ً عن الثوب المناسب للصلاة. (٣) نطعا: وسادة. (٤) رواه الربيع، كتاب الصلاة ووجوبها، باب في الثياب والصلاة فيها وما يستحب من ذلك. رقم ٢٧٦ ، والترمذي، كتاب اللباس، باب الصورة، رقم ١٧٥٠ ، والنسائي في المجتبى، كتاب الزينة، التصاوير، رقم ٥٣٤٩ ، عن أبي طلحة،. قال الترمذي: حسن صحيح. (٥) ٣٠/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ٢ - .٣١ ب حكم مس المصحف أو قراءة القرآن بدون طهارة: اختلف الفقهاء فيمن أراد حمل المصحف أو تصفحه لتلاوة القرآن وهو بدون طهارة، وكذلك بالنسبة لتلاوة القرآن، فهل هي شرط في صحة ذلك أم لا؟ ذهب بعضهم إلى اشتراط وجوب التطهر من جميع الأحداث لأداء العبادة ولو نفلا، ً ومنهم من أجاز مس المصحف وتلاوة القرآن بدون وضوء إلا إذا كان جنبا ً ، ومنهم من أجاز مطلقا ً للمسلم؛ لأنه طاهر من أصله عملا ً بالقاعدة وحتى تتضح المسألة أكثر ووجهة ،« الأصل في الأشياء الإباح ة » المقررة أن نظر كل فريق نورد عبارة الشماخي كما أثبتها في إيضاحه حيث بحث هذه واختلفوا هل هذه الطهارة » : المسألة وأشار إلى سبب اختلاف الفقهاء، فيقول (الوضوء) شرط في مس المصحف أم لا؟ قال قوم: إنها شرط في مس المصحف، وقال آخرون: ليست شرط. وسبب الخلاف: هو تردد المفهوم من قوله تعالى: ﴿ +*) , ﴾ (ال واق عة: ٧٩ ( ، بين أن يكون المطهرون بني آدم، وبين أن يكون الملائكة، وبين أن يكون خبرا ً لا نهيا ً ، فمن فهم من المطهرين بني آدم وفهم من الخبر النهي قال: لا يمس المصحف إلا الطاهر، ويعضد هذا ما روي عن جابر بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمفي الجنب والحائض والذين لم يكونوا على طهارة: لا يقرؤون القرآن ولا يطؤون مصحفا » ً بأيديهم حتى يكونوا « متوضئين(١) . ِ ومنهم من ف َهم من الآية الخبر قال: ليس في الآية دليل على اشتراط هذه الطهارة في مس المصحف، ويبدو أن الشماخي لم يقتنع بتلك الأدلة المانعة (١) رواه الربيع، باب في ذكر القرآن، رقم ١١ ، والترمذي، أبواب الطهارة، باب في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن، رقم ١٣١ ، والبيهقي في الكبرى، كتاب الحيض، باب الحائض لا تمس المصحف، رقم ١٣٧٥ ، عن ابن عمر. وقال: ليس هذا بالقوي. وضعفه .١٣٨/ ابن حجر وقال: إنه قول ابن عمر. تلخيص الحبير، ١ فاختار عدم الحظر ما دام لم تثبت تلك الأدلة ولم تصرح بالتحريم، ولم تصل إلى مرتبة اليقين الذي لا يحتمل معه الشك، فالأمر يبقى على الإباحة الأصلية وإذا لم يكن دليل لا من كتاب » : حتى يثبت خلاف ه، وفي هذا المعنى يقول ولا من سن ﱠ ة ثابتة يبقى الأمر على البراءة الأصلية وهي الإباحة « (١) . ُ قوله: يبقى الأمر على » : وعلق الشارح السدويكشي (المحشي) على قوله البراءة الأصلية فيه إشارة إلى قاعدة أصولية «( (٢) . وكذلك اختلفوا هل من شرط قراءة القرآن ا لطهارة؟ وسبب الخلاف: هو معارضة الأحاديث، أحدهما: حديث جابر بن زيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمتنع » : المتقدم، والثاني: حديث علي بن أبي طالب قال «(٣) من قراءة القرآن إلا إذا كان جنبا ً . قال الليث : بلغنا أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهما أجازوا قراءة القرآن على غير وضوء، ولكنهم لم يجيزوا مس المصحف ولا أن يقرأ الجنب القرآن وكذلك الحائض. وقد منع » : قول الجمهور بالمنع فقال « المعتبر » ونقل الكدمي في الجمهور قراءة القرآن الكريم للمحدث أيضا ً ، ولكن ابن عباس استثنى آية أو آيتين، وكان علي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء إلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن » : وقال ،« الجنابة (١) .١٥٢ - ١٥١/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ج ١(٢) .١٥٢/ المحشي السدويكشي: الحاشية على كتاب الإيضاح للشماخي ١(٣) ، رواه أحمد، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب، رقم ١٠١١ والدارقطني في السنن، كتاب الطهارة، باب في النهي للجنب والحائض عن قراءة القرآن، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه من قراءة القرآن إلا أن يكون جنبا » : رقم ١٠ ، عن علي، بلفظ ً ،« .« ما أحدث بحديث أحسن منه » : قال سفيان: قال لي شعبة «(١) جنبا ً . ومعي أنه يخرج في بعض معاني الروايات فأحسب عن النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ القرآن على أية حالة كنت فيها إلا ج » : أنه قال ُن ُ با ً وادخل المسجد في أية حالة شئت إلا جنبا ً واحمل المصحف في أية حالة شئت إلا جنبا ً « وكل ُ «(٢) معنى الرواية يدل على إطلاق هذه المعاني للإنسان إذا لم يكن جنبا ً . وأشار الكدمي إلى اختلاف الإباضية في قراءة القرآن بدون وضوء فقال: واختلف القول في القراءة على غير وضوء وأحسب أنه مما يروى عن »النبي صلى الله عليه وسلم في بعض ما يرفع عنه أنه قال مثل ما قيل أنه أجاز قراءة القرآن على كل حال إلا راكعا ً أو ساجدا ً أو جنب، إلا أنه قد ثبت من معاني القول عنه « الجنب لا يقرأ القرآن » (٣) . قال الشيخ أحمد : كان عمر » : وصح عن عمر بن الخطا ب، عن عبيدة قال قال الشيخ أحمد « يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب : وروينا عن علي بن أبي لا يقرأ القرآن، ولا حرفا » : طال ب، أنه قال في الجنب ً واحدا ً .« ورجح الكدمي القول بمنع مس المصحف مطلقا ً دون تمييز بين الحدث وأحسب أنه كذلك بالنسبة لمس المصحف، فقد » : الصغر والأكبر وصححه فقال منع الجمهور مس الجنب للمصحف، فلا يجوز لغير المتوضئ لمسه للمصحف، ومع أنه قد أجيز في قول بعض من قال ذلك إلا أن الصحيح المنع؛ لأن الظاهر أنه لا يجوز مس المصحف إلا للمتطهر من الجنابة والحيض والشرك... ّ (١) رواه الترمذي، أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب في الرجل يقرأ القرآن على كل ١، والنسائي، كتاب الطهارة، باب حجب الجنب من قراءة القرآن، حال ما لم يكن، رقم ٤٦ رقم ٢٦٢ ، عن علي. قال الترمذي: حسن صحيح. (٢) . الكدمي: المعتبر، ص ١٥٥ (٣) رواه الدارقطني في السنن، كتاب الطهارة، باب في نهي الحائض والجنب من قراءة القرآن، رقم ٦، والبيهقي في معرفة السنن والآثار، باب قراءة القرآن، رقم ٢١٩ ، عن ابن عمر. ينظر: .١٥٥/ الكدمي: نفسه، ٤ ومعي أن مثل ذلك يخرج في النفساء أيضا ً مثل الحائض، وذلك قبل أن تطهر من نفاسها، والمستحاضة بمنزلة... والأقلف عندي بمعناهم وأشد، « ويلحق معنى الأقلف في معاني ما يشبه المشرك فيه(١) . وبين الكدمي أن الجنب ليس نجسا ً في الأصل وإنما أصابه الحدث الأكبر ﱠ فلزمه التطهر منه للتعبد، ومثله من أصابه الحدث الأصغر. إذا ثبت أن ذلك محجور على الجنب فلا يكون » : يقول في هذا المعنى ذلك إلا لمعنى أنه ليس هو بمتطهر؛ لأن الجنب ليس بنجس في الأصل وإنما هو ليس بمتطهر، وإنما التطهر عليه تعبد، لا لمعنى أنه نجس البدن، ﱡ وذلك أنه لو مس شيئا ً من الطهارات شيء من رطوبات بدنه لم يكن ذلك ِ نجسا ً ، وكذلك الأمر بالنسبة لعرقه، وبالنسبة أيضا ً لجميع الرطوبات منه، ََ ما سوى النجاسة وما مسها إن كان يخرج مخرج الطهارة، فهو طاهر في الأصل غير متطهر التطهر الذي يلحقه معنى التعبد به على حسب ما لزمه التطهر بالوضوء، لا على غير ذلك في معنى الاعتبار، فلما أن كان كذلك في معاني الاتفاق، أنه إنما يلحقه التعبد له بالتطهر على هذا النحو، كان المحدث للبول والغائط أو المني أو الودي، أو ما سوى ذلك من النجاسات لمعناه في الاشتباه، أنه ليس بمتطهر وإن كان طاهرا ً ، أو يلحقه في الشبه في معاني قراءة القرآن؛ لأن ما لحقه في معنى ثبوت الحدث، وأنه ليس بمتطهر؛ لأنه ما أشبه الشيء فهو مثله منه، ومعاني ما يتفق ويتشابه، فيلحقه بهذا المعنى المحدث بشيء من الأحداث، الذي فيه من النجاسات ما يلحق في الجنب من قراءة « القرآن إلا من عذر(٢) . (١) ١٥١/ الكدمي: المعتبر، ٤ - .١٥٤ ،١٥٢ (٢) .١٥٥/ الكدمي: نفسه، ٤ مجمل ا لقول: وبعد عرض رأي الكدمي وأدلته في هذه المسألة نجده يميل إلى رأي الجمهور في منع قراءة القرآن بدون طهارة مطلقا ً ، أما بالنسبة للمس المصحف فقد خالف الجمهور، واختار المنع مطلقا ً لغير المتطهر سواء كان جنبا ً أو غير متوضئ؛ ولعل سبب ذلك أنه: كان يعظم شأن القرآن ويعمل بالآية الكريمة: ﴿ ,+*) ﴾ (ال واق عة: ٧٩ ( . والله أعلم(١) . (١) لم يفهم مراد الكدمي من عبارته، هل يقصد من المتوضئ أي: المغتسل من الجنابة لأنه يستعمل هذه العبارة في معرض الجنب فربما يقصد بالوضوء الوضوء الأكبر وهو الاغتسال، فإذا كان هذا قصده فلا إشكال معه، وبذلك يكون موافقا ً للجمهور في منع الجنب مس المصحف، أما غير المتوضئ الوضوء الأصغر فلا مانع من ذلك، والله أعلم. الأصل في الأشياء والأعيان الإباحة » : هذا وقد استثنى الفقهاء من قاعدة « بعض القواعد منها: ١ « الأصل في الأبضاع التحريم » . ٢ « الأصل في الأموال الحظر » . ٣ « الأصل في الدماء الحرمة » . ٤ « الأصل في الذبائح التحريم » (١) . أنه لما كان ،« الأصل في الأشياء الإباح ة » : ووجه استثنائها من قاعدة (الأصل) دليل من أدلة الإثبات فهو من المرجحات الابتدائية في الإثبات، كان الرجوع إلى أصل واجبا ً ولازما ً لمعرفة كثير من القواعد المعتبرة أصولا ً الأصل في الأشياء الإباحة » : في الشرع لقولهم « الأصل في » و إلخ ولا يخرج شيء منها عن أصله إلا بدليل ... « الأشياء العارضة العدم خاص يقتضي ذلك في الموضع المعين الذي يستدل به(٢) . ومن هذا الوجه الأصل في الأبضاع التحريم » : أمكن استثناء بعض القواعد كقاعدة « الأصل في الأموال الحظر » و « الأصل في الدماء المنع » و .« وممن ذهب إلى واستثنى » : هذا القول: ابن السبكي فقد نقل عنه الشيخ السالمي فقال السبكي من هذا القول أموالنا فإنها من المنافع، والظاهر أن الأصل فيها (١) .٢٠/ السالمي: معارج الآمال، ١(٢) .١٠٦١/ الزرقا: المدخل الفقهي العام، ٢ التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم : « إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام »(١) ، « فيخص به عموم الآية السابقة(٢) وهي: ﴿ ÜÛÚÙØ×Ö ßÞÝ ﴾ )الجاثية :(١٣ . وقد جنح إلى هذا القول من الإباضية سفيان الراشدي فقال تحت الأصل في الأموال الحظ ر؛ لأنها مملوكة لمالك » : عنوان القاعدة السادسة ِ وليس لنا أن نتصرف في ملك الغير إلا بإذن، فما علمنا حله فذلك المأذون ِ فيه، وما علمنا حرمته وجب اجتنابه، وما أشكل فتلك شبهات، فالأمور ثلاثة: أمر بان لك رشده فاتبعه، وأمر بان لك غيه فاجتنبه، وأمر أشكل عليك «... فقف عنه(٣) . هذا وقد رد ّ السالمي وغيره على ابن السبكي ومن ذهب مذهبه أنه لا تستثنى الأموال من قاعدة الإباحة فهي من المنافع التي أباحها الله للإنسان إن التحريم عارض فلا يخرجها عن أصلها، وللكلام في » : لينتفع بها فيقول المنافع والمضار بالنظر إلى ذاتها، لا لما عرض لها، فالأموال بالنظر لذاتها من واستدرك السالمي على .« المنافع التي الأصل فيها الحل فلا وجه لاستثنائها ابن السبكي وغيره أن ما قيل في الأموال ينبغي أن يقال كذلك في المستثنيات الأخرى من قاعدة الإباحة كالدماء والفروج، فليس الحكم مقتصرا ً على (١) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي: « رب مبلغ أوعى من سامع » ، رقم ٦٧ ، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، رقم ١٦٧٩ ، عن أبي بكرة، ورواه الربيع، كتاب الجهاد، باب جامع . الغزو في سبيل الله، رقم ٤٦٤ (٢) ١٩٠ . البناني: الحاشية على شرح الجلال بن محمد بن / السالمي: طلعة الشمس، ٢ أحمد المحلي على متن جمع الجوامع لتاج الدين عبد الوهاب بن السبكي، وبهامشها تقرير عبد الرحمن ٰ .٣٥٤/ الشربيني، ط دار الفكر، بيروت، لبنان، ١٤١٥ ه/ ١٩٩٥ م، ٢ (٣) الراشدي: جواهر القواعد، تحقيق محمد بن يحيى الراشدي، ط ١، نشر مكتبة الاستقامة، ع ُ . مان ١٤٢٥ ه/ ٢٠٠٥ م، ص ٩٢ z ºjôëàdG ´É°†HC’G »a π°UC’G{ :IóYÉb á≤«≤M :k’qhCG على أن ما ذكره (السبكي » : الأموال فقط، فيقول ( في الأموال يجري مثله في « الدماء والأعراض فينبغي استثناؤها من المضار إذ قد يعرض لها ما يجوزها(١) . ﱢ وحتى ندرك أهمية هذه القواعد المستثناة، ومدى اعتماد الإباضية عليها في تخريج الفروع الفقهية، نحاول دراسة واحدة منها كنموذج لها وهي قاعدة: الأصل في الأبضاع التحريم » .« ولأهمية هذه القاعدة رأينا من المناسب أن نوضح مدلولها ودليلها وما يتخرج عليها من الفروع الفقهية كما يلي: ١ تعريف ا لقاعدة: الأصل في اللغة: هو أسفل الشيء وأساسه. والأصل في الاصطلاح: هو ما يبنى عليه غيره، ولا يبنى هو على غيره(٢) . وفي اصطلاح قواعد الإثبات، هو الحالة العامة التي هي بمثابة قانون مرعى ُْ ابتداء بلا حاجة إلى دليل خاص عليه، بل يعتبر مسل ﱠ ما بنفسه(٣) . والمراد ب الأبضاع : الفروج، جمع بضع وهو الفرج، كناية عن النساء والنكاح. ُ الأصل في الأبضاع التحريم » ومعنى أن « أي: الأصل في النكاح الحرمة والحظر وأبيح لضرورة حفظ النس ل، ولذلك لم يبحه الله 4 إلا بإحدى طريقتين، هما: العقد وملك اليمين وما عداهما فهو محظور، ولذلك قال أهل لو تقابل في المرأة ح » : العلم َل ّ وحرمة غ ُل ّ « بت الحرمة(٤) ، أي لو رأينا امرأة (١) .١٩١ - ١٩٠/ السالمي: نفسه، ٢(٢) . الجرجاني: التعريفات، ص ٣٤(٣) .١٠٦/ الزرقا: المدخل، ٢(٤) . البورنو: الوجيز، ص ١٩٩ . الراشدي: جواهر القواعد، ص ٩٢ تعارض فيها حل وتحريم، فالأصل الإباح ة، ولكن الحظر والمنع مقدم، التحريم مغلب في الأبضاع » ويوردها بعض العلماء بصيغة « (١) . قال السالمي : وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان، فلا يحل إلا » بتيقن حله، من التذكية والعقد، فإن تردد في شيء من ذلك كظهور سبب آخر «... رجع إلى الأصل فيبني عليه، فما أصله الحرمة على التحريم(٢) . ٢ دليل القاعدة: 6 ❁ DCBA@?> =<; ❁ 987 LKJIHGF ﴾ )المؤمنون :٤ -(٧ . ووجه ا لاستدلال بالآية أن » ّ هؤلاء ممسكون لفروجهم، والاستثناء في قوله: ﴿ <; = ﴾ )المؤمنون : (٦ ، من نفي الإرسال الذي ينبئ عنه الحفظ: أي لا يرسلونها على أحد «... إلا على أزواجهم أو ممتلكاتهم، وما عدا ذلك فهو تعد منه(٣) . ب كما أنها تستند إلى أصل عظيم اتفقت عليه جميع الشرائع السماوية، وهو من المقاصد العامة الضرورية للشريعة الإسلامية وهو: حفظ النسل؛ لأن سلامة النسل وحفظ العرض يجعلان المجتمع الإسلامي قويا ً نقيا ً منسجما ً ، ّّ لا شذوذ فيه ولا أحقاد ولا شحناء في ربوعه(٤) . (١) السدلان: القواعد الفقهية الكبرى، ص ١٣٨ ، نقلا عن إمام الحرمين الجويني: غياث الأمم ١٤٠١ ه ، الدوحة قطر. ، في التياث الظلم، ط ٢(٢) .٢٠/ السالمي: معارج الآمال على مدارج الكمال، ١(٣) أبو السعود الحنفي، تفسير ابن السعود المسمى (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، ٤٨/٤ ، تحقيق عبد القادر عطا، توزيع ونشر الرئاسة العامة للإفتاء بالسعودية ١٤٠١ - .٤٩ (٤) ٤٢ . ابن بركة، / ١٢٠ . الجيطالي إسماعيل: قواعد الإسلام، ١ / السالمي: طلعة الشمس، ٢ ١٢٨ . عثمان الأصم: النور، ص ١٧٧ . باجو: منهج الاجتهاد عند ،١٢٧/ الجامع، ٢ . الإباضية، ص ٧٢١ أ تستند هذه القاعدة إلى قوله تعالى: ﴿ 4321❁ ٣ الفروع الفقهية المتخرجة عليها: الأصل في الأبضاع التحريم » : ومن الأمثلة التطبيقية على قاعدة « ما يلي: ١ إذا اختلطت زوجته بنساء واشتبهت، لم يجز للزوج وطء واحدة منهن بالاجتهاد بلا خلاف، سواء كن محصورات أو غير محصورات؛ لأن الأصل التحريم، والأبضاع يحتاط لها، والاجتهاد خلاف الاحتياط. قال الراشدي في فإذا تقابل في المرأة حل وحرمة غل » : هذا الصدد ﱢ ب جانبه ا، ولهذا امتنع الاجتهاد فيما إذا اختلطت محرمة بنساء قرية محصورات؛ لأنه ليس الأصل « فيهن الإباحة حتى يتأيد الاجتهاد(١) . وقد نقل الكدمي مثالا ً وبين موقف الفقهاء منها « جامعه » لهذه المسألة في ﱠ وأدلتهم واختار أحد الأقوال عملا ً ومن كان له أخت أو أم » : بهذه القاعدة فقال ّ أو ابنة أو عمة أو خالة أو إحدى النساء اللاتي لا تحل له، فدخلت بيت أو قرية، ولم يعرفها من غيرها، ففي بعض القول: أنه يجوز له أن يتزوج امرأة من أهل ذلك البيت، أو تلك القرية حتى يعلم التي لا تحل له بعينها فيتجنبها، وعلى هذا القول: إن وافقها هي فهو هالك، وإن وافق غيرها فهو آثم. وقال بعضهم: لا يجوز له أن يتزوج امرأة من أهل ذلك البيت أو تلك « القرية، حتى يعلم التي تزوجها أنها غير تلك المرأة التي تحرم عليه(٢) . ويستدل على ذلك بوجوه: ِ أ منها: أن تكون المرأة المحرمة عليه صغيرة، فيتزوج هو أكبر منها سن ّا ً ، ويصح معه أنه لا يمكن أن تكون هي المحرمة، أو تكون المحرمة اسمها عمرة، فتزوج هو امرأة اسمها زينب. َْ (١) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ٩٢(٢) ٣١/ الكدمي: الجامع المفيد، ٣ - .٣٢ ب وأما إن كانت المحرمة كبيرة فلا تحل بناتها مما يمكن أن تكون ولدته هي، فلا يحل له تزويج من يمكن أن تكون من نسلها، إذا كانت مثل َ الأخت والابنة، أو من لا يحل له نسلها. ج وأما إن كانت مثل الخالة أو العمة، وما كانت شبهها، فلا بأس بتزويج الأصغر منها، والأقل من سنها إذا عرف سن التي لا تحل له. وإذا لم يعرف ذلك، واشتبه عليه حكمها، والتبس عليه معرفتها، فيترك جميع أهل ذلك البيت أو أهل تلك القرية. قال الكدمي : وهذا القول أشبه بأصول أصحابنا (الإباضية » ( « ولا يتعدى إلى غير ما أبيح له إلا بيقين(١) . ٢ ومن زنى في قرية بامرأة وخفيت عليه، فلا يتزوج من تلك القرية امرأة ولا يتسرى من إمائها، حتى يعلم أنها غير التي زنى بها للشبهة الحاصلة؛ وكذلك من زنت برجل في قرية ولم ،« الأصل في الأبضاع التحري م » لأن تعرفه، فلا تتزوج من تلك القرية حتى يتأكد عندها أنه غير الذي زنى بها. نقل الجناوني هذه المسألة في مصنفه، وأشار إلى حكمها، إلا أنه لم يصرح بتحريم الزواج من تلك القرية لكل منهما خلافا ً لما ذهب إليه الشقصي(٢) ، بل جعل ذلك من باب الاستحباب والاحتياط خوفا ً من الوقوع في المحرم؛ لأنه من وإذا » : الأمور التي يجب أن يحتاط فيها: مسألة الأبضاع. يقول في هذا الصدد َِ دخل الرجل في قرية بليل أو نهار فزنى فيها بامرأة ولم يكن يعرفها، فلا يستحب ْ له أن يتزوج بعد ذلك في تلك القرية، لئلا يوافق تلك المرأة التي زنى بها، أو أمها أو ابنتها أو من يحرم عليه نكاحه من النساء، إذا زنى بتلك القرية بتلك المرأة، ولا يستحب له أيضا ً أن يتسرى من إماء تلك القرية؛ لئلا يوافق مثل ذلك، وأما التحريم فلا يحرم عليه إلا التي زنى بها أو من كان من نسلها أو من (١) .٣٢/ الكدمي: المفيد، ٣(٢) .٣٧/ الشقصي خميس: منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، ١٥ ِ أمهاتها أو من يحرم عليه نكاحها من النساء إذا زنى، ولكنه ليد َ ع ما يريبه إلى ما لا يريبه «... (١) . ...» وكذلك المرأة إذا دخلت في قرية فزنى بها رجل لم تعرفه، فلا يستحب لها أن تتزوج في تلك القرية بعد ذلك؛ لئلا توافق ذلك الرجل الذي زنى بها أو شيئا ً من آبائه أو من يحرم عليها نكاحه إذا زنى بها، وأما من جهة التحريم، َ فلا يحرم عليها إلا الذي زنى بها أو أبوه أو ابنه أومن يحرم عليها نكاحه إذا « زنى بها(٢) . ومما يستخلص من عبارته أن الزنى ينشر الحرمة بين الزاني والزانية، وكذلك بين محارمه ومحارمها، وهذا ما أجمع عليه فقهاء الإباضية خلافا ً للجمهور(٣) . ٣ حكم المنبوذ إذا وجد في ا لطريق: ومن المسائل التي ينبغي الاحتياط فيها قدر المستطاع، ما لو وجد طفلا منبوذا ً في طريق وجهل حاله، هل له نسب معروف أم لقيط من زنى؟ فالعلماء بينوا حكم هذه المسألة، والذي يفهم من عبارتهم أنهم استحسنوا عدم زواج ﱠُ ذلك الولد من تلك القرية التي وجد فيها حتى لا يقع زواجه بإحدى محارمه، وهذا الحكم من باب الاحتياط في الفروج، ولكن لو حدث أن تزوج من ذلك البلد فلا أظن أن أحدا ً من أهل العلم يمنعه من ذلك، ويحكم عليه بالفسخ؛ لأن هذه شبهة لا تصل إلى درجة اليقين. وإن وجد المولود غلاما » : جاء في كتاب النكاح للجناوني ما نصه ً كان ُ (١) يشير إلى الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » « تقدم تخريجه. (٢) . الجناوني: كتاب النكاح، ص ٤٢(٣) ينظر: كتابنا النكاح في المذهب الإباضي مقارنة بالمذاهب الإسلامية والقوانين الوضعية، مطبعة النهضة، سلطنة ع ُ مان الطبعة الأولى ١٤٢٢ ه/ ٢٠٠٢ م، مسألة حكم نكاح الزانية . والزاني، ص ٢٤٠ أو جارية فعاش حتى كبر وبلغ الحلم، فلا يستحب له أن يتزوج في تلك القرية التي وجد فيها لئلا يقع على أمه أو على أخته أو خالته أو عمته، أو من ُ يحرم عليه نكاحه من النساء، أو تقع هي إن كانت جارية على أبيها أو أخيها أو عمها أو خالها، أو من كان يحرم عليها نكاحه من الرجال؛ لأنهما لا يعرفان نسبهما، وأما التحريم فإنه لا يحرم عليها إلا من كان من نسلهما من « ذوي المحارم(١) . ٤ الأحكام المترتبة عن السبي واختطاف الأطفال: ُِ ذكر أهل العلم أنه لو أسر طفل غير مميز أو سبي أو خطف من بلدة في حرب أو سلم، ولم يدرك شيئا ً مما حصل له، ولما كبر ذلك الطفل فلا ينبغي ُ أن يتزوج من ذلك البلد خشية أن يقع اختياره على ذات محرم منه، وهذا كله من باب الاحتياط ودفع الشبهة. وهذا ما تشير إليه عبارة الجناوني في قوله: وإذا سبي الرجل من بلدة وهو صغير لا يعقل شيئا » ً ، ولا يعرف شيئا ً من نسبه، َُ فلا يستحب له أن يتزوج في بلده ذلك بعد ذلك؛ لئلا يقع على من يحرم عليه نكاحه من نسله... وأما إن قالت له امرأة: أنا أمك أو أختك أو خالتك أو عمتك، فلا يتزوجها بعد ذلك ولو كذ ﱠ « بت نفسها؛ للشبهة الحاصلة كذلك(٢) . وقد أجمل الثميني هذه الصور في عبارة مركزة كعادته، وذهب مذهب الجناوني وغيره(٣) في عدم استحبابه بالزواج من تلك القرية التي حدثت فيها الشبهة، وذلك احتياطا ً واستحسن » : من الوقوع في الحرام. جاء في النيل ما نصه (١) الجناوني: كتاب النكاح، ص ٤٢ . وقد علق الشيخ علي يحيى معمر على هامش عبارة يقصد أنه إن وجد لقيط في قرية أو مدينة ولم يعرف » : المصنف زيادة في التوضيح فقال أهله، فيستحسن ألا يتزوج في القرية أو المدينة التي وجد فيها؛ لئلا يقع على ذات محرم إن كان ذكرا ً . ص ٤٢ ،« أو تقع على ذي محرم إن كانت أنثى(٢) . الجناوني: نفسه، ص ٤٣(٣) سفيان الراشدي: جواهر القواعد، ص ٩٣ - .٩٤ :z ºjôëàdG AÉeódG »a π°UC’G{ :IóYÉb :kÉ«fÉK ِ لمنبوذ(١) وجد في غير م صر، وذلك كالقرى، ولمسبي(٢) صغير من مصر لا يعرف نسبه فيه إن رجع إليه؛ ولزان فيه بامرأة ليلا، ً ولم يعرفها، وزانية فيه برجل كذلك أن لا يتزوجوا فيه؛ حوطة ً « أن يقعوا بمن يحرم عليهم(٣) . َْ الأصل في الدماء التحريم » : ومن تطبيقات قاعدة :« ١ ما ذكره أبو العباس أحمد في كتابه السيرة في الدماء في مسألة اختلاف وأما رجل قتل رجلا » : العلماء في ولي المقتول هل يحق له القصاص؟ فقال ً فاختلف العلماء في ولي المقتول فقال بعضهم: هذا ولي، وقال آخرون: ليس ذلك بولي له، فإن من ادعى أنه وليه لا يقتله ولا يتقدم إلى قتله حتى يتخاصما إلى القاضي، فما حكم به بينهما أخذا ً به، وإن لم يكن القاضي بينهما فلينظر إلى المأخوذ به مثل ما ذكرنا في مسألة القتل والعفو، وأما إن لم يتبين لهما أمر ذلك فإنهما يكفان ولا يتقدمان إلى إراقة الدماء إلا على أمر بين؛ لأن ّ الحوطة في الدماء الكف عنها أو الدية أو العفو ولا يكون القتل فيها حوطة َ َْ مثل الأموال، وكذلك إن اختلف العلماء في المقتول أنه عبد أو حر، أو اختلفوا في الولي الذي يقتل الجاني أنه حر أو عبد، الجواب فيها كالجواب فيما ذكرنا من الحكومة، والقول المأخوذ به في الجناية والعفو والتقدم، والكف فيما لم (١) النبذ: هو الطرح، والمنبوذ هو ولد الزنا، سمي كذلك لأنه يطرح على الطريق، وقيل: المنبوذ هو الذي تطرحه أمه في الطريق عند ولادته فيلتقطه أحد المسلمين فيقوم بشأنه، (ينظر: ابن ٥١١ ، بتصرف). / منظور، اللسان، ٣(٢) السبي والسباء هو الأسير والمسبي هو الذي وقع الأسر (ينظر): ابن منظور اللسان، ٣٦٧ ، بتصرف. /١٤(٣) ٣٢٤/ الثميني عبد العزيز: كتاب النيل وشفاء العليل، ٢ - ٣٢٦ ، وكذلك شرحه للشيخ ٥٠/ ١٣٩٢ ه/ ١٩٢٧ م، ٦ ، أطفيش، مكتبة الإرشاد (جدة المملكة العربية السعودية) ط ٢ بتصرف. يكن فيه حكم ولم يعرف المأخوذ به من غيره، أو ما اختلف فيه، أو ما لم ِ يكن فيه حك ْ م بق َ« ود، ولا مأخوذ معلوم من التقدم به، والكف عنه(١) . َُ ٢ ومنها ما ذكره أبو العباس أحمد في تحريم إرشاد الظالم إلى المظلوم لانتهاك حرمته، والاعتداء على نفسه أو عرضه بغير حق، يقول في هذا الصدد وأما الدلالة إن دل » : في سياق بيان حكم الدلالة على الضرب والجرح ّ عليه في الضرب والجرح فإنه لا يعذر بذلك، وهو هالك، ولا تجوز الدلالة في الأنفس ولا في الفروج، فمن أذن إليها أو دل على ذلك فهو هالك، وكذلك القتل، والذي يجوز لهما ذلك فهو هالك، وعليه النكال في إباحته الدماء « والفروج من غير حلها(٢) . وهكذا يتبين من خلال هذه الأمثلة مدى حرص الإباضية على المحافظة على الأنفس والأعراض والأموال، وتحريم الاعتداء عليها بغير حق، وذلك مراعاة لمقاصد الشريعة التي تدعو إلى حفظ النفس والعرض والمال، وعملا ً الأصل في الدماء التحريم » : بالقواعد الفقهية وهي « الأصل في الأبضاع » و التحريم « ولا يجوز إباحتها إلا بدليل موجب ،« الأصل في الأموال الحرمة » و لذل ك، كتنفيذ القصاص على القاتل المتعمد، ومعاقبة الزناة بحد ّ الرجم على المحصن، والجلد على الزاني غير المحصن، وإباحة فروج النساء الأجانب بعقد الزواج، وإباحة مال الغير بالشراء والميراث والهبة وغيرها. (١) أبو العباس أحمد بن محمد الفرسطائي: السيرة في الدماء، تحقيق عبد الرحمن ٰ بن إبراهيم طباخ، نسخة مرقونة غير منشورة، ص ١٦٣ - .١٦٤ (٢). أبو العباس أحمد: المصدر نفسه، ص ١٢٦ الفصل الثالث القاعدة الكلية الكبرى الثالثة: المشقة تجلب التيسير » « وما تفرع عنها :∫hC’G åëѪdG حقيقة القاعدة. :»fÉãdG åëѪdG أنواع المشاق وضوابطها. :ådÉãdG åëѪdG تأصيل القاعدة. :™HGôdG åëѪdG أسباب التيسير والتخفيف. :¢ùeÉîdG åëѪdG أنواع التيسيرات ومجالاتها. :¢SOÉ°ùdG åëѪdG تطبيقات وفروع القاعدة عند الإباضية . :™HÉ°ùdG åëѪdG المشقة » : القواعد المتفرعة عن قاعدة .« تجلب التيسير المطلب ا لأول : الضرورات تبيح المحظورات » : قاعدة .« المطلب ا لثاني : الضرورة تقدر بقدرها » : قاعدة . أو ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها .« المطلب ا لثالث : ما جاز لعذر بطل بزواله » : قاعدة .« المطلب الرابع: الحاجة تنزل منزلة الضرورة » : قاعدة عامة كانت أو خاصة .« المطلب الخامس: الاضطرار لا يبطل حق الغير » : قاعدة .« المطلب السادس: إذا تعذر الأصل يصار إلى » : قاعدة .« البدل المطلب السابع: الميسور لا يسقط بالمعسور » : قاعدة .« ونشرع بإذن الله في تفصيل ذلك فيما يأتي. ådÉãdG π°üØdG :áãdÉãdG iôÑμdG á«∏μdG IóYÉ≤dG z ô«°ù«àdG Ö∏éJ á≤°ûªdG{ É¡æY ´ôØJ Éeh من أهم القواعد الفقهية وأكثرها فروعا « المشقة تجلب التيسير » : قاعدة ً ، وأوسعها وأشملها لأبواب الفقه، ولأجل ذلك، وسوف نتناول دراستها من حيث حقيقتها، وتأصيلها الشرعي، وأنواع المشقات وضوابطها، وأسباب التيسير وأنواعه ومجالاته، ثم نتعرض لفروع القاعدة وتطبيقاتها عند الإباضي ة، ونختم هذا الفصل بذكر بعض القواعد الفرعية المندرجة تحتها، وبيان مدلولها والفروع المتخرجة عليها، وكل ذلك سيأتي مفصلا ً في المباحث والمطالب التالية. ﱠ حقيقة ا لقاعدة المشقة تجلب التيسير » : يتناول هذا المبحث بيان أهمية هذه القاعدة « في الفقه الإسلامي ومكانتها عند الإباضي ة، وشرح مدلولها في اللغة والاصطلاح، وتوضيح أوجه المشقة عند الفقها ء، لتحديد المعنى الإجمالي للقاعدة، ويكون ذلك في المطالب التالية: هذه القاعدة أصل عظيم من أصول الشرع ومعظم الرخص منبثقة عنها، وقد تواتر النقل عن العلماء في تعظيم قدرها وبيان منزلتها، وأجمعت عليها كتب القواعد الفقهية، وهي من الدعائم والأسس التي يقوم عليها صرح الفقه الإسلامي وأصوله، فهي قاعدة فقهية وأصولية عامة. وتمثل هذه القاعدة سماحة الشريعة ويسرها، فقد جعل الله تعالى الأحكام التي كلف بها الأمة المحمدية سهلة ميسرة، ومهما بدت أسباب المشقة، فإن الشارع يأتي بأحكام التخفيف والتيسير لرفع الحرج والمشقة عن المكلفين. قال الإمام الشاطبي مؤكدا ً إن الأدلة على رفع الحرج في هذه » : هذه الحقيقة « الأمة بلغت مبلغ القطع(١) . ومن تتبع الشريعة الغراء في أصولها وفروعها يجد ذلك واضحا ً جليا ً في ََ ّ العبادات والمعاملات، والحقوق والقضاء والأحوال الشخصية، وغير ذلك مما يتصل بعلاقة الخلق بخالقهم، وعلاقة بعضهم ببعض بما يضمن سعادتهم في الدنيا والآخرة. ومن هنا يتبين أن الشريعة الإسلامية السمحة تتوخى دائما ً رفع الحرج عن ﱠ الناس، وليس في أحكامها ما يجاوز قوى الإنسان الضعيفة. وانطلاقا ً من هذا الأساس استنبط الفقهاء هذه القاعدة وجعلوها بمثابة نبراس يستضيئون به عند النوازل والوقائع ويعالجون على أساسها كثيرا ً من المسائل والقضايا المستجدة. قال ابن بركة في سياق كلامه عن أحكام المرعوف المستحاضة مشيرا ً والنظر يوجب عندي أن » : إلى هذه القاعدة (١) .٢٣١/ الشاطبي: الموافقات في أصول الأحكام، ١ المرعوف ومن لا يرقأ دمه أن الجمع للصلاتين يجزيه قياسا ً على المستحاضة وهذا أشبه بأصول أصحابن ا؛ لأن المستحاضة جاز لها الجمع بالمشقة وكان الجمع من الله لها تخفيفا ً « عليها ورخصة(١) . من خلال هذا النص يظهر مدى اعتماد الإباضية على هذه القاعدة في المشقة تجلب التيسير » : فروعهم الفقهية، ففي عبارة ابن بركة إشارة إلى قاعدة « ولكن ينقصها الصقل والتدقيق؛ لأنها جاءت في بداية نشوء القواعد الفقهية، ولأن ّ ابن بركة ينتمي إلى ذلك العصر، ويلاحظ ذلك أيضا ً عند الشماخي أما الذين صرحوا بالصيغة المعروفة منهم السالمي والبكري . ما يفيد اعتماد الإباضية في فروعهم على قاعدة: « الإيضاح » جاء في فقد ذكر الشماخي في معرض حديثه عن الأسباب ،« المشقة تجلب التيسي ر »وليس للمكلف أن يحمل نفسه على حالة مخوفة ولا يعرضها » : المبيحة للتيمم «(٢) لخطة متلفة، وقد يسر الله على عباده تخفيفا ً ، وكان بهم ولله الحمد لطيفا ً . وفي هذا دليل على إباحة التخفيف واليسر للأمة عند » : ويقول في موضع آخر « وجود المشقة(٣) . المشقة تجلب التيسير » : ويشير الكدمي إلى قاعدة « في باب الحيض فيقول: فإن قال قائل: فقد ساويتم بينهما إذ جعلتم الحيض عشرة أيام والطهر عشرة أيام. »قلنا: جعلنا أقل الحيض ثلاثا ً وأكثره عشرا ً ، وجعلنا أقل الطهر عشرة أيا م، فلم ِ نساو بين الحيض والطهر، فإن ساوينا بينهما فللكلفة والمحنة التي تلزم في أيام الطهر في الاغتسال في الصلاة الذي تحدث فيه المشقة والعسر على المرأة في « أمر دينها، وبصحة زوال العسر من دين الله تبارك وتعالى وللضيق والحرج(٤) . (١) ٣١٧/ ابن بركة: جامع، ١ - .٣١٨ (٢) .٢٧٦/ الشماخي: المرجع السابق، ١ (٣) .٢٧٧ - ٢٧٦/ الشماخي: الإيضاح، ١(٤) .٦٢/ الكدمي: المعتبر، ٣ أما الإمام السالمي فقد صرح بها في سياق كلامه عن أحكام القضاء وينبغي للقاضي أن يتحرز في أمره، فإذا ،« المشقة تجلب التيسي ر » و» : فيقول أتاه آت بدون نوطيس ألان َ له القول وأظهر له العذر، وبين له أنه يستطيع ﱠ الحكم دون نوطيس، وأنه لو استطاع لفعل حتى يكون ذلك أطيب لنفس « الشاكي، ويعلم بعذره، وهذا فيه تخفيف للقاضي والمدعي(١) . كما اعتمد الشيخ بيوض على هذه القاعدة في فتاويه، فنجدها مجسدة في وقد علمنا من سننه صلى الله عليه وسلم » : جواباته، فيقول في باب الإحرام بالحج من الميقات أنه يرفق بالمؤمنين ويخفف عنهم المشقة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وشهد الله له بذلك بقوله تبارك وتعالى: ﴿ §¦¥¤£¢ ¨ ª© ﴾ )التوبة : (١٢٨ ، وقد ر َ ف َ ق بحجاج الآفاق فجعل مواقيتهم أقرب إلى مكة بكثير من ميقات أهل المدين ة، ومن أولى من حجاج الآفاق بالرفق والتخفيف من المشقة من حجاج المغاربة، ومن مثلهم من « حجاج البحر والجو من الأماكن البعيدة(٢) . ومن خلال هذه النصوص المختلفة يتبن مدى اعتماد فقهاء الإباضية على هذه القاعدة الكلية في فروعهم الفقهية، تأكيدا ً على أهميتها ومكانتها في الفقه الإباضي، لأنهم يدركون أن التخفيف والتيسير ورفع المشقة من مقاصد الشارع في تشريع الأحكا م، ومراعاتهم لهذا المقصد يظهر أثره في كثير من فتاويهم وأجوبتهم. ولكي ندرك مكانة هذه القاعدة الجليلة وأبعادها في الفقه الإسلامي، ينبغي أن نشرح مدلولها لغة واصطلاحا ً لتحديد حقيقتها، ونذكر أدلتها وضوابطها، لبيان مراد الفقهاء منها، ونبحث الأسباب الشرعية للتيسير، وبالنظر في تطبيقاتها تتضح معالمها وتبرز سماتها، وتتيسر معرفة نظائرها، والقواعد المتفرعة عنها أو المندرجة تحتها. (١) ٣٣٤/ السالمي: العقد الثمين، ٤ - .٣٣٥ (٢) .٣٢٠/ بيوض إبراهيم: فتاوي الإمام الشيخ بيوض، ١ :á¨∏dG »a á≤°ûªdG `` 1 المشقة في أصل ا للغة: التعب والجهد والعناء، والشدة والانكسار، يقال: شق عليه الشيء يشق شق ّا ً ومشقة إذا أتبعه، ومنه قوله تعالى: ﴿ !" &%$# ' *)( ﴾ )النحل : (٧ . أي تعبها، وأصله من الشق بالكسر وهو نصف الشيء، كأنه قد ذهب نصف أنفسكم حتى بلغتم الأمر المقصود؛ لأن الجهد ينقص من قوة الرجل ونفسه حتى يجعله قد ذهب بالنصف من قوته، فيكون الكسر على أنه كالنصف(١) . وكذلك الشق: الناحية والجانب(٢) . والش ﱠ ق بالفتح : الفصل في الشيء كالشق في الجبل، وهو أيضا ً الصدع في عود أو حائط أو زجاجة. والش ﱡ ق ﱠ ة بالضم: السفر الطويل، والمسافة البعيدة كما في قوله تعالى: ﴿ <;:9 ﴾ )التوبة : (٤٢ . ويستعمل اللفظ في المحسوسات، أو ِ المعنويات، فيقال شق عليه الأمر: أي صعب ويقال كذلك: وهم في شق من ﱟ العيش بكسر الشين إذا كانوا في صعوبة وجهد. ويبدو أن أكثر استعمالات هذا اللفظ تفيد معنى التخرق والتصدع، وفي كلام ابن فارس ما يفيد أن هذا المعنى هو الأصل في الشين والقاف ، وأن ّ سائر المعاني تحمل عليه، ومن الباب الشقاق، وهو الخلاف وتصدع الجماعة وقولهم: في يده أو رجله شقوق، وشق ناب الصبي أو البعير طلع. والشواق ّ (١) ١٧٠/ ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ٣ - .١٧١ (٢) ١٨١/ ابن منظور: لسان العرب، ١٠ - .١٨٤ :ìÓ£°U’G »a á≤°ûªdG `` 2 في الطلع، لأنها تشق الأكمام(١) ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : لولا أن أشق على أمتي »« لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة(٢) قال ابن الأثير : يعني لولا أن أثقل على أمتي، من المشقة وهي الشدة(٣) . أما مفهوم المشقة في ا لاصطلاح: فقد حدد الشاطبي معناه وبين أنها على ّ وجوه نذكرها ملخصة، لأهميتها ومناسبتها لما نحن في صدد الحديث عنه فيقول: وإذا أطلق معنى المشقة من غير نظر إلى الوضع اللغوي اقتضى ذلك أربعة أوجه. » الوجه ا لأول: أن يكون معنى المشقة عاما ً في المقدور عليه وغيره، فتكليف ّ ما لا يطاق يسمى مشقة؛ لأن المكلف لو حاول فعل ما لا يطاق فإنه سيوقع نفسه في عناء وتعب لا جدوى منهما، كالمقعد إذا تكلف القيام، والإنسان إذا َ تكلف الطيران في الهواء، وكذلك المقدور عليه إذا انضاف إليه من المشاق ما يخرجه عن حيز الاستطاعة إلى حيز المشقة العظيمة غير المحتملة التي ّ لا يأتي الشارع بمثلها، كالأمر بالوصال(٤) في الصيام، وإيجاب الحج كل عام(٥) . وهذا الوجه لا يحصل التكليف به، ولا يقصده الشارع(٦) . (١) ابن فارس: المصدر نفسه. (٢) رواه البخاري كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، رقم ٨٤٧ ، ومسلم، كتاب الطهارة، باب السواك، رقم ٢٥٢ ، عن أبي هريرة. بلفظ: الناس، والمؤمنين، بدل: أمتي. حديث صحيح متفق عليه من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، ورواه البخاري من حديث مالك، ومسلم .(٦٢/ من حديث ابن عيينة، وفي الباب روايات وطرق أخرى (ينظر: تلخيص الحبير لابن حجر ١ (٣) .٤٩١/ ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث ٢(٤) الوصال: هو أن لا يفطر يومين أو أياما ً ، فيصل الصوم بالصوم دون فطر بينهما. ينظر: ابن .١٩٣/ الأثير: النهاية في غريب الحديث، ٥ (٥) .١٢٠ - ١١٩/ الشاطبي: الموافقات، ٢(٦) .١٢١/ المصدر نفسه، ٢ الوجه ا لثاني: أن يكون معنى المشقة خاصا ً بالمقدور عليه، إلا أنه خارج ّ عن المعتاد في الأعمال العادية، بحيث يشوش على النفوس في تصرفها ّ ويقلقها في القيام بما فيه تلك المشقة، وهذا الوجه على ضربين: أ أن تكون المشقة موجودة في نفس الفعل المكل ﱠ ف به، بحيث لو وقع الفعل مرة واحدة لوجدت المشقة فيه كالصوم في المرض وفي السفر، وإتمام الصلاة في السفر، وما أشبه ذلك، فهنا المشقة ناشئة عن نفس المكلف به في مثل هذه الحال، وهذا هو الموضع الذي وضعت له الرخص المشهورة في اصطلاح الفقهاء . ب أن لا تكون المشقة موجودة في الفعل مجردا ً ، ولكنها تنشأ من صفة أداء المكلف للفعل، كالمداومة عليه أو إضافة أعمال أخرى إليه، ويوجد هذا في النوافل خاصة؛ لأن الفرائض محدودة، ولا مجال للاجتهاد فيها، إذا تحمل الإنسان منها فوق ما يحمله عادة، إلا أنه في الدوام يتعبه، كما هو الحال في الوصال في الصوم، وقيام الليل كله أبدا ً ، والصيام مع الوقوف في الشمس قصدا ً. وهذا قد نهى الشارع عنه كما نهى عن الوصال(١) ، والتنطع(٢) ، والتكلف، وأمر المكلفين بالرفق على أنفسهم وأن يأخذوا من الأعمال ما لا يحصل لهم معه ملل، إذ قال صلى الله عليه وسلم : خذوا من الأعمال ما تطيقون فإنه الله لا يمل حتى » (١) النهي عن الوصال جاء في حديث عبد الله بن عمر 3 أن النبي صلى الله عليه وسلم : نهى عن الوصال، فقالوا: إنك تواصل، قال: « إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى » متفق عليه واللفظ لمسلم أخرجه في كتاب الصيام باب النهي عن الوصال في الصوم ٧٧٤ ). وأخرجه البخاري في كتاب الصوم باب بركة السحور من غير إيجاب... /٢)١٣٩ ) مع الفتح. /٤) (٢) جاء في ذم التنطع في حديث عبد الله بن مسعود 3 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هلك ا لمتنطعون » قالها ثلاثا ً ، أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب هلك المتنطعون .(٢٠٥٥/٤) « تملوا(١) ، وقال: « القصد القصد ت بلغوا »(٢)، ...» فهذه مشقة ناشئة من مجموع « الأعمال(٣) . _ وهذا الوجه قصد الشارع التكليف به ولم يقصد منه المشقة والعنت على المكلف(٤) . الوجه ا لثالث: أن يكون معنى المشقة خاصا ً بالمقدور عليه، وليس فيه من ّ التأثير في تعب النفس خروج عن المعتاد في الأعمال العادية، ولأن نفس التكليف به يعتبر زيادة على ما جرت به العادات قبل التكليف، شاق على ُِ النفس إذا ما قورن بعدمه، ولذلك أطلق عليه لفظ التكليف، فمثل هذا يسمى مشقة بهذا الاعتبار؛ لأنه إلقاء بالمقاليد، ودخول في أعمال زائدة على ما اقتضته الحياة الدنيا(٥) . وهذا الوجه قد قصد الشارع إلى التكليف به مع ما فيه من كلفة ومشقة، ولكن هذه الكلفة والمشقة لا تسمى في العادة المستمرة مشقة، كما لا يسمى طلب المعاش بالحرفة والصناعة مشقة؛ لأن هذا من الممكن المعتاد الذي ِ لا تمنع مشقته القيام به، بل إن أهل العقول وأرباب العادات يعد ّ ون المنقطع عنه كسلان، ويذمونه بتركه، وكذلك التكليف المعتاد(٦) . (١) متفق عليه، رواه البخاري، أبواب التهجد، باب ما يكره من التشديد في العبادة، رقم ١١٠٠ ، عن عائشة أم المؤمنين عائشة # واللفظ للبخاري، وأخرجه في كتاب، اللباس، باب الجلوس على ٣١٤ ) مع الفتح. وأخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضيلة العمل / الحصير ونحوه ( ١٠ .(٨١١/ ٥٤٠ ، وفي كتاب الصيام، باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان. ( ٢ /١ ، الدائم، رقم ٧٨٢ (٢) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة 3 في كتاب الرقاق باب القصد والمداومة على ٢٩٤ ) مع الفتح. / العمل ( ١١(٣) .(١٢٠/ الشاطبي: الموافقات، ( ٢(٤) المرجع نفسه. (٥) .١٢١/ الشاطبي: الموافقات، ٢(٦) .١٢٣/ الشاطبي: المصدر، ٢ والحد الفاصل بين المشقة التي لا تعد مشقة عادة، والتي تعد مشقة أنه: إن كان العمل يؤدي الدوام عليه إلى الانقطاع عنه أو عن بعضه أو إلى وقوع خلل في صاحبه في نفسه أو ماله أو حال من أحواله، فالمشقة هنا خارجة عن المعتاد، وإن لم يكن فيها شيء من ذلك من الغالب، فلا يعد في العادة مشقة، وإن سميت كلفة(١) . الوجه ا لرابع: أن يكون معنى المشقة خاصا ً ، بما يلزمه المكلف بالمقارنة ّ مع حاله قبل التزامه، فإن التكليف إخراج للمكلف عن هوى نفسه، ومخالفة الهوى شاقة على صاحب الهوى مطلقا ً ، ويلحق الإنسان بسببها تعب وعناء، وذلك معلوم في العادات الجارية في الخلق(٢) . وإذا علم أن الشارع إنما قصد بوضع الشريعة إخراج المكلف عن اتباع هواه حتى يكون عبدا ً لله، فلا تكون مخالفة الهوى حينئذ من المشقات المعتبرة في التكليف، وان كانت شاقة في مجاري العادات، إذا لو كانت معتبرة حتى يشرع التخفيف لأجل ذلك، لكان ذلك نقضا ً لما وضعت الشريعة له وذلك باطل(٣) . :á¨∏dG »a ô«°ù«àdG `` 3 التيسير في اللغة: من اليسر، وهو من السهولة والليونة واليسر ضد العسر، وتيسر واستيسر: سهل ويسره: سهله، يقال: يسر الأمر إذا سهل (٤)ولا َ ن َ ، ومادة ّّ الكلمة (الباء والسين والراء) أصلان كما قال ابن فارس . يدل أحدهما على انفتاح شيء وخفته، والآخر على عضو من الأعضاء، فالأول اليسر ضد العسر(٥) . (١) .١٢٣/ المصدر نفسه، ٢(٢) .١٢١/ نفسه: ٢(٣) .١٥٣/ نفسه: ٢(٤) ١٨١/ الفيروزآبادي: القاموس المحيط، ص ٦٤٣ . ابن منظور، لسان العرب، ١٠ - .١٨٤ . قلعة جي وقنيبي، معجم لغة الفقهاء، ص ١٥٢(٥) ١٥٥/ ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ٦ - .١٥٦ :ìÓ£°U’G »a ô«°ù«àdG `` 4 وأما مدلول التيسير في الاصطلاح: هو ما يقدر عليه الإنسان في حالة ة(١) السعة والسهولة، لا في حال الضيق والشد ّ . وعدم القدرة ليس هو المقياس والضابط للعسر الشرعي(٢) ، وفي الحديث: « إن الدين ي سر »(٣) . أي سهل سمح قليل التشدد. يقول القاسمي (٤) عند تفسير قوله تعالى: ﴿ § ¨ «ª© ¬ ¯® ﴾ )البقرة : (١٨٥ . واليسر هو عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم(٥) . ويكون اليسر في الخير والشر، كما في قوله تعالى: ﴿ ﮯ ¡ ﴾ )الليل : (٧ . وهذا في الخير، وفي قوله: ﴿ «¬ ﴾ )الليل :(١٠ . وهذا في الشر(٦) . (١) الرازي فخر الد ّ .٧٩/ ين: مفاتيح الغيب، ١٤(٢) . عمر عبد الله كامل: الرخصة الشرعية في الأصول والقواعد الفقهية، ص ٢٤٠(٣) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، رقم ٣٩ ، عن أبي هريرة. (٤) جمال الدين القاسمي (أو محمد جمال الدين) بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق، ١٢٨٣) - ١٣٣٢ ه/ ١٨٦٦ - ١٩١٤ م): إمام الشام في عصره، علما ً بالدين، وتضلعا ً من فنون الأدب. كان سلفي العقيدة لا يقول بالتقليد. اتهم بتأسيس مذهب جديد في الدين، سموه (المذهب الجمالي) فقبضت عليه الحكومة (سنة ١٣١٣ ه) وسألته، فرد التهمة فأخلي سبيله، واعتذر إليه والي دمشق، فانقطع في منزله للتصنيف وإلقاء الدروس الخاصة والعامة، في التفسير وعلوم الشريعة الإسلامية والأدب، نشر بحوثا ً كثيرة في المجلات والصحف. من مؤلفاته: الفتوى في الإسلام ط. وموعظة المؤمنين ط، اختصر به إحياء علوم الدين للغزالي. وتنبيه الطالب إلى معرفة الفرض والواجب ط. وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ط. ومحاسن التأويل ط، في ١٧ مجلدا ً في تفسير القرآن الكريم. (٥) .٤٢٧/ القاسمي: محاسن التأويل، ٣ (٦) ٢٩٥/ ابن منظور: لسان العرب، ٥ - .٢٩٧ :IóYÉ≤∏d »dɪLE’G ≈橪dG `` 5 والمعنى الإجمالي للقاعدة أن الصعوبة تصبح سببا ً للتسهيل والتخفيف على المكلف، أي أن ّ المشقة سبب للتيسير والتخفيف في الأحكام الشرعية، والمقصود بجلب المشقة للتيسير أنها تصير سببا ً فيه؛ فالصعوبة والعناء التي يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي تصير سببا ً شرعيا ً صحيحا ً للتسهيل ّ والتخفيف عنه بوجه ما(١) . وقريبا ً من هذا المعنى يقول البورنو : إن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها » حرج على المكلف ومشقة في نفسه أو ماله، فالشريعة تخففها بما يقع تحت « قدرة المكلف دون عسر أو إحراج(٢) . (١) سليم رستم باز: شرح مجلة الأحكام العدلية، ص ٢٧ ، وما جاء في كلامه جاء في نص يعني الصعوبة « المشقة تجلب التيسير » المادة ( ١٧ ) من المجلة حيث نصت على أن تصير سببا ً للتسهيل، ويلزم التوسيع في الوقت الضيق يتفرع على هذا الأصل كثير من الأحكام الفقهية كالقرض والحوالة والحجر وغير ذلك، وما جوزه الفقهاء من الرخص ّ والتخفيفات في الأحكام الشرعية هو من هذه القاعدة، وينظر: أيضا ً ( شرح المادة ( ١٧ في شرح المجلة للأتاسي. (٢) . البورنو محمد صدقي: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص ٢١٨ أنواع المشاق وضوابطها بعد أن بين ﱠ ا معنى المشقة والتيسير في المبحث السابق يتبادر سؤال عن ماهية المشقة المعتبرة في جلب التيسير، هل كل مشقة معتبرة في جلب التيسير؟ وما ضابط هذه المشقة؟ وما ضابط التيسير المعتبر في هذه القاعدة؟ وللجواب عن هذه الأسئلة نقول: إن كل التكاليف لا يمكن أن تنفصل عن نوع ما من المشقة، فالصلاة والصيام والحج، والوضوء في أيام البرد الشديد والجهاد وغزو الكفار، كل ذلك وغيرها من التكاليف فيها مشقة، بل إن التكليف ما سمي بهذا إلا لأنه طلب ما فيه كلفة ومشقة فلا يخلو من التكاليف َُ عن المشقة. فمن هنا وجب التمييز بين المشقة التي شرعت الرخص إلى جانبها، وهي المشقة غير المعتادة، والمشقة المعتادة التي لا تكاد تنفصل عن أي تكليف. وعلى هذا فيكون هنا نوعان من المشقة سنبينهما بشيء من التفصيل: :IOÉ੪dG á≤°ûªdG :∫hC’G ´ƒædG ِ سمى الشارع الأعمال المطلوب من العباد فعلها بالتكاليف، والتكليف ّ لغة: هو ما فيه مشقة، وكما يقول الشاطبي : لو لم يكن فيه إلا مخالفة الهوى » «(١) لكان كافيا ً . (١) .١١٢/ الشاطبي: الموافقات، ٢ وهذا النوع من المشقة لا تنفك عنها العبادة غالبا ً ويستلزمها أداء الواجبات والقيام بالمساعي التي تقتضيها الحياة الصالحة، كما لا يمكن انفكاك التكاليف المشروعية عنها؛ لأن كل واجب لا يخلو عن مشقة، كمشقة الوضوء والغسل في شدة البرد، وكمشقة صلاة الفجر في هجر المضجع، وكمشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، وكالمشقة الحاصلة في السفر التي لا يخلو منها الحج والجهاد غالبا ً ، فلا بد منها لأداء هاتين الفريضتين، فلا تبيح ترك الحج والجهاد لمجرد مشقة السفر، وكالألم الحاصل للمقام عليه الحد، كحد الجلد والرجم والقطع، فإنه يحصل للجناة من سرقة وزنى وقذف، ولا سيما في حق الآباء والأمهات والبنين والبنات، وقتال البغاة في حال الصحة والقدرة مشقة وألم عظيم، ولا يسقط ذلك الحد عنهم لعدم إمكان انفكاكهم عنها(١) ، فهذه مشقة عظيمة ولكنها غير معتبرة في نظر الشارع، قال تعالى: ﴿ <;:987654 = ?> @ ﴾ )النور : (٢ ، وقال صلى الله عليه وسلم : « لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت ي دها »(٢) . وكمشقة الاجتهاد في طلب العلم، والرحلة فيه، ومشقة العمل لاكتساب المعيشة، فكل هذه التكاليف والواجبات نوع مشقة، تستلزمها طبيعته، وتختلف بحسبه درجتها، فهذه لا أثر لها في إسقاط العبادات ولا في إسقاط العقوبات ولا في تخفيفها في كل الأوقات، ولا مانع منها؛ لأنها لو أثرت لفاتت مصالح العبادات والطاعات في جميع الأوقات، أو في غالب الأوقات، ولفاتت الحكمة من مشروعية العقوبات، وهذا الضرب من المشقة يعبر عنه بالمشقة الطبيعية في الحدود العادية. (١) الشاطبي: المصدر نفسه، ص ٨٧ وما بعدها. السيوطي، الأشباه والنظائر، ص ١١٠ . .١٠٧/ الراشدي، جواهر القواعد، ص ١٢٨ . العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، ٢(٢) متفق عليه، رواه البخاري كتاب أحاديث الأنبياء باب حديث الغار حديث: ٣٣٠٦ عن عائشة. وفي كتاب المغازي باب: حديث: ٤٠٦٤ . عن عروة بن الزبير. ورواه مسلم كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره حديث: ٣٢٨٢ . عن عروة عن عائشة. :IOÉ੪dG ô«Z á≤°ûªdG :»fÉãdG ´ƒædG والحاصل: أن هذه المشقة لا تنافي التكليف ولا توجب التخفيف؛ لأن التخفيف فيه عندئذ إهمال وتفريط(١) . يقول العز بن عبد السلام عن هذا النوع فهذه المشاق كلها لا أثر لها في إسقاط العبادات والطاعات في » : من المشقة جميع الأوقات، أو في غالب الأوقات، ولفات ما رتب عليها من المثوبات « الباقيات ما دامت الأرض والسماوات(٢) . وذكر الشاطبي أن غزوة تبوك وما صاحبها من متاعب في الحر، وبعد المسافة، وترك الأهل والأحباب، لا تخرج ُّ عن حدود المشقة المعتادة(٣) ، وزاد ابن القيم تأكيدا ً لهذا المعنى في عبارة إن كانت المشقة مشقة تعب فمصالح الدنيا والآخرة كلها منوطة » : بليغة فقال « بالتعب، ولا راحة لمن لا تعب له، بل على قدر التعب تكون الراحة(٤) . وهي مشقة تنفك عنها العبادات؛ لأنها مشقة غير مألوفة أو غير معتادة كما سماها العلماء، ونعني بهذا المصطلح: المشقة الزائدة عن الطاقة التي لا يستطيع أن يتحملها الإنسان، فتفسد على الناس أعمالهم ونظام حياتهم، ومعاملاتهم، وتعوقهم عن القيام بأعباء الحياة ومنافعها، فمن هنا شرعت التخفيفات والتيسيرات بجانب هذه الأنواع من المشقات، ووقوع هذه التكاليف يضاد كما ذكرنا سابقا ً قصد الشارع من التيسير على العباد؛ لأن هذا النوع من المشقة يؤدي إلى عدم إمكانية الاستمرار في العمل، أو يتعب في أداء العمل كما ينبغي فيحدث فيه خلل(٥) . (١) . البورنو: الوجيز، ص ٢٢٤ . السدلان، قاعدة المشقة، ص ٢٢٩ (٢).٧/ العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، ٢(٣) .١٢٢/ الشاطبي: الموافقات، ٢٠(٤) .١١٢/ ابن القيم: إعلام الموقعين، ٢(٥) الزيباري عامر: التحرير في شرح قاعدة المشقة، ص ٤٩ - .٥٢ وقد بين الشاطبي الحكمة من عدم التكليف بالمشاق وعبر عنها بقوله: ﱠّ ِ اعلم أن الحرج والمشقة مرفوع على المكلفين لوجهين: » أحدهما: خوف الانقطاع من الطريق، وبغض العبادة، وكراهية التكليف، ُ وينتظم تحت هذا المعنى: الخوف من إدخال الفساد على المكلف في جسمه، أو عقله، أو ماله، أو حاله؛ وذلك لأن الله وضع هذه الشريعة حنيفة سمحة سهلة، حفظ فيها على الناس مصالحهم، ومن هنا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في الصحيحين: خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى » « تملوا(١) . الثاني: خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد المختلفة الأنواع مثل: قيامه على أهله وولده إلى تكاليف أخر تأتي في الطريق، فربما كان التوغل في بعض الأعمال شاغلا ً عنها، وقاطعا ً بالمكلف دونها، وربما أراد الحمل للطرفين على المبالغة في الاستقصاء، فانقطع عنهما(٢) . وقد قسم العلماء المشقة غير المعتادة التي لا تنفك عنها العبادات إلى ثلاث مراتب:(٣) . الأولى: مشقة عظيمة ف ادحة: تتجاوز الحدود العادية والطاقة البشرية السوية، كما إذا كان العمل يؤدي الدوام عليه إلى الانقطاع عنه أو عن بعضه، أو يؤدي إلى خلل في صاحبه في نفسه أو ماله، كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء، فالمشقة هنا خارجة عن المعتاد وموجبة للتخفيف والترخيص قطعا ً ؛ لأن حفظ النفوس والأطراف لإقامة مصالح الدين أولى من ْ تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات ثم تفوت أمثالها، فهذه المشقة هي (١) ، متفق عليه، رواه البخاري، أبواب التهجد، باب ما يكره من التشديد في العبادة، رقم ١١٠٠ ٥٤٠ ، عن عائشة. /١ ، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضيلة العمل الدائم، رقم ٧٨٢(٢) .١٣٦/ الشاطبي: الموافقات، ٢ (٣).١١٩/ ١٢ . القرافي: الفروق، ١ / العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، ٢ المنفية بالنصوص، والداعية إلى الترخيص والتخفيف بمقتضى القاعدة التي المشقة تجلب التيسير » : معنا .« ومن أ مثلتها: الخوف من الاغتسال للجنابة من شدة البرد، بأن لا يجد مكانا ً يؤويه، ولا ثوبا ً يتدفأ به، ولا ماء مسخنا ً ، ولا حماما ً ، فيجوز له التيمم. وكذا إذا كان طريق الحج غير آمن، ولم يجد للحج إلا طريقا ً من البحر، وكان الغالب عدم السلامة، فلا يجب الحج على من يمر بذلك الطريق(١) . الثانية: مشقة خفيفة: كأدنى وجع في أصبع، أو أدنى صداع في الرأس، أو سوء مزاج خفيف، فهذه وأمثالها لا التفات إليه ولا اعتبار له في الترخيص؛ لأن تحصيل مصلحة العبادات أولى من دفع مثل هذه المشقة الخفيفة التي لا أثر لها، في التخفيف والتيسير. الثالثة: مشقة واقعة بين هاتين المشقتين مختلفة في الخفة والشدة: وضابطها أنها إن اقتربت من المشقة العظيمة ألحقت بها وأوجبت التخفيف، كمريض في رمضان يخاف من الصوم زيادة مرض أو بطء البرء أو تأخيره، فيجوز له الفطر إذا غلب على ظنه ذلك، وكذلك في المرض المبيح للتيمم. أما إذا اقتربت من المشقة الخفيفة فلا توجب التخفيف، وذلك كحمى خفيفة، أو وجع ضرس يسير(٢)، واعتبروا في الحج الزاد والراحلة المناسبين للشخص، حتى قالوا: يعتبر في حق إنسان ما يصح معه بدنه. وفي حالة عدم التمكن من إلحاقها بإحدى المرتبتين يحصله التوقف، وربما حصل الاختلاف بين العلماء وبين المكلفين، لأن مقياس اعتبارها ملحقة بالنوع الأول أو الثاني، هو قناعة المكلف نفسه، وهو أمر ظني. (١) ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٨٢ . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٢٨ . البورنو: . الوجيز، ص ٢٢٥(٢) . الراشدي: المرجع نفسه، ص ١٢٨ . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١١١ :´ô°ûdG »a IôÑ੪dG á≤°ûªdG §HGƒ°V وضع العلماء عدة ضوابط لضبط المشقة غير المعتادة المعتبرة شرعا ً في مجال العبادات والمعاملات ومن ذلك: ١ أن تضبط مشقة كل عبادة بأدنى المشاق المعتبرة في تلك العبادة، فإن كانت مثلها أو أزيد منها ثبتت الرخصة بها وإلا فلا، فالأمراض التي هي في مشقة ِ إصابة الرأس بالق ُمل، في الأذى تلحق بها فتبيح الحلق للمحرم إذا أصيب بها. ّْ ٢ أنه كلما اشتد اهتمام الشارع بتكليف أو بأمر من الأمور، اشترط في تخفيفه أو الترخيص فيه مشاق شديدة، أما إذا كان الاهتمام بالتكليف أقل، فإنه يخفف ويرخص بالمشاق الخفيفة، فيطلب في العبادات مشاق متشددة، بخلاف ما يطلب في المعاملات؛ لأن اهتمام الشارع بالعبادات أكثر من المعاملات، ولأن في العبادات مصالح الدين والدنيا، فلا ينبغي إهمال العبادة بالمشقة مع إمكانية احتمالها، ولأجل ذلك، فقد ورد في الحديث عن عائشة # أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: أجرك » ِ على قدر ن َص َ ب ِ« ك(١) . مثاله في ا لعبادات : ترخيص الشرع في الصلاة التي هي من أفضل الأعمال، تقام مع الجنب الذي سبق الاحتراز منه، ومع الحدث في حق ُ المتيمم والمستحاضة. ومثاله في ا لمعاملات: الغرر في البيوع، فمنه ما يعسر اجتنابه، كبيع الفستق والبندق والرمان والبطيخ في قشورها، فيعفى عنه، ومنه ما لا يعسر اجتنابه فلا يعفى عنه، ومنه ما يقع بين المرتبتين، كبيع الجوز الأخضر في قشرته، فيه غرر كسر، ولا يعفى عنه، وتارة يخف العسر فيه لمسيس الحاجة إلى بيعه، فيكون الأصح جوازه، كبيع الباقلاء الأخضر في قشرته(٢) . (١) ، متفق عليه، رواه البخاري، أبواب العمرة، باب أجر العمرة على قدر النصب، رقم ١٦٩٥ ومسلم، كتاب الحج، باب بيان بوجوه الإحرام، رقم ١٢١١ ، عن عائشة. (٢)العز بن عبد السلام: نفسه. ويطلب في النواهي مشاق مشددة، بخلاف ما يطلب من الأوامر؛ وذلك لأن اهتمام الشارع بالنواهي أشد اهتمامه بالأوامر لقوله صلى الله عليه وسلم : دعوني » ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا « نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم(١) . فالنواهي يبتعد عنها بإطلاق، والأوامر تفعل بقدر الحاجة والطاقة البشرية. ٣ أنه يراعى في المقاصد أكثر ما يراعى في الوسائل، فينظر إلى الفعل المطلوب من المكلف، هل هو مقصود في ذاته كالصلاة، أو هو وسيلة إلى غيره كالوضوء من أجل الصلاة، فالمقصود في ذاته يتطلب وجود مشاق أخف، يغفر في الوسائل ما لا يغفر في » ولهذا قرر السيوطي القاعدة الفقهية « المقاصد(٢) . وقد حاول بعض العلماء وضع مقياس يساعد في تحديد هذه الدرجة وتقوم على أساسه، وهو قناعة الإنسان المكلف ذاته، فما دنا من النوع الأول أوجب التخفيف، فإن رأى حرجا ً واطمأن لذلك قلبه ألحقها بما هو موجب للتخفيف والترخيص، وما دنا من النوع الثاني فيجعلها بالدرجة الثانية، حيث لا يترتب عليها تسهيل وتخفيف. قال العز بن عبد السلام : الأو » َ لى في ضبط مشاق العبادات: أن تضبط مشقة ْ كل عبادة بأدنى المشاق المعتبرة في تلك العبادة، فإن كانت مثلها أو أزيد منها ثبتت الرخصة بها، ولن يعلم التماثل إلا بالزيادة؛ إذ ليس في قدرة البشر (١) رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسن ﱠ ة باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث: ﱡ ١٤٢ . وفي مسلم كتاب الفضائل باب توقيره صلى الله عليه وسلم حديث: ٤٤٥٢ /٨ ،٦٨٧٩ . وفي ابن حبان ذكر البيان بأن النواهي سبيلها الحتم حديث: ٢٠ . عن أبي هريرة. وأخرجه الربيع في ١٠٥/ المسند، كتاب الحج، باب في فرض الحج، رقم ٣٩٤ . عن أنس بن مالك، ٢ - .١٠٦ مع اختلاف في اللفظ. (٢) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٥٨ الوقوف على تساوي المشاق، فإذا زادت إحدى المشقتين على الأخرى، علمنا أنهما قد استويتا فيما اشتملت عليه المشقة الدنيا منهما، وكان ثبوت التخفيف والترخيص بسبب الزيادة مثال ذلك: إن التأذ ﱢ ي بالقمل مبيح للحلق في حق الناسك، فينبغي أن يعتبر تأذيه بالأمراض بمثل مشقة القمل، وكذلك سائر المشاق المبيحة لل ّ بس والطيب « وغير ذلك من المحظورات(١) . (١)١٢/ العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، ٢ - .٦٣ المشقة تجلب ا لتيسير » : تأصيل قاعدة « تبث أصل هذه القاعدة بأدلة كثيرة من القرآن الكريم والسن ﱠ ة المطهرة ﱡ والإجماع الدال على عدم التكليف بالشاق من الأعمال، ومن عمومات الشريعة النافية للحرج، ومشروعية الرخص، ومن العقل، وكل هذه الأدلة تؤكد أن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه، وتبين أن أصل الشريعة ﱠ مبني على السماحة واليسر دون الإعنات والعسر. وقد استدل الإباضية لهذه القاعدة بأدلة كثيرة من ذلك: k :ºjôμdG ¿BGô≤dG øe :’hCG ١ قال تعالى: ﴿ §¨ «ª© ¬¯® ﴾ )البقرة :(١٨٥ . قال الراشدي : « أي: في دينه وما يشرعه لكم »(١) . وقال الوارجلاني : وأن أهل » التفسير نظروا إلى أنفاس الشريعة، فرأوها تميل إلى أحد الجانبين، وهو اليسر « دون العسر(٢) . والمعنى أن الله تعالى أراد بكم اليسر، ولم يرد بكم العسر فيما شرعه لكم من الرخص للصيام، واليسر هو عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم، والعسر هو ما يجهد النفس ويضر الجسم. والجملة وإن كانت واردة في شأن رخصة الصيام، إلا أنها أعم من ذلك، ّ (١) . الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ١٠٥(٢) . الوارجلاني: جواب الأبدلاني، ص ٢٢٣ عملا ً بعموم اللفظ كما تقدم من بيان الراشد ي، وأما ما روي عن علي وابن عباس ومجاهد والضحاك من أن اليسر هو الفطر في السفر، والعسر هو الصوم فيه، فهو تفسير محمول على التمثيل بفرد من أفراد العموم(١) . ووجه الدلالة في الآية ب ين ، لأن أي تكليف بما فيه حرج، حينئذ يكون ﱢ ﱠ تكذيبا ً لما أخبر الله تعالى به وهو باطل(٢) . ٢ وقوله تعالى: ﴿ 76543210/ ﴾ )النساء : (٢٨ . وهذه الآية جاءت مع غيرها في أثر إباحة نكاح الأمة عند عدم ط َ ول الحرة، ومن أجل ذلك ذهب بعض العلماء إلى أن المراد من ْ التخفيف هو: إباحة نكاح الإماء عند الضرورة، كما هو المروي عن مجاهد ومقاتل . ولكن أغلب العلماء على أن ذلك عام في كل أحكام الشرع، وفي جميع ما يسره الشارع لنا وسهله(٣) . يقول ابن بركة بعد أن ذكر جملة من الأحكام وجميع ذلك يؤول إلى معنى واحد بين، أن » : التي رخص فيها الشارع ﱠ الدين ﱢ قد يسره الله على عباده، ولم يكلفهم ما يعجزون عنه تبارك وتعالى، بل كلفهم ما في وسع إصابته والجروح، وقد ّ رهم فعله وإضعاف فعله، ولكنه رحيم بخلقه، متفضل على عباده، وقد قال الله 8 : ﴿ 543210/ 76 ﴾ )النساء : (٢٨ . وأضعف الناس عندي من ضع ُ ف عقله، وساء اختياره لنفسه، وتعاطى ما لا يبلغه، وإلزامه نفسه غير ما وضعه الله عليه، وأسقط عنه فعله، واحتاج إلى تحديد توبة، لتقدمه بين يدي ربه في ما لم يأذن ّ «... له به (٤)ولا شك أن قوله تعالى: ﴿ 765 ﴾ )النساء :(٢٨ . (١) .٤٢/ ٤٢٧ . وينظر: أبو حيان، البحر المحيط، ٢ / القاسمي: محاسن التأويل، ٣(٢) . الباحسين يعقوب: قاعدة المشقة تجلب التيسير، ص ٢١٣(٣) ٣٨٧ . الرازي فخر الد / الزمخشري: الكشاف، ١ ّ .٢٠٣/ ين: مفاتيح الغيب، ٣(٤) ابن بركة البهلوي: كتاب التعارف، ص ٤٠ - .٤١ يعزز ذلك ويقويه، فإخباره تعالى بضعف الإنسان، يشعر بعدم احتماله التكاليف ﱢ الشاقة بوصف عام لا في خصوص أفراد معينة. ووجه الدلالة في ا لآية على رفع الحرج واضح؛ لأن التكليف بما فيه (١) الحرج يناقض إرادة التخفيف، ويكذب خبر الباري 4 ، فيكون باطلا ً . ِ ٣ ولرأفة الله بعباده ورحمته عليهم وحرصه عليهم أنزل الله تعالى قوله: ﴿ }| ~ ﮯ §¦¥¤£¢¡ ¨ ª© ﴾ )التوبة : ( ١٢٨ . فس ّ ر الوارجلاني معاني هذه الآية مبينا ً ِ صفات الرحمة في سيرة النبي الكريم(٢) . كما قرر ابن جعفر : أن العالم العالم » َ « الذي يرخص للعباد في معصية الله، ولا يؤيسهم من رحمة الله(٣) . ٤ ووردت آيات عديدة صرحت بنفي الحرج عن الأمة بلغت إحدى عشرة آية(٤) ، سواء كانت عامة أو كانت بعد ذكر نوع من التكليف، أي بنفي ذلك عن قضايا جزئية، فمن ذلك: قوله تعالى: ﴿ }|{z ~ے ¡ ﴾ )الحج :(٧٨ ، أي: ضيق بأن ْ سهل َ ه عند الضرورات كالقصر والتيمم، وأكل الميتة، والفطر للمريض ّ والمسافر(٥) . ووجه الدلالة في هذه الآية: أن الله نفى الحرج عن الدين، وجاء به نكرة في سياق النفي، فتكون عامة، وقد أكد ذلك العموم بمن الزائدة التي تكسبه (١) . الباحسين يعقوب: المرجع نفسه، ص ٢١٤(٢) . الوارجلاني: جواب الأبدلاني، ص ٢٢٣(٣) .٤٠/ ابن جعفر: الجامع، ١(٤) وردت هذه الآيات في سورة النساء آية: ٦٥ ، والمائدة: آية: ٦، والأنعام آية: ١٢٥ ، والأعراف ، آية: ٢، والتوبة آية: ٩١ ، والحج آية: ٧٨ ، والنور آية: ٦١ ، والأحزاب آية: ٣٧ و ٣٨ و ٥٠ . والفتح آية: ١٧(٥) الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٠٥ . وينظر: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي: تفسير الجلالين، ص ٤٥٠ تصرف. قوة، وجاء بذلك على وجه الأخبار، فيكون أي تكليف حرجي مناقضا ً لذلك ّﱡ لأخبار الله 4 ، وذلك باطل(١) . ويقول الشوكاني في تفسيره بعد أن ذكر أقوال العلماء في تفسير الحرج والظاهر أن الآية أعم من هذا كله، فقد حط » : الذي رفعه الله عنا ﱠ سبحانه ما فيه مشقه َ من التكاليف على عباده إما بإسقاطها من الأصل، وعدم التكليف بها كما كل ﱠ ف به غيرهم أو بالتخفيف، وتجويز العدول إلى بدل لا مشقة فيه، أو بمشروعية التخلص عن الذنب بالوجه الذي شرعه الله، وما أنفع هذه الآية ومكذبا ً «... وأجل موقعها وأعظم فائدتها (٢) . ٥ واستدل الوارجلاني لهذه القاعدة بقوله تعالى: ﴿ § ª©¨ ¾½¼»º¹¸¶µ´³²±°¯®¬« ÎÍÌËÊÉÈÇÆÅÄÃÂÁÀ¿ ÒÑÐÏ﴾ )البقرة : (٢٨٦ . فهذه الآية تفيد النفي للتكليف بما ليس في الوسع، والوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه، والمعنى أن الله تعالى لا يكلف الإنسان إلا ما هو في حدود طاقته وفي ميسوره، لا ما يبلغ مدى الطاقة والمجهود. وقيل: إن المراد تكليفهم بما يسهل عليهم من الأمور المقدور عليها مما هي دون طاقته (٣) . ووجه الدلالة فيها: أنها إخبار عن عدل الله تعالى ورحمته، فكل ما جاء مخالفا ً لذلك يكون تكذيبا ً له 4 وهو باطل. (١) . الباحسين: قاعدة المشقة، ص ٥١(٢) ١٤١٨ ه / ١٩٩٨ م، ، الشوكاني محمد بن علي: فتح القدير، تصحيح سمير خالد رجب، ط ١ .٥٠٤/ دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، ٣(٣) ٢٥٤ . القرطبي أبو عبد الله، الجامع لأحكام القرآن، / الزمخشري: الكشاف، ١ .١٤٥/ ٤٢٩ . رشيد رضا، تفسير المنار، ٣ /٣ كل فرض كلفه الله تعالى الإنسان، فإن قدر » :( وقال ابن حزم (ت: ٤٥٦ ه عليه لزمه، وإن عجز عن جميعه سقط عنه، وإن قوي على بعضه وعجز عن بعضه سقط عنه ما عجز عنه، ولزمه ما قدر علي ه، سواء أقله أو أكثره، برهان ذلك قول الله 8 : ﴿ §¨ «ª© ¬ ﴾ )البقرة : (٢٨٦ . وقول رسول صلى الله عليه وسلم : « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم »(١) «(٢) . ٦ ومنه قوله تعالى: ﴿ ]\[ ^_` ba ﴾ )الأعراف: ١٥٧ ( . والإصر في الآية الكريمة: هو العهد كما ذكر ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره، ومعنى الكلام: أن الله 8 امتن على أمة الإسلام، بأن أرسل إليهم هذا النبي الأم ُ ي، والذي من خصائصه صلى الله عليه وسلموضع ﱢ العهد الذي كان الله قد أخذه على بني إسرائيل، من إقامة التوراة، والعمل بما فيها من الأعمال الشديدة، كقطع الجلد من البول، وتحريم الغنائم، وقتل النفس لقبول التوبة، كما في قوله 8 : ﴿ ^_` ba mlkjihgfedc xwvutsrqpon ﴾ )البقرة : (٥٤ . فكانت توبتهم بقتل أنفسهم، وقد نسخ الله 8 هذه الشدة بشريعته السمحاء، فجعل فيها التوبة بالإقلاع عن الذنب، والندم والاستغفار، والعزم على عدم العودة(٣) . (١) ما أورده جزء من حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة 3 ونص البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالكم واختلافهم » « على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم . ينظر: صحيح البخاري بشرح فتح الباري لابن حجر، كتاب الاعتصام باب الإقتداء بسنن ١٠١/ ٢٥١ وصحيح مسلم بشرح النووي باب فرض الحج مرة في العمر، ٩ / رسول الله، ٣ مع اختلاف في اللفظ. (٢) .٦٩ ،٦٨/ ابن حزم: المحلى، ١(٣) .٢٢٨/ ٨٥ . السالمي: طلعة الشمس، ٢ / الطبري ابن جرير: جامع البيان، ٩ ٧ ومما يفيد النفي في مناسبات جزئية قوله تعالى: ﴿ {z }| ﮯ~ £¢¡ « ª © ¨ § ¦¥ ¤ ¾½¼»º¹ ¸¶μ´³²±°¯®¬ ÏÎÍÌËÊÉÈÇÆÅÄÃÂÁÀ¿ ÞÝÜÛÚÙØ×ÖÕÔÓÒÑÐ äãâáàß﴾ )البقرة :(٢٣٣ . فهذه الآية الكريمة وردت بشأن إرضاع الوالدات أولادهن، وإنفاق الأزواج أصحاب الأولاد عليهن، كل بما هو في طاقته وقدرته على وجه الاتساع، ﱞ لا يوجب الله على » :( فلا يلحق الضرر بأي منهما، قال الطبري (ت: ٣١٠ ه الرجال من نفقة من أرضع أولادهم من نسائهم البائنات منهم، إلا ما أطاقوه « ووجدوا إليه السبيل (١) . ٨ ومنها قوله تعالى: ﴿ ! )('&%$#" .-,+* 6543210/﴾ )الأنعام :(١٥٢ . وهذه الآية الكريمة جاءت كذلك بشأن ما يمكن أن يصيب الإنسان من حرج، بعدم قدرته على الامتثال في ضبط الموازين والمكاييل، وما شابهها من الأمور بدقة، فبينت أن ذلك إنما يكون بما في وسع المكلف وقدرته، على أن المنفي في هذه الآيات وأمثالها، وإن كان واردا ً في مناسبات جزئية، لا يمنع من أن يراد به العموم، وتعتبر هذه الجزئيات تأكيدا ً لمضمون الآيات السابقة العامة (٢) . (١) .٤٥/ الطبري: المصدر نفسه، ٥(٢) .١٩٠/ رشيد رضا، تفسير المنار، ٨ sk :ájƒÑædG áæ°ùdG øe :É«fÉK t أما الأدلة من السن ﱠ ة النبوية الدالة على هذه القاعدة فهي كما يلي: ﱡ ١ عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « بعثت بالحنيفية ا لسمحة »(١) ، والحنفية هي: المائلة عن الباطل إلى الحق، وأطلقت على مل ّةإبراهيم 0 ، والسمحة السهلة(٢) . قال الشاطبي : وسمي أي الد » ﱢ ين بالحنفية لما فيها من « التيسير والتسهيل(٣) . وجه الدلالة في الحديث: أنه لو ثبت وجود المشقة في الشرع لم تكن ِِ الشريعة حنفية سمحة؛ بل كانت حرجية عسرة، وهذا باطل، لتكذيب خبر َ الرسول صلى الله عليه وسلم ، فبطل ما أدى إليه وثبت أن لا حرج ولا مشقة في الشرع(٤) . ٢ وما رواه الطبراني عن ابن عباس مرفوعا ً : أن الله شرع الدين فجعله » سهلا ً سمحا ً ولم يجعله ضيقا ً«(٥) ، وهذا إخبار ووصف للدين بأنه على هذه الكيفية، وهي كيفية معارضة للحرج والمشقة ولا يجتمع النقيضان، فلا حرج ولا مشقة في الدين. (١) أخرجه أحمد في مسنده عن طريق جابر بن عبد الله، وعن طريق أبي أمامة والديلمي، وفي مسند الفردوس عن عائشة # ٢١١٢ ) والطبراني في / كما أخرج أحمد في مسنده (رقم ٢ معجم الكبير (رقم ١١٥٧٢ ) والبزار وغيرهما عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم س ُ ئل: أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: « الحنفية ا لسمحة » وللبزار وجه آخر في إخراجه بلفظ (أي الإسلام) كما رواه الطبراني في الأوسط (رقم: ٣٧٥١ ) من حديث أبي هريرة باللفظ المذكور في المتن. ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي، ص ٨٤ ، ورواه الخطيب عن جابر بزيادة من خالف سن » ﱠ تي ُ « فليس مني ينظر: ذلك وطرقه أيضا ً .٢٥١/ في الكشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني، ١(٢) .٧٨/ ابن حجر: فتح الباري، ١(٣) .٢٣٢/ الشاطبي: الموافقات، ١(٤) . الباحسين: قاعدة المشقة تجلب التيسير، ص ٢١٧(٥) رواه الطبراني في المعجم الكبير، باب العين، أحاديث عبد الله بن العباس، رقم ١١٥٣٢ ، وأبو ٣٤٣ ، عن ابن عباس. قال الهيثمي: /٤ ، يعلى في مسنده، أول مسند ابن عباس، رقم ٢٤٥٨ .٤١٧/ مجمع الزوائد، ١ .« فيه حسين بن قيس الملقب بحنش وهو متروك الحديث » ٣ عن أبي هريرة 3 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدين يسر ولن يشاد الدين » أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من ْ (٢) « الدلجة(١) . . مبينا « جواهره » قال الراشدي في ً أي: دين الإسلام يسر » : معنى الحديث بالنسبة إلى غيره، وفي العبارة مبالغة؛ لجعله الدين نفس اليسر، والمشاد ّ ة: المبالغة، ولن يقاوم الدين أحد، ويكلف نفسه من القربات فوق طاقته إلا غلبه، وانقطع عن العمل كله أو جل ّ ه، ووقف دون المقصد إن المنبت »لا أرضا ً قطع ولا ظهرا ً « أبقى(٣) . فقد شبه العامل بالمسافر؛ لأنه يسير إلى الله في طريق العمل، فيأخذ بالع َز ْ مة في موضعها، وبالرخصة في «... موضعها(٤) . (١) متفق عليه واللفظ للبخاري رواه في الجامع الصحيح، كتاب الأيمان باب الدين يسر رقم ٣٩ . وأخرجه النسائي في السنن الصغرى كتاب الإيمان وشرائعه الدين يسر حديث: ٤٩٧٢ وهو صحيح. رواه ابن حبان في صحيحه كتاب البر والإحسان باب ما جاء في الطاعات وثوابها ذكر الأمر بالغدو والرواح والدلجة في الطاعات عند المقاربة فيها حديث: ٣٥٢ . « إن هذا » بزيادة (٢) (سددوا) الزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط. (قاربوا) إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل، فاعملوا بما يقترب منه. (أبشروا) بالثواب على العمل الدائم وإن قل ّ ، ينظر: .٧٨/ فتح الباري ١ (٣) ٢٧/ رواه البيهقي في السنن الكبرى عن جابر بن عبد الله، ٣ - . ٢٨ ، حديث: ٤٧٤٢ ١٤١٤ ه/ ) تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط ١ ١٩٩٤ م) كتاب الصلاة باب القصد في العبادة والجهد والمداومة، وفي كتاب الصلاة جماع أبواب صلاة التطوع باب القصد في العبادة حديث: ٤٤٠٤ . ونص الحديث في السنن كالآتي: عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن هذا الدين متين فأوغل فيه » برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا ً قطع ولا ظهرا ً « أبقى . وهو حسن. وأخرجه أحمد بن حنبل المسند ومن مسند بني هاشم مسند أنس بن مالك 3 حديث: ١٢٨٢٣ . وهو حسن. (٤) .١٠٨ - الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٠٧ وقال ابن حجر : ويسمى الدين يسرا » ً مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله؛ لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له أن « توبتهم كانت بقتل أنفسهم، وتوبة الأمة بالإقلاع والعزم والندم(١) . وجه الاستدلال بالحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن دين الله يسر، فكل ما جاء فيه حرج يكون مكذبا ً لذلك الإخبار، وذلك باطل، فثبت أن لا حرج في الشرع، وما جاء في تتمة الحديث بيان لأروح الأوقات في السير. َْ ﱠْ قال ابن حجر : ويبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب بذلك مسافرا » ً ، ونبهه إلى ﱠ َ « أوقات النشاط التي يستطيع فيها المسافر أن يواصل سيره وأن ينقطع (٢)وأمر ُْ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على أن ّ دين الله يسر، مثل ٌ تطبيقي له كما هو واضح. ٤ وبمعنى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : إن خير دينكم أيسره إن خير دينكم » « أيسره(٣) . ٥ إذا اختلف عليك أمران فانظر أيسرهما » : وروي عن الشعبي أنه قال « فإنه أقرب إلى الحق، إن الله أراد بهذه الأمة اليسر، ولم يرد بهم العسر(٤) . وجه الدلالة في هذا ا لحديث كالذي ورد في الحديث السابق من حيث إنه خبر، فيلزم تكذيبه بتشريع الحرج والمشقة. ٦ حديث أم المؤمنين عائشة # ما خ » : قالت ُير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ﱢ (١) ٩٤ ، حديث رقم ٣٩٠ من كتاب الإيمان. ،٩٣/ ابن حجر: فتح الباري، ١(٢) .٧٩/ ابن حجر: فتح الباري ١(٣) رواه أحمد مسند أحمد بن حنبل أول مسند الكوفيين حديث محجن بن الأدرع حديث: ١٨٦٠٨ بسند صحيح. وأخرجه الحافظ ابن حجر العسقلاني في المطالب العالية كتاب الإيمان والتوحيد باب الدين يسر حديث: ٢٩٦٨ . مسند أحمد بن حنبل أول مسند الكوفيين حديث محجن بن الأدرع حديث: ١٨٦٠٨ . (٤) تفسير ابن أبي حاتم سورة البقرة قوله: يريد الله بكم اليسر حديث: ١٦٨٠ الجامع للحديث النبوي. أمرين أحدهما أيسر من الآخر، إلا اختار أيسرهما، فإن كان إثما ً كان أبعد َْ « الناس منه(١) . وجه الاستدلال بالحديث: بين الرسول صلى الله عليه وسلم فيه سماحة دين الله 8 ، ﱠ ِ وأنه كان من هد ْ ي النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار الأيسر ما لم يكن إثما ً ، فلم تكن المشقة على النفس شيئا ً مطلوبا ً ومقصودا ً ، كما هو حال الرهبانية في اليهودية والنصراني ة، وحال تأثر وتشبه بهم من المسلمين؛ إذ يعمدون إلى تعذيب أنفسهم بحرمانهما مما أحل الله لهم من الطيبات من الرزق، بدعوى أن ذلك أحب إلى الله 8 ، ولكن الصحيح أن خير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم(٢) . ومن الأحاديث التي اعتمدها ا لإباضية في تأصيل هذه القاعدة أ يضا ً: ٧ ما استدل به الشماخي على جواز التيمم للعذر، إذا لم يجد المصلي الماء، أو لا يقدر على استعماله للمرض، اعتمادا ً على ما روي من طريق ابن عباس 3 خرج عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وهو أمير » : قال الجيش، فأجنب وخاف من شدة الماء فتيمم، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلمأخبره أصحابه بما فعل فقال 0 : يا عمرو ولم ِ فعلت ذلك، ومن أين علمته؟ فقال َ له: يا رسول الله صلى الله عليه وسلموجدت الله يقول: ﴿ PONMLKJI Q ﴾ )النساء : (٢٩ . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليه شيئا ً« (٤) (٣) . (١) متفق عليه واللفظ لمسلم، أخرجه مسلم في (ك) الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام ١٨١٣ )، وأخرجه البخاري في (ك) المناقب، باب صفة / واختياره من المباح أسهله... ( ٤ ٥٦٦ ) مع الفتح وفي (ك) الأدب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم / النبي صلى الله عليه وسلم ( ٦ : يس » ﱢ روا ولا تعس ﱢ « روا ٥٢٥ ) مع الفتح وفي (ك) الحدود، باب / وكان يحب التخفيف والتسري على الناس ( ١٠ ٨٦ ) مع الفتح. / إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، ( ١٢ (٢) علوان إسماعيل بن حسن، القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ٢٣٧ - .٢٣٨ (٣) رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ رقم ٣٣٤ ، وأحمد في مسنده، مسند ، الشاميين، حديث عمرو بن العاص، رقم ١٧٨٤٥ ، والحاكم في المستدرك، كتاب الطهارة، رقم ٦٢٩ .١٣٩/ نصب الراية، ١ .« الحاصل أن الحديث حسن أو صحيح » : عن عمرو بن العاص، الزيلعي (٤) .٢٧٧ - ٢٧٦/ الشماخي: الإيضاح، ١ هذا ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ً ما كان يترك الأمر مخافة أن يكون فيه مشقة على أمته، وكثيرا ً ما كان صلى الله عليه وسلم يأمر بالتخفيف، وينهى الناس عن الغلو والتشدد. فمن الأحاديث الجلية في هذا المعنى: ٨ ما رواه البخاري في صحيحه عن جابر 3 قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاما ً ورج ُلا ً قد ظ ُ لل عليه، فقال: « ما هذا » ؟ فقالوا صائم، قال: ِ « ليس من ا لبر الصوم في ا لسفر »(١) . ﱢ أنه ليس من البر الصوم إذا كان » : قال القطب أطفيش في بيان مدلول الحديث تلحقه المضرة أو الشدة، أي ليس إحسانا ً مطلقا ً « بل إحسان إذا كان لا يشتد عليه(٢) وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وعليكم برخصة الله التي رخ » ﱠ ص « لكم(٣) . قال ابن دقيق العيد في شرح هذا الحديث: ...» وقوله: عليكم برخصة » « الله التي رخص ل كم دليل على أنه يستحب التمسك بالرخصة إذا دعت الحاجة « إليها، ولا تترك على وجه التشديد على النفس والتنطع والتعمق(٤) . ٩ وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : لولا أن أشق على ا لمؤمنين » وفي رواية: على أمتي « لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة(٥) . قال الشاه ولي الله الدهلوي في (١) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي...، رقم ١٨٤٤ ، ومسلم، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والإفطار في شهر رمضان للمسافر، رقم ١١١٥ ، عن جابر. ورواه أبو داود في السنن كتاب الصوم باب اختيار الفطر حديث: ٢٠٦٨ . (٢) .٣٥٦/ أطفيش: شرح النيل، ٣ (٣) ، مسلم: كتاب الصيام، باب جواز الصوم والإفطار في شهر رمضان للمسافر، رقم ١١١٥ عن جابر. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه كتاب الصيام جماع أبواب الصوم في السفر باب ذكر البيان أن الفطر في السفر رخصة لا حتما ً حديث: ١٨٨٧ . وأخرجه ابن حبان في صحيحه كتاب البر والإحسان باب ما جاء في الطاعات وثوابها ذكر الإخبار بأن على المرء قبول رخصة الله له في طاعته، حديث: ٣٥٦ . وهو صحيح. (٤) ٢٢٥ . ط المطابع المنيرية بمصر. / ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام، ٢ (٥) ١٤٣ . سبق تخريجه. / صحيح مسلم بشرح النووي، ٣ معناه لولا خوف الحرج لجعلت السواك شرطا » : شرح هذا الحديث ً للصلاة كالوضوء، وقد ورد بهذا الأسلوب أحاديث كثيرة جد ّ ا ً ، وكلها دلائل واضحة على أن لاجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم مدخلا ً في الحدود الشرعية، وأنها منوطة بالمقاصد، « وأن رفع الحرج من الأصول التي بنيت عليها الشرائع(١) . ١٠ ومن الأحاديث التي استدل بها الإباضية على هذه القاعدة، ما ذكره في مسألة تخفيف الإمام في الصلاة، مراعاة لظروف « جامعه » ابن بركة في والمستحب للإمام أن يخفف بأصحابه إذا صلى » : وأحوال المأمومين، فيقول بهم، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا صل » ّ ى أحدكم فليخفف، فإن فيكم الضعيف وذا الحاجة، وإذا صل ّ « ى وحده فليطل ما شاء(٢) «(٣) . ﻲﻓﻭ ﻕﺎﻴﺴﻟﺍ ﻪﺴﻔﻧ ﻝﺪﺘﺳﺍ ﻦﺑﺍﺔﻛﺮﺑ ﺚﻳﺪﺤﺑ ﻝﺪﻳ ﻰﻠﻋ ﺓﺎﻋﺍﺮﻣ ﻡﺎﻣﻹﺍ ﻝﺍﻮﺣﻸﻟ _ ﻥﺃ ﻒﻔﺨﻳ ﺪﻨﻋ ﺮﻣﺃ ،ﺙﺪﺤﻳ ﺎﻤﻟ ﻱﻭﺭ ً ،ﺔـﺋﺭﺎﻄﻟﺍ :ﻝﻮﻘﻴﻓ ﺰﺋﺎﺟﻭ» ﻡﺎﻣﻺﻟ ﺎﻀﻳﺃ ﻪـﻨﻋ ﷺ ﻪـﻧﺃ :ﻝﺎﻗ ﻲﻧﺇ» ﻡﻮﻗﻷ ﻰـﻟﺇ ﺓﻼﺼﻟﺍ ﺎﻧﺃﻭ ﺪﻳﺭﺃ ﻥﺃ ﻞﻴﻃﺃ ﺎﻬﻴﻓ ﻊﻤـﺳﺄﻓ . ﺀﺎﻜﺑ ﻲﺒﺼﻟﺍ ﺰﺟﻭﺄﻓ ﺔﻓﺎﺨﻣ ﻥﺃ ﻖﺷﺃ ﻰﻠﻋ«ﻪﻣﺃ(٤) « (٥) ﺮﻇﺎﻨﻟﺍﻭ ﻲﻓ ﻩﺬﻫ ﺚﻳﺩﺎﺣﻷﺍ ﺎﻫﺪﺠﻳ ﺪﻗ ﺖﻤﻈﺘﻧﺍ ﺔﺛﻼﺛ ﺐﻧﺍﻮﺟ ﻰﻠﻋ ﻑﻼﺘﺧﺍ _ ﺎﻬﺗﺎﻋﻮﺿﻮﻣ ﺕﺎﺒﺳﺎﻨﻤﻟﺍﻭ ﻲﺘﻟﺍ ﺕﺩﺭﻭ:ﺎﻬﻴﻓ ﺎﻬﻀﻌﺒﻓ ﻝﻭﺎﻨﺘﻳ ﺮﺴﻳ ﺍﺬﻫ ﻦﻳﺪﻟﺍ ﻪﺘﺣﺎﻤﺳﻭ ﻊﻓﺭﻭ ﺝﺮﺤﻟﺍ ﻦﻋ .ﺩﺎﺒﻌﻟﺍ ـ ﺃ (١) ١٨٢ ، دار الجيل، القاهرة. / الدهلوي ولي الله، حجة الله البالغة، ١ (٢) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الجماعة والإمامة، باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء، رقم ٦٧١ ، ومسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، رقم ٤٦٧ ، أبي هريرة. (٣) .٥٠٩/ ابن بركة: الجامع، ١ (٤) ، رواه البخاري، كتاب الجماعة والإمامة، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي، رقم ٦٧٥ عن أبي قتادة الأنصاري. سنن أبي داود كتاب الصلاة أبواب تفريع استفتاح الصلاة باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث حديث: ٦٧٧ . وهو صحيح. (٥) .٥١٠/ ابن بركة: المصدر نفسه، ١ ﻢـﺴﻗﻭ ﺎـﻬﻨﻣ ﺽﺮـﻌﺘﻳ ﺮـﻣﺍﻭﻷﻲـﺒﻨﻟﺍ ﷺ ﻒﻴﻔﺨﺘﻟﺎﺑ ﻲـﻬﻧﻭ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﻦﻋ ـ ﺏ ﻖﻤﻌﺘﻟﺍ.ﺪﻳﺪﺸﺘﻟﺍﻭ ﺎﻬﻴﻗﺎﺑﻭ ﻲﻓ ﻥﺎﻴﺑﺎﻣ ﻙﺮﺗ ﻲﺒﻨﻟﺍ ﷺ ﻦﻣ ﺾﻌﺑ ﺏﺮﻘﻟﺍ ﺔﻴﺸﺧ ﺔﻘﺸﻤﻟﺍ ﻰﻠﻋ ـ ﺝ ﻪـﺘﻣﺃ ﺎـﻬﻠﻛﻭ ﻲـﻓ ﺎﻬﻋﻮﻤﺠﻣ ﺓﺪـﺤﺘﻣ ﻲﻓ ﺎـﻫﺎﻨﻌﻣ ﺎـﻫﺍﺰﻐﻣﻭ ﻰﻠﺠﺗﻭ ﺎﻬﻴﻓ . ﺪﺼﻘﻟﺍ ﻰﻟﺇ ﻊﺿﻭ ﺝﺮﺤﻟﺍ ﻦﻋﺔﻣﻷﺍ (١) والحاصل: أن هذه الأحاديث بمجموعها تبين سماحة دين الله 8 ، الذي أنزله على ﱢ ِ خاتم أنبيائه ورسله 1 ، وأن دين الله يسر، وأن من ه َد ْ ي رسولنا صلى الله عليه وسلم التيسير والتبشير ورفع الحرج عن الأمة، وهذا أدعى لقبول الناس دعوة الله 8 ، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يختار الأيسر من الأمور ما لم يكن إثما ً ، وليس ديننا دين رهبانية كما هو حال من ق َبلنا من الأمم. ْ k :¢üNôdG á«Yhô°ûe :ÉãdÉK ومن الأدلة على هذه القاعدة ما ثبت من مشروعية الرخص، وهذا أمر مقطوع به، ومما علم من دين الأمة بالضرورة، كرخص القصر والفطر والجمع، ُ وتناول المحرمات في الاضطرار، وجميع رخص الشرع وتخفيفاته مما يتخرج على هذه القاعدة، وهذا نمط يدل ّ قطعا ً على التزام مبدأ السماحة، واليسر في المطالبة بالأحكام الشرعية، وكذلك ما جاء في النهي عن التعمق والتكل ﱡ ف والغلو في الدين، وعن كل ما يسبب الانقطاع عن دوام الأعمال، ولو كان الشارع قاصدا ً للمشقة في التكليف لما كان ثم ترخص ولا تخفيف(٢) . ﱠ (١) . الندوي علي: القواعد الفقهية، ص ٢٧٠(٢) البورنو: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه، ص ٢٢٠ . السدلان، القواعد الفقهية الكبرى، . ص ٢٢٨ هذه الحقيقة فذكر الحديث الذي ينص « جواهره » وقد أكد الراشدي في على مشروعية الرخص الثابتة، لما روي عن أنس 3 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: َ إني لأكون في الصلاة فأسمع صوت الصبي يبكي ف أتجوز في صلاتي مخافة » ﱠ « أن أشق على أ مه(١) . المشقة » : وذكر الشماخي ما يفيد اعتماد الإباضية في فروعهم على قاعدة وهذا لتأصيل القاعدة، فقال في معرض حديثه عن ،« تجلب التيسير والتخفيف وليس للمكلف أن يحمل نفسه على حالة مخوفة، » : الأسباب المبيحة للتيمم ولا يعرضها لخطة متلفة، وقد يسر الله على عباده تخفيفا ً ، وكان بهم ولله الحمد «(٢) لطيفا ً . k :´ÉªLE’G øe :É©HGQ ومما يدل على بناء الشريعة الغراء على التيسير والتخفيف ودفع المشقة عن العباد، استقرار آراء علماء المسلمين منذ عهد الصحابة إلى يوم الناس هذا على الحقيقة، دون أن يوجد مخالف لذلك، ولئن كان هناك خلاف فهو عائد إلى مصدر نفي الحرج والمشقة، فهل هو العقل أو الشرع؟ أنه لا حرج في الشرع، عقلا « مسلم الثبوت وشرحه » ذكر صاحب ً كما عند المعتزل ة، أو شرعا ً كما عندنا(٣) ، وقد أكد الشاطبي أن الإجماع على عدم وقوع التكليف بالشاق واقع وحاصل، وهو يدل على عدم قصد الشارع إليه، ولو كان واقعا ً لحصل في الشريعة التناقض والاختلاف، وذلك منفي عنها، فإنه إذا فرض وضع الشريعة على قصد الإعنات والمشقة، وقد ثبت أنها (١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف كتاب الصلاة من كان يخفف الصلاة لبكاء الصبي يسمعه حديث: ٤٦١٦ . تقدم تخريجه برواية أبي قتادة بلفظ (فأوجز كراهية). (٢) .٢٧٦/ الشماخي: مرجع سابق، ١(٣) .١٦٨/ الأنصاري: مسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت، ١ موضوعة على قصد الرفق والتيسير، كان الجمع بينها تناقضا ً واختلافا ً ، وهي منزهة عن ذلك(١) . ومهما يكن من أمر فإن واقع الشريعة بحسب الاستقراء، هو أنها راعت جانب المكلفين، وخففت عنهم عند وجود الأعذار، كما أن الأحكام أساسا ً ، أي: حتى في العزائم، لا تتضمن أي مشقة مجاوزة للمعتاد، ويعزز ذلك إلى جانب ما ذكرناه من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته في التبليغ، ومنهج الصحابة والتابعين المؤكد لدليل الإجماع، المتحقق بالإنكار على ما ي ُ تشد ﱠ د، أو ي ُ بال َ غ في العبادة، والإنكار يدل على مخالفة ما أنكر لما استقر في ضمير الأمة من ابتناء هذه الشريعة على التيسير ودفع المشقة، وسنكتفي بإيراد أمثلة محدودة من تصرفات الصحابة والتابعين الكثيرة الدالة على ذلك، ومن هذه الأمثلة: ١ ما روي عن عمر بن الخطاب 3 حينما سأل رجل كان معه صاحب حوض وقال له: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ قال عمر بنالخطاب 3 : يا صاحب الحوض لا تخبرنا، فإنا نرد السباع » « وترد علينا(٢) . وفي رواية: إنه كان مع عمرو بن العاصفسقط عليهما ماء من الميزاب فسأل عمرو بن العاص صاحب الميزاب، ولكن عمر بن الخطاب 3 قال: « يا صاحب الميزاب لا تخبرنا »(٣) . (١) .٨٢/ الشاطبي الموافقات، ٢(٢) رواه مالك في الموطأ، كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء، رقم ٤٣ ، والبيهقي في ، الكبرى، كتاب الطهارة، باب سؤر سائر الحيوانات سوى الكلب والخنزير، رقم ١١١٤ ٣٢٠ . ابن العربي، أحكام القرآن، / عن أبي سلمة. ينظر: الشاطبي، المصدر نفسه، ٤ .١٧٤/ ١٤١١ . ابن القيم: إغاثة اللهفان، ١ /٣(٣) ابن القيم: إغاثة اللهفان، نفسه. ووجه دلالة هذين النصين على ما نحن فيه أ مور : الأمر الأول: أن عمر بن الخطاب 3 رفض مبدأ السؤال ذاته؛ لأن مطالبته الرجل بعدم الإجابة دليل على أنه لم يصوب توجيه السؤال لصاحب الميزاب ّ أو الحوض، وامتثالا ً لأوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالامتناع عن الأسئلة والتعمق المؤدي إلى التشد ّ د، هذا يعني أنه يأخذ بالعفو في أمثال هذه المواضع. والأمر الثاني: إنا نرد السباع » : أن عمر علل طلبه لصاحب الحوض بقوله وهذا يشير إلى أن هذا من مواضع الضرورة أو ما تعم به البلوى، « وترد علينا وإن تعليل عمر بذلك يعني إيمانه بأن أمثال هذه المواضع تقتضي تخفيفا ً وتيسيرا ً لما يترتب فيها من الحرج والمشقة، وهذا مبدأ عام يمكن أن يستخلص من هذه الرواية، ولم يرد عن الصحابة ما يفيد مخالفتهم لمثل هذا التوجه مما يدل على أن هذا المعنى مما اتفق عليه سلف هذه الأمة(١) . ٢ ما روي عن عمر بن الخطاب 3 لا تبغضوا الله إلى عباده، » : أنه قال « يطول أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه(٢) . وهذا القول من عمر 3 ّ ورد فيه الكثير من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووجه الدلالة فيه أن ّ عمر 3 نهى عن تبغيض الله إلى عباده، وبين وجه ذلك التبغيض أنه في إحداث المشقة على ﱠ المصلين بسبب تطويل الصلاة. وإذا كان هذا شأنه في الصلاة التي هي من أركان الدين فلأن يكون ذلك هو منهجه في الأمور الأخرى أولى. ْ ونقل الشوكاني (ت: ١٢٥٠ ه) عن ابن عبد البر(٣)(ت: ٤٦٣ ه) أن (١) الباحسين: قاعدة المشقة تجلب التيسير، ص ٢١٩ - .٢٢٠ (٢) رواه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الحديث بالكراريس، في الحديث للناس والإقبال عليهم، رقم ٢٦٥١٧ ، والبيهقي في الشعب، السابع والخمسون في حسن الخلق، فصل في .١٣٧/ التواضع، رقم ٨١٣٩ ، عن عبيد الله بن عدي. ينظر: الشوكاني: نيل الأوطار، ٣ (٣)يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي، أبو عمر: ( ٣٦٨ - ٤٦٣ ه/ ٩٧٨ - ١٠٧١ م) من كبار حفاظ الحديث، مؤرخ، أديب، بحاثة. يقال له حافظ المغرب. ولد = التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه، وذكر أنه لا يعلم خلافا َ (١) استحباب التخفيف لكل من أم قوما ً . ﱠ ً بين أهل العلم في :∫ƒ≤©ªdG øe :É°ùeÉNkk المشقة تجلب التيسير » : وأما الأدلة العقلية على قاعدة « أي نفي الحرج والمشقة عن الشريعة، وترتيب التيسير والتخفيف عند احتمال وقوعه، فإن ذلك من وجوه: ١ فلو كان التكليف بالمشقة واقعا ً لحصل في الشريعة الإسلامية تناقض واضح واختلاف بين، وذلك منفي عنها، فإنه إذا كان وضع الشريعة ّ على قصد الإعنات والمشقة فإن ذلك يناقض نصوصها التي تدل على الرفق والتيسير. ٢ لو كان دفع المشقة غير مقصود للشارع لما كان في الشرع ترخيص ولا تخفيف للأعذار، لكن التالي باطل لثبوت الرخص الشرعية للأعذار في كثير من الأحكام، مما يترتب عليه بطلان ما استلزم ذلك. ٣ ولو لم يكن دفع المشقة مقصودا ً للشارع للزم التناقض في أحكام الشارع عند إثبات الرخص، وهو ما يستحيل على الشارع عقلا .ً ٤ ولو لم يكن الحرج منفيا ً لكان ثابتا ً ، لكن التالي باطل، فبطل ما أدى إليه ّ فصدق نقيضه، وهو أن الحرج منفي عن الشرع وهو المطلوب، بيان = بقرطبة. ورحل رحلات طويلة في غربي الأندلس وشرقيها. وولي قضاء لشبونة وشنترين. مجلدان، في « الاستيعاب » و « الدرر في اختصار المغازي والسير » : وتوفي بشاطبة. من كتبه التمهيد لما في » في القراءات، و « المدخل » و « جامع بيان العلم وفضله » تراجم الصحابة، و الإنصاف » و « الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار » و « الموطأ من المعاني والأسانيد في الفقه. « الكافي » و « فيما بين العلماء من الاختلاف (١) الشوكاني: نفسه. الملازمة أن الأمر فيما معنا لا يخرج عن حالتي النفي والإثبات، إذ لا واسطة بينهما فإذا انتفى أحدهما ثبت الآخر لا محالة، وأما بطلان التالي فدليله الاستقراء التام لأحكام الشريعة وإجماع العلماء على أن ليس في أحكام الشريعة ما فيه حرج، إلا ما كان مدفوعا ً به حرج أعظم (١) وهو على التحقيق ليس حرجا ً . _ وكذلك ما جاء في النهي عن التعمق والتكلف والغلو في الدين، والتسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال، ولو كان الشارع قاصدا ً للمشقة في التكليف، لما كان ثم ترخيص ولا تخفيف(٢) . (١) ١٢٢ . د عمر عبد الله كامل، مرجع سابق، ص ٢٤٢ . وينظر: / الشاطبي: مرجع سابق، ٢ يعقوب الباحسين، مرجع سابق، ص ٢٢١ - .٢٢٢ (٢) ٢). وينظر: كذلك إسماعيل علوان، مرجع سابق، ) يراجع: المصادر السابقة في هامش ١٧ . ص ٢٤٣ أسباب التيسير والتخفيف وهي عبارة عن الظروف والحالات التي يكون بوجودها التيسير والتسهيل والتخفيف، وقد ذكر الفقهاء والأصوليون أهم أسباب وحالات التيسير والتخفيف التي هي مظنة المشقة، وحصروها في ثمان وهي: السفر، والمرض، والإكراه، والخطأ، والنسيان، والجهل، والعسر وعموم البلوى، والنقص الطبيعي، وتفصيل هذه الأسباب كما يلي: k :ôØ°ùdG ≈æ©e :’hCG السفر في ا للغة: قطع المسافة مطلقا ً ، وأصل مادة (السفر): الكشف والإظهار فيقال: سفرت المرأة عن وجهها إذا أظهرته، وقيل: في تسمية السفر بهذا الاسم؛ لأنه سفر عن وجوده المسافرين وأخلاقهم، ويظهر ما كان خافيا ً فيها(١) . والسفر في ا لاصطلاح: أن يخرج المكلف من وطنه قاصدا ً أن يتعدى الفرسخين(٢) . وقيل: هو الانتقال من موضع الإقامة مع ربط القصد بقصد معلوم(٣) . ولما كان السفر يغلب معه وقوع المشقة، جعله الشارع سببا ً من أسباب التيسير والتخفيف، بمجرد حدوثه دون انتظار المشقة(٤) ، قال تعالى: ﴿ ÙØ×ÖÕÔÓÒÑÐÏ ﴾ )النساء : (١٠١ . وقال تعالى: ﴿ ONMLKJIHGFE ﴾ )البقرة : (١٨٤ k :ôØ°ùdG •hô°T :É«fÉK ويشترط الفقهاء في السفر الذي تترتب عليه أحكام التيسير عدة شروط، وهي: (١) . ١٥٤ . الفيومي، المصباح المنير، ص ٢٧٨ / ابن منظور: لسان العرب، ٢ (٢) الفرسخ: الواحد يساوي ثلاثة أميال والميل الواحد يساوي ١٨٤٨ متر وعلى هذا يكون الفرسان ستة أميال يساوي ١١٠٨٨ متر أي ما يساوي ١٢ كم تقريبا ً . ينظر: ابن الرفعة، . الإيضاح والبيان في معرفة المكيال والميزان، ص ٣٧ (٣) .٢٦٠/ الغزالي أبو حامد: إحياء علوم الدين، ٢(٤) .٦١٥/ البزدوي: كشف الأسرار ٤ الأول: أن تكون مسافته معقولة شرعا ً ، وقد جعل الإباضية حد السفر يبدأ بالفرسخين خلافا ً للجمهور(١) . وق ُد ﱢ رت باثني عشر كيلومتر تقريبا ً ، واعتبر الفقهاء من قطع تلك المسافة أو أكثرها مسافرا ً ، ورتبوا على ذلك السفر رخصا ً كثيرة. قال الجيطالي : اختلف العلماء في المسافة التي يجوز فيها القصر، فذهب » أصحابنا (الإباضية ( وبعض أهل العراق (الحنفية ( وأهل الظاهر إلى أنها فرسخان، وهما في التقدير ستة أميال، وذلك مروي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بأصحابه إلى ذي الحليفة فصلى بهم ركعتين، ثم رجع فسئل عن ذلك فقال: « أردت أن أعلمكم حد السفر، أو قال صلاة ا لسفر »(٢) ، وبه قال علي بن أبي طال ب، وعبد الله بن عبا س، وأبو عبيدة مسل م، وجابر بن زيد «... وغيرهم من أصحابنا بلا خلاف أجده بينهم(٣) . ﺮﻔﺴﻟﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻴﻏ ﺔﻴﺿﺎﺑﻹﺍ ﻰﻠﻋ :ﻦﻴﻋﻮﻧ ﺃ ـ ﺮﻔﺳ :ﻞﻳﻮﻃ ﻮﻫﻭ ﺝﻭﺮﺨﻟﺍ ﻦﻣ ﻦﻃﻮﻤﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﺪﺼﻗ ﺮﻴﺴﻤﻟﺍ (١) ﻩﺎﻧﺩﺃﻭﺎﻣ ﻊﻄﻘﻳ ﺓﺩﺎﻋ ﻲﻓ ﻦﻴﺘﻠﺣﺮﻣ ﻲﻫﻭ ﺔﻓﺎـﺴﻤﻟﺍ ﺮﺒﻌﻤﻟﺍ ﺎﻬﻨﻋ ﺔﻓﺎـﺴﻤﺑ ﺮﺼﻘﻟﺍ ﺭﺪﻘﺗﻭ ﻦﻳﺮﺸﻌﺑﺔﻋﺎﺳ ﺚﻠﺛﻭ ﻭﺃ ﺔﻓﺎـﺴﻤﺑ (٨٦) ﻮﻠﻴﻛ ﺮﺘﻣ ﻲﻓ ﻱﺃﺭ ﺔﻴﻔﻨﺤﻟﺍ ﻭﺃ (٩٦)ﻮﻠﻴﻛﺮﺘﻣ ﻲﻓ ﻱﺃﺭ ﺔﻴﻌﻓﺎـﺸﻟﺍ :ﻞﻴﻗﻭ ﻮﻫ ﺝﻭﺮـﺨﻟﺍ ﻦـﻋ ﺕﻮـﻴﺑ ﺮﺼﻤﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﺪﺼﻗ ﺓﺮﻴـﺴﻣ ﺔـﺛﻼﺛ ﻡﺎﻳﺃ ﺎﻬﻴﻟﺎﻴﻟﻭ ﺎﻤﻓ ﻕﻮﻓ ﺮﻴـﺴﺑ ﻞﺑﻹﺍ ﻲـﺸﻣﻭ ﻑ ﻞﻳﻮﻄﻟﺍ ﻪﻨﻣ ﺕﺎﻔﻳﺮﻌﺘﺑ ﺔـﻔﻠﺘﺨﻣ ﻞﺼﺘﺗ ﺀﺍﺭﺂﺑ .ﻡﺍﺪـﻗﻷﺍ ،ﻲـﻧﺎﺟﺮﺠﻟﺍ ،ﺕﺎـﻔﻳﺮﻌﺘﻟﺍﺹ .١٠٥ ﺮـﻋﻭّ ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻲﻓ ﺔﻓﺎﺴﻤﻟﺍ ﻲﺘﻟﺍ ﻍﻮﺴﺗ ﺾﻌﺑ ﺕﺎﻔﻴﻔﺨﺘﻟﺍ ﺪﻨﻌﻓ ﻚﻟﺎﻣ ﻲﻌﻓﺎﺸﻟﺍﻭ ﺪﻤﺣﺃﻭ ﺔﻋﺎﻤﺟﻭ ﺓﺮﻴﺜﻛ ﻪﻧﺃ ﺝﻭﺮﺧ ﻦﻋ ﻞﺤﻣ ﺔﻣﺎﻗﻹﺍ ﺪﺼﻘﺑ ﺓﺮﻴﺴﻣ ﺔﻌﺑﺭﺃﺑ ﺩ ﻚﻟﺫﻭ ﺓﺮﻴﺴﻣ ﻡﻮﻳ ﺮﻴﺴﻟﺎﺑ ،ﻂﺳﻮﻟﺍ ﺪﻨﻋﻭ ﺔﻴﻔﻨﺤﻟﺍﺮُُ ﻮـﻫ ﺝﻭﺮـﺧ ﻦﻋ ﻞﺤﻣ ﺔﻣﺎﻗﻹﺍ ﺪﺼﻘﺑ ﺓﺮﻴـﺴﻣ ﺔﺛﻼﺛ ﻡﺎﻳﺃ ﺮﻴـﺴﺑ ﻂـﺳﻭ ﻦﻣ ﻚﻟﺫ .ﻞـﺤﻤﻟﺍ :ﺮﻈﻨﻳ ﻦﺑﺍ :ﺩﺮ ﻊﻤﺟ ﺪﻳﺮﺑ ﺪﻳﺮﺒﻟﺍﻭ ،ﺪـﺷﺭ ﺔﻳﺍﺪﺑ ،ﺪﻬﺘﺠﻤﻟﺍ .١٦٧/١ ـ ﻦﺑﺍ ،ﻲﺑﺮﻌﻟﺍ ﻡﺎﻜﺣﺃ ،ﻥﺁﺮﻘﻟﺍ .٧٨/١ﺒﻟﺍُ ﻰﻠﻋﻭ ﺍﺬﻫ ﻥﻮﻜﻳ ﺪﻳﺮﺒﻟﺍ ً ﺭﺪﻘﻳ ﺔﻌﺑﺭﺄﺑ ﺦـﺳﺍﺮﻓ ﺦـﺳﺮﻔﻟﺍﻭ ﺔﺛﻼﺛ ﻝﺎﻴﻣﺃ ﻞﻴﻤﻟﺍﻭ ﻱﻭﺎـﺴﻳ ١٨٤٨ﺍﺮﺘﻣ ﻱﻭﺎﺴﻣ ٢٢,١٧٩ ﻢﻛ ﻥﻮﻜﺘﻓ ﺔﻌﺑﺭﺃ ﺩﺮﺒﻟﺍ ٨٨,٧٠٤ .ﻢﻛ :ﺮﻈﻨﻳ ﺡﺎﻀﻳﻹﺍ ﻥﺎﻴﺒﻟﺍﻭ ﻲﻓ ﺔﻓﺮﻌﻣ ﻝﺎﻴﻜﻤﻟﺍ ﻥﺍﺰﻴﻤﻟﺍﻭ ﻦﺑﻻ ،ﺔﻌﻓﺮﻟﺍﺹ .٣٧ ﺶﻣﺍﻮﻫﻭ ﻖﻘﺤﻤﻟﺍ ،٣ ،٤ ٥ ﻲﻓ ﺔﺤﻔﺼﻟﺍ.ﺎﻬﺴﻔﻧ ﺚـﻳﺪﺤﻟﺍ ﻖـﻔﺘﻣ ،ﻪـﻴﻠﻋ ﻩﺍﻭﺭ ،ﻱﺭﺎـﺨﺒﻟﺍ ﺏﺍﻮـﺑﺃ ﺮـﺼﻗ ،ﺓﻼـﺼﻟﺍ ﺏﺎـﺑ ﻲـﻓ ﻢﻛ ﺮـﺼﻘﻳ ،ﺓﻼﺼﻟﺍ (٢) ﻢﻗﺭ ،١٠٣٩ ،ﻢﻠﺴﻣﻭ ﺏﺎﺘﻛ ﺓﻼﺻ ،ﻦﻳﺮﻓﺎﺴﻤﻟﺍ ﺏﺎﺑ ﺓﻼﺻ ﻦﻳﺮﻓﺎﺴﻤﻟﺍ ،ﺎﻫﺮﺼﻗﻭ ﻢﻗﺭ ،٦٩٠ ﻦﻋ ﻰﻠﺻﻭ ﺮﺼﻌﻟﺍ ﻱﺬﺑ ﺔﻔﻴﻠﺤﻟﺍ .«ﻦﻴﺘﻌﻛﺭ ً ﺲﻧﺃ :ﻆﻔﻠﺑ ﻥﺃ»ﻝﻮـﺳﺭ ﷺ ﻰﻠﺻ ﺮﻬﻈﻟﺍ ﺔﻨﻳﺪﻤﻟﺎﺑﺎﻌﺑﺭﺃ ﻥﻭﺩ :ﻆﻔﻟ ﺕﺩﺭﺃ ﻥﺃ ﻢﻜﻤﻠﻋﺃ ﺪﺣ.ﺮﻔﺴﻟﺍ :ﻲﻟﺎﻄﻴﺠﻟﺍ ﺪﻋﺍﻮﻗ ﻡﻼﺳﻹﺍ.٢٥٧/١ (٣) « طلعة الشمس » وقال السالمي في(١) : وإنما جعلنا الفرسخين أول حد » السفر لما روي أنه عليه الصلاة والسلام خرج يوما ً بأصحابه إلى ذي الحليفة فصلى بهم، ثم رجع فسئل عن ذلك، فقال: « أردت أن أعلمكم صلاةا لسفر »(٢) .« ُ الثاني: أن يجاوز مكان إقامته، وما يتصل به من أبنية ومزارع، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الإباضية وغيرهم(٣) ، عملا ً بسن ّ ة الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث كان ُ لا يبتدئ القصر في السفر إلا بعد خروجه من المدينة(٤) . الثالث: قصد السفر، وذلك بأن يقصد موضعا ً معينا ً ، أما إذا هام على ّ وجهه أو تاه في صحراء ولا يدري أين يذهب، فلا يترخص عند الجمهور خلافا ً لأبي حنيفة الذي أجاز له الترخص، وهو على تلك الحالة إذا قطع مسافر القصر، والأولى قول الجمهور، عملا ً الأمور » بالقاعدة الكلية بمقاصدها .« قال النووي : ما حكي عن أبي حنيفة شاذ غريب ضعيف » ُ «(٥) جد ّ ا ً . فإذا خرج على هذا القصد شرع له التخفيف في العبادات منذ خرج من عمران بلده، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ترخصوا برخص المسافر بعد الخروج من العمران. (١) ٢٥٧ . ابن بركة / ٢٦٩ . وينظر: الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ / السالمي: طلعة الشمس، ٢ .٥٧٥/١(٢) سبق تخريجه في الحديث السابق. (٣) ٢٩٠ . ابن جزئ: / ٢٥٧ . الكاساني، بدائع الصنائع، ١ / الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ .٢٥٩/ ٢٠٢ . ابن قدامة: المغني، ٢ / قوانين الأحكام، ص ٩٣ . النووي: المجموع، ٤ (٤) ابن حجر العسقلاني، المطالب العالية، كتاب النوافل، باب قصر الصلاة في السفر، حديث: ٧، عن أبي سعيد الخدري ٧١ 3 إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من المدينة فسافر » : بلفظ فرسخا ً ابن أبي شيبة، المصنف، كتاب صلاة التطوع والإمامة وأبواب متفرقة « قصر الصلاة في مسيرة كم يقصر الصلاة حديث: ٧٩٩٦ . كان » : عن عامر بن شراحيل الشعبي، قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا ً باب في مسيرة كم يقصر الصلاة .« قصر الصلاة من ذي الحليفة حديث: ٧٩٩٦ (٥) .١٩٤/ النووي: المجموع، ٤ الرابع: أن يكون السفر سفر طاعة، فلا يرخص للعاصي في الأحكام الشرعية، فمن سافر لأجل معصية فهل يبيح الترخيص؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى مذهبين: المذهب الأول: جواز الرخصة في السفر مطلقا ً: وهو قول جمهور الإباضية والحنفية(١) . فقد ذهبوا إلى جواز الرخص في السفر مطلقا ً سواء كان للطاعة أو المعصية؛ لأن سبب الرخص قائم، والمعصية أمر خارج، ولإطلاق نصوص الرخص، كقوله تعالى: ﴿ HGFE ONMLKJI ﴾ )البقرة : (١٨٤ . وقد صرح بذلك ابن بركة بقوله: وقصر الصلاة في أي سفر كان المسافر طائعا » ً أو عاصيا ً ، إذا كانت الصلاة ّ عليه في جميع أحواله مطيعا ً كان أو عاصيا ً ، والوجوب عليه التمام في حال السفر، إذا خرج عاصيا ً « محتاج إلى دليل(٢) . لم يفصل الدليل بين مسافر ومسافر، » ويؤكد السالمي هذا الحكم فيرى أنه ُّ وكذلك لم يفرق الدليل بين المسافر العاصي بسفره وبين المسافر الطائع، فيصح عندنا الترخص بالقصر والإفطار لمن خرج باغيا ً على الإمام، أو معتديا ً « على الأنام(٣) . المذهب الثاني: تحريم الانتفاع بالرخص في سفر ا لمعصية: ذهب الجمهور من المالكية والشافعية وبعض الإباضية إلى أن سفر المعصية لا يبيح الرخص، لأن في جواز الرخص إعانة على المعصية، والعاصي لا يعان، لأن الرخص لا تناط بالمعصي ة، ووضعوا لذلك قاعدة (١) .٢٥٨/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١(٢) ٥٧٥/ ابن بركة: الجامع، ١ - .٥٧٦ (٣) ٢٦٩ . الزيلعي فخر الدين عثمان بن علي (ت: ٧٤٣ ه)، تبيين / السالمي: طلعة الشمس، ٢ ٢١٥ ، مطبعة بولاق مصر ١٣١٣ ه. / الحقائق شرح كنز الدقائق، ١ والمراد بالمسافر العاصي بسفره: أن ،« إن الرخص لا تناط بالمعاص ي » : فقهية يكون الحافز على السفر نفس المعصية، كقاطع طريق، وناشزة، وعاق، ومسافر عليه دين حال قادر على وفائه من غير غريمة(١) . ونسب السالمي هذا القول َْ إلى الشافع ي، حيث ذهب إلى منع الرخص عن المسافر العاصي بسفره، فأوجب عليه الإتمام والصوم، مستدلا ّ ً بقوله تعالى: ﴿ tsrqp yxwvu ﴾ )النحل : (١١٥ . وأيضا ً فإن الترخص نوع من التخفيف، والتخفيف لا يناسب العصيان، وإنما يناسبه التشديد عليه والتضييق. أما هذه الآية التي استدلوا بها فهي » : ورد الإباضية على الجمهور بقولهم ٍ في أكل الميتة مضطرا ً غ» ، ومعنى َير باغ ٍ ولا َ أي: غير باغ في أكله، أي ،« عاد ّ ََََْ ليس بمتجاوز الحالة التي رخص له الأكل فيها، ولا متعد حد الضرورة في أكله، أي لا يأكل الميتة متشهيا ً من غير اضطرار، ولا يتعدى الحد الذي يحيي « به النفس(٢) . وأشار إلى اختلاف الفقهاء فيها « قواعده » نقل الجيطالي هذه المسألة في اختلف الناس في أي أنواع السفر الذي تقصر فيه الصلاة، » : وسببه، فقال ّ فذهب بعضهم إلى أنه مقصور على السفر المتقرب به، كالحج والجهاد وأشباه ذلك، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصر الصلاة قط إلا في سفر متقرب به، فقد « كان صلى الله عليه وسلم إذا سافر قصر حتى يرجع » روي عنه أنه(٣) . وذهب آخرون إلى أن القصر إنما هو في السفر المباح دون سفر المعصية، وهو الأليق بأصول أصحابن ا، وهو مروي عن مالك والشافع ي، وبعضهم (١) . ٣٣ . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٥٦ / ٣٥٤ . القرافي: الفروق ٢ / أطفيش: شرح النيل، ٣(٢) ٢٦٩/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ - .٢٧٠ (٣) رواه أحمد، مسند المكثرين من الصحابة، حديث ابن عمر، رقم ٥٧٥٠ ، والبيهقي في السنن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم » : الكبرى، جماع أبواب صلاة المسافر، رقم ٥٢٧٠ ، عن ابن عباس بلفظ إذا خرج من بيته مسافرا ً .« صلى ركعتين ركعتين حتى يرجع أجازوه في كل سفر، مباحا ً كان أو معصية، ذكر ذلك عن أبي حنيفة وأصحابه. وسبب ا لتنازع: تعارض المعنى المعقول وظاهر اللفظ بين سفر وسفر، ومن اعتبر فعل الرسول 0 لم يجز القصر إلا في السفر المتقرب به، كالحج والجهاد كما قدمنا، أما من فرق بين المباح والمعصية، فعلى جهة التغليظ، ّ «؟ والأصل فيه: هل يجوز الرخصة للعصاة أم لا(١) . ويبدو من عبارة الجيطالي أنه يميل إلى رأي الجمهور في جواز الرخص في السفر المباح، أو بقصد الطاعة، وتمنع في سفر المعصية، وهذا ما يفهم وبذلك يكون قد خالف جمهور ،« وهو الأليق بأصول أصحابن ا » : من كلامه الإباضية وتفرد بهذا القول، ويشير إلى أن الأخذ بهذا المذهب هو ما ينسجم ّ مع قواعد المذهب، أما القول الآخر فإنه يتعارض مع قواعد الفقه الإباضي، ولذلك اختار الجيطالي مخالفتهم في هذه المسألة. الرأي ا لمختار: مما تتقدم يمكن القول: إن ما ذهب إليه جمهور الإباضية والحنفية هو الرأي الراجح عندنا؛ لأن السفر أصبح من ضرورات الحياة، فبواسطته يستطيع الإنسان أن يوفر لنفسه مستلزمات العيش الكريم، من جلب الرزق، وطلب العلم، والعلاج، وصلة الأرحام، والتجارة، فلا يمكن أن يمنع من السفر إذا لم يقصد به الطاعة، فقد يتعرض المرء في السفر إلى مشاق وصعوبات وظروف قاهرة، فيضعف أمامها ويسقط في المعصية، فينبغي أن نشجعه على الطاعة، فإن وقع في المعصية نرشده إلى التوبة، ولا يحرم من الرخصة، فلو قصرنا ِ السفر على الطاعة، كالحج والجهاد وطلب العلم والتجارة ونحوها، ل َل َحق بالمسافر مشقة وعنت، فمن التيسير عليه ورفع الحرج عنه أن تباح له رخص السفر، كالقصر والإفطار مطلقا ً ، ولا يقيد بالطاعة أو المعصية؛ لأن النصوص ّ (١) .٢٥٨/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ وردت مطلقة، ولم يرد من الشارع ما يقيدها، فتبقى على إطلاقها حتى يثبت ّ خلاف ذلك، وقد يؤخذ بالقول الآخر في حالة إصرار العصاة على المعصية، فمن المناسب أن يحرموا من هذه الرخص زجرا ً لهم، وردعا ً لغيرهم والله أعلم. kk :ôØ°ùdG ¢üNQ øe :ÉãdÉK ١ في التيمم: ِ أبيح التيمم لمريض ومسافر عدم ماء بإجماع، والخلف في » جاء في النيل ُ ِ حاضر عدمه، هل يتمم إن خاف ف َ وت الوقت ويصلي، أو يطلبه وإن فات؟ ْ « قولان(١) . اتفق العلماء » : وقد حكى الشماخي الإجماع على هذا الحكم فقال على جواز التيمم للمريض والمسافر الذي عدم الماء، واختلفوا في الحاضر « بعدم الماء(٢) . فنجد أن الإباضية اتفقوا على إباحة التيمم للمسافر إن لم يجد الماء، واختلفوا في المقيم إذا فقد الماء، هل يتيمم ويصلي إن خاف فوات الوقت؟ أم يسعى في طلبه وإن خرج وقت الصلاة؟ ففي هذه المسألة قولان، كما أشار صاحب النيل(٣) ، فإن وجد الماء بعد ذلك اغتسل من الجنابة وتوضأ، ولا يعيد ما مضى من الصلاة(٤) . ٢ في القصر والجمع بين ا لصلاة: ومن التخفيف المشروع للمسافر أيضا ً : قصر الصلوات الرباعيات، فيصل ﱢ ي الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين، وجوز له الجمع بين الظهر والعصر، ّ وبين المغرب والعشاء في أي وقت من وقتهما شاء جمع تقديم أو تأخير، قال َْ (١) .٣٧٢/ الثميني عبد العزيز: كتاب النيل وشفاء العليل مع شرح القطب أطفيش، ١(٢) . ٢٧٠ . الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ص ٧٨ / الشماخي: الإيضاح، ١(٣) ٣٧٢ . الراشدي: جواهر القواعد، / الثميني عبد العزيز: المرجع نفسه. أطفيش أمحمد، ١ . ص ١١٠ (٤)عمروس بن فتح النفوسي: الدينونة الصافية، ص ٩٣ - .٩٤ ابن بركة : وجاز للمسافر أن يجمع بين صلاتين في حال سفره، يضم الأخيرة » إلى الأولى فيصلهما في وقت الأولى، والأولى في وقت الآخرة فيصلهما جمعا ً فيه، وكذلك في صلاة المغرب والعشاء، لما روى معاذ بن جبل 3 ، غزونا مع رسول صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل وقد زالت الشمس جمع، وإذا ارتحل » : قال قبل أن تزول الشمس أخر الظهر وصلاها مع العصر قبل أن يمضي وقت « العصر، وكذلك المغرب والعشاء(١) . وقد أشار الشماخي إلى العلة من جواز الجمع في السفر، وهي التخفيف، « وعلة الجمع في السفر التخفيف من المشقة التي تلحق المسافر » : فقال(٢) . وكذلك الجمع للمسافر رخصة من » : وأكد ابن بركة أنها رخصة شرعية بقوله « الله له لمشقة السفر(٣) . كما صرح عبد الرحمن بكلي بهذه العلة، فقد سئل عن حكم الجمع بين ٰ لا يخفى عنك أن السفر مظنة » : الصلاتين في السفر جماعة أو فرادى، فأجاب المشقة ولأجل ذلك خفف الله عن عباده فيه ما فيه مشقة رحمة بهم، كتقصير قال صلى الله عليه وسلم ،« المشقة تجلب التيسي ر » الصلاة، وإفطار رمضان، وجمع الصلاتين، و : « إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه »(٤) ، وقد ثبت أن (١) رواه الترمذي، أبواب السفر، باب الجمع بين الصلاتين، رقم ٥٥٣ ، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين، رقم ١٢٠٨ ، وقال الترمذي: حسن غريب تفرد به قتيبة. (٢) ينظر: الشماخي: الإيضاح مع حاشية السدويكشي ط ٥، نشر مكتبة مسقط ع ُ مان .٩/ ١٤٢٥ ه/ ٢٠٠٤ م، ٢(٣) .٤١٨ ،٤١٧/ ابن بركة: الجامع، ١(٤) رواه ابن حبان في صحيحه، كتاب البر والإحسان، باب ما جاء في الطاعات، رقم ٣٥٤ ، عن ابن عباس، والبيهقي في الكبرى، جماع أبواب صلاة المسافر، باب كراهية ترك التقصير رغبة في السن ﱠ ة، رقم ٥١٩٩ ، عن ابن عمر، والطبراني في الكبير، باب العين، أحاديث عبد الله بن ﱡ رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجال البزار ثقات » : العباس، رقم ١١٨٨٠ ، قال الهيثمي .٣٨٢/ مجمع الزوائد، ٣ .« وكذلك رجال الطبراني رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في السفر سائرا ً ونازلا، ً جمع تأخير جماعة وانفرادا ً(١) ، فإذا ثبت ذلك عنه فلا فرق حينئذ أن تصلى جماعة أو فرادى في المسجد أو غيره ولا يشترط أن يكون طول عمره صلى الله عليه وسلم حسبنا أن يكون ذلك مشروعا ً وكفى، وعليه فالفطر عندنا في السفر « فرض والجمع رخصة، والإفراد أفضل(٢) . ٣ في جواز ترك الجمعة لأصحاب الأعذار: ما نصه: « الإيضاح » وهم كالمريض والمسافر والمرأة وغيرهم، جاء في إن صلاة الجمعة واجبة على الناس كافة، إلا من قام الدليل بعذره من مسافر »أو عبد أو مريض أو امرأة أو صبي، والدليل: ما روي أنه قال 0 : الجمعة » (٤) « واجبة إلا على امرأة أو مريض أو مسافر أو صبي(٣) «. ٤ في الفطر في رمضان: وقد رخ ﱢ ص للمسافر الإفطار في رمضان، لكن عليه القضاء في أيام أخر، ُ ورخصة الإفطار ثابتة له مطلقا، سواء كان صام من الشهر بعض أيامه أو لم ﻩﺍﻭﺭ ﻱﺭﺎـﺨﺒﻟﺍ ﻲـﻓ ﻪـﺤﻴﺤﺻ ﺏﺍﻮـﺑﺃ ﺮـﻴﺼﻘﺗ ﺓﻼﺼﻟﺍ ـ ﺏﺎـﺑ ﻊﻤﺠﻟﺍ ﻲﻓ ﺮﻔـﺴﻟﺍ ﻦـﻴﺑ ﺏﺮﻐﻤﻟﺍ (١) ﺀﺎﺸﻌﻟﺍﻭ :ﺚﻳﺪﺣ١٠٦٩ . ﻦ ﻦﺑ ،ﺮﻤﻋ ﻯﻭﺎﺘﻓ ،ﻱﺮﻜﺒﻟﺍ ﻁــﻫ١٤٠٢ .ﻡ١٩٨٢/ ﺔﻌﺒﻄﻤﻟﺍ ﺔﻴﺑﺮﻌﻟﺍ ،ﺔﻳﺍﺩﺮﻏ ﻲـﻠﻜﺑﻤﺣﺮﻟﺍ ﺪﺒﻋٰ (٢) ،ﺮﺋﺍﺰﺠﻟﺍ.١٣٣ - ١٣٢/١ ﻪﺟﺮﺧﺃ ﻲﻧﺍﺮﺒﻄﻟﺍ ﻲﻓ ﻢﺠﻌﻤﻟﺍ ﺮﻴﺒﻜﻟﺍ ـ ﺏﺎﺑ ﺀﺎﺘﻟﺍﺎﻣ ﺪﻨـﺳﺃ ﻢﻴﻤﺗ ﻱﺭﺍﺪﻟﺍ ـ :ﺚﻳﺪﺣ١٢٤٥ :ﻆﻔﻠﺑ (٣) ﺔﻌﻤﺠﻟﺍ» ،ﺔﺒﺟﺍﻭ ﻻﺇ ﻰﻠﻋ ،ﺓﺃﺮﻣﺍ ﻭﺃ ،ﻲﺒﺻ ﻭﺃ ،ﺾﻳﺮﻣ ﻭﺃ ،ﺪﺒﻋ ﻭﺃ «ﺮﻓﺎـﺴﻣ ﻦﻋﻢﻴﻤﺗ ﻦﺑ ﺱﻭﺃ ،ﻱﺭﺍﺪـﻟﺍ ﻮـﻫﻭ .ﺢﻴﺤﺻ ﻩﺍﻭﺭﻭ ﻲﻨﻄﻗﺭﺍﺪﻟﺍ ﻲﻓ ﻪﻨﻨـﺳ ـ ﻝﻭﺃ ﺏﺎـﺘﻛ ﺔﻌﻤﺠﻟﺍ ﺏﺎﺑ ﻦﻣ ﺐﺠﺗ ﻪﻴﻠﻋ ﺔـﻌﻤﺠﻟﺍ ـ :ﺚـﻳﺪﺣ١٣٧٠ .ﻩﻮـﺤﻨﺑ ﻩﺍﻭﺭﻭ ﻲـﻘﻬﻴﺒﻟﺍ ﻦﻨـﺴﻟﺍ ﻯﺮﺒﻜﻟﺍ ـ ﺏﺎـﺘﻛ ﺔﻌﻤﺠﻟﺍ ﺏﺎﺑ ﻦﻣ ﻻ ﻪﻣﺰﻠﺗ ﺔﻌﻤﺠﻟﺍ ـ :ﺚﻳﺪﺣ٥٢٥٠ ﻦﻋﻕﺭﺎﻃ ﻦﺑ ،ﺏﺎﻬﺷ ﻝﺎﻗ :ﻲﻘﻬﻴﺒﻟﺍ ﺍﺬﻫ ﺚﻳﺪﺤﻟﺍ ﻥﺇﻭ ﻥﺎﻛ ﻪﻴﻓ ﻝﺎﺳﺭﺇ ﻮﻬﻓ ﻞﺳﺮﻣ ،ﺪﻴﺟ ﻕﺭﺎﻄﻓ ﻦﻣ ﺭﺎﻴﺧ ﻦﻴﻌﺑﺎﺘﻟﺍ ﻦﻤﻣﻭ ﻯﺃﺭﻲﺒﻨﻟﺍ ﷺ ﻥﺇﻭ ﻢﻟ ﻊﻤﺴﻳ ،ﻪﻨﻣ ﻪﺜﻳﺪﺤﻟﻭ ﺍﺬﻫ.ﺪﻫﺍﻮﺷ :ﻲﺧﺎﻤﺸﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺡﺎﻀﻳﻹﺍ ﻊﻣ ،ﺔﻴﺷﺎﺤﻟﺍ.٦١٧/١ (٤) يصم، ونقل السالمي في » طلعة الشمس « خلاف الفقهاء في هذه المسألة، فذهب بعضهم إلى وجوب أحد الحالتين على المسافر، أي الإفطار أو الصوم إذا دخل في إحداها، فإذا صام في سفره فيجب أن يتم شهره صياما ً ويمنع من الإفطار؛ لأنه قد اختار بنفسه الصوم ودخل فيه، فيلزمه عنده تمامه، وكذا قال فيمن اختار الإفطار في السفر ودخل فيه، حتى قال: إن الصوم بعد الفطر في والصحيح أنه يصح؛ لأنه يجوز » : السفر لا يصح، ورجح السالمي صحته فقال للمسافر الصائم أن يفطر لثبوت رخص الفطر له وثبوت صحة الصيام له، فهو « مخير بين الصوم والإفطار، ولم يفصل الدليل بين مسافر ومسافر(١) . وجاء في والإفطار... هو رخصة، والصوم فيه، أي في السفر أفضل إن كان » : شرح النيللا تلحقه مشقة وهو قول مالك وأبي حنيفة ومجاهد وأنس وابن جبي ر، ولا دليل لذلك في قوله عز وعلا: ﴿ _` ba ﴾ )البقرة : (١٨٤ . لاحتمال أن يكون إنما هو في إطار غير المسافر وصومه، لأنه قد كان جائزا ً أن يفطر ويطعم، أو يصوم فنسخ، ووجب الصوم، وروي عن ابن عباس وابن عمر والشعبي والأوزاعي أن الإفطار أفضل، وفي رواية عن ابن عمر وابن جبير كراهية الصوم، وفي رواية عن عبد الرحمن ٰ بن عوف 3 أن الصائم في السفر كالمفطر في الحض ر، وقيل: الإفطار والصوم فيه سواء ونسبه بعضهم لأصحابنا «... والجمهور(٢) . _ واختلفوا في حد المسافة التي يفطر فيها المسافر، فذهب جمهور العلماء إلى أنه إنما يفطر في السفر الذي يقصر فيه الصلاة، وبه قال عطاء والشافع ي، وذهب قوم إلى أنه يفطر في كل ما يطلق عليه اسم السفر، وهو أهل الظاه ر، وذهب أصحابنا من أهل الجبل(٣) إلى أنه (١) .٢٦٩ ،٢٦٨/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٢) ٣٥٥/ أطفيش: شرح النيل، ٣ - .٣٥٦ (٣) الجبل: يقصد به جبل نفوسة بغرب ليبيا. لا يفطر حتى يجاوز الحوزة(١) المحدودة عندهم، أو يسير ثلاثة أيام، وهو السفر النائي عندهم، إلا أن يكون منزله في طرف الحوزة، فإنه يفطر إذا جاوز الفرسخين بعد الحوزة، قالوا: وإن أفطر مضطرا ً فيما ّ دون الحوزة بعد أن يجاوز فرسخين فإنه ينهر ولا يبرأ منه إلا أن يريد َُ سفرا ً نائيا ً فلا بأس عليه. وذهب الجناوني إلى أن السفر الذي يجوز فيه الأكل هو السفر النائي، من ثلاثة أيام فصاعدا ً ، وما دون الثلاثة أيام فلا يأكل المسافر فيها، وإن أكل فلينهر، (أي يزجر ويوبخ توبيخا ً شديدا ً ( ولا يبرأ منه ولا يضرب، ومن سافر سفرا ً نائيا ً فلا يأكل حتى يخرج من الحوزة أو يجاوز ثلاثة أيام، ومن كان منزله قريبا ً من الحوزة على أقل ثلاثة أيام، فلا بأس عليه بالأكل إذا خرج من الحوزة ولو لم يجاوز ثلاثة، إذا جاوز ستة أميال، فإن خرج من منزله وجاوز الحوزة من قبل أن يجاوز ستة أميال فلا يأكل نهارا ً في رمضان، ولا يقصر الصلاة ولو لم يجاوز ستة أميال والله أعلم، والمسافر إذا أكل من قبل أن يتجاوز ستة أميال فقد قيل فيه بالرخصة(٢) . (١) الحوزة: قال صاحب النيل في تعريفها: هي عبارة عن مدن أو قرى متقاربة بمسافة لا تتجاوز مسيرة ثلاثة أيام مع احتياج بعضها إلى بعض في أغلب مقتضيات الأحوال. ينظر: أطفيش: .٣٥٣/ شرح النيل، ٣ ولما كان جبل نفوسة في عهد المؤلف (الجناوني) وقبله » : وقال المعلق علي يحيى معمر مختلط القرى متصل العمران مرتبط المصالح يشبه أن يكون مدينة واحدة متسعة الضواحي، فقد اعتبروه كالمدينة الواحدة، وأطلقوا عليه لفظ الحوزة جعلوا لها أربعة حدود قارة لا يعتبر ﱠ المتحرك داخلها مسافرا ً إلا إذا خرج من تلك الحدود، وقد بقي أكثر الناس محافظين على هذا الاعتبار غير أنه عند التأمل يبدو واضحا ً أن ما استندوا إليه في ذلك الحين من الأسباب غير متوفر اليوم، ولذلك فاعتبار الجبل كله حوزة اليوم لا يستقيم إلا على نية اتخاذ أماكن متعددة وطنا ً كما هو مبسوط في ك ُ انتهى كلام المعلق. ينظر: كتاب الصوم .« تب الفقه . للجناوني، الهامش ص ٢٨ (٢) الجناوني: كتاب الصوم، ص ٢٧ - ٣٥٤/ ٢٨ . ينظر: أطفيش: شرح النيل، ٣ - .٣٥٥ منشأ ا لخلاف: وسبب الخلاف في » : أشار الجيطالي إلى منشأ الخلاف في المسألة فقال هذا معارضة ظاهر اللفظ للمعنى، وذلك أن ظاهر اللفظ يقتضي أن ّ ما ينطلق عليه اسم مسافر فله أن يفطر لقوله تعالى: ﴿ JIHGFE K ﴾ )البقرة : (١٨٤ ، وأما المعنى المعقول من إجازة الفطر في السفر وهو المشقة، فلما كانت لا توجد في كل سفر وجب أن يكون الفطر في السفر الذي فيه مشقة، ولكن لما كانت الصحابة كلهم مجمعون على الحد في ذلك « وجب أن يقاس ذلك على الحد في تقصير الصلاة(١) . هذا وقد تصدى الشماخي للرد على اعتراضات أصحاب القول الأول فإن قال قائل يلزمكم على هذا؛ ألا تقصر الصلاة دون مجاوزة ثلاثة » : فقال أيام فصاعدا ً إذ الصوم والصلاة بمثابة واحدة؛ لأن المسافر الذي أباح الله له الإفطار في الصوم هو المسافر الذي يجوز له قصر الصلاة، قيل له: لا يلزمنا هذا لأنه غير ممتنع أن يقصر الصلاة كل من وقع عليه اسم مسافر، ولا يفطر في رمضان كل مسافر؛ لأن المسافر لو صام في السفر جاز صومه بإجماع الأمة، إلا قولا ً سافرنا » : ليس عليه العمل، بدليل ما روي عن أنس بن مالك قال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فأكلت طائفة وصامت طائفة، فلم يعب الصائم « على المفطر ولا المفطر على الصائم(٢) «(٣) . (١) ٩٨/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ - .٩٩ (٢) ، متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الخدمة في الغزو، رقم ٢٧٣٣ ومسلم، كتاب الصيام، باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل، رقم ١١١٩ ، عن أنس ِِ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمن » : بلفظ ّ ا الصائم ومن ّ ا المفطر، قال: فنزلنا منزلا ً في يوم حار أكثرنا ظلا ّ ً صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده قال فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذهب المفطرون اليوم ب الأجر .« (٣) .١٧٨ - ١٧٧/ الشماخي: الإيضاح ٣ ولو صلى المسافر في سفره أربعا » : ويضيف الشماخي في السياق نفسه ً ولم يقصر الصلاة، لكانت الصلاة غير مجزئة، إلا قولا ً ليس عليه العمل عندنا، فهذا تفرق بين الصوم والصلاة، ولأن ّ الصوم أيضا ً يلزم فيه البدل ولا يلزم في الصلاة، وشدد الله تعالى فيه ما لم يشدد في الصلاة، ألا ترى أن الحائض والنفساء يقضيان الصوم ولا يقضيان الصلاة بإجماع، فإذا كان الصوم بهذه « الصفة، فأحرى ألا يجوز الإفطار إلا في موضع وقع عليه الاتفاق(١) . مجمل ا لقول: مما تقدم يظهر من عبارة الجيطالي أنه يميل إلى القول الأول لقوة أدلته وإجماع الصحابة عليه، أما الشماخي فيبدو أنه يرجح القول الثاني كما يفهم وعندي أصح؛ وذلك لأن الله تعالى أباح الإفطار للمسافر من » : من عبارته ما يلحقه من المشقة في السفر، والمشقة غير موجودة في كل سفر، ولذلك «(٢) خصوا ثلاثة أيام فصاعدا ً . ويظهر من هذا الخلاف، وكأن هناك تناقضا ً في هذه الأقوال، حيث فرق ّ بعضهم بين رخصة القصر ورخصة الإفطار في السفر رغم أن صاحبها يعتبر معذورا ً شرعيا ً ، والأصل أن يستوي الحكم في السفر، فللمسافر الحق في ّ القصر والإفطار ما دام مسافرا ً تجاوز حد السفر، وأقله اثنا عشر كيلو متر حسب رأي الإباضي ة، وكما أبيح للمسافر القصر إذا تجاوز عمران بلده كذلك يباح له الإفطار من ذلك الموضع إذا قصد سفرا ً بعيدا ً ، ولا يشرط تجاوز المسافة المحددة. ولكن بعد النظر في الأقوال المتقدمة يبدو أن سبب الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة مرده تعارض الأدلة المعتمدة في الترجيح، فمن اعتمد على (١) الشماخي: المصدر نفسه. (٢) الشماخي: نفسه. النصوص المأثورة اعتبر أصل السفر سواء كان فيه مشقة أو لم تكن جعل العلة في قصر الصلاة والجمع بين الصلاتين، والإفطار في رمضان للمسافر واحدة وهي السفر بشرط أن يقصده يباشره، أما من نظر إلى المعقول بحث عن سبب الرخصة، فوجده المشقة أو مظنتها، فجعل علة الترخيص والتخفيف على المسافر هي المشقة، وعليه فإذا وجدت يباح له الإفطار، وإذا انعدمت المشقة فلا يجوز الإفطار؛ لأن حكم الإفطار ليس فرضا ً على المسافر، بدليل ترغيب الشارع في الصوم، بخلاف قصر الصلاة في السفر فهو عند الإباضية فرض وعزيمة، فمن تركه لم تصح صلاته خلافا ً للصوم، لكن لو تعرض المسافر إلى العطش أو الجوع الشديدين، وخاف على نفسه الهلاك، وجب عليه الإفطار اضطرارا ً وليس اختيارا ً ، ومن هنا ندرك الفرق بين الحك ْ مين والله أعلم. ُ k :¢VôªdG ≈æ©e :’hCG المرض في اللغة: السقم، وهو حالة خارجة عن الطبع ضارة بالفعل، ﱡ قال ابن فارس (ت: ٣٩٥ ه): المرض كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير في أمر(١) . وقيل: إنه تحول عن حالة الصحة قد ينشأ ّ من طروء تغير على تركيب الأنسجة، ومن ذلك تنجم الأمراض العضوية أو على وظيفتها، ومن ذلك تنشأ الأمراض الوظيفية (٢) . وفي اصطلاح الفقهاء والأصوليين : وردت فيه تعريفات كثيرة منها: أنه ما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال الخاص، أو هيئة غير طبيعية في بدن الإنسان تكون بسببها الأفعال الطبيعية والنفسانية والحيوانية غير سليمة(٣) . وقيل: هو عبارة عما يدخل الجسم من اعتلال يفقده مألوف طبيعته واعتداله، فيضعف عن القيام المطلوب منه(٤) . ويدل على اعتبار المرض سببا ً للمشقة الموجبة لليسر والتخفيف قوله تعالى: ﴿ ¨©ª«¬®¯°± ³² ´ ¶µ (١) .٣١١/ ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ٥(٢) غربال محمد شفيق بالاشتراك مع مجموعة من الأساتذة الموسوعة العربية الميسرة، .١٦٨٣/ ١٤٠٦ ه/ ١٩٨٦ م، نشر دار نهضة لبناء للطبع والنشر بيروت لبنان ٣ (٣) المناوي عبد الرؤوف: تاج العارفين، ( ١٠٢١ ه): التوقيف على مهمات التعاريف، تحقيق: ١٤١٠ ه/ ١٩٩٠ م ابن أمير الحاج ، عبد الحميد صالح حمدان، نشر عالم الكتب مصر ط ٢ ١٨٦ المطبعة الكبرى / محمد بن محمد بن حسن الحنفي (ت: ٨٧٩ ه) التقرير والتحبير ٢ الأميرية ببولاق مصر ١٣١٧ ه. (٤) عمر عبد الله كامل: الرخصة الشرعية في الأصول والقواعد الفقهية ص ١٢٦ - .١٢٧ ÄÃÂÁÀ¿¾½¼»º¹¸ ÇÆÅ﴾ )النساء : (٤٣ ، وقوله تعالى ﴿ ¸ ÇÆÅÄÃÂÁÀ﴾ )البقرة :(١٩٦ . ¿¾½¼» º¹ والأمراض مختلفة في ذاتها، فمنها المرض الخفيف كالصداع والزكام الخفيفين، ومنها الشديدة والخطيرة والمزمنة كالسرطان والسكري، كما أنها مختلفة بحسب الأبدان التي تصاب بها، فقد ينقلب الزكام الخفيف على مرض شديد وخطير على الحياة إذا أصيب به الشيخ الفاني أو الرضيع الهزيل، فالأمر نسبي وليس فيه مقياس ثابت ولا قاعدة مطردة، وإنما العبرة بواقع كل شخص وبطاقته وقوة تحمله. k :ô«°ù«à∏d ÖLƒªdG ¢VôªdG ójóëJ :É«fÉK `` يشترط في المرض الموجب للتيسير أن يكون شديدا ً يؤدي إلى هلاك النفس أو تلف بعض الأعضاء أو فوات منافعها، بإضعاف البدن، أما إذا لم يؤد إلى ذلك فلا يعتبر موجب للترخيص والتيسير، كالتهاب يسير في الجسم أو صداع خفيف (١) . ويرجع في تقدير شدة المرض وعدم شدته إلى الإنسان نفسه إذا عرف ذلك، وإلا يرجع إلى أهل الخبرة من الأطباء العدول بحيث يغلب على الظن أن هذا المرض شديد ويؤثر على البدن، واكتفى الشافعية بقول واحد من ِ الأطباء(٢) ، وذهب الحنابلة إلى أنه لا يقبل إلا قول طبيبين ثقتين(٣) ، وهذا الرأي ْ تميل إليه النفس؛ لأنه أدعى إلى الاطمئنان وغلبة الظن، خاصة إذا كان أحدهم (١) ١١٦ . ابن جزي، قوانين الأحكام، ص ١٣٧ . الشربيني، مغني / ابن عابدين: الحاشية ٢ ٢٨٤/ ٤٣٧ . المرداوي: الإنصاف، ٣ / المحتاج، ١(٢) .٢٩٠/ النووي: المجموع، ٢(٣) .٨٢/ ابن قدامة: المغني، ٦ لا يعتمد على الوسائل الطبية في كشفه، ويعتمد على خبرته من خلال الكشف الظاهري، فقد تحدث في الواقع أخطاء طبية بسبب التسرع في الفحص قبل التثبت والتحقق من أعراض المرض. ويختلف الترجيح في هذه المسألة باعتبار وجوه الترخيص، فإذا كان الترخيص يتعلق بارتكاب محظور عظيم كإسقاط جنين؛ كان الاحتياط أرجح فلا يكتفى بطبيب واحد، بل لا بد من لجنة طبية، وإذا كان الترخيص يتعلق ُ بأمر خفيف، كترك صلاة الجماعة في المسجد، فيمكن أن يكتفى بقول طبيب ُ واحد(١) . ومن جهة أخرى فإن المرض لا ينافي الأهلية فتثبت الحقوق له أو عليه، ِ ا» : قال السالمي في هذا الشأن علم أن مرض الجسم لا ينافي أهلية الحكم سواء كان من حقوق الله تعالى كالصلاة والزكاة، أو من حقوق العباد، كالقصاص ونفقة الأزواج والأولاد والعبيد، وكذلك لا ينافي أهلية العبادة؛ لأنه لا يخل بالقول ولا يمنعه من استعماله، حتى أنه يصح نكاح المريض « وطلاقه وإسلامه وسائر ما يتعلق بالعبادة(٢) . ونظرا ً لما في المرض من خلل في القدرة البدنية الذي يورث العجز عن بعض الأفعال، فإن الشارع الحكيم راعى ذلك ويسر على عباده في ﱠ بعض الأحكام التي يكون المرض سببا ً في المشقة عندها، فجعلها بحسب قدرة المريض وإمكانه، أو يؤجلها إلى الوقت الذي يتمكن فيه من أدائها، ُّ وبعض هذه التخفيفات ثبت بنصوص القرآن الكريم، وبعضها بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبعضها باجتهادات الفقها ء، وإلى هذا المعنى يشير السالمي بعبارته فيقول: ...» لكن لما كان المرض موجبا ً للعجز كان سببا ً لحط ّ (١) . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ١٩٩(٢) .٢٥٤/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ بعض العبادات، فيحط عن المريض ما يشق عليه من العبادة، فكلما ازداد المرض قوة حط ّ عنه من العبادة درجة، كما ظهر ذلك في الصلاة «... والصيام(١) . كما أن ّ الأمراض التي تصيب الإنسان كثيرة ومتنوعة، قد يقتضي بعضها تخفيفات في مجال محدود، وقد يقتضي بعضها توسعا ً في مجالات التخفيف، فالأمراض التي من شاكلة قرح المعدة أو الأمعاء، أو الداء السكري، أو الضغط الدموي يناسبها التخفيف في الصوم، والأمراض التي تتعلق بالعظام والمفاصل والعضلات، كالروماتيزم والشلل الجزئي أو الكلى يناسبها التخفيفات في مجال حركة الجسم، كالتخفيف في حركات الصلاة، أو أعمال الحج، أو الجهاد وما شابهها. وهكذا ينبغي أن ينظر إلى الأمراض بوجه عام، وقد اختلف الفقهاء في المرض المبيح للتخفيف، فبعضهم اعتد بمطلق المرض، حتى ولو كان يسيرا ً ، كوجع الضرس أو الأصبع أو الصداع الخفيف، وبعضهم لم يرتض ذلك، بل اقتصر في التخفيف على من لو لم يأخذ بالرخصة حلت به مشقة، أو لحق به ضرر، وتفصيل ذلك يعلم في مواضعه من كتب الفقه(٢) . وبالجملة، فالمرض المبيح للرخص، هو المرض المؤثر على المكلف في جعله في حالة عجز ولو جزئيا ً ، أو في حالة خوف من زيادة المرض أو تأخر ّ الشفاء، وحتى لا يتساهل في هذا الأمر فينبغي للمريض أن يسترشد برأي الأطباء الحاذقين الملتزمين حتى يطمئن قلبه، ويعلم متى تباح له الرخصة ومتى يمنع منها. وقد تكلم العلماء عن طائفة من التخفيفات بسبب المرض دون أن يحددوا (١) السالمي: نفسه. (٢) الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ص ٧٨ . الباحسين، قاعدة المشقة، . ص ١١٣ . عمر عبد الله كامل: الرخصة الشرعية، ص ١٢٧ أنواع الأمراض وطبيعتها، وكلامهم فيما يبدو يشمل حتى الحمى والجراحات وغيرها، وسنكتفي فيما يأتي بذكر طائفة محدودة مما أورده العلماء من التيسيرات سواء كانت في العبادات أو في غيرها. عن أنواع الحمى تعقيبا « شامله » وقد تحدث الشيخ أطفيش في ً على حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الحمى من ف يح جهنم فأطفئوها بالماء البارد، » ْ « وحمى ساعة كفارة ذنوب شهر، وحمى يوم أو ليلة كفارة ذنوب سنة(١) . ّ أنها من ن » : ومعنى كونها أنها من فيح جهنم َف َ سها، لأنها تتنفس في الصيف ْ والشتاء كتنفس الحيوان، كما ر ُ وي أن الله أذن لها بن َف َ سين، فاللهب الحاصل في الجسم المحموم قطعة من جهنم حقيقة، قدر الله 8 ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد، كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة، أظهرها في «... هذه الدار عبرة ودلالة (٢)وعنأنس 3 : إذا ح » ُ م أحدكم فليرش عليه ﱠ « الماء البارد ثلاث ليال من السحر(٣) . إذ الحمى غريزية تشتعل في » : وعرف القطب الحمى وبين أنواعها فقال ّﱠ القلب، وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى جميع البدن، وهي قسمان عرضية: وهي الحادثة عن ورم، أو حركة، أو إصابة حرارة الشمس، أو القيظ الشديد ونحو ذلك. ومرضية: تكون عن مادة، فإن كان مبدأ تعلقها بالروح فهي حمى يوم ّ (١) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الطب، باب الحمى من فيح جهنم، رقم ٥٣٩١ ، ومسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء، رقم ٢٢٠٩ ، عن ابن عمر، دون الزيادة: وحمى ساعة » ّ « كفارة ذنوب شهر وعبارة: « حمى يوم أو ليلة كفارة ذنوب سنة » . لأبي الدرداء، البيهقي، .١٦٧/ الشعب، ٧ (٢).١٢٨/ أمحمد بن يوسف أطفيش، شامل الأصل والفرع، ١(٣) ، رواه النسائي في الكبرى، كتاب الطب، باب ذكر وقت تبريد الحمى بالماء، رقم ٧٦١٢ والحاكم في المستدرك، كتاب الطب، رقم ٧٤٣٨ ، عن أنس، وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. ً في يوم، ونهايتها إلى ثلاث، وإن تعلقت بالأعضاء الأصلية فهي لا تقلع غالبا حمى دق ّ ، وهي أخطرها؛ وإن تعلقت بالأخلاط سميت عفنية، وهي بعدد الأخلاط الأربعة صفراوية وسوداوية وبلغمية ودموية، وتحت ذلك أصناف « بسبب الإفراد والتركيب(١) . وقد وردت في المصنفات الإباضية فروعا ً كثيرة في رخص المرض، أغلبها في أبواب الطهارات والصلاة والصوم والحج، نذكر بعضها كما يلي: k :IQÉ¡£dG »a äGô«°ù«àdG :ÉãdÉK أ في ا لتيمم: ففي الطهارة رخص له في التيمم بالتراب من أجل الصلاة عند الخوف على النفس أو العضو أو زيادة المرض أو بطء شفائه أو حدوث شيء قبيح في العضو ظاهر، ومن ذلك جواز المسح على الجبيرة أو ما يغطي الجروح(٢) . وقد أباح الله التيمم لكل من عجز عن استعمال الماء، فذكر الشقصي بعض الأمور التي تمنع من ذلك منها: المرض وعلل هذا الحكم فقال: وأما عجز الب » ُ نية فهو تعذر الوصول إليه (الماء) بما يمنعه منه من مرض، أو خوف عدو أو سبع، أو غير ذلك مما يخاف منه، كالحيات وأمثال هذا، وليس على الإنسان أن يحمل نفسه على المخاوف، ولا أن يكلفها المشقات، ولا يعرضها للمتالف، وقد يسر الله دينه لعباده تخفيفا ً منه لهم ورحمة وتفض ّ لا ً « عليهم(٣) . (١) أطفيش: المصدر نفسه. (٢) ١٤٠ . الشقصي: منهج ،١٣٩/ الراشدي: جواهر القواعد، ص ١١٢ . الكدمي، المعتبر، ٤ ٤٣٢ وما بعدها مسائل في الوضوء لذوي العلل والعاجز ومن له عذر. / الطالبين، ٣(٣) ٣٤٦/ الشقصي: منهج الطالبين، ٣ إجماع الفقهاء على إباحة التيمم للمريض: « الإيضاح » وحكى الشماخي في اتفق العلماء على جواز التيمم للمريض... والمريض الذي يجوز له » : فقال ِِ التيمم عندهم من كان مظن ًّ ا واهي الأعضاء لا يستطيع تناول الماء، ويشق عليه َُ أخذه، ومن كان يخاف من استعمال الماء زيادة المرض، أو تأخر المرض، أو تأخر البرء، مريضا ً أو جريحا ً أو مجدورا ً ، أو صاحب الدماميل، يضرهم الماء وما أشبه ذلك، وإن كان سالم الأعضاء مريضا ً بعضها، فالخطاب متوجه إلى « الأعضاء السالمة والغرض لازم لها(١) . تعليقا « الإيضاح » ذكر صاحب الحاشية على ً على نص الشماخي أو كانت لحيته ت :« الديوان » قال في » : ما نصه ُ نتف لأجل الماء؛ قلت: جعل ُ الزكام مرض مبيحا « الديوان » في ً للتيمم، وقيل: إذا اغتسل الرجل بماء وتغير لونه من بياض كان إلى سواد أو إلى حمرة، أنه يتيمم، أي إن كان من أجل الماء. قوله: ومن كان يخاف من استعمال الماء... إلخ. ظاهره سواء كان ناشئا ً عن معرفة الطب أو لا، وعبارة الديوان: ولا يجوز للرجل أن يغسل بالماء مع خوف أن يذهب الماء بعضو من أعضائه أو خاف الموت من أجل « الماء(٢) . ب في وضوء أصحاب بعض الأعذار الداخلة في ا لمرض: وقد ذكر العلماء طائفة من أصحاب الأعذار التي تعد من قبيل ُ المرض، وقد أعطيت حكما ً واحدا ً في مجال الطهارة فخف ّ ف عنهم في الوضوء ولم يلزمهم به في كل صلاة مراعاة لعذرهم نذكر بعضها ويقاس عليها غيرها. (١) .٢٧١ - ٢٧٠/ الشماخي: الإيضاح، ١(٢) ٢٧٠/ الشماخي: الإيضاح مع الحاشية للسدويكشي، ١ - .٢٧١ ١ في ا لاستحاضة: وهي جريان الدم المستمر في غير أوانه، وهي نوع مرض يمثل حالة خاصة، وهي نزيف الدم من الرحم. قال الجيطالي : دم » الاستحاضة: وهو الخارج من الرحم من جهة المرض، وهو دم أحمر رقيق لا رائحة له يتميز لونه عن لون دم الحيض لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك دم عرق » « وليس ب حيض(١) «(٢) . وزاد القطب أطفيش على تعريف الجيطالي بيانا ً له فذكر بعض أوصافه وهو دم عرق يرجع إلى الصفرة إذا ضعف أو تيبس، فما لم تميز الدم » : فقال ﱢ « أنه دم حيض فلا تدع فرضا لا يقين ولا يحرم عنها ما حل قبل(٣) . ٢ في سلس ا لبول: وهو مرض ناتج عن ارتخاء أو ضعف عضلات المثانة، مما يترتب عليه عدم القدرة على السيطرة على إمساك البول(٤) . ٣ في استطلاق ا لبطن: وهو مرض ناتج عن ارتخاء العضلات التي تتحكم بخروج الغائط، وتخفيفا ً عليه يجوز له الجمع بين الصلاتين قال ابن بركة : قال أصحابنا إن المبطون يجمع الصلاتين للمشقة عليه في الطهارة عند » (١) ٩١ ، ومسلم، /١ ، متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب غسل الدم، رقم ٢٢٦ ٢٦٢ ، ورواه الربيع، كتاب /١ ، كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها، رقم ٣٣٣ النكاح، باب في المستحاضة، رقم ٥٥٢ ، ص ١٤٩ ، عن عائشة. ولفظ الحديث عن عائشة قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا أطهر أفدع الصلاة؟ فقال لها: إنما ذلك دم عرق نجس ليس بحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي لها الصلاة، » « وإذا أدبرت وذهب قذرها فاغسلي الدم عنك وصلي وفي رواية أخرى: سئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة » « وتصوم وتصلي . (٢) .٢٥٦/ ٢٠٦ ، السالمي، معارج الآمال ١ / الجيطالي: قواعد الإسلام، ١(٣) ٢٨ . الشقصي خميس: / ٢٣٥ . الكدمي، المعتبر، ٣ / أطفيش أمحمد: شامل الأصل، ١ .٢٧٤/ منهج الطالبين، ٣(٤) ٢٦٣ . ينظر: كلام المحشي السدويكشي في الحاشية على الإيضاح، / الشماخي: الإيضاح، ١ .٢٥٦/ المصدر نفسه. وكذلك ينظر: السالمي: المعارج، ١٠ « كل صلاة والتعب الذي يلحقه(١) . وقال الشقصي : والمبطون المسترسل » « البطن يجزيه التيمم(٢) . ٤ في انفلات الريح: وهو مرض ناتج عن عدم قدرة الشخص على السيطرة على خروج الريح؛ لاسترخاء في مقعدته(٣) . ِ وحكم هذه الحالات الأربع ما عدا المستحاضة أن من ت َ عرض لهم يتوضؤون لكل فرض، يؤدون بها الفرض والنفل والفوائت، فإذا خرج الوقت بطلت طهارتهم، وتجويز عبادة هؤلاء مع وجود النجاسة، فيه تخفيف عنهم لمشقة الاحتراز عنها في الحالات التي هي عليها. أما المستحاضة فقد اختلف الفقهاء في حكم طهارتها، هل تغتسل لكل صلاة؟ أم تغتسل لكل صلاتين وتتوضأ؟ أم تغسل الدم وتتوضأ للصلاة؟ فبعض الإباضية يرى أنها تغتسل لكل صلاة، وبعضهم جعلها تغتسل لكل صلاتين، ولعل بعضهم فهم أن الغسل يراد به غسل الدم وليس غسل الجنابة، ولكل فريق أدلته، وقد أشار ابن بركة والشماخي والسالمي وغيرهم إلى هذا الخلاف في مصنفاتهم(٤) . ولعل من يرى أن المستحاضة تكتفي بغسل الدم ثم تتوضأ فقط هو القول الأيسر؛ لما فيه من رفع الحرج والمشقة عنها. (١) ٢٣٨ . قال الجيطالي بعد / ٥٧٧ . الجيطالي، قواعد الإسلام، ١ ،٥٧٦/ ابن بركة: الجامع، ١ وفيما يشبه مما يلحق فيه المشقة » : أن أشار إلى جواز الجمع بين الصلاتين للمعذورين فقال كالمستحاضة والمبطون والمريض الذي يخاف أن يغشى عليه، ولمن عليه أوقات الصلاة بالسحاب، وأشباه ذلك قياسا ً على المتفق عليه من الجمع في عرفة والمزدلفة، وفي السفر المصدر نفسه. .« لاستواء العلة في الجميع وهي الرخصة لأجل المشقة (٢) . ٣٥١ و ٤٣٤ / الشقصي: منهج الطالبين، ٣ (٣) الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ص ٧٨ . الحصكفي علاء الدين محمد بن علي الحصني (ت: ١٠٨٨ ه): الدر المختار بحاشية رد المحتار لابن عابدين محمد أمين بن عمر (ت: ١٢٥٢ ه) .٥٤١/ ٣٠٥ . النووي: المجموع، ٢ / مطبعة البابي الحلبي مصر ١٣٨٦ ه / ١٩٦٦ م، ١ (٤) ٢٦٣ . السالمي: معارج الآمال، ،٢٦٢/ ٢٣٧ . الشماخي، الإيضاح، ١ / ابن بركة: الجامع، ٢ ١٠١ وما بعدها، وقد خالف قول ابن بركة والشماخي وبسط رأيه في هذه المسألة. /٤ ٥ في نزيف الدم غير ا لمنقطع: سواء كان من جرح لا يرقأ، أو من رعاف مستمر، أو من باسور أو ناسور، أو غير ذلك، مما في معنى ما تقدم(١) ، قال أبو محمد بن بركة : النظر يوجب عندي أن المرعوف ومن لم يرقأ دمه أن » الجمع للصلاتين يجزيه قياسا على المستحاضة، وهذا أشبه بأصول أصحابن ا؛ لأن المستحاضة جاز لها الجمع للمشقة وكان الجمع من الله لها تخفيفا ً عليها « ورخصة(٢) . ووجه التخفيف والتيسير في الصور السابقة هو تجويز العبادة المشترط فيها الطهارة مع وجود النجاسة(٣) . قد ورد عن الشارع ما ينبغي فعله في بعض الصور، كصورة الاستحاضة، ففيها ينبغي على المرأة أن تغسل أثر الدم ثم تعصب على الفرج خرقة على قطن يستمسك الدم، وتؤدي هذا الغرض الحفائظ المستخدمة في هذا العصر. وأساس هذا الحكم قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت حبيش التي اشتكت َُ « توضئي لكل صلاة » : إليه صلى الله عليه وسلم حالها وهي مستحاضة(٤) . وأساس ما تفعله أخذ من قوله صلى الله عليه وسلم لح ِ منة : أ» َنعت ُ « لك ا لكرسف(٥) ، قالت فإنه أكثر من ذلك فقال: « تلجمي »(٦) . (١) ٣٨/ الشماخي: المصدر نفسه، ١ - .٣٩ (٢) .٤١٨/ ابن بركة: المصدر نفسه، ١(٣) .٢٨١/ السالمي: معارج الآمال، ٣(٤) هذا الحديث سبق ذكره عن عائشة في الصفات الأخرى، وهو حديث صحيح رواه البخاري وغيره، فعن عائشة # أنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض ُ فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا إنما ذلك عرق، وليس بحيض، » « فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي ثم » : ، قال: وقال أبي رواه البخاري في باب غسل الدم، ينظر: صحيح .« توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت .٤٠٩/ ٣٣٢ . وفي باب الاستحاضة، المصدر نفسه، ١ ،٣٣١/ البخاري بشرح فتح الباري، ١ (٥) الكرسف: القطن. (٦) حديث حمنة حديث صحيح رواه أبو داود في السنن، كتاب الطهارة، باب من قال إذا ١٢٧ ، والترمذي في السنن، أبواب الطهارة، /١ ، أقبلت الحيضة تدع الصلاة، رقم ٢٨٧ = k :IÓ°üdG »a äGô«°ù«àdG :É©HGQ هذا وقد ثبت سائر الأمور الأخرى بالقياس على المستحاضة؛ للاتفاق في أنها جميعا ً تمث ّ ل خروج نجاسة من البدن غير منقطعة(١) . في صفة صلاة ا لمريض: وفي الصلاة المفروضة طلب الشارع الرحيم من المريض أداءها بالكيفية التي يستطيعها، قاعدا أو مضطجعا أو مومئا، وجوز له التخلف عما فيه مشقة ﱢ عليه، كالتخلف عن الجمعة والجماعة مع حصول الفضيلة، والجمع بين الصلاتين(٢) . قال ابن بركة : « وللمريض أن يصلي حسب طاقته »(٣) . وصلاة المريض على » : ويبين الحضرمي أحكام صلاة المريض فيقول ّ أربعة أنواع: = ٢٢١ ورواه باللفظ المذكور في المتن، /١ ، المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، رقم ١٢٨ إلا قوله (تلج ﱠ فاتخذي ثوبا » : مي) فإنه في حديث الترمذي خاصة، وفي رواية أبي داود ً « تلج » بدل ّ قال النووي (ت: ٦٧٦ ه) وهما بمعنى واحد، وهو جزء من حديث طويل « مي سألت محمدا » : مشهور، قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح ً [البخاري] عن هذا ٥٣٣ ، ورواه ابن ماجه / ينظر: المجموع، ٢ .« الحديث؟ فقال هو حديث حسن صحيح ٢٠٣ ، عن حمنة /١ ، في سننه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة، رقم ٦٢٢ بنت جحش. (١) يرى بعض العلماء أن تصحيح صلاة المستحاضة، مع وجود النجاسة، مما عدل به عن القياس، فلا قياس في هذه المواضع، وإنما هي في معنى ما أخذت حكمه، فالنص الوارد في القيء والرعاف جعلوه واردا ً في سائر الأحداث والوارد في المستحاضة جعلوه واردا ً فيمن به سلس البول وانفلات الريح. ينظر: المغني، للخبازي، ص ٢٩١ - .٢٩٣ (٢) الراشدي: جواهر القواعد، ص ١١٢ . الجيطالي، قواعد، ٢٤٦ . السالمي، المعارج، .١٨٢/٣(٣) .٥٧٨/ ابن بركة: الجامع، ١ أحدها: أن يصلي على حسب طاقته قائما ً أو قاعدا ً أو مضطجعا ً بالإيماء. الثاني: أن لا يقدر على الإيماء ويستطيع القراءة والتكبير والتسبيح، فإنه يصلى كذلك ويجزيه. الثالث: أنه لا يقدر على القراءة والتكبير والتسبيح، فإنه يصلي كذلك ويجزيه. الرابع: أن لا يقدر على القراءة ويستطيع التكبير، فإنه يجزيه أن يكبر لكل ﱢ « فريضة خمس تكبيرات(١) . k :Ωƒ°üdG »a äGô«°ù«àdG :É°ùeÉN وفي الصوم أباح الشارع للمريض الفطر في رمضان، والخروج من المعتكف، ولا يجب عليه التتابع في القضاء إذا كان مريضا ً ، والانتقال من الصوم إلى الإطعام في كفارتي الظهار والإفطار المتعمد في نهار رمضان، وأجاز لمن كان فيه عجز دائم كالشيخ الهرم ترك الصيام مع وجوب الفدية عليه(٢) ، قال تعالى: ﴿ PONMLKJIHGFE VUTSRQ﴾ )البقرة :(١٨٤ . متى يباح الإفطار ل لمريض؟ تحدث الجيطالي عن المرض الذي يجوز به الإفطار، وأشار إلى سبب أما المرض الذي يجوز فيه الفطر، فذهب قوم » : اختلاف الفقهاء في شأنه فقال إلى أنه المرض الغالب، وهو الذي يلحق من الصوم معه مشقة، وقيل: هو ما ينطلق عليه اسم مرض، وقال أصحابنا هو المرض الذي يضعف عن الصوم ويحتاج معه إلى الإفطار، ولا يقدر أن يأكل فيه ما يبلغه إلى الليل(٣) ، وقال (١) . الحضرمي: مختصر الخصال، ص ٨٨(٢) . الراشدي: الجواهر، ص ١١٢ . الخليلي أحمد بن حمد: الفتاوى، الكتاب الأول، ص ٣٥٠(٣) .٩٩/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ آخرون: إذا لم يشته المريض الطعام جاز له أن يفطر ويأكل ويشرب، وقال من « قال: حتى لا يقدر أن يصوم(١) . أ)» : ويؤكد هذا المعنى ما جاء في النيل وشرحه بما نصه ُ بيح الإفطار لمريض عجز عن أكل مبلغ ليلا ً غير مطيق به) بذلك (صوما ً )، ولو كان لا يموت بالصوم ولا تفوت جارحة منه ولا خاصية ولا بعض، (وقيل: إن كان لا يشتهي طعاما ً ( ولو أطاق الصوم، وقيل إن لم يقدر على الصوم حتى أنه صام مات أو ماتت جارحة أو عضو منه أو خاصية كما قال، (وعجز عن الصوم)، والتحقيق إباحته لمريض تلحقه المشقة من أجل الصوم، وقيل: إذا « صح إطلاق المريض عليه ولو قدر على الصوم(٢) . وسبب ا لخلاف: هو ما اختلفوا بسببه في حكم السفر، أي هل يباح الإفطار عند وجود المشقة الشديدة أم يباح لمجرد وجود المرض مطلقا ً ؟ لأن النصوص لم تقيد نوع المرض بل أطلقته وتركت الأمر للمكلف يحدده بنفسه، ّ أو إلى أصحاب الخبرة من الأطباء الثقات، ولعل ترك ُ الرخصة مطلقة دون تقييد فيه يسر على المكلف، إلا أن تدخل رأي الأطباء في هذا الموضوع أفضل حتى لا يتساهل الناس في دينهم ويقعون في المحظور. هذا وقد أشار الشماخي أيضا ً إلى سبب اختلاف الفقهاء في صفة المريض الذي يجوز له الإفطار، فذكر أن سببه معارضة ظاهر اللفظ والمعنى، وذلك أن ظاهر قوله تعالى: ﴿ HGFE ﴾ )البقرة : (١٨٤ ، يبيح الأكل لكل من وقع عليه اسم المرض، ومن اعتبر المعقول من ظاهر اللفظ لم يبح الإفطار لكل مريض، بل للمريض الذي تلحقه المشقة من أجل الصوم، واختار هذا « وهذا القول عندي أصح » : القول وصححه فقال(٣) . (١) .١٧٦/ الشماخي: الإيضاح، ٣(٢) .٣٥٣/ أطفيش: شرح كتاب النيل، ٣ (٣) .١٧٧ - ١٧٦/ الشماخي: نفسه، ٣ وسبب الخلاف » : ويشير القطب إلى منشأ الخلاف في المسألة فيقول أن بعضا ً راعى مطلق لفظ المريض فأباح الإفطار به ولو أطاق الصوم بلا ُ مشقة ولا ضر، كما أبيح الإفطار للمسافر ولو كان لا تلحقه، وكما يقصر ولو لبث في قرية، والباقين راعوا ذلك مع مراعاة أن الإفطار دفع لمشقة أو « مضرة(١) . :èëdG »a äGô«°ù«àdG :É°SOÉ°Sk وفي الحج رخص له في الاستنابة فيه أو في بعض أفعاله، كرمي الجمار، وإباحة محظورات الإحرام، كلبس الثياب أو حلق الرأس مثلا ً مع الفدية(٢) . إن النيابة » : سئل الشيخ بيوض عن حكم النيابة عن الغير في الحج فقال في الحج جائزة عندنا معتبرة عند الإباضي ة، وعند كثير من المذاهب الإسلامية لصحة الحديث بذلك(٣) ، لكنها لا تجوز إلا عن ميت أو عاجز هرم، أو مرض لا يستطيع معه الحج بنفسه، ولا تجوز عن صحيح مستطيع مطلقا ً ، إلا إن منع « ت(٤) بسجن مؤبد أو طويل الأمد خاف معه الفو . ْ :ﺶﻴﻔﻃﺃ ﺡﺮﺷ ،ﻞﻴﻨﻟﺍ.٣٥٣/٣ ﻲـﺳﻮﻔﻨﻟﺍﻮﺑﺃ ﺺـﻔﺣ ﻭﺮﻤﻋ ﻦﺑ ﺢﺘﻓ ـ ﻝﻮـﺻﺃ ﺔﻧﻮﻨﻳﺪﻟﺍ ،ﺔﻴﻓﺎﺼﻟﺍ :ﻖـﻴﻘﺤﺗ ﺝﺎﺣﺪﻤﺣﺃ ﻦﺑ ﻮﻤﺣ ﻡﻭﺮـﻛ ﺔـﻌﺒﻄﻟﺍ ،ﻰـﻟﻭﻷﺍ ،ﻡ١٩٩٩/ـﻫ١٤٢٠ﺹ ،١١٢ .١١٣ ـ :ﻲـﻟﺎﻄﻴﺠﻟﺍ ﺪﻋﺍﻮﻗ ،ﻡﻼـﺳﻹﺍ ،١٢٧/٢ ١٢٨ ،١٧٨ﻭ .١٧٩ :ﺮﻈﻨﻳ ،ﻱﺪﺷﺍﺮﻟﺍ ﺮﻫﺍﻮﺟ ،ﺪﻋﺍﻮﻘﻟﺍﺹ ،١١٢ .١١٣ ﺮﻴﺸﻳ ﻰﻟﺇ ﺚﻳﺪﺤﻟﺍ ﺔﻴﻤﻌﺜﺨﻟﺍ ﻲﺘﻟﺍ ﺕﺀﺎﺟ ﻰﻟﺇ ﻝﻮﺳﺭﷲﺍ ﷺ ﺖﻟﺎﻘﻓ :ﻪﻟ ﺎﻳﻝﻮﺳﺭ ﷲﺍ ﻥﺇ ﺔﻀﻳﺮﻓً ﷲﺍ ﻰﻠﻋ ﻩﺩﺎﺒﻋ ﻲﻓ ﺞﺤﻟﺍ ﺖﻛﺭﺩﺃ ﻲﺑﺃﺎﺨﻴﺷًﺍﺮﻴﺒﻛﻻ ﻊﻴﻄﺘﺴﻳ ﺕﻮﺒﺜﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﺔﻠﺣﺍﺮﻟﺍ ﺞﺣﺄﻓﺃ ؟ﻪﻨﻋ (١)(٢) (٣) ؟ﻪﻨﻋ ﺖـﻟﺎﻗ ﻢﻌﻧ :ﻝﺎﻗ ﻝﺎـﻗ :ﺎـﻬﻟ ﺖـﻳﺃﺭﺃ» ﻥﺃ ﻮـﻟ ﻥﺎﻛ ﻰﻠﻋ ﻚﻴﺑﺃ ﻦـﻳﺩ ﻪـﺘﻴﻀﻘﻓ ﻥﺎﻛﺃﻳﺰﺠﻣًﺎّ ﻙﺍﺬـﻓ«ﻙﺍﺫ . ﻩﺍﻭﺭ ،ﻱﺬـﻣﺮﺘﻟﺍ ﺏﺎـﺘﻛ ،ﺞـﺤﻟﺍ ﺏﺎﺑ ﺞﺤﻟﺍ ﻦـﻋ ﺮﻴﺒﻜﻟﺍ ،ﺖـﻴﻤﻟﺍﻭ ﻢﻗﺭ ،٩٢٩ ﻦﻋ ﺪﺒﻋﷲﺍ ﻦﺑ ،ﺓﺪﻳﺮﺑ ﻲﺋﺎـﺴﻨﻟﺍﻭ ﻲﻓ ،ﻦﻨـﺴﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻚـﺳﺎﻨﻣ ،ﺞﺤﻟﺍ ﺏﺎﺑ ﻪﻴﺒﺸﺗ ﺀﺎﻀﻗ ﺞﺤﻟﺍ ﺀﺎﻀﻘﺑ ،ﻦﻳﺪﻟﺍﻢﻗﺭ ،٢٦٣٩ ﻦﻋ ﻦﺑﺍ ،ﺱﺎﺒﻋ ﻝﺎﻗ :ﻱﺬﻣﺮﺘﻟﺍ ﺚﻳﺪﺣ.ﺢﻴﺤﺻ ﺽﻮـﻴﺑﻢﻴﻫﺍﺮﺑﺇ ﻦـﺑ ،ﺮﻤﻋ ﻯﻭﺎﺘﻓ ﻡﺎﻣﻹﺍ ﺦﻴـﺸﻟﺍ ،ﺽﻮـﻴﺑ ﺐﻴﺗﺮﺗ ﻢـﻳﺪﻘﺗﻭ ﺞﻳﺮﺨﺗﻭ ﺮﻴﻜﺑ ﺪﻤﺤﻣ ﺦﻴﺸﻟﺍ ،ﺝﺎﺤﻟﺎﺑ ﺔﻌﺒﻄﻤﻟﺍ ،ﺔﻴﺑﺮﻌﻟﺍﻁ ،ﻡ١٩٨٨ .٣٠٩/١ (٤) k :äÓeÉ©ªdG »a äGô«°ù«àdG :É©HÉ°S تصرفات المريض مرض ا لموت: مرض الموت هو ما اجتمع فيه وصفان: أولهما: أن يغلب فيه الهلاك عادة، والتعرف على ذلك يكون من قبل الأطباء، وطبيعة المرض، وحالة المريض نفسه. ثانيهما: أن يعقبه الموت متصلا ً به، سواء كان الموت سببه ظاهرا ً ، أو كان بسبب آخر أفضى إلى الموت كقتل، أو غرق، أو حريق، أو تصادم أو غير ذلك(١) . ِ ونظرا ً لكون المريض مرض الموت قد يتصرف تصرفا ً يلحق ضررا ً بالورثة ْ أو الدائنين، فإن الشارع أقر الحجر عليه كليا ً أو جزئيا ً ، بحسب ما تقتضيه الحالة، ّّ رعاية لمصلحة الورثة أو الدائنين، ورفعا ً للحرج والمشقة أو الضرر عنهم. وللفقهاء في تصرفاته تفصيلات كثيرة تعود في حقيقتها إلى رفع الحرج ودفع المشقة عن أصحاب الحقوق ورعاية لمصالحهم. وتنقسم تصرفات المريض إلى قسمين: الأول: مرض غير مخوف عليه، مثل: الرشح والحمى والإسهال، وهذا ّ النوع لا يمنع تصرفات المريض، فيجوز أن يتصرف في ماله وتصح عقوده. الثاني: مرض مخوف عليه بالموت، مثل: مرض السرطان والطاعون، ّ والرعاف الدائم، والكوليرا وغيره من الأمراض الخطيرة، وهذا النوع يحجر على تصرفات من كان مريض مرض الموت، وبهذا قال الجمهور من الفقهاء من الإباضية والحنفية والمالكية والشافعية والحنابل ة، وقالوا بمنع المريض من ِ تصرفه بماله فيما زاد عن الثلث، وقد صرح بذلك ابن جعفر الأزكوي والسالم ي، واحتج الجمهور بأدلة من السن ﱠ ة والقياس(٢) . ﱡ (١). أحمد بن إبراهيم، الالتزامات في الشرع الإسلامي، ص ١٤٧(٢) .٣٥٥/ تراجع هذه الأدلة في الهامش من جامع ابن جعفر، ٤ وخالفت الظاهرية الجمهور وقالت: لا يمنع المريض مرض الموت من التصرف في أمواله، ويمنع فقط في العبيد لورود نصوص في ذلك. _ والمريض » : يقول ابن جعفر الأزكوي في إقرارات المريض وتصرفاته يجوز إقراره في ماله كله ووصيته في ثلث ماله ولا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا قضاؤه وعطاؤه، وللورثة أن يتموا ذلك أو ينقضوه ويعطوا ثمن المال الذي باعه إن كان قبض الثمن، وقيمة المال الذي قضاه إياه. وأما العطية في المرض فقال من قال: إنها بمنزلة الوصية وتجوز في ثلث « ماله، وبعض ضعف ذلك وهو رأينا(١) . ويتضح من عبارة ابن جعفر أنه وافق الجمهور في العقود التي تتم بين طرفين، كالبيع والشراء فأجازها في حدود الثلث، ومنعها إذا زادت عليه، وخالفهم في التصرفات التي تقوم على الإرادة المنفردة، أي تصدر من طرف واحد، كالهبة والهدية؛ لأنها لا تحتاج إلى موافقة الطرف الآخر أو رفضه. ويشير السالمي في سياق حديثه عن تصرفات المريض مرض الموت إلى وكان ينبغي أن لا يتعلق » : الحكمة من حجر تصرفاته في تلك الحالة فيقول َ بماله حق الغير ولا يثبت الحجر عليه بسببه، لكنه إذا ظهر أن ّ سبب موته علة لخلافة الوارث والغريم في المال، فكان المرض سبب تعلق حق الوارث والغريم في المال؛ لأن أهلية الملك تبطل بالموت، فيخلفه أقرب الناس إليه، والذمة تزول بالموت فيصير المال الذي هو محل قضاء الدين مشغولا ً بالدين، فيخلفه الغريم في المال، فيوجب المرض الحجر على المريض في مقدار حق الوارث والغريم، فيحجر عليه التصرف فيما عدا ثلث المال؛ لأن حق الوارث في الثلثين ولنا الثلث صدقة من الله علينا زيادة في أعمالنا، ويحجر عليه (١) ٣٥٥/ ابن جعفر: المصدر نفسه، ٤ - .٣٥٦ التصرف في قدر حق الغريم، فإن كان حق الغريم مستغرقا ً للمال أوجب «... الحجر في المال كله، وإن كان دون ذلك فيكون الحجر في قدره(١) . ْ ولا حق للوارث والغريم في قدر نفقة المريض » : ويضيف في السياق نفسه وأجرة الطبيب وشراء الدواء ونحو ذلك مما لا بد للمريض منه، فإنه مقدم على حق الوارث والغريم، فيثبت تصرف المريض في ذلك وإن كان المال مستغرقا ً بالد ﱠ ين مثلا، ً وتصح وصيته من الثلث إن لم يكن المال حق للغريم، وإن كان فيه حق الغريم فتصح وصيته في ثلث الباقي بعد حق الغريم... ويصح له أن ينفذ حق الله من المال، كالزكاة ونحوها من الحقوق ولو بلغ في المرض مبلغا ً عظيما ً ؛ لأن المرض لا ينافي الأهلية كما مر، ولا حق للغريم ولا للوارث في حق الله تعالى، فيصح للمريض إخراج حق الله تعالى من «... ماله(٢) مجمل ا لقول: وهكذا يمكن أن يستنتج من عبارة السالمي أنه يوافق الجمهور في منع تصرفات المريض مرض الموت، ولا يسمح له إلا في حدود الثلث، إذا كانت تتعلق بحقوق العباد، كالديون والبيوع، أما ما يتعلق بنفقاته على نفسه كالمعيشة والعلاج، وكذلك ما يتعلق بحقوق الله، كالزكاة والحج، فقد أجازها مطلقا ً دون تحديد، وهذه إضافة هامة ذكرها لم يتعرض لها ابن جعفر وغيره، إلا أنه قد نخالفه في نفقاته على نفسه، فإذا ظهر منه الإسراف والتبذير فإننا نمنعه من ذلك، وتكون في حدود ما يسمح به العرف وتعارفه الناس في مثله؛ لأنه يصبح تصرفه بذلك يشبه تصرفات السفهاء الذين يجب عليهم الحجر. ْ (١) ١١٠/ السالمي: العقد الثمين، ٤ - .١١١ (٢) السالمي: المصدر نفسه. _ وقد لخص أبو إسحاق الحضرمي أحكام عقود المريض مرض الموت، وعقود المريض كلها » : فأبطل معظمها، واستثنى منها سبعة أمور، فقال باطلة إلا في سبع خصال: أحدها: الوصية، الثاني: النكاح، الثالث: الطلاق، الرابع: الخلع، وتكون الزيادة في الثلث على قول، الخامس: الإقرار بالدين والولد، والسادس: عتقه وتدبيره ويكون في الثلث، السابع: الرجعة، قال قيس بن سليمان(١) : وجدت في الأثر أن إبراءه من « الدين وإقراره بالمال للوارث وغير الوارث جائز(٢) . ِ ولكن الفقهاء اختلفوا في إقراره بالمال للغير لحق وجب عليه ولم يقضيه، ّ ِ فإن أقر بكل ماله، فللورثة حق الخيار في تنفيذه كاملا ً أو صرف قيمته. ْ عن قولهم » : وقد وضح السالمي هذه المسألة في سؤال ورد عليه بما نصه فيمن أقر بجميع ماله أو بشيء منه في المرض، فالورثة بالخيار إن شاؤوا أعطوا القيمة وإن شاؤوا المال، بخلاف ما إذا كان الإقرار في الصحة فإنه يثبت .«؟ ما أقر به خاصة ما وجهه قاسوا إقراره في مرضه على قضائه غير أن الإقرار ثابت في » : فأجاب نفسه، فلم يمكن إلغاؤه في نفسه، وجعلوا الورثة مخيرين بين دفع القيمة والمال، بيان ذلك: أنه إذا أقر أحد بماله في المرض فكأنه قضاه إياه عن حق لزمه لما علموا أن المال ماله، وإذا شاء به القضاء في هذه الصورة خ ُير الورثة ﱢ فيه إما أن يسلموه تماما ً لما قضاه الهالك، وإما ت ُ سل ﱠ م القيمة نقض ً ا لتصرف المريض، ولا يوجد شيء من هذا المعنى مع الإقرار في الصحة، فلذلك ثبت « ما أقر به(٣) . (١) لم نقف على ترجمته، ولعله والد أبي إسحاق إبراهيم بن قيس بن سليمان الحضرمي .١١/ الهمذاني (ت: ق ٦ه). ينظر: معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١(٢) . الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ص ١٤٦(٣) ١٠٩/ السالمي: العقد الثمين، ٤ - .١١٠ k :¿É«°ùædG ≈æ©e :’hCG النسيان في ا للغة : ضد الذكر والحفظ، والنون والسين والياء كما يذكر ابن فارس (ت: ٣٩٥ ه) أصلان صحيحان، يدل أحدهما على إغفال الشيء: تقول نسيت الشيء إذا لم تذكره نسيانا ً ، ويدل الآخر على الترك وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿ ¥¤£ ﴾ )التوبة : (٦٧ . وما عدا ذلك فشاد عن هذين ا لأصلين(١) . وقيل: هو الذهول والغفلة وعدم الذكر(٢) . وفي الاصطلاح: قيل إنه عدم استحضار الشيء وقت الحاجة إليه(٣) . وقيل: إنه الغفلة عن معلوم في غير حالة السيئة، وقيل: إنه ترك الإنسان ضبط ما استودع(٤) ، وقيل: إنه غيبة الشيء عن القلب بحيث يحتاج إلى تحصيل جديد(٥) . واختلفوا في الفرق بينه وبين السهو، والمعتمد أنهما مترادفان في المدلول (٦) المراد منهما عند الأصوليين خلافا ً لمن زعم أن بينهما فرقا ً . (١) ٤٢١/ ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ٥ - .٤٢٢ (٢) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٢٠(٣) المرداوي أبو الحسن بن علي بن سلمان (ت: ٨٨٥ ه): التحرير بشرح التنوير والتحبير لابن أمير الحاج محمد بن محمد بن حسن الحنفي (ت: ٨٧٩ ه) حقق التحرير أحمد محمد السراح وعبد الرحمن ٰ الحبرين، ود. عوض محمد القرني، نشر مكتبة الرشد الرياض، ١٤٢٣ ه/ ٢٠٠٢ م ١٧٦/٢ - ١٧٧ . والأنصاري بشرح مسلم الثبوت، المطبعة الأميرية ببولاق مصر، ١٣٢٢ ه. (٤) ، المناوي عبد الرؤوف: تاج العارفين (ت: ١٠٣١ ه) التوقيف على مهمات التعارف، ص ٢٢٤ ١٤١٠ ه/ ١٩٩٠ م. ، تحقيق: عبد الحميد صالح حمدان، نشر عالم الكتب، مصر، ط ٢(٥) . الكفوي: الكليات، ص ٥٠٦(٦) ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٣٠٢ . ومما فرق بينهما أنهم قالوا: إن النسيان زوال = وهو لا ينافي الأهلية في كثير ولا في قليل ولا ينقص منها(١) ، ولكنه يعد معذرة شرعية تسقط المؤاخذة في بعض الحالات رحمة بالناس ورفعا ً للحرج والمشقة عنهم(٢) . وقد جعلت الشريعة النسيان عذرا ً وسببا ً مخففا ً في حقوق الله تعالى لقوله تعالى: ﴿ ¶ ¸ ½¼»º¹ ﴾ )البقرة : (٢٨٦ . فالله سبحانه رفع عن ﱠ ا إثم السهو والنسيان والخطأ غير المقصود، ومعتمد العلماء في اعتبار النسيان عذرا ً للمكلف لقوله صلى الله عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا » « عليه(٣) . ولأن المحاسبة عليه نوع من تكليف ما لا يطاق(٤) . والمقصود هنا رفع الإثم والعقاب، لا رفع عين الخطأ أو النسيان، وهذا من دلالة الاقتضاء؛ لأن الخطأ والنسيان إذا وقعا لم يرفعا(٥) . (٦) فقد دل الحديث على رفع حكم = الصورة عن القوة المدركة مع بقائها في الحافظة، والسهو زوالها عنهما، ومما فرق بينهما قول بعضهم إن السهو يكون لما علمه الإنسان ولما لا يعلمه، والنسيان لما غرب بعد . حضوره والمعتمد أنهما مترادفان. ينظر: الكفوي، الكليات، ص ٥٠٦ (١) ١٠٦ . التفتازاني سعد الله بن مسعود بن عمر / الحموي أحمد: غمز عيون البصائر، ١ ٧٩٢ ه): التلويح في كشف حقائق التنقيح، مطبعة دار الكتب العربية، ١٣٢٧ ه ، وطبعة ).١٦٩/ دار العهد الجديدة للطباعة، مصر دت، ٢ (٢) . الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي العام، الهامش ص ٨١٠ (٣) رواه ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، رقم ٢٠٤٥ ، عن أبي ذر الغفاري بلفظ: «... إن الله تجاوز عن أ متي » وابن حبان في صحيحه، كتاب .« وضع » : ولفظ ٢٠٢ ، عن ابن عباس. /١٦ ، إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، باب فضل الأمة، رقم ٧٢١٩ .٢٨١/ ينظر: ابن حجر، تلخيص الحبير، ١ .« حديث حسن » : قال النووي .« تجاوز » بلفظ: و وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير للطبراني باب الثاء باب من اسمه ثعلبة ثوبان مولى ١عن ثوبان. السنن الصغير للبيهقي باب طلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح حديث: ٤١٦ عن عقبة بن عامر. « وضع » ٢، وبلفظ المكره حديث: ٠٩٠ (٤) .٢٨٩/ الرازي فخر الدين: مفاتيح الغيب، ٢(٥) . باجو مصطفى: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ص ٦١٧(٦) . ابن رجب: جامع العلوم والحكم، ص ٢٧٢ النسيان وهذا الحكم مشترك؛ لأنه إما أخروي وإما دنيوي، والأخروي مراد به الإثم والدنيوي مراد به الفساد أو البطلان، والظاهر أن الحكم الأخروي وهو الإثم مرتفع عمن نسي واجبا ً أو ترك مأمورا ً لم يفعله، وإلى هذا الحكم ينصرف الفهم للحديث. قال ابن رجب : النسيان أن يكون ذاكر الشيء فينساه عند الفعل، وهو » « معفو عنه بمعنى لا إثم فيه، ورفع الإثم لا ينافي أن يترتب على نسيانه حكم (١) . ﱞ وأما الحكم الدنيوي المتمثل فيما يفعل بالواجب المنسي، فليس في الحديث ما يفيد إسقاط هذا الواجب على العموم؛ لأن حق الله مبناه على المسامحة، وحقوق العباد مبناها على المشاحة والمطالبة، فلا يكون النسيان ّ عذرا ً فيها، ولذا وجب القضاء لتبرأ الذمة إلا ما أفاده النص على خلاف ذلك، كمن أكل أو شرب في نهار رمضان ناسيا ً ، فلا قضاء عليه عند الإباضية والحنفي ة، وذلك لما جاء في الحديث عن أبي هريرة 3 عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا نسي أحدكم فأكل وشرب، فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه »(٢) . وإطعام الله الذي لا دخل للصائم فيه لا يفسد الصيام فلا شيء عليه، وقيل بد ّ ل يومه(٣) . (١) ابن رجب: المصدر نفسه. (٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا ً ، ، ص ٣٣١ حديث: ١٩٣٣ ، وجاء أيضا ً في البخاري كتاب الأيمان والنذور، باب: إذا حنث ناسيا ً في الأيمان، ص ١١٨٦ ، عن أبي هريرة، ورواه أيضا ً الإمام مسلم في صحيحه بمعنى الذي رواه ِ البخاري، كتاب الصوم باب: أك ْ ل ُ الناسي وشربه وجماع ُ ، ه لا يفطر، ص ٤٨٧ حديث: ١٧١ عن أبي هريرة. وأخرجه ابن ماجه في السنن بلفظ البخاري، في حديث رقم ٦٦٦٩ ، بنفس الطريق كتاب الصيام، باب ما جاء فيمن أفطر ناسيا ً ، ص ٢٨١ ، ح، ر، ١٦٧٣ ، ورواه غيرهم. (٣) نسب القول الأول إلى جماعة من الصحابة والتابعين، ومنهم جابر بن زيد، ونسب الثاني إلى أكثر الإباضية وهو رأي مالك، ينظر: عبد الله بن حميد السالمي، معارج الآمال على مدارج ١٤٤ ، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة ع / الكمال، ١٨ ُ مان ١٤٠٤ ه / ١٩٨٤ م. مطابع . سجل العرب د. ت الجناوني، كتاب الوضع، ص ١٥٦ kk :GQòY ¿É«°ùædG QÉÑàYG •hô°T :É«fÉK وقد ذكر بعض العلماء شروطا ً لاعتبار النسيان عذرا ً حتى نستطيع ضبطه، وصرح السالمي بشرط واحد وهو: ألا يكون الناسي مقصرا ً في فعله، ﱢ فإن كان مقصرا ً فلا يعتبر نسيانه للفعل عذرا ً شرعيا ً ، فيلزمه تحمل ما يترتب ّ عليه. اعلم أن النسيان مسقط لحق الله عن العباد إذا لم » : يقول في هذا المعنى ِِ يكن الناسي مقصرا ً في ذلك، فلا إثم عليه من فوت الصلاة أو الصوم أو ْ نحوهما نسيانا ً ، وكذلك لا كفارة عليه لعدم تقصيره؛ لأن الكفارات نوع عقوبة ولا عقوبة على غير المقصر، أما لو قصر في أداء ذلك الواجب فإنه يلزمه على تقصيره ما يلزمه المقصر مثاله: _ لو سها المصلي حتى أكل أو شرب أو اضطجع نائما ً أو نحو ذلك، فإنه يكون في هذه الصورة ونحوها مقصرا ً إذ لو لم يكن مقصرا ً في المحافظة على عبادته لما سها هذا السهو في حق الله. وتأكيدا ً عن محمد بن « جامعه » لهذا المعنى فقد نقل ابن جعفر في محبوب أنه قال: بلغني أن رجلا ً صعد نخلة لجابر بن زيد 3 يخرفها له (أي يقطف ثمارها) فلما نزل الرجل من النخلة قال لجابر 3 ما نزلت ُ إليك إلا وقد شبعت من الرطب، قال له جابر : لا بأس عليك من ذلك، ِ رزق ٌ .« رزقته ُ فيفهم من كلامه أنه نسي كونه صائما ً فأكل التمر، وربما قد تعود قبل ﱠ رمضان فعل ذلك، ولم يأمره الإمام جابر بن زيد بقضاء يومه؛ لأنه غير متعمد. ولكن ذهب بعض الإباضية إلى وجوب قضاء ذلك اليوم، فعن موسى بن علي أن ّ من أكل ناسيا ً وهو صائم فعليه بدل ما مضى من صومه(١) . (١) .١٧٢/ ابن جعفر: الجامع، ٣ _ أما حق العباد فلا يسقط بالنسيان بل يجب عليه غرمه مطلقا ً (أي سواء كان مقصرا ً أو لم يكن كذلك)، ولا إثم عليه فيما أتلفه بالنسيان؛ لأن حرمة الإتلاف من حقوق الله تعالى، بمعنى أنه تعالى هو الذي حرم ذلك(١) . _ هذا وقد أضاف الحنفية إلى شرط عدم التقصير قيدا ً آخر حتى يعتد به ألا تكون معه حالة مذكرة ينسب معها التقصير، ولا يترتب عليه » وهو حكمه، ولهذا لو أكل المكلف في الصلاة ناسيا ً « لا تبطل عندهم(٢) . فقد بنوا كلامهم في شأن النسيان على الظروف المحيطة به؛ إذ إنهم نظروا إلى طبيعة حصول النسيان، فإن كان بتقصير من المكلف فلا يكون عذرا ً ، وإن (٣) لم يكن بتقصير فإنه يعتبر عذرا ً . وبناء عليه يكون المكلف مقصرا ً إن أقدم على الفعل مع وجود المذكر وانتفاء الداعي، كالأكل في الصلاة ناسيا ً فإن هيئة المصلي مذكرة له مانعة من النسيان، إذا لاحظها ودعاء الطبع إليه في الصلاة منتف عادة، فتفسد صلاته ولا يكون نسيانه عذرا ً ، ويكون غير مقصرا ً إن أقدم على الفعل مع عدم وجود المذكر سواء وجدت الداعية إليه أم لم توجد. _ فمثال ما وجدت الداعية مع انتفاء المذكر: أكل الصائم في حالة صومه ناسيا ً ، فإنه ليس في الصوم هيئة مذكرة به، كما أن طول مدته تدعو الطبع إلى الأكل. (١) .٢٤٩/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ (٢) ولا يبدو لنا أن قوله في الأكل في الصلاة ناسيا ً لا تبطل صحيح، فإن الأصح في المذهب ولا » : في سياق حديثه عن الفعل في الصلاة « المعارج » الإباضي بطلانها، قال السالمي في يقصد به إصلاحها إذا كان عملا ً وفعله عمدا ً أو سهوا ً ، مثال ذلك: إن كسر حبة َ تين في فمه َ وهو يصلي من غير عمد فلا إعادة عليه، وإن كسرها وبلعها فسدت على العمد والسهو؛ لأنه ٢٠٦ ، وما بعدها. / ينظر: المعارج للسالمي، ١١ .« عملان(٣) ١٦١ . المرداوي: / البخاري صدر الشريعة عبد الله بن مسعود: التوضيح بشرح التلويح، ٢ .١٧٧/ التحرير بشرح التقرير والتحبير، ٢ _ ومثال ما لم توجد الداعية إليه مع انتفاء المذكر: ترك الذابح التسمية ناسيا ً ، فإنه لا يوجد مذكر يدعو إلى إحضارها بالبال أو إجرائها على اللسان، كما أنه لا يوجد داع إلى تركها على ما قالوا(١) . إذن: فالتقصير حاصل عند وجود المذك ﱢ ر، وعدمه حاصل عند عدمه، ولكن ينبغي أن يضاف إلى ذلك اشتراط قصر المدة فيه ليكون عذرا ً ، وبذلك تتم قاعدة متفق عليها في ذلك. _ وفي رأينا إن ربط العذر في النسيان بعدم التقصير أولى من ربطه بالمنهيات مطلقا ً ، وهو اختيار السالم ي؛ لأن الأعذار إنما تكون للمغلوب على أمره أو غير القادر على الفعل لعجز فيه، أو لكون الفعل مقدور له، وفيما عدا ذلك فإن أمرها إلى الله تعالى إن شاء عفا وإن شاء لم يعف. _ هذا ويرى محمد عبده(٢)(ت: ١٣٢٣ ه) وتلميذه محمد رشيد رضا (٣) (١) ١٠٦ . / ١٠٦ . أحمد الحموي: غمز عيون البصائر، ١ / ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ١ .١٢٤ - الباحسين: قاعدة المشقة، ص ١٢٣ (٢) محمد عبده بن حسن خير الله، من آل التركماني ( ١٢٦٦ - ١٣٢٣ ه/ ١٨٤٩ - ١٩٠٥ م): مفتي الديار المصرية، ومن كبار رجال الإصلاح والتجديد في الإسلام. تعلم بالجامع الأحمدي. بطنطا، ثم بالأزهر. وتصوف وتفلسف. وعمل في التعليم، وكتب في الصحف ولا سيما جريدة (الوقائع المصرية) وقد تولى تحريرها. وأجاد اللغة الفرنسية بعد الأربعين. سافر إلى باريس فأصدر مع صديقه وأستاذه جمال الدين الأفغاني جريدة (العروة الوثقى) وعاد إلى بيروت فاشتغل بالتدريس والتأليف. وسمح له بدخول مصر، فعاد سنة ١٣٠٦ ه/ ١٨٨٨ م، وتولى منصب القضاء، ثم جعل مستشارا ً في محكمة الاستئناف، من مصنفاته: تفسير القرآن الكريم لم يتمه، ورسالة التوحيد. وشرح نهج البلاغة. وشرح مقامات البديع الهمذاني. والإسلام والرد على منتقديه. والإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية. (٣) محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني، البغدادي الأصل، ( ١٢٨٢ - ١٣٥٤ ه/ ١٨٦٥ - ١٩٣٥ م): صاحب مجلة (المنار) وأحد رجال الإصلاح الإسلامي. من الكتاب، العلماء بالحديث والأدب والتاريخ والتفسير. ولد ونشأ في القلمون (من أعمال طرابلس الشام) وتعلم فيها وفي طرابلس. وتنسك، ونظم = ١٣٥٤ ه) أن الناسي مما يصح المؤاخذة عليه وأنه يقع بتقصير من )الشخص نفسه، قال رشيد رضا : بما كتب « فروقه » وقد أخطأ القرافي في » « في هذا المقام خطأ ندعو الله أن يغفر له(١) . كانت في بيان الفرق بين الجهل « الفروق » وعبارة القرافي التي ذكرها في وأما الناسي فمعفو عنه لقوله » : والنسيان، قال 0 : رفع عن أمتي الخطأ » ّ « والنسيان وما استكرهوا عليه(٢) وأجمعت الأمة على أن الناسي لا إثم عليه فيه من حيث الجملة، فهذا فرق، وفرق ثان هو: إن النسيان يهجم على العبد قهرا ً لا حيلة َ « له في دفعه عنه، والجهل له حيلة في دفعه بالتعلم(٣) . وتعق ّ ب الباحسين قول محمد عبده ورشيد رضا وناقشهما، وبين أنه ليس ّ في قول القرافي ما يدعو إلى التشنيع، فعبارته كانت في شأن المقارنة بين الجهل والنسيان، ولم يقل إن النسيان معفو عنه في حقوق العباد، بل ذكر ّ الإجماع بعد ذلك في نفي الإثم من حيث الجملة، وهذا دليل على أنه لم يكن يقصد حقوق العباد. ثم وضح أن هذا ليس رأي القرافي وحده، بل هو الرأي السائد عند العلماء المتقدمين، قال الشاطبي : ...» الخطأ والنسيان فإنه متفق على عدم المؤاخذة « به، فكل فعل صدر عن غافل أو ناس أو مخطئ فهو مما عفي عنه(٤) . = الشعر في صباه، وكتب في بعض الصحف، ثم رحل إلى مصر سنة ١٣١٥ ه فلازم الشيخ محمد عبده وتتلمذ له. وكان قد اتصل به قبل ذلك في بيروت. ثم أصدر مجلة (المنار) لبث آرائه في الإصلاح الديني والاجتماعي. وأصبح مرجع الفتيا، في التأليف بين الشريعة والأوضاع العصرية الجديدة. من. أشهر آثاره: مجلة (المنار) أصدر منها ٣٤ مجلدا ً ، و(تفسير القرآن الكريم ط) اثنا عشر مجلدا ً منه، ولم يكمله. (١) .١٥٠ ،١٤٨/ محمد عبده ورشيد رضا: تفسير المنار، ٣(٢) تقدم تخريجه. (٣) .١٤٩/ القرافي: الفروق، ٢ (٤) .١٦٥ - ١٦٤/ الشاطبي: الموافقات، ١ وتعميم محمد عبده ورشيد رضا قدرة الإنسان في استبعاد النسيان لا تسل ﱠ م له، نعم: إن من النسيان ما يقع من تقصير، وهذا يشمله حكم التخفيف على ما علمناه سابقا ً كان إذ أراد أن يذكر حاجته شد » ، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ﱠ خيطا ً « في إصبعه(١) ، ولكن ليس كل شيء يمكن تذكره بذلك(٢) . _ وبيان أن بعض النسيان لا يصلح عذرا ً صحيح ولا نزاع فيه. قال الرازي : ٌ الإنسان إذا تغافل عن الدرس والتكرار حتى نسي القرآن يكون ملوما » ً ، وأما إذا واظب على القراءة، لكنه بعد ذلك نسي فها هنا يكون معذورا ً ، فثبت أن النسيان قسمين: منه ما يكون معذورا ً ومنه ما لا يكون معذورا(٣) . وإذ َ ن، فالنسيان الذي يكون عذرا هو النسيان في المواضع التي يترتب على عدم اعتباره فيها مشقة بالمكلف، وهي المواضع التي لا تقتصر فيها ولا يترتب عليها مشقة بغيره إن روعي ذلك. _ هذا وقد أضاف الشافعية شرطين آخرين لضبط النسيان حتى يكون عذرا ً معتبرا ً شرعا ً وهما: ١ أن لا يكثر الفعل المرتكب نسيانا ً ، كما في الكلام في الصلاة، وكذا الأكل في الصوم عند بعض العلماء. وقد خالف الإباضية والحنفية ما ذهب إليه الشافعية والحنابل ة، فاعتبروا من تكلم سهوا ً في الصلاة قليلا ً أو كثيرا ً فسدت صلاته وعليه الإعادة. في من تكلم ساهيا » : فقال « المعارج » ونقل السالمي هذه الأقوال في ً ، (١) ذكره ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه، عن ابن عمر، رقم ٥٨١ - .٤٤٢/١ ،٥٨٣ أسانيدها جميعا » : وقال ً العراقي: سنده ضعيف. تخريج .« منكرة ولا أعلم أنه يصح منها رواية ٣٠٤ . نقل العجلوني عن أبي حاتم قال: هذا الحديث باطل. كشف / أحاديث الإحياء، ٢ .٣٨٩/ ٣٣٨ .. ينظر: الرازي، مفاتح الغيب، ٢ / الخفاء، ٢ (٢) . الباحسين: قاعدة المشقة، ص ١٢٦(٣) .٣٨٩/ الرازي: المصدر نفسه، ٢ فذهب أصحابنا الإباضية وطائفة من قومنا منهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يستقبل صلاته؛ لأن الكلام مفسدة على العمد والنسيان، ودليل المنع لم يفرق « بين حال النسيان وحال العمد(١) . وقالت طائفة من قومنا يبني على صلاته ولا إعادة عليه، وهو قول الشافعي وأحم د، ونسبه ابن المنذر(٢) إلى عروة بن الزبي ر، قال: وصوبه ابن عباس وروي َّ ذلك عن ابن مسعود . ولعل حجتهم: « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان » ، والسهو مثل الخطأ، وإذا رفع عنه ذلك فلا نقض عليه به. والجواب: أن المراد رفع الإثم عن الخطأ والنسيان لا رفع جميع أحكامهما، فإن القاتل خطأ تلزمه أحكام قتل الخطأ مع أنه لا إثم عليه إجماعا ً فكذلك ها هنا. وتوضيح الجواب: إن الكلام من أسباب النقض للصلاة وأن الأسباب لا يراعى فيها العمد والنسيان؛ فهو كالخارج من السبيلين ينقض كيف ما كان على العمد أو النسيان. _ ويبدو أن لهذا الشرط وجها ً عند الحنفي ة، قال المرغيناني : فإن أكل أو » شرب عامدا ً أو ناسيا ً « فسدت صلاته، أنه عمل كثير وحالة الصلاة مذكرة(٣) ، (١) يشير إلى الحديث الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس » « وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة ا لقرآن حديث صحيح رواه مسلم من حديث معاوية بن ٢٠ ، والشوكاني، / الحكم السلمي، وللحديث قصة تراجع في صحيح مسلم بشرح النووي، ٥ .٢٨١/ فتح القدير، ١ (٢)محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، أبو بكر ( ٢٤٢ - ٣١٩ ه/ ٨٥٦ - ٩٣١ م): فقيه مجتهد، من الحفاظ. كان شيخ الحرم بمكة. قال الذهبي: ابن المنذر صاحب الكتب التي « الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف » في الفقه، و « المبسوط » لم يصنف مثلها. منها .« تفسير القرآن » و .« اختلاف العلماء » و ،« الإشراف على مذاهب أهل العلم » و (٣) .٦٤/ المرغيناني: الهداية، ١ فقد علل لفساد الصلاة بكثرة العمل في حالة مذكرة، أما الكلام في الصلاة فهو مفسدة عند الحنفي ة، ولو لم يكن كثيرا ً ، خلافا ً للشافعية وعمدتهم في ذلك النص وهو قوله صلى الله عليه وسلم : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام » « الناس وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة ا لقرآن(١) . وهذا الشرط مبني على الغالب من النسيان هو ما يقصر أمده ولا يستمر على طول الزمن إلا ما نذر، وقد لاحظ السالمي هذا الجانب فجعله قيدا ً لهذا الشرط، فمن تكلم أو استمع أو فعل فعلا ً زائدا ً في الصلاة ينظر فيه، فإن فعله مرة أو مرتين فلا تفسد صلاته، وإن تكرر وطال أمده فسدت صلاته، ووضع لذلك ضابطا ً فقهيا ً يضبط هذه الجزئيات، وهو أن كل ما طرأ على الإنسان على غير ّ فلو أشغل نظره بغير ما يخص » : العمد فإنه لا ينقض إلا إذا طا ل، ومثل لذلك بقوله الصلاة متعمدا ً نقض عليه، وإن فعل ذلك ناسيا ً فلا نقض عليه حتى يتطاول. وكذلك من يستمع بأذنه إلى الشيء من غير أمر الصلاة متعمدا ً ، وإن استمع ناسيا ً فلا ينقض حتى يطول سمعه. وكذلك من اشتغل قلبه عن صلاته ساهيا ً فإنه لا ينقض إلا إن طال، وكذلك كل فعل لم يكن صلاحا ً لصلاته فإنه إن فعله عامدا ً انتقضت صلاته، وإن كان ناسيا ً « فحتى يطول(٢) . _ ثم اختلفوا في قدر الطول، فذكر السالمي أن بعضهم لم يجعل له حد ًّ ا، وحدده آخرون بقدر ثلاث تسبيحات، وسئل بعضهم ولعله أبو سعيد الكدمي عن توقف المصلي عن القراءة للاستماع إذا توقف قدر عشر هذا يكثر ويتباعد، قيل له: فكم يعجبك؟ قال: قدر ثلاث » : تسبيحات قال « تسبيحات وهو أكثر ما يكون(٣) . (١) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، رقم ٥٣٧ ، عن معاوية بن الحكم السلمي. (٢) .١٩٤/ السالمي: معارج الآمال، ١١ (٣) .٢٠٣ - ٢٠٢/ السالمي: نفسه، ١١ ٢ أما الشرط الآخر الذي أضافه بعض علماء الشافعية لاعتبار النسيان عذرا ً شرعيا ً ، وهو: أن لا يسبقه تصريح بالتزام حكمه، كما لو قال: والله ّ لا أدخل الدار عامدا ً ولا ناسيا ً فدخلها ناسيا ً. قال الباحسين : وهذا الشرط لا وجه له لمخالفته النصوص ومبادئ التيسير » في الشريعة، ونقل عن القاضي حسين ما يؤيد قوله وهو أنه: قد يستشكل بالقاعدة السابقة أن ما وسعه الشارع فضيقه المكلف على نفسه، فهل يتضيق؟ ﱠّ كما لو نذر النفل قائما ً « والصوم في السفر، والأصح لا؛ لأنه لا يتضيق (١) . ويبدو أن الإباضية لم يأخذوا بهذا الشرط، ولعل ما ذكره الباحسين في فساد هذا الشرط هو ما دعاهم إلى الاستغناء عنه وعدم اعتماده، والله أعلم. والحاصل: أن في الشروط المتقدمة ما يلقي الضوء على هذا الجانب، ويضبطه حتى نفرق بين النسيان الذي يعتبر عذرا ً من غيره، وما يترتب عليه من أحكام تتعلق بحقوق الله أو بحقوق العباد. (١) ٢٧٤ . الباحسين: قاعدة المشقة، ص ١٢٢ / الزركشي: المنثور في القواعد، ٣ - .١٢٣ k :√GôcE’G ≈æ©e :’hCG الإكراه في ا للغة: اسم من كرهت الشيء أكرهه كرها ً ، وأصله في اللغة على خلاف الرضا والمحبة، والكره أن تكلف الشيء فتعمله كارها ً ، وهو (١) الحمل على الأمر قهرا ً . وفي ا لاصطلاح: حمل الغير على ما لا يرضاه من قول أو فعل بحيث لا يختار مباشرته لو خل ّ ي ونفسه(٢) ، وبعبارة أخرى حمل الغير على ما يكرهه بالوعيد(٣) ، والإلزام والإجبار على ما يكره الإنسان طبعا ً أو شرعا ً فيقدم على عدم الرضا ليرفع ما هو أضر. وعرفه السالمي بتعريف قريب من هذا المعنى وزاده توضيحا ً الجبر » : وهو ويعبر عنه بالإكراه، وهو حمل الغير على أن يفعل ما لا يرضاه ويختار مباشرته ّ لو خل ّ ي ونفسه، فيكون معدما ً للرضى لا للاختيار، إذ الفعل يصدر عنه باختياره « حيث آثر الجانب الأسهل على الجانب الأشق(٤) . والمقصود بالرضا: هو الرغبة في الشيء والارتياح إليه، وأما الاختيار هو القصد إلى مقدور متردد بين الوجود والعدم بترجيح أحد جانبيه على الآخر، فإن استقل الفاعل في قصده فاختياره صحيح، وإن لم يستقل فاختياره فاسد(٥) . والإكراه لا ينافي أهلية الوجوب ولا الخطاب بالأداء لبقاء الذمة والعقل والبلوغ. (١) .١٧٣/ ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ٥(٢) ١٦٩ . المرداوي: التحرير / البخاري صدر الشريعة ( ٧٩٢ ه): التوضيح بشرح التلويح، ٢ .٢٠٦/ بشرح التقرير والتحبير، ٢(٣) . الجرجاني: التعريفات، ص ٣٧(٤) .٢٧١/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ (٥) .١٩٦/ البخاري صدر الشريعة: المصدر نفسه، ٢ قال السالمي : ولذا كان الجبر غير مناف للخطاب، » : بعد بيان معنى الإكراه فإن الخطاب الشرعي متوجه للمجبور فتثبت الأحكام الشرعية في حقه، لكن « خفف عليه بسبب الإكراه(١) . ولأن ما أكره عليه إما أن يكون فرضا ً كالإكراه على شرب الخمر بالقتل، أو مباحا ً كالإكراه على الإفطار في شهر رمضان، أو رخصة كالإكراه على إجراء كلمة الكفر على اللسان، أو حراما ً كالإكراه على قتل مسلم بغير حق، وكل ذلك من آثار الخطاب(٢) . والإكراه وإن لم يناف الأهلية لكن الشارع اعتبره عذرا ً في كثير من الحالات وسببا ً من أسباب التخفيف رفعا ً للحرج وتيسيرا ً على الناس بالقدر الذي لا يؤدي إلى إضرار الآخرين وممتلكاتهم(٣) . ويدل على اعتبار الإكراه سببا ً من أسباب المشقة الموجبة للتيسير قوله تعالى: ﴿ WVUTSRQPONM ﴾ )النحل : (١٠٦ . أي لم تتغير عقيدته. وجه ا لدلالة: أنه يجوز للمكره بفتح الراء القول ولو شركا ً إجماعا ً . نقل َ الشوكاني عن القرطبي قوله أنه: أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ِ ولا ت َبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر(٤) . ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : إن » « الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه(٥) . (١) .٢٧١/ السالمي: المصدر نفسه، ٢(٢) ٢٠٦ . الجناوني، كتاب / ١٩٦ . والمرداوي، نفسه، ٢ / البخاري صدر الشريعة، نفسه، ٢ . الوضع، مختصر في الأصول والفقه، ص ١٥٧(٣) البخاري صدر الشريعة، نفسه. المرداوي: نفسه. الجناوني: المصدر نفسه. (٤) ٢١٢ ، نقلا / الشوكاني: مرجع سابق، ٣ ً عن القرطبي بن عبد الله محمد بن أحمد: الجامع .١٨٢/ لأحكام القرآن، ج ١٠(٥) سبق تخريج الحديث. k :√GôcE’G •hô°T :É«fÉK ويشترط لتحقيق الإكراه الذي تبنى عليه الأحكام عدة شروط يمكن استخراجها من نص عبارة العلقمي(١) وحد » :« مشارقه » التي نقلها السالمي في ﱡ الإكراه أن يهدد ُ قادر على الإكراه بعاجل من أنواع العقوبات يؤ ْ ثر العاقل لأجله الإقدام على ما أكره ُ عليه، وقد غلب على ظنه أنه يفعل به ما هدده به إن امتنع مما أكرهه عليه، وعجز « عن الهرب، والمقاومة والاستغاثة بغيره، ونحوها من أنواع الدفع(٢) . ويمكن أن نلخص هذه الشروط فيما يلي: ١ أن يكون المكر ِ ه (الحامل) قادرا ً على تنفيذ ما هدد به من ق َت ْ ل أو غيره والمكر َ ه (الفاعل) عاجز عن التخلص مما ه ُ دد به، بهروب أو مقاومة أو استغاثة، فإن لم يكن المكر ِ ه متمكنا ً من ذلك وكان المكره (الفاعل) عالما ً بعدم قدرة الحامل عليه كان تهديده لغوا ً لا عبرة به. ٢ أن يتيقن المكر َ ه (الفاعل) أو يغلب على ظنه أن المكر ِ ه (الحامل) سيوقع ِ ما هدد به، ولو لم يجب إلى ما دعي إليه فيفعل ما أكره عليه تحت تأثير هذا الخوف. ٣ أن يكون التهديد واقعا ً بما يلحق ضرر بالنفس، بإتلافها أو إتلاف عضو منها، كأن يهدد بقتل أو قطع عضو أو ضرب شديد أو بما دون ذلك، كالحبس المديد والقيد مما يشق على المكره تحمله وهو الإكراه َْ الملجئ، أما التهديد بإتلاف المال ففيه تفاصيل عند الفقهاء . (١) محمد بن عبد الرحمن ٰ بن علي بن أبي بكر العلقمي: شمس الدين ( ٨٩٧ - ٩٦٩ ه/ ١٤٩١ - ١٥٦١ م): فقيه شافعي، عارف بالحديث. من بيوتات العلم في القاهرة. كان من تلاميذ الجلال السيوطي، ومن المدرسين بالأزهر. من مصنفاته: الكوكب المنير بشرح الجامع الصغير. وقبس النيرين على تفسير الجلالين. ومختصر إتحاف المهرة بأطراف العشرة. (٢) السالمي نور الدين: مشارق أنوار العقول، تعليق سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، تحقيق: عبد المنعم العاني، دار الحكمة، ط، ١٤١٦ ه/ ١٩٩٥ م، ص ٥٧٣ ، بتصرف. k :IôNB’G ΩÉμMCG »a á«Yô°ûdG äGQƒ¶ëªdG ≈∏Y √GôcE’G ôKCG :ÉãdÉK ﻥﺃ ﻥﻮـﻜﻳ ﻩﺍﺮـﻛﻹﺍ ﺮـﻴﻐﺑ ،ﻖﺣ ﻮـﻫﻭ ﺎﻣﻻ ﺪﺼﻘﻳ ﻪﻨﻣ ﻝﻮـﺻﻮﻟﺍ ﻰﻟﺇ ﺽﺮﻏ ٤ـ ،ﻉﻭﺮـﺸﻣ ﺎـﻣﺃ ﺍﺫﺇ ﻥﺎﻛ ﻖـﺤﺑ ﺭﺎﺒﺟﺈﻛ ﻦـﻳﺪﻤﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻊﻴﺑ ﻪﻟﺎﻣ ﺀﺎـﻓﻮﻠﻟ ،ﻪﻨﻳﺪﺑ ﺭﺎـﺒﺟﺇﻭ ﻚـﻟﺎﻤﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻊﻴﺑ ﻪﺿﺭﺃ ﺔﻟﻭﺪﻠﻟ ﻊﻴـﺳﻮﺘﻟ ﻖﻳﺮﻄﻟﺍ ،ﻡﺎﻌﻟﺍ ﻭﺃ ﺀﻼﺧﺇ ً ﻞﺤﻤﻟﺍ ﺮﺟﺄﺘﺴﻤﻟﺍ ﺪﻌﺑ ﺀﺎﻀﻘﻧﺍ ،ﺓﺪﻤﻟﺍﻼﻓ ﺪﻌﻳ ﺎﻫﺍﺮﻛﺇً.ﺍﺮﺒﺘﻌﻣ ً ﻥﺃ ﻥﻮﻜﻳ ﻩﺍﺮﻛﻹﺍ ﻼﺟﺎﻋ ﻥﺄﺑ ﺩﺪﻬﻳ ﻩﺬﻴﻔﻨﺘﺑ ﻲﻓ ،ﻝﺎﺤﻟﺍ ﺎﻣﺃ ﺍﺫﺇ ﺩﺪﻫ ﻪﻧﺃ ﺬﻔﻨﻴﺳ ٥ـ ً. ﻲﻓ ﺪﻐﻟﺍﻼﻓ ﺮﺒﺘﻌﻳ ﺎﻫﺍﺮﻛﺇ تناول علماء الفقه والأصول موضوع الإكراه، ونال نصيبا ً موفورا ً من البحث والتحليل، مما أفرز لنا نظرية كاملة في الفقه الإسلامي، تجل ﱠ ت تطبيقاتها في معظم الفروع الفقهية، وبخاصة في مجال المعاملات. ويختلف حكم ما أكره عليه من حيث الإقدام على الفعل أو عدمه، وخلاصة ذلك أن الإكراه إذا كان ملجئا ً ، فالأفعال بالنسبة إليه ثلاثة: ١ ما يباح بالإكراه: كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر: عد ﱠ د أبو العباس أحمد الفرسطائي صورا ً كثيرة تجوز فيها التقية، ويرد بها غائلة الموت، كالإكراه على قول إلهين اثنين، وتحقيق الباطل وإبطال الحق، ٰ وولاية الكافرين، والبراءة من المسلمين باللسان دون القلب، وإثبات النسب لغير أهله، أو نفيه عن أهله، وإنكار الزوجة وإثباتها، وإثبات المال لغير صاحبه، وإنكاره عن صاحبه. وفي الجماع في رمضان اختلاف، فمنهم من جوزه ومنهم من أبطله، وأما ﱠ الأكل في رمضان فجائز على التقية، فهذه الوجوه التي ذكرناها، فهو فيها مخير، إن أخذ برخصة الله فهو معذور، فإن مات على دينه فمأجور...(١) . (١) . أبو العباس: كتاب أبي مسألة، ص ١٤٣ واختلفوا كذلك في أكل الميتة والدم ولحم الخنزير منهم من جوز أكلها ّ بالتقية، ومنهم من لم يجوز أكلها إلا بالمخمصة التي ذكر الله في كتابه لقوله: ﱢ ﴿ ^]\[ZYXW ﴾ (ال م ائدة: ٣ (. وحد ﱠ د أبو العباس الوجوه التي لا يجوز فيها التقية، ولو أدت إلى الموت وهي: قتل النفس التي حرم الله قتلها من بني آدم كلها كائنا ً ما كان، وما دون النفس من الجروح والضرب، والفساد في الأنفس كلها أحياء كانوا أو أمواتا ً ، وأكل أموال الناس بالتعدية كله، والفساد فيها من غير حله، والتجسس في الأنفس والأموال، وقذف المحصنات والشهادة بالزور، والفتوى بغير الحق، وإلقاء السلاح للعدو وإعطاء لباسه إياه، وشرب الخمر، وأكل أقذار بني آدم، وجميع النجس الذي لم يكن فيه اختلاف العلماء في نجسه، فإنه يموت ولا يفعل شيئا ً من هذا كله(١) . وفي هذه النماذج ضوابط لترتيب الأولويات، فحفظ النفس من المقاصد الكبرى للشارع، ولكن لا يجوز أن ينجي نفسه بالتضحية بنفس بريئة، وهو ما حدده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: « كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل »(٢) . وكذلك حفظ أعراض المحصنات، وحرمة الفتوى بغير الحق، وتقوية العدو بالسلاح، فهذه كلها لا تستباح بحجة حفظ نفس الإنسان؛ لأنها مقدمة في الاعتبار لمساسها بالصالح العام، وهذا أولى من مصلحة إنسان واحد يهدد (٣) بالقتل، فيصبر ويذهب إلى ربه شهيدا ً . وقد ذهب ابن بركة إلى الترخيص في بعض هذه الصور حيث يكون (١) أبو العباس: المصدر نفسه، ص ١٤٣ - .١٤٤ (٢) رواه أحمد، باقي مسند الأنصار، حديث خالد بن عرفطة، رقم ٢٢٥٥٢ ، والحاكم في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة، مناقب خالد بن عرفطة، رقم ٥٢٢٣ ، والطبراني في الكبير، باب الخاء، .٨٤/ تلخيص الحبير، ٤ .« ضعيف لكن اعتضد » : خالد بن عرفطة، رقم ٤٠٩٩ ، ابن حجر (٣) .٧٥٧ - باجو: منهج الاجتهاد، ص ٧٥٦ الإكراه على فعل دون القتل؛ لأن القتل متفق على عدم جوازه، إذ ليس للإنسان أن يفدي نفسه بإزهاق نفس غيره، ولكن يفديها بما دونها، ولذلك أجاز شرب الخمر وأكل الميتة وقذف المحصنات؛ إن خاف على نفسه القتل أو الضرب الشديد المؤدي إلى الهلاك. الرأي ا لمختار: من خلال عرض آراء فقهاء الإباضية في هذه المسألة يظهر أن الرأي الأعدل والأقرب للصواب هو تحريم الفعل المضر بالغير مطلقا ً ؛ للعلة التي ذكرناها، ولأنه يتسامح في حق الله ما لا يتسامح في حق العباد، إذ حقوق الله ُ مبناها المسامحة، وحقوق العباد مبناها المشاححة، فالقياس على الكفر قياس مع الفارق(١) والله أعلم. فإن قال: فإن » : يقول ابن بركة في هذا الشأن في أسلوب حواري بديع أكرهه الجبار بشرب الخمر أو الميتة أن يأكلها هل له فعل ذلك؟ قيل له: نعم إذا خاف على نفسه؛ لأن الله جل ذكره قد أباح ذلك في الاضطرار بقوله 8 : ﴿ ^]\[ZYXW ﴾ )المائدة : (٣ ، ﴿ ¨©ª «¬® ﴾ (الأن عام: ١٤٥ (. فإن قال: فإن كلفه أن يقذف المحصنات أو يقول في أحد المسلمين ما ليس فيه هل يجوز له ذلك؟ قيل له، نعم إذا خاف على نفسه القتل أو الضرب الشديد المؤدي إلى الهلاك. فإن قال: ولم أجزتم قذف المحصنات عند الاضطرار والقدح في المسلمين؟ قيل له: إن قذف المحصنات هو كذب عليهن، وكذلك القول في المؤمن بما ليس فيه ولا يشبهه هو كذب، وقد أباح الله جل ذكره عند الاضطرار الكذب لقوله: ﴿ UTSRQPONM (١) . باجو: المرجع السابق، ص ٧٥٧ XWV ﴾ )النحل : (١٠٦ ، فع َذ َ ره في هذا الحال وهو يقول: إن الله ثالث ثلاثة وهذا أعظم الكذب؛ لأنه كذب على الله تعالى، فالكذب على المسلمين أيسر إذا لم يعرف المعاريض، ومن المعاريض أن يقول: إن محمدا ً يكذب على الله، وهو يقصد شخصا ً اسمه محمد وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم «(١) . وتأكيدا ً لما تقدم يقول السالمي : وكذلك يجوز للمجبور الترخص بفعل » بعض المحرمات: اعلم أن المحرمات منها ما لا يصح الترخص بفعله عند الإكراه، ومنها ما يصح التقية به... وأما المحرم الذي يصح التقية به، فكأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وجميع ما أبيح في الضرورة؛ لأن الإكراه نوع من الاضطرار فينبغي ألا يعطى أحكامه في صحة الترخص، لكن لما كان المجبور لم يحمل نفسه على الهلكة بترك التقية من أكل الميتة ونحوها، وإنما حمله على ذلك الجبار جوزنا له ترك الترخص، بخلاف ضرورة الجوع فإنه إن لم يترخص فيها يكون حاملا ً « لنفسه على الهلاك، فيجب عليه الترخص هنالك(٢) . والذي نفهمه من عبارة السالمي أنه يخير المكره بين الأخذ بالرخصة في َّ أكل الميتة ونحوها تقية من جبر الحاكم، وله أن يترك الرخصة والتقية ويمتنع من أكل الحرام عزيمة وهو موافق لابن برك ة، وذهب الفخر الرازي وسعد الدين التفتازاني وغيرهما إلى وجوب الأخذ بالرخصة في أكل الميتة عند .« والفرق بينهما واضح » : الإكراه، وجعلوه كضرورة الجوع. وعقب عليهم بقوله كما ذهب بعض الإباضية إلى منع الترخص بأكل الميتة ونحوها في حالة الإكراه، وقصروا جواز الترخص بذلك في حالة المخمصة وهو اختيار أبي العباس أحمد عملا ً بمفهوم قوله تعالى: ﴿ \[ZYXW ^]_` ba ﴾ (ال م ائدة: ٣ (. (١) ١٩١/ ابن بركة: الجامع، ١ - .١٩٢ (٢) .٢٧٢/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ واعترض عليهم السالمي بقوله: أنه لا مفهوم للمخمصة في الآية؛ لأنها إنما ذكرت لكونها الأغلب من حالات المضطر، ففي العادة أنه لا يضطر غالبا ً إلى أكل الميتة ونحوها إلا الجوع الشديد. وخل ُ ص إلى القول بأنه يترك الخيار للمكره، إن شاء أخذ بالرخصة أو َُ َ بالعزيمة، ولا فرق بينهما قياسا ً بمن تلف ﱠ ظ بالكفر وهو مؤمن، أو ترك ذلك ومن لم يأخذ بالرخصة في شيء من هذه الأمور، لكنه تمسك بالعزيمة » : فيقول حتى قتل عليها أو عذ ﱢ ب، حاز بذلك من الله المقام الأكمل، إذ لا يلزمه الترخص في شيء منها بل الترخص فيها كلها جائز فقط خلافا ً لمن أوجب التقية بأكل الميتة وأشباهها، ونحن نقول إنه لا فرق في الإكراه بين الأخذ « بالعزيمة في ترك التلفظ بالكفر وفي ترك الترخص بأكل الميتة(١) . والحاصل: بعد النظر في أدلة الفريقين يبدو أن ما ذهب إليه السالمي وابن بركة هو الرأي الراجح، وتميل إليه النفس؛ لأن فيه مراعاة لطبائع الناس وميولاتهم، فمنهم من له قوة التحمل أمام الإكراهات، ومستعد للتضحية بنفسه وماله وأهله، في سبيل الثبات على المبدأ، ومنهم من يضعف أمام الجبابرة والطغاة، فيلجأ إلى الرخصة، ويأخذ بها تخفيفا ً على نفسه ودفعا ً للحرج للمشقة. ٢ ما يرخص فيه الإكراه من غير أن يسقط حرمته: كإجراء كلمة الكفر على اللسان مع اطمئنان القلب، أو الصلاة إلى الصليب، أو إتلاف مال المسلم، فهذه الأمور وأمثالها لا تباح إطلاقا ً ، ولكن يرخص في فعلها في الظاهر عند الإكراه الملجئ أو التام، فالفعل لا يباح هنا ولكن يمنع المؤاخذة والمسؤولية(٢) . (١) .٢٧٢/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٢) . الزحيلي وهبة: نظرية الضرورة في الشريعة الإسلامية، ص ٨٤ وفي هذا المعنى يقول السالمي : فثبتت الأحكام الشرعية في حقه (المكر » َ ه) لكن خفف عليه بسبب الإكراه، إذ جوز له الترخص في كثير من الأحكام حتى ّ في كلمة الشرك، فيصح للمجبور المكره على الشرك أن يتلفظ بكلمة الشرك َ إذا كان قلبه مطمئنا ً بالإيمان قال تعالى: ﴿ WVUTS X ﴾ )النحل : (١٠٦ . كذلك يصح له الترخص بترك العبادات البدنية إذا أكره على تركها، كما لو أكرهه جبار على ترك صلاة الظهر مثلا ً ، وكان قائما ً عليه لا يفارقه حتى مضى الوقت، كان لهذا المجبور أن يترك أركان الصلاة مما يخشى في فعله الهلاك على نفسه ويصلي كيف ما أمكنه حتى ولو لم يمكنه (إلا) التكييف في نفسه كي ﱠ فها (أي لا يتلفظ بها بل ي ُ سر ﱠ ها في صدره) وكان ذلك عذرا ً له، وذلك أن الترخص قد صح في كلمة الكفر وهو هنا أولى(١) . َ وكذلك يصح للمجبور الترخص بإتلاف مال الغير، فإذا أكره الجبار أحد على إضاعة مال غيره جاز له التقية يذلك، فصح له إتلافه بشرط ضمانه ﱠ لصاحبه، ومعنى ذلك أنه لا يكون آثما ً في إتلافه؛ لأن النفوس تفدى بالمال ولا عكس، وإنما أوجبنا عليه الضمان لئلا يضيع مال الغير في غير شيء(٢) . حكم من أكره غيره على الإفطار في « جامعه » ويبين ابن جعفر في ﱠ وعن رجل أكره رجلا » : رمضان فيقول ً على إفطار يوم من شهر رمضان، قال: على من أكرهه الكفارة، وليس على المستكره إلا بدل يومه، كذلك الصلاة ِ « على المكره الكفارة، وليس على المكره إلا بدل صلاته(٣) . َ واستدل السالمي على جواز الأخذ بالرخصة في هذه الأمور، قياسا ً على رخص الصلاة والصوم في السفر والمرض والخوف، وهذا قياس الأولى لدفع الحرج والمشقة على المكره، وتخفيفا ً وأيضا » : عنه، فيقول في هذا الصدد ً فقد َ (١) ٢٧١/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ - .٢٧٢ (٢) .٢٧٣/ السالمي: نفسه، ٢(٣) .١٧٥/ ابن جعفر: الجامع، ٣ ثبت الترخص في أمور الصلاة والصوم ونحوهما بأعذار دون الإكراه، كالسفر والمرض وهو نوع من أنواع الخوف الشديد فينبغي أن تثبت فيه رخص « الخوف(١) . ٣ ما يحرم الإقدام عليه مطلقا ً: وذلك كقتل النفس، وجرح الغير، والزنا وغيرها. قال السالمي في هذا أما الذي لا يصح الترخص به عند الإكراه، فهو قتل المسلم بغير » : الصدد حق، أو إتلاف عضو منه أو جرحه أو نحو ذلك مثل الزنا وأشباهه، فإن التقية َ في مثل هذا لا تصح حتى لو أكره الجبار أحد على جرح مسلم، فإن لم يفعل قتله لزمه أن لا يفعل؛ لأن نفسه أولى بالسلامة من نفس غيره، وأما الزنا فإنه بنفسه لا يقبل الإكراه، حتى لو زنا ع ُد ﱠ مختارا ً للزنا؛ لأن الآلة لا تساعده إلا « عند الرضى(٢) . وقد انتبه السالمي إلى ملحظ دقيق قد يغفل عنه البعض، وذلك كأن يزني الزاني ويد ﱠ عي أنه أ ُ كره على الزنى، ولا يقدر على تركه، وف َع َ له مكرها ً ، فيرد عليه السالمي : أن فعل الزنى من الرجل يكون مختارا ً ؛ لأن في حالة الإكراه وعدم الرضى لا تطاوعه نفسه على الانتصاب لعدم الرغبة فيه، فيفشل في ِ عملية الوقاع، فهذه العملية معقدة تحتاج إلى راحة البال، ورغبة في الجماع، ولو طاوعته الزانية على نفسها، وخاصة إذا تذكر الله وعذابه يوم الجزاء، لقوله صلى الله عليه وسلم : «... لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن »(٣) . ِ أما المرأة إذا أكرهت على الزنى فلا تستجيب للمكره، وعليها أن تدفعه ُ وإن أكرهت على الزنى » : بما تقدر عليه من مقاومة، وفي هذا يقول ابن بركة (١) .٢٧٢/ السالمي: المصدر نفسه، ٢(٢) السالمي: نفسه. (٣) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الحدود، باب الزنا وشرب الخمر، رقم ٦٧٧٢ ، ومسلم، . كتاب الإيمان، باب نقصان الإيمان بالمعاصي، رقم ٥٧ فتحرم عليها المطاوعة، وترك الاضطراب، وعليها أن تمسك جوارحها، « وليست كالرجل؛ لأن الفعل منه، فالمرأة ليس لها فعل(١) . k :√GôcE’G øe iôNCG Qƒ°U :É©HGQ أ في حكم طلاق المكره وسائر معاملاته ا لمالية: وعن حكم طلاق المكره وعتقه وسائر تصرفاته المالية، بحث السالمي هذه أما القول بوقوعهما فمبني على » : المسألة وأشار إلى اختلاف العلماء فيها، وقال أنهما لا يتقي بهما، فإن ْ تلفظ بهما ثبتا عليه، فتكون التقية بإتلاف ماله في عبده وحقه من زوجته، وأما القول بأنهما لا يقعان فلصدورهما عن غير اختيار قياسا ً لهما على سائر التصرفات الممنوعة، فإن بيع المكره على بيع وشراءه إذا أكره « على الشراء لا يثبتان، وكذلك العصمة، فإن العتق والطلاق مثله على هذا القول(٢) . ولعل هذا الرأي هو الأعدل والأرفق من غيره، لما فيه من يسر وتخفيف على المكره، ورفع الحرج والمشقة عنه. َ ب في الإكراه على ا ليمين: يرى الفقهاء أن أيمان الجبابرة لا حنث فيها، قياسا ً على حال عمار بن ياسر 3 لما أجبر على الكفر بالله، فلم ي ُ لز ِ مه الله في ذلك تبعة، لا شيء عليه فيما يعطيهم من الأيمان تحت الإكراه، لأنه يتقي أذاهم بذلك(٣) . بل قد يكون ذلك واجبا ً في بعض الأحيان، لإنقاذ روح مسلم بريء، كمن أخذه الظلمة وقالوا له: احلف لنا أن هذا ليس بفلان لرجل أسروه ليقتلوه ، فإن أبى عن اليمين، قتلوا الرجل المأسور عندهم، فقد ذهب بعض الإباضية َ إلى أنه هالك، وضامن لدية القتل. (١) . ١٩٣ . الراشدي، جواهر القواعد، ص ١١٦ / ابن بركة: الجامع، ١(٢) ١٧٠/ السالمي: العقد الثمين، ٣ - .١٧١ (٣) ٥٠٢/ ابن جعفر: الجامع، ٣ - .٥٠٣ k :CÉ£îdG Ωƒ¡Øe :’hCG يطلق الخطأ في ا للغة : على ما قابل الصواب، وهو اسم من أخطأ فهو مخطئ، وأصله في اللغة تعدي الشيء، ومنه أخطأ بمعنى تعدى الصواب، وخطئ يخطأ إذا أذنب لأنه يترك الوجه الخير، ويقال أخطأ الرامي إذا لم ّ يصب، كما يقال للماشي: أخطأ طريقه إذا عدل عنها إلى طريق أخرى(١) . ويطلق الخطأ كذلك ويراد به ما يقابل العمد، كما في قوله تعالى: ﴿ * ,+ -./ ﴾ )النساء : (٩٢ . وقوله تعالى: ﴿ xw }|{zy ~ے ¡ ﴾ (الأح زاب: ٥ ( . وفي الحديث ِِ الشريف: « قتل الخطأ ديته عشرون حقة وعشرون جذعة »(٢) ، وهذا الإطلاق هو مراد الشرع من كلمة الخطأ. والخطأ في ا لاصطلاح : هو ما ليس للإنسان فيه قصد(٣) . هو أن يفعل فعلا » : وعرفه السالمي بقوله ً من غير أن يقصد قصدا ً تاما ً ، وذلك أن إتمام الفعل يقصد محله، وفي الخطأ يوجد قصد الفعل دون قصد « المحل(٤) . أنه فعل » : وهذا مراد من قال ٌ يصدر بلا قصد إليه عند مباشرة أمر مقصود (١) شبير محمد: القواعد الفقهية، ص ٢٠٥ . وينظر: عمر عبد الله كامل: الرخصة الشرعية، .١٣١ ، ص ١٣٠(٢) رواه الترمذي، كتاب الديات، باب الدية كم هي من الإبل، رقم ١٣٨٧ ، ورواه أبو داود، كتاب الديات، باب الدية كم هي، رقم ٤٥٤١ ، عن ابن عمرو بن العاص، قال الترمذي: حسن غريب. (٣) . الجرجاني علي:، التعريفات، ص ١١٢(٤) .٢٧٠/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ « سواه(١) ، كما إذا رمى صيدا ً فأصاب إنسانا ً ، فإنه قصد الرمي لكن لم يقصد به الإنسان، فالقصد المتحقق في هذه الحالة غير تام(٢) . وبعبارة أخرى: وقوع الفعل أو القول على خلاف ما يريد الفاعل أو القائل: كمن تمضمض في الوضوء، وهو صائم فيسبق الماء إلى حلقه. هو ثبوت » : وعرف أبو البقاء الكفوي الخطأ، وبين أنواعه وأحكامه فقال ﱠﱠ الصورة المضادة للحق، بحيث لا يزول سرعة، وقيل: هو العدول عن الجهة، وذلك أضرب: أحدها: أن تريد غير ما يحسن إرادته فتفعله، وهذا هو الخطأ التام المأخوذ به الإنسان، يقال فيه: خطأ يخطأ خطأ وخطاء بالمد. والثاني: أن تريد ما يحسن فعله، ولكن يقع عنه بخلاف ما تريده، فيقال فيه: أخطأ يخطئ خطأ فهو مخطئ، وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل، وهو المعنى بقوله عليه الصلاة والسلام: رفع عن أمتي الخطأ »« والنسيان(٣) . وبقوله: « من اجتهد وأخطأ فله أ جر »(٤) . (١) السالمي: نفسه. (٢) صدر الشريعة عبد الله بن مسعود المحبوبي البخاري (ت: ٧٤٧ ه): التوضيح في حل غوامض ١٩٥ ، وقيل أنه الزلل عن الحق من غير قصد مع عزم الإصابة. المناوي: التوقيف / التنقيح، ١ . على مهمات التعاريف، ص ١٥٦ (٣) ،٣٠١/ أخرجه الإمام الربيع بن حبيب بنحوه، وفيه زيادة في مسنده في باب ما جاء في التقية، ٣ حديث: ٧٩٤ ، وقد جاء فيه: قال جابر: سئل ابن عباس عن التقية، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : رفع » « عن أمتي الخطأ والنسيان وما لم يستطيعوا وما أكرهوا عليه اه. ورواه أيضا ً ابن ماجه بمعناه ، وفيه زيادة في سننه في كتاب الطلاق باب طلاق المكره الناسي، ص ٣٤٢ ، حديث: ٢٠٤٣ عن أبي ذر الغفاري 3 وضعفه، ص ٣٤٣ ، حديث ٢٠٤٥ ، عن ابن عباس ^ وقد جاء في حديث رقم ٢٠٤٣ ، عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز عن أمتي » « الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وأما حديث رقم ٢٠٤٥ ، فقد جاء فيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » اه. (٤) أخرجه الإمام البخاري بمعناه، وفيه زيادة في صحيحه في كتاب الاعتصام باب أجر الحاكم = k :¿É«°ùædGh CÉ£îdG ø«H ¥ôØdG ¿É«H :É«fÉK والثالث: أن تريد ما لا يحسن فعله، ويتفق منه خلافه: فهذا مخطئ في « الإرادة، مصيب في الفعل، مذموم بقصده، غير محمود على فعله(١) . الخطأ مختلف على ما درج عليه أهل التحقيق، يدل عليه عطف أحدهما على الآخر في الحديث المتقدم، إذا العطف يقتضي المغايرة فلا يعطف الشيء ذاته على نفسه. وعليه، فالفرق بين الخطأ والنسيان واضح وبين، إذ أن الخطأ يمكن الاحتراز منه بالتوقف والتثبت، بخلاف ﱢ النسيان فهو خارج عن طاقة الناسي فلا يقال لصياد رمى فريسة فأصاب إنسانا ً نسي، بل يقال أخطأ، بخلاف ذلك قد يطلق على كل من أكل ناسيا صيامه أنه أكل مخطأ. ولهذا فإن الخطأ لا يخلو عن شائبة تقصير، إذ أن الفرق بين الخطأ (٢) والنسيان قائم، والتداخل موجود بإطلاق المخطئ على الناسي أحيانا ً . والخطأ لا ينافي الأهلية بنوعيها؛ لأن العقل قائم مع الخطأ، ولكن = إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، ص ١٣٠٤ حديث: ٧٣٥٢ ، عن عمرو بن العاص، وقد جاء فيه عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم » « أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أ جر أ. ه. المراد منه بنصه. ورواه أيضا ً الإمام مسلم بمعناه وفيه زيادة في صحيحه كتاب الأعطية باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، ص ٧٧١ ، حديث: ١٥ عن عمرو بن العاص، ولفظه كما في البخاري، وأخرجه أبو داود بمعناه وفيه زيادة في سننه في كتاب الأقضية باب في القاضي يخطئ، عن عمرو بن العاص قال: قال » : ص ٦٠٥ ، حديث: ٣٥٧١ ، عن عمرو بن العاص ونصه رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله » « أجر .« ورواه غيرهم (١) أبو البقاء الكفوي: الكليات، ص ٤٢٤ . بتصرف. (٢) . عمر كامل: الرخصة الشرعية، ص ١٣١ . وينظر: الباحسين، قاعدة الشقة، ص ١٥٧ الشارع جعله عذرا ً شرعيا ً في بعض الحالات، وسببا ً من أسباب المشقة ّ الموجبة للتيسير والتخفيف، ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿ ¶¸¹ ½¼»º ﴾ )البقرة : (٢٨٦ . وقوله صلى الله عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ » «... والنسيان(١) . قال السالمي : وهو عذر يسقط الوزر لقوله صلى الله عليه وسلم » : «... رفع عن أمتي الخطأ »الحديث(٢) « ، والمراد رفع الإثم(٣) . وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين الخطأ والنسيان في رفع الإثم عن أصحابهما، ولكن الخطأ المرفوع هو الذي يكون في القصد لا الفعل بأن يقصد الحق فيأتي غيره(٤) . ولكن سواء كان في الفعل أو القصد عد ﱠ ه العلماء من أسباب الترخيص والتخفيف فيما يتعلق بحقوق الله تعالى لقوله تعالى: ﴿ yxw }|{z ~ے ¡ ﴾ (الأحزاب: ٥ (. ويشترط العلماء لاعتبار الخطأ سببا ً من أسباب التيسير أن يكون متعلقا ً بحق من حقوق الله تعالى؛ لأنها مبنية على المسامحة، كالخطأ الذي ينتج عن التعرف عن القبلة، والخطأ في الاجتهاد في الحكم القضائي والفتوى وغير ذلك(٥) . أما إذا كان متعلقا ً بحقوق العباد فلا يعتبر الخطأ عذرا ً ؛ لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة والمقاضاة، فيجب الضمان على من أتلف مال غيره، ﱠ قال السالمي : ولا يسقط الخطأ شيئا » ً من حقوق الخلق، فيلزم من أخطأ في « مال الغير ضمانه(٦) . (١) سبق تخريجه. (٢) تقدم تخريجه. (٣) .٢٧٠/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٤) . باجو: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ص ٦١٩(٥) . الجرجاني: التعريفات، ص ١١٢(٦) .٢٧١/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ k :CÉ£îdG ≈∏Y áÑJôàªdG ΩÉμMC’G :ÉãdÉK وتفصيل الأحكام مع الخطأ يكون كما يلي: ١ الخطأ في حقوق الله ت عالى: الخطأ في حقوق الله تعالى يصلح عذرا ً مسقطا ً للإثم، كالخطأ في أداء العبادات، وكخطأ المجتهد أو المفتي أو الحاكم، للحديث الذي سبقت الإشارة إليه، ويصلح شبهة دارئة للعقوبات المقررة، حق ّ ا ً لله تعالى، كالقصاص والحدود. أ في ا لعبادات: يسقط الإثم عن المكلف، وعليه أن يتدارك ما أمكن تداركه من المأمورات بالقضاء أو الإعادة أو الكفارة ما دام غير متعمد في المخالفة أو الترك. ١ في ا لصوم: ولعدم القصد فيه لم تجب الكفارة على من أكل يظن بقاء الليل ثم تبين أنه طلع الفجر، أو أكل يظن غروب الشمس، ثم تبين له أن ﱠ الشمس لم تغرب، فيجب عليه القضاء عند بعض العلماء لأنه مقصر ولا شيء ﱢ عليه عند آخرين(١) . ومن ظن أنه قد غابت الشمس وحل وقت الإفطار، فأكل وشرب، ثم تبين له أنه أكل أو شرب قبل غروب الشمس، فقد انهدم صومه ولزمته كفارة مغلظة، ومنهم من يرخص أن يعيد صوم ما فات من الشهر أو ذلك اليوم، ومن ث » : ولا ينهدم صومه، ورجح الثميني هذا القول فقال َ م أوجبوا القضاء ّ على من ظن أن الشمس قد غابت فأكل، فإذا هي لم تغب، ثم هل يعيد ما مضى أو يومه فقط، وهو الأصح وعليه الأكثر قولان؛ وقيل: انهدم صومه «... ولزمته المغلظة(٢) . (١) .٢٠٣/ ٤١٩ . ابن رشد: بداية المجتهد ١ / أطفيش: شرح النيل، ٣(٢) .٣٣٣/ أطفيش: شرح النيل، ٣ والمسلمون من شأنهم الاحتياط في جميع أمورهم، ويحتاط الرجل لصومه في إفطاره وفي سحوره، وفي جميع أموره حتى لا يقع في شبهة، فمن كان في مكان مطمئن ساتر عن طلوع الفجر، فل ْيك ُ ف عن الأكل قبل أن يطلع َﱠ عليه الفجر إذا شبه عليه، ولا بأس بالأكل والشراب حتى يطلع الفجر؛ لأنها ليست لهما تباعة تبقى بعدهما(١) . واختلفوا فيمن أكل ناسيا ً فقال أكثر العلماء لا شيء عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن أكل أو شرب ناسيا ً : « أطعمه الله وسقاه »(٢) . وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة وابن عمر وعطاء وطاووس وجابر بن زيد وغيرهم، وهو قول أبي عبيدة والعامة من فقهاء الإباضي ة، وروي مثله عن الأوزاعي وأبي ذؤيب (٣)والشافعي وأصحاب الرأي إلا ربيعة ومال ك، وروي أنهما قالا عليه (١) . الجناوني: كتاب الصوم، ص ٥٣ (٢) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الصيام، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، رقم . ١٨٣١ ، ومسلم، كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعة لا يفطر، رقم ١١٥٥ ورواه الدارمي في سننه كتاب الصلاة باب فيمن أكل ناسيا ً حديث: ١٧٢٧ ونص الحديث عن أبي هريرة 3 ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من نسي وهو صائم، فأكل » « أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه . وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب الصوم، وأما حديث شعبة حديث: ١٥٠٥ بلفظ: من أفطر في » رمضان ن اسيا ً « فلا قضاء عليه ولا كفارة . هذا حديث صحيح على شرط » : قال الحاكم .« مسلم، ولم يخرجاه بهذه السياقة (٣) لعله الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي، من هوازن: زوج حليمة السعدية، مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم كنيته أبو ذؤيب، وربما قيل له (أبو كبشة) وكان كفار قريش إذا تحدثوا عن محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: ابن أبي كبشة، نسبة إليه. وكانت إقامته مع قبيلته في البادية. ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة (قبل الهجرة) فقال له رجال من قريش: ألا تسمع ما يقول ابنك إن الناس يبعثون بعد الموت؟ فقال: أي بني ما هذا الذي تقول؟ قال: نعم، لو كان ذلك اليوم أخذت بيدك حتى أعرفك. وأسلم الحارث بعد ذلك. وكان يقول: لو أخذ ابني بيدي لم يرسلني حتى يدخلني الجنة. ابن حجر: الإصابة: الرقم ١٤٣٨ و ٥٦٠ . الزركلي: .١٥٦/ الأعلام، ٢ القضاء، وإليه ذهب قول بعض الإباضية(١) . ومن أكل أو » : جاء في شرح النيل شرب ناسيا ً « فلا بدل عليه والحمد لله، وقيل عليه بدل يومه(٢) . ومن شرب لبنا لم يعلم بحموضته فأسكره، فلا حد ّ ولا إثم عليه. ٢ في ا لذكاة: لم ير الإمام جابر بن زيد بأسا ً بذبيحة ما ذ ُ بح لغير القبلة خطأ ولم يقصد مخالفة ذلك، فذبحه حلال ولا إثم عليه(٣) ، وقال أبو العباس ولا تجوز الذبيحة إلا بذكر التسمية واستقبال القبلة بها، إلا » : أحمد في الذبائح على حال الضرورة والنسيان فإنه يعذر فيهما، أي إذا لم يذكر اسم الله عليها نسيانا ً « أو منع من ذلك(٤) . ُ ب في الجنايات والعقوبات: يرى أهل العلم أنه لا حد ﱠ على من أراد أن يقول لا إله ٰ إلا الله، فقال: لا إله ٰ فسكت، أو يريد القول: أن المسلمين من أهل الجنة فيقول: بأنهم من أهل النار، فهذا كله مرفوع الخطأ فيه غير معتد به، ولا إثم فيه؛ لأنه قصد قول الحق فجاء بغيره، إلا أنه مأمور بإظهار التوبة إن ظهر ذلك للناس بما يكفر به في ظاهر الأمر، كأن ينطق بالكفر أو ينكر معلوما ً من الدين بالضرورة(٥) . ومن قتل خطأ فلا قصاص عليه، وعليه الدية جبرا ً للضرر، وعليه الكفارة جزاء للتقصير، ولا حد على من ز ُف ﱠ ت إليه غير زوجته فوطأها خطأ على ظن أنها امرأته، ويؤكد ذلك السالمي مع التوضيح فيقول: ...» وكذلك يسقط بالخطأ الحد على القصاص فلا يقام عليه الحد ولا ينفذ فيه القصاص لشبهة (١) ٨٧ . وينظر: الجناوني في كتاب الوضع، ص ١٥٦ ، وفي كتاب / الجيطالي: قواعد الإسلام، ٢ . الصوم، ص ٥٤(٢) .٤٢١/ أطفيش: شرح النيل، ٣(٣) .٥٧٨/ ابن جعفر: الجامع، ٣(٤) . أبو العباس أحمد: كتاب أبي مسألة، ص ١٧٨(٥) . باجو: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ص ٦١٩ الخطأ، أما الخطأ في موجب الحد، فكما لو قصد إنسان إلى مدح إنسان فسبق لسانه بقذفه مع القرائن على صحة قصده، وأما الخطأ في موجب القصاص فلإخلاص قصده إلى غير الفعل الذي فعله، لكن يلزم من قتل مؤمنا ً خطأ تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين، ودية على عاقلته مسل ﱠ مة إلى أهل المقتول، أما الكفارة فعقوبة عدم التثبت منه، أما الدية فجبر دم المؤمن، « وأما كونها على العاقلة فهو تخفيف له حيث لم يقصد إلى قتله(١) . ويستنتج من عبارة السالمي أن الإباضية يرون كغيرهم أن المسؤولية ْ الجزائية لا تسقط كليا ً على مرتكب القتل الخطأ، ولأجل شبهة الخطأ خفف ّ الشارع من العقوبة، وبين المقصد الشرعي من ذلك الفعل، وأما وجوب الدية ﱠ لجبر الضرر الواقع على أهل المقتول، وأما فرضها على عاقلته وهي عشيرته وأقرباءه؛ لأنه قد لا يقدر عليها، فتقسم عليهم تخفيفا ً عليه وتشجيعا ً على التكافل والتضامن عند الملمات، وهذا من يسر الشريعة ومراعاتها لمصالح الناس وحاجاتهم، وكل هذا من مقاصد الشريعة التي أشار إليها السالمي . وهكذا يتبين مما تقدم أن الخطأ مسقط للاثم والحد، وهما حق الله تعالى، ﱠ رغم أن فيه شبه التعدي على حياة الغير. هذا وقد فصل أبو حفص عمروس بن فتح النفوسي القول في القتل الخطأ، وبين أنواعه، ومتى تجب الدية على العاقلة وعلى القاتل؟ ووضح ذلك وأما شبه العمد من الخطأ فهو: أن يضرب بما لا يقتل مثله ثم » : بالأمثلة فقال ِ يموت مكانه، ففيه وقع الخلاف، قال بعضهم دية ولا قود، وقال بعضهم يقاد َ « منه؛ لأنه تعمد ضربه وإن لم يتعمد قتله، ولا تعقله العاقلة(٢) . ﱠ (١) ٢٧٠/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ - .٢٧١ (٢)القود: بفتح القاف والواو مصدر ق َود؛ القصاص، يقال: استقدت الأمير من القاتل فأقادني ََ منه، أي: طلبت منه أن يقتله ففعل. محمد رواس قلعة جي وحامد صادق قنيبي: معجم لغة . الفقهاء، ص ٣٧٢ وأما الخطأ المحض الذي تعقله العاقلة فهو: أن يهوي الرجل بضربة أو َْ رمية صيد إلى دابة أو إنسان فيصيب غيره، أو يسقط منه شيء فيصيب به إنسانا ً ، أو يسقط هو بنفسه، أو يصيح صائحا ً فيقع إنسان من أجل صيحته. وما أشبه هذه الوجوه فهو الخطأ المحض الذي تعقله العاقلة بالبينة. فالذي يتعمد الضربة بغير حديد، بما لا يقتل بمثله » : وأما الخطأ العمد فيقال له (خطأ العمد)، يقال له (عمد) لأنه تعمد الضربة، ويقال له (خطأ)؛ لأنه تعمد القتل؛ فالدية فيه في مال الجاني، ولا تعقله العاقلة... قال بعضهم: يقاد «... منه(١) . ٢ الخطأ في حقوق ا لعباد: وفي حقوق العباد ينظر إلى الحق، فإن كان عقوبة كالقصاص لم يجب بالخطأ؛ لأن القصاص عقوبة كاملة فلا يجب على المخطئ؛ لأنه معذور، ولكن تجب به الدية؛ لأنها بدل المحل المتلف، وتكون على العاقلة في ثلاث سنين تخفيفا ً عنهم بسبب الخطأ(٢) . أ في ضمان ا لضرر: وإذا كان حق العبد من المتلفات المالية فيجب ضمانه، كما لو رمى إلى شاة إنسان على ظن أنها صيد، أو أكل ماله على ظن أنه ملك نفسه؛ لأنه بدل مال لا جزاء فعل، فيعتمد عصمة المحل؛ دفعا ً للضرر على الناس، ورفعا ً للحرج عنهم، وحفظا ً لأموالهم. جاء في جامع ابن جعفر : أما لو أخطأ فقتل رجلا » ً أو أتلف عليه ماله، أو (١) أبو حفص عمروس بن فتح النفوسي (ت: ٢٨٣ ه/ ٨٩٦ م): كتاب أصول الدينونة الصافية، ١٣٣ ، تحقيق: حاج أحمد بن حمو كروم، مراجعة مصطفى بن محمد شريفي، ، ص ١٣٢ ومحمد بن موسى بابا عمي، ط الأولى، ١٤٢٠ ه / ١٩٩٢ م مسقط سلطنة ع ُ مان. (٢) .١٩٠/ البخاري صدر الشريعة عبيد الله، التوضيح بشرح التلويح، ١ جرحه لم يسقط الضمان؛ دية كانت أو أرش ً ا إن وقع الخطأ في الأبدان، وتعويضا ً « للمثل أو القيمة إن وقع في الأموال(١) . وقال السالمي : ولا يسقط الخطأ شيئا » ً من حقوق الخ َل ْ ق، فيلزم من الخطأ «... في مال الغير ضمانه(٢) ،« الخطأ لا يسقط الضما ن » : وهذا معنى قولهم العمد والخطأ في أموال الناس سواء » : وقولهم « (٣) . ب في ا لمعاملات: وإن كان حق العبد في المعاملات: فإنه لا يعتبر الخطأ عذرا ً فيه عند الإباضية والحنفي ة، خلافا ً لجمهور الفقها ء، كالشافعية وغيرهم، فلو طلق امرأته ِ خطأ، كأن يريد أن يقول لزوجته: أنت بارة فيقول: أنت طالق، وقع الطلاق عند ﱠ الإباضية والحنفي ة، ولم يقع عند غيرهم. فحكم طلاق زوجته لا يقع ديانة عند الله، وإن وقع في ظاهر الحكم والقضاء(٤) . وفي هذا المعنى يقول ابن جعفر ...» : أو يريد أن يقول لزوجته: هي بارة فيقول: إنها طالق، وكذلك في غيره، فكل هذا مرفوع الخطأ فيه وغير معتد به في الخطأ به... وأما فيما بينه وبين الله فلا إثم عليه، ولا طلاق على زوجته ِ ولا عتاق، فإن حاكماه وجب عليه وإن لم يستسلم للحق، إذا صح لفظه ذلك مع حكام أهل العدل، وحكموا عليه بالعدل، فليس له أن يخالف الحق الظاهر « عليه عدله؛ لأن الحكم فيه لغيره(٥) . (١) ١٣٦/ ابن جعفر: الجامع، ١ - .١٣٧ (٢) .٢٧١/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٣) الزرقا أحمد: شرح القواعد الفقهية، ١٢٥ في شرح قاعدة: الضرر يزال، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقد فصل الإمام القرافي وجوه الضمان في الأموال في الفرق الحادي عشر بعد .٢٠٦/ المائة من كتابه الفروق، ينظر: القرافي الفروق ٢(٤) . باجو مصطفى: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ص ٦١٩(٥) .١٣٦/ ابن جعفر: الجامع، ١ ففي هذه الحالة وقع الطلاق خطأ ولو لم يقصد ذلك؛ لأن القاضي يحكم بالظاهر ولا يبحث عن مكنون النفوس، إلا إذا ظهرت قرائن أخرى تؤكد عدم قصده للطلاق، فنحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. وحجة الجمهور أن اعتبار الكلام إنما هو بالقصد الصحيح، وهو لا يوجد في المخطئ، فلا تعتبر أقواله، كما لا تعتبر أقوال النائم والمغمى عليه لعدم القصد في كل منهم، ويؤكد ذلك الحديث الذي سبقت الإشارة إليه في رفع الإثم عن الخطأ والنسيان والإكراه. أما وجهة نظر الإباضية والحنفية فقد نظروا إلى المسألة من زاوية أخرى، وهي أن ّ القصد في طلاق المخطئ من الأمور الخفية التي يتعذر الوقوف عليها من دون مشقة، فأقيم تمييز البلوغ مع العقل مقام قصد الطلاق، بخلاف النائم والمغمى عليه، فإن عدم قصدهما من الأمور الظاهرة المعلومة بلا حرج فلا يقام شيء مقامهما، ومثل ذلك بيع المخطئ فإن الحنفية قالوا بأنه ينعقد فاسدا ً نظرا ً لوجود الاختيار وانعدام الرضا(١) . ٣ الخطأ في ا لفتوى: متى يضمن المفتي الخطأ في الفتوى؟ وهل يتحمل كل الأضرار المترتبة عليه؟ اختلف الإباضية في حكم هذه المسألة، وقد تعرض الكدمي إلى بيان حكم من أفتى برأيه فأخطأ، وما يترتب على فتواه من ضرر بالمفتى له، فهل أما الضمان على من أفتى؛ وهو » : يضمن ذلك أم يعفى عنه لاجتهاده؟ فقال ممن لا يجوز له القول بالرأي فأخطأ، فخطأ هذا معنا يخرج على وجهين: (١) ١٩٥ . ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير / البخاري صدر الشريعة: التوضيح بشرح التلويح ١ ٢٠٥ . الأنصاري عبد العلي بن محمد بن محمد اللكنوي (ت: ١١٨٠ ه): فواتح /٢١٤٢٣ ه/ ٢٠٠٣ م، الرحموت شرح مسلم الثبوت، ضبطه عبد الله حمود محمد عمر، ط ١ ١١٤ وما بعدها. / دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ١ الأول: إن أراد العبادة لما قد أحاط به علما ً من حفظ أو دراسة، أو ما لا يشك في علمه مما يصح معه بلا شك فيه ولا ريب فأخطأ بغيره من لفظه؛ فهذا بمنزلة خطأ العالم الذي لا يجوز أن يقول بالرأي؛ فقال به فأخطأ، فهو عندي أبين عذرا ً وأثبت حجة؛ لأنه قصد إلى معروف بعينه فأخطأ بغيره، وإن خالف ذلك الد ﱢ ين فلا إثم عليه، وذلك مثل من علم أن للأم مع الأولاد السدس، ومع غير الأولاد لها الثلث، فنزل به حكم، أو فتيا مما يجب به للأم السدس، فيجعل لها الثلث قصدا ً منه إلى السدس، وإلى علمه الذي لا شك فيه. ولو نسي معنا ما خوطب به وأخطأ لسانه بالكلام بغير ما أراد من اللفظ، فهذا معذور سالم، ولا إثم عليه ولا ضمان، وإنما على المخطئ معنى الخطأ الذي يكون له السعة فيه، وعليه أن يعلم من أفتاه إذا علم بخطأ نفسه في الفتيا أن يعلم بخطئه إن قدر على ما أفتاه بذلك، وليس عليه في مثل هذا معنا أن يخرج في طلبه، ولكن يرسل إليه ويكتب إليه إن قدر على ذلك. ِ أما الوجه الثاني: من خطأ العالم الذي لا يعذر فيه، ويجب عليه الضمان ْ إذا خالف الد ﱢ وأما من خالف الدين » : ين بفتواه، فبين الكدمي حكمه بقوله ّ بف ُت ْ يا، أو حكم بما لا يسعه ولا يعذر فيه، فمعنا أن عليه الخروج في طلب المخرج مما يلزمه من إعلام ذلك، ومن ضمانه إذا قدر على الخروج كما يقدر من وجب عليه الحج من صحة البدن، وأمان الطريق والزاد « والراحلة(١) . ٤ الخطأ في ا لاجتهاد: ذهب الكدمي وغيره إلى أن خطأ العالم مرفوع عنه إثمه وصوابه مأجور أن خطأ العالم الذي يجوز له أن يقول بالرأي مرفوع « المعتبر » عليه، جاء في (١) .٢٨ - ٢٧/ الكدمي: المعتبر، ٣ عنه، وصوابه مأجور عليه، ولا يسع أحد أن يفتي إلا من علم ما في كتاب الله وسن ﱠ ة نبيه وآثار أئمة العدل، وهذا ما عليه العمل عند الإباضية كما صرح بذلك ُ « فهو الصحيح عندنا » : الكدمي بقوله(١) . ويبين الكدمي أن خطأ العالم نوعان: خطأ فيما لا يجوز فيه الرأي ﱢ لوجود النص، وصاحبه ضال آثم غير معفو عنه، وخطأ فيما يجوز فيه ّ الاجتهاد بالرأي عند عدم النص، صاحبه مأجور إذا أصاب الحق، ومعفو ّ عنه إذا أخطأ لأنه كان معذورا ً . فمعنا أن الخطأ في » : وفي هذا المعنى يقول هذا خطآن: خطأ ضلال، وهو أن يقول بالرأي فيما لا يجوز فيه الرأي مما جاء فيه الحكم من كتاب الله أو سن ّ ة رسوله أو من إجماع الأمة أو أشبه ُ ذلك، فإذا قال في هذا بشيء من رأيه مما يخالفه ولو كان ممن يجوز له القول بالرأي فأخطأ فيه، فهو هالك ضال فيما قال؛ لأنه قال بالرأي في غير ِ موضع الرأي، وليس مرفوعا ً عنه خطؤه، ولا ن َعمت عين، بل آثم في ذلك َْ ظالم. وإذا قال بالرأي في موضع الرأي، وهو ممن يجوز له القول بالرأي باجتهاده بالرأي، فوافق الصواب كان مأجورا ً مصيبا ً ، وإن خالف الصواب باجتهاد رأيه وهو من أهل ذلك كان معذورا ً ، ومن الحق قريبا ً ، لا فرق بينه وبين من أصاب الحق على الحقيقة الذي طلبه، كما لا فرق بين تحري القبلة عند عدم معرفتها بالعين أو بالشواهد الدالة عليها، فتحرى القبلة وأدى لازمه من الصلاة ومعه غيره يتحرون ذلك مثله، كان كل منهم يجتهد برأيه، فأصاب ﱠْ بعض وجه القبلة باجتهاده، وأخطأ بعضهم وصلوا الصلاة على ذلك، ففي « الإجماع أنهم مسلمون متفقون غير مختلفين(٢) . (١) .٢٦/ الكدمي: المصدر نفسه، ٣(٢) .٢٨/ المصدر نفسه، ٣ مجمل ا لقول: يبدو أن ّ رأي الجمهور أقرب إلى منهج التيسير ورفع المشقة، ومن القواعد القياسية المقررة عند بعض الإباضية والحنفية : إن طلاق المخطئ إنما يقع قضاء، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فهي امرأته(١) ، وفي ذلك إقرار بعدم وقوع ما لا قصد فيه، وعليه، فالأمر يتعلق بعدم انضباط وجود القصد أو عدمه. (١) .٢٠٥/ ١٣٤ . ابن أمير الحاج: التقرير والتحبير، ٢ / ابن جعفر: الجامع، ١ k :¬eÉ°ùbCGh π¡édG Ωƒ¡Øe :’hCG الجهل في ا للغة: ضد العلم(١) . وفي ا لاصطلاح: هو عدم العلم عما من شأنه أن يعلم، وقيل: هو اعتقاد ّ الشيء على خلاف ما هو عليه، وقيل: عدم العلم بالأحكام الشرعية أو أسبابها ممن شأنه العلم(٢) . والجهل على قسمين بحسب شعور صاحبه: أ جهل بسيط: لا يشعر صاحبه بشيء يخالف ما هو في الواقع. ب جهل مركب: يقارن صاحبه شعور بنقيض ما هو عليه في الواقع(٣) . بعد كلامه على حد « البهجة » قال السالمي في ّ وصاحب » : الجهل البسيط هذا القسم معذور؛ لأن الحجة لم تقم عليه بعلم ما جهله، ولا يكون التكليف « إلا بعد قيام الحجة(٤) . والجهل لا ينافي الأهلية ولا ينقص منها شيئا ً ؛ لأن متعلق الأهلية هو الذمة والعقل والتمييز، والجهل لا تأثير له على هذه المقومات للأهلية، إلا أن ّ (١) . السالمي: مشارق أنوار العقول، ص ١٣١ (٢) الجرجاني: التعريفات ٩٣ . التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر (ت: ٧٩٢ ه): رسالة في ١٤٠٤ ه من مجلة أضواء الشريعة، ، الحدود، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، العدد ١٥ ص ١٦ . ينظر: المناوي: التوقيف على مهمات التعاريف، ص ١٣٣ . عمر عبد الله كامل: . الرخصة الشرعية، ص ١٣٣ (٣) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٢٢(٤) السالمي أبو محمد عبد الله بن حميد: بهجة الأنوار شرح أنوار العقول في التوحيد، ط ٢ ١٤١١ ه/ ١٩٩١ م) مطابع النهضة، سلطنة ع ) ُ . مان، ص ٥٣ ً من الأعذار في حق المكلف، ومن أسباب للجهل حالات اعتبرها الشارع عذرا التيسير، وذلك رحمة بالناس، ورفعا ً للحرج والمشقة عنهم، وبالتالي تسقط عنهم المؤاخذة بما فعلوا عن جهل، وهو شامل لما كان متحققا ً في الأحكام الشرعية، أو الوقائع، أو في دار الإسلام، أو في دار الحرب. ولكن لما لم يكن كل جهل عذرا ً فإن بعض العلماء حاولوا ضبط ذلك، وردوا إلى مقاييسهم مختلف الفروع، وسنذكر فيما يأتي أهم هذه الضوابط والشروط. : á«°VÉHE’G óæY π¡édG §HÉ°V :kÉ«fÉK قسم الإباضية الجهل إلى ضروب متعددة، فبعضهم جعلها ثلاثة، كأبي ّ حفص عمروس النفوسي(١) ، وغيره ممن جاؤوا بعده، ومنهم من قسمها إلى أربعة(٢) ، كالسالم ي، وليس بين القسمين خلاف ظاهر؛ لأن القسم الأول يشتمل على أصناف بعضها دون بعض في الدرجة، والقسم الثاني نظر إلى الموضوعات التي يسع جهلها والتي لا يسع جهلها، أما أبو إسحاق الحضرمي والجيطالي فقد قصرا كلامهما على الجهل في الد ﱢ ين دون غيره، وقسموه إلى عدة أقسام، ولا بأس أن نتعرض إلى هذه التقسيمات فيما يأتي، حتى يتبين لنا أوجه الاتفاق وأوجه الاختلاف فيها، وأثر ذلك على الفروع الفقهية. أ أقسام الجهل عند أبي إسحاق ا لحضرمي : قسم أبو إسحاق الحضرمي الجهل في الد ﱢ ين إلى ثلاثة وجوه كما فعل الجيطال ي، ونلخصها كما يلي: قال الحضرمي : وصفة الجهالة في الدين لا تخلو من أحد ثلاثة أوجه: » (١)عمروس بن فتح النفوسي: أصول الدينونة الصافية، ٧٩ - .٨٣ (٢) .٢٥٨/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ أحدها: الجهالة بمعنى الجحود ، فمن جحد بشيء مما ذكرنا على أي حال كان إلا في خصلة واحدة، وهو أن يجحد بمل َ ك أو نبي، أو شيء من كلام الله َ مما لم يذكره الله تعالى في كتابه العربي، إذا لم تقم فيه الحجة عليه القاطعة، وقد بين ّ ا ذلك فيما تقدم. والوجه ا لثاني: الجهالة بمعنى الشك ، فمن شك في شيء من ذلك كان ضالا ّ ً في بعض الأحوال، وفي بعض ٍ معذورا ً حتى تقوم الحجة عليه فيه، وقد فسرنا ما يوضح هذا فيما تقدم. والوجه ا لثالث: الجهالة على سبيل الغفلة ، فمن غفل عن معرفة شيء من ذلك كان معذورا ً حتى تقوم الحجة فيه بمعرفته، إلا في ثلاث خصال وقد «... قدمنا ذكرها(١) . وأشار كذلك إلى أمور أخرى مما يسع جهلها أبدا ً ، ولا يلزم معرفتها، إلا إذا احتاج إليها أو وقع فيها، كقسمة المواريث، وقصاص الجراحات، وتحريم ِ الرباويات(٢) . ّ ب أقسام الجهل عند عمروس بن فتح النفوسي وغيره: أما عمروس بن فتح والجناوني والجيطالي والقطب أطفيش فقد قسموا الجهل إلى ثلاثة أقسام، وهي: معرفة ما لا يسع الناس جهله طرفة عين، ومعرفة ما يسع الناس جهله إلى قيام الحجة، ووقت فعله معرفته، وما يسع جهله أبدا ًما لم يكذ ﱢ ب. • أما القسم الأول: معرفة ما لا يسع الناس جهله طرفة عين، وهو معرفة التوحيد والشرك؛ لأن من جهل الشرك لم يعلم التوحيد، فوجبت معرفتهما مع أول البلوغ، قال عمروس : وذلك أن أول ما يلزمهم الإقرار بالله ربا » ً ّ (١) . الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ص ٣٢(٢) .٢٩٨/ الجناوني: كتاب الوضع، ص ٢٧ . الجيطالي نفسه، ١ « وبمحمد نبيا وبما جاء به حق، وهذا ما لا يسع جهله طرفة عين(١) وقال ًّ وذلك من معرفة الله جل ذكره ونفي الأشباه » : الجيطالي في هذا المعنى « عنه، ومعرفة الرسول وغير ذلك(٢) توضيحا « شرح عقيدة التوحيد » وزاد القطب أطفيش في ً لهذا الأمر فقال: وكولاية الجملة وبراءتها، وكمعرفة أن قول إلهين اثنين معصية وكفر وشرك، » ٰ لا إله » : وعليه عقاب، وعلى تركه ثواب، كما لزمه معرفة أن قول ٰ طاعة « إلا الله ،« محمد رسول الله » وفرض وتوحيد، وعليه ثواب، وعلى تركه عقاب، وكذا يجب عليه أن يعلم أنه طاعة وفرض، وعليه « محمد رسول الله » : وقيل في قولنا ثواب، ولا يلزمه أن يعلم أنه توحيد حتى يأخذ. ولزم في خصال التوحيد أن يعلم أنها طاعة وفرض، وعليها ثواب، وعلى تركها عقاب، ولا يلزم أن يعلم أنها توحيد حتى يأخذ. ولزم في سائر الفرائض أن يعلم أنها طاعة وفريضة، وعليها ثواب، ولا يلزم أن يعلم أن على تركها عقابا ً حتى يأخذ. ولزم في خصال الشرك أن يعلم أنها معصية وكفر، وعليها عقاب، ومنها ترك خصال التوحيد، ولا يلزم أن يعلم أنها شرك حتى يأخذ. ولزم في سائر « الكبائر أن يعلم أنها معصية وكفر، وعليها عقاب(٣) . وكذلك ما أخبر الله من ذكر الجنة والنار والبعث والحساب والملائكة والكتب والرسل، فهذا وأشباهه من تفسير التوحيد، ولا يدعى في الجملة (١).٢٩٥/ عمروس بن فتح: أصول الدينونة الصافية، ص ١٧٩ . الجيطالي: قواعد الإسلام، ١(٢) الجيطالي: قواعد الإسلام مذيلا ً بحاشية أبي عبد الله محمد عمر وبن أبي ستة، تحقيق وتعليق .٢٩٥/ ونشر: الحاج موسى بشير، ١ (٣) أطفيش أمحمد بن يوسف ( ١٢٢٨ - ١٣٣٢ - ١٨١٨ - ١٩١٤ ): شرح عقيدة التوحيد، تحقيق: ١٤٢٢ ه/ ٢٠٠١ م نشر جمعية التراث القرارة المطبعة العربية غرداية ، مصطفى ونتن، ط ١ .١٩٤ - الجزائر، ص ١٩٣ ِِ إلى هذا التفسير، وهو داخل في التوحيد، والمنكر لتفسير التوحيد منكر لجملة التوحيد، كما أن الإيمان بجملته إيمان بتفسيره، وكذلك الكفر بتفسيره كفر بجملته؛ لأن المنكر لشيء من هذا أن يضيفه إلى الله منكر لتوحيد الله؛ لأنه منكر لصفته، والله يوصف بذلك: مثيب وباعث ومعاقب ومرسل ومنزل(١) . ومن أنكر شيئا ً من صفات الله أنكر الله، ومن أنكر الله فهو مشرك، فهذه الأمور الاعتقادية التي أشرنا إليها من الأمور التي لا يجوز للمسلم أن يجهلها، فهي التي تميز المؤمن من الكافر، فلا يعذر جاهلها. • القسم الثاني: معرفة ما يسع جهله إلى قيام الحجة. وأما العلم الذي يسع الناس جهله حتى يأتيهم وقت فعله، وتقوم عليه الحجة، فهو على وجهين: الأول: وذلك كصفات الله تعالى أو نبي من الأنبياء ما خلا آدم ومحمد عليهما السلام، فإنه لا يسع جهلهما، ومن جهلهما كان مشركا ً ؛ لأن آدم أول الرسل وأبو البشر، ومحمد رسول هذه الأمة وخاتم النبيين، وكذلك الملائكة، وأما الذي يسع جهله من » : حتى تقوم الحجة، قال عمروس في هذا المعنى الإيمان حتى يحل له تفسيره، فما كان من تفسير التوحيد مثل: إنفاذ الحدود عن الله والأقطار، وإثبات القدرة له والعلم، وجميع الصنع والحدث أن يضاف إليه أنه صانعه ومحدثه، وتصديق كل ما جاء عنه من خبر عما هو كائن أو « يكون، وإضافة كل شيء إليه(٢) . فتفاصيل أمور العقيدة غير ملزمين بمعرفة دقائقها حتى نعلم تفسيرها وحقيقتها، فيجب الإيمان بها والتسليم بها، ومن أنكرها فهو كافر. (١)عمروس بن فتح: أصول الدينونة، ص ٨٠ . الجناوني: كتاب الوضع، ص ٣٠ - .٣١ (٢)عمروس بن فتح: نفسه، ص ٨١ . الجناوني: المصدر نفسه، ٢٦ . الجيطالي: قواعد الإسلام .٢٩٦/١ الثاني: الفرائض المعلومات، كالصلاة والصوم يسع جهلها ما لم يدخل وقتها، وقد وضح ذلك عمرو س، فذكر أن العلم الذي يسعهم جهله حتى ّ لا يجب عليهم حتى يأتيهم وقت فعله، وما يرضى الله عليهم من الصلاة قبل وقتها، والزكاة قبل وجوبها، وصيام شهر رمضان قبل مجيئه ومحضره في أهله، والحج والعمرة، والبر بالوالدين، وصلة الرحم، وحق الجوار، وما ِ ملكت اليمين، وشأن القبلة، والولاية لأهل طاعة الله، والعداوة لمن وقع عليه اسم الكفر، وغض البصر، وحفظ الفروج، وصدق الحديث، وحق السبيل، والاغتسال من الجنابة، والاستئذان في البيوت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنية في العمل والقول، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وذكر اسم الله على الذبيحة، وما أشبه ذلك مما أمر الله به، وحق الإيمان، والجهاد في سبيل الله، والتوبة من الذنوب، فهذه ونحوها مما أمر الله بفعله، يسع الناس جهله ما لم يأت وقت فعله، فإذا جاء وقت فعله لزمهم العلم والعمل به(١) . ومن الأمور التي لا يعذر جاهلها بعد قيام الحجة عليه: موالاة أعداء الله والبراءة من أوليائه، والإفتاء بغير علم من كتاب أو سن ّ ة، أو مخالفة نصوص ُ الكتاب والسن ﱠ وكذلك » : ة، والاحتكام إلى الرأي. يقول ابن جعفر في هذا الصدد ﱡ لو تول ﱠ ى عدو الله أو برئ من ولي الله، أو أفتى في مسألة بغير وجهها، فخالف ّ فيها الكتاب والسن ﱠ ة بجهل ذلك في حين ارتكابه، ولم يكن في ذلك متدينا ً ﱡ بخطأ، وإنما هو مجتهد في إصابة الحق على سبيل الحق، فهو هالك بخطئه، ولا عذر عليه في جهالته، فإن تاب إلى الله من جميع ذنوبه، وهو عالم بذلك الذي ارتكبه، ولو كان على حد الجهالة فيما لزمه فيه، فلا عذر له في ذلك؛ « لأنه لا تكون التوبة مع العلم بالذنب مجزية، إلا أن يتاب فيه بعينه(٢) . (١) .٢٩٧/ عمروس نفسه، ص ٨٠ . الجيطالي: نفسه، ١(٢) ١٣٤/ ابن جعفر: جامع ابن جعفر، ١ - .١٣٥ ويبين الكدمي حكم من يفتي الناس عن جهل ولو أصاب الحق، فهو ظالم ﱢ ومعنى أنه قد قيل في الجاهل الذي يعرف » : وآثم، وتجب عليه التوبة، فيقول بالجهل، وليس هو ممن يؤتمن على العلم، ولا هو من أهله، إذا أفتى بما خالف فيه الحق مما لا يجوز في الرأي، وهو مخالف لأحكام الدين، فقال فيه بجهل لو لم يتعمد في ذلك شيئا ً من الحق، فهو ظالم آثم بقوله بخلاف الحق؛ بجهل أو بعلم، ولا أعلم عليه بعد التوبة ضمانا ً ؛ لأنه ليس من الأدلة على الحق، وإن قال في ذلك بجهله؛ قصدا ً منه إلى الحق على ما يظن أنه واسع له، فوافق الحق في دين أو رأي فيما يسع فيه الرأي، فمعي أنه سالم ولا إثم « عليه، إذا وافق الحق الذي يجوز فيه القول لمن علمه(١) . فهذه المأمورات التي أمر الله بها عباده المكلفين، من فرائض في أصول العبادات والمعاملات والأخلاق، لا يلزمهم معرفتها حتى يحين وقت فعلها، فإذا وجبت عليهم فلا يسعهم جهلها، فيجب عليهم العلم والعمل بها حتى تبرأ ذمتهم، ومن ضيعها فهو آثم لا يعذر بجهله، وقبل ذلك فهم معذورون في ﱠ جهلها، فإذا لزمتهم فلا عذر لهم(٢) . ويقدم أبو إسحاق الحضرمي صورا ً عديدة للأمور التي يسع جهلها ما لم تقم الحجة بالسمع أو الشك فيه، أو يخطر على باله، من ذلك: ١ لو أن رجلا ً جهل معرفة حرمة الزنا، أو فرض الصلاة، أو لم يعرف بشرك من جحد الله 8 ، وكفر من جحد الرسول 0 ، كان معذورا ً ، فإذا سمعه من أحد مما ذكرنا من المسلمين أو من غيرهم، فقبل منهم ذلك، فقال له: إن الزنا حرام، وأن الصلاة فريضة، وأن من جحد الله كان مشركا ً ، أو بالرسول فهو كافر، لم يسعه الشك في ذلك؛ لأنه أقام الحجة بمثل ما أقامها الله، هكذا وجدته في بعض السير. (١) .٢٩/ الكدمي: المعتبر، ٣(٢) الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ٢٩ ، وما بعدها. ِ ٢ لو أن رجلا ً جهل معرفة غسل الجماع، وحرمة نكاح المتعة، وتسمية المستحلين من أهل التأويل والمحرمين من أهل الكبائر بالكفر كان معذورا ً ، ﱢ فإذا أسمعه أحد المسلمين فقال له: إن الله فرض غسل الجماع، وحرم نكاح المتعة، وسمى المستحيل والمحرم من أهل التأويل كافرا ً ، والزاني والشارب ونحوهم من أهل القبلة كفارا ً ، أو لم يزده على هذا الكلام شيئا ً فصد ﱠ قه، فقبل َ ذلك، لم يسعه الشك، فإن لم يقبل وشك، وسعه ذلك حتى تنتهي إليه الحجة في ذلك(١) . • القسم الثالث: ما يسع جهله أبدا ًما لم يكذ ّ ب. أما العلم الذي يسع جهله أبدا ً ما لم يتقولوا على الله في حال جهلهم ﱠ فيه الكذب، فيحلون حراما ً أو يحرمون حلالا ً ، أو يواقعوا فعل ما يضلهم، أو ُ يلقوا الحجة فتخبرهم بها، فلا يؤمنون بها ولا يصدقونها، فما حرم الله عليهم من الميتة والدم ولحم الخنزير، والزنا والربا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الأموال الحرام والسرقة، وكل ما حرم عليهم، والفساد في الأرض، والأمر بالمنكر، والظلم والبغي، ودخول البيوت بغير إذن، والنظر إلى ما حرم الله، وإتيان النساء في الحيض، وكل ما حرم الله ونهى عنه، إنما عليهم الكف عنه، وليس عليهم معرفته ولا معرفة أن الله حرمه، فهم يسعهم جهل ذلك أبدا ً ما لم يكذبوا على الله في حال جهلهم. فهذه المنهيات والمحرمات كلها مما يسع جهلها أبدا ً ، ويعذر في معرفتها ما دام المسلم مؤمن بحرمتها، فإذا كذب على الله، أو اقترف منها معصية، فلا يعذر في هذه الحالة، ويحاسب على فعله، وهذا ما أكده الجناوني حيث نص على أن جميع المحرمات ما خلا الشرك يسع جهلها ما لم يتقول على الله ﱠ الكذب، وما لم يقارف الحرام من ذلك. (١) .٣٠ - الحضرمي: المصدر نفسه، ص ٢٩ والحاصل: أن أصحاب هذا القول يقسمون المعرفة أو العلم إلى ثلاثة أقسام: قسم يتعلق بأصول العقيدة، كمعرفة التوحيد والشرك، فهذا مما لا يسع جهله طرفة ٍ عين، وقسم مما يسع جهله ما لم تقم الحجة بذلك، كالإيمان بصفات الله والرسل والملائكة، وأصول العبادات: كالصلاة والزكاة، والمعاملات: كالحقوق والالتزامات نحو الله والناس، فهذا يسع جهلها إلى حين وجوب فعلها، فلا يعذر بعد ذلك جاهلها، ويأثم إن قصر فيها، أما القسم الثالث: فهو مما يسع جهله أبدا ً ما لم يتعدى الجاهل بها على الله فيتقول عليه، وذلك في ﱠ جميع المحرمات والمنهيات، وبعض الفروض الكفائية، كقسمة المواريث، وقصاص الجراحات. ج أقسام الجهل عند ا لسالمي : وأما السالمي فيرى أن الجهل ينقسم إلى أربعة أقسام بالنظر إلى حال الجاهلين كما يلي: ﻢﺴﻘﻟﺍ:ﻝﻭﻷﺍ ﻞﻬﺟ ﺮﻴﻏ ﻞﺑﺎﻗ ،ﺔﻧﺎﻳﺪﻠﻟ ﻞﻬﺠﻛ ﻦﻣ ﺪﺒﻌﻳ ،ﻡﺎﻨﺻﻷﺍ ﻥﺈﻓ ﻪﺗﺩﺎﺒﻋ • ً ، ﻚﺴﻤﺘﻤﻟﺎﻓ ﻲﻓ ﺀﻲﺷ ﻦﻣ ،ﻊﺋﺍﺮﺸﻟﺍﻻﻭ ﻞﺒﻘﻳ ﻞﻘﻌﻟﺍ ﺎﻬﻠﻌﺟﺎﻨﻳﺩ ًﻻ ﻥﻮﻜﺗ ﺎﻨﻳﺩ ﺎﻬﺑ ﻚـﺴﻤﺘﻣ ﻝﻼﻀﺑ ،ﺮﻫﺎﻇ ﺭﻮﻬﻈﻟ ﺔﻟﺩﻷﺍ ﺔﻌﻃﺎﻘﻟﺍ ﻦﻴﻫﺍﺮﺒﻟﺍﻭ ﺔﻌﻃﺎـﺴﻟﺍ ﻰﻠﻋ ،ﺎـﻬﻧﻼﻄﺑ ﺍﺬـﻬﻟﻭ ﻥﺎﻛ ﻢـﻜﺣ ﻞﻫﺃ ﺍﺬﻫ ﻢـﺴﻘﻟﺍ ﺀﺍﺮـﺟﺇ ﻢﻜﺣ ﻉﺮـﺸﻟﺍ ،ﻢﻬﻴﻠﻋ ﻚﻟﺫﻭ ﻥﺄﺑ ﺽﺮﻌﻳ ﻢﻬﻴﻠﻋ ،ﻡﻼﺳﻹﺍ ﻥﺈﻓ ﺍﻮﺑﺎﺠﺘﺳﺍ ﺍﻮﺤﺒﺻﺃ ﻦﻴﻤﻠﺴﻣ ﻥﻮﻌﺘﻤﺘﻳ ﺎﻳﺍﺰﻤﺑ ،ﻡﻼﺳﻹﺍ ﻥﺇﻭ ﺍﻮﻌﻨﺘﻣﺍ ﺍﻮﺑﺭﻮﺣ ﻰﺘﺣ ﺍﻮﻨﻋﺬﻳ ،ﻪﻴﻟﺇ ﻭﺃ ﺪﻘﻌﻳ ﻢﻬﻌﻣ ﺻْﺎﺤﻠُ ًﻻﻭ ؛ﺔﻬﺒـﺷ ﻪﻧﻷ ً ﺍﺫﺇ ﺖـﻀﺘﻗﺍ ﺔـﺤﻠﺼﻤﻟﺍ ،ﻚﻟﺫ ﺍﺬﻫﻭ ﻞﻬﺠﻟﺍﻻ ﺢﻠﺼﻳ ﺍﺭﺬﻋ . ﺎﻤﻣﻻ ﻊﺴﻳ ﻪﻠﻬﺟ (١) ،ﺔﻧﺎﻳﺪﻠﻟ ﻞﺜﻣ ﻞﻬﺟ ﻞﻫﺃ ﺐﺘﻜﻟﺍ ﺔﻘﺑﺎﺴﻟﺍ ﻦﻣ ً ﻢـﺴﻘﻟﺍ :ﻲﻧﺎﺜﻟﺍ ﻞﻬﺟ ﻥﻮﻜﻳ ﻼﺑﺎﻗ • (١) .٢٥٨/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ اليهود والنصارى وغيرهم شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام، سواء كانوا عجما ً أو عربا ً ؛ لأن المعتبر ها هنا الديانة لا السبب، وسواء كانوا جاهلين ِ بحق ّ ية نبينا أم متجاهلين بها، ولأهل هذا القسم أحكاما ً ذكر السالمي َ بعضها، وبين أنهم صنفين أهل حرب، وأهل ذمة. أ فأما أهل الحرب منهم: فالحكم أنهم يناصبون الحرب، وتطبق عليهم َ المسالك، وت ُ سبى ذراريهم، وتغنم أموالهم، وتقتل مقاتلتهم، حتى يدخلوا في الإسلام، أو يذعنوا بالجزية، أو الصلح على ما يرى المسلمون. ب وأما أحكام أهل الذمة منهم: وهم الذين أعطاهم الإمام (الحاكم) أو من يقوم مقامه ذمة لأدائهم الجزية، أو الصلح فيما بينهم والمسلمين، فهي أنهم يق َرون على ديانتهم التي دانوا بها، ولا يصح لنا التعرض عليهم في شيء ُّ من ذلك(١) . • القسم الثالث: جهل المتأو ّ لين الضالين من المسلمين، وجهل البغاة المتمردين، وهذا الجهل سببه انحراف في العقيدة، أو الخروج عن طاعة الحاكم المسلم، وبين السالمي أن ّ هذا القسم قد اعترفوا بالإسلام ولكنهم ّ جهلوا بعض أحكامه، تأويلا ً أو استحلالا ً أو انتهاكا ً ، وفيه ثلاثة أنواع: النوع الأول: جهل من اعتقد في دينه الهوى بجهل صفات المولى 4 ، ٍ أو بجهل حكم الله في الآخرة؛ كمن يعتقد أن صفات الذات معان حقيقية قائمة بالذات، وأن ذاته تعالى يصح أن ترى في الآخرة، وأن الشفاعة ستكون لأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، واعتقادهم خروج الفاسق من النار، ويعتبر السالمي هذا كله جهل لما تدل عليه الأدلة الشرعية والبراهين القطعية، لكنهم تأولوا تلك الأدلة، وقابلوا القواطع بالشبهات، فالتبس عليهم الحق بالباطل، والضلال بالهدى، وحكم هؤلاء أن يبين لهم فساد معتقدهم، ويوضح لهم الحق، فإن قبلوه كانوا إخواننا في الدين، وإن تمادوا في رأيهم دعاهم الإمام إلى الدخول (١) .٢٥٩/ السالمي: نفسه، ٢ في طاعته، والانقياد لحكمه، فإن أذعنوا بذلك، كان لهم ما ل َ نا من الأحكام وعليهم ما علينا، ويتركون ومعتقدهم، لكن يمنعون من الدعوة إلى الله؛ فإن لم يمتنعوا عاقبهم الإمام بقدر ما يرى من العقوبة في ذلك، فهذا النوع لا يعذر صاحبه، وهو آثم إن لم يتب من ذلك. النوع ا لثاني: جهل ا لبغاة ، وهم الذين خالفوا الإمام، وخلعوا الطاعة، وفارقوا الجماعة، وأفسدوا في البلاد، وتمردوا على العباد، ويعتقدون أنهم على الحق، وأن الحاكم على الباطل، متمسكا ً بذلك بتأويل فاسد، فهذا الجهل لا يصلح عذرا ً أيضا ً ، وهؤلاء صنفان؛ لأنهم إما أن يفعلوا ذلك وهم مستحلون لفعله، وإما أن يفعلوه انتهاكا ً ، فحكم هؤلاء أن يدعوهم الإمام إلى الدخول في طاعته، وترك الفساد في الأرض، ويبين لهم ضلالهم وخطأهم في استحلالهم، فإن أجابوا إلى ذلك، كان لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وإن امتنعوا ناصبهم الحرب حتى يذعنوا بالطاعة، ولا تحل أموالهم، ولا ت ُ سبى ذراريهم، ولا يطالبون في غرم ما أتلفوه من دماء المسلمين وأموالهم(١) ، فهؤلاء البغاة لا يعذرون في جهلهم بعد أن تبين لهم الحق، وعليهم التوبة مما صدر منهم ﱠ من فساد. النوع ا لثالث: الجهل الذي يصلح شبهة دارئة للحد والكفارة. ذكر السالمي أن هذا الجهل يكون شبهة يدرأ بها الحد دون غيره من َ الأحكام، وذلك ك َ من تسرى أمة زوجته يظن أنها له في ذمته مثل أمته، فإن هذا ﱠَ ومثله: ،« الحدود تدرأ بالشبها ت » جاهل بحكم الله في قضيته، فلا يرجم؛ لأن قتل أحد الوليين القاتل عمدا ً عدوانا ً بعد عف ْو ِ الولي الآخر، جاهلا ً بعفوه، أو ََْ ّ بسقوط الق َود بعفوه، فإنه لا يقتص منه، وإذا كان هذا القتل تعديا ً وذلك َ للشبهة، إذ هو من مواضيع الاجتهاد، وكحربي دخل الإسلام فأسلم، فشرب (١) .٢٦٢ - ٢٦١/ المرجع نفسه، ٢ الخمر جاهلا ً بالحرمة، لا يحد ّ ؛ لأنها ليست بحرام في بقية الأديان، فأورث َُ ذلك شبهة دارئة للحد، وكالمحتجم إذا ظن أن الحجامة تفطره فأفطر بعدها، فإنه لا كفارة عليه، إنما عليه القضاء لا غير، وذلك للشبهة الحاصلة(١) من قوله صلى الله عليه وسلم : « أفطر الحاجم والمحتجم »(٢) . وذهب السالمي إلى البراءة ممن فعل ذلك؛ لأن البراءة بغض على معصية ُ الله، وهو قد عصى وإن كان جاهلا، ً فإنه لا يسعه جهله بذلك، وعليه أن يتوب من فعله، ولا يكون درء الحد عنه، أو سقوط الكفارة دليلا ً على عذره، فإنه غير معذور في ذلك(٣) . • القسم الرابع: ما يصلح عذرا ً مسقطا ً للإثم. وهو كما ذكر السالم ي، ما يكون عذرا ً لصاحبه لا إثم يلحقه بسببه، كمن جهل بحدثه في ثوبه أو بدنه حتى ينتهي من صلاته، فلا إثم عليه، وعليه إعادتها(٤) . ﻞﻬﺠﻛﻭ ﻞﻴﻛﻮﻟﺍ ﻪﻟﺰﻋ ﻦﻋ ،ﺔﻟﺎﻛﻮﻟﺍ ﺍﺫﺈﻓ ﻪﻟﺰﻋ ﻞﻛﻮﻤﻟﺍ ﻢﻟﻭ ﻢﻠﻌﻳ ،ﻝﺰﻌﻟﺎﺑ ﻥﺈﻓً ﻪﻠﻬﺟ ﻝﺰﻌﻟﺎﺑ ﻥﻮﻜﻳﺍﺭﺬﻋﱢ ،ﻞ ﻰﺘﺣ ﻞﻴﻗ ﻪﻧﺃ ﻮﻟ ﻪﻟ ﻲﻓ ﻑﺮﺼﺘﻟﺍ ﻲﻓ ﻝﺎﻣﻛﻮﻤﻟﺍ _ ﻉﺎﺑ ﻭﺃ ﻯﺮﺘﺷﺍ ﻰﻠﻋ ﻰﻀﺘﻘﻣ ﺔﻟﺎﻛﻮﻟﺍ ﺬﻔﻧ ،ﻪﻓﺮﺼﺗ ﺖﺒﺛﻭ ﻪﻌﻴﺑ .ﻩﺅﺍﺮﺷﻭ ﻚﻟﺬﻛﻭ ﻞﻬﺟ ﻊﻴﻔـﺸﻟﺍ ﻉﻮﻗﻮﺑ ﻊﻴﺒﻟﺍ ﻭﺃ ﻪﻘﺤﺑ ﻲﻓ ،ﺔﻌﻔـﺸﻟﺍ ﺍﺫﺈﻓ ﺖﻌﻴﺑ ﻪﺘﻌﻔﺷ ﻢـﻟﻭ ﻢﻠﻌﻳ ﺎﻬﻌﻴﺒﺑ ﻢﺛ ،ﻢﻠﻋ ﻥﺈﻓ ﻪﻟ ﺬﺧﺃ ﻪﺘﻌﻔـﺷ ﺪـﻌﺑ ﻢﻠﻌﻟﺍ ،ﺎﻬﻌﻴﺒﺑﻻﻭ ﻥﻮﻜﻳ _ .ﻪﻘﺤﻟ ً ﻪﻠﻬﺟ ﺎﻬﻌﻴﺒﺑ ﺎﻄﻘﺴﻣ (١) .٣٢٦/ ٣٩٢ . ابن أمير الحاج: التقرير والتحبير، ٣ / الأنصاري: فواتح الرحموت ٢ (٢) رواه الترمذي في السنن، كتاب الصوم، باب كراهية الحجامة للصائم، رقم ٧٧٤ ، عن رافع بن خديج، وأبو داود في السنن، كتاب الصيام، باب ما جاء في الصائم يحتج، رقم ٢٣٢٧ ، عن ثوبان. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (٣) .٢٦٢/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٤) .٢٨٢/ ٤٢١ ،. الشماخي: الإيضاح، ١ / ابن بركه: الجامع، ١ ﻚـﻟﺬﻛﻭ ﻞﻬﺟ ﺝﻭﺰﺘﻤﻟﺍ ،ﻪﺑﺎـﺴﻧﺃ ﻦﻤﻓ ﺝﻭﺰﺗ ﺕﺍﺫ ﻡﺮـﺤﻣ ﻪﻨﻣ ﻢﻟﻭ ﻢﻠﻌﻳ ﺎﻬﻧﺃ _ ﻲﻓ ﻊﻓﺭ ﺝﺮﺤﻟﺍ ،ﻪﻨﻋ ﻰﺘﻤﻓ ﻢﻠﻋ ِ ﺕﺍﺫ ،ﻡﺮﺤﻣ ﻥﺈﻓ ﻪﻠﻬﺟﺑَﻨً ﺎﻬﺒﺴ ﻥﻮﻜﻳﺍﺭﺬﻋ ﺎﻬﻧﺃ ﺕﺍﺫ ﻡﺮﺤﻣ ﻪﻣﺰﻟ .ﺎﻬﻛﺮﺗ ً ، ﻦﻤﻓ ﻪﻠﻛﺃ ﻦﻣ ﺪﻳ ﻦﻣ ﺯﻮﺠﻳ ﻪﻟ ﻚـﻟﺬﻛﻭ ﻞـﻬﺟ ﻢﺤﻟ ﺮﻳﺰﻨﺨﻟﺍ ﺍﺫﺇ ﻥﺎﻛﺎﻌﻄﻘﻣ _ ﻞﻛﺃ ﻢـﺤﻠﻟﺍ ﻦـﻣ ،ﻩﺪـﻳ ﻮﻫﻭﻻ ﻢﻠﻌﻳ ﻪـﻧﺃ ﻢﺤﻟ ،ﺮﻳﺰـﻨﺧ ﻪـﻧﺈﻓﻻ ﻢﺛﺇ ﻪﻴﻠﻋ ﻲﻓ ﻪﻟ ﻲﻓ ،ﻚﻟﺫ ﺎﻣﺃ ﺍﺫﺇ ﺪﺟﻭ ﻢﺤﻟ ﺮﻳﺰـﻨﺨﻟﺍ ﺮﻴﻏ ﻊﻄﻘﻣ ً ،ﻪﻠﻛﺃ ﺭﺎﺼﻓ ﻪﻠﻬﺟﺍﺭﺬﻋ ،ﻩﺮﻬﻈﻤﺑﻼﻓ ﻪﻌﺴﻳ ﻞﻛﺃ ؛ﻪﻤﺤﻟ ﻪﻧﻷ ﻡﺍﺮﺣ ﻲﻓ ﻦﻳﺩ ﷲﺍ ،ﻰﻟﺎﻌﺗ ﺐﺠﻳﻭ ًﺎﻣﻮﻠﻌﻣ ﻰﻠﻋ ﻢﻠـﺴﻤﻟﺍ ﻥﺃ ﻯﺮﺤﺘﻳ ﻲﻓ ﻪﻤﻌﻄﻣ ،ﻪﺑﺮـﺸﻣﻭ ﺍﺫﺈﻓ ﻢﻟ ﻦﻴﺒﺘﻳ ﻪﻟ ﻚﻟﺫ ﻒﻗﻮﺗ (١)َﺼ ﻦﻋ ؛ﻞﻛﻷﺍ ﻥﻷ ﻞﻬﺠﻟﺍ ﻊﻣ ﻡﺎﻴﻗ ﺔﺠﺤﻟﺍﻧﻭً ﺐ ،ﺔﻟﺩﻷﺍﻻ ﻥﻮﻜﻳ ﺍﺭﺬﻋ.ْ مجمل ا لقول: وبناء على ما تقدم، فإن الإباضية بوجه عام يقسمون الجهل إلى ثلاثة أقسام: ١ جهل لا يصلح عذرا ً ولا شبهة، وصاحبه يتحمل تبعاته، وهو أنواع. ٢ وجهل يصلح شبهة تسقط العقوبة، ولا يصلح عذرا ً لسقوط الإثم. ٣ وجهل يصلح عذرا ً ، ويعذر صاحبه، ويسقط عنه الإثم. وبالنظر في التقسيمات المتقدمة يبدو أنه لا خلاف فيها يذكر، فعمروس بن فتح ومن نهج منهجه والسالمي قسموا الجهل بوجه عام، أما الحضرمي فاختص كلامه على الجهل في الدين، والذي يهمنا في هذا المقام هو الجهل بالدين، لما يترتب عليه من مسؤولية في الدنيا والآخرة، أما الجهل بأمور الحياة فلا يترتب عليه الإثم، ما لم يتعدى إلى الغير، وهكذا يتبين لنا أن الإباضية متفقون في أصل الجهل، وقد يختلفون في تفصيلاته وفروعه، ولذلك وجدنا من يقسمه منهم إلى ثلاثة أقسام، ومنهم من يقسمه إلى أربعة أقسام والله أعلم. (١) .٢٦٣ - ٢٦٢/ السالمي: نفسه، ص ٢ kk :ô«°ù«àdGh ∞«Øîà∏d ÉÑÑ°S π¡édG QÉÑàYG •hô°T :ÉãdÉK ويشترط الفقهاء في الجهل لاعتباره عذرا ً أو سببا ً للتخفيف عدة شروط، منها: • الشرط ا لأول: أن يتعلق الجهل بموضوع اشتبهت فيه الأدلة، كالجهل في موضع الاجتهاد، والجهل في موضع الشبهة، أما الجهل فيما فيه أدلة واضحة وضرورية فلا يعد جهلا، كالجهل بمخالفة الكتاب والسن ﱠ ة، والجهل ﱡ بما علم من الدين بالضرورة، كمن تول ﱠ ى عدو الله، أو برئ من ولي الله، أو أفتى في مسألة بغير وجهها، فخالف فيها الكتاب والسن ﱠ ة بجهل ذلك في حين ﱡ ارتكابه، ولم يكن في ذلك متدينا ً بخطأ، وإنما هو مجتهد في إصابة الحق، فهو هالك بخطئه ولا عذر عليه في جهالته(١) ، وكالقول بحل متروك التسمية عمدا ً على الذبيحة، المخالف لقوله تعالى: ﴿ WVUTSRQP YX﴾ (الأنعام: ١٢١ ( ، وكالقضاء بشاهد ويمين، المخالف من وجهة نظرهم لقوله تعالى: ﴿ ]\[ZY ^_`a gfedcb ﴾ )البقرة : (٢٨٢ ، وللحديث المشهور: « البينة على المدعي واليمين على من أ نكر »(٢) . وكقول سعيد بن المسيب بالتحليل بلا وطء، المخالف لحديث العسيلة المشهور(٣) . (١) .١٣٥ ،١٣٤/ ابن جعفر: الجامع، ١ (٢) رواه الترمذي، كتاب الأحكام، باب البينة على المدعي، رقم ١٣٤١ ، عن ابن عمرو بن العاص، والنسائي في الكبرى، كتاب القضاء، على من اليمين، رقم ٥٩٩٤ ، عن ابن عباس، قال النووي في أربعينه: حديث حسن، رواه البيهقي وغيره وبعضه في الصحيحين وقد روي .٣٤١/ بألفاظ أخرى ينظر: العجلوني كشف الخفاء، ١ (٣) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب شهادة المختبئ، رقم ٢٤٩٦ ، ومسلم، كتاب النكاح، باب لا تحل المطلقة ثلاثا ً لمطلقها إلا...، رقم ١٤٣٣ ، عن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير وأنا معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتريدين أن ترجعي » ٰ « إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك .٢٥٣/ ، ينظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ٦ • الشرط ا لثاني: أن لا يكون فيما يمكن الاحتراز عنه بسؤال أهل العلم عن حكمه، أما إذا تعذر الاحتراز عنه، بأن كان ممن دخل في الإسلام في بلاد غير إسلامية لا يوجد فيها وسيلة للحصول على العلم الشرعي، فإنه يعذر بجهله، قال ابن اللحام(١) : إذا قلنا إن الجاهل يعذر، فإنما محله إذا لم يقصر » ﱢ «(٢) ويفرط في تعلم الحكم، أما إذا قصر أو فرط فلا يعذر جزما ً . ﱠ ومثاله: من أسلم من كفار دار الحرب وبقي حيث هو، ولم يقدر على الهجرة لدار الإسلام، فترك العديد من الواجبات لجهله بها، فإنه يعذر ولا إثم عليه، فلو شرب الخمر جاهلا ً بحرمتها لم يعاقب، لعدم شهرة الحكم في دار الحرب(٣) . ولا أظن أن هذا الأمر يخفى في هذا العصر، فوسائل الإعلام غزت كل البلدان، وأصبح العالم كأنه قرية واحدة، فمن أراد أن يتعرف على دينه فما عليه إلا استعمال هذه الوسائل الإعلامية الميسرة، ليتعرف على أحكام الإسلام وتشريعاته، وبذلك ينتفي العذر، ولا يسقط عنه الإثم والعقاب. • الشرط ا لثالث: أن لا يتعلق الجهل بحق العباد، فإذا تعلق بملك الغير، كأن يتلف المشتري المبيع قبل القبض جاهلا، ً فلا يعد ذلك عذرا ً ، ويضمنه إذا كان بيده، وإذا كان بيد البائع اعتبر ذلك الإتلاف قبضا ً للمبيع(٤) . هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن الإباضية لم يصرحوا بهذه الشروط في مصنفاتهم، ولكن من خلال النصوص التي اعتمدنا عليها في بيان أقسام الجهل، يمكن استنتاج هذه الشروط، وأرى أنه لا مانع من إضافتها إلى ما قدمنا تعميما ً للفائدة. (١)علي بن محمد بن عباس بن شيبان، أبو الحسن علاء الدين ابن اللحام ( ٨٠٣ ه/ ١٤٠١ م): فقيه حنبلي أصله من بعلبك. سكن دمشق وصنف كتبا ً القواعد الأصولية والأخبار » : ، منها .٧/ الأعلام للزركلي: ٥ .« العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدين ابن تيمية خ (٢) . ابن اللحام: القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام، ص ٥٨(٣) . عمر عبد الله كامل: الرخصة الشرعية، ص ١٣٥(٤) . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ٢٠٣ k :iƒ∏ÑdGh ô°ù©dG ∞jô©J :’hCG ﺮـﺴﻌﻟﺍ ﻲﻓ:ﺔﻐﻠﻟﺍ ﺾﻴﻘﻧ ،ﺮﺴﻴﻟﺍ ﻮﻫﻭ ﻝﺪﻳ ﻰﻠﻋ ﺔﺑﻮﻌﺻﺓﺪﺷﻭ(١) ، ﺩﻮﺼﻘﻤﻟﺍﻭ _ ﻪـﺑ :ﺎـﻨﻫ ﺔـﺑﻮﻌﺻ ﺐﻨﺠﺗ ،ﺀﻲـﺸﻟﺍ ﻥﺎـﺴﻧﻹﺎﻓ ﺪﺠﻳ ﺔﻘـﺸﻣ ﻲﻓ ﺐﻨﺠﺗ ﺀﻲـﺸﻟﺍ . ﺯﺍﺮﺘﺣﻻﺍﻭﻪﻨﻋ (٢) ﻯﻮﻠﺒﻟﺍﻭﻮﻠﺒﻟﺍﻭً ﺔﻴﻠﺒﻟﺍﻭ :ﺀﻼﺒﻟﺍﻭ ﻢﺳﺍ ﻦﻣ ﻩﻼﺑ ﷲﺍ ﻩﻮﻠﺒﻳﺍﻮﻠﺑ ،ﺀﻼﺑﻭ ﺍﺫﺇ ﻪﺑﺮﺟَ _ ُﺮﺴ ﻩﺮﺒﺘﺧﺍﻭﻪﻨﺤﺘﻣﺍﻭ(٣) ، ﻓﻭ ﻡﻮﻤﻋ ﻯﻮﻠﺒﻟﺍ ﺎﻤﺑ ﺮﺜﻜﻳ ،ﻪﻋﻮﻗﻭ ﻮﻬﻓ ﻉﻮﻴﺷ ،ﺀﻼﺒﻟﺍَ ﺚﻴﺤﺑ ﺐﻌﺼﻳ ﻰﻠﻋ ﺀﺮﻤﻟﺍ ﺺﻠﺨﺘﻟﺍ ﻭﺃ ﺩﺎﻌﺘﺑﻻﺍﻪﻨﻋ(٤). ﻢﻟ ﺰﻴﻤﻳ ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻦﻴﺑ ﺮـﺴﻌﻟﺍ ﻡﻮﻤﻋﻭ ،ﻯﻮﻠﺒﻟﺍ ﺎﻤﻧﺇﻭ ﺍﻮﻧﺎﻛ ﻥﻮﻤﻠﻜﺘﻳ ﺎﻤﻬﻨﻋ ﻰﻠﻋ أنهما شيء واحد، والحق أنه يوجد نوع من التلازم بين الاثنين، ويظهر أن بينهما العموم والخصوص المطلق، فكل ما عمت به البلوى هو مما يعسر، ولكن لا يلزم من صعوبته الشيء وعسره أن يكون مما تعم به البلوى. وحيث أن العلماء ّ جعلوهما شيئا ً واحدا ً ، فسنتابعهم على ذلك في دراستهما دون التميز بينهما. أما الشارع الحكيم فقد نظر إلى الأعذار، ففرق بين غالبها ونادرها، فعفا عن غالبها لما في اجتنابه من المشقة الغالبة، وإنما تكون غالبة لتكرارها وكثرتها، وشيوعها في الناس، بخلاف ما كان منها نادرا ً ، فلا يكون عذرا ً لانتفاء المشقة فيه. (١) .٣١٩/ ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ٤(٢) . شبير محمد: المرجع نفسه، ص ٢٠٣(٣) ابن منظور: لسان العرب المحيط، إعداد وتصنيف يوسف الخياط، طبعة دار لسان العرب، .٢٦٥ - ٢٦٤/ بيروت دت، ١(٤) . ٢٣٢ . الزحيلي وهبة: نظرية الضرورة الشرعية، ص ١٢٣ / الطوفي: شرح مختصر الروضة، ٢ وعموم البلوى يكون في أمور العبادة، كما يكون في قضايا التعامل بين ُ الناس، بحيث لو أخذ بأصل الحكم فيها لأدى إلى المشقة والعسر، أو إلى تعطيل المصالح، وهو نوع من المشقة أيضا ً ، ويعتبر العسر وعموم البلوى عذرا ً في موضع لا نص فيه؛ لأنه لا اعتبار في موضع النص، كحرمة رعي حشيش الحرم، وقطعه الإذخر، وعدم العفو عن بول الآدمي يصيب الثوب أو البدن. وليس كل ما عمت به البلوى يجلب التيسير والتخفيف، فشرب الخمر المعدود من أكبر البلايا على النطاق العالمي قديما ً وحديثا ً ، ولا مشقة في حرمته، وتركه لوضوح المفسدة فيه، وكذا تعاطي الدخان، والتعامل بالربا هو أيضا ً قد عمت به البلوى عالميا ً ، ولكنها بلوى لا ينظر إليها شرعا ً ، ولا تجلب ّ الترخيص لمعارضة النص وتحقق المفسدة(١) . ومن الأمور التي عمت به البلوى حديث ً ا في كثير من البلدان الإسلامية، ّ انتشار ظاهرة الرشوة والمحسوبية في الإدارات العامة والخاصة، فأصبح من العسر تحقيق مصلحة، أو دفع مفسدة دون التعرض إلى ضغوط التعامل معها، ومع ذلك فليست بلوى معتبرة شرعا ً ، ولا توجب الترخيص لمعارضتها للنص الصحيح، وترتب مفاسد كثيرة عليها. kk :ô«°ù«à∏d ÉÑÑ°S iƒ∏ÑdGh ô°ù©dG QÉÑàYG ≈∏Y á«Yô°ûdG ádOC’G :É«fÉK اتفق العلماء على اعتبار العسر وعموم البلوى من المشاق التي تجلب التيسر، وخاصة في مسائل العبادات والطهارات والنجاسات، ومن أهم الأدلة ما يلي: ١ تسقط الصلاة على الحائض ولا يجب عليها قضاؤها لتكرارها كل شهر، بخلاف ما تفطره من رمضان، فيجب قضاؤه؛ لأنه في السنة مرة. ﱠ (١) . البورنو: الوجيز في قواعد الفقه الكلية، ص ٢٢٨ . عمر كامل: الرخصة الشرعية، ص ١٤٧ ِ ٢ ما جاء عن ابن عمر ^ أنه قال: كانت الكلاب تبول وت ُقبل وتدبر زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئا ً من ذلك(١) . ٣ عن كبشة بنت كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الهرة: إنها ليست » « بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات(٢) . والوصف بالطواف وهي صيغة المبالغة ؛ للدلالة على كثرة الابتلاء بها، وعسر الاحتراز عنها لكثرة ملابستها لثياب الناس وآنيتهم. ﺕﺀﺎﺟ ﺓﺃﺮﻣﺍ ﻡﻷ ﻦﻴﻨﻣﺆﻤﻟﺍ ﻡﺃﺔﻤﻠـﺳ # :ﺖﻟﺎﻘﻓ ﻲﻧﺇ ﻞﻴﻃﺃ ﻲﻠﻳﺫ ﻲـﺸﻣﺃﻭ ٤ـ . ﻲﻓ ﻥﺎﻜﻤﻟﺍ ،ﺭﺬﻘﻟﺍ :ﺖﻟﺎﻘﻓ ﻝﺎﻗ ﻝﻮﺳﺭﷲﺍ ﷺ ﻩﺮﻬﻄﻳ»«ﻩﺪﻌﺑ ﺎﻣ (٣) ﺀﺎـﺴﻨﻟﺍﻭ ﻊـﺿﺍﺮﻤﻟﺍ ﻢـﻟ ﻦﻟﺰﻳ ﻦـﻣ ﺮﺼﻋﻝﻮـﺳﺮﻟﺍ ﷺ ﻰﻟﺇ ﺎـﻨﺘﻗﻭ ﺮﺿﺎﺤﻟﺍ ٥ـ ﻦـﻴﻠﺼﻳ ﻲﻓ ،ﻦـﻬﺑﺎﻴﺛ ﻊﺿﺮﻟﺍﻭ ﻦﻣ ﻦﻬﻟﺎﻔﻃﺃ ،ﻥﻭﺆﻴﻘﺘﻳ ﻞﻴـﺴﻳﻭ ﻢﻬﺑﺎﻌﻟ ﻰﻠﻋ ﻦﻣ ؛ﻚﻟﺫ ﻥﻷ ﻖﻳﺭ ﻊﻴﺿﺮﻟﺍ ً ﺏﺎﻴﺛ ﻢﻬﺗﺎﻬﻣﺃ ،ﻦﻬﻣﺎـﺴﺟﺃﻭﻼﻓ ﻦﻠﺴﻐﻳ ﺎﺌﻴـﺷ . ﺮﻬﻄﻣ ﻪﻤﻔﻟ ﺐﺒﺴﺑ ،ﺔﺟﺎﺤﻟﺍ ﺎﻤﻛ ﻥﺃ ﻖﻳﺭ ﺓﺮﻬﻟﺍ ﺮﻬﻄﻣﺎﻬﻤﻔﻟ (٤) (١) .٥١/١ ، البخاري: الجامع الصحيح، كتاب الوضوء باب ٢٣ (٢) أخرجه الإمام الربيع بن حبيب بنحوه في مسنده في كتاب الطهارة ( ٢٤ ) باب في أحكام ٧٢ ، ح. ر ١٥٩ . عن كبشة بنت كعب بن مالك عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه / المياه ١ . أبو داود بلفظ قريب في سننه في كتاب الطهارة ( ٣٨ ) باب سؤر الهرة ص ٣٢ ح. ر ٧٥ عن كبشة بنت كعب بن مالك عن أبي قتادة، وفي حديث رقم ٧٦ بنحوه وفيه زيادة عن أم داود بن صالح عن عائشة أم المؤمنين # مرفوعا ً وقد رأيت » : والزيادة هي قولها ، ورواه الترمذي بنحوه في سننه ص ٣٢ ، حديث رقم: ٩٢ « رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها ، وقال هذا الحديث حسن وصحيح ورواه النسائي بنحوه في سننه ص ١٥ ، حديث رقم: ٦٧ ورواه غيرهم. (٣) ٢٦٦ . ومالك في الموطأ، /١ ، رواه الترمذي، أبواب الطهارة، الوضوء من الموطأ، رقم ١٤٣ كتاب الطهارة، ما لا يجب منه الوضوء، رقم ٤٥ ، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب الأذى .٢٩٦/ يصيب الذيل، رقم ٣٨٣ ، عن أم سلمة، ١ (٤) .١٥٥/ ابن القيم: إغاثة اللهفان، ١ k :iƒ∏ÑdG ΩƒªYh ô°ù©dG §HGƒ°V :ÉãdÉK ٦ وجاء في صحيح البخاري عن الحسن البصري : ما زال المسلمون » « يصلون في جراحاتهم(١) . إن الأمثلة التي ذكرها العلماء لهذا السبب كثيرة ومتنوعة(٢) ، ونظرا ً لكثرة الجزئيات والفروع الفقهية التي تدخل في مجال العسر وعموم البلوى، فقد حاول بعض الفقهاء أن يضعوا ضوابط معينة تضبطها فتكون علامات على تحققه، أو أسبابا ً يتحقق عند وجودها وجود العسر، وعموم البلوى الذي تترتب عند وجوده المشقة التي تجلب التيسير. ويبدو من استقراء الأمثلة والجزئيات التي ذكرها الفقهاء لهذا السبب، أن هذه التخفيفات الداخلة في العسر وعموم البلوى مردها إلى أمور متعددة، كالحاجة والضرورة، وصعوبة الأمر الناتجة عن تكراره أو عن وقوعه، أو غير ذلك مما يعود في حقيقته إلى بيان أن المشقة خارجة عن المعتاد، ويمكن تلخيص هذه الأمور كما يلي: (١) رواه البخاري: كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين: من القبل والدبر وقول الله تعالى: ﴿ ¯°± ³²´ ﴾ )النساء : ٤٣ ) وقال عطاء: فيمن وقال جابر بن عبد الله « يعيد الوضوء » يخرج من دبره الدود، أو من ذكره نحو القملة 3 : إن أخذ من » : وقال الحسن « إذا ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء » وقال أبو هريرة « شعره وأظفاره، أو خلع خفيه فلا وضوء عليه 3 : لا وضوء إلا من » أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع فرمي رجل بسهم، فنزفه » : ويذكر عن جابر « حدث ما زال المسلمون يصلون في » : وقال الحسن « الدم، فركع، وسجد ومضى في صلاته ليس في الدم وضوء » : وقال طاوس، ومحمد بن علي، وعطاء، وأهل الحجاز .« جراحاتهم وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ وبزق ابن أبي أوفى دما ً فمضى في وينظر: .« ليس عليه إلا غسل محاجمه » : وقال ابن عمر، والحسن فيمن يحتجم .« صلاته .٢٨٠/ ابن القيم، إغاثة اللهفان، ١ (٢) الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٢٢ وما بعدها. ﺔﻫﺎﻔﺗ ﺀﻲﺸﻟﺍ.ﻪﺗﺭﺍﺰﻧﻭ ـ ﺃ ﺓﺮﺜﻛ ﺀﻲﺸﻟﺍ ﺩﺍﺪﺘﻣﺍﻭ.ﻪﻨﻣﺯ ـ ﺏ ﻉﻮﻴﺷ ﺀﻲﺸﻟﺍ.ﻩﺭﺎﺸﺘﻧﺍﻭ ـ ﺝ ﺔﺟﺎﺤﻟﺍ.ﻪﻴﻟﺇ ـ ﺩ ﺭﺮﻀﻠﻟ.ﺩﺎﺴﻔﻟﺍﻭ ً ﺭﺍﺮﻄﺿﻻﺍ ﻰﻟﺇ ﺀﻲﺸﻟﺍﺎﻌﻓﺩ ـﻫ ـ ﺮﺴﻋ ﺺﻠﺨﺘﻟﺍ ﻦﻣ.ﺭﻮﻈﺤﻤﻟﺍ ـ ﻭ ﺎﻣ ﻊـﺟﺮﻳ ﻰﻟﺇ ﻞﻣﺍﻮﻌﻟﺍﻟﻹﺍٰ ﺔـ ﻲﺘﻟﺍ ﻥﻮﻘﻠﻄﻳ ﺎـﻬﻴﻠﻋ ﻞﻣﺍﻮﻌﻟﺍ ،ﺔﻴﻌﻴﺒﻄﻟﺍﻴﻬّ ـ ﺯ ،ﺮﻄﻤﻟﺎﻛ ،ﺞﻠﺜﻟﺍﻭ ،ﻞﺣﻮﻟﺍﻭ ﺢﻳﺮﻟﺍﻭ ﺓﺪﻳﺪﺸﻟﺍ ﻲﻓ ﺔﻠﻴﻠﻟﺍ ،ﺔﻤﻠﻈﻤﻟﺍ ﺓﺪﺷﻭ .ﺮﺤﻟﺍ َ ﻦ ،ﻒﻠﻜﻤﻟﺍ ،ﻞﻤﺤﻟﺍﻭ ﺎﻫﺮﻴﻏﻭ ﺎﻤﻣ ﺩﻮﻌﻳ ﻰﻟﺇﻫﻭ ِ ﺮﺒﻦﺳ ﺔﺧﻮﺨﻴـﺸﻟﺍ ﻛﻭّ ـ ﺡ . ﻢﺴﺟﻒﻠﻜﻤﻟﺍ(١) وفي ما يلي بيان هذه الضوابط أو الأسباب مع ذكر أمثلة توضحها: ١ تفاهة الشيء ونزارته: توجد في كتب الفقه الإباضي أمثلة متعددة تجسد فيها التيسير والعفو عن طائفة من الأمور بسبب قلتها وتفاهتها، وذلك في باب الطهارة وغيره من الأبواب. ومما مثلوا به في ذلك، النجاسات التي لا يدركها البصر، كدم البعوض والبراغيث، وما تحمله أرجل الذباب من النجاسات(٢) . وقد رخص أبو إسحاق الحضرمي في هذه النجاسات العسيرة التي يصعب أن يصيب الإنسان دم ما لم يمكن الاحتراز منه غالبا » : الاحتراز منها فقال ً (١) ١٦٨ . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ٢٠٤ . عمر ، الباحسين: قاعدة المشقة، ص ١٦٧ . عبد الله كامل: الرخصة الشرعية، ص ١٤٨(٢) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٢٢ . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٠٨ كالبراغيث والقمل والبق، والبعوض والذباب ونحوه ما لم يكثر ذلك جد ّ ا ً سواء كان في بدنه أو ثوبه أو مسجده أو ما يصيبه من البول أو نحوه من « النجاسات مما لا تتمكن العين بتحديده(١) . ومع التيسير في كثير من هذه الأمور بسبب قلتها، لكن من الممكن أن يقال إن التخفيف فيها عائد إلى أنه لا يمكن الاحتراز منها، ولا نجد في ذلك (٢) مانعا ً لجواز اجتماع سببين لمسبب واحد شرعا ً . وعلى هذا السبب انبنى الاستحسان بنزارة الشيء وتفاهته عند من قال به، وسماه ابن العربي المالكي (ت: ٦٤٣ ه) الاستحسان بترك مقتضى الدليل في اليسير لتفاهته ونزارته، وقد عل ﱠ لوا عدم الاعتداد بالمشقة الحاصلة من مراعاته، ووجه ذلك أن التافه في حكم العدم، ولذلك » :( قال الشاطبي (ت: ٧٩٠ هلا تنصرف إليه الأغراض في الغالب، وأن المشاححة في اليسير تؤدي إلى الحرج والمشقة، وهما مرفوعان عن المكلف. هذا ولم أجد للعلماء فيما اطلعت عليه مقياسا للقليل، غير أنه توجد ً مقاييس لأمور محدودة، من ذلك: أن الحنفية والمالكية وضعوا مقياسا ً للقليل الذي يعفى عنه من النجاسات، وهو قدر الدرهم أو ما دونه، وقدروا القليل من الطعام الموجود بين الأسنان مما لا يضر ابتلاعه بالصوم بما هو دون « الحمصة، فالقليل دون الحمصة، أما الحمصة فما فوقها فيفطر به الصائم(٣) . (١) الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ص ٦٤ - .٦٥ (٢) . الباحسين: قاعدة المشقة، ص ١٦٩(٣) الموصلي محب الدين أبو الفضل بن محمود بن مودود (ت: ٦٧٢ ه): الاختيار في تعليل ١٣٢ ، روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: (أرادوا أن يقولوا قدر المقعدة) فكنوا / المختار ١ بأن مابين الأسنان « الاختيار » ١٣٠ ، وقد علل في / بقدر الدرهم عنه، المرجع نفسه، ١لا يستطاع الامتناع عنه إذا كان قليلا ً ؛ فإنه تبع لريقه بخلاف الكثير، وهو قدر الحمصة؛ لأنه ٌ ١٣٢/ لا يبقى مثل ذلك عادة، فلا تعم به البلوى، فيمكن الاحتراز عنه. ١ - .١٣٣ أما الإباضية فجعل بعضهم مقدار ظفر الإنسان مقياسا ً لأقل النجاسات من صلى في ثوب فيه دم ولم » : المعفو عنها، جاء في جامع ابن جعفر ما نصه َ يعلم، فإن كان الدم قدر ظفر يده الإبهام، وكان متفرقا ً إذا جمع، فيبدل تلك الصلوات، وإن لم يبلغ ذلك، فلا بدل عليه، وقال محمد بن المسبح (١) : إذا ﱠ كان أقل من ظ ُ « فر فلا نقض عليه في صلاته، علم به قبل الصلاة أو بعدها(٢) . والقيح وما يخرج من البدن من الصديد والمهياس (الخارج من الجراح) لا نقض فيه حتى يخرج الدم الخالص، وكل جرح في البدن أو شق أو خدش خرج منه دم، فلا نقض فيه حتى يفيض الدم من الموضع الذي خرج منه، فإذا فاض فقد انتقض الوضوء، وما مس البدن من غير ذلك من الدم من قليل أو كثير فهو مفسد ولو لم يبلغ قدر الظفر، وقيل: إنه كمثل الثوب، ولا ينقض حتى يكون كالظفر، ومن غيره، وقال بعضهم: لا بأس بدم القراد دوبية معروفة ودم البعوض والبراغيث فإن ذلك لا يفسد الماء. وقال غيره: ويوجد عن بعض المسلمين أن دم البعوض والذباب الأزرق نجس، وقال غيره: إن ذلك طاهر لا يفسده، ومنهم من قال: إذا كان كالظفر أفسده، وإن كان أقل فلا بأس(٣) . (١)محمد بن القاسم بن المسبح: (حي في: ٢٨٠ ه) عالم جليل، من قرية هيل قرب سمائل، وقيل من نزوى، عاصر الإمام الصلت بن مالك الخروصي ( ٢٣٧ - ٢٧٢ ه)، والإمام راشد بن النظر ( ٢٧٣ - ٢٧٧ ه). معجم أعلام الإباضية (قسم المشرق) لمجموعة باحثين، ٢٩٩ . وهناك آخر عاش في نفس الفترة واسمه: المسبح بن عبد الله السيجاني (ق: ٣ه) /١.« سمائل » من أعمال « هيل » من علماء الطبقة الخامسة المشاهير في عمان، وهو من أهالي ُ كان كفيف البصر، ولد بنزوى واستوطنها، وكان يقضي في نزوى بين الناس أيام الإمام غسان، كان المسبح من بين العلماء الذين أسدوا النصح للإمام غسان. ينظر: السالمي: تحفة ١٢٨/ الأعيان، ١ - .٣٥٣/ ١٢٩ . معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ١ (٢) ٢٥٤/ ابن جعفر: الجامع، ١ - .٢٥٦ (٣) ٢٨٣/ ابن جعفر: المصدر نفسه، ١ - .٢٨٤ هذا ولم يكن قليل النجاسة ونزارتها من الأمور المتفق عليها عند الإباضي ة، فقد ذكر الشماخي أنهم اختلفوا في قليل النجاسة، فقال بعضهم: قليل النجاسة وكثيرها سواء؛ لأن ما نجس عينه لا يتبعض، وقال آخرون: قليل النجاسة معفو عنه قياسا ً على الدم، مثل إن وصل رشاش البول أو غيره من الأنجاس ثوب أحد، وذلك الرشاش لو اجتمع لم يفض، فإن بعضهم رخص فيه قياسا ً على الدم، وأما من حد ّ د قليل النجاسة بمقدار الظفر أو الدرهم، فإنه غير مشهور َ عند الإباضي ة؛ لأنه قاسه على مقدار المخرج. ولكن لا نوافق الشماخي في ادعائه عدم تحديد الإباضية قليل النجاسة، تناقض قوله، فقد ذهب « جامعه » فإن النصوص التي وردت عن ابن جعفر في بعض الإباضية إلى تحديد أقل النجاسة المعفو عنها في أقل من ظفر، وما زاد عنها ينقض الطهارة، وقد أشرنا إلى بعض هذه النصوص فيما تقدم(١) ، ولعل ما ذهب إليه الشماخي هو ما عليه العمل عند إباضية المغرب دون إباضية المشر ق؛ لأن ابن جعفر من أهل عمان . ُ ولعل العمل بهذا القول هو من باب التسامح في قليل النجاسة؛ لأن فيه تيسير للناس ورفع للحرج والمشقة؛ وذلك مما تعم به البلوى، ويتعسر احترازه وتطهيره في جميع الأحوال، خاصة عند السفر والمرض، ولذلك فأرى أن ّ من وجد ذلك في ثوبه أو بدنه فلا يلزمه التطهير، وإعادة الصلاة إلا احتياطا ً والله أعلم. ٢ كثرة ا لشيء: وكنا قد ضممنا إلى ذلك طول الزمن وامتداده، لكننا نرى أن فصلهما أولى؛ ذلك أنه قد توجد الكثرة من غير امتداد الزمن، ويغلب أن يكون هذا السبب في مسألة اجتماع الحلال والحرام، أو الشك بالنجاسة، وقد يوجد في غيرهما، ومن أمثلة ذلك: (١) ٢٥٤/ ابن جعفر: الجامع، ١ - .٢٥٦ _ أنه لو اختلطت م َح ْ رمة بنسوة قرية كبيرة فإنه يجوز له النكاح منهن، وكذا لو اختلط حمام ممل ُ وك بمباح لا ينحصر، جاز الصيد، ومن ذلك ما لو َ اختلط في البلد حرام لا ينحصر بمباح، فإنه لا يحرم الشراء منه، كما في السوق السوداء التي لا تخضع للرقابة، فيجوز الأخذ منها إلا إذا اقترن به علامة على أنه من الحرام. _ ومن ذلك أيضا ً ، أن وقوع النجاسة في الماء الكثير لا يؤثر فيه، اعتبارا ً لجانب الكثرة مع أن النجاسة متحققة بالفعل(١) . _ وكما هو الأمر في شأن ضبط القليل، فإن تحديد الكثير وبيان المقياس الذي يعتمد عليه في ذلك أمر ضروري، إذ بدون هذا المقياس لن ينتفع بالسبب المذكور. وقد ورد بالنص ضبط الكثير من الماء، وأنه ما بلغ قلتين فصاعدا ً (٢) ، فمثل هذا الماء لا تؤثر فيه ملاقاة النجاسة، إلا إذا غيرت لونه أو طعمه أو رائحته، ّ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : « إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل ا لخبث »(٣) . وقد صرح الجيطالي وغيره بمقدار الماء الذي ينجس، وأشار إلى أن ّ قليله إذا كان أقل من قلتين ينجس، وكثيره إذا زاد على القلتين، أو إذا حرك من أحد ُّ أطرافه فلم يتحرك الطرف الآخر. (١) .٩٣/ الشماخي: الإيضاح، ١(٢) ٩٣/ ١٥٢ . الشماخي، المصدر نفسه، ١ / الجيطالي: قواعد الإسلام، ١(٣) رواه الترمذي، كتاب الطهارة، باب الماء لا ينجسه شيء، رقم ٦٧ ، وأبو داود، كتاب الطهارة، الحق أنه صحيح قال الحافظ » : باب ما ينجس الماء، رقم ٦٣ ، عن ابن عمر، قال المباركفوري أبو الفضل العراقي في أماليه قد صحح هذا الحديث الجم الغفير من أئمة الحفاظ الشافعي ١٨٠ . ورواه الربيع في / تحفة الأحوذي، ١ .« وأبو عبيد وأحمد وإسحاق ويحيى بن معين المسند منقطعا ً عن أ َب ُ ي ع ُب َي ْد َة َ ع َن ْ ج َ ابر ِ ِ ب ْن ِز َي ْد ٍق َ ال َ : ق َ ال َ ر َس ُ ول ُ الله ﱠِ صلى الله عليه وسلم : إ» ِذ َا ك َان َ ال ْم َاء ُق َد ْر َ ق ُل ﱠت َي ْن ِل َم ْي َح ْت َم ِل ْ خ َب َث ً « ا. و َف ِ ي ر ِو َ اي َة ٍ أ ُخ ْر َ ى: ق» َد ْر َ ق ُل ﱠت َي ْن ِم َاء ًلا َي ُن َج ﱢس ُه ُش َي ْء ٌ«. وقوم فرقوا بين القليل والكثير، فقالوا القليل ينجس والكثير » : فقال ِ ِِ لا ينجس، وحد القليل منه ما دون القلتين، وهما قربتان ونصف بقلال ه َجر ْ عند بعضهم، وقيل: هما مقدار خمسمائة رطل، وحدوا الكثير منه بحيث يحرك طرفه فلا يتحرك الطرف الآخر(١) ، وقوم لم يحدو في ذلك حد ّ ا ً وإنما وقع «(٢) التنازع في هذا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : إذا زاد الماء على قلتين لا يحتمل خبثا » ً ونهيه 0 الجنب أن يغتسل بالماء الدائم أو قال الراك د، فقيل لأبي هريرة َ كيف يفعل؟ قال يتناوله تناولا(٣) ً ، وهذا يدل على قلته، ونهيه صلى الله عليه وسلم أن يبول أحد في الماء الدائم ثم يتوضأ منه(٤) «(٥) . _ وكذلك اختلفوا في البئر إذا سقطت فيه نجاسة، ما مقدار الماء المستخرج منه حتى يطهر؟ فقيل: أربعون دلوا ً ، وقيل خمسون. قال (١) التقدير في حركة » :« مدح العلم وأهله » وذكر أبو محمد عبد الله بن بركة في كتابه المعروف ب الماء لا وجه له؛ لأن الحركة تختلف، حركة الثقيل وحركة الخفيف، وهذا التحديد في الماء لم نقف على هذا الكتاب، « الراكد، وأما الماء الجاري فلا بأس به ما لم تغلب عليه النجاسة ٩٦/ ينظر: الشماخي، الإيضاح، ١ - .٩٧ (٢) تقدم تخريجه. (٣) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد حديث: ٤٥٢ . ورواه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء جماع أبواب ذكر الماء الذي لا ينجس، باب النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم بلفظ عام مراده حديث: ٩٢ عن أبي هريرة. عن بكير بن عبد الله حدثه، أن أبا السائب مولى هشام بن زهرة حدثه، أنه سمع أبا » : ولفظه هريرة 3 يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب » . قال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله ت ناولا » «ً . (٤) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد، رقم ٢٨٣ ، عن أبي هريرة. ورواه ابن حبان في صحيحه كتاب الطهارة باب المياه ذكر الزجر عن البول في الماء الدائم الذي دون القلتين حديث: ١٢٧٢ بلفظ: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يتوضأ » « منه، أو ي شرب . (٥) .٩٥ ،٩٤/ ١٥٣ . الشماخي: الإيضاح، ١ ،١٥٢/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ الشماخي : وإن وقعت الميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو الخمر في » ة(١) البئر، فإنه ينزع منها ما وقع فيها، ويغرف منها أربعون دلوا ً للسن ﱠ . ﱡ وذكر بعض العلماء أن التقدير لأصحابنا في نزح البئر النجسة أربعون دلوا ً أو خمسون دلوا ً إن هذا مقدار ما فيها من الماء من غير أن تزيد «.. مادة العيون(٢) وفيما عدا ذلك لم نجد للكثير ضابطا ً حاسما ً ، فالغزالي (ت: ٥٠٥ ه)، إنما يضبط ذلك بالتقريب، فكل عدد لو اجتمع في صعيد واحد يعسر » : يقول على الناظر عده، بمجرد النظر كالألف ونحوه، فهو غير محصور، وما سهل كالعشرة والعشرين فهو محصور، وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد « الطرفين بالظن، وما وقع فيه الشك استفتي فيه القلب(٣) . ولغيره وجهات نظر أخرى لم أجدها محققة للغرض، على أن هذا مقياس في مجال محدد يتعلق بالعدد(٤) . (١) روى ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الطهارة، باب في الفأرة والدجاجة وأشباهها تقع في البئر، رقم: ١٧٢٢ ، عن ابن عباس أن زنجيا ً وقع في زمزم فمات قال فأنزل إليه رجلا ً ّ عن الحسن وعطاء في البئر تقع » : فأخرجه ثم قال: انزفوا ما فيها من ماء. حديث رقم ١٧١٦ فتموت فيها الدجاجة وأشباهها قال: استق منها دلوا ً وتوضأ منها فإن هي تفسخت استق منها كتاب المياه ذكر البئر تقع فيها النجاسة « أربعون دلوا. وأخرجه ابن المنذر في الأوسط عن عطاء، أن » : حديث: ١٨٧ ولفظه ّ زنجيا ً مات في زمزم فأمر ابن الزبير أن ينزح منها حتى ّ روي أن ابن .« يغلبهم الماء. وقال الحسن البصري في الإنسان يموت في البئر: ينزح كلها عباس وابن الزبير نزعا زمزم لزنجي مات فيه، وأمر ابن عباس بسد عيونها ونزع ما فيه، فكان مقدارها أربعين دلوا ً ماء » : ٥٣ . قال الجيطالي / وقيل خمسين، الجيطالي، قواعد الإسلام، ١ البئر أيضا ً فالحكم فيه الطهارة فإن خالطته نجاسة أو ميتة نزعت منه أربعين دلوا ً للسن ﱠ ة إذا ﱡ كان ماء غزيرا ً وإن كان قليلا ً المرجع نفسه. «... نزع كله(٢) ٩٧/ الشماخي: الإيضاح، ١ - .١٥٣/ ٩٨ . الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ (٣) السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٢٠ ، نقلا ً عن الغزالي في إحياء علوم الدين.. (٤) . الباحسين: قاعدة المشقة، ص ١٧٢ ويبدو أن الراجح في ذلك أن يضبط كل شيء بحسبه، وبإرجاعه إلى العرف المشتهر في البلاد، ما دام لا يوجد نص يضبطه(١) . ُ ٣ امتداد زمن ا لفعل: وأثر المشقة فيه واضح، ف َط ُ ول الزمن وامتداده يقتضي زيادة في الأفعال والتكاليف بما هو أكثر من المعتاد، الأمر الذي يقتضي التيسير، ولهذا فإن المجنون جنونا ً ممتد ّ ا ً تسقط عنه العبادات، سواء كان أصليا ً أو عارضا ً ، أما ّ وجوب الداء فلعدم قدرة المجنون في حال جنونه؛ لأنه لا يكون إلا بالعقل والقصد الصحيح، وذلك منتف عنه(٢) . وقد قد ّ ر العلماء الامتداد الذي تتحقق فيه المشقة عند القضاء في كل عبادة بما يناسبها، ففي الصلاة ق ُ د ﱢ ر الامتداد بما زاد على يوم وليلة، بينما قدره البعض بصيرورة الفوائت ست ّا ً (٣) ، وفي الصوم ق ُ در الامتداد المسقط باستغراق الشهر كله، ليله ونهاره، وفي الزكاة والحج قدر باستغراق الحول، وفي رواية عن أبي يوسف الحنفي الاكتفاء بالأكثر(٤) . ومما يدخل في هذا السبب امتداد مدة الإغماء، فإنه يسقط عنه الوجوب والقضاء، والقضاء لكثرة الفوائت خلال المدة الممتدة المقدرة بما زاد على يوم وليلة، وقد أشار السالمي إلى اختلاف الفقهاء في حكمه إذا كان متقطعا ً ، (١) ذكر العلامة سعد الدين التفتازاني في شرح التلويح ضابطا لتمييز الغالب والكثير والنادر هو: أن كل ما ليس بكثير نادر وليس كل ما ليس بغالب نادر، بل قد يكون كثيرا، واعتبر بالصحة »والمرض والجذام، فإن الأول أي الصحة غالب، والثاني أي المرض كثير، والثالث أي الجذام نادر، وتطبيقا ذلك ذكر أنه قد يتمكن من أداء الحج بدون الزاد والراحلة نادرا، .١٩٨/ ينظر: التلويح، ١ .« وبدون الراحلة كثيرا، ولا يتمكن بدونها إلا بحرج عظيم غالبا (٢) .٢٤٨/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٣) ابن ملك عز الدين عبد اللطيف بن عبد العزيز الحنفي، (ت: ٨٠١ ه): كشف الأسرار شرح ٢٦٢/ المنصف على المنار، المطبعة الأميرية، بولاق، مصر، ١٣١٦ ه ، ٢ - ٢٦٣ (٤) .١٧٥/ ابن أمير الحاج: التقرير والتحبير، ٢ إذا أغمي عليه قبل وجوبها (الصلاة) ثم مضى وقتها وهو لم يفق من » : فقال إغمائه، فإنه لا قضاء عليه في مثل هذه الصورة، بخلاف النوم، صرح بذلك الإمام الكدمي رضوان الله عليه ، أما لو دخل وقتها وهو صحيح، أو صحا من إغمائه قبل خروج وقتها، فعليه قضاؤها لتعلق الوجوب عليه بتمام صحته في بعض وقتها، ويعيد الصيام إذا أغمي عليه من الليل حتى أصبح، فلو استمر به الإغماء ليالي وأياما ً كان عليه بدل تلك الأيام كلها، وكذلك قال أبو عبد الله (محمد بن محبوب ) 5 واستثنى من ذلك اليوم الذي أصبح فيه صحيحا ً ثم أغمي عليه في النهار، قال: لا بدل عليه فيه، قال أبو سعيد (الكدمي) رحمة الله عليه ولا أعلم في ذلك اختلافا ً ، وقيل: لا بدل عليه حتى في الأيام التي أصبح فيها مغميا ً عليه؛ لأنه في ذلك بمنزلة النائم. ّ وحاصله: أنه إذا طرأ عليه الإغماء نهارا ً فلم يحدث حدثا ً ينقض الصوم، فلا قضاء عليه؛ لأنه بمنزلة النوم، وإن طرأ عليه ليلا ً ثم أصبح كذلك، ففي لزوم القضاء عليه قولان، اختار أبو عبد الله أن يقضي، واختار أبو سعيد أن «... لا قضاء عليه(١) . الرأي ا لمختار: ولعل ما ذهب إليه أبو سعيد الكدمي هو الرأي الراجح، لما فيه من اليسر ورفع الحرج والمشقة؛ لأن المغمي عليه قد يمتد به الإغماء فيشق عليه قضاء الفوائت، فمن التخفيف سقوط القضاء عليه. ونقل الجيطالي حكم المغمي عليه والمجنون إذا حدث لهما ذلك قبل دخول رمضان، فحكى الخلاف بين الفقهاء في حكمهما، ثم رجح عدم القضاء لسقوط التكليف عليهما بسبب الإغماء والجنون، وهذا نص عبارته فيقول: والمغمى عليه قبل دخول رمضان فلم يفق إلا في شوال، فيه اختلاف، وعن » (١) .٢٥٠/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ الحسن أن المغمى عليه لا يقضي إلا اليوم الذي أفاق فيه، وأما إن أغمي عليه أياما ً فأفاق ففيه خلاف، قال بعضهم: إذا نوى الصوم أول الليل، ثم أغمي في بعضه فهو بمنزلة النائم، ويجزيه ذلك اليوم، فإن أغمي عليه أكثر من ذلك اليوم فعليه البدل؛ لأنه دخل فيه وهو لا يعقل، وحكي عن مكحول أنه قال: ثم تعق ،« لا قضاء على المغمى عليه، وإني لأحب أن يتطوع بالقضاء ّ ب هذه وهذا كله ضعيف، فإن الإغماء والجنون صفة يرتفع » : الأقوال وضعفها فقال َﱠ بها التكليف، فإذا ارتفع لم يوصف بصائم ولا مفطر؛ لأن المغمى عليه صحيح « العقل، وإنما آفته في جسمه عند بعضه(١) . وفرق المحشي أبو ستة بين الإغماء الممتد طوال الشهر، والإغماء المتقطع، فوافق الجيطالي في الحالة الأولى وخالفه في الثانية، وأوجب هذا صريح في اختيار » : عليه قضاء الصوم دون الصلاة، ومما جاء في عبارته أن المغمى عليه لا يقضي صوما ً ولا صلاة، حيث كان كالمجنون، وهذا ظاهر إذا أغمي عليه في الشهر كله، وإن أغمي عليه في بعض الأيام، فالظاهر القضاء؛ لأن المذهب أنه فريضة واحدة، كما في المجنون، ولا يقضي الصلاة مطلقا ً حيث شبه به، إلا أن أغمي عليه بعد دخول المقت « كما في المجنون(٢) . ويزيد البكري توضيحا ً لقول الجيطالي مستظهرا ً الفرق بين المغمى عليه والمجنون، ويجعله ملحقا ً والمتبادر عندي أن المغمى عليه » : بالنائم فيقول أقرب إلى النائم منه إلى المجنون؛ ذلك أن كلا ّ ً من المجنون والمغمى والنائم وإن رفع عنه التكليف غير الآخر َ ي ْ ن متى انته أحدهما عادت إليه حالته الأولى من صحة العقل، بخلاف المجنون، وأنت خبير أن الأطباء يفرقون بين الجنون (١) ٩٣/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ٢ - .٩٤ (٢) ٩٣/ القصبي أبو ستة: الحاشية على قواعد الإسلام للجيطالي، ٢ - .٩٤ ومرض الأعصاب (الجهاز العقلي) والإغماء؛ فالجنون هو اختلال العقل اختلالا ً لا يمكن علاجه، ومرض الأعصاب هو اعتلالها، ويمكن علاجها غالبا ً ، والمغمى عليه يتماثل للصحو بدون علاج، بل يقتصروا على تنبيهه « كالنائم، لذلك قلت: هو أشبه بالنائم منه بالمجنون(١) . هذا وقد تفطن الجيطالي إلى التقارب الحاصل بين المغمى عليه والنائم والنائم في هذا بمنزلة المغمى عليه، لا قضاء عليه في الصوم، إلا إن » : فقال كان نام على جنابة؛ لأن المغمى عليه صحيح العقل، وإنما آفته في جسمه « عند بعضهم(٢) . ويمكن أن يدخل سقوط قضاء الصلاة عن النفساء في هذا المجال نظرا ً لطول مدته، أما الحيض فإنه وإن كان يسقط في قضاء الصلاة، لكنه ليس لطول ا(٣) مدتها وحدها بل لتكرره أيض ً . ويؤكد السالمي هذا المعنى في سياق حديثه عن أحكام الصلاة والصوم فإذا طهرت وجب عليها قضاء الصيام دون » : لدى الحائض والنفساء فيقول الصلاة، فإن الصلاة لا يلزمه قضاؤها إلا ركعتي الطواف، والفرق بين الصلاة والصوم في ذلك: أن ّ الصلاة متكررة في كل يوم وليلة، بخلاف الصيام فإنه لا يجب في السنة إلا مرة واحدة، فيرفع الشارع عنها قضاء الصلاة دفعا ً للمشقة وطلبا ً للتخفيف، وألزمها قضاء الصيام إذ لا مشقة عليها في قضائه لعدم تكرره في السنة الواحدة، وكذلك قضاء ركعتي الطواف، فإنها تكون كالصوم لعدم المشقة فيها لعدم تكررها، وكذا الطواف « بالكعبة والاعتكاف(٤) . (١)عبد الرحمن ٰ .٩٤/ بكلي: الحاشية على قواعد الإسلام للجيطالي، ٢(٢) بكلي: المصدر نفسه. (٣) .٢٥٧/ الشماخي: الإيضاح، ١(٤) .٢٥٢/ السالمي: الطلعة، ٢ ٤ وقوع الفعل وانتشاره وعمومه: قال الزركشي (ت: ٧٩٤ ه) في ضابط المشقة المعتبرة سببا ً وهذا » : للتيسير إذا كانت المشقة وقوعها عاما ً ، فلو كان نادرا ً لم تراع المشقة فيه، ولهذا تتوضأ ّ « المستحاضة لكل فريضة وتقضي المتحيرة الصلاة(١) ، ومن العبارات المشهورة ﱢ ما عمت بليته خفت قضيته » : عن الفقهاء قولهم « (٢) . ﱠ ومن هذا النوع من العسر وعموم البلوى ما يكون فرديا ً أو شخصيا ً ، وما ِّّ يكون نوعيا ً أو عاما ً. ّّ أ أما العسر ا لشخصي: وإن كان متعلقا ً بشخص أو فرد لكنه سيتناول معظم أوقاته وظروفه، ومما يوضح ذلك هذا النوع، ما يقع على جسد أو ثياب المرضعة من نجاسة الطفل، أو على ثياب ذي الباسور، أو الجز ّ ار من الدماء، فإن هؤلاء وأمثالهم من أصحاب الصناعات يكثر تعرضهم لذلك، وطبيعة أعمالهم لا تنفك عنها مثل هذه النجاسات، وكذلك رعاة الغنم، والعاملون في إسطبلات الخيل أو البغال أو الحمير أو البقر، أو غيرها من البهائم الذين يكثر تعرضهم لروث هذه الحيوانات وأبوالها، قال الكدمي في إنه يقضى لهذه الدواب التي يجتمع على طهارتها من الأنعام وما » : هذا الشأن شابهها، ومن الخيل والبغال وما أشبهها أنها طاهر، بمعنى طهارة الإنسان، ومشبهة للإنسان في كل شأن في معاني الطهارة وأكثر، وزائدة على الإنسان « في طهارة أرواثها وقيئها(٣) . وأما أبوال الأنعام فلا أعلم من قول أصحابنا (الإباضية ( فيها ترخيصا ً ، إلا (١) .١٧١/ الزركشي: المنثور في القواعد، ٣(٢) الرحموني محمد الشريف: الرخص الفقهية من القرآن والسن ﱠ ة النبوية، نشر وتوزيع مؤسسات ﱡ . عبد الكريم بن عبد الله، رسالة دكتوراه، تونس، ص ٥٥(٣) . ١٣٨ . أبو إسحاق الحضرمي: مختصر الخصال، ص ٦٤ / الكدمي: المعتبر ٣ بما يخرج معناه بمعنى الضرورة، بنحو ما قيل في بول الدواسر (١)والزواجر(٢) ، وما قيل في الشرر من بول الإبل في معاني ما خرج بنحو ذلك في حال الضرورات والحاجات، وقد مضى ذكر ذلك واختلافهم، ما لم يسبغ القدم ذلك في معاني الضرورة والحاجة، إلى مثل ذلك في معاني ما لا يمكن إلا بمثل ذلك وينقل ما سواه، ومعي أنه قد قيل في إسباغ القدم، إنه ما لم يعلم ظاهره رطوبة بمعنى إسباغ الوضوء(٣) . وأما معنى قوله: لكل غالب شرر، ففي معاني » : ويضيف في السياق نفسه الترخيص كأنه يقول: في معنى الترخيص؛ كل شرر خرج من غالب النجاسة لم يضر الشرر إذا لم يغلب على معنى الطهار ة، ويتبين ذلك بمعنى الإسباغ في معنى ما قيل في أبوال الإبل، لعله يخرج بمعنى الترخيص في ذلك كله، ومعي أنه قد « قيل: إن شرر الدم المسفوح لا يفسد، ولعل ذلك يخرج في معنى الضروريات(٤) . وقال محبوب : أصابني مرة وأنا ذاهب إلى الجمعة بول بعير فقال لي الربيع : ما حبسك؟ قلت: أصاب قدمي بول بعير وتوضأت، قال: ليس ذلك » َ بشيء إلا أن يصيبك ما يصبغ قدمك، ولو كان الأمر على ما ترى ما سلم أحد .« في طريق مك ة، أي لكثرة التلوث بأبوال الإبل قال السالمي : وكأن الربيع رحمة الله عليه قد حفظ الترخيص فيما » دون ذلك القدر، فإنه قد وقع العفو عن قليل النجاسة في مواضع من الشرع، فلا يعترض عليه بأنه إما أن يكون بول الإبل طاهرا ً فلا ينقض قليله ولا كثيره، وإما أن يكون نجسا ً « فينقض قليله وكثيره(٥) . (١) أما الدواسر هي: الأنعام التي تدوس الحبوب بأظلافها وحوافرها. (٢) الزاجرة هي الحيوان الذي يزجر الماء من البئر، حيث يصب الدلو ومنه يجري. ابن جعفر، .٢٨٢/ الجامع، ١ (٣) .١٤١ - ١٤٠/ الكدمي: نفسه، ٣(٤) .١٤٤/ الكدمي: المعتبر، ٣(٥) .١٢٦/ السالمي: معارج الآمال، ٢ وقال أبو عبد الله محمد بن محبوب 5 : لا بأس بماء الزاجرة القبالة » التي تجر الحبل في بول البقر عند الزجر، ثم تسحب في التراب، ثم يدخل في الماء؛ لأن ذلك يمتنع منه، فإذا صار الحبل بالبول بعينه في الماء ولم يسحب في التراب أفسدها، وكذلك جاء في الأثر: أنه لا بأس بجميع الحبوب التي تدوسها البقر وتبول فيها ما كانت في حد الدوس، فإن بالت فيها بعد الدوس « أو في غيره أفسدته(١) . هذا ولا يقتصر هذا الأمر على أمر الطهارة أو النجاسة، بل يدخل في أبواب كثيرة من الفقه، ففي الصوم مثلا :ً يتعرض الطحان لابتلاع ما تطاير من ﱠ الدقيق عند الغربلة أو الطحن أو الكيل، وتعرض صانع الجبس أو الإسمنت لابتلاع ما تطاير منه، وكذلك الغبار والذباب(٢) ؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه إلا بمشقة غير معتادة. ب وأما العسر وعموم البلوى ا لنوعي: فهو أمر عام لا يمكن لأي فرد في المجتمع أن يفعله من دون أن يحصل له المحذور، من ذلك: بيع الرمان، والبيض، والجوز، والفستق، والبندق، والبطيخ، والبازلاء الأخضر في قشره، مع وجود الغرر، ووجه كون هذه الأشياء من البلوى هو: الحاجة إلى بيعها أو شرائها، وكونها عامة: أنها ليست مختصة بفرد، بل إن جميع أفراد المجتمع أو عمومهم محتاجون إليها. ومن هذا النوع أيضا ً مشروعية الرد بالعيب، والضمان، والإقالة، والسل َ م، للحاجة إليها، ولكونها مما يحتاجه الكثيرون من الناس(٣) . (١) .٢٨١/ ابن جعفر: الجامع، ١(٢) الرحموني: الرخص الفقهية، ص ٥٥ . وينظر: الموصلي: الاختيار لتعليل المختار، .١٣٢/١(٣) الراشدي: جواهر القواعد، ١٢٤ - ١٦٥ . ابن ،١٥٦ ،٥٤/ ١٢٥ . الشماخي: الإيضاح، ٦ . ٩. السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٠٩ / عبد السلام: قواعد الأحكام ٢ ٥ الحاجة إلى ا لشيء: وهي من الأسباب الهامة التي تبنى عليها أحكام كثيرة سواء كانت مما يتعلق بالجماعة، أو يتعلق بالفرد، وسيأتي الحديث عن ذلك بتفصيل عند الحاجة تنزل منزلة الضرورة » : الكلام عن قاعدة « إن شاء الله. ٦ عسر التخلص من ا لمحظور: ُْ أي صعوبة التخلص منه، فيترتب عليه عموم البلوى، وقد تكون أفراده مترددة بين عدد من الأسباب أو الضوابط المتقدمة، لتحقق معنى كل منها فيها، كدم البراغيث، والقروح والدمامل والقيح، وذرق الطيور إذا عم ﱠ المساجد، وقد بين الإباضية حكم هذه الأشياء، فاتفقوا على طهارة ما يتولد ﱠ من الجروح والقروح من المد والقيح، واختلفوا في الصديد، أما دم البراغيث والذباب والبعوض رخصوا فيه لصعوبة الاحتراز منه، وكذا ذرق الطيور أو خزقها، وفي هذا المعنى يقول الجيطالي : وكذلك ما يتولد من » الجروح والقروح من المد والقيح، اتفقوا أنه طاهر، واختلف في الصديد وما أشبهه، ورخص أيضا ً في دم الذباب وما كان في معناه من البراغيث « وأشباهها(١) . وإلى هذا الأمر ذهب ابن جعفر فذكر أن القيح الذي يخرج من البدن، ومن الصديد المهياس من الجرح الخارج لا نقض فيه حتى يخرج الدم الخالص، وكل جرح في البدن أو شق أو خدش خرج منه دم، فلا نقض حتى يفيض الدم من الموضع الذي خرج منه، فإذا فاض فقد انتقض الوضوء(٢) . قال أبو الحواري : لم ير بعض الفقهاء بأسا » ً بخزق ما يؤكل لحمه من (١) ١٣٨/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ - ١٣٩ . الحضرمي أبو إسحاق، مختصر الخصال، . ص ٦٤(٢) .٢٨٣/ ابن جعفر: الجامع، ١ الطير، وقال محمد بن المسبح : وخزق الطير غير مفسد إلا النواشر منه، فإن ّ خزقها مفسد، والدجاجة أخذوا فيها بالرخصة، والتنزه منها أحسن، إذا كانت « جلالة ترعى الأقذار(١) . وذكر أبو سعيد الكدمي ضابطا ً وضعه الإباضية لضبط المسائل الفرعية ومعاني قولهم: إن كل شيء من الطير الذي يؤكل » : فيما يخرج من الطير فقال لحمه، فلا يفسد خزق ه، والدجاج معنا من الطير الذي يؤكل لحمه فلا يفسد «(٢) خزقه، ولا أعلم في ذلك اختلافا ً . والجدير بالذكر أن كثيرا ً من الأشياء المتقدمة قد تغير حكمها في عصرنا عن حكم الفقهاء المتقدمين؛ فبالنسبة لدم البراغيث والبعوض والذباب، أصبح من الممكن التخلص منه بسهولة، باستخدام المبيدات الحشرية، وكذلك دم القروح والدمامل والقيح فإنه يمكن التخلص منه بوضع اللاصق الطبي (البلاستير) عليها، أما ذرق الطيور فهذا غير موجود في المساجد الحالية لاختلاف نوع البناء، وشكل المساجد، وربما وجد ذلك في مساجد القرى المكشوفة، ومهما يكن من أمر، فإنه إذا لم توجد الوسائل التي يمكن التخلص بها من هذه النجاسات المحظورة، فإنها تدخل ضمن هذا السبب، وهذا أمر لا يختص بناس دون ناس، ولا مسجد دون مسجد، بل يتعرض له جميعهم أو أغلبهم(٣) . ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا المقام، أن هناك بعض المواد المستحدثة عمت بها البلوى وشق على الناس التخلص منها أثناء الطهارة، وذلك كتلوث َّ ﱠ ِ أجسام الده ﱠ انين وأصحاب الصناعات بالمواد المستخدمة من قبلهم، كمادتي َْ (١) ابن جعفر: المصدر نفسه. ينظر: أيضا ً محمد بن الحواري: جامع أبي الحواري، ط وزارة التراث القومي والثقافة، ع ُ .١٥٤ ،١٥٢/ مان، ١٤٠٥ ه/ ١٩٨٥ م، ١(٢) .١٥٣/ الكدمي: المعتبر، ٣(٣) . الباحسين: قاعدة المشقة، ص ١٧٤ الصبغ والصمغ (اللصق) مما يصعب إزالته إلا بالمواد الكيماوية مثل: (الغاز) و(البنزين)، أو يحك الأجسام بما فيه خشونة قد تؤدي إلى تسلخ الجلد، فمثل هؤلاء لا يصل ماء الوضوء إلى بشرتهم في أجزاء من أعضاء الوضوء، لوجود الحائل، فيعفى عن ذلك للمشقة المتأتية من عموم البلوى، وعسر التخلص مما هو فيه. وأفتى بعض العلماء المعاصرين بأن طلاء أظافر النساء ب (المانكير) أو (الغيزيزو) لا يفسد الوضوء قياسا ً على الخضاب (الحناء)، أما الذين يتساهلون في هذا الشأن يرون أن ذلك شائع بين النساء، وأنهن يعتبرونه من الصور الجديدة للزينة، ومن الصعب عليهن تركه، والإفتاء بضرورة إزالته للوضوء أدى إلى ترك عدد غير قليل منهن فرض الصلاة(١) . ورخص بعضهم في صحة الوضوء مع ما يلصق على أيدي الصباغين وعمال البناء من مواد عازلة للماء عن الجلد، وعلى ما جاء عند المالكية من جواز الوضوء مع تحريك الخاتم، وإن لم يصل الماء إلى ما تحته، وعلى جواز سجود المصلي على كور عمامته وغير ذلك(٢) . ْ الرأي ا لمختار: يبدو بعد التأمل في هذا الرأي أن هناك فرقا ً واضحا ً بين المقيس والمقيس عليه، بشأن الصباغين أو الده ﱠ انين؛ لأن المقيس وهو مواد التجميل المستحدثة أمر اختياري، بإمكان المرأة تركه والاستغناء عنه، دون ترتب أي ضرر أو ّ مشقة تذكر، بخلاف المقيس عليه وهو ما يعلق على أيدي الصباغين أو ْ الدهانين والعمال الذين تقتضي طبيعة عملهم ذلك؛ لأن هؤلاء العمال (١) محمد زكي إبراهيم: المرجع نفسه، ص ٧٩ - .٩٢ (٢) جمال البنا: لا حرج قضية التيسير في الإسلام، ص ٨٩ وما بعدها، والفتوى للشيخ محمد زكي إبراهيم في كتابه: معالم المجتمع النسائي في الإسلام، ص ٢٥ - .٢٦ لا يستطيعون إنجاز أعمالهم التي هي معاشهم من دون ذلك(١) ، وإزالة ما على جلودهم من المواد عند كل وضوء فيه حرج شديد وإضرار بالبدن، لكثرة استخدام المواد المزيلة ذات التركيب المؤثر، ففي مثلهم يتحقق معنى عسر التخلص من المحظور بخلاف (المانكير) الذي يسهل التخلص منه بالامتناع عن استعماله، أو تعويضه بمواد طبيعية كالحناء(٢) . ومما يدخل في هذا السبب كذلك، ما سبق ذكره من أمثلة للعسر وعموم البلوى الشخصي الفردي، كثياب المرضعة وذي الباسور، ورعاة الأغنام، والعاملين في إسطبلات الحيوانات المختلفة(٣) . ٧ تكرار ا لفعل: لهذا السبب أو الضابط صلة بكثرة الأفعال كما ذكرنا سلفا ً ؛ لأن ما يتكرر يكثر، ولكن لا يلزم من كون الشيء كثيرا ً أن يكون متكررا ً ، ولا شك أن تكرار الفعل مما يترتب عليه المشقة، ولهذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم عل ﱠ ق عدم أمره بالسواك عند كل صلاة بالمشقة، قال صلى الله عليه وسلم : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك » « مع ا لصلاة(٤) . وهذه المشقة متأتية من تكرر الفعل تبعا ً لتكرر الصلاة. ومن التخفيفات المترتبة عن تكرار الفعل: عدم وجوب قضاء الصلوات (١) ربما يذكر بعضهم أن بالإمكان استعمال القفازين لمثل هؤلاء العمال، ذلك أمر وارد وصحيح، ولكن قد يكون في استعمالهما زيادة كلفة مادية على العامل أو صعوبة تحملها لأوقات طويلة، ومع ذلك فإنه لا ينجو بصفة تامة من آثار المادة التي يعمل بها، فهي مقللة لذلك بدرجة كبيرة ولكنها لا تمنعه مطلقا ً . يراجع: الباحسين: قاعدة المشقة، . ص ١٧٦ (٢) يراجع: رأي سماحة المفتي أحمد الخليلي في فتاوى الأعراس والزينة. (٣) . ١٣٨ . الحضرمي: مختصر الخصال، ص ٦٤ / الكدمي: المعتبر، ٣(٤) حديث صحيح روي في الصحيحين، البخاري في باب السواك يوم الجمعة، ومسلم في ،٤٣٥/ كتاب الطهارة، باب السواك، ينظر: صحيح البخاري بشرح فتح الباري لابن حجر، ٢ .١٤٥/ وصحيح مسلم بشرح النووي، ٣ على الحائض لتكررها(١) ، وجواز مس الصبي المحدث للمصحف في التعلم، لتكرر عودته إليه بعد المرة(٢) . _ وكذلك الاكتفاء بالاستجمار فيما يخرج من السبيلين من النجاسة، لتكرر التبول والتغوط، مما يجعل استعمال الماء في جميع الحالات من الأمور الشاقة، لا سيما في المناطق التي يشح فيها الماء أو تنعدم فيها وسيلة نقله إلى محل قضاء الحاجة. ولم يحدد بعض الفقهاء نوع الضرورة أو العذر الذي يمنع صاحبه من استعمال الماء للاستنجاء، بل عمموا ذلك ما دام عاجزا ً عن استعماله، وقد سئل الشيخ بيوض إبراهيم 5 عن حكم الصلاة في الحالات التي يتعذر فيها الاستنجاء اعلم أن صلاتك صحيحة، وقد » : لضرورة ما، فيتوضأ العاجز ويصلي فقال له أصبت في عملك، واعلم أن الأصل في حكم الوضوء أن لا يصح مع وجود نجاسة في أي موضع في الجسم، في الفروج أو في غيرها، ولكن إذا وجدت نجاسة في موضع ما من الجسم وتعذرت إزالتها لسبب ما، فإن النجاسة يسقط حكمها، فيتوضأ صاحبها ويصلي، فمن تعذر عليه غسل نجاسة البول أو الغائط بالماء لسبب ما، كان عليه أن يحتاط جيدا ً في الاستبراء وإزالة أثر النجس بمطهر، كحجارة أو تراب أو كاغد (ورق) أو نحو ذلك، ثم يتوضأ ويصلي وليس عليه غير ذلك، ولا يسقط عنه فرض الوضوء، كما أن الصلاة لا تصح مع وجود نجاسة في « ا(٣) موضع من الجسم، ولكن إذا وجدت وتعذرت إزالتها صحت الصلاة مع . ً هذا وقد دأب جمهور الإباضية على الاستنجاء بالحجارة أو ما يقوم مقامها كالورق الصحي، ثم يت ْ بعون ذلك بالماء زيادة في الطهارة والتنزه من ُ أن يزيل النجس » : النجاسة، وفي ذلك يقول الجيطالي في آداب قضاء الحاجة (١) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٢٤(٢) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٧٦ ، ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٧٧ (٣).١٦٢/ بيوض بن عمر: فتاوى الإمام الشيخ بيوض، ١ بالحجارة أو ما يقوم مقامها من كل جامد طاهر منق ليس بمطعوم ولا بذي ُﱟ حرمة، كالمدر والتراب والأعواد، ويتقي الاستنجاء بالنجس والعظم والروث، لنهيه 0 عن العظم والروث، لحديث سلمان 3 نهانا أن نستقبل » : قال « القبلة بغائط أو ببول أو نستنجي باليمين، أو يستنجي أحدنا بأقل من ذلك(١) . وينبغي أن يقتصر الاستجمار على وتر الأعداد، على ثلاثة أو خمسة، وإن أنقى بحجر واحد له ثلاثة حروف فلا بأس، ولا يستنجي بالزجاج الأملس، « ولا بالفحم؛ لأنه لا ينشف(٢) . فإذا قضى حاجته فليستنظف من الأذى » : ويؤكد الشماخي هذا الأمر فيقول بالحجارة، والاستطابة بثلاثة أحجار أو سبعة، أو بما يمكنه أن يزيل به الأذى عن نفسه، والدليل على هذا ما روى من طريق أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم أمر دينكم »(٣)، وأمر أن نستنجي بثلاثة أحجار، الاستنجاء » : ونهى عن الروث والرمة والعظم، وما روي عن ابن عباس قال (١) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب الاستطابة، رقم ٢٦٢ . ورواه أبو داود في السنن كتاب الطهارة باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة حديث: ٦ حديث منسوخ. ورواه الترمذي في سنن الجامع الصحيح أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب الاستنجاء بالحجارة حديث: ١٧ حديث منسوخ ونص الحديث: عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قيل لسلمان: قد ٰ أجل، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط » : علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء، حتى الخراءة، فقال سلمان أو ببول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي وفي الباب عن عائشة، وخزيمة بن ثابت، وجابر، وخلاد بن » : قال الترمذي ،« برجيع أو بعظم السائب، عن أبيه حديث سلمان حديث حسن صحيح. وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن بعدهم: رأوا أن الاستنجاء بالحجارة يجزئ، وإن لم يستنج بالماء، إذا أنقى أثر .« الغائط والبول، وبه يقول الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، عن سلمان(٢) .١٣٥/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١(٣) رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب كراهية استقبال القبلة ببول أو غائط، رقم ٨، والدارمي، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالحجارة، رقم ٦٧٤ ، عن أبي هريرة، حسنه الألباني. ورواه أحمد بن حنبل في المسند ومن مسند بني هاشم مسند أبي هريرة 3 حديث: ٧٢٤٥ حديث منسوخ صححه الألباني. « بثلاثة أحجار ليس فيهن رجيع(١) . وقال بعضهم: يجزي حجر واحد إذا كان له ثلاثة أحرف؛ قالوا لأن المفهوم من هذا إزالة العين ولم يشترطوا العدد، وقد ذكر عن داود بن علي أعظم من هذا قال: يكفي المستنجي ما ينقيه، ولم يخص بالذكر حجرا ً من غيره ولا عددا ً ، قال: ولو عدل عن الحجر إلى الخزف والخشب، إن ذلك يجزيه، ومن غل ّ ب الظاهر على المفهوم أو خصه به قال: لا بد من ثلاثة أحجار، وهو أقل ما يجزئ، أو سبعة أو ما يمكنه مما يزيل به الأذى عن نفسه، وهو قول أصحابنا رحمهم الله (الإباضي ة)، ومن غلب المفهوم، قال: يجزئ ولو حجر واحد، ومن جمع بين المفهوم والظاهر حمل العدد على الاستحباب، فإذا وجد الإنسان الماء لم يكن له استعمال غيره، أعني الحجارة فقط؛ لأن فيه غاية الاستطابة، ولأن النبي 0 « أراد بالاستنجاء الاستطابة(٢) . هذا ومما ينبغي الإشارة إليه أن جمهور الإباضية المغاربة ما زالوا يحافظون على هذه السن ﱠ ة الحميدة خاصة في الجزائ ر، فتجدهم يستجمرون بالورق الصحي ﱡ ثم يتبعون ذلك بالماء، زيادة في الاطمئنان، لبلوغ غاية الطهارة، أما بقية المناطق فيكتفون بالماء، رغم ما يلحقهم أحيانا ً من مشقة وعسر إذا ف ُ قد الماء أو صعب إحضاره إلى بيت الخلاء، خاصة في المراحيض العمومية، وقد أشار القطب ومن استبرأ بالسلت أو به، وبالنثر أو بالتنحنح، أو » : أطفيش إلى هذا فقال بالمكث حتى انقطع، صح استنجاؤه بالماء، ولو لم يستنج قبله بالحجارة، ولو بقي بلل في الخارج، فمن كان في الماء فليستبرئ قدر ما ينقطع البول، سواء (١) رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالأحجار، رقم ٤١ ، وابن ماجه، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالأحجار، رقم ٣١٥ ، عن خزيمة. والدارمي في السنن كتاب الطهارة باب الاستطابة حديث: ٧٠٨ . ورواه الطبراني في المعجم الكبير باب الخاء باب من اسمه خزيمة عمارة بن خزيمة بن ثابت حديث: ٣٦٣٨ ولفظه: عن عمارة بن خزيمة، عن أبيه خزيمة بن ثابت، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استطاب بثلاثة أحجار ليس فيهن رجيع كن له » « طهورا . وحسنه الألباني. (٢) .٢٢ - ٢٠/ الشماخي: الإيضاح، ١ بال فيه أو بال خارجا ً فدخل فيه، هذا ما يقول أصحابنا المشارق ة، ونحن نقول لا بد من تقديم الحجارة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يقدمها، وكذلك أهل ق ُ «... باء والصحابة(١) ٨ الظروف البيئية والمناخية: ومن مظان العسر وعموم البلوى بعض الظروف البيئية والمناخية، والسنن الإلهية التي يكون لها بجعل الله تعالى تأثير في إحداث المشقة الزائدة عن ٰ المعتاد بالمكلف، ومن هذه المظان: المطر، والثلج، والبرد، والوحل، والضباب، والرياح الشديدة، والأعاصير، والزلازل، وشدة الحر، وشدة البرد، وغيرهما مما هو في معناها. والأصل في ذلك المطر، وما عدا ذلك مقيس عليه، باعتبار أن كلا ّ ً منهما مظنة المشقة الجالبة للتيسير، وهي في محل الاجتهاد، وقد يكون بعضها راجعا ً إلى الاجتهاد في تحقيق المناط(٢) . ولكل واحد من الأسباب شروط تتحقق معها المشقة، والتيسيرات التي تناسبها، وفيما يأتي بيان لبعض هذه المؤثرات، وبعض التخفيفات المترتبة عليها: ١ المطر والوحل: وما في معناهما: أما المطر فهو الذي ألحق به غيره، وتعليل الترخيص فيه أنه يؤدي إلى المشقة، والتأذي بابتلال الثياب والنعال، أو التعرض إلى المرض، وضابطه هو ما ذكرناه، ويرى بعض العلماء أنه سبب للتيسير؛ لتحقق ما ذكر أو لم يذكر، ويلحق به الوحل، والثلج، والجليد؛ لأنها في معناه(٣) . (١) ١٧٧/ أطفيش أمحمد بن يوسف، شامل الأصل والفرع، ١ - .١٧٩ (٢) . الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ص ٥٥(٣) الحضرمي: المصدر نفسه، ص ٧٨ . الماوردي أبو الحسن علي بن حبيب البصري (ت: ٤٥ ه): الحاوي الكبير في فقه الإمام الشافعي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي ٣٩٩ . النووي: / محمد معوض، نشر دار الكتب العلمية، بيروت ١٤١٤ ه/ ١٩٩٤ م، ٢ منهاج الطالبين بشرح الجلال المحلي، وحاشيتي قليوبي وعميرة، دار إحياء الكتب العلمية .٢٦٧/ عيسى البابي الحلبي مصر، ١ ومن التخفيفات المبنية على المطر والوحل: أ جواز ترك الجماعة والجمعة، والدليل ما روي عن عبد الله بن عباس ^ إذا قلت: أشهد أن لا إله » : ، أنه قال لمؤذنه في يوم مطير ٰ إلا الله، أشهد أن محمدا ً ،« رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم ّ أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو » : قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض(١) «(٢) . ِ ليصل » : وعن جابر قال: خرجنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا فقال ﱢ من ُُ « شاء منكم في رحله(٣) إذا ابتلت النعال فالصلاة في » : وفي رواية أخرى أنه قال « الرحال(٤)، قال ابن بركة : « وكذلك إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة » (٥) . ب الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء والظهر والعصر، وقد نص كثير ِ من العلماء على ذلك في مطر يبل الثياب، وتلحق المشقة في الخروج فيه، ُﱡ لأن الوحل يلوث » ؛ وكذلك في الوحل بمجرده على الأصح عند الحنابل ة (١) الدحض الزلق. (٢) متفق عليه، أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر حديث: ٨٧٤ . ورواه مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الصلاة في الرحال في .٢٠٦/ ١، واللفظ لمسلم. ينظر: في صحيح مسلم بشرح النووي، ٥ المطر حديث: ١٦٣ (٣) رواه مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الصلاة في الرحال في المطر حديث: ٢٠٦ . ورواه أبو داود في السنن كتاب الصلاة تفريع / ١١٦٢ صحيح مسلم بشرح النووي، ٥ أبواب الجمعة باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو الليلة المطيرة، حديث: ٩١٢ . (٤) ٦، عن عبيد الله بن متفق عليه، رواه البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر حديث: ١٤ صلوا في » : عمر، قال: حدثني نافع، قال: أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان، ثم قال رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا ً يؤذن، ثم يقول على إثره: ألا صلوا » « في ا لرحال ورواه مسلم كتاب صلاة المسافرين .« في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر وقصرها باب الصلاة في الرحال في المطر حديث: عن ١١٦١ عن ابن عمر. (٥) .٥٠٦/ ابن بركة: الجامع، ١ الثياب والنعال، ويتعرض الإنسان للزلق فيتأذى نفسه وثيابه، وذلك أعظم البلل، وقد ساوى المطر في العذر في ترك الجمعة والجماعة، فدل على « تساويهما في المشقة المرعية في الحكم(١) . وعارض ابن بركة هذا الرأي فلم ير جواز الجمع في الحضر للصحيح وأجاز بعض أصحابنا الجمع للمبطون في » : ولو وجد مشقة بالأمطار، فقال الحضر، والصحيح في اليوم المطير للمشقة والضرورة، والخبر عندهم في وإن ،« ذلك، وعندي أن الله تعالى له أن يبتلي هؤلاء ويمتحنهم بأعظم من هذا كان عليهم في ذلك مشقة إذا صلوا كل صلاة في وقتها وهم مقيمون، وقد من جمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر » : روي عن ابن عباس أن قال فقد أتى بابا ً « من أبواب الكفر(٢)، ولكن نقول لابن بركة الجمع رخصة، وقد يلجأ إليها المصلي للضرورة، فلماذا نعتبر ذلك من الكبائر، فهناك حالات اضطرارية تطرأ على الإنسان فيضطر إلى الأخذ بالرخصة، وهي الجمع بين ولكن لا يجعل ذلك ،« المشقة تجلب التيسي ر » الصلاتين ولو في الحضر، لأن عادة فيؤخر الصلاة الأولى إلى الثانية، ويصليها جمعا ً ؛ لأن الاشتغال عنها بالدنيا جعلت صاحبه يضيع وقت الصلاة فهو آثم، وعليه التوبة. ُّ مسألة الجمع بين الصلاتين في الوطن لأجل « المعارج » ذكر السالمي في الضرورات، وأشار إلى أقوال العلماء في جواز الجمع في الحضر لأجل (١) ٢٥٥/ السالمي: معارج الآمال، ١ - ٢٧٥ . جلال المحلي: شرح / ٢٥٦ . ابن قدامة ٢ ٢٦٧ ، لكنه خص ذلك بالمطر، ويقاس عليه / منهاج الطالبين بحاشيتي قليوبي وعميرة، ١ الثلج والبرد إذا ذابا وبلا الثوب، وقد نقل القليوبي في حاشيته المذكورة عن الأذرعي إلحاق .٢٦٧/ الوحل والريح والظلمة والخوف بالمطر، حاشية القليوبي، ١ (٢) رواه الترمذي، أبواب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، رقم ١٨٨ ، والحاكم في وحنش » : المستدرك، كتاب الإمامة وصلاة الجماعة، باب التأمين، رقم ١٠٢٠ ، قال الترمذي هذا هو أبو على الرحبي وهو حسين بن قيس وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد .٥٧٧/ ابن بركة، الجامع، ١ .« وغيره فعن محمد بن محبوب أنه يجوز للمريض والمستحاضة وللناس » : المطر، فقال يوم المطر أن يجمعوا بين الصلاتين، وقيل: يجمع إذا كان المطر قائما ً ، ولا يجمع في غير حال المطر، والحجة لهم على جواز الجمع بهذه المعاني ما يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالصلاتين في المسجد الحرام عند المط ر، وكانت الصحابة تجمع كثيرا ً لأجل المطر، وكان عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن ٰ عمر يفعلونه ويقولون: من السن ﱠ ة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب ﱡ « والعشاء وبين الظهر والعصر(١) . هذا ولعل ما يحدث في بعض الطرقات أحيانا ً من انسداد البالوعات بالوحل، وانتشار المياه القذرة فيها، فيعوق حركة السير يشبه ما ذكرنا، ويحدث أيضا ً في حالة إصلاح الطرقات وتعطيلها من جراء ذلك، فيتعذر على المصلين الوصول إلى المساجد، فهل تعتبر هذه الحالة ضرورة يرخص فيها الجمع بين الصلاتين؟لا شك أن الذي يقطع هذه الطرقات الموحلة بالمياه القذرة تلحقه مشقة وحرج شديد، ولا أحسب أن أحدا ً من الفقهاء يجبره على تحمل ذلك لأجل حضور الجماعة، وإنما الأمر يترك للقادر والمستطيع، أما العاجز فالحرج عنه المشقة تجلب التيسير » مرفوع؛ لأن .« ج جواز صلاة الفرض على ا لراحلة، سواء كانت دابة أم وسيلة نقل حديثة، كالسيارات واقفة كانت أم متحركة، خشية التأذي بوحل، أو مطر، أو ِ ثلج، أو برد، وما في معناها(٢) . وذلك لما روي عن عمرو بن عثمان بن َ (١) روى البيهقي في السنن الكبرى، كتاب جماع أبواب صلاة السفر، باب الجمع في المطر أن أباه عروة وسعيد بن المسيب وأبا » بين الصلاتين، رقم ٥٣٤٦ ، عن هشام بن عروة بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي كانوا يجمعون بين المغرب ٰ السالمي، معارج .« والعشاء في الليلة المطيرة إذا جمعوا بين الصلاتين ولا ينكرون ذلك .٢٥٦ - ٢٥٥/ الآمال، ١٠(٢) ١٤٧ . الحجاوي شرف الدين أبو النجا موسى بن محمد المقدسي / ابن قدامة: المغني، ٢ .٥٠٢/ الصالحي (ت: ٩٦٠ ه): الإقناع لطالب الانتفاع شرح كشاف القناع للبهوتي، ١ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو » : يعلى بن مر ة، عن أبيه، عن جده وأصحابه، وهو على راحلته، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن، فأذن وأقام، ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فصلى بهم يومئ إيماء، يجعل السجود أخفض من الركوع، أو يجعل « سجوده أخفض من ركوعه(١) . وأجاز بعض الإباضية التنفل على الراحلة بلا ضرورة، أما الفرض فلم يصرحوا بذلك، ولكن يفهم من عبارة بعضهم عن طريق مفهوم المخالفة جواز رغ » :« النيل » ذلك عند الضرورة، قال الثميني في ﱢ ب في النوافل ولا غاية ُ ،«... لأكثرها... وجوزت بتيمم وقعود وإيماء، وإن مع الصحة وعلى دابة وإيماء ومشي وإن مع صحة، ووجود الماء » : وعقب عليه الشارح أطفيش فقال « وعدم ضرورة، وعلى دابة بلا ضرورة(٢) . د الحر والبرد ا لشديدان : وتأثير الحر والبرد على حيوية ونشاط الإنسان معلوم وظاهر للعيان، ولهذا راعاها الشارع ورتب عليهما بعض الأحكام، أما الحر فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن شدة الحر من ف » َيح جهنم فإذا اشتد الحر ْ « فأبردوا ب الصلاة(٣) . (١) رواه الترمذي، أبواب الصلاة، باب الصلاة على الدابة في الطين والمطر، رقم ٤١١ ، وأحمد، قال عبد الحق: إسناده صحيح » : مسند الشاميين، حديث يعلى بن مرة، رقم ١٧٦٠٩ ، ابن حجر .« والنووي إسناده حسن وضعفه البيهقي وابن العربي وابن القطان لحال عمرو بن عثمان ٢١٢ . رواه مسند أحمد بن حنبل مسند الشاميين حديث يعلى بن مرة / تلخيص الحبير، ١ الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث: ١٧٢٦٤ ورواه الدارقطني في السنن كتاب الصلاة باب ١عن يعلى بن أمية. ورواه البيهقي في السنن صلاة المريض لا يستطيع القيام حديث: ٢٤٠ الكبرى كتاب الصلاة جماع أبواب استقبال القبلة باب النزول للمكتوبة حديث: ٢٠٦١ عن يعلى بن مرة الثقفي بلفظ قريب وزيادة. (٢) ٥٤٩/ الثميني عبد العزيز: كتاب النيل وشرحه للقطب أطفيش أمحمد، ٢ - .٥٥٠ (٣) متفق عليه، رواه البخاري كتاب مواقيت الصلاة باب الإبراد بالظهر في السفر حديث: = وبناء على ذلك أجاز بعض الفقهاء تأخير ظهر الصيف والخريف وجمعتهما، بحيث يمشي في الظل، مراعاة لشدة الحر وما تسببه من المشقة التي تذهب الخشوع على خلاف بين العلماء، فمنهم من قال بالاستحباب، ومنهم من قال: بالوجوب(١) . ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن بعض مساجد الإباضية في الجزائر اتخذت هذه الرخصة عادة دائمة في جميع فصول السنة، فأخرت الظهر إلى قبيل العصر بساعة مراعاة لظروف كانت تشق على الناس، وما زال بعض الناس يتمسكون بهذه الرخصة رغم تغير الظروف، وزوال الأسباب الداعية إليها، ولا ريب ّ الحكم يدور مع المعلول » : أن الأمر يتعارض مع القاعدة الأصولية المشهورة وجودا ً وعدما ً وقد نتج عن هذا الوضع حرج شديد عند عامة الناس، ولذلك ،« ينبغي على من يملك تغيير هذا الوضع أن يدعو إلى إعادة الأمور إلى أصلها بأداء الصلاة في أول وقتها، حتى يرفع الحرج والمشقة عن الناس، ولا يتسبب في إعراضهم عن صلاة الظهر مع الجماعة، بسبب تأخير أدائها عن وقتها، وقد انتبه بعض الفقهاء أخيرا ً إلى هذا الأمر وطالبوا الأئمة بإقامة صلاة الظهر في أول وقتها، حتى لا يحرموا أغلبة المصلين من شهود الجماعة، والفوز بالأجر والثواب. وأما حالة البرد الشديد فراعاه الشارع وعجل ظهر الشتاء والربيع ﱠ وج ُ معتهما، فعن أنس بن مالك 3 كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد » : أنه قال = ٥٢٤ . ورواه مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة ١عن أبي ذر الغفاري. ورواه البخاري عن أبي الحر لمن يمضي إلى جماعة حديث: ٠٠٩ هريرة، كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، رقم ٥١٢ ، ومسلم أيضا ً ، ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر، رقم ٦١٥ باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة حديث: ١٠٠٩ . بلفظ « إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم » . (١) ٣٠٤ . الحصني، / ٣٦٦ . الشوكاني: نيل الأوطار، ١ / ابن عابدين: رد المحتار إلى الدر المختار، ١ ٣١٦ . وذكر أنه يوجد وجهان في المذهب الشافعي، أصحها أنه سنة ويستحب التأخير. / القواعد، ١ « بالصلاة، وإذا كان البرد عجل(١) . وقد جعلت طائفة من العلماء البرد والحر (٢) الشديدين من أعذار ترك الجماعة أيضا ً . ﻦـﻣﻭ ﺕﺎـﻔﻴﻔﺨﺘﻟﺍ ﻚﻟﺬﻛ ﺐﺒـﺴﺑ ﺮﻴﻐﺗ ﻝﺍﻮـﺣﻷﺍ :ﺔﻳﻮﺠﻟﺍ ﺍﺫﺇ ﺖﻄﻏ ﺀﺎﻤـﺴﻟﺍ _ ،ﺐﺤـﺴﻟﺎﺑ ﺭﺬﻌﺗﻭ ﺔﻓﺮﻌﻣ ﺕﺎﻗﻭﺃ ﺓﻼﺼﻟﺍ ﻞﺋﺎﺳﻮﻟﺎﺑ ،ﺔﻓﻭﺮﻌﻤﻟﺍ ﺯﻮﺠﻴﻓ ﻊﻤﺠﻟﺍ ﻦﻴﺑ ﻦﻴﺗﻼﺼﻟﺍ ،ﺔﻘـﺸﻤﻠﻟ ﺪﻗﻭ ﺭﺎـﺷﺃ ﻦـﺑﺍﺔﻛﺮﺑ ﻰﻟﺇ ﺭﺍﺬﻋﻷﺍ ﻲـﺘﻟﺍ ﺯﻮﺠﻳ ﺎﻬﻴﻓ ﻊﻤﺠﻟﺍ ﻦﻴﺑ ،ﻦﻴﺗﻼﺼﻟﺍ ﺮﻛﺬﻓ :ﻝﻭﻷﺍ ﺮﻔﺴﻟﺍ ﺔﻠﻌﻟ ،ﻒﻴﻔﺨﺘﻟﺍ :ﻲﻧﺎﺜﻟﺍﻭ ﺏﺎﺤﺴﻟﺍ ﺍﺫﺇ ﺖـﻄﻏ ﺀﺎﻤـﺴﻟﺍ ﻝﺎﺣﻭ ﻡﺎﻤﻐﻟﺍ ﻥﻭﺩ ﻊﺿﺍﻮﻤﻟﺍ ﻲـﺘﻟﺍ ﻞﺼﻳ ﺎﻬﻴﻓ ﻰﻟﺇ ﺔﻓﺮﻌﻣ ﻰﻠﻋ ؛ﺮﻔﺴﻟﺍ ﻥﻷ ﺔﻠﻋ ﻊﻤﺠﻟﺍ ﻲﻓ ﺮﻔﺴﻟﺍ ﻒﻴﻔﺨﺘﻟﺍ ﻦﻣ ً ﺕﺎﻗﻭﺃ ،ﺓﻼﺼﻟﺍﺎﺳﺎﻴﻗ ﺔﻘـﺸﻤﻟﺍ ﻲـﺘﻟﺍ ﻖـﺤﻠﺗ ،ﺮﻓﺎـﺴﻤﻟﺍ ﻲﻫﻭ ﺓﺩﻮـﺟﻮﻣ ﻦـﻤﻴﻓ ﺖﻴﻔﺧ ﻪـﻴﻠﻋ ﺕﺎﻗﻭﺃ ُ ،ﺓﻼﺼﻟﺍ ﻛﻭﱢﻠ. ﻒ ﺩﺎﻬﺘﺟﻻﺍ ﻲﻓ...ﺎﻬﺘﻓﺮﻌﻣ(٣) ﻦـﻣﻭ ﺏﺎﺒـﺳﻷﺍ ﺓﺪﺋﺎﻌﻟﺍ ﻑﻭﺮـﻈﻠﻟ ﺔـﻴﺌﻴﺒﻟﺍ :ﺔـﻴﺧﺎﻨﻤﻟﺍﻭ ﺡﺎـﻳﺮﻟﺍ ،ﻒﺻﺍﻮﻌﻟﺍﻭ _ ،ﺮـﻴﺻﺎﻋﻷﺍﻭ ﻝﺯﻻﺰﻟﺍﻭ ،ﻖﻋﺍﻮﺼﻟﺍﻭ ﻲﻔﻓ ﻩﺬﻫ ﺕﻻﺎﺤﻟﺍ ﺯﻮﺠﻳ ﻙﺮﺗ ﺔﻋﺎﻤﺠﻟﺍ ﻰـﻠﻋ ﻑﻼـﺧ ﻲـﻓ ،ﺐـﻫﺍﺬﻤﻟﺍ ﻞـﻘﻧﻲﻤﻟﺎـﺴﻟﺍ ﻲـﻓ «ﺝﺭﺎـﻌﻤﻟﺍ» ﻥﺃﺮﻤﻋ ﻦـﺑ . ﺪﺒﻋﺰﻳﺰﻌﻟﺍ ﻥﺎﻛ ﻯﺮﻳ ﻊﻤﺠﻟﺍ ﻦﻴﺑ ﻦﻴﺗﻼﺼﻟﺍ ﻲﻓ ﺔﻟﺎﺣ ﺢﻳﺮﻟﺍﺔﻤﻠﻈﻟﺍﻭ(٤) ﺺـﻧﻭ ﺾﻌﺑ ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻰـﻠﻋ ﻥﺃ ﺔﻟﺰﻟﺰﻟﺍ ﻦﻣ ﺭﺍﺬﻋﻷﺍ ﻲﻓ ﺍﺬﻫ ،ﻝﺎﺠﻤﻟﺍ ﺎﻬﻧﻮﻜﻟ نوعا ً من الخوف الذي يذهب الخشوع، فيترتب عليها ما يترتب على الرياح الشديدة من الأحكام وهو التيسير بجمع الصلاتين(٥) . (١) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة، حديث رقم: ٨٦٤ ، عن أنس. السنن الكبرى للنسائي مواقيت الصلوات تعجيل الظهر في البرد حديث: ١٤٦٨ . .٣٠٣/ الشوكاني: نيل الأوطار، ١ (٢) .٥٥٦/ ١٥٤ ، و ١ / ٥٠٦ . ابن عابدين: رد المحتار، ٢ / ابن بركة: الجامع، ١(٣) .٢٥٤/ الشماخي: الإيضاح، ١(٤) .٢٥٥/ السالمي: معارج الآمال، ١٠(٥) .٤٩٧/ ٢٥٥ . البهوتي، كشاف القناع، ١ ،٢٥٤/ الشماخي: الإيضاح، ٢ ٩ العوامل والأعذار المتعلقة بحال المكلف: ِ والمراد من ذلك حالة معينة وهي: الشيخوخة وكبر سن المكلف، وقد عد ﱠ َ كثير من العلماء هذا عذرا ً قائما ً بنفسه، وإلا فإن طائفة من الأعذار والأسباب التي سبق عنها الكلام هي ما يصدق عليه حال المكلف، كالمرض والإكراه والخطأ والنسيان وغيرها، وممن جعله سببا ً قائما ً بنفسه غير داخل في المرض: العلائي (ت: ٧٦١ ه)(١) . _ ومن الرخص التي انبنت على هذه الحالة: ترك الجماعة، والصلاة على الكيفية المقدور عليها، فيصلي قاعدا ً ، والإفطار في الصوم إن كان ذلك مما يجهده، وأن يطعم عن كل يوم مسكينا ً ، وقد أشار ابن جعفر في إلى هذا الأمر في سياق بيان معنى قوله تعالى: « جامعه » ﴿ RQ VUTS ﴾ )البقرة : (١٨٤ ، فذكر أن ذلك للشيخ الكبير والعجوز الكبير اللذين كانا يصومان، فيضعفان عن الصوم ولا يطيقانه، يطعم عن كل واحد منهما لكل يوم مسكينا ً ، رجلا ً أو امرأة، سحوره وفطوره، أو يهدي إليه حبا ً قدر ما يعطي المسكين للأيمان(٢) . ّ وقال أبو المؤثر : حديث محمد بن محبوب (بن الرحيل » ( 5 ويرفع هذا الحديث أن جدة أبيه وهي أم الرحيل قد كبرت حتى لا تطيق الصوم، فسألوا جابر بن زيد فأمرهم أن يصوموا عنها إذا أفطروا من شهر رمضان، ففعلوا ذلك، وقال أبو عبد الله 5 : وكان لها ابنان، فتنافسا أيهما يصوم عنها، فرغب كل واحد منهما أن يكون هو الصائم، فلما حال الحول وحضر شهر (١)خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي، أبو سعيد، صلاح الدين: ( ٦٩٤ - ٧٦١ ه/ ١٢٩٥ - ١٣٥٩ م): محدث. ولد وتعلم في دمشق، ثم أقام في القدس مدرسا ً في الصلاحية سنة ٧٣١ ه فتوفي فيها. من كتبه: المجموع المذهب في قواعد المذهب، وكتاب الأربعين .٣٢١/ في أعمال المتقين، والوشي المعلم في الحديث، وغيرها. الزركلي: الأعلام، ٢(٢) ١٦٦/ ابن جعفر: الجامع، ٣ - .١٦٧ رمضان، سألوا جابر بن زيد عنها، فقال لهم: أو حية هي؟ فقالوا: نعم، فقال َﱠ «(١) لهم: اطعموا عنها كل يوم مسكينا ً . وقد أرشد السالمي إلى الحكمة من مشروعية الإفطار للشيوخ والعجزة، وكذلك » : وبين أن الشارع الحكيم يراعي أحوال المكلفين العاجزين، فقال ِ الشيخ الكبير إن أعجزه سن الكبر عن الصوم، فإنه يباح له الإفطار، رحمة من ّ «(٢) الله ولطفا ً. كما يرخص للعاجز في أن ينيب عنه غيره في الحج، وكذلك يسقط عنه الجهاد، وقد أدخل بعض العلماء التخفيف عنه في رخص المرض، وأرى أنه من المناسب أن يلحق بالمرض؛ لأن الشيخوخة حالة من المرض يكون الجسم فيها ضعيفا ً عاجزا ً عن القيام بكل الواجبات كالصحيح القادر(٣) . (١) .١٦٨/ ابن جعفر: المصدر نفسه، ٣(٢) .٣٧/ السالمي: معارج الآمال، ١٨(٣) .٤٨٣/ ابن بركة: الجامع، ٢ k :¢ü≤ædG Ωƒ¡Øe :’hCG النقص في ا للغة: الضعف، يقال أصابه نقص في عقله أو دينه، أي أصابه ضعف، وهو خلاف الزيادة والكمال، فيقال نقص الشيء نقصا ً أو نقصانا ً وانتقص، ذهب منه شيء بعد تمامه، ويطلق النقص كذلك على الخسران في الحظ(١) . وهو نوع من المشقة اقتضى التخفيف؛ لأنه إذا ح ُ مل من فيه النقص بالتكاليف التي يطالب بها أهل الكمال يكون قد شق عليه. ونظرا ً إلى أن ّ ذا النقص أضعف من ذي الكمال، نجد أن الشارع خفف عنه في الأحكام، سواء كان ذلك بالإسقاط، أو بالتقليل، أو بالإبدال، أو الترخيص، ِ أو غير ذلك، لما في مساواته بذي الكمال من كاملي الأهلية وسليمي البدن من المشقة. والنقص في المكلف يتعلق بثلاثة أمور: العقل، والحرية، والذكورة(٢) . وينقسم إلى ثلاثة أقسام هي: النقص الحقيقي، والنقص الحكمي، والنقص المالي. ١ أما النقص ا لحقيقي: وهذا النقص منه ما هو عقلي يشمل الصغر والجنون والعته والنوم والإغماء والسكر، ومنه ما هو عضوي غير العقل، وهذا ِ منه ما هو خل ْ قي طبيعي، ويشمل الأنوثة، ومنه ما هو طبيعي ويدخل فيه مختلف أنواع العاهات المترتب عليها نقص القوى البدنية، كالعمى، والخرس، والعرج، والشلل، وغير ذلك من العاهات والآفات البدنية. (١) ٤٧٠ . الفيومي، المصباح المنير، ٨٥٤ . وينظر: معاني / ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ٥ أخرى لكلمة النقص في لسان العرب، والقاموس المحيط. (٢) .١٩٨/ الفيومي: المصباح المنير، ص ٢٣٨ . ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ٢ ٢ النقص الحكمي أو ا لاجتماعي: وهو الذي لا يعود إلى نقص في البدن أو أحد أعضائه، وإنما لوصف خارج عنه وهو الرق. ٣ النقص ا لمالي: وهو الإعسار والعجز عن أداء الحقوق المالية(١) . وفيما يأتي تفصيل الكلام عن هذه الأسباب: ١ القسم الأول: النقص الحقيقي: ِ والمراد به النقص القائم بالفعل بالبدن، سواء كان خلقيا ً أو طارئا ً ، وهو ّ نوعان: نقص عقلي، ونقص جسمي. أ النوع الأول: النقص ا لعقلي: وهو يشمل طائفة من الأسباب منها: • السبب الأول: ا لصغر: الصغر ضد الكبر، وقد صغر بالضم فهو صغير، وصغر صغرا ً ، قل حجمه أو ُﱠ ِ سن ّ ه، فهو صغير، جمعه صغار، والمراد هنا: المرحلة التي يمر بها الإنسان بعد ولادته إلى سن البلوغ، وهو أحد عوارض الأهلية عند الأصوليين على سبيل التسامح؛ وذلك لأن الصغر ليس داخلا ً في ماهية الإنسان(٢) ، وهي من الأسباب التي تقتضي التخفيف، ويغلب على الفقهاء استعمال الصبي بدل الصغير. أجمع المسلمون على أن الصبي لا تكليف عليه؛ لأدلة متضافرة من أشهرها: حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «... رفع القلم عن ث لاث » وذكر منهم الصبي حتى يحتلم(٣) . (١) . الباحسين يعقوب: قاعدة المشقة، ص ٨٤ ، عمر كامل، الرخصة، ص ١٣٩(٢) . ٢٤٩ . الرهاوي: حاشية على شرح المنار، لابن فرشت، ص ٩٤٤ / السالمي: طلعة الشمس، ٢(٣) وفي (رواية حتى يبلغ) الترمذي، السنن كتاب الحدود، حديث ١٣٤٣ ، (ترقيم العالمية) النسائي، السنن كتاب الطلاق، حديث ٣٣٧٨ (ترقيم العالمية) أبو داود السنن، كتاب الحدود، حديث: ٣٨٢٣ (ترقيم العالمية) ابن ماجه السنن، كتاب الطلاق، حديث ٢٠٣١ ١٢٩٠ (ترقيم العالمية) / (ترقيم العالمية) أحمد مسند المبشرين بالجنة، حديث: ١١٢٢ الدارمي السنن، كتاب الحدود، حديث ٢١٩٤ (ترقيم العالمية). فالصبا عائق عن التكليف حتى يبلغ الصبي بالنسبة للعبادات، وحتى يرشد بالنسبة للمعاملات المالية، ولا يكتفى بالبلوغ وحده، إذ قد يحصل البلوغ متقدما ً بحسب المناخ، وخصوبة الأبدان، ولا يكون معه رش ْ د كاف. ُ وعل ﱠ ل العلماء ذلك بنقصان عقل الصبي، وأنه في طور الاكتمال التدريجي حتى يبلغ نضجه بسن البلوغ، وتلك علامة ظاهرة منضبطة، جعلها الله سببا ً للزوم التكليف، أما الرشد فوصف خفي غير منضبط(١) . فإذا انفصل الجنين حيا ثبت استقلاله، وتمت ذمته، فثبتت له أهلية ًّ وجوب كاملة، فتجب الحقوق له وعليه، وكان ينبغي أن تجب عليه الحقوق بجملتها، كما تجب على البالغ لكمال الذمة، وثبوت أهلية الوجوب بها، إلا ِ أنه لما كان وجوب الحق ليس مقصودا ً لذات الوجوب، بل المقصود من الوجوب حكمه، وهو الأداء، وبنوا على ذلك أنه لا يجب عليه إلا ما يستطيع أداءه، وأما ما لا يستطيع فلا يجب، وفي ذلك رعاية لجانبه ودفع للحرج والمشقة عنه(٢) . وقد اجتهد الفقهاء في التمييز بين الصبي غير المميز والصبي المميز الذي ناهز البلوغ، فحملوه بعض تبعات أفعاله، والمراد بالتمييز: أن يصبح له بصر ﱠ عقلي يستطيع به أن يميز بين الحسن والقبيح من الأمور، وبين الخير والشر، والنفع والضر، وإن كان بصرا ً غير عميق ولا تام(٣) . وليس لهذا التمييز سن معينة أو علامة طبيعية، فقد يكبر وقد يتأخر، ولكن الفقهاء قد ﱠ روا سن التمييز بتمام السنة السابعة، استنباطا ً من السن ﱠ ة، حيث أمر ﱡ (١) ٢٤٥ . وباجو: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ٦١٤ . عمر / السالمي: المصدر نفسه، ٢ كامل الرخصة الشرعية، ١٣٩ - .١٤٠ (٢) .٤٦١/ ٢٤٦ . النسفي، كشف الأسرار شرح المصنف على المنار، ٢ / السالمي: نفسه، ٢ .١٦٣/ ٢٤١ . صدر الشريعة: التوضيح، ٢ / البزدوي بشرح كشف الأسرار، ٤(٣) . ٧٦٠ فقرة ٤٢٨ / الزرقا: المدخل الفقهي، ٢ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤمر الصبيان بالصلاة في سن السابعة، ويضربوا في سن (٢) العاشر ة؛ لأنها تنازع البلوغ(١) . . وتثبت للصغير في هذه المرحلة أهلية وجوب تامة كما أشرنا ولكن لا تثبت له إلا أهلية أداء قاصرة، والذي يثبت مع هذه الأهلية القاصرة نوعان من الحقوق، هما: حقوق الله، وحقوق العباد. ١ ف أم ا حقوق ا لله: فإن كانت حسنة حسنا ً محضا ً كالإيمان، أو دائرة بين ّ ُ الحسن والقبح، كالعبادات البدنية، نحو الصلاة والصوم والحج والجهاد، فإنها ِ تصح من الصبي لما فيها من النفع، ولكن يجب عليه أداؤها، رحمة به ودفعا ً للمشقة والحرج. وما على الصبي قبل بلوغه من شيء من » : قال السالمي في هذا المعنى العبادات البدنية الاعتقادية، ولكن يؤمر الولي بتدريبه على فعل الطاعات، وتعليمه معالم الإسلام، فيعلمه الصلاة وهو ابن سبع، ويضربه على تركها وهو « ابن عشر، وكذا يعلمه ما يحتاج إليه من أمور دينه ودنياه(٣) ، ويسقط عنه الجهاد، فإن شارك فيه فجائز، قال ابن بركة : أجمع الناس جميعا » ً أن النساء والصبيان والعبيد والأصاغر والأكابر من الز ﱠم ْن َ ى خارجون من فرض الجهاد، « وأنهم لم يخاطبوا بآية الجهاد(٤) . (١) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، رقم ٤٩٤ ، بإسناد حسن، أنه قال: « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع » وذلك لغرض تعويدهم على عبادة الله منذ الصبا، وقد أخذ مصطفى الزرقا من ذلك دليلا ً على اعتبار للشارع هذا الوقت مبدأ سن التمييز، ودليلا ً على تمتع الصغير في هذه السن بأهلية أداء كي تصح منه الصلاة، ينظر: الزرقا المدخل الفقهي الحاشية، .٧٦٢/٢ (٢) . ٢٤٧ . عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، ص ٧٨ / السالمي: طلعة الشمس، ٢(٣) .٢٤٧/ السالمي: نفسه، ٢(٤) .٤٨٣/ ابن بركة: الجامع، ٢ ومن أجل » : ويؤكد السالمي هذا المعنى زيادة في التوضيح فيقول ِ تجويز العبادات البدنية كان لفائدة الصبي لم يستتبع عهدة، فلو ش َ رع في َ صلاة لا يلزمه المضي فيها، ولو أفسدها لا تجب عليه قضاؤها، ولو تركها بدون عذر لا يفسق، كذلك ما كان قبيحا ً ق ُ بحا ً محضا ً ، كالكفر والشرك فلا تلزمه الإيمان؛ لأنه غير مكلف، فلو ترك الصبي الصلاة، أو الصوم، أو الحج، أو نحو ذلك من العبادات البدنية، لم يوصف بالفسق ولو كان بمنزلة من الفطانة والنباهة، وكذلك لا يصح أن يوصف بالشرك إذا أهمل الاعتقاد في توحيد الله تعالى؛ لأنه لم يبلغ حد التكليف، ومن لم يكن كذلك « فلا يوصف بأنه مشرك(١) . وفي رأينا أن مسالك الشريعة ومبادئ رفع الحرج تقتضي تصويب هذا المذهب دون غيره من الذين يحاسبون الصبي على تقصيره في الاعتقادات بالعبادات(٢) ؛ لأن الصبي لما لم يكن من أهل الأداء؛ لقصور في عقله وجسمه، ولم يكن هناك وجه لتصحيح ما فيه ضرر عليه، لا سيما وأن أحكام الشريعة ِ بنيت على رعاية المصلحة، ورفع الحرج عن الناس، كيف وقد جعلوا الصبي ُ كالمعتوه من حيث قصور العقل. وإذا كان حق الله يتعلق بالعبادات المالية، كفطرة الأبدان، وزكاة المال، وما يضطر إليه من الأقوات، ونفقة من يلزمه عوله من الأقارب والزوجات، ْ فيخرج الولي من مال الصبي ما وجب عليه في ماله من حقوق، وإن كان له وصي من قبل أبيه، فيقوم ذلك الوصي نيابة عنه وفق الشرع(٣) . (١) السالمي: نفسه. (٢) ١٥٧ . ابن ملك: كشف الأسرار، / الأنصاري: فواتح الرحموت مع مسلم الثبوت، ١ ٢٥٦ ، وقد قيل: إن الخلاف في شان أحكام الدنيا، أما أحكام الآخرة فالاتفاق واقع /٢بصحة كفره. (٣) .٢٤٦/ السالمي: المصدر نفسه، ٢ ٢ وأما حقوق ا لعباد، وهي: ما روعي في تشريعها مصالحهم، فهي إما أن تكون نفعا ً محضا ً أو ضررا ً محضا، أو دائرة بين النفع والضرر. أ فإن كانت نفعا ً محضا ً ، كقبول الهبة والصدقة والوصية، فإن تصرفات الصبي فيها صحيحة دون توقيف على إذن الوصي؛ لأن في تصحيحها مصلحة ظاهرة، ونحن أمرنا برعاية مصلحة الصغير كلما كانت هذه الرعاية ممكنة(١) . ب وإن كانت ضررا ً محضا ً ، كالهبة والوقف والصدقة وغيرها من التصرفات التي يترتب عليها خروج شيء من ملكه دون مقابل، فإن تصرفات الصبي فيها لا تصح ولو كانت بإذن وليه، بل لا يملكه غيره من ولي ووصي وقاض، إذ الولاية عليه نظرية، وليس من النظر إثباتها فيما هو ضرر محض في حقه(٢) . ج وإن كانت دائرة بين الضرر والنفع، كالبيع والشراء والإيجار، والنكاح بعقد الولي له ذلك على مذهب من أجاز تزويج الصبي، وغيرها من التصرفات التي فيها احتمال الربح والخسارة، فإن تصرفات الصبي فيها صحيحة بشرط انضمام رأي الولي، إذ بانضمام رأي الولي يندفع احتمال الضرر(٣) . هذه بعض التصرفات تتعلق بحقوق الله والعباد، ويبدو من تحميل الصبي المميز بعض تبعات أفعاله من باب المصلحة، كالجراحات التي تقع بين الصبيان، كما قبلوا روايته إذا أد ﱠ اها بعد البلوغ، وكل ذلك استثناء من القاعدة. وهناك حقوق تتعلق بماله، كالغرامات المالية، والمؤنة كالعشر والخراج، ُ أما ما كان من الأجزية كالعقل، أي تحمل شيء من الدية، فلا تجب في َﱡ ماله؛ لأنها عقوبة والصبي ليس من أهل العقوبة، وإنما وجبت عليه رفعا ً (١) .١٥٩/ ٢٤٦ . الأنصاري: فواتح الرحموت، ١ / السالمي: طلعة الشمس، ٢(٢) نفس المراجع والصفحات. (٣) ١٥٩ . السرخسي: أصول السرخسي، / السالمي: نفسه. الأنصاري، فواتح الرحموت. ١ .٣٤٩/٢ للحرج عن أصحاب الحقوق، وليس على الصبي في ذلك من حرج؛ لأن ما يدفعه من مال ليس تبذيرا ً أو ضرار، بل هو بسبب حقوق ثابتة عليه، أكثرها أعواض عما أفاد منه، كما أن الصبي لا يتحمل العقوبات من جراء ﱠ الأضرار التي تسبب فيها أو أحدثها، كالقصاص والحدود، فلا تجب عليه؛ لأن العقوبة جزاء التقصير، وهو لا يوصف به. وهذا ما عليه العمل عند الحنفي ة، ولم نعثر عند الإباضية من تعرض لحكم ميراث الصبي القاتل، هل ّ يرث أم يحرم من الميراث كالبالغ؟ ويبدو من خلال قواعدهم أنه لا يرث قريبه المقتول للشبهة. • السبب الثاني: الجنون والعته: الجنون في ا للغة: زوال العقل، ومادة الكلمة تفيد الاستتار(١) . وأما في ا لاصطلاح، فالجنون هو اختلال العقل بحيث يمنع جريان (٢) الأفعال والأقوال على نهج العقل إلا نادرا ً . وقسم العلماء الجنون إلى قسمين: أصلي، وطارئ أو عارض. فالأصلي: ما كان متصلا ً بزمان الصبا، بأن جن قبل البلوغ فبلغ مجنونا ً. ُّ والجنون العارض أو الطارئ: هو ما كان بعد البلوغ، بأن بلغ عاقلا ً ثم جن، وكل منهما إما ممتد أو غير ممتد(٣) . ُّ ُِ كما قسموه إلى جنون مط ْ بق وغير مط ْ بق، أما المطبق: فهو الذي أويس من ُُ رجوع عقله، وذلك أن ينطبق عليه سنة كاملة(٤) . (١) .٩٤/١٣ ،« جنن » : ابن منظور: لسان العرب، مادة(٢) .١٦٧/ البخاري عبد العزيز صدر الشريعة، التوضيح، ٢(٣) ١٧٣ . باجو: منهج / ١٦٧ . ابن أمير الحاج: التقرير والتحبير، ٢ / التفتازاني: التلويح، ٢ . الاجتهاد عند الإباضية، ٦١٦(٤) .٥٧/ السالمي: معارج الآمال، ١٨ أما ا لعته: فهو اختلال في العقل بحيث يختلط كلامه، فيشبه مرة كلام العقلاء ومرة كلام المجانين، أو هو اختلال في العقل يجعل صاحبه قليل له(١) الفهم مختلط الكلام، فاسد التدبير كالأب . ْ واختلفت عبارات الفقهاء في التمييز بين العته والجنون، ولعل من أفضل ما قيل في ذلك: أن من كانت حالته حالة هدوء فهو المعتوه، وإن كانت حالته مضطربة فهو المجنون(٢) . والعته والجنون بنوعيه لا ينافي أهلية الوجوب؛ لأنها تثبت بالذمة وهو لا ينافيها؛ لأنها ثابتة على أساس الحياة في الإنسان، إلا أنه يؤثر في أهلية الأداء والتصرف فيعدمها، لزوال العقل والتمييز، فأحكام المجنون والمعتوه كأحكام الصبي باتفاق الفقهاء . حكم الجنون والعته حكم الصغير في » : يقول السالمي في هذا الصدد جميع ما مر، وذلك أن الجنون مزيل للعقل بالكلية، وليس في الصبي إلا نقصان العقل، فالمجنون أولى برفع التكليف من الصبي، وأما العته فهو نوع « من الجنون وحكمه حكمه(٣) . وذكر الفقيه باجو أن بعض الفقهاء يجعلون المجنون كالصبي تماما ً في عدم لزومه التكاليف وسقوط التبعات في الجنايات، للحديث المذكور عن أنس 3 أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، » « وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى ي فيق(٤) . قال أبو غانم (١) ٢٦٤ . النسفي: كشف / ١٦٧ . ابن ملك: كشف الأسرار، ٢ / صدر الشريعة: التوضيح، ٢ ٤٨٤ . الزيلعي فخر الدين عثمان بن علي، (ت: ٧٤٢ ه): تبيين الحقائق شرح / الأسرار، ٢ .١٩٥/ كنز الدقائق، مطبعة بولاق، مصر ١٣١٣ ه/ ١٩١٥ م، ٥ (٢) . أحمد إبراهيم: الأهلية وعوارضها، ص ٣٧١(٣) .٢٤٨/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٤) سبق تخريجه. والمعتوه والمجنون والمغمى عليه مرفوع عنهم » : الخراساني في مدونته « القلم(١) وغيره « طلعة الشمس » ، ولعله لم يطلع على ما صرح به السالمي في كما بينا آنفا ً. ّ ولفقهاء الإباضية وغيرهم تفاصيل في الأحكام التي تثبت للمجنون والمعتوه، وتتنوع بتنوع مجالها، من عقائد أو عبادات أو معاملات، وهي كأحكام الصبي العاقل التي سبق بحثها فلا حاجة إلى تكرارها(٢) . وقد نص العلماء على أن هذه الأحكام شرعت رفعا ً للحرج عنه، كما هي في شأن الصبي والمجنون والمعتوه، قال ابن أمير الحاج(٣) : فالخطاب يسقط » عن المجنون كما يسقط عن الصبي في أول أحواله تحقيقا ً للعدل، وهو أن لا يؤدي إلى تكليف ما ليس في الوسع، ويسقط عن المعتوه كما يسقط عن الصبي في آخر أحواله تحقيقا ً للفضل، وهي نفي الحرج عنه، نظرا ً له ومرحمة « عليه(٤) . وخلاصة ا لقول: إن أحكام المجنون والمعتوه تتلخص في أمور: أ أن المجنون والمعتوه لانعدام أهليتهما لم يكونا مكلفين بما يكلف به ُْ الإنسان الطبيعي، وهذا أمر مقرر في جميع الشرائع والقوانين، وهو مبني على اشتراط الأهلية نفسها في التكليف، فمن لم يكن أهلا ً فلا تكليف عليه. ب أنه نظرا ً لأن المجنون والمعتوه قد يتصرفا في حال فقدان عقلهما بما (١) ١٩٣ ، مخطوط مصور. / الخراساني أبو غانم: المدونة الكبرى، ١(٢) .٤٠٩/ راجع ذلك في السبب الأول: الصغر، من هذا المطلب. ينظر: السالمي، العقد الثمين، ٤ (٣)موسى بن محمد التبريزي، أبو الفتح، مصلح الدين المعروف بابن أمير الحاج ٦٦٩) - ٧٣٣ ه/ ١٢٧٠ - ١٣٣٣ م): فقيه حنفى. زار دمشق سنة ٧١٠ وسنة ٧٢٦ ومر بالقاهرة. من مصنفاته: الرفيع في شرح البديع لابن الساعاتي، في الأصول خ. (٤) .١٧٢/ ابن أمير الحاج: التقرير والتحبير، ٢ فيه ضرر عليهما أو على غيرهما، فقد حجرا عن التصرفات المؤدية إلى ذلك، فلو طلق المجنون زوجته، فلا يقع طلاقه باتفاق الفقها ء، وكذلك من خولط في عقله ببعض العلل، كالمعتوه والأبله، أن ّ طلاقه لا يلزم(١) ، فالمجنون والمعتوه لا ينعقد النكاح بألفاظهم، لعدم العقل أو ضعفه(٢) . نقل الشقصي في مصنفه حكم المجنون والمعتوه إذا أجريا عقد النكاح ْ بدون علم بحالهما، فقد قيل: في رجل تزوج من قوم وهو مجنون، ولم يعلموا بجنونه حتى دخل بها، أن ّ لهم أن يأخذوا أولياءه حتى يطلقوها منه، قال أبو سعيد 5 : وأما المعتوه إذا تزوج في نقصان عقله ودخل، لم يثبت » ذلك، ت َمم التزويج بعد إفاقته أو غيره، وتحرم عليه بذلك الوطء، ولا تحل له ﱠ أبدا ً ، إلا أنه قد قيل: في تزويج وليه له: إذا قبل له التزويج عليه باختلاف، قال « بعض أصحابنا بإجازة ذلك، وأفسد ذلك بعض(٣) . ج ونظرا ً إلى أنهما قد يلحقان أضرارا ً بالآخرين، لم يكن بد ّ من دفع ُ هذه المفسدة، ولكن لما كانا غير مسؤولين، فإن ما يلحقانه بغيرهما من الأضرار المادية يضمنانه، ويؤخذ من مالهما، دفعا ً للحرج والضرر عن الناس، كما أنه لما كان القصد الجنائي منتفيا ً لم يكونا مسؤولين من هذه الجهة. د عند إفاقة المجنون والمعتوه لا يلزمهما قضاء العبادات إلا بما لا حرج فيه، وقد ق ُد ّ ر وجود الحرج بالكثرة والامتداد، ضبط ذلك في كل شيء بحسبه على ما سبق أن بينا(٤) . (١) .١٧٩/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) أرشوم مصطفى: النكاح صحة وفسادا ً وآثارا ً . في المذهب الإباضي، ص ٥٤(٣) .٣٠٥/ الشقصي خميس: منهج الطالبين، ١٥(٤) وينظر: الخراساني أبو غانم: ،« امتداد الفعل » يراجع: ما ذكر في الصفحات السابقة في عنصر ٢٤٦/ ١٩٣ . والسالمي: طلعة الشمس، ٢ / المدونة الكبرى، ١ - .٢٤٨ • السبب الثالث: ا لنوم: وهي فترة الخمود مصحوبة بنقص الإدراك والشعور، وراحة نسبية تساعد الجسم على تعويض ما يفقده من طاقات مختلفة خلال ساعات العمل(١) . وعرفه بعض الأصوليين بأنه: فترة طبيعية تحدث في الإنسان بلا اختيار منه مع قيام العقل، وهو يوجب العجز عن إدراك المحسوسات والأفعال الاختيارية، واستعمال العقل لفترة(٢) . ولهذا أدخلناه في مجال النقص العقلي لا لعدم العقل أو نقصانه، بل لعدم استعماله، وهو ينافي الأهلية؛ لأنها تقوم على التمييز والعقل، والنائم لا تمييز له ولا فهم، ولهذا فهو ليس بمكلف حال نومه بالإجماع(٣) . ولكنه لا ينافي ْ الوجوب لعدم إخلاله بالذمة والإسلام، ولا مكان للأداء حقيقة بالانتباه، أو خ َل َف ً ا بالقضاء عند عدمه(٤) . ونظرا ً لما ذكرناه من أن النوم ينافي أهلية الأداء، ولا ينافي أهلية الوجوب، فقد ترتب عليه جملة من الأحكام، منها ما يتعلق بالأقوال، ومنها ما يتعلق بالأفعال(٥) ، وفيما يأتي بيانها: (١) غربال محمد شفيق وجماعته، الموسوعة العربية الميسرة، ص ١٨٦١ ، ومما جاء فيها: ويمكن التفرقة بين النوم وحالات اللاشعور المرضية كالغيبوبة بالسهولة التي نستطيع »بها إيقاظ النائم، وأكثر أجهزة الجسم توقفا ً عن العمل في أثناء النوم، وهي المراكز العليا للمخ التي تختص بالإدراك والتمييز والتفكير، والرد على المؤثرات الخارجية بما يناسبها، وينظر كذلك: الشيخ أحمد إبراهيم: الأهلية .« وما يتعلق مع خبرة الشخص وتجاربه السابقة . وعوارضها، ص ٣٧٥ (٢) الجرجاني: التعريفات، ص ٢٥٦ . المناوي: التوقيف على مهمات التعاريف، ٣٣١ . .٤٨٧/ النسفي: كشف الأسرار، ٢(٣) .١٥/ ٢٧ . الزركشي: تشنيف المسامع، ١ / الشوكاني: نيل الأوطار، ٢(٤) .١٦٩/ ٢٥٩ . التفتازاني: التلويح، ١ / السالمي: طلعة الشمس، ٢(٥) ١٨٣/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ - ١٨٤ ، تعرض إلى أحكام طهارة النائم وصلاته. ١ أما أقواله فلا اعتداد بشيء منها، وإن كان المعتبر فيها الاختيار مطلقا ً ، ِ كالبيع والشراء، والإسلام والردة، والزواج والطلاق والعتاق، وكذلك لا اعتداد بقراءته في الصلاة، وذلك لانتفاء الاختيار والقصد. ٢ وأما أفعاله فلا يؤاخذ عليها مؤاخذة بدنية، حتى لو انقلب على إنسان فقتله، لم يعاقب بدنيا، دفعا ً للمشقة والحرج عنه في معاقبته على ما لم ًّ يقصد؛ لعدم تمييزه، ولكنه يؤاخذ مؤاخذة مالية فتجب عليه الدية، كما يجب عليه ضمان ما يتلفه من مال بفعله؛ لوجوده حسيا ً ، ولعصمة ّ الأنفس والأموال، ودفعا ً للضرر والحرج عن أصحاب الأموال وأولياء القتيل في تقبل ما حصل، من غير عوض أو ضمان(١) . ﱡ ونظرا ً لانتفاء أهلية الأداء وبقاء الوجوب، تأخر خطاب الأداء عنه إلى زوال النوم، تخفيفا ً من الله تعالى، ورحمة بعباده، نظرا ً لحاجتهم إليه ولغلبته عليهم في كثير من الأحيان، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إنه ليس في النوم تفريط، إنما » « التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليقضها إذا ذكرها(٢) . وإنما يسقط عنه نفس الوجوب؛ لأن الحرج الذي يتحقق بكثير الواجبات، وامتداد الزمان منتف في حالة النوم؛ لقصر مدته عادة(٣) . ولكن السالمي ينظر إلى النائم من جانب آخر فيجد له حكمان: الأول: يتعلق بتأخر تعلق الخطاب به حتى يسقط. (١) ٢٤٩/ السالمي: الطلعة، ٢ - ١٦٩ . ابن أمير الحاج: التقرير / ٢٥٠ ، التفتازاني: التلويح، ٢ .١٨٧/ والتحبير، ٢ (٢) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، رقم ٦٨١ ، عن أبي قتادة. والترمذي في سنن الجامع الصحيح أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في النوم عن الصلاة حديث: ١٦٧ قال الترمذي: وحديث أبي قتادة حديث حسن صحيح. والدارقطني السنن كتاب الصلاة باب قضاء الصلاة بعد ٣٠/ وقتها حديث: ١٢٥٣ ينظر: الشوكاني: نيل الأوطار، ٢ - .٣١ (٣) .٣٨٨/ ٢٦٦ . النسفي: كشف الأسرار، ٢ / ابن ملك: كشف الأسرار، ٢ والثاني: إلغاء ألفاظه، فلا يعتد بها لعدم القصد والإرادة، ويوضح ذلك للنوم حكمان، أحدهما: تأخير تعلق الخطاب إلى حال اليقظة، فإن » : بقوله النائم لعجزه عن فهم الخطاب لا يناسب أن يتوجه إليه الخطاب، ولإمكان فهم الخطاب منه بالانتباه لم يسقط الخطاب عنه رأسا ً ، ولكن أ ُخ ّ ر عنه إلى أن يستيقظ، واستدلوا على بقاء وجوب الخطاب في حق النائم بقوله صلى الله عليه وسلم : من نام » عن صلاة أو نسيها ف ليصل ﱢ « ها إذا ذكرها(١)، قالوا: لو لم يكن الوجوب ثابتا ً في حق النائم والناسي ما أمروا بالقضاء. والحكم الثاني: إلغاء ألفاظه، فلا توصف ألفاظ النائم بخبر ولا استخبار ولا إنشاء(٢) ، ولا يتم بلفظه بيع ولا شراء، ولا تزويج ولا طلاق، ولا عتق، ونحو ذلك؛ لعدم القصد والإرادة فيها، ولأجل ذلك قال بعضهم بثبوت العفو عنه في الصلاة، فلا تنقض صلاة من تكلم فيها وهو نائم، لعدم القصد والإرادة في ذلك، وقيل: إنها تنقض بالكلام في اليقظة والنوم، أخذا ً بظاهر الحديث: « إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام ا لآدميين »(٣) «(٤) . (١) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي الصلاة، رقم ٥٧٢ ، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، رقم ٦٨٤ ، عن نسيان الصلاة. وعن النوم: رواه النسائي، كتاب المواقيت، باب فيمن نام عن صلاة، رقم ٦١٤ ، والطبراني في الكبير، باب .٧٣/ مجمع الزوائد، ٢ « رجاله ثقات » : الواو، وهب بن عبد الله، رقم ٢٦٨ . قال الهيثمي (٢) وقد أكد ذلك التفتازاني وابن أمير الحاج فقالوا: إن كلامه بمنزلة ألحان الطيور، وإنه ليس ١٦٩ . وابن / بخبر ولا إنشاء، ولا يتصف بصدق ولا كذب. ينظر: التفتازاني: التلويح، ٢ .١٧٨/ أمير الحاج: التقرير والتحبير، ٢ (٣) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، رقم ٥٣٧ ، عن معاوية بن الحكم السلمي. ورواه السنن الصغير البيهقي كتاب الصلاة تفريع أبواب سائر صلاة إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام » : التطوع باب سجود السهو حديث: ٦٩١ بلفظ ورواه أيضا « الناس، وإنما هي التسبيح والتكبير، وتلاوة القرآن ً البيهقي في معرفة السنن والآثار ١، عن الشافعي بألفاظ قريبة من هذا كتاب الصلاة الكلام الذي يقطع الصلاة حديث: ٠٩٠ المعنى. ورواه الطيالسي في مسنده أحاديث معاوية بن الحكم حديث: ١١٨٦ وصححه الألباني. (٤) .٢٥٠ - ٢٤٩/ السالمي: الطلعة، ٢ حكم من نام أكثر من يوم، هل « المدونة » ويبين أبو غانم الخراساني في ّ ومن نام يوما » : يقضي الصلاة والصوم؟ فيقول ً أو يومين أو أكثر، أعاد الصلاة لا الصوم، إلا إن نام على جنابة فليعدهما، وإن لم يأت بنية الصوم جملة بل « كل يوم، أعاد ما لم ينو له(١) . وذهب بعض فقهاء الحنفية من أن كلام النائم يبطل صلاته، بناء على أن النص الوارد بشأن الكلام في الصلاة لم يفرق بين النائم والمستيقظ، وإلا فإن الصلاة غير متصورة من النائم(٢) . ويظهر مما تقدم أن النوم يعتبر عذر شرعي ت ُ بنى عليه الأحكام من هذه الجهة، وأما عدم الاعتداد به في بعض الأمور، فلأن ذلك مبني على تعارض المصالح، ودفع الضرر العام بالخاص، وهذا في حد ذاته تيسير ورفع الحرج عن النائم(٣) . • السبب الرابع: ا لإغماء(٤) : ِ هو حالة مرضية تتعطل فيها القوى المدركة والمحركة عن أفعالها مع بقاء ّ العقل مغلوبا ً (٥) ، وهو أشد من النوم في العارضية وسلب الاختيار. وقيل: إنه فتور غير أصلي لا بمخدر، يزيل عمل القوى(٦) . (١) .٣٢٦/ الخراساني أبو غانم: المدونة، ١(٢) .١٧٨/ ابن أمير الحاج: التقرير والتحبير، ٢(٣) . الباحسين: قاعدة المشقة، ص ٩٧(٤) الكلام هنا يتناول حالة الإغماء باعتباره مرضا لم يتسبب فيه الشخص، أما في حالة ما إذا كان نتيجة تناول مخد ّ ر طبي أو دواء أو خمر فللعلماء فيه تفاصيل، تراجع في مظانها، راجع ُ .١٧٩/ ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ٢ ِ (٥) ابن أمير الحاج: المصدر نفسه، قيل أنه سهو يعتري الإنسان مع فتور الأعضاء لعل ّ ة. المناوي: التوقيف على مهمات التعريفات، ص ٥٧ ، وقيل غير ذلك، ينظر: النسفي: كشف الأسرار، .٤٨٨/٢ (٦) . الجرجاني: التعريفات، ص ٤٧ فقوله غير أصلي: يخرج النوم، وقوله لا بمخدر: يخرج الفتور بالمخدرات، وقوله يزيل القوى: يخرج العته. ولهذا فإنه يثبت له جميع الأحكام الثابتة للنوم، ويزيد عليه أنه يعتبر حدثا ً في جميع الحالات، ويمنع البناء مطلقا ً. ووجه التفريق ب ينهما: أ ما ذكرناه من شدة الإغماء بالنسبة إلى النوم، مما يجعل حالة المغمى عليه أكثر انفلاتا ً واسترخاء . ً ب ما يمكن أن يحصل من مشقة نتيجة اعتبار النوم حدثا ً على كل حال، نظرا ً لكثرة وقوعه وابتلاء العباد به، بخلاف الإغماء الذي يقل وقوعه وينذر(١) . والإغماء يؤخر خطاب الأداء كالنوم، وذلك في حالة امتداده، أما إذا امتد فإنه لا يتأخر بل يسقط عنه؛ لانعدام الأداء حقيقة بالإغماء، وتقديرا ً بمشقة القضاء بعد الإغماء لكثرة الفوائت، وإذا انعدم الأداء سقط الوجوب، لعدم الفائدة من بقائه(٢) . والإغماء ليس محل اتفاق الفقهاء على كونه رافعا ً للتكليف، فبعض ألحق الإغماء بالجنون، وبعض ألحقه بالنوم، وبعض بالمرض، فاختلفت الأحكام لاختلاف القياسات. وحتى تتضح صورته أكثر نذكر جانبا ً من الخلاف بين العلماء من خلال بعض الفروع الفقهية. ١ في باب ا لعبادات: أ يرى جابر بن زيد أنه ليس على المغمى عليه تكليف ولا بدل، خلافا ً عن رجل مرض مرضا » لأبي عبيدة مسل م، فقد سئل جابر ً شديدا ً فأغمي عليه ليالي، لا يعقل ولا يصلي، ثم أفاق وصح، هل عليه بدل ما مضى من صلاته؟ « قال: لا أرى عليه من صلاته التي لم يصلها وهو لا يعقل بدل ولا شيء(٣) . (١) .١٦٩/ ١٧٠ . وينظر: التفتازاني: التلويح، ٢ ،١٦٩/ صدر الشريعة: التوضيح، ٢(٢) .٢٧٤/ ٢٥٠ . ابن ملك: كشف الأسرار، ٢ / السالمي: الطلعة، ٢ (٣). جابر بن زيد: كتاب رسائل جابر بن زيد، ص ٧ كما سئل أبو عبيدة عن الرجل يغمى عليه قبل رمضان؟ قال: عليه القضاء، ولما سئل عن الفرق بين المغمى عليه وبين المجنون الذاهب العقل، قال: إن المغمى عليه مريض، والتكليف عليه قائم، والمجنون المطبق لا كلفة عليه، وهو بمنزلة الصبيان(١) ، وعقب عليه القطب أطفيش : فإن لم يكن جنونه » مطبقا ً لزمه القضاء، والمغمى عليه عقله باق فيه، والمجنون عقله ذهب، فالمغمى عليه كمريض ولو لم يعقل أن رمضان دخل، كما أن المريض الذي « لا يعقل يلزمه القضاء(٢) . فهنا نلاحظ أن بعض الإباضية ألحق الإغماء بالجنون مطلقا ً ، كالإمام جابر بن زي د، وبعضهم ألحقه بالمرض كأبي عبيدة والشيخ أطفي ش، فاختلفت أحكامهم. وفي السياق نفسه نجد الجيطالي وغيره يلحق المغمى عليه بالمجنون إذ امتد وقته طوال الشهر في رمضان ولم يفق إلا بعده، بينما يلحقه بعضهم بالنائم إذا كان إغماء قصيرا ً والمغمى عليه قبل دخول » : ، وفي هذا المعنى يقول ً رمضان فلم يفق إلا في شوال، فيه اختلاف، وعن الحسن البصري أن المغمى عليه لا يقضي إلا اليوم الذي أفاق فيه، وأما إن أغمي عليه أياما ً فأفاق فيه، ففيه خلاف، قال بعضهم: إذا نوى الصوم أول الليل ثم أغمي عليه في بعض، فهو بمنزلة النائم، ويجزيه ذلك اليوم، فإن أغمي عليه أكثر من ذلك اليوم فعليه البدل؛ لأنه دخل فيه وهو لا يعقل، وحكي عن مكحول أنه قال: َُ « لا قضاء على المغمى عليه، وإني لأحب أن يتطوع بالقضاء(٣) . ّ ونقل أبو غانم الخراساني في مدونته عن الحسن أيضا ً إذا أغمي » : أنه قال .« عليه الشهر كله وهو صائم فقد أجزى عنه، وكان حجته أن ذلك من دينه (١) .٣٥٢/ الخراساني: المدونة، ١(٢) الخراساني: المصدر نفسه. (٣) .٩٣/ الجيطالي: قواعد الإسلام، ٢ أي الصوم من دين المغمى عليه، وهو قد » : وعقب عليه أطفيش بقوله َْ « اعتقده ونواه وحدث له الإغماء فيه، فهو كمن نوى وغربت نيته(١) . ويشير أبو غانم إلى ضعف هذا القياس معقبا ً وليس » على قول الحسن قول الحسن في هذا بشيء، والقياس داخل عليه؛ لأن في هذا إذا افتتح صومه في يومه فلم يتمه حتى مرض، فصار لا يقدر على الأكل والشرب فليس بصائم، وإنما الصائم من صام لله تعالى وهو قادر على الصوم، وليس أمره كالنائم؛ لأن النائم يقدر على النوم، والمغمى عليه مغلوب عليه من سقم كالمبرسم مغلوب عليه من سقم، فكل هذا من القياس داخل على الحسن في ثم رجح أبو غانم قول أبي عبيدة الذي سبق الإشارة ،« قوله الذي ذهب إليه وبهذا نأخذ وعليه نعتمد، وهو » : إليه؛ لأنه القول المعتمد عند الإباضي ة، وقال « قول أبي عبيدة والعامة من فقهائنا(٢) . ويضيف السالمي بيانا ً مفصلا ً لأحكام المغمى عليه في رمضان وما يترتب وأما المغمى عليه فإما أن يغمى عليه كل الشهر أو بعضه، فإن » : عليه فيقول أغمي عليه كل الشهر فقيل: يكون كالمجنون لا قضاء عليه؛ لزوال التكليف عنه بزوال عقله، وذلك أن يجن قبل دخول الشهر فلا يفيق إلا بعد خروجه. َّ وقال آخرون: عليه القضاء؛ لأنه داخل في عموم قوله تعالى: ﴿ GFE KJIH ﴾ )البقرة : (١٨٤ . وقالوا: والمغمى عليه صحيح العقل كالنائم، .« وآفته في جسمه، فهو أشبه بالمريض، وألزموه البدل لتعذر النية وإن أغمي عليه بعض الشهر وصحا في بعض، فقيل: لا بدل عليه فيما أغمي عليه، وقال أبو عبد الله محمد بن محبوب : عليه البدل في جميع الأيام إلا اليوم الذي أصبح فيه صحيحا ً ثم أغمي عليه. (١) .٣٢٧/ الخراساني أبو غانم: المدونة، ١(٢) الخراساني: نفسه. وقال أبو الحسن البسيوي إذا نوى الصيام ليلا ً ثم أغمي عليه قبل طلوع الفجر إلى أن تغرب الشمس فأرجو أنه يجزئه صومه؛ لأنه نواه في وقت ما أمر به من الليل، فهو على اعتقاده إن لم يعقل في يومه، فلم يحدث في نيته حدثا ً يبطل صومه، وأنه كمن نوى الصيام من الليل ثم ذهب به النوم حتى أصبح، تم صومه له ولا بدل عليه(١) . ﱠ وقال الشماخي : واختلفوا أيضا » ً في كون الإغماء مفسدا ً للصوم، قال قوم مفسد للصوم، وقال قوم ليس بمفسد، وقوم فرقوا بين أن يغمى عليه قبل الفجر أو بعده، أو بعد ما مضى أكثر النهار أو أقله، قال: فمن جعل الإغماء مفسدا ً للصوم أوجب عليه قضاء كل يوم أغمي فيه عليه؛ لأنه غير موصوف بالصوم، وهو داخل في عموم قوله تعالى: ﴿ HGFE ﴾ (ال بقرة: ١٨٤ ( . ومن قال ليس بمفسد لم يوجب القضاء إلا من الإفطار، ومن فرق ّ بين أن يغمى عليه قبل الفجر أو بعد ما مضى أكثر النهار أوجب قضاء كل يوم « طلع عليه الفجر وهو لا يعقل الصيام(٢) . وهذا القول عندي أحوط؛ » : واختار الشماخي هذا القول ورجحه فقاللأنه دخل الصوم وهو لا يعقل ولا ينوي، قال: وأما من فرق بين أكثر النهار َّ « وأقله، فالأكثر والأقل عنده سواء(٣) . وهناك أقوالا ً منها: « المدونة » أخرى في هذه المسألة ذكرها أطفيش في أن من أغمي عليه يوما » ً أو أكثر أعاد الصوم، وقيل الصلاة، وقيل يعيدهما، وقيل لا يعيدهما، وقيل إن أغمي عليه أول النهار وصح في آخره فلا يعيد ُ يومه، وإن صح في أوله وأغمي عليه في آخره فلا يعيد، وقيل يعيد أغمي عليه أوله أو آخره، وإن أكل المغمى عليه أو النائم أعاد إجماعا ً ، قال ابن عمر : من ﱠ (١) .٢٢٦/ البسيوي: الجامع، ٢ (٢) .١٩٧ - ١٩٦/ الشماخي: الإيضاح، ٣(٣) ٥٩/ ١٩٧ . وينظر: السالمي: معارج الآمال، ١٨ / الشماخي: المصدر نفسه، ٣ - .٦١ أغمي عليه في حال صومه فلا قضاء عليه، ومن أغمي عليه اليوم كله قضى وإن لم يأكل؛ لأن الله تعالى قال في الصائم: « يدع شهوته وطعامه من أ جلي »(١) قال أطفيش معقبا ً : قلت: لا يقضي يومه، ولا يومه فصاعدا » ً ، إن نوى لرمضان «(٢) نية واحدة إن فعل مفطرا ً . منشأ الخلاف: ولعل سبب الخلاف في المسألة يعود إلى اختلاف علة الحكم، فمن نظر ﱠ إلى المغمى عليه بأنه صاحب عقل لكنه تعطل لعلة، ألحقه بالنائم، ومن نظر إلى الإغماء وهي حالة تشبه المرض ألحقها به، فاختلفت أحكامهم. ولكن لو نظرنا إلى المسألة من جانب آخر نجد أن من يصر على إلحاق ّ المغمى عليه بالمجنون نظر إلى العلة الجامعة بينهما، وهي فقدان العقل وتعطيله، وقد ذهب إلى هذا القول الإمام الجيطال ي، فبعد أن عرض كل وهذا كله ضعف، فإن الإغماء والجنون » : الأقوال السابقة حكم بضعفها وقال .« صفة يرتفع بها التكليف، فإذا ارتفع لم يوصف بصائم ولا مفطر هذا صريح في اختيار » : وعقب المحشي أبي ستة على رأي الجيطالي فقال أن المغمى عليه لا يقضي صوما ً ولا صلاة حيث كان كالمجنون، وهذا ظاهر إذا أغمي عليه في الشهر كله، وإن أغمي عليه في بعض الأيام فالظاهر القضاء؛ لأن المذهب أنه فريضة واحدة كما في المجنون، ولا يقضي الصلاة مطلقا ً « حيث شبه به، إلا إن أغمي عليه بعد دخول الوقت كما في المجنون(٣) . وهو مذهب الإمام جابر بن زيد كما أسلفنا. (١) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى ﴿ ÆÅÄà Ç﴾ ، رقم ٧٠٥٤ ، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، رقم ١١٥١ ، عن أبي هريرة. (٢) ٣٢٥/ أطفيش: شرح المدونة لأبي غانم الخراساني، ١ - .٣٢٦ (٣) ٩٣/ القصبي أبو ستة عمرو: الحاشية على قواعد الإسلام للجيطالي، ٢ - .٩٤ ولكن الإمام السالمي لم يأخذ بهذا الرأي، فهو يرى أن المغمى عليه مثل النائم، بل هو أشد منه لمنافاتها للقصد والإرادة، وهذا ما أشرنا إليه فيما تقدم. والحاصل: إن المتأمل في الأقوال المختلفة وأدلتها يدرك مدى وجاهة كل رأي استنادا ً إلى اعتبارات مختلفة، فمن ذهب إلى أن الإغماء حالة مرضية نجده لم يجانب الصواب، فهناك حالات من الأمراض يصاحبها الإغماء قد يطول أو يقصر، فألحقه بالمرض، وما يترتب عليهم من أحكام مع مراعاة جانب التيسير والتخفيف، دفعا ً للمشقة ورفعا ً للحرج عنهم، خاصة إذا كان الإغماء متكررا ً أو ممتد ّ ا ً ، ومن نظر إلى جانب تعطل العقل ألحقه بالمجنون، وأسقط عنه التكاليف، فإذا كان ممتد ّ ا ً لا يترتب عليه قضاء ولا بدل، وإن كان متقطعا ً أو طارئا ً ، فإن أفاق قضى الصوم دون الصلاة، ولا شك أن من ذهب إلى هذا الرأي راعى جانب التخفيف، ولا يتحقق ذلك إلا بإسقاط التكاليف عنه في حالة الإغماء، ولا يطالب بقضاء ما فات تيسيرا ً عليه ورفعا ً للحرج عنه. الرأي ا لمختار: ولكن عند التحقق مع النظر الطبي نجد أن الإغماء يحدث نتيجة تعطل القوى المدركة المحركة حركة إرادية، بسبب مرض يعرض الدماغ، وهو شبيه بالنوم في تعطل العقل، إلا أن النوم عارض طبيعي، والإغماء غير طبيعي، فيكون حكمهما واحد في التصرفات، وهو إلغاؤها وبطلانها، لعدم توفر القصد عند المغمى عليه(١) . وما دام العلم الحديث يؤكد هذه الحقيقة، فلا نملك إلا التصديق بها والاعتماد عليها في تقرير أحكام المغمى عليه، وعليه فيبدو أن هذا الرأي هو أعدلهم يترجح لقوة حجته، مع مراعاة جانب التيسير والتخفيف على من ابتلى َ الحرج مرفو ع، ولا تكليف بالشاق » : بهذا، مراعاة للقاعدة المقاصدية .« ويؤيد ما ذهبنا إليه شيخنا عبد الرحمن بكلي حيث يقول في تعليقه على ٰ (١) .١٢٩/ الزحيلي وهبه: الفقه الإسلامي وأدلته، ٤ قول المحشي أبي ستة : والمتبادر عندي أن المغمى عليه والنائم وإن رفع عنه » ُ التكليف غير أن الآخرين متى انتبه أحدهما عادت إليه حالته الأولى من صحة َْ العقل، بخلاف المجنون، وأنت خبير أن الأطباء يفرقون بين المجنون ومرض الأعصاب [الجهاز العصبي] والإغماء، فالجنون هو اختلال العقل اختلالا ً لا يمكن علاجه، ومرض الأعصاب هو اعتلالها ويمكن علاجه غالبا ً ، والمغمى عليه يتماثل للصحو بدون علاج، بل يقتصر على تنبيهه كالنائم، لذلك قلت: « هو أشبه بالنائم منه بالمجنون والله اعلم(١) . • السبب الخامس: ا لسك ْ ر: ﱡ ِ السك ْر: بضم أوله وسكونه ثانيه، مصدر سكر فهو سكران، جمع سكرى ﱡ َْ وسكارى، والمرأة سكرى، ومعناه فق َ د التمييز بين الأشياء، فهو غياب العقل ُ بسبب تناول مادة تؤثر فيه(٢) . زوال الإنسان عن الطبع الذي كان عليه » : وحقيقة السكر عند ابن بركة هي قبل السكر، أما السكران هو الذي ابتدأ الاختلاط، ألا ترى أنه يقال للذي « اختلط كلامه كأنك سكران(٣) . السكر هو تغير » : بينما نجد السالمي يعرفه بتعريف أدق وأشمل فيقول ّ « العقل بسبب أبخرة تصعد إلى الدماغ من شرب المسكرات أو أكلها(٤) . (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٩٤/ تعليقات على قواعد الإسلام للجيطالي، ٢(٢) . محمد رواس قلعة جي: معجم لغة الفقهاء، ص ٢٤٧(٣) .١٨٠/ ابن بركة: الجامع، ٢(٤) عبارة عن غفلة تعرض بغلبة » : ٢٦٤ . وعرفه الجرجاني بأنه / السالمي: طلعة الشمس، ٢ السرور على العقل بمباشرة ما يوجبها من الأكل والشرب، وعند أهل الحق السكر هو: غيبة ِ بوارد قوي وهو يعطي الطرب والالتذاذ وهو أقوى من الغيبة وأتم منها، والسكر من الخمر َّ عند أبي حنيفة، أن لا يعلم الأرض من السماء، وعند أبي يوسف ومحمد الشافعي، وهو أن اختلط » : ينظر: الجرجاني: التعريفات، ص ١٣٣ . وزاد السيوطي عليها عبارة .« يختلط كلامه . ينظر: السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٢٩٠ .« كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم فذهاب الدماغ عنده عبارة عن تغير العقل؛ لأن تغير الدماغ سبب لتغير العقل، وتغير العقل هو ذهاب حاسته المدركة المميزة. والسك ْ ر ن وعان: إما أن يكون سكر سببه حلالا ً ، وإما أن يكون سببه حراما ً. ﱡ ١ أما السكر الذي سببه حلالا ً: فكسك ْ ر من سكر من الأشياء التي أبيح له أكلها أو شربها لحال الضرورة، مثاله: لو اضطره الجوع إلى شرب الخمر أو أكل المسكر، أو أكره الحاكم على ذلك، فإنه يباح له على قول إحياء نفسه من المسكر، فإذا أحياها من ذلك المباح في حقه فسكر، فحكمه في الصلاة والصيام ومع التصرف حكم المغمى عليه؛ لأن لكل واحد من الإغماء والسكر المباح مغير للعقل من غير هوى من صاحبه، وكذلك من شرب لبنا ً أو تمرا ً ًّ مخمرا ً ولا يدري أنه يسكر فغاب عقله، فحكمه كذلك، فالشارع يخفف عنه ُﱠ ويرفع عنه الحرج؛ لأنه لم يتعمد الإسكار ولم يقصد بفعله ذلك، فلا يحمله تبعات أقواله وأفعاله. ٢ أما السكر الذي سببه حرام، فهو أن يسكر الإنسان من أكل المسكر أو شربه، كالخمر والنبيذ على غير ضرورة، فإن هذا السكر لا ينافي الخطاب؛ لأنه متعرض بنفسه لتغير عقله اختيارا ً ، فناسب أن تجرى عليه الأحكام الشرعية، والدليل على أنه غير مناف للخطاب قوله تعالى: ﴿ ts }|{zyxwvu ~ ﴾ )النساء :(٤٣ . ووجه الاستدلال ب الآية: أنهم ن ُهوا أن يقربوا الصلاة وهم سكارى، وهذا ُ الخطاب متوجه إليهم حال السكر، فإذا ظهر لنا صحة تعلق الخطاب بالسكران أجرينا عليه أحكام الصاحي المكلف، فتثبت عليه تصرفاته القولية والفعلية، كطلاقه لزوجته، وعتقه، ويمينه إذا حلف، وإقراره، ويلزمه الإسلام في حال سكره، بمعنى أنه إذا كان كافرا ً ثم سكر ثم أسلم في حال السكر ثم شاء الارتداد بعد الصحو، فإنه يجبر على الإسلام ترجيحا ً للإسلام على غيره؛ لأنه يعلو ولا يعلى عليه، وأما إذا كان على الإسلام ثم ارتد في سكره تجري عليه أحكام الردة، إلا أنه لا يقام عليه حد المرتد لشبهة تغير العقل بالسكر، والحدود تدرأ بالشبهات » « (١) . ويرى الإباضية وغيرهم أن السكران بالحرام مكلف في حالة سكره، يتحمل تبعات أقواله وأفعاله في مجال العبادات، والجنايات دون المعاملات، فلا يعذر في شيء منها، فلا تسقط عنه الصلاة ولا الصوم؛ لأن السبب في ذلك كان من قبله، ويجب عليه الحد في شرب الخمر سك َ ر أو لم يسك ِ ر(٢) . وقد سئل سعيد بن زنغيل(٣) عن السكران: هل هو مكلف في حال سكره؟ لست أزعم أنه غير مكلف في تلك الحال التي يغلب فيها على عقله؛ » : فقاللأنه تعمد بما سكر به، وتلزمه أيمانه، ولا يزيل عنه السكر حكما لزمه؛ لأن « السبب منه(٤) . والحاصل أن تحميل السكران تبعات أعماله وأقواله هو رأي جمهور واتفق أصحابنا فيما » : العلماء، وهو اتفاق الإباضية كما بينه ابن بركة في نصه (١) .٢٦٥ - ٢٦٤/ السالمي: الطلعة، ٢(٢) المزاتي: التحف، مخطوط، ١٤ و. (٣)سعيد بن زنغيل (أبو نوح) (أوائل ق: ٤ه/ ١٠ م): أحد أقطاب العلم عند إباضية المغرب، نشأ وسكن بالجريد بتونس، ث ُم استوطن وارجلان بالجزائر. أخذ علمه عن الإمامين الكبيرين: ﱠْ أبيالقاسم يزيد بن مخلد، وأبي خزر يغلا بن زلتاف. يعد ﱡ حلقة بارزة في سلسلة نسب الدين، فهو شيخ العلا ﱠ مة الإمام أبي عبد الله محمد بن بكر النفوسي، إذ تعل ﱠ م على يديه بالحامة التونسية. برع ﱠ في علوم الفصاحة والبيان وفنون الجدل والرد ﱢ على المخالفين. كانت له مناظرات مشهورة، خصبها علماء المعتزلة والن ﱡ كار، على حد ﱢ سواء، فكان كثير التنق ﱡ ل يدعو إلى مذهب ﱠ الإباضية الوهبية. ومن تلاميذه: أبو الخطاب عبد السلام بن منظور ينظر: أبو خزر يغلا بن زلتاف: كتاب الرد على جميع المخالفين تحقيق: عمرو النامي، ص ج. أبو زكرياء: السيرة، ١٩٧/١ - ٥٤/ ٣٠٢ . الوسياني: سير (مخ) ١ /٢ ؛٢٣٤ ،٢٢٨ ،٢٢٤ ،٢٠٦ ،١٩٨ - ،٥٥ ،١٣٢ ،١٢٧ ،١٢٦/ ٢٦٥ . الدرجيني: طبقات المشايخ، ١ ،٢٦٤ ،١٦٦ ،١٥٧/٢ ؛١٠٦ ٣٩٦ ،٣٦٩ ،٣٥٣ ،٣٤٤/٢ ؛١٤٥ - .٥٨٢ ،٣٦٢ ، ٣٩٧ . الشماخي: (مط) ٣٥٧ (٤)سعيد بن زنغيل: الرد على من زعم، مخطوط، ٢٣٧ - ٢٣٨ ظ. تناهى إلينا عنهم أن ّ طلاق السكران يقع منه محكوما ً عليه به... ولم أعلم أن ّ أحدا ً « أجاز بيع السكران ولا شراءه(١) . ولا تصح صلاته لعدم توفر القصد منه، ولكن تلزمه، ولا يسقط عنه فرضها بسبب الإسكار، فيجب عليه قضاؤها بالإجماع(٢) . وأفعال السكران » : قال أبو إسحاق الحضرمي في بيان تصرفات السكران كلها باطلة إلا في ست خصال: أحدها: النكاح إن جاز بها في حال سكره، وإن كانت هي السكرانة لم يجز نكاحها وإن جيز بها. والثاني: الطلاق. والثالث : الخلع، ولا زيادة عليه في المهر، هذا قلته قياسا ً . والرابع: العتق والتدبير. والخامس: الرجعة. والسادس: « الإقرار(٣) . ولكن انفرد ابن بركة برأي يفرق فيه بين السكران المميز والسكران غير المميز ويعبر عنه بالطافح، فالله تعالى قد خاطب بعض السكارى بقوله: ﴿ s ّ }|{zyxwvut ~ ﴾ )النساء :(٤٣ . فالمميز إذا أتى بفعل وادعى غروب النية، وترك القصد مع الفعل، لا تقبل منه دعواه، كما تقبل من مميز غيره، والسكران الذي لا يعقل لا يقع منه طلاق ولا غيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى »(٤) ، فإذا عدمت النية لزوال عقله بسكر أو جنون، كانت أفعاله غير محكوم بها. واستدل لذلك باتفاق الناس على صحة شرائه وبيعه، وهبته وزواجه، واستئجاره في حال سكره، لعدم ثبوت القصد منه في تلك الحال، وعدم معرفته بحقيقة ما يأتيه من أفعال، أما السكران المميز فيلزمه طلاقه لما عنده (١) .١٧٩/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) .٤٠/ ٥٥٢ . ابن جعفر: الجامع، ٢ / ابن بركة: المصدر نفسه، ١(٣) . الحضرمي أبو إسحاق إبراهيم: مختصر الخصال، ص ١٤٦(٤) سبق تخريجه. من العقل والتمييز(١) . بينما ينزل غير المميز منزلة المجنون الذي تقع أفعاله معراة من المقاصد، والله تعالى لا يخاطب إلا من يعقل عنه خطابه، ومن كان مجنونا ً أو لا يعقل الخطاب لا تلزمه أحكام العقلاء(٢) . ويتساءل ابن بركة عن سبب تفريق الإباضية بين طلاق السكران وغيره من التصرفات، حيث ألزموه الطلاق وأبطلوا غيره، رغم أنه صدرت من شخص ولم أعلم ما وجه قول أصحابنا في تفريقهم بين » : واحد في حالة السكر، فيقول طلاق السكران وغيره من النكاح، والبيع، والشراء، مع استواء حكم الظاهر في الجميع مع قولهم إن الطلاق لا يقع إلا بالنية، والسكران لا نية له، والنظر عندي أن السكران الذي معه تمييز أن الأحكام تلزمه في كل شيء؛ لأنه يفعل ما يفعله بقصد لما عنده من التمييز، وأما السكران الذي لا تمييز معه، كالمجنون الملقى « في قارعة الطريق، والساقط على المزبلة، فسبيله عندي سبيل المجنون(٣) . وهذا وقد سبق لأبي المؤثر(٤) أن أكد هذه الحقيقة، وتعجب مما تعجب لم أعلم أن أحدا » : منه ابن برك ة، فقال ً أجاز تزويج السكران، ولا بيعه ولا شراءه، ولم أعلم وجه قول أصحابنا في تفريقهم بين الطلاق وغيره من النكاح، والبيع والشراء مع استواء الحكم في الظاهر مع قولهم: إن الطلاق وتابع أبو الحسن البسيوي مذهب «... لا يقع إلا بنية، والسكران لا نية له السكران الذي لا يعقل لا يجوز تزويجه عليه، ولو » شيخه ابن برك ة، فرأى أن جاز، إلا أن يزيد فوق الصداق فلا يثبت عليه الزيادة، وأما السكران الذي « كالميت لا إفاقة معه ولا تمييز، فلا أراه يثبت عليه التزويج(٥) . (١) ١٧٩/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .١٨٠ (٢) ابن بركة: نفسه. (٣) .١٧٩/ ابن بركة: الجامع، ٢(٤) تقدمت ترجمته. (٥) .٣٠٨/ الشقصي خميس: منهج الطالبين، ١٥ مجمل القول: ويفهم من عبارة أبي الحسن البسيوي أنه وافق ابن بركة في جعل ُ السكران نوعان: نوع يميز ما يقول، فهذا يجوز تزويجه، ونوع لا يميز، فهو كالميت فاقد للوعي، فتزويجه باطل؛ لأنه لا يعي ما يقول، وفعله يفتقر إلى النية والقصد. وهكذا يمكن أن يستخلص من عبارة ابن بركة : أن السكران بعد تعاطيه المسكر يمر بمرحلتين: الأولى: يصبح فيه مميزا ً ؛ لأن تأثير السكر لم يتمكن فيه، ففي هذه الحالة تلزمه تبعات أقواله وأفعاله. والثانية: فإن مادة السكر تشتد ّ فيه وتتمكن منه، فيفقد أعصابه وتوازنه، ويصبح يهرف بما لا يعرف، ويصير كالمجنون فاقد التمييز، وفي هذه الحالة لا يحكم على أفعاله وأقواله وتصرفاته، وهذا ما ألمح إليه أبي الحسن ُ عن الإمام « الأشباه والنظائر » البسيو ي، ويؤيد هذا الاتجاه ما نقله السيوطي في الشارب له ثلاثة أحوال: » : الشافعي فيقول ِ أولها: هزة ونشاط يأخذه، إذا دبت الخمر فيه ولم تستول عليه بعد، ّْ ولا يزول العقل في هذه الحالة بلا خلاف، فهذا ينفذ طلاقه وتصرفاته لبقاء عقله. الثانية: نهاية السكر، وهو أن يصير طافحا ً ويسقط كالمغشي عليه، لا يتكلم ولا يكاد يتحرك، فلا ينفذ طلاقه ولا غيره؛ لأنه لا عقل له. الثالثة: حالة متوسطة بينهما، وهو أن تختلط أحواله، ولا تنتظم أقواله وأفعاله، ولا يبقى تمييز وفهم وكلام، فهذه الثلاثة سكر وفيها القولان، وما « ذكره في الحالة الثانية تابعه عليه الغزال ي، وجعلا لفظه كلفظ النائم(١) . (١) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٢٩١ الرأي ا لمختار: يبدو بعد النظر في الأقوال المتقدمة وأدلتها أن ما ذهب إليه الجمهور هو الرأي الأعدل والأقرب للصواب؛ لأن نظرتهم كانت أشمل وأعمق، تتلاءم مع مقاصد الشريعة التي تدعو إلى حفظ العقل والمال، فلم تنحصر في شرط التمييز وعدمه عند السكران، بل تعدت إلى اعتبار السبب في فقدانه التمييز، ُ فحملوه تبعات تصرفاته، زجرا ً له وردعا ً لغيره؛ لأنه عط ّ ل عقله الذي أنيط به ّ التكليف، فاعتبر في حكم الموجود، فلم تسقط عنه التكاليف، كوجوب الصلاة والصيام، ويلزمه ما يصدر عنه من أفعال وأقوال، كالطلاق، والعتق، والأيمان، والهبة، والإسلام؛ لأنها تصرفات تقوم على أساس الإرادة المنفردة. أما البيع والشراء والزواج، فإنها عقود تتم بين طرفين، وتحتاج إلى توافق إرادتين، ولذلك لم تلزمه، وأبطلت، لئلا يستغلها بعض المحتالين للسطو على أموال الناس، تحت ستار إلزام السكران تبعات سكره، والفرق بين الحالتين في غاية الجلاء(١) . ولا شك أن في هذا الرأي رفع للحرج والمشقة عن الناس، وعن السكران أيضا ً ، حفاظا ً على المال من الضياع، وهذا مقصد من مقاصد الشريعة الغراء. نقص العقل ا لنسبي: ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى أن المرأة تتصف بنقص في القدرات العقلية، وذلك بحكم طغيان عاطفتها على تفكيرها، مما يحجب عنها في أغلب الأحيان منطق العقل وقوانينه، ومن أجل هذا النقص العقلي النسبي لدى المرأة ْ خفف عنها الشارع الحكيم في جميع الأعمال التي تستدعي العقل، لاستبعاد التأثير العاطفي في أحكامها وتصرفاتها، كالولاية العامة على اختلاف مراتبها باستثناء ما يقوم منها على العاطفة، ولا يصلح إلا بها مثل: رعاية الطفولة، (١) . باجو: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ص ٦٢٢ والتعليم، والتمريض، وحماية الشيخوخة، وإعانة المحتاجين، ولم شتات ﱢ الأسرة تحت جناحيها؛ لأنها كما هو الواقع هي التي تجمع إن شاءت، وهي التي تفرق إن صممت. ﱠ ولأجل ذلك فقط حط ﱠ عنها الشارع الحكيم القضاء والإمامة، وكل ولاية أو عمل تفسده العاطفة، وترك لها المجال فسيحا ً في التصرف المالي والأسري والاجتماعي، مع تحذيرها من مخاطر سلاح العاطفة الذي تمتلكه وتتفوق به وتتغلب؛ لأنه قد يستعمل ضدها فتؤسر به وتقهر، وينال من شرفها وعرضها، ومكانتها بين الناس، لذا جاءت أحكام الشريعة لتحميها من ذئاب المجتمع، فحرمت النظر إليها نظرة غير بريئة، وحرمت على الأجنبي عنها غير المحرم أن يختلي بها؛ لأن الغواني يغرهن الثناء، والإغراء يغيب العقل أو يتعطل التفكير به، وتلتهب العاطفة فتقع المرأة ﱢ ضحية بين مخالب الذئب الشره(١) . ومن هنا ندرك حكمة الشارع في جعل شهادة رجل واحد تعدل شهادة امرأتين، فعل ﱠ ل ذلك بقوله: ﴿ mlkjih ﴾ (ال بقرة: ٢٨٢ ( . ويؤكد هذا النقص قوله صلى الله عليه وسلم : « النساء ناقصات عقل ودين »(٢) . وقد اختلفت الآراء في تفسير مفهوم هذا الحديث، وأقربها أن المراد بالنقص العقلي: في الشهادة، والنقص الديني: في الصلاة والصوم بسبب حالتي الحيض ْ والنفاس. (١) . عمر عبد الله كامل: الرخصة الشرعية، ص ١٤٢ (٢) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، رقم ١٣٩٣ ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب نقص الإيمان بنقص الطاعات، رقم ٧٩ ، عن أبي سعيد الخدري، بلفظ: « يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل ا لنار » فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير وما رأيت من » « ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن . والحاصل: أن الله تعالى الذي خلق الذكر والأنثى، ليحصل بهما التكامل، وعمران الكون، قد أودع في الأول كمالا ً عقليا ً ونقصا ً عاطفيا ً في حدود النسبة ّّ ِ طبعا ً ، وأودع في الثاني كمالا ً عاطفيا ً ونقصا ً عقليا ً ، وهذه التركيبة الخل ْ قية ّّ لا د ُ خل ولا مشيئة فيها لأحد، وإنما هي مشيئة الخالق البارئ، وحكمته في خلقه دون سواه(١) . ب النوع الثاني: النقص ا لجسمي: تحدثنا عن النقص الحقيقي وهو إما في العقل، وإما في البدن، وبلغنا إلى النقص الجسمي، ويرجع إلى سببين: ِ الأول: الأنوثة ، وهو نقص خلقي طبيعي. الثاني: عاهات ، وهو نقص جسمي غير طبيعي، لم يكن في أصل خل ْ ق الإنسان، كالعمى، والخرس، والصمم، والشلل، وغير ذلك. • السبب الأول: ا لأنوثة: الأنثى خلاف الذكر، وهي نوع من الحيوان المتناكح، وقد قالوا إن الأنثى من جميع الحيوان تضعف عن الذكر(٢) . ِ ونظرا ً لاختلاف طبيعة المرأة الخلقية عن الرجل، فقد انفردت عنه بأحكام خاصة، منها ما يتعلق بتكوينها الطبيعي الذي خلقها الله تعالى بوجه عام، وبعضها يتعلق بأسباب خاصة بها تتعلق بهذا التكوين، كالحيض والنفاس والحمل والإرضاع، ونظرا ً لما يلحق المرأة من مشاق وحرج بسبب هذه الحالات، فقد شرع الله لها أحكاما ً مخففة تراعي حالتها، وفيما يأتي بيان ذلك: (١) عمر عبد الله كامل: المرجع نفسه. (٢) . المناوي: التوقيف على مهمات التعاريف، ص ٣٠٣ أولا ً: أحكام تتعلق ببنية المرأة وتركيبها الجسماني الضعيف بالقياس إلى ِ الرجل، ويتصل كذلك بوضعها الاجتماعي بعدم مخالطتها الرجال، وحضورها المجالات التي يحضرونها غالبا ً ، خشية الفتنة والتعرض لما يضرها، وبالبناء الخ ُ لقي للمجتمع المسلم، ولهذا لم تكلف بالجهاد، ولا بصلاة الجمعة، وصلاة الجماعة، ولا الجزية، وتحمل العقل(١) وغيرها، تخفيفا ً عنها(٢) . ومنعها َﱡ من السفر إلا مع زوجها أو ذي رحم محرم؛ صيانة لها من الاعتداء والتعرض ْ لما يشين، ولهذا لم يجب عليها الحج من دون وجوده(٣) . ولا تكلف الحضور للدعوى في المحاكم إذا كانت مخدرة، ولا إذا توجب عليها اليمين بل يحضر إليها القاضي، فيحل ﱢ فها أو يبعث إليها نائبه(٤) . َﱠ ُ وأجاز لها في الحج لبس المخيط وستر الرأس والوجه، إذا خافت معه ْ الفتنة من جمالها، ومنعها من تقبيل الحجر أو استلامه، أو التقرب من البيت إلا عند خلو المطاف من الأجانب، ومثل ذلك المواضع التي تخشى بها الفتنة والتعرض بالمرأة، وفي كل ذلك حفظ لكرامتها، ودفع لمشقة المضايقات في الكشف عن مواضع الفتنة والزينة فيها(٥) . ِ وأباح لها بحكم طبيعتها وغريزتها الأنثوية، التزين ولبس الذهب والحرير، والخضب بالحناء، وغير ذلك من الأمور الممنوعة على الذكور(٦) . (١) العقل: أي تحمل الدية، وإنما يكون تحملها على الرجال من قرابة الجاني من أبيه لا على النساء والصبيان. ينظر: الراشدي محمد، محقق كتاب جواهر القواعد، لسفيان الراشدي، . ص ١٢٧ (٢) ٣٥٧ . الحضرمي / الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ١٢٧ . الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ .٤٨٣/ أبو إسحاق، مختصر الخصال، ص ٧٢ . ابن بركة: الجامع، ٢(٣) .٢٣٢/ الشماخي عامر: الإيضاح، ٣(٤) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٣١٥(٥) .٢٥٣/ الشماخي: الإيضاح، ٣(٦) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٢٦٠ . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٨٢ وقد تختلف وجهات النظر في تفاصيل بعض الأحكام المتعلقة بها، ولكن الذي يبدو لنا أن هذه الأحكام ينبغي أن يلاحظ فيها ما يأتي بوجه عام: ١ مراعاة جانب الضعف والليونة في المرأة، وعدم تكليفها بما هو شاق عليها، ولا تستطيع فيه مجاراة الرجال في القوة البدنية. ٢ مراعاة الجانب الأنثوي فيها، وانجذاب الذكور إليها، مما يقضي أحكاما ً تبعدها عن تعريض نفسها إلى الرجال، بالكشف عن مفاتنها، والاختلاط بهم ومزاحمتهم، سواء كان الأمر في العبادات أو في غيرها، الأمر الذي ينبني عليه التخفيف عنها في الأحكام المبنية على تلك الأمور. ٣ مراعاة الغريزة الأنثوية فيها، بالسماح لها باللباس والتزين بما لا يجوز للذكور، وعدم إظهار ذلك للأجانب، وفق الضوابط الشرعية(١) . ثانيا ً: أحكام تتعلق ببعض خصائص الأنوثة ذات الأسباب الخاصة، وهي الحيض، والنفاس، والحمل، والرضاع، وفيما يأتي بيانها. أ الحيض والنفاس: الحيض في ا للغة: السيلان والانفجار، والفيض، يقال: حاض الوادي إذا سال، وحاضت الأرانب إذا سال منها الدم، ولا يكون الحيض إلا الدم الفائض من الفرج(٢) . وفي ا لشرع: إنه الدم الخارج من المرأة اليافعة ومن » : عرفه الجيطالي بقوله َ ف َ وق َ ها في السن ، إلى نهاية تقصر عن سن اليائسة، في مدة عشرة أيام عند ّ الإباضية وخمسة عشر يوما ً عند الجمهور فما دونها إلى ساعة، من غير ولادة ولا مرض. ِ ذكر اليافعة احترازا ً عن من قصر سن ﱡ ها عن ذلك، كبنت خمس أو ست (١) . الباحسين: قاعدة المشقة، ص ١٠٠(٢) .٢٠٠/ ١٧٨ . أطفيش: شرح كتاب النيل، ١ / الشماخي: الإيضاح، ١ سنين، إذ ذاك مرض وليس بحيض، وكذلك بنت السبعين والثمانين، وباقي « الحد في احتراز عن النفاس والاستحاضة(١) . والنفاس : ولادة المرأة، يقال: نف ُ ست المرأة فهي ن ُ فساء، إذا وضعت(٢) . وهو في الاصطلاح: الدم الخارج بسبب الولادة(٣) . وهذان السببان أو الوصفان لا يسقطان أهلية الوجوب ولا أهلية الأداء؛ لبقاء الذمة والعقل، وقدرة البدن، ولكنها قدرة ضعيفة بسبب ما يلحق الحائض والنفساء من الضعف والعناء، بسبب خروج الدم، ولهذا فإن تأثيره كائن في المجال الذي يحصل لهما بسبب القيام به مشقة، وذلك يتحقق في مجال العبادات البدنية، كالصلاة والصوم والحج(٤) . ويعلل بعض العلماء التخفيف في تلك العبادات، سواء كان بالإسقاط أو التأجيل، بسبب انتفاء الطهارة التي هي شرط للصلاة والصوم(٥) . ولعل الصوم يلحق مشقة زائدة بالحائض، نظرا ً لما تفقده من الدم المنهك ُ للصحة العامة، وقد يسبب فقر الدم إذا كان شديدا ً ، الأمر الذي يستلزم َ التعويض عن ذلك بالغذاء(٦) . ولهذا السبب أسقط عنها طواف الوداع، إذا أكملت مناسك الحج أو العمرة، ثم حاضت على رأي من قال بالوجوب(٧) . (١) ٢٠٧ . أطفيش: شرح كتاب النيل لعبد العزيز الثميني، / الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ .٢٠٢ - ٢٠١/١(٢) .٢٣٨/٦ ،« نفس » : ابن منظور: لسان العرب، مادة(٣) .١٨٠/ ٢١٧ . الشماخي: الإيضاح، ١ / الجيطالي: قواعد الإسلام، ١(٤) .٢٥٢/ السالمي: شرح الطلعة، ٢(٥) السالمي: نفسه. (٦) . كامل موسى: الحيض وأحكامه الشرعية، ص ٩٠(٧) ٥٨٥ . وقد ثبت ذلك بنص الحديث الذي / ابن حجر: فتح الباري على صحيح البخاري، ٣ ِ رواه البخاري، فعن ابن عباس ^ أ» : قال ُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خ ُ ف ﱢ .« ف عن الحائض وإذا كان الأداء متعذرا ً لزوال شرطه، فإن القضاء لا يجب إلا فيما لم يكن في قضائه مشقة وحرج، وإذا لم يجب القضاء للسبب المذكور، سقط الوجوب عليهما، فالصلاة يتحقق فيها ذلك لدخولها في حد الكثرة؛ لأن أقل الحيض عند الإباضية ثلاثة أيام، وأكثره عشرة أيام(١) ، وأقل النفاس عندهم عشرة أيام، وأكثره أربعون يوما ً عند جمهورهم، إلا أن يرى الطهر قبل ذلك(٢) . والحرج والمشقة مدفوعان شرعا ً ، وأما الصيام فلا تتحقق المشقة بقضائه؛ لأن الحيض لا يستوجب الشهر، والنفاس يندر فيه، والمشقة في الصيام المقضي لا تزيد على المشقة في حالة الأداء، وليس في الصوم التكرار الذي في الصلاة، وإذ لا يجب إلا مرة واحدة في السنة، وكذلك قضاء ركعتي الطواف فإنها تكون كالصوم، لعدم المشقة فيها لعدم تكرارها، ومثل الصوم الطواف بالبيت والاعتكاف(٣) . هذا ويترتب على زوال شرط الصلاة أحكام فرعية كثيرة، كعدم دخول المساجد، وعدم جواز تلاوة القرآن، ومس المصحف، وغير ذلك من الأحكام. • السبب الثاني: النقص الجسمي غير ا لطبيعي: والمقصود من غير الطبيعي، ما لم يكن في أصل خلق الإنسان، قال تعالى: ﴿ ,+ -. 0/ ﴾ )التين : (٤ ، فهو خلل أو عيب يحصل (١) والمشهور عند » : رواه الربيع بن حبيب، في مسنده، رقم ٥٤١ ، عن أنس. قال الجيطالي أكثر أصحابنا (الإباضية) الربيع بن حبيب وموسى بن علي ومحمد بن عبد الله الحضرمي ١٩٢/ ٢٠٣ . الشماخي: الإيضاح، ١ / ينظر: الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ .« وغيرهم - .١٩٣ ٦١/ الكدمي: المعتبر، ٣ - .٦٢ (٢) كنا نقعد في » : ٢١٧ . روي مثل هذا في حديث أم سلمة قالت / الجيطالي: المصدر نفسه، ١ النفاس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعون يوما ً رواه أبو داود، « ، إلا أن نرى الطهر قبل ذلك كتاب الطهارة، باب المستحاضة يغشاها زوجها، رقم ٣١٢ ، والحاكم في المستدرك، كتاب الطهارة، رقم ٦٢٢ ، وقال: حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. (٣) ٢٥٢/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ - .٢٥٣ في بعض أعضاء الجسم، يمنع الشخص من القيام بالوظيفة التي يؤديها ذلك العضو عند سلامته، وهو يقتضي التخفيف والتيسير في مجال عمل العضو غير السليم. وينبغي أن يدخل في هذا المجال كل مصاب بآفة جسمية تمنعه من القيام بالأعمال، كما يقوم بها الشخص السليم، كالأعمى، والأخرس، والأصم، والأعرج، والأقطع، وغيرهم ممن يفتقدون بعض حواسهم، مما يجعلهم أنقص من الشخص العادي، وكل هذه الأمور تقتضي التيسير في نطاق ما يتعلق بها كما ذكرنا، ونظرا لتنوع هذا النقص وكثرة أنواعه، فإننا سنكتفي بالكلام عن بعضها تاركين الكثير منها لتقاس على ما يذكر، وفقا ً لما تؤديه من الوظائف. ١ أحكام ا لأعمى: الأعمى من فقد بصره والمرأة عمياء، والجمع عمي، وهو لا يقع إلا على ُْ العينين، ويستعار للقلب كناية عن الضلالة، والعلاقة عدم الاهتداء في كل منهما(١) . والعمى صفة نقصان الكائن الحي الذي من شأنه أن يبصر؛ إذ إن عدم القدرة على استعماله حاسة البصر، وهي العينان يجعله بمرتبة أقل من مرتبة البصير القادر على ذلك، مما يترتب عليه إعفاؤه، والترخيص له فيما يعتمد في فعله على العينين، ولا يعني ذلك نقصانه في المجالات الأخرى، وقد اهتم العلماء بأحكام الأعمى فذكر ما يصح منه وما لا يصح، وما يجوز وما لا يجوز(٢) . ومن التيسيرات بسبب هذا النقص: إعفاؤه من الجهاد، ومن الاجتهاد في (١) .٣٦/ الفيومي: المصباح المنير، المطبعة الميمنية، مصر ١٣٠٦ ه ، ٢(٢) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ٢٧٣ . وابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٣١٤ ِ تحديد القبلة، وجواز وطئه زوجته اعتمادا ً على صوتها، وعدم وجوب الجمعة والحج عليه إن لم يجد قائدا ً ، وجواز التقليد في أوقات الصلاة، ولا سيما الفجر والمغرب، ومنع من طائفة كثيرة من الأمور، إما لاحتمال عودها عليه بالضرر لجهالته بها، أو لاحتمال عودها على غيره بذلك، كالإمامة العظمى، والحضانة، واختلف في طائفة من أحكامه، ومرد هذا الاختلاف هو النظر في هل يستطيع أن يؤدي ذلك العمل بكفاية البصر أو لا؟ وكل ذلك عائد إلى مصلحته أو مصلحة غيره، ودفع الضرر عنهم(١) . ٢ أحكام ا لأخرس: ومما يدخل في النقص أيضا ً : الأخرس، وهو من انعقد لسانه عن الكلام ِ خلقة(٢) ، وهذا النقص لا يخل بالأهلية، فتجب له وعليه الحقوق والواجبات، ونظرا ً إلى حاجته إلى التعبد والتعاقد بالبيع والشراء، والنكاح وسائر ﱡ المعاملات، فقد خ َ ف ﱠ ف عنه الشارع في بعض الأحكام، فقبلت منه الكتابة والإشارة، وفي كل أمر بحسبه، قال السيوطي : الإشارة من » ( (ت: ٩١١ ه الأخرس معتبرة وقائمة مقام عبارة الناطق في جميع العقود، كالبيع، والإجارة، والهبة، والرهن، والنكاح، والرجعة، والظهار، والحلول، كالطلاق، والعتاق، والأداء وغيرها، كالأقارير، والدعاوى واللعان، والقذف « والإسلام(٣) . ِ واست ُ ثنيت من ذلك طائفة من الأحكام لأسباب تخصها، وقد بنيت على ذلك قواعد منها: (١) السيوطي: المصدر نفسه، ٢٧٢ - .٢٧٥ (٢) ٦٢/٦ ،« خرس » : ابن منظور: لسان العرب، مادة - ٦٣ . أنيس إبراهيم وجماعته، المعجم الوسيط، وفيه إضافة أو عيا ً أي الأخرس، هو من انعقد لسانه عن الكلام خلقة أو عيا. َّ ًَّ .٢٢٦/١(٣) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٣٣٨ . وينظر: ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٣٤٣ الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان » « (١) إشارة الأخرس تقوم » ، و « مقام نطقه(٢) . سئل السالمي عن الأخرس هل تصح ملاعنته لزوجته بالإشارة؟ وهل الإشارة في شيء من المواضع أحكام؟ أما اللعان فلا يثبت؛ لأنه متوقف على شهادة مخصوصة تقوم » : فأجاب كما بين ،« إن كان من الكاذبين » مقام الأربعة شهود، مختومة بدعاء مخصوص ﱠ ذلك ربنا تبارك وتعالى في أول سورة النور(٣) ، والإشارة لا تفيد شيئا ً من ذلك، فلا يثبت بها اللعان، وإنما اعتبار الإشارة في غير ذلك من الأحكام، فنعم ورد َ لها اعتبار في مواضع. قال ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يعذب الله ب دمع العين ولكن يعذب » ْ « بهذا(٤) ، وأشار إلى لسانه. وقالت أسماء صل ﱠ ى نبي الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف، فقالت لعائشة ما شأن الناس ﱡ وهي ت ُ صل ﱢ ي فأو ْ مأت ْ برأسها إلى الشمس، فقلت ُ « آية؟ فأومأت برأسها أي نعم(٥) . (١) يراجع: بكلي عبد الرحمن، ٰ محقق كتاب النيل، لعبد العزيز الثميني: جدول المسائل المعتبرة ١١٠٠ . وينظر: ابن نجيم، الأشباه والنظائر، ص ٣٤٣ ، علي / كقواعد أو ضوابط فقهية. ٣ إشارة الأخرس » ٦٢ . والمادة ٧٠ من مجلة الأحكام العدلية، بصيغة / حيدر، درر الأحكام، ١ .« المعهودة كالبيان باللسان (٢) ٤٧١ . الزركشي: المنثور في / ٥٦٦ . ابن القيم: بدائع الفوائد، ٤ / ابن قدامة: المغني، ٣ .١٦٤/ القواعد، ١(٣) يشير إلى قوله تعالى في آية اللعان: ﴿ ¹¸¶µ´³² º » ﴾ (سورة .( النور: ٧(٤) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، رقم ١٢٤٢ ، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، رقم ٩٢٤ ، عن ابن عمر. (٥) دخلت على » : رواه البخاري، أبواب السهو، باب الإشارة في الصلاة، رقم ١١٧٨ ، بلفظ عائشة # وهي تصلي قائمة والناس قيام فقلت: ما شأن الناس؟ فأشارت برأسها إلى .« السماء، فقلت: آية؟ فقالت برأسها: أي نعم وقال أنس : أومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم(١)، وقال ابن عباس : « أومأ النبي صلى الله عليه وسلم لأخرج »(٢) . وقال ابن عباس : طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعيره، وكان كلما أتى على ر(٣) الركن أشار إليه وكب . ﱠ وقال أنس بن مالك : عدا يهودي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية فأخذ أوضاحا ً (٤) كانت عليها ورضخ رأسها، فأتى بها أهلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ْ في آخر رمق وقد أصمتت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «؟ من ق تلك » فلان لغير الذي قتلها، فأشارت برأسها أن لا، قال: فقال لرجل آخر غير الذي قتلها، فأشارت أن لا، فقال (ففلان) لقاتلها، فأشارت أن نعم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين(٥) . قال السالمي معقبا ً وفي الإشارة أحاديث أ » : على النصوص المتقدمة ُخ ْ رى تدل على اعتبارها في كثير من المواضع، وإذا عرفت َ أن المقصود من وضع الألفاظ وفه ْ م المعاني تحققت ْ اعتبار الإشارة في معناها؛ لأن الغرض الدلالة على المراد، وقد تحصل تلك الدلالة باللفظ وبالإشارة، وإذا اعتبرت الإشارة من الإنسان الناطق فمن باب أولى ت ُ « عتبر من الأخرس؛ لأنه لا وسيلة له للتعبير إلا الإشارة(٦) . (١) ، رواه البخاري، كتاب الجماعة والإمامة، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، رقم ٦٤٩ عن أنس. (٢) رواه البخاري، كتاب العلم، باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس، رقم ٨٤ ، عن ابن عباس. (٣) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب الإشارة في الطلاق والأمور حديث: ٤٩٩١ عن ابن عباس. مسند أحمد بن حنبل ومن مسند بني هاشم مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب حديث: ٢٣٠٩ . (٤) الأوضاح: حلي من فضة كانت على الجارية. (٥) ، متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب الإشارة في الطلاق والأمور، رقم ٤٩٨٩ ، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين، باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر، رقم ١٦٧٢ ٣٤٣/ عن أنس. ينظر: السالمي: العقد الثمين، ٤ - .٣٤٤ (٦) .٣٤٥/ السالمي: العقد الثمين، ٤ َ وأما الكتابة فهي كالإشارة بل هي أولى منها في الدلالة على مراد الأخرس، ُْ وقد اعتد الإباضية وسائر المذاهب بإشارة الأخرس وكتابته، قال الشقصي : وأما الأخرس إذا أراد أن يتزوج، فإذا كان يعقل بالإشارة كان تزويجه وقبوله »« بالإشارة(١) . قال أصحابنا (الشافعية » :( وقال النووي (ت: ٦٧٦ ه :( يصح بيع الأخرس وشراؤه بالإشارة المفهومة، وبالكتابة بلا خلاف للضرورة، قال أصحابنا : ويصح بهما جميع عقوده وفسوخه، كالطلاق، والعتاق، والنكاح، والظهار، « والرجعة، والإبراء، والهبة، وسائر العقود والفسوخ ونحوها(٢) . ِ والاعتداد بالإشارة وكتابة الأخرس واضح التخفيف، ورفع الحرج والمشقة ُ عنه؛ لأنه إنسان ذو أحاسيس ورغبات وعواطف وغرائز، ويقتضي الاعتداد بها لتحقيق مصالحه ودفع المشقة عنه(٣) . ٣ أحكام ذوي نقص آ خرين: ومما يدخل في النقص أمور كثيرة غير ما تقدم: كالأعرج والأقطع والأصم وغيرهم، وقد عفي عنهم في الجهاد، وفي جميع الأعمال التي تقتضي استعمال ُ َ الأيدي والأرجل أو إحداهما، وفي الكتاب العزيز: ﴿ EDCBA@ U T S R Q P O N M LK J I H G F \[ZYXWV ﴾ )الفتح : (١٧ ، قال الآلوسي (ت: ١٢٧٠ ه) في بيان يريد التخلف عن الغزو من العذر والعاهة، وفي نفي الحرج » : مدلول هذه الآية « عن كل الطوائف المعدودة مزيد اعتناء بأمرهم، وتوسيع لدائرة الرخصة(٤) . (١) .٣٠٦/ الشقصي: منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، ١٥(٢) .١٧١/ النووي: المجموع، ٩(٣) . الباحسين: قاعدة المشقة، ص ١٠٨(٤) ٤٨٣ . الآلوسي أبو الثناء محمود بن عبد الله الحسيني الملقب بشهاب / ابن بركة: الجامع، ٢ .١٠٥/ الدين، روح المعاني ٢٦ وذكر الشماخي في سياق حديثه عن العاجز في تطهير نفسه بالماء، لعلة فيه أو تشوه في أعضائه، فيبين أن كل ﱠ من لا يصل إلى الطهارة فإنه يتيمم، مثل: ﱡ المجبوب والمستأصل إن لم ينقطع البلل منهم، وكذلك الأقلف البالغ في الأيام التي يعذر فيها، والعفلة وصاحب البواسير، وروي أن عمر بن الخطاب 3 جرحه أبو لؤلؤة عبد المغير ة، فضرب التيمم(١) . ثم رد ﱠ على من قد يعترض عليه، أليس كل ما ينقض الوضوء ينقض َ التيم م؟ قيل له: نعم إذا كان صحيحا ً ، وأما المريض فلا؛ لأن الله أباح للمريض م له(٢) التيمم عموما ً ، وهذا عاجز عن الوضوء لأنه لا تيم . ّ فهنا نلاحظ أن الشارع خفف على أصحاب الأعذار، فأباح لهم التيمم لمشقة الوضوء. _ ومن التخفيفات التي رخص فيها الشارع لمن لا يقدر على استعمال الماء للطهارة إلا بمشقة، أو بمساعدة غيره، أنه أجاز له الصلاة ولو مع بقايا النجاسة. يقول أبو إسحاق الحضرمي : والرجل تكون بفرجه أو دبره نجاسة » فلا يستطيع أن يزيلها عنه من غير مرض، ومثال ذلك: أن يكون بيده شلل أو ِ قطع، أو عل ﱠ ة تمنعه من الاستعمال، ولا له زوجة ولا مملوكة يحل لها وطؤها، (١) اختلفت الرواية عن عمر في تيممه أو توضئه، فابن أبي شيبة يروي في المصنف، كتاب وقيل لعمر الصلاة فصلى » : ٤٣٩ ، يقول /٧ ، المغازي، ما جاء في خلافة عمر، رقم ٣٧٠٧٤ وابن سعد .« وجرحه يثعب وقال: لا حظ في الإسلام لمن لا صلاة له فصلى ودمه يثعب لما طعن عمر حمل فغشي عليه » : ٣٤٩ ، قال / يروي في الطبقات، ذكر استخلاف عمر، ٣ فأفاق فأخذنا بيده، قال: ثم أخذ عمر بيدي فأجلسني خلفه وتساند إلي وجراحه تشعب دما ً إني لأضع إصبعي هذه الوسطى فما تسد الرتق فتوضأ ثم صلى الصبح فقرأ في الأولى وبين الروايتين اختلاف في الإمام بين عبد الرحمن .« والعصر وفي الثانية قل يا أيها الكافرون ٰ وعمر. لكن الروايات الموجودة بين أيدينا لم تذكر التيمم. (٢) .٣٩/ الشماخي: الإيضاح، ١ ولا يستطيع إزالتها عنه من ذلك الموضع، وكذلك المرأة إذا كانت كذلك « وليس معها زوج، ولا تستطيع إزالتها عنها من ذلك الموضع(١) . ٢ القسم الثاني: النقص الحكمي أو الاجتماعي (الرق): ِ وهذا النوع من النقص أثبته الشارع على نوع من الناس، لا لنقص في عقولهم ولا في أجسامهم، ولكن لاعتبارات شرعية معينة، ويدخل تحت هذا القسم من النقص: الرق. والرق فيا للغة: الضعف، يقال ثوب رقيق، أي ضعيف النسيج، ومنه رقة القلب. وفي اصطلاح ا لفقهاء : هو عجز حكمي في الأصل جزاء عن الكفر، أما أنه ﱠ عجز؛ فلأنه لا يملك ما يملكه الحر من الشهادة والقضاء وغيرهما، وأما أنه ا(٢) حكمي؛ فلأن العبد قد يكون أقوى في الأعمال من الحر حسي . وهو عند ًّ البعض عجز حكمي لا يقدر صاحبه على التصرفات والولايات(٣) . _ وسمي بالرق الاجتماعي كذلك: ويراد به وضع مخصوص، كوضع الأرقاء وما يفرض عليهم من أن يكونوا في خدمة المالكين لرقابهم، بإزاء ما هو مفروض عليهم من واجبات شرعية قد يشق عليهم تأديتها، كالأحرار الذين قدروا عليها؛ لأنهم يملكون أنفسهم ويتصرفون في أوقاتهم(٤) . وهذا النقص الحكمي في العبد جعله الشارع سببا ً من أسباب التيسير والتخفيف؛ وذلك لأن العبد ليس ملك نفسه، وإنما هو مشغول بخدمة سيده، وليس له حق التصرف في طائفة من الأمور، كما هو الشأن في الحر إلا بإذن سيده(٥) . (١) . الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ص ٦٤(٢) . الجرجاني: التعريفات، ص ١٢٣(٣) الأحمد نكري، عبد النبي عبد الرسول: جامع العلوم (دستور العلماء)، طبع مؤسسة الأعلمي .١٤٢/ للمطبوعات، ١٣٩٥ ه/ ١٩٧٥ م، أوفست عن طبعة حيدر آباد الركن. ١(٤) . عمر عبد الله كامل: الرخصة الشرعية، ص ١٤٤(٥) . الباحسين: قاعدة المشقة، ص ١١٠ ٣ القسم الثالث: النقص ا لمالي: ويراد به الإعسار والعجز عن أداء الحقوق المالية، وصاحب هذا النقص سماه القرآن: ﴿ ¼» ﴾ (ال بقرة: ٢٨٠ ( . فقال 8 :﴿ ½¼»º¹ ¿¾ ﴾ (ال بقرة: ٢٨٠ (. والإعسار المالي عذر شرعي، له أثره في تخفيف الأحكام على المفلس. وفي بيان من هو المعسر، اختلفت أنظار الفقها ء، فمنهم من قال: هو الذي َ يحل له أن يأخذ الصدقة ولا تجب عليه الزكاة، ومنهم من قال: هو الذي ِ يستحق أن يعان ولو من مال الصدقة؛ لأنه لا مال له ولو كان له دار يمتلكها. والإفلاس: هو عدم المال، وللتفليس أحكام مبسوطة في كتب الفروع(١) تحوم كلها أو جلها حول استرداد حق الغير، مع وصية القرآن والسن ﱠ ة في الرفق ﱡ بالمعسر والتخفيف عنه، وندب الشارع التصدق عنه، قال تعالى: ﴿ »º¹ ÈÇÆÅÄÃÂÁÀ¿¾½¼ ﴾ (الب قرة: ٢٨٠ (. وجاء في السن ﱠ ة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أنظر معسرا » ً أو وضع عنه ﱡ أظل ّ « ه الله في ظله(٢) . وقال صلى الله عليه وسلم : من ن ف » ﱠ س عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم َ « القيامة(٣) ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة ومن طرق متعددة، وقد اعتبرت (١) الحضرمي: المختصر، ص ١٤٤ - ٨٤٤/ ١٤٥ . الثميني عبد العزيز: كتاب النيل، ٣ - .٨٤٥ .١٣٨/ ١٤١٥ ه/ ١٩٩٥ م، ٥ ، ابن جعفر: الجامع، تحقيق جبر الفضيلات ط ١ (٢) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل، رقم ٣٠٠٦ . أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب البيوع وأما حديث إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير هذا حديث صحيح على شرط مسلم » : حديث: ٢١٦٦ عن عبادة بن الصامت قال الحاكم .« ولم يخرجاه (٣) رواه الترمذي، كتاب البيوع، باب إنظار المعسر والرفق به، رقم ١٣٠٦ ، عن أبي هريرة، ورواه أحمد، باقي مسند الأنصار، حديث أبي قتادة الأنصاري، رقم ٢٢٦١٢ ، قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. الشريعة الإعسار المالي عذرا ً يجلب التخفيف للمعسر فيما عليه من حقوق مالية أوجبها الله، سواء كانت عبادة كزكاة المال، وزكاة الفطر، والحج، والأضحية، ونفقة الجهاد، أو كانت عقوبة مثل: الكفارات والديات، أو كانت ِ عوضا ً عن غير مال، كالنفقات الواجبة، ونفقات الصلة على الأقارب، وأجرة َ الإرضاع والحضانة والصداق. والتخفيف في هذه الواجبات المالية يكون بالإسقاط فيما تمحض ﱠ الحق فيه لله تعالى، مثل: العبادات، كالزكاة، والحج، والأضحية، ومثل الواجبات المشروطة باليسار، كالنفقة الواجبة لغير الزوجة، ويكون بالإنظار والتأجيل فيما هو حق للعباد، مثل: حق الزوجة في صداقها، وفي نفقتها ولو فيما مضى(١) . (١) . عمر عبد الله كامل، الرخصة الشرعية، ص ١٤٤ أنواع التيسيرات ومجالاتها دأب الكاتبون في القواعد الفقهية على ذكر أنواع التيسيرات الشرعية، وكانت في الأصل نتيجة استقراء وتصنيف للتيسيرات الشرعية الموجودة بالفعل، سواء كانت مما نص عليه الشارع، أو مما ثبت باجتهاد العلماء، وليس لهذا التصنيف أهمية في ضبط المشاق، ولكنه مفيد من حيث تصنيف التخفيفات، وجمع ما تشابه منها في صورة من الصور، وتشمل هذه التيسيرات مجالين من الأحكام هما: k :á«∏°UC’G ΩÉμMC’G ∫Éée »a ô«°ù«àdG :’hCG ويظهر ذلك في صور أهمها: أ أن الشارع الحكيم لم يجعل كل مأمور به ركنا ً أو شرطا ً ، إنما جعل كثيرا ً من ذلك مندوبا ً ومستحبا ً ، تيسيرا ً عليهم كما في قوله صلى الله عليه وسلم : لولا أن أشق » ّ « على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة(١) . ب وربما يكون التخفيف بجعل الطاعة تشمل على الراحة النفسية والأن ُ ْ س، فيؤديها الإنسان مسرورا ً ، كما في صلاة الجمعة والعيدين. ج مراعاة بعض الطبائع النفسية والعادات الاجتماعية، كأن يكون صاحب (١) سبق تخريجه. ` ً ، وثلاثا ً إن البيت أحق بالإمامة(١) ، وجعل سبع ليال للعروس إن كانت بكرا كانت ثيبا ً ، ومن ذلك ما ورد من النهي عن إمامة الرجل لقوم وه ُ م له كارهون(٢) . k :áFQÉ£dG ΩÉμMC’G ∫Éée »a ô«°ù«àdG :É«fÉK قسم الفقهاء الرخص الشرعية التي ورد فيها التخفيف إلى ثمانية أنواع: :(•É≤°SE’G ∞«ØîJ) •É≤°SE’G á°üNQ `` 1 ومن أمثلة هذا النوع: إسقاط العبادات عند وجود أعذارها، كإسقاط الصلاة عن الحائض والنفساء، وإسقاط الجمعات والصوم، وعدم وجوب الحج عمن لم يجد له طريقا ً إلا البحر، وكان الغالب عدم السلامة، وعدم وجوب الحج على المرأة إذا لم تجد مح ْ رما ً ، وإسقاط الجهاد كذلك بأعذار معروفة(٣) . (١) ورد ذلك في حديث عن الشافعي في راوية أبي سعيد: وروي أن نفرا ً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في بيت رجل منهم فحضرت الصلاة فقدم صاحب البيت منهم رجلا ً فقال: تقدم فأنت أحق بالإمامة في منزلك ت ُ قدم. عن أبي نضرة، أن أبا سعيد مولى الأنصار دعا أبا ذر، وحذيفة، وابن مسعود فلما حضرت الصلاة تقدم أبو ذر ليصلي بهم. فقال له حذيفة: تأخر يا أبا ذر. فقال أبو ذر: أكذاك يا ابن مسعود، أو يا أبا عبد الرحمن؟ قال: نعم. فتأخر، قال سليمان: يعني ٰ أن الرجل أحق ببيته ورواه قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: زارني حذيفة، فذكره وقال فيه: فقال له حذيفة: رب البيت أحق. وروينا معناه في الحديث الثابت، معرفة .« الرجل أولى بالصلاة في بيته، إلا أن يأذن لمن يتقدم فجائز » عن أبي مسعود الأنصاري السنن والآثار للبيهقي كتاب الصلاة إمامة القوم لا سلطان فيهم حديث: ١٦٠٥ . ورواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الصلاة جماع أبواب فضل الجماعة والعذر بتركها باب .١٧٧/ من جمع في بيته حديث: ٤٦٤٩ عن أبي ذر الغفاري. ينظر: الشماخي: الإيضاح، ٢(٢) رواه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الصلاة، باب الإمام يؤم القوم وهم له كارهون، رقم ٤١١٢ ، عن سلمان. ورواه بلفظ مقارب الترمذي، أبواب الصلاة، باب فيمن أم قوما ً ﱠ وهم له كارهون، رقم ٣٦٠ ، عن أبي أمامة. ورواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يؤم يراجع: .« حسن غريب » : القوم وهم له كارهون، رقم ٥٩٣ ، عن ابن عمر. وقال الترمذي ١٥٩/ الشماخي: الإيضاح، ٢ - ١٦٠ وغيره. (٣) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٢٩ _ ولتوضيح رخصة الإسقاط نورد مثالا ً اختلف فيه الفقها ء، وذلك في حكم من وجد الماء بعد خروج وقت الصلاة وصل ّ ى بالتيمم، فهل عليه القضاء، أم يسقط عليه ذلك؟ اختلف الإباضية في هذه المسألة إلى رأيين: الرأي ا لأول: قالوا إذا وجد الماء وقد خرج الوقت وجب عليه قضاء تلك الصلاة؛ لأنه صلاها بغير طهارة، وحجتهم: أنه خص الواجب بوقت، فخروج الوقت لم يسقط إلا فعله أو بدلا ً منه، ألا ترى إلى النائم والناسي، فإن خروج الوقت لا يسقط عنهما فرض الصلاة. واعترض عليهم: أن النائم والناسي إنما وجب عليهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولولا ذلك لكان سبيله ما لم يرد به وجوب فرص، والله جل وعلا لا يفرق بين أحكام المتشابهات. ور ُ د ﱠ عليهم: لقد رأينا من جعل له حكم الإفطار من صومه، لعجزه عن البدل، وإن خرج الوقت، بل القضاء يجب عليه مع القدرة، وكذلك يقال فيمن وجب عليه فرض الصلاة، وجب عليه القضاء إذا وجد الماء، وإن خرج الوقت. الرأي ا لثاني: ذهب أصحاب هذا الرأي إلى إسقاط القضاء على من صلى بغير طهور فخرج الوقت، ثم عثر على الماء، واختار ابن بركة هذا الرأي ُ وهذا القول عندي أنظر؛ لأنه صل » : ورجحه فقال ّ ى كما أمر، فوجود الماء بعد خروج الوقت لا يوجب عليه القضاء، قد زال في وقته؟ فيجب لمن صلى بغير طهور لعجزه عن الطهارة، وقد كان معذورا ً أن يأتيها إذا قدر عليها، ولا فرق بين الصلاة والصوم عند من أوجب القضاء على المصلي بغير طهور مع عدم الطهارتين، الماء والتراب، والنظر يوجب عندي أنه لا قضاء عليه؛ لأن القضاء إيجاب لفرض ثان، ولا يجب إلا بخبر يوجبه التسليم؛ لأن الله تعالى قد فرق :(¢UÉ≤fE’G ∞«ØîJ) ¢ü«≤æàdG á°üNQ `` 2 بين العاجزين عن الصلاة في القضاء، والقياس يؤيد ما اخترناه؛ لأن القياس صحيح أن تشبه الصلاة بالصلاة أولى من أن تشبه الصلاة بالصوم، وذلك أن ﱠﱠ الله تعالى أوجب على المرأة الصلاة كما أوجبها على الرجل، كما أسقط عنها الصلاة في حال الحيض والنفاس لعجزها عن الطهارة، ثم لا بدل عليها، وكذلك يجب أن يكون الرجل تسقط عليه الصلاة بعجزه عن الطهارة، ثم لا بدل عليه، فمن شبه العاجز بالعاجز والصلاة بالصلاة، أولى ممن شبه « الصلاة بالصوم(١) . والحاصل: بعد التأمل في الرأيين يظهر أن ما ذهب إليه ابن بركة في إسقاط القضاء والبدل على من صل ّ ى بدون طهور، ثم وجده بعد خروج وقت الصلاة، هو الرأي الراجح؛ لأنه الأعدل والأقرب للصواب، تطمئن إليه النفس، وتعضده الأدلة القوية التي استدلوا بها من نصوص وقياس، وفيه يسر وتخفيف على المصلي ورفع الحرج عنه؛ ولأنه لا يتصور حدوث ذلك لصلاة واحدة، فقد ُ يتكرر ذلك أو يطول مدة فقدان الطهورين لأيام، كما يحدث للمسجون أحيانا ً فيضطر إلى الصلاة بدون طهارة حتى يجد الماء، فلا تسقط عنه الصلاة، وإنما يصلي حسب استطاعته وقدرته، ويسقط عنه القضاء تخفيفا ً وتيسيرا ً عليه، وهذه من رحمة الله ولطفه بعباده، حيث يريد أن يتقربوا إليه كلما دعاهم حسب قدرتهم؛ لأنه مطلع على أحوالهم. أي إنقاص للعبادة لوجود العذر، كقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين في السفر، وكتنقيص ما عجز عنه المريض من أفعال الصلاة، كتنقيص الركوع (١) ٣٤٨/ ابن بركة: الجامع، ١ - .٣٤٩ والسجود إلى القدر الميسور منه، كأن يأتي بركوع أو سجود غير تامين، لعجز ﱠ في مفاصله، أو فقرات ظهره، فإن لم يستطع يصلي مضطجعا ً أو بالإيماء، لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » (١) . (٢) . :(∫GóHE’G ∞«ØîJ) ∫GóHE’G á°üNQ `` 3 الإبدال في اللغة هو: رفع الشيء ووضع غبره مكانه(٣) ، ولا بد لجعل ذلك صورة من صور التخفيف، وأن يكون البدل أسهل وأخف من المبدل، وإلا لم يتحقق في ذلك التيسير، والمراد به إبدال عبادة بعبادة، كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم عند عدم الماء، أو عدم القدرة على استعماله(٤) ، لقوله تعالى: ﴿ ! ,+*)('&%$#" 876543210/.HGFEDCBA@?>=<;:9 TSRQPONMLKJI ^]\[ZYXWVU _ `﴾ (المائدة: ٦ (. (١) متفق عليه، هذا جزء من حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة 3 . صحيح البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسن ﱠ ة باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث: ﱡ ٦٨٧٩ واللفظ للبخاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم » بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا « منه ما استطعتم . صحيح مسلم كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر حديث: ٢٥١ ، وصحيح / ٢٤٥٦ وينظر: صحيح البخاري بشرح فتح الباري، كتاب الاعتصام ١٣ .١٠١/ مسلم بشرح النووي، باب فرض الحج مرة بالعمر، ٩(٢) . الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ص ٨٨(٣) . الفيومي: المصباح المنير، ص ١٥(٤) . ١٨٨ . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٢٩ / الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ ومن أمثلة تخفيف ا لإبدال: أ ما جاء في فتوى الإمام جابر بن زيد في رجل أصابته جنابة بأرض فإن » : لا ماء لها، ومعه ماء يسير، وخاف على نفسه العطش، قال ّ له أن يتيمم صعيدا ً طيبا ً كما قال الله، فيمسح وجهه ويديه، فإن لم يخف ظمأ ومعه ماء ﱢ يسير لا يسع لغسله، فإن الرجل يغسل مذاكيره، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم « يصلي، فإن بلغ الماء اغتسل(١) . وهذا يعتبر من فقه الأولويات في المقاصد لحفظ النفس، وفيه تخفيف وتيسير على المكلف، ورفع للمشقة والحرج. ب ومن ذلك إبدال القيام في الصلاة بالقعود أو الاضطجاع للمريض، والاضطجاع بالإيماء، وإبدال الركوع والسجود بالإيماء عند عدم الاستطاعة، قال الله تعالى: ﴿ kjihgfe ﴾ (آل عمران: ١٩١ ( ، وعن ابن مسعود وابن عمر ^ أن الآية نزلت في الصلاة، أي قياما ً إن قدروا، أو قعودا ً إن عجزوا ً عنه، وعلى جنوبهم إن عجزوا عن القعود(٢) . ج ومن ذلك إبدال العتق بالصوم في الكفارات عند فقدان الرقبة أو العجز عنها، وإبدال الصيام بالإطعام عند عدم الاستطاعة، قال الله تعالى: ﴿ ^]\[ZYXWVUTSRQP _ ponmlkjih❁ fedcba` xwvutsrq ﴾ (ال مج ادل ة: ٣ - ٤ (. د ومن ذلك إبدال الإطعام والكسوة أو العتق عند العجز عنها، بصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين(٣) ، قال تعالى: ﴿ §¦¥¤£ ¨© (١). جابر بن زيد: من جوابات الإمام جابر، ص ٢٠(٢) ١٥٨ . وينظر: حديث عمران بن حصين حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم / الآلوسي: روح المعاني، ٤ بذلك. وينظر: لشكوى عمران من البواسير، رواه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب، رقم ١٠٦٦ ، عن عمران بن حصين. ينظر: أبو إسحاق . الحضرمي: مختصر الخصال، ص ٨٥(٣) . الحضرمي: المصدر نفسه، ص ١٢٧ ¸¶µ´³²±°¯®¬«ª ÅÄÃÂÁÀ¿¾½¼»º¹ ﴾ (ال م ائدة: ٨٩ (. ه ومنه إبدال صيام رمضان بالفدية بالنسبة للذين لا يطيقونه، كالشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، والمريض الذي لا يرجى برؤه، قال تعالى: ﴿ Q VUTSR ﴾ (ال بقرة: ١٨٤ (. وقد فسر الشماخي قوله: ﴿ S ﴾ )البقرة : (١٨٤ بالذين يستطيعون مع ﱠ المشقة والشدة، فأدخلوا في ذلك الحبلى والمرضع(١) . ُ و ومن ذلك إبدال بعض واجبات الحج والعمرة بالكفارات عند قيام الأعذار(٢) ، فالقارن الحج بالعمرة فإنه يجب عليه طوافان وسعيان، ولكن من باب التخفيف والتيسير عليه رخص له الإتيان بطواف واحد وسعي واحد، وهذه المسألة محل اختلاف بين الفقها ء، نقلها ابن بركة في »جامعه « فقال: اختلف أصحابنا (الإباضية » ( فيما يلزم القارن من الطواف والسعي، فقال بعضهم: يلزمه طوافان وسعيان وبذلك يقول أبو حنيف ة، وقال بعض أصحابنا ْ يلزمه طواف وسعي لهما جميعا ً ثم رجح أحد القولين لما فيه من اليسر ،« والنظر يوجب عندي الأخذ بهذا القول » : ودفع المشقة عن الحاج، فقال الأخير، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال لعائشة : « يجزيك طواف وسعي »(٣) . ومن طريق آخر أنه قال: طوافك بالبيت وسعيك يكفيك عن حجتك » « وعمرتك(٤) ، وفي هذا دلالة على أن الواجب طوافان وسعيان، والرخصة ْ (١) .١٩٣ - ١٩١/ الشماخي: الإيضاح، ٣(٢) ٢٦٨/ الشماخي: المصدر نفسه، ٣ - ٢٦٩ . وينظر: عمروس بن فتح: أصول الدينونة .١١٣ - الصافية، ص ١١٢(٣) يجزئ عنك طوافك » : رواه مسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، رقم ١٢١١ ، بلفظ دون ذكر السعي. .« بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك(٤) رواه أبو داود سنن كتاب المناسك، باب طواف القارن حديث: ١٦٣٤ ولفظه: عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: « طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك » .= :(ºjó≤àdG ∞«ØîJ) ºjó≤àdG á°üNQ `` 4 طواف وسعي، لقوله صلى الله عليه وسلم : « يجزيك لحجك وعمرتك طواف وسعي » ، وإنما يجزي أو يكفي غير الواجب؛ لأن الرخصة هو ما يكفي عن الواجب، فالواجب غير الرخصة، ألا ترى أن الله تعالى قال: ﴿ 76543 <;:98 = @?> ﴾ )البقرة : (١٨٣ ، ثم قال: ﴿ ONML ﴾ )البقرة : (١٨٤ ، وكان هذا هو الرخصة، وكانت الرخصة غير الواجب وهو غير ما كتب، ألا ترى أنه إذا أتى بالبدل يقال له يجزيك هذا « عن الفرض، فهدا يدل على ما قلنا(١) . ز وقد ألحق بعض الفقهاء أمورا ً أخرى في هذا المجال، كالمسح على الجبيرة بدل غسل العضو المجروح، ومنها إبدال الاستنجاء بالاستجمار لمن لا يقدر على استعمال الماء في بعض الأحيان للمرض(٢) . وهو نقل الشيء من مكانه إلى ما ق َ بله، ومن أمثلته: تقديم بعض الصلوات لأسباب معينة، كتقديم العصر إلى الظهر، والعشاء إلى المغرب، في السفر والمطر، وجوز ذلك البعض عند الخوف والمرض والضرورة(٣) . ﱠ ٍِ قال الشماخي : ويجوز قران الصلاة لمعان معلومة، أحدهما: السفر لعلة » التخفيف، والس ﱡ ح ُ ب إذا غطت السماء وحال الغمام دون المواضع التي يصل فيها إلى معرفة أوقات الصلاة قياسا ً على السفر؛ لأن علة الجمع في السفر التخفيف من المشقة التي تلحق المسافر، وهي موجودة فيمن خفيت عليه = والبيهقي، السنن الكبرى جماع أبواب وقت الحج والعمرة. جماع أبواب دخول مكة باب المفسد لعمرته يقضيها من حيث أحرم ما أفسد وكذلك المفسد حديث: ٩٢١٢ . (١) ابن بركة: الجامع، ٦٣ - .٦٤ (٢) الرحموني محمد: الرخصة الفقهية من القرآن والسن ﱠ . ة، ص ٤٣٣ ﱡ (٣) ٧٩ . الرحموني محمد: المرجع نفسه، ، الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ص ٧٨ .٤٣٧ - ص ٤٣٦ أوقات الصلاة، وكلف الاجتهاد في معرفتها، وكذلك المريض إذا ثقل عليه المرض على هذا الحال، إذ المريض أعذر من المسافر، وكذلك من له عذر بين، يخاف منه الفوت في الأنفس والأموال وأشباه ذلك؛ لأن الخوف له تأثير ﱢُ ْ في التخفيف، قال تعالى: ﴿ ÜÛÚÙØ×ÖÕÔÓ ßÞÝ ﴾ )النساء : (١٠١ . وكان الجمع بين الصلاتين جائز تخفيفا ً مثل «... القصر، وسواء في هذا الرجل الواحد والجماعة(١) . للمريض والمستحاضة » : ونقل السالمي عن محمد بن محبوب قوله وللناس يوم المطر أن يجمعوا بين الصلاتين، وقال أبو محمد بن برك ة، وكذلك المبطون عند أصحابنا للمشقة عليه في الطهارة عند كل صلاة، قال: وكل من « وجد حالة تمنعه عن فعل كل صلاة في وقتها، فهو مخير بين الجمع والإفراد(٢) . ُّ وقد دل على التقديم في حالة السفر ما جاء عن طريق أبي الطفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخ ﱠ ر الظهر حتى ينزل العصر، وفي المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن يغيب الشفق أخ ﱠ ر المغرب حتى ينزل العشاء ثم يجمع بينهما(٣) . (١) .٢٥٥ - ٢٥٤/ الشماخي: الإيضاح، ٢ (٢) .٢٥٥/ السالمي: معارج الآمال، ١٠ (٣) سبق تخريجه. قال الترمذي عن الحديث أنه حسن غريب تفرد به قتيبة، ومسألة جمع الصلاة في عرفة ومزدلفة مما اختلف فيه العلماء، كما أن جمع التقديم لا تراه طائفة من العلماء، وقد قال أبو داود ليس في جمع التقديم حديث قائم. ينظر: ابن حجر العسقلاني أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن على (ت: ٨٥٢ ه): تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، دار ٤٩ . وفي رواية أخرى / المعرفة، بيروت ١٣٨٤ ه/ ١٩٦٤ م، تعليق: عبد الله هاشم مدني، ٢ عن معاذ بن جبل قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك « الإيضاح » أوردها الشماخي في فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر فصلى الظهر والعصر جمعا ً ، ثم دخل فخرج فصلى المغرب والعشاء جمعا ً . . رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي، رقم ٧٠٦ :(ô«NCÉàdG ∞«ØîJ) ô«NCÉàdG á°üNQ `` 5 ومن الذين رخصوا في الجمع للمطر وقال به: ابن عمر ^ وفعله أبان بن عثمان في أهل المدين ة، وهو قول الفقهاء السبعة، ومالك (ت: ١٧٩ ه)، والأوزاعي (ت: ١٥٧ ه)، والشافعي (ت: ٢٠٤ ه)، وإسحاق (ت: ٢٣٩ ه)، وعمر بن عبد العزيز (ت: ١٠١ ه)، ومن الإباضية محمد بن محبوب والشماخي وغيرهم. ومما يدخل في هذا النوع من التخفيفات: تقديم الزكاة على الحول، لحديثه : 3 أن العباس بن عبد المطلب (ت: ٣٢ ه) سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك(١) . ومما يجوز تقديمه أيضا ً صدقة الفطر فطرة الأبدان (٢) ، وكفارة اليمين على الحنث لقوله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا » ً منها، فليأت الذي هو خير، وليكف ﱢ « ر عن ي مينه(٣) . ومن أمثلة جمع الصلاة جمع تأخير لأسباب معينة، لما ذكرناه في تخفيف التقديم(٤) ، ومن ذلك: تأخير الصلاة لمن كان مشتغلا ً بإنقاذ غريق أو إطفاء حريق، أو أي أمر يترتب عليه إنقاذ حياة إنسان أو ماله أو عرضه، كالعناية ﱢ (١) رواه الترمذي، كتاب الزكاة، باب تعجيل الزكاة، رقم ٦٧٨ ، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب في تعجيل الزكاة، رقم ١٦٢٤ ، عن علي. قال الدارقطني اختلفوا عن الحكم في إسناده ٢٠ . ينظر: تفاصيل الكلام في هذا / والصحيح عن الحسن بن مسلم مرسل. عون المعبود، ٥ .١٥٩/ الشأن عند ابن حجر: تلخيص الحبير، ٢ (٢) الراشدي: جواهر القواعد، ١٩٢ - .١٩٣ (٣) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، رقم ٦٢٤٨ ، ومسلم، كتاب الأيمان، باب نذر من حلف يمينا ً فرأى غيرها خيرا ً منها، رقم ١٦٥٢ ، عن عبد الرحمن بن سمرة. ينظر: ابن ٰ .١٧٠/ حجر: تلخيص الحبير، ٤(٤) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٢٩ بمريض يخشى عليه، أو جريح تجرى له عملية، أو أي أمر من الضروريات ّ ُ المعروفة، ومن ذلك: تأخير صوم رمضان إلى عدة من أيام أخر لمن كان له عذر شرعي في الإفطار(١) ، قال تعالى: ﴿ KJIHGFE ONML﴾ (البقرة: ١٨٤ (. وأضاف العلائي (ت: ٧٦١ ه) تأخبر الصلاة لدفع صائل عن نفس، أو ِ لصلاة على ميت خيف انفجاره(٢) . وهذه أحوال عاجلة لا يمكن تأخيرها لما ّ يترتب عليها من أضرار بالغة. :(¢ü«NôàdG ∞«ØîJ) QGô£°V’G á°üNQ `` 6 والترخيص هو التسهيل والتيسير، ومن الممكن القول إن جميع أنواع التخفيفات هي تخفيفات ترخيص؛ لأنها جميعا ً مما شرعت ثانيا ً مبنية على أعذار العباد، وقد عبر عن هذا النوع بالإطلاق مع قيام المانع، أو بالإباحة مع ُﱢ قيام الحاظر(٣) . ومما مثلوا به لهذا النوع: صلاة المستجمر مع بقية آثار الن ﱠج ْو، ِ أي النجاسة التي لا تزول إلا بالماء للعاجز(٤) ، ومن ذلك شرب الخمر للغصة، أو أك ْ ل أو ّ شرب النجاسات للتداوي، كشرب أبوال الإبل(٥) ، وقد أباحه الشارع للعرنيين(٦) ، (١) .٩٧/ ١٧٦ . الجيطالي: قواعد الإسلام، ٢ / الشماخي: الإيضاح، ٣(٢) العلائي: المجموع الم ُ ذه ِ ب في قواعد الم َ ذه َ . ب، ص ٣٥٣(٣) .٧/ ٢١٦ . العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، ٢ / السالمي: طلعة الشمس، ٢(٤) .٢٨١/ السالمي: معارج الآمال، ٣(٥) يشير إلى حديث متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب أبوال الإبل والدواب، رقم ٢٣١ ، ومسلم، كتاب القسامة، باب حكم المحاربين، رقم ١٦٧١ ، عن أنس بلفظ: أن ناسا ً من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئتم » « أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها . (٦) .٣٤٥/ الشماخي: الإيضاح، ١ والتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه(١) ، وصلاة المتيمم مع الحدث، ومن ذلك الصلاة مع لطخات الدمامل والقروح(٢) ، والجناية على الإحرام، وإتلاف مال الغير، وسائر الحقوق المحرمة. :(ô««¨àdG á°üNQ) ô««¨àdG ∞«ØîJ `` 7 « قواعده » وقد زاد العلائي (ت: ٧٦١ ه) هذا النوع من التخفيفات في مستدركا ً وغيره، « جواهره » على الأنواع الستة السابقة التي ذكرها الراشدي في قلت: وبقي قسم سابع هو تخفيف التغيير، كتغيير نظم الصلاة في » : قال ِ « الخوف، فإنه مباين لما تقدم(٣) وزيد سابع » : ، وأشار الراشدي إلى ذلك بقوله ُ وهو تخفيف التغيير، ومث ﱠ « ل له بصلاة الخوف (٤) . ومما يستفاد من عبارته: أن الراشدي كغيره من الفقهاء استفاد ممن ت َقد ﱠ مه في تأصيل القواعد الفقهية، ووظ ﱠ ف ذلك من خلال الفروع الفقهية عند الإباضية . أما دليل صلاة الخوف مثل قوله تعالى: ﴿ ! %$#" 0/.-,+*)('& :987654321 ;﴾ (النساء: ١٠٢ ( . وقد شرح الفقهاء كيفية صلاة الخوف فهي مفصلة في كتب الفقه (٥) . (١) ٢٧١/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ - .٢٢٧ ،٢٧٢ (٢) ٢٨٣/ الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٢٩ . ابن جعفر: الجامع، ١(٣) . العلائي: المجموع المذهب، ص ٣٥٣(٤) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٣٠ - .٢٨٤ (٥) ٢٥٧ وما بعدها. / ٣٥٣ . الشماخي: الإيضاح، ٢ / الجيطالي: قواعد الإسلام، ١ :(ô««îàdG ∞«ØîJ) ô««îàdG á°üNQ `` 8 والمراد من التخيير: التفويض في الاختيار، فيقال: خيرته بين الشيئين، أي ﱠ فوضت له الاختيار(١) . ويتحقق هذا المعنى في كلام العلماء عن الواجب ﱠ المخير، وهو ما كان مأمورا ً به واحدا ً مبهما ً من أمور معينة، أي إن الشارع خير ﱠ َُْ ﱠ المكلف وفوضه بأن يأتي واحدا ً منها، مثل كفارة اليمين، خير الشارع فيها ﱠ المكلف، وفوضه بأن يأتي بأحد ثلاثة أشياء: الإطعام أو الكسوة أو تحرير ّ رقبة(٢) . قال تعالى: ﴿ §¦¥¤£ ¨ «ª© º¹¸¶µ´³²±°¯®¬ ÅÄÃÂÁÀ¿¾½¼» ﴾ (ال م ائدة: ٨٩ (. والتخفيف في ذلك واضح؛ لأن تخيير المكلف بين أمور متعددة أخف عليه من إلزامه بشيء واحد، وليس هذا من تخفيف الإبدال لاختلافه عنه، ولم أعثر عند الإباضية ولا في غيرهم من ذكر تخفيف التخيير بأنه نوع من أنواع َ التخفيفات، إلا واحدا ً من الفقهاء المعاصرين، فرأيت أن أتابعه في اختياره، وأضيف هذا النوع إلى الأنواع المتقدمة عند الإباضية، فتصبح التخفيفات ثمانية. ومن أمثلة رخصة التخيير: ١ ففي الفقه الإباضي نماذج عديدة لتخفيف التخيير، أشهرها التخيير بين خصال الكفارة، الذي ثبت بنص القرآن الصريح، أشار إليها السالمي فإن ربنا تعالى قد أمرنا بفعل واحد من الإطعام والكسوة والعتق، » : بقوله وخيرنا في فعل أيها شئنا، وحرم علينا ترك جميعها، فعلمنا أن الواجب منها « واحد غير معين(٣) . (١) . الفيومي: المصباح المنير، ط ١، دار الحديث، القاهرة، ١٤٢١ ه/ ٢٠٠٠ م، ص ١١٣(٢) ٩٨ . باجو: منهج الاجتهاد / ٢٢١ . الوارجلاني: العدل والإنصاف، ١ / السالمي: الطلعة، ٢ .٦٠٠ - عند الإباضية، ص ٥٩٩ (٣) .٢٢٢ - ٢٢١/ السالمي: الطلعة، ٢ ٢ وفي باب الطهارات: ففي التخيير بين فرضين، وجوب إزالة النجاسات بالماء، وغسل أعضاء الوضوء بالماء، والماء قليل لا يكفي للطهارتين، وذلك إذا كان عند رجل ماء، وهو محدث من الغائط أو البول، ولا يكفيه لغسل حدثه وطهارة أعضائه، أنه كان عليه في قول بعض الإباضية الاستنجاء، فإذا حصل طاهرا ً ولم يجد ماء لأعضاء الوضوء يتيمم، وكان ً بالآية: ﴿ ¹ º ¼»﴾ عند أصحاب هذا القول مخاطبا )النساء : (٤٣ ، وقال بعضهم: عليه إماطة النجاسة ونقلها عن بدنه، ثم يستعمل الماء لأعضائه التي خوطب بتطهيرها بالماء عند قيامه إلى الصلاة، ولكن ابن بركة خالف القولين، وجعل للمحدث حق الخيار في استعمال الماء في الفرض الذي يختاره؛ تخفيفا ً عليه، ورفعا ً للحرج والمشقة عنه على حد ﱢ والنظر يوجب عندي أنه مخير في استعماله لأيهما شاء؛ لأنهما » : قوله فرضان، وغسل الأعضاء بالماء فرض عند وجوده، وغسل النجاسة فرض بالماء عند وجوده، وإذا لم تقم دلالة على أحدهما، كان مخيرا ً في استعماله « الماء لأيهما شاء (١) . ولعل ما ذهب إليه ابن بركة هو ما نميل إليه ونرجحه؛ لما فيه من تخفيف وتيسير للمكل ﱠ ف بالطهارة، ورفع للحرج والمشقة عنه، وهذا ما تؤكده نصوص الشريعة واجتهادات الفقهاء . ِ ٣ ومنه التخيير في جزاء الصيد ل لمحرم بالحج أو ا لعمرة:(٢) قال تعالى: ﴿ ´ ÃÂÁÀ¿¾½¼» º¹¸¶µ ÒÑÐÏÎÍÌËÊÉÈÇÆÅÄ áàßÞÝÜÛÚÙØ×ÖÕÔÓ﴾ (المائدة: ٩٥ (. (١) ٢٨٠/ ابن بركة: الجامع، ١ - .٢٨١ (٢) الجيطالي: قواعد الإسلام، ١٧٢ - .١٧٤ ٤ وفي فدية الأذى في ا لحج : وأجمع » : قال الجيطالي في هذا الشأن العلماء على أن هدية الفدية ثلاثة خصال، وأنها على التخيير بين الإطعام « والصيام والنسك(١) ، قال تعالى: ﴿ ¸ À¿¾½¼»º¹ ÇÆÅÄÃÂÁ ﴾ (ال بقرة: ١٩٦ (. ٥ وفي باب ا لنكاح: تزويج أحد الأكفاء الخاطبين إذا كانوا عشرة مثلا ً ، فإنه قد أمر الولي بتزويج واحد منهم وهو المخير فيهم، فأيا زوج أجزأه، ّ ًّﱠ فالإجماع منعقد على أحد الأكفاء من الخاطبين، فلو وجب الكل لوجب تزويج الكل، وهذا يعني أنه لا يلزم في التخيير جواز الجمع(٢) . ٦ وفي باب الطلاق: قالوا في رجل قال لامرأت َيه: أنت طالق، أو هذه، أن ﱠ له ْ الخيار في تطليق إحداهما قياسا ً على خصال الكفارة، فيقع على واحدة بغير عينها، فله الاختيار في تعيينها، وخالف في ذلك الربيع فقال: إنهما جميعا طوالق(٣) . ٧ ومن ذلك: أجازوا التفريق بين الزوجين بسبب الإعسار إذا عجز الزوج عن نفقة زوجته وكسوتها، وغيب عنها ماله حيث لا يصل الحاكم إليه، وطلبت ﱠ المرأة الفراق، كان لها ذلك، ومن حججهم على ذلك قوله تعالى: ﴿ ³ ´﴾ )النساء : (١٩ ، وقوله: ﴿ }|{zy ﴾ (ال بقرة: ٢٢٩ ( ، ومن المعروف في المعاشرة النفقة والكسوة، فإن عجزوا عن الإمساك بالمعروف يقال له: فأنت قادر على التسريح؛ لأنه مخير بين ذلك فآت منهما ﱠ بما تقدر عليه إذا كنت مأمورا ً بفعلهما، فعجزك عن أحدهما لا يسقط الفعل ُ الثاني الذي أمرت به، كالمخير في كفارة اليمين(٤) . (١) .١٧٨/ الجيطالي: المصدر نفسه، ٢(٢) ١٩٦ . وينظر: الشربيني: تقريراته على جمع الجوامع للسبكي، / السالمي: الطلعة، ٢ .١٧٦ - ١٧٥/١ (٣)جابر بن زيد: من جوابات الإمام جابر، ١٠٠ - .١٠١ (٤) .١٩٤ ،١٩٣/ ابن بركة: الجامع، ٢ ٨ وفي ا لوصية: ذهب الإباضية إلى القول بالوصية الواجبة، ولكن الموصي مخير فيها ما لم يجاوز الثلث، لقوله تعالى: ﴿ ONML ّ QP ﴾ )النور : (٣٣ ، فالإعطاء واجب وليس فيه شيء محدود، إن شاء أوصى بالسدس، وإن شاء أوصى بالخمس أو أكثر، وهو شبيه بالرقبة الواجبة في كفارة الظهار، فقد ذهب محمد بن محبوب إلى إجازة رقبة مشركة أو أعور العين، ولم يراع في ذلك إلا استحقاق اسم الرقبة؛ فهو مخير بين أن يشتريها بدينار أو بمائة دينار(١) . ٩ وفي باب ا لجنايات: جواز التخيير بين القصاص والدية تيسيرا ً على هذه الأمة، وتخفيفا ً على الجاني والمجني عليه(٢) . ١٠ ومن أمثلة هذا النوع من التخفيفات أيضا ً : تخيير الحاكم في حكم الأسرى بين المن ﱢ والفداء، قال تعالى: ﴿ ^] _`a ﴾ )محمد : (٤ . (١) ٥٩٧/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .٥٩٨ (٢) . الحضرمي أبو إسحاق: مختصر الخصال، ص ١٧٨ المشقة تجلب ا لتيسير » : تطبيقات وفروع قاعدة « المشقة تجلب التيسير » : قاعدة « تجلت في اجتهادات فقهاء الإباضية في كثير من أبواب الفقه، من العبادات، والمعاملات، والأحوال الشخصية، وغيرها، ويتضح ذلك فيما يلي: k :äGOÉÑ©dG »a :’hCG أ في باب ا لطهارات: ١ في حكم الماء المشكوك في وصفه: إذا أتى الج ُن ُ ب إلى آنية فيها ماء وك ُل ﱡ ها نجسة، إلا واحدة فيه ماء طاهر لا شك فيه، لكنه لم يعرف الطاهر من غيره، ولم يمكنه معرفة ذلك، فقد اختلف الإباضية في هذه المسألة إلى أقوال: القول الأول: أنه يتحرى الطاهر منها فيغسل به، أو يتوضأ إن كان يريد ﱠ الصلاة وهو غير جنب. ُ .« وفيه نظر » : واعترض عليه أبو محمد بن بركة فقال وعقب عليه السالمي أنه لا نظر فيه؛ لأن حكم الماء طاهر حتى ت ُ علم نجاسته، فكل واحد من الآنية على انفراد محكوم له بالطهارة، حتى يعلم أنه هو النجس في الأحكام(١) . (١) .٦٨/ السالمي: معارج الآمال، ٣ القول ا لثاني: أنه إذا كان عنده إناءان أحدهما طاهر والآخر نجس لا يعلمه، لم يلزمه أن يتحرى فيهما، ولكن يخلطهما ثم يتيمم، فأما إن كانت أواني إحداهما نجس لا يعلمه، تحرى الطاهر في غالب ظنه وتوضأ ﱠ به، قال ابن بركة : وهذا يرجع فيه إلى ما تسكن إليه النفس، واليقين غير » « ذلك(١) . وعق ّ إنه قول من يرى » : عليه فقال « جامعه » ب أبو الحسن البسيوي في « الحكم على الأغلب(٢) . والفرق بين هذا القول والذي قبله، أن أصحاب القول الأول لم يفصلوا بين ما إذا كان المتنجس واحدا ً من إناءين أو ثلاثة، ولا بين ما إذا كان الطاهر الأكثر، وإنما اعتبروا وجود ماء طاهر بين مياه متنجسة، فعلى هذا القول أنه لا فرق بين أن يكون مع ذلك الطاهر آنية واحدة متنجسة أو أوان كثيرة. _ أما أصحاب القول الثاني: اعتبروا الأغلب؛ فعلى قولهم: يجب أن يحكم للآنية الفاسدة التي فيها واحد طاهر بحكم الفساد، حملا ً للأقل على الأكثر، فإن كان آنيتان واحدة طاهرة والأخرى نجسة، فهناك أشكل عندهم الحال إذ لا أغلبية، فأوجبوا المصير إلى التيمم بعد خلط الماءين بعضهما في بعض(٣) . القول ا لثالث: أنه يتركها ويتيمم، واختار أبو محمد بن بركة هذا القول وهو عندي أنظر وأشوق إلى النفس؛ لأن الله تعالى أمره بالطهارة في » : وقال شيئين؛ ماء طاهر، فإن لم يجده فالصعيد بدله؛ لأن كل واحد من هذه المياه الثلاثة ليس محكوما ً له بحكم الطهارة في عينه، وإذا كان كل منهما قصد إليه (١) . ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٣٩(٢) ١٤/ ٦٩ . البسيوي: الجامع، ٢ / السالمي: المصدر نفسه، ٣ - .١٥ (٣) السالمي: نفسه. لم يحكم له بحكم الطهارة، كان في حكم ما منع منه، وإذا كان ممنوعا ً من كل واحد منهما، كان مأمورا ً بالتطهر من ماء طاهر إذا وجده، وإذا عدمه عد َ ل « ل(١) إلى التراب الطاهر، فهذا القول عد ْ . قال غيره: ولعل هذا القول يخرج في أكثر ما يذهب إليه أصحابنا (الإباضية ( كل مشكوك فيه موقوف » في معنى المشكلات قولهم: أن .« القول ا لرابع: أنه يتطهر بالماء الأول ول ْيتو َ ق ﱠ ثوبه أن يمسه ذلك الماء أو َ ِِ شيء منه، ول ْيقف حتى يجف الماء عنه، ولا يعلق ثوبه منه ثم ليصل ّ ، فإذا َُ صل ﱠ ى رجع إلى الماء الثاني فاغتسل منه، وغسل المواضع التي أصابها الماء الأول؛ ولا يمس الماء الطاهر بيديه قبل أن يغسلهما، ثم يقف حتى يجف بدنه، ثم يأخذ ثوبه ويصلي، ثم يرجع إلى الثالث فيغسل به مواضع الماء الثاني ويتوقاه من يده قبل أن يغسلها، ثم يتطهر به حتى يصح له الطهارة بواحد منها؛ لأنه لا شك أن أحدها طاهر، فإذا فعل ما ذكر بكل واحد منها فقد أصاب الطاهر بلا شك، فيكون قد صل ﱠ ى بطهارة مقطوع بها. قال السالمي : وهذا إنما يصح إذا كانت الآنية المتنجسة أكثر، أما إذا كان » المتنجس واحد فقط، فإنه إن توضأ بماءين إلى الصفة المتقدمة أجزاه ذلك إن شاء الله؛ لأنه كان قد وافق أحدهما نجسا ً « فالآخر لا محالة طاهر(٢) . _ ولكن أصحاب هذا القول لا يقطعون بطهارته تماما ً ، بل يأمرونه باغتسال بعد ذلك متى وجد الماء الطاهر؛ لأنه يحتمل أن يكون ما وافقه آخر مرة هو النجس من تلك المياه، فيتعين عليه الغسل من النجس. وقد حمل أبو سعيد الكدمي 5 الأمر باغتسال بعد ذلك على معنى الاحتياط، ولكن السالمي يرى أن وجه اللزوم عنده أظهر على هذا القول وهو (١) .٢٩٢/ ابن بركة: الجامع، ١(٢) ٧١/ السالمي: المصدر نفسه، ٣ - .٧٢ ظاهر عبارتهم. وفي هذا القول مشقة وعسر، وحرج شديد، صرح بذلك أبو محمد بن بركة وأبو الحسن البسيوي(١) . _ ويوضح السالمي وجه المشقة في هذا القول: أنه قد لا يتأتى لمن يستعمل هذه المياه المشكوك فيها في بعض الأوقات لضيق الوقت عند قصر النهار، وفي يوم الغيم، وما يلحق الإنسان من المشقة، وفي السفر خاصة، وفيما يوجبه سبق أصحابه ورف ْق َ ته عنهم وت َ خل ﱡ فه عنهم، والخوف على نفسه ُ وعليه، فالمناسب لهذا الرجل الذي لم ،« المشقة تجلب التيسي ر » بعدهم، و يجد إلا هذه المياه المشكوكة مع تيقن نجاسة بعضها أن يعدل إلى الصعيد الطاهر كما هو مقتضى قواعد أكثر الإباضية في باب المشكوكات، أو يتطهر بواحد منها متحريا ً أنه الطاهر، آخذا ً الأصل » بالحكم في المياه؛ لأن كما ذهب إليه ابن بركة وغيره من الإباضية « فيها الطهارة(٢) . ٢ في تطهير بول ا لصبي: ومن التخفيفات التي أقرها الشارع في نجاسة بول الصبي، أنه ي ُ نض َ ح ولا يغسل، والنض ْ ح هو إفراغ الماء من غير حك ﱟ فيكتفي فيه بالرش باليد، أما ُ الغ َ سل يكون بإفراغ الماء مع الد ﱠ ل ْ ك، ونظرا ً لتكرر بوله ومشقة غسله في كل مرة، رخص الشارع في نضحه(٣) . واستدل الإباضية على هذا الحكم بما روي عن علي بن أبي طالب كرم ُ الله وجهه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بول الرضيع فقال: ينضح بول الصبي، » « ويغسل بول ا لجارية(٤) . وما روي من طريق ابن عباس أن ّ أم قيس بنت محصن (١) السالمي: نفسه. (٢) المرجع السابق. (٣) .٣٧٠/ الشماخي: الإيضاح، ١(٤) رواه أحمد، باقي مسند الأنصار، حديث أم الفضل بن عباس، رقم ٢٦٩١٧ ، والطبراني في المعجم .٣٢٦/ الكبير، باب الحاء، حسن بن علي، رقم ٢٥٢٦ ، ابن حجر: إسناده صحيح. فتح الباري، ١ ِ أتت بابن لها صغير يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجلسه 0 في حجره ْ فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه به، ولم يغسله(١) ، وما روي من حديث أنس حين ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم به هو والعجوز، وهي جدته مليك ة، قال ﱠ أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسود » ﱠ « من طول ما لبث فنضحته بالماء(٢) . ِ _ واختلف الإباضية في النضح هل يكون لكل النجاسات أو لبول الصبي فقط؟ قال بعضهم: النضح مقصور على بول الطفل الذي لم يأكل الطعام لحديث أم قيس المتقدم. وفرق آخرون بين بول الصبي الذكر والأنثى، فقالوا: بول الذكر ينضح، وبول الأنثى يغسل، لحديث علي بن أبي طالب المتقدم. وقال آخرون النضح يجري في غسل الأبوال كلها وما كان في معناها، مثل الماء المنجوس ما دامت رطبة، لحديث الأعرابي الذي بال في المسجد فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصب (٤) عليه ذنوب من الماء(٣) . . وحاول بعض الفقهاء تعليل الحكم وبيان سبب التفريق بين الذكر والأنثى حاشية » في الحكم، رغم تساويهما في صفة الرضاع، فقال السدويكشي في قيل في حكمه الفرق بينهما أن النفوس أعلق بالذكر منها بالإناث، » :« الإيضاح (١) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب بول الصبيان، رقم ٢٢١ ، ومسلم، كتاب الطهارة، باب حكم بول الطفل الرضيع، رقم ٢٨٧ ، عن أم قيس. (٢) متفق عليه، رواه البخاري، أبواب الصلاة في الثياب، باب الصلاة على الحصير، رقم ٣٧٣ ، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الجماعة في الصلاة النافلة، رقم ٦٥٨ ، عن أنس. (٣) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب غسل الدم، رقم ٢٢٦ ، بلفظ: قالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا إنما ذلك » عرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صل ّ « ي . قال وقال أبي: « ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك ا لوقت » . صحيح مسلم كتاب الحي باب المستحاضة وغسلها وصلاتها حديث: ٥٢٧ عن عائشة أم المؤمنين # . (٤) .٣٦١ - ٣٦٠/ الشماخي: الإيضاح، ١ فيكثر حمل الذكر، فناسب التخلف أي الإخلاف في حكمهما والاكتفاء بالنضح دفعا ً للحرج والعسر. وقيل: إن بول الصبي من الماء والطين، وبول الجارية من اللحم والدم؛ لأن حواء خ ُ لقت من ضلع آدم 0 «(١) . مجمل ا لقول: ورغم محاولة السدويكشي تبيان الفرق بين بول الصبي وبول الجارية وتعليل ذلك، إلا أنه لم يظهر لي الفرق بينهما، فالظاهر أنهما من مصدر واحد، ويحملان نفس الوصف وهو النجاسة، فناسب أن يكون حكم الرخصة واحد فيهما، وهو النضح في بول الصبي مطلقا ً سواء كان ذكرا ً أو أنثى؛ تخفيفا ً وتيسيرا ً على المرضع، ورفعا ً للحرج والمشقة لمن يتناوله، ولعل الاختلاف بين الجنسين يكون في تركيبة العضوين، وتزداد نجاسة بول الأنثى بملامسته مخرج الغائط عند خروجه، ولذلك يصبح بولها أكثر قذارة خلافا ً للذكر، فمخرج بوله يبعد عن فتحة الشرج فلا يختلط بالغائط غالبا ً ، وربما يرجع السبب إلى الخصائص العضوية لبول كل منهما، وهذا الأمر يحتاج إلى رأي المختصين بعد تحليل بولهما في مرحلة الرضاع، لتأكيد صحة هذه النظرية أو بطلانها،، أما التعليل الذي نقله السدويكشي عن بعض الفقهاء للتمييز بين بول الصبي والجارية، فإنه لا يصلح للاحتجاج، ولا يعضده الدليل ولا العرف، لأن الإسلام ينهى عن التفريق لأجل الجنس، ويدعو إلى التسوية بينهما، والدليل إذا عارضه الاحتمال سقط به الاستدلا ل، أما وقد وجد نص ُ لا حظ للنظر » : صريح يؤكد هذا التفريق، فإننا نقف عند مورد النص، ونقول وقد أكدت الدراسات العلمية المخبرية الحديثة التي أجريت ،« عند وجود الأث ر على عينات من بول الرضيع أن نسبة البكتيريا في بول الصبية أكثر من ّ (١) السدويكشي المعروف بالمحش ّ .٣٦١/ ي: الحاشية على كتاب الإيضاح للشماخي، ١ الصبي(١) ، وهذا الاكتشاف يؤكد الإعجاز العلمي النبوي الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم . في الحديث المتقدم. ٣ في حكم الدم ا لمسفوح: وقد خفف الفقهاء في نجاسة الدم إذا لم يكن مسفوحا ً ، فقد ذهب بعضهم إلى أنه إذا غ ُ سلت الحجامة والجراح فرجع منه دم أن ذلك الدم ليس يفسده، قال أبو الحسن البسيوي : كان أبو الحواري يقول عن منير »(٢) ، ولا أعلم أن أحدا ً (١) أكد الدكتور صلاح الدين بدر في بحثه أن بول الغلام الرضيع الذي يقتصر في غذائه على لبن الأم (اللبن الطبيعي) لا يحتوي على أي نوع من أنواع البكتيريا، بينما يحتوي بول الأنثى الرضيعة على بعض البكتيريا، وأرجع ذلك إلى الاختلاف في الجنس فمجرى البول في الأنثى أقصر من مجرى الذكر، بجانب إفرازات البروستاتا لدى الذكر والتي لها تأثير قاتل للجراثيم، ولذلك لا يحتوي بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام على بكتيريا ضارة، ونتيجة للفارق التشريحي للجهاز البولي فإن الأنثى أكثر عرضة للتلوث البكتيري بالمقارنة مع الذكر، فمن السهل انتقال البكتيريا إلى المثانة في الأنثى، وخصوصا ً تلك البكتيريا التي تنتقل من نهاية الجهاز الهضمي وتتعلق بمجرى البول، وغالبا ً ما تكون تلك البكتيريا بكتيريا القولون. وبالنظر إلى قوله يتبين أن بول الأنثى يحتوي على بكتيريا تسبب العدوى، ومن ث َ م وجب غسله، وذلك للوضع التشريحي لجهازها البولي، وصغر مجرى البول في الأنثى مقارنة بالجهاز البولي عند الذكر. مقال بعنوان الإعجاز في التفريق بين بول الجارية وبول الغلام الرضيع، نشر ضمن بحوث المؤتمر العالمي للإعجاز العلمي في القرآن والسن ﱠ ة يوم ﱡ ٢٠٠٧ . ينظر: منتديات ستار تايمز /٦/٢٤ www.Jameatalemanorg/agastasher. (٢)منير بن النير الجعلاني (حي في: ٢٣٧ ه) أحد حملة العلم من البصرة إلى ع ُ مان، ويعرف بالجعلاني وهو من بني ريام. انتقل إلى البصرة، وتتلمذ على يد الربيع بن حبيب، ثم رجع إلى عمان مع حملة العلم، وهم موسى بن أبي جابر الإزكوي، وبشير بن المنذر النزواني، ُ ومحمد بن المعلا، ومحبوب بن الرحيل @ . له سيرة كتبها إلى الإمام غسان بن عبد الله تبين ﱢ مدى علمه وسعة اطلاعه، وهي موجودة ضمن مجموعة السير والجوابات (مطبوع). خرج مع رجال من أهل جعلان لصد محمد بن بور ممثل السلطة العباسية من فرض سيطرته على عمان، ولكن انقسام العمانيين فيما بينهم أدى إلى هزيمتهم ومقتل خلق كثير، منهم ُُ الأهيف بن حمحام ومنير بن النير، وكان ذلك يوم ٢٦ ربيع الآخر ٢٨١ ه. ينظر: السيابي: . إزالة الوعثاء، ٤٣ . السالمي تحفة الأعيان، ١٨٨ قال بذلك إلا هو، والذي نأخذ به أنه يفسد، إذا كان دما ً عبيطا ً (١) ، وأما الصفرة والحمرة من بعد الغسل فلا بأس، وما خرج من الحجامة بعد أن غسلت، كدرة أو صفرة أو حمرة، فهو طاهر. وقال غيره: إن الحمرة والصفرة إذا خرجت من « بعد الغسل من جرح طري، أنه يختلف فيه، فقيل نجس وقيل طاهر(٢) . وكذلك رخصوا لمن كان متوضء فحدثت له نجاسة من دم أو غيره في جسمه أو ثوبه، فإن وضوءه لا ينتقض بذلك مطلقا ً ، ولو كان دما ً فائضا ً ،« المعتبر » مسفوحا، إذا كان أقل من ظفر الإبهام، وقد صرح بذلك الكدمي في النجاسة تكون في مواضع الوضوء، وينعقد عليها الوضوء أو شيء » وبين أن ﱠ من الوضوء، فهذا من حدوث النجاسة في المتوضئ من بعد الوضوء، وتمام الوضوء أقرب وأحرى أن يجوز فيه هذا، إذا غسله له غيره، أو غسله هو بحجر أو بما أشبه ذلك؛ لأنه قد قيل في المتوضئ: إنه إذا خرج منه دم من شيء من بدنه من مواضع الوضوء أو من غيرها مجملا، ً ففي بعض القول ولعله الأكثر أنه ما كان من الدم قليل أو كثير، من جرح طري أو غيره ولم يفض ّ كان الجرح صغيرا ً أو كبيرا ً ، فإن وضوءه لا ينتقض بذلك، وأنه تام ما لم ينتقض وضوءه ذلك سوى ذلك الدم. وكذلك على قول من يقول: إنه إذا لم يكن الدم الفائض مسفوحا ً ، وكان أقل من ظفر عند من لا يفسد به الوضوء، إذا كان أقل ّ من ظفر، فيخرج عندي لا يفسد الوضوء، ولا يقوم عليه الوضوء الجديد حتى يطهر في معاني قول من قال بذلك من أصحابن ا، فثبت في معاني القول أن حدوث النجاسة للوضوء المتقدم يرخص فيه أكثر من تقدم النجاسة قبل الوضوء الجديد، وذلك شيء «... مفهوم(٣) . (١) الدم العبيط: هو الطري الذي يخرج وحده. (٢) ٢٨٣/ ابن جعفر: الجامع، ١ - .٢٨٤ (٣) .٢٢٠ - ٢١٩/ الكدمي: المعتبر، ٣ يغتفر في » : ولعل الكدمي يشير بكلامه إلى قاعدة فقهية مشهورة، وهي أي يتسامح في النجاسة القليلة الطارئة على ،« البقاء ما لا يغتفر في الابتدا ء الطهارة، فلا تبطل بها العبادة، أما إذا أريد تجديد الطهارة، فيجب إزالة النجاسة قبل الوضوء؛ فلا تبنى الطهارة على النجاسة. _ ولم يقتصر الأمر في التخفيف على حدوث النجاسة بعد الوضوء، بل رخص الفقهاء لمن صل ﱠ ى بثوب فيه دم قليل أو نحوه ولم يعلم به، فإن كان الدم قد ْ ر ظفر الإبهام مجتمعا ً أو مفرقا ً فعليه بدل صلاته، وإن لم يبلغ ذلك فلا فساد عليه، وإن أبصره قبل الصلاة ثم نسي حتى صلى به من بعد أن كان أبصره، فلا نقض عليه ولا بدل أيضا ً ، وقيل: يبدل، واختار ابن «(١) هو أحب إلي » : جعفر الرأي الأول ورجحه وقال . ّّ أما إذا صل ّ ى ناسيا ً للدم ثم أبصره في الصلاة قليلا ً أو كثيرا ً ، ففي هذه الحالة يقطع صلاته ويصلي بغير ذلك الثوب(٢) . ٤ في ف ك ّ شعر المرأة عند ا لغ ُ سل: ومن التيسيرات في باب الطهارة ما رخص فيه العلماء للمرأة: ألا تفك ضفائرها إذا أرادت الاغتسال من حدث الجنابة، فقد سئل عن ذلك الشيخ عبد الرحمن بكلي : هل يجب على المرأة حل شعرها في كل اغتسال؟ وهل ٰ َﱡ يسوغ لها أن تتيمم له بدل ذلك؟ فذكر أن الجمهور لا يلزم المرأة أن تفك ُ شعرها لدى كل اغتسال، وعليه صاحب النيل(٣) . ولا يلزم به الغسل نقض الضفائر، » : جاء في فتاوى البكري ما نصه (١) .٢٧٥/ ابن جعفر: الجامع، ١(٢) ابن جعفر: المصدر نفسه. (٣) ينظر: الثميني: كتاب النيل، تحقيق: بكلي عبد الرحمن ٰ ١٣٨٧ ه/ ١٩٦٧ م، ، بكلي ط ٢ .١٩/ المطبعة العربية لدار الفكر الإسلامي، الجزائر، ١ حسبها أن تصب الماء وتبلغه أصول الشعر، إلا إذا طالت المدة بين الغ ُ سلين، ُْ فالأولى فك ّ ه، أو كان لحيض أو نفاس، فلا بد من فكه وغسله بالط ﱡ فل ومشطه، وأنت خبير إذا ساغ لها أن لا تفكه، فقد اعتبر اغتسالها تاما ً ، وعليه فلا حاجة ّ « أن تتيمم له بعد ذلك(١) . ويستفاد من عبارة