١٤٣٤ غمي ٢٠١٣ م لا يجوز نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب في أي شكل من الأشكال أو بأية وسيلة من ا لوسائل سواء التصويرية أ و الالكترونية، بما في ذلك ا لنسخ الفوتوغرافي أ و سواه وحفظ ا لمعلومات واسترجاعها إلا بإذن خطي من ا لناشر . الفصل الرابع القاعدة الكلية الكبرى الرابعة: الضرر يزال » « لا ضرر ولا ضرار » أو « وما تفرع عنها ويشتمل هذا الفصل على المباحث التالية: :∫hC’G åëѪdG حقيقة القاعدة. :»fÉãdG åëѪdG تأصيل القاعدة. :ådÉãdG åëѪdG أنواع الضرر وضوابطه وطرق إزالته. :™HGôdG åëѪdG تطبيقات القاعدة، والفروع المتخرجة عليها. :¢ùeÉîdG åëѪdG القواعد المتفرعة أو المندرجة تحت هذه القاعدة. المطلب ا لأول: الضرر يدفع بقدر الإمكان » : قاعدة .« المطلب ا لثاني: الضرر لا يزال بمثله أو بأعظم منه » : قاعدة .« المطلب ا لثالث: الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف » : قاعدة .« يختار أهون الشرين أو أخف الضررين » أو .« إذا تعارضت » أو مفسدتان روعي أعظمهما ضررا ً .« بارتكاب أخفهما المطلب ا لرابع: يتحمل الضرر الخاص لدفع » : قاعدة .« الضرر العام المطلب ا لخامس: درء المفاسد أولى من جلب » : قاعدة .« المصالح المطلب ا لسادس: إذا تعارض المانع والمقتضى » : قاعدة .« يقدم المانع المطلب ا لسابع: الضرر لا يكون قديما » : قاعدة ً.« ونشرع في تفصيل هذه المباحث والمطالب فيما يأتي بإذن الله. ™HGôdG π°üØdG ,z ∫Gõj Qô°†dG{ á©HGôdG iôÑμdG á«∏μdG IóYÉ≤dG z QGô°V ’h Qô°V ’{ hCG É¡æY ´ôØJ Éeh لا ضرر » و « الضرر يزال » : في هذا الفصل سوف نبحث عن حقيقة القاعدة وعن أصلها الشرعي، ونبين أنواع الضرر وضوابطه وطرق إزالته، ،« ولا ضرا ر ﱢ ثم نستعرض جملة من الفروع الفقهية المتنوعة والمتخرجة عليها في الفقه الإباضي، ونختم الفصل بذكر بعض القواعد المتفرعة عنها أو المندرجة تحتها، مع شيء من التحليل والتأصيل والتطبيق، وسيكون ذلك ضمن المباحث التالية: IóYÉ≤dG á≤«≤M وفي هذا المبحث نوضح أهمية هذه القاعدة في التشريع الإسلامي، ومكانتها في الفقه الإباضي، ونحدد مدلولها اللغوي والاصطلاحي، والمعنى ،« المشقة تجلب التيسي ر » الإجمالي، ونشير إلى علاقتها بالقاعدة الكلية والمجالات التي تدخل فيها هذه القاعدة. تعد ّ الضرر يزال » : قاعدة « لا ضرر ولا ضرار » أو « من القواعد المهمة في الفقه الإسلامي؛ إذ يبنى عليها كثير من أبواب الفقه(١) ، حتى جعلها بعضهم شاملة نصف أحكامه، بناء على أن الأحكام الشرعية إنما شرعت لجلب ً ِ مصلحة أو لدفع مضرة، وإن ّ من مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على الضرورات وحمايتها، ودفع الضرر عنها(٢) ، والتي هي حفظ الدين، والنفس والعقل والع ِ رض (النسب) والمال، وهي ترجع إلى تحصيل المقاصد وتقديرها أو تخفيفها(٣) . ولأجل ذلك شرع الله تبارك وتعالى للناس ما يصلح شؤونهم، ودل ّ هم عن طريق الهادي البشير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على كل ما ينفعهم وما فيه صلاحهم، وحذ ﱠ رهم ونهاهم عن كل ما يضر بهم وما فيه فسادهم، وقد أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء عنه أنه قال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حق » ّا ً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم «... الحديث(٤) . ولعل أهمية هذه القاعدة تتجلى في ضبط النفس الإنسانية ومنعها من الاعتداء على الغير؛ لأنها كثيرا ً ما تغفل عن روح الشريعة فتعيث في الأرض فسادا ً بدافع الأنانية وحب الذات، فلو تركت هذه النفس من دون مانع يمنعها، ّ أو حاجز يوقفها عند حدها، أو رادع يزجرها ويقي المجتمع شرها لأدى ذلك (١) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٧٦(٢) .١٠/ الشاطبي: الموافقات، ٢(٣) . ابن النجار: شرح الكوكب المنير للفتوحي، ص ٣٩٠(٤) أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ١٤٧٢/ ببيعة الخلفاء الأول فالأول، ٣٠ - .١٤٧٣ إلى انتشار المخاوف، وزعزعة الأمن والاستقرار، وذيوع الشحناء والبغضاء بين الأفراد، وتصدع بها المجتمع، ولهذا كان ما يحقق المنفعة وينشر المحبة، ويمنع الضرر ركنا ً من أركان الشريعة الإسلامية، وأساسا ً من أسس التشريع الإسلامي. فالضرر منفي شرعا ً ، ولا يحل لمسلم أن يضر غيره بقول أو فعل أو سبب ّ بغير حق، سواء كان له في ذلك مصلحة أم كان من باب الإضرار بالغير. ،« الضرر يزا ل » : اعتمد فقهاء الإباضية في فروعهم الفقهية على قاعدة وصاغوها بصيغ متعددة متقاربة في المعنى، فعبر عنها السالمي والراشدي ّ الضرر مزال » بصيغة « (١) المضار مصروفة » ، وذكرها عثمان الأصم بصيغة « (٢) ، الضرر لا يحل » : وأما الشماخي فقال « (٣) ، واختار ابن جعفر والكدمي والثميني عبارة: لا ضرر ولا ضرار » « (٤) ؛ لأنها مقتبسة من حديث مشهور يعد ّ من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ، وقد سار مسير القواعد الفقهية الكلية، فهو يعتبر دليلا ً للقاعدة وأصلا ً لها. وذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى مثل هذا الرأي فعبروا عن القاعدة عبر أكثر من كتب في القواعد عن هذه القاعدة بقولهم: » : بتلك الصيغة وقالوا َّ الضرر يزال » « وجعلوا ما اعتمدنا به وهو الحديث دليلا ً على القاعدة أصلا ً لها، ولكن التعبير بصيغة الحديث عن القاعدة أشمل وأعم، حيث يشمل الضرر ابتداء ومقابلة، وأيضا ً يعطي ذلك القاعدة قوة؛ إذ يجعلها دليلا ً شرعيا ً ُّ ّ (١) ١٧٩ . الراشدي جواهر القواعد، ص ١٣٣ . الخليلي أحمد، / السالمي: العقد الثمين، ٤ فتاوى المعاملات، الكتاب الثالث، ص ١٢٤ - .١٢٥ (٢) .١٩٠/ الأصم عثمان: ١(٣) ٨٧/ ٣١٦ و ٧ / الشماخي: الإيضاح، ١ - .٩٠ (٤) ١٠٤ . الثميني، الورد البسام، / ٢٩٨ . الكدمي، المعتبر، ٣ / ابن جعفر: الجامع، ١ ص ٢٤٨ . بكلي عبد الرحمن، ٰ .٣٢٢/ فتاوى البكري، ١ صالحا ً لبناء الأحكام عليه، باعتبار أنها نص حديث نبوي كريم، بخلاف قولنا: فليس لهذا القول قوة شرعية كنص الخبر ،« الضرر يزا ل »(١) ، ولهذا اخترت أن لا ضرر ولا ضرار » : يكون عنوان هذه القاعدة « (٢) . وتماشيا ً مع المصادر الفقهية الإباضية فإني سوف أعتمد على شرح المصطلحين جمعا ً بينهما باعتبار أن العبارتين متقاربتين في المعنى إن لم نقل ُ مترادفتين؛ لأن الأولى خصوص يراد بها العموم، والثانية من قبيل العام المخصوص، فكل منهما يراد بها نفي الضرر قبل وقوعه وبعده ابتداء وجزاء؛ ًً لأن الضرر لا محالة واقع وليس من الممكن تلافيه بالكلية، فينصب النهي عن ّ الضرر الذي يمكن تلافيه والحذر منه، ثم إن الضرر الخفيف الذي يتحمله ِ الناس بلا مشقة ليس منهيا ً عنه على سبيل الوجوب(٣) . َّ وحتى يتضح معنى القاعدة، فلا بد من شرح ألفاظها وتحديد معانيها في اللغة والاصطلاح، ثم نبين المعنى الإجمالي للقاعدة كما يلي: ﱢ (١) الخليلي أحمد: فتاوى المعاملات، ص ١٢٤ - ١٢٥ . البورنو: الوجيز في إيضاح القواعد . الكلية، ص ٢٥١(٢) . السدلان: القواعد الفقهية الكبرى، ص ٤٩٣(٣) . محمد بكر اسماعيل، القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، ص ٩٧ أ الضرر في ا للغة: مأخوذ من ضر ضد النفع فيقال ضره يضره ضرا ً ، ّّ والض ﱡ ر بالضم الهزال وسوء الحال، والمضرة خلاف المنفعة(١) . وقيل: الضراء النقص في الأموال والأنفس، وكذلك الضرة والضرارة والضرر في ماله، ِ والضر أيضا ً هو حال الضرير، وهو الز ّمن، والضراء الزمانة، والضرير الذي به ّ ضرر من عينه(٢) . ضره وضر به ضرا « محيط المحيط » وجاء في ً وضره ضد نفعه؛ أي: جلب ّّ إليه الضرر، والض ﱠ ر بالفتح مصدر وبالضم اسم، ويقال أضرني فلان إذا دنا مني دنوا ً شديدا ً ، وأضر الرجل راحت عليه ضره في المال، وقال أيضا ً : الضرر سوء ّ الحال والضيق، والنقصان يدخل في الشيء(٣) . وقيل: إن الضرر هو سيلان الدم في الجارحة، وكذا في حدود الأمراض(٤) . والضرر بالفتح ما يؤلم الظاهر من الجسم وما يتصل بمحسوسه من مقابلة الأذى، وهو إيلام النفس وما يتصل بها، وتشعر الضمة في الضر بأنه قهر وعلو، ﱡ والفتحة بأنه ما يكون من مماثل أو نحوه. (١) .١٥٤ ،١٥٣/ ابن منظور: لسان العرب، ٦(٢) ٣٦٠ . الفيومي: المصباح المنير، ٤٩٢ . الأصفهاني / ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ٣ . الراغب: المفردات في غريب القرآن، ص ٢٩٣(٣) ١٢٤٢ ، نسخة طبق الأصل نقلا ،١٢٤١/ البستاني بطرس: محيط المحيط ٢ ً عن طبعة سنة ١٨٧٠ ، الناشر مكتبة لبنان، بيروت. (٤) التهانوي الشيخ المولوي محمد أعلى بن علي: موسوعة اصطلاحات العلوم الإسلامية المعروف بكشاف اصطلاحات الفنون، منشورات شركة خياط للكتب والنشر، بيروت، .٨٨٣/ ص ٤ ِ والضرار: فعال بكسر أوله من ضار ومضارة وضرار بمعنى ضره، وأضره َﱠ ﱠ إلى كذا بمعنى ألجأه إليه وليس منه بد(١) . ومن خلال هذه المعاني اللغوية لكلمة الضرر والضرار بصيغه المختلفة َ نجد أن المعنى المناسب لمدلول القاعدة ما كان ضد النفع، وهو المعنى المشاع والأكثر استعمالا ً ، ونادرا ً ما تستعمل المعاني الأخرى. ب وفي ا لاصطلاح وردت في معناهما تعاريف كثيرة منها: ١ أن ّ الضرر هو: إلحاق مفسدة بالغير مطلقا ً ، والضرار مقابلة الضرر بالضرر(٢) . ٢ وقيل: الضرر الاسم والضرار الفعل. ٣ وقيل: الضرر أن تضر من لا يضرك، والضرار أن تضر من أضر بك من غير جهة الاعتداء بالمثل، والانتصار بالحق(٣) . ٤ وقيل: الضرر ما تضر به صاحبك وتنتفع به أنت، والضرار أن تضره من غير أن تنتفع أنت به(٤) . ٥ وقال الراشدي : الضرر: أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا » ً من حقه، ِ والضرار فعال: أي لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه، والضرر ِ فعل الواحد، والضرار فعل الاثنين، أو الضرر: ابتداء الفعل، والضرار: « الجزاء عليه(٥) . (١) .٤٦٥/ الفيومي: المصباح المنير، ٢ (٢) الرملي شمس الدين، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الناشر المكتبة الإسلامية لصاحبها ٨١ . الساعاتي / الحاج رياض الشبح، وكذا طبعة ١٢٩٦ بمطبعة حسين بك حسني، ٣ أحمد عبد الرحمن البنا، بدائع المتن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن، الطبعة الأولى ٰ .١٩٣/ ١٣٦٩ ، دار الأنوار للطباعة والنشر، ٢(٣) .١٨٨/ الحموي أحمد: غمز عيون البصائر، ١(٤) ٢٨٧ . الرملي، نهاية / الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٣٧ . الشوكاني، نيل الأوطار، ٥ .٨١/ المحتاج، ٣(٥) ٤٨٦ . ابن الأثير، /٤ ،« ضرر » الراشدي: المرجع نفسه. ابن منظور، لسان العرب، مادة .٨١/ النهاية في غريب الحديث، باب الضاد مع الراء، ٣ ﺐـﻫﺫﻭ ﺾﻌﺒﻟﺍ ﻰﻟﺇ ﻥﺃ ﺭﺮـﻀﻟﺍ ﺭﺍﺮﻀﻟﺍﻭ ﻥﺎﻈﻔﻟ ﻰـﻨﻌﻤﺑ ﺪﺣﺍﻭ ﻢﻠﻜﺗ ﺎﻤﻬﺑ ٦ـ . ﻰﻠﻋ ﻪﺟﻭ ﺪﻴﻛﺄﺘﻟﺍ ﻻﺮﻴﻏ (١) ً ﺎﻌﻴﻤﺟ ﺭﺮـﻀﻟﺍﻭ ﻊـﺟﺮﻳ ﻰﻟﺇ ﺪﺣﺃ :ﻦـﻳﺮﻣﺃ ﺎﻣﺇ ﺐﻳﺮﻘﺗ ﺔﺤﻠﺼﻣ ﻭﺃ ﻝﻮﺼﺣ ﺓﺪـﺴﻔﻣ ٧ـ . ﻪﺟﻮﺑ ﻦﻣﻩﻮﺟﻮﻟﺍ(٢) مجمل ا لقول: ومن مجموع هذه التعريفات نخلص إلى القول إن الضرر هو الإخلال بمصلحة مشروعة للنفس أو الغير، تعديا ً أو تعسفا ً أو إهمالا ً(٣) ، فالمصلحة هي محل وقوع الضرر، وهي المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم، طبق ترتيب معين فيما بينهما(٤) . ﱠ كل أذى » ولعل من التعريفات المناسبة للضرر ما ذكره محمد بوساق أن يلحق الشخص سواء أكان مال متقوم محرم أم جسم معصوم أم عرض ّّ « مصون(٥) . وهذا التعريف اخترناه لأنه في نظرنا جامع ومانع، فقد تجنب كل المآخذ التي وردت في التعريفات السابقة من الخصوص والعموم، وحدد مفهومه تحديدا ً دقيقا ً ، فليس لأحد أن يضر غيره فردا ً أم جماعة (شخصية طبيعية أم معنوية)، سواء ضره أم لا، إلا أن له أن ينتصر ويعاقب إن قدر بما يسمح به الشرع، وليس ذلك ظلما ً ولا ضرارا ً إذا كان على الوجه الذي ة(٦) أباحته السن ﱠ . ﱡ (١) .٣٨٦/ الزيلعي: نصب الراية، ٤(٢) ابن دقيق العيد، شرح الأربعين حديثا ً .٨٤ ، النووية، ص ٨٣(٣) .١٩٩٧ ، ٩٧ ، دار ابن عفان، السعودية، ط ١ / موافي أحمد، الضرر في الفقه الإسلامي، ١(٤) . البوطي: ضوابط المصلحة، ص ٢٣(٥) بوساق محمد مدني، التعويض عن الضرر في الفقه الإسلامي، نشر دار إشبيليا الرياض، . ١٤١٩ ه/ ١٩٩٩ م، ص ٢٨ ، السعودية، ط ١(٦) .٥٠ ، ابن سعدي: بهجة قلوب الأبرار، ص ٤٩ ويشمل الضرر بالغير كل من قصد الإضرار بغيره ولم يقع لسبب من الأسباب، ولو زال ذلك لوقع، وكذلك من أوقع الضرر على غيره ولم يؤثر فيه، ولكن يحاسب على القصد السيئ. ج أما معنى الإزالة الوارد في ا لقاعدة: من ز َ ول، فيقال: زال يزول زوالا ً َ وهي ترجع في أصل اللغة إلى تنحي الشيء عن مكانه، ومنه زالت الشمس عن كبد السماء، ويقال أزالته عن المكان وزولته(١) . ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للإزالة عن المعنى اللغوي لها، يقول صاحب معجم لغة الفقهاء : « الإزالة التنحية والإذهاب »(٢) . ويستعمل في معنى وهو في اللغة يدل على تنحية الشيء من مكانه، فيقال: دفعت « الدفع » الإزالة الشيء أو دفعه دفعا ً والمدف ﱠ ع الفقير الذي يدفعه الناس عند سؤاله(٣) ، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للدفع عن المعنى اللغوي له، ولذلك قال المطرزي : الدفع معروف(٤) . د المعنى الإجمالي ل لقاعدة: هذه القاعدة من جوامع الأحكام، ويشهد لها نصوص كثيرة من الكتاب والسن ﱠ ة، وهي الأساس لمنع الفعل الضار عن النفس والغير، وترتيب نتائجه في ﱡ التعويض المالي والعقوبة، كما أنها سند لمبدأ الاستصلاح في جلب المصالح ودرء المفاسد، وهي ع ُ د ّ ة الفقهاء وعمدتهم، وميزانهم في تقرير الأحكام الشرعية للحوادث(٥) . (١) . ٣٨ . الفيومي، المصباح المنير، ص ٣٥٤ / ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ٣(٢) . قلعة جي وقتيني، معجم لغة الفقهاء، ص ٥٦(٣) . ٢٨٨ . الفيومي، المصدر نفسه، ٢٦٦ / ابن فارس: المصدر نفسه، ٢(٤) . المطرزي: المغرب في ترتيب المعرب، ص ١٦٦(٥) ٩٧٩ . الخليلي أحمد، فتاوى ،٩٧٨/٢ ، الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي العام، فقرة ٥٨٦ . المعاملات، ص ١٢٤ الضرر مزال » فمعنى قولنا » :« الجواهر » يقول الراشدي في :« محكوم بزواله؛ لأنه مفسدة، وقد جاء الشرع الشريف بدرء المفاسد، ولذا قال بعض العلماء بحصر الفقه في درء المفاس د، وجعل منه جلب للمصالح؛ لأنه مشروط بأن لا تكون مفسدة، فإن كانت ق ُد ﱢ « م درؤها على جلب المصلحة(١) . ونص القاعدة ينفي الضرر مطلقا ً ، فيوجب منعه سواء أكان الضرر عاما ً أم ّ خاصا ً ، ويوجب وق ْف ُ ه قبل وقوعه بطرق الوقاية الممكنة؛ لأن الوقاية خير من ّ العلاج، أو رفعه بعد وقوعه بما يمكن من التدابير التي تزيل آثاره وتمنع تكراره، ومن ث َ م كان إنزال العقوبات المشروعة بالمجرمين لا ينافي هذه ﱠ القاعدة، وإن ترتب على معاقبتهم ضرر بهم؛ لأن فيها عدلا ً وإنصافا ً ، ودفعا ً لضرر أعم وأعظم(٢) . وشرع الجهاد لمقاومة الأعداء، ووجبت العقوبة لقمع الإجرام، وشرعت الشفعة لدفع ضرر الجار أو الشريك المتوقع. والمقصود بمنع ا لضرر: نفي فكرة الثأر المحض لمجرد الانتقام؛ لأن هذا يزيد في الضرر ويوسع دائرته، ولأن الإضرار ولو على سبيل المقابلة لا يجوز أن يكون هدفا ً مقصودا ً وطريقا ً عامة، وإنما يلجأ إليه اضطرارا ً عندما لا يكون غيره من طرق التلافي والقمع أفضل منه وأنفع، فمن أتلف مال غيره مثلا :ً لا يجوز أن يقابل بإتلاف ماله؛ لأن في ذلك توسعة للضرر بلا منفعة، ِ وأفضل منه تضمين المتلف قيمة ما أتلف، فإن ﱠ فيه نفعا ً بتعويض المضرور ُ وتحويل الضرر نفسه إلى حساب المعتدي، فإنه سيان بالنسبة إليه: إتلاف ماله، وإعطاؤه للمضرور لترميم الضرر الأول، فأصبحت مقابلة الإتلاف بالإتلاف مجرد حماقة، وذلك بخلاف الجناية على النفس والبدن مما شرع فيه القصاص، (١) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٣٧(٢) . البورنو: الوجيز، ص ٧٩ . السدلان، القواعد الفقهية الكبرى، ص ٤٩٨ فمن قتل يقتل، ومن قطع يقطع، ومن جرح يجرح؛ لأن هذه الجنايات َ لا يقمعها إلا عقوبة من جنسها، كي يعلم الجاني أنه في النهاية كمن يعتدي على نفسه(١) . وعلى كل حال، فإن القاعدة تفيد تحريم سائر أنواع الضرر إلا بدليل؛ لأن النكرة في سياق النفي تعم، فلا إلحاق ضرر أو ضرار بأحد في ديننا، أي ُ لا يجوز شرعا ً إلا لموجب خاص(٢) . (١) .٩٧٩ ،٩٧٨/ الزرقا مصطفى: المدخل، ٢(٢) .٤٣٢ ،٤٣١/ المناوي: فيض القدير، ٦ الضرر يزال أو لا ضرر ولا ضرار » : إذا تأملنا في قاعدة « والقاعدة التي قبلها المشقة تجلب التيسير » « نجد أن بينهما تقاربا ً واضحا ً وتداخل بين، كما صرح ّ هذه القاعدة مع التي قبلها متحدة أو » بذلك السيوطي وابن نجيم في عبارتها « متداخلة(١) ، فالضرر من المشقة والمشقة تجلب التيسي ر، فإزالة الضرر هو نوع من التيسير؛ لأن بقاءه فيه مشقة على العباد، ويترتب على ذلك كما قال الحموي : « أن تصدق كل واحدة منهما على ما تصدق عليه الأخرى »(٢) ، كما يترتب عليه الضرورات تبيح » : صلاحية دخول بعض القواعد الفرعية تحت القاعدتين، كقاعدة « جواهره » فقد اختار الراشدي في ،« المحظورا ت(٣) الضرر » : وغيره إلحاقها بقاعدة يزال « خلافا ً ،« المشقة تجلب التيسي ر » : لما ذهبنا إليه من إدراجها تحت قاعدة ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها » ومثله يقال في القاعدة الفرعية « (٤) . ويرجع هذا التداخل إلى أن كل قاعدة تعمل في نطاق الأخرى، فقاعدة: الضرر يزال » « نطاقها الضرر الواقع بالناس الذي هو معنى الحرج والمشقة المشقة تجلب التيسير » : والضرورة، وتقضي القاعدة بإزالته، وقاعدة « نطاقها المشقة والحرج والضيق، وهي بمعنى الضرر، وهذا يوحي بأنه لا فرق بين ِ القاعدتين فلم أفردت كل واحدة بقاعدة؟ َ (١) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١١٤ ، ابن نجيم، الأشباه والنظائر، ص ١٠٧(٢) .٢٧٥/ الحموي: غمز عيون البصائر، ١(٣) الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٣٩ . السيوطي، الأشباه والنظائر، ص ١١٤ . ابن نجيم، . الأشباه والنظائر، ص ١٠٧(٤) . الراشدي: المرجع نفسه، السيوطي، المصدر نفسه، ص ١١٥ فالذي يدقق النظر يجد فروقا ً منها: ما ذكره الجرجاني في بيان معنى « مشقة من الضرر وهو النازل مما لا مدفع له » الضرورة(١) ، فنطاق قاعدة: المشقة تجلب التيسير » « المضار النازلة بالإنسان ولا يمكنه دفعها وإزالتها، وتقتضي التخفيف والتيسير في الأحكام. الضرر يزال » : أما قاعدة « فنطاقها المضار التي يلحقها الإنسان بنفسه أو بغيره، ويمكن إزالتها ودفعها بإزالة عينها، أو بالتعويض، أو بالعقوبة(٢) . (١) . الجرجاني: التعريفات، ص ١٨٠(٢) شبير محمد عثمان: القواعد الفقهية الكلية، ص ١٨٠ . إسماعيل علوان، القواعد الفقهية . الخمس الكبرى، ص ٣٤٤ هذه القاعدة يبنى عليها الكثير من أبواب الفقه منها: الأول: الرد بالعيب لإزالة الضرر عن المشتري. الثاني: جميع أنواع الخيار من اختلاف الوصف المشروط، والتغرير، وإفلاس المشتري ونحوها لرفع الضرر عن البائع والمشتري. الثالث: الحجر بأنواعه، للمحافظة على مال غير القادر على التصرف السليم. الرابع: الشفعة، شرعت للشريك، لدفع ضرر القسمة، وللجار لدفع ضرر الجار السوء. الخامس: القصاص، لدفع الضرر عن أولياء القتيل. السادس: الحدود والتعزير، لدفع الضرر عن المجتمع وعمن لحق به. السابع: الكفارات، لإزالة سبب المعصية. الثامن: ضمان المتلف، لإزالة الضرر اللاحق بمن أتلف له. التاسع: القسمة، لرفع الضرر عن أحد الشريكين أو كليهما. العاشر: نصب الأئمة والقضاء، لمنع الضرر عن الأمة الإسلامية، حيث بوجودهم تقام الحدود، وتمنع الجرائم، وتستأصل شأفة الفساد. الحادي عشر: دفع الصائل، وهو المندفع إلى قتل غيره، وذلك لإبعاد ضرره عن النفس أو الغير أو المال. الثاني عشر: قتال المشركين، لإظهار نور الحق ودحر فتنة الباطل، وصد ّ هم عن طريق الدعوة الإسلامية. الثالث عشر: فسخ النكاح بالعيوب والإعسار، لإزالة الضرر عن الزوج أو الزوجة. وهكذا يظهر مما تقدم أن هذه القاعدة يبنى عليها من الفقه ما لا يحصر من الأبواب الفقهية، مما في حكمة مشروعية دفع الضرر والإضرار عن العباد(١) . (١) . ١٣٩ . السيوطي، الأشباه والنظائر، ص ١١٤ ، الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٣٨ z ∫Gõj Qô°†dG{ :IóYÉb π«°UCÉJ تستند هذه القاعدة إلى نصوص كثيرة من القرآن والسن ﱠ ة، وآثار السلف ﱡ الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم، كما تستند إلى الإجماع والمعقول، وقد تضافرت كل هذه الأدلة على بيان هذه القاعدة وتأييدها. k :ºjôμdG ¿BGô≤dG øe :’hCG أ نصوص تدل على النهي عن الضرر والمضارة منها: ما نقله الراشدي في بقوله: وأصل هذه القاعدة: « جواهره » ١ قوله تعالى: ﴿ ! ('&%$#" -,+*) /. ﴾(البق رة : ٢٣١ (. وجه ا لاستدلال: أرشد الله تبارك وتعالى في هذه الآية عباده المؤمنين إلى أن من طلق امرأته ثم بدا أن يراجعها قبل أن تنقضي عدتها لرغبته فيها وندمه على فراقها أن يراجعها، ونهاهم أن يراجعوهن لقصد الإضرار بهن كما يفعل أهل الجاهلية وبعض المسلمين في صدر الإسلام قبل تحديد الطلاق ثلاثا ً ، إذ لم يكن الطلاق محددا ً بعدد معين، ولكن كان له عدة معلومة، فكان أحدهم يطلق المرأة حتى إذا أوشكت عدتها أن تنقضي راجعها ثم يطلقها ثم يراجعها وهكذا، يقصد بذلك الإضرار بالمرأة فلا هو يأوي إليها كما يأوي الزوج لزوجته، ولا هو يطلق سراحها لتتزوج بغيره، فيضرها ذلك، فأنزل الله 8 تحديد عدد الطلاق، ونهاهم عن المراجعة بقصد الإضرار بهن، وكل ذلك لدفع الضرر عن المرأة (١) . ٢ وقوله تعالى: ﴿ zyxwv~}|{﴾ (البق رة : ٢٢٩ (. أفادت هذه الآية مع التي قبلها معنى واحدا ً متقاربا ً ، وذلك أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها، كما يطول بذلك العدة قاصدا ً إلى الإضرار بها في كل ذلك، قال القرطبي : في هذا المعنى: فأفادنا هذا الخبر أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب، »وذلك حبس الرجل المرأة ومراجعته لها قاصدا ً إلى الإضرار بها، وهذا « ظاهر (٢) . فالتنبيه على منع الإضرار وتحريمه في القرآن الكريم يدل على خطورة هذا الموضوع، وأن نفي الضرر كان أمرا ً معنيا ً به في كل صغير وكبير (٣) . ٣ قوله تعالى: ﴿ }|{z~ے £¢¡ ¤ μ´³²±°¯®¬«ª©¨§¦¥ ÅÄÃÂÁÀ¿¾½¼»º¹¸¶ÓÒÑÐÏÎÍÌËÊÉÈÇÆ âáàßÞÝÜÛÚÙØ×ÖÕÔ äã﴾ (البق رة : ٢٣٣ (. (١) ٤٥٦ و ٤٨٠ . الواحدي، أسباب النزول، ص ١١١ . القرطبي، / الطبري: جامع البيان، ٢ .٣٣٩ ، ١٥٦ . إسماعيل علوان، القواعد الفقهية، ص ٣٣٨ / الجامع لأحكام القرآن، ٣(٢) .١٥٦/ القرطبي: المصدر نفسه، ٣(٣) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٢٩٠ وجه ا لاستدلال: ففي هذه الآية ينهى الله تبارك وتعالى كلا ّ ً من الزوجين اللذين حصل بينهما خصام وفرقة، أن يتخذ الطفل وسيلة للإضرار بالآخر، فتنهى الأم عن الامتناع ُّ عن إرضاع طفلها بقصد الإضرار بأبيه، ما دامت ت ُ عطى أجرة مثلها في الإرضاع، وينهى الأب عن انتزاع الطفل من أمه بقصد أن يضرها بذلك، ما دامت تقبل ُ أجرة مثلها من المرضعات، وما ذلك إلا لدفع الضرر عن الطفل(١) . إلى هذا المعنى بعبارة بليغة بأن جعل « الظلال » وأشار سيد قطب في وسيلة الإضرار عند الزوجين هو الضغط على الجانب العاطفي فيقول: فهذه الآية الكريمة فيها حث » ﱞ على الحنان والرأفة بالوليد، ونفي المضارة بين الزوجين، فلا ينبغي أن يتخذ أحد الوالدين من الطفل سببا ً لمضارة الآخر، فلا يستغل الأب عواطف الأم وحنانها ولهفتها على طفلها ليهددها به، أو تقبل رضاعه بلا مقابل، ولا تستغل هي عطف الأب على ابنه له لتثقل « كاهله بمطالبها(٢) . ٤ وقال تعالى في شأن الوصية بالدين: ﴿ yxwvuts {z ﴾ )النساء :( ١٢ . وقال فيما يتعلق بالبيع: ﴿ º ÁÀ¿¾½¼»  ﴾ (ا بل قرة : ٢٨٢ (. فقد دلت هاتين الآيتين وغيرهما على تحريم الضرر ومنعه. وإن ّ من يستقرئ أحكام الشريعة في كل جزئياتها يدرك تماما ً أن الشارع الحكيم قصد من ذلك تحريم كل أنواع الضرر، وأن الجزئيات تندرج تحت أصل كلي يمكن أن يرجع إليه كل ما كان من هذا القبيل. (١) .٤٩٨ ،٤٩٧/ ١٦٧ . الطبري، جامع البيان، ٢ / القرطبي: المصدر نفسه، ٣(٢) .٢٥٤/ سيد قطب، في ظلال القرآن، ط ١٠ ، دار الشروق بيروت والقاهرة ١٤٠٢ ه/ ١٩٨٢ م، ١ ٥ وقوله تعالى: ﴿ ¤ §¦¥ ﴾ )النساء : ( ٥ . وليس الضرر الذي ورد ذكره في القرآن الكريم منحصرا ً في نطاق اللفظ الذي تتكون مادته من الضرر، بل ورد بصور وأشكال مختلفة مما يؤدي معنى الضرر، ولذلك فقد استدل الفخر الرازي على هذه القاعدة بهذه الآية وهي ت ُ عد من الأدلة الكاشفة عن هذه القاعدة كذلك؛ لأن هذا الأصل مبثوث معناه فيها دليل على دفع الضرر » في سائر الأحكام، قال صاحب تيسير التحرير «(١) وذلك لأجل أن لا يتلف ماله قطعا ً . فكل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال سواء كان من النساء أو الصبيان والأيتام نهى الله 4 عن تمكينه من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياما ً : أي تقوم بها معايشهم في التجارات وغيرها(٢) . والمقصود من ذلك الاحتياط في حفظ أموال الضعفاء والعاجزين، كما ذكر ذلك الرازي وغيره في تفاسيرهم(٣) . ٦ قوله تعالى: ﴿ onmlk ﴾ (ال بقرة: ١٨٨ ( . ٧ وقوله تعالى: ﴿ §¦¥¤£ ¨ ﴾ (الأ عراف : ٥٦ (. ٨ وقوله 8 :﴿ ZYXWVUTSRQ [ ^]\ _ ﴾ (اب ل قرة : ٢٠٥ (. ٩ وقوله تعالى: ﴿ QPONMLKJI ﴾ )النساء :(٢٩ . (١) الحسيني محمد أمين المعروف بأمير بادشاه، تيسير التحرير شرح على كتاب التحرير في ١٣٥٠ ه ، مطبعة ، أصول الفقه الجامع بين اصطلاحي الحنفية والشافعية لابن الهمام، ط ١ .٣٠١/ مصطفى البابي الحلبي، مصر، ٢ (٢) ١٨٥ . ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ط ٢ دار / الرازي: التفسير الكبير، القول الرابع، ٩ .٢٠٣/ الفكر، تصوير ١٣٨٩ ه/ ١٩٧٠ م، ٢ (٣) .١٨٣/ الرازي: المصدر نفسه، ٩ ١ ٠ وقوله تعالى: ﴿ nmlkjihgf rqpo ﴾ (ال نور: ٢٣ ( . فهذه الآيات الأخيرة تدل على أن كل ما يضر بالإنسان والحيوان والنبات والأموال هو من قبيل الفساد في الأرض والظلم والعدوان، وأن كل ذلك مما يوجب سخط الله تعالى وعقابه في الآخرة، كما يوجب على الحاكم اتخاذ التدابير الزاجرة لمنعه وإزالة ما يترتب عليه من آثار مادية أو معنوية(١) . ب وردت نصوص تدل على إزالة الضرر بعد وقوعه منها قوله تعالى: ﴿ rqponmlkjihg ~}|{zyxwv❁ ts ﮯ §¦¥¤£¢¡ ﴾ (الأن بي اء: ٧٨ -٧٩ (. ففي الآيتين ذكر لحادثة فعل ضار، وهو أن غنم شخص دخلت مزرعة آخر فرعت فيها وأفسدت الغلة، فذهبا إلى كل من داود وسليمان عليهما السلام ليقضيا بينهما، فقضيا بحكمين مختلفين دون أن يذكر في الآيتين حقيقة الحكمين، لكنهما أشارا إلى أن رأي سليمان هو الصواب والعدل الذي يحقق التعادل عن الضرر والعوض، فالآيتين تدلان على إزالة الضرر، وترميم الآثار الناجمة عن الضرر، وقد نقل الطبري عن ابن عباس حكمسليمان 0 في ُ هذه الحادثة، وهو أن الحرث لا يخفى عن صاحبه ما يخرج منه كل عام، فله من صاحب الغنم أن يبيع من أولادها وأصوافها ومنافعها حتى يستوفي ثمن الحرث في حين كان حكم داود أن يأخذ صاحب المزرعة الغنم؛ لأنها تقارب قيمة الغلة التي أفسدت(٢) . (١) . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص ١٦٦(٢) ٣٨ . شبير القواعد الكلية، ١٦٦ / الطبري: جامع البيان في تفسير آي القرآن، ١٧ - .١٦٧ sk :ájƒÑædG áæ°ùdG øe :É«fÉK t مجمل ا لقول: الضرر يزال » : وهكذا يتضح من خلال الآيات القرآنية المتقدمة أن قاعدة « دلت على العمل بها نصوص من الكتاب ومن السن ﱠ ة كما سيأتي ، وتعزيزا ً ﱡ لما ذكر لا بأس أن نورد نصا ً عن الشاطبي على بعض أنواع الأدلة الواردة في ّ فإن الأدلة قد تأتي في معان مختلفة ولكن يشملها معنى واحد » : القرآن بقوله شبيه بالأمر في المصالح المرسلة والاستحسا ن، فتأتي السن ﱠ ة بمقتضى ذلك ﱡ المعنى الواحد فيعلم أو يظن ذلك المعنى مأخوذ من مجموع تلك الأفراد بناء على صحة الدليل الدال على أن السن ﱠ ة إنما جاءت مبينة للكتاب ﴿ 65 ﱡﱢ <;:987 ﴾ )النحل : ( ٤٤ ، فلا تجد في السن ﱠ ة أمرا ً إلا ﱡ والقرآن قد دل ﱠ على معناه دلالة إجمالية أو تفصيلية، ومثال هذا الوجه صلب ُ معنى قوله صلى الله عليه وسلم : « لا ضرر ولا ضرار »(١) . إذا نظرنا إلى سن ّ ة الرسول صلى الله عليه وسلم وقضاياها وجدناها سارية على هذا المنهج ُ مقررة لهذا المبدأ العظيم، فقد وردت عدة أحاديث بنفي الضرر والضرار، وتوجب إزالة الضرر وجبر آثاره، وهي تعبير عن معنى القاعدة من ذلك: ١ ما رواه أصحاب السنن والدارقطني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر » ﱡ « ولا ضرار(٢) . (١) ٤٧ الدليل الثاني (الس / الشاطبي: الموافقات، ٤ ُ ن ّ ة). (٢) رواه ابن ماجه في السنن، كتاب الأحكام، باب م َ ،٧٨٤/ ن بنى في حقه ما يضر بجاره، ٢ وأشار المعلق نقلا ً عن مصباح الزجاجة إلى تضعيفه بجابر الجعفي، وأخرجه أحمد في ٣١٣ ، وقد جاء الحديث من طريق عدد من الصحابة رضوان الله عليهم وبألفاظ / المسند، ١ مختلفة، فجاء من حديث عبادة بن الصامت 3 قضى أن لا ضرر » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه ابن ماجه في الموضع السابق وأشار المعلق نقلا ،« ولا ضرار ً عن مصباح الزجاجة ٣٢٧ . وجاء أيضا ،٣٢٦/ إلى أن رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، وأخرجه أحمد ٥ ً من حديث = أقوال العلماء في متن الحديث وسنده: عن النووي بعض ما ذكره العلماء في درجة « جواهره » نقل الراشدي في حديث حسن، رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما، ورواه » : هذا الحديث فقال مالك في الموطأ مرسلا ً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط أبا «(١) سعي د، وله طرق يقوي بعضها بعضا ً . ونقل أيضا ً عن ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم قوله: أما ابن قضى أن لا ضرر » ماجه فخرجه عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم ّ « ولا ضرار(٢) . ولعل أجود الطرق لهذا الحديث ما رواه الحاكم وغيره عن أبي سعيد الخدري 3 أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار ، من ضار » ّ « ضاره الله، ومن شاق شق الله عليه يوم ا لقيامة(٣) . وقد ورد الشطر الأخير ّّ = أبي سعيد الخدري 3 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضره الله، » « ومن شاق شق الله عليه . وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلح، باب لا ضرر ﱡ .٧٧/ ٦٩ . وأخرجه الدارقطني في ك البيوع ٣ / ولا ضرار، ٦ وجاء أيضا ً من حديث جابر بن عبد الله وعائشة ^ أوردهما الهيثمي في مجمع الزوائد، ١١٣ وعزاهما إلى الطبراني في الأوسط، وذكر أن في حديث جابر: محمد بن إسحاق، /٤وهو مدلس، وفي حديث عائشة رجل متهم بالكذب. ورواه مالك مرسلا ً من حديث عمرو بن يحيى المازني عن أبيه في كتاب الأقضية، باب .٩٩/ ٧٤٥ ، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة ١ / القضاء في المرفق، ٦(١) ١٣٦ نقلا ، الراشدي الجواهر، ص ١٣٥ ً عن النووي يحيى بن شرف الدين شرح متن الأربعين النووية، تحقيق عبد الله إبراهيم الأنصاري الناشر مكتبة جدة، السعودية (دت)، ص ١٢٤ بتصرف. (٢) الراشدي: المرجع نفسه، ص ١٣٦ نقلا ً عن ابن رجب، جامع العلوم والحكم، .٢٢٠ - ص ٢١٩(٣) هكذا بلفظ الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي على ذلك، ينظر: الحاكم في المستدرك مع تلخيص الذهبي، كتاب البيوع، ط بيروت، = من الحديث في صحيح البخاري بلفظ: من شاق شق الله عليه يوم » « القيامة(١) . وقال ابن عبد البر : لم يختلف عن مالك في إرسال هذا الحديث، قال: » ولا يسند من وجه صحيح، ورواه أيضا ً ابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت وفيه انقطاع، ومن حديث ابن عباس ^ وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف، ورواه الدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدر ي، وقال الحاكم : صحيح الإسناد على شرط مسل م، وقال البيهقي : تفرد به عثمان عن الدراورد ي، وخرجه الطبراني من وجهين ضعيفين عن عائشة وجابر ^ ، ّ وخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة 3 . ّ وقال أبو عمرو بن الصلاح : هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه، » ومجموعهما يقوي الحديث ويحسنه، وقد تقبلته جماهير أهل العلم ُّ ّ « واحتجوا به(٢) . أن » : هذا وقد أجاد الإمام الشاطبي في قوله ّ الحديث المذكور لا ضرر » « ولا ضرار رغم كونه من الأدلة الظنية داخل تحت أصل قطعي في هذا المعنى، حيث إن الضرر والضرار مثبوث منعه في الشريعة كلها على وقائع جزئيات ُ وقواعد كليات، كقوله تعالى: ﴿ ,-0/. ﴾ (ا بل قرة : ٢٣١ ( ، ﴿ ' *)( ﴾ (ا ل طلاق : ٦ ( ، ﴿ ¹¸¶μ ﴾ (ا بل قرة : ٢٣٣ ( ، ومنه النهي عن التعدي على النفوس والأموال والأعراض، وعن الغصب والظلم = ٥٨ ، والشطر الثاني من الحديث رواه أبو داود في سننه عن طريق أبي صرمة عن ،٥٧/٢رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من ضار أضر الله به، ومن شاق شاق الله عليه » ، ينظر: سنن أبي داود ّ .٦٤/ مع عون المعبود، ط ٢، المكتبة السلفية، المدينة المنورة ١٣٨٨ ه/ ١٩٦٩ م، ١٠(١) .١٢٨/ صحيح البخاري بفتح الباري، ط دار الفكر، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، ١٣(٢) ٦٤٥ ، مطبعة الملاح، ومثله ،٦٤٤/ ابن الأثير: جامع الأصول في أحاديث الرسول، ٦ .٤٤٦/ للمناوي في فيض القدير، ٦ وكل ما هو في المعنى إضرار أو ضرار، ويدخل تحته الجناية على النفس أو ِ العقل أو النسل، فهو معنى في غاية العموم في الشريعة لا مراء فيه ولا شك، « وإذا اعتبرت أخبار الآحاد وجدتها كذلك(١) . وقد نبه الحافظ ابن عبد البر أيضا ً وأما معنى هذا » : إلى هذا المعنى فقال ّ الحديث فصحيح في الأصول، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال: حرم الله من » « المؤمن دمه وماله وعرضه، وأن لا يظن به إلا ا لخير(٢) ، وقال: إن دماءكم » « وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام(٣) يعني من بعضكم على بعض، وقال حكاية عن ربه 8 : « يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا »(٤) ، وقال الله 8 : ﴿ ÇÆÅÄà ﴾ ( طه : ١١١ (.« والذي يصح في النظر ويثبت في الأصول: أنه ليس لأحد أن يضر بأحد » سواء أضر به قبل أم لا، إلا أن ﱠ له أن ينتصر ويعاقب إن قدر بما أبيح له من السلطان، والاعتداء بالحق الذي له هو مثل ما اعتدى به عليه، والانتصار ليس باعتداء ولا ظلم ولا ضرار إذا كان على الوجه الذي أباحته السن ﱠ «... ة(٥) . ﱡ (١) ٩/ الشاطبي: الموافقات، تحقيق محي الدين عبد الحميد، ط مصر محمد علي صبيح، ٣ - .١٠ (٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، من اسمه عبد الله وما أسند عبد الله بن عباس ^ عن ابن عباس » طاوس، حديث: ١٠٧٦٢ بلفظ ^ ، قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال: لا إ له » ٰ إلا الله ما أطيبك، وأطيب ريحك، وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة منك، إن الله 8 جعلك حراما ً ، وحرم من المؤمن ماله ودمه وعرضه، وأن نظن به ظنا ً سيئا ً«. (٣) متفق عليه، أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : رب مبلغ حديث: ٦٧ . ورواه مسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، حديث: ٣٢٦٦ عن نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي. (٤) رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، حديث: ٤٧٨٠ وأحمد في ٢، وصححه الألباني، ابن حبان في مسند الأنصار حديث أبي ذر الغفاري حديث: ٠٨٩٣ صحيحه، كتاب الرقائق، باب التوبة، ذكر الإخبار عما يجب على المرء من لزوم التوبة في جميع، حديث: ٦٢٠ عن أبي ذر الغفاري 3 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى. (٥) .١٨٥ - ١٧٥ - ١٦٠/ ابن عبد البر، التمهيد ٢٠ وجه الاستدلال ب الحديث: ووجه الدلالة من الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى الضرر مطلقا ً ؛ لأنه نكرة في سياق النفي فيعم، فلا يكون النفي واقعا ً على الإمكان ولا على الوقوع الفعلي؛ لأن ك ُ لا ًّ من الضرر والضرار واقع وموجود بكثرة، فلا يصح أن يراد نفي ذلك أو إذا انتفى أن يكون المراد نفي الإمكان أو الوقوع، فتعين أن يكون المراد به أنه يجوز الضرر والضرار في ديننا، وإذا انتفى الجواز ثبت التحريم(١) . فينفي ألا يكون هناك ضرر من إنسان لنفسه ولا لغيره؛ لأن الضرر هو إلحاق مفسدة بالغير مطلقا ً والضرار مقابلة الضر بالضرر(٢) . والحديث نص في تحريم الضرر مطلقا ً ؛ لأن النفي ب (لا) الاستغراقية يفيد تحريم سائر أنواع الضرر من الشرع؛ لأنه نوع من الظلم إلا ما خص بدليل كالحدود والعقوبات(٣) . وخبر لا النافية هو كائن أو جائز، أي لا ضرر جائز ولا ضرار جائز في الإسلام، فالغرض من الحديث منع الضرر أيا كان، ولهذا فلا يجوز لأحد أن ًّ يلحق الضرر لا بنفسه ولا بغيره، ولا يجوز أن يقابل الضرر بضرار، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تضروا ولا تقابلوا الضرر بضرار، وهذه مرتبة عليا، إذ لم يقابل الإنسان إضرار الناس بالضرار، كما قال تعالى: ﴿ ¥¤£¢ «ª©¨§¦ ¬ ﴾ (ال شورى: ٤٠ ( . وأفضل ما قيل في شرح هذا الحديث، ما ذكره ابن رجب في عبارة موجزة وف ّ إن الضرر معناه به من لا يضره، والضرار أن يضر بمن » : ت بالغرض المراد َ « أضر به على وجه غير جائز(٤) . (١) .٣٥٧/ بخيت: الحاشية على شرح الأسنوي، ٤(٢) .٢٤/ ٩٧٧ . الأتاسي، شرح المجلة، ١ / الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي العام، ٢(٣) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٩٢(٤) . ابن رجب، جامع العلوم والحكم، ص ٢٦٧ فقوله على وجه غير جائز شرعا ً : احترز به مما لو كان الضرر مشروعا ً ، أي مأذونا ً فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى الضرر، والضرار بغير حق، فأما إدخال الضرر على من يستحقه، إما لكونه تعدى حدود الله، فيعاقب بقدر جريمته، أو كونه ظلم غيره فيطلب المظلوم مقابلته بالعدل، فهذا غير مراد قطعا ً ، وأما غير ذلك من الأضرار فلا يجوز إلحاقها بأحد والنهي يشملها، جاء في إحكام الأحكام: وهو لا شك أي حديث لا ضرر ولا ضرار قاعدة من قواعد الدين يدل »« على تحريم الضرار على أي صفة كان(١) . وعليه، فالضرر سواء كان ناتجا ً عن فعل غير مشروع أو فعل مشروع يقصد به الإضرار، فلا يجوز إحداثه، ويقول ابن دقيق العيد في إحكام الإحكام أيضا ً : والمضارة معناها على القصد والإرادة، أو على فعل ضرر عليه، فمتى » قصد الإضرار ولو بالمباح أو فعل ضررا ً « من غير استحقاق، فهو مضار(٢) . - ولكن ما حكم الأفعال المشروعة إذا أد ّ ت إلى ضرر من غير قصد من أما إذا فعل » : فاعلها، فهل تكون مضارا أم لا؟ قال بعض أهل العلم ًّ الضرر المستحق للحاجة إليه والانتفاع به، لا بقصد الإضرار فليس « بمضار(٣) . ولكن هذا الكلام يحتاج إلى تفصيل، فقد يكون الضرر الذي يلحق بالآخرين جسيما ً مقابل منفعة زهيدة لصاحب الفعل المشروع. مما تقدم يظهر أنه لا يجوز إلحاق الضرر بالآخرين، ولو كان الفعل مشروعا ً درء المفاسد مقدم على جلب المصالح » في ذاته؛ لأن « فيكون بالتالي نهيا ً عن الأسباب التي تؤدي إليه، سواء كان الضرر مقصودا ً أم غير مقصود، (١) النجدي عبد الرحم ن ٰ بن حمد بن القاسم، إحكام الأحكام شرح أصول الأحكام، المطبعة .٨٩ - ٨٦/ التعاونية بدمشق، ٣(٢) المصدر نفسه. (٣) نفسه. اجتثاثا ً لواقعة الضرر في أية صورة من صوره بمنع أسبابه المحرمة، وكذلك أسبابه المشروعة في الأصل، إذا أدت إلى إحداث ضرر جسيم بالآخرين، وهذا ما يدل عليه عموم الحديث، وإطلاقا ً لمراد الشارع إلى أقصى ما يمكن أن يتضمنه اللفظ من الصور، إلا ما استثني منها بدليل، وهو الذي يقتضيه عموم الحديث وإطلاقه(١) . ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض فقهاء المالكية خص النهي عن الضرر في الحديث بالضرر الذي يلحق الجار فحسب(٢) . غير أن هذا التخصيص لم يقل به أحد، والجمهور على خلافه، بل هو محض تحكم، ولا دليل يسنده، ولذلك فقد شد ّ د العلامة الشوكاني في الإنكار على هذا التخصيص، وجزم بأن معنى الحديث يدل على تحريم الضرار على أي صفة كان، من غير فرق بين الجار وغيره فلا يجوز في صورة من الصور ﱢ إلا بدليل يخص هذا العموم، ومن ادعى جواز المضارة في بعض الصور فعليه بالدليل، فإن جاد به قبلت ُ ه، وإلا ضربت ُ بهذا الحديث وجهه، فإنه قاعدة من قواعد الدين، تشهد له كليات وجزئيات(٣) . وجاء في بدائع المنن: أن في الحديث تحريما ً لسائر أنواع الضرر إلا بدليل مخصص؛ لأن النكرة في سياق النفي تعم، وفيه إلحاق أصله لا لحوق ّ ولا إلحاق أو ضرر ولا ضرار بأحد، فبين اللفظين فرق والمعنى: أن الضرر منتف في الشرع أصلا، ً ولا يجوز إدخال الضرر على أحد(٤) ، ولعل هذا المعنى (١) بوساق محمد مدني، التعويض عن الضرر، ص ١٣٣ - .١٣٤ (٢) الباجي القاضي أبو الوليد الأندلسي، المنتقى شرح موطأ إمام دار الهجرة مالك بن أنس، .٤١/ ط ١، سنة ١٣٣٢ ه مطبعة السعادة بمصر، ٦(٣) .٣٨٧/ الشوكاني: نيل الأوطار، ٥(٤) الساعاتي أحمد عبد الرحمن، ٰ بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن، الطبعة .١٩٣/ الأولى سنة ١٣٧٩ ه دار الأنوار للطباعة والنشر ٢ مما دلت عليه المعاني اللغوية لكلا اللفظين؛ إذ جاء في كتب اللغة أن الضرر هو الاسم، والضرار هو الفعل(١) . فيه حذف، أصله لحوق أو إلحاق ضرر » : وقال الطوفي في شرح الحديث ٍ بأحد ولا فعل ضرار مع أحد، ثم المعنى لا لحوق ضرر شرعا ً إلا بموجب خاص مخصص، أما التقييد بالشرع فلأن الضرر بحكم القدر الإلهي ٰ لا ينتفي، أما استثناء لحوق الضرر بموجب خاص؛ فلأن الحدود والعقوبات ضرر لاحق «(٢) بأهلها وهو مشروع بالإجماع، وإنما كان ذلك دليلا ً خاصا ً . ّ ٢ ما رواه أبو داود في سننه عن سمرة بن جندب أنه كانت له عضد(٣) من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال ومع الرجل أهله، قال فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى ويشق عليه، فطلب إليه أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له ذلك، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى قال: « فهبه له ولك كذا وكذا »أمرا ً َْ ورغبة فيه فأبى، فقال: « أنت مضار » ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري: اذهب » « فاقلع ن خله(٤) . (١) .١٢٤٣/ البستاني بطرس: محيط المحيط، ٢(٢) الطوفي: شرح حديث « لا ضرر ولا ضرار » ملحق بكتاب المصلحة في التشريع الإسلامي . لمصطفى زيد، ص ٢٠٦ (٣) قال الأصمعي: إذا صار للنخلة جذع يتناول المتناول منه، فتلك النخلة العضيدة وجمعه ٣٦١ ، ط دار / عضدان، ينظر: السهارنفوري، بذل المجهود في حل سنن أبي داود، ١٥ الكتب العلمية، لبنان. (٤) رواه أبو داود، السنن، كتاب الأقضية باب من القضاء، حديث: ٣١٧٠ عن سمرة بن جندب ﱡ ٣١٦ ، وفي روايته في سنن أبي داود من / الفزاري. ينظر: السهارنفوري، بذل المجهود ١٥ حديث أبي جعفر محمد بن علي أنه كان له عذق من نخل في حائط رجل ومع الرجل . أهله، ينظر: سنن أبي داود، باب القضاء، الأحكام السلطانية لأبي يعلى الحنبلي، ص ٢٨٥ ابن رجب: جامع العلوم والحكم، روايات متعددة، ص ٢٩٦ وما بعدها. وجه الاستدلال ب الحديث: أنه لا يجوز للمسلم إلحاق الضرر بأخيه المسلم، فإن صدر منه ذلك فعليه إزالة الضرر بنفسه، فإن امتنع عن ذلك فيجوز للحاكم أن يأمر من يقوم بإزالته طوعا ً أو كرها ً كما حدث في هذا الحديث، فلما كان صاحب الأرض يتضرر بدخول صاحب الشجرة عليه، ويط ّ لع على أهله عند الدخول إلى نخله، أو لما يكون أعلاها يقطف ثمارها، فحاول أن يتفاهم معه بالحسنى فأبى، فشكاه للرسول صلى الله عليه وسلم ، فحكم عليه أن يقبل منه بدلها أو يتبرع له بها، فلم يفعل رغم أنه وعده بأن يعوضه الله أحسن منها في الجنة، فهنا يجب إزالة الضرر مهما كان، فأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحب الأرض قلعها، وقال لصاحب الشجرة: « إنما أنت مضار » . ولا شك أن هذه المسألة توضح مدلول قوله صلى الله عليه وسلم : « لا ضرر ولا ضرار » . ٣ وقوله صلى الله عليه وسلم : « كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه »(١) ، فهو يدل على عدم إلحاق الضرر بالغير. ٤ وقوله صلى الله عليه وسلم : « على اليد ما أخذت حتى ت ؤديه »(٢) . فالحديث يدل على (١) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب باب تحريم ظلم المسلم، حديث: ٤٧٥٦ . والترمذي سنن الجامع الصحيح، الذبائح أبواب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ٣٢٥ ، وقال حسن غريب، ورواه /٤ ،١ ما جاء في شفقة المسلم على المسلم حديث: ٨٩٩ أبو داود في السنن، كتاب الأدب باب في الغيبة، حديث: ٤٢٥٩ وصححه الألباني، عن أبي ﱡ هريرة الدوسي. (٢) أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب البيوع وأما حديث أبي هريرة حديث: ٢٢٤٣ وقال: أخرجه الترمذي، كتاب .« هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه »البيوع، أبواب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب البيوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء ٥٦٦ عن الحسن عن سمرة بن جندب، وعلق /٣ ، في أن العارية مؤداة، حديث: ١٢٢٤ قال قتادة: ثم نسي الحسن، فقال: فهو أمينك لا ضمان عليه، يعني: » : على الحديث فقال العارية: هذا حديث حسن، وقد ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا، وقالوا: يضمن صاحب العارية، وهو قول الشافعي، وأحمد، وقال بعض أهل العلم = وجوب رد المقبوض من مال الغير، ولا يبرأ إلا بمصيره إلى مالكه أو من يقوم َْ مقامه، ويدخل في ذلك الغصب والوديعة والعارية(١) ؛ فالغاصب المعتدي على مال الغير يبقى مسؤولا ً عن أخذه المال حتى يرده إلى مالكه، وفي ذلك رفع للضرر(٢) . ٥ من تطبب ولم يكن » : عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه قال ﱠ بالطب معروفا ً ، فأصاب نفسا ً « فما دونها فهو ضامن(٣) . فالحديث يدل على تضمين المتطبب ما أتلفه من نفس فما دونها، سواء أصاب بالسراية أم بالمباشرة، وسواء كان عمدا ً أم خطأ؛ ً لأن المتطبب تكلف الطب ولم يكن ّ طبيبا، فالمتطبب من ليس له خبرة بالعلاج(٤) . ٦ عن يحيى بن سعي د، قال: كان سعيد بن المسي ب، يحدث أن معمرا ً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » : قال : « من احتكر فهو خاطئ » ، فقيل لسعيد: فإنك تحتكر، قال سعيد : « إن معمرا الذي كان يحدث هذا الحديث، كان يحتكر(٥) . = من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: ليس على صاحب العارية ضمان إلا أن يخالف، وهو قول أما الألباني فقد ضعفه. .« الثوري، وأهل الكوفة، وبه يقول إسحاق(١) خان نور الحسن بن صديق خان، فتح العلام لشرح بلوغ المرام، مؤسسة دار الكتب الثقافية، الكويت. (٢) . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص ١٨٦(٣) ٢، عن عبد الله بن أخرجه الدارقطني في السنن، كتاب الحدود والديات وغيره حديث: ٩٩٨ ﱡ عمرو بن العاص. والحاكم في المستدرك، كتاب الطب أما حديث شعبة حديث: ٧٥٥١ . هذا حديث صحيح » : قال الحاكم .« من تطبب ولم يعرف منه طب فهو ضامن » : بلفظ ،٣ وابن ماجه في السنن، كتاب الطب، باب من تطبب، حديث: ٤٦٤ .« الإسناد ولم يخرجاه والنسائي السنن الكبرى، كتاب القسامة، صفة شبه العمد، حديث: ٦٨٢٠ وحسنه الألباني. .٢٥٠/ ينظر: الصنعاني، سبل السلام شرح بلوغ المرام، ٣(٤) .٢٠٥/ الصنعاني: المصدر نفسه. نور حسن خان فتح العلام ٢(٥) ٣، وأبو عوانة، كتاب رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات، رقم: ٠٩٧ ٤، عن معمر بن عبد الله. البيوع، باب الخبر الناهي عن الاحتكار والكراهية منه، رقم: ٤٥١ وجه ا لاستدلال: فهذا الحديث يدل على مسألة هامة في المعاملات التجارية وهي: جواز ِ فرض الحظر على احتكار السلع التي هي من مقومات الحياة، متى أدى ذلك إلى الضرر بعامة الناس، كما يستفاد ذلك من تعليق الإمام المازري المالكي على هذا أصل هذا مراعاة الضرر، فكل من أضر بالمسلمين وجب أن » : الحديث فيقول ّ ينفى عنهم، فإذا كان شراء الشيء بالبلد يغلي سعر البلد ويضر بالمسلمين امتنع المحتكر من شرائه نظرا ً للمسلمين عليه، كما قال العلماء: إنه إذا احتيج إلى طعام ُ « رجل واضطر الناس إليه ألزم بيعه منهم، فمراعاة الضرر هي الأصل في هذا(١) . ٧ صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء » فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ول ْيحد ّ أحدكم شفرته َ ِْ « ولير ح ذبيحته(٢) . ُ وجه الدلالة من الحديث: أن ّ المسلم كما هو منهي عن الضرر والضرار فإنه مأمور بالإحسان، قال تعالى: ﴿ }|{z ~ے ﴾ (اب ل قرة : ١٩٥ ( . فهذه النزعة الإنسانية الكريمة وهي من مظاهر الشفقة والرحمة، تبرهن على نفي الضرر والضرار في كل دقيق وجليل، وعلى أن الشريعة وفي جميع أحكامها تتوخى العدل والسعة والسماحة(٣) . (١) المازري أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر، المعلم بفوائد مسلم، تقديم وتحقيق محمد .٢١٢/٢ ، الشاذلي النيفر، الطبعة الأولى، الدار التونسية للنشر، تونس ١٩٨٧ (٢) رواه ابن ماجه في السنن، كتاب الذبائح، باب « إذا ذبحتم فأحسنوا ا لذبحة » ، حديث: ٣١٧٠ ١٠٥٨ ، ورواه الترمذي: وقال: هذا حديث حسن صحيح، جامع الترمذي، الطبعة الثانية /٢تحقيق إبراهيم عطوه عوض، كتاب الديات، باب ما جاء في النهي عن المثلة، حديث: ٦٣ . والنسائي في السنن الصغرى، كتاب الصيد والذبائح الأمر بإحداد الشفرة، /٤ ،١ ٣٦٦ ٤، عن شداد بن أوس. وصححه الألباني. حديث: ٣٥٣ (٣) . الندوي على أحمد، القواعد الفقهية، ص ٢٩٢ فهذه الأدلة وغيرها تدل على مدى حرص الإسلام على حقوق الآخرين وإزالة الضرر عنهم، وسوف ننظر إلى فهم الصحابة رضوان الله عنهم لمدلول هذه القاعدة. k :QÉKB’G øe ¢Uƒ°üf :ÉãdÉ`K ١ روى مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه: أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا ً له من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن ِ مسلمة فأبى محمد، فقال له الضحاك: لم تمنعني وهو لك منفعة؟ تشرب به َ أولا ً وآخرا ً ولا يضرك، فأبى محمد، فكل ّ م فيه الضحاك عمر بن الخطا ب، ّ فدعا محمد بن مسلم ة، فأمره بأن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال عمر: والله ل َيمرن ﱠ له ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك(١) ، فقد َُ ِ فهم الصحابة رضوان الله عليهم أنه يمنع إلحاق الضرر بالغير، ويجب إزالته عند وقوعه. ٢ عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن رجلين جاءا إليه ليشهدا على رجل بالسرقة فقطعه علي، ثم أتياه بآخر فقالا هذا الذي سرق وأخطأ في ّ الأول، فلم يج ِ ز شهادتهما على الآخر، وأغرمهما الدية للأول؛ (أي دية اليد « لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما » : المقطوعة)، وقال(٢) . (١) ، أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء في المرفق، حديث: ١٤٢٩ عن عمر بن الخطاب. ينظر: الباجي أبو الوليد سليمان بن خلف الأندلسي، المنتقى شرح موطأ الإمام مالك، ط ١، تصوير بيروت دار الكتاب العربي بمصر، مطبعة السعادة سنة .٤٧/ ١٣٣١ ه. ٦ (٢) .٤٢/ أخرجه البخاري، كتاب الديات باب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب أو يقتص ٨ وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف، كتاب العقول، باب من نكل عن شهادته، حديث: ١٧٧٩٣ عن علي بن أبي طالب. فهذا الأثر يدل على أن خطأ الشهود في شهادتهم يعد ّ تسببا ً في الضرر، ويوجب الضمان(١) . ُ ٣ روى معاوية بن أبي سفيان أنه أوتي بمجنون قتل رجلا، ً فكتب إليه َِ معاوية أن أعقله ولا ت ُقد ْ منه فإنه ليس على مجنون ق َ ود(٢) . فهذا النص يدل على أن المجنون مسؤول في ماله إذا صدر منه فعل ضار، كالقتل فإنه يتحمل الدية من ماله؛ لأن فعله من غير قصد يشبه قتل الخطأ، وقتل الخطأ يختص بالعقل دون القصاص(٣) . ٤ وروى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه ضمن الغسال ّ « لا يصلح الناس إلا بذلك » : والصباغ، وقال(٤) . فقد ضمنه ما يتلف بعمله، أو ما يضيع عنده، وهذا استحسان على خلاف الأجير لا يضمن إلا بالتعدي على » القواعد القياسية؛ لأن هؤلاء أجراء، و الأمانة أو التقصير في حفظها « (٥) . :´ É`ªLE’G :kÉ©HGQ أجمع العلماء على تحريم أكل أموال الناس بالباطل، كما أجمعوا على تحريم الدماء إلا بحقها، كما أجمعوا على تحريم الأعراض وانتهاكها، وقد قررت الشريعة الإسلامية حفظ الضروريات، ومنعت كل اعتداء عليها، وشرعت َ (١) . الزرقا مصطفى أحمد: الفعل الضار والضمان فيه، ص ٤٠(٢) .١٨٢/ السيوطي: الموطأ مع تنوير الحوالك. ٢(٣) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب النفقات، جماع أبواب تحريم القتل ومن يجب عليه ١عن القصاص ومن لا قصاص، باب من عليه القصاص في القتل وما دونه، حديث: ٤٨٨٤ .٧١/ معاوية بن أبي سفيان. ينظر: الباجي، المنتقى، ٧(٤) .٥٧١/ المطيعي: تكملة المجموع، ١٣(٥) . الزرقا مصطفى: الفعل الضار، ص ٥٢ من الأحكام ما يرتب المسؤولية على المعتدي عليها، ويلزمه بتحريم الآثار الناجمة عن اعتدائه، هذا ما قرره كثير من العلماء منهم السالمي وابن قدامه وابن تيمية والشاطبي وغيرهم (١) . فهذه الضروريات الخمس التي روعيت » : يقول السالمي في هذا الصدد في كل ملة فش ُ «... رع حفظها في كل شريعة (٢) . k :∫ƒ≤©ªdG øe :É°ùeÉN ويؤيد ما تقدم من الأدلة النقلية دليل عقلي، فقد ثبت عقلا ً أن إباحة الضرر قبيحة، والقبح لا يليق إن صدر من البارئ 4 ؛ ذلك أن المولى تبارك وتعالى قد وصف نفسه ووصف شرعه بأنه إصلاح لشؤون العباد، فلا يشرع ما هو قبيح أو فيه ضرر، فثبت عقلا ً أن الضرر منفي ومرفوع (٣) . (١) ٦٣٥ . ابن تيمية: مجموع / ١٢٠ . ابن قدامة: المغني، ٧ / السالمي: طلعة الشمس، ٢ .١٠ ،٩/ ٨٦ . الشاطبي: الموافقات، ٢ / الفتاوى، ١٤ (٢) ١٢٠ . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ١٦٩ / السالمي: طلعة الشمس، ٢ . عبد العزيز: قواعد الفقه، ص ١٥٧(٣) . عزام عبد العزيز: المرجع نفسه، ص ١٥٨ - ١٧٠ . عزام ¬àdGREG ¥ôWh ¬£HGƒ°V ,Qô°†dG ´GƒfCG ∫hC’G Ö∏£ªdG Qô°†dG ´GƒfCG يتنوع الضرر أو الفعل الضار حسب اعتباره إلى ثلاثة أنواع: ١ باعتبار محله: يتعلق الضرر بالدين والنفس والعقل والعرض (النسب) والمال (١) . ٢ باعتبار دور ف اعله: إلى ضرر بالمباشرة، أو غير المباشر كما يلي: أ الضرر ا لمباشر: وهو فعل الضرر من غير واسطة، كالمباشر للقتل، وبعبارة أخرى: أن يتصل فعل الإنسان بغيره ويحدث منه التلف، كما لو ضرب غيره فمات (٢) . وقد تناولت كتب الفقه قديما ً تعريف المباشرة في إحداث الضرر من ذلك: أن المباشرة هي إيجاد علة التلف، فالضرر المباشر على هذا هو الفعل (١) . شبير محمد: القواعد الكلية، ص ١٧٠(٢) شبير محمد: المرجع نفسه. الذي نتج عن علة المباشرة(١) وقيل: حد المباشر أن يحصل التلف بفعله من غير أن يتخلل بين فعله والتلف فعل مختار(٢) . وعرفت المجلة العدلية: المباشرة هي إتلاف الشيء بالذات، ويقال لمن فعله مباشر، فالضرر المباشر إذا ً هو ما حصل في شيء بالذات، ويقال لمن حصله فاعل مباشر(٣) . وعليه، يكون تعريف الضرر المباشر هو: ما حصل بفعل من غير أن يتخلل بين حصوله والفعل المنتج له فعل مختار(٤) . فهذه التعريفات جميعها قد وضحت أن الضرر المباشر هو ما كان من فاعل مباشر دون أن يتوسط بين الفاعل، وحدوث الضرر فعل آخر غير الأول، أو هو ما كان نتيجة تأثير لفعل بذاته دون واسطة، وكان الفعل المنتج للضرر علة مباشرة له، كالذبح بسكين، فإن الذابح جالب للموت بذاته، وهو في الوقت نفسه علة للموت، والإتيان بهذه العلة يسمى مباشرة، بحيث يضاف الهلاك إلى المباشرة في العادة، إضافة حقيقية كما إذا ق َ تل إنسانا ً أو دابة أو أخرق ثوب شخص، أو قطع شجرة، أو أراق عصيره، أو هدم بناءه(٥) . (١).١٤٨/ العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، ٢(٢) ٢٧ . الحموي أحمد: غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر لابن / القرافي: الفروق، ٤ .١٩٦/ نجيم، ١(٣) .٤٥٢/ حيدر علي: شرح مجلة الأحكام العدلية، ٢(٤) ٢٧ . الحموي أحمد: غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر، لابن / القرافي: الفروق، ٤ .١٩٦/ نجيم، ١ (٥)١٦٤ . / ١٤٨ و ١٩٤ . الكاساني، بدائع الصنائع، ٧ / العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، ٢ ١٩٦ . ابن رشد: / ٢٣٩ . الحموي أحمد: غمز عيون البصائر، ١ / الرافعي، فتح العزيز، ١١ .٢٧/ ٣٦٣ . ابن رجب: القواعد، ص ٢١٨ . القرافي: الفروق، ٤ / بداية المجتهد، ٢ عبد القادر عودة: التشريع الجنائي مقارنا ً بالقانون الوضعي، الطبعة الخامسة ١٣٨٨ ه ، ٣٦ . علي الخفيف: الضمان في الفقه الإسلامي، طبعة ١٩٧١ م، نشر معهد البحوث /٢ .٥٠ ، والدراسات العربية مصر، ص ٧٤ . بوساق مدني: التعويض عن الضرر، ٤٩ ب الضرر غير ا لمباشر: والنوع الثاني ضرر بالتسبب، وعرفه الفقهاء بتعريفات عديدة منها: ١ أن يكون الإنسان سببا ً في حصول ضرر بغيره، وبعبارة أخرى، أن يتصل أثر فعل الإنسان بغيره لا حقيقة فعله، كمن حفر بئرا ً فوقع فيه إنسان فمات(١) . ٢ هو ما حصل بفعل ناتج عن علة أخرى، حيث كانت هذه العلة هي المقتضية لوقوع الضرر(٢) . ٣ وقيل هو ما حدث بفعل متسبب، وتخلل بين وقوعه وفعل المتسبب فعل مختار(٣) . ٤ وعرفته المجلة بأنه: ما أفضى إليه فعل نتج عن إحداث أمر في شيء وكان يؤدي إليه عادة، ويقال لمن أحدثه متسبب(٤) ، كما إن قطع حبل قنديل معلق يكون سببا ً مفضيا ً لسقوطه على الأرض وانكساره، فيكون حينئذ قد ِ تلف الحبل مباشرة وكسر القنديل تسببا ً ، وكذلك إذا شق أحد ظرفا ً فيه ﱠ (٥) سمن وتلف ذلك السمن يكون قد أتلف الظرف مباشرة والسمن تسببا ً . خلاصة ا لقول: الضرر غير المباشر هو ما كان ناتجا ً ليس عن السبب الأصلي مباشرة بل (٦) على علة أخرى متوقع حدوثها غالبا ً . أو هو ما كان يفعل في محل أفضى (١) . قلعة جي وقنيبي: معجم لغة الفقهاء، ص ١٢٩(٢) .٢٧/ القرافي: المصدر نفسه، ٤(٣) .١٩٦/ الحموي أحمد: المصدر نفسه، ١(٤) .٤٥٣/٢ ،( حيدر علي: المرجع نفسه، المادة ( ٨٨(٥) بوساق محمد: التعويض عن الضرر، ص ٦٣ - .٦٤ (٦) المحمصاني صبحي، النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية، ط ٢ (دت) .١٨٠/ دار العلم للملايين، بيروت لبنان، ١ إليه بواسطة فعل آخر متوسط بين السبب الأصلي والضرر الحادث، كأن يتصل أثر فعل الإنسان بغيره لا حقيقة فعله الذي باشره، كما في عملية حفر البئر، فإن أثر الحفر وهو العمق، هو الذي اتصل فيمن وقع فيه فمات، فالتلف لم يحدث بحقيقة الفعل وهو الحفر؛ لأن الحفر متصل بالمكان لا بالواقع في البئر، فيكون المتسبب قد أثر في التلف، ولم يحصله بذاته. - وصور التسبب في الضرر قد تكون حسية، كحفر الآبار في طريق الحيوان في غير الأرض المملوكة للحافر، أو كان الحفر في أرضه لكنه قصد الإضرار بالغير، وكذا إيقاد النار قريبا ً من الزرع أو الأندر فتعدو فتحرق ِ ما جاورها، وك َ رمي ما يزلق في الطرقات فيعطب بسبب ذلك حيوان أو َ غيره، وقد يكون التسبب شرعيا ً ، كشهادة الزور على بريء بالقتل أو السرقة وغير ذلك، كالكلمة الباطلة عند سلطان ظالم إغراء على مال إنسان، فيأخذه الظالم(١) ، وكتقطيع الوثيقة المتضمنة للحق، وكترك صون َ مال المسلم مع القدرة على ذلك حتى يضيع أو يهلك، وكمن مر على َﱠ شبكة الصيد فوجد فيها صيدا ً يمكنه تخليصه وحوزه لصاحبه فتركه حتى ِ مات، قد تسبب في إتلافه، ومثله من مر بل ُق َ طة يعلم أنه إذا تركها أخذها َْ ﱠ من يجحدها، فإن تركها مع قدرته على أخذها فقد تسبب في إتلافها(٢) . ج الضرر باعتبار هيئته يتنوع إلى ضرر مادي ومعنوي: أ الضرر ا لمادي: كالضرب والقتل وسرقة الأموال وغير ذلك، وينقسم إلى ضرر جسمي وضرر مالي: (١)١٥٥ . ابن رجب: القواعد، ص ٢١٩ . البغدادي / العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، ٢ أبو محمد بن غانم بن محمد، ت ١٠٣٠ ه ، تحقيق: محمد أحمد سراح، علي جمعة محمد، .٣٨١/ مجمع الضمانات في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، ١ (٢) ٢٠٦ . ابن جزيء: القوانين الفقهية، ص ٣٦ . الزيلعي: تبيين الحقائق، / القرافي: الفروق، ٢ .٢٠٠/ ١٤٩ . الكاساني: بدائع الصنائع، ٦ /٥ ﻥﺎﻛﺃ ﺔﻧﺎﺑﺈﺑ ﻮﻀﻋ ﺎﻣﺃ ﺭﺮﻀﻟﺍ :ﻲﻤﺴﺠﻟﺍ ﻮﻫﺎﻣ ﻥﺎﻛ ﻪﻠﺤﻣ ﺪﺴﺟ ﻥﺎﺴﻧﻹﺍﺀﺍﻮﺳً - ﻦـﻣ ،ﺀﺎـﻀﻋﻷﺍ ﻡﺃ ﻞﻴﻄﻌﺘﺑ ﻰـﻨﻌﻣ ﻦﻣ ،ﻲـﻧﺎﻌﻤﻟﺍ ﻡﺃ ،ﺡﺮﺟ ﻡﺃ ﻪﻳﻮـﺸﺗ ﺺﻘﻨﺑ ُ ،ﻝﺎﻤﺠﻟﺍ ﻡﺃ ﺔﻫﺎﻋ ﺗ. ﺪﻌﻘ ﻦﻋ ﻞﻤﻌﻟﺍﺐﺴﻜﻟﺍﻭ(١) ﻡﺃ ً ﻡﺃﻻﻮﻘﻨﻣ ً ﻥﺎﻛﺃﺎﻧﺍﻮﻴﺣ ،ﺀﺍﻮـﺳً ﺎـﻣﺃ ﺭﺮـﻀﻟﺍ :ﻲﻟﺎﻤﻟﺍ ﻮﻫﻭﺎﻣ ﻥﺎﻛ ﻪﻠﺤﻣﻻﺎﻣً - ﺾﻌﺒﻟ ً ،ﺕﺍﺬﻠﻟ ﻡﺃﻼﻴﻄﻌﺗ ﻣﺎﺗًﺎّ ً ﻥﺎﻛﺃ ﺭﺮﻀﻟﺍ ﻱﺬﻟﺍ ﻖﺤﻟ ﻪﺑﺎﻓﻼﺗﺇ ً ،ﺀﺍﻮﺳﻭﺍﺭﺎﻘﻋً ،ﺕﺎﻔﺼﻟﺍ ﻡﺃ ﺙﻭﺪﺣ ﺺﻘﻧ ﺎﻬﻴﻓ ﻡﺃ ،ﺐﻴﻴﻌﺗ ﺚﻴﺣ ﺝﺮﺨﻳ ﻥﺎﺼﻘﻧ.ﻪﺘﻤﻴﻗ ﻙﻼـﻬﻟﺎﺑ ﺖﺤﺗ ﻱﺪﻳﻷﺍ ً ﺍﺬـﻫ ﺩﺮـﻔﻨﻳﻭ ﺭﺮﻀﻟﺍ ﻲﻤـﺴﺠﻟﺍ ﻲﻓ ﻪـﻧﻮﻛﺎﻧﻮﻤﻀﻣ الضامنة، ولو لم يحدث من الضامن مباشرة، أو تسبب في إحداث الضرر، حيث حدث الهلاك بسبب أجنبي لا بد للضامن فيه، كالآفة السماوية أو بفعل غيره(٢) . ب الضرر المعنوي أو ا لأدبي: والضرر المعنوي هو كل أذى يصيب الإنسان في عرضه أو عاطفته أو شعوره، أو التعدي على الغير في حريته، أو في شرفه أو سمعته، أو في مركزه الاجتماعي، أو غير ذلك. وسمي الضرر أدبيا ً أو معنويا ً ؛ لأنه غير مادي؛ فإن محله العاطفة والشعور، ّّ ويظهر فيما لو شتم أحد غيره فآلمه في نفسه، أو رماه بما يكره، أو لطمه على وجهه، أو جرحه ولم يترك أثرا ً ولم يفوت منفعة(٣) ، كأن يقول له يا ابن الأسودين، أو يا كلب أو يا خنزير، أو يا منافق أو يا فاجر أو يا عدو الله(٤) ... وقد اعتنت الشريعة الإسلامية بحماية الجنس البشري من جميع الآفات، وخصته بالتكريم والتفضيل، قال تعالى: ﴿ _`fedcba onmlkjihg ﴾(الإس راء : ٧٠ ( ، (١) . بوساق محمد: التعويض عن الضرر، ص ٣٩(٢) بوساق محمد: المرجع السابق، ص ٤٠ - .٤٣ (٣) . بوساق محمد: المرجع نفسه، ص ٢٩ . شبير محمد: القواعد الكلية، ١٧١(٤) . الثميني عبد العزيز: الورد البسام، ص ١٤٦ فجاءت الشريعة تجسيدا ً لهذا التكريم الرباني للإنسان، فصانت كل مقوماته وحفظتها من عبث العابثين، فليس هذا الكائن البشري كما ً مهملا ً ، يعبث به من ّ ِ شاء ومتى شاء، ومن هنا حرمت شريعة الإسلام إيذاء الناس بغير حق، سواء في ّ أموالهم، أو في أجسادهم، أو في أعراضهم وعواطفهم ومشاعرهم. فكما وضعت حدودا ً لردع وزجر المعتدي على أموال الناس وأنفسهم، كذلك وضعت حد ّ القذف وعقوبات أخرى غير مقدرة، حماية للأعراض، وصيانة للمجتمع من شيوع الرذيلة والفساد، فالجانب المعنوي في الإنسان لا يقل أهمية عن الجانب المادي فيه(١) . (١) . بوساق محمد: المرجع نفسه، ص ٢٩ الضرر يزال » : لإعمال قاعدة « وضع الفقهاء ضوابط وشروطا ً تضبط الفعل الضار وتتمثل فيما يلي: ١ أن يكون الضرر محققا ً: اتفق الفقهاء على أنه يشترط في الضرر الذي تبنى عليه الأحكام أن يكون محققا ً في الحال أو المستقبل، فلا تبنى الأحكام على ضرر موهوم أو نادر الحصول، عملا ً اليقين لا يزول » : المتفرعة عن قاعدة ،« لا عبرة للتوهم » : بقاعدة فلا يقال: إن كثرة إنجاب النسل يترتب عليه ضرر بالغ في الاقتصاد « بالشك الوطني، فهذا ضرر موهوم؛ لأن الله تعالى أودع في الأرض من الكنوز والموارد ما يكفي حاجة الإنسان ومتطلباته، وذلك إذا أحسن توظيف الأيدي العاملة والعقول المفكرة، وتمت مراقبة الله وتقواه في هذه الموارد(١) ، كما قال الله تعالى: ﴿ ! " &%$# ' ,+*)( -. 210/ ﴾(الأعراف: ٩٦ ( . - ومن الأمثلة على الضرر النادر الحصول: بناء الشخص جدارا ً في أرضه، فادعى جاره أنه يحجب عنه الهواء، فلا يكون ذلك ضررا ً مخلا ّ ً بالمصلحة (٢) المشروعة؛ لأنه لا يقع حجب الهواء، وإذا وقع كان نادرا ً . فالعبرة في الضرر كثرة الحصول، أما إذا كان الضرر مظنونا ً أو غالبا ً ، فهل تبنى عليه الأحكام أم لا؟ (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٣١٧/ فتاوى البكري، ١ - .٣١٨ (٢) .٣٥/ الزحيلي وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، ٤ ِ - ومن الأمثلة التوضيحية للضرر الغالب: بيع العنب لمن عرف يعصره خمرا ً ، وبيع الحديد والنحاس لأهل الحرب، خشية تصنيع السلاح منه(١) . اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: القول ا لأول: ذهب جمهور الإباضية والمالكية والحنابلة إلى اعتبار الضرر الغالب أو المظنون؛ لأن الظن الغالب يجري مجرى العلم في الأحكام؛ ولأنه سد » : داخل في التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه، كما تؤيده قاعدة الذرائع « في الشريعة الإسلامية(٢) . القول ا لثاني: ذهب الحنفية والشافعية إلى عدم اعتبار الضرر الغالب أو المظنون في جميع الأحوال، فيصححون بيع العنب لمن يعصره خمرا ً ، وبيع الحديد والنحاس لأهل الحرب مع الكراهة؛ لأن المشترى قد لا يعصي الله بما اشتراه(٣) . والراجح هو القول الأول من اعتبار الضرر المظنون أو الغالب ضررا ً مخلا ّ ً بالمصلحة، فيمنع مراعاة لمقاصد الشريعة في منع الضرر ومنع فتح أبوابه وسد ّ ا ً لذريعة الفساد. ٢ أن يكون الضرر فاحشا ً: يشترط في الضرر الذي تبنى عليه الأحكام أن يكون مقداره كبيرا ً أو فاحشا ً ، فلا يعتد بالضرر اليسير، كما لا يعتد بالغرر اليسير، والعبرة في تحديد (١) .٣٥٢/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٣٩ و ٥٠ ، الدسوقي، الحاشية على الشرح الكبير للدردير، ٤٢ . باجو مصطفى، منهج الاجتهاد عند الإباضية، ص ٧٦٢ / ٧. ابن مفلح، الفروع ٤ /٣ وما بعدها. خالد بابكر، الباعث وأثره في العقود والتصرفات، رسالة ماجستير من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، معهد الشريعة، نوقشت ١٩٩٤ ، نسخة مصورة. (٣) ٢٢٣ . النووي، المجموع، / ٤٢٩ .، الكاساني، بدائع الصنائع، ٥ / المرغيناني: الهداية، ٤ .٣٥٤/٩ الكبير واليسير إلى العرف والعادة(١) ، وهذا ما يحقق مرونة الفقه الإسلامي، وقدرته على مسايرة التطورات والأعراف. ولكن لو سلمنا بهذا الشرط فقد يختلف الناس في تحديد الضرر اليسير؛ لأنه من الأمور التي يعسر تحديدها، فيلحق بسببه ضرر بالغير، ويختلف الناس في حكمه، ولذا فأرى أنه من الأحسن منع الضرر مطلقا ً ، وكل ضرر نتج عن اعتداء أو خطأ، ترتب عنه مسؤولية على الفاعل حتى نقلل من وقوعه. ٣ أن يكون الضرر بغير حق: يشترط في الضرر الذي تبنى عليه الأحكام أن يكون إخلاله بالمصلحة المشروعة بغير حق، كالتعدي والتعسف والإهمال، ومن التصرفات التي لا تعد ضررا ً من الوجهة الشرعية، لكونها حاصلة بمقتضى إقامة الحدود والقصاص على أهلها، وكذلك التعازير والظفر بالحق، ودفع الصائل الذي يعتدي على غيره ولو أدى إلى قتله. ولكي نحكم على الضرر أنه بغير حق، ومضر بالمصلحة المشروعة، لا بد أن نتحقق من وجود التعدي، أو التعسف أو الإهمال. وقد حدد ابن رجب في تعريفه للضرر أنه يكون على وجه غير جائز، إن الضرر معناه: أن يضر به من لا يضره، والضرار أن يضر بمن أضر به » : فقال « على وجه غير جائز(٢) . فقوله: على وجه غير جائز احترز به مما لو كان الضرر مشروعا ً ، أي مأذونا ً فيه فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى الضرر والضرار بغير حق، فأما إدخال الضرر على من يستحقه، إما لكونه تعدى حدود الله، فيعاقب بقدر جريمته، أو كونه ظلم غيره فيطلب المظلوم مقابلته بالعدل، فهذا غير مراد قطعا ً ، أما غير ذلك من الأضرار، فلا يجوز إلحاقها بأحد والنهي يشملها(٣) . (١) .٣٢/ ابن نجيم: البحر الرائق، ٧(٢) . ابن رجب: جامع العلوم والحكم، ص ٢٦٧(٣) . بوساق محمد: التعويض عن الضرر، ص ١٣٣ ٤ أن يكون الضرر مخلا ّ ً بمصلحة مشروعة: يشترط في الضرر الذي تبنى عليه الأحكام أن يكون مخلا ّ ً بمصلحة مشروعة في الأصل، كاقتناء السيارة والثوب وغير ذلك، وأما إذا كانت المصلحة غير مشروعة فلا عبرة بالضرر الذي يقع عليها كإتلاف خمر لمسلم، وإتلاف آلات اللهو المحرمة وغير ذلك(١) . ٥ أن يكون الضرر مخلا ّ ً بمصلحة مستحقة للمتضرر بأي وجه من وجوه الاستحقاق، ولذا لو كانت غير مستحقة للمتضرر، لم يعتبر الإخلال بها ضررا ً ، كمن بنى في أرض الغير بدون وجه حق، فإن البناء يزال ولا يضمن صاحب الأرض قيمة البناء المهدوم(٢) . حكم الأفعال المشروعة إذا أدت إلى ضرر بغير قصد: بعد أن بين ّا ً ضوابط الفعل الضار الذي تبنى عليه الأحكام، يبقى أن نعرف حكم الأفعال المشروعة إذا أدت إلى ضرر من غير قصد من فاعلها، يقول أما إذا فعل الضرر المستحق للحاجة إليه والانتفاع به لا يقصد » : أهل العلم « الإضرار، فليس بمضار(٣) . ولكن هذا الكلام يحتاج إلى تفصيل، فقد يكون الضرر الذي يلحق بالآخرين جسيما ً مقابل منفعة زهيدة لصاحب الفعل المشروع، وعليه فالذي يظهر لي أنه لا يجوز إلحاق الضرر بالآخرين، ولو كان الفعل مشروعا ً في ذاته، فيكون بالتالي نهيا ً عن الأسباب التي تؤدي إليه، سواء كان الضرر مقصودا ً أم غير مقصود، اجتثاثا ً لواقعة الضرر في أية صورة من صوره بمنع أسبابه المحرمة، وكذلك أسبابه المشروعة في الأصل إذا ما أدت إلى إحداث ضرر (١) .٨٤٩/ موافي: الضرر في الفقه الإسلامي، ٢(٢) .٨٤٩/ الثميني: الورد البسام، ص ١٩١ . موافي، الضرر في الفقه الإسلامي ٢ (٣) النجدي عبد الرحمن ٰ ٨٦/ بن القاسم، إحكام الأحكام شرح أصول الأحكام، ٣ - .٨٩ جسيم بالآخرين، وهذا ما يدل عليه عموم الحديث: « لا ضرر ولا ضرار » ، وإطلاقا ً لمراد الشارع إلى أقصى ما يمكن أن يتضمنه اللفظ من صور، إلا ما استثني منها بدليل، وهو الذي يقتضيه عموم الحديث وإطلاقه(١) . غير أننا نجد أن الأصوليين قد انتهوا إلى وضع ضابط للفعل المشروع، ولا يفهم من وجود هذا الضابط عندهم أن هناك قيدا ً يحد ّ من عموم الحديث المتقدم وإطلاقه؛ لأن هذا الضابط قد استنتج من تتبعهم لجزئيات الأحكام حتى وصلوا إلى وضع معيار للتمييز بين الفعل المشروع من غير المشروع، وبالنظر إلى نتيجة الفعل وما اشتملت عليه من نفع وضرر، فإن كانت كف ّ ة الضرر هي الراجحة، قالوا بعدم مشروعيته، وإن كانت كفة النفع هي الراجحة (٢) عد ﱡ وه عندئذ مشروعا ً . وبناء على ما تقدم من الأخذ بعموم الحديث المتقدم وإطلاقه، يكون الضرر المنهي عنه في الحديث شاملا ً لكل ضرر نتج عن طريق المباشرة، أو نتج عن طريق المتسبب مع التعدي، وهو كذلك شامل للفعل المشروع في ذاته، إذا نتج عنه ضرر غير مشروع، وإذا علمنا أن كل اعتداء ضار مخالف للشرع، فمن الطبيعي أن يوجب الشرع دفع ما يخالفه طبقا ً للقاعدة الكلية الضرر يزال » « لا ضرر ولا ضرار » و .« (١) . بوساق محمد: التعويض عن الضرر، ص ١٣٤(٢) ٣٤٨ وما بعدها. بوساق محمد، المرجع نفسه. / الشاطبي: الموافقات، ٢ سبق أن بينا أن الضرر بالغير ظلم وغدر وتعدي، والواجب عدم إيقاعه، ّ وإقرار الظالم على ظلمه حرام وممنوع شرعا ً ، فيجب إزالته، فإذا وقع الضرر من شخص على آخر ولم يحتمله، ورفع أمره إلى القاضي، وجب على القاضي أن يحكم بإزالة الضرر، ووجب على الحاكم تنفيذ ما حكم به القاضي، تحقيقا ً « لا ضرر ولا ضرار » للعدل والأمن بين الناس، ف . ِ وعلى المتضرر أن يطلب من الذي تسبب له في الضرر إزالة الضرر بالطرق السلمية، وما أكثرها، فإن عجز عن ذلك رفع الأمر لأولي الأمر، فإن معالجة المشكلات بالطرق السلمية أيسر وأقرب للتقوى، وأبقى لدوام ِ العش ْ رة والإخاء. وعلى المسلمين الذين يشاهدون الضرر أن يتعاونوا مع المتضرر لإزالة الضرر عنه بالحسنى، عملا ً بقوله تعالى: ﴿ ÅÄÃÂÁÀ¿ ÐÏÎÍÌËÊÉÈÇÆ ﴾ )المائدة : ( ٢ ، فإزالة الضرر واجبة، والطريق إلى ذلك إما أن يكون بالطرق السلمية وهو الأولى، أو يرفع الأمر إلى القاضي، وهذا عند فشل الطريق الأول(١) ، ويمكن اعتماد طريقتين لإزالة الضرر وهما: أولا ً : وقف استمرار الضرر ومنع تكراره وتجدده. ففي هذه الحالة يدفع الضرر بإزالته عينا ً ، سواء كان عاما ً أم خاصا ً ، فمثلا ً يؤمر صاحب الرحى التي تفسد الجدران بتوقيفها، ويؤمر الدباغ الذي يتأذى (١). محمد بن إسماعيل، القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، ص ٩٩ الجيران بروائحه الكريهة بإبعاده عنهم، ومثل ذلك الدخان المتصاعد من المصانع الكيماوية فإنه يلوث الجو ويفسده، فيجب إبعادها عن التجمعات السكانية، وإذا سل ّ ط إنسان ميزابه على الطريق العام، أو انفجرت بالوعته ِ فأضرت بالمارة، فمثل ُ هذا الضرر يزا ل، كذلك من كان له ساحة يلقي فيها التراب والحيوانات، ويتضرر بذلك الجيران، فإنه يجب على صاحبها أن يدفع الضرر عنهم، إما بعمارتها أو إعطائها لمن يعمرها، أو يمنع أن يلقى فيها ما يضر بالجيران(١) . ويحبس على نزع الضر جاعله، ولا يؤجل إلا » : يقول الثميني في هذا الشأن بقدر وصوله إليه، ويجبر من ماتت له دابته في طريق أو مكان يصل منه الضر، أن يصرفها عنه إلى مكان لا تضر منه بلا تأخير يجده، وكذلك إن مات وليه يجبر على تكفينه ودفنه إن لم يكن لوليه مال، ومن قتل أحدا ً أو سبعا ً في طريق « أو جنان أحد أو داره، فلا يلزمه صرفه عنه إذا فاجأه ودفعه عنه، وإلا لزمه(٢) . وإذا طالت أغصان شجرة ونزلت على دار جداره، فأضرت به فيكلف ﱠ صاحبها برفعها أو قطعها، يقول ابن جعفر : وكل جدار أو نخلة أو شجرة » « مالت كلها على أرض قوم أو شيء من أغصانها، فإن ذلك يصرف(٣) . ومن له نخلة أو شجرة في أرض أحد » : ويضيف الثميني في هذا المعنى ِ فظهر من جدارها أو من حريمها فسيل أو غصن، فلرب الأرض عليه نزعه، ّ ِ وكذا الصنوان في ذلك... ومن له نخلة في أرض غيره وماتت، فلرب الأرض عليه نزع نخلته، وقيل لا، ومن جعل ظلا ًّ على ناس فلهم عليه نزعه، وكذا غير «... الظل(٤) . وكذا من فتح نافذة أو بابا ً يشرف على جاره ويكشف عورته، فإنه (١) ١٨٦/ السالمي: العقد الثمين، ٤ - .١٨٧ (٢) . الثميني: الورد البسام، ١٣٨(٣) .١٨٨/ ابن جعفر الجامع، ٤(٤) . الثميني: الورد البسام، ص ٢٤٧ يؤمر بسدها، قال ابن جعفر : وليس لأحد أن يحدث بابا » ً في أرض غيره ِ ولا يشرف منه على من تحته، ولا يحدث بابا ً قبالة بابه، ولو كان في الطريق جائزة، فإن أحدثه في الطريق بلا أن يقابل باب أحد، وكان من بعد خمسة «... أبواب لم يمنع(١) . ومن هذا القبيل قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخل سمرة بن جندب 3 (٢) بعد أن عرض عليه عدة خيارات، فرفضها جميعا ً . كما ت ُ زال الأضرار التي تضر بالصحة العامة، كمنع قوم مصابين بالجذام من ورود الماء المشترك(٣) ، ويوضعون في الحجر الصحي، لمنع انتقال العدوى إلى غيرهم، ويزال كذلك كل تعد ّ يسبب ضررا ً عاما ً ، كعرقلة السير في الطريق ّ العام بإحداث بناء فيه، أو حفر بالوعة فيه، أو تضييقه بحيث يصعب على الناس المرور فيه بدوابهم وأمتعتهم(٤) . (١) .١٩٠/ ابن جعفر: الجامع، ٤ (٢) ١٨٨ . الثميني الورد البسام، ٢٤٤ / ابن جعفر: الجامع، ٤ - ٢٤٨ . أبو يعلى، الأحكام السلطانية، ص ٣٠٠ ، والحديث رواه أبو داود في السنن، كتاب الأقضية، باب من القضاء، حديث: ٣١٧٠ حدثنا واصل، مولى أبي عيينة، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي، يحدث عن سمرة بن جندب، أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله، قال: فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه، فطلب إليه أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يبيعه فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى، قال: « فهبه له ولك كذا وكذا »أمرا ً رغبه فيه فأبى، فقال: « أنت مضار » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري: « اذهب فاقلع ن خله » . ورواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب إحياء الموات، باب من قضى فيما بين الناس بما فيه صلاحهم ودفع الضرر، حديث: ١١١٠٦ . ورواه البيهقي في معرفة السنن والآثار، كتاب الصلح، باب من قضى فيما بين الناس لما فيه صلاحهم، حديث: ٣٨٦٦ ورواه الخرائطي في مساوئ الأخلاق، باب ما يكره من الإضرار بالناس، حديث: ٥٨٤ بزيادة: « فهبها له، ولك مثلها في ا لجنة » . (٣) . ابن القيم الجوزية، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ص ٣٠٦(٤) .١٨٤/ السالمي: العقد الثمين، ٤ ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة 3 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا اختلفتم » « في الطريق فاجعلوه سبعة أ ذرع(١) ، والمراد بالطريق هنا: تلك التي تكون مجرى عامة المسلمين بأحمالهم ومواشيهم؛ ولذلك وردت في رواية أخرى بلفظ الميناء؛ قيل: إنها بمعنى أعظم الطرق، أو الطريق الواسع(٢) . ما يشير إلى هذا المعنى عن أبي سعيد « الجامع » نقل ابن جعفر في ومعي أنهم قد اختلفوا في عرض الطريق في هذا » : الكدمي ما نصه ُ المعنى، فقال من قال: ثمانية أذرع، وقال من قال: ستة أذرع للطريق الجائز، وقال من قال: إذا اختلفوا في ذلك جعلت سبعة بين الستة والثمانية، وإن أدرك الطريق أوسع من ذلك ترك ذلك بحاله، ولا أعلم «(٣) في ذلك اختلافا ً . ولا ريب أن ما أرشد إليه الكدمي هو ما نص عليه الحديث المقدم، والحديث محمول على من ضيق الطريق لمرورها في ملكه أو محاذاته، ّ والسعة التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم ليست تحديدا ً لسعة الطريق، وإنما المعتبر في ذلك إزالة الضرر، فإذا كان الضرر لا يزول إلا بتوسيعها عشرين ذراعا ً أو أكثر لزم ذلك(٤) . (١) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء: وهي الرحبة تكون بين، حديث: ٢٣٦١ . صحيح البخاري، ط المكتب الإسلامي، ٣، عن أبي ١٠٦ . ومسلم، كتاب المساقاة، باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه، رقم: ١١١ /٣هريرة، وابن ماجه بلفظ: « إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أ ذرع » ، كتاب الأحكام، ٢، عن عبد الله بن عباس.. وأحمد بن حنبل باب إذا تشاجروا في قدر الطريق، رقم: ٣٣٦ في المسند، ومن مسند بني هاشم مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، حديث: .٣٢٧/٥ ،٢ ٠٤٣ (٢) العاصمي عبد الرحمن، ٰ .٨٧/ إحكام الأحكام، ٣(٣) .٢٠٤/ ابن جعفر: الجامع، ٤(٤) . محمد بوساق التعويض عن الضرر، ص ١٣٨ ثانيا ً : ترميم آثار الضرر بعد وقوعه: أوجب الشارع الحكيم لإزالة ضرر الإتلاف ضمان المتلفات، فتضمين المال المتلف هو ما نسميه بالتعويض الذي يعني: إحلال مال محل مال فاقد، جبرا ً للضرر. لا شك أن الإتلاف سبب لوجوب الضمان؛ « بدائع الصنائع » جاء فيلأن إتلاف الشيء إخراجه أن يكون منتفعا ً به منفعة مطلوبة منه عادة، وهذا لا ضرر ولا ضرار » اعتداء وإضرار؛ وحيث أنه « الضرر » في الإسلام و وقد تعذر نفي الضرر من حيث الصورة، فيجب نفيه من حيث ،« يزا ل المعنى بالضمان، ليقوم الضمان مقام المتلف، فينتفي الضرر بالقدر الممكن(١) ؛ لأن مفسدة الجرم تندفع بتغريم الجاني نظير ما أتلفه، حيث لم يشرع القصاص في الضرر المالي كما شرع في الدماء، فالمتضرر إذا أخذ نظير ما فاته، تعود حالته كما كانت عليه من قبل حدوث الضرر، فينتفع بما يأخذ عوض ماله. ولا شك أن هذا أوفق بالناس وأليق بالفعل، وأبلغ في الصلاح، وأوفق للحكمة(٢) . وكذلك يزال الضرر بأخذ المتضرر نظير ماله، ويزال كذلك بتغريم صاحب الفعل الضار قيمة المتلف إذا تعذر وجود نظير له؛ وذلك دفعا ً للضرر بقدر الإمكان، فالمتضرر في كلتا الحالتين صار كمن لم يفت عليه شيء(٣) . وزيادة في توضيح معنى ما تقدم نورد مثالا ً تطبيقيا ً ذكره ابن بركة في ّ وإذا غصب رجل جبار حبا فزرعه في أرض نفسه فنمت » : جامعه يقول فيه ًّ وطالت، فوجدها صاحبها المغصوبة منه، فإن الجبار إن شاء قلعها وأخذها (١) . ١٦٥ . الثميني، الورد البسام، ص ١٨٨ ،١٦٤/ الكساني: بدائع الصنائع، ٧(٢) .١٢٤ ،١٢٣/ ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين، ٢(٣) .٢٠٠/ بوساق محمد: التعويض عن الضرر، ص ١٣٨ . ابن بركة، الجامع، ١ وإن شاء أخذ قيمتها، وهي على تلك الحال، فإن قال قائل: فما الفرق بين غصب النخل والحب؟ قيل له: إن صاحب الحب لا يقدر أن يصير حبه لهلاكه وذهاب عينه، وصاحب الفسلة يقدر عليها؛ لأنها قائمة العين، فحق صاحبها عنها لم يزل، ﱡ فلما زالت عينه وتلف بالتعدي كان مضمونا ً بالبدل أو القيمة، وما كانت عينه « قائمة لم تكن الخصومة إلا في عينه(١) . ومن غصب أصلا » : وجاء في الورد البسام ما يؤكد هذا المعنى بما نصه ً ببيع أو غيره ثم أراد التخلص منه، فإنه يفديه ويرده لربه إن قدر عليه وقام بعينه، وإلا فعليه التوبة وشر ْ و َ ى ذلك (أي ضمان مثله أو قيمته) وإن أتلف عروضا ً « فعليه مثلها من العروض(٢) . وإذا كان الضرر مما شأنه الاستمرار إذا لم يزل عينا » ً ؛ وقد نتجت عنه أضرار قبل ذلك، فلا بد من الجمع بين الطريقتين: إزالته عينا ً ، وترميم آثاره؛ وذلك بوقف استمراره وتجدده في المستقبل، وتغريم المتسبب نظير ما تسبب « فيه من ضرر في الماضي(٣) . وقال الثميني في سياق حديثه عن إلزام الحاكم من أحدث ضررا ً بغيره برفع الضرر أو يحبسه حتى يوف ّ يجبر الحاكم أداء المعاملات » : ي ما عليه ُ والتعديات لأهلها بالحبس إلى أن يؤديها من لزمته، أو يبرئ منها ولا ينصت إليه إن طلب الخروج فيؤدي، فإن أمكنه أن يؤدي ذاك من الحبس، مثل: أن يقضي لغريمه ما رضي به أو يحيله على غريمه ونحو ذلك مما يبرئه، أو يوك ّ ل من يقضي عنه ما حبس فيه، فلا يخرج إن فعل ذلك إلا بإذن الحاكم «... (٤) . (١) ابن بركة: المصدر نفسه. (٢) . الثميني الورد البسام، ص ٣٠٠(٣) . بوساق محمد: المرجع السابق، ص ١٣٩(٤) . الثميني المصدر نفسه، ص ١٢٣ IóYÉ≤dG ´hôah äÉ≤«Ñ£J بين ّ الضرر يزال » : ا فيما تقدم أن قاعدة « لا ضرر ولا ضرار » و « يبنى عليها ّ كثير من أبواب الفقه، ولذلك فإن تطبيقاتها تفوق الحصر وقد أشرنا إلى بعضها، وسنكتفي بذكر أمثلة من الأبواب الفقهية تطبيقا ً للقاعدة، وزيادة في توضيح مدلولها. :äÉ°SÉéædG á°ùeÓe »a `` 1 . « ذلك بالحل أو بالغرم (١) :óLÉ°ùªdG øY Qô°†dG ™æe »a `` 2 ذهب أهل العلم إلى منع الإنسان من مس النجاسات بيده أو تنجيس وبناء عليه، فإن اضطر ،« الضرر يزا ل » ملابسه، أو أشياء الناس؛ لأن ذلك ضرر و إلى مس النجاسة بيده فعليه أن يبادر إلى تطهيرها؛ حتى لا ينجس غيره، ولعل ﱢ من الحكمة الشرعية أنه شرع الاستجمار بالحجارة أو ما يقوم مقامه، كالورق الصحي اتقاء للنجاسات؛ لأنه مما تتقزز منه النفس وتنفر منه، فلا يجوز التساهل في هذا الأمر، أما إذا نجس ثياب غيره فيجب عليه أن يرفع ذلك ّ الضرر عنه، بأن يطهره له أو يخبره بذلك حتى لا يستعمله معتقدا ً طهارته ولكنه نجس، ويحاول أن يتحلل من تبعة ذلك قدر الإمكان، يقول الشماخي ولا يستحب له أن يعامل النجس بيده ما دام يجد غير ذلك، » : في الشأن وكذلك ثيابه على هذا الحال، إلا عند الضرورة، ولا يحل له أن ينجس أشياء الضرر لا يحل » الناس؛ لأن ذلك ضرر و « وإن نجسها فعليه الخلاص من تباعة لا يجوز تنجيس أماكن العبادة، كالمساجد والمصليات تعظيما ً لحرمتها؛ فيجب تطهيرها وإزالة الأذى ،« لا ضرر ولا ضرا ر » لأن ذلك ضرر بالغير و عنها، وإبعاد كل من يكون مظنة لنجاستها، كالأطفال والنساء إلا عند الضرورة، وفي إعمال هذه القاعدة مراعاة لمقاصد الشريعة المتمثلة في حفظ الدين (١) ٣١٦ ، بتصرف يسير. / الشماخي: الإيضاح، ١ ومن نجس المسجد فقد » : وحفظ المال، يقول الشماخي في هذا المعنى َّ شددوا في هلاكه، والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿ 210/ <;:9876543 ﴾ )التوبة :( ٢٨ ، وكذلك المساجد كلها لا ت ُ قرب بنجس تعظيما ً « لحرمتها(١) . َ ويؤكد عثمان الأصم(٢) وكذلك المساجد لا يحد » : هذا المعنى َ ث فيها ُ « ولا في جانبها، كيلا تؤذي رائحته المسجد، ولا يقرب منازل الناس(٣) . وذهب الثميني إلى أنه يحق للحاكم أن يمنع المساجد عن الأطفال، ِ فلا يدخلوها ولو لتعل ﱡ م إذا خيف منهم النجاسة، وكذلك كل من يخاف منه وللحاكم » : إيقاع الضرر بالمسجد، فقال في باب الحجر والأخذ على نزع الضر أن يحجر على من يحدث في المسجد أو مصل ّ ى أو حريمها ضررا ً ، وعلى الأطفال أن لا يدخلوا المساجد، ولا تجعل مكان للدراسة، ويمنع كل من َ خيف منه إفسادها أو تنجيسها من دخولها، وعلى النساء أن لا يدخلنها بعطر يفتن عمارها، وعلى من يتخذها طريقا ً أو مخزنا ً لحبوبه أو منشرا ً لثماره عليها، َ ٍِ أو يعمل فيها د ُ نيوي ّ ا أو يتكلم فيها، وعلى راق على سقوفها لا لإصلاحها أو (١) .١٨ - ١٧/ الشماخي: الإيضاح، ١ (٢)عثمان بن أبي عبد الله الأصم، أبو عبد الله (ت: ٦٣١ ه)، وقيل أبو محمد عثمان بن أبي عبد الله بن أحمد العزري نسبا ً ، الأصم لقبا ً ، العقري النزوي مسكنا ً . الشيخ الفقيه، كان مثالا ً للورع والعفة والنزاهة. له اطلاع واسع في علم الكلام والفقه. ويعد من علماء النصف في « التاج » : الأخير من القرن السادس والثلث الأول من القرن السابع الهجريين. من مؤلفاته النور في علم » الفقه، في خمسين جزءا، مفقود ما عدا الأول والسادس والعشرين، وكتاب ً وهو كتاب في ،« البصيرة » للعوتبي الصحاري. وكتاب « الضياء » وهو مختصر كتاب « التوحيد الإبانة في أصول » وكتاب .« الأنوار في الأصول » العبادات والمعاملات، في جزأين. وكتاب ٣٦٥ . معجم ،٣٥٠/ ينظر: البطاشي، إتحاف الأعيان، ١ .« العقود » مفقود. كتاب ،« الديانة . أعلام الإباضية بالمشرق، ص ٣٠٣(٣) الأصم عثمان: البصيرة، ص ١٩٠ ، بتصرف يسير. ضرورة، كعدو إن ألجأ الناس إليها وإلى طلوعها، وعلى من يغلقها في أوقات الصلاة، أو يخرج منها آنيتها أو حصيرها أو مصابيحها، أو نحو ذلك « لينتفع به لنفسه(١) . وفي السياق نفسه أجاز الإباضية الوضوء في المسجد ما لم يحدث ضرر بأرضيته أو بعماره، كأن تكون أماكن الوضوء قريبة من مكان الصلاة، فقد ُّ يتسرب الماء إلى الداخل فيفسد الفراش ويتعفن وتتغير رائحة المسجد فيتأذى به الناس، أو تكون المراحيض داخل المسجد، فلعل كثرة استعمالها يتسبب في انتشار الروائح الكريهة فيها فينزعج المصلون، كما هو ملاحظ في بعض المساجد، فيتعذر على الناس البقاء فيها لفترة طويلة، وهناك من تنبه إلى هذا ّ الضرر فأزاله ببناء بيوت الخلاء خارج المسجد، حتى لا تصل نجاستها أو روائحها الكريهة إلى المصلين. ولا ريب أن هذا العمل فيه مصلحة ظاهرة(٢) وهي تجنيب المساجد ما يضرها ويؤذي عمارها، وتوفير الجو المناسب للعبادة وهذا الأمر قد صدر ّ من نظر عميق وفكر ثاقب؛ لأن المساجد بيوت الله، فيجب أن نبعد عنها كل أقوال الفقهاء « المعارج » ما يؤذيها أكثر مما نفعل ببيوتنا، وقد نقل السالمي في في مسالة الوضوء والتطهر في المسجد، ثم رجح جواز ذلك بشرط عدم الضرر بالمسجد أو ع ُم ّ قال ابن المنذر (النيسابوري) » : اره، يقول في هذا الصدد في إشرافه(٣) : أباح كل من يحفظ عنه من علماء الناس الوضوء في المسجد، (١) ١٨٨ ، بتصرف. ، الثميني: الورد البسام، ص ١١٩(٢) هذا ما جرى به العمل قديما ً وحديثا ً في مساجد الإباضية بوادي ميزاب، وذلك حرصا ً منهم على المحافظة على طهارة المساجد. (٣) يشير إلى كتاب الإشراف لابن المنذر النيسابوري من علماء الشافعية، وهو مطبوع ومحقق، وقد اهتم به أبو سعيد الكدمي الإباضي وأضاف إليه زيادات، وبلغنا مؤخرا ً أن الباحث أبو الأرواح إبراهيم قد تصدى لتحقيقه بتكليف من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان. ُ قال: وممن حفظنا عنهم ذلك ابن عباس وابن عمر وعطاء وطاووس وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حز م، وابن جريج (١)وعبد الرحمن السلماني (٢) ، ٰ وهو قول عوام أهل العلم، قال: وبه نقول، إلا أن يتوضأ الرجل في مكان من المسجد مثله يؤذي الناس بهذا الطهر، فإني أكره ذلك إلا أن يفحص الحصا على البطحاء، كما كان يفعل عطاء بن أبي رباح وطاوو س، فإذا توضأ رد « الحصا على البطحاء فلا أكره ذلك(٣) . وإنما أباحوا الوضوء في المسجد؛ لأنه طاعة، » : وعقب عليه السالمي فقال فإذا لم يحصل من الماء ضرر على المسجد أو أحد من عماره، فلا معنى للمنع منه، وإن حصل به الضرر أو الأذى فيمنع من ذلك، والضرر يتحتم في المساجد التي سط ّ حت بالصاروج والجص وفرشت عليها البسط، ولا ضرر ُ «... في المساجد المحصوبة إلا إذا كثر ذلك وخيف منه سريان الثرى(٤) . هذا وقد نبه السالمي إلى بعض الأمور التي هي من باب الطاعة والمباح، ّ ونظرا ً لما ينتج عنها من ضرر بالمسجد فإنه من المصلحة منع ذلك، حفاظا ً فأما الطاعة فهي المأمور بفعلها في » : لحرمته وقداسته. يقول في هذا الصدد المساجد، كانت فرضا ً أو نفلا ً ، إلا إذا كانت الطاعة يحصل منها للمسجد تلوث أو انتهاك حرمة، كالقتال وإقامة الحدود فإنها لا تفعل في المسجد، ّ احتراما ً لبيت الله تعالى وتنزيها ً له عن الدماء، وأما المباح فإما أن يكون فعله (١) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أبو الوليد وأبو خالد ( ٨٠ - ١٥٠ ه/ ٦٩٩ - ٧٦٧ م): فقيه الحرم المكي. كان إمام أهل الحجاز في عصره. وهو أول من صنف التصانيف في العلم بمكة. رومي الاصل، من موالي قريش. مكي المولد والوفاة. قال الذهبي: كان ثبتا ً ، لكنه ،٢٨٦/ ١٦٠ وابن خلكان، وفيات الأعيان، ١ ،١٢٢/ يدلس. ينظر: الذهبي تذكرة الحفاظ ١ .١٦٠/ الزركلي، الأعلام، ٤ (٢) من رواة الحديث لم نقف على ترجمته. (٣) ١٨٤/ السالمي: معارج الآمال، ٤ - .١٨٥ (٤) ١٨٥/ السالمي: المصدر نفسه، ٤ - .١٨٦ مفضيا ً إلى حالة تمنع صاحبها من دخول المسجد، فما ظنك بفاعل أسباب الجنابة؟ وأيضا ً : فإن الجماع حالة تنافي تعظيم المسجد ففعلها في المسجد حرام اتفاقا ً(١) ، وإما أن يكون المباح مؤذيا ً بالمسجد أو لأحد من عماره فيمنع « لما فيه من الأذى(٢) ، كالأكل والشرب والنوم ورفع الصوت ونحو ذلك. :IÓ°üdG AÉæKCG ô«¨dG øY Qô°†dG ™aQ »a `` 3 قد يقوم المصلي للصلاة فيرى خطرا ً يحدق به أو بغيره، كالسقوط من السطح أو في الماء، أو اشتعال النار أو حريق، أو غرق، أو إغاثة ملهوف، أو إنقاذ مال من الضياع، كأن يأخذ سارق أمتعته أو حذاءه، فإنه يجوز له ترك ولا يجوز لأحد أن ،« الضرر يزال » الصلاة وتخليص غيره من الهلاك؛ لأن يكون سببا ً في إلحاق الضرر بالغير، واختلف العلماء في حكم الصلاة بعد أداء واجب الإنقاذ، فذهب بعضهم إلى بطلانها ويجب عليه إعادتها، وهو رأي إباضية المشر ق، وذهب بعضهم إلى جواز إتمام صلاته والبناء على ما سبق، وهو رأي إباضية المغرب. وذكر أقوال الفقهاء وأدلتهم، « المعارج » أورد السالمي هذه المسألة في ومنها إغاثة الملهوف أو تخليص أحد من الهلاك، كالسقوط » : ومما جاء فيه من السطح أو حرق أو غرق، وكذا إذا خاف ضياع ما قيمته درهم له أو لغيره، فإنه يباح له فعل هذا كله في الصلاة، ولكنه يستأنف الصلاة إن فعله على مذهب أصحابنا المشارق ة، وأجاز له المغاربة البناء عليها، وفرعوا على ذلك فروعا ً: (١) قد يتعجب البعض من هذا القول، ولكن لا عجب من هذا فقد يحدث أحيانا ً للمسافر أو لعابر للسبيل أن يقف في الطريق للراحة أو لإصلاح مركبته، فينام ليلته مع زوجته في المسجد ويفعل معها ما أحله الله وينسى أنه في بيت الله الذي له حرمته ومكانته. (٢) السالمي نفسه. منها: اختلافهم في الدخول مع الإمام في حال إصلاحه لذلك، فمنهم من قال: لا يدخل معه؛ لأنه مشتغل بغير الصلاة، ومنهم من قال: يدخل لأنه في حكم المصلي، ثم ينتظره مع الجماعة المنتظرين له حتى يصلح ذلك ويرجع إليهم، ويكون حكمه حكمهم، والكل عندهم في الصلاة. .«... ولهم قول آخر: وهو أنه إن اشتغل بإصلاح ماله أعاد وكأن هذا القائل رأى أن المال يبذل لصلاح » : وعقب السالمي عليه فقال ُ الدين، وكأنه مبني على قول من يوجب شراء الماء للوضوء إن لم يجده إلا « بالشراء، فهي ثلاثة أقوال وليس عند المشارقة إلا القول الأول(١) . وبين ّ السالمي أن الخلاف في حكم الصلاة في هذه المسألة يشبه الخلاف في مسألة قتل الحية والعقرب، فإن المعنى في ذلك واحد وإن اختلفت الصور. منشأ الخلاف: ولعل منشأ الخلاف في هذه المسألة والتي سبقتها أن من حكم باستئناف ﱠَ الصلاة بعد القيام بعمل خارج عنها، أنه يرى للصلاة حرمتها، فلا يجوز قطع الصلاة بغير معنى أو ضرورة، لقوله تعالى: ﴿ YXW﴾ )محمد :( ٣٣ . ومن ذهب إلى صحة الصلاة مع الأفعال الخارجة عنها جوز ذلك، ورخص ّ في البناء عليها على التفصيل المتقدم؛ لأنهم نظروا إلى ذلك الفعل باعتباره من الضرر الواجب إزالته، فلا يجوز تركه حتى انتهاء الصلاة؛ لأن في إزالته حفظا ً للدين والنفس والمال، وهذه من مقاصد الشريعة التي جاءت لحفظ الضروريات الخمس، فما دام هذا العمل من الضروريات فيجب على المصلي فعله ولو داخل الصلاة، فمن اليسر عليه أن يبني على صلاته ولا يعيدها، ولعل الذين ذهبوا إلى استئناف الصلاة أخذوا بالأحوط والله أعلم. الضرر يزال » : ولعل ما يؤكد العمل بقاعدة « ما جرى عليه العمل عند (١) ٢١٧/ السالمي: معارج الآمال، ١١ - .٢١٩ العلماء في وجوب إزالته مهما كانت حالته، فقد كان موسى بن علي 5 يوما ً يصلي بالناس، فسمع صائحا ً يصيح على صبي وقع في بئر عند المسجد، فقطع موسى صلاته وانتقل ومن معه، وذهبوا وأخرجوا منها الغلام وابتدأوا الصلاة(١) . ويلاحظ أن ما فعله موسى بن علي فيه موازنة بين المصالح والمفاسد، ّ ومراعاة للمقاصد، فالصلاة واجبة يجب المحافظة عليها، وإنقاذ الغريق مصلحة واجبة يجب القيام بها، فالمصلحة الأولى هي حفظ الدين، والمصلحة الثانية هي حفظ النفس البشرية، وهنا يقدم حفظ النفس على حفظ الدين؛ لأن الأولى وقتها قصير تفوت بالتأخير، والثانية وقتها واسع لا تفوت بالتأخير، فهذا التصرف يؤكد أن فقهاء الإباضية كانوا يهتمون بمقاصد الشريعة ويراعوها في تصرفاتهم وأحكامهم. وينبغي على المسلم أن يلتزم ذلك في حياته، فلا إفراط ولا تفريط، ومن الأمثلة التي نقلها السالمي في هذا المجال ترجيحا ً للمصالح ورفعا ً للضرر ما يلي: ﻮﻬﻓ ،ﺮﻴﺨﻣ ﻥﺇ ﺀﺎـﺷ ﻊﻄﻗ ﻪﺗﻼﺻ ﻥﺇﻭ ً ﻞﺘﻘﻳﻼﺟﺭ ً ﻮـﻟ ﻯﺃﺭ ﻲـﻠﺼﻤﻟﺍﻼﺟﺭ ١ـ ﺀﺎـﺷ ؛ﻪـﻛﺮﺗ ﻪﻧﻷ ﻦـﻜﻤﻳ ﻥﺃ ﻥﻮﻜﻳ ﻪﻠﺘﻗ ،ﻖﺤﺑ ﻥﺇﻭ ﻢﻠﻋ ﻢـﻠﻇ ﻞﺗﺎﻘﻟﺍ ﻥﺎﻛﻭ ً ، ﻊﻄﻗ ﻪﺗﻼﺻ ﺮﺼﻧﻭ ،ﻡﻮﻠﻈﻤﻟﺍ ﻮﻫﻭ ﻝﻮﻗ ﻲﺑﺃ ﺪﻴﻌﺳﻲﻣﺪﻜﻟﺍ. ﺍﺭﺩﺎﻗ ً ، ﻭﺃﺎﻣ ﻪﺒـﺷﺃ ﻭﺃﺎﻘﻳﺮﻏ ً ﻦـﻣﻭ ﻯﺃﺭ ﺎـﻴﺒﺻ ﻑﺮـﺷﺃ ﻰﻠﻋ ،ﻙﻼـﻬﻟﺍ ﻭﺃﺎﻓﻭﺪﻬﻣ ٢ـ ﻚـﻟﺫ ﻪﻣﺰﻟ ﻊﻄﻗ ﻪﺗﻼﺻ ﺫﺎـﻘﻧﻺﻟ ،ﺔﺛﺎﻏﻹﺍﻭ ﻥﺇﻭ ﻰﻀﻣ ﺎﻬﻴﻓ ﻮﻫﻭ ﺭﺩﺎﻗ ﻰﻠﻋ ﺩ ،ﻪﻴﻠﻋ ﻥﺎﻛﻭ ﺐﺟﺍﻮﻟﺍ ﻪﻴﻠﻋ ﻥﺃ ﻲﻀﻤﻳ ﻩﺫﺎـﻘﻧﺇ ﻦﻤﺿ ﺔﻳﺪﻟﺍ ﻲﻓ ﻪﻟﺎﻣ ﻻﻭﻮﻗ َ ﻪﻴﻟﺇ ﻲﻠﺼﻳﻭ ﺎﻤﻛ .ﻪﻨﻜﻣﺃ ِ ﻒﻠﺘﺧﺍﻭ ﻲﻓﻣُ ﻦ ﻯﺮﻳ ﻪﺘﺑﺍﺩ ،ﺔﻘﻨﺨﻨﻣ ﻭﺃﺗ ﻒ ﻲﻓ ﺀﻲﺷ ﻦﻣ ﻒﻟﺎﺘﻤﻟﺍ ﻮﻫﻭﻠﺘَ ٣ـ ﻲﻠﺼﻳ ﻢﻠﻓ ،ﺎﻫﺬﻘﻨﻳ ﻞﻴﻘﻓ ،ﻦﻤﻀﻳ :ﻞﻴﻗﻭ ﻻ.ﻦﻤﻀﻳ (١) .٢٢٠/ السالمي: المصدر نفسه، ١١ واستدل الإباضية على جواز قطع الصلاة لأجل إنقاذ النفس أو المال بالقياس والأثر. أ من ا لقياس: قاسوا تلك الأشياء على قتل الحية والعقرب الذي ثبت بالنص، وذلك مثل تنجية النفس، فإنه إذا جاز قتل العقرب مع أنها مخوفة في ّ الجملة، فدفع ما كان خوفه متعينا ً أولى. ﱢْ ب من ا لأثر: ويدل على إحراز المال وإنقاذه حديث أبي برزة نضيلة بن عبي د، وذلك أن الأزرق بن قيس الحارثي البصري(١) قال: كنا بالأهواز نقاتل الخوارج فبينما أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي، وإذا لجام دابته بيده فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها. قال شعبة : هو أبو برزة الأسلمي(٢) الل » : ، فجعل رجل من الخوارج يقول ّهم ُﱠ افعل بهذا الشيخ، فلما انصرف الشيخ قال: سمعت قولكم، وإني غزوت مع (١)الأزرق بن قيس الحارثي البصري من بني الحارث بن كعب، من رواة الحديث، سمع أبا برزة وأنسا ً وابن عمر وعسعسا ً ، روى عنه التيمي وشعبة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد، قال ابن حجر: ثقة من الثالثة مات بعد العشرين والمائة. وقال مسدد: كان الأزرق يختلف .٦٩/ إلى قصص فاستقبله حملة من قصب فصدمته فمات منها. البخاري، التاريخ الكبير ٢ .٧٤/ ابن حجر، تقريب التهذيب، ١ ٍِ ِِِ ٍِ ِِِ (٢)ن َض ْل َة ُب ْن ُع ُب َي ْ د و َقيل َ :اب ْن ِع َب ْ د الله، و َقيل َ :اب ْن ِع َائذ أ َب ُو ب َر ْز َة َالأ َس ْْل َمي من ْب َني س َلا َم َان َب ْن ِ ﱡ أ َس ْل َم َ، و َق َال َه ِش َام ُب ْن ُم ُح َم ﱠد ٍال ْك َل ْب ِي ﱡ : ه ُو َن َض ْل َة ُب ْن ُع َب ْد ِالله ِب ْن ِال ْح َار ِث ِب ْن ِح ِب َال ِب ْن ِر َبيع َِة َب ْن ِ ِِ ِِ دع ْبل ِب ْن ِأ َن َس ِب ْن ِخ ُز َي ْم َة َب ْن ِم َالك ب ْن ِس َلا َم َان َب ْن ِأ َس ْل َم َب ْن ِأ َف ْص َ ى، صاحب رسول الله، حدث ِِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أ َس ْل َم َ ق َديم ًا، و َش َه ِد َ ف َت ْح َ م َك ﱠة َ ، و َه ُو َ ال ﱠذي ق َت َل َ ع َب ْد َ ال ْع ُز ﱠى ب ْن َ خ َط َل ٍت َح ْت َ ِ ِِ ِِ ٍِ أ َس ْ ت َار ِ ال ْك َع ْب َة ي َو ْم َ ال ْف َت ْح ِل َم ﱠ ا أ َم َ ر الن ﱠب ِ ي صلى الله عليه وسلم بق َِت ْله، و َغ َز َا م َع َ ر َس ُ ول الله صلى الله عليه وسلم غ َز َو َ ات من ْه َا خ َيب َر، َﱡ ُْ ِ َِ س َك َن َال ْب َص ْر َة َ، و َل َه ُبه َا د َار ٌو َع َق ِب ٌ ، وغزا خراسان فمات بمرو، ت ُو ُف ﱢي َب َع ْد َأبي ب َك ْر َة َ، ر َو َى ع َن ْه ُ ِِِ ِِ ٍِ أ َب ُ و ال ْع َالي َ ة الر ﱢي َاحي ﱡ ، و َأ َب ُو ع ُث ْم َان َ الن ﱠه ْدي ﱡ ، و َأ َب ُ و ال ْمن ْه َال ِس َي ﱠار ُب ْن ُس َلا َم َة َ ، و َع َب ْد ُ الله ب ْن ُم ُط َر ﱢف، ِ ِ ٍِِ و َس َعيد ُب ْن ُج ُم ْه َان َ، و َالأ ْز َْر َق ُب ْن ُق َي ْس، و ٍ َع َب ْد ُ الله ب ْن ُب ُر َي ْد َة َ، و َال ْق َاسم ُب ْن ُع َو ْ ف الش ﱠي ْب َاني ﱡ ، ِ ِِ و َس َ عيد ُ ب ْن ُ ع َب ْ د الله ب ْن ِج ُر َي ْ ج ٍ وآخ َر ِين َ . ٢٦٨٢ . ابن / ينظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم، ٥ .٢٣٧/ ماكولا، إكمال الكمال، ١ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات، أو سبع غزوات، أو ثماني غزوات، وشهدت ِ تيسير ه، وإني إن كنت أراجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى ّّ ُ مألفها، فيشق علي(١) . وقال قتادة : إن أخذ ثوبه، يتبع السارق ويدع صلاته « (٢) . واستدلوا أيضا ً على جواز قطع الصلاة لدفع الضرر بما ثبت في الأثر عن جابر بن النعمان (٣) قال: كنت أصلي فوقعت شاة على عشاءنا تأكله فلم أقطع صلاتي، فذكرت ذلك لهاشم بن غيلان(٤) فقال لي: لو كنت ُ مكانك لقطعت صلاتي، وأحرزت عشائي(٥) . وقال جابر: سمعت هاشما ً يسأل سلمان بن عثمان(٦) عن رجل يصلي وقد (١) يصلح دليلا ً وقد ألمح إليه في عبارته. « المشقة تجلب التيسير » : لقاعدة (٢) ك» : حديث الأزرق بن قيس وفيه ُ ن ّ ا على شاطئ النهر بالأهواز فقد نضب عنه الماء فجاء أبو برزة على فرس، فصلى، وخلى فرسه فانطلق الفرس فترك صلاته وتبعها حتى أدركها فأخذها، ثم ٥٠٢ رقم ٣٧١٩ / ابن الأثير، جامع الأصول في أحاديث الرسول، ٢ .« جاء فقضى صلاته ٦٥/ قال: أخرجه البخاري، ٣ - .٢٢٢/ ٦٦ العمل في الصلاة. السالمي، المعارج، ١١ (٣)جابر بن النعمان بن العلي، (حي في: ٢٠٧ ه)، عالم وفقيه، عاصر الإمام عبد الملك بن حميد ( ٢٠٨ - ٢٢٦ ه)، وعاصر العالم هاشم بن غيلان وموسى بن علي، السالمي، تحفة . ١٣٥ . معجم أعلام الإباضية قسم المشرق، ترجمة: ١١٥ ، ص ٧٩ / الأعيان، ١ (٤)هاشم بن غيلان السيجاني أبو الوليد، (حي في: ٢٠٧ ه)، عالم فقيه، أحد كبار العلماء في القرنين الثاني والثالث الهجريين، من شيوخه: موسى بن أبي جابر، من تلاميذه: ابنه الشيخ محمد بن هاشم، والشيخ موسى بن علي، وسليمان بن عبد العزيز وطالوت السمؤلي، له رسالة في نصيحة ١٤٠ . البطاشي، إتحاف ،١٣٨ ،١٣٥/ الإمام عبد الملك بن حميد، السالمي، تحفة الأعيان، ١ ١٧٦/ الأعيان، ١ - . ١٧٩ معجم أعلام الإباضية قسم المشرق، ترجمة: ١٤٨٩ ، ص ٤٨٧ (٥) .٢٢١ ،٢٢٠/ السالمي: معارج الآمال، ١١ (٦)سليمان بن عثمان، أبو عثمان (حي في: ١٩٢ ه) قاض عالم فقيه، من عقر نزوى. من علماء القرن الثاني الهجري. كان قاضيا ً للإمام الوارث بن كعب الخروصي، ثم قاضيا ً للإمام غسان بن عبد الله، وكان من جملة المبايعين للإمام غسان سنة ١٩٢ ه. له أحكام مأثورة وآراء فقهية مشهورة. من مشايخه الشيخ موسى بن أبي جابر الأزكوي. ينظر: السالمي، تحفة ٦٢٩ . البطاشي، إتحاف الأعيان، ،٦٢١/ ١٢٠ . الشقصي، منهج الطالبين، ١ / الأعيان، ١ . ٤٢٨ . معجم أعلام الإباضية بالمشرق، ص ٢١٦ /١ روح حبا في الشمس، فوقعت عليه شاة تأكله، أيقطع صلاته ويطرد الشاة، أم ﱠ ًَّ يمضي على صلاته؟ قال سلمان: لا باس أن يقطع صلاته. :IÉcõdG ô«Z øe AGô≤ØdG ≈∏Y ¥ÉØfE’G ܃Lh »a `` 4 يعتقد كثيرا ً من الناس أن الفقراء لا يعطوا إلا من الزكاة، فإذا وجدت ُ أعطوا منها، وإلا فلا تلزمهم نفقتهم، وهذا فهم خاطئ للإسلام؛ لأن هناك موارد أخرى يمكن أن يعطوا منها، كالصدقات وغيرها، وذلك في حالة الاختيار، ويتأكد ذلك في حالة الاضطرار كالبرد والحر الشديدين، والجوع والعطش الشديدين، فيجب على المسلمين أن يكفلوهم ويرفعوا عنهم الضرر، وينقذوهم من الموت، وإلا يأثموا بهلاكهم، مثاله: إذا احتاج المصلي لثوب يستر به عورته للصلاة، فيجب على المسلمين أن يوفروا له ثوبا ً ليؤدي به واجب الصلاة، وإلا كانوا من الآثمين، وقد عبر ابن بركة عن هذه الحالة ّ فإن كان بيننا فقراء قد أضر بهم الجوع والبرد، ولم يكن » : وبين حكمها فقال ّﱠ على أحد منا زكاة، هل يلزمنا لهم غير الزكاة؟ وإن نحن تركناهم، هل نحن آثمون بذلك؟ قيل له: الواجب عليكم أن تواسوهم من أموالكم إن لم تكن عليكم زكاة، تدفعوا عنهم الضرر الذي بهم، وإلا كنتم آثمين، وكذلك إن كان أحد منهم متجردا ً متكشفا ً وليس عليه ما يستر به، ويصلي ولم يكن هناك ثوب يواريه، فيجب على المسلمين ستره ودفع ما يصلي فيه، وإلا كانوا « آثمين(١) . فالجوع والعطش والبرد والحر وانعدام الثوب للسترة أو السكن للمأوى، كلها أضرار تصيب الفقير والمسكين، خاصة في الظروف الاستثنائية، (١) .٦٠٠/ ابن بركة: الجامع، ١ كالحروب والزلازل والفيضانات، فيجب على المسلمين أن يهبوا جميعا ً ّ متضامنين، لإزالة هذه الأضرار عن الفقراء بالطرق الممكنة، ولا ينتظرون جمع الزكاة وبلوغ النصاب حتى يخرجوا حق الفقراء؛ لأن هذه الظروف مستعجلة لا تحتمل الانتظار، فلو قصرنا مساعدتهم على أموال الزكاة ربما َ هلك أغلبهم قبل وصول هذا الحق إليهم، وفي ذلك ضرر كبير يترتب عليه إثم عظيم. :Ö«©dÉH ™«ÑdG OQ »a `` 1 إذا دل ﱠ س البائع على المشتري بإخفاء العيب الموجود في السلعة عند التعاقد، فالشارع الحكيم يجيز له الرد بالعيب؛ لأن المشتري قصد بالشراء السالم الذي تندفع به حاجته على التمام، فكان له حق رد المبيع إذا تحققت شروط الرد بالعيب وهي: - أن يخفيه البائع. - وألا يكون العيب ظاهرا ً وقت العقد. - وألا يعلم به. - وأن ت ُرد به فور علمه بالعيب. َ وضابط العيب الذي ترد به السلعة، أن تنقص به عين المبيع أو منفعته نقصا ً يفوت به غرض صحيح على المشتري، أو تنقص به القيمة بما لا يتغابن الناس بمثل ه، كما إذا ظهرت الدابة المشتراة عمياء أو عرجاء، أو العقار وقفا ً للمسجد أو ليتيم. ولكن إذا ظهر عند المشتري عيب جديد امتنع رد المبيع بالعيب القديم، لتضرر البائع بالعيب الحادث، إلا أن يرضى أو يرضى المشتري بالعيب القديم إذا كان على وفق ما يناسب مصلحته، ويحقق هدفه من غير ضرر ولا ضرار(١) . ِ - وحكم هذا البيع موقوف، قال ابن بركة : وأما البيع الغشي، وكتمان » ّ « العيب وما كان في معناهما، فموقوف على رضى المشتري له(٢) . (١) . عزام عبد العزيز محمد، قواعد الفقه الإسلامي، ص ١٦٠(٢) .٣٧٢/ ابن بركة: الجامع، ٢ ويضيف بيانا ً والبيع الآخر هو الذي حق للمخلوق، ويجوز » : لهذا المعنى ّ ما أجازه صاحب الحق من المتبايعين، وهو نحو الضرر، ويدلس العيب وما كان في معناهما، فهو بيع وقع في وقته صحيحا ً وللمشتري رده إذا وقف على عيبه، وما انكتم عليه منه مما هو حق له، وإن اختاره ورضي بعيبه كان ذلك جائزا ً « ، والإثم على البائع إذا علم بالعيب فكتمه(١) . والدليل على أن البيع وقع في وقته صحيحا » ً : أن الملك بعد العلم بالعيب لا يحتاج إلى عقد ثان، ولو كان غير صحيح لكان للبائع أن يسترجعه إذا لم يكن البيع ملك عليه، ويحتاج إلى عقد ثان غير الأول يقع المبيع به صحيح، « وهو في معنى الخيار والبيع الموقوف على رضى المشتري(٢) . ولا يشترط الإباضية مدة ً لرد ّ فمن اشترى سلعة فوجد بها عيبا » العيب ً كان له الرد، قصرت المدة أم طالت، ومن اشترى ثوبا ً فقطعه قميصا ً ثم وجد به عيبا ً ، لزمه البيع، وكان له أرش العيب، وقال بعض الإباضية له رد القميص « على بائع الثوب ويرد ما نقصه القطع(٣) . فالشارع الحكيم لما شرع الرد بالعيب قد رفع الضرر عن المشتري؛ لأنه لو منع ذلك لكان البائع مستفيدا ً بالثمن، والمشتري متضررا ً بالعيب الذي حرمه الانتفاع بالمبيع. وقد أكد الثميني موقف الإسلام من منع الغش، وكتمان العيب في وعلى أهل الأسواق أن لا يحدثوا فيها » : البيع لما فيه من المضرة فقال ِ مضرا في نقص العيارات والموازين، أو كتم العيوب والغش، كإظهار ُ ًّ « الحسن وإخفاء القبيح(٤) . (١) .٣٥٥/ ابن بركة: المصدر نفسه، ٢(٢) .٣٥٦/ المصدر نفسه، ٢(٣) .٣٥٠/ نفسه: ٢(٤) . الثميني: الورد البسام، ص ١٢٠ :QÉ«îdG ™«H »a `` 2 عر ّ ف القطب بيع الخيار: بأنه ب َي ْ ع ٌ و ُق ﱢف َ ب َت ﱡ ه ُ أ َو ﱠلا ً ع َل َ ى إم ْض َ اء ٍ ي ُت َو َق ﱠع ُ (١) ، وعرفه أبو غدة بأنه طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الفسخ لظهور مسوغ َْ شرعي، أو بمقتضى اتفاق عقدي(٢) . من خلال هذا التعريف يتبين لنا أن الشارع الحكيم قد شرع الخيار لحكمة جليلة، وهي حاجة المتعاقدين إلى التروي، ليندفع الغبن ضمانا ً لرضا ﱢ المتعاقدين، وحفظا ً لمصلحتهما، ودفعا ً للضرر الذي قد يلحق أحدهما، فالخيار مشروع للضرورة أو الحاجة، غير أن ّ الفقهاء قيدوه بشروط تحفظ للعقد قيمته، فلا يكون عرضة للنقض والإبطال بدون سبب صحيح(٣) . وهو و» : محل خلاف بين الفقهاء ويشير الثميني إلى ذلك في عبارته َ ه َ ل ْ ه ُ و َ ر ُ خ ْ ص َ ة ٌ ِ ِِِ ِ ِِْ َِِِْ ً لاستث ْن َائه من ْب َيع الغ َرر و َح َج ْ ر الم َبيع؟ خلاف ٌ«(٤) ه» : قال القطب معلقا عليه ُو َْْ َ ِِِ ِِ ِِِ ه ُن َا أ َن ﱠه ُلا َي َد ْر ِ ي لم َن ْي َصير ُ إل َي ْه ... و َو َج ْه ُك َو ْنه ر ُخ ْص َ ة ً ، أ َي ْفيه غ َر َر ٌ إذ ْ ال ﱠذي ِِ ِ ِ ِ َِِ ش َرط َعل َيه الآخر ال ْخيار لا َيد ْري هل يرجع إل َيه ال ْمبيع أو لا َيرجع إن ْك َان َ َ َْ َُ ََ َ ََُْْْ َ ُْ َُْ ِ ِِ ب َائع ًا؟ و َلا َي َد ْر ِ ي ه َل ْي َث ْب ُت ُل َه ُأ َو ْلا َ ؟ إن ْك َان َم ُش ْت َر ِيا ًو َك َان َال ْم ُش ْت َر ِط ُ ، ال ْب َائع َو َإن ﱠ ِِ ِِِ ِ ِِِِ ِِ فيه ح َج ْر َال ْم َب ِيع، أ َِي ْم َن ْع ُه ُمن ْالان ْتف َاع ِبه ِ ، و َالت ﱠص َر ﱡف فيه في م ُد ﱠة ال ْخي َار ِم َا ل َم ِْ ِِ ِِِ ِ ِِِ يق ْبل أ َ و يرد ﱠ إن ْ اش ْت َرط َ ال ْبائع، ف َهو مانع لل ْمش ْت َر ِ ي من الان ْتف َ اع ِ به ِ والت ﱠصرف فيه، َََُْْ َ ٌَََُُُ ْ ََﱡ ِِ ِ ِِِِِِ ِِ ٍ وإن اشترط َ ال ْمشتري ف َهو مانع لل ْبائع ِمن ذ َلك، وقيل: جائز عزيمة ً غ َير رخصة َ ََْ َُْ ٌََُ َ ْ َ ََ ٌَََ ََُْْ ِِ ِ ِ ِِِِ«(٥) لأ َ ن ﱠ ال ْمؤمنين عل َ ى شروطه ِ م وق َ د ف ُتح ل َهم باب الشرط في سائر ِ أ َمر ِهم . ََُْ ُُ َََُُْْْﱠْ َ ْْ (١) .٩٩/ أطفيش: شرح النيل، ١٧(٢) أبوغدة عبد الستار عبد الكريم، الخيارات وأثرها في التصرفات، رسالة دكتوراه مقدمة لكلية . الشريعة والقانون بالقاهرة، ١٩٧٥ ، ص ٣(٣) أشرف الخطيب، خيار النقد وتطبيقاته في الفقه الإسلامي، رسالة دكتوراه مقدمة لكلية . الشريعة والقانون بالقاهرة، ١٤١٨ ه / ١٩٩٧ م، ص ٢٩(٤) .٩٩/ أطفيش: شرح النيل، ١٧(٥) .١٠١/ أطفيش: شرح النيل، ١٧ ويبين السالمي أن ّ الحكمة الشرعية من تشريع الخيار في البيوع؛ لئلا يغبن ﱢ الشاري(١) . ويقسم الفقهاء بيع الخيار إلى أنواع وهي: خيار الشرط، وخيار المجلس، وخيار النقد، وخيار الرؤية، وخيار التعيين، وخيار التغرير، وخيار الزوجة، ولكن الإباضية لم يصرحوا بهذه الأنواع، ولعلهم يقولون بخيار الشرط وخيار التغرير، وهذا ما يستنتج من عباراتهم(٢) . واستدلوا على جواز بيع الخيار بقوله صلى الله عليه وسلم : « البيعان بالخيار ما لم ي فترقا »(٣) . قال ابن بركة : والبيع في اللغة » ّ «(٤) يقتضي بائعا ً ومشتريا ً ومبيعا ً . قال بعض مخالفينا التفرق » : ويضيف بعد أن ذكر الحديث المتقدم بالأبدان، وقال بعض أصحابنا التفرق عن البيع بالقول، قال تعالى: ﴿ [ ^]\ _`a ﴾ (ال نساء: ١٣٠ ( . .« فاعتبر أن التفرق بالقول وقد سئل السالمي عن الافتراق من قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور، والافتراق المذكور بالكلام أم بالأبدان على الأصح في المذهب، فقال: المذهب أن الافتراق تمام الصفقة، وصرح بذلك أبو عبيدة 5 (٥) . واختاره ِِِِ ِِ و» : القطب فقال َال ْم ُت َب َايع َ ان بال ْخ ِي َ ار م َا ل َم ْي َف ْت َرق َا م َع ْن َاه ُبالص ﱠف ْق َة ِع ِن ْد َن َ ا «ِ (٦) لا بالأ ِ ب َْد َ ان . (١) .٦٦/ السالمي: العقد الثمين، ٤(٢) . ٢٧ و ٦٦ / ١٤٩ . السالمي، المصدر نفسه، ٤ / ابن بركة: الجامع، ٢(٣) رواه الربيع بن حبيب، في مسند الجامع الصحيح، كتاب البيوع، باب في بيع الخيار وبيع الشرط، رقم: ٥٦٨ ، عن ابن عباس، والبخاري، كتاب البيوع، باب كم يجوز الخيار، رقم: ﱠ ٢٠٠٣ ، عن ابن عمر. والبخاري بلفظ: «... البيعان بالخيار ما لم يتفرقا » ، كتاب البيوع، باب ١، عن حكيم بن حزام. إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا، رقم: ٩٨٩(٤) .٣٤٩/ ابن بركة: المصدر نفسه، ٢(٥) .٢٧/ السالمي: العقد الثمين، ٤(٦) .٣٧٣/ أطفيش: شرح النيل، ١٤ ومن عبارته نستنتج أن الإباضية لا يقولون بخيار المجلس؛ ولعلهم لا يربطون تمام العقد بترك مجلس العقد عند افتراق الأبدان، ومهما يكن من أمر فإن المعتبر هو إتمام العقد سواء تم في المجلس أو بعده، والخلاف يدور حول خيار البيع؛ لأنه يجعل البيع موقوفا ً ، ولذلك اختلف الفقهاء في تحديد مدة الخيار؛ فقيل ثلاثة أيام وقيل أكثر، إلا أن الإباضية لم يحددوا وقتا ً معينا ً ّ لنهاية الخيار. والخيار في البيع جائز إذا اشترطه أحد » : يقول ابن بركة في هذا الصدد المتبايعين إلى غير مدة، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : « المسلمون على شروطهم »(١) ، ولم يختص وقتا ً من وقت، والمدعي أن الشرط في الخيار لا يجوز فوق ثلاث « محتاج إلى دليل(٢) . وقال السالمي : وأما الدليل على ثبوت المدة فما نقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر » البائع أن يجعل الخيار للمشتري في بعض المواطن إلى ثلاثة أيام(٣) ، وليس الثلاثة حد ّ ا ً لا يزاد عليه وإنما هو موافقة حال، فإنه إن جاز إلى ثلاث جاز إلى أربع، وكذلك إلى سنة وإلى سنتين إلى غير ذلك، والحكمة في التوقيت الرفق (١) ، رواه البيهقي في الكبرى، كتاب الشراكة، باب الشرط في الشركة وغيرها، رقم: ١١٢١٢ والترمذي، كتاب الأحكام، باب ما ذكر من الصلح بين الناس، رقم: ١٣٥٢ ، عن عمرو بن المسلمون على » : ورواه الحاكم بلفظ .« حديث حسن صحيح » : عوف المزني، وقال ٢، عن أبي هريرة. كتاب البيوع، رقم: ٢٥٠ ،«... شروطهم، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا » ، وزاد أحمد ؛« الصلح جائز بين المسلمين » : وأبو داود بلفظ ً أحل ﱠ حراما ً ، أو حرم حلالا ً وزاد سليمان بن داود، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛« : « المسلمون على شروطهم » ، كتاب ٣، عن أبي هريرة. الأقضية، باب في الصلح، رقم: ١٣٧ (٢) .٢٤٩/ ابن بركة: الجامع، ٢(٣) لعله يشير إلى حديث أخرجه الدارقطني في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يخدع في الشراء: إذا بعت فقل لاخلابة ثم أنت في كل سلعة تبتاعها بالخيار ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك، »« وإن سخطت فارددها على صاحبها . .٥٥/٣ ، ينظر: حديث رقم ٢٢٠ بالبائع والمشتري، وذلك أن في ثبوت الخيار قبل انقضاء المدة رفقا ً بهما، وفي انقضاء المدة رفق بالشاري، إذ لا يتم له التصرف المطلق إلا بعد انقضاءها، لذلك اشترط تعيين الوقت والساعة؛ لأن فيها انتقال الأملاك، « فوجب ضبطها بالتعيين(١) . وذهب بعض الفقهاء إلى ضرورة تحديد مدة الخيار اعتمادا ً على ظاهر حديث المصراة، وقد نقل الشيخ أطفيش هذه المسألة وأشار إلى الخلاف فيها، و)» : ورجح القول بعدم لزوم التزام مدة الخيار وصححه فقال َم ُد ﱠت ُه ُ(، أ َي ْ م ُد ﱠة ُ ِ ِِ ِ ِِِ ِ ِِ ٍََ َ خي َ ار ال ْب َاب، (عن ْد َ ال ْم ُجيز) ل َه ُ (ه َل ْ ) هي َ (ث َ لاث َة ُأي ﱠام) لا َأق َل ﱠو َلا َ أك ْث َر َلق َو ْله صلى الله عليه وسلم ِِِ ِ ِ ِِ ف ي ح َديث ال ْم ُص َ ر ﱠ اة : و» َالن ﱠظ َر ُإل َ ى ث َلاث ََة أ َي ﱠام «ٍ (٢)، و َه ُو َ م َذ ْه َب ُ الش ﱠ اف عي ﱢ و َأ َبي ِ ِ َِ ِ َِْ ٍََِ َ حنيف َة َ ، وذلك َفيما يق ْبل ُ الت ﱠأخير إلى ث َلا َث َ ة أيام وأما ما لا يق ْبل ُه ُف َت ُجعل ُمد ﱠت ُه ُ َ َ َََ َ ﱠَﱠَ ََ َُْ ِ ِ ِِِِ ِِ عن ْد َه ُم َا د ُون َالث ﱠلا َث َة، و َب َع ْض ُ الظ ﱠاهر ِي ﱠة ي َم ْن َع ُال ْخي َار َفيم َا ي َف ْس ُد ُد ُون َالث ﱠلا َث َة، لأن َﱠ ِ ِ ٍِ ِِِِ ال ْخي َار َلا َي َث ْب ُت ُعن ْد َه ُأ َق َل ﱠمن ْث َلا َث َة، و َال ْح َق ﱡأ َن ﱠال ْح َديث َلا َد َليل َفيه ع َل َ ى أ َد ْن َ ى ِ َِِِِ َِِ ِِ ِِِ ِِ ال ْمد ﱠة ولا َ عل َى أك ْث َرها لخيار ال ْباب، لأن ﱠ ال ْمد ﱠة َفيه ل َيست باختيار ال ْبائعين بل ُ ََ َ ََ ُ َََََْْْْْ ِ ٍِِِ ِ ح ُك ْم لا َز ِم ٌو َر َد َمن ْالش ﱠار ِع، و َِال ْك َلا َم ُإن ﱠم َا ه ُو في مد ﱠة ي َت ﱠفق َ ان ع َل َيه َا، و َا َل ﱠذي ٌ َُْ ِِِِِ ِ عن ْدي أ َن ﱠ الش ﱠ اف عي ﱠو َأ َب َا ح َنيف َة َي َق ُول ُون َ: أ َك ْث َر ُال ْم ُد ﱠة ث َلا َث َة ُأ َي ﱠ ام ٍو َي َج ُوز ُم َا د ُون َه َ ا ِ ِِ ِِ (أ َو ْ ( الث ﱠلا َث َة ُ (هي أ َد ْن َاه َ ا)، أ َي ْأ َد ْن َ ى م ُد ﱠة ال ْخيار ِ (و َأ َك ْث َره َ ا إل َ ى م َ ا ي َف ْسد ُفيه (، و َل َو ْ َ َُُ ِ ِ ِِِ ك َان َأ َك ْث َر من عمر ِال ْمش ْت َر ِ ي أ َو ال ْبائع، ف َِيك ُون ُوار ِث ُال ْميت بم ِق َامه، وق َول ُه ُ :إل َ ى َُُْْ َََْ َﱢَ َْ (١) .٦٦/ السالمي: العقد الثمين، ٤ (٢) متفق عليه، رواه البخاري كتاب البيوع، باب: إن شاء رد المصراة وفي حلبتها صاع من تمر حديث: ٢٠٦٢ . ومسلم، كتاب البيوع، باب حكم بيع المصراة حديث: ٢٨٨٢ عن أبي هريرة 3 من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء أمسكها، » : بلفظ قال من اشترى شاة مصراة فهو بخير » : وفي رواية « وإن شاء ردها، ورد معها صاعا من تمر كتاب البيوع، باب حكم « النظرين، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعا من تمر، لا سمراء بيع المصراة حديث: ٢٨٨٤ . ِ َِِِ ِِ ِِ ِ إل َخ ْه ُو َبخ ُر ُ وج ال ْغ َاي َة، و َهي َأو ﱠل ُال ْو َق ْت ال ﱠذي ي َف ْس ُد ُفيه، و َد ُخ ُ ول م َا ق َب ْل َه َ ا، ِ َِِ ِ ِِِ و َه ُو َ آخر ُم َا ي َص ْل ُح ُفيه، و َل َع َل ﱠأص ْح َاب َه َذ َ ا ال ْق َو ْل ت َر َاء َ ى ل َه ُم ْمن ْح َديث ِ ٍِِ ِِ ال ْمصراة: أ َن ﱠ الثلا َ ث َة َ أ َق َ ل مدة يختار فيها الإ ْ ن ْسان ُ الشيء ال ْمبيع، وق َ د علمت أ َن ﱠ َُﱠ ﱠ ﱡُﱠََُْ َ َ ﱠَْ ََ َََْْ ِِ ِِِِ ِِِ ِ ال ْح َ ق أ َن ﱠه ُلا َد َليل َفي ال ْح َديث ع َل َ ى ال ْقل ﱠة ولا َ ال ْك َث ْرة لخيار ِال ْباب، وإ ِن ﱠما ه ُو ﱠ َ َََ َََ ِِِِ ِِ ِ ٍََ ت َو ْسيع ٌلم ُش ْت َري ال ْم ُص َر ﱠاة إل َ ى ث َلا َث َة أي ﱠام ف َق َط ْ ، (أو ْ) م ُد ﱠت ُه ُ(م َ ا ات ﱠف َق َا ع َل َي ْه) من ْ ِِ ال ْمدة ، وهو الصحيح .« ُﱠََُﱠ ُ ولم يأخذ الإباضية بخيار التعيين، وإنما اشترطوا أن ت ُ عين السلعة وتحدد ﱠ في العقد، ثم يترك له الخيار في إمضاء العقد أو فسخه، يقول السالمي في هذا ِ وأما تعيين المبيع فلكون البيع لا يقع على غير معلوم، ولا سيما بيع » : المعنى ْ « الخيار فإنه أشد(١) . ومن صور بيع ا لخيار: إذا باع أحد مزرعته بالخيار ثم مات وأراد بعض أولاده أن يفدي نصيبه، أي يرد الثمن للمشتري ويسترد نصيبه من المزرعة، فامتنع المشتري وقال لا أرضى إلا أن تفدى كلها جملة، أله حجة في ذلك أم لا؟ وهل يحكم على باقي الورثة أن يفدوا نصيبهم لأجل أخيهم أم لا؟ أجاب السالمي عن هذه المسالة أنه إذا شاور هذا الوارث المشتري كان له ذلك؛ لأن الضرر وقع عليه، وإن لم يشاوره بل نقض البيع واختار نصيبه فإنه ينتقض كله، وعلى شركائه من الورثة تسليم حصصهم؛(٢) لأنه لا ضرر » « و لا ضرار ، فالوارث محتاج إلى نصيبه من المزرعة، فلو امتنع المشتري من قبول الفداء لحقه الضرر، ولو امتنع شركاؤه من تسليم حصصهم من الفداء لتضرر كذلك، فلا بد من رفع الضرر عنه وذلك بقبول المشتري الفداء ولو جزئيا ً وقبول إخوته الورثة دفع نصيبهم من الفداء لاسترجاع مزرعة أبيهم. ّ (١) .٦٦/ السالمي: العقد الثمين، ٤(٢) .٧٨/ السالمي: المرجع نفسه، ٤ :ôjô¨àdG QÉ«Nh Qô¨dG ´ƒ«H »a `` 3 وكذلك لا ينبغي إلحاق الضرر بالمشترى، فربما تلك المزرعة لا تقبل القسمة، فإما يأخذها كاملة أو يردها، أما التجزئة فقد تسبب له ضرر، فيجب حينئذ أن يجبر الورثة على دفع حصصهم حتى يتمكن أخاهم والمشتري من استيفاء حقهم كاملا .ً وقد يتساءل البعض لماذا يجبر شركاءه من دفع حصصهم، فلربما ِ لا يستطيع بعضهم فعل ذلك فيتضرر بدفع ما لا طاقة له به؟ ْ إذا كان الخيار لجملة فأراد أحدهم » : فيجيب السالمي على هذا الاعتراض فداءه له، نقض الخيار ما دامت المدة باقية، وإذا نقض أحد الشركاء الخيار « انتقض البيع كله؛ لأنه كان في صفقة واحدة(١) . وحتى لا نرفع الضرر عن فإن الإخوة الورثة ،« لا يزال الضرر بالضرر » البعض ونضر به غيره، لأنه يتضامنون فيما بينهم ويدفع القادر عن العاجز، ويكون ما دفعه عنه دينا ً في ذمته حتى يستوفيه، وبذلك يزول هذا الضرر عن الجميع والله اعلم. والحكمة من هذا التحديد كله: رفع الضرر عن المتعاقدين؛ لأنه لا ضرر » « و لا ضرار . بيع الغرر: هو ما لا يضبط المتبايعان مقداره في حال مبايعتهما فيه، كبيع الجزر في الأرض، والبصل في حال استتاره في الأرض، وبيع السمك غائبا ً في البحر، واللبن في ضرع الشاة أو البقر أو الناقة(٢) . ِ ويفيد الغش والخديعة والتدليس معنى الغرر، قال القطب : وال » ْغش وال ْغ َرر َ ﱡَ َُ ِِ ِ و َال ْخ َديع َة ُو َالت ﱠد ْليس ُم ُت َق َار ِب َة ُال ْم َع ْن َ ى... و َي ُس ْت َع ْم َل ُال ْغ َر َر ُو َال ْغش ﱡبم َِع ْن ً ى غ َي ْر ِم َ ا ِِ ِ ذ ُكر َك َم َا ي َأت ْي، و َي ُس ْت َع ْم َلا َن بم َِع ْن ًى، و َي ُس ْت َع ْم َل ُال ْغ َر َر ُبم َِع ْن ًى ي َع ُم ﱡه ُم َا ف َه ُو َأ َع َم ﱡ ، (١) السالمي: نفسه. (٢) .٦٢/ ٣٧٢ بتصرف. أطفيش، شرح النيل، ١٤ / ابن بركة: الجامع، ٢ ِ أ َن ْ ال ِ ْغ َرر ِ ما لا َ يعل َ م وجوده أ َ و عدمه أ َ و لا َ ت ُعل َ م ق َ َ ََُُُُُُُُْْْ ُْ ل ﱠ ت ُه ُ أ َ و ك َ ث ْرت ُه ُ أ َ َْ و ْ و َي ُح ْت َم َل ُ ي ُراد َ ب َ ِِِِ ِ ِِ ه ك َط َائر ٍفي ال ْهواء إن ْباعه مالك ُه ون َحو ِذ َلك َ ، وال ْغش ت َصوير ِ ََ ََََُُْ َ ﱡْ ِ ث ءما ل ك ال يع غ ا أ ا... ف لا َ ي ُت َي َق ﱠن ُ ال ْ ق ُ د ْر َة ُ ع َ ل َ ي ْ ِ ال ْ ق َ ِ ب يح ِ ِِ ف ُ ي صورة َُ ن ال ْ َِ أ حسن ََ ير الش ﱠ ي ُْ ِِ ن ذ َ ِ َ ْ و ت َك ْ ْ ِ ة ُ ب َ يس م َْ ْ ه ون َحو َُ ُْ ل ، و َ خ َ د َ َ ِ ِ َ أ ن ْ َ لا َ يعل َ م ويط ْل َ ق ال ْ ََُُْ ُ ذ َ ال ْ ل َ َ ي َض ُ ره ُم ﱠ غ و َ ال ْ ِ إيق َ ش ﱡ ح َيث ُ ْ ش ﱡ ع َ ى ه َ ي ْض ً غ َر َر ُ الت ﱠح َي ﱡل ُ ، ْ اع ُه ُب ِ ذ َ ل َ الت ﱠحيل َﱡ يما ي َ ْ ِِ ِ ِِ ك ف ك ل ُ ، من ُْ َ أ ك ْ ل ِ مال َ ِ ِِ الناس ِبال ِ ْباطل، و ِ م ﱠََ ن ْ الظ ﱡل ْ م ره ... والغ َرر مع َُ َََُ وم الن ﱠهي ُْ الن ﱠهي عن ْ َْ ْ ، و ِ َ عن َْ ال ْ مك ْ َ ِ ر و َ ال ْ ِ ح يل َ «ِ (١) . :Qô¨dG ´ƒ«H Qƒ°U øe أ تلقي الأجلاب وبيع الحاضر ل لباد: ثبت في السن ﱠ ة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر والخداع والغش في البيع(٢) ، ﱡ فلا يظهر البائع للمشتري حقيقة سلعته، كأن يخفي عيوبها، وحكمة النهي هي: منع الضرر؛ لأن البائع يغر المشتري، فيبتاع السلعة فيجد فيها عيبا ً ولا ينتفع ّ بها، والقاعدة تقرر أن لا ضرر ولا ضرار » « ، ويشير الثميني إلى علة النهي عن و» : الغرر فيقول َر َد َن َه ْي ُ ال ْغ َر َر ِلل ِْج َه ْل، ِ إم ﱠ ا بص ِ ِف َة ِث َم َ ن ٍأ َو ْم ُث َم ﱠن، أ ٍ َو ْبق َِد ْر ِه، أ ِ َو ْ ِ ِ ِِِِ أ َج َله ِإن ْأ َج ﱠل َ ، أ َو ْبو ُِج ُوده، أ ِ َو ْت َع َذ ﱡر ِال ْق ُد ْر َة ع َل َي ْه و َإ ِب ْق َائه « (٣)ولا شك أنها أمور تلحق الضرر بأحد المتبايعين. وقد وردت في كتب السن ﱠ ة أحاديث عديدة ﱡ تتحدث عن صور بيع الغرر من ذلك: (١) ٦١/ أطفيش: شرح النيل، ١٤ - .١٩٠ ،٦٣ (٢) مجموعة أحاديث، رواه مسلم، كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة، رقم: ١٥١٣ ، عن أبي والربيع، كتاب البيوع، باب في الربا والانفساخ والغش، رقم: .« الخديعة » : هريرة. دون لفظ ﱢ ٥٨٢ ، ص ٢٣١ ، عن ابن عباس. والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية الغش في ﱠ وفي الباب عن ابن عمر، وأبي الحمراء، وابن عباس، وبريدة، » : ١، وقال البيوع، رقم: ٢٧٣ وأبي بردة بن نيار، وحذيفة بن اليمان: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل على .« هذا عند أهل العلم كرهوا الغش، وقالوا: الغش حرام(٣) .١٨٩/ أطفيش: شرح النيل، ١٤ -ما روي عن عبد الله بن عمر 3 نهى أن تتلقى » عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه « الأجلاب، وأن يبيع حضري لباد(١) . وجه الاستدلال ب الأحاديث: معناه هو ما نهى عنه من الخديعة » : يقول ابن بركة في بيان معنى الحديث والغرر، وأن خديعة المسلم محرمة، وذلك أن الرجل والقوم يبلغهم أن الركب قد أقبلوا فيلقاهم، فيخبرهم بكساد الأسواق فيشتري منهم ما لا يعرفون سعره في البلد، فيكون هذا غرر منه. ومعنى قوله لا يبيع حضري لبادي هو: أن الرجل والجماعة من أهل القرى يلتقون بالجماعة فيسألون البيع، ويتحكمون على أهل البلد بالأثمان التي يريدونها، فقال صلى الله عليه وسلم : « ذروا الناس ينتفع بعضهم من ب عض »(٢) . فهذا وجه « تأويل الخبر(٣) . (١) رواه ابن ماجه، كتاب البيوع، باب النهي عن تلق ،« نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الأجلاب » ﱢ ي الجلب، رقم: ٢١٧٨ ، وأحمد، مسند المكثرين من الص ﱠ ٢٨٤ رقم: / حابة، مسند أبي هريرة، ٢ .١٤٧/ مجمع الزوائد، ٤ .« رجال أحمد رجال الصحيح » : ٧٨١٢ ، عن أبي هريرة. قال الهيثمي ، رواه الربيع، كتاب البيوع، باب ما ينهى عنه من البيوع، رقم: ٥٦٢ « ولا يبيع حاضر لباد » ، عن أبي هريرة. وأبو داود، كتاب الإجارة، باب في النهي أن يبيع حاضر لباد، رقم: ٣٤٤١ ١٦٣ ، عن /١ ، وأحمد، مسند العشرة المبشرين، مسند طلحة بن عبيد الله، رقم: ١٤٠٤ ٢٣٣ . ورواه الطبراني / مجمع الزوائد، ٣ .« رجاله رجال الصحيح » : طلحة. قال الهيثمي في المعجم الكبير، من اسمه عبد الله، ومما أسند عبد الله بن عمر ^ ، مسلم الخياط، رقم: ١٣٠٥٨ . ٢، عن ابن وابن الجعد في المسند، ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري، رقم: ٣٤٠ كتاب البيوع، باب من ،« نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد » : عمر؛ ورواه البخاري بلفظ ٢، عن عبد الله بن عمر. كره أن يبيع حاضر لباد بأجر، رقم: ٠٦٩ (٢) أخرجه أبو داود في السنن، كتاب البيوع، أبواب الإجارة، باب في النهي أن يبيع حاضر لباد، حديث: ٣٠٠٢ بلفظ عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يبيع حاضر لباد وذروا الناس » « يرزق الله بعضهم من ب عض . وصححه الألباني. (٣) .٣٢٣ ،٣٢٢/ ابن بركة: الجامع، ٢ ِ ٍِِ وف ي بيع » : ويؤكد القطب أطفيش هذا المعنى بقوله ِح َاضر ٍلباد، وال ْغ َبن َ َْ َ َُْ ع َل َ ى ال ْح َاض ِر ِال ْم ُش ْت َر ِ ي أ َو ْال ْب َائع ِ ، ِإذ ْبيع َِل َه ُبأ ِك َْث َر َم ِم ﱠا ي َش ْت َر ِ ي به ِِل َو ْخ ُل ﱢي َب َي ْن َه ُ ِِِِ ِِ ِِ وبين ال ْبادي ، وفي الاحتك َار ِوال ْغ َبن ِواقع عل َ ى ال ﱠذي يشتر ِ ي من ال ْمحتكر ِبعد، ََََْ َ ْ َْ ٌََ ََْ ْ َُْ َُْ ِ ِِِْ َْ ََِِِِْ ِِ وفي الن ﱠج ْ ش والغ َبن واقع ٌع َلى الم ُش ْت َري الم َزيد ع َليه، وأوض َح ُما ي َت َباد َر ُفيه َ ََْ َْْ ََ ِِ َ ِِِِ ال ْغ َبن ت َل َق ﱢ ي الرك ْبان ، ولا َ سيما إن ْأخ ْبره ُم بك َساد السوق، ف َإن ﱠه ُغ َرر «...(١) . ُْ ﱡََﱠَ َََْ ﱡ ٌَ وسئل السالمي هل يمنع بيع الحاضر للبادي لقوله صلى الله عليه وسلم : لا ي بيعن حاضر » ّ « لباد(٢) أم هو جائز؟ ويعارض الحديث بدليل آخر ولعلكم تخيرونه عند الضرورة؟ لا يجوز بيع حاضر لباد لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولا معارض لهذا » : فقال النهي، ولا يصح لمسلم أن يخالف نهيه صلى الله عليه وسلم ، فكيف لي أن أجيز ما نهى « عنه صلى الله عليه وسلم ؟ هذا لا يصح ولا أرضاه لنفسي ولا لغيري(٣) . وذكر ابن بركة أن الشافعي يجيز بيع الحاضر للبادي، وله حق الاختيار إن وجد أنه باع له بأنقص من ثمنه، ولكن الإباضية منعوا ذلك؛ لأن فيه غرر، فإذا وقع البيع فهو فاسد، ولا خيار فيه؛ لأن في إثباته إقرار للضرر، و لا ضرر » « ولا ضرار وكان الشافعي يرى أن » : فوجب إزالته، وهذا ما أكده ابن بركة بقوله للبائع إذا تلقى جلبه فاشترى منه بأنقص من ثمنه الخيار، إن شاء أجاز، وإن نقص انتقض، وهذا قول يسوغ تأويله في النفس، ويعجبني أن يكون كل غرر يذهب له ماله هذا طريقه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر، وقال: « خديعة المسلم محرمة »(٤) . (١) .٣٠٦/ أطفيش: شرح النيل، ١٤ (٢) ٢، عن عبد الله بن رواه البخاري، كتاب البيوع، باب النهي عن تلقي الركبان، رقم: ٠٧٣ وابن ،« لا يبيعن حاضر لباد، ودعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض » : عباس؛ وروي بلفظ حبان، كتاب البيوع، باب البيع المنهي عنه، ذكر الزجر عن أن يبيع المرء الحاضر للبادي من ٥، عن جابر بن عبد الله. الأعراب، رقم: ٠٣٧ (٣) . ٢٧ . الثميني، الورد البسام، ص ١٢٠ / السالمي: العقد الثمين، ٤(٤) رواه ابن ماجه، كتاب التجارات، باب بيع المصراة، رقم: ٢٢٤١ ، وأحمد، مسند المكثرين ﱠ من الص ﱠ ٤٣٣ ، رقم: ٤١٢٥ ، عن ابن مسعود، بلفظ: / حابة، مسند عبد الله بن مسعود: ١ لا » = ويروى أن رجلا ً قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني رجل أخدع في البيع فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إذا بايعت فقل: لا خلابة »(١) . ومعنى الخلابة الخديعة، وكل بائع خ َ دع مشتريا ً في بيعه أو مشتريا ً خدع بائعا ً فيما ابتاعه منه كان عاصيا ً ، والبيع فاسد لنهي النبي صلى الله عليه وسلم(٢) المسلم أخو المسلم لا يضره ولا يغره ولا يخدعه » « (٤) (٣) ولا يمكر به ولا يخونه ولا يغشه، وهم كالبنيان يشد بعضه ب عضا ً .. مناقشة الأقوال مع ا لترجيح: وأما الخبر الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي » : يقول ابن بركة في هذا الصدد عن تلقي الأجلاب، وأن يبيع الحضري للبادي، ومنه أنه قال صلى الله عليه وسلم : ذروا الناس » « يرزق بعضهم من ب عض(٥) ، وفي رواية أخرى قال أصحابنا : البيع والشراء مع النهي ثابتان، والذي تقوم من أخبارنا أقرب إلى النفس وأشبه بأصولهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك لما ذكرنا من الرواية؛ لأن الحضري يتحكم على الناس بمال غيره ويتربص به، والبدو يبيعون بما يرزقون من الش ﱠ « عر ويتصرفون(٦) . ُ = « خلابة ولا خديعة لمسلم . فيه جابر الجعفي مت ﱠ هو مع هذا كل » : هم. قال ابن عدي ﱢ ه أقرب إلى .١١٩/ الكامل في الضعفاء، ٢ .« الضعف منه إلى الصدق(١) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب ما يكره من الخداع في البيع، رقم: ٢٠١١ ، ومسلم، كتاب ١١٦٥ ، عن ابن عمر. /٣ ، البيوع، باب من يخدع في البيع، رقم: ١٥٣٣(٢) .٣٢٣/ ابن بركة: الجامع، ٢(٣) لم نقف على تخريجه بهذا اللفظ، وإنما ورد مفرقا ً المسلم أخو المسلم » : وبصيغ مقاربة، منها رواه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ،« لا يظلمه ولا يسلمه ٢، عن عبد الله بن عمر، وبلفظ: ولا يسلمه، رقم: ٣٣٠ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد ب ع ضه بعضا » ً« ٢، عن أبي موسى الأشعري. رواه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب نصر المظلوم، رقم: ٣٣٤ (٤) . الأصم عثمان: البصيرة، ص ١٨٦ (٥) ٢، وابن منده، كتاب رواه مسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي، رقم: ٨٧٨ التوحيد، ومن أسماء الله 8 : ٢، عن جابر بن عبد الله. بلفظ: الرازق والرزاق، رقم: ٧٠ « دعوا الناس يرزق الله بعضهم من ب عض » . (٦) ابن بركة: المصدر السابق. ورغم أن ابن بركة أعجبه رأي الشافعي في أن كل غرر إذا تسبب في وهذا قول يسوغ » : ضياع مال فإن للمتضرر حق الخيار كما تدل عليه عبارته « تأويله في النفس ويعجبني أن يكون كل غرر يذهب له مال هذا طريقه(١) ، إلا أننا نجده يميل إلى رأي جمهور الإباضية في إبطال ذلك البيع بسبب الغرر. وقد يتعجب البعض من تردد ابن بركة في حكم هذه المسألة ولماذا لم يرجح أحد الرأيين ويأخذ به؟ فأقول: يمكن الجمع بين الرأيين والعمل بهما حسب الأحوال: فإن كان المتعاقدان عازمان على الدخول في هذه المعاملة فنقول لهم إن البيع فاسد لما فيه من الإضرار بأحد المتعاقدين، ولكن لو تم هذا البيع فلا نقول البيع فاسد ّ وإنما هو بيع موقوف، وللمتضرر حق الخيار في إتمام البيع أو فسخه، فإن وجد البدوي مثلا ً أنه قد غبن في السعر وباع بأقل من سعر السوق فله الخيار في الضرر يزال » الإتمام أو النقض؛ لأن « وإن رضي بذلك تم البيع، وكذلك فيمن يتلقى الأجلاب ليرفع الأسعار، فيجوز للحاكم أن يمنعه ويجبره على البيع بالمثل ِ حتى لا يتحكم في سعر السوق ارتفاعا ً وانخفاضا ً ، فإما يبيع بالرخص فيتضرر ّ البائعون، وإما يرفع السعر فيتضرر المستهلكون، ولا بد من مراعاة أحوال الناس ومصالحهم بجلب المنافع ودفع المفاسد، وغلاء الأسعار ضرر يجب أن يزال. ِِ وق » : ويشير القطب إلى الحكمة من تحريم بيع الحاضر للباد بقوله ُصد َ من َْ ِ ٍِ ِِ ِِِ ن َه ْي ٍع َن ْإع َان َة ح َاض ِر ٍلب َاد، و َب َي ْعه ل َه ُ الر ﱢف ْق ُبأ ِه َْل ِال ْح َض َر ِلق َو ْله صلى الله عليه وسلم : ذ» َر ُ وا ا لن ﱠاس َِِ ِِِِ ِ ي َن ْت َفع ُ ب َ ع ْض ُ ه ُ م من ْ ب َع ْض «ٍ (٢). و َال ْبادي ي َبيع ُبم َِ ا ر ُز ِق َمن ْسع ْر ٍ ، و َلا َي َت َح َك ﱠم م ُعين ُه ُ ْ َُ بم َِاله ِ ِع َل َ ى الن ﱠ اس ِلا َ ك َح َاض ِر ٍ ، و َلا َ ب َأس َْ بإ ِِع َان َة ِب َاد ٍع َل َ ى ب َ اد ٍأ َو ْح َاض ِر ٍع َل َي ْه ِأ َو ْ ٍِ ِ ِ ِِِ«(٣) عل َ ى حاضر، وقيل : الن ﱠهي خاص بال ْجاهلية . َ َ ََ َُْﱞ َﱠ (١) ابن بركة: نفسه. (٢) تقدم تخريجه. (٣) .٣١٧/ أطفيش: شرح النيل، ١٤ الرأي ا لمختار: يمكن أن يستخلص من عبارة ابن بركة أن ما ذهب إليه جمهور الإباضية من فساد بيع الغرر في تلقي الأجلاب، وبيع الحاضر والبادي هو الرأي المختار عنده؛ لأنه يتوافق مع النصوص، ويتمشى مع أصولهم، خلافا ً لما ذهب إليه بعضهم، إلا أنه يرى أنه لو وقع هذا البيع فلا يحكم ببطلانه، وإنما يعطى للمتعاقدين حق الخيار بين إمضاء البيع أو اختياره، ومن اطلع على عيب أو غرر في البيع فهو مخير بين إتمام البيع أو نقضه، وبذلك يرتفع الضرر ويزول، وهذا الرأي يوافق مذهب الشافع ي، ولعله هو الأعدل والأصوب، والراجح عندي، لمراعاته لمقاصد الشريعة في حفظ المال من الغرر والخداع والاحتكار وفيه تيسير ورفع للحرج والمشقة عن الناس ومنع الضرر عنهم. ب بيع الثمار قبل ظهور صلاحها: ومن صور الغرر القديمة والمتجددة في مجال الزراعة: بيع الثمار قبل بد ُ و ُّ صلاحها، فقد ورد النهي عنها عند الإباضية في حديث رواه أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك 3 نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى » : قال « (١) تزهو، فقيل له يا رسول الله وما تزهو؟ قال: تحمر . وفي حديث أبي سعيد ّ « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها » : قال(٢) . وفي رواية « ويؤمن عليها من العاهة » أخرى ذكرها ابن بركة في الجامع بإضافة(٣) . (١) رواه الربيع، كتاب البيوع، باب ما ينهى عنه من البيوع، رقم: ٥٥٨ ، عن أنس بن مالك. ٢، عن أنس بن مالك. والبخاري، كتاب البيوع، باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، رقم: ١٠٥(٢) رواه الربيع، كتاب البيوع، باب ما ينهى عنه من البيوع، رقم: ٥٦٠ ، عن أبي سعيد الخدري. نهى » : ٢، بلفظ والبخاري، كتاب البيوع، باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها، رقم: ١٠٧ عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن النخل حتى يزهو، قيل: وما يزهو؟ قال: يحمار أو يصفار .« عن أنس بن مالك. (٣) ١، عن عبد الله بن عمر. بلفظ: رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب من باع ثماره، رقم: ٤٢٦ = وجه الاستدلال ب الحديث: وبدء صلاحها: صفرتها وحمرتها، » : قال ابن بركة في شرح هذا الحديث ومن باع ثمرة غير مدركة على أن يتركها المشتري على النخلة إلى أن يبدو « صلاحها فبيعه باطل، وهو عاص لربه، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك(١) . وعل ﱠ ل السالمي حكم هذه المسألة وبين سبب التحريم والمنع فقال: ّ وبيان ذلك أن النهي عن بيعها قبل ذلك الحد » ّ يدل على عدم استقلالها بنفسها، بل هي تابعة لأصولها قبل الد ﱢ راك ومستقلة بنفسها بعده، وذلك أن الغرض من الثمار الانتفاع بها فإذا لم يبد صلاحها فلا ينتفع بها في المعيشة، فهي قبل الدراك لا تقع لها من حيث ذاتها، بل من حيث التبعية لأمهاتها، فكانت تابعة لها كالجنين في بطن أمه، فإذا أدركت صارت كالجنين إذا « انفصل من أمه(٢) . ولعل الضرر يكون عند ترك الثمار على رؤوس الأشجار، فلا يضمن نضجها، فقد تأتي عليه جائحة فتضيعها، أو الجراد أو الحر الشديد فتتلف، فيكون بذلك البائع مستفيدا ً والمشتري خاسرا ً متضررا ً. كما أنه إذا تركت في مكانها فهل يتحمل المشتري تكاليف سقيها حتى بلوغها؟ لأن الأصل أن يقطعها مباشرة بعد البيع، ولكن قد يتركها مدة طويلة حتى تنضج، فيتحمل البائع هذه المصاريف، وهذا غرر بالبائع، لأن بعد نضجها تتغير قيمتها، ولذلك أجاز الفقهاء بيع الثمار قبل ظهور صلاحها بشرط أن تقطع كما هي، ولا تترك حتى تنضج. = نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وكان إذا سئل عن صلاحها قال: » حتى تذهب عاهته .« .٣٢٧/ ينظر: ابن بركة، الجامع: ٢(١) ابن بركة: المصدر نفسه. (٢) .٥٤/ السالمي: العقد الثمين، ٢ واتفق المنتسبون » : وحكى ابن بركة إجماع الفقهاء على جواز ذلك فقال إلى العلم أن من باع هذه الثمرة المنهي عن بيعها قبل أن تدرك، على أن ِ يقطعها المشتري، فبيعه جائز، والدليل على جواز ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم عقب َ ِِ أرأيت أن لو منع الله الثمرة فبم » : نهيه عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها «؟ يأخذ أحدكم مال أخيه(١) . فدل أن النهي الواقع من أجل الغرر، ولا غرر في بيع البلح على أن يقطع من وقته، وصلاح الثمار أن تصفر وتحمر، وتنجو ّّ بهذا عند العلماء من العاهة المخوف عليها، فحينئذ يجوز شراؤها على أن « تترك في رؤوس النخل إلى أوان الجذاذ(٢) . ونقل ابن بركة قولا ً عن الشافعي أنه يرى جواز بيع الثمار قبل ب ُد ُ و ّ صلاحها، ويترك في رؤوس النخل إلى وقت الجذاذ، وضعفه ابن بركة لأنه وزعم الشافعي كأنه رأي لا يستند » مخالف للإجما ع، وهو ما يفهم من عبارته ُ إلى دليل وخلافا ً « للإجماع(٣) . أما إذا باع الرجل غلته في الوقت الذي يبدو صلاحها فلا خلاف بين ِ العلماء في جواز ذلك؛ لأنه سلم من ضمان الجائحة التي تأتي عليها، قال ابن بركة : وإذا باع وقد بدأ صلاحه ثبت البيع؛ لأن نهيه عن البيع له قبل أن يبد » ُ و َ الصلاح فيه يقتضي جواز البيع إذا بدأ فيه الصلاح، وكانت الجائحة من مال المشتري؛ لأنه باع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم « (٤) . - وهناك بيع يشبه هذه الصورة يسمى بيع الس ﱢ نين، ويطلق عليه إباضية ع ُ ما ن (١) ٩، والبخاري، كتاب رواه البيهقي، كتاب البيوع، باب من قال: لا توضع الجائحة، رقم: ٩٦٦ ٢، عن أنس بن مالك، بلفظ: البيوع، باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، رقم: ١٠٨ .« أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه » (٢) .٣١٩ ، ٣١٨/ ٣٢٨ . أطفيش، شرح النيل، ١٤ ،٣٢٧/ ابن بركة: الجامع، ٢(٣) .٣٢٨/ ابن بركة: الجامع، ٢(٤) .٣٢٧/ ابن بركة: المصدر نفسه، ٢ بيع القبالة، وهو بيع الغلة أو الزرع قبل نضجه واستوائه، وقد ثبت عن « أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين » : طريق جابر بن عبد الله الأنصاري(١) . وهو أن يبيع الرجل سنين: وهي » : قال ابن بركة في بيان صورة هذا البيع التي يسميها أصحابنا القبالة... وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يبيعن » أحدكم ثمرته سنين، ومن باع ثمرته فأصاب جائحة فهي من ماله، ولم يأخذ َ « أحدكم مال أخيه بغير حق(٢) ، قال: فهذا القول منه 0 لعله يدل عن النهي عن جواز الق ُ « بالة؛ لأنه عقب بيع السنين النهي(٣) . - ومن صور البيع المحرمة في مجال الزراعة بيع المزابنة: وهو بيع الثمر على رؤوس النخل بثمن معلوم إلى أجل، وكذلك إن كان عنبا ً بزبيب معلوم كيله إلى أجل، وقد ورد فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم(٤) . (١) ٦، وابن ماجه، كتاب التجارات، رواه النسائي، كتاب البيوع، باب بيع السنين، رقم: ٠٣٧ ٢، عن جابر بن عبد الله؛ ومسلم، كتاب البيوع، باب بيع الثمار سنين والجائحة، رقم: ٢١٥ ٢، عن جابر بن عبد الله. باب كراء الأرض، رقم: ٩٥٧ (٢) ٥، عن جابر بن عبد الله؛ بلفظ: رواه النسائي، كتاب البيوع، وضع الجوائح، رقم: ٩٣٥ إن بعت » َ من أخيك ثمرا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا ً ، بم تأخذ مال ومسلم، كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح، رقم: ٢٩٨٨ ، عن جابر بن .«؟ أخيك بغير حق لو بعت من أخيك ثمرا » : عبد الله. بلفظ ً ، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا ً ، بم من ابتاع ثمرا » : ٢، بلفظ والدارقطني، كتاب البيوع، رقم: ٥٤٦ .« تأخذ مال أخيك بغير حق ً فأصابته جائحة فلا تأخذن منه شيئا ً عن جابر بن عبد الله. ؛« ، بم تأخذ مال أخيك بغير حق (٣) ٣١٦/ ٣٢٦ . أطفيش، شرح النيل، ١٤ / ابن بركة: الجامع، ٢ - .٣١٧ (٤) رواه الربيع، كتاب البيوع، باب ما ينهى عنه من البيوع، رقم: ٥٦٦ ، والبخاري، كتاب البيوع، باب بيع المزابنة، رقم: ٢٠٧٤ ، عن أبي سعيد الخدري. ومسلم، كتاب البيوع، باب النهي ٢، عن جابر بن عبد الله. بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عن المحاقلة والمزابنة، رقم: ٩٣٨ المحاقلة والمزابنة والمخابرة...، وأخرجه أبو عوانة في المستخرج، مبتدأ كتاب البيوع، باب حظر بيع الرطب بالتمر كيلا ً وبيع العنب بالزبيب كيلا ً ٤، عن عبد الله بن عمر، ، رقم: ١٠٧ نهى عن بيع المزابنة، والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا » : بلفظ ً وبيع الكرم بالزبيب كيلا ً.« :᪰ù≤dG ÜÉH »a `` 4 وكذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع المحاقلة(١) ، وهو: أن يبيع الرجل سنبل زرعه بحب معلوم كيله إلى أجل، وقال بعض الفقهاء الحقل هو الزرع(٢) . وعلة تحريم هذه البيوع: هي خوف الغرر الذي قد يحصل للتمر والعنب والسنبل، فقد تأتيها الجائحة، كالأمطار أو الرياح أو الجراد فتقضي على التمر، فلا يستفيد المشتري من تلك الغلة، أما البائع قد ضمن الثمن ولو كان مؤجلا، ً والإسلام لا يرضى لأهله أن يتنازعوا بسبب ما يلحق أحدهم من مضار؛ لأنه لا ضرر ولا ضرار » « . فصل » عرف الشماخي القسمة بأنها ٌ يحجز الله به الظلمة عن الضعفاء، ّ « وهي حق من حقوق الناس يجبر عليها الشركاء إذا طلبها بعضهم(٣) . قوله (يحجز الله به الظلمة » : قال المحشي أبو ستة في شرح هذا التعريف عن الضعفاء) كان المراد به الظلمة من الورثة عن الضعفاء منهم، إذا كانت « أموالهم مشتركة(٤) . وشرعت القسمة لرفع الضرر عن الشركاء في المال سواء كان عقارا ً أو منقولا، ً قال الشماخي : المقصود بالقسمة تبيين سهام الشركاء في الجنس » « الواحد، ويراد بها كذلك الانفصال(٥) . (١) ٢، عن عبد الله بن عباس؛ ومسلم، رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع المزابنة، رقم: ٠٩٧ كتاب البيوع، باب النهي ،«.... نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة » : بلفظ ٢، عن جابر بن عبد الله. عن المحاقلة والمزابنة، رقم: ٩٣٨ (٢) .٣٢٦ ،٣٢٥/ ابن بركة: الجامع، ٢(٣) .٨٥/ الشماخي: الإيضاح، ٧(٤) .٥٨/ القصبي أبو ستة عمرو: الحاشية على الإيضاح، ٧(٥) . ٥٨ و ٧٧ . ينظر: أبو العباس أحمد: كتاب أبي مسألة، ص ١٧٦ / الشماخي: الإيضاح، ٧ ولكن قد تؤدي القسمة إلى ضرر بأحد الشركاء أو الورثة، وفي هذه الحالة يرى الإباضية أنه لا تجوز القسمة لأجل ذلك الضرر، ومن أحكامها: أ أنه لا يقسم مال الغائب إذا لم يترك وكيلا؛ ً لأن من شروط جواز وأما » : القسمة: حضور جميع الشركاء أو وكلائهم، يقول الشماخي في المعنى الغائب فإنه إن ترك وكيله بنفسه قام مقامه، وإن لم يترك وكيلا ً لنفسه فقد اختلف العلماء فيه، قال بعضهم: المال الذي تركه الغائب قبل غيبته لا يقسم بعده ولو اتفقوا على ذلك، وذلك فيما يوجبه النظر؛ لأن الغائب له حجة في هذا، والتضييع إنما جاء من قبل الشركاء وهم الذين ضيعوا حقهم في القسمة « حتى غاب، ومع هذا إنه لا يقضى على الغائب . وقال بعضهم: إن اتفقت العشيرة مع شركاء غائبهم، فاستخلفوا له خليفة، فاقتسموا وتراضوا بذلك، فهو جائز، ولكن الحاكم لا يجبرهم على ذلك، وكذلك الديون أيضا ً يتوجه إليها هذا الاختلاف، أعني الديون التي تلزمه قبل غيبته، وأما المال الذي ورثه الغائب بعد غيبته، فإنه يدرك على العشيرة أن يستخلفوا لغائب خليفة، فيقتسم الورثة معه ولو لم يصلوا إلى قسمة ذلك، إلا بقسمة ما ترك قبل الغيبة؛ لأن الغائب ليس له في هذا حجة، « الضرر لا يحل » و(١) . الرأي ا لمختار: وعند التأمل في القولين نجد القول الثاني أقرب للصواب؛ لأن الغائب لا ندري متى عودته، فربما تعطلت مصالح الناس بسبب تجميد المال، ومنع القسمة بسببه، فإذا تدخلت عشيرته ووضعت له وكيلا ً ينوب عنه، رفع الضرر عن الجميع، وأخذ كل شريك حقه، لأنه لا ضرر ولا ضرار » « ، سواء كان ما تركه من مال قبل غيبته أو ورثه بعد غيابه. (١) . ٧٧ . ينظر: أبو العباس أحمد: كتاب أبي مسألة، ص ١٧٨ / الشماخي: المصدر نفسه، ٧ ب وأما إن اقتسموا ثم خرج وارث يرث معهم ولم يعلموا به، فإن قسمتهم لا تجوز ولو جوزها الداخل؛ لأن أصل القسمة لا تجوز، وقد اقتسموا ّ ما لهم وما ليس من حقهم، وفي جواز القسمة أيضا ً ضرر على الداخل، بتفريق سهمه في الأسهم. قال أبو ستة معقبا ً على قول الشماخي : ل» َ قائل أن يقول: إن ذلك يدفع برضاه، والتعليل الأول كاف؛ لأن القاعدة أن العقدة إذا اشتملت على ما يجوز وما لا يجوز، كانت غير جائزة على الراجح، وظاهر التعليل بوجود الضرر مطلقا ً ، أنه لا يجوز لأحد أن يحدث ضررا ً على مال أحد « ولو رضي به(١) . َ ج ويرى الشماخي أن ّ ما لا يمكن فيه القسمة إلا بفساد فلا يجبرهم » الحاكم على قسمته، لأن في قسمته ضررا ً ولا يجبرهم ،« الضرر لا يح ل » و أيضا ً على بيعه؛ لأن البيع لا يصح إلا بالتراضي من البائعين، لقوله 8 : ﴿ A GFEDCB ﴾ )النساء : ( ٢٩ ، وليس البيع أيضا ً بواجب على ِ أحد في ماله فيجبر عليه، وذلك مثل: البيت الواحد إذا لم يصب كل واحد من ُ الشركاء في نصيبه مصالح بيته جميعا ً ، مثل: أن يصيب في نصيبه ما يرقد فيه، ِ ويمد رجله وموضع أداة خدمته، ومن أين يستخرج بابه، فإذا أصابوا جميعا ً ما ذكرنا فإنهم يجبرون على القسمة. وعقب أبو ستة على قول الشماخي في عدم إجبار الشركاء على القسمة ولا على البيع، أن المالكية خالفوا الإباضية في هذا الرأي، وقالوا بوجوب الإجبار على القسمة لإزالة الضرر على بعض الشركاء، والقاعدة تنص الضرر يزال » على أن « قوله: (ولا » : وهذا نصه ،« لا ضرر ولا ضرا ر » و يجبرهم أيضا ً على بيعه إلخ...) خالف مالك أصحابنا في هذا، فذهب أنه (١) ٨٧/ الشماخي: مع الحاشية، ٧ - .٨٨ للشيخ أبي العباس أحمد بن « كتاب القسمة » يجبرهم إزالة للضرر، وفي محمد بن بكر (الفرسطائي) رحمهم الله ما هو صريح في قول مال ك، حيث قال بعد ما ذكر ما قاله المصنف 5 : ومن العلماء من يقول في الشريك أنه يجبر على أن يبيع أو يشتري في الشيء الذي لا تمكن فيه القسمة؛ إذا دعاه شريكه إلى ذلك، وإن أراد أن يبيعاه جميعا ً أو يشترياه جميعا ً فليتزايدا ِ عليه حتى ينتهيا في زيادتهما إلى من أراد، فليأخذه قل ّ أو كثر... ومن َ العلماء من يقول في ما لا تمكن فيه القسمة من جميع المشترك أنه لا يصيب فيه الشريك منع المنافع بينهم، ويقسمون منافع ذلك على قدر «... حصصهم(١) . ويضيف الشماخي : وأما إذا لم تكن فيه القسمة وأراد واحد من » الشركاء أن يأخذ شركاءه على إغلاقه فله ذلك؛ لأن القسمة لا يجبرون َ عليها لأجل الضرر الداخل بالقسمة، والبيع لا يجبرون عليه؛ لأن ذلك مخالفة الأصول، واستخدامه لا يكون إلا باتفاق من الشركاء، ولذلك «... يتواخذون على إغلاقه(٢) . - الدابة » وفي السياق نفسه يرى فقهاء الإباضية أنه لا يمكن القسمة في الواحدة أو السيف أو الثوب الواحد، وما أشبه ذلك مما لا يمكن القسمة إلا بفساده، وكذلك كل زوجين لا يستنفع بأحدهما دون الآخر، مثل: الخفين والنعلين، وأحجار المطحنة وما أشبه ذلك، وبالجملة كل شيء لا يمكن فيه القسمة لا يتواخذون على قسمته « (٣) . واستثنى الإباضية بعض الأمور التي تغلق وتحجز إذا تعذر قسمتها، كالجب والبئر، قال الشماخي : إلا الجب فإنهم لا يتواخذون على إغلاقه، ولو » (١) .٩٠/ القصبي أبو ستة عمرو، الحاشية عن الإيضاح، ٧(٢) .٩٠/ الشماخي: الإيضاح، ٧(٣) .٩٢ ،٩١/ الشماخي: المصدر نفسه، ٧ كان القسمة لا يمكن فيه؛ لأن بيع الماء لا يحل، وقد ورد النهي فيه، لكن يستقي كل واحد من الشركاء ما أراد، ولا يصيب أن يستقي غيره بغير إذن «... شركائه، إذا وقعت المشاححة بينهم(١) . ونقل الشماخي عن بعض الإباضية أنهم يذهبون إلى أن الشركاء يتواخذون على قسمة ما لا يمكن قسمته ولو كان قليلا، ً إذا طلب أحد الشركاء ذلك، والحجة لهم قوله تعالى: ﴿ -43210/. ﴾ )النساء : ( ٧ . وذكر أنه جاء في الأثر عن الإباضية : أنه إذا كانت الدار صغيرة بين اثنين أو شقص جزء قليل في داره لا يكون بيت ً هو إن » : ا فإن ابن عبد العزيز يقول طلب القسمة قسمت له منه، ألا ترى أن صاحب القليل ينتفع بنصيب صاحب .« الكثير وبه نأخذ ويفهم من هذا النص أن الشماخي يميل إلى هذا الرأي ويختاره، خلافا ً الربيع كان يقول: لا يقسم شيء من » لجمهور الإباضي ة، حيث نقل عنهم أن هذا ونحوه، وقول الربيع هذا المأخوذ به عند أصحابن ا، وأما ما اعتل به ابن عبد العزيز من انتفاع صاحب القليل بنصيب صاحب الكثير، فإن الانتفاع عند « أصحابنا لا يكون إلا باتفاق من الشركاء(٢) . مجمل ا لقول: يظهر مما تقدم أن كلا ّ ً من الفريقين من فقهاء الإباضية يسعى إلى رفع الضرر عن الغير، فابن عبد العزيز نظر إلى الشريك الذي يملك حصة كبيرة مع غيره، فوجده يتضرر إذا لم تتم القسمة في الملك المشترك؛ لأن الشريك الأقل ّ نصيبا ً ينتفع أكثر من حقه، وهذا ضرر يجب أن يزال. بينما ذهب الربيع وغيره من جمهور الإباضية إلى تعطيل القسمة في (١) الشماخي: نفسه. (٢) .٩٣ - ٩٢/ الشماخي: الإيضاح، ٧ الملك الذي يتعذر تقسيمه؛ لأن في قسمته فساد وضرر يلحق الجميع، ولا يمكن الاستفادة منه، والله لا يحب الفساد، ولكن مع ذلك نقول كما قال الإمام مالك يجبر الجميع على البيع للضرورة، لرفع الضرر عن الغير؛ لأنه يمكن أن يكون بعضهم ينتفع بالملك والآخر لا يمكنه، وبعد بيعه لأحدهم أو لغيرهم يأخذ كل واحد منهم نصيبه بالعدل، وينتفي بذلك الظلم، وبذلك يزول الضرر عن الجميع. د ومن الصور التي ذكرها الفقهاء في القسمة، ومنعت لأجل الغرر والغبن الحاصل لبعض الشركاء، أنه إذا قسم رجلان أرضا ً وتبين لهما فيها الغبن، ّﱠ واقتسماها على أن ّ من وقعت قرعته على السهم الذي فيه الغبن أخذه فلا تجوز َ قسمتها؛ لأن قسمة الغبن لا تحل وهي ضرر. وكذلك إن اتفقا على المشترك على أن يتقارعا عليه، فمن وقعت عليه قرعته أخذه كله من غير قسمة، ويبقى صاحبه لا يأخذ شيئا ً ، فلا يصح هذا؛ لأنه أخذ الأموال بغير حق(١) . وإن تمت قسمة الدار وانهدم شيء من حيطان الدار من ناحية أحدهما » ﱠ بعد ما اقتسماها، فإن صاحبها يأخذه أن يبني ما انهدم من ناحيته، لأجل ما يدخل عليه من الضرر، ويجبره الحاكم على ذلك، إلا إن اقتسما الدار أول مرة، على أن يبنيا فيما بينهما حائطا ً ، ولا يدرك عليه من بنيان ما انهدم من حيطان الدار شيئا ً «... (٢) . كما استدل القطب على هذه القاعدة على أن الشركاء يجبرون على القسمة إن طلبها أحدهم؛ لأن عدم القسمة فيه ضرر لمن طلبها، والضرر لا يحل فيجب إزالته(٣) . (١) . ١٠٣ . أبو العباس أحمد، كتاب أبي مسألة، ص ١٧٧ / الشماخي: المصدر، ٧(٢) .١٠٤/ الشماخي: الإيضاح، ٧(٣) .٥٢٥/ أطفيش: مرجع سابق، ١٠ :øgôdG ÜÉH »a `` 5 إذا حدث للرهن ضرر أو أحدث الرهن ضرار للغير، فمن يتحمل مسؤولية إزالة الضرر عنه أو عن غيره؟ يرى أهل العلم أن الراهن يتحمل جميع المضرات؛ لأنه هو المالك له، وأحيانا ً يتحمل غيره إذا تسبب في إحداث الضرر، وقد فصل الشماخي القول وبالجملة إن على الراهن » : في هذه المسألة، وبين حكم ذلك مع التعليل، فقال ﱠ جميع ما يحتاج إليه الرهن، وجميع ملازمه وجميع مضراته التي يؤخذ بنزعها، من حائط مائل أو شجرة مائلة وما أشبه ذلك، وتفصيل ما ذكرنا لا تخلو المضرة أن تحدث على الرهن من قبل غيره، أو تحدث على الغير من ِ قبل الرهن، فإذا حدثت على الرهن من قبل أحد من الناس أو من قبل الله، مثل ما ينبت من الشجر أو هدم البنيان أو ما أشبه ذلك، فإنه يدرك نزعها على ِ الذي أحدثها وأحدثت من قبل ماله من شاء منهم من الراهن والمرتهن ِ والمسلط؛ لتعل ّ ق حق المرتهن في الشيء المرهون، ولهذا المعنى يتداركون نزوعها، أعني الراهن والمرتهن أو المسل ّ ط، أيهما أحدثها على الرهن أدرك « عليه صاحبها نزوعها، وكذلك المسلط(١) . وكذلك بيت الكراء على هذا المعنى » ويضيف الشماخي في السياق نفسه إذا أحدثت عليه مضرة، فإنه يدرك نزوعها أيهما شاء، رب البيت أو المتكاري ّ المستأجر لتعلق حق المتكاري في البيت، إلا أن تكون مضرة لا تضر المتكاري في مدة الكراء، نحو الغ ُ روس الصغار يدرك نزوعها صاحب البيت المتكاري، ويتداركان نزوعها صاحب البيت والمتكاري أيهما أحدثها أدرك « عليه صاحبه نزوعها، كما ذكرنا في الرهن والمرتهن(٢) . (١) .٢٣٩/ الشماخي: المصدر نفسه، ٧(٢) .٢٤٠ ،٢٣٩/ المصدر نفسه، ٧ هذا إذا كان الرهن بيتا ً مؤجرا ً ، أما إذا كان الرهن بيتا ً عارية فيتحمل مضرته وأما بيت العارية فيدرك نزوع » : صاحبه، وهذا ما أكده الشماخي في عبارته المضرة إذا أحدثت عليه صاحبه دون الساكن فيه بالعارية؛ لأنه لا حق له فيه « من جهة الوجوب، إلا بإذن صاحبه(١) . أما إذا حدث ضرر على الرهن وكان صاحبه غائبا ً أو طفلا ً أو مجنونا ً قبل حدوثها، فلا تجب إزالة الضرر على المرتهن، أو المؤجر أو القابض للرهن، أو الساكن لبيت العارية حاضرا ً ، وفي هذا المعنى يقول الشماخي : وإن أتى » على هذه المضرة حال ما تثبت، نحو السنين والثمار أو ما أشبه ذلك، إلا أن يكون الراهن أو صاحب بيت الكراء والعارية غائبا ً ، أو طفلا ً أو مجنونا ً قبل حدوث تلك المضرة، فإنها لا تثبت على هذا الحال، ولو كان المرتهن أو المسلط الذي يودع عنده الرهن كأمانة ، أو المتكاري أو الساكن في البيت العارية حاضرا ً ؛ لأن ثبوت المضرة متعلق إلى سكوت من حضر، إذا كان ممن يجوز تجويزه لتلك المضرة؛ لأن سكوته يدل على تجويزه لتلك المضرة، والمرتهن والمتكاري والساكن بالعارية ليس لهم من ذلك شيء، ولا يضر حضورهم مع غيبة صاحب الشيء، كما لا تنفع غيبتهم مع وجود صاحب ِ الشيء، وإنما يجوز نزوعها لهما لتعل ّ ق حقوقهما في ذلك الشيء الحادث « عليه المضرة(٢) . وأما إذا حدثت المضرة من العين المرهونة على الغير، فالراهن هو الذي يتولى إزالة الضرر؛ لأنه المالك للرهن، ولا يتحمل غيره ذلك إذا لم يحدثها وأما إذا حدثت على الغير من » : أو يتسبب فيها، يقول الشماخي في هذا الشأن ّ ِِ قبل الرهن أو قبل بيت الكراء أو بيت العارية، فإنها إذا حدثت ولم يحدثها (١) الشماخي: نفسه. (٢) .٢٤١ ،٢٤٠/ الشماخي: الإيضاح، ٧ ِ أحد منهم، أو حدثت من قبل الراهن أو صاحب البيت، فإن الراهن أو صاحب البيت هما اللذان يؤاخذان على نزوع تلك المضرة؛ لأنهما المالكان للشيء ِ الذي من قبله المضرة، ولا يؤخذان بذلك المرتهن، ولا المسلط، ولا المتكاري، ولا المستعير، إلا إن أحدثها أحد هؤلاء، فإنه يؤخذ بنزوعها لإحداثه المضرة، ويؤخذ أيضا ً « صاحب الشيء، لأنه المالك(١) . وإذا كان الرهن حيوانا ً فضيع الراهن علفه ورعايته، وامتنع الراهن عن ذلك، ّ أو هرب منه، فأنفق المرتهن على الرهن من ماله، فله أن يأخذ جميع ذلك من ثمن الرهن إن ْ باعه، إذا لم يرد ّ عليه الراهن نفقته، وإن لم يكن في الرهن زيادة ُ عن حقه فليتبع الراهن ويأخذ من عنده؛ لأن ترك الحيوان بدون رعاية ضرر، ِ وتحميل المرتهن نفقته دون عوض ضرر، والضرر يزا ل، ولا ضرر ولا ضرار(٢) . وقد وضع الشماخي لذلك ضابطا ً عاما ً والأصل » : يضبط هذه الصور فقال في ذلك أن جميع ما يحتاج إليه الرهن مما يكون فيه هلاكه عند الترك، إذا فعله المرتهن بماله عند امتناع الراهن من ذلك، فإنه يدركه عليه « (٣) . واستدل القطب أطفيش بهذه القاعدة في مسألة ما إذا قال الراهن أو قريبه أو صديقه للمرتهن، خذ مالك على الراهن لم يجز له بيعه بعد؛ لأن بيعه بعد الضرر لا يحل » عرض ماله عليه ضرر، و « (٤) . إن وجد المرتهن وفاء حقه في غلته، أو لا يبيع » : وفي السياق نفسه قال حيوانا ً مرهونا ً الضرر » إن وجد وفاء حقه من غلة الحيوان؛ لأن ذلك ضرر، و«« لا يحل(٥) . (١) .٢٤١/ الشماخي: المصدر نفسه، ٧(٢) الشماخي: نفسه. (٣) .٢٤٣ ،٢٤٢/ نفسه: ٧(٤) .٢٨٠/ أطفيش: شرح كتاب النيل، ١١(٥) ٢٨٦/ أطفيش: المصدر نفسه، ١١ - ١٨٩/ ٢٨٧ . الشماخي، المصدر السابق، ٧ - .١٩٣ ِ ن م وبيان ذلك: أن المرتهن إذا تمك ّ ن استرجاع قيمة دينه من غلة الرهن فلا يجوز له أن يبيع الرهن؛ لاستيفاء حقه، كالحيوان إذا كان ينتج لبن ً ا فاستطاع َ من نتاجه أن يسدد دينه، فلا يجوز أن يبيعه؛ لأن في ذلك ضرر بالراهن. ` 6 :IQÉLE’G ÜÉH »a اختلف الإباضية في حكم من استأجر دارا ً ليسكن وحده، فأدخل معه صديقه، أو تزوج فاستقر فيها مع أهله، فهل تصح الإجارة؟ قال أبو ستة : وإذا قلتم بصحتها هل تسكن معه؟ قال أبو حنيفة يسكنها » معه، وقال أبو ثور : لا يسكنها معه، قال الضميري(١) : وهو القياس وهو الظاهر « على القواعد والله أعلم(٢) . أما صحة الإجارة فالظاهر أنه » : وعقب أبو ستة على هذه الأقوال فقاللا خلاف فيها، وأما زيادة الساكن فهي مضرة يزيلها صاحب الدار إن شاء، ولا يحل له ذلك من غير إذن صاحبها، وإن تقدم أن الثقل لا يؤثر في البيوت؛ لأن ضرر الساكن لا يلزم أن يكون من جهة الثقل، على أن لا نسلم عدم الضرر من جهة الثقل أيضا ً ، إذا كانت علوية كما هو الظاهر « والله أعلم(٣) . ولكن ما ذهب إليه أبو ستة وغيره غير مسل ّ م به، فأي ضرر يلحق السكن ُ بزيادة شخص واحد خاصة إذا كانت الغرفة واسعة، أو استأجر دارا ً كاملة، الل ﱠهم إلا إذا كان المؤجر اشترط عند العقد ألا يسك ﱢ ن معه أحدا ً إلا بإذنه؛ لأن ُﱠ َُ (١) لم نقف على ترجمته لتشابه الأسماء، ولعله الفضل بن عمرو بن أمية الضميرى من رواة ٢٩٥ . وذكر ابن حجر: جعفر بن عمرو بن أمية / الحديث ورد اسمه في ثقات ابن حبان، ٥ .٤٩٩/ الضميري ولعله شخص واحد، الإصابة في معرفة الصحابة، ٢ (٢) ٢٦٠/ القصبي أبو ستة، الحاشية على كتاب الإيضاح، ٦ - .٢٦١ (٣) .٢٦١/ القصبي أبو ستة، المرجع نفسه، ٦ الأجرة المتفق عليها كانت مقابل شخص واحد فإذا زاد غيره زاد في الإيجار، كما يحدث في أنظمة الفنادق، فيكون هذا من حقه، فإن تعدى المستأجر ذلك وأسكن معه زوجته أو غيرها بدون إذن المؤجر، فإنه يكون قد أخل بالعقد ﱠ وألحق ضررا ً به، فيجب عليه أن يزيل ذلك الضرر بالتزام شروط العقد، أو يزيده في الأجرة؛ لأنه لا ضرر ولا ضرار » « . :êGhõdG »a ICGôª∏d »dƒdG π°†Y »a `` 1 لا يجوز للولي أن يمنع وليته من الزواج بالكفء فإن فعل ذلك فقد عضلها، ويجب على الولي أن يزوجها به وإلا وك ّ لت من يقوم مقامه، أو ترفع َّ أمرها للحاكم أو من يقوم مقامه من جماعة المسلمين فيجبره على تزويجها، أو ت ُ والضرر » ، زوج بغير رضاه لرفع الضرر عنها؛ لأن العضل ظلم وضرر ّ وذهب بعض فقهاء الإباضية إلى جواز جبره بالحبس، وصححه القط ب، ،« يزال وقيل بالضرب تأديبا ً له، وكذلك إن اشترط عليها أن يأخذ جزءا من صداقها، ً أو ت ُ سل ّ م له مبلغا ً من المال حتى يزوجها، فهذا ضرر لا يقره الشارع، ولذلك يجب إزالته، لقوله تعالى: ﴿ §¦ ¨©ª« ﴾ (ال ن س اء: ١٩ ( ، وقوله 8 : ﴿ ]\[ZY ﴾ (ا بل قرة : ٢٣٢ (. تعرض القطب أطفيش إلى هذه المسألة وفصل فيها القول وأجلاه، ومما ويجبر الولي على تزويجها إن امتنع منه بلا عذر، » : جاء عنه في شرح النيل ِ وهو ظلم لها وكبيرة فرضها عليه، أو تجعله في حل ّ ، ويجبر بلا ضرب إن لم يجد كفؤها ووجد غيره، وخاف عليها الزنا، وإن امتنع وك ّ لت حينئذ من َ يزوجها، أو زوجها الحاكم أو الإمام أو الجماعة (فقيل) يجبر على الحبس، ِ وهو الصحيح، وقيل يضرب بلا عدد محدود حتى يزوجها من كفئها إن حضر الكفؤ، وقيل يضرب تأديبا ً ، ويزوجها الإمام أو نحوه، أو الجماعة، أو يوك ّ لون َ لها أو توكل هي، أو يزوجها ولي دون الولي الممتنع، كشقيق الأب، فيزوجها َّ أبوي، زوجه الأو َ لى، الإشارة إلى ضعف قول الضرب، لأنه لا تفوت نفس ّْ «... بعدم التزويج بخلاف نفقة الولي(١) . (١) .١١٢/ أطفيش: شرح كتاب النيل، ٦ ونقل القطب عن أصحاب الديوان أنه لا يجوز للولي أن يمنع المرأة من الزواج من الكفء بسبب الطمع في مالها، فكما لا يجوز مضارتها في قال في » : نفسها كذلك لا يجوز مضارتها في مالها، وفي ذلك يقول الديوان: ينظر المسلمين في منعه، فإن أراد به المال ومضرتها فلا يتركوه إلى ذلك، ول ْ يخوفوه بالله تعالى، لقوله تعالى: ﴿ §¦ ¨ ّ ©ª« ﴾ )النساء : ( ١٩ . وإن اعتل بعل ّ ة نظروا، فإن وجدوا لها وجها ً رجعوا إلى المرأة وأمروها بطاعة وليها، لأنه الناظر لها، وإن أراد إضرارها أمرها أن تول ﱢ ي أمرها غيره، وإن طلبت إليه واحدا ً فرد ّ ه ثم آخر فرد ّ ه أو أكثر، فهل يكون ذلك تعطيلا ً أم لا؟ قولان، وإنما ينظر إلى إضرارها، إذ لاحد ّ لذلك؛ لأنه ربما رد ّ واحدا ً أو أكثر وله وجه، وربما رد واحدا ً «... وهو فيه أضر(١) . وقد أشار القطب إلى مسألة هامة كانت سببا ً في بوار كثير من الفتيات في عصرنا، وهي أن تكون الفتاة عاملة أو موظفة لها راتبا ً شهريا ً تنفق به على أسرتها، فيعتمد عليها وليها في النفقة، ولما يتقدم لها من يتزوجها يمتنع الولي، ّ فإذا أصرت البنت الموظفة على الزواج طلب منها وليها مبلغا ً ماليا ً تعجز عن ﱠّ تسديده، أو يرهن لها أملاكها، فإذا تزوجت قضت مدة طويلة في تسديد دينها حتى تفك رهنها، وهذا من الإضرار الذي لا قره شرع ولا عرف، وربما تسبب في خلافات زوجية تنتهي بالفراق. وحرم على الولي أخذ مال من » : يقول القطب أطفيش في هذا الشأن ُ وليته على تزويجها بلا طيب نفسها، إن امتنع منه إلا بالمال؛ لأن تزويجه ّ إياها فرض، ولا يحل له أخذ مال على فرض، وح َ ل ّ لها أن تعطي، قال الله تعالى: ﴿ !" ﴾ (ا ل نور : ٣٢ ( ، تأمر الأولياء بالإنكاح، والأمر للوجوب، (١) .١١٤/ أطفيش: المرجع نفسه، ٦ أي ْ إن أر َد ْن َ ، وقال تعالى: ﴿ ]\[ZY ﴾ (اب ل قرة : ٢٣٢ ( ، أي يتخذن أزواجا ً ، فنهاهم أن يمسكوهن، والنهي للتحريم إلا بقرينة، فلا يجوز له أن يفعل المنع ويتوصل به إلى الأجرة، إلا إن كان يسافر إلى العقد فله « الأجرة(١) . مجمل ا لقول: فالشارع الحكيم أعطى الحق للولي أن يزوج وليته وأوجب على الأبناء إن كانوا قادرين أن ينفقوا على والديهم إن كانا فقيرين، وفي الوقت نفسه منع الولي من عضل وليته عن الزواج لأجل المال، لأن ذلك تعسف في استعمال الحق، وضرر للمرأة يجب إزالته، ولذلك سمح لها الشارع أن توكل من يقوم َ مقام ول ّ يها ليعقد عليها ولو كان ول ّ يا أبعد منه، بشرط أن يكون من العصبة، فإن تعذر ذلك ينوبه الحاكم أو جماعة المسلمين حتى لا يكون تعطيل طريق الزواج بتعنت الولي سببا ً في انحرافها ووقوعها في الزنا. :êGhõdG »a ¢ù«dóàdG »a `` 2 ومن الصور التي تتخرج عن هذه القاعدة التدليس في الزواج، فالتدليس غش وتزوير، وهو ضرر يجب أن يزال، وقد ورد على البكري سؤال يقول فيه ّ هل يسوغ لمن يريد أن يتزوج بنتا » : صاحبه ً لم تبلغ السن القانونية للزواج(٢) أن يعقد عليها خوفا ً .«؟ من طائلة القانون باسم أختها الكبرى فأجاب بأنه لا يسوغ ذلك؛ لأنه غش وتدليس، ولا يليق بالمسلم أن يغش (١) .١١٣/ أطفيش: المرجع نفسه، ٦(٢) حدد المشرع الجزائري السن القانونية بعد التعديل الأخير لقانون الأسرة ب ١٩ سنة للجنسين، وكان قبل ذلك محددا ً ب ١٨ سنة للأنثى و ٢١ للذكر، ثم عدل عن ذلك لتكريس المساواة َ بين الجنسين، وهذا التحديد مخالف للشرع الذي جعل سن البلوغ هو المناسب للزواج لكل من الذكر والأنثى. أو يدلس، لقوله صلى الله عليه وسلم : من غش » ّ « نا فليس منا(١) ؛ ذلك أن هذه العملية تترتب عليها أحكام وتستتبعها نتائج منها: ١ أنه يضاجع الصغيرة ولم يعقد عليها باسمها. ٢ أن أولادها ينتسبون إلى الكبيرة وليست لهم بأم ّ في الحقيقة، وت ُ حرم َ الصغيرة من نسبهم إليها وهي أحق. ٣ إذا ماتت الكبيرة ورثها غير أبنائها أو ماتوا ورثت غير بنيها. ٤ ومن وراء ذلك تعطيل الكبيرة عن الزواج. ولا ريب أن كل هذه الأمور المذكورة أضرار لحقت بالبنتين بسبب هذا التدليس، ولذلك يجب إزالتها لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، ولعلاج هذا الأمر يقترح شيخنا عبد الرحمن بكلي على المدلس اتباع الخطوات التالية: ٰ - أن يدلس مرة ثانية أو يطلقها ولو صوريا ً ، ثم لا بد له من أمرين: ّ الأول: يجب عليه أن يباعدها فعلا ً انتظارا ً لانقضاء عدتها؛ لأنه قد قطع الصلة التي كانت تربطه بها انتحالا ً ، وإلا اعتبر في ظاهر الشرع زانيا ً. الثاني: تجديد العقد باسم الصغيرة. وقد يتعذر ذلك لو انكشف أمره؛ لأنه يعتبر حينئذ في نظر القانون متبعلا ً ﱢ لها بلا عقد، بل يستوجب على تدليسه عقوبة إلى غير ذلك من الاعتبارات. وأنت خبير أن كل ذلك يسبب مشاكل قد تؤول إلى الخصومة وعداوة، وهو ما يأباه الإسلام؛ لأنه كلها أضرار ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام . - هذا كله إذا كان التدليس في الشخص والاسم معا ً ، أما إذا كان التدليس في الاسم غير أن الشخص متفق عليه بين الطرفين، فأقل مسؤولية فيما بينه (١) رواه الربيع، كتاب البيوع، باب في الانفساخ والربا والغش، رقم: ٥٨٢ ، عن ابن عباس. وابن حبان، بلفظ: كتاب البر والإحسان، باب الصحبة ،«.... ألا ومن غشنا فليس منا » : بلفظ ٥، عن عبد الله بن مسعود. والمجالسة، ذكر الزجر عن أن يمكر المرء أخاه المسلم، رقم: ٦٨ .« من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار » وبين الله لا في الحكم، سيما ونحن في عصر الشكليات، فإن المحذور باق على حاله نظرا ً لما يستلزمه من الشكليات، ويترتب على ذلك من أحكام(١) . وانظر نتائج الاحتكام إلى غير شرع الله، فتجد الناس يتحايلون على القانون الوضعي لقضاء مصالحهم، فيصطدمون بنصوص الشريعة، أو يقعون تحت طائلة القانون، ولذلك فليجتهد أبناء الإسلام في تحكيم شرع الله والمطالبة به، ولو في مجال الأحوال الشخصية، كالزواج والطلاق كما هو الحال في كثير من بلدان العالم الإسلامي(٢) . (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٣٠٤ ،٣٠٣/ فتاوي البكري، ١ (٢) ومن صور التحايل على القانون في مجال الأسرة في بلادنا أن المشرع الجزائزي يشترط على الزوج إذا أراد تعدد الزوجات أن يأخذ رخصة الموافقة من زوجته الأولى حتى يوافق القاضي على العقد على الثانية، فتجد هذا الزوج يعقد عليها عقدا ً عرفيا ً ثم ينجب منها أولادا ً ، ثم يأتي ّ إلى القاضي ليسجل هذا النكاح ولا يستطيع القاضي أن يمتنع من ذلك؛ لأنه صار مضطرا ً ّ لإثبات نسب الولد. ومثله أن يضمن للمطلقة بيتا ً لحضانة أولاده، أو إيجارا ً مناسبا ً ضمانا ً لحق المطلقة في أن تعتد في بيت الزوجية، ولكن لم يخل هذا القانون من التحايل عليه، فتجد أحد المطلقين يقدم لمطلقته إيجارا ً لمدة ستة شهور أو سنة فتخرج من البيت، ثم بعد انقضاء تلك المدة يتملص من واجبه فلا يدفع لها بقية الإيجار، فيلحق بها أضرارا ً بليغة غير متوقعة. تراجع نشرة خاصة من الصحافة تتحدث عن هذه التغيرات في قانون الأسرة الجزائري العدد ٤٩٥٦ ) السنة السابعة عشر نشر المقال يوم الخميس ١٨ صفر ١٤٢٨ ه الموافق ل: ٨ مارس )ومن أهم المواد التي « تغيرات ونقائص في قانون الأسرة » ٢٠٠٧ م، ومما جاء فيه تحت عنوان أشار إليها القضاة مسألة التحايل بالزواج العرفي، حيث أن المادة ٨ من القانون لم توضح شيئا ً بخصوص الزواج العرفي وعلاقته بالرخصة التي تمنحها لزوجها حتى يتمكن من الزواج ِ بثانية، فالكثير من الرجال يلجؤون إلى عقد قران عرفي ثم يتقدمون إلى العدالة لتثبيته، وهنا ليس ملزما ً بطلب رخصة من الزوجة الأولى خاصة إن أثمر الزواج العرفي بذرية. كما أن المادة ٧٢ من القانون ذاته أيضا ً تحمل نقائص هامة، فهي تنص على بقاء الزوجة في المسكن الزوجي مسكنا ً لغاية تنفيذ الحكم، وتوفير الزوج مسكنا ً لها، أو يدفع مبلغ الإيجار، وهنا لا يمكن التأكد من النية الحقيقية للزوج، وإن كان سيوفر للحاضنة مسكنا ً ، حيث يلجأ بعض الأزواج للتحايل بدفعهم مقدم ستة أشهر أو سنة من الإيجار ثم يختفون، وتجد المطلقة نفسها من دون منزل. = :ÜÉ«¨∏d ≥«∏£àdG »a `` 3 ومن المسائل التي وردت في المصادر الإباضية وفيها إضرار بالغير: أنه إذا سافر تاجر عن زوجته إلى بلد لم تبلغه فيه حجة الحاكم، ومكث فيه مقيما ً ، ولو بلغه كتاب الحاكم لم يجب؛ لأنه في بلد خارج عن حكم المسلمين، وزوجته تريد منه النفقة والكسوة، وليس له مال في بلده ولا غيره من البلدان، وطلبت من الحاكم أن يطلقها، أيجوز له أن يطلقها منه على هذه الصفة أم لا؟ فإن لم يكن هناك حاكم أيجوز لجماعة المسلمين أن يقوموا مقامه في التطليق؟ قد قيل في هذا » : أجاب سعيد بن خلفان الخليلي على هذه المسألة فقال إذا لم يكن مال تأخذ منه زوجته نفقتها وكسوتها بالمعروف، أو ت ُ عطى ذلك ِ منه بالحكم في موضع جوازه، فيفرض لها الحاكم نفقتها وكسوتها، أو يأمرها أن تدان عليه إلى حد وصوله إن وجدت من يدينها عليه، وإلا فتؤمر بالصبر « الجميل وتقوى الجليل(١) . فإن بقيت الضرورة عليها لفقرها، ووجدت حاكما » ً عد ْ لا ً يلزم الناس َ حكمه في المختلف فيه، فهنالك قد اختلف الفقهاء في جواز طلاقها، فقيل بالمنع مطلقا ً ، وهو الأحوط والأبعد من الريب والأقرب إلى السلامة. وقيل: يأمر الحاكم ولي هذا الغائب أن يطلقها منه، فيتم طلاقه بالحكم؛ َ لأنه والحالة هذه يحكم عليه بطلاقها ولوكره وبغيبته، لا يعط ﱢ ل ما لزمه لغيره ُ = وأشار القضاة إلى عدم وضوح القانون في مسألة إثبات النسب، حيث إنه في حالة اعتراف طرفين بعلاقة غير شرعية أنجبا من خلالها إبنا ً ، فإن القاضي ملزم بتثبيت النسب، ويسجل الابن في السجلات المدنية بشهادة ميلاد تحمل اسم والديه الحقيقيين، لكن في حالة مطالبة حسب « الزنا » هذا الابن عندما يكبر بقسطه من ميراث أبيه أو أمه لا يتحصل عليه بصفته ابن ما تنص عليه الشريعة، فانظر إلى ما يترتب على مخالفة شرع الله من آثار سلبية وتبعات مختلفة ما أنزل الله بها من سلطان. يراجع: جريدة الخبر الجزائرية العدد ٤٩٥٦ الصادرة . يوم الخميس ١٨ صفر ١٤٢٨ ه الموافق ل ٨ مارس ٢٠٠٧ م، ص ٣ (١) .١٠٧/ الخليلي سعيد: تمهيد قواعد الإيمان، ١١ من الأحكام في دين الإسلام من حقوق الأنام إن رأى الحاكم جواز ذلك، ِ وهو ممن يجوز له القيام بمثله، وجماعة المسلمين إن وجدوا يوما ً جاز قيامهم ُ « في مقامه مع عدمه(١) . وفي السياق نفسه سئل سعيد الخليلي في امرأة ركب عنها زوجها البحر مسافرا ً منذ أربع سنين، ولم يترك لها نفقة ولا كسوة، ولا مالا ً له في بلده، إذا كان الحال » : وقد دخلها الضرر وأبى أبوه القيام بنفقتها وكسوتها، فقال كذلك جاز للحاكم الحكم بطلاقها، فيأمر أباه بتطليقها، ويمضيه الحاكم رفعا ً « للضرر(٢) . الرأي ا لمختار: بعد النظر في أقوال فقهاء الإباضية في هذه المسألة يظهر أن الزوج الغائب إن تعذر وصول الخبر لإلزامه بالإنفاق على زوجته، أن لا تلجأ زوجته إلى الطلاق لرفع الضرر عن نفسها إن شاءت، ما دام لم يتخل ّ عنها ولم يجحد حقها، وعلى جماعة المسلمين أن يكفلوا زوجته وأولاده إن استطاعوا حتى تتيسر أحواله، ولا يتعجلوا في تطليقها منه؛ لأن الطلاق يهدم أركان الأسرة ويشتت شملها، فلربما منعته الظروف من الحضور أو إرسال النفقة إليها، فإن استطاعت الزوجة الصبر على هذا الحرمان، فهذا من إحسانها؛ لأن التسرع في انفصالها عنه ضرر يقع عليه، أما لو بلغت الأمور إلى حد الضرورة، وشعرت المرأة بحاجتها إلى زوجها ماديا ً وعاطفيا ً ، وتعسرت عليها سبل العيش، فمن ّّ حقها أن تطلب الطلاق للإعسار أو الغيبة رفعا ً للضرر؛ لأن ترك الزوجة بدون إنفاق أو استمتاع لمدة طويلة ضرر لا يحتمل أيضا ً لا ضرر » ، يجب إزالته، و .« ولا ضرار في الإسلام (١) ١٠٨ . وينظر: أيضا ، الخليلي سعيد: المرجع نفسه. ١٠٧ ً ٢٤٤/١١ ، - ٢٤٦ . بتصرف يسير. (٢) .٥٢/ المرجع نفسه، ١١ والعلماء كما يبدو قد اختلفوا في ذلك، ولعل ﱠ القول الأعدل والأقرب للصواب أن تنتظر مدة معينة قبل العزم على الطلاق، فإذا نفذ صبرها تلجأ إلى القضاء؛ لأن تركها معلقة لا متزوجة ولا مطلقة إمساك غير معروف، مناقض للنصوص الثابتة في القرآن والسن ﱠ ة والله أعلم. ﱡ :ódƒdG Ö∏Wh ¢†«ëdG ô«NCÉàd ܃ÑëdG »WÉ©J »a `` 4 الضرر يزال » : ومن الصور التي تتخرج على قاعدة « لا ضرر ولا ضرار » أو :« أن امرأة أمرها الطبيب باستعمال الدواء في الخمسة الأولى من أيام حيضها، وأمر زوجها أن يطأها في المدة ابتغاء الولد فأبت الزوجة اتباع هذا الإرشاد الطبي، لكن الزوج هددها بالطلاق إن لم تمتثل، فما رأي الشرع في هذه المسألة؟ أجاب البكري : أرى والله أعلم أنه لا حق للمرأة أن تمتنع عما » أمرها الطبيب من استعمال، إلا أن يكون دواء محرما ً لا يبيحه الشرع، وما دام هذا الاستعمال فيه تحقيق لرغبة الزوج ولخير الزوجين معا ً ، فلا حق لها في الامتناع. أما جماعها في الأيام الخمسة الأولى من حيضها والمفهوم أنها داخل حيضها لا خارجه فحرام على الزوج أن يفعل، وحرام على المرأة أن تطاوع، ولها كل الحق أن تمتنع، وإن أمر بذلك الطبيب، فلا طاعة لطبيب في مخالفة أمر الله قال تعالى: ﴿ yxwvutsrqp }|{z ~ ¡ے «ª©¨§¦¥¤£¢ ¬ ¯® ° ﴾ )البقرة : ( ٢٢٢ . وقال صلى الله عليه وسلم : من جامع امرأته في » « (١) حيضها فقد أتى ذنبا ً عظيما ً . (١) ٥١ . وورد حديث يفيد هذا المعنى بلفظ: / لم نقف على تخريجه. أورده البسيوي، الجامع، ٣ من أتى حائضا » ً ، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا ً رواه الترمذي « ، فقد كفر بما أنزل على محمد في سنن الجامع الصحيح، أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في كراهية إتيان = وتهديد الزوج إياها بالطلاق لوقوفها عند حدود الله ظلم لها لا يحل، لأنها لم تعص زوجا ً إذا أطاعت ربا ً ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ّ وقال تعالى: ﴿ FEDCBA ﴾ )النساء :( ٣٤ . كل هذا لأجل ماذا؟ لأجل ابتغاء الولد؟ وأي خير في ولد أوله إقدام ّ والده على الذنب العظيم، وهذا ضرر يعود عليه في دينه، وإرغام والدته عليه لا ضرر » وتهديدها بالطلاق إن لم يفعل؟ وهذا ضرر بالغير، والقاعدة تقرر أن .« ولا ضرار ولا شك أن بهذا الاعتبار شؤم على والديه، ثم من يدري لعل ما أشار به الطبيب لا يتحقق، وإنجاح الأسباب بيد الله، فيكون قد أطاع مخلوقا ً وعصى خالقا في غير طائل؟ ومن حاول أمرا ً بمعصية الله كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى(١) «(٢) . والحاصل: أن ابتغاء الولد حق شرعي للمتزوجين، لكن لا يطلب بمعصية الله، فمن ابتغى ما عند الله يطلبه بطاعته، وذلك باتخاذ الأسباب المباحة، ثم يفوض أمره إلى الله الذي يختار لعبده ما فيه الخيرة. ّ = الحائض، حديث: ١٢٨ . لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث » : عن أبي هريرة. قال الترمذي حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة، وإنما معنى هذا عند أهل العلم على والدارمي في السنن، كتاب الطهارة، باب من أتى امرأته في دبرها، حديث: ١١٦٩ .« التغليظ . وأبو داود في السنن، كتاب الطب باب في الكاهن، حديث: ٣٤٢٣ . وابن ماجه في السنن، كتاب الطهارة وسننها، أبواب التيمم، باب النهي عن إتيان الحائض، حديث: ٦٣٦ . قال الألباني: حديث صحيح. (١) من حاول أمرا » : رواه أبو نعيم، في حلية الأولياء بلفظ ً بمعصية كان أبعد لما رجا وأقرب ٩، عن أنس بن مالك، وضعفه حلية الأولياء، أنس بن مالك، رقم: ١٦٤ ،« لمجيء ما اتقى الألباني. وأخرجه الشهاب القضاعي في مسنده، من حاول أمرا ً بمعصية كان أفوت لما رجا وأقرب لمجيء ما، حديث: ٤٨٥ . (٢) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٢٨١/ فتاوى البكري، ٢ - .٢٨٢ :QÉédGh ô«©à°ùªdGh ôLDƒªdG øY Qô°†dG ™aQ »a `` 1 إذا أجر شخص لرجل دارا ً بكراء معلوم إلى أجل معلوم، فحدثت عليه ّ مضرة، فعلى رب الدار نزعها على الذي أحدثها؛ لأنها داره، وكذلك المستأجر يدرك نزعها على الذي أحدثها، إن كانت المضرة تضر بالسكنى؛ لأن منفعة إلا أنه في الحالة الأولى يزيل ،« والضرر يزال » الدار من حقه في تلك المدة الضرر المؤجر صاحب الدار؛ لأن المستأجر قد أجر دارا ً صالحا ً للإيجار، أما في الحالة الثانية فيزيله المستأجر إذا كان الضرر قد حدث بسببه بعد أن دخل المنزل وهو صالح للسكن(١) . - واختلف الفقهاء في المستعير إذا استعار تلك الدار فحدث فيها ضررا أيدرك نزعه على الذي أحدثها كالمؤجر في مدة السكنى أم لا يدرك نزعها إلا صاحب الدار؟ ً ، والفرق بين المستعير والمتكاري » : قال الشماخي في هذا الصدد المستأجر أن المستعير ولو كان له حق في السكنى لو أراد صاحب الدار أن يخرجه لأخرجه، بخلاف المتكاري، وكذلك أيضا ً رب الدار والمتكاري يدرك ﱡ كل واحد منهما على صاحبه ما أحدث في تلك الدار من المضرة؛ لأن كل « واحد منهما له حق في تلك الدار(٢) . وإن أحدث رب الدار أو المستأجر أو المستعير في تلك الدار ضررا ً على (١) .٢٦١ - ٢٦٠/ الشماخي: الإيضاح، ٦(٢) .٢٦١/ الشماخي: الايضاح، ٦ جيرانها، فالذي حدثت عليه يدرك نزعها على الذي أحدثها دون من لم يحدثها؛ لأن كل واحد من المحدثين له حق في تلك الدار(١) . ويرى الشماخي أن من حق جار الدار والحانوت المحل التجاري منع صاحبها أن يكريها لمن يضر بهم، ومثل ذلك إذا كانت الحانوت لرجل بين الصيارفة، أو الخياطين أو ما أشبه ذلك، فأراد صاحبها أن يكريها للحداد أو ِ الصباغ أو الطحان أو النجار أو ما أشبه ذلك مما يضر جيرانه؛ لأن تلك الحرف َ تصدر عنها أصوات وغبار وأوساخ مؤذية، فيحق لهؤلاء منعه من ذلك، والأصل (٣) في هذا ألا يحدث أحد مضرة على أحد لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا ضرر ولا ضرار »(٢) . . :¿Gô«édG øY Qô°†dG »Øf »a `` 2 لا ضرر ولا ضرار » : واستدل الإباضية كذلك على قاعدة « بأمثلة من معاملة الجار لجاره، وذلك بأن يكون أحدهم بجوار الحداد والصائغ والقصار والنساخ وغيرهم، واشتكى منهم جيرانهم لما يحدث لهم من ضرر وأذى بالإزعاج أو بالدخان أو غيره، نظر العدول فيهم، فإن رأوه أذى عليهم صرف عنهم، ولا يحمل الضرر على الجار(٤) . :äÉbô£dG »a Qô°†dG »a `` 3 - جاء في أجوبة علماء فزان سؤال عن رجل عمد إلى الطريق العام فبنى أعمدة جنانه (بستانه) وفيه أعمدة، فهل يجوز للحاكم أن يخرج ذلك أو حتى يرفع إليه ذلك كله ويزيله؟ (١) ٢٦١/ الشماخي: المصدر نفسه، ٦ - ٢٦٢ . بتصرف. (٢) سبق تخريجه. (٣) .٢٦٣ - ٢٦٢/ الشماخي: نفسه، ٦(٤) ١٧١/ أطفيش: شرح النيل، ١٠ - .١٧٢ قال أبو يوسف وريون بن الحسن : الزقاق والطريق الناس فيه لدى الشرع » سواء، ليس لأحد أن يقطع منه دكانا ً (مرتفعا ً يخصص للجلوس) يجلس، ويجعل على حيطانها سقفا ً ، وقد بلغنا أن أبا بكر الصديق 5 من اقتطع » : قال من طريق المسلمين أو من أفنيتهم شبرا ً طوقه الله من سبع أراضين يوم ّ « القيامة(١) ، ولا يجوز لسلطان المسلمين أن يدع حدثا ً في الإسلام رفع إليه أو لم يرفع، وعليه الاجتهاد في رعاية الإسلام وأهله، وقد جاء في الحديث: من » أحدث حدثا ً أو آوى محدثا ً « فعليه لعنة ا لله(٢) «(٣) . ومن صور الإضرار في الطرقات والدور والمزارع: أن الناس إذا أحدثوا أضرارا ً في الأماكن العامة، كالطرقات والمساجد، أو في أموال الضعفاء، كاليتامى وغيرهم فيجب إزالتها، ولا يجوز أن يضروا بعضهم البعض في ِ منازلهم أو دكاكينهم أو مزارعهم، وعلى الحاكم مسؤولية مراقبة ذلك والأمر بإزالة تلك الأضرار، تطبيقا ً لا ضرر ولا ضرار » للقاعدة المشهورة .« وللحاكم أن يأمر بصرف المضار عن » : قال ابن جعفر في هذا الصدد طريق المسلمين والمساجد، ومال الأيتام والأغياب، ويقيم لذلك من يقوم به، « ويحجر الناس أن يضر بعضهم ببعض(٤) . (١) ٣، عن رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، رقم: ١٠٥ من اقتطع شبرا » : سعيد بن زيد. بلفظ ً من الأرض ظلما ً ، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع .٤٧٨/ والأثر أورده، الحطاب، مواهب الجليل: ١٤ ،« أرضين (٢) ١، عن أنس بن رواه البخاري، كتاب الحج، فضائل المدينة، باب حرم المدينة، رقم: ٧٧٧ المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث، من » : مالك. بلفظ أحدث حدثا ً وأبو داود، كتاب الديات، باب أيقاد ،« فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ٣، عن علي بن أبي طالب. المسلم بالكافر، رقم: ٩٤٨ (٣)جناو بن فتى، وعبد القهار بن يخلف، أجوبة علماء فزان، من علماء القرن الثالث الهجري. حققها عمرو خليفة النامي وأكمل تحقيقها وأشرف على طبعها إبراهيم طلاي، طبع بمطابع دار البعث، قسنطينة، (د ت) ص ٧٨ - .٧٩ (٤) .١٨٨/ ابن جعفر: الجام، ٤ ولا ينظر الشرع إلى زمن وقوع الضرر، فيجب إزالته سواء كان قديما ً أو حديثا ً ، يقول ابن جعفر : وكذلك كلما سبق من الأحداث في مثل هذا الذي » يحدث في الطريق وغيرها، وإن مات المحدث له فقد توق ّ ف الأكثر من الحكام عن صرفه، ولا يجوز لأحد أن يحدث في شيء من الطريق الجائزة حدثا ً في أرضها ولا سمائها، وكذلك لا يحدث إلى حينها كنيفا ً ولا تنورا ً يخاف منه ضرر النار، وكل هذا مرفوع عن الناس أيضا ً إذا طلبوا رفعه، وكان محد َ ثا ً عليهم وما سبق من ذلك، فإنما يرفع منه ما حدث منه من «... المضرة(١) . وكل من تسبب في الاعتداء على الطريق ببناء، يتحمل مسؤولية إزالته الجامع ابن جعفر » سواء كان صاحب البناء أو من يقوم بالبناء، جاء في « عن قلت له: فإذا قاطع (تعاقد) رجل » : أبي سعيد الكدمي ما يشير إلى هذا المعنى رجلا ً أن يبني له جدارا ً بجنب الطريق، والجدار كان في مال المقاطع، فتقدم عليه أنك لا تدخل بناءك في الطريق، وجد له في ذلك أو أقر الذي بنى أنه ّ يعرف معناه، فلما بنى الجدار وقف عليه صاحب الجدار، فإذا هو داخل في الطريق، هل يسعه تركه ولا يلزمه إزالته، ويكون ذلك الذي بناه، أم كيف يكون الوجه فيه؟ قال معي: إن إزالته على من أحدثه فيما معي في معنى اللازم فيما بينه وبين الله في الحكم، وإذا كان الجدار لهذا فهو مأخوذ بمعنى الحكم بإزالته على من أحدثه، لثبوت الحجة له في الطريق، وأرجو أن لا يكون عليه إثم « ما لم تأخذه الحجة في ذلك(٢) . وكل هذا الحرص لأجل رفع الضرر عن الناس في طرقاتهم، وقد تأكد في المصادر الإباضية إعمال هذه القاعدة في هذا المجال، فقد جاء في (١) ١٨٩ . بتصرف / ابن جعفر: المصدر نفسه، ٤(٢) .١٩١/ ابن جعفر: نفسه، ٤ ويمنع من أحدث في طريق » : في باب الأحداث في الطريق ما نصه « البصيرة »المسلمين تعديا ً مما يؤذيهم ويضر الطريق، من بناء طين أو جص أو بآجر أو يكبس فيها ترابا ً ، أو يحدث فيها حدثا ً من حفر بئر أو ساقية، أو حصار أو شيء يكون فيه أذى للمسلمين، أو كنف بجنب الطريق أو المسجد يؤذي المسلمين، أو يغرس عليها غرسا ً أو يبني سقفا ً ... أو نحر فيها... فكل ذلك منكر على من فعله، ومن أحدث ذلك منكر عليه، ويؤمر أن يرد ما أحدث، ولا يخطر فيها بشوك ولا و َع ْ ث المسلك، ولا يحولها من موضعها، ولا يجعل فيها حجارة، ولا سلا ّ ً ولا أمتعة. ولا يجوز له أن يجعلها دكاكين لبيع ولا شراء، ولا يتخذها مجالس ِ ولا بوعث مسلكها، وتكبس تراب، ولا رش ماء، ولا منازل ولا دواب، َﱡ ولا غرس كرم ولا قرط ولا سدر... ولا غير ذلك، وذلك كله منكر على من فعله، وإثم لمن عمله، وضمان لما يحدث فيه، وقد جاءت الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ملعون من آذى المسلمين في طرقاتهم »(١) . ولا ضرر في الإسلام » ولا بقرب منازل الناس ولا تنور يؤذي الجار ولا ضرار « ولا يفتح في الطريق بابا ،« كل المضار مصروف ة » و ً يقابل باب جاره، ولا في طريق غير جائزة، ولا يحدث مسق َ ى على المسلمين في غير حقه، في َ « نهر يمر فيه ماؤهم، إلا أن تكون ساقية جائزة في حقه وماله(٢) . ّ ولعل كل ما أشار إليه عثمان الأصم وغيره حادث في واقعنا، فقد ﱠ أصبح الطريق لا حرمة له، فكل من أراد أن يدفع عن نفسه الضرر يلقيه في (١) ،« من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم » : رواه الطبراني في المعجم الكبير، بلفظ باب من اسمه حمزة، حذيفة بن أسيد أبو سريحة الغفاري، أبو الطفيل عامر بن واثلة عن ٢، عن ٢، والبيهقي في شعب الإيمان، فضل الجمعة، رقم: ٨٦١ حذيفة بن أسيد، رقم: ٩٧٩ أنس بن مالك بلفظ: ....» من آذى المسلمين فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله 8 .« (٢) .١٩٠/ الأصم عثمان: البصيرة، ١ الطريق، سواء كان مخلفات البناء أو المزروعات أو حتى القمامات، وقد يأتي بمواد البناء ويضعها أمام داره لمدة طويلة فتسد ّ على الناس طريقهم، وقد ت ُ عطب مسالك المياه الجارية فتخرج في الطرقات فتنقل رشاش المياه القذرة إلى ملابس الناس الطاهرة، ولا شك أن الإثم يعود على من تسبب في هذا الضرر، وقد تجد بعضهم يوقف مركبته في وسط الطريق لإنزال أمتعته أو بضاعته، فتتوقف حركة المرور بسببه، كما تفعل الشاحنات عند تفريغ حمولتها، أو أصحاب سيارات الأجرة، فتسبب في أحداث مؤلمة للمشاة والمركبات، ويشير إلى هذه التصرفات المضرة عثمان الأص م، وعلى السلطان » : ويحمل الحكام ونوابهم مسؤولية منع هذه المضار فيقول ّ أن يمنع الناس أن يجعلوا أمتعتهم في الطريق، وإن أتى حمال أو غيره ّ فحطه في الطريق إلى أن يحمل، فإن كان لا يؤذي أحدا ً إلى أن يحمل « فلا بأس بذلك(١) . ويرشد عثمان الأصم إلى المحافظة على الطريق وإصلاحها وإزالة كل ما يضر بالناس أو يعرقل سيرهم، ويشدد على من يتسبب في تخريبها، كأن َ يحفر فيها حفرة، أو يؤخذ منها التراب؛ لأن ذلك يؤدي إلى تعث ّ ر الناس ُُ ومن كسح الطريق وحمل ترابها » : وسقوطهم، وفي هذا المعنى يقول للسماد، وترك الطريق عارية من التراب، فإن جرحها لم يجز له باتفاق، وقد أجاز بعضهم أن يحمل منها ما لم يجرحها، ومنهم من لم يجز منها شيئا ً ، ولا يجوز له أن يكبسها بالتراب، ولا يطرح فيها سمادا ً ولا وعوثة، ُ (كأرواث الحيوان وفضلات الإنسان كما يحدث في بعض الأودية عندنا)، فإن أسقط فيها ترابا ً لصلاح وكبس فقد أجاز بعضهم، ويلزم الضمان إن تلف في ذلك أحد، وإن كان في الطريق موضع خافق وموضع مرتفع (١) الأصم عثمان: المرجع نفسه. فكبس المرتفع في الخافق ليستوي، فإن كان ذلك صلاحا ً أراده جاز له « ما لم يجعله يعثر به الناس(١) . ويضمن » : ما يشبه ذلك، قال أبو العباس أحمد « كتاب أبي مسألة » وجاء في الرجل جميع ما أفسد ما أشرف من ماله إذا كان ق ُ د ّ م إليه فيه، ولم ينزعه حتى أفسد في أموال الناس، وأما إن لم يقدم إليه فليس عليه في الحكم شيء، وأما فيما بينه وبين الله فهو ضامن إن علم بذلك ولم يصرفه عن الفساد، وهذا مثل الجدار إذا أراد أن ينقض على مال غيره، أو شجرة مائلة أو ساقية يضر ّ انكسارها، فتركها حتى انكسر ماؤها ففسد بذلك مال غيره، ومثل ذلك كله من المضرات على الطريق، ومجازات الناس ومقاعدهم وموضع مجمعهم، ومن النقل مع غيره في الطريق بنفسه أو دابته، أو مراكبهم في البحر، والزقاق في البر، والدلاء في البئر، وفي كل موضع يجوز لهم الجواز فيه والاستعمال لمثله، فأفسد بعضهم بعضا ً ، فهم ضامنون كلهم بعضهم بعضا ً ، ولا إثم عليهم، ومنهم من يقول ليس عليهم ضمان، وأما موضع لا يجوز لهم فيه الجواز ٌ والسلوك والاستعمال أنه يضمن بعضهم بعضا ً ، ويكون عليهم الإثم في ذلك، وأما إذا كان لبعضهم الجواز والاستعمال ولم يكن لبعضهم، فإنه يضمن من َ لم يكن لهم الجواز منهم لصاحبه ما أفسد له، سواء في هذا الاستعمال كله في المعادن، وحفر الآبار والأنهار، وحفر المطامير والغيران، وهدم الحيطان « وبنيانها، وقلع الأشجار وغرسها، وأشباه ذلك كله ما ذكرناه من الضمان (٢) . وقد بلغت جرأة بعض الناس أن اتخذت الطرقات وتحت الأشجار مكانا ً مناسبا ً لقضاء حاجته، وهذا ضرر بين يجب إزالته ومعاقبة فاعله، وهذه ٌّ الظاهرة للأسف منتشرة في القرى والمدن في بعض البلاد، وخاصة في (١) .١٩١/ المرجع نفسه، ١(٢) . أبو العباس أحمد، كتاب أبي مسألة، ص ١٧٠ الأسواق التي تنعدم فيها المراحيض العمومية، ولا يشعر أصحابها بالمسؤولية، ولا بالذوق السليم، وقد حرم الإسلام على الناس قضاء حاجتهم في طرقاتهم، وأماكن استراحتهم واستظلالهم، وشدد على من يفعل ذلك بالوعيد، وأوجب عليه اللعنة، يقول الشماخي في هذا الصدد: ولا يكون قعوده لحاجة تحت أشجار مثمرة كانت أو غير مثمرة، لقوله صلى الله عليه وسلم » : من قضى حاجته تحت شجرة مثمرة أو على ظهر نهر جار أو على طريق »عامر أو على باب أو على ظهر مسجد من مساجد الله فعليه لعنة الله والملائكة « والناس(١) وقال أيضا ً : اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة » « الطريق، والظل ل لخراءة(٢) . وما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا ضرر ولا ضرار » « في الإسلام(٣) .« وكما لا يجوز الاعتداء على الناس في طرقاتهم واستراحتهم، كذلك لا يجوز إيذاء الجن في مساكنهم وطعامهم لورود النهي فيها؛ لأنه لا يؤمن ضررهم، فقد يصيبون من يعتدي عليهم، فيتضرر في جسمه أو عقله، وكم َ حدثت من مآسي لبعض الناس بسبب هذا الفعل، فلا يجوز قضاء الحاجة في (١) تقدم تخريجه. (٢) رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فيها، رقم: ٥٢ . قال الألباني: حديث حسن لغيره. وابن ماجه، كتاب الطهارة، باب النهي عن الخلاء على قارعة الطريق، رقم: ٣٣٢ . بلفظ: اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، والظل، » « وقارعة ا لطريق . ٤٠ . بنفس اللفظ. رواه / عن معاذ. كما أورده النووي في المجموع: ٣ الحاكم في المستدرك، كتاب الطهارة، وأما حديث عائشة حديث: ٥٤٤ عن معاذ بن ورواه أحمد بن حنبل .« هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه » : جبل. قال الحاكم في المسند، ومن مسند بني هاشم مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب حديث: ٢، عن ابن عباس بلفظ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ٦٣٥ « اتقوا الملاعن ا لثلاث » قيل: ما الملاعن يا رسول الله؟ قال: أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه، أو في طريق، أو » « في نقع ماء . (٣) تقدم تخريجه. الجحور، والدليل ما روي من طريق ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم : نهى عن البول » « والغائط في الأجحر(١) قال ابن عباس : « لأنها مساكن إخوانكم من الجن »(٢) ، وكذلك لا يقضي حاجته في أثر الحوافر كلها لأنها مساكن الجن(٣) ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : « أنه نهى عن الاستجمار بالروث والعظم »(٤) . (١) رواه الربيع، كتاب الطهارة، باب في الاستجمار، رقم: ٨٣ ، عن ابن عباس. (٢) تقدم تخرجه. (٣) . ١٥٠١٧ . الثميني، الورد البسام، ص ٢٨٦ / الشماخي: الإيضاح، ١(٤) لم نقف على تخريجه بهذا اللفظ. ولكن روى البخاري، كتاب المناقب، باب ذكر الجن ﱢ ، رقم: ٣٦٤٧ ، بمعنى يقاربه، عن أبي هريرة. والترمذي، كتاب التفسير، باب ومن سورة الأحقاف، رقم: ٣٢٥٨ ، والربيع، كتاب الطهارة، باب في الاستجمار، رقم: ٨١ ، بلفظ مشابه، عن ابن مسعود. ولفظ البخاري أن أبا هريرة 3 كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم إداوة لوضوئه وحاجته، » فبينما هو يتبعه بها، فقال: «؟ من هذا » فقال: أنا أبو هريرة، فقال: ابغني أ حجارا » ً أستنفض بها، « ولا تأتني بعظم ولا بروثة . فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي، حتى وضعتها إلى جنبه، ثم انصرفت حتى إذا فرغ مشيت، فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن، » وإنه أتاني وفد جن نصيبين، ونعم الجن، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم، ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاما ً«. نتناول فيه بعض المسائل العصرية التي تتعلق بالإضرار بالنفس والغير وتتمثل فيما يلي: :áØ«æ©dG äÉ°VÉjôdG ¢†©H øY áªLÉædG QGô°VC’G `` 1 يتساءل البعض عن حكم الرياضات التي شاعت ممارستها في هذا العصر، وهي خطيرة جد ّ ا ً « لايكيدو » و « لالوت » و « الكاراتي » و « الجيدو » كالملاكمة و وما شاكلها، لما ينشأ عنها من كسر عضو أو تلف جارحة أو فقد حاسة أو موت، مع العلم بأنها لا تمارس إلا بالمشاركة بين اثنين فأكثر بدعوى تعلم وسائل الدفاع عن النفس. أن » وقد طرح هذا السؤال على الشيخ بيوض فأجاب عنه في فتاويه الرياضة المشروعة في الإسلام هي فيما نعلم الفروسية، والسباحة، والرمي، والسباق، وقد وردت فيها سنن عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي كلها تمارس بصورة فردية، حتى السباق، وإن كانت تجرى تحت إشراف مدرب، وإن وقع بسببها حادث فإنما هو خاص بصاحبه ولا تبعة فيه على غيره، وحتى المصارعة كانت معروفة عند العرب في صدر الإسلام، إلا أنها تمارس بصوره بسيطة جد ّ ا ً كما يعرفها شباب كل جيل، وهو أن يتشابك اثنان يحاول كل منهما إلقاء صاحبه على الأرض فقط، وليست من المصارعة والملاكمة في عرف الناس اليوم في شيء، وما أبعد بينهما، وهي قليلة الخطر. وأما المصارعة والملاكمة اليوم وما ذكر معها في سؤال، فإنها خطيرة جد ّ ا ً لما ينشأ عنها من إتلاف عضو إلى إزهاق روح. فأما ممارستها هواية وطلبا ً للشهرة أو المال فلا نرى أن الشريعة تبيحه، ولا أن من أحدث بسبب ذلك ضرارا ً « لنفسه أو غيره يسلم من تبعته في الدنيا والآخرة(١) . ويبدو أن الشيخ بيوض نظر إلى هذه الرياضات باعتبار ما ينتج عنها، وإلى الدوافع والمقاصد من ممارستها، فلما كانت متعارضة مع الشرع منعها وحمل ّ أصحابها تبعاتها، أما إذا كان القصد منها التعلم للدفاع عن النفس عند الضرورة فلم يمانع ما لم تتسبب في ضرر أكبر على النفس أو الغير، وفي هذا الشأن يقول: وأما ممارستها تعليما » ً وتعل ّ ما ً لإتقان وسائل الدفاع عن النفس فإنا لا نستطيع أن ندعي أنه حرام لا يجوز عمله، لكننا نقول إنه خطير جد ّ ا ً يجب الاقتصار فيه على القدر الضروري وأقل ما يمكن فيه، وضبط النفس، وتهدئة الأعصاب عند التمرين، وأرى أن بعض صوره الأشد خطرا ً يحرم استعمالها كتوجيه الضربة إلى العين أو الجهاز التناسلي مباشرة، ولست ُ على علم بسائر فنونه حتى أفصل الحكم فيه، ومن أحدث منهم ضررا ً في بدنه فليستغفر الله وليسأله العفو عنه، فربما كان عند الله مخطأ، وأما من أحدث ضررا ً في غيره فإن عليه أ ُ رش ما جرح ودية ما أتلف إلا أن يعفو المصاب، والدية هنا شبه العمد وأما الإثم فلا إثم؛ لأن الضحية عرض بنفسه لذلك طائعا ً مختارا ً بل راغبا ً ، وهذا العفو والمحاللة من المجني عليه للجاني هو المخرج الوحيد من هذه المآزق كلها. ولمزيد من الاحتياط يمكن اشتراط التعهد بالمحاللة والمسامحة مسبقا ً قبل الشروع في الممارسة بين جميع المشتركين في العمل من معل ّ مين ومتعلمين، ثم إسداء النصح لهم عند إرادة العمل بأخذ الحيطة والحذر والتوجه إلى الله بالدعاء بالحفظ والسلامة مع إخلاص في النيات فالله خير « حافظ وهو أرحم الراحمين(٢) . (١) .٧٤١/ بيوض إبراهيم، فتاوى الإمام الشيخ بيوض، ٢(٢) .٧٤٢/ بيوض إبراهيم، فتاوى الإمام الشيخ بيوض، ٢ الرأي المختار: ورغم ما قدمه الشيخ بيوض 5 وغيره من تعليلات ومبررات لإباحة هذه الرياضات في بعض الأحوال مع مراعاة ضوابطها، وأخذ الحيطة والحذر من إصاباتها، فإن النظر يوجب عندي أن تمنع مثل هذه الرياضات العنيفة مطلقا ً ؛ لأنه مهما أخذنا من الحيطة والحذر أثناء ممارستها فلا نملك القدرة الدائمة على ضبط هذه الحركات وتوجيهها، خاصة في المنافسات الحاسمة مع ضعف الوازع الديني والأخلاقي عند بعض الرياضيين، والغاية لا تبرر الوسيل ة، وعليه فالظاهر أن القول بحرمة هذه الرياضات واستبدالها برياضات أقل ضرر هو الأعدل والأصوب والأنسب سد ّ ا ً للذرائ ع، وحفظا ً للأنفس، وإزالة لمظنة الضرر، الل ﱠهم إلا عند مواجهة العدو في المعارك ولا توجد وسيلة ُﱠ أخرى لرد ّ عدوانه للدفاع عن النفس. :√ƒëfh ¿ÉNódG »WÉ©J ºμM »a `` 2 يتساءل بعض المدمنين على تعاطي الدخان أو المخدرات وما شاكلها عن علة تحريمها رغم ثبوت ضرره وخطره على صحة الفرد والمجتمع بحجة أنه لا توجد نصوص صريحة تحرم ذلك، وقد طلب بعضهم من الشيخ بيوض 5 الدليل في الحكم بحرمة الدخان وشبهه من المخدرات والمنبهات. سألت عن دليلها في الحكم بحرمة الدخان وما يشبهه من » : فأجابهم المخدرات التي تستعمل بطرق مختلفة من الأنف والفم والحقن من الكتاب والسن ﱠ ة؟ ﱡ فاعلم أنك لا تجد في الكتاب والسن ﱠ ة التنصيص الصريح على حرمة ﱡ استعمال الدخان وسائر المخدرات، وإنما يؤخذ ذلك من عموم تحريم الخبائث ﴿ Z YX ﴾(الأع راف : ١٥٧ ( ، ولا يشك عاقل في خبث هذه الأشياء رغم استحسان بعض الناس لها بسبب الإلف والعادة، ثم يؤخذ :ájôμØdG á«μ∏ªdG ¥ƒ≤M ájɪM »a `` 3 تحريمها من عموم حرمة الإضرار بالنفس والعقل والبدن، وأنت خبير بأن الأمة الإسلامية مجمعة على وجوب المحافظة على ستة أشياء وهي: النفس، والعقل، والنسل، والعرض، والمال، والدين، واتخذت هذا أصلا ً فرعت عنه ﱠ فروعا ً كثيرة في الفقه الإسلامي، وأدلة تحريم الضرر كثيرة نصا ً واستنباطا ً ، ّ وضرر الدخان وما في حكمه في العقل والمال والبدن أمر محقق مقطوع به «(١) لا يختلف فيه اثنان، فالقول بتحريمه أقوى حجة وأصح دليلا ً . مجمل ا لقول: وما دامت الأدلة متضافرة في تحريمه فيجب الامتناع عنه وإزالة ضرره على النفس وعلى الغير؛ لأنه لا ضرر ولا ضرار » « ، وليس الأمر اختياريا ً بل ّ إجباريا ً مثل سائر المحرمات كالخمر وغيرها، وأي تصرف أحدثه المدخن أو ّّ المخدر في إتلاف نفوس الناس وأموالهم يتحمل تبعاته ويضمن ذلك الضرر؛ لأنه تسبب بنفسه في إزالة عقله، وفقد السيطرة والتحكم في تصرفاته. ومن المسائل العصرية المطروحة في المجال الثقافي والإعلامي حماية وضمان حقوق الملكية الفكرية وهي: حقوق المؤلف والمنتج والناشر والطابع للكتب والأشرطة السمعية والبصرية، ولإعداد هذه الأشياء يتطلب جهدا ً فكريا ً ّ وماليا ً مضنيا ً ، وقد تأتي جهة معينة فتسطو على هذه الحقوق وتقوم بنسخها أو ّ تصويرها وإعادة طبعها وبيعها بأقل من سعرها الأصلي فيتضرر بذلك صاحبها، لا ضرر ولا ضرار » : فمن باب « الضرر يزال » و « ذهب أهل العلم إلى وجوب ضمان حقوق الملكية الفكرية، ومنع الاعتداء عليها، ومن تعدى عليها يضمن كل الأضرار الناجمة عليها شرعا ً وقضاء . ً (١) ٦٨٢/ بيوض إبراهيم، نفسه، ٢ - .٦٨٣ من « فتاوى المعاملات » وقد وردت مسائل عديدة حول هذا الموضوع في ذلك: ١ هل « حقوق الطبع محفوظة » توجد في بعض الكتب أو الأشرطة عبارة يجوز لي طباعة أو تصوير أمثال هذه الكتب أو الأشرطة بهدف الاستعمال الشخصي لا التجاري، أم أن في فعلي هذا مخالفة وانتهاكا ً لحق الناشر أو المؤلف، وإن كان لا يجوز ألا يعتبر هذا احتكارا ً من باب التحكم في السعر؟ لا وجه لاحتكار العلم فإن الانتفاع » أجاب شيخنا الخليلي حفظه الله به حق مشروع للجميع ولا أصل لقول: حقوق الطبع أو النسخ محفوظة، وإنما رأي من رأى من أهل العلم مراعاة ذلك دفعا ً ،« الضرر مزا ل » للضرر، فإن و لا ضرر ولا ضرار في ا لإسلام » « (١) فإن كان فتح باب الطبع أو التسجيل يؤدي ُ إلى تضرر بعض المؤسسات التي قامت من أجل النهوض بالعلم ونشره، بحيث يخشى لو لم يتقيد بهذا النظام أن يفضي الحال إلى تعثرها وعدم قدرتها ُ على النهوض بأعباء مهماتها العلمية، فلا مانع من مراعاة هذا النظام والتقيد به، وهو مما يدخل ضمن المصالح المرسلة اعتمدها الفقهاء في ترجيح الآراء واستنباط الأحكام، وهذا إنما يكون في الذي يطبع أو يصور أو ينسخ لأجل ّ الاتجار لا مجرد الإفادة والاستفادة، أما من قصد أحد الأمرين فلا وجه للجحر « عليه والله أعلم(٢) . ٢ وفي صورة أخرى لدفع الضرر عن أصحاب الحقوق والملكية الفكرية نحن مؤسسة لإنتاج الأشرطة السمعية والمرئية » : يتساءل البعض بما نصه وتوزيعها، ونقوم بإصدار الشريط متضمن ً والذي « حقوق النسخ محفوظة » ا عبارة دعانا إلى ذلك كثرة التكاليف وخوف الخسارة والأسئلة هي: (١) سبق تخريجه. (٢) . الخليلي أحمد: فتاوى المعاملات، ص ١٢٤ ﻊﻨﻤﻳ ﺎﻧﺮﻴﻏ ﻦﻣ ﺦﺴﻨﻟﺍ ﻞﺟﻷﺎﻣ ﻩﺎﻧﺮﻛﺫ ﻦﻣ؟ﺏﺎﺒﺳﺃ ًّ ﻞﻫ ﺎﻨﺳﺭﺎﻣ ﻘﺣً ﺎﺎﻋﻭﺮﺸﻣ - ﻞﻫ ﺯﻮﺠﻳ ﺎﻧﺮﻴﻐﻟ ﻥﺃ ﻡﻮﻘﻳ ﺦـﺴﻨﺑﺎﻣ ﻪﺠﺘﻨﻧ ﺽﺮﻐﻟ ﻱﺭﺎﺠﺗ ﻭﺃ ﻩﺮﻴﻏ ﻥﻭﺩ ﻥﺫﺇ - ؟ﺎﻨﻣ ﻥﺎﻜـﻓ ﺏﺍﻮﺟﻲﻠﻴﻠﺨﻟﺍ ﻥﺃ ﻞﺻﻷﺍ» ﻲﻓ ﻢﻠﻌﻟﺍ ﻪﻧﺃﻻ ،ﺮﻜﺘﺤﻳ ﻦﻜﻟﻭ ﺎﻤﺑ ﻢﻜﻧﺃ الضرر » لو لم تفعلوا ذلك لترتبت عليكم مضار مادية، ومن القواعد الفقهية أن مزال « و لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » « لا أرى مانعا ً من اتباعكم هذا الأسلوب الذي أصبح متعارفا ً عليه د َوليا، وأراكم مارستم حق ّا ً مشروعا ً لكم، ْ ًّ « ولا يجوز لغيركم إيقاعكم في الضرر(١) . (١) .١٢٥ - الخليلي: نفسه، ص ١٢٤ z ∫Gõj Qô°†dG{ :IóYÉb âëJ áLQóæªdG óYGƒ≤dG الضرر يزال » : تندرج تحت قاعدة « لا ضرر ولا ضرار » أو « قواعد فرعية بعضها مخصصة لعموم الضرر، وبعضها مقيدة للضرر المطلق، وفي حالة تعارض ضررين أحدها أشد من الآخر يرخص في الأخف لدفع الأشد، ويتحمل الضرر الخاص لرفع الضرر العام، لأن الضرر لا يكون دائما ً في درجة واحدة، وكما يجب إزالة الضرر في كل الأحوال ولو كان قديما ً ، ولبيان ذلك اقتضى تقسيم هذا المبحث إلى عدة مطالب كما يلي: الضرر يدفع بقدر الإمكان » : المطلب الأول: قاعدة .« الضرر لا يزال بمثله أو بأعظم منه » : المطلب الثاني: قاعدة .« الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف » : المطلب الثالث: قاعدة .« يختار أهون الشرين أو أخف الضررين » أو .« إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا » أو ً .« بارتكاب أخفهما يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام » : المطلب الرابع: قاعدة .« درء المفاسد أولى من جلب المصالح » : المطلب الخامس: قاعدة .« إذا تعارض المانع والمقتضى يقدم المانع » : المطلب السادس: قاعدة .« الضرر لا يكون قديما » : المطلب السابع: قاعدة ً .« وسيكون دراسة هذه القواعد وفق المنهج السابق بإذن الله. الضرر يزال » : هذه القاعدة تتفرع عن قاعدة « لأنها تتعلق بدفع الضرر قبل وقوعه بكل الوسائل والإمكانات المتاحة، ولم يصرح بهذه القاعدة فقهاء الإباضية في مصادرهم، ولكن أعملوها في فروعهم الفقهية فهي(١) مجسدة في كثير من المسائل الفقهية، ويمكن استنباطها من تعليلاتهم للأحكام الشرعية. k :IóYÉ≤dG ≈æ©e :’hCG إن الضرر يدفع شرعا ً ، فإن أمكن دفعه بدون ضرر أصلا ً ، وإلا فيتوسل لدفعه بالقدر الممكن. وهذه القاعدة تفيد وجوب دفع الضرر قبل وقوعه قدر الإمكان وفقا ً سد الذرائع » لقاعدة المصالح المرسلة والسياسة الشرعية، فهي من باب « ومن ويكون دفع الضرر بقدر الاستطاعة؛ لأن التكليف « الوقاية خير من العلاج » باب الشرعي مقترن بالقدرة على التنفيذ. كما تفيد أنه إذا لم يمكن دفع الضرر بالكلية فيدفع بالقدر الممكن، فلا يترك ولا يتجاوز فيه إلى أكثر من القدر الممكن الدفع به، فإن كان يمكن أن يقابل بعوض جبر به(٢) . ُ (١) ٧١ فما بعدها. الزرقا مصطفى: المدخل / المجلة العدلية، المادة ( ٣٢ ) من شرح الأتاسي، ١ الفقهي، فقرة ٥٨٧ . بتصرف. (٢) البورنو: الوجيز في إيضاح القواعد الكلية، ص ٢٥٦ . القاضي منير، شرح مجلة الأحكام، ٩٠ . الزرقا أحمد، شرح القواعد الفقهية، ص ١٥٣ . شبير محمد عثمان، القواعد /١ . الكلية، ص ١٨٤ k :IóYÉ≤dG √òg π«dO :É«fÉK تستند هذه القاعدة إلى أدلة رعاية المصالح المرسلة وأدلة سد الذرائ ع، فقد قام الدليل العام على أن الشارع يراعي مصالح الخلق، ويقصد إليها في كل ما شرع من أحكام، كما يقصد رفع الضرر والفساد ماديا ً كان أو معنويا ً أو ّّ متوقعا ً ، ومن يرجع إلى كتب الفقه يجد الأمثلة من الأحكام التي لم تعلل إلا بمطلق مصلحة ت ُجلب أو ضرر يدف َ ع وكان الصحابة رضوان الله عليهم أكثر ُْ الناس استعمالا ً لهذه القاعدة، وأقضيتهم المتعلقة بالعقوبات والسياسة الشرعية خير شاهد على أن الشارع يسد الطريق إلى المفاسد بكل ممكن، ومن الأدلة التي يستشهد بها لهذه القاعدة من القرآن: ١ قوله تعالى: ﴿ ¨©ª«¬®¯°± ³² ´ ¶µ ﴾ (الأ ن فال : ٦٠ (. وجه استدلال هذه الآية: أن الله 8 أمر المؤمنين بإعداد المستطاع للقوة؛ لدفع ضرر الأعداء بإرهابهم وتخويفهم بذلك الإعداد وتلك القوة، فلا يهاجمون المسلمين وإن هاجموهم كانوا لهم مستعدين. ٢ وفي باب تحريم نكاح التحليل قال تعالى: ﴿ ÒÑÐÏÎÍ äãâáàßÞÝÜÛÚÙØ×ÖÕÔÓ å ﴾ (ا بل قرة : ٢٣٠ (. ووجه الاستدلال بالآية: أنه إذا بانت المرأة من زوجها بثلاث تطليقات لم يحل له مراجعتها حتى تنكح زوجا ً غيره ثم يطلقها. ولكن إذا تزوجها هذا الأخير بنية طلاقها، وعلم بنيته بقرائن الحال كان ُ النكاح محرما ً ، وقد سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالتيس المستعار(١) . ّ (١) نص الحديث: عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «؟ ألا أخبركم بالتيس ا لمستعار » قالوا: بلى يا رسول الله، قال: « هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل ل ه » ابن ماجه، السنن كتاب النكاح، باب المحلل والمحلل له، حديث: ١٩٢٦ ، وحسنه الألباني ورواه الحاكم في المستدرك، كتاب .« هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه » : الطلاق حديث: ٢٧٣٦ قال الحاكم k :IóYÉ≤dG ´hôa øe :ÉãdÉK وحكم الإباضية أنه إذا تبين هذا القصد السيئ بأن علمه أحد الثلاثة: َﱠ الزوج أو الخاطب أو المرأة، لم تحل الزوجة لزوجها الأول؛ ولو ندم الزوج الثاني بعد زواجه؛ لأن نكاحه بني على هذا القصد؛ فلا اعتداد به في تحليل َُ الزوجة وذلك إعمالا ً لقاعدة سد الذريعة للفساد(١) . اعتنت كتب الفقه الإباضي عناية خاصة بهذه القاعدة، تجل ﱠ ت في كثير من اجتهادات فقهائه، وبخاصة في أنواع النكاح والبيوع(٢) . ١ ففي جانب المصالح العامة: شرع الجهاد لدفع شر الأعداء، ووجبت العقوبات لقمع الإجرام، وصيانة الأمن(٣) . ٢ وجب سد ذرائع الفساد من جميع أنواعه، وهذا التأصيل من الأصول العمرية الواضحة، فقد ع ُ رف عمر 3 بسياسته الوقائية وإجراءاته الردعية؛ لأنه وجه من وجوه رعاية مقصود الشارع في حفظ المصالح ودرء المفاسد (٤) . ومن الذرائع المحرمة التي تؤدي إلى الضرر: - من تسبب في تضييع من يرثه حتى مات، كان بمنزلة قاتله، فلا يرثه، وإن لم يكن وارثا ً وكان الهالك أوصى له بطلت وصيته قياسا ً على القاتل ومعاملة بنقيض قصدهما (٥) . (١)٧٣ . / جابر بن زيد، من جوابات الإمام جابر بن زيد، ١٤٨ . الخراساني، المدونة، ٢ باجو، منهج الاجتهاد عند الاباضية، ص ٧٦٥ . وينظر: أرشوم مصطفى، النكاح صحة وفسادا ً وآثارا ً . في المذهب الإباضي، ص ٢٢٥ (٢) باجو: المرجع نفسه، نقلا ً عن الخليلي أحمد في مقابلة خاصة معه بتاريخ ١ رمضان، ١٩٩٧ م. /١/ ١٤١٧ ه ١٠(٣) .٤٨٧/ ابن بركة: الجامع، ٢(٤) . باجو: المرجع نفسه، ص ٧٦٣(٥) . أبو العباس أحمد، كتاب أبي مسألة، ص ١٦٧ - ِ وفي المعاملات حرموا بيع الع ينة لإفضائه إلى الربا المحرم، ومنعوا (١) السلاح لأهل الفتنة، وكذلك العنب لمن يعصر خمرا ً . وقد روى الربيع في بيع العينة عن ضمام عن جابر بن زيد في رجل يبيع من رجل متاعا ُ نسيئة؟ قال: لا بأس أن يشتري منه ذلك المتاع بعينة، بأقل أو أكثر، قال الكوفيون : الشراء الثاني فاسد وهو ضرب من الربا(٢) . قال الفقيه باجو : فمن أجازه بنى على الظاهر ومن منعه اعتبر » « الباعث(٣) . k :á«°üî°ûdG ∫GƒMC’G ÜÉH »a :É©HGQ أ طلاق ا لفار : أقر الإباضية قول عمر 3 فيمن طلق زوجته ثلاثا ً ﱢ في مرض موته، ومات في عدتها، أنها ترثه ما كانت في العدة ولا يرثها، وذلك إذا تبين أن الضرر كان من الزوج لقصده لسيئ، أما إذا طلبت هي ﱠ الطلاق فلا ميراث لها، والعبرة دائما ً للباعث، والضرر يزال بقدر الإمكان (٤) . ب وفي نكاح المعتدة: حكم عمر أن من نكح معتدة ودخل بها فرق بينهما فراقا ً مؤبدا ً ، وإن لم يدخل بها فسخ النكاح واعتدت بقية عدتها ثم صار واحد من الخطاب. وزاد الإباضية فحرموا حتى الخطبة من الرجل ومن المرأة سواء، وإلا حرمت عليه احتياطا ً وسد ّ ا ً للذرائع (٥) . (١) . باجو: منهج الاجتهاد، ص ٧٦٤ (٢)الربيع بن حبيب: آثار الربيع بن حبيب، ص ١٢ . جابر بن زيد، من جوابات الإمام جابر بن .١١١ - زيد، ص ١١٠(٣) . باجو: المرجع نفسه، ص ٧٦٤(٤) .٧٣/ الخراساني: المدونة الكبرى، ٢(٥) . أبو العباس أحمد، كتاب أبي مسألة، ص ١٤٩ . باجو، المرجع السابق، ص ٧٦٦ وتحريم المنكوحة في عدتها حكم متفق عليه عند الإباضية والمالكي ة، وهو قول عدد من الصحابة تأييدا ً لفعل عم ر، إذ رآه صلاحا ً للرعية فلم ينكروا فإذا ترك المسلمون النكير على الإمام حكمه في حادثة كان أثرا » ، عليه ً يعمل « به، ويعتمد عليه(١) . ج كما حكم الإباضية على من هوى امرأة فقتل زوجها أن المرأة تحرم عليه قياسا ً على قاتل وارثه ليرثه، وأنه يحرم من الميراث وسد ّ ا ً لذريعة الفساد، وزاد آخرون فيمن خبب امرأة على زوجها أنها تحرم عليه(٢) . ﱠ د ومن ذلك أيضا ً : تحريم نكاح المزنية على من زنى بها، واستند الإباضية في هذا الحكم إلى النصوص، ومن قياسه على اللعان(٣) ، ثم أيدوا ذلك بقاعدة سد الذرائ ع، حتى لا يتخذ الزنى الحرام ذريعة للنكاح الحلال؛ لأن الوسيلة المحرمة لا تفضي إلى الغاية المباحة، وفي هذا التحريم معاملة للزاني بنقيض قصده وطبقا ً من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه » : للقاعدة « ورفعا ً للضرر بقدر الإمكان، فتبين أن هذا منسجم مع مقاصد الشارع في حفظ الأعراض، وكبح جماع الفساد، وحض الناس على اتخاذ السبل المشروعة لبلوغ الغايات المباحة(٤) . ه والرجل إذا ظاهر زوجته بقصد ت عطيلها وإضرارها ليدعها لا متزوجة ولا مطلقة، فإنهم حكموا عليه إذا مسها قبل أن يك َ ف ّ ر أنها تحرم عليه أبدا ً ُ معاملة له بنقيض مقصوده أيضا ً وإزالة للضرر بقدر الإمكان(٥) . و والمرأة إذا زنت وخانت زوجها في فراشه، فإنها ترجم لإحصانها، (١) . ١٣٩ . ابن خلفون المزاتي، الأوجوبة، ص ٤١ / ابن بركة: كتاب الجامع، ٢(٢) .٣٤٦/ الوارجلاني: العدل والإنصاف، ٣(٣) أرشوم مصطفى، النكاح صحة وفسادا ً وآثارا ً .٢٤٤ - في المذهب الإباضي، ص ٢٤٢ (٤) .٧٦٧ - باجو: المرجع نفسه، ص ٧٦٦(٥) باجو: منهج الاجتهاد، ص ٧٦٧ . نقلا ً عن محمد بن محبوب، أبواب من السن ﱠ ة، مخطوط ٦ ظ. ﱡ والخلاف في ميراث زوجها منها، فذهب بعض الإباضية إلى أنه لا يرثها؛ لأنها قد بانت منه قبل موتها وحرمت عليه بزناها، وخرجت من عصمته، ورأى آخرون أن له الميراث ولا يحرمه بغيها وخيانتها من حقه في الميراث، ويرى الفقيه باجو أنه من العدل أن يرثها ويسترد الصداق؛ لأنها خانته في نفسها، فأبطلت بذلك حقها في صداقها، فيسترد الزوج ما أعطاها بنقيض مقصودها، وذلك رفعا ً للضرر عن الزوج بقدر الإمكان(١) . ز ومن تطبيقات هذه القاعدة في مجال سد الذرائع في ا لميراث ، ما أفتى به الإمام جابر بن زيد بمنع الرجل من التصرف في ماله إذا صار في حال يخشى فيه من الموت، ويضعف أمله في الحياة، فلا يجوز له في ماله إلا الثلث، وذلك كأن يكون في الحرب والمسايفة، أو داخل حريق لا يقدر أن ينجو منه أو في البحر وقد صار إلى حد الغرق، وألحقوا به المرأة الحامل إذا ضر بها المخاض(٢) . فهولاء ليس لهم تصرف في أموالهم إلا في حدود الثلث حملا ً لهم على حال الوصية؛ لأنه تصرف مضاف إلى ما بعد الموت(٣) . ولا ريب أن في هذا الإجراء وقاية للورثة من الضرر الذي قد يلحقهم من مورثهم إذا تصرف بكل ماله فيحرموا من الميراث، فوجب تحديده بالثلث رفعا ً للضرر بقدر الإمكان. k :äGOÉÑ©dG ÜÉH »a :É°ùeÉN في دفع المصلي الضرر عن نفسه أثناء ا لصلاة: قرر الفقهاء أنه يجوز للمصلي أن يبعد عن نفسه الأذى إذا شغله عن الصلاة وذلك لإصلاحها حتى لا ينشغل عنها، فإن فعل ذلك فلا نقض عليه، (١) . ٦٥ باجو، المرجع نفسه، ٧٦٧ / الخراساني: المدونة، ٢ (٢). جابر بن زيد، من جوابات الامام جابربن زيد، ص ١٠٥(٣) . باجو: نفسه، ص ٧٦٨ ولكن اشترطوا أن يدفع الضرر عن نفسه بقدر الإمكان دون تجاوز حدود الشرع، والدليل على ذلك ما روي من طريق أبي سعيد الخذري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدكم إذا قام يصلي ف لا يدع أحدا » ً يمر بين يديه فليدرأه ما استطاع « فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان(١) . وما روي من طريق عائشة # كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم » : قالت ٍ ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني، وإذا قام بسطتهما والبيوت يومئذ ليس « فيها مصابيح(٢) . وقد بنى العلماء على هذين النصين أحكاما ً لصور عديدة تطرأ للمصلي في صلاته، فيضطر إلى دفعها لإصلاح صلاته، وعد ّ د الشماخي جملة من فعلى هذا المعنى » : الصور في سياق تعقيبه على الحديثين السابقين فقال إذا دخل الرجل صلاته ثم حدث إليه ما يخاف عليه أن يفسدها مثل: الريح إذا قامت عليه أو مطر نزل به أو دخان، أو خاف من البيت أن ينهدم عليه أو ما أشبه ذلك، فإنه يشتغل في إصلاح صلاته بالتحول من مكان إلى ّ مكان ويمضي في صلاته مع تحوله، فإذا تم قراءته ركع وسجد، وإن لم ّ يمكنه الركوع والسجود في ذلك الموضع زاد في قراءته حتى يبلغ موضعا ً يمكنه فيه الركوع والسجود ما لم يخف فوات وقت الصلاة، فإن خاف « فوات الوقت استأنف صلاته وقصرها كما أمكنه(٣) . ويعلل جواز هذه (١) متفق عليه واللفظ لمسلم رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس، رقم: ٣١٠٠ ، والربيع، كتاب الصلاة، باب الجواز بين يدي المصل ﱢ ي، رقم: ٢٤٣ ، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب ﱠ منع المار بين يدي المصل ﱢ ي، رقم: ٥٠٥ ، عن أبي سعيد الخدري . إذا صلى أحدكم إلى » : بلفظ ﱢﱢ .« شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان(٢) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة على الفراش، رقم: ٣٧٨ ، وكتاب الصلاة، أبواب سترة المصلي، باب التطوع خلف المرأة، حديث: ٥٠٠ . ومسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي، رقم: ٨٢٧ ، عن عائشة # . (٣) .٢٨٢ - ٢٨١/ الشماخي: الإيضاح، ٢ لأنه مأمور بدفع المضرة عن نفسه » : الأفعال الاضطرارية في الصلاة بقوله « في الصلاة(١) . واشترط الشماخي ألا يزيد المصلي على ما فعل، بل يقتصر على الضروري فقط، فإن جاوز هذا الحد ذهب بعضهم إلى إعادة صلاته، وفي هذا المعنى وإن استعمل يده فيما ينبغي له أن يستعمل فيه رجله أو رجله فيما ينبغي » : يقول أن يستعمل فيه يده فإنه يعيد صلاته؛ لأن ذلك زيادة على ما يجزيه دفع المضرة، وقال بعضهم: لا إعادة عليه، ولعل هؤلاء ذهبوا إلى عموم قوله صلى الله عليه وسلم : فليدرأه » « ما استطاع(٢) ، ولم يلتفتوا إلى القياس في هذا، وكذلك إن دفع المضرة التي في رأسه بغير يديه من هذا الاختلاف، مثل أن يدفع المضرة برأسه في الصلاة أو ضره شيء في شفته فحكه بأسنانه أو نفخ بأنفه أو نف َ سه في الصلاة... ومثل هذا كله إن ضره شيء في أضراسه مثل الطعام فإنه ينزعه بلسانه إن أمكنه، وإن لم يمكنه فلينزعه بعود ولا ينزعه بيده، وكذلك إن كان الطعام في فيه وخاف أن يشغله عن صلاته، فإنه يخرجه من فيه بلسانه، وليحذر أن يجاوز لسانه «... حمرة شفتيه لئلا يزيد في عمله، وإن جاوزهما أعاد صلاته(٣) . ومن الحالات التي قد تعرض للمصلي في صلاته فيضطر إلى دفعها قدر استطاعته ولا نقض عليه ما ذكره الشماخي أيضا ً : وكذلك إن خاف في » صلاته، فإنه ينظر إن أحس شيئا ً ، وإن لم يحس فلا ينظر، وكذلك إن ضره ّ شيء في جسده فإنه يحكه بأصبعه، وإن حك جسده حتى قلع منه شعرة أو (١) .٢٨٣/ الشماخي: نفسه، ٢(٢) رواه النسائي في السنن الكبرى، كتاب القسامة، ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول واختلاف الناقلين له، حديث: ٦٨٥٢ عن أبي سعيد الخدري سعد بن مالك. ورواه ابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب شروط الصلاة، ذكر خبر قد يوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن الزجر، حديث: ١٧٢٣ بزيادة، عن عبد الله بن مغفل وصححه الألباني. (٣) .٢٨٤ - ٢٨٣/ الشماخي: نفسه، ٢ :á°UÉîdG ¥ƒ≤ëdG ÜÉH »a :É°SOÉ°Sk جلدة فإنه يعيد صلاته؛ لأنه زيادة على ما يجزيه، وقال بعضهم: لا إعادة عليه حتى يدمي بدم فائض، وهؤلاء في ذلك عندهم دون زواله، وكذلك (إذا) وقع عليه شيء مما يخاف أن يشغله عن صلاته فإنه يصرفه عن نفسه، مثل ذبابة أو بعوضة أو غيرهما مما يضر الرجل في صلاته ولا يتعمد قتلهما، وإن قتلهما على ذلك فلا بأس عليه، وكذلك إن كان يصلي مقابلة رجل أعمى أو ما أشبهه ذلك، فنحى له عن موضعه حذرا ً على نفسه أن يضره، فلا بأس عليه؛ لأنه « لا يدفعه عن نفسه كغيره من الأصحاء؛ لأنه أعمى لا حرج عليه(١) . وختم الشماخي قوله بوضع ضابط عام لجميع الحالات والصور الضارة وبالجملة إن جميع » : التي تعترض المصلي في صلاته فيضطر إلى إزالتها فقال ما كان فيه إصلاح لصلاته يشتغل به إذا شغله عن صلاته « (٢) لأن مثل هذه الصور كثيرة ومتجددة لا يمكن حصرها. أ في حق ا لشفعة: شرع الإسلام حق الشفعة لدفع الضرر المتوقع عن الجار والشريك(٣) ، قال والشفعة جائزة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: » : أبو العباس أحمد الجار أحق ب صقبه » « (٤) (١) .١٨٧ - ٢٨٦/ الشماخي: نفسه، ٢(٢) .٢٨٨/ الشماخي: نفسه، ٢(٣) ٣٠١ الحضرمي أبو إسحاق، مختصر الخصال، ص ١٥٠ / ابن جعفر: الجامع، ٤ - ١٥١ . ٤٢٣/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .٤٢٤ (٤) رواه البخاري، كتاب الحيل، باب احتيال العامل ليهدى له حديث: ٦٥٩٩ بلفظ: عن عمرو بن الشريد: أن أبا رافع، ساوم سعد بن مالك بيتا ً بأربع مائة مثقال، وقال: لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « الجار أحق بصقبه ما أعطيتك » . رواه أيضا ً ، كتاب الحيل، باب في الهبة والشفعة، رقم: ٦٥٩٤ عن أبي رافع. ورواه أحمد بن حنبل في المسند، مسند الأنصار، من مسند القبائل، حديث أبي رافع حديث: ٢٦٥٩٣ بلفظ: « الجار أحق بصقبه أو سقبه » .= أي شفعته وهي: للشريك الذي لم يقاسم شريكه دون الملاصق، فإذا وقعت الحدود زالت الشفعة وهي إنما جعلت لشأن المضرة عن الشريك، ويؤكد وهي الشفعة إنما جعلت » : أبو العباس أحمد هذا الأمر في موضع آخر بقوله « لشأن المضرة للشريك(١) . .« أي لدفع المضرة عنه واعلم أن ليس لأحد أن يشتري مالا » :« جامعه » قال ابن جعفر في ً بشفعة شفيع إلا برأيه، وأوجب الش ﱡ ف َ ع المشتركة في الأصول، ثم من بعد ذلك ما يشفع بالمضار، مثل الذي عليه ساقية الماء في ماله، أو طريق غير جائز أو طرح الميزاب ومجاري المياه من الأمطار إذا جرت على المزارع واجتماع « الجذوع على الجدار بين الدارين ونحو ذلك(٢) . ب في الحجر على ا لسفيه: وشرع الحجر على السفيه لدفع ضرر سوء تصرفاته المالية، قال الثميني وقد ندب للحاكم أو الجماعة إذا رأوا من يفسد » : في باب الحجر على السفهاء ماله أو يتلفه أن ينزعوه منه، ويجبرونه بالحبس أن يمك ﱢ نه لأمين يحرزه له إن أبى، ولا يعطيه منه إلا ما يحتاجه، ولهم أن يحرزوه له بأنفسهم أو يحجروا عليه أن لا يفسد فيه، فإن أفسد شيئا ً « فيه أدبوه(٣) . وشرع الحجر أيضا ً على المفلس منعا ً للضرر عن الدائنين(٤) . = وصححه الألباني. وأخرجه الدارقطني في السنن، كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك، باب في المرأة تقتل إذا ارتدت، حديث: ٣٩٧٠ بلفظ: أن أبا رافع سامه سعد ببيت له، فقال له سعد: ما أنا بزائدك على أربعمائة مثقال فقال له أبو رافع: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « الجار أحق ب صقبه » ، والصقب القرب، ما أعطيتك. عن أبي رافع، والدارقطني، كتاب الأقضية والأحكام، رقم: ٣٩٧٠ ، عن أبي رافع. (١) . أبو العباس أحمد، كتاب أبي مسألة، ص ١١٢(٢) .٢٠١/ ابن جعفر: المرجع السابق، ٤(٣) . الثميني: الورد البسام، ص ١٥٤ . الحضرمي أبو إسحاق، مختصر الخصال، ص ١٤٥(٤) الحضرمي: المصدر نفسه. ج في حق ا لجوار: إذا كان لأحد المزارعين ساقية تمر من أرض جيرانه وينتفع بها وحده ّ فاحتاجت هذه الساقية إلى إصلاح وترميم، هل يجوز له أن يأخذ التراب من صاحب الأرض أم يجب عليه أن يجلبه إليها من خارجها، ويلحق الضرر بأرض غيره؟ فذكر بعض الإباضية أن إصلاح القناة المائية تكون على صاحبها ولا يتحمل غيره ذلك، ويجب عليه أن يزيل الضرر عنه بقدر الإمكان، ويجوز له أن يأخذ التراب من الأرض التي مرت عليه بدون إلحاق الضرر بأرضه، فإن ﱠ تطل ّ ب ترابا ً كثيرا ً فعليه أن يجلبه من خارجها رفعا ً للضرر عن صاحب الأرض. وعن ساقية تمر في مال رجل في أرضه » : وفي هذا المعنى يقول ابن جعفر ّ ونخله عليه ممر الماء في ماله إلى أرض أسفل منه حقيقة لهم عليه، فغابت الساقية فأراد الذين يجرون فيها الماء أن يصلحوها بالتراب، من أين يكون هذا التراب من مال الرجل ومن مالهم؟ فعلى ما وصفت فإنهم يحملون التراب من أرض الذي عليه الساقية بلا مضرة على صاحب الأرض، فإن كانت هناك مضرة كانت التقوية من الساقية، فإن لم يكن في الساقية كفاية على صاحب الساقية إصلاح الساقية ويأتوا « بالتراب من حيث شاؤوا(١) . k :√ójóëJh π°ùædG º«¶æJ »a :É©HÉ°S اختلف العلماء في حكم تنظيم النسل وتحديده، فمنهم من منع ذلك مطلقا ً ، ومنهم من أجازه عند الضرورة، ومن الذين درسوا هذه المسألة وفصلوا فهناك حالات تعرض » : فيها القول الشيخ عبد الرحمن بكلي ومما جاء في قوله ٰ (١) .٢٠٥/ ابن جعفر: الجامع، ٤ للنساء تجعل حياتهن وحياة نسلهن في خطر، كتعسر الولادة أو كانت قد ّ أجرت لها العملية القيصرية من الجانبين فقرر الأطباء أن حملها مرة أخرى يلحق بحياتها الخطر، أو قرروا وجود مرض خبيث منتقل بأحد الزوجين أو بهما معا ً ، ويستعصي علاجه فلا ينتجون إلا مريضا ً يحمل جراثيم ذلك المرض إلى من بعده أو ما شاكل ذلك. وإزاء هذه الحالات نجد الشريعة الإسلامية الكاملة التي من قواعدها: الضرر مدفوع بقدر الإمكان » « المشقة تجلب التيسير » و « لا يكلف الله نفسا » و ً و « إلا وسعها ﴿ ÒÑÐÏÎÍÌ ﴾ )البقرة : ( ٢٨٦ ، نجدها لا تضيق ّ ِ على هؤلاء المرهقات واسعا ً وتحتم عليهن أن يمتن بدائهن، بل لا بد وأن تجعل أعذارهن محل اعتبار فتبيح لهن تحديد النسل إما مؤقتا ً أو دائما ً ، وقد توجبه على بعضهن إيجابا ً والضرورة تقدر بمقدارها » « ولكن كل ذلك كان لضرورة وبصفة فردية وبنسبة يجب أن تكون ضئيلة في الأمة لا أن تكون « إجماعية واختيارية(١) . ولا ريب أن رأي البكري يتماشى مع مقاصد الشريعة في حفظ النفس إزالة للضرر بقدر الإمكان » وتقديمها على حفظ النسل عند التعارض، وفيها « قبل وقوعه ما دامت هناك أسبابا ً مظنة لحدوث ضرر أعظم. (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٣٢٠/ فتاوى البكري، ١ - .٣٢١ k :IóYÉ≤dG ≈æ©e :’hCG k :IóYÉ≤dG äÉ≤«Ñ£J :É«fÉK هذه القاعدة تعتبر قيدا ً الضرر يزال » للقاعدة الكلية الكبرى « لأن الضرر مهما كان واجب الإزالة فلا يكون بإحداث ضرر مثله ولا أعظم منه من باب أولى فشأنها شأن الأخص مع الأعم في الحقيقة، بل هما سواء؛ لأنه الضرر يزال » لو أزيل بالضرر لما صدق « ولكن يجوز دفع الضرر بما هو أقل منه، فالشرط إذ ً ا أن يزال الضرر بلا إضرار بالغير إن أمكن، وإلا بالأخف منه، قال الراشدي : فيرتكب أخف الضررين إن اجتمعا وأقل » « المفسدتين(٢) ، فمثاله الطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض لعلمه أن ضرر هذه العملية أقل من الضرر الذي يعانيه المريض، فإن الضرر في إجراء العملية أكبر من الضرر الذي يعاني منه المريض، أو كان مساويا ً له لم يجز له إجراء العملية. وتستند هذه القاعدة إلى أدلة كثيرة من الكتاب والسن ﱠ ة ذكرناها في القاعدة ﱡ الكبرى فلا داعي لإعادتها. الضرر » هذه القاعدة تندرج تحتها مسائل كثيرة تخصص القاعدة الكبرى يزال « لا ضرر ولا ضرار » أو « وسوف نذكر بعضها زيادة في بيان مدلول القاعدة كما يلي: (١) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٤١(٢) الراشدي: المرجع نفسه. ١ التضحية بالنفس لجلب المنفعة لها أو ل لغير: ذهب أهل العلم إلى تحريم إلقاء النفس إلى الهلاك لأجل الطمع في جلب منفعة للنفس أو الغير، أو دفع ضرر أخف على النفس أو الغير؛ لأنه لا يجوز إزالة الضرر بمثله أو أشد من ه، وفي هذا المعنى يقول أبو العباس لا يحل للرجل أن يلقي نفسه إلى التهلكة لاجترار المنافع إلى » : أحمد نفسه وإلى غيره، ولا يدفع المضار عن نفسه وعن غيره بما يتولد عنه تلف نفسه كلها، مثل أن يترك الطعام والشراب حتى يموت جوعا ً أو عطشا ً ، سواء تركه كذلك من غير علة، أو طلب بتركه له منافع غيره من بني آدم « وغيرهم(١) . ويشير أبو العباس إلى قضية هامة يلجأ إليها بعض المعارضين السياسيين ِ إذا أراد أن يسمع صوته إلى الناس، فيضرب عن الطعام حتى تتحدث عنه ُ وسائل الإعلام، فيهب أصحاب حقوق الإنسان للدفاع عنه، وقد يصل به الأمر إلى الموت، وربما يفعل ذلك حمية، وقد يمتنع عن الطعام لأجل ظلم وقع على غيره، فيطالب الحاكم بإطلاق سراح المعتقلين، فيصبر مدة على تلك الحالة حتى يجبر الحاكم عن التراجع عن حكمه، ويخفف الحكم عنهم أو يطلق سراحهم، ولكن قد لا يخضع لهم فيبقوا على تلك الحالة حتى يموتوا ويهلكوا، وهذا يعتبر قتل للنفس بغير حق بل انتحار، والله ينهى عن ذلك بقوله: ﴿ yxwvut ﴾ (ا بل قرة : ١٩٥ ( ، وقال أيضا ً : ﴿ LKJI QPONM ﴾ )النساء : ( ٢٩ . ولذلك فعملا ً لا يجوز » : بهذه القاعدة ،« درء المفسدة أولى من جلب المصلح ة » و ،« إزالة الضرر بضرر مثله أو أشد من ه فعند تعارض المصالح مع المفاسد ت ُ غل ّ ب المفاسد على المصالح لدفع ضرر أعظم والله أعلم. (١) . أبو العباس أحمد، كتاب أبي مسألة، ص ١٤٤ ٢ إنقاذ النفس من الهلاك بالتضحية ب الغير: لو تعرض ركاب السفينة إلى خطر الغرق وخافوا الهلاك فلا يجوز لهم أن يضحوا بأحدهم ويطرحوه في الماء طمعا ً في سلامهم ولو كان مشركا ً أو كافرا ً ؛ لأن ّ غرق الجميع ضرر فلا يزال بضرر مثله وهو إلقاء بعض الناس في الماء لتخفيف حمولة السفينة، واستثنى العلماء من هذه الحالة إذا كان معهم رجل محارب فإنه يجوز إلقاؤه في الماء والتضحية به؛ لأن وجوده معهم يشكل عليهم ضررا ً متوقعا ً ، وإلقاؤه في الماء لأجل نجاتهم فيه ضرر له محتمل كذلك؛ لأنه قد ينجو من الغرق إذا كان يحسن السباحة أو وجد من ينقده من الغرق من خارج السفينة. وفي هذا المعنى يقول الشماخي : ولا يلقون شيئا » ً من بني آدم في البحر ولو كان مشركا ً أو ذميا ً ؛ لأن تنجية الأنفس بالأنفس لا تجوز باتفاق، إلا إن ّ كان معهم مشرك محارب فنعم، وإن أرادوا طرح شيء من الحيوان فلا بأس « عليه بعد الذبح والله أعلم(١) . قال الشارح تعليقا ً على قول الشماخي : قوله إلا إن كان معهم مشرك » محارب فنعم، أنهم يلقونه في البحر لتنجية أنفسهم، وانظر هل يذبحونه إذا أرادوا طرحه كما يذبحون سائر الحيوانات لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا قتلتم فأحسنوا ا لقتلة »(٢) أو لا؛ لأن فيه قتل صبرا ً وهو أمر من الإلقاء في البحر، وأيضا ً إلقاؤه كذلك يحتمل ّ معه عدم الموت والخروج إلى البر خصوصا ً إذا ألقيا له شيئا ً يعتمد عليه فيكون المراد بقوله 5 شيئا ً « من الحيوانات غير ما يلقى من بني آدم(٣) . (١) .٣٠٩ - ٣٠٨/ الشماخي: الإيضاح، ٦(٢) رواه مسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، رقم: ٣٧٠٩ ، بلفظ: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، » « وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته . وأبو داود، كتاب الضحايا، باب في النهي أن تصبر البهائم، رقم: ٢٤٤٧ ، ورواه ابن حبان في صحيحه، كتاب الحظر والإباحة، كتاب الذبائح، ذكر الأمر بحد الشفار، حديث: ٥٩٦٧ . عن شداد بن أوس. (٣) .٣٠٨/ القصبي أبو ستة عمرو، الحاشية على الإيضاح، ٦ وقد أباح العلماء إلقاء الحيوان بعد ذبحه؛ لأنه يجوز التضحية بالمال لإنقاذ النفس وهذا يتوافق مع مقاصد الشريعة أن حفظ النفس يقدم على حفظ المال، والحيوان مال. ٣ في الإكراه: أ يرى بعض الإباضية أنه لا يجوز لمن أكره بالقتل أن يقتل غيره إذا كان قتله لمسلم بغير حق، فقتله ضرر وقتل غيره ضرر مثله فلا يجوز. فإن » : فإن قال » : قال ابن بركة في هذا الشأن في عبارة حوارية شيقة الجبار أمره بضرب رجل أو قتله، وقال له: إن لم تقتله قتلتك، هل له أن ّ يحيي نفسه بهذا الفعل؟ قيل له: ليس له أن يحيي نفسه بتلف غيره، ولا يفدي « النفس بمثلها، وإنما يجوز أن يفديها بدونها(١) . ورغم أن حفظ النفس من المقاصد الكبرى للشارع الحكيم، ولكن لا يجوز لأحد أن ينجي نفسه بالتضحية بنفس بريئة، وهو ما حدده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: كن عبد الله المقتول » « ولا تكن عبد الله القاتل(٢) «(٣) . ب وذكروا أيضا ً أنه لا يجوز لمن أكره بالقتل على أن يزني بامرأة غصبا أو برضى منها؛ لأن القتل ضرر والزنى ضرر ولعله أشد منه؛ لأن ضرره يتعدى إلى غيره ولا يقتصر على المزني بها بخلاف المقتول. (١) .١٩١/ ابن بركة: الجامع، ٢ (٢) أخرجه أحمد، مسند البصريين، حديث، ٢٠١٥٤ ، (ترقيم العالمية). ورواه الداني في السنن الواردة في الفتن، باب ما جاء في الفتن وغوائلها، حديث: ٣٠ عن عبد الله بن خباب بلفظ: قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تكون فتن، فكن فيها عبد الله المقتول، » « ولا تكن القاتل . ، وأورده ابن حجر، كتاب الفتن، باب الأمر باتباع الجماعة، رقم: ٤٤٥٠ وابن أبي شيبة، كتاب الفتن، باب من كره الخروج في الفتنة وتعود منها، رقم: ٣٦٧٤٤ ، عن جندب بن عبد الله. (٣) . باجو: منهج الاجتهاد، ص ٧٥٦ فإن قال: فإن كلفه الزنا وخاف القتل إن » : وفي هذا المعنى يقول ابن بركة لم يفعل؟ قيل له: لا يجوز له ذلك؛ لأن الزنا ظلم للمرأة فليس له أن يظلم غيره ليحيي نفسه، فإن قال: فإن كانت المرأة راضية بذلك مطاوعة له هل له ِ ذلك؟ قيل له: لا يجوز له أيضا ً ذلك ولو طاوعته لأنه ظلم لها لما يكل ّ فها (أو) يلحقها من العار والعيب القبيح والإثم العظيم عند الله 8 ، وإذا كانت بذلك راضية لأن الله جل ﱠ اسمه لم يأذن لها بأن ترضى به، فرضاها بما لم يجعل الله الرضا لها به لا يصير غير ظلم منه لها، كما أن لو رضي رجل بأن يقتله هذا المؤمن ليخلص به نفسه إذا أكرهه الجبار على أن يقتله لم يكن له ذلك، وإن « الله لم يجعل له الرضا بذلك(١) . ج وذكر أبو العباس أحمد والثميني جملة من الأفعال الضارة بالدين والنفس والغير، لا يجوز للمؤمن أن يفعلها ليفدي نفسه من القتل، كالقتل والزنى والضرب والجرح وأكل أموال الناس بالباطل وإتلافها، والتجسس والقذف وشهادة الزور والاستسلام للعدو في الحرب وأكل قاذورات البشر، فكل هذه أضرار لا يجوز إزالتها بأضرار مثلها أو أشد منها، وفي هذا المعنى وأما الوجوه التي لا يتق » : يقول أبو العباس أحمد ّ ي بها عن نفسه الموت وذلك: قتل النفس التي حرم الله قتلها من بني آدم كلها كائنا ً ما كان، وما دون النفس من الجروح والضرب والفساد في النفس كلها أحياء كانوا أو أمواتا ً ، وكذلك أكل أموال الناس بالتعدية كله والفساد فيها من غير حله من وجوه المتالف كلها، والتجسس في الأنفس والأموال، وقذف المحصنات، والشهادة بالزور، والفتوى بغير الحق، وإلقاء السلاح للعدو وإعطاء لباسه إياه، وشرب الخمر، وأكل أقذار بني آدم وجميع النجس الذي لم يكن فيه اختلاف العلماء في نجسه، فإنه يموت ولا يفعل شيئا ً « من هذه كلها(٢) . (١) . ١٩٣ . الثميني، الورد البسام، ص ٢٢٦ / ابن بركة: المصدر نفسه، ١(٢) أبو العباس أحمد، كتاب أبي مسألة، ص ١٤٣ - .١٤٤ وتابع الثميني أبا العباس أحمد في عرض المحرمات التي يجوز فعلها ولو أدى ذلك إلى الفداء بنفسه، وأضاف إليها الجماع في الحيض والنفاس أو باب فيما يموت الشخص ولا يفعله، ومن » : في اعتكاف أو إحرام، فيقول في ذلك: الزنا وقتل النفس المحرم قتلها، وأكل مال الغير بتعدية، وقذف المحصن، وشرب الخمر، وإعطاء السلاح والثياب إن كان يبقى عريانا ً به، واستهلاك الأموال والأنفس بالتجسس، والوقاع في الحيض والنفاس أو في اعتكاف أو «... إحرام على ما فصل في غير هذا الموضع(١) . وعند التأمل فيما ذهب إليه أبو العباس والثميني نجد أن بعض الأمور المحرمة يجوز للمكره ارتكابها عند الضرورة لتخليص نفسه من القتل ثم َ يفديها بالكفارة، وذلك كالصيام والإطعام مع التوبة والمحاللة إن كان قد ضر غيره؛ لأن القتل أعظم من هذه الأمور، كالاعتداء على أموال الناس بالأكل أو بالإتلاف، والتجسس على الغير، وقذف المحصنات، وشهادة الزور، والفتوى بغير حق، وتسليم السلاح للعدو، وشرب الخمر وكشف العورة، وأكل القاذورات، والجماع في الحيض والنفاس وعند الاعتكاف أو الإحرام، فكل هذه الأمور محرمة وفيها ضرر بالدين والغير ولكن ضررها أخف من ضرر القتل، فيجوز أن يفدي نفسه بهذه الأمور عند الضرورة القصوى إذا كان لا يقوى على تحمل الأذى. ويؤيد ذلك ما ذهب إليه ابن بركة البهلوي، فقد رخ ّ ص في بعض الحالات لما يكون الإكراه على فعل دون القتل؛ لأن القتل متفق على تحريمه، فليس ﱠ للإنسان أن يفدي نفسه بإزهاق نفس غيره، وله أن يفديها بما دونها، ولذلك أجاز شرب الخمر وأكل الميتة وقذف المحصنات إن خاف على نفسه القتل أو الضرب الشديد المؤدي إلى الهلاك. (١) . الثميني: الورد البسام، ص ٢٢٦ فإن قال: فإن أخذه الجبار بشرب الخمر أو الميتة » : يقول في هذا الصدد أن يأكلها هل له فعل ذلك؟ قيل له: نعم إذا خاف على نفسه، لأن الله جل ذكره قد أباح ذلك في الاضطرار بقوله 8 : ﴿ [ZYXW _ ba ﴾ (ا ل ما ئدة : ٣ ( . وقال 8 : ﴿ ¨ ª© ` ^]\ ¬ °²± ﴾ (الأ ن عام : ١٤٥ (. ¯® « فإن قال: فإن كلفه أن يقذف المحصنات أو يقول في أحد المسلمين ما ليس فيه، هل يجوز له ذلك؛ قيل له: نعم إذا خاف على نفسه القتل أو الضرب الشديد المؤدي إلى الهلاك، فإن قال: ولم أجزتم قذف المحصنات عند الاضطرار والقدح في المسلمين؟ قيل له: إن قذف المحصنات هو كذب عليهن، وكذلك القول في المؤمن بما ليس فيه ولا يشبهه هو كذب، وقد أباح الله جل ذكره عند الاضطرار للكذب لقوله: ﴿ WVUTS X ﴾ )النحل : ( ١٠٦ ، فعذره في هذا الحال وهو يقول: إن الله ثالث ثلاثة وهذا أعظم الكذب، لأنه كذب على الله تعالى، فالكذب على المسلمين أيسر إذا لم يعرف المعاريض، فأما إذا عرف المعاريض فليس له أن يقول إذا قدر، ألا ترى أنهم لو قالوا له: قل إن محمدا ً يكذب على الله وهو يعرف محمدا ً « آخر يكذب على الله في تنزيل أو تأويل فقال محمد كذاب(١) ، وليس يقصد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكن الفقيه باجو خالف هذا الرأي ومال إلى رأي أبي العباس والثميني والذي يبدو لنا راجحا » : ورجحه وقال ً هو الرأي المانع للعلة التي أوضحناها؛ ولأنه يتسامح في حق الله ما لا يتسامح في حق العباد، إذ حقوق الله مبناها المسامحة، وحقوق العباد مبناها المشاححة فالقياس على الكفر قياس مع « الفارق(٢) . (١) ١٩١/ ابن بركة: الجامع، ١ - .١٩٢ (٢) . باجو: منهج الاجتهاد، ص ٧٥٧ وبعد النظر في الأقوال المتقدمة يمكن موافقة الفقيه باجو في بعض ما رجحه، إلا أن المضرات التي لا تلحق بالغير وتلحق بالنفس، والتي هي من حقوق الله يجوز الترخص فيها عند الاضطرار، مثل: شرب الخمر والجماع في حالات الحيض والنفاس والاعتكاف والإحرام، وأكل النجاسات وكشف العورة، فهذه الأمور يترتب على فعلها التوبة والاستغفار مع الكفارة عند بعض الفقها ء، فلا يجوز التضحية بالنفس في سبيل الامتناع عن هذه المحرمات، بل حتى في بعض المحرمات التي يلحق ضررها بالغير كإلقاء السلاح للعدو وإتلاف المال، فالراجح فيها الجواز ما دام ضررها أقل من القتل، يمكن إصلاحه وإزالته بالمال والله أعلم. ٤ تهريب السلع الضرورية إلى خارج البلد وهو في حاجة إ ليها: سئل السالمي عن صاحب السلعة يمنع أن يحملها إلى بلد آخر إذا كان ُ أهل بلده محتاجين لها، ما وجه المنع مع أنه متصرف بماله؟ حاجة أهل بلده أولى من حاجة غيرهم، وعليه لهم حقوق ليست » : فأجاب للغير، وأيضا ً فحاجة هذا البلد متعينة حاضرة، وحاجة غيره مجهولة غائبة، ودفع الضرر المعلوم الحاضر ألزم من دفع الضرر المجهول الغائب؛ لأن الضرر المجهول الغائب يمكن ارتفاعه بوجه لا نعلمه فنحن جاهلون ببقائه إلى الآن، وهذا الحاضر نشاهد بقاءه، فهذه علل تمنع نقل السلعة من بلد إلى بلد، إذا احتاج إليها أهل البلد الأول كان صاحب السلعة من أهل البلد أو لم يكن، ولا يعارض هذا كونه متصرفا ً في ماله، فإنه لم يمنع من التصرف في ماله، وإنما منع من إدخال الضرر على غيره، يقول تعالى: ﴿ edc gf ❁ ji ﴾(المع ارج: ٢٤ - ٢٥ ( «(١) . ويؤكد الثميني في باب حمل الطعام ونحوه وبيعه هذا المعنى بما نصه: (١) .١٧/ السالمي: العقد الثمين، ٤ وجاز لأهل قرية غلا فيها الطعام أن يمنعوا من أراد أن يحمله منها إلى غيرها »إن احتاجوه وخافوا على أنفسهم، ولكل قرية أن يقتصروا على ما عندها، وكذا قال الثميني .« الصيادون في البحر : قلت) ولعل البر أيضا )» ً كذلك لا يحملون «... ما اصطادوه في بلدهم إلى آخر إلا إن اكتفوا منه(١) . وقد علل الثميني سبب المنع وهو ارتفاع الأسعار وغلاء الطعام الضروري كالقمح الذي يعد من غالب طعام الناس وهذا مما يضر بالمستهلكين ذوي القدرة الشرائية الضعيفة، فوجب منع البائعين والمحتكرين من رفع الأسعار أو نقلها إلى بلد آخر. ويظهر من خلال ما ذهب إليه السالمي والثميني أنهما اعتمدا على قاعدة: الضرر لا يزال بضرر بمثله أو أشد منه » « فحاجة أهل البلد الماسة إلى المواد الغذائية الأساسية تقضي الحفاظ على كل ما يتوفر من مواد في ذلك البلد، والحفاظ عليها وتوزيعها بالعدل حتى تسد كل حاجات المجتمع، وتهريب هذه المواد إلى بلد آخر لحاجته إليها أو طمعا ً في الربح الوفير ضرر يصيب أهل البلد الأصلي، وترك البلد الآخر كذلك بدون جلب السلع إليه بتعريضه للحاجة والجوع هو ضرر أيضا ً ،« لا يجوز إزالة ضرر بضرر مثل ه » ، إلا أنه وخاصة إذا كانت حاجة البلد الأصلي ظاهرة وحاجة البلد الآخر محتملة غير مؤكدة فيقدم اليقين على الظن في هذه الحالة إذا أردنا الترجيح. ويرى بعضهم أن منع صاحب السلعة من نقل سلعته إلى بلد آخر منعا ً للتصرف في ماله كما أشار إلى ذلك السالم ي، والحال أن الشريعة ضمنت حرية كل مالك في التصرف في ماله، وهذا ضرر خاص قد يلحق به، ولكن حرمان أهل البلد من السلع قد يؤدي إلى هلاكهم وهذا ضرر أعم ولذلك قرر يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام » الفقهاء في هذه الحالة قاعدة فقهية .« (١) . الثميني: الورد البسام، ص ٢٦٤ ٥ اتخاذ أقراص منع الحيض لأداء عبادة معينة في أوقات مخصوصة: ومن الصور المخرجة على القاعدة ما أفتى به بعض العلماء في جواز ّ تأخير العادة الشهرية عند النساء لأجل الحج والصوم، وهي من الأمور التي فطر الله النساء عليها، فهن يتعرضن إليها في كل شهر، فيأتيهن دم الحيض ليدل على براءة الرحم من الولد، ومن رحمته لهن أنه أسقط عنهن بعض التكاليف الشرعية أثناء فترة الحيض كالصلاة والصوم والحج، ولكن بعض النساء تريد أن تغير من النظام الذي وضعه الله لها فتتعاطى أقراص منع الحيض ليتأخر عنها، فتستطيع بذلك أداء الصوم كاملا ً في وقته، والقيام بمناسك الحج أيضا ً ، فما حكم الشرع في هذه العملية؟ هل » : سئل الشيخ عبد الرحمن بكلي عن هذه المسألة في سؤال مفاده ٰ يجوز للمرأة أن تستعمل حبوب منع الحمل لتؤخر دم الحيض قصد أن تصوم رمضان كاملا ً .«؟ أو تؤدي مناسك الحج تامة كل ما عط » : فأجاب ّ ل سير الحياة الطبيعية في الإنسان أو غير مجراه لا بد ّ وأن يكون له رد فعل طال الزمن أو قصر، إذ لو لم يكن لتعاطيه تأثير ما كان هناك تعطيل أو تغيير. ومن ذلك ما يذكره بعض الأطباء المخلصين(١) عن حبوب وأقراص منع الحمل وتأخير الحيض من أن له تأثيرا ً خبيثا ً وخطيرا ً على اللائي يستعملونها وإن بعد حين، ذلك هو ما يعقبه من القلق واهتياج الأعصاب الذي يكدر صفو حياتهن، يشهد لذلك قوله تعالى: ﴿ vutsrqp ﴾(البق ر ة ٢٢٢ ( ، فقد أخبر العليم الخبير أن دم الحيض داء، فإذا كان داء فاحتقانه في جسم المرأة واتخاذ الوسائل لمنع خروجه استبقاء للداء في الجسم سوف لا يلبث أن ينبعث إن لم يظهر سريعا ً متى ضعفت تلك الحصانة أو فقدت (١) هكذا في الأصل ولعله يقصد المختصين. يكون نتيجة طبيعية، ودم الحيض في المرأة كالبخار في جوف الأرض فإما أن يخرج وإما أن يحدث زلزالا، ً وأنت خبير أن كل ما يضر بالصحة ويفقد توازنها يحرم تعاطيه لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا ضرر ولا ضرار »(١) «(٢) . خلاصة ا لقول: إن دم الحيض مضر بصحة المرأة يجب التخلص منه؛ لأن الله وصفه بأنه أذى، واستعمال الأقراص الكيماوية لتأخيره ينتج عنه ضرر مثله أو أشد منه، ولا يجوز إزالة الضرر بمثله أو أشد منه » .« وبناء عليه فإن البكري رخص في استعمال الحبوب لأجل الحج ومنعه ً في رمضان، وعلل ذلك أن الحج يؤدى مرة واحدة في العمر بخلاف الصوم يتكرر كل سنة شهرا ً كاملا ً أما استعمالها الأقراص » : وفي هذا المعنى يقول لمنع الحيض في رمضان لتؤديه كاملا ً ، وفي الحج لقضاء مناسكه تامة من غير تعطيل، ففرق بين الحالتين، أما بالنسبة لرمضان فلا، وأما بالنسبة للحج فلا بأس، ذلك أن الحج يقع غالبا ً مرة في العمر فلا يترتب على اتخاذها في هذه المناسبة النادرة ما يخشى معه ضرر، ولم يرخص الله فيه كما رخص في الصوم هذا أولا ً. ّ ثانيا ً : استعمالها في الحج قد تلجئ إليه الضرورة. ثالثا ً : قد نقل عن ابن عمر ^ أنه لم ير بأسا ً للمرأة في الحج أن تستعمل سئل » ما يمنع حيضها لتنفر وتطوف، وروى سعيد بن منصور عن ابن عمر أنه عن المرأة تشتري الدواء لترفع حيضتها لتنفر فلم ير بأسا ً وبعث إليهن بماء « الأراك(٣) . (١) تقدم تخريجه. (٢) بكلي عبد الرحمن: ٰ . فتاوى البكري، ص ٣٢٢(٣) لم نقف على تخريج هذا الحديث في كتب السن ﱠ ة أو غيره. وأخرج عبد الرزاق الصنعاني في = ﱡ أما عن الصوم فإن المحذور قد يقع لكثرة التكرار عادة هذا أولا ً ، وثانيا ً ، قد عالج الله مسألة الحائض في رمضان بأن أباح لها أن تفطر أيام الحيض وإن وجب عليها قضاءها بعده لدى التيسير دون أن يقع هناك تعطيل أو تغيير لنظام الفطرة، ولولا ما يعلمه الله من ضرر في حبس حيض المرأة لما أهدر لأجله « حرمة رمضان، وأباح لها بل أوجب عليها الإفطار فيه(١) . = المصنف، كتاب الحيض، باب الدواء يقطع الحيضة حديث: ١١٧٦ عن ابن عمر ما يفيد عن رجل، سأل ابن » : هذا المعنى ولم يصرح بسبب الرخصة، للحج أو الصوم، وهذا نصه عمر عن امرأة تطاول بها دم الحيضة فأرادت أن تشرب دواء يقطع الدم عنها، فلم ير ابن عمر بأسا ً وسمعت ابن أبي نجيح يسأل عن ذلك » : قال معمر .« ، ونعت ابن عمر ماء الأراك فلم ير به بأسا ً.« (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ . فتاوى البكري، ص ٣٢٣ إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا » أو ً .« بارتكاب أخفهما .« إذا اجتمع ضرران أسقط الأصغر للأكبر » أو k :IóYÉ≤dG ∫ƒdóe :’hCG هذه القواعد تبدو مختلفة في ألفاظها وصيغها ولكن متحدة المعنى ومغزاها ومؤداها واحد، وهو أن الأمر إذا دار بين ضررين أحدهما أشد من الآخر فيتحمل الضرر الأخف، ولا يرتكب الأشد. الضرر يزال » وهذه القواعد متفرعة عن القاعدة الكلية الكبرى « لا » أو ضرر ولا ضرار « باعتبار أنه يوجد في القاعدة الفرعية دفع ضرر أعظم. الضرر لا يزال بالضرر » : وهذه القواعد الفرعية توضيح كذلك لقاعدة « وتخصيص لها، فالضرر يجب إزالته ما أمكن ولكن لا ينبغي أن يزال الضرر بالضرر، فإن تحتم إزالته فعلينا حينئذ أن نزيل الضرر الأشد بضرر أخف منه، وهذا ما نص عليه السالمي في عبارته في سياق حديثه عن رفع الضرر عن وربما تولد الضرر على المسجد من الصعود على ظهره، » : المسجد فيقول فيمتنع من ذلك لخوف الضرر، إلا لدفع ضرورة أشد، فإنه إن تعارضت «(١) الضرورتان ولم يمكن إلا ارتكاب أحدهما ارتكب أقلهما ضررا ً . الضرر لا يزال بضرر مثله أو أعظم » : ويؤكد الراشدي هذا المعنى بقوله « منه فيرتكب أخف الضررين إن اجتمعا وأقل المفسدتين (٢) (١) .١٨٢/ السالمي: معارج الآمال، ٤(٢) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٤١ . ً له خيرنا بين بقاء الضرر ّ فإن كان الضرر الذي زال به الضرر مساويا » أو إزالته بما يساويه، أما إن كان الضرر المزيل أشد من الضرر المزال فارتكاب الضرر الأشد لا يجوز شرعا ً ولا عقلا ً ، بل يكون سفها ً « وحماقة(١) . ومجمل ا لقول: إن من مقاصد الشرع الحكيم الحث على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتعليلها، وكل ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم فيه مفسدة، فما لم يمكن تعطيل مفسدته بالكلية فالواجب السعي إلى تقليلها قدر الإمكان، فإذا تعارضت مفسدتان إحداهما أكبر فسادا ً من الأخرى، وكان لا بد من فعل واحدة منهما، فإن الواجب هو درء الأكبر منهما بارتكاب الأصغر، وهذا مقتضى الحكمة والنظر الصحيح، ويكون الفاعل في ذلك محسنا ً ؛ لأنه دفع أشد الشرين بأدناهما (٢) . k :IóYÉ≤dG π«°UCÉJ :É«fÉK ِ أن من ابتلي ببليتين وهم » : والأصل في هذه القاعدة الفرعية قولهم َ متساويتان يأخذ بأيتهما شاء وإن اختلفتا يختار أهونهما؛ لأن مباشرة الحرام « لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة(٣) . وقد استدل الفقهاء لهذه القاعدة بأدلة من القرآن والسن ﱠ ة من ذلك: ﱡ (١) . محمد بكر إسماعيل: مرجع سابق، ص ١٠٢ (٢) السعدي عبد الرحمن ٰ . بن ناصر، القواعد والأصول الجامعة، ص ٦٢(٣) ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ١١١ ، نقلا ً عن الزيلعي في كتابه تبين الحقائق لما في الكنز الأصل في جنس هذه المسائل أن من ابتلي » : من الحقائق، في باب شروط الصلاة فقال وينظر: أيضا .«... ببليتين ً ٦٨ ، وما بعدها. وعلي حيدر، / الأتاسي، شرح المجلة العدلية، ١ ٣٦ ، وما بعدها. / شرح المجلة، ١ أ من القرآن الكريم: ١ قال الله تعالى: ﴿ IHGFEDCBA@?> XWVUTSRQPONMLKJ \[ZY ﴾ (ا بل قرة : ٢١٧ (. وجه الاستدلال ب الآية: ففي هذه الآية الكريمة أوحى القرآن الكريم إلى أن ما نقمه الكفار على المسلمين من قتال في الشهر الحرام وإن كان مفسدة، فما أنتم عليه من الصد عن سبيل الله والكفر به وبسبيل هداه، وبالمسجد الحرام وصدكم عنه وإخراج أهله منه أكبر عند الله، وفتنكم المؤمنين بشديد الأذى محاولين إرجاعهم إلى الشرك أشد ذنبا ً وأكبر من القتال في الشهر الحرام(١) . واستنبط الفقهاء من هذه الآية الكريمة معيارا ً عاما ً يعتمده الفقيه في ّ الموازنة بين المفاسد، فالقتال في الشهر الحرام مفسدة والفتنة عن الإسلام فيرتكب أخف الضررين » ، مفسدة أعظم « إذا لم يكن بد من فعل أحدهما، ويتمثل ذلك المعيار في ما يلي:أ عند اختلاف رتب المفاسد ترتكب المفاسد المتعلقة بالتحسينات دفعا ً لمفاسد الحاجات والضروريات، وترتكب مفاسد الحاجات دفعا ً لمفاسد يختار أهون الضررين » : الضروريات، ولهذا قرر الفقهاء قاعدة « (٢) ومن تطبيقات هذا المعيار جواز الكذب في الحرب لدفع الهلاك عن النفس مع ما فيه من مفسدة تتعلق بالتحسينات(٣) . (١) الشوكاني: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، مطبعة الحلبي، بمصر، ٢٧ . السعدي، القواعد الحسان لتفسير القرآن، مكتبة المعارف، / الطبعة الثانية ١٩٦٤ م، ١ . الرياض السعودية، ١٤٠٢ ط / ١٩٨٢ ص ١٢٠ . الندوي، القواعد الفقهية، ص ٣١٥ (٢) .( مجلة الأحكام العدلية، مادة ( ٢٩(٣) . شبير محمد عثمان: ص ١٨٤ ب وعند اتحاد رتب المفاسد كأن تكون المفسدتان متعلقتين بالضروريات ترتكب مفسدة المال دفعا ً لمفسدة النسل أو مفاسد العقل أو مفاسد النفس أو مفاسد الدين، وترتكب مفاسد النسل دفعا ً للمفاسد الثلاثة التي قبلها وهكذا. ومن تطبيقات هذا المعيار: جواز إلقاء حمل السفينة من بضائع دفعا ً لمفسدة هلاك نفوس الآدميين(١) . ْ وعند اتحاد الرتبة والك ُ ل ﱢ ي ترتكب المفسدة الخاصة دفعا ً للمفسدة العامة، يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام » : ولهذا قرر الفقهاء قاعدة « وسيأتي لاحقا ً بيانها، كما ترتكب المفسدة الجزئية دفعا ً للمفسدة الكلية، وعبر عنها ﱠ إذا اجتمع ضرر أسقط الأصغر للأكبر » الفقهاء « (٢) . ومن تطبيقات هذا ا لمعيار: التحاق الشخص بالخدمة العسكرية الإلزامية لحفظ كيان الأمة ودفع الهلاك عنها مع ما فيه من ضرر خاص على الفرد وأسرته(٣) . ٢ ومن أدلة هذه القاعدة ما ذكره الإمام صلاح الدين العلائي في قواعده أصل هذه القاعدة قصة » أن « احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما » : بعنوان ٍ الحديبية ومصالحة النبي صلى الله عليه وسلميومئذ المشركين على الرجوع عنهم؛ وإن جاء أحد من أهل مكة مسلما ً رد ّ ه إليهم، ومن راح من المسلمين لا يردونه، وكان في ذلك إدخال ضيم على المسلمين وإعطاء الدنية في الدين، ولذلك استشكله ّ عمر 3 لكنه احت ُ مل لدفع مفاسد أعظم منه، وهي قتل المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا خاملين بمكة ولا يعرفهم أكثر الصحاب ة، وفي قتلهم معرة عظيمة (١) . شبير محمد: المرجع السابق، ص ١٨٤ (٢) أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي، إيضاح المسلك إلى قواعد الإمام مالك، تحقيق أحمد بو طاهر الخطابي طبع اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين المغرب والإمارات العربية . المتحدة، الرباط مطبعة فضالة المحمدية المغرب ١٤٠٠ ه / ١٩٨٠ م. ص ٣٧٠ ٣٧٢ (٣) شبير محمد: المرجع نفسه. على المؤمنين؛ فاقتضت المصلحة احتمال أخف المفسدتين لدفع أقواهم ا، وإلى هذا يشير قوله تعالى: ﴿ JIHGFEDC PONMLK ﴾ )الفتح : ( ٢٥ ، فلما قد ّ ر الله تمييز المؤمنين المستضعفين بمك ة، وخروجهم من بين أظهر المشركين، سل ّ ط الله تعالى حينئذ رسوله صلى الله عليه وسلموالصحابة رضوان الله عليهم على أهل مك ة؛ فافتتحوها كما قال تعالى: ﴿ ^]\[ZY _ ` ﴾ )الفتح : ( ٢٥(١) ، فقوله تعالى: ﴿ ZY ﴾ )الفتح : ( ٢٥ أي لو تميز الكفار من المؤمنين » : ، معناه لو تفرقوا « الذين بين أظهرهم(٢) . قواعد » وهذا ما استدل به الإمام عز الدين بن عبد السلام في كتابه في استنباط هذه القاعدة « الأحكام(٣) . وكذلك جميع ما وقع في صلح الحديبية من هذا القبيل من التزام الشروط » ِ الصعبة التي ظاهرها ضرر ومذلة على المسلمين، ولكن تبين لهم في النهاية « أنها كانت عين المصلحة لهم وذريعة إلى الفوز بالفتح المبين(٤) . ٣ ويمكن الاستدلال لهذه القاعدة بالآيات التي وردت بتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والتي فيها إباحتها للمضطر إليها، وقد تقدم ذكرها عند الضرورات تبيح المحظورات » : قاعدة « (٥) واكتفى هنا بذكر آية واحد منها وهي: قوله 8 : ﴿ ^]\ _ ` fedcba vutsrqponmlkjihg ﴾ (ا بل قرة : ١٧٣ (. (١) العلائي صلاح الدين، المجموع المذهب في قواعد المذاهب، الوجه الأول، و. ٣٨ ، نقل . عنه الندوي في القواعدالفقهية، ص ٣١٥(٢) .٣٤٦/ ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ٦(٣) ٨١ . النووي، شرح النووي على صحيح مسلم، / العزبن عبد السلام، قواعد الأحكام، ١ .٣٠٦/ ١٣٥ . ابن القيم، زاد المعاد، ٣ /١٢(٤) . الندوي علي أحمد، القواعد الفقهية، ص ٣١٦(٥) ينظر: مكانها في الفصل الثالث. فهذه الآية تقرر حكمين: الأول: حكم تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، والحكم ا لثاني: إباحة الميتة للمضطر، وبالنظر في الآية يتبين أنه قد تعارض مفسدتان في هذا الموضوع، مفسدة الأكل مما حرم الله 8 مع مفسدة فوات النفس بالهلاك بسبب الجوع، وهذه المفسدة أي الثانية أعظم من المفسدة الأولى، فتدرأ المفسدة الأشد وهي فوات الروح بالمفسدة الأخف وهي الأكل من الميتة عند الاضطرار إليها لا سيما وأن الحق هنا هو حق خالص لله 8 ، وليس لمخلوق فيه مدخل، وحقوق الله 8 مبناها على المسامحة، وهذا من عظيم فضل الله 8 وامتنانه على هذه الأمة، التي لم يجعل عليها في الدين من حرج، فالحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه (١) . ٤ وقوله تعالى: ﴿ R XWVUTS dcba` _^]\[ZY ponmlkjihgfe |{zyxwvutsrq ~} ے §¦¥¤£¢¡ «ª©¨ ³²±°¯®¬ ´﴾ )النساء :( ٢٥ . وجه الدلالة من ا لآية: فهذه الآية تشير إلى أن الأصل لا يجوز للحر أن ينكح الأمة، وبهذا قال جمهور العلماء(٢) . كما يقرر سبحانه في هذه الآية أن من لم يستطع سعة وغنى لنكاح الحرة المؤمنة وخشي على نفسه الوقوع في العنت وهو ما يضره في دينه وبدنه كالزنا ، ومن كان حاله كذلك جاز له أن ينكح أمة مؤمنة كما شرع الله (٣) . (١) علوان إسماعيل، القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ٤٢٥ - .٤٢٦ (٢) ١١١/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .٥٥٥/ ١١٣ . ابن قدامة، المغني، ٩ (٣) ١١٣/ ابن بركة: المصدر نفسه، ٢ - .١١٤ ففي هذه المسألة تعارضت مفسدتان: الأولى: هي الزواج من الأمة، إذ فيه إرقاق الولد، ولذلك قال الله 8 في آخر الآية: ﴿ ¬ ¯® ° ﴾ )النساء : ( ٢٥ ، أي الصبر على الغربة خير من نكاح الأمة؛ لأنه يفضي إلى إرقاق الولد، والغض من النفس والصبر على مكارم الأخلاق أولى من البذالة، وقد روي عن عمر بن الخطاب 3 « أيما حر تزوج بأمة فقد أرق نصفه » : أنه قال(١) يعني: يصير (٢) ولده رقيقا ً . المفسدة ا لثانية: هي وقوع العنت، وهو الضرر بالدين والدنيا، وهو متمثل في الزنا، فمن وقع فيه لحقه ضرر في دينه بالإثم، وفي دنياه بالخزي والعار، وإقامة الحد عليه، مع ما فيه من الاعتداء على حرمات الآخرين، وهذه المفسدة أعظم من الأولى، ولأجل هذا احتملت المفسدة الأولى المتمثلة في إرقاق الولد لتجنب المفسدة الثانية، والحمد لله على معافاته(٣) . ٥ كما يمكن الاستدلال لها بقصة موسى مع الخضر عليهما السلام حيث خرق الخضر السفينة وقتل الغلام، فإن خرقه السفينة مفسدة ظاهرة، وذهاب السفينة كلها غصبا ً من الملك الظالم الذي أمامهم مفسدة أكبر من الأولى، فارتكب الأخف منها لدرء الأعظم. وكذلك قتله الغلام فإنه في الظاهر مفسدة، ولكنها تعارضت مع مفسدة إرهاقه لأبويه بالكفر، وإفساده عليهما دينهما إن هو بقي، وهي مفسدة أعظم؛ لأن الفتنة أشد من القتل، فارتكب المفسدة الأخف وهي (١) رواه الدارمي، كتاب الفرائض، باب في الحر يتزوج بأمة، رقم: ٣٠٨١ ، وسعيد بن منصور، كتاب الوصايا، باب نكاح الأمة على الحرة...، رقم: ٧١٣ ، عن عمر بن الخطاب. (٢) .١٤٧/ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ٥(٣) .١٣٦/ ٢٥ . القرطبي، المصدر نفسه، ٥ / الطبري: جامع البيان، ٥ قتله الغلام لدرء المفسدة الأعظم، وهي إيقاع أبويه في الكفر والله أعلم(١) . ٦ وقد ساق الإمام عز الدين بن عبد السلام أمثلة متنوعة تتصل بهذه القاعدة، يقول في بعض المواضع شرحا ً النميمة مفسدة محرمة، » : لهذه القاعدة لكنها جائزة أو مأمور بها إذا اشتملت على مصلحة للمنموم إليه... ويدل على ذلك كله قوله تعالى: ﴿ ÐÏÎÍÌËÊÉÈÇ Ø×ÖÕÔÓÒÑ ﴾ )القصص : ( ٢٠ ، وكذلك ما فعله « أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين(٢) . فهذه نبذة من الأدلة من كتاب الله الكريم فيما يخص هذه القاعدة الجليلة أوردناها لبيان مدى إعمال القرآن الكريم لهذه القاعدة. ب من ا لسن ﱠ ة ا لنبوية: ﱡ وهناك جملة من الأحاديث النبوية الشريفة فيها إيحاء إلى هذه القاعدة نكتفي بذكر قصة الأعرابي الذي بال في ناحية المسجد وتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأنه حتى فرغ. روى مسلم في صحيحه عن يحيى بن سعيد أنه سمع أنس بن مالك يذكر أن أعرابيا ً قام إلى ناحية في المسجد فبال فيها، فصاح به الناس فقال ّ رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دعوه » ، فلما فرغ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنوب فصبت على بوله(٣) . (١) استدل بهذه القصة لهذه القاعدة الشيخ عبد الرحمن ٰ ناصر السعدي، في كتابه القواعد . والأصول الجامعة، ص ٦٢ (٢)العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، ص ١١٤ - ١١٥ . المثال السادس والأربعون. (٣) رواه الربيع، كتاب الص ﱠ لاة ووجوبها، باب في المساجد وفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رقم: ٢٦٣ ، عن جابر بن زيد مرسلا ً . ومسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من الن ﱠ جاسات إذا حصلت في المسجد، رقم: ٢٨٤ ، عن أنس. صحيح مسلم مع شرح النووي .١٩٠/ (ط، دار إحياء الثرات العربي بيروت) ٣ وفي رواية أخرى عن ثابت بن أنس أن أعرابيا ً بال في المسجد فقام إليه ّ بعض القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دعوه ولا تزرموه »(١) ، قال: فلما فرغ، دعا بدلو من الماء فصبه عليه(٢) . وجه الاستدلال ب الحديث: ذكر أهل العلم أن هذا الحديث يرشد إلى الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء، إذا لم يأت بالمخالفة استخفافا ً أو عنادا ً دفع » : ، وفيه أعظم الضررين باحتمال أخفهما « لقوله صلى الله عليه وسلم : « دعوه » لمصلحتين: إحداهما: أنه لو قطع عليه بوله لتضرر، وأصل التنجيس قد حصل فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به. والثانية: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد، فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه، ومواضع كثيرة من المسجد(٣) . ويتضح من هذه الحادثة أن الأعرابي قد أتى فعلا ً منكرا ً جليا ً ، ومع ذلك ّ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يزجروه وأمرهم بأن يتركوه حتى يتم بوله، ثم أرشدهم إلى تطهير المكان بصب الماء عليه، ففعل هذا الأعرابي وبوله في المسجد مفسدة ظاهرة، ومع ذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى احتمالها؛ لأن زجرهم له سيترتب عليه مفسدة أكبر من هذه، فإنهم بزجرهم إياه قد يقوم ليهرب منهم فتنتشر النجاسة في مكان أكبر من المسجد، وستصيب ثيابه فتتنجس أيضا ً ، ثم (١) لا تزرموه: وهو بضم التاء وإسكان الزاء وبعدها الراء، أي لا تقطعوا، والإزرام القطع، شرح .١٩٠/ النووي على صحيح مسلم، ٣ (٢) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، رقم: ٥٦٨٦ ، ومسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من الن ﱠ جاسات إذا حصلت في المسجد، رقم: ٢٨٤ ، عن أنس. (٣) ١٩٠ . وينظر: قواعد العلائي، ص ٣٨ ، نقل عنه الندوي في القواعد / النووي: شرح مسلم، ٣ . الفقهية، ص ٣١٧ لو فرض أنه حبس بوله بعد أن ابتدأه فإنه سيتأذى بذلك، فربما ضره، ثم إنهم بزجرهم إياه سينفر منهم، فيرفض أن يتعلم منهم وقد نهروه من قبل، فيكون تصرفهم هذا سببا ً لرده الحق وعدم قبوله، ولهذا احتملت تلك المفسدة، لدرء تلك المفاسد التي هي أشد من الأولى(١) . k :z ∞NC’G Qô°†dÉH ∫Gõj ó``°TC’G Qô``°†dG{ :IóYÉ≤dG øe áLôîàªdG á«¡≤ØdG ´hôØdG :ÉãdÉK وردت في المصادر الفقهية الإباضية أمثلة تطبيقية ومتنوعة لهذه القاعدة كلها تشهد على مدى إعمال الإباضية لهذه القاعدة ومن أمثلة ذلك: أ في باب ا لعبادات: ١ جواز الصلاة بالثوب النجس عند الضرورة: وإعمالا ً لهذه القاعدة في الطهارات فقد رخص الفقهاء للمصلي أن يصلي بالثوب المنجوس عند الضرورة إذا فقد الثوب الطاهر ولم يجد غيره، ولكنهم اشترطوا مراعاة الترتيب والموازنة بين المفاسد، فيبدأ بالمختلف في نجاسته ارتكاب أخف الضررين » قبل المتفق عليه من باب « عند اجتماع مفسدتين إحداهما أعظم من الأخرى. نقل الشماخي في هذه المسألة في الإيضاح وذكر جملة من النجاسات التي تصيب الثوب فتنجسه فيضطر إلى استعماله للصلاة عند فقدان الثوب الطاهر، وأشار إلى ضرورة الترتيب الذي يجب مراعاته عند إرادة استعمال الثوب المنجوس في الصلاة إعمالا ً يختار أخف الضررين وأهون » : للقاعدة وإن لم يجد ما يصلي به » : وهذا نص عبارته ،« الشرين عند تعارض المفسدتي ن إلا ثوبا ً منجوسا ً بالنطفة، وثوبا ً منجوسا ً بالقيء، وثوبا ً منجوسا ً بالدم، وثوبا ً (١) علوان إسماعيل، القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ٤٢٨ - .٤٢٩ منجوسا ً بالخمر، وثوبا ً منجوسا ً بالغائط، فالثوب المنجوس بالنطفة أولى من الثوب المنجوس بغيرها من هذه الأنجاس؛ لأن النطفة ليست من أعيان الأنجاس عند بعضهم، فهي منجوسة والمنجوس أولى من النجس، وقال آخرون: القيء أولى من النطفة؛ وذلك لأن القيء عند بعض الناس طاهر والمختلف فيه أولى من المتفق عليه، ثم بعد القيء النطفة، ثم بعد النطفة الدم، وهو أولى من الخمر والغائط؛ لأن الشرع قد رخص في قليله وهو أهون من الخمر والغائط، ثم من بعد الدم الخمر، والخمر أولى من الغائط؛ لأن العلماء اختلفوا في علة تحريم الخمر ولم يختلفوا في الغائط، وأظن أن البول « أقذر من الغائط والله أعلم(١) . وكذلك النجس الذي فيه اختلاف » : ويضيف الشماخي في السياق نفسه العلماء أهون من النجس المتفق عليه، وكذلك الثوب الذي نجس منه الأصل أهون من الثوب الذي نجس منه الأكثر، وكذلك الثوب الذي لم يتعمده بالنجس أهون من الثوب الذي تعمده بالنجس، وعند بعض العلماء أنه يجوز له أن يصلي بما شاء من هذا الثياب ولم يفرز نجسا ً من نجس؛ وذلك عندي لأن هذه الأنجاس كلها تمنع صحة الصلاة فهي متساوية في جهة الصلاة « لتساويها في المنع(٢) . مجمل ا لقول: إذا » يظهر مما تقدم أن فقهاء الإباضية يعتمدون على القاعدة الفقهية تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما « عند تعارض المصالح والمفاسد، وتعسر الترجيح بينها، ولا أدل على ذلك من هذا الترتيب الذي أقروه للمصلي إذا اضطر إلى ل َبس الثوب المنجوس عند فقده للطاهر، ففي ْ (١) .٤٦ - ٤٥/ الشماخي: الإيضاح، ٢(٢) .٤٦/ الشماخي: الإيضاح، ٢ ذلك موازنة بين المفاسد عند فقدان المصالح، وعند تعارض المفاسد تقد ّ م المفسدة القطعية على المفسدة الظنية، وكذا المفسدة القليلة على المفسدة العظيمة الكبيرة، وتقدم المفسدة المختلف في فسادها على المتفق في ولكن إذا تساوت ،« ارتكاب أخف الضرري ن » : فسادها، وهكذا مراعاة لقاعدة المفاسد وشملها وصف واحد مثل نجاسة الثوب الذي هو علة للمنع، فهنا لا يلزم اختيار ثوب معين بل يختار المكلف ما يشاء من الثياب وغير ملزم ﱠ باختيار معين. ﱠ الرأي ا لمختار: ويبدو أن الشماخي يميل إلى هذا الرأي ويرجحه، وهذا ما يفهم من ذكر ذلك تعقيبا « وذلك عندي » : عبارته ً على رأي بعض الفقهاء القائلين بالمساواة بين النجاسات المختلفة دون النظر إلى أنواعها، ودون مراعاة للترتيب عند إرادة الاختيار بين الأشياء المتنجسة ولعل اختيار الشماخي هو الراجح عندنا استنادا ً للقاعدة المتقدمة والله أعلم. ٢ ترك بعض أركان الصلاة عند ا لضرورة: رخص الإباضية للمصل ّ ي إذا كان جرحه ينزف دما ً ، ويزيد سيلانه عند سجوده أن يومئ ويصلي قاعدا ً أو قائما ً ، ويترك السجود أو الركوع؛ لأن ترك السجود أو الركوع أهون من الصلاة مع الحدث عند من يوجبون انتقاض الوضوء عند سيلان الدم، مع أن ترك السجود والركوع في هذه الحالة يدفع يختار أخف الضررين » عن الجرح ضرر أعظم وهو خروج الدم ونزفه، فهنا دفعا ً .« لأعظمهما وكذلك إن كان في فيه جرح يسيل منه » : يقول الشماخي في هذا الصدد الدم وحضرت الصلاة، فإنه إن كان الوقت واسعا ً فلينتظر حتى يزول الدم، فإن خاف فوات الوقت فليصل ﱢ كما أمكنه ويبزق الدم من فيه أمامه، ويطأطئ برأسه إلى الأرض ويصلي كذلك لئلا يلحق الدم ثوبه، وإن لم يمكنه أن يطأطئ برأسه ولا أن يبزق أمامه فإنه يصلي قاعدا ً ، أو يضع المنديل على ركبتيه ويبزق فيه الدم على التراب لئلا ينجس ثوبه، فعلى هذا طهارة الثوب آكد من الصلاة بالقيام، وإن لم يمكنه إلا أن ينجس ثوبه، أو يصلي قاعدا ً من غير أن يلحق النجس ثوبه، فإنه يصلي قاعدا ً ؛ لأن صلاة القيام لها بدل في الشرع ولا بدل لطهارة الثوب... وإن بلغ هذا ما لا يقدر عليه من الدم فليس عليه شيء، ولا يكلف الله نفسا ً «... إلا وسعها(١) . ٣ في إنقاذ النفس من هلاك ا لجوع: يتعرض الناس أحيانا ً إلى الجوع الشديد بسبب الحروب والفتن أو انقطاع السبل، ولا يجدون من الأكل الحلال ما يسد حاجتهم فيضطرون إلى أكل الحرام، وقد رخص لهم الشارع الحكيم في أكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورة، وذلك في قوله تعالى: ﴿ rqponmlkji }|{zyxwvuts ~ ﮯ ¢¡ §¦¥¤£ ¨ «ª© ¬ ¯® ° ²± ﴾ (الأ ن عام : ١٤٥ (. وقد لا نجد هذه المحرمات المنصوص عليها ونجد غيرها من ذوات السباع والطيور الجارحة، إما حية أو ميتة أو غيرها من الدواب، كالخيل والبغال والحمير فهل يجوز له أكلها؟ مذكاة أم ميتة؟ أم يصبر على الجوع حتى يهلك؟ وقد يجد طعاما ً نجسا ً أو حلالا ً وماء زلالا ً ولكنه مملوك لغيره، فهل ً يقدمه على المحرمات والمتنجسات؟ وهل يضمن ذلك؟(٢) وهل يجوز له أن يقاتل صاحبه إن منعه من ذلك؟(٣) . (١) .٢٨٥/ الشماخي: الإيضاح، ٢(٢) .١٧٩/ أطفيش: شامل الأصل والفرع، ١(٣) . الثميني: الورد البسام، ص ٢٦٦ ِ وقد يكون محرما ً بالحج أو العمرة فيتعرض في طريقه إلى المخمصة المهلكة، فهل يباح له الأكل من الصيد ويضمن جزاء ذلك؟ أم يقد ّ م عليه المحرمات من الأكل المنصوص عنها؟ أجاب فقهاء الإباضية على هذه الأسئلة وبينوا أن المضطر بالجوع أو ﱠ العطش إلى أكل المحرمات من المطعومات أو المشروبات يجب عليه مراعاة ارتكاب أخف الضررين » : قاعدة « لدفع الضرر الأعظم، وهو الهلاك جوعا ً أو عطشا ً ، فلا يجوز للمسلم أن يلقي بنفسه إلى الهلاك وهو يقدر على عصمتها ولو بالمحرمات المرخص فيها، أو بأي شيء يرجو النجاة به، فمنهم من جعل كل تلك المحرمات متساوية، فله الخيار بما شاء منها عند الاضطرار إذا كانت تعصمه من الهلاك، والأحسن أن يختار المحللات على المحرمات، أي ما أصله حلالا ً كالميتة من الأنعام والطعام والنجس قبل المحرمات كلحم الخنزير والسباع وميتتها. ومنهم من اشترط الترتيب والموازنة بين المفاسد والمضار، فيقدم ما أصله حلال على ما أصله حرام ولو كان فيه تعويض مثل: ميتة الحيوان الحلال، كالأنعام يقدم على المذكى من الحيوان المحرم، كالسباع والخنزير والبغال والحمير. وكذلك ميتة الحيوان خير من لحم الصيد عند الإحرام، والميتة خير من مال الغير؛ لأن الميتة لا ضمان فيها، وأخذ مال الغير بغير إذنه حرام ويجب ضمانه، ولا بأس أن ننقل بعض نصوص العلماء لتوضيح ذلك: إنه كل ما كان يعصم من » : للكدمي ما نصه « المعتبر » جاء في كتاب المحرمات يعني من الضرورة حلال للمضطر في حال ضرورته، أن يأكل منه أو يشرب بقدر ما يحيي به نفسه، فأما الميتة ولحم الخنزير وما أشبه ذلك فتقع عنده موقع الإجماع عليه أنه جائز في حال الاضطرار في حكم كتاب الله تعالى في قوله تعالى: ﴿ tsrqponmlkji }|{zyxwvu ~ ﮯ £¢¡ ¤ §¦¥ ¨ «ª© ¬¯® ° ²± ﴾ (الأ نع ام : ١٤٥ ( ، وأما سوى ذلك مما لم يأت فيه نص من كتاب الله ولا من سن ّ ة رسول الله صلى الله عليه وسلم ُ فمعي أنه قد قيل فيه كله إنه محجور إذا لم يأت فيه ترخيص، وإذ هو على جملة التحريم، وليس مستثنيا ً فيه في ضرورة ولا في غيرها وذلك مثل: الخمر والأبوال والعذرة وأشباه هذه المحرمات والرجس، فقال من قال: لا يجوز ذلك لا في ضرورة ولا غيرها، أو جوع أو ظمأ، وقال من قال: كل ما رجاه المضطر من ذلك أن يعصم به ويحيي به من جوع أو ظمأ يخاف منه على « نفسه الهلاك ويرجو فيه لنفسه الحياة فهو مثل المحرمات(١) أي يجوز إنقاذ النفس به. ويفضل الكدمي عدم الإقدام على المحرمات ولو اضطرارا ً تنزيها ً وتورعا ً ، ولا يعجبني الإقدام على شيء » : والأحسن لديه تركها، يقول في هذا المعنى من ذلك نزاهة وتورعا إلا على معنى قد عرف أنه يحيي ويعتصم وإلا فهو « على معنى الحجر والتحريم(٢) . وتابع الثميني الكدمي في تحريم الخمر على المضطر إلا إذا علم أنه ينجيه ولا يجوز » : من الهلاك، ويكون بالقدر القليل الذي لا يصل إلى الإسكار فيقول للمضطر أن ينجي نفسه بالخمر؛ لأن الله عز وعلا لم يذكره في الإباحة وجوز ّ « له قدر ما لا يسكره منها إن كان ينجيه من الهلاك وإلا فلا(٣) . ويشير الكدمي وغيره إلى وجوب مراعاة الموازنة بين المفاسد إذا اجتمعت فإذا تساوت فيختار ما شاء منها، وإن اختلفت فيختار أقلهما ضررا ً ومفسدة ومعي أنه قد قيل: أن الذي يذك » : لدفع ما هو أعظم منها، ونص عبارته ّ ى من (١) .١٠٨ - ١٠٧/ الكدمي: المعتبر، ٣(٢) .١٠٨/ الكدمي: المصدر نفسه، ٣ (٣) .٢٦٦ - الثميني: الورد البسام، ص ٢٦٥ المحرمات بمعنى الميتة من المحللات، فبأيهم شاء المضطر أحيى نفسه منه، ِ أي أنه إذا كانت أ ُحل ّ ت له عند الضرورة ميتة المحللات، فكذلك تقع له الضرورة التي تبيح له في حالة الضرورة إحياء نفسه بالمذك ّ ى من المحرمات، وهو الخيار بينهما، ولكن معي أن ميتة المحرمات أشد من ميتة المحللات؛ لأن هذه ورد فيها النص في الكتاب صراحة، ولذلك فإنه لا يجوز للمضطر أن يأكل من ميتة المحرمات إذا وجد ميتة المحللات؛ لأن هذه رخص له الكتاب «... فيها، فهي أصل الرخصة تقع عليها(١) . وتابع الثميني الكدمي في مذهبه واختار ترجيحه في حالة وجود مفسدة والمضطر إذا حضره » : أقل من غيرها فتقدم على أكبرها فيقول في هذا الصدد الدم والميتة ولحم الخنزير فإنه ينجي نفسه من أيها شاء بقدر ما يمسك روحه فقط، وقيل بقدر ما يطيق على أداء الفرض في وقته كان في سفر أو كان في حضر، ولم يجز ذلك للباغي والمعتدي(٢) بناء على ظاهر قوله تعالى: ﴿ ª «¬® ﴾ (الأ نع ام : ١٤٥ ( ، وعليه أصحابنا [الإباضية [ وقيل معنى قوله غير باغ: أي في الأكل، ولا معتد أي فيه أيضا ً ، لأنه يكون غير مضطر، فإذا اجتمع للمضطر ميتة ن َعم والأنعام وميتة خنزير فليقدم على الأولى؛ لأن الثانية قد َْ «... اجتمع فيها حرمتان بناء على الراجح، وقيل ميتة الخنزير وذبيحته سواء(٣) . ويحاول الكدمي أن يلتزم منهج الموازنة بين المفاسد، وترجيح أقلها ضررا ً أو مفسدة على أعظمها ضررا ً ويعممه في جميع الحيوانات حية وميتة فيدعو المضطرين إلى مراعاة هذا الترتيب في الاختيار فإن حدث أن خرج البعض عن هذا النظام فلا إثم عليه ما دام يعلم أن ذلك يكون سببا ً لنجاته من الهلاك. (١) .١٠٨/ الكدمي: المصدر نفسه، ٣(٢) .« أن الرخص لا تناط بالمعاصي » يشير إلى قاعدة فقهية معتمدة عند الشافعية وغيرهم(٣) . الثميني: الورد البسام، ص ٢٦٥ ويعجبني أن تكون ميتة المحللات من الأنعام إن » : يقول في هذا الشأن أمكنت أولى من ميتة غيرها من الدواب من الخيل والحمير والبغال وغيرها من أشباهها، ويعجبني أن يقدم ميتة الأنعام وما أشبهها من الصيد على ميتة البغال والحمير والخيل، وما أشبهها مما هو مثلها أو دونها، فإن أحيى نفسه من ميتة البغال والحمير والخيل وما أشبهها، وترك ميتة الأنعام كالبقر والإبل والغنم والغزلان وما أشبهها من ميتة الطيور والدواجن ونحوها، فمعي أنه في هذه الحالة جائزة له؛ لأن المعنى فيه متقارب، وكذلك ميتة هذه الدواب من الخيل والبغال والحمير وما أشبهها، إذا أمكنت ووجد معها ميتة السباع، فمعي أنه يقدم ميتة الخيل والبغال والحمير على ميتة السباع، ولكن المضطر إن أحيى نفسه من ميتة السباع وما أشبهها، دون ميتة الأنعام كالإبل والبقر والغنم، ودون ميتة الخيل والبغال والحمير، فإن ذلك عندي لا يلزمه إثما ً ولا يعتبر متعديا ً ، والذكية من جميع السباع من الدواب والنواشر من الطير أولى وأجوز « عندي من ميتة الأنعام، ومن جميع الميتة(١) . وهنا يلاحظ أن الكدمي يقدم الحيوان المذ َ ك ﱠ ى مهما كان على الميتة مطلقا ً ؛ لأن اللحم المذك ّ ى إذا كان طازجا ً أعظم نفعا ً من المتعفن، خاصة إذا كان ميتة، فاللحم عموما ً إن لم يحفظ في مكان بارد تعرض للتلف وكان بؤرة للجراثيم الضارة، فضرره أعظم من المذكى، وهذا ما قرره الأطباء، ومن هنا ندرك أن فقهاءنا يعتمدون في نظرهم إلى الأمور على الخبرة والعلم ولا يمنعون إلا ما خالف الشرع، وقد سبقوا بذلك الاكتشافات العلمية الحديثة للجراثيم والميكروبات التي تنشط في الميتة خاصة إذا تحللت. ولعل هذه النظرية تتجسد أكثر في لحم الخنزير حيث أنهم قدموا الميتة والدم عليه عند الاضطرار خاصة إذا كان ميتة، وقد أشار القطب أطفيش في (١) .١٠٩/ الكدمي: المعتبر، ٣ قيل ت » : إلى هذا الأمر فقال « شامله » ُ قد ّ م ميتة الأنعام وميتة كل ما لم يتفق على تحريمه عن الخنزير في الاضطرار، وقيل سواء، ويقدم سائر الخنزير على لحمه للخلاف بين الأمة في غير لحمه، ولو كان الصواب أنه كلحمه، ويأكل « المضطر ما ينجيه ويقويه على فرض وقته(١) . وبعد أن سلك القطب أطفيش مسلك الموازنة بين المفاسد عند اجتماعها وضع ضابطا ً عاما ً المضطر يأكل كل ما ينجيه » لا يضبط به الجزئيات وهو أن ّ أي الأصل في الأكل النجاة والقوة ولا يهم من أي شيء كان. ،« ويقوي ه تعليل منهج الموازنة بين المفاسد المختلفة « شرح النيل » ويحاول القطب في كالخنزير والميتة فيقول: ...» وهل يقدم مضطر لتنجية لحم خنزير بناء على أنه تعمل الذكاة [فيه] إذا اضطر إليه فإنه يذكي ويأكل، ثم (د َ م ً ا)؛ لأنه غير ميتة، ثم ميتة؛ لأنه لا تؤثر فيها الذكاة، (أو) يفعل (عكسه) أي عكس ما ذكر، بناء على أنه لا تعمل فيه الذكاة، ولو اضطر إليه بأكله بلا ذكاة، ووجهه أن الميتة طاهرة الأصل وحلال الأصل، وبعدها الدم؛ لأنه يحل بذكاة أصله في الحي، وتعمل الذكاة في أصله لا فيه، وأخ ّ ر الخنزير لأنه لا تعمل فيه الذكاة على هذا القول، (أو مخير) وهو أن ي ُ قد ﱢ م الميتة ثم الدم ثم الخنزير، وقيل يقدم الدم ثم الميتة «... ثم الخنزير، ومعنى التقدم إلى واحد: القصد إليه وحده وبترك غيره(٢) . أرأيت إذا » : سؤال يقول صاحبه « العقد الثمين » وفي السياق نفسه ورد في .«؟ وجد هذا المضطر ميتة أنعام ولحم خنزير فمن أيهما يحيي نفسه فأجاب السالمي : يحيي نفسه من ميتة الأنعام ويترك لحم الخنزير؛ لأن » لحم الخنزير لا يمكن فيه الذكاة الشرعية فالمذك ﱠ ى منه ميتة، فتجتمع فيه حرمتان أحدهما حرمة كونه خنزيرا ً ، والأخرى حرمة كونه ميتة، وليس في ُ (١) ١٠٤/ أطفيش: شامل الأصل والفرع، ١ - .١٠٥ (٢) ٣٦٤/ أطفيش: شرح كتاب النيل، ٣ - .٣٦٥ فإذا أمكن دفع الضرورة بأخف » ، ميتة الأنعام إلا حرمة واحدة وهي كونها ميتة ولو قال قائل: إن الله قد ،« الأمرين حرمة فلا يتعدى إلى أشدهما في ذلك سوى في حكم المضطرين الميتة ولحم الخنزير فهما سواء في حقه، أو قال: ﱠ إن المضطر إذا اضطر إلى الخنزير فذك ّ اه، كانت ذكاته صحيحة لأنه في ذلك الحال مباح له وحلال في حقه، لما كان بعيدا ً « على القول(١) . ويستنتج من عبارة السالمي أنه لا يستبعد القول الثاني، إلا أنه لعله يميل وإن ،« اختيار أهون الشرين وأخف الضرري ن » إلى العمل بالقول الأول من باب قد ّ م أحد لحم الخنزير على الميتة فلا إثم عليه ما دام مضطرا ً إليه. ِ - وفي حكم المضطر إذا كان مح ْرما ً ووجد ميتة وصيدا ً أيهما يقد ّ م لإنقاذ ُ نفسه من الهلاك؟ ِ لو تعرض المحرم بالحج أو العمرة إلى جوع شديد ولم يجد إلا ميتة أو صيدا ً ، فأكثر العلماء قالوا يختار الميتة ولا يأكل الصيد؛ لأن الميتة رخص فيها النص ولا ضمان فيها، أما الصيد ورد فيه النهي وفيه الجزاء أو الفدية أيضا ً ، ففي هذه الحالة يختار أخف الضررين مراعاة لأعظمهما، فلا يمكن أن يترك نفسه دون أكل؛ لأنه قد يعرض نفسه للهلاك ولا يأكل الصيد؛ لأن فيه جزاء، وإذا اضطر » : فيختار الميتة وهي أهون عليه، ويؤكد ابن بركة هذا المعنى فيقول المحرم إلى أكل صيد واتفقا له أكل الميتة؛ لأنها محللة في حالة الاضطرار، «... فإذا عدم الميتة جاز له أكل الصيد وعليه الجزاء(٢) . ورغم ما علل به ابن بركة من تعليلات لترجيح مذهبه في تقديم الميتة ِ دفع » : على الصيد للمحرم فإنني أرى من الوجهة الصحية وإعمالا لقاعدة المفسدة مقدم على جلب المصلحة « فإن الميتة فيها ضرر معلوم ولا يلجأ إليها المضطر إلا إذا عضه الجوع وكاد أن يهلك، ولا يملك غيرها ويرجو منها (١) ٢٥٦/ السالمي: العقد الثمين، ١ - .٢٥٧ (٢) .٢١/ ابن بركة: الجامع، ٢ النجاة، ولو اختار الصيد لكان أنفع وأصلح له؛ لأن ضرره يقع على المال دون النفس، ولا يجب عليه إلا تعويض مثله في حالة نجاته من الهلاك، وهو أمر مقدور عليه، ولكن ما الفائدة المرجوة من شخص أشرف على الموت فأنقذ نفسه بلحم متعفن فيه ضرر كبير بالصحة، وهنا اجتمعت ضرورتان ضرورة حفظ النفس، وضرورة حفظ المال، فعند الموازنة بين المفاسد يقدم حفظ النفس على حفظ المال، وعليه فإنني أرجح أن يرتكب أخف الضررين وهو أكل الصيد؛ لضمان حياته وعافيته مع ضمان الفدية، وليدفع ضررا ً أعظم وهو خطر الإصابة بأمراض مهلكة، قد تنتقل إليه من الميتة والله أعلم. حيث « المشارق » عن قول السالمي في « العقد الثمين » وفي سؤال ورد في أوجب على المضطر المحرم إذا وجد الميتة وصيد البر أن يأكل صيد البر دون ِ الميتة مثلا ً كيف ذلك؟ ولم يرد استثناء في صيد البر للمحرم لا لمضطر ولا غيره قال الله تعالى: ﴿ ,+* -. 0/ ﴾ (ا ل ما ئدة : ٩٦ ( ، ولم يستثن سبحانه مضطرا ً من غيره أم ثم دليل أباح ذلك له؟ ّﱠ أجاب السالمي : خاطب الله تعالى في كتابه العزيز أهل العقول وقال: » ﴿ ¬®¯°± ³² ´ ﴾ )الحشر : ( ٢ ، ورد ّ الاستنباط إلى أهل العلم في قوله: ﴿ onml ﴾ )النساء :( ٨٣ ، ومن المعلوم من مقتضى العقول أنه إذا جاز دفع الضرر بالميتة التي لا تحل أبدا ً في غير الضرورة كان دفع ذلك بما هو حلال دائما ً إلا في حال من الأحوال أولى وأخف، فالميتة نجس حرام بالإجماع إلا حال الاضطرار، وهذا حلال طاهر بالإجماع إلا حال الإحرام، ثم إنه 4 أوجب الجزاء في قتل الصيد كما أوجب الفدية في حلق الرأس لمن كان به أذى من رأسه، فأباح له أن يحلق ويفتدي والقياس يقتضي مثل ذلك في المضطر إلى الصيد، وعلى كل حال فقصد الصيد في المسألة من طريق الحكم بالأولى وهو فحوى الخطاب « (١) . (١) ٢٥٧/ السالمي: العقد الثمين، ١ - .٢٥٨ الرأي ا لمختار: ولعل ما ذهب إليه السالمي وغيره في تفضيل الصيد للمحرم عند الضرورة هو الراجح عندنا لأدلته القوية ومراعاته للمصالح المرجوة، خلافا ً دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة » للميتة التي ضررها أكبر من نفعها، و « كما قرر الفقهاء . أما إذا وجدت تلك المحرمات ووجد مالا ً أو طعاما ً لغيره فهنا كذلك اختلف الفقها ء، فمنهم من يرى أنه لا يجوز له أخذ مال الغير بدون إذنه، خاصة إذا كان في حاجة إليه، ويكتفي بتلك المحرمات كالميتة وأشباهها، بينما يرى البعض أنه يقدم هذا المال على المحرمات ويضمنه؛ لأن أصله حلال(١) ، وقد ذهب ابن بركة والثميني وأطفيش إلى هذا الرأي، يقول الثميني وإن حضر لمضطر بالجوع مال الغير والميتة ففي الذي ينجي » : في هذا الصدد « به نفسه منها ويدفع الآخر خلاف مع الضمان في المال(٢) . وحكى إجماع العلماء في جواز « الجامع » ونقل ابن بركة هذه المسألة في أكل المضطر من مال غيره بغير إذنه إذا لم يجد غيره، أما إن وجد معه ميتة ففيه خلاف. وأكثرهم يرى تقديم أكل مال الغير على الميتة مع الضمان إذا اجتمعا ارتكابا لأخف الضرري ن؛ لأن ضرر الميتة على الجسم أعظم من أكل مال الغير، ًﱢ فلا خلاف بين أهل العلم أن رجلا » : وهذا ما صرح به ابن بركة في نصه فقال ً لو كان في سفر أو حضر وعدم الطعام، وخاف على نفسه الهلاك من الجوع، ولم يجد ما يأكله إلا مال رجل مسلم أنه يأكل منه بغير رأي صاحبه، ويضمن ويحيي نفسه من الموت، ولا أعلم في هذا اختلافا ً بين أهل العلم، واختلفوا فيه إذا وجد الميتة وهو يقدر على أكلها ووجد طعاما ً لرجل مسلم، فقال أكثر (١) . الثميني: الورد البسام، ص ١٩٩(٢) . الثميني: المرجع نفسه، ص ٢٦٤ العلماء يأكل من المال ويضمن، ولا يأكل من الميتة، فإن كان الإجماع من الناس على أن للإنسان أن يحيي نفسه بمال غيره من الطعام الذي هو مال بغير « رأي صاحبه، كان إحياؤه نفسه بمال غيره جائز، وعليه أن يضمن(١) . أما القطب فقد رجح تقديم مال الغير على الميتة مع قصد إرجاع المال ويقدم » : لصاحبه، ونسب هذا القول إلى الأكثر من فقهاء الإباضية فيقول مال الناس على الميتة في الاضطرار عند الأكثر بنية الخلاص، وإن مات ولم يخلص ولم يوص ولم يشهد إذ لم يقدر على ذلك، وكان دائنا ً بالحق « خلص الله عنه(٢) . ويستنتج من عبارة القطب أنه رخص للمضطر أن يأكل من مال الغير ويترك الميتة، ولكن قيد ذلك بشرط أن ينوي رد المال لصاحبه وتعويض ما أخذ منه، ولا يخشى الموت بعد ذلك إن لم يتمكن من الوفاء بدينه، فالله يخل ﱢ ص عنه ما دام ينوي تخليص ذمته، سواء أش ْ هد عليه؟ أم أوصى به؟ أم لم يفعل ذلك؟ فالله شاهد عليه وكافيه. ولذلك فلا حجة لمن يتهرب من تنجية نفسه من الهلاك بمال الغير ما دام الله قد تكفل له بذلك، ولعل هذا كما أشرنا أفضل وأنفع له لحماية نفسه من أضرار الميتة، والله يقول: ﴿ yxwvut ﴾ )البقرة : ( ١٩٥ . فيختار أخف الضررين لدفع ضرر أعظم وهو الموت جوعا ً ، وإن نجا منه فلا يأمن الأضرار الناجمة من الميتة، وقد يتسامح معه صاحب المال فيتنازل له عن حقه فيحقق مصلحتين النجاة من الموت المحقق وبراءة ذمته من الدين. هل وضع العلماء حد ّ ا ً معينا ً يقف عنده المضطر بالجوع أو العطش، إذا ّ اضطر إلى أخذ مال الغير؟ (١) .١٩٧/ ابن بركة: الجامع، ١(٢) .١٦٤/ أطفيش: شامل الأصل والفرع، ١ الفقهاء على خلاف في هذه المسألة: فمنهم من اشترط ألا يأخذ إلا بقدر ما يسد به رمقه، وينقذ نفسه من الهلاك ويضمن، عملا ً الضرورة » : بالقاعدة تقدر بقدرها « ومنهم من لم يضع قيدا ً ولا شرطا ً ، وسمح له أن يأخذ ما يشاء فإذا سأل عن المضطر وما يجوز » : ويضمن مثله، وفي هذا يقول الخليلي سعيد له أخذه من مال الغير لإحياء نفسه في غير ما يكون من سبب اليسر، ووسعوا له في الأخذ بغير قيد ولا شرط، لدفع ضرورته وإحياء نفسه من جوع أو عطش أو نحوه، وعليه قيمة مثله مع القدرة عليها في أكثر القول، ولا يمنعه الجواز عدم وجود القيمة معه، بل يكون د َي ْ نا ً « عليه إلى ميسرته(١) . أرأيت إذا وجد هذا » : سؤال في هذه المسألة ونصه « العقد الثمين » جاء في المضطر الميتة ومالا ً للغير هل يلزمه أن يحيي نفسه من الميتة أم يجوز له أن .«؟ يأكل من مال غيره فأجاب السالمي : ذهب زياد بن الوضاح إلى أنه لا يجوز له أن يأكل من مال » غيره مع وجود الميتة؛ لأن الله قد أباح الميتة عند الاضطرار، وحرم عليه مال الغير إلا عن رضى ولم يبح أكله عند الضرورة، كما أباح ذلك في الميتة والدم ولحم الخنزير فبقيت حرمة مال الغير على إطلاقها، وقد أبيحت الميتة للمضطر فلا يتجاوز ما أبيح له إلى ما حرم عليه، فإن أكل من مال الغير مع ذلك كان آثما ً ضامنا ً ، وقيل بل يجوز له أن يأكل من مال الغير؛ لأن إباحة الميتة ونحوها إنما هي عند عدم وجود الحلال الذي جعله الله نفعا ً لعباده وصاحب المال أولى بماله ما لم يضطر غيره إليه، وقد جعل الله 4 في أموال المؤمنين حق ّا ً للسائل والمحروم؛ فالمضطر إلى مال الغير إنما أخذ حقه منه، وأيضا ً فالميتة إنما هي والمحرم لغيره أخف حرمة من المحرم » ، حرام لعينه، ومال الغير حرام لغيره ّ ثم اختلف هؤلاء فمنهم من أجاز له ذلك وألزمه الضمان لصاحبه؛ لأن ،« لعين ه صاحب المال أولى بماله، والضرورة إنما رفعت الإثم دون الضما ن، ومنهم من (١) .٢٣٤/ الخليلي سعيد: كتاب التمهيد، ٩ لم يوجب عليه ذلك ورأى أن المضطر قد أخذ حقه من ذلك المال، ولا ضمان على من أخذ حق، وأيضا ً فإن صاحب المال لو رأى هذا المضطر وجب عليه أن يطعمه من ماله، فعلمنا أن للمضطر في ذلك المال حق ّا ً «(...(١) . وخلاصة ا لقول: مما تقدم يمكن أن نستنتج من عبارة ابن بركة وغيره أن أكثر أهل العلم يجيزون أكل مال الغير للمضطر ولو وجد الميتة وأشباهها، بشرط القدرة على أكلها، ويكون مال الغير لمسلم، ويلزم بضمان رده لصاحبه بعد زوال حالة ُ الجوع المهلك، ولعل اشتراط السالمي أن يكون مال الغير للمسلم؛ لأن من واجب المسلمين أن يكفلوا فقراءهم ولا يتركونهم يموتون جوعا ً ، فهذا حق ضمنه الله لهم في مال الأغنياء، بل أجاز العلماء لمن تعرض للعطش الشديد وخاف على نفسه الهلاك أن يقاتل صاحب الماء إن منعه من الشرب، قال وجاز لمن عطش أن يأخذ الماء ممن كان عنده وإن » : الثميني في هذا المعنى بمقاتلة إن قاتله عليه، ولكن لا يقصد قتله، وإن كان قاتلا تواسيا ً فيه، وإن خاف منه قتلا ً ؛« فلا ينازعه عليه وليتوكل على الله(٢) لأن في قتل الغير بسبب الماء ضرر أعظم، فلا يجوز لأحد أن يفدي نفسه بغيره، بل يسلم أمره إلى الله؛ لأنه لا يجوز إزالة الضرر بضرر مثله . الرأي ا لراجح: يظهر أن الفقهاء لم يتفقوا على رأي واحد في مسألة الموازنة بين الميتة ومال الغير، وكل فريق استند إلى أدلة يستأنس بها في اختياره، ولذلك وجدنا السالمي لم يستطع الترجيح بين الآراء المختلفة، وكأنه ترك الاختيار للمضطر إن شاء أنقذ نفسه بالميتة ولا شيء عليه، وإن شاء أخذ مال الغير وضمنه (١) .٢٥٧/ السالمي: العقد الثمين، ١(٢) .٢٦٦/ الثميني: العقد الثمين، ١ ولا إثم عليه، ولعل هذا القول هو الراجح ما دام في ماله حق للسائل والمحروم، وإضافة إلى أن الفائدة منه مرجوة ولا ضرر فيه، خلافا ً للميتة، وأرى أنه يجب عليه ضمانه؛ لأن المال مملوكا ً لا يجوز أخذه بدون إذن من مالكه، ولو كان فيه حق له، إلا أنه مشاع غير محدد، فربما يتجاوز المضطر فيه حقه فيأخذ أكثر من حقه فيلحق الضرر بصاحب المال والله أعلم. :πà≤dÉH √GôcE’G óæY ∫ɪdÉH ¢ùØædG AGóa »a `` 4 أ فداء النفس بالمال ا لخاص: إذا أكره أحد على تخليص نفسه بمال كثير، سواء كان بماله أو بمال غيره، ِ هل يجوز أن يضحي بماله في سبيل نجاته من وعيد المكره؟ ذهب أهل العلم إلى وجوب ذلك عند القدرة وإلا كان عاصيا ً ؛ لأن حفظ النفس مقدم على حفظ المال عند التعارض فضرر القتل أعظم من ضرر إتلاف لأن المال قابل ؛« فيرتكب أخف الضررين لدفع ما هو أشد » ، المال بالمقابل للتعويض خلافا ً للنفس(١) . فإن قال: فخبرني عن » : يقول ابن بركة في هذا المعنى في حوار شيق ﱢ مؤمن أخذه الجبار بمال كثير يطلبه منه، وعلم أنه إن لم يدفع إليه هذا المال أن يقتله، أيجوز أن لا يدفع ذلك إليه، وهو يقدر عليه؟ قيل له: لا يجوز إلا أن يدفعه إليه إذا كان عنده أن يقتله إن لم يدفعه إليه، وعليه أن يفدي نفسه بالمال، وإلا كان عاصيا ً لربه؛ فإن قال: ولم قلتم ذلك؟ قيل له: إن الله أوجب عليه أن تكون نفسه أبر عنده من ماله، وأن ينفق ماله ﱠ في صلاح نفسه، فلا صلاح لنفسه أكثر ولا أولى من أن يفدي نفسه من « القتل... وإذا وجب فداء النفس بالمال كان بالقليل والكثير(٢) ، بل أوجب عليه (١) .٢٣٤/ الخليلي سعيد: تمهيد قواعد الإيمان، ٩(٢) ١٩٣/ ابن بركة: الجامع، ١ - .١٩٤ فإن كانت نجاته من هذا الجبار » أهل العلم أن يفدي نفسه بما يملك بجميع ملكه، هل له أن يدفعه إليه؟ قيل له: نعم عليه أن يحيي نفسه بما «... يقدر عليه(١) . واحتج ابن بركة على وجوب فداء النفس بالمال بما أجمع عليه الفقهاء في وجوب شراء الماء للوضوء بالمال مع وجود البدل وهو التراب، وكذلك إذا خاف على نفسه من الهلاك بسبب العطش الشديد وجب عليه شراء الماء ولو بجميع ماله؛ لأن النفس أعز من المال. ألا ترى أن الفقهاء جميعا » : قال ابن بركة في هذا الشأن ً أوجبوا عليه أن يشتري الماء بالثمن الكثير مع وجود البدل وهو الصعيد، فإذا امتنع بالغلاء لم يكن عليه، وغلاؤه أن يدفع في ثمنه ما يخاف أن يضره إخراجه من ماله، فإحياء نفسه أولى، وكذلك لو وجده بملكه كله ليشرب من خاف على نفسه الموت من العطش، أن يشتريه بجميع ماله ولا يقتلها، وهو يقدر على فداءها، وكان على صاحب الماء أن يرد عليه فضل قيمة الماء « في موضعه(٢) . واشترط الإباضية أن تكون نجاته من الجبار محققة إذا دفع إليه ماله، أما لو علم أنه يأخذ منه المال ثم يقتله، كما يفعل بعض قطاع الطرق الذين فلا يجوز » يرهبون الناس، فلا يجوز إتلاف المال دون مقابل؛ لأن هذا ضرر فإن قال: فإن كان » : يقول ابن بركة في هذا المعنى ،« إزالة الضرر بضرر مثل ه عنده أن الجبار يأخذ منه الفداء ثم يقتله، هل له ألا يدفع إليه شيئا ً ؟ قيل له: نعم؛ لأن هذا يتلف مالا ً في غير نفع، وكل من أنفق ماله بغير نفع في عاجل « ولا آجل فهو آثم (٣) (١) ١٩٤/ ابن بركة: المصدر نفسه، ١ - .١٩٥ (٢) .١٩٤/ ابن بركة: نفسه، ١(٣) المصدر نفسه. ب فداء النفس بمال ا لغير: وذهب جمهور الإباضية إلى جواز فداء النفس من الجبار بمال الغير ولو كان وديعة عنده ويضمنها، فإن قدر على الدفاع عنها وعن ماله فعل ذلك دون تعريض نفسه للهلاك(١) . ولا يسلمه للجبار إلا في حالة العجز، لأن الله لا يكلف نفسا ً إلا وسعها. فإن أخذه الجبار بمال ولم يكن عنده إلا » : قال ابن بركة في هذا الصدد وديعة لغيره، هل كان عليه أن يفدي نفسه بها؟ قيل له: نعم ويضمن، فإن قال فهل له ألا يسلمها حتى يقتل؟ قيل له: ليس له أن يقاتل عليها إذا كان عنده أنه لا يتخلص من القتل، ويؤخذ فلا يبقى ولا تبقى هي أيضا ً ، وإنما يجوز أن يقاتل عليها وعلى ماله، وإن كان بين الخوف والرجاء فأما إذا كان العدو عشرة وهو وحده، وليس في عادته عند القتال أن يغلب عند القتال اثنين منهم، كان محاربته إياهم قتلا ً « منه لنفسه(٢) . ِ ويقول الثميني مؤكدا ً ومن بيده مال غيره يضرب به (يتاجر) » : لهذا المعنى َ « وقال له جبار إن لم تدفعه لي قتلتك، فلا يجد دفعه إليه(٣) . ولم يشترط الإباضية على المكره أن يفدي نفسه بمال غيره إذا كان في َ حوزته كالأمانات، بل جوزوا له أن يفديها ولو كان المال عند غيره، فينظر ّ كيف يخلص نفسه به ويضمنه، وفي هذا المعنى يقول ابن بركة : فإن قال: فإن » طولب بمال ولم يجد إلا مال غيره يقصد إليه فيأخذ منه ويخلص به نفسه، قيل له: نعم وعليه الضمان، فإن قال: ولم أبحتم له أخذ مال غيره ليحيي به نفسه َ (١) .٢٣٤/ الخليلي سعيد: تمهيد قواعد الإيمان، ٩(٢) ١٩٥/ ابن بركة: المصدر السابق، ١ - .١٩٦ (٣) . الثميني: الورد البسام، ص ٢٠٠ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب ن فسه »(١) . قيل له: على صاحب هذا المال إذا علم بظلم الجبار وأنه يريد قتله، وقدر على تخليصه به « كان عليه أن يخلصه من القتل بهذا المال(٢) . وذكر سعيد الخليلي أن فقهاء الإباضية لم يكونوا محل اتفاق في هذه المسألة، فمنهم من أجاز للمكره فداء نفسه بمال غيره، وعليه غرمه لصاحبه، َ ومنهم من خيره بين فداء نفسه من مال غيره مع ضمانه، وبين ترك الفداء ّ والصبر على قهر الظالم، ومنهم من رخ ّ ص له أخذ مال غيره لتخليص نفسه من الجبار بشرط أن يأذن له بذلك ليحصل على موافقته؛ وذلك إعمالا ً يختار أخف الضررين » : للقاعدة « إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما » و ضررا ً .« بارتكاب أخفهما خلاف الفقهاء في المسألة مع تعليلاتهم فقال: « التمهيد » ونقل الخليلي في واختلفوا فيه إذا كان لدفع الظلم عن نفسه، فقيل بجواز الأخذ له من مال »الغير لفداء نفسه وإن غلبه، وله أن يدفع الهلاك عن نفسه بأي وجه قدر عليه، وقد قدر الآن على دفعه بهذا المال، فعليه غرمه لربه مع القدرة. وليس عليه في هذا الموضع على قول من أجازه نظر في سعة صاحب للضرورة أحكام غير حكم » المال ولا في حاجته؛ لأنه موضع ضرورته و الاختيار « ولا يكلف في هذا إلا الالتزام بالضمان إن قدر على أدائه يوما ً ، وإلا فنظرة إلى ميسرته. وقيل: هو مخير إن شاء فدى نفسه بما قدر عليه من مال غيره والتزم ضمانه، وإن شاء صبر لما يكون فيه من أمر الجبار، فإنه ليس منه والله أولى بعذره. (١) رواه الدارقطني، كتاب البيوع، باب...، رقم: ٢٥٢٣ ، والبيهقي، كتاب الغصب، باب من غصب لوحا ً فأدخله في سفينة...، رقم: ١٠٧٨٧ ، عن حذيفة عم أبي حرة الرقاشي. (٢) .١٩٦/ ابن بركة: الجامع، ١ وقيل: ليس له أن يفدي نفسه بمال غيره على حال إلا برضى ربه، وقد صرح الصبحي (١) بالجواز في مسألة الأمانة والشيخ أبو نبهان(٢) رحمهما الله ّ «... بالاختلاف في أصل المسألة، وكذا في الآثار القديمة(٣) . ويلاحظ مما تقدم أن بعض الإباضية لم يسمحوا للمكره أن يضحي َ بنفسه في سبيل حفظ المال، بل أوجبوا عليه أن يفديها بماله، فإن لم يجد ِ فبمال غيره ولو بغير رضاه مع الالتزام بالضمان؛ لأن التضحية بالنفس أشد ومن ،« يختار أهون الشرين لدفع ما هو أعظ م » ضرر من الفداء بالمال، ف القواعد المقررة في مقاصد الشريعة أن حفظ النفس مقدم على حفظ المال عند التعار ض، ولا شك أن أصحاب هذا القول اعتبروا هذا المقصد، فرخصوا في التضحية بالمال لفداء النفس، وذهب بعضهم إلى ترك الخيار له إن شاء فض ّ ل الفداء وإن شاء صبر وت َح ّ مل ضرر الجبار، أما ضمان مال الغير فقالوا حسب استطاعته، فلم يكلفوه فوق طاقته، ولم يلزموه تعجيله إذا كان في عسرة مراعاة لحاله. وفي السياق نفسه قد يكره أحد على الأكل من أموال الناس، أو استعمالها، َ أو العمل بها، أو التصرف فيها بالبيع أو التأميم أو إتلافها، فهل يخضع المكره َ إلى تهديدات الجبار وينفذ أوامره؟ أم يرفض ذلك ويعرض نفسه للهلاك؟ ّ أجاز العلماء ذلك للمكره مع الالتزام بالضمان، أما إن أجبره على التصرف َ في مال غيره بما يعود عليه بالنفع والصلاح، فلا ضمان عليه إذا كان ذلك المال عند غاصب، وألزمه بالعمل فيه لإصلاحه وتنميته، كمن يغتصب أرضا ً ويأتي بعمال لإصلاحها وزراعتها، ففي هذه الحالة لا يضمن شيئا ً بل الغاصب هو الضامن للأرض وما أفسد فيها. (١) تقدمت ترجمته. (٢) هو جاعد بن خميس بن مبارك الخروصي (ت: ١٢٣٧ ه) تقدمت ترجمته. (٣) ٢٣٤/ الخليلي سعيد: تمهيد قواعد الإيمان، ٩ - .٢٣٥ وللمقهور على أكل مال، أو » : يقول القطب أطفيش في هذا الشأن استعماله، أو عمل فيه، أو تصرف فيه، أو إفساد فيه، أن يفعل ويضمن، وإن ِ قهر الظالم أحدا ً أن يعطيه مالا ً أو طعاما ً أو نعالا، ً أو غير ذلك في حال ذهابه إلا ما لا يجوز من سلب أو قتل، فلا بأس عليه في ما ظهر لي… لكن إن عمل فيه ما كان صلاحا ً له، فلا ضمان عليه عندهم، وقد يبحث فيه باستثناء ما إن تملكه غاصب وقهره على صلاح فيه، فإن إصلاحه يزيد للغاصب نفعا ً « منه(١) . ج فداء الأسرى بالمال ا لعام: إذا أسر العدو بعض المسلمين وطلب لإطلاق سراحهم فدية، فهل يجب على المسلمين بذل مالهم في سبيل تخليصهم من الأسر؟ أم ينوب عنهم حاكم المسلمين فيفديهم من بيت مال المسلمين؟ ُ ذهب الإباضية إلى وجوب فداء المسلمين من أعدائهم بأموالهم إذا قدروا على ذلك، بشرط ألا يترتب عليهم ضرر يضعف قوتهم ويزيد في قوة أعدائهم؛ لأنه قد اجتمعت هنا مفسدتان وتعارضت، فإن ظهر أن فداءهم لا يضعفهم ارتكابا » فيجوز ذلك ً لأن نقص المال مقابل إنقاذ الأنفس ؛« لأخف الضرري ن فيه مراعاة لمقاصد الشريعة، وإذا تبين لهم أن الفداء يؤدي إلى إضعاف قوتهم وهذا ضرر كبير فيجوز ذلك مقابل إنقاذ إخوانهم وهذا أيضا ً ضرر ولكنه يتحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد العام » أقل، ففي هذه الحالة « كما تقرر عند الفقهاء . وزيادة في التوضيح والبيان نورد عبارة ابن بركة في هذه المسألة بما نصه: فإن قال: أرأيت إن كان بعض المسلمين في يد عدو وقد أسره، وطلب فداء »عليه، كان على المسلمين تخليصه بشيء من مالهم؟ (١) ١٦٣/ أطفيش: شامل الأصل والفرع، ١ - .١٦٤ قيل له: على الإمام أن يخلصه من بيت المال، فإن لم يكن إماما ً فعلى المسلمين تخليصه، إلا أن يكون المال الذي يطلبه إذا دفعوه إليه أضعفهم وقوي ِ العدو به على جميعهم، أو ضعفوا به عن عدوهم، فهو أشد ضررا ً منه عليهم، فحينئذ لا يدفعون إليه شيئا ً ولا يلزمهم؛ لأن قتل واحد أيسر على « المسلمين من جميعهم أو ذهاب الحق من أيديهم(١) . وعل ﱠ ل ابن بركة وجوب تخليص أسرى المسلمين من أعدائهم بالمال باعتبار أن هذه الوسيلة تعد أسهل من القتال؛ لأجل تحريرهم إذا كان ذلك في مقدورهم، ولأنه ضرر أخف من بقاء المسلمين في أيديهم أسرى لإذلالهم أو استئصالهم، وكذلك يجب عليهم إنفاق أموالهم لإصلاح غيرهم، وفي هذا فإن قال: ولم أوجبتم عليهم بتخليصه بالمال، قيل له: لأن » : المعنى يقول َ عليهم أن يخلصوه بأنفسهم وأن يقاتلوا عنه ليخلصوه إذا رجوا ذلك، وكان الغالب على ظنهم أن يقدروا على تخليصه، فتخليصهم إياه بالمال أيسر، فإن ِ قال: فلم أوجبتم على المسلمين أن ينفقوا أموالهم في صلاح غيرهم؟ قيل لهم: على المسلمين أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر إذا رجوا القدرة «... على ذلك بأنفسهم وسلاحهم ودوابهم، وهذا إجماع من الناس(٢) وخالف سعيد الخليلي ابن بركة في رأيه فلم يلزم المسلمين فداء الأسير أو المضطر من القتل بل جعله في حدود طاقتهم، فلا يعرض نفسه للحاجة ّ ؛« لا يجوز إزالة الضرر بمثله أو أشد من ه » لأجل تخليص أخيه من الأسر؛ لأنه هذا وإذا » : والمسألة جرى فيها الخلاف بين الفقها ء، وقد حرره الخليلي فقال سأل عن الذي يجب عليه للمضطر فداؤه من القتل بماله، فلهم فيها جواب آخر لشروط تذكر، وهو أن لا يدخل على نفسه الضرر بذهاب ماله، وإنما يدفع عنه في حالة ما يستغنى عنه من المال بعد قضاء دينه وتبعاته، وترك (١) .١٩٥/ ابن بركة: الجامع، ١(٢) ١٩٥/ ابن بركة: المصدر نفسه، ١ - .١٩٦ ما يحتاج إليه لنفسه ولعياله وما يلزمه من شيء، فكأنه ليس عليه فداء إلا بما «... فضل في يده بعد أخذ حاجته منه أو نحو هذا من قولهم(١) . إن هذا مما يؤمر به فينبغي لمن قدره لخلاص » : وفي موضع آخر يقول أخيه المسلم ألا يذره ولكنه ليس مما يجتمع على وجوبه، لوجود الاختلاف فيه، فلينظر فيما جاز للمضطر أخذه في قول من قال لغير دفع ضرورته، وفيما كان على أهل الأموال على قول آخر فداؤهم إياه به من الهلكة المتوقع كونها من الجبابرة، فإن بينهما البون، وهذا يعلم أنهما أصلان في الحق ْ «... لا يجتمعان(٢) . د التضحية بالمال لإنقاذ النفس من ا لغرق: لو صادف أن سافر الناس على متن سفينة فلما وصلوا عرض البحر ُ اضطرب وارتفعت أمواجه، وخاف الركاب من الغرق، فهل يجوز طرح بعض الأمتعة في البحر لتخفيف حمولة السفينة حتى تنجو من الهلاك؟ قال أهل العلم: لا مانع من ذلك بشرط ضمان مال الغير بعدد أفراد السفينة، وذلك إعمالا ً وهو هلاك ،« ارتكاب أخف الضررين لدفع الضرر الأعظم » : لقاعدة الجميع بالغرق، فيجوز التضحية ببعض المال حفاظا ً على سلامة النفوس؛ لأن من مقاصد الشريعة حفظ النفس ويقدم على حفظ المال عند تعارضهما. بحث فقهاء الإباضية هذه المسألة وبينوا حكمها على ضوء قواعد الشريعة ﱠ إذا قام البحر وخافوا » ومقاصدها، فذكر القطب أطفيش في هذا الصدد أنه الغرق فلهم طرح الأمتعة إن رجوا فيه النجاة، ولو لغائب أو يتيم أو مجنون، وإن طرحوا متاع بعض اشتركوا في ضمانه ولا يضمنون حصته، فإن كان النفع للمتاع فله قدره أو للأنفس فعلى الرؤوس، أو لهما فعليهما، ولزم الطرح من ْ (١) .٢٣٥/ الخليلي سعيد: تمهيد قواعد الإيمان، ٩(٢) الخليلي سعيد: المرجع نفسه. أبى، ولمن في المركب الطرح إذا تبين ذلك، ولصاحب المركب ولو وحده إذا َ تبين ذلك، ويمضي عليهم ذلك، وإن أمر بعضا ً بطرح متاعهم فقط كان على الجميع إذا كانت المصلحة للكل، لا كما قيل: إنه على صاحب المتاع فقط، وإن لم يتبين أمارة الخوف فاشتوروا في الطرح، أو احتمل التأخير، فطرح َ بعض متاعه أو متاع غيره قبل الاتفاق على الطرح، ضمن المتاع المطروح إذا كان للساكت أو المانع، وإن ترك صاحب المركب أو غيره ماله أو مال غيره، وادعى أنه تنجيه من الغرق، ضمن إن لم يتبين أن البحر قام، وأشرف على الإغراق، وكذا من كان وحده في السفينة صاحبها أو غيره، وخاف الغرق بما فيها فله طرحه تنجية لنفسه، وطرح بعض تنجية لنفسه وللباقي، فإن أنكروا ولا بيان ضمن وإلا فلا، وكان المطروح مضمونا ً «... بينهم(١) . ونقل ابن بركة عن بعض فقهاء الإباضية غيرهم جواز إلقاء الأمتعة في البحر إذا هاج البحر في حالة الخوف من الغرق، والطمع في النجاة مع ضمان حق أصحابها، تطبيقا ً يقول في ،« يزال الضرر الأشد بالضرر الأخ ف » : للقاعدة وقال بعض فقهاء مخالفينا ولعل ذلك قول الجميع منهم، » : هذا المعنى ووافقهم على ذلك أبو معاوية عزان بن الصقر وغيرهم من الفقهاء من أهل عم ان في قوم ركبوا سفينة في البحر فخافوا الغرق والهلاك لشدة البحر، فإن ُ لهم أن يلقوا ما فيها من حمولة الناس وأموالهم؛ ليخلصوا أنفسهم من الموت إذا رجوا ذلك بإلقاء أموال الناس في البحر، ويضمنوا القيمة، ويوجد في الأثر عن أبي معاوية أيضا ً : وإن كان صاحب المتاع رمى بمتاعه من غير مواطأة ِ كانت بينه وبينهم فسلموا، كان له عليهم ضمان المتاع على عدد رؤوسهم، « وأن الحاكم يحكم له عليهم بذلك(٢) . (١) .١٦٢/ أطفيش: شامل الأصل الفرع، ١(٢) ١٩٧/ ابن بركة: الجامع، ١ - .١٩٨ ويؤكد الشماخي جواز إلقاء بعض أمتعة الركاب في السفينة؛ لتخفيف حمولتها، وأملا ً في نجاتها، بشرط أن يتفق الجميع على ضمان المال الذي وإن خافوا عليها الغرق فأرادوا أن يخففوا منها شيئا » : يلقونه في الماء، ويقول ً من أموالهم ويلقوه في البحر، فإنهم يتفقون كيف يؤدونه من صاحبه ثم يلقونه، وإن وجدوه بعد ذلك وقد رمى به البحر فهو بينهم على ما غرموه ثمنه لصاحبه الأول، وإن طرحوه منها وقد اتفقوا أنهم يغرمونه لصاحبه غير أنهم لم يقطعوا أمرهم على شيء فإنهم يغرمونه على قيمة أموالهم؛ لأنهم إنما فدوا بذلك أموالهم، وإن ألقى أحد منهم شيئا ً من متاعه بغير مشورتهم فليس عليهم غرمه له؛ لأنه متطوع إلا على جهة الاستحسا ن، وكذلك أيضا ً إن ألقى أحد منهم ّ شيئا ً «... من متاع الناس بغير مشورتهم فهو ضامن له دونهم(١) . واستدل الثميني على جواز التخل ّ ص ببعض المال لإنقاذ السفينة من الغرق رجاء سلامة ركابها، أنه لو سافر تاجر على سفينة وحمل مال غيره ليتاجر فيه، وتعرضت السفينة للغرق، فيجوز له أن يلقي بذلك المال لإنقاذ نفسه وغيره، يجوز إزالة الضرر الأشد بالضرر » ويضمنه مع غيره الذين نجوا بسببه؛ لأنه الأخف « وإن سافر بذلك المال في السفينة، فجاء » : وفي هذا المعنى يقول ما يخاف منه الهلاك، جاز له أن يطرح ذلك المال رجاء للسلامة، فالأول طلب سلامة نفسه(٢) ، والثاني سلامة غيره. ِ ونوقش فيه فأجيب بأن البحر جاء أمره من قبل ِ الله عز وعلا، فإذا ثبت َ خوف من قبل ذلك نحو غرق وحرق أو نحوهما، فترك تارك ما يقدر عليه من استنقاذ الأنفس من الهلاك ضمن، فإذا خاف الهلاك على الأنفس في السفينة بسبب ذلك المال وطرحه طمعا ً في السلامة، جاز استبقاء الأنفس بالمال بالتزام (١) .٣٠٨ - ٣٠٧/ الشماخي: الإيضاح، ٦(٢) يشير إلى ما تقدم قبل هذا النص فيمن بيده مال لغيره يضارب به ويستثمره، وقال له جبار إن . لم تدفعه لي قتلتك فلا يجد دفعه إليه، ينظر: الثميني، الورد البسام، ص ٢٠٠ :ìÉμædG ÜÉH »a `` 5 ضمانه عند البعض، وقيل ما طرحه يلزم من تصرف عند المضرة من الرؤوس « على قدرها أو من الأموال كذلك(١) . ويظهر من خلال فهمنا لأقوال العلماء أن الضرر إذا شمل الجميع يتحمل إزالته الجميع، فإذا ناب عنهم البعض يوزع الضمان عليهم ولو لم يكن لهم أموال؛ لأن سلامتهم كانت بطرح أموال الغير، فضرر الغرق سيلحق الجميع، ولذلك وجب عليهم إزالته بضرر أقل، وهو طرح بعض الأمتعة في البحر لتخفيف حمولة السفينة طمعا ً في نجاتها. أ العلاقة المشبوهة بين الرجل والمرأة: إذا تكونت علاقة مشبوهة بين رجل وامرأة ولم تصل حد الزنا فالمسألة في نظر الفقهاء محل خلاف، فجمهور الإباضية يحرم الزواج بينهما؛ لأن مقدمات الزنا كاللمس والتقبيل محرمة تؤدي إلى مفاسد(٢) ، ولكن لو نظرنا (١) الثميني: المصدر نفسه. (٢) هذه المسألة وأشار إلى اختلاف الإباضية في أثر مقدمات « كتاب النكاح » نقل الجناوني في الزنى على عقد النكاح، واختار القول بعدم التحريم ارتكابا ً لأخف الضررين ودفعا ً لمفسدة وإذا نظر الرجل إلى امرأة » : أعظم ما دام لم يقع الدخول الحقيقي، يقول في هذا الصدد حتى رأى منها ما بطن من فرجها، فلا يجوز له نكاحها ولا ما ولدها، ولا نكاح ما ولدت، تعمد أو لم يتعمد، ومنهم من يرخص إذا لم يتعمد... وإذا نظرت المرأة إلى عورة الرجل ّ حتى رأت فرجه فلا يجوز لها نكاحه هو ولا نكاح ما ولد، ولا نكاح ما ولده، ومنهم من ص ٣٥ ) .« يرخص إلا أن يكون الرجل في ذلك مثل المرأة - ٣٦ ). ويضيف في السياق نفسه: وكذلك إن مس بيده ما بطن من فرجها، فلا يجوز له نكاحها هي ولا نكاح نسلها، وأما غير »الفرج إن مسه بيده فلا يستحب له تزوجها، وإن فعل فلا أقول بالتحريم. وكذلك إن مست المرأة فرج الرجل بيدها، فلا يجوز لها تزوجه، وإن مست غير الفرج من جسده، فلا يحرم عليها بذلك نكاحه، وكذلك إن قبلها فلا يتزوجها، فإن فعل فلا يحكم عليه بالتحريم، ّ وكذلك العض ّ ص ٣٧ ) «... ة والقرصة فلا يستحب له تزويجها، فإن فعل فليس بحرام - .(٣٨ = إلى المسألة نظرة مقصدية حفاظا ً على العرض وصونا ً للنسب، نختار رأي من يقول: لو انتهت هذه العلاقة بالزواج يكون أحسن وأنسب؛ وذلك خوفا ً من مفسدة أعظم؛ لأنه إذا أصرا على الزواج ومنعا عنه، فقد يرتكبون ضررا ً أشد ُّ وهو الزنا إعمالا ً إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما » للقاعدة الفقهية ضررا ً ولذلك يرى بعض الفقهاء أنه يباح لهما الزواج ،« بارتكاب أخفهم الإحصان أنفسهما وهو ضرر أخف لدفع ضرر أعظم وهو الزنا . بينما استند المانعون لهذا الزواج بقاعدة فقهية أخرى لعلها أقوى سندا ً من من تعجل شيئا » : غيرها، وهي ً وحتى تتضح معالم ،« قبل أوانه عوقب بحرمان ه هذه المسألة أكثر ننقل من فتاوى البكري سؤالا ً أن » : مفاده ّ شابا ً وشابة تعارفا ّ فوقع بينهما لمس وتقبيل ومص اللسان وغمز الثديين ثم تواعدا على الزواج، فهل يصح هذا الزواج شرعا ً .«؟ أن الذي جرى عليه أصحابنا (الإباضية » : فكان جوابه ( رحمهم الله أن من قبل امرأة أو لمسها، أو عضها عن شهوة ألا « صاحب النيل » ومنهم ّ يتزوجها استحسانا ً ، فما بالك بمن أضاف إلى ذلك مص اللسان وغمز الثديين، فقد أبعد عن الشرع وأوشك أن يرتع في الحمى، وعليه فمن النزاهة والاحتياط ِ ألا يتزوجها، لكنه نظرا ً لفساد المجتمع، وتطور الحيل، وخشية أن يكون هذا التعارف قد ترك في نفوسهما تعلقا ً ببعضهما، ربما أدى بهما إذا تمكنا إلى الزنا لا سيما إذا تزوجت بغيره، فالأفضل عندي والله أعلم أن يتوبا ويستغفرا « مما صدر منهما ويتزوجا طالما لم يبلغ الأمر بينهما حد الزنا(١) . = قال المحقق علي يحيى معمر معقبا ً مقدمات الفاحشة فاحشة، فالق » : عليه ُ بلة والعضة والغمزة وما أشبهها كلها كبائر لا تجوز مع الأجنبية، فإن وقعت فهي في نفسها حرام، تجب التوبة «... منها، ولكنها لا تترتب عليها أحكام في تحريم النكاح على المختار الذي اختاره المؤلف .( (ينظر: هامش كتاب النكاح للجناوني، ص ٣٨ (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٢٨٢/ فتاوى البكري، ١ وفي صورة أ خرى: لو وقعت مع امرأة مقدمات الزنا ولم يصل الفعل إلى ما يوجب حد الزنا، فقد أفتى الشيخ أحمد الخليلي بعدم الحرمة وإمكان يختار أهون الشرين » التزوج بها، وهذا من باب « وهذا خير « أخف الضررين » و ِ من أن يحكم عليهما بالحرمة الأبدية فتسول لهما نفسهما فعلة الزنا فيقعون في ّ الضرر الأعظم. وسئل الخليلي أيضا ً : ما قولكم في رجل أراد أن يتزوج امرأة كان قد » قبلها ورأى عورتها ولامس ذكره فرجها جهلا ً منهما بحكم ذلك لصغر سنهما، ّ .«؟ ثم تابا فهل يجوز زواجه بها إن كان لم يولج الحشفة في فرجها وإنما هو مجرد مس، » : فأجاب « فلا تحرم عليه، ولا حرج عليهما أن يتزوجها والله أعلم(١) . وفي صورة مشابهة أنا فتاة مخطوبة » : سألت فتاة الشيخ الخليلي فقالت وأخرج مع خطيبي فأغوانا الشيطان فوقعنا في الرذيلة، ولكن كلها أشياء .« خارجية ولم يباشرني مباشرة الأزواج، نريد أن نتوب إلى الله ونتزوج فرد عليها الشيخ بأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان » « ثالثهما(٢) فتوبا إلى الله يغفر الله خطيئتكما » : ، ودعاهما إلى التوبة النصوح وقال « ولا مانع من زواجكما إن كان ما دار بينكما لم يصل إلى حد المواقعة(٣) . ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن عادة خروج الخطيبين معا ً منفردين وفدت إلينا من البلاد الغربية التي لا تدين بالإسلام، وذلك عن طريق الأفلام والمسلسلات، نسأل الله العافية وإزاء هذا الوضع ندرك حكمة (١) . الخليلي أحمد: فتاوى النكاح، ص ١٥٥ (٢) رواه أحمد، مسند العشرة المبش ﱠ رين، مسند عمر بن الخطاب، رقم: ١١٤ ، والبيهقي في الكبرى، كتاب النكاح، باب لا يخلو رجل بامرأة أجنبية، رقم: ١٣٢٩٩ ، عن عمر. قال .٧٨/ فيض القدير، ٣ .« قال الترمذي حسن صحيح » : المناوي (٣) . الخليلي أحمد: المرجع نفسه، ٦١٥ الشارع الحكيم في تحريم خلوة الرجل بامرأة أجنبية ولو كانت خطيبته، وكان لذلك أثره الايجابي في التقليل من شيوع الفاحشة في المجتمع، ولعل التزام بعض المجتمعات المعاصرة(١) بهذا التشريع القويم قل ﱠ ل من ظاهرة الزنا والحمد لله نسأل الله أن يصلح مجتمعاتنا ويعصمها من الوقوع في الحرام. مجمل ا لقول: فالبكري 5 والخليلي حفظه الله نظرا إلى الموضوع نظرة مقاصدية وهي ما دام الشابان لم يصلا إلى حدود الزنا فيمكن إصلاح هذه العلاقة، وتصحيحها بالزواج مناسب، ويكون سببا ً في منعهم من الزنا إن أغلق الباب أمامهما، فما داما قد تابا فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولم تترتب عن العلاقة الأولى ما يتعذر إصلاحه من أبناء الزنا لا قد ﱠ ر الله فلذلك رجح العمل بالرأي الثاني ما دام تحريم الزواج لم يرد فيه نص صريح من الشارع، وإنما هو من اجتهاد الفقهاء من باب سد الذرائع من الوصول إلى الفساد، ولا شك أنه هو القول الأعدل لعلاج مثل هذه الحالات، حفظا ً للأعراض والأنساب. ب الآثار المترتبة على العلاقة غير ا لشرعية: إذا قامت علاقة غير شرعية بين رجل وامرأة ونتج عنها نسل من زنا فلا يجوز لهما أن يقيما علاقة شرعية بالزواج بعد ذلك؛ لأنه لا نكاح بعد سفاح عند الإباضي ة؛ ولأنه يحرم على الرجل الزواج بمزنيته حرمة مؤبدة، والأولاد يلحقون بنسب أمهم دون أبيهم، هذا في حكم الظاهر، ولكن لو حدث أن تزوجا بعد سفاحهما وأنجبا بعد ذلك أولادا ً ، فما حكم هذه العلاقة؟ هل يحكم عليها بالبطلان وينفصلان عن بعضهما؟ وما حكم نسب الأولاد؟ هل يلحقون بأبيهم أو أمهم؟ (١) ومن هذه المجتمعات المحافظة على تعاليم الشرع الحنيف المجتمع الميزابي الذي يقطن في جنوب الجزائر، فقد منع مثل هذه السلوكيات وحذر منها، درء للمفاسد، وحفاظا ً على سلامة المجتمع. ً وردت على الشيخ بكلي مسألة تشبه هذه الصورة فأفتى بصحة ذلك الزواج خلافا ً للإباضية، وأثبت نسب الأولاد بأبيهم؛ لأنه يثبت عند الفقهاء النسب يزال الضرر » : بالنكاح الفاسد للشبهة، ويتضح أن هذه الفتوى تستند إلى قاعدة الأشد بالضرر الأخف « إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا » أو ً بارتكاب فالحكم باستمرار العلاقة الزوجية بعد السفاح ضرر أخف من الحكم ،« أخفهم ا ببطلانها، وهدم كل ما يقوم عليها مثل إبطال نسب الأولاد هو ضرر أشد. اتصلت امرأة برجل ودام هذا الاتصال مدة، وأتت » : ومما جاءه في السؤال منه بولدين، ثم أتم عقد الزواج وزادت منه ولدين آخرين، تريد المرأة أن تتوب ّْ إلى ربها وتكف ﱢ .«؟ ر عن ذنبها، فما رأي الدين في المسألة أجاب البكري : فبالنسبة لحق الله يجب عليها التوبة والاستغفار مما » اقترفته في حقه حتى يتوب عليها، وبالنسبة لحق العباد قد ترتب فوق ذلك على جريمتها أن جنت على الولدين الأولين اللذين أصبحا في نظر الإسلام أولاد زنى، ينسبان إليها ترثهما ويرثانها، فقد أفقدتهما نعمة النسب وأصبحا كالغثاء يعيشان على شاطئ الحياة كاسفي البال يتواريان من سوء ما لحق بهما من عار الزنا، وعليه فلا بد لها من التكفير بالإحسان إليهما كفاء ما ألحقت بهما من ضرر، أما الولدان الأخيران وإن ترتب وجودهما على نكاح فاسد على ما ذهب إليه علماء الإباضية وهو الحق فإن نسبهما ثابت؛ لأن النسب يثبت ولو من نكاح فاسد إذا لم يكن هناك زنا محض. أما إتمامهما عقد النكاح بعد سفاح فإن هذا النكاح أيضا ً يعتبر فاسدا ً في نظر المذهب الإباضي يستوجب التفريق بينهما، لكن تفاديا ً من هدم بناء أسرة يتحتم علينا أن نحمله على ما ذهب إليه بعض المذاهب الإسلامية من «... الجواز (١) (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٣٠٤/ فتاوى البكري، ١ - .٣٠٥ وخلاصة ا لقول: يظهر من جواب البكري 5 أن فتواه فيها مراعاة للمصالح المتمثلة في مصلحة الأسرة القائمة، ومصلحة الأولاد وما يلحقهم من أضرار من فعلة والديهما، فرجح كل ذلك حفظا ً للنسل، وهذا الرأي ينسجم مع مقاصد الشريعة العامة، ولو تقيد برأي جمهور الإباضية لحكم ببطلان الزواج الذي سبقه سفاح، فتنهدم أركان الأسرة، ويتشتت الأولاد، ولا شك أن رأيه هذا ينم ّ عن سعة علمه وتفتحه على غيره من الآراء المخالفة لمذهبه. ج حكم النظر إلى ا لأجنبية: حرم الإسلام النظر إلى المرأة الأجنبية باشتهاء دفعا ً لذريعة الفساد وحفظا ً للحرمات؛ لأن في إباحته ضرر للمجتمع يؤدي إلى الوقوع في الحرام، ولكنه شرع النظر إلى المخطوبة استثناء لما قد يفضي إلى فساد أعظم وهو الفرقة بين الأزواج المترتبة عن عدم النظر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة حين هم بالزواج: أنظر » ّ « إليها فإنه أحرى أن يؤدم ب ينكما (١)فبين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الباعث من ﱠ النظر في تلك الحالة، وهو ما يترتب عليه من محبة الزوجين ووفاق وألفة، وهو مقصد الشارع من وراء الزواج، فمنع النظر إلى المخطوبة يترتب عليه ضرر أشد ُ إذا تعارض مفسدتان روعي » من إباحته، ففي هذه الحالة يعمل بالقاعدة الفقهية ُ أعظمهما ضررا ً فإباحة النظر إليها مع ما يترتب عليه من ضرر ،« بارتكاب أخفهم ا أخف، حيث لا تسمح بعض المجتمعات بذلك، وقد يستغل بعض الشباب هذه الرخصة فيطلب النظر ولا يتقدم للزواج، فيخدش كرامة المرأة، ولكن في إباحة النظر إليها لقصد الزواج أقل مفسدة لأجل مصلحة أعظم، ودفعا ً لمفسدة أشد(٢) . (١) رواه الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة، رقم: ١٠٤٣ ، وابن ماجه، كتاب النكاح، باب النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، رقم: ١٨٦٢ ، عن المغيرة بن شعبة. (٢) بابكر عبد الرحم ن ٰ بن صالح: دراسات تطبيقية حول فلسفة المقاصد في الشريعة الإسلامية، . ١٤٢٢ ه/ ٢٠٠٢ م، ص ١٦ ، تقنية الطباعة المحدودة، ط ١ د إكراه المرأة على الزواج بغير رضاها: شرع الإسلام الزواج وجعل من أركانه الرضا، فلا يجوز إكراه أحد الزوجين على الزواج بغير رضاه، ولكن قد يتعسف بعض الأولياء فيزوجون بناتهم دون رضاهن أو إذنهن، وذلك خوفا ً من بوارهن أو وقوعهن في الفاحشة، قال الله تعالى: ﴿ mlk ﴾ )النساء :( ٢٥ . واشترط الفقهاء الكفاءة بين الزوجين لضمان الوئام ودوام العشرة بين الزوجين، وقد يتجاوز بعض الأولياء حدود ولايتهم على النساء فيزوجوهن بغير الكفء، ولا شك أن هذا ظلم وإلغاء لحق اختيارهن، وينعكس سلبا ً على حياتهن الزوجية، فيجب على الولي أن يراعي لها الأصلح حفاظا ً على كرامتها وشرفها، ورغم ذلك فقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز تزويج المرأة ارتكابا لأخف » بغير الكفء عند الضرورة إذا خيف منها الزنا؛ وذلك الضررين « فضرر الزنا أشد من ضرر الزواج بغير الكفء، وقد يتغير موقفها من الزوج بعد معاشرته فينزل الله بينهما المودة والرحمة ويقع الانسجام ويزول المحذور. ولا يزوج وليته من غير كفئها، » : وفي هذا المعنى يقول القطب أطفيش ّ وإن زوجها بغير كفئها قهرا ً فرضيته زوجا ً على كره، أو زوجها به غير عالمة ّ بأنه غير كفء لعدم معرفتها حاله أو لكونها غير عالمة بالأمور، كبلهاء وصبية ومجنونة، أو نحو ذلك، فيطلب منها أن ترضى عنه ويرضيها بما ترضى به؛ لأنه ظالم لها، إن خاف منها زنا أو خافت زوجها بمن وجد من أهل التوحيد؛ ُ « لأن الضرورة تدفع بضرورة أهون منها والتحرز عن الزنا أهون(١) . وفي موضع آ خر يشير القطب إلى الذين يحرم على الولي أن يزوجهم ّّ موليته؛ لأنهم ليسوا كفؤا ً ولا لمن لا يصونها، مثل أن يدخل بها » : لها فيقول (١) .١١٥/ القطب أطفيش: شرح كتاب النيل، ٦ ِ دخ الأسواق، أو ي ُ ل إليها الناس، أو يرضى بدخولهم، أو يرسلها إلى «... ما لا يحسن، وهلك هو والشهود والمرأة؛ لأن أمر النكاح إليها(١) ويضيف: ...» والعاقد بالجبار إن منعها حقها، وبصاحب الحرام إن َّ أطعمها إياه، وبالقاتل عمدا ً بحيث يتكافأ دمه ودم المقتول فيستحق القتل؛ لأنه لا يق َ ر ولا يؤوى حتى يعطي الدية، أو يعف َ ى عنه، أو يقتل، قال ُ َُ أبو العباس أحمد بن محمد: إن ز ُوجت للجبار ضرورة فقد رخص في ّ ذلك، وإن طلبها الجبار وإلا زنى بها أو قتلها، فتزوجت، فإن رضيته زوجا ً على كره فلها المهر والإرث، وإلا فلها الصداق ولا توارث، وحرم كل «... على الآخر (٢) :Iƒ°TôdG »a `` 6 اتفق العلماء على أن تعاطي الرشوة في الحكم حرام على الآخذ بلا خلاف، لقوله تعالى: ﴿ $# ﴾ )المائدة : (٤٢ ، فقد فسره الحسن وسعيد بن جبير وابن سيري ن، فقالوا: إنه الرشوة، وقالوا: إذا قبل القاضي الرشوة بلغت به الكفر، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « لعن الله الراشي والمرتشي »(٣) . فالرشوة هو ما يعطى لحاكم تذرعا » قال البكري ً لإبطال حق أو إحقاق ّ باطل، وهي محرمة على المعطي والآخذ معا ً ملعونان على لسان الشارع، بل « وحتى على الرائش الذي يمشي بينهما(٤) ، قال تعالى: ﴿ mlk rqpon {z ﴾ (ا بل قرة : ١٨٨ (. yxwvuts (١) .١١٦/ أطفيش: المصدر نفسه، ٦(٢) . ١١٦ ١١٧ / القطب أطفيش: شرح كتاب النيل، ٦(٣) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، تقدم تخريجه. (٤) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٢٣٨ ،٢٢٣/ فتاوي البكري، ١ وقال صلى الله عليه وسلم : « لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي ب ينهما »(١) . أما إذا أعطى المعطي ليتوصل به إلى حق ضاع له، أو يدفع عن نفسه ظلما ً ، فلا بأس بذلك عند جابر بن زيد وغيره، وقال بذلك عطاء والحسن(٢) . والمداراة وإن كانت » وقال البكري في بيان الفرق بين الرشوة والمداراة من قبيل الرشوة لكنها غير محظورة على معطيها، وهي محرمة على آخذها؛ لأن المعطي يصانع بها الجبار دفعا ً لظلمه عن النفس أو العرض أو المال، قال صلى الله عليه وسلم : « قوا بأموالكم عن أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه »(٣) . وروي عن جابر بن زيد والشعبي قالا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم، قال الحسن : لعن الله الراشي والمرتشي ليبطل حق ّا ً أو يحق باطلا، ً « أما أن تدفع عن مالك فلا بأس بك(٤) . ولا تحل المداراة لأحدهما لقوله عليه الصلاة » : وقال صاحب النيل والسلام : « شر الناس من يكرم مخافة شره »(٥) ، وجاز للمسلمين أن يداروا ّ على أنفسهم ومالهم وحرمهم بأموالهم، قال شارحه: أن يداروا من خافوا «(٦) منه الظلم ولم يقدروا عليه مشركا ً أو مخالفا ً أو موافقا ً . وروي عن ورد هذا .« ما رأينا في زمن رياء أنفع لنا من الرشا » : جابر بن زيد أنه قال ﱠ (١) تقدم تخريجه. (٢) .٤٣٧/ ٨٨ . ابن قدامة المقدسي، المغني، ١١ / البغوي: شرح الستة، ١٠(٣) أورده أبو نعيم، أخبار أصفهان، باب العين، من اسمه محمد، رقم: ٢٤٦٦ ، الشطر الأول منه، عن عائشة. .«... ذبوا » : بلفظ (٤)عبد الرحمن ٰ .٢٣٨/ بكلي، فتاوى البكري، ١(٥) ، رواه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف، رقم: ٢١٨٧ والطبراني (الأوسط)، من اسمه أحمد، رقم: ٤٧١ ، في حديث طويل مع زيادة، وأوله قوله: عن علي. .«... إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء »(٦) الثميني: النيل وشفاء العليل، وشرحه أمحمد أطفيش، ينظر: النص في محله نقله البكري في . الفتاوى، ١/ ص ٢٣٩ المعنى في كتاب شرح بلوغ المرام، ورد عليه الشوكاني(١) بقوله أن هذا كلام في غاية السقوط(٢) . والحاصل أنه يتضح مما سبق أن جمهور العلماء يدين بحرمة الرشوة عموما ً للنصوص الصحيحة الثابتة(٣) ، وخالفهم الإمام جابر بن زيد في بعض الحالات، فقد رخص فيها إذا كان لدفع ضرر أشد، كالاستعانة بها لتخليص حق ضائع، أو لدفع ضرر عنه، كما يحدث في زمن الجبابرة يوم تعطل أحكام إذا » الله، والظاهر أن جابر بن زيد ربما قد استند في فتواه إلى القاعدة الفقهية تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا ً فالمفسدة الكبيرة ،« بارتكاب أخفهم ا هي ضياع الحقوق، وانتشار الظلم في المجتمع، والضرر الأخف هو تقديم بعض المال إلى الظالم أو الجبار، أو من يتعامل معه لتخليص حق المظلوم ودفع الضرر عنه، كمن غصب أرض ظالم، وزور العقود ليثبت تلك الأراضي ّ لنفسه، فإذا استطاع صاحب الأرض أن يقدم للعدالة ما يجعله يبطل هذه العقود ليحرر أرضه من الغصب، فلا أظن أنه وقع في محظور؛ لأنه لم يقصد بذلك إلحاق الضرر بالمغتصب، وإنما يريد الوصول إلى حقه، ولذلك قال بعض العلماء في هذه الحالة: المداراة حرام على الآخذ حلالا ً على المعطي(٤) . (١)محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني ( ١١٧٣ - ١٢٥٠ ه = ١٧٦٠ - ١٨٣٤ م): فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، من أهل صنعاء. ولد بهجرة شوكان (من بلاد خولان، باليمن) ونشأ بصنعاء. وولي قضاءها سنة ١٢٢٩ ومات حاكما ً بها. وكان يرى تحريم التقليد. صن ّ ف ١١٤ مؤلفا ً البدر » ثماني مجلدات، و « نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار ط » : ، منها الفوائد المجموعة في الأحاديث » مجلدان، و « الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ط في التفسير، « فتح القدير ط » و « الدرر البهية في المسائل الفقهية خ » و « الموضوعة ط جزآن، في « السيل الجرار ط » في أصول الفقه، و « إرشاد الفحول ط » خمسة مجلدات، و .٢٩٨/ نقد كتاب الأزهار، وغيرها. الزركلي، الأعلام، ٦ (٢) . ٢٧٩ . يحيى بكوش، فقه جابر بن زيد، ص ٥٢٤ / الشوكاني: نيل الأوطار، ٨(٣) . الخليلي أحمد: فتاوى المعاملات، الكتاب الثالث، ص ١٢٣ (٤) بكلي عبد الرحمن: ٰ .٢٣٨/ فتاوى البكري، ١ :ôμæªdG øY »¡ædGh ±hô©ªdÉH ôeC’G ÜÉH »a `` 7 أوجب الفقهاء الأمر بالمعروف على القادر عليه لدفع الضرر عن نفسه أو ماله أو عن غيره، ولكن اشترطوا أن يراعي في التغيير الوسيلة المناسبة، فلا يجوز له التجاوز في ذلك وذلك إعمالا ً يختار أهون » : للقاعدة المعروفة َ فإن أمكنه دفع المنكر باللسان فلا يستعمل الضرب، « الشر ين أو أخف الضرر ين وإذا توقف الضرر بالضرب فلا يلجأ إلى استعمال السلاح وهكذا، وقد ذكر الفقهاء شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضعوا ضوابط خاصة حتى لا يتجاوز حدوده. ومنها: القدرة، فهي » بيان لهذه الشروط « تمهيد قواعد الإيمان » جاء في الشرط الأعظم لانحطاطه عن العاجز عنه بمرض أو عذر من تقية على نفس أو مال، فالنفس كأن يكون في محل الخطر على نفسه أو ولده أو فرسه، خوفا ً من قتل أو جرح أو ضرب أو أسر، أو تنقيص به في عرض أو دين، بحيث ْ يحذره على نفسه أو الملتبس به من ولد أو قريب أو جار أو صاحب، إذا خاف تولد الشر عليه من قبله، حيث لا يقوى على دفعه ولا يقدر على إنقاذهم بمنعه، ولا على مقاومة أهل المنكر بكسر شوكتهم وإخماد نارهم وقطع أيديهم وألسنتهم، فإن قدر على تغيير المنكر ومقاومة أهله، ومنع نفسه وماله وعلائقه، وجب الأمر والنهي. وإن قدر على تغيير المنكر وعجز عن منع نفسه أو ماله أو الملتبس به، لم يجب عليه، ولكن يجوز له، فيكون وسيلة ينال بها الثواب على الأمر والنهي، وعلى الرضى والصبر، والتفويض والتوك ّ ل، ولا يمنع منه لمخافة الضرر بدلالة الأمر على الصبر في قوله تعالى: ﴿ ¿¾½¼»º¹ ÁÀ ﴾ )لقمان :( ١٧(١) .« (١) ٤٩/ الخليلي سعيد: تمهيد قواعد الإيمان، ٧ - ٥٠ ، نقل النص من كتاب السيف الحاد، وقد حققه الربخي وما زال مخطوطا ً. ويستفاد من نص الخليلي أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب على القادر عليه، بشرط ألا يلحق ضررا ً بنفسه أو بغيره؛ لأن تركه أخف ضرر فيرتكب في هذه » ، من ممارسته دون قدرة؛ لأنه يترتب على ذلك ضرر أشد الحالة الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد .« وإذا قدر على أداء الحسبة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتمكن من تغيير المنكر، فإنه يراعي إزالة المنكر بأخف الأضرار حتى لا يقع في ضرر أشد. الدفع عن المعصية بما قدر عليه من » : يقول سعيد الخليلي في هذا الشأن دفع أو دفر أو ضرب باليد أو السوط أو الحجر أو السهم أو الرمح أو السيف إن لم ينته إلا بذلك، فإن تلفت نفسه في ذلك الدفع فدمه هدر، لا قود له ولا دية ولا كفارة، بل في ذلك الأجر والفضل، فإنه نوع من الجهاد، مأذون به «... في محله لكل قادر عليه، وعلى مثل هذه الحالة(١) . وينبه المحقق الخليلي على ضرورة مراعاة الشروط السابقة لدفع الضرر ﱢ الأشد بالأخف لتقليل المفاسد فيقول: ...» ولا تغفل عن مراعاة الشروط السابقة في تقديم الأخف على الترتيب، فمن كفاه الدفع لم يضرب، ومن كفاه الضرب باليد أو العصا لمن يقذف الحجارة، ومن ردعه الحجر لم يتعمد بالسلاح القاتل، وعلى كل حالة فلا يقصد بذلك قتله ولا إضراره، ولكن ردعه عن انتهاك محارم الله سبحانه، ولذلك فإن أمكن ضربه في غير مقتل وكان في ذلك دفعه، فإن لم يرتدع بغير القتل فضرب عنقه؛ لأن دم الباغي طهارة «... للأرض بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهذا الحد الجائز(٢) ولا ريب أن ّ ما أرشد إليه الخليلي وغيره في تغيير المنكر بأخف الوسائل أساسه مراعاة مقاصد الشريعة في حفظ النفس، وليس الهدف من ذلك إلا (١) .٥٧/ الخليلي سعيد: المصدر نفسه، ٧(٢) لم نقف على تخريجه. ينظر: الخليلي: المرجع نفسه. إصلاح الفرد والمجتمع، وزجر المعتدين، لقطع شأفة الفساد، ولذلك إذا تحققت المصلحة، ودرئت المفسدة، ورجع المفسد عن الظلم والبغي فلا حاجة في إيذائه وملاحقته، وليس كما تفعل في عصرنا قوات قمع الشغب من استعمال ِ مفرط للقوة ضد المتظاهرين، ولو كانت المظاهرة سلمية، فيؤدي ذلك إلى التصادم، وحدوث أضرار أشد في الأنفس والأموال، ولو سلكوا مسلك الإسلام في دفع الضرر بأخف الوسائل لقضوا على الشغب بأقل الخسائر. :áYƒæàe Iô°UÉ©e ÉjÉ°†b `` 8 أ حكم شق بطن ا لميت: إذا كان في بطن امرأة ميتة ولد ترجى حياته، فقد أجاز بعض الإباضية وغيرهم شق بطنها لإخراجه، ولا ريب أن هذا العمل ضرر واعتداء على حرمة ُ الميت، ولكن لو ت ُ فيرتكب » ، رك هذا الولد في بطنها لنتج عنه ضرر أعظم لإنقاذ حياته، « الضرر الأخف وهو شق بطن الميتة لدفع الضرر الأعظم ويكون ذلك بإخبار طبيب عدل أمين، أو بأمارات دالة على ذلك(١) ، وقد أفتى بذلك أبو حنيفة وعاش الولد(٢) . وإن ماتت (المرأة) وكان يتحرك » : يقول القطب أطفيش في هذا الشأن فكذلك، ولهم شق بطنها لإخراجه إن لم يجدوا إلا ذلك، ويتيقنوا موتها وحياته؛ لأن الميت ولو كان كالحي في منع ضربه وجرحه وخدشه ولزوم الضمان، يرتكب أخف الضررين » لكن « وهو الشق؛ لأن الميت لا يتألم بما فعل في بدنه، هذا ما أقول، ثم رأيت الثوري قائلا ً به، ومنعه أبو سعيد [الكدمي [ من «... أصحابنا المشارقة، وكرهه أحمد، وحرمه إسحاق كأبي سعيد(٣) . (١) .١٣٢/ أطفيش: شامل الأصل والفرع، ١(٢) . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٨٨ عبد العزيز محمد عزام، قواعد الفقه الإسلامي، ص ١٩٧(٣) ١٣٢/ أطفيش: شامل الأصل والفرع، ١ - .١٣٣ ب حكم مداواة الرجل للمرأة والعكس عند ا لضرورة: ذهب أهل العلم إلى جواز مداواة الرجل للمرأة، ومداواة المرأة للرجل عند فيختار أخف الضررين » ، الضرورة إذا لم يجد أحدهما إلا ذلك « وأقل المفسدتين، وهي إباحة الرجل أن يطلع على عورة المرأة والعكس، لأجل علاجها وإنقاذها من الهلاك المحقق، كإجراء عملية جراحية في المخ ْ رجين، أو إخراج الجنين بإدخال اليد في فتحة الشرج، بشرط عدم وجود وسيلة أخرى لذلك، مع الالتزام بالضوابط الشرعية، كحضور المحرم معها، وكشف القدر الضروري؛ لأن هذه أما إذا أمكن الاستعانة بالأطفال دون البلوغ، ،« الضرورة تقدر بقدره ا » ضرورة، و ارتكابا » ، وكانوا متمرسين لهذه المهنة، فلا مانع من ذلك ً لأخف الضررين « ودفعا لأعظمهما، كموت الجنين في بطن أمه، أو هلاكها بسببه. ولها أن تظهر من عورتها لمن » : ما نصه « شامل الأصل والفرع » جاء في يداويها ما احتيج لإظهاره ولو كان المداوي رجلا، ً فإن له مداواة امرأة بمحضر زوجها، أو محرمها، أو قريبها، أو متولي، أو غيره، ذكرا ً أو أنثى ممن لا يقدم على زنا بمحضره، وكذا مداواته بمحضر أحد كذلك ولو يكن قريبا ً له ولا لها، ولكن لا يجوز ذلك إن لم تجد من يداويها من النساء، ولم يجد من يداويه من الرجال، ولم يجدا من يعلمانه أو لم يحتمل ضرر التأخير إلى التعليم، ولم يجدا طفلة، وت ُ قد ّ م من لا يشتهي ليداويها، ويقدم من لا يشتهيها لتداويه، فمن ُ مات جنين في بطنها ونشب، أو لم يمت وتعرض (للخطر)، أو كان ما أشبه ذلك، فللرجل على حد ما ذكر أن يدخل يده لإخراجه، وإن ماتت وكان «... يتحرك فكذلك(١) . يزال الضرر الأشد » : ويبدو أن القطب اعتمد في هذه الرخصة على قاعدة بالضرر الأخف « لكن ترتكب أخف الضرورتين » : إذ يقول «... (٢) . (١) .١٣٢/ أطفيش: شامل الأصل والفرع، ١(٢) أطفيش: المرجع نفسه. وقد يتعرض الرجل أو المرأة إلى غرق، أو حرق، أو هدم، أو حادث مرور، فتتدخل مصالح الدفاع المدني لإسعافه وإنقاذه من الموت، فتقع يد أحدهما على الآخر في مكان محظور دون قصد سيء، ففي هذه الحالات رخص الفقهاء بإنقاذ أحدهما للآخر؛ لأجل الضرورة مع انتفاء الشهوة، وذهب بعضهم إلى منع ذلك في حال الاختيار دون الاضطرار. وفي هذا المعنى يقول الشيخ أطفيش : وللرجل مس امرأة فيما يجوز له » نظره بلا شهوة، كوجه وكف، وما تظهره المتبرجة والقواعد(١) ، إن كان فوق السرة وتحت الركبة بلا شهوة، ولها مس ما فوق سرته وتحت ركبته بلا شهوة، ّ فإن داوته أو داواها في ذلك مع وجود غيرهما ممن يقدم في المداواة لم يبرأ منها، وقيل: لا يجوز مس ما جاز نظره، وأنها لا تمس ولو وجهه إلا لضرورة، « وله تنجيتها ولو بيده من فرجها بلا حائل، إذا لم يجد إلا ذلك(٢) . الرأي ا لمختار: يتضح مما تقدم أنه عند الضرورات تتغير الأحكام، ولكن يراعى في إزالة الضرر القدر الضروري مع استعمال الوسيلة الأخف ضررا ً ، فمداواة الرجل للمرأة، ومداواة المرأة للرجل لا تجوز عند الاختيار، إذا ت َط َل ّ ب منها اطلاع كل منهما على عورة الآخر، لأنه يترتب عنه ضرر كبير، لقوله صلى الله عليه وسلم : « ملعون من أبدى عورته للناس، لعن الله الناظر والمنظور إ ليه »(٣) . فإذا تعذر ذلك ولم يتوفر لكل منهما من يعالجه من جنسه، ولا يمكن الاستعانة بمن َ لا يشتهي من الأطفال لإزالة الضرر، وإنقاذ المريض من الهلاك، فيرخص (١) المرأة العجوز. (٢) .١٣٣/ أطفيش: نفسه ١(٣) ، رواه البيهقي، كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل ينظر: إلى عورة الرجل...، رقم: ١٢٦٨٨ بلاغا ً ، عن علي. في كشف المرأة للرجل، وكشف الرجل للمرأة، وهذا ضرر أخف من تركهما دون علاج أو إنقاذ، لأن ذلك قد يتسبب في هلاكهما، وهو بلا ريب ضرر أعظم، فهنا ترجح ضرورة حفظ النفس على حفظ الدين عند التعارض، إعمالا ً لمقاصد الشريعة. ج حكم ا لإجهاض: اتفق أهل العلم على حرمة إسقاط المرأة حملها دون مسوغ شرعي، سواء ّ بفعلها أم بفعل غيرها؛ لأن في ذلك قتل للنفس البريئة وهذا ضرر لا يحل، ولكن قد تتعرض المرأة لحالات خطيرة تتوقف حياتها على التضحية بجنينها، فإذا حكم الأطباء الثقاة الأمناء على ضرورة إجهاضها، حفاظا ً على سلامتها، وإنقاذها من الموت، فيرخص ذلك في هذه الحالة، للضرورة القصوى؛ لأن حفظ حياة الأصل مقدمة على سلامة حياة الفرع، فحياتها محققة وحياة الجنين ظنية، وهذا إعمالا ً يختار أهون الشرين وأخف الضررين » : لقاعدة « لدفع الضرر الأعظم. وردت أسئلة عديدة على الفقهاء يطلب أصحابها الرخصة في إسقاط الحمل، لأسباب عديدة، كالإجهاض المتكرر، والإصابة بالأمراض المعدية، ِ كالإيدز، والتشوهات الخلقية، وضيق الرحم، وغيرها من الحالات، فبعضهم منع ذلك مطلقا ً ، وبعضهم نظر إلى حالة المرأة وقد ّ رها بما يناسبها، دون تجاوز حدود الشرع. لا يسوغ إسقاط الحمل متى تيقن وجوده » : جاء في فتاوى البكري ما نصه أو ظن، وإن مضت عليه مدة قصيرة؛ لأن تعمد إسقاطه يعتبر في نظر الشرع جريمة، يغرم مرتكبها بأداء غرة (عبد أو أمة)، أو قيمة الغرة، أي نصف عشر دية الأم؛ لأن الجنين وإن ظل صغيرا ً لكنه قابل للنمو فهو بشر على كل حال، ونظرا ً لكون جنين زوجتك لم يتم له أربعة أشهر ولم ينفخ فيه الروح بعد، فإن تلك الغرة ترثها الأم إن لم تتعمد هي إسقاطه، وإن كان الإسقاط من قبلها «... فتدفع لورثتها على ما قرره بعض العلماء المحققين(١) . هذا ووجه العمل في قضيتك على ما أرى هو: أنه بناء على أن » : ويضيف الزوجة لا تزال تشك في حملها أن تترك الأمر يسير على حالته الطبيعية، فإن تبين الحمل وأخذ ينمو نموا ً طبيعيا ً ، ولم تظهر على الأم عوارض الخطر، فذلك ّّ المطلوب، أو بدت لها العوارض، فقرر الطب أن حياة الأم أصبحت مهددة، جاز حينئذ أن نضحي بالجنين؛ إنقاذا ً للأم، عملا ً أما أن ،« ارتكاب أخف الضرري ن » ب ت ُ « قدم من أول الأمر على التخلص من الجنين قبل أن تحس بالخطر، فلا(٢) . وفي صورة أخرى مشابهة عن امرأة لديها طفل رضيع لم يتجاوز عمره » بضعة شهور، وهي الآن حامل في شهرها الثاني، ولكنها تعاني بعد ولادتها الأولى من دوار شديد، لا يذهب عنها إلا بعد تناول دواء معين، وقد نصحتها الطبيبة بعدم تناول الدواء أثناء فترة الحمل لخطورته على الجنين، وهي حائرة لا تدري ماذا تفعل؟ هل تستمر بالحمل رغم المتاعب الصحية التي ستل ُم بها، َّ .«؟ أم يجوز لها إسقاط ما في بطنها أجاب الشيخ أحمد الخليلي : إن كان استمرار الحمل ينذر بالخطر على » حياتها فلها التخلص منه؛ لأن المحافظة على الأصل أولى، وإن كان يسبب إرهاقا ً وتعبا ً لها من غير أن يؤدي ذلك إلى إهلاكها، فلا يصح لها التخلص منه؛ لأن الحمل له حرماته وحقوقه، إذ هو نسمة خلقها الله، وقد قال 8 : ﴿ ,+*) -. 543210/ ;:9876 ﴾ )المائدة : ( ٣٢ ، فلا يضحى بحياته « من أجل راحتها هي، والله أعلم(٣) . (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ ٣٠٧/ فتاوى البكري، ١ - .٣٠٨ (٢) بكلي: المصدر نفسه. (٣) . الخليلي أحمد: فتاوى النكاح، ص ٢١٤ يختار أخف » : ويظهر من عبارة الخليلي أنه استند في حكمه على قاعدة .« الضررين لدفع ما هو أعظم وفي صورة أخرى للإجهاض: أن امرأة كلما حملت أجهضت، وكان ه َم ﱡ زوجها الوحيد أن يعقب ولدا ً ، فخافت إن تمادى بها الحال أن يطلقها، فلما نفذ صبرها وحملت كعادتها، ومن المقد ّ ر أن دام حملها هذه المرة إلى أن قرب ميلاده، فأدخلت المستشفى فأسقطته كسابقيه، ثم أنها تواطأت مع إحدى الممرضات فأعطتها مولودا ً ذكرا ً كغيرها فاتخذته ابنا ً ، وأخذت ترضعه وأخبرت زوجها أنها ولدت مولودا ً ذكرا ً ، وشاء الله أن يحيا وينشأ نشأة ممتازة، وكان ِ لا يعلم سرها إلا أخوها وكتما الأمر، ومن حسن الصدف أن حملت بعد ذلك فتم حملها، فوضعت بنتا ً عاشت هذه المرة على غير عادتها، وعاش الولدان ﱠ حتى كبرا، ولما تقدمت الأم بالسن أرادت أن تتوب من فعلتها، ولكنها خافت من ردة فعل زوجها إن علم بالحقيقة فتخسر حياتها مع ابنتها في حين تريد أن تلقى ربها وهي بريئة الذمة، فما المخرج؟ لما كان الابن ابنا » فكان جواب الشيخ عبد الرحمن بكلي ً من الرضاع كان ٰ أمره أهون من التبن ّ ي، ليس في كتمانه خوف على اختلاط النسب؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: « يحرم من الرضاع ما يحرم من ا لنسب »(١) ، ولولا مسألة الميراث ما كان ثمة فرق بين الابن من النسب والابن من الرضاع، وعليه ففي نظري أن هذه المرأة تسلك أحد السبيلين: إما أن تبوح بالحقيقة لزوجها وإن ترتب على ذلك ما ترتب، ف َيدها َ أوكت وفوها نفخ(٢) ، وهذا أقرب طريق وأوضحه، بل هو المتعين وإن خيف منه عاقبة سيئة. (١) رواه الربيع، كتاب النكاح، باب في الرضاع، رقم: ٥٢٤ ، والنسائي، كتاب النكاح، باب ما يحرم من الرضاع، رقم: ٣٣٠٢ ، عن عائشة. (٢) .« يداك أوكتا وفوك نفخ » : هذه العبارة مقتبسة من المثل العربي المشهور وإما أن تذهب إلى المستشفى فتذكرهم بتاريخ نفاسها وأخذها الولد، وتستعلم عن حقيقة نسبه لجواز أن يكون مسجلا ً هناك، فتوصي بالحقيقة حينا ً مخافة أن تعاجلها المنية، ثم تحافظ على وصيتها حتى لا يضيع السر بضياعها، والأحسن أن تسجلها لدى موثق لتبقى محفوظة ثم تتحين فرصة ملائمة تبوح فيها لزوجها بالحقيقة دون أن يكون هناك رد فعل، وهذا المسلك يصعب تنفيذه وقد يتعسر من حيث الاستعلام، وعليه فلا بد من كشف الحقيقة مهما كان الأمر، فإذا تيقنت أو ظنت ظن ًّ ا راجحا ً أن زوجها سينتقم منها بل يطلقها من صدمته بالحقيقة المرة، وكذا الأمر بالنسبة للولد الذي أفقدته نسبه الصريح ارتكابا » فإنها حينئذ تقتصر على الإيصاء بالحقيقة ً وخشية ،« لأخف الضرري ن أن يموت الزوج فيطالب الولد بنصيبه من إرث أبيه، فتضطر حينئذ لكشف الحقيقة، فتكون قد قطعت الطريق بذلك الإيصاء على الولد أن يكذبها في «... دعوى الحرمان من الإرث(١) . (١)عبد الرحمن: ٰ ٢٧١/ فتاوى البكري، ١ - .٢٧٢ k :IóYÉ≤dG ∞jô©J :’hCG هذه القاعدة تدخل ضمن ً ا في القاعدة السابقة وإن كانت أخص منها موضوعا ً إذ أن في حال تعارض ،« الضرر لا يزال بمثل ه » : ، وهي مقيدة لقاعدة فيدفع » ، المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة يترتب عليه الإضرار بأحدهما الضرر العام بتحمل الضرر الخاص « (١) . وهي قاعدة مهمة مبنية على المقاصد الشرعية في رعاية مصالح العباد، استخرجها المجتهدون من الإجماع ومعقول النصوص، فالشرع إنما جاء ليحفظ على الناس دينهم، وأنفسهم، وعقولهم، وأنسابهم، وأموالهم، فكل ما يؤدي إلى الإخلال بواحد منها فهو مضرة يجب إزالتها ما أمكن، وفي سبيل ولهذه ،« بدفع الضرر الأعم بارتكاب الضرر الأخ ص » ذلك تأييد مقاصد الشرع الحكمة شرع الله حد القطع حماية للأموال، وحد الزنا والقذف صيانة للأعراض، وحد الشرب حفظا ً للعقول، والقصاص وقتل المرتد صيانة للأنفس والأديان(٢) . ومن هذا القبيل شرع قتل الساحر المضر، والكافر المضل؛ لأن أحدهم ُ ُّ ُّ فيتحمل الضرر الأخص ويرتكب » ، يفتن الناس، والآخر يدعوهم إلى الكفر لدفع الضرر الأعم « (٣) . (١) ٢٨٠ ، عدنان / الحموي أحمد: غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم، ١ ١٩٨٩ م. ، جمعة، رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ط دار الإمام البخاري، ط ١(٢) الحضرمي أبو إسحاق، مختصر الخصال، ١٨٧ - ، ١٩١ . الثميني، الورد البسام، ١٤٣ .١٥٠ ،١٤٩ ،١٤٦(٣) . البورنو: الوجيز في إيضاح قواعد الكلية، ص ٢٦٣ وقد تقرر عند الفقهاء أنه إذا تعارضت المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة، ولا يمكن التوفيق بينهما، ونتج عنها أضرار عامة، ففي هذه الحالة ترجح المصلحة العامة على الخاصة بالنظر إلى الضرر العام، ولو ترتب عليه ضرر خاص. إن أمكن انجبار الضرر » وقد أشار يوسف العالم إلى هذا الأمر فذكر أنه ورفعه جملة، فاعتبار الضرر العام أولى، فيمنع الجالب والدافع مما هم به؛ ّ لأن المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاص ة؛ لأن العامة أشمل وت َ قدم ِ أن ّ من جوانب ميزان التفاوت في المصالح شمول المصلحة، وبذلك ترجح، ولذلك اتفق السلف والخلف على ترجيح المصلحة العامة على الخاصة، كالانتفاع العام بالكلأ أو الماء الواقعين في أرض غير مملوكة، على احتياز ْ الفرد له، وترجح مصلحة عامة أهل السوق على مصلحة الواحد منهم، ولذلك منع تلقي الركبان وبيع الحاضر للبادي، ومنع الاحتكار، وترجحت العامة في ُُ إجبار الممتنع عن بيع داره أو أرضه في حالة اضطرار الناس لمسجد جامع ونحوه؛ لأن حفظ الدين مقدم على حفظ المال، وهذا من مقاصد الشريعة. ومن هذا القبيل أيضا ً : مشروعية الحجر الصحي خشية انتشار الأمراض، َ ومنع الأفراد من نشر الزيغ أو الفساد، فمنع الفرد من ممارسة حرية الرأي والكتابة عند تعارض ذلك مع مصلحة الجماعة والأمة، واتفقوا أيضا ً على « تضمين الصناع مع أن الأصل فيهم الأمانة(١) . مجمل ا لقول: ومن خلال الأمثلة المتقدمة يتبين أنه إذا تعارضت المصلحة العامة مع ﱠ (١) يوسف العالم، المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، ص ١٩٣ ابن عبد السلام قواعد الأحكام، ١٠٣ ابن / ٣٢٣ . الكدمي المعتبر، ٣ ،٣٢٢/ ٢٩ . وما بعدها ابن بركة، الجامع، ٢ /١ ٢٠٧/ جعفر، الجامع، ٤ - . ٣٠٤ و ٣١٩ / ٢٠٩ الشماخي، الإيضاح، ٦ المصلحة الخاصة ترجح العامة على الخاص ة، إعمالا ً يتحمل الضرر » : للقاعدة فلا يمكن لأجل مراعاة المصلحة الخاصة أن ،« الخاص لدفع لضرر العا م نضحي بالمصلحة العامة، ويترتب عليها ضرر أعم للأمة. k :IóYÉ≤dG π«°UCÉJ :É«fÉK ومن الأدلة التي يستأنس بها على مشروعية هذه القاعدة: ١ ما جاء في السن ﱠ ة من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري 3 والذي ﱡ فيه أن عمر بن الخطاب 3 استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل عبد الله بن أبي بن سلول المنافق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا » ً ّ « يقتل أ صحابه(١) . وجه الاستدلال ب الحديث: ففي الحديث دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ق َت ْ ل هذا المنافق مع ما في قتله من المصلحة، ولكن قتله سيفضي إلى مفاسد أعظم وأكثر من المصلحة المترتبة على قتله، فإنه بقتله ربما يغضب بعض قومه، وربما أدى ِ ذلك إلى رد ّ ة بعضهم عن الإسلام غضبا ً وحمية، ثم إذا شاع نبأ قتله بين الناس، فسيقولون: إن ّ محمدا ً يقتل أصحابه؛ لأن هذا المنافق محسوب على المسلمين، وبالتالي سيكون في ذلك صد ّ عن الإيمان وبرسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمل ضرر خاص لدفع » وعن تصديقه واتباعه، بسبب تلك الشائعة، فهنا « الضرر العام(٢) . (١) ، متفق عليه، رواه البخاري، كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوة الجاهلية، رقم: ٣٣٤٨ ٥٤٦ ، في الفتح. وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالما /٦ ً أو مظلوما ً ١٩٩٨/٤ ، - ١٩٩٩ ، والترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المنافقون، رقم: ٣٣١٨ ، عن جابر. (٢) . علوان إسماعيل، القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ٣٩٦ k :IóYÉ≤dG ≈∏Y áLôîàªdG ´hôØdG :ÉãdÉK ٢ حديث أصحاب السفينة في النهي عن المنكر: أخرج البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير ^ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل القائم على حدود » الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء، مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أ ن ﱠ ا خرقنا في نصيبنا خرقا ً ، ولم نؤذ من فوقنا، فإذا تركوهم «(١) وما أرادوا هلكوا جميعا ً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا ً . يتحمل الضرر الخاص » : فهذا الحديث يرشد إلى الأخذ بالقاعدة الفقهية وهو جلب الماء من فوق السفينة ولو مع إيذاء من يمرون عليهم لدفع وهو خرق السفينة وغرقهم جميعا « ضرر عام ً. ١ في ا لاحتكار: حرم الإسلام الاحتكار وهو: حبس ما يتضرر الناس بحبسه بقصد تحين ّ الغلاء، والبيع بأعلى الأسعار، فصاحبه محتكر يحرم عليه ذلك الحبس؛ لأن فيه ضرر بالناس، قال الرسول صلى الله عليه وسلم « لا يحتكر إلا خاطئ »(٢) ، وقال أيضا ً : « الجالب مرزوق والمحتكر ملعون »(٣) . فالمحتكر خاطئ باحتكاره، مرتكب للمنهي عنه، مضر بالناس، فعلى الحاكم أن يدفع أضراره عن الناس على وجه لا يستضر هو به، فاحتكاره للسلع فيه مراعاة لمصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة، فهنا يقول أهل العلم: يجوز للحاكم أن يخرج الطعام من يد (١) ، رواه البخاري، كتاب الشركة، باب هل يفرع في القسمة والاستهام فيه، رقم: ٢٣٨١ والترمذي، كتاب الفتن، باب منه، رقم: ٢١٥٠ ، عن النعمان بن بشير. (٢) رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات، رقم: ٣٠٩٨ ، وأبو عوانة، كتاب البيوع، باب الخبر الناهي عن الاحتكار...، رقم: ٤٤٥٢ ، عن معمر بن عبد الله القرشي. (٣) تقدم تخريجه. المحتكر قهرا ً ويبيعه للناس، وإن أضرهم بذلك؛ لأنه صار بمنعه مؤد إلى ﱠ إضرار الغير، ولا ريب أن في إجباره على إخراج السلع وعرضها للبيع بالسعر المناسب قد يترتب عليه ضرر بالمحتكر، ولكن فيه منفعة عامة تمثلت في فيحتمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام » ، توفير السلع للناس « (١) . ولأنه لا يجوز له » : ويوضح الكدمي حكم الاحتكار وما يترتب عنه فيقول أن يحتكر ما له حين يأخذ منه، بأكثر من عدل السعر، ولأنه قد جاء في الأثر ِ عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن المحتكر، وكذلك بتحريم الاحتكار؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، واستغلال لحاجة المضطر، وإجباره على استيفاء حاجته بما يخالف الوضع العادي، وكذلك قد جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن التاجر » ينتظر الرزق والمحتكر ينتظر ا للعنة « (٢) والعياذ بالله، وقد جاء كذلك في الأثر أن الحكرة المحرمة داخلة في جميع الضرر، والقاعدة أنه: لا ضرر ولا ضرار » « ، وأنه لا يجوز الإلجاء إلى الضرورة، وكل ضرورة لا تجوز فيها الحكرة، «... ولا تثبت فيها معاني الزيادة فوق عدل السعر عند خوف الهلاك(٣) . ولا يقتصر الاحتكار على جانب البيوع فقط، بل يشمل كل شيء يشرك فيه الناس، كالماء والكلأ والوقود، فلا يجوز احتكارها لمصلحة خاصة؛ لأن ذلك يؤدي إلى الضرر العام. كما وردت صور أ خرى توضح هذا المعنى، من « فتاوى المعاملات » في ما قولكم في عين ماء تنزل من جبل وتسيل في » : ذلك ما جاء في سؤال الوادي، وليست قرب سكن؛ لأنها في الفلاة، لكنها في بعض الأحيان عند (١) ٩٩٦ . قحطان / ٣٢٢ . الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي العام، ٢ / أطفيش: شرح النيل، ١٤ ١٤٠٣ ه. ينظر: ، ١٠٠ ، ط ٢ ،١٨ ، الدوري، الاحتكار وآثاره في الفقه الإسلامي، ص ١٠ عبد السلام الرفعي فقه المقاصد وأثره في الفكر النوازلي، ص ١٩٢ وما بعدها. (٢) تقدم تخريجه. (٣) .١٠٤/ الكدمي: المعتبر، ٣ المح ْ ل(١) ينزل عندها أصحاب البادية، ثم بعد ذلك يذهبون إلى مكان آخر، وأراد أحد من الناس أن ينتفع به حيث أنه يعمل لها حوضا ً ، والماء الذي يفيض من الحوض ينقله إلى مكان آخر عن طريق الأنابيب هل يجوز له ذلك؟ ليس له أن يحتكره عمن اعتاد » فأجاب الشيخ الخليلي حفظه الله «... الانتفاع به من الناس، بل ينتفع به هو وغيره (٢) هل توجد نسبة محددة » : وسئل الشيخ الخليلي عن الاحتكار في البيوع لربح التاجر في بيع بضاعة معينة أم لا؟ وهل للتاجر حرية البيع بأي ثمن أراد، ّ فمثلا ً يشتري بضاعة بريال، ويبيعها بعشرة؟ وما قولكم إذا كان يبيع بثمن يرهق .«؟ المشتري لضعف الأحوال الاقتصادية في بلاد التاجر إن كان المشتري عارفا » : فأجاب ً بالقيمة، ورضي من تلقاء نفسه أن يشتري البضاعة بأضعاف قيمتها، فلا حرج في ذلك، وإنما يمنع الاحتكار الذي يؤدي « إلى مضاعفة البلاء، وإرهاق الناس في معايشهم، والله أعلم(٣) . من خلال هذه النصوص المتنوعة يتبين أن الاحتكار فيه ضرر عام يجب منعه، ويتحمل المحتكر ما يترتب عليه من أضرار وعقوبات وغرامات، حماية للصالح العام، ولو نتج عن ذلك إضرار بمصلحته الخاصة، المتمثلة في يتحمل الضرر الخاص لدفع » جلب الربح، وتعويض الخسائر المحتملة؛ لأنه .« الضرر العام ٢ في ا لتسعير: ذهب أهل العلم إلى جواز التسعير، وهو تحديد الأسعار على الباعة في بعض الأحوال عند تجاوزهم وغلوهم فيها دفعا ً لضررهم على العامة(٤) . وهذا ّ (١) الجفاف والقحط بلغة أهل ع ُ مان. (٢) . الخليلي أحمد: فتاوى المعاملات، ص ١٢٢(٣) الخليلي أحمد: المرجع نفسه. (٤) .٩٩٦/ الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي العام، ٢ الحكم مخالف للنصوص الشرعية حيث ورد النهي عن الرسول صلى الله عليه وسلم عن التسعير، لما يترتب عليه من ضرر على الباعة(١) . قال ابن بركة : وليس للإمام أن يسعر على الناس أموالهم، ولا يجبرهم » ّ على بيعها، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن عام سن َ ة، وإنما سمي عام سنة َِ لشدة غلاء لحق الناس في تلك السنة، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم أن يسعر عليهم الأسواق فامتنع وقال عليه الصلاة والسلام : القابض الباسط هو المسعر، ولكن سلوا » « الله(٢) . فلا يجوز لهذا الخبر أن يسعر أحد على الناس أموالهم، وأن يجبرهم ّ على بيعها بغير طيب نفوسهم من إمام ولا غيره، ولكن إذا بلغ الناس حال الضرورة من الحاجة إلى الطعام، وحرم الطعام على ما في أيديهم، واستغنائهم عنه مع سوء حال الناس، والشدة، جاز للإمام أن يأخذ أصحاب الطعام ببيع ما في أيديهم بالثمن الذي يكون عدلا ً « من قيمته، ويجبرهم على ذلك(٣) . وينبه ابن بركة إلى أن حكم جواز التسعير لا يشمل كل الأحوال، بل يكون ﱢ في حال الضرورة فقط، فلا يتدخل الحاكم في تحديد حركة الأسعار في السوق إلا إذا وجد ضررا ً عاما ً لحق بالناس، وهذا ما دلت عليه عبارته، فيقول: ّ فإن قال قائل: فلم منعتم على الإمام وقد جوزتموه؟ قيل له: جوزناه في حال » ّ الضرورة، والموجب تجويز التسعير يرى التسعير في حال الضرورة «... وغيرها(٤) ويؤكد الشيخ الخليلي حفظه الله هذا التوجه، ويوضح أن التسعير مناف لحكمة الشارع في تشجيع الناس على التجارة، ليرزق بعضهم بعضا ً ، (١)عبد السلام الرفعي، فقه المقاصد وأثره في الفكر النوازلي، ص ١٩٧ وما بعدها. (٢) رواه الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في التسعير، رقم: ١٣١٤ ، وأبو داود، كتاب البيوع، باب في التسعير، رقم: ٣٤٥١ ، عن أنس. (٣) .٦٠٥ ،٦٠٤/ ابن بركة: الجامع، ٢(٤) ٦٠٤/ ابن بركة: المرجع نفسه، ٢ - .٦٠٥ ولكن لما تسبب المحتكرون في ارتفاع الأسعار فتضرر الناس، فهنا وجب ّ ما رأي سماحتكم » : التدخل لمنع هذا الضرر بتحديد الأسعار، فقد سأله بعضهم في التسعير؟ فقد ذهب البعض أنه لا يجوز على أهل الأسواق، وأفتى البعض بجواز التسعير في الأقوات، وفي زمن الاضطرار، وأجاز البعض التسعير العادل .«؟ إذا احتاج الناس إليه فأجاب أن ّ : الأصل في التسعير أنه غير جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عنه، » وقال بأنه: « يريد أن يلقى الله وليست عليه ظلامة لأحد »(١) . فمعنى ذلك أن التسعير ظلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم : « دعوا الناس يرزق الله بعضهم من ب عض »(٢) ، والتسعير هو مناف لهذه الحكمة، ولكن إن أدى الأمر إلى ضرر الناس، بحيث أخذ التجار يحتكرون المواد الضرورية التي تتوقف حياة الناس عليها، وهي الأقوات، ورفعوا أسعارها في وقت الاضطرار إلى ذلك، فإن للحاكم أن « يتدخل هنا بقدر ما يرفع الضرر عن المسلمين والله تعالى أعلم(٣) . مجمل ا لقول: مما تقدم يمكن القول أن موقف العلماء من التسعير أنه لا يجوز في حالة الاختيار ما دام لم تدع الحاجة إليه، ولكن إذا ارتفعت أسعار الأقوات فتضرر الناس، يجب على الحاكم التدخل للحد من المضاربة بالأسعار، كما يحدث في بعض المناسبات في بعض البلدان، مثل شهر رمضان والأعياد والأزمات، ولا ريب أن الباعة سيلحقهم ضرر من جراء التسعير، ولمراعاة المصلحة (١) أخرجه أبو داود في كتاب الإجازة، باب: في التسعير ( ١٢٨٧ ). وهو جزء من الحديث المتقدم. (٢) أخرجه مسلم في كتاب البيوع باب تحريم بيع الحاضر للبادي ( ١٥٢٢ ). وهو جزء من الحديث المتقدم. (٣) الخليلي أحمد: فتاوى المعاملات، ص ١١٨ . ينظر، أطفيش، شرح النيل، طبعة وزارة التراث القومي والثقافة، ع ُ .٣٤٧/ مان، ٢٧ فإذا عاد السوق إلى حالته ،« يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام » ، العامة المعتادة وانخفضت الأسعار، وجب على الحاكم أن يطلق الأسعار ولا يتدخل في تحديدها، ويتركها تخضع لقانون العرض والطلب المعمول به في التجارة لينتفع جميع الناس. ٣ تضمين الصناع وأصحاب ا لخدمات: ذهب جمهور العلماء إلى وجوب تضمين الصناع وأصحاب الحرف والخدمات، وذلك منعا ً لضررهم، وقد ظهر من خلال تعاملاتهم أنهم لا يلتزمون بشروط الأمانة، وهي حفظ الأشياء التي يقصدون صناعتها، ولا يمكن ردعهم إلا بتحميلهم مسؤولية تضييعهم وإهمالهم لمصالح الناس، فمن تسبب في تلف شيء يضمنه، فالخياط يضمن القماش، والنجار يضمن الخشب، وصاحب المركبات يضمن سلامة ركابه، وما أشبه ذلك. بينما ذهب البعض إلى عدم تضمين الصناع؛ لأن الأصل فيه الأمانة، فهو كالوكيل والشريك أمين على مصالح موكله وشريكه، ولكن لما ظهر ضررهم واشتد خطرهم، وجب تضمينهم، ولا شك أنه سيلحقهم بذلك ضرر معتبر، ولكن الضرر الذي يلحق الناس أعظم منه، فهنا تعارضت المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة، فت ُ رجح المصلحة العامة، عملا ً يتحمل » ، بالقاعدة الفقهية الضرر الخاص لدفع الضرر العام .« وأشار إلى اختلاف الإباضية في « الإيضاح » نقل الشماخي هذه المسألة في وأما الضمان الذي يكون لمكان المصلحة وحفظ الأموال فقد » : حكمها فقال اختلفوا فيه: قال بعض في الحمال أو العمال الذي يعمل بيده بالأجرة ضامن ّّ لما هلك، أعني بالحمال: الذي يحمل على رأسه، فما سقط له من متاع أو وقع أو عث َ ر، أو ما هلك منه فهو ضامن، وكذلك صاحب الدابة، قال من قال: َ يلزم الصن ّ اع الذين يصنعون بأيديهم، ولا يلزم الحمال على أنفسهم ولا على دوابهم بالكراء، إلا ما أحدثوا وضيعوا، وقال من قال: لا يلزم أحد أولئك ُ ضمان إلا ما ضيع أو أحدث بيده، وأما من أخذ للحفظ بعينه، مثل الراعي َّ «... والراقب، فلا ضمان عليه إلا على سبيل التضييع(١) . وقد ذ » ُ كر في الأثر: وإذا استأجر رجل رجلا ً ليرعى له غنمه هذه، فما أفسدت من أموال الناس فهو ضامن له دون رب الغنم، وما هلك أيضا ً فهو ضامن له إلا أن يكون أمرا ً غالبا ً ، وقيل: إن الراعي إذا غلبه النوم وهو متكئ على عصاه فليس عليه شيء مما هلك من تلك الغنم، ولا فيما أفسدته في أموال الناس، وفرق بعضهم بين الأجير الخاص والمشترك، وفي الأثر: وروي عن الربيع بن حبيب 3 أنه قال: كل أجير استأجره الرجل في داره وكان يعمل فيها ويخدم، فلا ضمان عليه، وكل أجير استأجره الرجل ولم يكن في داره في عمله وخدمته فهو ضامن، ومنهم من يرى عليهما الضمان جميعا ً إلا «... أن يكون أمر غالب(٢) وذهب جمهور الإباضية إلى تضمين المكاري، وهو الذي يتعاقد مع المسافرين لنقلهم أو نقل أمتعتهم على دوابه، ويمثل في عصرنا مركز السفريات والنقل، فقد يحجز المسافر مكانه في النقل البري أو البحري أو الجوي فتلغى الرحلة، أو تتأخر، أو تتسبب في ضياع الأمتعة، فيلحق هذا المسافر ضررا ً بليغا ً من جراء ذلك، ولذلك يجب على هذه الشركات أن تضمن لزبائنها حقوقهم، وتعوضهم أضرارهم إذا تسببت فيها، وهذا ما جرى عليه العمل في شركات النقل والشحن في يومنا. ولا يجوز لصاحب الشركة أن يدلس على الناس، فيوهمهم بأن مركباته في حالة جيدة ومريحة، فيظهر خلاف ذلك، وتلحقهم مشقة وعنت، ويزيد من وكذلك أيضا » : معاناتهم في السفر، وهذا ما يوضحه الشماخي بقوله ً صاحب (١) .٣٠٤/ الشماخي: الإيضاح، ٦(٢) ٣٠٤/ الشماخي: المصدر نفسه ٦ - .٣٠٥ السفينة إذا أكراها لقوم فغرقت في البحر، ليس عليه ضمان ما هلك منها؛ لأن الماء عد ُ و، إلا أن يكون غرهم قبل ذلك فدلسهم بها، أو كان غير عالم بسياسة ّّ البحر، فهو حينئذ ضامن، ومنهم من يقول: أن صاحب السفينة ليس عليه ضمان ما أصابها من فوقها، ولزمه ضمان ما أصابها من أسفلها من خرق أو «... كسر أو قطع به؛ لأن ذلك لا يكون من تضييعه(١) ويشير الشماخي إلى سبب اختلاف الفقهاء في تضمين الصناع والأجراء ﱡ وهذا الاختلاف منهم يدل أن منهم من جعل الأجير بمنزلة » : وعدمه، فيقول المودع والوكيل والشريك، ولا ضمان عليه إلا فيما ضيع أو بغى بيده؛ لأنه ّ أمين، ومنهم من جعله ضامنا ً ؛ لأن المودع إنما قبض لمنفعة صاحب المال، والأجير إنما قبض لمنفعتهما جميعا ً ، فغلبت منفعة القابض، أصله القراض، والعارية عند من يرى تضمينها، وأما من فرق في ذلك، فلعله إنما فرق من ّ أجل قوة الدليل وضعفه في موضع من ذلك واستحسانا ً «... (٢) . ٤ في ا لجنايات: شرع القصاص والحدود لمنع القتل والحد من الجرائم، ومنع انتشار الفوضى، وظاهرة الانتقام والأخذ بالثأر، وجعل الشارع تنفيذ الأحكام والعقوبات من مسؤولية الحاكم أو نائبه، حفاظا ً على سلامة الناس وحقوقهم، ولا شك أن في تطبيق العقوبات على المجرمين إضرار بهم، وفي ترك ذلك إضرار بالمجتمع، وسبب في زيادة معدل الجرائم وانعدام الأمن والسلام، فيتحمل » ، فلما تعارضت المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة ترجح العامة وعليه فالحدود التي شرعها الله ،« الضرر الخاص لدفع ضرر عا م 8 لردع المعتدين، كشرع قطع يد السارق مثلا، ً فإنه عند النظر في هذا الأمر قد يقول (١) .٣٠٧ - ٣٠٦/ الشماخي: نفسه ٦(٢) ٣٠٥/ الشماخي: المرجع السابق، ٦ - .٣٠٦ إن في إقامة هذا الحد من المصالح أكثر من هذه المفسدة، فإنه يحقق » : قائل الأمن العام للناس جميعا ً على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ولأجل ذلك يتحمل هذا الضرر الخاص في « سبيل دفع الضرر العام(١) . ِ ولكن لو اعتدى أحد على شرف فتاة فاغتصبها، وانتقم وليها منها ومن ّ المغتصب فقتلهما، أو قتل أحدهما، فهل يسقط القصاص عليه ما دام في حالة الدفاع عن شرفه، أم تنفذ فيه العقوبة؟ وفي هذه الحالة قد تعارضت مصلحة خاصة وهي رد الاعتبار للولي الذي اعت ُ دي على شرف بنته مع المصلحة العامة وهي انتشار ظاهرة الانتقام َ والأخذ بالثأر، وتجاوز الحدود وانعدام الأمن العام سلامة الناس، فهنا تراعى المصلحة العامة ولو على حساب المصلحة الخاصة، ومع ذلك فالشارع الحكيم حافظ على حق الولي بأن كلف الحاكم بالانتقام له، وذلك بتطبيق ِ عقوبة حد الزنى على الزاني المغتصب. وقد ورد على الشيخ عبد الرحمن بكلي سؤال في هذا الموضوع فرجح ٰ المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وبين حكم الشرع بعيدا ً عن العاطفة. ّ ومما جاء في فتاويه أن ّ : إنسانا » ً وجد رجلا ً يرتكب فاحشة الزنا مع ابنته فقتلهما معا ً .«؟ ، أو قتل أحدهما فماذا عليه الحدود والقصاص لا تقام إلا على يد الحاكم، وعلى يد من » : فأجاب يأذن له الحاكم بإقامتها، فلا يقبل من أي أحد أن يتولى الاقتصاص من الجاني بنفسه حفظا ً للنظام، ومنعا ً للفوضى والفتنة، وإن ظل الزنا جريمة تثير الغيرة وتبعث على القتل كثيرا ً ، وهذا إن سمع بالجريمة سماعا ً ، فكيف إذا شاهد ذلك المنظر المخزي بنفسه رأي العين، فقد لا يجد المجني عليه وسيلة لغسل العار الذي لحقه ولحق أهله إلا الدم. ورغم ذلك فإن لم يتمالك وأقدم على (١) . علوان إسماعيل، القواعد الفقهية الخمس الكبرى، ص ٣٩٧ قتل ابنته أو قتل الزاني بها، فإن كان المقتول هي ابنته فإنه لا يقتل بها؛ لأنه والد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يقتل الوالد ب الولد »(١) عن ابن عم ر، وإنما تلزمه الدية يدفعها لورثتها ولا يرثها معهم. وإن كان المقتول هو الزاني فيقاد به، ولا هوادة، ولو أن الأمر موكول إلى القانون الوضعي لروعيت له ظروفه المخففة، أما والأمر قصاص ولا تبديل في القصاص، ولا مناص للحاكم إذا رفع الأمر إلا أن يجري القصاص طبق ما قرره الشرع، تطهيرا ً للمجتمع، وحفظا ً للنظام، وإقرارا ً للأمن والسلام، ﴿ §¦¥¤ ¨ «ª© ﴾ (ا بل قرة : ١٧٩ ( ، ولو أن هذه الفاحشة كانت مع الزوجة لا مع البنت لكان لنا في حكومة عمر بن الخطاب أسوة حسنة، فقد قال هاني بن حزام : كنت جالسا ً عند عمر بن الخطاب 3 فأتاه رجل فذكر أنه وجد مع امرأته رجلا ً فقتلهما، فكتب عمر «... إلى عامله في العلانية أن يقتله، وكتب إليه في السر أن يأخذ الدية(٢) . مجمل القول: يت ﱠ ضح مما سبق أن الشيخ عبد الرحمن يبدو أنه استند في حكمه إلى ٰ فلا شك أن القاتل ،« يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العا م » : القاعدة الفقهية ِ قد تضرر في عرضه وشرفه، ولكن حفظ النفس في هذه الحالة يقدم على حفظ النسل أو العرض، إلا إذا ثبت ذلك ببينة واضحة، فيعاقب بحد الزنا الرجم أو ﱢ الجلد، ويكون من الحاكم اتقاء للضرر العام، وهو تفشي ظاهرة الانتقام في المجتمع، وما يترتب عليه من الفتن وسفك الدماء، وغياب الأمن والسلام، ولذلك ترجح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في مثل هذه الأحوال. (١) تقدم تخريجه. (٢) رواه أنس، كتاب المدب ﱠ ر، باب ما جاء في الرجم، رقم: ١٥٠٣ ، وعبد الرزاق، كتاب العقول، باب الرجل يجد على امرأته رجلا ً ، رقم: ١٧٢٨٥ ، عن عمر بن الخطاب. ينظر: بكلي عبد الرحمن، ٰ ٣٠٨/ فتاوى البكري، ١ - .٣٠٩ ٥ في باب ا لحجر: ومن الصور التي ذكرها الفقهاء في باب الحجر: جواز الحجر على المفتي ْ الماجن حرصا ً على دين الناس، والحجر على الطبيب الجاهل حرصا ً على ْ أرواح الناس، والحجر على المكاري المفلس حرصا ً على أموالهم وأوقاتهم ْ وإن تضرروا بذلك، دفعا ً لضررهم عن الجماعة في أرواحها ودينها وأموالها(١) ، عملا ً يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام » : بالقاعدة .« ِ ذكر الثميني جملة من المضار يحدثها بعض الناس ولهم فيها مصلحة ُ خاصة، ولكن يضرون بها غيرهم، فيجوز للحاكم أن يحجر على من يحدثها، ويمنعه من فعلها، فإن تمادى في غيه وأصر على نشر ضرره، عاقبه على ذلك. ّﱠ باب في الحجر والأخذ على نزع الضرر، وللحاكم » :« الورد البسام » جاء في أن يحجر على من يحدث قبرا ً في طرق أو أودية أو أسواق، أو مماصل أو ُْ أجبة أو بيوت وإن لخاص، أو في حريم ذلك، كبناء أو غرس أو طرح حجر، َّ أو تراب أو رماد، أو نجس، أو حطب أو غير ذلك، وكذا في مسجد أو مصلى أو حريمهما... وعلى من يفسد أموال الأجر أو المساكين، أو يحدث ضرا ً ّْ على مقبرة، وعلى من ينتزع العظام من القبور، وإن لدفن الموتى فيها، أو النبات أو الحجارة أو الحطب، أو ينشر القبور أو يرعى فيها أو يشقها بمشي ولو اندرست، ولا يترك ذمي أن يدفن في مقابر الموحدين، وعلى من يحدث ضرا ً في أموال الناس أو يؤذيهم في أنفسهم، أو يقطع عنهم ما ثبت لهم، ّ وعلى من يغسل أو يغتسل في ماء راكد يحتاج إليه، أو يلعب فيه أو يغيره أو «... يورد فيه مواشي أو نحو ذلك(٢) . وعلى أهل الملاهي كل » ويضيف الثميني في السياق نفسه َعاب ومغن ّّ (١) البورنو: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص ٢٦٣ . الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي .٩٩٥/ العام، ٢ (٢) .١٨٩ - الثميني: الورد البسام، ص ١٨٨ ونائح، وعلى من يقف إليهم ويغرد ولو غير بالغ، ويفرقون ولو بضرب، أو ُﱠ تولد عنه فساد، ولا يضمن إن تولد، وعلى من يعمل آلات الملاهي كد ُ ف ّ أو عود أو غيرهما، أو الأشربة المحرمة أو يبيعها، أو يأوي إليها أو يشتريها... وعلى من يأمر بلعب أو قتال وإن بين حيوان، أو يلقب الناس بما يكرهون، أو يعلم الصبيان أخلاق السوء، وعلى اختلاط الرجال مع النساء في سوق أو عرس أو غيرهما، وعلى دخولهن الأسواق، وعلى مت َ شبه بهن من الرجال ُ ُّ كعكسه... وعلى ساحر وعراف وكاهن ومتعاط علم الغيب... وعلى من ّ يجمع بين الرجال والنساء، ومن يقودهن إليهم أو يقودهم إلى امرأته... وعلى أهل الأسواق ألا يحدثوا فيها مضرا ً في نقص العيارات والموازين، ّ وكتم العيوب والغش، كإظهار الحسن وإخفاء القبيح، وعلى من يتلقى السلع ِ قبل أن تصل إلى منتهاها، وعلى محتكر وناجش، وعلى من يدخل في ُ ٍ الأسواق حراما ً أو ربا ً «... ، وعلى من يشتريها من آت بهما(١) . وعلى الجزار ألا » : ويتابع الثميني في ذكر أنواع أخرى من المضار فيقول يترك مذبحا ً بلا غسل، وألا يجر ذبيحة أو يسلخها قبل موتها، أو ينفخ في اللحم أو بغيره بدم، أو يجعل شحما ً بين ضلوعها، أو ينزعه منها فيبيع الباقي بلا إظهاره، وعلى كل صانع ألا يغش... وعلى الخبازين والشوائين ونحوهما أن يحسنوا طبخهم وألا يعملوا فيه مضرا ً ، وعلى من يخلط ماء في زيت أو ّ لبن، أو شعيرا ً في قمح أو في دواء غيره... وعلى من يعط ّ ش حيوانا ً ثم يبيعه ُ بعد سقيه... وللحاكم أن يحجر على من يحتطب من صبوب الأجنة، أو من زيتون أو نخل وتين ونحوهما، ومن يقطع الجريد والغصون، ومن ينزع الل ّ « يف، وعلى من يعجل بصرم نخله قبل الوقت إن أضر العامة(٢) . (١) . الثميني: المصدر نفسه، ١٩٠(٢) . الثميني: نفسه، ص ١٩١ خلاصة ا لقول: مما سبق يتضح أن جميع الصور التي ذكرها الثميني منهي عنها شرعا ً ؛ لما فيها من ضرر بالصالح العام ولو كان فيها مصلحة خاصة، فيجب أن يمنع صاحبها ويحجر عليه، ويعاقب إن تجاوز ذلك لدفع الضرر العام؛ لأن الشارع الحكيم أمر بحفظ الضرورات الخمس وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وجميع تلك المنهيات تتصادم مع هذه الكليات، فيجب منع كل المفاسد التي تضر بالمصالح العامة، ولو لحق بالمصلحة الخاصة بعض فيتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام » ، الضرر « كما قرر الفقهاء . k :ó°SÉتdGh ídÉ°üª∏d á«eÓ°SE’G á©jô°ûdG ájÉYQ :’hCG لما كان موضوع هذه القاعدة المصالح والمفاسد، فمن المناسب أن نمهد ّ للقاعدة بتمهيد عن رعاية المصلحة ودرء المفسدة في الشريعة الإسلامية. يعبر عن المصالح والمفاسد بالخير والشر، والنفع والضر، والحسنات ّ والسيئات؛ لأن المصالح كلها خيور نافعات وحسنات، والمفاسد بأسرها ِ شرور مضرات وسيئات، وقد غلب في القرآن الكريم استعمال الحسنات في ُ المصالح والسيئات للمفاسد، قال تعالى: ﴿ §¦¥¤£¢ ¨ ©﴾ (ه ود : ١١٤ (. ومعظم مقاصد القرآن تهتم باكتساب المصالح وأسبابها، والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها، فكل مأمور به فيه مصلحة الدارين أو أحدهما، فما كان من اكتسابه محصلا ً لأحسن المصالح فهو أفضل الأعمال، وما كان منهما محصلا ً لأقبح المفاسد فهو أرذل الأعمال، فلا سعادة أصلح من العرفان والإيمان وطاعة الرحمن، ولا شقاوة أقبح من الجهل بالديان والكفر والفسوق والعصيان (١) ّٰ . ولا يخفى على عاقل أن تحصيل المصالح المحضة، ودرء المفاسد » المحضة عن نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود « حسن، وأن درء المفاسد الراجحة على المصالح الموجودة محمود حسن (٢) . (١) ٥. السدلان، القواعد الفقهية / العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ١ .٥١٥ - الكبرى، ص ٥١٤ (٢) ٥/ ابن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ١ - .٧ وقد التزمت الشريعة الإسلامية في أحكامها مبدأ رعاية مصالح الناس في الحياة وبعد الممات، قال الشاطبي(١) : إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا ً ، واعتمدنا في ذلك على استقراء وتتبع الأحكام الشرعية فوجدنا أنها وضعت لمصالح العباد، فإن الله تعالى يقول في بعثة الرسل: ﴿ XWVUTSRQPON ﴾ (ال نساء: ١٦٥ (، ﴿ ` dcba ﴾ (الأ بن ياء : ١٠٧ ( . وقد علل ذلك 4 بنفسه، فقال بعد آية الوضوء في تشريع رخصة التيمم: ﴿ UTSR ^]\[ZYXWV ﴾ (ا ل ما ئدة : ٦ (. وقال في الصيام: ﴿ <;:9876 => @? ﴾ (ا بل قرة : ١٨٣ (. وفي الصلاة: ﴿ »º¹¸¶µ´ ﴾ )العنكبوت : ( ٤٥ . وفي الجهاد: ﴿ !" &%$# '*)( + ﴾ )الحج : ( ٣٩ . وفي القصاص: ﴿ §¦¥¤ ¨©ª « ﴾ (اب ل قرة : ١٧٩ ( . وفي تقرير مبدأ توحيد الإله: ٰ ﴿ IHGFEDCB RQPONMLKJ ﴾ (الأ عراف : ١٧٢ (. هذا في الجانب الإيجابي للمطلوبات الشرعية، أما في الجانب السلبي فقد أن الإسلام » تعرض الزحيلي إلى بيان مظاهر رعاية الشريعة للمصلحة، فبين ﱠ حرم كل نواحي الضرر والشر والفساد، وحرم الاعتداء على الحقوق، وأكل ﱠ ِ أموال الناس بالباطل، ومنع كل ما يؤدي إلى ذلك من قمار وربا (فائدة) وغش في المعاملات، كما أنه حظر كل ما يلحقه الإنسان بنفسه من ضرر في جسده أو عقله، وحرم شرب الخمر، وتبديد الأموال، والانتحار، وإجراء أي نوع من أنواع التعامل على الأعضاء والدم، كبيع النفس الحرة الكريمة، أو التصرف (١) ٦، بتصرف. / الشاطبي: الموافقات، ٢ بعوض في الدم والجوارح، أو إيجار المرأة نفسها للاستمتاع بها، ونحو ذلك مما يتنافى مع مبدأ المحافظة على الكرامة الإنسانية، كالاعتداء على حرية «... الفكر والرأي والعمل والموطن أو الإقامة(١) . وهذه القاعدة تنطلق من مبدأ سد الذرائع الذي يقضي بتحريم كل الوسائل لما كانت المقاصد لا يتوصل » : التي تؤدي إلى الفساد، يقول ابن القيم الجوزية إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة إليها مقيدة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهيتها، والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن بها بحسب إفضائها إلى غاياتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود وكلامهما «... مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات وهي مقصودة قصد الوسائل(٢) . k :IóYÉ≤dG ∫ƒdóe :É«fÉK وعبر عنها الإباضية بصيغة ،« الضرر يزا ل » : تتفرع هذه القاعدة عن قاعدة ﱠّ درء المفاسد » : القاعدة الرابعة « جواهر القواعد » مماثلة أو قريبة منها، جاء في أولى من جلب المصالح « (٣) . دفع المفسدة أهم من » : وعبر عنها السالمي بقوله « جلب المصلحة(٤) دفع المفسدة أهم من تحصيل المصلحة » ، أو « (٥) . ا لدرء: بمعنى الدفع، فيقال: درأت الشيء درءا من باب دفع دفعته ً ودارأته(٦) : أي دافعته، وتدارؤوا تدافعوا. (١) الزحيلي: وهبة نظرية الضرورة الشرعية، ص ٤٩ - ٥٠ . الزرقا مصطفى، المدخل الفقهي . ٥٤٠ . وما بعدها. البوطي، ضوابط المصلحة، ص ٢٨٠ / العام، ٢(٢) .١٤٧/ ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين، ٣(٣) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٤١(٤) .٢٠٥/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٥) .١١٩/ السالمي: المصدر نفسه، ٢(٦) . الفيومي: المصباح المنير، مادة درأ، ص ٢٦٣ . الراغب الأصفهاني، المفردات، ص ١٦٩ درء الحدود بالشبهات، أي » : وقد استعمله الفقهاء بهذا المعنى كقولهم «(١) دفع إقامة الحدود لشبهة من الشبه المعتبرة شرعا ً . ا لجلب: الإتيان بالشيء من موضع إلى موضع(٢) . ا لمفاسد: جمع مفسدة، الضرر وما يؤدي إلى الفساد من لهو ولعب ونحوهما، والمفسدة خلاف المصلحة(٣) . والمراد بدرء المفاسد: رفعها وإزالتها، قال السالمي : « والمراد بالمفسدة الألم ووسيلته »(٤) . ا لمصالح: جمع مصلحة، والمصلحة كالمنفعة لفظا ً ومعنى، فهو مصدر لمعنى الصلاح، كالمنفعة بمعنى النفع وكل ما كان فيه نفع، سواء كان بالجلب والتحصيل، كاستحصال الفوائد واللذائذ أو بالدفع والارتقاء، كاستبعاد المضار والآلام فهو جدير بأن يسمى مصلحة(٥) . ويشير السالمي إلى هذا المعنى في سياق حديثه عن مدلول الحكمة فقال: والمراد بالحكمة تحصيل المصلحة أو دفع المفسدة، والمراد بالمصلحة: »«... اللذة ووسيلتها... وكل منهما إما نفسي أو بدني أو ديني أو دنيوي(٦) . ويلاحظ من تعريف السالمي أن مدلول المصلحة هو اللذة ووسيلتها، سواء كانت دينية أو دنيوية أو نفسية أو بدنية. المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد » : والمصلحة عند الفقهاء هي « عن الخلق(٧) . (١) . قلعة جي وقنيبي: معجم لغة الفقهاء، ص ٢٠٧(٢) .٤٦٩/ ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ١(٣) سعدي أبو جيب: القاموس الفقهي لغة واصطلاحا ً . ، ص ٢٨٦(٤) .١١٩/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٥) . السدلان: القواعد الفقهية، ص ٥٢٠(٦) .١١٩/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٧) . الزحيلي وهبة: نظرية الضرورة الشرعية، ص ٥٤ المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من » ويمكن أن تعرف بأنها حفظ دينهم، ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم، طبق ترتيب معين ﱠ « فيما بينها(١) . ِ ومن نعم الله وفضله على أمة الإسلام أنه أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث، وأحل لهم ما ينفعهم وحرم عليهم ما يضرهم، وما فيه مفسدة دينهم ودنياهم، وإن الفعل البشري مهما سما وكمل، فهو قاصر عن إدراك الحكم في الأمور، ولا يعلمها كلها على الحقيقة إلا العليم الخبير جل وعلا، ولا يكاد يخلو فعل من أفعال البشر من مصالح ومفاسد، والقسمة العقلية لموضوع اجتماع المصالح والمفاسد تقتضي تقسيم الأحوال إلى أربعة: الأول: أن تزيد المصالح على المفاسد. الثاني: أن تزيد المفاسد على المصالح. الثالث: أن تتساوى المصالح والمفاسد. الرابع: التردد في أيهما الغالب. وفي الحالتين الأوليين الحكم للغالب منهما، فإذا غلبت المصالح حل الشيء وجاز الفعل، وإذا غلبت المفاسد حرم الشيء ولا يجوز الفعل، كما حرم الله 8 الخمر لغلبة المفاسد على المنافع، وقد وضع الفقهاء قاعدة تضبط ذلك فقالوا: إذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم الأرجح منها على المرجوح . أما الحالتين الأخيرتين فهما اللتان تشملهما هذه القاعدة، وهذا من تمام لطف الله بعباده وفضله عليهم ورحمته إذ شرع درء المفاسد وتقليلها، وحث (٢) على تحصيل المصالح وتكميلها، فالحمد لله أولا ً وأخيرا ً . (١) . البوطي محمد سعيد: ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، ص ٢٣ (٢) .٣٩١ - علوان إسماعيل، ص ٣٩٠ المعنى الإجمالي ل لقاعدة: إذا تعارضت المصالح والمفاسد في فعل شيء أو الكف عنه فإنه يقدم دفع المفاسد على جلب المصالح؛ لأن الشارع الكريم حرص على منع المنهيات، وأكد على ذلك أكثر من تأكيده على تحقيق المأمورات؛ ولأن للمفاسد سريانا ً وتوسعا ً كالوباء والحريق، فمن الحكمة والحزم القضاء عليها ّ في مهدها، ولو ترتب على ذلك حرمان من منافع أو تأخير لها(١) . ويؤكد فقهاء الإباضية هذا المعنى، فيقول السالمي : إذا تعارض دليلان أو » ِ عل ﱠ تان في أحدهما تحصيل المصلحة، وفي الآخر دفع مفسدة، ولم يمكن الجمع بينهما بوجه، قد ّ م الدافع للمفسدة على الجالب للمصلحة؛ لأن دفع المفسدة أهم من تحصيل المصلحة « (٢) . ويؤكد هذا المعنى في موضع آخر في سياق حديثه عن ترجيح الأدلة من يكون الترجيح من جهة الحكم بوجوه منها، أن ما دل على » : جهة الحكم، فيقول التحريم مقد ّ م على ما دل على الإباحة، وعلى ما دل على الندب، وعلى ما دل على الوجوب وعلى ما دل على الكراهة... وأما ترجيحه على ما دل على الندب؛ فلأن دفع المفاسد أهم وذلك واضح، فإن دفع الضرر أهم من استجلاب النفع، وأما ترجيحه على الدال على الكراهة؛ فلأن الأخذ بالحظر أحوط فهو أبلغ في درء المفاسد، وأما ترجيحه على الدال على الوجوب؛ فلأن الوجوب لجلب « المصالح، والحظر لدفع المفاسد، ودفع المفسدة أهم من جلب المصلحة(٣) . فإذا تعارضت مفسدة » : وتتفق عبارة الراشدي مع السالمي في قوله ومصلحة قدم درء المفسدة غالبا ً « ، لاعتناء الشارع بالمنهيات(٤) . ويوضح أن (١) . ٩٩٦ شبير محمد عثمان، القواعد الكلية، ص ١٨٢ / الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي العام، ٢(٢) .٢٠٥/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٣) .٢٠٥/ السالمي: المرجع نفسه، ٢(٤) . الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ١٤١ k :ó°SÉتdG AQOh ídÉ°üªdG π«°üëJ »a §HÉ°†dG :ÉãdÉK الشريعة جاءت لجلب المصالح ودفع المفاسد، فإذا تعارضت فتدفع المفاسد فمعنى قولنا: (الضرر مزال » : ولو على حساب المصالح، فيقول ( محكوم بزواله؛ لأنه مفسدة، وقد جاء الشرع الشريف بدرء المفاسد، ولذا قال بعض العلماء بحصر الفقه بدرء المفاسد وجعل منه جلب المصالح؛ لأنه مشروط بألا تكون مفسدة، فإن كانت ق ُ د ّ « م درؤها على جلب المصلحة(١) . إن الفعل إذا تضمن مصلحة مجردة حصلناها، وإن تضمن مفسدة مجردة درأناها، وإن تضمن مصلحة من وجه ومفسدة من وجه، فإن استوى في نظرنا ﱠ تحصيل المصلحة ودفع المفسدة، توقفنا على المرجح وإن لم يستو ذلك، بل إذ إن العمل » ، ترجح أحد الأمرين تحصيل المصلحة أو دفع المفسدة فعلناه الراجح متعين شرعا ً ، وعلى هذا تتخرج جميع الأحكام عند تعارض المصالح « والمفاسد فيها أو عند تجريدها(٢) . يقول العز بن عبد السلام : إذا اجتمعت مصالح ومفاسد، فإن أمكن » تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالا ً لأمر الله تعالى فيهما، لقوله: ﴿ zyxw ﴾ )التغابن : ( ١٦ ، وإن تعذر الدرء والتحصيل، فإن كانت « المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة(٣) . ويؤكد السالمي هذا المعنى في معرض حديثه عن ترجيح الدليل عند معارضته بأمور خارجية، فيقول: ...» ومنها تقديم الأقرب للمعهود، والمراد به ما عهدته العقلاء من جلب المصالح ودفع المفاسد، فإذا تعارض دليلان (١) . الراشدي: المصدر نفسه، ص ١٣٧(٢) الطوفي: شرح مختصر الروضة، تحقيق د. عبد الله التركي، ط ١، مؤسسة الرسالة، لبنان، .٢١٥ - ٢١٤/ ١٤١٠ ه/ ١٩٩٠ م، ٣ (٣).٩٨/ العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، ١ مدلول أحدهما أقرب لجلب المصلحة، أو أبلغ في دفع المفسدة، رجح على معارضه، فإن تعارض الدليلان وكان أحدهما جالبا ً للمصلحة والآخر دافعا ً للمفسدة، رجح الدافع للمفسدة؛ لأن دفع المفاسد أهم من جلب المصالح « (١) . وينبه ابن عبد السلام إلى أنه قد تجتمع المفاسد المجردة عن المصالح، إذا اجتمعت المفاسد المحضة فإن » فيرشدنا إلى طريقة الموازنة بينها، وذلك أمكن درءها درأنا، وإن تعذر درء الجميع درأنا الأفسد فالأفسد، والأرذل فالأرذل، فإن تساوت فقد يتوقف وقد يتخير، وقد يختلف في التساوي والتفاوت، ولا فرق في ذلك بين مفاسد المحرمات والمكروهات، ولاجتماع المفاسد أمثلة منها: أن يكره على قتل مسلم بحيث لو امتنع منه قتل، فيلزمه أن يدرأ مفسدة القتل بالصبر على القتل؛ لأن صبره على القتل أقل مفسدة من إقدامه عليه، وإن قدر على دفع المكروه بسبب من الأسباب، لزمه ذلك لقدرته على درء المفسدة، وإنما قدم درء القتل بالصبر لإجماع العلماء على تحريم القتل، واختلافهم في الاستسلام للقتل، فوجب تقديم درء المفسدة للجمع على وجوب درء المفسدة المختلف في وجوب درئها. وكذلك لو أكره على الزنا واللواط، فإن الصبر مختلف في جوازه، « ولا خلاف في تحريم الزنا واللواط(٢) . ولكن نجد بعض الفقهاء المعاصرين يرى ترجيح المفسدة على المصلحة عند الموازنة بين المصالح » : إذا تساوتا، ويخالف بذلك غيره من الفقهاء، فيقول والمفاسد تعتبر المصالح إذا كانت غالبة، فتقدم على المفاسد، وتقدم المفاسد إذا كانت غالبة، أما عند التساوي بين المصالح والمفاسد، فتقدم المفاسد على « المصالح، أي يقدم دفع المفاسد على جلب المصالح(٣) . (١) ٢٠٨/ السالمي: طلعة الشمس، ٢ - .٢٠٩ (٢) .٩٣/ ابن عبد السلام، قواعد الأحكام، ١(٣) . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص ١٨٦ ولم يعلل صاحب هذا الرأي اختياره وسبب ترجيح ذلك، ولعله اعتمد على ما لاحظه من أحكام الشارع أنه يعتني بالمنهيات أكثر من اعتنائه بالمأمورات، ولكن عند التأمل والنظر يظهر مدى وجاهة رأي الجمهور في ترك الاختيار للمكلف، إن شاء توقف وإن شاء رجح بين المصالح والمفاسد، والله أعلم. k :ΩÓ°SE’G »a Ió°ùتdGh áë∏°üªdG ∑GQOEG QÉ«©e :É©HGQ إن الشريعة المطهرة هي الميزان في تقدير المصالح والمفاسد، ثم الاعتبار باجتهاد الفقهاء المحققين في هذا الباب، وبناء عليه فإن المعيار الصحيح لإدراك المصالح ودرء المفاسد في الإسلام هو القرآن الكريم، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم . وإذا كان من أفضل نعم الله تعالى على عباده العقل الراجح والبصيرة النافذة، لهذا فهو يدرك المصالح ويدرك حسن الشريعة وقبح ما خالفها، وبه يعرف الأمور على ما هي عليه، ويميز به الحق من الباطل، فإن قدر المكلف على اتباع النصوص لا يعدل عنها وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر(١) . إذا تعارضت المصالح » :« القاعدة العامة » يقول ابن تيمية تحت عنوان والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منها، فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا ً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا ً به، بل يكون محرما ً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه النظائر، وقل أن تجوز النصوص من يكون خبيرا ً ّّ ِ « بها وبدلالتها على الأحكام(٢) . (١) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٣١٣ السدلان، القواعد الفقهية، ص ٥١٧(٢) .٢٩/ ابن تيمية: مجموع فتاوى شيخ الإسلام، ج ٢٨ فسواء أكان معرفة الحكم هو النص الصريح المباشر في القرآن الكريم » أم السن ﱠ ة أم اجتهاد المجتهدين، فإن الله 4 هو مصدر الشرائع والأحكام؛ ﱡ لأن دور المجتهد ينحصر في إبراز حكم الله، والكشف عنه بطريق الاستنباط العقلي ضمن مقاصد الشريعة وحسب روحها العامة(١) ، إلا أن ما يكون متفقا ً مع الحكمة ومحققا ً للمصلحة، فما أباحه فهو نافع وما حرمه فهو ضار خبيث، وقد تأكدت هذه الحكمة باستقراء الأحكام الشرعية وفهمها، فإنها كلها شرعت لتحقيق مصلحة الإنسان، إما لجلب النفع له أو لدفع الضرر عنه، فما جعله الشرع مباحا ً مأذونا ً أو واجبا ً مفروضا ً على الإنسان فهو إما نافع له نفعا ً محضا ً ، أو أن نفعه أكثر من ضرره، أو أنه محقق للمنفعة لأكبر مجموعة من الناس، وما جعله الشرع حراما ً أو مكروها ً فلأنه شر محض، أو لأن ضرره أكثر من نفعه، أو لأنه ضار بمصلحة أكبر « مجموعة من الناس(٢) . ولهذه المعاني كلها وجب أن يكون مقياس اعتبار المصلحة والمفسدة، ومعيار النفع والضرر تقديم الشرع الحكيم وهو الله 4 لما في ذلك من ثبات وخلود وضمان أكيد لمصلحة الفرد والجماعة، وتهيئة الإنسان في الحياة الأخرى(٣) . وفي الحقيقة إن إدراك معاني المصالح والمفاسد مبني على فهم مقاصد التشريع الحكيم، ومن المعلوم أن حظوظ الفقهاء متفاوتة في هذا المجال، (١) ذكر الفقيه باجو في كتابه منهج الإجتهاد عند الإباضية أن أبا العباس أحمد بن محمد بن بالاجتهاد المقاصدي، وبناء الأحكام « تبيين أفعال العباد » أبي بكر الفرسطائي اهتم في كتابه على اعتبار النوايا التي تصدر عنها من الأفعال، وبلغنا أن الكتاب محقق ولا يزال مخطوطا ً ، . يراجع: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ص ٤٨(٢) ٣٨٨ . الزحيلي / ٢٥ . ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين، ١ / الشاطبي: الموافقات، ٢ وهبة، نظرية الضرورة الشرعية، ص ١٥ - .١٦ (٣) . ٣٧ وما بعدها، الزحيلي وهبة، المرجع نفسه، ص ١٨ / الشاطبي: المصدر نفسه، ٢ فبقدر ما يرسخ الفكر المقاصدي في ذهن الفقيه تتسع آفاقه في دراية المصلحة أو المفسدة(١) ومما ،« قواعد الأحكام » ، وإلى هذا المعنى يشير النص الآتي من ومن تتبع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد حصل له » جاء فيه من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأن هذه المصلحة لا يجوز إهمالها، وأن هذه المفسدة لا يجوز قربانها، وإن لم يكن فيها إجماع ولا نص ولا قياس خاص، فإن فهم نفس الشرع يوجب ذلك، ومثل ذلك أن من عاشر إنسانا ً من الفضلاء الحكماء العقلاء فهم ما يؤثره ويكرهه في كل ورد وصدر، ثم سنحت له مصلحة أو مفسدة لم يعرف قوله فيها فإنه يعرف بمجموع ما عهده من طريقته وألفه من عادته أنه يؤثر تلك المصلحة ويكره تلك المفسدة، ولو تتبعنا ما في الكتاب والسن ﱠ ة لعلمنا أن الله أمر بكل خير دقه وجله، وزجر عن ﱡ « كل شر دقه وجله(٢) . ويشير وهبة الزحيلي إلى جانب هام في تقدير النفع والضرر في الأشياء وأما إن ارتبط تقديم النفع والضرر بإرادة بشرية فإن الأنظمة تكون » : فيقول غالبا ً عرضة للعبث والتلاعب، والإخلال بالمصلحة العامة؛ لأن ما يتخيله الناس نفعا ً أو ضررا ً يتأثر عادة بالأهواء والأغراض الخاصة، أو يكون محصورا ً في دائرة ضيقة، أو منظورا ً إليه من زاوية معينة، أو قاصرا ً غير شامل، مما يجعل التشريع مطعونا ً فيه بالنقص، أو عرضة للتغير والتبدلات التي لا صلة لها بتغير وجه المصلحة، وعندئذ تسوء الحال، ويعم الفساد، وتضطرب الأوضاع، ويكثر التبرم والسخط، لا سيما على الأخص عند التأثر بالأهواء الخاصة، فقد يرى الإنسان ما هو ضار نافعا ً ، فيستحل السرقة أو شرب الخمر مثلا، ً وقد قد يرى ما هو نافع ضارا ً ، فيجد في الزكاة مثلا نقصا ً لماله مع أنها ّ تطهير للمال، وقضاء على الفقر، كما يرى الرجل الخروج إلى الجهاد ضارا ً به ّ (١) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٣١٤(٢) .١٦٠/ ابن عبد السلام: قواعد الأحكام، ٢ k :IóYÉ≤dG π«°UCÉJ :É°ùeÉN « مع أن فيه رعاية لمصالح الجماعة، وحماية البلاد(١) ، قال تعالى: ﴿ ´µ ¶ ¸ ½¼»º¹ ﴾ )المؤمنون :( ٧١ . ولهذا كان لزاما ً على المسلم أن يتجنب أولا ً ما حرمه الشارع أو نهى عنه ّ وذلك ،« درء المفاسد مقدم على جلب المصال ح » قبل أن يفعل ما أمر به؛ لأن لتجنيب الناس الوقوع في الضرر والمفاسد القبيحة التي تؤذيهم في أموالهم وأنفسهم وأعراضهم وعقولهم، ومعلوم أن الإسلام لم يحرم شيئا ً على الناس ّ إلا أحل ﱠ خيرا ً منه، مما يسد مسده ويغني عنه، مما يدل على سماحة هذا الدين وإرادته الخير والهداية والرحمة للعالمين(٢) . استدل الفقهاء على هذه القاعدة بأدلة من القرآن والسن ﱠ ة كلها تحث وتوجه ﱡ إلى معانيها، نذكر منها: أ من القرآن ا لكريم: ومن النصوص القرآنية التي يمكن الاستئناس بها في تقرير هذا الأصل: ١ قوله تعالى: ﴿ ´ ½¼»º¹¸¶µ ÃÂÁÀ¿¾ ﴾ (ا بل قرة : ٢١٩ (. وجه الاستدلال ب الآية: لا شك أن منفعة الخمر في الاتجار بها والانتفاع بثمنها، ومنفعة الميسر فيما يأخذه المقامر من المقمور، وإثمهما في إفساد العقل والإضرار بالصحة، وإحداث الشقاق بين الناس المؤدي إلى تفريق كلمة المسلمين والصد ّ عن (١) . الزحيلي: نظرية الضرورة الشرعية، ص ١٨(٢) . السدلان: القواعد الفقهية، ص ٥١٩ ذكر الله وعن الصلاة، ولا شك أن هذا الإثم أكبر من ذلك النفع فوجب درء مفسدة الإثم على جلب مصلحة النفع(١) . جاء في تفسير المنار في قوله تعالى: ﴿ ÃÂÁÀ ﴾ (اب ل قرة : ٢١٩ ( ، وهذا القول إرشاد للمؤمنين إلى طريق الاستدلال، فكان عليهم قاعدة درء المفاسد » أن يهتدوا منه إلى القاعدتين اللتين تقررتا في الإسلام مقدم على جلب المصالح « وقاعدة ترجيح ارتكاب أخف الضررين إذا كان »«... لا بد من أحدهما (٢) ٢ ومنه قوله تعالى: ﴿ }| ~ ﮯ ¥¤£¢¡ ©¨§¦ ﴾ (الأ ن عام : ١٠٨ (. وجه الاستدلال ب الآية: إن في سب آلهة الكفار مصلحة وهي: تحقير دينهم وإهانتهم لشركهم ﱢ بالله 4 ، ولكن لما تضمن ذلك مفسدة وهي: مقابلتهم السب بسب الله 8 ّّ نهى الله 4 عن سبهم درء ً ا لهذه المفسدة(٣) ، كما أن الآية تفيد أيضا ً أن نهي الله 4 عباده المؤمنين أن يسبوا أوثان المشركين يترتب عليه ضرر أشد؛ لأنه علم أنهم إذا سبوها نفر الكفار عن الإسلام، وازدادوا كفرا ً بسبهم، وقد روي ّ في سبب نزول الآية عن ابن عباس 3 أن المشركين قالوا: يا محمد لتنتهين ّ عن سبك آلهتنا أو لنهجون ّ ربك، فنهى الله أن يسبوا أوثانهم، فيسبوا الله عد ْ وا ً ﱢ بغير عل م، وروي عن قتادة نحوه(٤) . (١) ٩٨ . ابن عاشور: مقاصد الشريعة / العزبن عبد السلام: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ١ . الإسلامية، ص ١٧٨(٢) .٢٣٢/ محمد رشيد رضا، تفسير المنار المسمى بتفسير القرآن الحكيم، ٢(٣) . البورنو: الوجيز، ص ٢٦٥(٤) . الواحدي: أسباب النزول، ص ٢٥٥ قال العلماء حكمها باق في هذه الأمة على كل » : قال القرطبي في تفسيره ِ حال، فمتى كان الكفار في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الله 8 ، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم، ولا دينهم، ولا كنائسهم، «... ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك؛ لأنه بمنزلة البعث على المعصية(١) . ومن هنا نخلص إلى القول أن الآية الكريمة يستفاد منها أن مفسدة سب الله تعالى المترتبة على مصلحة سب آلهة المشركين، وإعلان البراءة منها، مقدمة على هذه المصلحة، فيجب على المسلم أن يمتنع عن هذه المصلحة إذا كانت تؤدي إلى مفسدة أو نحوها. ب من ا لسن ﱠ ة ا لنبوية: ﱡ أما السن ﱠ ة ففيها أحاديث كثيرة يمكن الاستدلال بها لهذه القاعدة فمن ذلك: ﱡ ١ ما رواه أبو هريرة 3 عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوني ما تركتكم فإنما » أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء « فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم(٢) . وجه الاستدلال ب الحديث: قال النووي » قال الحافظ ابن حجر : هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام واستدل به على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات؛ لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في « الترك، وقيد في المأمورات بقدر الطاقة(٣) . (١) .٦١/ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ص ٧(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ( ٩٦ )، كتاب الاعتصام بالكتاب والسن ﱠ ة، باب الاقتداء بسنن ﱡ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ص ١٢٩٤ ، رقم: ٧٢٨٨ ، كما رواه الإمام مسلم في صحيحه بنحوه في ( ٤٣ )، كتاب . الفضائل ( ٣٧ ) باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه... ص ١٠٢٢ رقم ١٣٠(٣) .١٠٢/ ٢٦٢ ، النووي، الشرح على مسلم، ٩ / ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، ١٣ قال بعض العلماء: هذا يؤخذ منه أن النهي » جاء في جامع العلوم والحكم أشد من الأمر؛ لأن النهي لم يرخ ّ ص في ارتكاب شيء منه، أما الأمر فقيد ّ بالاستطاعة وروي هذا عن الإمام أحمد « (١) . والتحقيق في » : وقال ابن رجب هذا: أن الله لا يكلف العباد من الأعمال ما لا طاقة لهم به، فقد أسقط عنهم كثيرا ً من الأعمال بمجرد المشقة رخصة عليهم ورحمة بهم، وأما المناهي فلم يعذر أحدا ً بارتكابها بقوة الداعي والشهوات بل كلفهم تركها على كل حال، وأن ما أباح أن يتناول من المطاعم المحرمة عند الضرورة ما تبقي معه الحياة لا لأجل التلذذ والشهوة، ومن هنا يعلم صحة ما قاله الإمام أحمد : إن النهي «... أشد من الأمر(٢) . ٢ حديث ابن عمر 3 أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال: قالوا إنك تواصل، ُُ قال: « إني لست كهيئتكم، إني أ طعم وأسقى »(٣) . والوصال أن يصل صيام يومين وأكثر من غير أن يفطر بينهما، وقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم لما فيه من مفسدة إضعاف قوة البدن التي تسبب له القعود عن كثير من العبادات، فيفوته بذلك من الأجر أكثر مما يحصل له بالوصال. وبالجملة فإن جميع ما نهى الله تبارك وتعالى عنه إنما نهى عنه لتضمنه من المفاسد ما اقتضى بتحريمه والنهي عنه؛ لأن الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة(٤) . ولأن للمفاسد سريانا ً وتوسعا ً كالوباء والحريق، فمن الحكمة والحزم ّ القضاء عليها في مهدها، ولو ترتب على ذلك حرمان من منافع أو تأخر لها، (١) .٢٤٦/ ابن رجب الحنبلي: جامع العلوم والحكم، ١(٢) .٢٤٩/ ابن رجب: المرجع نفسه، ١(٣) متفق عليه واللفظ لمسلم، أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم، ١٣٩ ) مع الفتح. / ٧٧٢ ) وأخرجه في كتاب الصوم، باب بركة السحور من غير إيجاب... ( ٤ /٢)(٤) . السعدي: القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة، ص ٥ فإذا كان للشيء أو العمل محاذير تستلزم منعه، ودواعي تقتضي تسويغه يرجح درء المفاسد مقدم على جلب المصالح » منعه؛ لأن « (١) . ٣ حديث سعد بن أبي وقاص 3 رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على » : قال « عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا(٢) . وجه الاستدلال ب الحديث: ففي هذا الحديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي عن الت ّ بت ّ ل وهو الانقطاع للعبادة، وترك أمور الدنيا كلها من طلب المعايش والنكاح ونحو ذلك(٣) . نهاه عن ذلك لما فيه من مفسدة تعريض نفسه للفتنة والسآمة بسبب التشدد، وتقليل عدد المسلمين بالإعراض عن النكاح الذي هو سبب التكاثر، وزيادة عدد الأمة وتكثير سوادها، نهى عنه مع ما قد يكون فيه من مصلحة خاصة بالمتبتل من صفاء ذهنه، وخلوه عن الشواغل، مما يساعده على التفكير في خلق الله وعظمته، وزيادة إيمانه لكثرة عبادته، وصلاح نيته لانقطاعه عن الناس، ولكن هذه المصلحة الخاصة عارضتها مفسدة متعدية كما تقدم، ولو ق ُد ّ ر أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لهم التبتل واختصوا بعد ذلك؛ لئلا يفكر أحد منهم بشهوة النساء، فكيف ُ يكثر سواد المسلمين؟ وكيف تقوى شوكتهم، ويهابهم عدوهم؟(٤) . ٤ حديث أنس بن مالك 3 قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج ُِ النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا وكأنهم تقالوها فقالوا: وأين (١) ٩٩٧ ، الراشدي. جواهر القواعد، ص ١٤١ . السدلان، ،٩٩٦/ الزرقاء: المدخل الفقهي، ٢ . القواعد الفقهية، ص ٥٢٢(٢) متفق عليه واللفظ لمسلم أخرجه مسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، واشتغال من عجز عن الم ُ ١٠٢٠ ) وأخرجه البخاري في كتاب / ؤن بالصوم ( ٢ ١١٧ ) مع الفتح. / النكاح، باب ما يكره من التبتل والخصاء، ( ٩ (٣) .٩٤/ ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث، ١(٤) . علوان إسماعيل، القواعد الفقهية، ص ٣٨٦ نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا ً ، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا ً ، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا » وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سن ّ تي فليس مني « (١) . ُ وجه الاستدلال ب الحديث: ففي هذا الحديث ي َه ُ م ﱠ ك ُ ل ﱞ من هؤلاء الثلاثة من الصحابة @ بعمل صالح، ويظهر أن لهم فيه مصلحة، ككثرة العبادة، وزيادة الأجر، والقرب من الله تعالى بذلك، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ع َد ﱠ ما هموا به من الأعمال خروجا ً من هديه ﱡ وسن ّ ته، وأمرهم باتباعه، وهو صلى الله عليه وسلم أخشى الله منهم، وأتقاهم له، ومع ذلك لم ُ يفعل ما هموا به، ولننظر ما هموا به من الأعمال، هل فيه مفسدة؟ أم أنه ّ مصلحة خالصة؟ فالأول: قيام الليل فهو لا شك من الأعمال الصالحة التي تزيد المؤمن من الله قربا ً وتزيده خشوعا ً ، إذ يقوم يناجي ربه والناس نيام لا سيما إذا وافق الثلث الأخير من الليل الذي هو من أوقات إجابة الدعاء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل ما شاء الله، وقد قام من أوله ووسطه وآخره(٢) . ّ ِ وأما ما ه َ م به هذا الصحابي، وهو قيام الليل كله دائما ً فهو مخالف لهد ْ ي ﱠ النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العبادة، ولذلك نهاه عنه، فإن في قيام الليل كله دائما ً مفاسد (١) ١٠٤ ) مع / متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح ( ٩ الفتح، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤونة .(١٠٢٠/٢) ِ (٢) كما جاء في حديث عائشة # من ك » : قالت ُ ل ﱢ الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل متفق عليه واللفظ لمسلم في كتاب صلاة المسافرين .« ووسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر ٤٨٦ ) مع الفتح. / ٥١٢ ) وأخرجه البخاري في كتاب الوتر باب ساعات الوتر ( ٢ / وقصرها ( ١ على بدن القائم وعلى أهله، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي المكل ّ ف كل ذي حق ِ حقه(١) ، فيعطي بدنه حقه من الراحة والنوم، ليستعين به على العبادة، ويعطي أهله حقهم منه بالمبيت عندهم، وله في ذلك أجر والحمد لله. وأما الثاني : فالصيام ولا شك أنه من أحب الأعمال إلى الله 8 وأجره عظيم عنده كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة من السن ﱠ ة، ولكن لما كان مراد هذا ﱡ الصحابي صيام الدهر أبدا ً نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأن فيه من المفاسد ما يضر ببدنه ويضر بغيره، فإن تتابع الصيام بهذا الشكل يضعف البدن جد ّ ا ً ، وربما كان سببا ً لقعوده عن واجبات أخرى من الدين كانت أحب إلى الله من صيام التطوع، فالجهاد في سبيل الله 8 لنشر دينه هو ذروة سنام الإسلام، ولا شك أن متابعة الصيام أبدا ً تضعف قوة المسلم، وتقعده عن الجهاد، ولذلك ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر هو وأصحابه من صيام الفرض في رمضان لما لاقوا ﱠ العدو؛ ليكون ذلك أنشط لهم، وأقوى لأجسامهم (٢) . أما الثالث : فهو الذي هم بترك سن ﱠ ة الله في خلقه، وهي الزواج الذي جعله ﱠُ الله سببا ً لدوام الجنس البشري، وعمارة الكون، وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم لإحصان الفروج، وغض الأبصار، وإكثار سواد الأمة، وزيادة عددها، فظن هذا الصحابي ِ أن ترك الزواج قربة لله 8 ، لما به من ترك الملذات، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمره بالاقتداء به إذ هو القدوة لهم، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عدة زوجات. (١) جاء هذا المعنى في حديث أبي جحيفة في ذكر مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء ^ وفيه حادثة بينهما، أخرجه البخاري في كتاب الصوم باب من أقسم على أخيه ٢٠٩ ) مع الفتح. / ليفطر في التطوع. ( ٤ (٢) جاء ذلك في حديث عمر بن الخطاب 3 قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوتين في شهر رمضان يوم بدر ويوم الفتح فأفطرنا فيهما، أخرجه الترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء ٢٢ ) وقد ضعف الشيخ / ٤٠٠ ) مع التحفة وأحمد ( ١ / في الرخصة للمحارب في الإفطار ( ٣ . الألباني إسناد الترمذي في ضعيف سنن الترمذي، ص ٨١ k :IóYÉ≤dG ≈∏Y áLôîàªdG ´hôØdG :É°SOÉ°S ٥ حديثعائشة # أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة، لولا أ ن » ّ قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت ف هد ّ م، ف أدخلت ُ فيه ما أخرج منه، وألزقته ُ بالأرض، وجعلت له ب ابي ن، ب ابا ً شرقيا ً ، وبابا ً غربيا ً « ، فبلغت به أساس إ براهيم(١) . ّّْ وجه الاستدلال ب الحديث: ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على معنى هذه القاعدة؛ إذ ترك النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة بناء البيت العتيق على أسس إبراهيم 0 ؛ لأنه توقع مفسدة خشي َ ِ وقوعها إن هو هدمه وبناه عليها، وهي نفور الناس عن الإسلام، أو رد ﱠ تهم بسبب هذا الفعل، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم درء هذه المفسدة على جلب تلك المصلحة(٢) . وردت في المصادر الفقهية الإباضية مسائل عديدة تخرجت على هذه القاعدة نذكر منها: أ في باب ا لعبادات: ١ حضور النساء والصبيان صلاة ا لعيدين: يستحب في صلاة العيدين حضور النساء والصبيان مع الرجال في المصليات، فإنه ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يخرجوا إلى الجبان ويخرج ّ النساء والعبيد والصبيان(٣) فأما » ، وقد بين العلماء المقصد والحكمة من ذلك (١) متفق عليه واللفظ للبخاري، أخرجه في كتاب الحج باب فضل مكة وبنيانها وقوله تعالى: ﴿ ¯® °±² ﴾ ( (البقرة: ١٢٥ ٣٤٣٩ ) مع الفتح وفي مواضع عدة من /٣) الصحيح، ففي كتاب العلم رقم: ١٢٦ ، وفي كتاب أحاديث الأنبياء، رقم: ٣٣٦٨ . وفي كتاب التفسير رقم: ٤٤٨٤ ، وفي كتاب التمني رقم: ٧٢٤٣ مع الفتح وأخرجه مسلم في كتاب .(٩٦٨/ الحج باب نقض الكعبة وبنائها ( ٢ (٢) . علوان إسماعيل، القواعد الفقهية، ص ٣٩٠(٣) رواه البيهقي، كتاب صلاة الخوف، باب الأكل قبل الغدو، رقم: ١٩١٢ ، وأورده الشافعي (مسنده)، كتاب العيدين، رقم: ٣٠٠ ، عن صفوان بن سليم. ِ ِِ الصبيان فليعرفوا شرائع الإسلام، وليعظموا شعائر الله، وليقتدوا بأهل الخير ِِ ولتشملهم بركة اليوم، أما النساء فلشهودهن الخير، وحضورهن دعوة « المسلمين، ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته(١) فقد ثبت في السن ﱠ ة أن أم عطية : أمرنا أن نخرج العواتق وذوات » قالت ﱡ أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيد وذوات » : وفي رواية عنها قالت ،« الخدور ّ الخدور، فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم، وتعتزل الحيض عن ّ « مصلاهن(٢) . واختلف الإباضية وغيرهم في وجوب خروج النساء للمصلى، وأكثر القول أنه غير واجب بل مستحب، وقيل بوجوبه لظاهر الأمر(٣) . ولكن لما تغيرت الأحوال عبر الأزمان وأحدث الناس أمورا ً لم تكن من قبل، كاختلاط الرجال بالنساء ومعاكستهن ومضايقتهن في الطرقات، وقل ّ الحياء وأظهرت النساء زينتهن للرجال، وافتتنوا بهن كره بعض الفقهاء خروجهن، بل منعه ّ بعضهم درء ً ا للمفسدة وسد ّ ا ً لذريعة الفساد، فخروجهن دون فتنة فيه مصلحة فدفع المفسدة أولى من جلب المصلحة » ولكن ما دام فيه ضرر .« نقل السالمي أقوال الفقهاء في هذه المسألة وأشار إلى اختلافهم فقال: ثم اختلف القائلون بالاستحباب في خروجهن، فرخص فيه بعضهم وكرهه »آخرون لخبر عائشة : لو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثت النساء بعده لمنعهن » « المساجد(٤) . وقال أبو حنيفة : ملازمات البيوت لا يخرجن. (١) ٧١/ السالمي: معارج الآمال، ١١ - .٧٢ (٢) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب شهود الحائض العيدين، رقم: ٣٢٢ ، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين...، رقم: ١٥٢٠ ، عن أم عطية. (٣) .٧٢ ،٧١/ السالمي: المرجع نفسه، ١١(٤) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الأذان، أبواب صفة الصلاة، باب خروج النساء إلى عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، » : ٨، عن عائشة، ولفظه المساجد بالليل والغلس حديث: ٤٥ = ورد عليه ابن حجر : بأن ذلك قد ثبت في السن ﱠ ة، ومجرد احتمال النسخ ﱡ لا يجدي، إذ لا بد في النسخ الذي زعمه من تحقق معرفة الناسخ ومعرفة تأخره عن المنسوخ. وأجيب: بأن ذلك كان أول الإسلام والمسلمون قليل فأريد التكثير بهن إرهابا ً للعدو، ومراده أن المسبب بزوال السبب ولذا أخرجت المؤلفة قلوبهم من مصرف الزكاة. قال إبراهيم النخعي ويحيى الأنصاري(١) : لا نعرف خروج الشابة، قال أصحاب الرأي : يرخص للعجوز الكبيرة. وقيده بعض المتأخرين: بأن تكون غير مشتهاة في ثياب بذلة بإذن حليلها مع الأمن من المفسدة بأن لا يختلطن بالرجال، ويكن خاليات من الحلي والحلل والبخور والشموم، والتبختر ّ والكشف ونحوها مما أحدثن في هذا الزمان من المفاسد. وقال أبو سعيد (من الإباضية :( لا أعلم أحد من أصحابنا كره ذلك لهن «(٢) سواء كانت بكرا ً أو ثيبا ً . قلت لكن ما ذكروه من التعليل قاض بالكراهة » : ورد عليه السالمي بقوله وقد تقدم قول عائشة في منعهن من المساجد باختلاف الأحوال، وقد كره خروجهن بعض المتأخرين أيضا ً لخوف المفاسد المتولدة من خروجهن على الشرع إنما أمرهن بالخروج لما تقدم من المصالح وإن كان خروجهن على « خلاف ذلك اقتضى الكراهة، بل المنع والأحوال تختلف ولكل نازلة حكم(٣) . = عن عائشة # لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء » : ، قالت ورواه مسلم، كتاب الصلاة، باب خروج .« نعم » : قلت لعمرة: أومنعن؟ قالت « بني إسرائيل َ النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، حديث: ٧٠٥ . (١)يحيى بن سعيد الأنصاري القطان من رواة الحديث، لم نقف على ترجمة مفصلة له. (٢) .٧٣ ،٧٢/ السالمي: معارج الآمال، ١١(٣) السالمي: المصدر نفسه. مجمل ا لقول: مما تقدم يظهر أن ما ذهب إليه السالمي وغيره من المتأخرين هو الرأي الأعدل والأقرب للصواب، وينبغي العمل به في هذا العصر بعد انتشار الفساد بين الرجال والنساء، وضعفت الفضيلة، وقل ّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعطلت الأحكام، فاقتضى الحال منع النساء من الخروج مع الرجال إلى صلاة العيدين، إلا إن أقيمت في المساجد دون اختلاط، وإن كان ولا بد فيسمح للقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا ً دون زينة مع مراعاة الآداب الشرعية في اللباس والمشي والاحتشام، وذلك سد ّ ا ً لباب الفتنة ودفعا ً للفساد. أما الصبيان فيستحب استصحابهم لصلاة العيدين في المصليات والمساجد، فإن ظهر منهم فساد أو نجاسات وجب منعهم وتأديبهم صيانة وعلى الأطفال ألا يدخلوا » : لحرمة المساجد. قال الثميني في هذا الشأن المساجد ولا تجعل محاضر لهم، ويمنع كل من خيف منه إفسادها أو تنجيسها « من دخولها، وعلى النساء أن لا يدخلنها بعطر يفتن عمارها(١) . فإن سلم حال هؤلاء الصبيان والنساء من المفاسد كان الخروج مأمورا ً به لا محالة، ما دام قد ثبت بالنص وفيه تحقيق للمصالح المشروعة، وذلك إعمالا ً لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان » : للقاعدة .« ٢ حكم التيمم للمشتغل بتنجية الأنفس والأموال: قد يتعرض البعض في سفرهم إلى مفاسد كثيرة ومشاق جمة كانعدام الماء والعطش الشديد، وقطاع الطرق والاعتداء على الأنفس والأموال، وتتعسر عليهم الصلاة، فهل يشتغلون بطلب الماء لأداء الصلاة، أم يقتصرون ِ على التيمم، ويشتغلون بحراسة أنفسهم وأموالهم، أو برد ﱢ العدوان عند الهجوم عليهم؟ وقد يجدون ماء ولكن لا يملكون المال الكافي لشرائه، (١) . الثميني: الورد البسام، ص ١١٩ فهل يجب عليهم بذل كل مالهم لأجل إنقاذ أنفسهم من هلاك العطش وأداء فرض الصلاة؟ اختلف الفقهاء في حكم هذه المسائل، فذهب أكثر الإباضية إلى جواز التيمم لأجل إنقاذ النفس والمال من الهلاك؛ لأن في إتلافها مفسدة وشريعتنا تنهانا أن نعرض أنفسنا وأموالنا للهلاك قال تعالى: ﴿ yxwvut ﴾ )البقرة : ( ١٩٥ ، ومن مقاصد الشريعة حفظ النفس والمال. وذهب بعضهم إلى جواز بذل المال لأجل صلاح الدين والنفس، ولذلك أوجبوا على فاقد الماء أن يشريه لأجل إنقاذ نفسه من العطش وأداء فرض الوضوء والغسل؛ لأن في ذلك مصلحة لحفظ النفس والدين. ذكر السالمي في سياق حديثه عن الحالات التي تجب فيها إعادة الصلاة ولهم قول آخر وهو أنه إن اشتغل » : لمن اشتغل بفعل خارج عنها، فقال وكأن » : وعقب عليه بقوله ،« بإصلاح ماله أعاد ّ هذا القائل رأى أن المال يبذل لصلاح الدين، وكأنه مبني على قول من يوجب شراء الماء للوضوء إن لم « يجده إلا بالشراء(١) . في سياق حديثه عن إنقاذ « الجامع » وقد أشار ابن بركة إلى هذا الرأي في وإذا وجب فداء النفس بالمال كان بالقليل أو بالكثير، ألا » : النفس والمال فقال ترى أن الفقهاء جميعا ً أوجبوا عليه أن يشتري الماء بالثمن الكثير مع وجود البدل وهو الصعيد، فإذا امتنع بالغلاء لم يكن عليه، وغلاؤه أن يدفع في ثمنه ما يخاف أن يضره إخراجه من ماله، فإحياء نفسه أولى، وكذلك لو وجده بملكه كله ليشرب من خاف على نفسه الموت من العطش أن يشتريه بجميع ماله ولا يقتلها، وهو يقدر على فدائها وكان على صاحب الماء أن يرد عليه «... قيمة الماء في موضعه(٢) . (١) .٢١٩/ السالمي: المصدر نفسه، ١(٢) .١٩٤/ ابن بركة: الجامع، ١ وما ذهب إليه ابن بركة من إجماع الفقهاء في وجوب شراء الماء للوضوء مع وجود البدل، أو شرائه لإنقاذ نفسه ولو بجميع ماله فيه نظر، فالصلاة دون وضوء مفسدة، ولكن شراء الماء بأغلى الأثمان مفسدة أعظم منها، فهنا ترجح المفسدة الأخف وهي الصلاة بالتيمم لدفع مفسدة أعظم وهي إنفاق كل المال لشراء الماء، إلا إن خاف هلاك نفسه بالعطش، فهنا يجب عليه بذل ماله لإنقاذ نفسه من الموت فإن حفظ النفس أولى من حفظ المال. ويبدو أن ابن بركة لا يوافق رأي الجمهور في شراء الماء ولو بأعلى الأسعار لأجل الطهارة، ففي هذه الحالة يرخص له في التيمم حفاظا ً على « فإذا امتنع بالغلاء لم يكن عليه » ماله، وهذا ما يستفاد من عبارته(١) . وكذلك إذا بذل ماله لشراء الماء لإنقاذ نفسه من الهلاك ألزم البائع أن يرد للمشتري الزيادة التي دفعها فوق قيمة الماء المعروفة؛ وذلك حفاظا ً على ماله من الضياع؛ لأنه مفسدة ومنعا ً للبائع من استغلال حاجة الناس برفع الأسعار « وكان على صاحب الماء أن يرد عليه فضل قيمة الماء في موضعه » : فيقول(٢) . الرأي ا لمختار: وعند التأمل في النصوص المتقدمة نجد أن أصحاب الرأي الأول أقرب للصواب؛ لأن الاشتغال بإنقاذ النفس والمال ضرورة تقتضي التيسير ورفع الحر ج، وفي إلزام من غ ُ صب ماله واعتدي عليه أن يصبر ولا يقطع صلاته ََ حرج ومشقة، وكذلك من ف َ قد الماء ويلزم ببذل جهده في البحث عنه، ولو ُ اضطر إلى بذل ماله لشرائه ولو مع ارتفاع سعره، ولا ريب أن في هذا الأمر مشقة كبيرة يترتب عنها مفاسد جلية، فهنا يتعين درء المفسدة قبل جلب ّّ المصلحة ولو أدى إلى تأخرها أو فواتها، وفي تنجية الأنفس من الهلاك والأموال من التلف والضياع حفاظا ً لها ورعاية لمصالح الناس، ولذلك يترجح (١) ابن بركة: المصدر نفسه. (٢) .١٩٤/ ابن بركة الجامع، ١ لدينا رأي الجمهور في جواز قطع الصلاة لإنقاذ الأنفس والأموال، والاكتفاء بالتيمم بدل الوضوء والغسل عند فقد الماء، وللخروج من الخلاف يستحب إعادة الصلاة قبل فوات وقتها إذا وجد الماء احتياطا ً. ويشير الشماخي ما يفيد هذا المعنى مجسدا ً لهذا المقصد عند حديثه عن وكذلك تنجية الأموال على هذا الحال مثل » : الأسباب المبيحة للتيمم، فيقول ِ قوم غارت عليهم غارة فأخذت أموالهم فاشتغلوا بطلبها، وإن لم يردوا أموالهم فإنهم يجزيهم التيمم؛ لأن تنجية الأموال عندهم والأنفس أوجب من طلب الماء للوضوء، ألا ترى إلى حديث عائشة # سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم » : قالت في بعض أسفاره حتى إذا ك ُ نا بالبيداء انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء ولا ماء معهم، فأتى الناس أبا بكر فقالوا له: ألا ترى ما صنعت ابنتك بالناس؟ أقامتهم على غير ماء، فجاء ِ أبو بكر إلي ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال: قد حبست ّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس على غير ماء ولا ماء معهم، قالت: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ومنعت نفسي من الحركة لمكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية « التيمم، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد(١) «(٢) . ِ وعقب الشماخي على هذا النص لبيان أهمية الحفاظ على المال ولو كان للغير؛ لما فيه من المصلحة؛ ولأنه من مقاصد الشريعة، وإتلافه فيه مفسدة، ألا ترى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أقام على غير ماء لأجل العقد، وهو مال » : فقال « الغير؛ لئلا يذهب، فجعل اشتغاله بحفظ المال أعظم من اشتغاله بطلب الماء(٣) . (١) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : لو كنت ، رقم: ٣٤٩٠ ، ومسلم، كتاب الحيض، باب التيمم، رقم: ٥٧٦ ، عن عائشة. (٢) .٢٨٠ - ٢٧٩/ الشماخي: الإيضاح، ١(٣) .٢٨٠/ الشماخي: المرجع نفسه، ١ ٣ باب القضاء والإثبات: شرع الإسلام الحدود لردع المعتدين، وزجر من ت ُ سول له نفسه الاعتداء َّ على غيره في النفس أو المال، ولكن قد يتمادى المجرمون في إجرامهم إذا تعطلت الأحكام، واكتفى الحاكم بطلب البينة من المدعي واليمين على ّ المنكر، فيعم الفساد وينعدم الأمن والسلام، ولذلك ذهب أهل العلم إلى ّ وجوب تطبيق الحدود على المجرمين لقطع شأفة الفساد، ونشر الأمن في فلا يجوز مراعاة ،« درء المفاسد أولى من جلب المصال ح » المجتمع؛ لأن ظروف الظالمين على حساب المصلحة العامة. أن » ورد على السالمي سؤال في هذا المعنى مفاده ّ لصوصا ً قبحهم الله تعالى ﱠِ إذا سرقوا يزعمون لأرباب الأموال أن ﱠ ا نعطيكم الشرع، وهم قد عرفوا المسألة أن ّ ِ على المدعي البينة وعلى المنكر اليمي ن، كما قال صلى الله عليه وسلم حتى صارت عندهم كالتواتر، فهل يصح لأحد أن ينتظر المصلحة، ويقول إن ّ على من ثبت ماله عند فلان يمين، كأنه عليه أن يسلمه، والجزاء خصوصا ً إذا كان المسروق ثقة عند المسلمين، أو «... لا يصبح ذلك، وعندي أن هذه أقطع للمفاسد في بلادنا المريضة(١) . َُ المفسدة في ترك الشرع أعظم منها في فعل اللصوص، أتدرأ » : فكان جوابه المفاسد بترك الأحكام؟ كلا والله ما هذا إلا جور آخر فوق الأول، ألا أدل ّ ك بما تقطع به المفاسد من أصلها، استعمال الشريعة من أهلها كقطع الأيدي والأرجل، وقطع الرؤوس، وإزهاق النفوس، وليس الشرع مقصورا ً على بينة ويمين، بل هذا بعض الشرع، وبقيت أبواب الشريعة أخرى بها تدرأ المفاسد وتجلب المصالح في الدين والدنيا، لكن عجز أهل زماننا عن فتحها فاقتصروا على اليمين، فظن العوام ومن َ لا خلاق له من الجهال أن ّ «... ذلك هو الشرع لا غيره، فقبحوا محاسن الشريعة(٢) ﱠ (١) .٣٢٣/ السالمي: العقد الثمين، ٤(٢) السالمي: المرجع نفسه. ويتضح من عبارة السالمي أن درء المفاسد يكون بتطبيق أحكام الشريعة، وإقامة الحدود على المجرمين، وهذا ما يساعد على إصلاح الأفراد والجماعات، ونشر الأمن والسلام في أرجاء المعمورة. ٤ في اجتناب مجالسة ا لعصاة: ومن واجب المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لمنع الفساد، وقد يظهر للبعض أن مجالسة العصاة في حال ممارسة منكرهم أمر مستساغ شرعا ً ما دام يرجو منهم منفعة وإصلاحا ً ، فيحضر مجالسهم، ويسمع للهوهم وباطلهم مجاملة لهم، وحفاظا ً على مصالحه معهم، فيمتنع من إنكار منكرهم، ولا يعظهم ولا ينصحهم. فذهب أهل العلم إلى عدم جواز ذلك ما دام عاجزا ً عن الأمر بالمعروف درء المفاسد أولى من جلب المصالح » والنهي عن المنكر؛ لأن « ومجاراتهم في فسادهم يشجعهم على التمادي في غيهم وظلالهم، فلا يفكرون في التوبة ّ والإنابة إلى الله، فيأثم معهم. وقد أدرك ابن بركة أهمية هذا الموضوع وخطورته، ولذلك نجده ينبهنا ّ إلى عواقب ذلك، ويبين وعيد من يقصر في القيام بهذا الواجب فيقول جوابا ً ّّ فإن قال: أيجوز للمؤمن أن يجالس أهل المنكر والسفه وهم يخوضون » : للسائل في منكرهم وباطلهم؟ قيل له: لا يجوز ذلك، فإن قال: لم لا يجوز ذلك؟ قيل له: بل يجب عليه الإعراض عنهم إلى أن يتركوا ذلك، فإن قال: فلم نهيتم المؤمن عن مجالسة الظالمين وأهل السفه في حال منكرهم وخوضهم وباطلهم؟ قيل له: إن ّ الله 8 قد نهى نبيه صلى الله عليه وسلمعن مجالستهم بقوله 8 : ﴿ ÎÍÌËÊÉ Ü Û Ú Ù Ø × ÖÕ Ô Ó Ò Ñ Ð Ï àßÞÝ ❁ !" &%$# '( ﴾ ٦ (الأ نع ام : ٨ - ٦٩ ( ، بعد الإنكار عليهن والموعظة لهم، ويدل على ذلك قوله 8 : ﴿ ,+*) ﴾ (الأ نع ام : ٦٩ ( . وقال تبارك اسمه في موضع آخر: ﴿ ÑÐÏÎÍÌËÊÉÈÇÆ ﴾ (ا نل ساء : ١٤٠ (. وقال جل ذكره: ﴿ ^_` fedcba ﴾ (ا ل فر قان : ٧٢ («)(١ . زعموا والله أعلم أنهم » : قال السالمي في بيان مدلول هذه الآية يعرضون عنهم وينكرون عليهم، ومعنى قوله: ﴿ _`a ﴾ (الف ر قان : ٧٢ ( ، أي لا يشاهدون أهله ولا يجالسونهم في حال ذلك منهم، وإذا جازوا بهم « أعرضوا عنهم، وإن أمكنهم أنكروا عليهم بالوعظ لهم والتخويف والله أعلم(٢) . ولا يجوز للمسلم أن يخالط ويجالس أهل البدع والضلال حفاظا ً على دينه، إلا إن ْ كان يقصد من مجالستهم تبين الحق والرشاد، ويرجو منهم أو من َ يحضر معهم قبول ذلك، فإن خاف على نفسه من الزيغ والانحراف فيحظر دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة » عليه ذلك؛ لأن .« فإن قال قائل: فإن كان منكرهم بدعة عن » : ويقول ابن بركة في هذا الشأن أحد أهل المذاهب، هل يحضر مجالسهم؟ قيل له: إن حضر لمناظرتهم مع الرجاء أنهم يقبلون منه، أو يقبل منه أحد منهم، أو بعض من يحضرهم فجائز، فإن قال: فإن كانوا في المسجد؟ قيل له: يكون في عزلة من ذلك المسجد إذا ِ « كان ينتظر الصلاة، ويظهر مع ذلك الكراهة لما هم عليه(٣) . ُ ٥ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الح ِ سبة): إذا كان المسلم قادرا ً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يمنعه من ذلك مانع، فإنه يجب عليه أداؤه، أما إذا غلب على ظنه إنه لا يقبل منه (١) ١٨١/ ابن بركة الجامع، ١ - .١٨٢ (٢) .١٨٢/ ابن بركة: المصدر نفسه، ١ (٣) نفسه. ذلك فلا يجب عليه، وإن ظهر له أنه إذا أنكر على الحاكم أو الجماعة فلا يأمن على نفسه من ضررهم ومكرهم، فلا يجوز له أن يعرض نفسه أو ماله إلى الهلاك عملا ً درء المفسدة أولى من جلب المصلحة » : بالقاعدة .« وذهب البعض إلى جواز ذلك ولو لحقه منهم الضرر؛ لأن من ق ُ تل دون نفسه أو َ عرضه أو ماله فهو شهيد، فلا يشترط السلامة في أداء هذا الواجب. تعرض ابن بركة إلى هذه المسألة وعالجها وبين أحكامها وموقف إذا رجا الإنسان قبول أهل المنكر وأمكنه القول كان » : العلماء منها فقال واجبا ً عليه أن ينهى عنه، وإن يئس لم يكن عليه أن ينهى إذا كان قد نهى مرة واحدة؛ لأن النهي مع الإياس بعد ذلك يكون نفلا ً ومع الرجاء وغلبة الظن يكون فرضا ً ، وما كان آمنا ً على نفسه وهو يرجو مع ذلك، وظ َن يغلب ﱟ عليه بأن يقبل منه الحق، فعليه أن يقول ويدعو إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ QPONML TSR ﴾ )فصلت : ( ٣٣ . ومع الإياس من القبول فالفرض عليه من أليس الله تبارك » : القول مرة واحدة فيما يكون الإنكار بالقول، فإن قال قائل وتعالى قد ذم قوما ً تركوا الإنكار على أهل السبت، ومدح قوما ً أنكروا ّ عليهم؟ فقال: ﴿ ! " )('&%$# * ,+ -543210/. ﴾ (الأ ع راف : ١٦٤ ( . قيل له: أولئك تركوا النهي مع الرجاء، والدليل على ذلك قول الله تبارك وتعالى فيما أخبر عنهم أنهم قالوا: ﴿ 543210 ﴾ (الأ عراف : ١٦٤ ( ، فإن قال: أليس قد أنجى الناهي وعذب القاعدين؟ قيل له: بل عذ ّ ب الذين امتنعوا من القبول بقوله تعالى: ﴿ DCBA HGFE ﴾ (الأ عراف : ١٦٥ («(١) . (١) ١٨٠/ ابن بركة: الجامع، ١ - .١٨١ ويبين ابن بركة أنه لا يجوز للمسلم أن ينكر على الجماعة إذا كان وحيدا ً ﱢ لا يستطيع حماية نفسه من إيذائهم إلا إن غلب على ظنه قبول نصحه؛ لأن دفع مفسدة إيذائهم أولى من جلب مصلحة قبولهم لنصحه، يقول في هذا فإن قال: فلم لا يجوز أن ينكر الواحد على الجماعة؟ » : الصدد قيل له: ليس عليه أن ينكر على الجماعة إلا عند الطمع الغالب عليه، والأمن على نفسه، وأنهم يقبلون منه، إلا أن يكون قادرا ً عليهم، فإن قال: لم لا يجوز ذلك؟ قيل له: إن الله 8 لم يوجب على الواحد أن يقاتل أكثر من الاثنين، فإن قال: أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « المقتول دون ماله شهيد »(١) . وقال 0 : أفضل الأعمال كلمة حق يقتل عليها صاحبها عند سلطان » « جائر(٢) . قيل له: قد قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى في ذلك أن الإنسان إذا قاتل على ماله من يرجو أن يظفر به، ويمتنع من تعديه، فقتله المتعدي فهو شهيد؛ لأنه جاءه مائة رجل بالسلاح فله أن يقاتلهم مع علمه أنه لا يبلغ منهم مراده من المنع، وأما قتاله لهم يؤدي إلى قتله دون سلامته، فهذا قاتل لنفسه وألقى « بيده إلى التهلكة(٣) . ِ ولم يمنع ابن بركة المنكر من كلمة الحق أمام الحاكم المتجبر، ما دام يرجو من ذلك إعذار نفسه في الدنيا والآخرة، ويطمع في هدايته، ويختار وإنما الذي يتكلم » : الأسلوب الحكيم في نصحه، وهذا ما يستفاد من عبارته بالحق عند سلطان جائر، فقتل عليه، فهو أن يتكلم بكلمة حق وهو يرجو بها النجاة في الدنيا والآخرة من تصويب دين المسلمين، أو ينهى السلطان عن (١) رواه ابن أبي عاصم، كتاب الآحاد والمثاني، عبد الله بن عامر، رقم: ٥٢٩ ، وأحمد، مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عمرو، رقم: ٦٨٥٣ ، عن ابن عمرو. (٢) تقدم تخريجه. (٣) ١٨٢/ ابن بركة: الجامع، ١ - .١٨٣ منكر يفعل، وهو يرجو أن يقبل منه وينتهي عن ذلك، ويحسن موضع النهي معه ويقت َ «... ل عليها، فهذا نحوه(١) . ويلاحظ أن العلماء غالبا ً يميلون إلى تغليب جانب السلامة على المخاطرة إذا غلب على الظن أن في ذلك التغيير ينتج عنه مفسدة أعظم أو فتن كبيرة. وقد تساءل جناون بن فتى أحد علماء فزان هل يجوز أن يطلب أهل البلد من حاكمهم أن يغير ولاتهم، إذا تسلطوا عليهم وجاروا في حكمهم؟ فوجههم شيخهم إلى اعتماد منهج الموازنة بين المصالح والمفاسد وإعمال قاعدة: درء المفسدة أولى من جلب المصلحة » « وما تقول رحمك الله » : وهذا نصه في قوم من أهل الدعوة ول ﱢ ي عليهم الجبابرة وهم الحاكمون عليهم بما لا يخفى عليك من الجور وما لا يستطاع له صفة، هل ترى لسلطان المسلمين أن ينهض إلى أولئك الجبابرة ليزيلهم عنهم، ويحول بينهم أو يولي على أهل الدعوة ولاة، ولا يقصد إلى الجبابرة فأيما أحب إليك من ذلك؟ طلب أهل .«؟ الدعوة ذلك إلى سلطان المسلمين أو لم يطلبوه ِ قال الشيخ أبو يوسف و ريون بن الحس ن(٢) : أحب إلينا في ذلك السلامة » لدينك؛ فإن السلامة لا بعدها شيء، ولا يتكلف من الأمور ما تعجز عنه طاقته، فإن الأمر قد رق ّ وضعف، وعاد الإسلام غريبا ً « كما بدأ(٣) . (١) ١٨٣/ ابن بركة الجامع، ١ - .١٨٤ (٢)وريون بن الحسن (أبو يوسف) (ت: أوائل ق: ٣ه/ ٩م) عالم عامل، كان من القائمين إذ كان « سبها » وورد على ،« تراغن » بالأمر في مناطق فزان، جنوب ليبيا. انهزم في موقعة ب ﱠ َْ قائد العساكر رفقة إبراهيم بن أسدين. كان يعين القضاة ويراقبهم. وهو صاحب العديد من ﱢ ِ الأسئلة التي وجهت إلى علماء فزان، فأجاب عنها العالمان جناو ابن فتى، وعبد القهار بن ﱢﱠ ﱠ خلف. وقد حق ﱠ ق هذه الأسئلة والأجوبة الدكتور عمرو خليفة النامي، وأتمه الشيخ إبراهيم ﱠ طلا ﱠ ينظر: علماء فزان: أجوبة علماء فزان، .« أجوبة علماء فزان » : ي، فطبعت تحت عنوان ﱠﱠ ﱠ كل ﱡ ه * البغطوري: سيرة (مخ). أحمد الشم ﱠ ١٦٥ . علي معم / اخي: ١ ﱠ ر: الإباضي ﱠ ة في موكب، ٥٣ * بح / ح ٢ ﱠ . از: الدولة الرستميَّة، ٣٢١ . معجم أعلام الإباضية بالمغرب، ص ٤٤٥ (٣)جناون بن فتى وعبد القهار بن خلف، أجوبة علماء فزان، ص ٧٩ - .٨٠ ويستفاد من عبارته أنه من الأحسن أن يصبروا على ذلك الحال ولا يعمدوا إلى تغيير المنكر بالقوة، قد ينتج عنه ضرر أكبر ومفاسد عظيمة، تأكل الأخضر واليابس، خاصة إذا كان حاكم المسلمين ضعيفا ً لا يستند إلى قوة تدعمه. ويلاحظ من منهج العلماء أنهم يوازنون بين المصالح والمفاسد إذا اجتمعت، فإذا تعارضت رجح إحداهما إذا غلبت، وغالبا ً ما يقدم درء المفاسد على جلب المصال ح، وقد طبق المحقق الخليلي هذا المنهج في دعوته عن سائل يرجو النصح « كتاب التمهيد » ونصحه، ودليل ذلك: ما جاء في ما تقول شيخنا الخليلي فيمن ابتلى » : والنجاة في دينه ودنياه وآخرته، فيقول في بلدته وصارت جميع أمانيها(١) في يده من وكالة فلج ووقوفات، ومن أمر َُ ونهي وفي زمان جهله لم يشكك على نفسه في جميع ما يقضيها، فلما رد الله عليه عقله وعرف أمور الدنيا وبلائها، فأراد الخروج من الشبهة فلم ير أحدا ً يصلح لهذا الحال ليضع الأمانة على يديه، هل يجوز له أن تطيب نفسه ويضع الأماين على حضرة أهل البلد كافة؛ لعدم وصوله إلى أحكامه، لسلامة دينه من أمر الدنيا، وقلة علمه فيما يجوز وفيما لا يجوز بمصالح البلد؟ ربما هذا الأمر مخطر وأنا عبد مذنب تقتلني ذنوبي، والديرة(٢) تحتاج إلى معاناة من إصلاح بين اثنين، ومن كتابة مشاهد، ورد المظالم عن المظلوم، ومن أمر بالمعروف، ونهي عن منكر، ومن ضرهم وضر دوابهم، وكسبهم أموال الناس على غير َّ حق، ومن جميع الأشياء كلها الذي أحيط ُ به علما ً ، والذي لا أحيط به علما ً. فإن كان يحمل علي ما يقع من أهل البلد، وأنت لا يخفى عليك أمر أهل ّ هذا الزمان، منهم طائع، ومنهم غير طائع، فالذي يأمرهم بالصلاح على قدر المعرفة، فاشتبه علي الأمران، ولم أعلم أيهن أقرب إلى الحق، النزول لهذا ّّ الأمر المخطر خوف الفساد والضياع وقلة المصلحة، والقيام على ما سبق في (١) لعله يقصد الأمانات. (٢) لعله يقصد الإدارة والمسؤولية. هذا الأمر مخافة على نفسي من البلاء العظيم، فتدبر هذه الأمور ودلني على طريق الحق والصواب، وبما يعجبك من الجواب، ولكني في رجائي لربي « للخروج من جميع الشبهات، ومنك المعونة على طاعة الله تعالى(١) فأجاب الخليلي على إشكاله وأرشده إلى سلوك منهج يعتمد على الموازنة بين المصالح والمفاسد، ومراعاة الأنسب منهما في مثل هذه الأحوال فقال: ما تقدر تدخل فيه بعلم وسلامة من الشبهة والفتنة في الدين، فهو من الأمر »بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس، فلا أحب لك تركه، وقد يلزم في بعض المواضع. وما لم تقدر عليه إلا بالمخاطرة على دينك، فالسلامة منه أسلم، وتركه عين الصلاح، ولا يلزمك شيء لا تقدر عليه إلا بالمخاطرة بالدين، وما اشتبه عليك أمره فاسأل عنه أهل العلم قبل الدخول فيه؛ لتدخل فيه بعلم أو تتركه بعلم، وتقديم العلم قبل الشروع في العمل هو طريقة السلامة « لمن أرادها، والله أعلم(٢) . ولقد أجاد الخليلي في نصحه وأخلص في إرشاده، وما أحوج أهل المسؤولية في عصرنا إلى سلوك هذا المنهج القويم في إدارة شؤون الأمة، بعيدا ً عن التهور والجهل والتسلط، وقد عانت الأمة ويلات الجبابرة المستبدين، لما تنكبوا طريق العدل واتبعوا أهوائهم، وحرصوا على رعاية مصالحهم على حساب مصالح الأمة، فإن قدمت لهم النصيحة أعرضوا عنها، وتشبثوا بالمسؤولية، فعاثوا في الأرض فسادا ً ، ولو أدركوا خطورة هذه المسؤولية لاعتزلوها وتركوها لمن يقدر عليها ويعرف قدرها، ويرحموا أنفسهم فينجو من تبعاتها، وتسعد الأمة بغيرهم إذا التزموا شريعة الله وحرصوا على رعاية مصالح العباد في العاجل والآجل. (١) ٥/ الخليلي سعيد (المحقق)، كتاب تمهيد قواعد الإيمان، ٧ - .٦ (٢) .٦/ الخليلي سعيد: المصدر نفسه، ٧ k :IóYÉ≤dG ∞jô©J :’hCG لا ضرر ولا ضرار » : هذه القاعدة تتفرع عن القاعدة الكبرى « ولها علاقة درء المفاسد أولى من جلب المصالح » بالقاعدة الفرعية السابقة « فهي مثلها أو في معناها، ولم أعثر عليها في المصادر الإباضية بهذه الصياغة، إلا أن بعض فقهائهم أشار إليها في ثنايا فروعهم، وتوجد كثير من الفروع الفقهية تخرجت عليها تشهد بالعمل بها. والمراد بالمانع هنا: المفسدة والمراد بالمقتضي: الأمر الطالب للفعل لتضمنه المصلحة، فوجود المانع يمنع من الفعل إلا إذا كانت المصلحة أعظم. وهذا من باب تغليب جانب الحرمة على جانب الحلال، بناء على القاعدة إذا اجتمع الحلال والحرام أو المبيح والمحرم غل » الفقهية القائلة ﱢ « ب الحرام(٢) ؛ ّ لأن في تغليب جانب الحرمة درء مفسدة، وتقديم المانع، ومن ث َ م إذا تعارض دليل يقتضي التحريم وآخر يقتضي الإباحة، قدم دليل التحريم في الأصح، تغليبا ً للتحريم ودرء للمفسدة(٣) . تعرض السالمي لمدلول هذه القاعدة في بيان حديثه عن الترجيح بين يكون الترجيح من جهة الحاكم بوجوه، منها: » : الأحكام إذا اجتمعت فذكر أنه (١) ٣٤٨ . السيوطي، الأشباه والنظائر، ص ١٥١ . ابن نجيم، الأشباه / الزركشي: المنثور ١ . ٩٩٧ . المجلة العدلية، المادة ٤٦ / والنظائر، ص ١٤٤ الزرقا، المدخل الفقهي، ٢(٢) ١٢٥ . السيوطي، المصدر نفسه، ص ١٤٢ . ابن نجيم، المصدر / الزركشي: المصدر نفسه، ١ نفسه، ص ١٣٤ . وسنتعرض لهده القاعدة بالشرح والتحليل والتطبيق لاحقا ً في الفصول القادمة إن شاء الله. (٣) . الزركشي: نفسه، بتصرف. البرنو، الوجيز، ص ٢٦٦ أن ما دل على التحريم مقدم على ما دل على الإباحة، وعلى ما دل ّ على الندب وعلى ما دل ّ على الوجوب، وعلى ما دل ّ على الكراهة، أما تقديمه على ما دل على الإباحة؛ فلأن الأخذ بالحظر أحوط، والأحوطية مطلوبة منا شرعا ً ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك »(١) ، هذا قول أصحابن ا، وبه قال الكرخي والرازي وأحمد بن حنبل، وذهب عيسى بن أبان (٢)وأبو هاشم (٣) إلى أنهما سواء فيتساقطان، وأما ترجيحه على ما دل على الندب؛ فلأن دفع المفاسد أهم، وذلك واضح، فإن دفع الضرر أهم من استجلاب النفع، وأما ترجيحه على الدال على الكراهية؛ فلأن الأخذ بالحظر أحوط، فهو أبلغ في درء المفاس د، وأما ترجيحه على الدال على الوجوب؛ فلأن الوجوب لجلب « المصالح، والحظر لدفع المفاسد، ودفع المفسدة أهم من جلب المصلحة(٤) . مما سبق يتضح لنا أن المعنى الإجمالي لهذه القاعدة: أنه إذا كان للشيء أو العمل محاذير تستلزم منعه، ودواع تقتضي تسويغه، يرجح منعه؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما سلف بيانه في القاعدة السابقة(٥) . (١) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب تفسير المتشابهات، رقم:...، والترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب...، رقم: ٢٥١٨ ، عن الحسن بن علي. (٢)عيسى بن أبان بن صدقة، أبو موسى ( ٢٢١ ه/ ٨٣٦ م): قاض من كبار فقهاء الحنفية. كان سريعا ً بإنفاذ الحكم، عفيفا ً . خدم المنصور العباسي مدة. وولي القضاء بالبصرة عشر سنين، الحجة » في الفقه، و « الجامع » و « اجتهاد الرأي » و « إثبات القياس » وتوفي بها. له كتب، منها .١٠٠/ في الحديث. الزركلي، الأعلام، ٥ « الصغيرة خ (٣) أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي المعتزلي ( ٢٤٧ - ٣٢١ ه/ ٨٦١ - ٩٣٦ م)، من أبناء أبان مولى عثمان: عالم بالكلام، من كبار المعتزلة. له آراء انفرد بها. في « الشامل خ » : من مصنفاته .« أبي هاشم » نسبة إلى كنيته « البهشمية » وتبعته فرقة سميت .٢٩٢ : في أصول الفقه. ينظر: ابن خلكان، وفيات الأعيان ١ « العدة » و « تذكرة العالم » الفقه، و .٧/ ١٣١ . الزركلي، الأعلام ٤ : ١٧٦ . الذهبي، ميزان الاعتدال ٢ : ابن كثير، البداية والنهاية ١١ (٤) .٢٠٥/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٥) . الزرقا: المدخل الفقهي، ٩٩٨ ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه القاعدة ثبتت بأدلة كثيرة سبق ذكرها درء المفاسد أولى من جلب المصالح » في القاعدة السابقة « فلا داعي لتكرارها هنا. k :IóYÉ≤dG √òg ≈∏Y áLôîàªdG ´hôØdG :É«fÉK أ في باب العبادات: ١ إذا سل ﱠ م أحد على المصل ﱢ ي وهو في الإقامة أو التوجيه فلا يرد 0 ، إلا بعد الفراغ من الصلاة؛ لأن رد السلام منه على تلك الصفة مبطل لإقامته أو توجيهه في أكثر القول عند الإباضي ة، فالمقتضى للرد هو الامتثال للأمر الوارد به، والمانع كونه في صلاة تفسد برده، فيقدم المانع على المقتضى(١) . ٢ لا يصلي المسافر س ُ ن ﱠ ة المغرب عند جمعه للعشاءين عند أكثر الإباضي ة؛ لأن المقتضى للإتيان بها كونها س ُ ن ّ ة مؤكدة، عار َ ض َ ه مانع وهو أنه متى صلاها فقد فصل بين الفريضتين، وألغى معنى الجمع بينهما الذي لا يتحقق بوجود الفاصل بينهما، وهو الإتيان بهذه السن ﱠ ة؛ لأن الجمع معناه ﱡ عرفا ً ولغة: تأليف المفترق وضم الشيء إلى غيره، فمتى صلاها فقد فصل ُْ َُﱢ بينهما وأبطل معنى الجمع، ولذا يقدم المانع هنا على المقتضى تفاديا ً من الوقوع في هذا المحذور(٢) . وهذا الرأي هو المعمول به عند الإباضية المشارق ة، وأما عند الإباضية المغارب ة، فلا يسقطون سن ّ ة المغرب عند الجمع بين الفريضتين، وإنما تصلى ُ بعد العشاءين، فيكون هذا المثال استثناء من هذه القاعدة، لأنهم قدموا المقتضى على المانع. (١) ١٦٦/ الخليلي سعيد: كتاب التمهيد، ٣ - .١٦٧ (٢) .١٩١/ الخليلي المحقق، المصدر نفسه، ٥ ٣ من لزمه فرض الحج ولا يقدر على ركوب البحر مخافة على نفسه، لأجل ما يصيبه من الإغماء، ويخاف تضييع صلاته وطهارته، ولا طريق له إلا من جهة البحر، قال أهل العلم يعذر عن الحج إذا كان لا يتوصل إلى الحج إلا بتضييع صلاته وطهارته، فقد تعارض هنا المقتضى وهو توفر شروط وجوب الحج على هذا الشخص مع المانع، وهو خوفه من ضياع صلاته وطهارته بسبب ما يلحقه من الإغماء، فقدم المانع، لكن قالوا: عليه أن ينوي الأداء متى قدر(١) . ب في باب الشهادات: ١ من جعل وصيه خائنا ً أو مجهول الحال، وأشهد على وصيته شهودا ً ّ ثم مات الموصي وخاف الشهود من الوصي التغلب على الورثة بالباطل لو أد ّ وا الشهادة، فقيل هذا موضع عذر، وليس عليهم أداء هذه الشهادة حتى يزول المانع، فقد تعارض هذا المقتضي، وهو القيام بالشهادة لأجل إنفاذ ما أوصى به الموصي تبرئة لنفسه، والمانع وهو مخافة تغلب الوصي الخائن على الورثة بالباطل، بحجة تسليطه من قبل مورثهم على التركة، لأجل إنفاذ الوصية، فقدم المانع على المقتضى(٢) . ويلاحظ أن هذه الصورة جارية على رأي من يجيز الشهادة على هذه الوصية مع كون الوصي معروفا ً عند الشهود بالخيانة لاحتمال تغيره، وأما على رأي من لا يجيزها والحالة هذه لا مقتضى ولا مانع.٢ وفي الشهادات أيضا ً : من كانت عنده شهادة لرجل قد رفع خصمه إلى حكام الجور، وخاف الشاهد إذا رأى شهادته أمام ذلك الحاكم أن يأخذ المشهود عليه بغير الجائز في الشرع، فله ألا يشهد بها حتى يأتي الله بمن (١) .٢٣٦/ الخليلي سعيد: المرجع نفسه، ٦(٢) .٣٨/ الخليلي سعيد: المرجع نفسه ١٢ يأتمنه على أحكامه فيأمنه الخلق على أنفسهم وأموالهم، فقد تعارض المقتضى هنا، وهو القيام بهذه الشهادة وأدائها ليتمكن المشهود له من الوصول إلى حقه بها، والمانع لأدائها، وهو مخافة أن يأخذ الجائر المشهود عليه بغير الجائز في الحكم، فيكون الشاهد سببا ً في ذلك، فقد ّ م المانع على المقتضى(١) . ج باب النكاح: ِ لو وجد لقيط في قرية ولم يعرف أهله فيستحسن ألا يتزوج من تلك ُ القرية؛ لئلا يقع على ذات محرم منه إن كان ذكرا ً ، أو تقع عل ذي محرم منها إن كانت أنثى، فهنا تعارض المقتضى وهو إباحة الزواج من الأجنبية مع المانع، وهو تحريم الزواج بذات محرم؛ لأنه يمكن أن تكون إحدى نساء القرية أمه أو أخته، فمن باب الاحتياط يمنع الزواج من تلك القرية للشبهة الحاصلة؛ لأن عدد النساء محصور فيها. وإن وجد المولود غلاما » : جاء في كتاب النكاح ما نصه ً كان أو جارية فعاش حتى كبر وبلغ الحلم، فلا يستحب له أن يتزوج في تلك القرية التي وجد فيها؛ لئلا يقع على أمه أو أخته أو خالته أو عمته، أو من يحرم عليه نكاحه من النساء، أو تقع هي إن كانت جارية على أبيها أو أخيها أو عمها أو خالها، أو من كان يحرم عليه نكاحه من الرجال؛ لأنهما لا يعرفان نسبهما، وأما التحريم فإنه لا يحرم عليهما إلا من كان من نسلهما « من ذوي المحارم(٢) . ٢ وإذا دخل رجل في قرية فزنى فيها بامرأة ولم يكن يعرفها، فلا يستحب أن يتزوج من تلك القرية حتى لا يعقد على مزنيته أو إحدى محارمها؛ لأن الزنى يثبت الحرمة على المزني بها وعلى محارمها عند الإباضي ة، ومثل ذلك: (١) المرجع نفسه. (٢) . الجناوني أبو زكرياء يحيى، كتاب النكاح، ص ٤٢ إذا دخلت امرأة في قرية فزنت برجل تجهله فيستحسن أن لا تتزوج من تلك القرية اتقاء للشبهة، فربما يعقد عليها من زنى بها، أو أحد من أصوله أو فروعه، فهنا وقع التعارض بين المقتضي والمانع، فالمقتضى هو جواز العقد على أي امرأة غير محرم، أو رجل من غير محارمها، والمانع هو تحريم الزواج بالزاني أو أحد محارمه، والزانية أو أحد محارمها، فهنا يقدم المانع على المقتضى احتياطا ً واستحسانا ً. وقد أشار الجناوني إلى هاتين المسألتين وبين حكمهما عند الإباضية ﱠ وإذا دخل الرجل قرية بل » : فقال ِ َ يل أو نهار فزنى فيها بامرأة ولم يكن يعرفها، فلا يستحسن له أن يتزوج بعد ذلك من تلك القرية، لئلا يوافق تلك المرأة التي زنى بها أو أمها أو ابنتها، أو من يحرم عليه نكاحه من النساء إذا زنى بتلك القرية بتلك المرأة... وأما التحريم فلا تحرم عليه إلا التي زنى بها، أو من كان من نسلها أو من أمهاتها، أو من يحرم عليه نكاحها من النساء إذا زنى بها، « ليدع ما يريبه إلى ما لا يريبه » ولكنه(١) «...(٢) . وكذلك المرأة إذا دخلت في قرية فزنى بها رجل » : وفي شأن المرأة يقول لم تعرفه، فلا يستحب لها أن تتزوج من تلك القرية بعد ذلك؛ لئلا توافق ذلك الرجل الذي زنى بها، أو شيئا ً من آبائه، أو من يحرم عليها نكاحه بها، وأما من جهة التحريم فلا تحرم عليها إلا الذي زنى بها، أو أبوه أو ابنه، أو من يحوم «... عليها نكاحه إذا زنى بها(٣) . والجدير بالذكر أنه لو حدث أن تزوج الرجل أو المرأة أو اللقيط من القرية التي وقع فيها الزنى، أو وجد فيها، فالنكاح صحيح ولا غبار عليه، ما دام لم يثبت عندهما أن تلك المرأة أو الرجل من المحارم. (١) يشير إلى حديث: « دع ما يريبك إلى ما لا ي ريبك » تقدم تخريجه. (٢) . الجناوني: كتاب النكاح، ص ٤٢(٣) الجناوني: المصدر نفسه. ما يستثنى من ا لقاعدة: ومن الصور المستثناة من هذه القاعدة ما قيل: في رجل صاحب عيال وله ولدان، وقد ضاق عليه الرزق في بلده، وأراد الضرب في الأرض طلبا ً للرزق، فلما عزم على الخروج اعترضه والداه بعدم الرضا عنه، إذا خرج عنهما، وأظهرا سخطهما عليه؛ لأجل ذلك، فالحكم في هذه الصورة أنه إذا خرج طلبا ً ِ للرزق لين ْف َ ي الفقر عن نفسه وعلى من تلزمه نفقته، فيجوز له ذلك، وليس لوالديه منعه ولو خالفهما ما دام لم يجد في بلده عملا ً يسترزق به(١) . وخرج هذا المثال عن القاعدة؛ لأن المقتضى هنا وهو إباحة السفر بحث ً ا عن الرزق للقيام بنفقة نفسه، ومن يلزمه عوله، يترجح على المانع وهو منع والديه له، فقد ﱢ م المقتضى على المانع لرجحانه. (١) .١٤٩/ الخليلي سعيد: كتاب التمهيد، ١١ k :IóYÉ≤dG ∫ƒdóe :’hCG الضرر قديمه كحديثه في الحكم، فلا يراعى قدمه، ولا يعتبر بل يزال، فلا يحتج بتقادمه، وليس المراد عدم إمكان التقادم فيه، أن لا يتصور تقادم عليه بحيث لا يوجد من يعرف أوله. ّ ويرى أهل العلم أن المنافع والمرافق التي يحترم قدمها هي التي لا تكون ضررا ً ممنوعا ً من أصله شرعا ً ، فإذا كانت كذلك وجبت إزالتها ولا عبرة لقدمها؛ وذلك لأن القديم إنما اعتبر لغلبة الظن بأنه ما وضع إلا بوجه شرعي، فإذا كان مضرا ً يكون ضرره دليلا ً على أنه لم يوضع بوجه شرعي، إذ لا وجه ّ في الشرع يبيح الإضرار بالغير(١) . وبيان ن ذلك: أن المراد بالضرر الذي يزال ولا يراعى قدمه، ما كان ضرره بينا ً أي: فاحشا ً . وقد قسم الفقهاء الضرر إلى قسمين: ضرر عام، ﱢ وضرر خاص(٢) . ١ أما الضرر ا لعام : فإنه يزال مطلقا ً بلا تفصيل بين الفاحش وغير الفاحش؛ لأن كونه عاما ً يكفي لاعتباره فاحشا ً ، فلو كان لدار ميزاب يمنع ّ الناس من المرور تحته لتسفله، أو كانت له غرفة بارزة وطيئة، أو مجرى أقذار على الطريق العام مضر بالجماعة، فإن كل ذلك يزال مهما تقادم؛ لأنه غير مشروع في الأصل، إذ الشرع لا يقر لأحد بوجه من الوجوه حق ًّ ا يضر بالعامة. ﱡ (١) .٩٩٩/ الزرقا أحمد: شرح القواعد الفقهية، ص ١٠١ . الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي، ٢ . المجلة العدلية، المادة ١٩(٢) ١٠١/ الزرقا مصطفى: المصدر نفسه، ٢ - .١٠٢ ٢ وأما الضرر الخاص فهو نوعان: فاحش وغير فاحش. أ فالفاحش يزال كما يزال الضرر العام، ولا عبرة لقدمه، وذلك كما لو ِ كان لرجل مسيل ماء، أو أقذار يجري في دار آخر من القديم، وكان ي وهن بناء ََ ُ الدار، أو ينجس ماء بئرها، فإن لصاحب الدار أن يكلف ذلك الرجل بإزالة هذا الضرر بصوره تحفظ البناء من التوهين، والماء من التنجيس بأي وجه كان. وكذا لو كان لإنسان نافدة وطيئة، تطل على مقر نساء جاره، فإنها تزال ولو كانت قديمة، إلا أن تكون دار الجار هي المحدثة تحت المطل. ب وأما الضرر الخاص غير الفاحش، كما لو كان لدار رجل حق إلقاء القمامات والتراب، أو حق التسييل في أرض الغير، أو في طريق خاص، فإن كل ذلك فيه نوع ضرر، ولكنه دون الضرر السابق الفاحش، فإذا كان من القديم يعتبر قدمه ويراعى، ولا يجوز تغييره أو تبديله بغير رضا صاحب الحق؛ لأنه يمكن أن يكون مستحق ّا ً بوجه من الوجوه الشرعية(١) . وبناء عليه؛ فإن الممر والمسيل والبالوعة وأمثالها في دار الغير أو أرضه يحترم قدمها، ولو كان وجودها يقيد حرية تصرفه، وذلك ضرر له عملا ً القديم » : بالقاعدة يترك على قدمه « (٢) . ولكن عند النظر إلى الضرر يعسر التمييز بين الضرر الفاحش وغيره، فما هو الضابط في التفريق بين ما يحرم قدمه وإن أضر بالغير، وبين ما لا يحرم؛ لأنه ضرر غير مشروع؟ الضرر لا يكون » : واستنبط الشيخ أحمد الزرقا عند شرحه لهاتين القاعدتين قديما ً والقديم يترك على قدمه » ،« « ضابطا ً كلي تؤيده تعليلات نصوص الفقها ء، يفيد أن: ما يمكن استحقاقه على الغير بأحد الأسباب المشروعة يحترم قدمه إن كل ما يمكن أن يستحق على الغير بوجه » : وإلا فلا. يقول في هذا الصدد (١) .٩٩٩/ الزرقا أحمد: المرجع نفسه. الزرقا مصطفى: المدخل الفقهي، ٢(٢) .٩٩٨/ المجلة العدلية، المادة ٦. الزرقا أحمد: المرجع نفسه، ص ٩٥ . الزرقا: المدخل، ٢ من الوجوه الشرعية، فهو ليس بضرر فاحش، فتجب حينئذ مراعاة قدمه إذا كان قديما ً ، وما لا يمكن أن يستحق على الغير بوجه شرعي، فهو ضرر فاحش، «(١) ويرفع مهما كان قديما ً . فالممر والمسيل مرتفق يمكن أن يستحق بالتعاقد أو القسمة في الملك المشترك وغير ذلك من الأسباب المشروعة، وكذا حق وضع الجذع على جدار الغير، ومد ّ الجناح أو الغرفة البارزين الواطئين في ملك الغير، والطريق الخاص هو مما يمكن أن يستحقه الإنسان على الغير بوجه شرعي، فكل ذلك يحترم قدمه عند جهل سببه، وضرر الخصم منه في تقييد حريته يستحق عليه أمثاله بعقد المعاوضة وغيره؛ لأن كل حق يكتسبه شخص على آخر هو منفعة لمكتسبه، ونوع ضرر خاص للآخر، ومع ذلك يستحق عليه بعقد المعاوضة وغيره، ويورث عن مستحقه. ِ ففي حالة القدم يمكن حمله على أنه في الأصل وضع بأحد الطرق ُ المشروعة، أما إضرار جماعة الناس وإزعاجهم في مرافقهم العامة، فإنه لا يمكن أن يستحق عليهم شرعا ً بوجه من الوجوه. وكذا الإطلال على مقر نساء الغير، فإنه فسق لا يستحق، ولا يقره الشارع، ومثل ذلك ما لو كانت بالوعة الدار القديمة تنجيس آبار الجيران، فإن قدمها على هذه الصورة لا يحترم كما نص عليه الفقهاء في هذا المقام ُ إذ لا يجوز شرعا ً تنجيس المياه الطاهرة دون مصلحة، ولا يستحق ذلك على أحد، ولكن صاحبها يكلف إزالة ضررها بإصلاح مجراها على شكل يضبطها ويمنع تسربها، فيبقى عندئذ مجرد مرورها من المنافع التي يمكن استحقاقها على الغير بوجه مشروع، فإن تعذ ﱠ ر إصلاحها وضبطها أو لم يفعله صاحبها تزال(٢) . (١) . الزرقا: شرح القواعد الفقهية، ص ١٠٣(٢) .١٠٠٠/ الزرقا مصطفى: المدخل ٢ k :IóYÉ≤dG äÉ≤«Ñ£J :É«fÉK ١ عن كو » : سؤال « العقد الثمين » ورد في ّ ة (فتحة) في جدار بين بيتين لرجلين يخرج من تلك الكوة دخان إلى بيت الرجل الثاني فيتأذى بها وهي سابقة، هل يحكم بصرفها عن الضرر، مع العلم أن هذه الكوة يوقد بقربها نار .«؟ لصاحب أحد البيتين لا كلاهما الضرر مزا ل، فإما أن يزيل ناره من هناك، وإما أن » فأجاب السالمي أن تسد الكوة، والخيار له، إلا أن تكون الكوة والوقود كلاهما سابق على بيت ّ هذا الرجل المتضرر، فجاوره على ما يرى من ذلك الأذى، فإنه لا ي ُز َ ال الموقد « ولا الكوة(١) ، بل يتحمل ذلك؛ لأنه لم يجبره على البناء بجواره، ومثله من وجد جاره قد فتح نافدة تطل على الخارج فيبني داره أمامها، فأصبحت تطل على نسائه، فهنا لا يطلب من جاره سد هذه النافدة، وإنما يحاول أن يستر داره بمنع جاره من الإطلاع على عوراته. ٢ عن رجل ورث من والده بستان » سؤال :« جامع ابن جعفر » جاء في َين ُْ بينهما طريق جائز أو غير جائز، فخش ﱠ ت (دخلت) كرمة (شجرة العنب) في أحد البستانين على الطريق إلى البستان الثاني في حياة والده، أيلزم الوارث إزالة الكرمة أم لا؟ قال معي: إذا ورثها ولم يعلم باطل ذلك، فأحسب أنه قيل: لا يزال حتى يعلم باطله، قلت له: فالقرظ والسدر والأثب(٢) وغيره من الأشجار مثل هذه (١) .١٧٩/ السالمي: العقد الثمين، ٤(٢) شجر » : مختار الصحاح، ص ٢٢٢ . والسدر ،« ورق السلم يدبغ به وقيل قشر البلوط » : القرظ . المصدر نفسه، ص ١٢٣ .« النبق ِ الأث » والأثب أو َْأب َ ُ : شجر ي َن ْب ُ ت في ب ُط ُ ون الأو َْدية ِ بالبادية، ِ وهو على ض َر ْ ب الت ﱢ ين ي َن ْب ُ ت ِ ِِِ ِ ناعما ً كأنه َ على شاطىء ن َه ْ ر، وهو ب َعيد ٌ من الماء، ي َز ْع ُم ُ الن ﱠاس ُ أ َ نها شجرة س َ قي ﱠة ٌ ؛ واحدت ُ ه أ َث ْأبة َ ٌ .« .٢٣٤/ ابن منظور: لسان العرب، ١ الكرمة؟ قال: لا أعلم أنه قد قيل في هذا مثل هذا، وهو مزال إذا حدث إذا كان مضر، وأنه يوجد أنه إذا ثبت مثل هذه الأشجار على الأموال، ومات من كانت «(١) له نبت ٌ في أيامه وخلفها على ورثته، أنها لا ت ُ زال إلا أن يكون باطلا ً . ٣ من اغتصب أرضا ً فغرس فيها نخلا ً ، فاشتكاه صاحب الأرض إلى الحاكم، ولكن لم يفعل شيئا ً ، فتقادم العهد، فهل يبقى حقه في أرضه؛ لأن الضرر لا يكون قديما ً وله حق المطالبة به حتى يعود إليه؟ أما الغاصب فليس له إلا نزع نخله أو أخذ قيمتها؛ لأنه ليس لعرق ظالم حق ؟ وعن قوم أهل بغي » : سئل أحد علماء فزان الإباضية عن هذه المسألة فقال ٍ وفساد غصبوا أرضا ً لقوم من المسلمين ففسلوها(٢) ، فشكا أهلها إلى وال من ولاة المسلمين، ولم يكونوا له برعية وإنما ول ﱠ ى عليهم جبار من الجبابرة، هل ينبغي لسلطان المسلمين أن يقطع تلك النخيل التي اغتصبوها؟ وإنما ذلك الغصب مشهور يشهد بذلك أهل تلك البلدة الذين زعموا أنه غصب منهم، .« وقد مضت سنون عدة في يد الغاصبين قد بينت في المسائل التي قبلها أن » : فأجاب أبو يوسف وريون بن الحسن ِْ عليه نزع الحدث، وتغيير المنكر، وقطع الشكية على الله، والقيام مع المظلوم، ﱠ فإذا لم يفعل فلا طاعة له، وهو خليع بقول النبي صلى الله عليه وسلم : وإنما أشهد الله على » من ول ﱠي ْ ناه شيئا ً من أمور المسلمين ق ل ﱠ أو كثر فلم يعدل، ف لا طاعة له وهو خليع مما ول ﱠين ْ « اه(٣) . (١) .٢٠١/ ابن جعفر: الجامع، ٤(٢) فسلوها: أي غرسوا فيها فسائل النخل، ومفردها فسيلة، وهي الصغيرة من النخل، وأفسل الفسيلة انتزعها من أمها واغترسها (ينظر: ابن منظور اللسان، مادة فسل). (٣) ، رواه ابن حجر، كتاب الخلافة والإمارة، باب عهد الإمام إلى عماله...، رقم: ٢٢٢٣ والحارث (مسند)، كتاب الجهاد، باب عرض الإسلام والدعاء إليه، رقم: ٦٣٢ ، مع زيادة عن عثمان. وأما قولك: أن يقطع النخيل، فكل ما غرس الغاصب أو زرع فليس له إلا زريعته (بذوره)، أو قيمة الأعواد التي غرس، وما نبت وأدرك فهو لصاحب الأرض، ألا ترى أن من حرث أرضا ً محجور عليها، ليس له إلا زريعته التي ﱢ ليس لعرق ظالم حق » زرع، والزرع لصاحب الأرض، و .« وقولك: مضت « سنون عدة، والحق لا يبطله عدد السنين(١) . ٤ إذا وجد الناس يمرون فوق القبور بدعوة وجود طريق عليها، فيجب أن يمنعوا من ذلك مراعاة لحرمة الأموات، فحرمتهم كحرمة الأحياء، ويصرف الضرر لا يكون قديما » هذا الحدث؛ لأنه باطل ولو تقادم العهد؛ ولأن ً أما ،« المشي بين القبور فجائز. ما يقول شيخنا في مقبرة قديمة وجدت وسط » : سئل المحقق الخليلي البلد، وأحاطت بها الجدر على الأموال (الحقول)، ووجد بين الجدر ف ُ توح لطريق جائز مقابلة وسط المقبرة، وتطرق الناس وسط المقبرة ويمرون فوق القبور، ولم يدر بهذه الفتوح أنها أحدثت على هذه المقبرة أم لا، وفي الظن .«؟ أن المقبرة أزلية سابقة، أيجوز المرور عليها أم لا لا يجوز المرور فوق القبور، ولا يمكن أن يكون الطريق عليها، » : فأجاب « وأما بين القبور فلا بأس(٢) . ٥ في الاشتراك في المنافع: « التمهيد » ومن المسائل التي تخرجت على هذه القاعدة ما ورد في كتاب من هلك وترك جملة بيوت من الثمانية فصاعدا » : أن ً في سكة واحدة، من َ ِ تحت أبواب متفرقات، ومن فوق مختلطات، وواحد من هؤلاء البيوت فيه بئر، وقسم الورثة البيوت، واختار كل أحد بيته، وكلهم يوردون من البئر ويمرون (١) .٨١ ، علماء فزان، أجوبة علماء فزان، ص ٨٠(٢) .٣٢/ الخليلي سعيد: كتاب التمهيد، ٦ على نساء بعضهم بعضا ً في وسط البيوت، وعند القسمة لم يصح بينهم شرط في الطريق، ولا في الشرب والسقي من البئر، ولم ينكر أحد منهم على صاحبه، ومكثوا على ذلك سنين وهم إخوة، والآن نكروا الذين يمرون في بيوتهم، ِ وقالوا: لا نرضى بذلك، فاليوم أنتم وإن بعتم ليجيء غيركم. وما تقول في «؟ الضرر إذا وقع، وما الحكم في ذلك(١) . فأجاب الخليلي : إذا لم يشترطوا البئر للجميع فلا يكون لسائر البيوت » شيء فيها إذا ثبت القسمة على ذلك، ولا يجوز المرور على البيوت المسكون إلا بإذن من أربابها بعد الاستئذان، وإن صح لهم عليهم شرط طريق إلى الماء « وشركة في البئر، فهو على ما شرطوه في القسمة(٢) . ويستفاد من عبارة الخليلي أن الضرر ولو كان قديما ً يجب إزالته، ولا يجوز التمادي فيه، فإن دخول الرجال على النساء الأجنبيات غير المحارم لا يجوز، ولو كان لجلب منفعة أو لتحصيل حق ثابت، كسق ْ ي الماء أو العبور إلى السكنات المجاورة، فهذا الحق إن ثبت لا يقتضي منهم تجاوز حدود الله في الاعتداء على الحرمات ولو كان هذا الأمر قديما ً ، وقد سكتوا عنه ثم ظهر لهم أن ينكروا ذلك، فلهم ذلك لحفظ الدين، وحفظ الأعراض، ويجب عليهم إن أراد الدخول الاستئذان على أصحاب البيوت، وهذا ما أكده ولا يجوز المرور على البيوت المسكونة إلا بإذن من » : الخليلي في عبارته « أربابها بعد الاستئذان(٣) . (١) .٣٠٣/ الخليلي: المرجع نفسه، ٧(٢) .٣٠٤/ الخليلي: نفسه، ٧ (٣) نفسه. الفصل الخامس القاعدة الفقهية الكبرى الخامسة: العادة محكمة » « وما تفرع عنها ويشتمل هذا الفصل على المباحث التالية: :∫hC’G åëѪdG حقيقة القاعدة. المطلب ا لأول: أهمية القاعدة. المطلب ا لثاني: مدلول القاعدة. :»fÉãdG å``ëѪdG أنواع العرف والعادة وشروط اعتبارهما في الأحكام الشرعية. المطلب ا لأول: أنواع العرف والعادة. المطلب ا لثاني: شروط العرف والعادة واعتبارهما في الأحكام الشرعية. :ådÉãdG åëѪdG تأصيل القاعدة. المطلب ا لأول: الأدلة من القرآن الكريم. المطلبا لثاني : الأدلة من السن ﱠ ة النبوية وآثار الصحابة . ﱡ المطلب ا لثالث: الأدلة من الإجماع والمعقول. :™HGôdG åëѪdG تطبيقات القاعدة وفروعها الفقهية عند الإباضية . المطلب ا لأول: تحكيم العادة والعرف في مجال العبادات. المطلب ا لثاني: تحكيم العادة والعرف في مجال المعاملات المالية. المطلب ا لثالث: تحكيم العادة والعرف في مجال الأحوال الشخصية. المطلب ا لرابع: تحكيم العادة والعرف في مجال الحقوق والآداب. المطلب ا لخامس: تحكيم العادة والعرف في مجال الجنايات والعقوبات. :¢ùeÉîdG åëѪdG .« العادة محكم ة » القواعد الفقهية المتفرعة عن القاعدة الكبرى المطلب ا لأول: القواعد الفقهية المعبرة عن بعض شروط العرف والعادة. الفرع ا لأول: تعتبر العادة إذا اضطردت أو غلبت » : قاعدة .« الفرع ا لثاني: العبرة للغالب الشائع لا القليل النادر » : قاعدة « (العبرة للأغلب ). المطلب ا لثاني: القواعد الفقهية المعبرة عن تأثير العرف العملي. الفرع ا لأول: المعروف عرفا » : قاعدة ً كالمشروط شرطا ً.« الفرع ا لثاني: التعيين بالعرف كالتعيين بالنص » : قاعدة .« الفرع ا لثالث: المعروف بين التجار كالمشروط بينهم » : قاعدة .« المطلب ا لثالث: القواعد الفقهية المعبرة عن تأثير العرف القولي. الفرع ا لأول: الحقيقة تترك بدلالة العادة » : قاعدة .« الفرع الثاني: الكتاب كالخطاب » : قاعدة .« الفرع الثالث: الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان » : قاعدة .« المطلب ا لرابع: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان » : قاعدة .« ¢ùeÉîdG π°üØdG :á°ùeÉîdG iôÑμdG á«¡≤ØdG IóYÉ≤dG É¡æY ´ôØJ Éeh z áªμëe IOÉ©dG{ ومضمونها ،« العادة محكم ة » : يتناول هذا الفصل بيان حقيقة قاعدة وموضوعها، وتأصيلها الشرعي، وأنواع العرف والعادة، وشروطهما، ومدى اعتبارهما وتحكيمهما عند الإباضية في مختلف مجالاته، ثم ينتهي الفصل بذكر أهم القواعد المتفرعة عنها أو المندرجة تحتها، مع التحليل والتأصيل والتطبيق على الفروع الفقهية، قديما ً وحديثا ً ، وسيكون تفصيل ذلك في المباحث التالية. IóYÉ≤dG á≤«≤M وفي هذا المبحث نبين أهمية هذه القاعدة وضرورتها في الاجتهاد المعاصر ﱢ لعلاج القضايا الفقهية المتجددة، ومكانها عند الإباضي ة، ونحدد المفهوم اللغوي والاصطلاحي، والمعنى الإجمالي للقاعدة. للعرف والعادة أثر كبير في القواعد الفقهية، والفروع الفقهية، فلم يخل كتاب من كتب القواعد من قاعدة أساسية في العرف والعادة، أو قاعدة من القواعد المتفرعة على قاعدة أساسية، فإن الأفعال العادية وإن كانت أفعالا ً شخصية حيوية وليست من قبيل المعاملات والعلائق المدنية والحقوقية، إلا أن ّ ه عندما يتعارفها الناس وتجري عليها عادات حياتهم يصبح لها تأثير وسلطان في توجيه أحكام التصرفات، فتثبت تلك الأحكام على وفق ما تقضي به العادة(١) . ولما نظر الفقهاء إلى هذا المعنى ورأوا اعتبار العرف والعادة في التشريع وبناء الأحكام عليها، لم يغفلوا ذلك وهم يقعدون القواعد أو يخرجون الفروع ّّ والمسائل المتفرعة على هذه القواعد، فقد ذكروا أكثر من قاعدة تتعلق بالعرف وتحكمه في الوقائع والتصرفات... ومن هذه القواعد: قاعدة العادة محكمة . وقد نال العرف من اهتمام فقهاء الإسلام نصيبا ً موفورا ً ، وعد ّ وه من أدلة الأحكام، واحتكموا إليه في كثير من المسائل الفرعية. وللإباضية إسهامهم المتميز في الاعتماد على العرف في كثير من فتاويهم، وإن لم يتطرقوا إلى تقاسم العرف وأنواعه من عرف قولي وعرف عملي، وخاص وعام وصحيح وفاسد، واكتفوا بمراعاته في مجال الأيمان والنذور والنكاح والطلاق وبعض العقود(٢) . وقد وردت في مصنفاتهم قاعدة العادة (١) ١١٥/ ٨٣٦ . ابن عابدين: رسائل ابن عابدين، ٢ / الزرقا: المدخل الفقهي، ٣ - .١٢٠ (٢) . باجو: منهج الاجتهاد عند الإباضية، ص ٧٤٧ محكم ة، بصيغ مختلفة ومتقاربة، فبعضهم استعمل الصيغة المشهورة المتداولة، كالسالمي (١) والراشدي (٢) . قال السالمي : القاعدة الخامسة قولهم: إن العادة محك » ّ مة؛ أي حك ّ مها الشرع، ومن فروع هذه القاعدة بيان أقل الحيض وأكثره، ومسائل التعارف « ونحو ذلك(٣) . وقد اعتمد أيضا ً في « المعارج » على هذه القاعدة في كتابه إن الفرق » : مسألة الختان وأشار إلى اختلاف حكمه بين الصبي والبالغ فقال بين الصبي والبالغ إنما هو خوف الضرر في العادة مع البالغ وعدم خوفه مع الصبي، والعادة محك ّ « مة فوجب اعتبارها(٤) . وقد يخرج » : بينما عبر عنها الكدمي بصيغة قريبة من هذا المعنى فقال ّ في معنى الاطمئنان والتعارف وما تجري به العادات ما يشبه معنى الحكم الثابت في الأحوال فتصبح بذلك العادات والتعارف في معنى ما يشبه « الأحكام الثابتة(٥) . فكان حكم الأغلب والتعارف والاطمئنان فيما » : وفي موضع آخر قال « تجري به أمور عامة الناس(٦) . أما ابن بركة المعاصر للكدمي في القرن الرابع الهجري عبر عن القاعدة َّ وأما ما فعله الناس من عاداتهم من ...» : في مسألة تحديد مقدار النفقة بقوله « إطعام لأهلهم أكلتين(٧) . (١) .١٩٨/ ١٩١ . معارج الآمال، ١ / السالمي: طلعة الشمس، ٢(٢) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٤٣(٣) .١٩١/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٤) .١٩٨/ السالمي: معارج الآمال، ١(٥) .٨٣/ الكدمي: المعتبر، ٤(٦) .٨٤/ الكدمي: المرجع نفسه، ٤(٧) .١٨/ ابن بركة: كتاب التعارف، ص ١٣ . الجامع، ٢ فإن المكلف إذا توجه إليه الحكم بيقين فإنه ...» : وفي موضع آخر قال يرفع بمثله بيقين أو بعلم يسكن إليه القلب والعادة الجارية ليقوم مقام « اليقين المتعارف(١) . فزوال ملكها » : وفي معرض بيان حكم قبول الهبة وانتقال ملكيتها يقول « من صاحبها المتيقن حصل بما يسكن إليه القلب وجرت عليه العادة(٢) . وخصص ابن بركة رسالة مستقلة تضمنت تطبيقات عملية للعرف والعادة ولم يفرد له السالمي مبحثا « كتاب التعارف » سماها ً مستقلا ً في كتابه الأصولي ّ العادة محكمة » وإن أشار إليه ضمن القاعدة الفقهية « طلعة الشمس » « أي أن الشرع حك ّ مها، وذكر فروعها، وبيان أقل الحيض وأكثره، ومسائل التعارف(٣) . وهو صنيع السيابي(٤) في كرسي الأصول، وإن نص على أن قواعد العرف إذ يقول: ،« نثار الجوهر » راجعة إلى الاستقراء وهذا ما أشار إليه الرواحي في وحك » ّ موا العادة في أشياء كما حكموا الاستقراء واستصحاب الأصل « (٥) . (١) . ابن بركة: التعارف، ص ٩(٢) . ابن بركة: مصدر نفسه، ص ١٦(٣) .١٩١/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٤) لم نعثر على ترجمة لهذا المؤلف ولا كتابه بعد البحث ولعل الكتاب ما زال مخطوطا. (٥) ٨٢ . طبعة مصورة من المخطوط الأصلي بخط المؤلف. / الرواحي أبو مسلم، نثار الجوهر، ١ لمعرفة معنى القاعدة لا بد من تحديد مفهوم العادة والعرف في اللغة والاصطلاح: :á¨∏dG »a IOÉ©dG `` CG مأخوذة من العود والاستمرار على الشيء والمعاودة وهو الرجوع إلى الأمر الأول، والعادة الديدن يعاد إليه، وجمعها عادات وعوائد، وسميت بذلك لأن صاحبها يعاودها، أي يرجع إليها مرة بعد أخرى، وعودته كذا فاعتاد، ّ وعوده أي صيرته له عادة(١) . فهي اسم لتكرير الفعل والانفعال حتى يصير ّّ سهلا ً تعاطيه كالطبع ولذلك قيل: العادة طبيعة ثابتة(٢) . وفي مفردات الراغب الأصفهاني : العود الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه إما انصرافا ً بالذات أو بالقول والعزيمة... قال تعالى: ﴿ 543 9876 ﴾ )المؤمنون : (١٠٧ . قال تعالى: ﴿ ,+* -./ 10 ﴾ (الأن عام: ٢٨ ((٣) . :ìÓ£°U’G »a IOÉ©dG `` Ü فهي ما استمر الناس عليه على حكم العقول، » أما العادة في الاصطلاح « وعادوا إليه مرة بعد مرة(٤) . (١) ٣١٦/ ابن منظور: لسان العرب، ٣ - ١٧٠ . ابن ، ٣١٧ . الفيومي: المصباح المنير، ص ١٦٦ .١٨١/ فارس: معجم مقاييس اللغة، ٤(٢) .٨٧٠/ الزرقا مصطفى: المدخل، ٢(٣) . ص ٣٥١ ،« عود » الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن، مادة(٤) . الجرجاني: التعريفات، ص ١٨٨ ما استقرت الناس فيه على حكم العقول » : وعرفها زكريا الأنصاري بأنها « وعادوا إليه مرة بعد أخرى(١) ، والأولى التغيير بالاستمرار؛ لأنه يناسب العود إليه مرة بعد أخرى. وقال الحموي الحنفي : إن مادة العادة تقضي تكرار الشيء وعوده تكرارا » ً كثيرا ً ، يخرج عن كونه واقعا ً « بطريق الاتفاق(٢) . الأمر الذي يتقرر بالنفوس ويكون ...» : وعرفها بعض المعاصرين بقوله مقبولا ً « عند ذوي الطباع السليمة(٣) . « الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية » : أما عند علماء الأصول فالعادة هي(٤) ، فإذا كان التكرر ناشئا ً عن علاقة عقلية وهي التي يحكم بها العقل بهذا التكرار لم يكن عندئذ من قبيل العادة، بل من قبيل التلازم العقلي، وذلك كتكرر حدوث الأثر كلما حدث مؤثره، بسبب أن المؤثر علة لا يتخلف عنها معلولها، كتحرك الخاتم بحركة الأصبع، وتحرك أوراق الأشجار بحركة الرياح، وتبدل مكان الشيء بحركته، فهذا لا يسمى عادة مهما تكرر، لأنه ناشئ عن تلازم وارتباط في الوجود بين العلة والمعلول يقضي به العقل، وليس ناشئا ً عن ميل أو طبع أو عامل طبيعي(٥) . فكون العادة: الأمر المتكرر متفق عليه بين الأصوليين والفقها ء، والأمر » المتكرر يشمل كل حادث يتكرر، لأن لفظ الأمر من أوسع ألفاظ اللغة عموما ً وشمولا ً ، ويفترق تعريف الفقهاء عن تعريف الأصوليين بأنه لم يشترط نفي « العلاقة الفعلية؛ فتعريف الأصوليين أخص وتعريف الفقهاء أعم من هذا الوجه(٦) . (١) . الأنصاري زكرياء، الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، ص ٧٢(٢) ٢٩٥/ الحموي أحمد: غمز عيون البصائر بشرح كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم، ١ - .٢٩٦ (٣) . علي حيدر: درر الحكام، شرح مجلة الأحكام العدلية، مادة ٣٦(٤) .٧٦٩/ ابن أمير الحاج: التقرير والتحبير، شرح التحرير، لابن الهمام، ٢(٥) .٧٦٩/ ٨٧١ . ابن أمير الحاج: التقرير والتحبير، ٢ / الزرقا: المدخل، ٢ (٦) .٢٧٥ - البورنو: الوجيز، ص ٢٧٤ يتبين من هذا التعريف أن العادة في الاصطلاح لها مفهوم شامل واسع ﱠ الحدود يشمل كل متكرر من الأقوال والأفعال، سواء أكان صادرا ً عن الفرد أم الجماعة، وسواء كان مصدره طبيعيا ً أم عقليا ً وتلقته الطباع السليمة بالقبول، أم ّّ يشمل « الأمر المتكرر » : كان مصدره الأهواء والشهوات؛ لأن قولهم في تعريفها من أوسع ألفاظ « الشيء » : كلفظ « الأمر » : كل حادث يتكرر من حيث أن لفظ اللغة عموما ً وشمولا ً. ومع أن تعريف الفقهاء للعادة يتضمن قبولها عند الطباع السليمة لكن إطلاق لفظ العادة عند الفقهاء يتضمن ما يلي:١ فالعادة تطلق تارة على ما يعتاده الفرد من الناس في شؤونه الخاصة، كعادته في نومه وأكله ونوع مأكوله وحديثه، وكثير من أفعاله، وهذه التصرفات يطلق عليها العادات الفردية. ٢ وتطلق تارة أخرى على ما تعتاده الجماعات والجماهير مما ينشأ في الأصل عن اتجاه عقلي وتفكير، حسنا ً كان أم قبيحا ً ، وهذه التصرفات ترادف أيضا ً العادة رغم كونها صادرة عن الجماعة(١) . وتطلق العادة أيضا ً بوجه عام على كل حالة متكررة، سواء أكانت ناشئة: أ عن سبب طبيعي كإسراع بلوغ الأشخاص، ونضج الثمار في الأقاليم الحارة وإبطائه في الباردة، وكثرة الأمطار في بعض المناطق صيفا ً وفي بعضها شتاء بحسب الموضع الجغرافي والعوامل الطبيعية. ً (١) إن العادة تتحقق بتكرر الفعل مرتين أو ثلاثا؛ لأنها مأخوذة من » : يقول بعض الفقهاء ينظر: ابن نجيم: الأشباه والنظائر، الفن الأول تحت القاعدة السادسة، .« العود أو المعاودة ولا يخفى أن » : ١٢٨ . قال الزرقا /١ ّ مرادهم بذلك عادة الفرد، أما عادة الجماعة التي هي بمعنى عرف الجمهور، فلا ينطبق عليها هذا الحد؛ لأن العادة لا تشيع وتنتشر بين ينظر، الزرقا: المدخل الفقهي .« الجماهير إلا بعد أن تتكرر بين الناس مرات لا تحصى .٨٧١/ العام، ٢ ب أم كانت ناشئة عن الأهواء والشهوات وفساد الأخلاق، كالتقاعس عن فعل الخيرات، والسعي بالضرر والفساد وتفشي الكذب وأكل المال بالباطل والفسق، والظلم مما يسميه الفقهاء فساد الزمان. ج أو ناشئة عن حادث خاص كفشو اللحن الناشئ من اختلاط العرب بالأعاجم فكل ذلك، يعتبر في نظر الفقهاء من قبيل العادات، وقد راعاها المجتهدون في الفتيا والقضاء وقرر لها الفقهاء ما يناسبها من أحكام(١) . ومهما يكن من أمر فلا تعارض بين التعريفات السابقة، لأن العادة مأخوذة من المعاودة وهي بتكررها ومعاودتها مرة بعد أخرى صارت معروفة مستقرة في النفوس والعقول متلقاة بالقبول من غير علاقة عقلية ولا قرينة، حتى غلبت على معاملات الناس واطردت بينهم سواء إلى جميع البلاد أم بعضها(٢) . s :záªμëe{ áª∏c ∫ƒdóe `` ê محك » : أما كلمة ّ فهي اسم مفعول من التحكيم، ومعنى التحكيم القضاء « مة والفصل بين الناس، أي أن العادة هي المرجع للفصل عند النزاع(٣) . : k ÉMÓ£°UGh á¨d ±ô©dG ∫ƒdóe `` O من الألفاظ ذات الصلة بالعادة وشاع استعماله عند الفقهاء العرف، ُ وفيما يلي بيان لحقيقته في اللغة والاصطلاح. العرف لغة مأخوذ عن عرف الشيء، وهو ما تعارف عليه الناس في عاداتهم ومعاملاتهم، وهو في أصل اللغة يطلق على معنيين: (١) ١٠ . الزرقا مصطفى: / أحمد فهمي أبو ستة: رسالة العرف والعادة في رأي الفقهاء، ١ .٨٧٢ - ٨٧١/ المدخل، ٢(٢) . صالح السدلان: القواعد الفقهية الكبرى، ص ٣٣٤(٣) . البورنو: الوجيز، ص ٢٧٣ الأول: تتابع الشيء متصلا ً بعضه ببعض. الثاني: السكون والطمأنينة، والمراد به هنا التتابع وما تطمئن إليه النفس، فإذا اطمئن الناس إلى شيء وسكنوا إليه وتتابع العمل به صار معروفا ً (١) وسمي عرفا ً . فكان حكم الأغلب والتعارف » : وقد أشار الكدمي إلى هذا المعنى بقوله « والاطمئنان فيما تجري به أمور عامة الناس(٢) . ويؤكد هذا المعنى ابن بركة عند حديثه عن إزالة الحكم الثابت باليقين فإن المكلف إذا توجه إليه الحكم بيقين فإنه يرتفع بمثله من اليقين أو » : فقال .« بعلم يسكن إليه القلب والعادة الجارية ليقوم مقام اليقين ويقول أيضا ً : ولعل » ّ جميع ما تعبد الله به عباده من طريق الشريعة ما أخذ عليهم أن يخرجوا منه بما هو يقين عندهم، بما يستدلون على معرفته بالعادة « الجارية والأحوال الظاهرة، لا بما يعلم حقيقته(٣) . أما التعارف فهو عبارة عن حصول حالة تدل على » : ويعرفه السالمي بقوله إباحة ما يجوز إباحته بين قوم مخصوصين مثل أحد الخوص (٤)والصروم(٥) « ولقاط التمر من النخل والثمر من الشجر وما جرى هذا المجرى(٦) . (١) . ٦٠ . الفيومي: المصباح المنير، ص ٣٩٦ / ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، ٣(٢) .٨٤/ الكدمي: المعتبر، ٤(٣) . ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٧(٤) قال أبو بكر الرازي: الخوص، ورق النخل، الواحدة (خوصة) والخو ّ اص، بائع الخوص ينظر: مادة خ وص، إيضاح مختار الصحاح للرازي، أخرجه نديم وأسامة وعادل مرعشلي . نشر دار البشائر للطبع والنشر والتوزيع دمشق، ١٤١٧ ه / ١٩٩٧ م، ص ١٢٧(٥) صرم الشيء: قطعه، وصرم النخل جد ّ ه، وأصرم النخل، حان له أن ي ُ صرم، والصرم: الجلد فارسي معرب، والصرام بفتح الصاد وكسرها جذاذ النخل، والصارم: السيف القاطع، ّّ . راجع الرازي مختار الصحاح (مرجع سابق) مادة (ص ر م) ص ٢٣٨(٦) .١٢٧/ السالمي: العقد الثمين، ٤ ونقل السالمي في العقد الثمين عن أبي مالك أن هذا يرجع إلى ما تسكن إليه النفس ويعلم بالقلب، وأن النفوس لا تخرج بمثل هذا، ولا تطالبه الناس فيما بينهم حتى لو أن رجلا ً أبيح له ماء ليشرب منه فقال لصاحب الماء: أتأذن لي أن أسقي صاحبي منه، لاشتد ّ عليه قوله وكره ذلك منه ورأى أنه قد نسبه إلى غاية البخل في منعه شربه من ماء مع إمكان الماء معه، وليس هنالك عداوة بينهما. ولما ختم السالمي من بيان رأي أبي مالك في العرف خلص إلى القول بأن ّ إنما سميت هذه الحالة بالتعارف؛ لأن أهل البلد مثلا » : ه ً يتعارفون أي « يتعالمون بثبوت الإباحة بعد ذلك(١) . ما استقرت النفوس عليه » : ومما تقدم يتبين أن العرف في الاصطلاح هو ّ « بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول(٢) . ومعنى ذلك: أن كل قول أو فعل اطمأنت إليه النفوس وعرفته وألفته مستندة في ذلك إلى استحسان العقل ولم ينكره أصحاب الذوق السليم في الجملة يسمى عرفا ً ، كما في تعامل الناس بالاستصناع ووقف المنقول واشتراط ُ شروط خاصة في البيع...إلخ. ما استقر في النفوس واستحسنه » : وعرفه أحد الفقهاء المعاصرين بأنه العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول واستمر الناس عليه مما لا ترده الشريعة « وأقرتهم عليه(٣) . قيد وجيه يخرج العرف الذي ترده الشريعة :« مما لا ترده الشريعة » : فقوله الإسلامية، لأنه يخالف نصوصها وأحكامها؛ كالتعامل بالربا بكل مظاهره وألوانه في المصارف وغيرها، لأنها أعراف استقرت تبعا ً للأهواء والشهوات. (١) .١٢٧/ السالمي: المرجع السابق، ٤(٢) . الجرجاني: التعريفات، ص ١٩٨ . الأنصاري: الحدود الأنيقة، ص ٧٢(٣) . عوض السيد صالح: أثر العرف في التشريع الإسلامي، ص ٥٢ أي ما تعارفه الناس واستمروا عليه، وكان له « وأقرتهم عليه » : وأما قوله ّ (١) اعتبار في الشريعة فهو العرف المعتبر شرعا ً . :IOÉ©dGh ±ô©dG ø«H ¥ôØdG `` `g لو نظرنا في التعريفات التي قدمت للعرف والعادة نجد أن العادة مأخوذة من العود والمعاودة، فهي بتكررها مرة بعد أخرى صارت معروفة مستقرة في النفوس والعقول متلقاة بالقبول من غير علاقة ولا قرينة حتى صارت حقيقة عرفية(٢) . فهل العرف يختلف عن العادة؟ العرف والعادة بمعنى، وهو ما كان مقررا » : يقول الراشدي في جواهره ً « بالعقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول(٣) . وقريبا ً من هذا المعنى عرف بعضهم ّ العادة والعرف ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته » : العادة فقال « الطباع السليمة بالقبول(٤) . فهنا يلاحظ أن الفقهاء اشترطوا في العرف والعادة الاستقرار وتلقي الطباع السليمة لما يعهد ويروى بين الناس بالقبول، وأن يقر الشارع ذلك الذي تعارفه ُُ الناس واستمروا عليه، كما جاء في تعريف العادة عند الفقهاء أيضا ً أنها ما تكررت مرة بعد أخرى لأنها مأخوذة من المعاودة والتكرار. فعلى هذا؛ فالعرف هو العادة المعروفة، فالعرف والعادة بمعنى واحد ويصدقان عليه، وهو العادة المعروفة، وإن كانا مختلفين من حيث المفهوم اللغوي حيث أن مفهوم كل واحد منهما مختلف عن الآخر، فالعادة هو العودة والتكرار، والعرف هو المتعارف(٥) . (١) . السدلان صالح: القواعد الفقهية، ص ٣٣٥(٢) .٩٧/ الأتاسي: شرح مجلة الأحكام العدلية، ١(٣) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٤٣(٤) .٩٧/ الأتاسي: المرجع السابق، ١(٥) . البورنو: الوجيز، ص ٢٧٦ :IóYÉ≤∏d »dɪLE’G ≈橪dG `` h وبناء على ما سبق يكون العرف والعادة لفظان مترادفان بمعنى واحد، إذا ما تحدث عنهما الفقهاء وبنوا الأحكام عليهما ولا وجه للتفرقة بينهما، لأن العادة تنشأ بتكررها مرة بعد أخرى واستمرارها يجعلها تستقر في النفوس فتسمى عرفا ً إذا تلقته الطباع السليمة بالقبول واستحسنته العقول وجرى عمل الناس به، وهذا هو العرف المعتبر أو العادة المعتبرة عند الفقهاء(١) . هذا وقد فرق بعض الفقهاء المحدثين بين مدلولي العرف والعادة، فأطلق ّ العادة على ما يشمل عادة الفرد والجماعة، وخص العرف بعادة الجماعة، « عادة جمهور قوم في قول أو عمل » حيث عرفه بأنه(٢) . يتضح من جميع ما تقدم أن العادة أعم من العرف لأنها تشمل العادة الفردية والعادة الناشئة عن عامل طبيعي وعادة الجمهور التي هي العرف، فتكون النسبة بين العادة والعرف هي العموم والخصوص المطلق؛ فكل عرف هو عادة وليست كل عادة عرفا ً ، لأن العادة قد تكون فردية أو مشتركة(٣) . إن العادة عامة أو خاصة تجعل حكما ً لإثبات حكم شرعي لم ينص على خلافه بخصوصه(٤) أن للعادة في الاعتبار الشرعي حاكمية » : ، وبعبارة أخرى تخضع لها أحكام التصرفات، فتثبت تلك الأحكام على وفق ما تقتضي به « العادة أو العرف إذا لم يكن هناك نص شرعي مخالف لتلك العادة(٥) . (١)أبو ستة: العرف والعادة، ص ١٠ - . ١١ . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص ٢٣١ . السدلان صالح: القواعد الفقهية، ص ٣٣٦(٢) . ٨٧٢ . البورنو: الوجيز، ص ٢٧٦ / الزرقا مصطفى: المدخل، ٢(٣) .٨٧٤/ الزرقا: المرجع السابق، ٢(٤) .٨٧/ الأتاسي: شرح المجلة العدلية، ١(٥) . الزرقا أحمد: شرح القواعد الفقهية، ص ١٦٥ ɪgQÉÑàYG •hô°Th IOÉ©dGh ±ô©dG ´GƒfCG á«Yô°ûdG ΩÉμMC’G »a وفي هذا المبحث نتعرف على نشأة العرف والعادة وأنواعهما، وما يتميز كل نوع عن الآخر، ثم نحدد الشروط التي تضبط العرف والعادة حتى يكونا شرعيين يمكن الاعتماد عليهما في استنباط الأحكام الشرعية وبيان ذلك فيما يلي: :¢SƒØædG ≈∏Y É¡fÉ£∏°Sh IOÉ©dG ICÉ°ûf :∫hC’G ´ôØdG تنشأ العادة من تصرفات، فكل عمل اختياري لا بد له من باعث وهذا الباعث إما خارجي كظهور منفعة شيء، وإما داخلي نفسي، كحب الانتقام الدافع إلى التأثر، والحياء الشديد الدافع إلى اعتزال الناس، والسكوت، فإذا ارتاح الفرد للفعل الذي حال إليه وكرره أصبح بذلك التكرار عادة له. وإذا حاكاه الناس بدافع حب التقليد، وتكررت هذه المحاكاة وانتشرت بين الناس أصبحت بذلك عرفا ً ، والذي هو في الحقيقة عادة الجماعة. كما يجري هذا في الأفعال يجري في الأقوال أيضا ً ، كالمصطلحات التي تنشأ بين أهل الحرف أو العلوم أو الأديان. فالإنسان مضطر إلى التفاهم مع من يعيش بينهم، وإن التفاهم بالإشارات ونحوها عسير وبطيء، ولذا لجأ البشر إلى طريق التعبير بالألفاظ التي هي أصوات يعتادون التعبير بها حتى تصبح لغة عامة بينهم. ثم بتوسيع الصناعات والعلوم المدنية يصبح التعبير باللغة العامة الأصلية في هذه الصناعات والعلوم عسيرا ً وطويلا ً ومورثا ً للاشتباه، لذلك يلجأ أهل الحرف أو العلوم أو الأديان إلى استعمال ألفاظ خاصة يصطلحون عليها، بطريق الوضع المبدأ أو بطريق التداول المتكرر للدلالة على معان وأشياء تفهم بسهولة من هذه الألفاظ الاصطلاحية التي لا تقوم مقامها في الدلالة إلا شرح طويل(١) . وترجع نشأة العادة في المجتمعات إلى ثلاثة أسباب وهي: الأول: الحاجة : وهي تعد ﱡ سببا ً لمعظم العادات، إذ يعرض للناس ظرف خاص يدعوهم إلى عمل خاص، فيتكرر العمل ويشيع بين الناس حتى يصبح عرفا ً دارجا ً ، كوقف الكتب وأدوات الجنازة وبيع الوفاء. وهذه الحاجات تختلف بحسب البيئات الطبيعية ومرافقها وبحسب الهيئات الاجتماعية، وأنظمتها ومميزاتها(٢) من المعتقدات، والشعائر الدينية والأخلاق، ونظام الحكم، ومعاهد العلم، والصنائع والفنون وحرية الفكر...إلخ. ا لثاني: صدور أمر سلطاني أو توجيه حكومي للقيام بعمل من الأعمال، وذلك بان تنشأ العادات والأعراف بأمر صاحب السلطان الحاكم أو برغبته وتوجيهه كعادة الاحتفال بذكرى المولد النبوي التي أنشأها الحكم الشيعي الفاطم ي، ثم عمت واقتبستها سائر البلدان الإسلامية . ّ ا لثالث: سبب وراثي تناقله الخلف عن السلف، فقد تكون العادات والأعراف وراثية محضة عن الأسلاف دون أن تدعو إليها حاجة حقيقية؛ كالبقية من عادات الجاهليين المتصلة بعقائدهم قبل سيادة الإسلام في بلاد العرب كعادة الأربعين للميت، ووأد البنات(٣) . وللعادات والأعراف سلطان كبير على النفوس وتحك ّ م في العقول، فمتى رسخت العادة اعتبرت من ضروريات الحياة، لأن العمل كما يقول علماء النفس، بكثرة تكراره تألفه الأعصاب والأعضاء، ولا سيما إذا اقتضته الحاجة، (١) .٨٦٨ - ٨٦٧/ الزرقا: المدخل، ٢(٢) مثال ذلك: النظام الاجتماعي الجاري به العمل في منطقة وادي ميزاب بجنوب الجزائر، ويطلق عليه نظام العز ّ ابة. ينظر: صالح أسماوي نظام العزابة. (٣) ٨٦٨/ الزرقا: المدخل، ٢ - ٨٦٩ . شبير: القواعد الكلية، ص ٢٣٩ - .٢٤٠ ومن ثم يقولون: إن العادة طبيعة ثابتة، ويقول الفقهاء : إن في نزع الناس عن (١) عاداتهم حرجا ً عظيما ً . ولذلك يقاسي الأنبياء والمصلحون كثيرا ً من المصاعب والأهوال، فيأخذون الناس بالعنف تارة، وبالتدريج تارة أخرى، لتحويلهم عن مفاسد عاداتهم وأعرافهم(٢) . وفي هذا المعنى تقول عائشة أم المؤمنين # واصفة سياسة التشريع إنما نزل أول ما نزل من القرآن سورة فيها ذكر الجنة والنار حتى » : الإسلامي ّ إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا «(٣) الخمر ولا تزنوا، لقالوا: لا ندع الخمر ولا الزنى أبدا ً . ويتضح مما سبق أن العادات والأعراف منها الحسن ومنها القبيح، إذ ليس كل ما يعتاده الناس ويتعارفونه ناشئا ً عن حاجة صادقة ومصلحة حكيمة يكون الأمر المعتاد وسيلة ميسرة لها. فقد يعتاد الناس عادات تقوم على جهالات وضلالات موروثة يشقى بها المجتمع وليس فيها منتفع، كاسترقاق المدين المعسر عند الرومان وفي جاهلية العر ب، وكوأد البنات والغزو الداخلي في الجاهلية وكدفن الزوجة (١) ابن عابدين: رسالة نشر العرف، في مجموعة رسائله، ص ١١٩ - .١٢٠ (٢) .٨٦٩/ الزرقا: المدخل، ٢(٣) رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن حديث: ٤٧١٢ عن عائشة، بلفظ عن إني عند عائشة أم المؤمنين » : يوسف بن ماهك، قال # ، إذ جاءها عراقي، فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك، وما يضرك؟ قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك؟ قالت: لم؟ قال: لعلي إنما نزل أول » ؟ أولف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا ً ، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا ً ، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: بل الساعة قال: فأخرجت له ،« موعدهم والساعة أدهى وأمر وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده ورواه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف، كتاب صلاة .« المصحف، فأملت عليه آي السور العيدين، باب إذا سمعت السجدة وأنت تصلي وفي كم يقرأ القرآن، حديث: ٥٧٥٣ . حية مع زوجها إذا مات عند الهنود الوثنيي ن، وكدفن نفائس الأموال مع أصحابها الموتى عند قدماء المصريي ن، وكأخذ أولياء البنات مهورهن عند تزويجهن في عادة البدو من العربان في بعض البلاد العربية وحتى عند أهل الحضر حتى اليوم. فكل هذا وأمثاله عادات وأعراف قبيحة مصادمة للنصوص التشريعية ومقاصد الشريعة العامة، فيجب أن تكافح بالتعلم والتشريع وبالأنظمة التي يقرها ويصدرها أولياء الأمر(١) . هذا وقد راعى الشارع الحكيم عادات الناس وأعرافهم فاعتبرها في كثير من الأحكام، والرسول صلى الله عليه وسلم في فترة التشريع أبقى على كثير من العادات، ومن أهمها الأخلاقيات السائدة والمحمودة فقد قال صلى الله عليه وسلم : جئت متمما » ً ﱢ « لمكارم الأخلاق(٢) . ومنها في العبادات كالأيمان والمقادير، وفي المعاملات كالبيوع والإيجار، والأنكحة، والصناعة والزراعة والبناء وغيرها من المجالات، وأصبحت قاعدة العرف والعادة معتمدة عند الفقهاء ويرجع إليها في كثير من أبواب الفقه. وقد أطلق القرآن الكريم والسن ﱠ ة النبوية الأحكام في بعض المواضع وترك ﱡ تحديدها وتقديرها للعادة والعرف كتقدير طعام المساكين في الكفارة والنفقة بالمعروف للزوجة والمطلقة والمرضعة، وقد تجلت هذه القاعدة في فقه الإباضية واستندوا عليها في كثير من الأحكام الفقهية، ويعد ابن بركة من اليقين » : السابقين في هذا المجال، فقد جعل هذه القاعدة مخصصة لقاعدةذلك أن المكلف إذا توجه إليه الحكم بيقين فإنه يرتفع بمثله ؛« لا يزول بالش ك (١) .٨٧٠/ الزرقا: المدخل، ٢ (٢) رواه أحمد، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، رقم ٨٩٣٩ ، والبيهقي في الكبرى، كتاب الشهادات، باب بيان مكارم الأخلاق، رقم ٢٠٥٧٢ ، عن أبي هريرة بلفظ: صالح الأخلاق . ورواه الحاكم في المستدرك، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، من كتاب آيات ٤، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. رسول الله، رق م ٢١٢ ٌٌ :±ô©dG hCG IOÉ©dG ´GƒfCG :»fÉãdG ´ôØdG من اليقين أو بعلم يسكن إليه القلب والعادة الجارية ليقوم مقام اليقين(١) . يقول ولعل جميع ما تعبد الله به عباده من طريق الشريعة ما أخذ » : في هذا الصدد ّّ عليهم أن يخرجوا منه بما هو يقين عندهم، بما يستدلون على معرفته بالعادة « الجارية والأحوال الظاهرة لا بما يعلم حقيقته(٢) . ولعل ّ ابن بركة يعتبر أول من أل ّ ف كتابا ً مستقلا ّ ً لبيان أهمية هذه القاعدة وتطبيقاتها على الأحكام، فقد أل ّ ف رسالة كاملة في العرف والعادة وما يسكن ولم ،« كتاب التعارف » : إليه القلب مما يجري بين الناس من التعامل سماها ّ نعثر على مثلها عند الإباضية أو غيرهم من المتقدمين حسب اط ﱢ لاعنا المحدود في التراث الفقهي. عرف الزحيلي العرف بأنه: ما اعتاده الناس وساروا عليه من كل فعل ﱠ شاع بينهم أو لفظ تعارفوا على معنى خاص لا تألفه اللغة، ولا يتبادر غيره عند سماعه(٣) . من خلال هذا التعريف نستنتج أن العرف إما أن يتعلق باستعمال بعض الألفاظ في معان يتعارف الناس على استعمالها لها، وإما أن يتعلق باعتياد أنواع من الأعمال أو المعاملات، ومن هنا قسم العلماء العادة أو العرف باعتبارات مختلفة إلى أقسام: ١ التقسيم ا لأول: وهو تقسيم العادة أو العرف باعتبار الموضوع أو متعل ّ قه إلى نوعين: عرف ُ قولي (لفظي) وعرف عملي (فعلي). (١) . ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٩(٢) . المرجع نفسه، ص ٧(٣) . الزحيلي وهبه: نظرية الضرورة الشرعية، ص ١٥٨ أ العرف اللفظي أو ا لقولي: هو الذي يسميه الأصوليون بالحقيقة(١) ، ويسميه بعض الفقهاء بالعادة في اللفظ، وهو أن يشيع بين الناس استعمال بعض الألفاظ أو التراكيب في معنى معين لا تألفه باللغة، بحيث يصبح ذاك المعنى هو المفهوم المتبادر منها إلى ّ أذهانهم عند الإطلاق، بلا قرينة ولا علاقة عقلية(٢) . يتعارف قوم إطلاق لفظ لمعنى بحيث لا يتبادر » : وعرف ابن عابدين بأنه ﱠ « عند سماعه إلا ذلك المعنى(٣) ، وقد سموا استعمال اللفظ فيه حقيقة عرفية، لأن المعنى اللغوي صار مجهورا ً لا تقصد من اللفظ إلا بقرينة تدل على إرادته. وتوضيح ذلك: فلو قال شخص لآخر اشتر لي سيارة بخمسة آلاف ولم يعين النقود، هنا يلزم الوكيل أن يشتري له بالعملة السائدة في البلد كالدينار الجزائر ي، أو الريال العمان ي؛ لأنها المتعارفة لديهم عند الإطلاق وليس له أن ُ يشتري بريالات قطرية أو بدراهم مغربية أو بدنانير تونسية . وكذلك من قال لآخر اشتر لي دابة والمتعارف عندهم أن لفظ الدابة يطلق على الحمار مثلا ً ، فليس له أن يشتري فرسا ً أو بغلا؛ ً استنباطا ً من أن لفظ الدابة يطلق عند آخرين على ذات الأربع(٤) . ومثل تعارفهم إطلاق (الولد) على الذكر دون الأنثى، وعدم إطلاق لفظ (اللحم) على السمك، واستعمال (البيت) في بعض البلدان بمعنى الغرفة وفي (١) الحقيقة اللغوية هي: ما صار اللفظ دالا ّ ً فيها على المعنى بالعرف لا باللغة، وقد يكون تارة أعم من المعنى اللغوي: كالرقبة تطلق في العرف على جميع البدن، وتارة أخص كاختصاص الفقيه ببعض العلماء، وتارة يكون مباينا ً كالغائط، وهو المطمئن من الأرض. ينظر: ابن تيمية: .٩٦/ مجموع الفتاوى، ٧ (٢) القرافي: الإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام، ص ٢٣٤ . الزرقا مصطفى: المدخل . ٨٧٥ . شلبي محمد مصطفى: أصول الفقه الإسلامي، ص ٣١٤ /٢(٣) .٥٦/ ابن عابدين: تنبيه الرقود على مسائل النقود، ضمن رسائله، ٢(٤) . البورنو: الوجيز، ص ٢٨١ بعضها الآخر بمعنى الدار، وكاستعمال لفظ (الدراهم) بمعنى النقود الرائجة في البلد مهما كان نوعها وقيمتها، حتى الورق النقدي اليوم، مع أن الدراهم في الأصل نقد فض ّ ي مسكوك بوزن معين، وقيمة محددة. ّ وهذا النوع من العرف هو في الحقيقة من قبيل اللغة الخاصة لأصحابه، فإذا احتاج فهم المعنى المقصود إلى قرينة أو علاقة عقلية لم يكن ذلك عرفا ً بل هو من قبيل المجاز(١) . ب العرف ا لعملي: وهو ما جرى عليه عمل الناس وتعارفوه في معاملاتهم وتصرفاتهم، وهو وما جرى عليه العمل » الذي يطلق عليه الفقهاء « (٢) . وبعبارة أخرى، هو اعتياد الناس على شيء من الأفعال العادية أو المعاملات المدنية كالتصرفات المنشئة للالتزامات(٣) . والمراد بالأفعال العادية: أفعال الناس الشخصية في شؤونهم الحيوية مما لا يقوم على تبادل المصالح وإنشاء الحقوق، وذلك كالأكل والشرب واللبس والركوب والحرث والزراعة وغير ذلك. والمراد بالمعاملات المدنية: التصرفات التي يقصد منها إنشاء الحقوق بين الناس، أو تصفيتها وإسقاطها، سواء أكانت تلك التصرفات عقودا ً أم غيرها كالنكاح والبيع والإبراء وكالغصب والقبض والأداء(٤) . (١) ٢٤١ . الزحيلي ، ٨٧٦ . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص ٢٤٠ / الزرقا: المدخل، ٢ . وهبة: نظرية الضرورة، ص ١٥٨(٢) ٨٤ . شبير: القواعد الكلية، / ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٩. الكدمي: المعتبر، ٤ . ص ٢٤١(٣) ٨٧٦ . البورنو: الوجيز، ص ٢٨٠ . الزحيلي: نظرية الضرورة، / الزرقا: المدخل، ٢ . ص ١٥٨(٤) .٨٧٧/ الزرقا مصطفى: المرجع نفسه، ٢ فمن أمثلة العرف في الأفعال: اعتياد الناس تعطيل بعض أيام الأسبوع عن العمل، كالخميس والجمعة، وكذا اعتيادهم في بعض الأماكن أكل نوع خاص من اللحوم كالضأن أو المعز أو البقر، أو استعمال نوع من الملابس والأدوات ونحو ذلك. ﻦﻣﻭ ﻪﺘﻠﺜﻣﺃ ﻲﻓ :ﺕﻼﻣﺎﻌﻤﻟﺍ ﺩﺎﻴﺘﻋﺍ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﻲﻓ ﻊﻴﺑ ﺾﻌﺑ ﺀﺎﻴﺷﻷﺍ ﺔﻠﻴﻘﺜﻟﺍ :ﻞﺜﻣ ﺐﻄﺤﻟﺍ ﻢﺤﻔﻟﺍﻭ ﺪﻳﺪﺤﻟﺍﻭ ١ـ ﺢﻤﻘﻟﺍﻭ ﻥﺃ ﻥﻮﻜﺗ ﻰﻠﻋ ﻊﺋﺎﺒﻟﺍ ﺎﻬﺘﻟﻮﻤﺣ ﻰﻟﺇ ﺖﻴﺑ .ﻱﺮﺘﺸﻤﻟﺍ ﻢـﻫﺩﺎﻴﺘﻋﺍﻭ ﻂﻴـﺴﻘﺗ ﺭﻮـﺟﻷﺍ ﺔﻳﻮﻨـﺴﻟﺍ ﺕﺍﺭﺎـﻘﻌﻠﻟ ﻰـﻟﺇ ﻁﺎـﺴﻗﺃ ،ﺓﺩﻭﺪـﻌﻣ ٢ـ ﻭﺃ ﻢﻬﻓﺭﺎﻌﺗﻭ ﻢﻳﺪﻘﺗ ﺓﺮﺟﻷﺍ ﻞﺒﻗ ﺀﺎﻔﺘـﺳﺍ ﺔﻌﻔﻨﻤﻟﺍ ﻲﻓ ﺓﺭﺎﺟﺇ ﻦﻛﺎﻣﻷﺍ ﻳﺮﻬﺷًﺎّ ﻳﻮﻨﺳً.ﺎّ ﻢـﻬﻠﻣﺎﻌﺗﻭ ﻊـﻴﺒﺑ ﺓﺎﻃﺎﻌﻤﻟﺍ ﻦﻣ ﺮﻴﻏ ﺩﻮﺟﻭ ﺔﻔﺻ ﺔـﻴﻈﻔﻟ ﻝﺪﺗ ﻰﻠﻋ ﺏﺎﺠﻳﻹﺍ ٣ـ .ﻝﻮﺒﻘﻟﺍﻭ ﻢﻬﻓﺭﺎﻌﺗﻭ ﻲﻓ ﺔﺤﻜﻧﻷﺍ ﻞﻴﺠﻌﺗ ﺐﻧﺎﺟ ﻦﻴﻌﻣ ﻦﻣ ﺭﻮﻬﻣ ،ﺀﺎﺴﻨﻟﺍ ﻒﺼﻨﻟﺎﻛ ﻭﺃ ٤ـ ،ﻦـﻴﺜﻠﺜﻟﺍ ﻞـﻴﺟﺄﺗﻭ ﻲﻗﺎﺒﻟﺍ ﻰﻟﺇﺎﻣ ﺪﻌﺑ ﺓﺎﻓﻮﻟﺍ ﻭﺃ ﻕﻼـﻄﻟﺍ ﻲﻓ ﺾﻌﺑ ،ﻥﺍﺪﻠﺒﻟﺍ ﺎﻤﻨﻴﺑ ﺩﺎﺘﻋﺍ ﻞﻫﺃ ﺏﺍﺰﻴﻣﺮﺋﺍﺰﺠﻟﺎﺑ ﻞﻴﺠﻌﺗ ﻞﻛ ﻕﺍﺪﺼﻟﺍ ﻞﺒﻗ .ﻝﻮﺧﺪﻟﺍ ﺔﻨ ﺪﻨﻋ ﻞﻘﻧ ﺏﺎﻛﺮﻟﺍ ﻦﻣ ﻥﺎﻜﻣ ﻰﻟﺇ.ﺮﺧﺁ ﻑﺭﺎﻌﺗﻭ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﺓﺮﺟﺃ ﻴﻌﻣّ ٥ـ ً ﻢﻬﻓﺭﺎﻌﺗﻭ ﻲﻓ ﺾﻌﺑ ﻦﻬﻤﻟﺍ ﻊﺋﺎﻨﺼﻟﺍﻭ ﻥﺃ ﺬﺧﺄﻳ ﻊﻧﺎﺼﻟﺍ ﻦﻣ ﺏﺭ ﻞﻤﻌﻟﺍﺍﺮﺟﺃ ٦ـ ﺎﻤﻛ ﻲﻓ ﺔﻃﺎﻴﺨﻟﺍ ً ﻲـﻓﻭ ﺎﻬﻀﻌﺑ ﺮﺧﻵﺍ ﻥﺃ ﺬﺧﺄﻳ ﺏﺭ ﻞﻤﻌﻟﺍ ﻦﻣ ﻊﻧﺎﺼﻟﺍﺍﺮﺟﺃ ﺔـﻋﺎﻨﺻﻭ ،ﺐـﻫﺬﻟﺍ ﺎـﻣﺪﻨﻋ ﻥﻮـﻜﻳ ﺩﻮـﺼﻘﻤﻟﺍ ﻢـﻴﻠﻌﺗ ﻊﻧﺎﺼﻟﺍ ﻚـﻠﺗ ﺔﻋﺎﻨﺼﻟﺍ ﻻ ﺩﺮﺠﻣ ،ﻪﻣﺍﺪﺨﺘﺳﺍ ﻰﻟﺇ ﺮﻴﻏ ﻚﻟﺫ ﺎﻤﻣﻻ ﺺﺨﻳ ﻦﻣ ﻑﺍﺮﻋﺃ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺔﻴﻠﻤﻌﻟﺍ . ﻦﻜﻤﻤﻟﺍ ﺎﻬﻧﺎﻳﺮﺟ ﻲﻓ ﺕﻼﻣﺎﻌﻣ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﻊﻳﺭﺎﻔﺗﻭ ﻢﻬﺗﺎﻣﺍﺰﺘﻟﺍﺎﻬﻴﻓ (١) (١) ٨٧٧ . البورنو: الوجيز، ص ٢٨ . شبير: القواعد الكلية، ص ٢٤١ . / الزرقا: المدخل، ٢ . الزحيلي: نظرية الضرورة، ص ١٥٨ ٢ التقسيم ا لثاني: يقسم العرف باعتبار عمومه وخصوصه إلى عرف عام، وعرف خاص. أ العرف ا لعام: هو ما يشترك فيه غالب الناس في جميع البلاد على اختلاف أزمانهم وبيئاتهم وثقافاتهم ومستوياتهم(١) . وعند بعضهم هو الذي يكون فاشيا ً في جميع البلاد بين الناس في أمر من الأمور(٢) . بينما عرفه آخر بأنه: عرف هيئته غير مخصوصة بطبقة من طبقاتها ّ ُْ وواضعه غير متعين، وهو العرف الجاري منذ عهد الصحابة رضوان الله ّ عليهم حتى زماننا، وهو العرف الذي قبله المجتهدون وعملوا به ولو كان مخالفا ً للقياس ويثبت به حكم عام. والعموم قد يكون عموما ً زمانيا ً ، فيكون العرف عاما ً في الأزمنة كلها منذ ّّ عهد الصحابة إلى الآن، أو في عصر من العصور، وقد يكون عموما ً مكانيا ً ، ّ بمعنى أن العرف يعم الأمكنة كلها ويعمل به في جميع البلاد أو أكثرها(٣) . ُّ ومن خلال التعريفات المتقدمة يتضح أن العرف العام قد يشمل جميع الناس أو غالبيتهم، وقد يعم كل الأزمان والأمكنة أو أكثرها، ولا يختص طبقة ُّ معينة أو فئة معينة من الناس أو زمانا ً أو مكانا ً محددا ً. من أمثلة العادة العرفية ا لعامة: ١ تعارف الناس عقد الاستصناع أو المقاولة في كثير من الحاجات َ واللوازم من أحذية وألبسة وأدوات وغيرها، فإن الناس قد احتاجوا إليه ودرجوا عليه من قديم الزمان، ولا يخلو اليوم من التعامل به مكان، وقد أصبح جاريا ً (١) . محمد تقي الحكيم: الأصول العامة للفقه المقارن، ص ٤٢٠ (٢) .٨٧٨ - ٨٧٧/ الزرقا: المدخل، ٢(٣) . البورنو: الوجيز، ص ٢٧٧ في جميع الحاجات حتى استصناع المعامل بكاملها والبواخر، في حين لو نظرنا إلى طبيعة هذا العقد نجده عبارة عن اتفاق على صنع أشياء معينة ِ بأوصاف مبينة محددة، وهو بيع المعدوم، ولكن جاز؛ لت َ عارف الناس وتعاملهم به من العصر الأول. ٢ إذا حلف إنسان أن لا يضع قدمه في دار فلان، فهو يحنث ولو دخلها محمولا ً وبقيت قدمه خارجها، ولا يحنث لو وضع قدمه فيها وبقي هو خارجها؛ لأن المراد بوضع القدم عند الجميع هو الدخول وليس مجرد وضع قدم فقط. ٣ ومثله في العموم اليوم تأجيل جانب من مهور النساء في بعض البلاد الإسلامي ة، فقد تعورف تقسيم المهر إلى معجل ومؤجل، بنسبة يختلف مقدارها ُ ِ بين بلد وآخر، وقد تكون هذه النسبة ثابتة بحيث أنه متى ذ ُكر بين الطرفين مبلغ المعجل عرف المؤجل. ُ ٤ واستعمال لفظ (الحرام) بمعنى الطلاق لإزالة عقد الزواج. ٥ ودخول الحمام(١) من غير تقديم الأجرة، أو مدة المكث، أو مقدار ّ الماء المستهل َك(٢) ، ونحو ذلك من الظواهر الاجتماعية المنتشرة في العالم. ب العرف ا لخاص: أما العرف الخاص: فهو الذي يكون مخصوصا ً ببلد أو مكان دون آخر، أو بين فئة من الناس دون أخرى(٣) عبارة عن » ، وهو ما أشار إليه السالمي بقوله: هو (١) يختلف مدلول الحم ّ ام في البلدان الإسلامية، فيطلق مثلا ً في الجزائر وغيرها على أماكن الاستحمام والاغتسال التي يوجد فيها مياه دافئة تنبع من الأرض، بينما يطلق هذا اللفظ في سلطنة عمان على بيت الخلاء والمرحاض، فالعرف هنا يختلف من مكان إلى آخر. ُ (٢) ٨٧٨ . شبير: القواعد الكلية، ص ٢٤١ ، الزحيلي: نظرية الضرورة، / الزرقا: المدخل ٢ . ١٥٩ . البورنو: الوجيز، ص ٢٧٧ - ص ١٥٨(٣) .٨٧٨/ الزرقا: المدخل، ٢ حصول حالة تدل على إباحة ما يجوز إباحته بين قوم مخصوصين، كالتقاط التمر من النخل والثمر والشجر وما جرى هذا المجرى؛ وإنما سميت هذه الحالة بالتعارف لأن أهل البلد مثلا ً « يتعارفون، أي يتعالمون بثبوت الإباحة بعد ذلك(١) . والعرف الخاص متنوع كثير ومتجدد لا تحصى صوره، ولا تقف عند حد ّ ؛لأن مصالح الناس وسبل ُ هم إليها وإلى تسهيل احتياجهم وعلائقهم متجددة أبدا ً ، وذلك كالأعراف التي تسود في بلد أو قطر خاص، أو تسود بين أرباب مهنة خاصة، كعرف التجار فيما يعد ّ عيبا ً ينقص الثمن في البضاعة المبيعة أو ُ َُ لا ي ُ عد ّ عيبا ً ، وكع ُ رفهم في بعض البلاد أن يكون ثمن بعض البضائع المبيعة بالجملة مقسطا ً إلى أقساط معلومة، وعرفهم أن لا تقبل المبالغ الكبيرة من ُ أجزاء النقود الصغيرة في الصفقة الواحدة إلا بنسبة معينة. ومثل ذلك عرف المحامين اليوم تقسيم أجرة المحامي إلى معجل ومؤجل ُ إلى حين ربح الدعوى، فيكون جانبا ً معلوما ً من أجور الدعاوى التي يتقبلونها، كالنصف مثلا ً يكون مؤجلا ً ومعلقا ً على ربح الدعوى وصيرورة الحكم بها مبرما ً واستخراج وثيقة الحكم ووضعها في دائرة، التنفيذ(٢) . ٣ التقسيم ا لثالث: ينقسم العرف من حيث اتفاقه مع الشرع أو تعارضه معها إلى صحيح وفاسد. أ العرف ا لصحيح: هو ما تعارفه الناس وليست فيه مخالفة لنص شرعي أو إجماعي ولا تفويت لمصلحة ولا جلب مفسدة(٣) . وقيل: هو ما تعارفه الناس دون أن يحرم حلالا ً ﱢ (١) .١٢٧/ السالمي: العقد الثمين، ٤(٢) . ٨٧٨ . شبير: القواعد الكلية، ص ٢٤٢ / الزرقا: المدخل ٢ (٣) .٣٧ - الخياط: نظرية العرف، ص ٣٦ أو يحل ّ حراما ً كتعارفهم تقديم عربون في عقد الاستصناع وأن الزوجة لا تنتقل إلى بيت زوجها إلا بعد قبض جزء من المهر، وأن المهر قسمان: معجل ومؤجل، وأن ما يقدمه الخاطب لخطيبته أثناء الخطبة يعتبر هدية وليس جزءا ً من المهر، وتعارفهم وقف بعض المنقولات، والأمثلة كثيرة في ألفاظ البيع والشراء والهبة واليمين، وكل ما يجري بين الناس من الأعراف الصحيحة ويكون من نظام حياتهم وحاجاتهم(١) . ب العرف الفاسد: ِ هو ما تعارفه الناس ولكنه يحل ّ حراما ً أو يحرم حلالا ً ، كتعارف التجار ﱢ على اعتبار الفوائد الربوية من الأرباح، وتعارفهم أكل الربا والتعامل مع المصارف بالفائدة، والمقامرة باليانصيب، وكتعارف الناس اليوم خروج النساء سافرات يكشفن ما يحرم شرعا ً إلا من رحم الله ومثل لبس خاتم الذهب للرجال للدلالة على أن لابسه متزوج، وكتعارف بعض البلدان الإسلامية اختلاط النساء بالرجال في حفلات الزواج والأندية العامة والمعاهد، وإقامة محافل الرقص في الأفراح والحفلات، وتقديم الخمور والأنبذة، وترك الصلاة في الاحتفالات العامة كالمباراة الرياضية، فكلها أعراف فاسدة وغير معتبرة لا يراعيها الفقيه ولا القاضي ولا المفتي في فتواه(٢) . ولهذا ألغى التشريع الإسلامي كثيرا ً من أعراف العرب الفاسدة التي تعارفوا عليها قبل الإسلام، كالتعامل بالربا والطواف بالبيت عراة، وشرب ُ الخمر ولعب الميسر والاستقسام بالأزلام ووأد البنات، وكل ما كان باطلا ً من عادات الجاهلية، حيث خالف نصوص الشريعة ومقاصدها العامة(٣) . (١) . الخياط: المرجع نفسه، ص ٣٧ . الزحيلي: نظرية الضرورة، ص ١٥٩(٢) . ١١٦ . الزحيلي: نظرية الضرورة، ص ١٥٩ / ابن عابدين: رسائل، ٢(٣) عمر عبد الله، العرف في الفقه الإسلامي، ص ٢٣ - .٢٥ هذا: وقد قسم الإمام الشاطبي العرف (العوائد) بهذا الاعتبار ش ِ به التقسيم السابق، فيطلق لفظ الشرعي على الصحيح، وغير الشرعي على الفاسد الذي لا يتناوله الدليل، ولا بأس أن نورد ما جاء في عبارته لصلته بموضوعنا، وزيادة في التوضيح حيث قسم العادة باعتبار نص الشارع على اعتبارها أو عدم نصه إلى شرعية وجارية بين الخلق مما ليس فيه نص شرعي. • فالعادات ا لشرعية: هي التي ك َ ل ّ ف بها الشرع وأمر بها إيجابا ً أو ندبا ً ، أو ِ نهى عنها كراهية أو تحريما ً ، أو أذن فيها فعلا ً أو تركا ً وثبت في ذلك بالنص من كتاب أو سن ﱠ ة أو إجماع. وهذه العادات ثابتة أبدا ً ، كما في الأمر بالصلاة، ﱡ وستر العورة، وإباحة ما أباحه من المعاملات، والأمر بإزالة النجاسة، ومشروعية الزواج والطلاق، وعدم الطواف بالبيت الحرام عريانا ً ، وإباحة بيع العرايا، وجعل الدية في القتل الخطأ على العاقلة وهكذا. • والعادات ا لجارية بين الخ َل ْ ق بما ليس في نفيه ولا إثباته نص شرعي (العادات غير الشرعية) وهي تتنوع إلى نوعين: النوع ا لأول: العادات الجارية الثابتة وهي لا تختلف باختلاف الأزمان والأماكن والأشخاص والأحوال، لأنها تعود إلى طبيعة الإنسان وفطرته وغرائزه، كشهوة الطعام والشراب والحزن والفرح والنظر والكلام والبطش والمشي، وميل الإنسان إلى ما يلائمه ونفوره عما لا يلائمه وأشباه ذلك، ولما كانت تلك العادات أسبابا ً لمسببات حكم بها الشارع واعتبرها وبنى عليها الأحكام. والنوعا لثاني: العادات الجارية (غير شرعية) المتبدلة: وهي ما كان للزمان أو المكان أو الحال دخل في تبدلها وغيرها وينتظم تحتها عدة صور منها: الصورة ا لأولى: العادات التي تختلف باختلاف البقاع والبيئات، فتكون في ِ بعضها حسنة وفي البعض الآخر قبيحة، مثل كشف الرأس، فإنه ل ذوي المروءات قبيح في البلاد المشرقي ة، وغير قبيح عند أهل المغرب هذا في الماضي، أما الآن فقد تغير عند أهل المشرق أيضا ً ، فالحكم الشرعي يختلف ﱠ باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحا ً في العدالة وعند أهل المغرب غير قادح. ومن الأمثلة أيضا ً الأكل في الشوارع والأسواق، فقد ذكر الفقهاء أنه يقدح في العدالة؛ لأنه مخل ّ بالمروءة، وقد أصبح الآن غير قبيح عند كثير من الناس فإذا تغير مناط الحكم تغير الحكم. الصورة ا لثانية: العادات التي تختلف باختلاف الأقوال والألفاظ المعبرة ﱢ عن المقاصد والنيات، أو ما يريد الإنسان قوله أو فعله، وكذلك المصطلحات ِ المستخدمة بين أهل الحرف والمهن والمذاهب، فهذه تختلف باختلاف الجماعات والمذاهب والمصطلحات، فيحمل اللفظ على عادة المتكلم ُ بحسب ما يفهم عند أمثاله، ويدخل تحت هذه الصورة الألفاظ المستعملة في الأيمان والعقود والطلاق كتابة وتصريحا ً. الصورة ا لثالثة: العادات التي تختلف باختلاف الأفعال في المعاملات: كالعادة في البيع والشراء نقدا ً أو نسيئة، والعادة في قبض الصداق قبل الدخول. الصورة ا لرابعة: العادات التي تختلف بحسب أمور خارجة عن إرادة المكلف، كاختلاف الأقطار حرارة أو برودة، وأثر ذلك في الإسراع بالبلوغ في الأقطار الحارة وبطئه في البلاد الباردة، وكذلك أثرها في مدة الحيض ومدة الحضانة وسن اليأس وغير ذلك. الصورة الخامسة: ما يكون في أمور خارقة للعادة كبعض الناس تصير له خوارق العادات عادة جارية، فإن الحكم عليه يتنزل على مقتضى عاداته الجارية لا المطردة الدائمة بشرط أن تصير العادة الأولى الزائلة لا ترجع إلا بخارقة أخرى، ومن الأمثلة على ذلك: البائل أو المتغوط من جرح حدث له حتى صار ّ كالمخرج المعتاد له، أما المخرج المعتاد في الناس فأصبح في حكم العدم(١) . (١) ٢٨٣/ الشاطبي: الموافقات، ٢ - ٢٨٦ . عوض السيد صالح: أثر العرف في التشريع، ٩٥ - العادة محك » ١٢١ . خليل نصار: من القواعد الفقهية الهامة ّ .١١١ - ص ١٠٥ ،« مة العادة محك » : إن قاعدة ّ تتضمن حكما ك « مة ُ ليا ً وهو اعتبار العادة في ُّ الأحكام الشرعية، بحيث يعتمد عليها لإثبات الحكم الشرعي، سواء كانت عامة أم خاصة، ولها سلطان واسع المدى في استنباط الأحكام وتجديدها، وتعديلها وتحديدها، وإطلاقها وتقييدها. ولكن ما معنى اعتبار العرف والعادة في بناء الأحكام؟ وما شروط اعتبارهما؟ ستكون الإجابة على هذين السؤالين في فرعين: :á«Yô°ûdG ΩÉμMC’G »a IOÉ©dGh ±ô©dG QÉÑàYG ä’Éée :∫hC’G ´ôØdG لا ريب أن الشريعة تعمل على تحقيق مصالح الإنسان والمصالح دائمة، وهي عادة من العادات وقد اعتبر الشارع المصلحة التي تتفق ومقاصد الشريعة، وهذا هو معنى اعتبار العرف والعادة سواء نص عليها الشارع وأقرها أو حدثت ِ تباعا ً للحاجة والضرورة. يقول الشاطبي : العوائد الجارية ضرورية الاعتبار سواء كانت شرعية في » أصلها أم غير شرعية؛ أي سواء أكانت مقررة بالدليل شرعا ً أمرا ً أو نهيا ً أو إذنا ً أم لا، أما المقررة بالدليل فأمرها ظاهر، وأما غيرها فلا يستقيم إقامة التكليف إلا بذلك، لأن الشارع لما جاء باعتبار المصالح كما هو معلوم قطعا ً ، لزم القطع بأنه لا بد من اعتباره العوائد، لأن أصل التشريع سببه المصالح، والتشريع دائم، فالمصالح كذلك، وهو معنى اعتباره للعادات في التشريع، ووجه آخر، وهو أن . « العوائد لو لم تعتبر لأدى إلى تكليف ما لا يطاق وهو غير جائز أو غير واقع (١)(١) ٢٨٦ وما بعدها. / الشاطبي: الموافقات، ٢ ولكي يتضح معنى اعتبار العرف والعادة في التشريع يحسن أن نذكر المجالات التي يعمل فيها العرف والعادة، مع ذكر الأمثلة الدالة على استعمال الفقهاء لهما، وقد اختلفت أنظار الفقهاء في تحديد هذه المجالات ويتضح ذلك مما يلي: أ الرأي ا لأول: ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى أن مجالات استعمال العرف والعادة في الأحكام الشرعية ثلاثة وهي(١) : • المجال ا لأول: تفسير النصوص التي وردت مطلقة ولم يأت الشرع ولا اللغة بتفسيرها كما قال الراشدي : كل ما ورد به الشرع مطلقا » ً ولا ضابط « له فيه ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف(٢) . وفي نفس المعنى يقول ابن تيمية : كل اسم ليس له حد في اللغة ولا في » « الشرع فالمرجع إلى العرف(٣) . ومن الأمثلة التي استشهد بها الراشدي على هذا المجال: ما تعارف عليه ِ ويختلف » : الناس واعتادوه من الحرز في السرقة والقبض، جاء في شرح النيل القبض في المبيع، فالأصول والعروض والجزاف مجرد العقد، والتخلية بين ُ ِ ِ « المبيع والمشتري وإحاطة علم بها، والمكيل استيفاؤه بكيل كموزون بوزن(٤) . ْ َْ كما تعارف الناس بعادات معينة في إحياء الموات، قال الصنعاني في واعلم أن الإحياء ورد عن الشارع مطلقا » :« سبل السلام » ً ، وما كان كذلك وجب الرجوع فيه إلى العرف، لأنه قد يبين مطلقات الشارع كباقي قبض « المبيعات، والحرز في سرقة مما يحكم به العرف(٥) . وذكر الراشدي أن الذي (١) . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص ٢٤٤(٢) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٦٩(٣) .٤٠/ ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ٧(٤) ٦٣/ الثميني عبد العزيز: كتاب النيل وشفاء العليل مع الشرح للقطب أطفيش، ٨ - ٦٤ ، بتصرف. (٥) .٨٢/٣ ، الصنعاني: سبل السلام، مجلد ٢ يحصل به الإحياء في العرف أحد خمسة أسباب؛ تبييض الأرض وتنقيتها للزرع، وبناء الحائط على الأرض، وحفر الخندق القعير الذي لا يطلع من طلع(٢)(١) نزله إلا بم . َ • المجال ا لثاني: بناء الأحكام الشرعية عليها للقضايا التي لم يرد فيها نص شرعي. فنصوص الشريعة لا يمكن أن تستوعب جميع التفصيلات والاحتمالات، فلا بد من الرجوع إلى العرف لبناء الأحكام عليه، ومن الأمثلة على ذلك: الق ِ راض (المضاربة) فقد أجمع العلماء على أنها لم تستند إلى نص مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما أجيزت؛ لأنها كانت معام َ لة معروفة، فتعامل بها الصحابة @(٣) . • المجال ا لثالث: تجديد بناء الأحكام الشرعية وتعديلها مما هو مبني أصلا ً على العادات والأعراف، فإذا تغيرت تلك العادات والأعراف وجب تغيير الحكم، ولهذا قال القرافي : إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع » تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة « يتبع العوائد يتغير فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة(٤) . وقال أيضا ً : الجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء » « المسلمين والسلف الماضين(٥) . (١) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٧٠ (٢) أصبح » : سئل سماحة شيخنا أحمد الخليلي حفظه الله عن صفة إحياء الموات فقال السائل إحياء الموات الآن لا كما يريد الإنسان إذ قد تتدخل الجهات الرسمية لمنع الإنسان من فأجاب: .«؟ الإحياء، فهل لا بد لمن أراد أن يبيع أرضا أن يحييها؟ وما هي صور هذا الإحياء إن أحياها بإحاطتها بسور أو بغرسها ببعثها بحيث اعتنى بتسويتها وبقلع الشجر منها، فكل »من ذلك يعد ّ ينظر: «... إحياء، ومثل ذلك: لو جاء بآلات الحفر الحديثة وأمرهم بتسويتها َُ . الراشدي: جواهر القواعد الهامش للمحقق محمد بن يحيى الراشدي ، ص ١٧٠(٣) .٣٦٥/ الشوكاني: نيل الأوطار، ٥(٤) . القرافي: الإحكام في تميز الفتاوى من الأحكام، ص ٢٣١(٥) .١٧٧/ القرافي: الفروق، ١ ومما سبق يظهر أن نطاق تأثير العرف عند الفقهاء يتحدد في أنه حجة في تفسير النصوص التشريعية، وقد يراعى كذلك في تشريع وتوليد وتعديل الأحكام، وبيان وتحديد أنواع الإلزامات والالتزامات في العقود والتصرفات والأفعال العادية حيث لا دليل سواه. وعلى هذا فقد يترك النص الخاص ويؤخذ بالعرف عند الضرورة، وقد يخصص النص بالعرف أو تعامل الناس، وقد يقيد إطلاقه له، وقد يترك القياس ّ الاجتهادي أو الاستصلاح الذي لا يستند إلى نص، بل إن مجرد المصلحة الزمنية؛ لأن العرف دليل الضرورة أو الحاجة، فهو أقوى من القياس ونحوه(١) . ب الرأي ا لثاني: وذهب بعض الفقهاء المتقدمين والمعاصرين إلى أن مجال الاستعمالات الفقهية للعرف والعادة ينحصر بالاستقراء في أربعة: الأول: العرف الذي يكون دليلا ً على مشروعية الحكم ظاهرا ً ، فقد اعتبره ِ الفقهاء واعتد ّ وا به واستدلوا عليه بنصوص اشتملت على أحكام است ُند فيها إلى العرف كدليل على مشروعيتها، بل وصرح في بعضها بأنه دليل، يقول القرافي : إن أدلة مشروعية التصرفات تسعة عشر وعد » ّ « منها العوائد(٢) . ِ وقال فخر الدين الزيلعي(٣) فإنه صلى الله عليه وسلم بعث » : في دليل مشروعية المضاربة ُ والناس يتعاملونها فتركهم، وتعام َ لها الصحابة @«(٤) . (١) . الزحيلي: نظرية الضرورة، ص ١٦٠(٢) . القرافي: تنقيح الفصول، ص ١٩٨(٣) الزيلعي: عبد الله بن يوسف بن محمد، أبو محمد، جمال الدين ( ٧٦٢ ه/ ١٣٦٠ م): فقيه، نصب الراية » عالم بالحديث. أصله من الزيلع (في الصومال) ووفاته في القاهرة. من كتبه تخريج أحاديث الكشاف خ » في مذهب الحنفية، و » في تخريج أحاديث الهداية ط .« .١٤٧/ الزركلي: الأعلام، ٤(٤) ٥١/ الزيلعي: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، دار المعرفة لبنان، ٥ - .٥٢ وقال السرخسي(١) من باب البيوع إذا كان فيها شرط « المبسوط » في وإن كان فيها شرط لا يقتضيه العقد وفيه عرف ظاهر فذلك جائز » : ما نصه ُ ِ أيضا ً ، كما لو اشترى نعلا ً وشراكا ً على أن يحذوه البائع، لأن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرع ي، ولأن ّ في النزوع عن العادة الظاهرة حرجا ً « بينا(٢) . ولم يكن في اعتبار العرف دليلا ً شرعيا ً مستقلا ّ ً محل ّ اتفاق بين الفقها ء، ّ فهذه بلا ريب » : فبعد أن عرض أحدهم النصوص السابقة خلص إلى القول شواهد على أن العرف يصلح دليلا ً على الأحكام ومعنى اعتباره والاعتداد به في بناء الأحكام وأنه دليل على الأحكام ظاهرا ً ولا بد في هذا النوع من العرف أن يرجع إلى أصل من الأصول الشرعية، السن ﱠ ة والإجماع أو المصلحة ﱡ « المرسلة أو الإباحة (٣) . بينما يرى آخرون أن العادة ليست دليلا ً مستقلا ّ ً من أدلة الشريعة الإسلامية من قرآن أو سن ﱠ ة وإنما ترد إليهما لاعتبارها وبناء الأحكام الشرعية عليها، وهذا ُ ما يظهر لنا عند التحقيق بأنه ليس العرف أو العادة دليلا ً شرعيا ً للتحقيق؛ لأن ّ ه ّ مبني في الغالب على مراعاة الضرورة أو الحاجة والمصلحة أو دفع الحرج والمشقة والتيسير في مطالب الشرع(٤) . الثاني: العرف الذي ي رجع إليه في تطبيق الأحكام المطلقة على ا لحوادث ، ُ فهو باب عظيم من أبواب العرف يبتني عليه شطر كبير من الأحكام ولا يكاد ينكره فقيه، وهو كذلك برهان ثابت وحجة دامغة على عظمة الشريعة وجلالتها وأنها صالحة لكل زمان ومكان. ومعنى اعتبار هذا النوع من العرف: هو الرجوع إليه في الأحكام الكلية (١) السرخسي شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أحمد صاحب المبسوط، لم نقف على ترجمته. (٢) .١٤ - ١٣/ السرخسي: المبسوط، ١(٣) السدلان صالح: القواعد الفقهية، ص ٣٤٨ - .٣٤٩ (٤) . شبير: القواعد الكلية، ص ٢٤٥ . الزحيلي: نظرية الضرورة، ص ١٦٠ عند تطبيقها على جزئيات الحوادث، فالمجتهد أو القاضي إذا عرضت له ِ مسألة أو حادثة لم يرد من الشرع إلا حكم كلي يجعلها مع أمثالها كالتعزير َ وأسبابه، والنفقة، وأجل السل َ م، رجع في هذه الحوادث أو المسائل الجزئية ﱠ إلى تحكيم العرف والعادة، فمثلا :ً الحكم الكلي المستفاد من قوله تعالى: ﴿ §¨«ª© ¬﴾ ) البقرة : (٢٣٣ . فالمجتهد أو القاضي إذا عرضت له مسألة أو حادثة لم يرد من الشرع إلا ّ حكم كلي يجعلها مع أمثالها كالتعزير وأسبابه، والنفقة وأجل السلم رجع في هذه الحوادث أو المسائل ﱠ الجزئية إلى تحكيم العرف والعادة فمثلا :ً الحكم الكلي وجوب النفقة على المولود للوالدة المرضع فنفقتها وتقديرها يرجع في تحديدها إلى العرف والعادة بعد معرفة حال الوالد، وينبغي أن يبذل في سبيل ذلك الوسع ويعمل النظر جهد المستطاع، ليكون قريبا ً من الحق واثقا ً من العدالة ثم يبنى حكمه على أغلب ظنه وأحسن الرأي عنده(١) . الثالث: العرف الذي ينزل منزلة النطق بالأمر ا لمتعارف ، فهو ذلك العرف الجاري أو العادات الجارية بين الناس مجرى النطق بالألفاظ والعبارات الدالة على مضمونها، ذلك أنه قد تجري بين الناس في تصرفاتهم أو تكون قرينة تسوغ للشاهد أن يشهد، وللقاضي أن يقضي، وللمفتي أن يفتي، وهذه العادات لها قوة النطق باللفظ في اعتبار الشرع يرتب عليها ما رتبه على الألفاظ من الأحكام. ومعنى اعتبارها: أن قيامها بين الناس يكون بمثابة نطق المتصرف، عاقدا ً أو حالفا ً أو غيرهما، بكلام يفيد مضمونه، فإذا كان العرف في الأسواق أنهم يبيعون بثمن مؤجل إلى أول الشهر كان ذلك اشتراطا ً للتأجيل بالفعل في العقد، فكما أن التصريح باللفظ يرتب عليه الشارع من الأحكام ما يناسبه فكذلك العرف يكون عل ّ ة جعلية لهذه الأحكام. (١) . السدلان: القواعد الفقهية، ص ٣٤٩ - ومعنى اعتباره إذا كان قرينة: أن يكون كالدليل الصريح المسموع أو المرئي الذي يقوم عند القاضي أو المفتي أو الشاهد أو الشخص في خاصة نفسه، فيعتمد عليه كل فيما يعمل والأدلة عليه كثيرة(١) . ﱞ « الإدلال والتعارف » واعتبر الإباضية هذا النوع من العرف وأطلقوا عليه أن الإدلال عبارة عن حصول حال تسكن » :« العقد الثمين » وذكر السالمي في معه النفس برضى الغير في التصرف في ماله أو في شيء منه خاصة، مأخوذ من أدل عليه إذا عرف رضاه بالدليل الذي ظهر من حاله، وذلك أمر دون الإباحة بالنطق، فإن شئت فقل بأنه: فعل شيء في مال الغير يستر به ذلك ﱡ الغير، لو فعله بحضرته لم يكره، قال الحسن بن أحمد وجدت أن الربيع بن حبيب 5 دخل على المليح بن حسان(٢) يعوده من مرض، فقال الربيع: ِ يا قرشية هات الطعام، فتهل ّ ل وجه المليح حتى استوى جالسا ً كأن ما به من المرض قليل ولا كثير، فهيأت الطعام، فقال الربيع للقوم: كلوا فأكلوا، وكان الربيع صائما ً ، قال وقد قيل إنهم ذكروا الدلالة عند أبي عبيدة 5 فقال أبو عبيدة : لا أعرف ما يقولون غير أني لو أشاء لذهبت إلى منزل حاجب «... فقلت: يا جارية هات الكيس فأخذت منه ما أريد(٣) . وذكر السالمي أن الإباضية وغيرهم قد اختلفوا في حكم الإدلال المتقدم، فذهب الجمهور إلى جوازه، وذهب البعض إلى منعه؛ لأنهم يرون أن إباحة التصرف في ملك الغير لا تكون إلا بالنطق الصريح وفي هذا المعنى يقول: وأما حكمه فقد اختلف فيه، فبعض لم يجز الدلالة أصلا » ً ، ولعل ّ هؤلاء (١) . السدلان: القواعد الفقهية، ص ٣٥٠ (٢) من علماء الإباضية المتقدمين لم أقف على ترجمة مفصلة ووافية له، وإنما وجدت الشماخي روى .« ومنهم أي من أعلام طبقة الربيع المليح، وكان من العلماء الأخبار الأبرار » : يقول .١٠٢/ عنه محمد بن محبوب عاش في القرن الثاني الهجري ينظر: الشماخي، كتاب السير، ١ (٣) .١٢٤/ السالمي: العقد الثمين، ٤ لا يرون الإباحة إلا بالنطق الصريح، وأن الأصل عندهم حجر أموال الغير إلا بصحة الرضى، ولا يتوصل إلى صحة الرضى إلا بالنطق وأجازها أكثر « المسلمين(١) . وبعد أن بين السالمي مفهوم العرف العملي عند الإباضي ة، تعرض لبيان ّّ وأما حكمه فالأكثر على جوازه، ولم » : حكمه ومجالات اعتباره عندهم فقال ِ يستبحه بعضهم لما فيه من المخالفة لحكم الظاهر، واحتج من جوزه بجواز ّ استعمال أشياء من أبواب الشرع بسكون النفس والتعارف وغلبة الظن، كقبض الهدية من رسول المهدي، ودفع اللقطة إلى من جاء بعلامتها، ووطء الرجل َ امرأة ت ُ هد َ ى إليه عند التزويج، وجماع الأعمى لزوجته، وقبول الشهرة من غير الثقات، وشهادة الشاهد بما في الكتاب من خزانته، ووجوب طاعة الإمام على ِ «... الغرباء الذين يقدمون من غير مصره(٢) . وذكر السالمي أن الذين عولوا على اعتبار هذا النوع من العرف لم تتفق ﱠ كلمتهم في جميع الأحوال، فمنهم من أجاز العمل به بإطلاق ومنهم من قيده، ّ ثم اختلف المجوزون للتعارف، فمنهم من جوزه مطلقا » : وهذا نصه ً حتى في ّّ ّ أموال المساجد والأيتام والأغياب والمغصوبين، ومنهم من لم يجوزه كل ّ هم ّ وإنما يقصرون جوازه على مال البالغ العاقل المختار الحاضر؛ لأن الغالب لا يدري ما عنده، ومن لا عقل له لا يصح إباحته، ومن لا يملك أمره فلا إباحة له، ولعل المجوزين لهذا كله نظروا إلى حكم الإباحة بالتعارف أنه أمر خاص ّ به الشرع لا يحتاج في إباحته إلى إذن مالكه، بيان ذلك؛ أن أدلة الشرع قامت على جواز الأخذ بالتعارف ولم تفرق بين من يملك أمره ومن لا يملك أمره، ّ فصار ح ُ كما ً مخصوصا ً «... بنفسه لا يتوقف على إذن المالك(٣) . (١) السالمي: المرجع نفسه. (٢) ١٢٧/ السالمي العقد الثمين، ٤ - .١٢٨ (٣) السالمي: المرجع نفسه. فصل: في تنزيل دلالة » : قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام العادات وقرائن الأحوال منزلة صريح الأقوال في تخصيص العموم وتقييد المطلق وغيرهما، وله أمثلة منها: تقديم الطعام إلى الضيفان إذا أكمل وضعه بين أيديهم ود َ خ َ ل الوقت الذي جرت العادة بأكلهم منه، فإنه يباح الإقدام عليه تنزيلا ً للدلالة العرفية منزلة اللفظية. ومنها: الإذن في التقاط كل مال حقير جرت العادة أن مالكه لا يعرج عليه ولا يلتفت إليه، فإنه يجوز تملكه والارتفاق به، لاطراد العادات ببذله. ومنها: اندراج الأبنية والأشجار في بيع الدار ولو لم يصرح البائع بذلك بناء على العرف الغالب فيه واندراجهما في بيع الأراضي. ومنها: حفظ الودائع والأمانات في حرز مثلها، فلا تحفظ الجواهر والذهب والفضة بإحراز الثياب والأحطاب، تنزيلا ً للعرف منزلة تصريحه بحفظها في حرز مثلها. وكذا: إذا وقعت الإجارة على مدة معينة كان عمل الأجير محمولا ً على المتوسط في العرف من غير خروج على العادة في التباطؤ والإسراع، وكذا «... يعمل الأجير في الزمن الذي جرت العادة العمل فيه دون غيره(١) . هذا وقد اعتمد الإباضية العرف العملي والعادة في تحديد عمل الأجير، قال الشماخي : وعلى الأجير ن » ُ صح عمله بالنهار دون الليل بما أطلق بقدر قوته لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والنهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وله أن ينام في وقت النوم ولا يصل ّ نافلة ولا يصم نافلة إلا بإذنه؛ لأن ذلك مما يضعفه عن عمله في ذلك الأجل، ولا يحتاج إلى ذلك في « الفريضة من الصلاة والصوم؛ لأن ذلك مستثنى من الأجل بالعرف والعادة(٢) . (١)١٢٦ . أبو ستة: العرف والعادة في رأي الفقهاء، / العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، ٢ . ص ٥٢ (٢) .٢٣١ - ٢٣٠/ الشماخي: الإيضاح، ٦ وهكذا كل ما ورد به الشرع مطلقا ً ولا ضابط فيه ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف(١) . الرابع: من الاستعمالات الفقهية للعادة، العرف ا لقولي : وهو أن يشيع بين الناس استعمال بعض التراكيب والألفاظ في معنى بحيث يصبح ذلك المعنى هو المفهوم المتبادر منها إلى أذهانهم عند الإطلاق بلا قرينة ولا علاقة عقلية، وهو معتبر باتفاق الفقهاء إلا من شذ ّ منهم في بعض الفروع. ومعنى اعتباره: أن كل متكل ﱢ م يحمل كلامه على عرفه، سواء كان ذلك في خطاب الشارع أم تصرفات الناس، فلفظ الصلاة مثلا :ً تطلقه اللغة على الدعاء، ويطلقه الشرع على الأقوال والأفعال المخصوصة، وكذلك الزكاة والصوم والحج وغيرها من المصطلحات الشرعية، فالزكاة معناها في اللغة: الزيادة أو الطهارة، والصوم يراد به مطلق الإمساك، والحج معناه القصد، لكن انتقلت هذه الألفاظ عن معانيها اللغوية إلى معانيها الشرعية، فأصبحت حقائق شرعية وأعرافا ً شرعية بحيث أنها إذا أطلقت لم يتبادر إلى الأذهان إلا المعنى الشرعي. ومثل هذا أقوال الناس التي تدور عليها العقود والتصرفات، تحمل على ع ُ رفهم ومخاطبتهم(٢) . ومن أمثلة العبارات المتداولة عند بعض الناس وتدل على الموافقة لفظ (إيه)، وقد يراد به معنى آخر عند غيرهم، وهذا الصدد سئل أبو سعيد الكدمي ِِ عن رجل قال لرجل: أنا في الحل ّ من مالك فقال: إيه، هل يكون ذلك حلا ّ ً؟ معي أنه إذا استحل » : قال ّ ه من شيء يثبت له فيه الحل أو استباحة من شيء يثبت له فيه الإباحة، فإجابته بهذا الجواب تخرج عندي على معنى ما يعرف من لفظ المجيب في تعارف الكلام منه، فإن كان يخرج على معنى الحكم (١) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٦٩ . البورنو: الوجيز، ص ١٦٧ (٢)أبو ستة: العرف والعادة في رأي الفقهاء، ص ٥٠ - ٨٨٥/ ٥١ . الزرقا: المدخل، ٢ - .٨٨٦ البورنو: الوجيز، ص ٢٧٨ . السدلان: القواعد الفقهية، ص ٣٥١ - .٣٥٢ :á«Yô°ûdG ΩÉμMC’G »a IOÉ©dGh ±ô©dG QÉÑàYG •hô°T :»fÉãdG ´ôØdG وتلك لغته، كان عندي على كل واحد لغته وله تغيير، وإن كان لا يخرج على الأغلب من لغته، وإنما هو على معنى الإيماء بذلك ولم يفهم من معاني « الكلام، فهو يخرج عندي معنى الاطمئنانة لا في الحكم(١) . ويفهم من عبارة الكدمي أن الألفاظ إذا كانت صريحة يحكم بها على صاحبها، ولكن إذا كانت غير واضحة أو محددة فنغل ّ ب فيها جانب العرف والعادة الجارية في الناس في لغتهم، أو ما تعارفه كل شخص في لغته فإن وجدنا م َ ن عادته يستعمل مثلا ً كلمة (إيه) ليدل على الموافقة حك َ منا عليه بذلك، وإن كان لا يستعملها لذلك المعنى فلا نحكم عليه بذلك؛ لأن العادة محك ّ مة في أقوال الناس وتصرفاتهم، وإذا تعذرت الحقيقة اللغوية يحك ﱠ م العرف والعادة. ُ ٍ ليس كل ع ُ رف صالحا ً لبناء الأحكام الفقهية عليه، ولا اعتباره دليلا ً يرجع إليه الفقيه إذا أعوزه النص من كتاب أو سن ّ ة أو افتقده الإجماع؛ بل العرف ُ الذي اعتبره الفقهاء والعادة التي عولوا عليها وجعلوها أساسا ً لبعض الأحكام ّ الشرعية واعتبروها حجة وحكما ً هي ما توافرت فيها الشروط التالية: ١ الشرط ا لأول: أن يكون العرف أو العادة مطردة أو غالبة بأن يكون العمل بها مستمرا ً في ّ جميع الحوادث أو في أغلبها كما قال الراشدي : « تعتبر العادة إذا اطردت »(٢) . وقال السيوطي : « إنما تعتبر العادة إذا اطردت فإذا اضطربت فلا »(٣) ، وقال ابن نجيم : « إنما تعتبر العادة إذا طردت أو غلبت »(٤) . (١) ٢١٥ ، بتصرف. / الكدمي: الجامع المفيد، ٢(٢) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٦٦(٣) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٢٣(٤) . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٩٣ والمراد هنا من اطراد العرف بين متعارفيه: أن يكون عملهم به مستمرا ً في ُّ جميع الحوادث لا يتخلف، مثال ذلك: إذا ما جرى العرف بين الناس في بلد أو إقليم بتعجيل المهر قبل الدخول أو تقسيمه إلى معجل ومؤجل، فإنه يكون ّّ مطردا ً في هذا البلد أو الإقليم إذا كان أهله يجرون على الحالة المتعارفة من التعجيل أو التقسيم في جميع حوادث النكاح(١) . والمراد من غلبة العرف، أن يكون جريان أهله عليه حاصلا ً في أكثر ُ الحوادث، فاشتراط الاطراد أو الغلبة في العرف معناه اشتراط الأغلبية العملية فيه، لأجل اعتباره حاكما ً في الحوادث(٢) ؛ فيرجع إليه في المعاملة التي تجرى بين أهله فمثلا ً : من باع شيئا » ً وأطلق، نزل على نقد البلد فإن كانت أنواعا ً يتعاملون بها فعلى الغالب، فإن اضطربت العادة ولم يكن بيان بطل البيع، « وكذا الإجارة(٣) . وبالاطراد والغلبة يكون العرف مقطوعا ً بوجوده ولا يقدح في اعتباره ترك العمل به في بعض الوقائع القليلة، وكذا العادة فلا يضير شيء إن تخل ّ فت في بعض الحوادث النادرة؛ لأن العبرة للغالب الشائع لا القليل النادر (٤) . وإذا كانت العوائد معتبرة شرعا » : ويؤكد الشاطبي هذا المعنى فيقول ً « فلا يقدح في اعتبارها انخراقها ما بقيت عادة عن الجملة (٥) . وبناء عليه؛ فالعادة المطردة محك ّ مة في التصرفات، كما قرر الفقهاء يقول إمام الحرمين الجويني : كل ما يتضح فيه اطراد العادة فهو المحك » ﱠ م، ومضمره ُُ (١) النجار السيد صالح عوض: أثر العرف في التشريع الإسلامي، ص ١٨٩ - .١٩٠ (٢) .٨٩٨ - ٨٩٧/ الزرقا: المدخل، ٢(٣) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٦٦(٤) . النجار: أثر العرف، ص ١٩٠(٥) .٢٨٨/ الشاطبي: الموافقات، ٢ «(١) كالمذكور صريحا ً . وعل ّ لأن العادة المطردة » : ل بعض الفقهاء ذلك بقوله تنز ﱠ ل منزلة الشرط كما تنز ﱠ « ل منزلة صريح الأقوال في النطق بالأمر المتعارف(٢) . ويرى بعض الفقهاء أن الغلبة والاطراد إنما يعتبران إذا وجدا عند أهل العرف واشتهرا بينهم لا ما اشتهر في كتب الفقه، فالاشتهار في الكتب غيره في العرف وبناء عليه؛ لو ورد على المفتي من يستفتيه في واقعة عرفية كان ُُ عليه أن ينظر في عوائد بلده، فيبني حكمه عليها لا على ما اشتهر في كتب المذاهب؛ لأن ما دون في كتب الفقهاء كان عرفا ً سائدا ً في زمانهم فإذا تغير ُّ ّ العرف كل ّ ه أو بعضه واطرد أو غلب عمل بمقتضى ذلك(٣) . أما إذا اضطربت العادة وصارت مشتركة بين العمل بها والعمل بغيرها فلا تعتبر، كما قال الغزالي : ولا يصلح أي العرف المشترك مقيدا » ً ؛ لأن ّ ه لما ﱢ «(٤) كان مشتركا ً صار متعارضا ً . فإن العادة تسمى عرفا ً متى اعتادها أكثر القوم ولو كانوا لا يجرون عليها في أقل أعمالهم وإذا تساوى عملهم بها وعدمه سميت ع ُ رفا ً مشتركا ً. وبهذا الذي ذكر خرج العرف الذي لم يكن غالبا ً ، وهو ما تساوى العمل به وتركه، وهو لا يعتبر في معاملات الناس ولا يصح مستندا ً أو دليلا ً يرجع إليه في تحديد الحقوق والواجبات المطلقة؛ لأن عمل القوم به أحيانا ً إذا صل ُ ح دليلا ً على قصدهم إلى تحكيمه فتركهم له أحيانا ً مماثلة أو أكثر ينقض هذه الدلالة(٥) . وقد عل ﱠ ل ابن عابدين ذلك: بأن العرف المشترك يؤدي إلى التردد في (١) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٢٣ (٢) .١٩١ - النجار: أثر العرف، ص ١٩٠(٣) . السدلان: القواعد الفقهية، ص ٣٥٤(٤) .١٣٤/ ابن عابدين: نشر العرف، ٢(٥) .٨٩٨/ الزرقا: المدخل، ٢ المعنى المراد فلا يقطع بأن المتكل ﱢ م قصد هذا المعنى أو غيره، فلا يتقيد أحد المعنيين لتعارضهما بتحقق الاشتراك؛ لأنه يقتضي تساوي المعنيين دون ترجيح لأحدهما، فالعرف المشترك غير معتبر ولا يعمل به ولا يبني عليه الحكم، ومثاله: أن يوجد عرف في بلد بأن جهاز الأب لابنته المتزوجة من ماله َُ يعتبر عارية، ووجد عرف آخر في نفس البلد يعتبر جهاز الأب لابنته هدية ُُ وتساوى العرفان، وجهز الأب ابنته وحصل نزاع بين الأب وابنته حول هذا الجهاز، هل هو عارية يرد إلى الأب أم هدية تملكه البنت؟ ولا بينة لأحدهما، ُّ فلا يصلح هذا العرف المشترك دليلا ً مرجحا ً لدعوى أحد الخصمين، لتعارض العرفين حيث لا مرجح لأحدهما على الآخر لتساويهما، وحينئذ يكون القول للأب بيمينه، فيحكم له بدعواه لأنه المعطي وهو أدرى بصفة الإعطاء(١) . أما لو كان أحد العرفين غالبا ً عمل به ولا يلتفت إلى الآخر، ويكون القول لمن يشهد له العرف الغالب بيمينه، فيحكم له بدعواه، إذ لا تعارض حينئذ بين العرفين لعدم تساويهما وترجح أحدهما عن الآخر فيعمل به(٢) . ﱠ ٢ الشرط ا لثاني: أن تكون العادة أو العرف المراد تحكيمه في التصرفات قائما ً عند إنشائها، بأن تكون سابقة للتصرف أو مقارنة له، وإلا فلا تعتبر. ومعناه أن يكون العرف الذي يحمل عليه التصرف موجودا ً وقت إنشائه بأن يكون حدوث العرف سابقا ً على وقت التصرف، ثم يستمر إلى زمانه فيقارنه سواء أكان التصرف قولا ً أو فعلا(٣) ً ، فإذا طرأ عرف جديد بعد اعتبار ٌُ العرف السائد عند صدور الفعل أو القول لا يعتبر هذا العرف؛ لأنه أي هذا (١) .١٣٤/ ابن عابدين: نشر العرف، ٢(٢) .٨٩٨/ الزرقا: المدخل، ٢ (٣). أبو ستة: العرف والعادة، ص ٦٥ العرف الطارئ يعمل فيما يوجد بعده لا فيما مضى قبله(١) . فخرج بهذا الشرط أمران: الأول: ما إذا كان العرف طارئا ً على التصرف وحادثا ً بعده أو قارن العمل بمقتضاه. الثاني: ما إذا كان سابقا ً على التصرف وتغير قبل إنشاء التصرف، فإنه ﱠ لا يصبح حمله على كل منهما(٢) . قال الراشدي : العرف الذي تحمل عليه الألفاظ هو السابق في الاستعمال » « ر(٣) أو المقارن لا المتأخ ﱢ . وهذا ما نص عليه السيوطي أيضا ً (٤) ، وزاد عليه ابن ﱠ « ولذا قالوا لا عبرة بالعرف الطارئ » : نجيم فقال(٥) . ذلك؛ لأن القاعدة أن ّ ما له عرف أو عادة في لفظ إنما يحمل لفظه على عرفه السائد، أما العادات الطارئة ُُ بعد النطق فلا ي ُ قض َ ى بها على النطق، فإن النطق سالم من معارضتها فيحمل ِ على اللغة(٦) من باع بنقد ن » : ، ومثال ذلك ُز ّ ل على نقد البلد السابق على البيع، أو في حالة لا على نقد ت ُ عور ِ ف به بعده، وي ُ قتف َ ى بالوقف س ُ ن ّ ته السابقة على « الإيقاف إن أوقف على ذلك، لا ما حدث بعد(٧) . وبناء على ما تقدم، لو ألزمنا الإنسان بما جرى به عرف غير قائم وقت ٌُ التصرف لألزمناه بما لم يلزمه، وصرح الفقهاء بأن العرف المعتبر هو عرف الزمن والبلد الذي وجد فيه التصرف(٨) . (١) . ٨٩٩ . الخياط: نظرية العرف، ص ٥٤ / الزرقا: المدخل، ٢ (٢). أبو ستة: العرف والعادة، ص ٦٥(٣) . الراشدي: جواهر القواعد، ١٦٩(٤) . السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ١٢٨(٥) . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ١٠١ (٦)النص ّ ار: العادة محك ّ مة، ص ٨٧ . نقلا ً عن القرافي، شرح تنقيح الفصول. (٧) . الراشدي: جواهر القواعد، ١٦٩(٨) . النجار: أثر العرف في التشريع، ص ٢٢٥ قال ابن نجيم مشيرا ً والأحكام ت ...» : إلى هذا المعنى ُ بن َ ى على العرف فيعتبر في كل إقليم وفي كل عصر ع ُ « رف أهله(١) . وقال ابن قيم الجوزية : فإياك أن تهمل قصد المتكل ...» ﱢ م ونيته وعرفه، ُ فتجني على الشريعة، وتنسب إليها ما هي بريئة منه، وت ُ لزم الحالف والناذر « والعاقد ما لم يلزمه الله ورسوله به(٢) . أن العوائد تختلف باختلاف الأعصار والأمصار والأحوال وغير » وذكر الشاطبي ذلك من الأمور التي تتغير من زمن إلى زمن، وبلد إلى آخر، ولذا فإنها لا يقضى بها ُ البت ّ ة على ما تقدم حتى يقوم دليل على موافقة العرف الجاري اليوم لما سبقه، فيكون الدليل هو الذي جعلنا نقضي به على الماضي لا بمجرد العادة، وكذلك في المستقبل، لا يحكم فيه بالعادة الماضية أو العرف السابق؛ لأنها غير مستقرة في ذاتها ُ وحيث كانت غير مستقرة لا يتأت ﱠ « ى الحكم بها إلا على التصرف الحادث(٣) . ورعاية لهذا الشرط فإن الفقهاء يرون وجوب تفسير حجج الأوقاف والوصايا ُ ِ والبيوع والهبات ووثائق الزواج وما يرد فيها من شروط واصطلاحات على عرف َُ المتصرفين الذي كان موجودا ً في زمانهم، لا على عرف حادث، فلو أن شخصا ً ُ وق ﱠ ف سنة ألف من الهجرة مزرعة على علماء الشريعة وكان المتبادر من كلمة العلماء، من لهم خبرة كافية بعلوم الدين واللغة العربية، وإن لم يحمل شهادة علمية ِ أو غيرها، ثم حدث عرف في هذا الزمان يطلق هذا اللفظ على حملة الشهادة ٌُ العلمية لا غيرهم، ورفعت دعوى من العلماء الذين لم يحصلوا على هذه الشهادة، فمن له النظر في هذه الدعوى يفسر هذا اللفظ بالعرف الذي كان مستمرا ً وقت ُّ إنشاء الوقف، وهو كل من حاز صفة العلم، ولا يحمله على العرف الحادث(٤) . (١) ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ١٠١ - .١٠٢ (٢) ابن قي ّ .٦٨/ م الجوزية: إعلام الموقعين، ٣ (٣) .٢٩٨ - ٢٩٧/ الشاطبي: الموافقات، ٢ (٤)أبو ستة: العادة والعرف، ص ٦٥ بتصرف. وعليه، فإن النصوص التشريعية يجب أن تفهم بحسب مدلولاتها اللغوية والعرفية في عصر صدور النص؛ لأنها هي مراد الشارع، ولا عبرة لتبدل مفاهيم الألفاظ في الأعراف الزمنية المتأخرة، وإلا لم يستقر للنص التشريعي معنى، فمثلا ً في آية مصارف الزكاة له معنى عرفي إذ ذاك هو مصالح « في سبيل الله » لفظ ُ الجهاد الشرعي، أو سبل الخيرات مطلقا ً على اختلاف بين العلماء في ذلك. ُ فيها أيضا « ابن سبيل » ولفظ ً « المنقطع في سفره » : معناه العرفي(١) . فإذا تبدل عرف الناس في شيء من هذه التعابير، فأصبح مثلا ً « سبيل الله » معنى ُ الطفل اللقيط الذي لا يعرف له « ابن السبيل » طلب العلم خاصة، وأصبح معنى ُ أهل، فإن النص التشريعي يظل على معناه العرفي الأول عند صدوره، ومعمولا ً به في حدود ذلك المعنى؛ لأنه هو مراد الشارع(٢) ، ولا عبرة للمعاني العرفية ُ أو الاصطلاحية الحادثة بعد ورود النص(٣) . يقول القرافي في هذا الشأن: دلالة العرف مقدمة على دلالة اللغة؛ لأن العرف ناسخ للغة، والناسخ يقدم »على المنسوخ، فكما أن عقد البيع يحمل فيه الثمن على النقود المعتادة، ولا عبرة في هذا البيع لتبدل العادات بعده في النقود، كذلك نصوص الشريعة « لا يؤثر فيها إلا ما قارنها من العادات(٤) . (١) السيوطي جلال الدين عبد الرحمن ٰ بن أبي بكر وجلال الدين محمد بن أحمد المحلي، تفسير الجلالين مذيلا ً بكتاب لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي، سورة التوبة، الآية ١٤٠٣ ه/ ١٩٨٣ م، ص ٢٥٠ . ابن عابدين، رد المحتار، ، ٦١ ، دار المعرفة، بيروت ط ٢ .٦١/ باب المصرف في الزكاة، ٢ (٢) جاء في حاشية الصاوي المالكي على تفسير الجلالين في تفسير قوله تعالى: ﴿ }| ~ے ¡ ﴾ أي ويشتري « قوله: أي القائمين بالجهاد إلخ » : ما يفيد هذا المعنى بما نصه أن طلبة العلم المنهمكين فيه لهم الأخذ » : منها آلته من سلاح ودرع وفرس، ومذهب مالك الصاوي: الحاشية «... من الزكاة ولو أغنياء إذا انقطع حقهم من بيت المال؛ لأنهم مجاهدون .١٥٤/ على الجلالين، دار الفكر، بيروت، ط ١٣٩٧ ه/ ١٩٧٧ م، ٢ (٣) .٩٠٠/ الزرقا: المدخل، ٢(٤) . فقرة ٩٣ ، ص ٢٥٠ ،« مالك » القرافي: تنقيح الفصول، ص ١٩٤ . يتصرف. أبو زهرة: محمد، كتاب وفي العرف العملي أيضا ً إنما يعتبر في كل تصرف من الأعراف المؤثرة فيه ما كان موجودا ً عند التصرف دون الحادث بعده، فلو تبدل عرف الناس مثلا ً فيما ي ُ عد عيبا ً في البيع أو فيما يدخل في البيع تبعا ً للمبيع، أو في تقسيط أجرة العقارات المأجورة، أو في كون سنة الإيجار شمسية أو قمرية، أو في تقسيم المهر في النكاح إلى معجل أو مؤجل إلى غير ذلك من الشؤون، فإن العرف الحادث لا يسري على التصرفات السابقة ولا يبدل شيئا ً من أحكامها والتزاماتها وإنما تخضع له التصرفات الجديدة الواقعة في ظله(١) . ٣ الشرط ا لثالث: ألا يعارض العرف تصريح بخلافه، أو ألا ّ تعارض العادة شرطا ً للعاقدين أو أحدهما بعد العمل بها. وهذا الشرط يختص بالعرف الذي ينزل منزلة النطق بالأمر المتعارف؛ لأن العادة المطردة مع قوم ت ُ نز ّ ل منزلة الشرط كما صرح بذلك الراشدي (٢) . وبيان ذلك أنه لا يوجد قول أو عمل يفيد عكس مضمونه، وقد تقدم أن علة تنزيل الأمر المعروف منزلة المشروط هي أن سكوت المتعاقدين عن الأمر المتعارف وعدم اشتراطهم إياه صراحة، يعتبر واقعا ً منهم اعتمادا ً على العرف الجاري. فإثبات الحكم المتعارف في هذه الحال إنما هو من قبيل الدلالة، فإذا لا عبرة » صرح بخلافه بطلت هذه الدلالة، إذ من القواعد الفقهية المقررة، أنه ّ للدلالة في مقابلة التصريح « (٣) . أن العرف لا يعتبر ولا يكون حجة إذا كان هناك » : ومفهوم هذا الكلام (١) ٩٠٠/ الزرقاء مصطفى: المدخل، ٢ - .٩٠١ (٢) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٦٩(٣) . المجلة العدلية، المادة ١٣ تصريح يخالف ما تعارف عليه الناس؛ لأن المتعارف عليه إنما هو من قبيل ِ الدلالة، والدلالة تقوم مقام الكلام الصريح عند عدمه، فإذا وجد التصريح بخلاف ما تفيده تلك الدلالة لم يبق لها هذه الخل َ فية والنيابة في التعبير عن « الإرادة وحينئذ يصار إلى العمل بما صرح به ويترك العرف(١) . كل ما يثبت في العرف إذا » :« قواعده » يقول الإمام العز بن عبد السلام في «(٢) صرح المتعاقدان بخلافة بما يوافق مقصود العقد ويمكن الوفاء به صح . وهذا ّّ تقييد وجيه يخرج ما لا يوافق مقصود العقد ولا يمكن الوفاء به، فلا يعتبر ولو صرح به المتعاقدان، بيانه كما مث ّ لو شرط المستأجر على » ل به ابن عبد السلام أنه َّ الأجير أن يستوعب النهار بالعمل من غير أكل وشرب يقطع المنفعة، لزمه ذلك، ولو شرط عليه أن يعمل شهرا ً في الليل والنهار بحيث لا ينام ليلا ً ونهارا ً ، فالذي « أراه بطلان هذه الإجازة لتعذر الوفاء به، فكان ذلك غررا لا تمس الحاجة إليه(٣) . أما لو شرط عليه أن لا يصلي السنن الرواتب ويقتصر على الفروض صح ﱡّ ووجب الوفاء به؛ لأن تلك الأوقات إنما خرجت على الاستحقاق بالعرف القائم مقام الشرط فإذا صرح بخلاف ذلك مما يجوز الشرع ويمكن الوفاء به جاز(٤) . ّ وعلى الأجير نصح عمله بالنهار دون الليل بما أطاق » :« الإيضاح » جاء في بقدر قوته، لا يكلف الله نفسا ً إلا وسعها، والنهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وله أن ينام وقت النوم ولا يصل ّ نافلة ولا يصم نافلة إلا بإذنه؛ لأن ذلك مما يضعفه عن عمله في ذلك الأجل، ولا يحتاج إلى ذلك في الفريضة « من الصلاة والصوم؛ لأن ذلك مستثنى من الأجل بالعرف والعادة(٥) . (١) وحيد الدين سوار: التعبير عن الإرادة، ص ٢٠٨ بتصرف. (٢) .١٧٨/ ابن عبد السلام: قواعد الأحكام، ٢ (٣) .١٧٩ - المرجع السابق، ص ١٧٨(٤) . المرجع نفسه، ص ١٨٦ (٥) .٢٣١ - ٢٣٠/ الشماخي: الإيضاح، ٢ ومن الأمثلة أيضا ً : إذا كان العرف جاريا على أن يدفع المستأجر أجرة ً البيت مقدما ً في أول كل شهر فاتفقا على دفع الأجرة في آخر الشهر جاز(١) . إن العرف حجة » : ويقول علي حيدر التركي شارح مجلة الأحكام العدلية إذا لم يكن مخالفا ً لنص أو شرط لأحد العاقدين، فلو استأجر شخص أجيرا ً للعمل من الظهر إلى العصر فقط، ليس له أن يلزمه بالعمل من الصباح إلى المساء بحجة أن ع ُ « رف البلدة هكذا(٢) . وعلى ذلك تتقيد الإعارة في الزمان والمكان والمقدار بما يقيدها به المعير ُّ ولو جاء قيده مخالفا ً للمعتاد، إذ لا عبرة للمعتاد مع التصريح بخلافه، ولنضرب لذلك أمثلة أخرى للتوضيح فمثلا :ً ١ فلو استعار شخص دابة مثلا ً للركب أو للتحميل يعتبر مأذونا ً بركوبها أو بتحميلها القدر المعتاد في أمثالها عرفا ً ، ولكن لو نهاه المعير صراحة عن ُُ ركوبها أكثر من مدة أو عن تحميلها أكثر من مقدار حدده له، لا يجوز للمستعير أن يزيد عليه ولو مقدارا ً لا يتجاوز المعتاد، فإن زاد كان متعديا ً في حكم الغاصب(٣) . ٢ ومن الإعارة أيضا ً : لو نهى صاحب السيارة (المعير) أن يركبها (المستعير) أكثر من مرتين، وأن لا يسير إلا في وقت معين، وأن لا يخرج من البلدة التي هو فيها، فعلى المستعير أن يتقيد بذلك ولو خالف العرف(٤) . ٣ إذا كان العرف أن تكون نفقات تسليم المبيع على المشتري ولكن اتفق العاقدان على أنها على البائع فيعمل بذلك الذي اتفق عليه(٥) . (١) . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص ٢٣٧(٢) علي حيدر: درر الحكام، شرح مجلة الأحكام العدلية، المادة رقم ٣٧ ، تعريب: الشرح المذكور للمحامي فهمي الحسيني. (٣) .٩٠٢/ الزرقا: المدخل، ٢(٤) . السدلان صالح: القواعد الفقهية، ص ٣٦١ (٥). أبو ستة: العرف والعادة، ص ٦٧ ٤ لو اطرد عرف الناس على أن يستثنى الليل في عمل لا يتول ّ ى إلا في ُُ النهار فاشترط صاحب العمل على الأجير أن لا يعمل إلا في الليل، فلا يعتبر العرف حينئذ(١) . ٥ ولو تعارف الناس تأجير البيوت للسكنى واتفق العاقدان على تأجيرها للانتفاع بها في غير ذلك، فلا عبرة للعرف مع التصريح بخلاف(٢) . ٤ الشرط ا لرابع: أن لا يكون في العرف أو العادة تعطيل لنص ثابت أو لأصل قطعي في الشريعة(٣) ؛ أي أن العرف لا يكون معتبرا ً في التشريع إذا خالف النص الشرعي من كتاب أو سن ﱠ ة وقد عبر عنه بعضهم بقوله: ألا تخالف العادة نصا ً من كتاب ُّ ّ أ و س ُ ن ﱠ ة أو أصل قطعي في الشريعة الإسلامية(٤) . ومعنى هذا الشرط أن تكون عادات الناس موافقة للأحكام التي أفادتها الأدلة، فلو خالفتها بطل اعتبارها. فإذا كان العرف مخالفا ً لبعض الأدلة الشرعية من نصوص الشريعة أو من قواعدها وأصولها، فالمبدأ العام الذي يستخلص من أقوال الفقهاء الباحثين إجمالا ً هو أنه: إذا ترتب على العمل بالعرف تعطيل لنص شرعي أو أصل قطعي في الشريعة لم يكن عندئذ للعرف اعتبار؛ لأن نص الشارع مقدم على العرف، كتعارف الناس التعامل بالربا، وشرب الخمر، ولعب الميسر، ومشي النساء وراء الجنائز، وإضاءة الشموع على المقابر وكشف بعض العورة، وككثير مما خالف الشرع مما تعارفه الناس في الجاهلية، ثم جاءت النصوص (١) عمر عبد الله: العرف وأثره في الفقه الإسلامي، نسخة مصورة من المكتبة المركزية، جامعة . الإمام سعود، الرياض، برقم ٤٤١٢(٢) . النجار: أثر العرف في الشريعة الإسلامية، ص ٢٢٣(٣) . ٩٠٢ . السدلان صالح: القواعد الفقهية، ص ٣٠٨ / الزرقا: المدخل، ٢(٤) . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص ٢٤٥ الشرعية بتحريمه والنهي عنه، فهذه الأعراف وهذه العادات تسمى بالعادات الفاسدة والأعراف الباطلة. أما إذا لم يترتب على العرف هذا التعطيل، بل كان العرف مما يمكن تنزيل النص الشرعي عليه أو التوفيق بينهما، فالعرف عندئذ معتبر وله سلطان محترم. والتمييز بين هاتين الحالتين يقوم على نظر تفصيلي تختلف فيه النتائج بحسب كون العرف مخالفا ً لنص أو أصل قطعي، أو مخالفا ً لأدلة اجتهادية، وكذا بحسب كون العرف المخالف للنص مقارنا ً له أو حادثا ً بعده، وبحسب كون العرف لفظيا ً أو عمليا ً وعاما ً أو خاصا ً ، وهذا ما نبحثه في الفرع التالي. ّ ّّ ّ تلك هي أهم الشروط التي اتفق فيها فقهاء الشريعة الإسلامية على وجوب توافرها في العرف والعادة، لكي يكون لهما هذا السلطان الواسع في بناء الأحكام عليهما. n :á«Yô°ûdG ádOCÓd IOÉ©dGh ±ô©dG áØdÉîe ä’ÉM :ådÉãdG ´ôØdG إذا وافق العرف والعادة الدليل الشرعي فيجب مراعاته وتطبيقه؛ لأن العمل في الحقيقة بالدليل الشرعي لا بالعرف وإنما يستأنس بالعرف فقط، ولكن قد يتخطى عرف الناس وتعاملهم حدود التشريع الأساسية، فيخالف نصا ً من ُّ نصوص الشريعة أو بعض الآراء الاجتهادية المقررة فيها: فما موقف الفقه الإسلامي عندئذ؟ وما درجة تسامحه مع العرف في هذا التخطي؟لا ريب أن هذه القضية جوهرية يظهر آثارها في الفروع الفقهية وتنزيل الأحكام الفقهية على النوازل والحوادث المتجددة، ولذلك وقف فيها الفقهاء موقفا ً حكيما ً جمع بين المرونة اللازمة لتطور الأحكام التي يجب أن تتطور بحسب ظروف الحياة، وبين المحافظة على القواعد العامة الأساسية، وقد رصد الفقهاء أربع حالات لمخالفة العرف للنصوص الشرعية مختلفة النتائج: ١ الحالة الأولى: حالة اصطدام العرف بنص تشريعي خاص: إذا خالف العرف الدليل الشرعي من كل وجه ويلزم من اعتبار العرف ترك النص، فهذا لا شك في رده وعدم اعتباره، فلا يعتبر العرف مطلقا ً وذلك فيما إذا اصطدم العرف بنص تشريعي خاص من نصوص الكتاب أو السن ﱠ ة بأمر بخلاف ﱡ ما جرى عليه العرف، فلو تعارف الناس على أمر من الأمور وجاءت الشريعة بنصوصها معارضة له، فلا يؤخذ بهذا العرف ولا يعتبر، بل هو عرف مرفوض يجب ُ تغييره لا إقراره، ولا يجوز القضاء به بحال سواء أكان العرف خاصا ً أم عاما ً ، وسواء ّّ أكان حادثا ً بعد ورود النص أم قائما ً قبل؛ لأن العرف أو العادة إنما تعتبر حكما ً لإثبات حكم شرعي إذا لم يرد نص في ذلك الحكم المراد إثباته، فأما إذا ما ورد النص فيجب العمل بموجبه ولا يجوز ترك النص للعمل بالعادة أو العرف لأسباب: ١ لأنه ليس للعباد حق تغيير النصوص الشرعية. ٢ ولأن النص أقوى من العرف ولا يترك الأقوى لما هو أضعف منه. ٣ ولأن العرف قد يكون مستندا ً على باطل، وأما نص الشارع فلا يجوز أن يكون مبنيا ً على باطل، فلذلك لا يترك القوي ِ لأجل العمل بالضعيف(١) . ّ وكل عرف ورد النص بخلافه فهو غير معتبر » :« المبسوط » جاء في « (٢) . إن النص » : ويقول الكمال بن الهمام في مصادمة العرف للنص الشرعي الشرعي أقوى من العرف، لأن العرف جاز أن يكون على باطل، كتعارف أهل زماننا إخراج الشموع والسرج إلى المقابر ليالي العيد، والنص بعد ثبوته ﱡ لا يحتمل أن يكون على باطل، ولأن حجية العرف على الذين تعارفوه والتزموه « فقط والنص حجة على الكل فهو أقوى(٣) . (١) ٩٠٣/ الزرقا: المدخل، ٢ - ٩٠٥ . البورنو: الوجيز: ص ٢٨٣ - . ٢٨٥ . النجار: أثر العرف، ص ٢٠٦ (٢) .١٤٦/ السرخسي: المبسوط، ١(٣) ١٥٧ وما بعدها. صالح السدلان: القواعد الفقهية، / ابن الهمام: فتح القدير، ٦ .٣٦٨ - ص ٣٦٧ ولذا جاءت الشريعة الإسلامية بالنهي عن كثير من العادات والأعمال والعقود التي كانت متعارفة في الجاهلية بلا نكير، وحرمت التبن ّ ي وإجراء حكم البنوة الحقيقية فيه فنهى عنه القرآن بخصوصه وكان متعارفا ً عند أهل الجاهلي ة، فهذا العرف أصبح لا اعتبار له ولا قيمة، فهو مرفوض يجب تغييره لا إقراره، ولا يجوز القضاء به بحال لأنه صادم إرادة الشارع الخاصة. وكذلك حرمت الربا ولعب الميسر وشرب الخمر، والتحلي بالذهب للرجال ولبسهم الحرير ونكاح الشغار، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عقود كانت متعارفة بين العر ب، لانتفاء التراضي الحر فيها، ولما فيها من الغرر وكثير من المشكلات، ومن ذلك نهيه عليه الصلاة والسلام عن البيع بالمنابذة(١) والملامسة وإلقاء الحجر وبيع الملاقيح والمضامين وبيع ضربة القانص(٢) والغائص، وغير ذلك مما ورد تحريمه نصا ً ، وكل ذلك كان معروفا ً في الجاهلية ّ فنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأصبح في الإسلام ممنوعا ً باطلا ً. فلو تعارف الناس في زمان أو مكان وعاودوا تجارة الخمر المحرمة، وتناول المخدرات، وشرب المسكرات، والتعامل بالربا الممنوع شرعا ً ، فلا عبرة لعرفهم، ولا تصح عقودهم فيه بنظر الشرع الإسلامي(٣) . (١) البيع بالمنابذة أو الملامسة أو إلقاء الحجر هو أن يتراو َ ض المتبايعان، أي يتساوما على مقايضة سلعة بسلعة، فمتى نبذ كل منهما سلعته إلى الآخر أو لمس سلعة رفيقه فقد انبرم البيع بلا خيار، ولو لم يطلع على المبيع، كما لو كان ثوبا ً مطويا ً لم يتأمله. ّ وطريقة إلقاء الحجر في عرفهم: أن يلقي المشتري حصاة على عدة أثواب مثلا ً ، فما أصابته في عصرنا اليوم. « اليانصيب » كان مبيعا بلا خيار، كالقمار، وهو أشبه بطريقة والمضامين: ما يستنتج من فحول الإبل من ولد، والملاقيح ما يستنتج من إناثها. (٢) وضربة القانص: ما سيقع في شبكة الصياد من صيد البر أو البحر، وضربة الغائص ما سيخرجه الغو ّ ٩٠٧ ، نقلا / اص من اللآلىء في غوصته. ينظر: الزرقا: المدخل الفقهي، الهامش، ٢ ً عن ٥٥ . ابن عابدين: رد / الهداية وشرحها، برهان الدين علي المرغيناني، باب البيع الفاسد، ٦ .١٠٩ ،١٠٦/ المحتار، ٢ (٣) .٩٠٨ - ٩٠٦/ الزرقا: المدخل، ٢ والحاصل، أن العرف إنما يعمل في حدود الحرية التي تركها للمكلفين في ميادين الأعمال والالتزامات، دون الحالات التي تول ّ ى الشرع فيها بنفسه تحديد الأحكام عن سبيل الإلزام، وإلا لأمكن أن تقلب الأعراف على مر َّ الزمن أسس التشريع كلها رأسا ً على عقب، فتنقرض الشريعة بتاتا ً وتصبح أثرا ً بعد عين، فالنص الخاص الآمر هو المعتبر المحترم ولو صادمه عرف عام، فلا يعتبر أي عرف أو اتفاق على خلافه(١) . مثال تطبيق لعرف خاص خالف النص الشرعي: إقامة العزاء والمآتم من مال الورثة مع أمور أخرى محرمة، فإذا خالف العرف الخاص النص الشرعي وفيه ضرر بالغير فلا اعتداد به ولا اعتبار له ولو جرى العمل به عند الناس؛ لأنه بدعة في الدين كإقامة الولائم في العزاء من مال الورثة واختلاط الرجال بالنساء في المآتم. وقد سئل السالمي عن ابن عم الميت أراد أن يقيم له عزاء برضى البالغين ّ من ورثته، وقد خلف الميت أيتاما ً وبالغين، هل يجوز لابن عم الميت ذلك ِ أو لا؟ والميت لم يوص بذلك؟ فأجاب 5 : أما ابن عمه فلا يجوز له أن يأخذ من مال الأيتام شيئا » ً لذلك، وإذا أخذ ضمن، وإن جرت العادة في أهل داره بذلك فهي ظلم، وأما الحاضر للعزاء فله أن يأكل مما قدم إليه، إذا قدمه البالغ العاقل ما لم يعلم أن ذلك الشيء بعينه من تركة الهالك، وعلى من قدمه الضمان إن ِِ أخذه من غير حل ّ ه، فإذا علم أنه من تركة الهالك امتنع على كل من علم، وأقول: إن ما يصنعه الناس من العزاء في هذا الزمان بدعة، وكانت السن ﱠ ة ﱡ «... على غير ذلك(٢) . (١) .٩٠٨/ الزرقا: المرجع نفسه، ٢(٢) ٤١٠/ السالمي: العقد الثمين، ٣ - .٤١١ ٢ الحالة الثانية: حالة تعارض العرف مع نص شرعي عام: من أحوال العرف والعادة أمام النصوص الشرعية حالة تعارض العرف مع أن تكون مخالفة العرف للدليل » : نص شرعي عام، وعبر عنها البعض بقوله ِ الشرعي لا من كل وجه، وذلك بأن يرد الدليل عاما ً والعرف خالفه في بعض ّ «(١) أفراده أو كان الدليل قياسا ً . فإذا عارض العرف النص التشريعي ولم يكن النص وقت وروده مستندا ً إلى العرف ولا مبنيا ً على تعامل الناس وعاداتهم بل كان نصا ً تشريعيا ً عاما ً ّ ّّ شاملا ً بعمومه الأمر المتعارف، ففي سلطان العرف عندئذ تفصيل(٢) . وفي اعتباره نظر بحسب كون العرف مقارنا ً لورود النص أو حادثا بعده وبيان ذلك: أولا ً : العرف المقارن لورود النص العام المعارض ل ه: العرف القائم عند ورود النص التشريعي إما أن يكون عرفا ً لفظيا ً أو عمليا ً ّّ فإذا كان لفظيا » ً فلا خلاف بين الفقهاء في اعتباره، فينزل النص التشريعي العام ّ على حدود معناه العرفي عند الخلو عن القرائن، ولو كانت دلالة اللفظ الذي استعمله الشارع هي في أصل اللغة أوسع من دلالته العرفية؛ فألفاظ البيع والشراء والإجارة والصيام والصلاة والحج وعدة النساء في الطلاق والوفاة، كل ذلك ونحوه من النصوص يحمل على معانيه العرفية عند ورود النصوص « بها وإن اختلفت عن المعاني الوضعية في أصل اللغة(٣) . وأما إذا كان العرف القائم عند ورود النص المخالف له عرفا ً عمليا ً فلدى ّ من يعتبره صالحا ً لتخصيص النص العام يوجد تفصيل بين أن يكون العرف عاما ً أو خاصا ً وتلخيصه فيما يلي: ّّ (١) . البورنو: الوجيز، ص ٢٨٣(٢) ٩١٣ . بتصرف. / الزرقا: المدخل، ٢(٣) .٩١٤/ المرجع السابق، ٢ ١ العرف المقارن ا لعام: إذا كان العرف القائم عند ورود النص العام المعارض له عرفا ً عاما ً فإنه يعمل بالعرف والنص معا ً ، ويكون العرف مخصصا ً ّ للنص العام لا مبطلا ً له، فيعتبر عندئذ ذلك النص مقصور الشمول على ما سوى الأمر المتعارف؛ لأن العرف العملي يدل على حاجة الناس إلى ما تعارفوا عليه، وفي نزع الناس عما تعارفوه عسر وحرج، وبناء عليه؛ فإن العمل بهما معا ً أولى وأوفى بالحاجة مثال ذلك: أن النص ورد في نهي الإنسان عن أن يبيع ما ليس عنده(١) . وجوز الفقهاء الاستصناع لعرف الناس وتعاملهم به مع أن النص َّ يشمله ويتناوله، إذ يصدق على الاستصناع أن بيع ما ليس عند الإنسان فهو منهي عنه بالنص، فقد عمل بمقتضى النص في غير الاستصناع وعمل بالعرف في الاستصناع، فلم يلزم من العمل بالعرف المخالف للنص ترك النص. فكأنما ورد النص باستثناء الاستصناع ضمنا ً كما استثنى السلم صراحة ﱠ وبقي النص في غير ذلك من أنواع بيع المعدوم، وقد ن ُ قل الإجماع على صحة الاستصناع(٢) . ٢ العرف المقارن ا لخاص: وأما إذا كان العرف القائم المعارض للنص العام عرفا ً خاصا ً بمكان دون آخر أو بفئة من الناس دون سواهم، كعرف ّ التجار أو الصناع في بعض البلدان أو بعض الأصناف، فلا يصلح مخصصا ً ﱡﱢ للنص العام المعارض ولو كان قائما ً عند ورود النص إلا على رأي ضعيف؛ لأنه ليس له عند معارضة النص ما للعرف من قوة وسلطان، فقد يقتضي عرف ُ (١) ،٣ رواه أبو داود في السنن، كتاب الإجارة، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، رقم ٥٠٣ والترمذي، أبواب البيوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، رقم ١٢٣٢ . وقال: حسن. (٢) .١١٦/ ٩١٦ . عبد العزيز الخياط: نظرية العرف، ابن عابدين رسائل، ٢ / الزرقا: المدخل، ٢ البلاد أو الناس تخصيص النص، ولكن عدم وجود هذا العرف لدى بقية الأماكن أو الناس لا يقتضيه فلا يثبت التخصيص بالشك(١) . ثانيا ً : العرف الحادث بعد النص المعارض ل ه: إذا كان العرف المعارض للنص العام حادثا ً بعد ذلك النص، فإن هذا العرف لا يعتبر ولا يصلح مخصصا ً للنص التشريعي باتفاق الفقها ء، ولو كان عرفا ً عاما؛ لأن العرف الحادث هو طارئ بعد أن حدد مفهوم النص ًّ التشريعي ومراد الشارع منه أصبح نافذا ً منذ صدوره عن الشارع، فإذا ساغ ِ تخصيصه بعد ذلك بعرف طارئ مخالف له، كان ذلك نسخا ً للنص التشريعي ُ بالعرف وهذا غير جائز؛ إذ لو جاز لأدى إلى تبديل معظم أحكام الشريعة بأعراف طارئة تلغيها وتحل محلها، فلا يبقى للشرع معنى ولا فرق في ذلك بين العرف العملي واللفظي في عدم صلاحية الطارئ منهما لتخصيص النص السابق عليه. وعلى هذا الأساس يجب أن تطبق نصوص الفقها ء، وت ُ فسر صكوك ّ الوق ْ فيات والوصايا والبيوع والهبات والزواج، وسائر الصكوك العقدية وما يرافقها من شروط واصطلاحات، فإنها جميعا ً يجب أن تفسر بحسب عرف العاقدين المنشئين لها في زمانهم قياسا ً على نصوص الشارع، ولا يسوغ تنزيلها في الفهم على ع ُ رف حادث يخرج به كلامهم عن مرادهم(٢) . الوارد في الكتاب والسن « اليمين » مثال ذلك: لفظ ﱠ ة، فإن مفهومه اليمين بالله ﱡ تعالى؛ لأنها هي المعروفة في لسان الشرع، وعليها يحمل قوله تعالى: ﴿ £ ¤ §¦¥ ¨©ª«¬® ﴾ )المائدة :( ٨٩ ، (١) ابن نجيم: الأشباه والنظائر آخر القاعدة السادسة، ص ١٣٤ . ابن عابدين: نشر العرف، الباب الأول ٩١٦/ ١١٦ . الزرقا: المدخل، ٢ / من مجموع رسائله، ٢ - . ٩١٧ . البورنو: الوجيز، ص ٢٨٣ (٢) .٩٢١/ الزرقا: المدخل العام، ٢ فلا يصح حمله على اليمين المستحدثة بالطلاق والعتاق، لأنها لم تكن معروفة في الجاهلية، فلا يكون اللغو فيها معفى(١) . المعاني الاصطلاحية التي تعارفها الفقهاء في تقسيماتهم لضبط » وكذلك المسائل وترتيب الأحكام كالفرض والواجب والمسنون والمندوب والمكروه تنزيها ً أو تحريما ً وغير ذلك من الاصطلاحات الفقهية المستحدثة، لا يصح تفسير نصوص القرآن والسن ﱠ ة بها على أنها هي المراد بالأوامر والنواهي، بل إن ﱡ صيغة الأمر في تلك النصوص تارة تفيد الطلب المحت ّ م للفعل، وتارة أفضليته أو إباحته، والنهي يفيد عكس ذلك ول ْن ُ سميه بعد ذلك بما شئنا من الاصطلاحات، فإنها لا تبد ّ ل شيئا ً من تلك المدلولات الأصلية التي كانت في لغة الشارع هي ِ المفهومة، ولا توجد فيها الاصطلاحات الحديثة حدودا ً « جديدة(٢) . الحالة الثالثة: أن يكون النص ا لمخال َ ف مبنيا ً على العرف والعادة: ّ أن يكون النص الذي جاء العرف بمخالفته مبنيا ً على العرف والعادة ّ فإذا كان النص نفسه حين صدوره عن الشارع مبنيا » ، السائدة في زمان ً على ّ عرف قائم ومعللا به، فإن النص عندئذ يكون عرفيا ً فيدور حكمه مع العرف ّ « ويتبدل بتبدله(٣) . إذا كان النص الشرعي مبنيا » : فإن بعض الفقهاء قالوا ً على ّ العرف والعادة السائدين في زمان نزوله، فإنه يترك النص ويصار إلى العرف والعادات إذا تبدلت بتبدل الزمان، ومعنى هذا أنه يصار إلى العرف الطارئ « بعد النص، على أن تغير العادة يستلزم تغير النص(٤) . مثال ذلك: مقياس ّّ الأموال الربوية، فهي إما وزنية، كالذهب والفضة، وما يقاس عليها، وإما كيلية، كالتمر والبر والشعير والملح وما يقاس عليها، فمن المقرر عند جمهور الفقهاء (١). أبو ستة أحمد فهمي: رسالة العرف والعادة، ص ٩٥(٢) .٩٢٠/ الزرقا: المدخل، ٢(٣) .٩٠٨/ الزرقا: المرجع نفسه، ٢(٤) النجار: أثر العرف، ص ٢١٢ - . ٢١٣ . البورنو: الوجيز، ص ٢٨٣ أن الأموال التي تعتبر شرعا ً من الأنواع الربوية يمتنع فيها بيع مقدار منها بأكثر أو أقل منه، إذا كان من جنس واحد؛ لأن الفضل عندئذ يكون ربا ً محرما ً ، فلا تجوز مبادلة القمح بالقمح مثلا، ً ولا الذهب بالذهب إلا إذا تساوى البدلان، بمعنى أنه لا يجوز بيع الوزني بالوزني بجنسه إلا وزنا ً ولا بيع الكيلي ْ بالكيلي، بجنسه إلا كيلا، ً لأن النص ورد فيها كذلك(١) . ْ فإذا اختلف الجنسان كبيع الذهب بالفضة أو القمح بالشعير، جاز التفاضل ولكن تمنع النسيئة، أي تأجيل أحد البدلين، فيجب التقابض في مجلس العقد، وهذا من قبيل سد الذرائع كيلا يتخذ جواز التفاضل عند اختلاف الجنسين ذريعة ووسيلة إلى ربا النسيئة، فيستقرض الشخص ذهبا ً مثلا ً إلى أجل ثم يوف ﱢ ي فضة أكثر منه بقدر الربا المراد. فهذا الحكم كما هو ظاهر يقوم على أساس وجوب تساوي الكميات المتبادلة في الجنس الواحد، فما هو مقياس هذا التساوي فقد يتساوى المقداران وزنا ً ويتفاوتان كيلا ً وبالعكس؟ ومن المتفق عليه أن التساوي يعتبر شرعا ً بالمقياس العرفي في كل صنف، فما كان وزنا ً عرفا ً كالزيت والسمن، يجب تساوي الكميتين فيه بالوزن، وما كان كيليا ً عرفا ً يجب التساوي فيه بالكيل كاللبن والعسل مثلا ً ، وإذا تبدل ّْ العرف في مقياس شيء فأصبح ك َ يليا ً مثلا ً بعد أن كان وزنيا ً أو أصبح وزنيا ً بعد ّْ ّّ أن كان ك َ يليا، تبدل القياس الربوي فيه تبعا للعرف. ْ غير أنه قد ورد النص عن النبي صلى الله عليه وسلم في ستة أصناف من الأموال الربوية (ومنها القمح) أنه يجب التساوي في بعضها بالوزن وفي بعضها بالكيل(٢) ، فذهب (١) ٩٠٨/ البورنو: الوجيز، ص ٢١٤ . الزرقا: المدخل، ٢ - .٩٠٩ (٢) الأصناف الربوية الستة هي: الذهب والفضة والحنطة (القمح والبر) والشعير والملح والتمر، وفي مبادلة الذهب بالذهب والفضة بالفضة بيعا ً أو قرضا ً ، أوجب النبي صلى الله عليه وسلم تساوي البدلين وزنا ً وفي الأصناف الربوية الأخرى أوجب التساوي كيلا ً .١٥٧/ ، المرغيناني: الهداية وشروحها، ٦ جمهور الفقهاء ومنهم أبو حنيفة إلى أنه يعتبر في خصوص هذه الأشياء المقياس الذي ورد النص به أبدا ً ، ولا عبرة لتبدل العرف فيه، ففي مبادلة القمح مثلا ً يجب التساوي كيلا ً لا وزنا ً ، ولو تعارف الناس بيعه بالوزن كما في زماننا اليوم(١) ؛ لأن هذا نص خاص بالمقياس الربوي في هذه الأصناف فلا يعتبر العرف على خلافه. وبناء عليه، فلو تغير ع ُ رف الناس وأصبح الذهب يباع عددا ً مثلا ً والتمر ّ وما معه يباع وزنا ً ، فلا يجوز استبدال الذهب بالفضة بجنسهما إلا وزنا ً ، وكذلك لا يجوز استبدال التمر أو أحد أخواته إلا كيلا ً وإلا كان ربا ً فيحرم. ولكن ذهب بعض الفقهاء كأبي يوسف صاحب أبي حنيفة وهو اختار ابن تيمية وغيرهم إلى أن المقياس المعتبر حتى في تلك الأشياء الستة هو المقياس ِ العرفي، وأنه يتبدل العرف كما في سائر الأموال الربوية الأخرى التي لم يرد نص خاص بشأن مقياسها، فإذا تبدل العرف فيجوز استعمال الناس العرف إن النص في مقياس تلك الأصناف الستة » : الحادث، ويقول في هذا المعنى معل ّ ل بالعرف، فإنما ورد النص بلزوم التساوي فيها كيلا ً أو وزنا ً ؛ لأن هذا مقياسها المتعارف في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فلو كان العرف فيها على مقياس آخر لورد النص معتبرا ً « فيها ذلك المقياس الآخر(٢) . ِ إن بيع المكيل بشيء من جنسه وزنا » : قال ابن تيمية في هذا المعنى ً .« ساغ َ ويتوجه من جواز بيع حب بدقيقه وسويقه جواز بيع مكيل » : وقال في الفروع َُ وزنا ً وموزون كيلا ً « اختاره شيخنا(٣) ، يعني: ابن تيمية . (١) ليس معنى ذلك أن يمتنع شرعا ً على هذا الرأي بيع هذه الأصناف بغير المقياس المنصوص إذا قوبلت بغير جنسها كالنقود مثلا ً ، بل للناس أن يتعارفوا في بيعها بخلاف جنسها، أي ﱠ مقياس أرادوا أو بلا مقياس، أي جزافا ً ، ولكن معناه أنه إذا بيع شيء منها بجنسه كقمح بقمح أو استقرض منها شيء، فإنه يجب عندئذ في الوفاء التساوي بالقياس الذي ورد به .٩١٠/ النص. انظر: الزرقا: المدخل، الهامش، ٢(٢) .١٥٧/ المرغيناني: الهداية وشروحها، ٦(٣) .١٥٧/ ٦٦ . ابن مفلح: الفروع، ٤ / ابن قدامة: المغني، ٢ ولا شك أن رأي أبي يوسف الحنفي وابن تيمية الحنبلي وجيه كما يبدو لي وهو أقوى حجة وأقوم محجة رغم انفرادهما به، ويعد ّ هذا في الحقيقة تسهيل ورفع حرج عظيم عن الناس فيما اعتادوه من استعمال ما نص عليه الشارع أنه مكيل موزونا ً ، وبالعكس دون مراعاة عرف الناس وتبدله عبر الأزمان. ومن النصوص التشريعية الخاصة المبنية على العرف والعادة، ويتبدل حكمها تبعا لتبدلهما، ما رواه ابن ماجه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الثيب » ً ِ ت ُ« عرب عن نفسها والبكر رضاها صمتها(١) ؛ فقد اعتبر سكوتها عند استئذان ِ وليها في تزويجها من رجل معين وبمهر معين إذنا ً منها وتوكيلا، ً واتفق ﱢ الفقهاء على أن هذا الحكم في الفتاة البكر مبني على ما هو معروف فيها من ِ الخجل عن إظهار رغبتها في الزواج عند استئمار وليها لها، فعادتها أن تعبر ّّ بالسكوت عن رغبتها وإذنها دون التصريح بالقبول خشية اتهامها بالميل إلى الرجال، وهذا أمر يجافي محاسن العادات في ذلك العرف، وهذا الاستحياء لا يزال إلى اليوم غالبا ً عليهن في معظم الأوساط الإسلامية بحسب التربية والتقاليد الاجتماعية. فلو حدث أن تغيرت هذه التربية، وهذه العادة وأصبحت الفتيات الأبكار لا يتحرجن من إعلان هذه الرغبة أو عدمها على السواء (كعادة الثيبات)، فليس ثمة ما يدعو إلى اعتباره قبولا ً في عرف هذا العصر الذي خرجت فيه ُ المرأة من خدرها، وكثر اختلاطها بالرجال إلا من رحم الله في بعض المجتمعات الإسلامية، ولذا غلبت جرأتها على التصريح بقبول من ترغب فيه ورفض من ترغب عنه، ولذلك فإن الإذن عندئذ بالتزويج لا يكفي فيه (١) ٣٤٠ ، عن /١ . رواه ابن ماجه: السنن، كتاب النكاح، باب استئمار البكر والثيب، رقم: ١٨٦٨ لا تنكح الأيم » : أبي زرارة عدي بن عميرة الكندي وصححه الألباني. والبخاري ومسلم بلفظ حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن ت سكت .« ِ السكوت، بل يحتاج عندئذ إلى بيان وتصريح كالإذن من الثيبات، ليعتبر توكيلا ً يسري به عليهن عقد التزويج منذ وقوعه من الولي المستأذ َ ن، وعند عدم الإذن بالتوكيل من الفتاة البكر البالغة يعتبر تزويجها فضوليا ً يحتاج إلى إجازة منها ّ ليصبح نافذا ً عليها، وإن سكتت عند استئمار وليها لها(١) . ﱢ الحالة الرابعة: حالة تعارض العرف والاجتهاد: أن يخالف العرف مسائل فقهية لم تثبت بصريح النص بل بالاجتهاد والرأي وكثير منها بناه المجتهد على ما كان في عرف زمانه، بحيث لو كان ُ في الزمان الذي حدث فيه العرف الجديد لقال بخلاف ما قال أولا ً ، فهذا يعتبر ّ فيه عرف الحادثة ولو خالف حكما ً سابقا ً مبنيا ً على عرف مخالف وهذا مبنى ُّ « لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزم ان » : على قاعدة(٢) . ّ إن الأحكام الاجتهادية التي يثبتها الفقهاء المجتهدون استنباطا ً وتخريجا ً عند عدم النص الشرعي عليها، إما أن تكون ثابتة بطريق القياس النظري على حكم أوجبه الشارع بالنص، لاتحاد العلة بين الحكم المقيس عليه والمقيس، ََ وإما أن تكون ثابتة بطريق الاستحسان أو الاستصلاح عندما لا يوجد حكم مشابه منصوص يقاس عليه. والاجتهادات الفقهية تكاد تكون متفقة على أن الحكم القياسي يترك للعرف ولو كان عرفا ً حادثا ً ؛ لأن المفروض عندئذ أن هذا العرف لا يعارضه نص خاص ولا عام معارضة مباشرة، والعرف غالبا ً دليل الحاجة فهو أقوى من القياس، فيترجح عليه عند التعارض(٣) . (١) ٩١٠/ الزرقا: المدخل، ٢ - ٩١١ ، وحيد الدين سوار: التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامي، . ص ٢٦٧ (٢) .٢٨٥ - البورنو: الوجيز، ٢٨٤(٣) .١١٦/ ابن عابدين: نشر العرف، في مجموعة رسائله، ٢ أن العرف بمنزلة الإجماع شرعا » بل لقد ذكر ابن الهمام في شرح الهداية ً « عند عدم النص(١) . ومن المعلوم أن ترجيح العرف على القياس يعتبر عند جمهور الفقهاء من قبيل الاستحسان الذي تترك فيه الدلائل القياسية لأدلة أخرى منها العرف. العدول » : ويوضح أبو العباس الشماخي مفهوم الاستحسان عند الإباضية بأنه عن قياس إلى قياس أقوى، وقيل تخصيص قياس بأقوى منه، وقيل العدول إلى خلاف النظير لدليل أقوى، وقيل العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة « الناس(٢) . وقد شرح هذه التعاريف نفسها ونقلها السيابي بإيجاز(٣) . وإذا كان العرف يترجح على القياس الذي يستند إلى نص تشريعي غير مباشر، فهذا يدل على أنه يترجح أيضا ً على الاستصلاح الذي لا يستند إلى نص بل إلى مجرد المصلحة الزمنية التي هي عرضة للتبدل بحسب اختلاف ِ الأزمنة، وما يجد ﱡ فيها من أوضاع ومقتضيات(٤) . ويوضح ابن عابدين موقف الفقهاء المجتهدين من اعتبار العرف الحادث إذا تغيرت الأحوال، ويجب على المجتهد أن يعيد النظر في اجتهاده إذا تغير كثير من المسائل الفقهية ما يبنيه » : عرف البلد لرفع الحرج عن الناس فيقول المجتهد على ما كان في عرف زمانه، بحيث لو كان في زمان العرف الحادث ُ لقال بخلاف ما قاله أولا، ً ولهذا قالوا (العلماء) في شروط المجتهد: إنه لا بد ّ فيه من معرفة عادات الناس، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو فساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم ُ (١) .١٥٧/ ابن الهمام الكمال، فتح القدير، ٦(٢) . الشماخي: شرح مختصر العدل والإنصاف الوارجلاني، تحقيق: مهني التيواجني، ٥٨٩(٣) ١٨٥ . وما بعدها، / السيابي خلفان، فصول الأصول، ص ٣٥٤ . السالمي، طلعة الشمس، ٢ وحول مدلول الاستحسان. ينظر: أيضا ً : ٢٧٤/ الغزالي المستصفى، ١ - .٢٨٣ (٤) .٩٣٢ - ٩٣١/ الزرقا: المدخل، ٢ على ما كان عليه أولا ً للزم منه المشقة والضرر بالناس، لبقاء العالم على أتم ّﱢ نظام وأحسن إحكام، ولهذا نرى مشايخ المذهب (أي الحنفي ( خالفوا ما نص عليه المجتهدون في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به أخذا ً « من قواعد مذهبه(١) . وما ذهب إليه ابن عابدين الحنفي هو ما عليه العمل عند فقهاء الإباضي ة، حيث نجد اجتهاداتهم تتغير بتغير الأزمان والعادات، ومن أمثلة ذلك: ١ أن ّ من وك ﱠ ل إنسانا ً أن يشتري له سلعة من مكان بعيد فاشتراها، ََ ِ واستأجر لحملها إليه بكراء، فإن الكراء لا يلزم الموك ﱢ ل؛ لأنه أمره بالشراء دون الحمل، وأما من طريق الاستحسان والعادة بين الناس فالكراء يلزمه؛ لأن تسليم المبيع غير مقدور إلا بكراء، فصار كالمنطوق به في الوكالة(٢) . ٢ حكم الفقهاء على المفقود والغائب بالوفاة بعد مضي مدة كافية لغلبة موتهما، استحسانا ً وحملا ً على أغلب الأحوال، وكان القياس يقضي بعدم (٣) الحكم بموتهما حتى يصح ذلك يقينا ً . ٣ إفتاؤهم بجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطاء المعلمين، إذ لو اشتغل المعلمون بالتعليم بلا أجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم، ِ ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة أو صناعة يلزم ضياع القرآن والدين، فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم، وكذلك على الإمامة والأذان، مع أن ذلك مخالف لما ِ اتفق عليه كثير من أئمة المذاهب من عدم جواز الاستئجار وأخ ْ ذ الأجرة عليها كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقراءة القرآن ونحو ذلك(٤) . (١) .١٢٥/ ابن عابدين: رسائل، ٢(٢) ٢٩٣/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .٢٩٤ (٣) .١٧٩/ السالمي: طلعة الشمس، ٢(٤) ذكر السالمي هذه المسألة في جواباته، وفيه كلام مفصل وهام عن حكم أخذ الأجرة عن ١٤١٧ ه/ ١٩٩٦ م، ، الطاعات، كالأذان وتعليم القرآن، ينظر: جوابات الإمام السالمي ط ١ ٤٠٤/٤ - . ٤٠٥ . ينظر: البورنو، الوجيز، ص ٢٨٥ ٤ تضمين الساعي للفساد بالنميمة، مع أن ذلك مخالف لقاعدة الضمان على المباشر دون المتسبب، ولكن أفتوا بضمانه زجرا ً بسبب كثرة السعاة المفسدين(١) . ٥ إن الأصل القياسي يقضي بأن على الحاكم أن يستمع إلى كل دعوى ترفع إليه، ثم يقضي للمدعي أو عليه بحسب ما يثبت لديه، ولكن الفقهاء تركوا هذا القياس فيما إذا ادعت الزوجة المدخول بها أن زوجها لم يدفع إليها شيئا ً من معجل مهرها، وطلبت القضاء بإلزامه بجميع ﱠ المهر المعجل، فقالوا: لا تسمع دعواها هذه، بل يردها القاضي دون أن يسأل عنها الزوج، وعللوا ذلك بالعرف، لأن عادة الناس مطردة لا تكاد تتخلف في أن المرأة لا تزف إلى زوجها ما لم يدفع بعض المهر المعجل أو كله، فتكون دعواها هذه مما يكذبه ظاهر الحال بعد الدخول، فلا تسمع(٢) . ٦ كما أن القواعد القياسية تقضي بأنه لا يجوز دفع الدين لغير صاحبه، ﱠْ ولا ينفذ قبضه على الدائن ما لم يكن القابض نيابة عن الدائن من ولاية أو وكالة، ولكن الفقهاء تركوا القياس في البنت البكر البالغة إذا قبض أبوها، أو جد ّ ها عند عدم الأب مهرها من زوجها حين زواجها، واعتبروا هذا القبض نافذا ً عليها ومبرئا ً لذمة الزوج، للعرف والعادة، ما لم يصدر منها نفي عن دفع ٌ المهر إلى سواها(٣) . هذا بعض من الفروع التي استدللنا بها على ترك الفقهاء فيها حكم القياس للعرف المخالف وغيرها كثير. (١) . البورنو: الوجيز، ص ٥٨٠(٢) .٣٦٣/ ابن عابدين: رد المحتار، باب: المهر، ٢(٣) .٩٣٢/ الزرقا: المدخل، ٢ :á¨∏dGh ´ô°ûdGh ±ô©dG ø«H ®ÉØdC’G ¢VQÉ©J :™HGôdG ´ôØdG أولا ً : تعارض اللفظ بين العرف والشرع: ِ ومعناه أن يرد لفظ له معنى في الشرع ومعنى في العرف، ويكون معناه في َ الشرع أعم أو أخص . ّّ فإذا تعارض لفظ بين العرف والشرع، والعرف يستعمله في غير ما يستعمله الشرع فينظر: ِ أ إذا كان ذلك اللفظ استعمل في الشرع بلا تعل ّق حك ْ م ولا تكليف، ُ ِ ق ُ د ّ م العرف وخاصة في الأيمان؛ لأن الأيمان مبناها على ع ُ رف الحالف (١) ، فمن ذلك: ١ إذا حلف لا يجلس على الفراش أو السياط أو لا يستضيء بالسراج، ِ لم يحنث بجلوسه على الأرض وإن سماها الله تعالى فراشا ً وبساطا ً ، ولا يحنث ِ بالاستضاءة بالشمس وإن سماها الله تعالى سراجا ً. ٢ وكذلك إذا حلف تحت سقف فجلس تحت السماء لم يحنث وإن سماها الله تعالى سق ْ فا ً. ِ ٣ وكذلك لو حلف لا يأكل لحما ً ، لم يحنث بأكل السمك، وإن سماه الله تعالى لحما ً. وإلا بأن يستعمله الشرع تسمية بلا » : ما نصه « جواهر القواعد » جاء في تعل ﱡ ق حك ْ م وتكليف، كتسمية السمك لحما ً ، والأرض بساطا ً ، والسماء سقفا ً ، ُ والجبال أوتادا ً وإن » : قال الثميني في النيل ،« ، فالمعتبر هنا العرف والعادة حلف لا يأكل اللحم، لم يحنث إن أكل سمكا ً بالعرف والعادة ولزمه (٣) « بمقتضى اللفظ(٢) . . (١) .٤٣/ السدويكشي: الحاشية على كتاب الإيضاح للشماخي، ١(٢) الثميني: كتاب النيل وشفاء العليل مع الشرح للقطب أطفي ّ ٣٠٥ . بتصرف. / ش، ٤(٣) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٦٧ إن الافتراش يسمى » : ويؤكد المحشي السدويكشي هذا التوجه فيقول ُّ ل َبسا ً ، وقد استدل على منع افتراش الحرير لعموم النهي عن لبس الحرير، ْ ولا يرد ّ على ذلك أن من حلف لا يلبس حريرا ً أن لا يحنث بالافتراش؛ لأن َُ «... الأيمان مبناها على العرف(١) . ويؤكد ابن بركة هذا المعنى رد ّا ً على من يقدم الشرع على العرف عند ولو حلف لا يسكن بيتا » ، تعارض الألفاظ ً ، فكل بيت من حجر أو مدر يسكنه حنث، وإن سكن بيتا ً من شعر أو نحو ذلك لم يحنث؛ لأن البيوت المعروفة والمقصود إليها هو ما ذكرنا، فإن قال قائل: فالله تعالى سمى بيوتا ً من غير َّ ما ذكرت َ لقوله جل ّ ذكره: ﴿ ' ,+*)(﴾ )النحل :( ٨٠ ، قيل له لو تركنا ومانع عليه الأسماء في الأيمان، لكان الحالف على أكل اللحم لا يأكل السمك مع قول الله تعالى: ﴿ «¬ ¯® °²± ³ ﴾ )النحل : ( ١٤ ، وكذلك لو حلف لا يبيت تحت سقف، لما كان إذا بات تحت السماء حنث لقول الله جل ذكره: ﴿ §¨ «ª© ¬ ¯® ° ﴾ (الأ بن ياء : ٣٢ ( ، وكذلك لو حلف لا يبيت على فراش فبات على الأرض حنث لقول الله تعالى: ﴿ |{zyx ﴾ )البقرة :( ٢٢ ، فإن الأيمان على المقاصد والعادات مع تعل ﱡ «... ق الأسماء بمسمياتها(٢) . ب أن يكون اللفظ في إطلاق الشارع قد تعلق به حكم فيقدم استعمال ُ الشرع على الاستعمال العرفي، ومن أمثلته: إذا حلف لا يصلي، لم يحنث إلا بذات الركوع والسجود، أو حلف لا يصوم، لم يحنث بمطلق الإمساك، أو حلف لا ينكح، حنث بالعقد إن كان غير متزوج لا بالوطء؛ لأنه الشائع شرعا ً ، وأما إن كان له زوجة وحلف لا ينكح فيحنث بالوطء. (١) .٤٣/ السدويكشي: الحاشية على كتاب الإيضاح للشماخي، ١(٢) ٨٩/ ابن بركة: الجامع، ٢ - ٩٠ بتصرف يسير. أو قال: إن رأيت الهلال فأنت طالق فرآه غيرها وعلمت به ط ُل ّ قت حملا ً له على الشرع، فإن الرؤية فيه بمعنى العلم لقوله صلى الله عليه وسلم : صوموا لرؤيته » وأفطروا لرؤيته، فإن غ ُ« بي عليكم فأكملوا عدة شعبان ث لاثين(١) . ﱢَ وقد نص الراشدي في جواهره على تقديم المعنى الشرعي على العرف ﱠُ عند تعارض الألفاظ، وهو رأي الإباضي ة، وذهب البعض إلى العكس، فقال: فلا يخلو إما أن يتعلق بالمعنى الشرعي حكم كالصلاة والصوم والزكاة »والحج، فلا أثر هنا للعرف، فمن حلف أن قد صل ﱠ ى الهاجرة، لم يحنث إن كانت منتقضة أو لقد صام فخرج منتقضا ً ، أو زك ﱠ ى فدفعها إلى من لا تجوز له، أو حج وحجه فاسدا ً ، فلا يحنث. وكذلك: التزويج فظهرت محرمته، والبيع فإذا البائع محجور عليه، أو المبيع مما لا يجوز بيعه أو قضى د َي ْ نه فخرجت زيوفا ً ، وقيل يحنث، نظر إلى أو حلف) لقد صل )» :« شرح النيل » مطلق الاسم، جاء في ّ ى الهاجرة، أو تزوج امرأة، أو قد أوفى فلانا ً دراهم عليه فخرجت ز ُ يوفا ً ، والمرأة محرمت ُ ه والصلاة َ « منتقضة، ففي حنثه قولان(٢) «(٣) . ج وأما إن كان اللفظ العرفي يقتضي العموم والشرعي يقتضي التخصيص اعتبر خصوص الشرع. ولو كان اللفظ عاما » : وهذا ما صرح به الراشدي في قوله ً في العرف ّ « وخصصه الشرع اعتبر التخصيص الشرعي(٤) . ومن أمثلة ذلك: (١) متفق عليه، رواه البخاري: كتاب الصوم، باب: هل ي ُ قال رمضان أو شهر رمضان، رقم: ١٨١٠ . ومسلم، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، حديث: ١٨٧٤ عن أبي هريرة بلفظ: « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ث لاثين » . (٢) القطب أطفي ّ ٣٠٧ . بتصرف. / ش: شرح كتاب النيل وشفاء العليل لعبد العزيز الثميني، ٤(٣) ١٦٧ . بتصرف يسير. ، الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٦٦(٤) . الراشدي: المرجع نفسه، ص ١٦٨ إذا حلف لا يأكل لحما ً لم يحنث بأكل الميتة؛ لأن الشارع ما سمى ﱠ الميتة لحما ً. وإذا أوصى لأقاربه، لم يدخل ورثته عملا ً بتخصيص الشرع حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا وصية ل وارث »(١) «(٢) . فمن أوصى لأقاربه لم يدخل ورثته؛ » : ما نصه « جواهر القواعد » جاء فيلأن الشرع خصص الأقربين الذين يجب لهم الوصية بمن عدا الوارث، ِ وحالف لا يشرب ماء، لا يحنث بمتغير كثيرا بزعفران ونحوه ولا بمضاف ٌُ « إلى خارج منه(٣) . ثانيا تعارض اللفظ بين اللغة والعرف: ً إذا تعارض العرف مع اللغة فهل يقدم عليها، لأن العرف محك ّ م في التصرفات أو ت ُ قد ﱠ م عليه؟ فالظاهر من عبارة الراشدي أن جمهور الإباضية يرجحون العرف إذا غلب استعمال الاسم العام في بعض أفراده حتى صار حقيقة عرفية، فهذا خصوا به العموم دون خلاف، أي أعملوا العرف، وإن كان استعمال اللغة غلب في جميع أفراده ففيه وجهان، تقديم اللغة أو العرف، وإن اختلف العرف خصوصا ً وعموما ً فالمصير إلى الأغلب . (١) رواه أبو داو، كتاب الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث، رقم ٢٨٧٠ ، والترمذي، كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، رقم ٢١٢٠ ، عن أبي أمامة، وقال: حسن صحيح. رواه ابن ماجه: السنن، كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، حديث: ٢٧١١ . عن أنس بن مالك النجاري، وصححه الألباني. الدارقطني: السنن، كتاب الفرائض والسير وغير ذلك، رقم: ٣٦٣٧ . عن جابر بن عبد الله. وعبد الرزاق الصنعاني، المصنف، كتاب الوصايا، لا وصية لوارث والرجل يوصي بماله كله، حديث: ١٥٨٢٥ عن عمرو بن خارجة الأشعري. قال ابن روي من طرق أخرى لا يخلو إسناد كل منها عن مقال لكن مجموعها يقتضي أن » : حجر للحديث أصلا ً .٣٧٢/ فتح الباري، ٥ .« بل جنح الشافعي في الأم إلى أن هذا المتن متواتر (٢) السيوطي: الأشباه والنظائر، ص ٩٣ . ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص ٩٦ - .٩٧ (٣) . الراشدي: المرجع السابق، ص ١٦٨ فلو حلف لا يشرب الماء لم يحنث بشرب المالح، لأنه لم ي ُ عت َد ّ شربه وقيل: يحنث، عملا ً باللغة. وإن حلف لا يشتري بعيرا ً لا يحنث بناقة ع ُ رفا ً ، وحنث لغة، ولا يأكل خبزا ً ، لم يحنث بخبز الأرز عرفا ً ، وحنث به لغة؛ لأن ُ اللغة هنا عامة فيحمل على الوجهين. كذلك لو أوصى بكذا وكذا مكيالا ً ح َ با ً ، وهو من قوم يطلقونه على الأرز ِّ حمل عليه، فهنا غلب العرف على اللغة. ُ ولو قال: يلزمني الطلاق إن فعلت كذا، فحنت، لزمه طلاق واحد وإن كان المعر ّ ف بأل الجنسية يعم ﱡ لغة وهو ثلاث تطليقات، فإن اختلف الع ُ رف خصوصا ً وعموما ً فالمصير إلى الأغل ب، وهنا يقد ّ م العرف على اللغة فتحسب ُ له طلقة واحدة(١) . ِ ولو حلف رجل لا يأكل البيض ولا نية له، أنه لا يحنث إن أكل بيض » « السمك؛ لأن الناس وعاداتهم ومقاصدهم على بيض الدجاج(٢) . (١) الراشدي المرجع السابق، ص ١٦٧ بتصرف. (٢) .٨٩/ ابن بركة: الجامع، ٢ IóYÉ≤dG π«°UCÉJ العادة محكمة » : إن قاعدة « دخلت للقعيد الفقهي منذ وقت مبكر أصلها ّ الأصل أن السؤال والخطاب يمضي على » : الكرخي حيث قال في أصوله الأصل أن جواب السؤال يمضي على » و ،« ما عم وغلب لا على ما شذ وندر ّ ما تعارف كل قوم في مكانهم « (١) . ويرجع سبب هذا التقعيد المبكر للقاعدة أنها تستند إلى نصوص من القرآن والسن ﱠ ة، ومن الأدلة التي تدل عليها: ﱡ (١) الكرخي أبو الحسن: أصول الكرخي مع تأسيس النظر للدبوسي الحنفي، نشره زكرياء علي . يوسف، طبع بمطبعة الإمام، ١٣ شارع محمد كريم بالقلعة، القاهرة، ص ١١٢ استدل الإباضية لهذه القاعدة بالآيات الكريمة التي دلت على مراعاة العرف والعادة منها: ١ قوله تعالى: ﴿ KJIHGFE ﴾(الأعراف: ١٩٩ ( . وجه الاستدلال بالآية: فالآية الكريمة تدل على اعتبار العرف، وهي أصل لهذه القاعدة كما ذكر كثير من العلماء، وقد استدلوا بها على اعتبار العرف في التشريع الإسلامي. قال الراشدي : لأن العرف والعادة بمعنى، ؛« أصلها (القاعدة) وأمر بالعرف » وهو ما كان مقررا ً « بالعقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول(١) . ِ قال ابن العربي » : وقال السيوطي في بيان معنى هذه الآية : المعنى: اقض بكل ما عرفته النفوس مما لا يرده الشرع، وهذا أصل القاعدة الفقهية في اعتبار « العرف، وتحتها مسائل كثيرة لا تحصى(٢) . وقال القرافي : إن » : في سياق حديثه عن اختلاف الزوجين في متاع البيت القول لمن شهدت له العادة: لنا قوله تعالى: ﴿ HGFE ﴾ (الأ عراف : ١٩٩ ( ، « فكل ما شهدت به العادة قضي به، لظاهر هذه الآية، إلا أن يكون هناك بينة(٣) . واستدل علاء الدين الطرابلسي(٤) في » معين الحكام « بهذه الآية، فقال: الباب الثامن والعشرون في القضاء بالعرف والعادة قال الله تعالى: »﴿ FE (١) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٤٣(٢) السيوطي: الإكليل في استنباط التنزيل، ص ١١ ، دار الكتب العلمية، بيروت. (٣) .١٩٤/ القرافي: الفروق، ٣ (٤)علي بن خليل أبو الحسن، علاء الدين الطرابلسي توفي سنة ٨٤٤ ه ، فقيه حنفي كان قاضيا ً بالقدس، .٣٦٨/ ينظر: موسوعة الأعلام، ١ .« معين الحكام فيما يتردى بين الخصمين من الأحكام » : له KJIHG ﴾ (الأ عراف : ١٩٩ ( ، والعادة غلبة معنى من المعاني « على جميع البلاد أو بعضها(١) . والأصل في تحكيم العرف قوله تعالى: » : وقال ﴿ H GF E ﴾ (الأ عراف : ١٩٩ ( « ، أي ما يعرفه الناس ويعتادونه(٢) . ٢ واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ FEDCBA@?> RQPONMLKJIHG ﴾ (ال نساء: ١١٥ ( . وجه الاستدلال ب الآية: سبيل المؤمنين: » : قال الراشدي في بيان معنى الآية ووجه الاستدلال بها طريقهم التي يسلكونها من اقتفاء دين الإسلام والتمسك بأحكامه... وبيان الاستدلال بالآية: أن من طريقة المؤمنين التي سلوكها في دينهم الحكم بالعادة « في كثير منه(٣) . العادة » : في قاعدة « المواهب السنية شرح نظم القواعد الفقهية » وذكر صاحب محكمة « أنه يستدل بهذه الآية على اعتبار العرف والعادة في التشريع، ووجه الاستدلال بها أن السبيل معناه لغة: الطريق، وسبيل المؤمنين طريقهم التي استحسنوها، وقد توعد الله بالعقاب والعذاب من اتبع غير سبيلهم، فدل على أن اتباع سبيل المؤمنين واجب(٤) ، فتكون العادة محكمة فيجب العمل بها(٥) . ٣ واستدل الإباضية لهذه القاعدة أيضا ً بقوله تعالى: ﴿ SRQ `_^]\[ZYXWVUT (١) . الطرابلسي: معين الحكام، ص ١٦١ ba (٢) بلوغ الس ﱡ ؤل وحقول المأمول شرح منظومة المالكي بحاشية فتح الورود، وشرح ألفية . الشنقيطي في الأصول، مطابع فاس، المغرب، ص ٣٢١(٣) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٤٤(٤) الفاداني أبو الفيض: الفوائد الجنية حاشية المواهب السنية شرح الفرائد البهية في نظم القواعد .١٨٥/١ ، الفقهية، دار البشائر، بيروت، ١٩٩٦(٥) عزام عبد العزيز: قواعد الفقه الإسلامي، ص ٢٤٥ . النجار سيد عوض: أثر العرف في . التشريع الإسلامي، ص ١٧٥ nmlkjihgfedc yxwvutsrqpo }|{z ~ ﮯ ¢¡ ﴾ (ا ل نور : ٦١ (. وجه الاستدلال ب الآية: يرى الراشدي أن ّ إباحة الأكل من بيوت من ذ ُ كر في الآية يرجع إلى المعروف َ والعادة(١) ، واستدل على ذلك بقول القاضي البيضاو ي، حيث علل جواز الأكل وخ » : من تلك البيوت بقوله ُ «... صوا بالذكر؛ لأن العادة جارية بالتبسط بينهم(٢) . ّّ والآية باقية على اطمئنان النفس » :« تيسير التفسير » وقال القطب أطفيش في من صاحب المال، كما فعلت الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم يدخل دار صديقه باستئذان، فيسأل جاريته عن كيسه، فتعطيه، فيأخذ ما شاء، فإذا جاء وأخبرته أعتقها سرورا ً . ودخل أصحاب الحسن البصري (ت: ١١٦ ه) داره باستئذان، وأكلوا أطيب طعامه، فاستنار وجهه فرحا ً ، وقال: هكذا وجدناهم يفعلون، يعني الصحابة فلا نسخ بحديث: « لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب ن فس »(٣)، لأن «... قد اشترطنا للآية الاطمئنان(٤) . ولم يقتصر هذا الأمر على الصحابة فحسب، بل تبعهم فيه التابعون أيضا ً ، (١) . الراشدي: الجواهر، ص ١٤٥ (٢) البيضاوي القاضي ناصر الدين أبي سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المسمى تفسير البيضاوي، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق ومحمد أحمد الأطرش، .٥٠٨/ ١٤٢١ ه ٢٠٠٠ م، دار الرشيد، دمشق، بيروت، ومؤسسة الإيمان، بيروت، لبنان، ٢ ، ط ١ (٣) رواه أحمد، مسند الكوفيين، حديث عم أبي حرة الرقاشي، رقم ٢٠٧١٤ ، والبيهقي في الكبرى، كتاب الغصب، باب من غصب لوحا ً وأدخله في سفينة، رقم ١١٣٢٥ ، عن عم أب رواه أحمد وأبو حرة الرقاشي وثقه أبو داود وضعفه ابن معين. وفيه » : حرة الرقاشي. الهيثمي .٥٨٥/ مجمع الزوائد، ٣ .« علي بن زيد وفيه كلام (٤) أطفيش أمحمد بن يوسف، تيسير التفسير: نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة ع ُ مان، ١٠٢ بتصرف. - ١٠١/ ١٤٠٧ ه/ ١٩٨٧ م، ٩ فقد نقل الكندي صاحب المصنف أن ّ روي عن أبي عبيدة » : ه(١) أنهم تذاكروا في الإدلال، فسألوه عن ذلك فقال: ما أعرف ما تقولون، غير أن ّ ي لو أردت لذهبت إلى منزل حاجب(٢) فقلت: يا جارية، هات الكيس فآخذ منه ما شئت. وروى أبو عبد الله (محمد بن محبوب بن الرحيل القرشي ( أن الربيع بن حبيب دخل على المليح بن حسان(٣) ذات يوم، والمليح مريض فقال الربيع: يا قرشية : هات الطعام، قال: فتهلل وجه المليح حتى قام وقعد وكأن ّ ما به «(٤) شيء من المرض، فأتت به فقال الربيع للقوم: ك ُ لوا، وكان الربيع صائما ً . وبعد أن عرض أحمد الكندي الأقوال الواردة عن سلف الإباضية خلص إن الناس على تعارفهم، وجائز أكل ما يبيحونه بينهم، وتسخو به » : إلى القول « أنفسهم، وذلك بسكون القلب، فليعمل به ما يعمل باليقين(٥) . ٤ ومن الآيات الكريمة التي ورد فيها تلميح بليغ إلى اعتبار هذه القاعدة ما جاء في قوله 8 : ﴿ §¦¥¤£ ¨ «ª© º¹ ¸¶ µ ´ ³² ± °¯®¬ ¾½¼» ﴾ (ال مائدة: ٨٩ ( . (١) أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي من أعلام الإباضية بالمشرق (تقدمت ترجمته). (٢)حاجب بن مودود، الطائي الع ُ ماني، وهو من كبار تلامذة الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد 3 ومن طبقة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة 5 كان موصوفا ً بالاجتهاد، معروفا ً بالورع والتقوى والزهد، وكان هو القائم بأمر المسلمين في شؤون الحرب، وجمع المال والمعونة والخصومة، كانت وفاته قبل وفاة أبي عبيدة في أيام جعفر بن منصور العباسي، أي ما بين ( ١٣٦ - ١٥٨ ه) ٦٤٨ وما بعدها. البطاشي، / ٨٤ وما بعدها. والدرجيني، الطبقات، ٢ / ينظر: الشماخي، السير ١ ٢١٠ . العلامتان: إبراهيم العبري، وأبو إسحاق إبراهيم / إتحاف الأعيان عن علماء علمان، ١ ٣٩٩ بتصرف. /٤ .١٣/ أطفيش، تعليق على جوهر النظام للإمام السالمي، ٣ (٣) تقدمت ترجمته. (٤) الكندي: أبو بكر أحمد بن عبد الله، المصن ّ ف، آمون للتجليد والطباعة، مصر، نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة ع ُ ٢٩ بتصرف. / مان، ١٤٠٣ ه/ ١٩٨٣ م، ١٨(٥) .٣٦/ الكندي: المصدر نفسه، ١٨ وجه الاستدلال ب الآية: قال أهل العلم قوله سبحانه: ﴿ ´ ¶µ ¸¹﴾ ، يقرر لنا ّ الضابط الذي يلجأ إليه في تحديد مقدار الطعام وتوفير الكسوة في جميع الأحكام المتعلقة بالكفارات التي لم ينص الشرع فيها على مقدار معلوم معين، ّ فينظر فيها إلى الأعراف السائدة والعوائد المتبعة، وتفصل القضايا حسب مقتضياتها(١) . وإلى هذا المعنى يوحي تفسير بعض العلماء لهذه الآية الكريمة، قال الإمام الطبري : وأو » ْ لى الأقوال في تأويل قوله: ﴿ ´ ¶µ ¸ ¹﴾ ، عندنا قول من قال: من أوسط ما تطعمون أهليكم في القلة والكثيرة، وذلك أن أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلمفي الكفارات كلها وردت بذلك، وذلك ِ كحكمه صلى الله عليه وسلمفي كفارة الحلق من الأذى بفرق(٢) من طعام بين ستة مساكين « لكل مسكين نصف صاع(٣) . ِ ويزيد ابن تيمية توضيحا ً للنص المذكور عند بيان فدية المحرم في الحج، ْ وتحديد ما هو الأفضل في إطعام الطعام في هذه الكفارة، وفي سائر الكفارات والواجب في ذلك كله ما ذكره الله تعالى بقوله: » : فيقول ﴿ ²± ³ ´ ¶µ ¸ ¾½¼»º¹ ﴾الآي ة، فأمر الله (١) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٢٩٤ (٢)الفر َ هو إناء يأخذ ستة عشر رطلا، » : ق: معناه، قال الزمخشري ً وفيه لغتان: تحريك الراء، وهو ينظر: الفائق في غريب الحديث، تحقيق: محمد علي البجاوي ومحمد « الفصيح وتسكينها قد بينت في كتاب » : ١٠٤ . قال أبو بكر / أبو الفضل إبراهيم، ط: عيسى البابي الحلبي، ٣ الأيمان والكفارات مبلغ الفرق، وأنه ثلاثة آصع، وبينت أن الصاع أربعة أمداد، وأن الفرق ستة عشر رطلا ً ، وأن الصاع ثلثه، إذ الفرق ثلاثة آصع، والصاع خمسة أرطال وثلث بدلائل أخبار النبي صلى الله عليه وسلم .« ينظر: ابن خزيمة الصحيح، الجامع للحديث النبوي. (٣) الطبري: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق وتعليق: محمود محمد شاكر، مراجعة ٥٤٣ . وأخرجه الطبري في جامع / وتخريج: أحمد محمد شاكر، ط: دار المعارف، مصر، ١٠ البيان في تفسير القرآن، سورة المائدة، القول في تأويل قوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم حديث: ١١٣١١ عن عبد الله بن عباس. تعالى بإطعام المساكين من أوسط ما يطعم الناس أهليهم، وقد تنازع العلماء في ذلك هل ذلك مقدر بالشرع، أو يرجع فيه إلى العرف؟ وكذلك تنازعوا في النفقة: نفقة الزوجة، والراجح في هذا كله أن يرجع فيه إلى العرف، فيطعم كل قوم مما يطعمون أهليهم قدرا ً ونوعا ً ، ولما كان كعب بن عجرة ونحوه يقتاتون ّ التمر، أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يطعم ف َرقا ً من التمر بين ستة مساكين «... (١) . ْ المنقول عن الصحابة » : ويؤكد ابن تيمية هذا المعنى في موضع آخر فيقول والتابعين، هذا القول، ولهذا كانوا يقولون الأوسط خبز ولبن، خبز وسمن، خبز وتمر، والأعلى خبز ولحم، وهذا القول هو الصواب الذي يدل عليه الكتاب والسن ﱠ ة والاعتبار، وهو قياس مذهب أحمد وأصوله، وهذا لم يقدره ﱡ الشارع فيرجع فيه إلى العرف، لا سيما مع قوله تعالى: ﴿ ´ ¶µ ¸ »º¹﴾ ، وأن العبرة بالعرف في كل حال من أحوال الرخ ْ ص ﱠ «... والغلاء، والإعسار واليسار، والصيف والشتاء وغير ذلك(٢) . وفي هذه النصوص التي ذكرها الفقهاء دلالة على أن الحكم المطلق الذي أوجبه القرآن في النفقة والكفارة وغيرهما، يرجع في تفصيله إلى العرف، فدل ّ على اعتبار العرف في التشريع، ومن ثم وجدنا العلماء يؤصلون هذه القاعدة ّ في ضوء الكتاب والسن ﱠ ة ويذكرون لها شواهد(٣) . ﱡ (١) ٣٥٠ . ونص ،٣٤٩/ ٢٥٢ و ٣٥ / ١١٤ و ١٩ ،١١٣/ ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ٢٦ عن كعب بن عجرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه، وقمله يسقط على وجهه، فقال: » : الحديث « أيؤذيك هوامك » قال: نعم، فأمره أن يحلق وهو بالحديبية لم يبين لهم أن يحلوا بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله 8 الفدية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا ً بين ستة أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب المناسك، جماع .« أو الهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام أبواب ذكر أفعال اختلف الناس في إباحته للمحرم، باب ذكر الدليل على أن في قوله تعالى: ﴿ ¯°﴾ ، حديث: ٢٤٩٩ . (٢) ٣٤٩/ ابن تيمية: المرجع السابق، ٣٥ - .٤٨٧/ ٣٥٢ . الجصاص: أحكام القرآن، ١ (٣) . السدلان صالح: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها، ص ٣٤١ ٥ ومن شواهد هذه القاعدة أيضا ً قوله تعالى: ﴿ }| ~ ﮯ §¦¥¤£¢¡ ¨ «ª© ¬ ¯® ° ´ ¸ ¾½¼»º¹ ﴾ (ال نور: ٥٨ ( . ¶μ ³²± وجه الاستدلال ب الآية: موض « المعارج » قال السالمي في ﱢ حا ً الأوقات التي يلزم » : مدلول هذه الآية المسلمين أن يأمروا مماليكهم وصبيانهم بالاستئذان فيها إذا أرادوا الدخول عليهم ثلاثة أوقات: ِ أحدهما: من قبل صلاة الفجر؛ لأن ّ ه وقت القيام من النوم، ووقت طرح ثياب النوم، ول َ بس ِ ثياب اليقظة؛ ولأن ّ ه ربما يوجد الرجل في هذا الوقت عاريا ً ّ أو مع امرأته في جماع. والوقت الثاني: حين تضعون ثيابكم من الظهيرة، والظهيرة وقت اشتداد الحر قبل الزوال؛ لأن غالب الناس في ذلك الوقت يضعون ثيابهم للقيلولة. ّ والوقت الثالث: من بعد صلاة العشاء؛ لأن ّ ه وقت تجرد عن لباس اليقظة ّ ِ ولبس لباس النوم. ْ فهذه الثلاثة الأوقات يجب على المرء أن يأمر عبيده وغلمانه أن « لا يدخلوا عليه فيها إلا بإذن(١) . وقد أشار بعض العلماء إلى هذا الوجه عند تفسير هذه الآية، قال القرطبي أد » :« تفسيره » في ّ ب الله تعالى عباده في هذه الآية...يستأذنون على أهليهم في هذه الأوقات الثلاثة، وهي الأوقات التي تقتضي عادة الناس الانكشاف فيها، «... وملازمة التعري إلى آخر ما قاله في تفسيره(٢) . ّ كما أشار إلى هذا المعنى الإمام العلائي وتقي الدين الحصني في (١) .١٧٦/ السالمي: معارج الآمال، ٢(٢) .٣٠٤/ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ١٢ فأمر الله بالاستئذان في هذه الأوقات التي جرت » : قواعدهما بعد ذكر هذه الآية العادة فيها بالابتذال ووضع الثياب، فابتنى الحكم الشرعي على ما كانوا « يعتادونه(١) . ٦ وهناك آيات عديدة صرح فيها الله بالاحتكام إلى العرف، فقد ورد ّ لفظ المعروف في القرآن العظيم في سبعة وثلاثين موضعا ً ، ومن الآيات الكريمة التي فيها تلميح بليغ إلى اعتبار هذه القاعدة: أ قوله تعالى: ﴿ lkjih ﴾ (ا بل قرة : ٢٢٨ ( . فسرها بعض ِ الفقهاء بأن لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن، مثل الذي عليهن لهم من الطاعة فيما أوجب الله تعالى له عليها(٢) . وذكر ابن قيم الجوزية أن ّ ه يدخل في هذه الآية جميع الحقوق التي للمرأة وعليها، وأن ّ مرد ّ (٣) ذلك إلى ما يتعارفه الناس بينهم، ويعدونه معروفا ً لا منكرا ً . ب وقوله 8 : ﴿ ^]\[ZY _`a ﴾ )البقرة : ( ٢٣٢ . فذكر سبحانه في هذه الآية أن ّ ه إذا تراضى الأزواج والنساء بما ِ يحل، ويجوز أن يكون عوضا ً من أبضاعهن من المهور، ونكاح جديد مستأنف، فإن ّ ه لا يجوز للولي أن يمنع موليته من هذا النكاح، وأن ّ ذلك التراضي يكون ّ بين الأزواج بالمعروف(٤) . ج وقوله تعالى: ﴿ !" &%$# '( *) ﴾ (ال بقرة: ٢٣١ (. (١) العلائي: المجموع المذهب في قواعد المذهب، مخطوط، ورقة ٤٢ الوجه الثاني. والحصني: قواعد الفقه، مخطوط، و ٦، نقل عنهما السدلان صالح: القواعد الفقهية، . ص ٣٤١ (٢) .٤٥٣/ الطبري: جامع البيان، ٢(٣) ابن قي ّ ٣٣٤/ م الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين، ١ - .٣٣٥ (٤) .٤٨٨/ الطبري: جامع البيان، ٢ د وقوله 2 : ﴿ WVUTSRQP ﴾ (ال طلاق: ٢ ( . فبين الله تبارك وتعالى في الآيتين الكريمتين أن الإمساك والتسريح ﱠ يكون بالمعروف. وقد تعرض ابن تيمية في فتاويه إلى تفسير معنى هذه النصوص الكريمة ّ فبين الأبضاع هي من الحقوق، والواجب الحكم بين الزوجين بما أمر الله ّ تعالى به من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، فيجب على كل من الزوجين أن يؤد ّ ي إلى الآخر حقوقه، ووطء الزوج زوجته واجب عليه عند الجمهور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص 3 لما رآه يصوم النهار ويقوم ّ الليل: وإن لزوجك عليك حق » ّا ً«(١)، فيجب على الزوج وطؤها بالمعروف على قدر قوته وحاجاتها، كما تجب عليه النفقة بالمعروف كذلك(٢) . ه وقوله 8 : ﴿ ³´ ﴾ )النساء : ( ١٩ . وهذا أمر من الله تعالى للأزواج أن يعاشروهن بالمعروف. قال القرطبي : العرف والمعروف » « والعارفة: كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس(٣) . فأرشد الله الزوجين في عشرتهما وأداء حق كل منهما إلى الآخر إلى المعروف المعتاد الذي يرتضيه العقل ويطمئن إليه القلب، ولا شك أن ذلك متغير حسب ّ الاختلاف بين المناطق وأحوال الناس(٤) . و وقال تعالى: ﴿ }|{z ﮯ~ ¤£¢¡ ¨ ° ³²± ﴾ (الب قرة: ٢٣٣ ( . ¯®¬«ª© §¦¥ (١) . متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب حق الضيف في الصوم، رقم: ١٨٨٨ ٢١٧ مع الفتح، ومسلم في كتاب الصيام، حديث رقم ١١٥٩ . عن عبد الله بن عمرو بن /٤ العاص. (٢) ٣٨٣/ ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ٢٨ - .٣٨٤ (٣) .٣٤٦/ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ٧(٤) . الندوي: القواعد الفقهية، ص ٢٩٤ وجه الاستدلال ب الآية: فالآية واضحة الدلالة في اعتبار العرف في التشريع؛ لأن المراعى في َُ أجرة الرضاع للأم إذا طلبتها حال الزوج يسارا ً وإعسارا ً وتوسطا ً ، لا حال ّ الزوجة ولا حالهما، لقوله تعالى: ﴿ ¯° ³²± ﴾ )البقرة : (٢٣٣ ، ومراعاة حال الزوج تقتضي تحكيم العرف والعادة في ذلك(١) . الوارد في الآية الكريمة « المعروف في النفقة » وقد فسر ابن بركة البهلوي ﱠ أن المعروف إنما يرجعون فيه إلى عادتهم في غالب ظنونهم من بعد » : بقوله اجتهادهم، والذي عندي والله أعلم أن المعروف في النفقة هو دون السرف وفوق التقتي ر، فالله تعالى قال: ﴿ ´ ¶µ ¸¹ ﴾ )المائدة :( ٨٩ ، ولذلك أقول: إن الإطعام الذي ذكر في القرآن ولم يبين وصفه، هو دون اللين، ِّّ « وفوق الخشن، ودون الجيد، وفوق الرديء(٢) . ّ ويؤكد ابن كثير هذا المعنى في عبارة موجزة موضحا ً مدلول الآية فيقول: أي وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف، أي بما جرت »عادة أمثالهن في بلدهن من غير إسراف ولا إقتار، بحسب قدرته في يساره، وتوسطه وإقتاره كما قال تعالى: ﴿ JIHGF ﴾ (الطلاق: ٧ («...(٣) . ومن هنا يتضح أن مفهوم الآية يدل على أن ّ على والد الطفل المرت َ ضع أجرة الرضاع للأم، وهي نفتقها وكسوتها بالمعروف، سواء كانت زوجة أو مطلقة. ز وقال 8 في السياق نفسه: ﴿ :9876 ﴾ (ال طلاق: ٦ ( . فالآية الكريمة تدل على أن هذا الأجر هو رزقهن وكسوتهن بالمعروف إذا لم يكن بينهما مسمى يرجعان إليه(٤) . ّ (١) . السيوطي: الإكليل في استنباط التنزيل، ص ١١٠(٢) ابن بركة البهلوي: كتاب التعارف، ص ١٣ بتصرف. (٣) .٥٠٣/ ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ط ٢، دار الفكر، بيروت، لبنان، ١(٤) .٣٢٤/ ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ٣١ ح وقال تعالى في متعة ِ المطلقة: ﴿ ^]\[ZY _ ﴾ (ا بل قرة : ٢٤١ (. ِ فهذه الآية تدل على اعتبار العرف في المتعة المفروضة للمطلقة التي لم يسم ّ لها مهر فيراع َ ى حال المرأة فيها(١) . ي وقال تعالى أيضا ً في شأن المطلقات قبل الدخول ولم يحدد لهن المهر: ﴿ ﮯ «ª©¨§¦¥¤£¢¡ ¬ ﴾ (ال بقرة: ٢٣٦ ( . ط وقال 8 :﴿ QPONMLKJIHGF [ZYXWVUTSR ﴾ )الطلاق : ( ٧ . فالآية الكريمة تدل على اعتبار العرف وبناء الأحكام عليه، وقد بنى استدلاله على أن الإنفاق ليس له تقدير شرعا ً ، لكنه مفوض إلى العرف والعادة(٢) . ّ وجه الاستدلال بالآية: بين ابن بركة وجه الدلالة من الآتين السابقتين المتعلقتين بالمطلقات قبل ّ الدخول، واللواتي لم يفرض لهن صداقا ً فذكر أن ذلك يخضع للعرف والعادة، ومن حق الحكام أو القضاة أن يجتهدوا في تقديره، ولا يجوز تخطئة بعضهما، ّ ألا ترى أن الحكام قد كلفوا أن يحكموا بالظاهر بما » : يقول في هذا المعنى هو عندهم صواب، ولا يجوز أن يكونوا مخطئين إذا اجتهدوا وفعلوا ما أمرهم الله به من الظاهر، وإن اختلفوا في مقادير النفقات...ولا يعتقد واحد منهم تخطئة صاحبه فيما خالفه، لا يدعي عليه الخطأ في حكمه، بل كل واحد منهم يصوب صاحبه، وإن خالفه في تقديره، وإن ّ من حكم منهم للمطلقة بنصف ّ ََ ِّ درهم، أو قيمته نفقة لها في كل يوم، لم يخطئ من حكم لها بدانقين أو ََ قيمتهما، ولا يد ّ عي أن قوله أولى بالصواب من قول صاحبه؛ لأنهم وكلوا في هذا الحكم إلى ما عندهم من غلبة ظنونهم وما تسكن إليه نفوسهم أنه كاف (١) .٤١٢/ محمد عبده ورشيد رضا: تفسير المنار، ٢ (٢) .٣٠٢/ ابن العربي: أحكام القرآن، ١ ِ لمن يحكمون له به وعليه، ولم ينصب لهم مع ما كلفوا دليلا ً يعملون عليه، ولا ع ِل ْ ما ً يقصدونه، أكثر من اجتهادهم، وقال الله تعالى: ﴿ ¤£¢¡ §¦¥ ¨ ﴾ )البقرة : ( ٢٣٦ ، فهذا في بعض المطلقات، وليس يرجعون في هذا إلا إلى ما يظهر لهم من أمر من يحكمون عليه بما يغلب على َ ظنونهم وتطمئن إليه نفوسهم، ولا أقول إن كان حكم هذا طريقه؛ لأن من الأحكام ما قد وقف الحكام عليها، ومنها ما قد وكلوا في اجتهادهم فيما يحقق قوله 8 ، فالمعروف إنما يرجعون فيه إلى عاداتهم في غالب ظنونهم من بعد اجتهادهم، والذي عندي والله أعلم أن المعروف في النفقة هو دون السرف وفوق التقتي ر، ولذلك أقول: إن الإطعام الذي ذكر في القرآن، ولم يبين ّ «... وصفه هو دون اللين، وفوق الخشن، ودون الجيد وفوق الرديء(١) . ّّ ٧ واستدل بعض الإباضية أيضا ً بأدلة من القرآن الكريم على مشروعية العمل بالعرف والعادة والاحتكام إليها في مختلف شؤون الحياة من ذلك: أ ذكر السالمي أن أصل اعتبار العرف والعادة ثابت من الكتاب في قوله تعالى: ﴿ TS ﴾ )الماعون : ( ٧ . وبين معنى الماعون الوارد في الآية ِ ما يتعاور في العادة من الفأس والقدر » : بحديث روى عن ابن مسعود أن الماعون ِ «... والدلو والمقدحة ونحوها(٢) . وعن عائشة # : « الماء والنار والملح »(٣) . (١) ابن بركة: كتاب التعارف، ص ١٢ - .١٣ (٢) أخرجه البزار في البحر الزخار مسند البزار، عاصم بن بهدلة، حديث: ١٥٢٢ عن عبد الله بن قال البزار: ،« كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الدلو، والفأس، والقدر » : مسعود بلفظ وهذا الحديث لا نعلم أحدا » ً ورواه الطبراني في « رواه بهذا اللفظ، عن عاصم إلا أبو عوانة لا » ٨، بزيادة المعجم الكبير، من اسمه عبد الله، عبد الله بن مسعود الهذلي، باب حديث: ٨٧٥ كنا نعد الماعون عارية الدلو » : تفسير مجاهد، سورة أرأيت حديث: ٢٠٩٤ بلفظ .« يستغنى عنهم .« الماعون: متاع البيت » : وعن مجاهد، عن ابن عباس، قال « والقدر والفأس وما تتعاطون بينكم (٣) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، باب العين، باب الميم من اسمه: محمد حديث: ٦٧١١ . عن عائشة، أنها قالت: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ » : ونص الحديث = وجه الاستدلال ب الآية: قال السالمي : أن » ّ ه تعالى ذم المنافقين على منعهم الماعون ولو لم يكن ّ استقضاؤه مباحا ً وجائزا ً للمستقضي لما توجه الذم إلى المانع، بل إلى ّ المستقضي، ولما ذم المانع علمنا أن ّ استقضاءه مباح، وهو نوع من التعارف ّّ كما ترى، لا يقال إن ّ استقضاء الماعون واستعارته خارج عن حد ّ التعارف؛ ِ لأن ّ ه إنما يكون عن رضى صاحبه وتسليمه، والتعارف ليس فيه استئذان؛ لأن ّ ا َ نقول إن ّ طلب الماعون من صاحبه مع تحريم السؤال شرعا ً هو نوع من « التعارف، وبإباحته يباح التعارف(١) . ب وكذلك استدلوا على اعتبار العرف والعادة في الشرع بقوله تعالى حكاية عن بن ِ ْ تي شعيب 0 : ﴿ FEDCBA ﴾ )القصص :( ٢٣ ، ْ ِ فإنه يحتمل أنهما كانتا تنتظران ما يبقى من الماء في الحياض بعد سقي الناس مواشيهم، فيسقيان منه أغنامهما، فيكون ذلك دليلا ً على استباحة الباقي من (٢) الماء من التعارف أيضا ً . ج واستدل على العادة أيضا ً بقوله تعالى: ﴿ DCBA GFE ﴾ )النساء : ( ٢٩ . قال السالمي : ووجه ذلك، أنه تعالى عل » ّ ل إباحة الأموال في التجارة بالتراضي، فتكون ذلك إشارة إلى استباحة الأموال عند التراضي، ولو لم يكن تجارة في المواضع التي حرمها الشرع، كالربا ّ «... ومناهي البيوع(٣) . = من » : قالت: هذا الماء قد عرفناه، فما بال الملح والنار؟ فقال « الماء والملح والنار » : قال أعطى ملحا ً فكأنما تصدق بجميع ما طيب ذلك الملح، ومن أعطى نارا ً فكأنما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار، ومن سقى مسلما ً شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبة، ومن سقى مسلما ً .« شربة من ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما أحياه (١) .١٢٨/ السالمي: العقد الثمين، ٤(٢) السالمي: المصدر نفسه. (٣) .١٢٩ - ١٢٨/ السالمي: نفسه، ٤ ومن الأدلة الواردة في السن ﱠ ة المطهرة والآثار الصحيحة على تحكيم العادة ﱡ والعرف في بعض الأحكام الشرعية ما يلي: ١ استدل جمهور فقهاء الإباضية بحديث روي مرفوعا ً وموقوفا ً عن ابن مسعود 3 ما رآه المسلمون حسنا » : أنه قال ً فهو عند الله حسن، وما رأوه « ئ(١) سيئا ً فهو عند الله سي . ﱢ أقوال العلماء في درجة هذا الحديث وسنده: استدل ج ُ ل ّ من كتب في القواعد الفقهية من الإباضية وغيرهم لهذه القاعدة بهذا الحديث أو الأثر الوارد عن ابن مسعود 3 ، ولكن علماء الحديث تكلموا فيه، فمنهم من رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وصححه، كالحاكم والهيثمي والراشدي من الإباضية، ومنهم من اعتبره موقوفا ً عند ابن مسعود، ولا بأس أن ننقل جانبا ً من أقوالهم لتتضح صورة هذا الحديث وتنجلي حقيقته للعيان، من ذلك: أ أما الذين رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كالراشدي وعزاه إلى الحاكم وقال فيه: « ح(٢) وما روي مرفوعا » ً وموقوفا ً على ابن مسعود 5 ، وص ُح ﱢ . ويؤيد ما ذهب إليه الراشدي ما صرح به الحاكم في المستدرك على وموضع الشاهد منه وفيه ،« معرفة الصحاب ة » الصحيحين فقد أخرجه في كتاب ما رأى المسلمون حسنا » : زيادة ً فهو حسن، وما رآه المسلمون سيئا ً فهو عند ﱢ (١) رواه الحاكم: المستدرك على الصحيحين، كتاب معرفة الصحابة @ ، رقم: ٤٤٦٥ . قال هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وله شاهد أصح منه إلا أن فيه إرسالا » : الحاكم ً .« . كشف الخفاء، ١٨٨ .« موقوف حسن » : وصححه الذهبي. وقال العجلوني (٢) .١٤٤ - الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٤٣ وقد رأى الصحابة جميعا » ،« الله سيئ ً أن يستخلفوا أبا بكر 3 وقال عنه ،« ﱢ هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي(١) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد(٢) في باب الإجماع، وعزاه إلى أحمد والبزار والطبراني في الكبير، وقال: ورجاله موثوقون، وذكره أيضا ً في كشف الأستار عن زوائد البزار(٣) . ب أما الذين اعتبروه موقوفا ً بالصحابي ابن مسعود 3 فاحتجوا بما ذهب إليه العلائي في قواعده، قال شبير : واعتبره كثير من العلماء حديثا » ً مرفوعا ً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصلا ً والصحيح أنه ليس ،« العادة محكم ة » : لقاعدة بحديث مرفوع، قال العلائي : لم أجده مرفوعا » ً في شيء من كتب الحديث أصلا ً ولا بسند ضعيف بعد طول البحث عنه وكثرة الكشف والسؤال، وإنما هو قول عبد الله بن مسعود 3 موقوفا ً « عليه(٤) ، وقد أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي وائل عن ابن مسعود 3 (٥) . وكما أخرجه البزار والطيالسي من وجه آخر عن « الاعتقاد » وعند البيهقي في « الحلية » والطبراني وأبو نعيم في ابنمسعود 3 (٦) ، وأورده الألباني في السلسلة الضعيفة وضعفه(٧) . (١) ٧٨/ الحاكم النيسابوري، كتاب معرفة الصحاب، ٣ - ٧٩ ، وقد رأى الصحابة جميعا ً أن يستخلفوا أبا بكر 3 . هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وله شاهد أصح » : قال منه إلا أن فيه إرسالا .«ً (٢) ١٨٢/ الهيثمي علي: مجمع الزوائد، دار الكتاب العربي، بيروت، ١ - .١٨٣ (٣) .٨١/ الهيثمي علي: كشف الأستار عن زوائد البزار، ١(٤) العلائي أبو سعيد: المجموع المذهب في قواعد المذهب، ط ١، مطابع الرياضي، نشر ٤٠٠ . شبير محمد عثمان: القواعد /٢ ، وزارة الأوقاف الكويتية، الكويت، ١٩٩٤ . الكلية، ص ٢٣٧(٥) . رواه أحمد، مسند المكثرين من الصحابة، مسند ابن مسعود، رقم ٣٦٠٠(٦) العجلوني: كشف الخفاء ومزيل الالتباس عما اشتهر به الحديث على ألسنة الناس، دار إحياء . التراث العربي، لبنان، ١٣٥١ ، ص ١٨٨(٧) . الألباني: ناصر الدين: سلسلة الأحاديث الضعيفة، ص ٥٣٣ موقفنا من هذا ا لحديث: والذي يظهر للباحث بعد التأمل في أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين في الحديث المتقدم، أن الذين اعتبروه موقوفا ً عند ابن مسعود دون أن يرفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقولهم يحتاج إلى إعادة نظر لضعف حجتهم؛ لأنهم اعتمدوا على قول الإمام العلائ ي، الذي زعم أنه لم يجده مرفوعا ً ولا بسند ضعيف، ويفهم من عبارته أنه لم يصرح بضعف الحديث، بل توقف في الحكم عليه، ّ ولذلك لا ينبغي أن نضعف الحديث لأجل تعذر الحصول عليه في كتب ّ الصحاح، ولعله لم يطلع على كل كتب السن ﱠ ة وأحوال الرجال في عصره؛ لأنه ﱡ يعسر على الفقيه أو المحدث أن يعثر على تلك الكتب بسهولة لاعتمادهم على النسخ اليدوي، أما في عصرنا فيختلف الوضع؛ لأن معظم كتب السن ﱠ ة ﱡ والجرح والتعديل قد طبعت، فيسهل الحصول على الحديث ودرجته؛ ولذلك فاحتمال العثور عليه وارد. وعلي « المستدرك » ومما يؤيد صحة هذا الحديث ما صرح به الحاكم في ّ هذا حديث » : ووافقهما الإمام الذهبي فقال الأول ،« مجمع الزوائد » الهيثمي في صحيح الإسناد ولم يخرجاه البخاري ومسلم في صحيحيهما، ووافقه الذهبي .« ورجاله موثوقون » : ويؤكد الهيثمي هذه الحقيقة فيقول ،« فيما ذهب إليه وبعد أن ظهرت الحقيقة وثبتت، لم يبق إلا أن يسل ّ م بصحة هذا الحديث، ويرجح العمل به، فلا يعقل أن يتخذ الفقهاء هذا الحديث أصلا ً في اعتبار العادة والعرف وتحكيمهما في المسائل الفقهية مع علمهم بضعفه، فلا ريب أنهم قد اطلعوا على درجته من جهة الصحة والضعف بالنظر في أحوال رجاله، فجعلوه دليلا ً لهذه القاعدة، ولا يمكن أن يجتمعوا على الخطأ. ومن جهة أخرى فإن هذا الحديث لا يتصادم مع النصوص الشرعية، ولا يتعارض مع مقاصد الشريعة العامة، ولو سلمنا فرضا ً أنه ضعيف فهناك نصوص صحيحة ثابتة تتفق مع معناه تعضده وتقويه. وجه الاستدلال ب الحديث: يعتبر الإباضية العرف أو العادة حجة لإثبات الأحكام الشرعية، وقد صار حجة بالنص، وتعامل الناس به من غير نكير أصل من الأصول، ويؤكد ومناهي المسلمين من مناهي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن » : الوارجلاني هذا الأمر فيقول قوله: وما رآه المسلمون حسنا » ً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا ً فهو « عند الله سيئ، فإن حجر المسلمون على مباح كان محظورا، وإن أهملوه رجع ﱢ « إلى الإباحة(١) . ويشير ابن بركة إلى اعتماده على مدلول هذا الحديث واعتباره دليلا ً شرعيا ً ّ على المسائل والنوازل المستجدة إذا أعوره الدليل من القرآن أو السن ﱠ ة أو ﱡ ويدل أيضا » : الإجماع أو القياس. فيقول ً أن الله تعالى تعبد عباده بما يتعارفون ّ فيما بينهم، ويتجاوزونه فيما جرت به عاداتهم، ما لم يقم على تحريمه دليل « من كتاب أو إجماع من الأمة؛ لأن جواز ذلك حسن في العقل(٢) . واستدل الإمام أبو عبيدة مسلم التميمي بهذا الحديث واعتبره دليلا ً شرعي ّا ً لإثبات تحكيم العرف والعادة في مسألة ع ُش ْ ر الزكاة وكيفية جمعه، فقد ورد إليه سؤال من الإمام أبي الخطاب المعافري الإباضي يسأله عن كيفية جمع الزكاة وتوزيعها، فأرشده إلى الطريقة المثلى اعتمادا ً على العرف فقال: ذكرتم في كتابكم العشر وكيف جمعه، فاعلموا رحمكم الله أنه يجتمع » ِِ أهل البلد في الإقليم الذي هو فيه، فيوكلوا لعشورهم رجالا ً أمناء من قبلهم في كل منزل، فينقله الناس إليهم حتى إذا اجتمع عن آخره نظر فيه خواص من أهل الفقه والفضل والمعرفة في الدين، واجتهدوا رأيهم فيه على ما أمر الله به من تفريقه لمن أمر الله بإعطائه، بلا حيف ولا ميل ولا أثرة قريب دون بعيد، ولا لاجترار منافع، ولا لرفع مضرتها، فما رآه المسلمون حسنا ً فهو كذلك إن (١) .١٣٠/ الوارجلاني أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم: العدل والإنصاف في أصول الخلاف، ١(٢) . ابن بركة: كتاب التعارف، ص ١٤ شاء الله، وما رأوه سيئا ً فهو سي ئ، فأحضرتم تفريقه، حكم أولئك الرهط ّﱢ َ أمرهم، ولا يحضر عند تفريقه جماعة من يأخذ ولا من يعطى، فيفرق عشور ُ «... كل قرية في فقرائهم(١) . ولا شك أن أبا عبيدة مسلم قد اعتمد طريقة جمع الزكاة وتوزيعها على مستحقيها على عرف بلده، السائد في البصرة وبلاد المشر ق، وأراد أن ينقله إلى أهل المغرب بلد الإمام المعافر ي، ولم يعتمد في منهجه على نصوص من القرآن أو السن ﱠ ة، بل على العرف الجاري به العمل في تلك البلاد. ﱡ ونجد ابن بركة أيضا ً يأخذ بمقتضى العرف والعادة في مسألة تحريم شرب النبيذ وبيعه رغم جواز ذلك عند بعض الفقهاء استنادا ً إلى هذا الحديث، وكذلك قولنا في النهي عن شرب النبيذ، فإن كان حلالا » : فيقول ً فإنا ننهى عنه؛ لأن شربه ينقص من شاربه، ويقل من هيبته، ولما يحدث مع شربه من السكر الذي يلزم فيه الحد، وإن كان الله تعالى هو المحدث للسكر... فإن قال: أف َت ُ جيزون بيعه كما تجيزون شربه؟ قيل له: لا يجوز بيع النبيذ، فإن قال: فلم حرمتم بيع ما أحللتم شربه؟ قيل له: لما وجدنا المسلمين جميعا ً يستعظمون ّ فعل الخمارين والنباذين ويضربون بهم الأمثال في الخسة وقبح الفعل، ولم نجد أحدا ً من المسلمين أباح ذلك؛ علمنا أن ما كان عند المسلمين قبيح فهو عند الله قبيح، كما أن ما كان عند المسلمين حسن فهو عند الله حسن... والذي يدل على سقوط هذه المعارضة، أن جميع من جوز شرب النبيذ على اختلافهم ّ واختلاف مذاهبهم لم يجوزوا الاجتماع عليه، ولو كانت هذه المعارضة ّ ِِ صحيحة لكان لقائل أن يقول: ف َلم لا يجوز الاجتماع على ش ُ رب الحلال الذي «... يجوز أن يفترق عليه؟ وقد أغنانا الإجماع عن الاحتجاج فيه(٢) . (١) أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي: رسالة أبي كريمة في الزكاة للإمام أبي الخطاب . المعافري، نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، أغسطس ١٩٨٢ ، ص ٤ ُ (٢) .٥٣٦/ ابن بركة: الجامع، ٢ ولعل ما ذكره ابن بركة من أدلة قوية تعتمد على تشخيص حالة الشاربين للنبيذ وعادة الناس في تعاملهم معه يجعلنا نميل إلى هذا القول ونرجحه؛ لأنه الأعدل والأقرب للصواب؛ لموافقته للنصوص الثابتة في تحريم الخمر، وملاءمته لمقاصد الشريعة العامة الداعية إلى حفظ الدين والعقل والمال. كما استدل السرخسي أيضا ً بهذا الحديث لإثبات أن العرف الجاري بين الناس محك ّ أن ما جرى العرف بين » : م في معاملاتهم، فذكر في باب الوقف ما نصه َ الناس بالوقوف فيه من المنقولات يجوز باعتبار العرف: كثياب الجنازة وما يحتاج وهذا الأصل معروف: أن ما تعارفه ،« إليه من القدور والأواني في غسل الميت الناس وليس في عينه نص يبطله، فهو جائز، وبهذا الطريق جوزنا الاستصناع فيما فيه تعامل، لقوله صلى الله عليه وسلم : ما رآه المسلمون حسنا » ً « فهو عند الله حسن(١) . ويؤكد الكاساني كذلك هذا المعنى استنادا ً إلى هذا الحديث، ويرى أن ما لم ينص عليه شرعا ً ، فهو محمول على العرف والعادة، والعرف حجة لقوله صلى الله عليه وسلم : ما رآه المسلمون حسنا » ً « فهو عند الله حسن(٢) . ٢ ومن الأحاديث المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم في الاعتداد بالعرف الجاري بين الناس، ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة # أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله؛ إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال صلى الله عليه وسلم : « خذي ما يكفيك وولدك ب المعروف »(٣) . (١) .٤٥/ السرخسي شمس الأئمة: المبسوط، دار المعارف، لبنان، ١٢(٢) الكاساني الحنفي: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتاب العربي، ط: ٢، لبنان، .٢٢٣/ ١٩٧٤ م، ٥(٣) متفق عليه واللفظ للبخاري، أخرجه البخاري في كتاب النفقات، باب: إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف رقم: ٥٠٥٥ . ٥٠٧ ) مع /٩) الفتح لابن حجر، وفي موضع عنده من الصحيح ففي كتاب المظالم والغصب حديث رقم ( ٢٤٦٠ )، وفي كتاب النفقات أيضا ً حديث رقم ( ٥٣٥٩ و ٥٣٦٤ ) وفي كتاب البيوع حديث رقم ( ٢٢١١ )، وفي كتاب الأيمان والنذور حديث رقم ( ٦٦٤١ )، وفي كتاب = وجه الاستدلال ب الحديث: قال النووي في شرح مسلم : في هذا الحديث فوائد، وذكر منها: اعتماد » « العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي(١) . وقال عز الدين بن عبد السلام : ومن أدلة العرف أيضا » ً : قوله صلى الله عليه وسلم : خذي » « ما يكفيك وولدك ب المعروف ، ولم تكن هند عارفة بكون المعروف مد ﱠ ين في ُْ حق الغني، ومد ّا ً في حق الفقير، ومد ّا ً ونصف ً ا في حق المتوسط، وقد نص الله على أن الكسوة بالمعروف في قوله تعالى: ﴿ §¨ «ª© ¬ ﴾ ) البقرة : (٢٣٣ ، وكذلك السكن وماعون الدار يرجع فيها إلى العرف من غير تقدير، والغالب في كل ما رد ّ في الشرع إلى المعروف أنه مقدر، وأنه ُ « يرجع فيه إلى ما عرف في الشرع، أو إلى ما يتعارفه الناس(٢) . ويؤكد ابن تيمية العمل بالمعروف في تحديد نفقة الزوجة استنادا ً إلى هذا والصواب المقطوع به عند جمهور العلماء أن نفقة الزوجة » : الحديث فيقول مرجعها إلى العرف، وليست مقدرة بالشرع، بل تختلف باختلاف أحوال البلاد والأزمنة وحال الزوجين وعادتهما، فإن الله تعالى قال: ﴿ ³ ´ ﴾ )النساء : ( ١٩ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « خذي م ا يكفيك وولدك ب المعروف »(٣) . وقال: « ولهن رزقهن وكسوتهن ب المعروف »(٤) «(٥) . = الأحكام حديث رقم ( ٧١٦١ )، وأخرجه مسلم في كتاب الأقضية باب قضية هند، حديث .(١٣٣٨/٣) ،( رقم ( ١٧١٤(١) ٧/ النووي محي الدين: شرح صحيح مسلم، ط البابي الحلبي، وصبيح بمصر، ٢ - .٨ (٢).٦١/ العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ١(٣) تقدم تخريجه. (٤) أصل هذا الحديث متفق عليه عن جابر بن عبد الله، وقد جاءت هذه العبارة في رواية مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث طويل رواه جابر بن عبد الله الأنصاري في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته بعرفات: ولهن عليكم رزقهن » « وكسوتهن ب المعروف .(٨٨٦/٢) ، (٥) . ٨٣ . وينظر: ابن بركة: كتاب التعارف، ص ١٣ / ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ٣٤ هذا وقد حدد بعض الإباضية نفقة الزوجة حسب العرف الجاري، عندهم، لعدم وجود نص شرعي يحدد ذلك. جامع ابن جعفر » جاء في « في الباب التاسع في مؤنة المرأة على زوجها وإذا طلبت المرأة إلى زوجها نفقتها، فإن عليه أن يحضرها نفقتها » : ما نصه لكل شهر، فإن ضاق، فلكل أسبوع، فإن لم يمكنه إلا في كل يوم أعطاها في ِ كل يوم مؤنتها، وقد قال من قال: شبعها من الخبز والتمر، وإن كانت رغيبة َُ فعليه أن يشبعها، فإن اختلفوا ولم يتفقوا في النفقة، فالذي مضى عليه الحكام (١) عندنا ما يفرضون لها النفقة المعروفة عندهم، لكل يوم ربع الصاع حبا ً ومن ّا ً ّ من تمر، والأدم(٢) في كل شهر، والد ّ «... هن على ما يرى الحاكم(٣) . ٣ ومن الأدلة الواردة في السن ﱠ ة النبوية على تحكيم العادة في بعض ﱡ الأحكام قوله صلى الله عليه وسلم : الوزن وزن أهل مك ة، والمكيال مكيال أهل ا لمدينة » « (٤) . وجه ا لاستدلال: وجه الدلالة منه أن أهل المدينة لما كانوا أهل » : قال العلائي في قواعده نخيل وزرع فاعتبرت عادتهم في مقدار الكيل، وأهل مكة كانوا أهل متاجر (١)المن ّ : المن َ ا وهو رطلان والجمع أمنان. ينظر: الرازي مختصر الصحاح، ٤٢٢ . ويستعمله أهل عمان في وزن التمر. وجاء في معجم لغة الفقهاء: المن بالفتح والتشديد ج أمنان. ُّ مكيال سعته رطلان عراقيان، أو أربعون أستارا = ٨١٥,٣٩ غراما ً . ينظر: قلعة جي وقنيبي: . معجم لغة الفقهاء، ص ٣٦٠(٢) الأدم: والإدام: ما يؤتدم به، تقول منه أدم الخبز باللحم. ينظر: الرازي: مختار الصحاح، . ص ٧(٣) .١٧١/ ابن جعفر: جامع ابن جعفر، ٤(٤) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : « المكيال مكيال أهل ا لمدينة » ، ، رقم ٣٣٤٠ صححه » : والنسائي في المجتبى، كتاب الزكاة، كم الصاع، رقم ٢٥٢٠ ، عن ابن عمر. المناوي ابن حبان والدارقطني والنووي وابن دقيق العيد والعلائي ورواه بعضهم عن ابن عباس قيل .٣٧٤/ فيض القدير، ٦ .« وهو خطأ ورمز المصنف لحسنه ِ فاعتبرت عادتهم في الوزن، والمراد بذلك فيما يتقدر شرعا ً : كنصب الزكاة، ومقدار الد ّ « يات، وزكاة الفطر، والكفارات، ونحو ذلك(١) . وقال الخطابي : فهذا مبدأ عام قرره النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتداد بالعرف الجاري » بين الناس، وليس المراد من الحديث تعديل الموازين والأرطال والمكاييل وجعل عيارها أوزان أهل مك ة، ومكاييل أهل المدينة لتكون عند التنازع حكما ً بين الناس يحملون عليها إذا تداعوا... فإن أقر الرجل بمكيله برا ً أو بعشرة ّ ُّ أرطال من تمر أو غيره، واختلفا في قدر المكيلة والرطل، فإنهما يحملان على عرف البلد وعادة الناس في المكان الذي هو به، ولا يكل ّ ف أن يعطي برطل « مكة ولا بكيال المدينة(٢) . كل شيء » : كما نبه الإمام العيني إلى هذا المعنى في شرح البخاري فقال ّ لم ينص عليه الشارع أنه كيلي أو وزني، فيعتبر في عادة أهل كل بلدة على « ما بينهم من العرف فيه؛ لأن الرجوع إلى العرف جملة من القواعد الفقهية(٣) . هذا ونقل ابن بركة في جامعه اختلاف الفقهاء في تجديد مقادير بعض المكاييل والموازين، وألمح أن ضبط مقاديرها يرجع إلى ما جرى به العمل اختلف الناس في مقدار الصاع » : وتعارف عليه الناس في كل بلد، وهذا نصه والمد، فقال أهل العراق : الصاع ثمانية أرطال والمد رطلان، وذهبوا إلى خبر النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل بالصاع وزعموا أنه كان يغتسل بثمانية أرطال(٤) ، وأما أهل ّ الحجاز فلا يختلف معهم أن الصاع خمسة أرطال وثلث، والمد رطل وثلث، (١) و ٤٢ ، الوجه الثاني نقلا ،« مخطوط » ، العلائي: المجموع المذهب في قواعد المذهب ً عن .٤٠٤/ الندوي، القواعد الفقهية، ص ٢٩٧ ، والمطبوع: ٢(٢) ١٢ وما بعدها. / الخطابي: معالم السنن، مطبوع مع مختصر أبي داود للمنذري، ٥(٣) .١٠٢/ العيني: عمدة القارئ شرح صحيح البخاري، دار الفكر، بيروت، ١٦(٤) رواه البخاري: الجامع الصحيح، كتاب الوضوء، باب الوضوء بالمد، رقم: ١٩٧ . عن أنس بن مالك. ونص الحديث: عن ابن جبر، قال: سمعت أنسا ً كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل، » : ، يقول .« أو كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد يعرفه عالمهم وجاهلهم لكفارة الأيمان والزكاة، وصدقة النسك، وصدقة ْ الفطر، وإلى هذا يذهب أصحابنا (الإباضي ة)، وأما الف َر َ ق: فهو ستة عشر رطلا ً ، والقسط: نصف صاع، فهذه مكاييل أهل الحجاز «... (١) . ٤ ومن الأحاديث التي استدل بها الإباضية على هذه القاعدة ما رواه الشيخين عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن ّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة » ّ « في معصية الله، إنما الطاعة في ا لمعروف(٢) . وجه الاستدلال: وهذا الحديث » : قال عبد الرحمن السعدي في بيان مدلول هذا الحديث ٰ قيد في كل من تجب طاعته من الولاة والوالدين والزوج وغيرهم، فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، كلها بالمعروف، فإن الشارع رد ّ الناس في كثير مما أمرهم به إلى العرف والعادة، كالبر والصلة ّ والعدل والإحسان، وطاعة من تجب طاعته تقيد بهذا القيد فلا طاعة لمخلوق ّ « في معصية الخالق، ولا طاعة مع عدم الاستطاعة(٣) . ٥ ومن الأحاديث التي حك ّ م فيها النبي صلى الله عليه وسلم العرف والعادة، ما قضاه أن ناقة » : النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه حرام بن محيصة عن أبيه ً للبراء بن عازب دخلت ّ (١) .٣٠٢/ ابن بركة: كتاب الجامع، ١ (٢) رواه مسلم بلفظه في صحيحه في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية عن علي كرم الله وجهه حديث رقم ٣٩ ، ص ٨٣٠ . وأخرجه البخاري بنحوه في صحيحه في كتاب المغاري، باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي حديث ّ رقم ( ٤٣٤٠ )، ص ٧٥٥ ، وفي كتاب الأحكام باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، حديث رقم ( ٧١٤٥ )، ص ١٢٦٩ ، وبلفظ قريب منه في كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في . إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة، حديث رقم ( ٧٢٥٧ )، ص ١٢٨٩ (٣) السعدي عبد الرحمن ٰ الناصر: بهجة قلوب الأبرار، ص ٢٢١ - ٢٢٢ بتصرف. وينظر: .١٥١ - الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٥٠ حائط رجل فأفسدته، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار، « وعلى أهل المواشي حفظها بالليل(١) . فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ » : وفي رواية أخرى « الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل(٢) . وذهب الفقهاء استنادا ً إلى هذا الحديث إلى أن ّ ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير فلا ضمان على أهلها، وما أفسدت بالليل ضمنه مالكها، وعلل لأن في العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين » : ذلك الخطابي بقوله « يحفظونها بالنهار ويوكلون بها الحفاظ والنواطير(٣) . ومن عادة أصحاب المواشي أن يسرحوها بالنهار ويردوها مع الليل إلى المراح، فمن خالف هذه العادة كان به خارجا ً عن رسوم الحفظ إلى حدود التقصير والتضييع، فكان كمن ألقى متاعه في طريق الشارع، أو تركه في غير موضع حرز، « فلا يكون على آخذه قطع(٤) . ِ ويوعز العلائي حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالضمان لما تحدثه الدواب من مضار ُُ وهذا أد » : بقاعدة العرف والعادة فيقول ّ ل شيء على اعتبار العادة في الأحكام الشرعية وبنائها عليها؛ لأن عادة الناس إرسال مواشيهم بالنهار للرعي، وحبسها بالليل للمبيت، وعادة أهل البساتين الكون في أموالهم بالنهار غالبا ً دون ْ (١) رواه مالك، كتاب الأقضية، باب القضاء في الضواري والحريسة، رقم ١٤٣٥ ، وأبو داود، ٣، وأحمد، مسند الأنصار، حديث أبواب الإجارة، باب المواشي تفسد زرع قوم، رقم ٥٦٩ ٢، وقد اختلف في إسناده عن الزهري وكلهم أثبات ثقات، محيصة بن مسعود، رقم ٣٠٨٧ على أي حال كان فالحديث من مراسيل الثقات لأن جميعهم ثقة وهو » : قال ابن عبد البر .٢٠٥/ الاستذكار، ٧ .« حديث تلقاه أهل الحجاز وطائفة من أهل العراق بالقبول والعمل(٢) . رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب المواشي تفسد زرع قوم، رقم ٣٥٧٠(٣) . الناطر والناطور: حافظ الزرع، مادة نطر، الفيومي، المصباح المنير، ص ٦١١(٤) ١٩٩/ ابن جعفر: جامع ابن جعفر (مع الهامش)، ٤ - ٢٠٠ . الخطابي معالم السنن مع .٢٠٢/٥ ،( مختصر سنن أبي داود، باب المواشي تفسد زرع قوم، حديث رقم ( ٣٤٢٥ « الليل، فبنى النبي صلى الله عليه وسلم التضمين على ما جرت به عادتهم(١) ، وتابعه في هذا ابن النجار الحنبلي (٢) . ومن جهة أخرى فقد ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى أن دلالة هذا ِ الحديث تفيد أيضا ً أن لولي الأمر توزيع المسؤوليات والواجبات بين الناس َّ وأرباب المصالح من حيث الزمان، ومن حيث المكان، وينطبق ذلك مثلا ً على منع الشاحنات اليوم من السير على بعض الطرق مطلقا ً ، أو في الليل دون «(٣) النهار...إلخ، فمن خالف كان مقصرا ً أو مسؤولا ً . ويرى الإمام الدهلوي(٤) أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرع في الواقع أصولا ً ، ونصب (١) عن الزهري، عن » : ٤٠٢ . نص الحديث / العلائي: المجموع المذهب في قواعد المذهب، ٢ حرام بن محيصة، عن أبيه قال: أفسدت ناقة للبراء بن عازب في حائط قوم، فرفع ذلك إلى رواه .« النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بحفظ الماشية على أهلها بالليل، وحفظ الحوائط على أهلها بالنهار النسائي في السنن الكبرى، كتاب العارية والوديعة، ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث، حديث: ٥٦١٧ عن سعد بن مسعود الأنصاري. والحاكم في المستدرك، كتاب عن البراء بن عازب » البيوع، وأما حديث أبي هريرة حديث: ٢٢٤٤ بزيادة ^ ، قال: كانت له ناقة ضارية، فدخلت حائطا ً ، فأفسدت فيه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها... وإن على هذا حديث صحيح الإسناد على خلاف فيه » : قال الحاكم « أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بين معمر والأوزاعي، فإن معمرا ً ورواه .« قال: عن الزهري، عن حرام بن محيصة، عن أبيه أبو داود في السنن، كتاب البيوع، أبواب الإجارة، باب المواشي تفسد زرع قوم حديث: رواه . أبو داود، كتاب البيوع، باب المواشي تفسد زرع قوم، رقم ٣٥٧٠ (٢) .٤٥٢/ ابن النجار: شرح الكوكب المنير للفتوحي، ٤ (٣) . الزرقا مصطفى: الفعل الضار والضمان فيه، ص ٢٨ (٤)أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي الدهلوي الهندي، أبو عبد العزيز، الملقب شاه ولي الله( ١١١٠ - ١١٧٦ ه/ ١٦٩٩ - ١٧٦٢ م): فقيه حنفي من المحدثين. من أهل دهلي بالهند. زار الحجاز سنة ١١٤٣ - ١١٤٥ ه. من كتبه: الفوز الكبير في أصول التفسير، ألفه بالفارسية، وترجم بعد وفاته إلى العربية والأردية ونشر بهما، وفتح الخبير بما لا بد من حفظه في علم التفسير، وحجة الله البالغة، مجلدان، والإرشاد إلى مهمات الإسناد، والإنصاف في أسباب الخلاف، وعقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد، والمسوى من أحاديث الموطأ، مجلدان .١٤٩/ وشرح تراجم أبواب البخاري، وغيرها. ينظر: الزركلي: الأعلام، ١ ضوابط يرجع إليها في كثير من المسائل والقضايا العويصة، لا سيما للقاضي عندما يتعذر له الحكم في قضية معروضة عليه، لوجود شبهة، أو لعدم توافر الأمارات والقرائن الكافية في ترجيح جانب على جانب آخر، فمن تلك الأصول: الحكم باتباع العرف والعادة المسلمة عند جمهور الناس، ومثال تلك القضية هذا الحديث الذي نحن بصدده، فكل واحد منهما صاحب الناقة وصاحب البستان كان معذورا ً في دعواه فقضى صلى الله عليه وسلم بما هو المعروف من عادتهم من حفظ أهل الحوائط أموالهم بالنهار، وحفظ أهل المواشي « مواشيهم بالليل(١) . ٦ ومما يدل على قاعدة العادة والعرف أيضا ً ما ورد في السن ﱠ ة المجتمع ﱡ عليها في اللقطة أنها تدفع بعلامة يأتي بها المدعي لها، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سؤال السائل: « أمارتها عفاصها ووكاؤها »(٢) . وفي خبر آخر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « وعاؤها ووكاؤها »(٣) . (١) .١٦٩/ الدهلوي ولي الله: حجة الله البالغة، ٢ (٢) متفق عليه واللفظ للبخاري، رواه في كتاب في اللقطة، باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها، حديث: ٢٣١٩ كتاب المساقاة، باب شرب الناس والدواب من ٢، ولفظه: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن اللقطة، فقال: الأنهار، حديث: ٢٦٥ اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك ب ها » قال: فضالة ،« الغنم؟ قال: « هي لك أو لأخيك أو ل لذئب » ، قال: فضالة الإبل؟ قال: ما لك ولها، معها » « سقاؤها، وحذاؤها ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها . ومسلم، كتاب اللقطة، حديث: ٣، عن زيد بن خالد الجهني ٣٣٣ 3 . (٣) متفق عليه واللفظ للبخاري، رواه في كتاب في اللقطة، باب إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة عن سلمة، سمعت سويد بن غفلة، قال: لقيت أبي بن » : دفع إليه حديث: ٢٣١٦ ولفظه كعب 3 ، فقال: أخذت صرة مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: عر فها حولا » «ً ، فعرفتها ﱢ حولا ً ، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته، فقال: عر فها حولا » «ً فعرفتها، فلم أجد، ثم أتيته ثلاثا ً ، ﱢ فقال: « احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها، وإلا فاستمتع ب ها » ، فاستمتعت، فلقيته بعد بمكة، فقال: لا أدري ثلاثة أحوال، أو حولا ً واحدا ً .« ومسلم، كتاب اللقطة، حديث: ٣٣٣٧ عن أبي بن كعب بزيادة. وجه الاستدلال بالحديث: والأمارة هي العلامة، » : بين ابن بركة وجه الاستدلال بهذين الخبرين فقال ّ وقد جاز أن يدفع المال الكثير بالعلامة والصدق بذلك سكون القلب، كما يجوز تسليمها بالبينة العادلة، وإن قال قائل: لم قلت َ إن ّ تسليم اللقطة بسكون النفس دون أن يكون ذلك يقينا ً بالبينة؟ قيل له: إنما أ ُ مرنا بذلك على وجه التعبد بسكون قلوبنا في تصديق المدعي لها بما عنده من السر الذي لا يجوز ّّ أن يتحرى غيره فيوافقه، إلا كان ذلك نادرا ً في الناس، والنادر لا يعتمد عليه ّ ولا يحتج به؛ لأن ّ اللقطة إذا جاء مزيد عليها مع العلامات التي لو رام الإنسان أن يتحرى إصابتها بالتخريص والظن لبعد ذلك عليه، ولم يتفق ذلك له، ّ ولذلك جاءت السن ﱠ ة به، وبالأمر بتسليمه، فمن أتى بعلامة جاءت بها السن ﱠ ة ﱡﱡ ومما كان في معنى السن ﱠ ة مما تدل على صدق مدعيها جاز الدفع بذلك، وصح ﱡّ بما جاء، وقلنا إنما تسكن إليه النفس ويطمئن إليه القلب، ويشهد تصديقه كالعلم به، والسن ﱠ ة شاهدة أيضا ً بما قلنا ما روى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل من ﱡ أصحابه عند سؤاله إياه: « يا وابصة اسفت ن فسك »(١) . فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستدل « على صحة ما يحتاج إليه علمه بدليل قلبه وسكون نفسه(٢) . ٧ أما أحوال النساء وعوارضهن، فالرجوع في كثير من الأحكام في هذا الباب إلى العرف والعادة ومن ذلك: ما روي عن حمنة بنت جحش أنها اشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت (١) رواه الدارمي في السنن، ومن كتاب البيوع، باب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، ، رقم ٢٥٣٣ رمز المصنف » : وأحمد، مسند الشاميين، حديث وابصة بن معبد، رقم ١٨٠٣٠ ، المناوي لحسنه ورواه الإمام أحمد والدارمي في مسنديهما قال النووي في رياضه: إسناده حسن وتبعه المؤلف فكان ينبغي له الابتداء بعزوه كعادته ورواه أيضا ً الطبراني قال الحافظ العراقي .٤٩٥/ فيض القدير، ١ .« وفيه عنده العلاء بن ثعلبة مجهول(٢) ابن بركة: كتاب التعارف، ص ١٥ - .١٦ أختي زين ب، فقال صلى الله عليه وسلم : تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ث م اغتسلي: » ِِّّ فإذا رأيت أنك طهرت واستنقأت ف صل ّ ي أربع وعشرين ليلة أو ث لاثا ً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي وصل ّ ي، فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي كما تحيض «... النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن(١) . فالحديث فيه تنبيه على الرجوع إلى الأمر الغالب والعادة، وهي ستة أيام فرد » :« المعالم » أو سبعة أيام، قال الخطابي في ّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها إلى العرف الظاهر والأمر الغالب من أحوال النساء، كما حمل أمرها في تحيضها ّ كل شهر مرة واحدة على الغالب من عادتهن، ويدل على ذلك قوله: كما » « تحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن ، وهذا أصل في قياس أمر النساء بعضهن على بعض في باب الحيض والحمل، أو البلوغ وما أشبه هذا من أمورهن، ويشبه أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم على غير وجه التغيير بين الستة والسبعة، لكن على معنى اعتبار حالها بحال من هي مثلها، وفي مثل سنها من نساء أهل إقليمها، فإن كانت عادة مثلها منهن أن تقعد ست ّا ً ، قعدت ست ّا ً ، وإن «(٢) سبعا ً فسبعا ً . وروى البخاري ما يفيد معنى الحديث السابق عن عائشة : أن فاطمة بنت أبي حب يش سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ ُ ِ فقال: لا، إن ذلك عرق، ولكن د » َ عي الصلاة ق د ْ ر الأيام التي كنت تحيضين ْ « فيها، ثم اغتسلي وصلي(٣) . فقوله صلى الله عليه وسلم : قد » ْ « ر ا لأيام ... إلخ: فيه دلالة واضحة على إعادة الأمر إلى العادة التي كان يجري عليها أمرها. (١) ،٢٨ رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، رقم: ٧ والترمذي، كتاب الطهارة، باب في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد، رقم: ١٢٨ . عن حمنة بنت جحش. وقال حسن صحيح. (٢) .١٨٤/ الخطابي: معالم السنن، ١(٣) ٣، عن عائشة البخاري: الجامع الصحيح، باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، رقم: ٢٣ .٨٩/ بنت أبي بكر الصديق. ١ ٨ ومما يستأنس به أيضا ً في تأصيل هذه القاعدة ما رواه أبو داود عن سعد بن أبي وقا ص، قال: لما بايع صلى الله عليه وسلم قامت امرأة جليلة(١) ، كأنها من نساء م ُض َ ر، فقالت: يا نبي الله، إنا ك َ ل ﱞ على أبنائنا، قال أبو داود : وأرى فيه: وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم؟ فقال: « الرطب تأكلنه وتهدينه »، قال أبو داود : الرط » ْ وكذا رواه الثوري عن يونس ،« ب: الخبز والبقل والرطب(٢) . ﱠ ِ قال الندوي : والسر بتخصيص الرط » ْ ب، أن خ َط ْبه أيسر، وليس هو مما ﱡﱠ ُ يتكل ّ ف به، والخطابي 5 حمل الترخص بذلك اعتبارا ً بالعادة، قال في َُ َ وقد جرت العادة بين الج » :« المعالم » ِ يرة والأقارب أن يتهادوا رط ْ ب الفاكهة والبقول، وأن يغرفوا لهم من الطبيخ، وأن يتحفوا الضيف والزائر بما يحضرهم منها، فوقعت المسامحة في هذا الباب، بأن يترك الاستئذان له، وأن يجري « على العادة المستحسنة في مثله(٣) «(٤) . ٩ ومن النصوص الدالة على هذه القاعدة الثابتة بالسن ﱠ ة التقريرية ما تعارف ﱡ عليه الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من أمور تتعلق بشؤون الحياة فلم يحر مها أو ّ ينهاهم عنها، فدل ّ على جوازها، كما تعارفوا أمورا ً جاء ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم عليها أو شاركهم في فعلها، فهذا أيضا ً يدل على جوازها. ّ َ وكذلك أق َر الإسلام ما كان صالحا ً للبقاء في ظل التشريع الإسلامي مما ّ تعارف عليه الناس قبل الإسلام وألغى ما كان غير صالح؛ فألغى عقود الربا، (١) الجليلة: تكون بمعنيين: أحدهما: أن تكون جسيمة، والآخر: أن تكون بمعنى الم ُ سنة، ينظر: ٢٥٧ . وقال الجوهري في الصحاح: جل / الخطابي، معالم السنن: ٢ ّ الرجل أيضا ً : أي أسن، .١٦٦٠/٤ (٢) رواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب المرأة تتصدق من بيت زوجها، رقم ٧٦٤٠ ، والحاكم في المستدرك، كتاب الأطعمة، رقم ٧١٨٥ ، عن سعد بن أبي وقاص. وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. (٣) .٢٥٧/ الخطابي: معالم السنن مع مختصر سنن أبي داود للمنذري، ٢(٤) . الندوي علي أحمد: القواعد الفقهية، ص ٣٠١ وعقود الغرر، وأقر عقود الشركة والإجارة والمضاربة، ووضع لها قواعد ّ وشروطا ً ليكون الغرض منها تحقيق المصلحة، ومن أظهر الأمثلة على ذلك: عقد السل َ م، فقد عرفه العرب في الجاهلية وأقرهم عليه صلى الله عليه وسلم ، فعن ابن عباس ^ ﱠ قدم صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم ي » : أنه قال ُ سل ِ فون ﱠ التمر الس ﱠ نة والسنت َي ْ ن، فقال صلى الله عليه وسلم : من أسلف في شيء ف ل » ْيسلف في كيل معلوم ووز ْ ن معلوم إلى أجل َُ « معلوم(١) . فهذا يدل على اعتبار العرف في التشريع(٢) . ومما يزيد أدلة اعتبار العرف بالسن ﱠ ة التقريرية قوة، أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل بعض ﱡﱠ ما أقرهم عليه، فقد عرفوا عقد الاستصناع، فشاركهم النبي صلى الله عليه وسلم في العمل به، ﱠ (٣) فقد روي أنه استصنع منبرا ً وخات َ ما ً . ١ ٠ ومن الأحاديث النبوية التي استدل بها بعض الإباضية على اعتبار ،« العقد الثمين » العرف وتحكيمه في معاملات الناس ما ذكره السالمي في رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينهى عن تحصين البساتين عن المحتاجين والجائعين بالحيطان والزروب أن يأكلوا منها، وقال لأصحابه: يوم كنتم في » ﱡ الجاهلية أذلاء تعبدون غير الله تحملون ا لك َ ل ﱠ ، وتفعلون في أموالكم المعروف، وتفعلون في ابن السبيل، حتى إذا من الله عليكم بالإسلام وبنبيه صلى الله عليه وسلم إذا أنتم َﱠ تحصنون أموالكم، إ ن ّ فيما يأكل ابن آدم أ جرا ً وفيما يأكل السبع والطير ّ «(٤) أجرا ً . فرجع القوم، فما منهم أحد إلا هد ّ م من حديقته ثلاثين بابا ً. (١) ،٢ البخاري: الجامع الصحيح، كتاب السلم، حديث باب السلم في وزن معلوم، رقم: ١٤٦ .٤٤/ عن عبد الله بن عباس ٣(٢) ١٩٥/ ابن جعفر: جامع ابن جعفر، ٥ - ٣٥٦/ ٢٢١ . الشماخي: الإيضاح، ٣ - ٣٩٣ . البسيوي .٢٢ ،٨/ أبو الحسن: جامع أبي الحسن البسيوي، ٤(٣) البخاري: الجامع الصحيح، كتاب الصلاة، باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر، ١٦/ حديث رقم: ( ٤٤٨ )، وكتاب اللباس، حديث رقم ( ٥٥٦٦ )، وسنن الدارمي، ١ - .١٧ (٤) هذا حديث صحيح الإسناد » : رواه الحاكم في المستدرك، كتاب الأطعمة، رق م ٧١٨٣ ؛ وقال وسكت عنه الذهبي. ورواه البيهقي في الشعب، باب في الزكاة، فصل في .« ولم يخرجاه = ١١ واستدل السالمي لهذه القاعدة أيضا ً بما روي عن عائشة # أنها ِِ قالت، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا ط » َعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، لها ُ « أجرها وله مثله، وللخازن مثل ذلك له ما اكتسب ولها ما أنفقت(١) . وجه ا لاستدلال: نقل السالمي عن القسطلاني(٢) قوله في بيان وجه الدلالة في هذا جاز لها ذلك للإذ » الحديث أنه ْ ن المفهوم من المراد العرف، فإن علم شحه ُ ُﱠ أ و ش ُ ك فيه لم ي َج ُ ز، قال: فظاهره يعطي التساوي للمذكورين في الأجر، ويحتمل أن يكون المراد بالمثل: حصول الأجر في الجملة، وإن كان أجر الكاسب أوفر، لكن يعك ﱢ « فلها نصف أجره » ر عليه حديث أبي هريرة بلفظ(٣)، « إذ هو يشعر بالتساوي(٤) . ١٢ ومن الأحاديث النبوية التي استدل بها السالمي لقاعدة العرف والعادة واعتبارهما في باب جواز الأكل من الل ﱡ قط َ ة والانتفاع بها، إن تبين أن = الاعتذار إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي منه، رق م ٣٥٠٠ . والطبراني في المعجم الأوسط، لا يروى » : ٢، عن جابر بن عبد الله. قال الهيثمي باب الألف، باب من اسمه إبراهيم، رقم ٤١٩ ٣١٦ . وضعفه / مجمع الزوائد، ٣ .« عن جابر إلا بهذا الإسناد قلت: وفيه جماعة لم أعرفهم الألباني في السلسلة الضعيفة وضعيف الترغيب والترهيب. (١) ١، عن عائشة بنت رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب أجر المرأة إذا تصدقت، رقم: ٣٨٣ أبي بكر الصديق. (٢)أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين( ٨٥١ - ٩٢٣ ه/ ١٤٤٨ - ١٥١٧ م): من علماء الحديث. مولده ووفاته في القاهرة. من مصنفاته: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، عشرة أجزاء. والمواهب اللدنية في المنح .٢٣٢/ المحمدية في السيرة النبوية. ينظر: الزركلي: الأعلام، ١(٣) ، رواه البخاري، كتاب البيوع، باب قول الله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم، رقم ١٩٦٠ .« إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فلها نصف أجره » : عن أبي هريرة بلفظ(٤) ١٢٩ . نقلا / السالمي: العقد الثمين، ٤ ً عن القسطلاني. صاحبها لا يطلبها، ما روي عن أنس بن مالك 3 أنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ّ ِ بت َ مرة في الطريق فقال: لأ» ََ « ن أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها(١) . وفي رواية عن جابر بن عبد الله 3 قال: رخ ّ ص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في « العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به(٢) . َََْ َْ ويروى عن أم الدرداء # قالت: قال لي أبو الدرداء 3 : لا تسألي أحدا » ً شيئا ً تتبعي الحصادين فانظري ما يسقط منهم » : قلت: إن احتجت؟ قال ،« «(٣) فخذيه فاخبطيه ثم اطحنيه ثم اعجنيه ثم كليه، ولا تسألي أحدا ً شيئا ً . قال السالمي بعد أن عرض هذه الأحاديث المأثورة في تأصيل القاعدة: فهذه الأحاديث كلها دالة على ثبوت الحكم بالتعارف، فلا وجه للمنع بعد »« ذلك(٤) ، فهو بهذا يرد على من يرى عدم اعتبار العرف والعادة في التشريع. ١٣ ومن الآثار الدالة على العمل بالعرف والعادة في حياة السلف رضوان الله عليهم ما روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه ّ قضى في متاع البيت: أن ما كان للرجال فهو للرجال، وما كان للنساء فهو « للنساء(٥)، فهذا الأثر يدل على اعتبار العرف في التشريع. وفي ضوء تلك النصوص الشرعية ونظائرها أدرك العلماء مكانة العرف (١) ٢؛ ومسلم، كتاب رواه البخاري، كتاب في اللقطة، باب إذا وجد تمرة في الطريق، رقم: ٣٢٠ ١، عن أنس بن مالك. الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رقم: ٨٤٦ (٢) ١، والبيهقي في الكبرى، كتاب رواه أبو داود، كتاب اللقطة، باب التعريف باللقطة، رقم ٤٧٢ وفي » : اللقطة، باب ما جاء في قليل اللقطة، رقم ١١٨٧٨ ، عن جابر بن عبد الله. ابن حجر .٨٥/ فتح الباري، ٥ .« إسناده ضعف واختلف في رفعه ووقفه (٣) رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب اللقطة، باب ما جاء في اتباع الحصادين وأخذ ما يسقط منهم، حديث: ١١٣١٢ عن عويمر بن مالك الأنصاري. (٤) .١٣٠/ السالمي: العقد الثمين، ٤(٥) رواه البيهقي في الكبرى، كتاب الدعوى والبينات، باب: متاع البيت يختلف فيه الزوجان، حديث: ١٩٨١٠ عن علي بن أبي طالب. في التشريع الإسلامي واحتكموا إليه في كثير من المسائل والقضايا المستجدة واعتبروه مصدرا ً للتشريع فيما لا نص فيه، وهذا ما يرمز إليه قول القاضي ش ُ ريح في عهد عمر بن الخطاب 3 للغز ﱠ الين(١) : سن » ﱠ تكم بينكم ربحا ً يعني ،« َُ « عادتكم وطريقتكم بينكم معتبرة »(٢) . هذا وقد وضع بعض العلماء لذلك ضابطا ً يضبط تلك المعاملات العرفية وضابطه: كل فعل رت » : الجارية بين الناس، فقال ﱢ ب عليه الحكم، ولا ضابط له ُ ِ في الشرع ولا في اللغة، كإحياء الموات، والحرز في السرقة، والأكل من بيت الصديق، وما يعد ﱡ قبضا ً وإيداعا ً وإعطاء وهدية ً وغصبا ً ، والمعروف في َُْ ًْ « المعاشرة، وانتفاع المستأجر بما جرت به ا لعاد ة، وأمثال هذه كثيرة لا تنحصر (٣) . (١)الغز ّ ال: بائع الغزل. (٢) العيني: عمدة القارئ شرح صحيح البخاري، باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن، وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة... لا بأس العشرة بأحد عشر، ويأخذ للنفقة ربحا » : وقال عبد الوهاب، عن أيوب عن محمد ً ... واكترى الحسن، من عبد الله بن مرداس: حمارا ً ، فقال: بكم؟ قال: بدانقين، فركبه ثم جاء .١٦/١٢ .« مرة أخرى، فقال: الحمار الحمار، فركبه ولم يشارطه، فبعث إليه بنصف درهم ورواه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب البيوع والأقضية، في القوم يتراضون بالشيء بينهم، جاءه قوم يختصمون من الغزالين » : حديث: ٢٢٨٣٢ عن شريح بن الحارث الكندي، بلفظ فقالوا: سن ّ تنا فيما بيننا، فقال: سن ّ .« تكم فيما بينكم ُُ (٣) ٤٥٢/ ابن النجار: شرح الكوكب المنير للفتوحي، ٤ - .٤٥٣ استدل الإباضية وغيرهم على اعتبار العرف والعادة وتحكيمهما في معاملات الناس وتصرفاتهم بأدلة من الإجماع والقياس، نذكر منها: k :´ÉªLE’G øe :’hCG أجمع العلماء على اعتبار العرف والعادة في الأحكام الشرعية، فقد عمل به أئمة المذاهب الفقهية المعروفة وأتباعهم، كالإباضية والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والشيعة وغيرهم. وظهر ذلك في فروعهم الفقهية المتناثرة نقل عن مذهبنا أن » : في مصنفاتهم، ويؤكد ذلك الإمام القرافي المالك ي، فيقول ﱠ ِ من خواصه اعتبار العادات والمصلحة المرسلة وسد الذرائع... أما العرف ُ « فيشترك بين المذاهب، ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها(١) . ََ فإمام الإباضية جابر بن زيد الأزدي وأصحابه عملوا بالعرف والعادة في ِ أحكام العبادات والمعاملات والأسرة، والعقوبات التعزيرية والسياسة الشرعية(٢) . يقول الكدمي : وقد يخرج في معنى الاطمئنان والتعارف وما تجري به ...» العادات ما يشبه معنى الحكم الثابت في الأصول، فيصبح بذلك العادات « والتعارف في معنى ما يشبه الأحكام الثابتة(٣) . (١) القرافي: مختصر تنقيح الفصول، ص ٨٦ . شلبي محمد مصطفى: أصول الفقه الإسلامي، . ص ٣٢٢(٢) الإمام جابر بن زيد، من جوابات الإمام جابر بن زيد، ص ٢١ - ١٥١ . ابن ،١١١ ،٢٢ ٦٥٩ . وكذلك ينظر: باجو مصطفى: منهج الاجتهاد عند ،١٧٢ ،٨٩/ بركة: كتاب الجامع، ٢ .٧٥٢ ، الإباضية، ص ٧٤٨ (٣) .٨٣/ الكدمي: المعتبر، ٤ ِ ونقل ابن بركة إجماع العلماء على قبول الهدية وانتقالها إلى مل ْ ك من أهديت إليه بواسطة رسول، وربما كان صبيا ً ، فزوال ملكها من صاحبها ْ ُﱠّ (١) المتيق ﱢ ن حصل بما يسكن إليه القلب وجرت عليه العادة ُ . ومما يدل على ذلك ما ق » : يقول ابن بركة في هذا الصدد ُل ْن َ ا، الإجماع من الأمة على جواز أخذ الهدية التي هي مال من غير بينة، بل قالوا جميعا: ّ ِِ ِ إن ﱠ جواز أخذها وزوال ملكها عن مهديها، وحد ُ وث ملكها لمن أه ْ ديت ْ إليه ِِِ ِ بسكون القلب إلى صد ْ قه من صبي أو عبد أو ذمي مع سكون القلب بالرسالة، ُ ﱢﱢ َ أو دليل يد ُ ل ﱡ ه على ذلك، ولو لم يذكر الرسول عند المهد َ ى شيئ ًا، ألا ت َرى َُ أنهم اجتمعوا جميعا ً لا خلاف بينهم أن ﱠ الم ُ ه ْ د َ ى إليه لو أنكرها قلبه ُ ولم يكن في نفسه ما يدله ُ على صدق الرسول بها، أو رأى أن صاحبها ليس بينه وبين ِ المهد َ ى ما يوجبها لم يحل له أخذها. ُ ٍَ ألا ت َ رى أن الإنسان لو وصل إليه رجل بشيء مما هو مال ٌ يذكر أنه َ ِ هدية له من عند من كان بينه وبينه قتال أو مخاصمة على مثل شراك نعل قبلها بيوم، لا يسكن ذلك ق َ لبه، وظن أنها أ ُ هديت إلى غيره فغلط الرسول، ْ ُّْ أو بعثه بها إلى من كان أعانه عليه بالأمس في حال مقاتلتهما، فليس له أن يأخ ُ ذ َ ها؛ لأن العادة جرت بأن الإنسان لا تسمح نفسه لع َ دو ﱢ ه من ماله بقبر ٍ يقبر فيه، وإجماعهم مع أخذها مع سكون قلب المهد َ ى إليه ما يوجب إليه َُ ُ ِ صحة الرسالة «...(٢) . وكذلك يذه َ ب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن ﱠ الزرع إذا أصابته جائحة فأتلفته، فإن الخراج الموظف يسقط عنه، وتلك عادة ٌ طبقها الأكاسرة في العراق أيام حكمهم(٣) . (١) . ابن بركة: كتاب التعارف، ص ١٦(٢) ابن بركة: كتاب التعارف، ص ١٦ - .١٧ (٣) . القرافي: مختصر تنقيح الفصول، ص ٧٦ كما أن الحنفية صححوا الشروط التي تعارفها الناس، والإمام مالك عمل بالعرف واعتبره نوعا ً من المصلحة، والإمام الشافعي لما ذهب إلى مصر غير ّ مذهبه لتغير العادات والأعراف، والإمام أحمد بن حنبل اعتبر كثيرا ً من الأعراف ّ وبخاصة في تطبيق الأحكام وتفسير النصوص. ولا شك أن مراعاة العرف الذي لا فساد » : قال أبو زهرة في هذا الصدد « فيه ضرب من ضروب المصلحة، لا يصلح أن يتركه فقيه(١) . ٌ k :∫ƒ≤©ªdG øe :É«fÉK إذا كانت مراعاة العرف ضربا ً من ضروب المصلحة، فما وجوه المصلحة المتحققة من ذلك؟ ذكر بعض الفقهاء بعض وجوه تلك المصلحة المتحققة من اعتبار العرف والعادة تمثلت فيما يلي: ١ اعتبار العرف يترتب عنه رفع الحرج والمشقة عن الناس والتيسير عليهم. ٢ اعتبار العرف يؤدي إلى إقامة التكليف وتحققه، فالعرف جرى بأن الزجر سبب الانكفاف عن المخالفة كما في القصاص، فلو لم تعتبر العادة شرعا ً لم يتحتم القصاص ولم يشرع. ﱠ ٣ إن في عدم اعتبار العرف والعادة في التشريع يحدث عنه تناقضا ً ِ لا تقبل به الشريعة؛ لأنها جاءت بمبدإ امتناع التكليف بما لا يطاق، فإذا لم نعتبر العرف فكأنما قررنا عكس ذلك المبدأ(٢) . (١) . أبو زهرة محمد: كتاب الإمام مالك، ص ٣٣٦(٢) . ٢٨٨ . شبير محمد عثمان: القواعد الكلية، ص ٢٣٨ / الشاطبي: الموافقات، ٢ مجمل ا لقول: لو دققنا النظر في الفروع الفقهية، وتقصينا الأحكام الشرعية لأيقن ﱠ ا أن ﱠ كثيرا ً منها يقوم على هذه القاعدة وجل ما ذكرنا هنا من الأدلة إنما هو غيض ﱡ ِ من فيض ولا ند ﱠ عي استقصاءها، لأن ذلك متعذر. وبهذا يتبين لنا أن الشريعة الإسلامية لم تغض الطرف عن العادة الجارية في الناس، ولم تصرف نظرها عن الأعراف السائدة في المجتمعات، كيف وقد كان العرف دستور العرب قبل الإسلام في شؤونهم الاجتماعية، وقانونهم في معاملاتهم وتصرفاتهم بأوسع معانيها في كل ما يتصل بالحياة من مبادلات مالية، وارتباطات عائلية، وغير ذلك من الأمور التي لا غنى عنها لأية أمة؛ هذه المجموعة من العادات والأعراف والتقاليد والمعتقدات، فلما جاء الإسلام وبعث محمد صلى الله عليه وسلم بالشريعة السمحة لم يعمد إلى هدم تلك العادات والأعراف ُ كلها، ولا إلى إقرارها كلها، بل ميز بين النافع والضار، والصحيح والفاسد، ّ والناقص والكامل منها، والحسن والقبيح، والصالح والطالح، مراعيا ً في كل ذلك تحقيق مقاصد الشريعة في أحكامه من جلب المصلحة للناس، ودفع المضرة عنهم، ورفع المشقة والحرج عنهم فيما يكلفهم به من عادات ومعاملات، وفيما يشرع لهم من أحكام(١) . ّ هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن جمهور الفقهاء نظروا إلى هذه المقاصد وجسدوها في اجتهاداتهم، واحتكموا في كثير من أحكامهم إلى الأعراف والعادات إذا أعوزتهم النصوص الشرعية، فجاءت أحكامهم مخففة تستجيب لحاجات الناس وتطلعاتهم. (١) النجار السيد صالح عوض: أثر العرف في التشريع الإسلامي، ص ٤٤ . عمر عبد الله: العرف وأثره في الفقه الإسلامي، ١٨ - .٢٠ s z᪠μnëoe IOÉ©dG{ :IóYÉb äÉ≤«Ñ£J É¡«∏Y áLôîàªdG É¡Yhôah العادة محكمة » : اعتمد الإباضية على قاعدة « في كثير من اجتهاداتهم الفقهية، وخرجوا عليها فروعا ً كثيرة في شتى المجالات: كالعبادات، ﱠ والمعاملات المالية، والأحوال الشخصية، والزراعة، والصناعة، وحتى السياسة الشرعية وسيظهر ذلك فيما يلي: k :äGQÉ¡£dG »a :’hCG ١ الماء ا لطهور: اختلف الفقهاء في حكم الماء الطاهر والطهور، أيهما يصلح للطهارة وإزالة النجاسات؟ فذهب الجمهور من الإباضية وغيرهم إلى أن الماء الطهور المتعارف عليه هو الذي يستعمل للطهارة وإزالة النجاسات؛ لأن الله تعالى قال في شأنه: ﴿ _ ` cba ﴾ (ا ل فر قان : ٤٨ (. والطهور في لغة العرب هو الف َ عول للطهارة، وهو الذي تعرف منه تطهير الشيء بعد الشيء، والماء الذي لا يطهر الأشياء لا يستحق هذا الاسم؛ لأن الإنسان إذا ّ ِ عرف من عادته في غذائه المتعارف، ومن شربه المتعارف، لم يسم أكولا ً ولا شروبا ً ، ُﱠ وإنما يسمى أكولا ً إذا أكثر الأكل، ومنه سمي شروبا ً إذا أكثر شربه، فظاهر الآية ّّ يوجب أن الماء الذي سماه الله طهورا ً إذا لاقى شيئا ً من النجاسات طهرها بتسمية ّ إياها ماء طهورا ً ، فالواجب إجراء العموم على ظاهره، وإلا ما قام عليه دليله(١) . أجمع المسلمون » : وذكر ابن بركة وجها آخر وحكى فيه الإجماع، فقال ًْ جميعا ً أن الماء قد يحك َ م له بحكم الطهارة وإن د َ خلته النجاسة، ما لم يتغير له ُﱠ لون ولا طعم ولا رائحة، وإنما اختلفوا في الحدود والنهايات، والحدود لله تعالى، وليس لأحد من الأمة أن يضع حد ّ ا ً يوجب بوضعه في الشريعة حكما ً ، إلا أن يتولى وضع ذلك الحد كتاب ناطق، أو السن ﱠ ة ينقلها صادق عن صادق، ﱡ أو يتفق على ذلك علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم « (٢) . (١) ٢٩٢/ ابن بركة: كتاب الجامع، ١ - .٢٩٣ (٢) ٢٩٢/ ابن بركة: المرجع نفسه، ١ - .٢٩٤ ٍ ويستنتج من عبارة ابن بركة أنه لا يجوز وضع حد ﱟ معين لطهارة الماء ُّ ما لم تتغير حالته، فإذا تغيرت حكمنا بنجاسته، والشارع الحكيم هو الذي يملك حق تحديد حالة الماء من طهارة أو نجاسة، وقد وضع مقاييس ثابتة لذلك وهي: الطعم واللون والرائحة، ويثبت ذلك إما بدليل من القرآن أو َ السن ﱠ ة أو الإجماع. ﱡ واختلف الفقهاء في حكم الماء إذا كان أق َ ل ّ من الق ُ لتين وخالطته النجاسة، ولو لم يتغير شكله وأوصافه، فالجمهور ذهب إلى نجاسته استناد إلى النصوص والعادة الجارية في الناس. وذهب بعضهم إلى عدم نجاسته استنادا ً إلى الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كان الماء أقل من ق » ُل ﱠ «... تين لم ي تنجس(١) . ثم » : وقد أشار ابن بركة إلى هذه المسألة وذكر فيها خلاف الفقهاء فقال اختلفوا في الماء القليل الطاهر إذا دخلته النجاسة، فلم تغير له لون ً ا ولا طعما ً ولا ريحا ً ، فقال بعضهم: حكم الماء نجس مع ارتفاع علامات النجاسات، وقال آخرون: الماء طاهر إذا لم يكن فيه شيء من أمارة النجاسة، والقرآن قد أورد أن الماء طهورا ً ، فهذا الطاهر يوجب أن يكون البول قد طهر بغلبة الماء (١) لم نقف على هذا اللفظ، وروى ابن خزيمة في صحيحه ما يفيد معناه، كتاب الوضوء، جماع أبواب ذكر الماء الذي لا ينجس، باب ذكر الدليل على أن سقوط الذباب في الماء وفيه ما دل على أن لا نجاسة في الأحياء، وإن كان لا يجوز أكل لحمه، إلا » لا ينجسه ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم الكلب، وكل ما يقع عليه اسم الكلب من السباع إذ الذباب لا يؤكل، ويحل لهم الطيبات » : وهو من الخبائث التي أعلم الله أن نبيه المصطفى يحرمها في قوله ويحرم عليهم الخبائث وقد أعلم صلى الله عليه وسلم أن سقوط الذباب في الإناء لا ينجس ما في الإناء من .« الطعام والشراب لأمره بغمس الذباب في الإناء إذا سقط فيه، وإن كان الماء أقل من قلتين وروى أبو عوانة في المستخرج، مبتدأ كتاب الطهارة، بيان تطهير الأرض التي يصلي عليها إذا أصابها البول، والدليل على أن النجاسة إذا خالطها الماء، والماء أقل من قلتين فلم يغير طعمه ولا ريحه كان طاهرا ً .« عليه من ارتفاع أعلام النجاسة التي حل ّ ت، فإن الله 8 قلب عينه؛ لأن الله جل وعلا يجعل الماء بولا ً ، والبول ماء، والقائل إن الماء غير مطهر في هذا ّ « الموضع محتاج إلى دليل(١) . ولتأكيد هذا الأمر فقد جوز بعض فقهاء الإباضية لمن كان عنده إناءان ّ مش ْ تبهان لا توجد علامة تميزهما عن بعضهما في الطهارة أو النجاسة، وكان ُ أحدهما نجس، ولا يجد ماء غيره، أنه يتحرى الطاهر منهما ويتطهر به، وهذا ّ إنما يرجع إلى ما تسكن إليه نفسه ويطمئن إليه قلبه حسب العادة الجارية بين الناس، ولو كان اليقين غير ذلك(٢) ، وذلك تيسيرا ً للناس ورفع الحرج والمشقة عنهم لقوله تعالى: ﴿ §¨ «ª© ¬¯® ﴾ )البقرة :( ١٨٥ ، وقوله: ﴿ }|{z ~ے ¡ ﴾ )الحج :(٧٨ . ٢ في الاستنجاء وتطهير الصبيان للثياب والأواني: اعتمد الإباضية أيضا ً على قاعدة العرف والعادة في تطهير الأشياء والأبدان من النجاسات، ولو من الصبيان دون الرجوع إلى البينات والشهادات؛ لأن الأصل وجوب التيقن من الطهارة، ولا يحصل ذلك إلا بوسائل الإثبات المعروفة، ولا يتأتى ذلك في جميع الأحوال، ولذلك اكتفوا بسكون القلب وعادة الناس، خاصة في حالتي الاستجمار والاستنجاء، فمنهم من يكتفي بقليل الماء، ومنهم من يستجمر بالحجارة أو الورق الصحي، ثم يستنجي َ بالماء حتى يطمئن قلبه دون تحديد كمية الماء، ولعل هذا هو الأفضل؛ لأنه أدعى للاطمئنان ونفي الشك، ولم يحدد الشارع الحكيم مقدار الورق أو الماء المستعمل في الاستجمار والاستنجاء، بل ترك الأمر دون تحديد يخضع ذلك لعادات الناس وما تعارفوا عليه، ويمكن الاستئناس ببعض النصوص الواردة (١) ٢٩٢/ ابن بركة: كتاب الجامع، ١ - .٢٩٣ (٢) . ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٣٩ . الثميني: الورد البسام، ص ٢٦٠ عن الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته في مثل هذه الأحوال دون إلزام بها(١) ، وفي ذلك تيسير وتخفيف للناس ورفع الحرج والعسر عنهم. وما أجاز الفقهاء من الاستطابة بالماء في » : يقول ابن بركة في هذا الشأن الاستنجاء من الغائط بسكون القلب، وطيب النفس دون البينة والشهادة لموضع النجاسة، وهذا أيضا ً يدل على جواز التعبد بسكون القلب، ويؤيد هذا خبر ّ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «... يا وابصة استفت ن فسك »(٢) . ويدل على ذلك أيضا ً ما عليه عمل الناس من تطهير أوانيهم بأيدي صبيانهم؛ لأن النفس تسكن إلى صدقهم في ذلك، ويصدقونهم فيما يخبرون به عن أنفسهم، وكذلك غيرهم من الأحرار ممن هو غير ثقة، ولا تقبل شهادته في الحكم على نواة، ويقبل قوله في تطهير الثياب، وأجازوا الصلاة فيها؛ لأنهم يرون الثياب عليها أثر الغسالة، فيقبلون منهم مع الدليل، ولو أخبروهم ولم يروا عليها أثر الغسالة لم «... يقبلوا منهم، وهذا يدل على أن هذه الأشياء تعرف بسكون القلب(٣) . ولعل سبب تحرج البعض من طهارة الصبي أنه لا يدرك أهمية الطهارة في ّ العبادات، فلذلك لا يتحراها كالبالغ المكل ﱠ ف، وأما تحرجهم من البالغ غير الثقة؛ لأنه ما دام لا يصدق في أقواله وأفعاله مع الناس، ولا يخشى الله في (١) الإشارة إلى حديث الرسول ومدحه لأهل قباء في طهارتهم. نص الحديث: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء، ﴿ SRQPONMLK UT﴾ رواه أبو داود، كتاب .« كانوا يستنجون بالماء، فنزلت هذه الآية فيهم » : ، قال الطهارة وسننها، باب الاستنجاء بالماء، رقم ٤٤ ، عن أبي هريرة، ورواه الحاكم، كتاب الطهارة، رقم ٥٥٤ ، عن أبي أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك. وقال: صحيح. ووافقه الذهبي. (٢) رواه الدارمي في السنن، ومن كتاب البيوع، باب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، ، رقم ٢٥٣٣ رمز المصنف » : وأحمد، مسند الشاميين، حديث وابصة بن معبد، رقم ١٨٠٣٠ ، قال المناوي لحسنه ورواه الإمام أحمد والدارمي في مسنديهما قال النووي في رياضه إسناده حسن وتبعه المؤلف فكان ينبغي له الابتداء بعزوه كعادته ورواه أيضا ً الطبراني قال الحافظ العراقي وفيه .٤٩٥/ فيض القدير، ١ .« عنده العلاء بن ثعلبة مجهول (٣) ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٢٧ - .٢٨ معاملاته، فلا بد من دليل يستدل به على صدقه في طهارته، فجعلوا أثر الغسل على الثياب دليلا ً على طهارتها، ولو أن ذلك لا يقطع بطهارتها تماما ً ، وفي هذا تخفيف للناس ورفع الحرج عنهم. ٣ حكم الوضوء عند التنابز بالألقاب ا لمذمومة: اعتاد بعض الناس أن ينادي غيره بأسماء وألقاب غير معهودة، فبعضها حسن لكن أغلبها قبيح أو مذموم، ومعظم الناس يكرهون ذلك، ولكن مع مرور الوقت اعتادوها وألفوها وع ُ رفوا بها رغما ً عنهم، فما حكم ذلك؟ وهل يترتب عليها نقض الوضوء؟ لا شك أن النداء بالألقاب المذمومة والقبيحة محرم شرعا ً ، وقد نهى عنه ُﱠ القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ ÛÚÙØ×ÖÕÔ Ü ﴾ )الحجرات : ( ١١ ؛ لأن في ذلك استنقاص من مقام الناس وتحقير لهم، ومن يفعل ذلك فهو آثم يجب عليه التوبة، ويطلب المسامحة من المعتدى عليه، ولكن ما حكم وضوئه إذا كان على طهارة؟ اختلف الإباضية في حكم وضوئه، فمنهم من ذهب إلى نقضه مطلقا ً ما دام اسما ً قبيحا ً ، سواء كان معروفا ً به عند الناس، واعتادوا النطق بمثل هذه الأسماء في بلدهم، أم غير ذلك؟ وذهب بعضهم إلى اشتراط أن يكون اسما ً قبيحا ً تعارفه الناس في ذلك البلد ٍ العادة » الذي يطلق فيه، أما إن كان غير معروف عندهم بقبحه فلا نقض فيه؛ لأن محكمة « فقد يستعمل الناس اسما ً فيكون قبيحا ً في بلد وغير قبيح في غيره. والقبح بحسب » : ما يفيد هذا المعنى فقال « المعارج » ذكر السالمي في عرف أهل كل موضع، فقد يقبح اسم عند قوم دون آخرين، فلا نقض لمن ُ ََ « ا(١) نطق به ممن لا ق ُ بح عندهم فيه، وقيل: لا نقض إلا إن ش َ تم بها أحد ً . (١) .٢٤٥/ السالمي: معارج الآمال، ٢ ولعل ﱠ القول الأخير هو الأقرب للصواب؛ لأنه يراعي مقاصد الناس ونواياهم، فليس كل ّ من يطلق اسما ً قبيحا ً يريد به الشتم والعيب، واستنقاص الناس، فقد يطلقه ولا يدري أنه قبيح في ذلك البلد، فلا يجوز مؤاخذته، وعليه فلا نقض عليه، أما إذا علم بقبحه وتعمد النطق به ليشتم به أحدا ً أو فئة، فإنه يحاسب على قوله، ويجب عليه إعادة وضوئه. وحتى نقضي على هذه العادات القبيحة كالتنابز بالألقاب والسخرية، فإننا نميل إلى منع ذلك مطلقا ً سواء قصد به الشتم أم لا، ونلزم صاحبه إعادة وضوئه احتياطا ً إذا لم يقصد، أما إن قصد فيلزمه من باب أولى وأحرى والله أعلم. ٤ تحكيم العرف والعادة في مسائل الحيض والنفاس: يعتمد الفقهاء في بيان حكم الحيض والنفاس وتوابعهما على قاعدة: العادة محكمة » « ونظرا ً لكثرة هذه المسائل وتشعبها فإننا سنقتصر على أهمها من باب التمثيل لا الحصر، لتوضيح مدى اعتماد الإباضية على هذه القاعدة، وذلك كما يلي. المسألة الأولى: علامات الحيض والنفاس والطهر: وضع الإباضية وغيرهم للحيض والنفاس والطهر علامات ظاهرة تستطيع المرأة أن تميز بينها، سواء كانت مبتدأة أو معتادة، واعتمدوا في تحديدها على النصوص الشرعية، وعلى عرف النساء وعاداتهم في تلك الأحوال؛ ُ لأنها أمور تخضع لعوامل كثيرة، كطبيعة المرأة وبن ْ يتها، وحالتها النفسية ُ وبيئتها، ولذلك لا يمكن أن تتفق النساء جميعا ً على عادة واحدة، ولكن إذا تأكدت المرأة من ظهور هذه العلامات فإنه يحكم عليها بالحيض أو الطهر أو النفاس أو الاستحاضة، وتؤمر بترك العبادة أو البقاء عليها، أو العودة إليها بعد تغير حالتها. ّ يقول ابن بركة في سياق بيانه للأحكام المترتبة على المرأة في حالتي وكذلك » : الحيض والطهر إذا ظهرت لها علاماتها المعتادة والمعروفة عند النساء المرأة تترك الصلاة، ويحكم لها بالحيض إذا طبق الدم بها بغير يقين أنه دم حيض، ولا الوقت الذي تركت فيه الصلاة وقت حيضها، ولكن لما كانت عادتها جرت بأن تحيض في مثل ذلك الوقت، أو في كل شهر، حكم لها على ُ التحري وقتا ً تدع فيه الصلاة، فقد جاز أن تترك الصلاة المفروضة بغير يقين. ﱢ وكذلك تصوم وقتا ً وتترك الصلاة والصيام في شهر رمضان وقتا ً ؛ لأجل حيض يحك َ م به لها، مع التحري لوقتها، وليس ذلك بيقين معها، ولا مع من ُّ َ ِِ حكم به لها، وكذلك بانقضاء عدتها مع مرور السنين إذا كان مثلها قد أيس من الحيض، ويحرم عليها أخذ النفقة من المطل ّ ق بعد أن كان تأخذه بالحكم، ويجوز لها التزويج بعد أن كان محرما ً عليها، وهذا أيضا ً « لا يؤخذ مع اليقين(١) . ّ ويلخص الثميني هذه الأحكام تأكيدا ً فإذا رأت المرأة الدم » : لما تقدم، فيقول المعتاد تترك الصلاة ويحكم لها بالحيض، وتأكل في رمضان بدم تراه في معتادها، «... ويحكم لها بالطهر بانقطاعه، وبانقضاء العدة، وإباحة النكاح والوطء(٢) . وإذا رأت المرأة الدم تركت له الصوم » : ويقول ابن بركة في هذا الصدد والصلاة إذا كان ممن يجوز من مثلها الحيض، وامتنع زوجها من وطئها إلا أن يعلم أنه دم استحاضة، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم دم الحيض من دم الاستحاضة وغيره، ﱠ وعرف ذلك في قوله: « دم أسود ثخين تعادله زيادة ورائحة »(٣) . وقوله صلى الله عليه وسلم في ّ (١) .٥٦/ ابن بركة: كتاب التعارف، ١(٢) . الثميني: الورد البسام، ص ٢٥٩(٣) رواه أبو داود في السنن، كتاب الطهارة، باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، رقم ٢٨٥ ، والنسائي في المجتبى، كتاب الطهارة، باب الفرق بين دم الحيضة والاستحاضة، رقم ٢١٦ ، والحاكم في المستدرك، كتاب الطهارة، رقم ٦١٨ ، عن فاطمة بنت أبي حبيش قال الحاكم صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. .« إن دم الحيض دم أسود يعرف » : بلفظ دم الاستحاضة: « أنه دم عرق »(١) . ويدل على أنه قد جعل على كل دم تراه تعبدت فيه دليلا ً وعلامة، وليس يجهل من جهل من النساء بمعرفة دم الحيض ﱠ من دم الاستحاضة، دليل على أنه غير متميز بنفسه، وإذا رأت صفرة أو كدرة في الوقت الذي كان الحيض يأتيها فيه، فليس ذلك عندي بحيض وإن كان قد قال بذلك بعض أصحابن ا، فإن اتصل بالصفرة دم، فقد قال بعض أصحابنا يكون ذلك حيضا ً ، وقال آخرون: لا يكون ذلك حيضا ً إلا أن يتقدمه الدم وتتصل الصفرة والكدرة به في أيام عادتها وهذا القول العمل عليه أكثر، والحجة له أقوى؛ لأن المرأة ما لم تر الدم فهي طاهرة باتفاق الأمة، فإذا رأت صفرة أو كدرة اختلف الناس في حكمها، فسماها بعضهم حائضا ً ، وسماها بعضهم مستحاضة، وسماها بعضهم محدثة كسائر الأحداث الموجبة لرفع الطهارة، والاختلاف غير مزيل للإجماع إلا بحجة، فهي أبدا ً عندي طاهر ما لم يتفقوا على أنها حائض أو ترى دما ً فيكون دمها ذلك دليل على حيضها، «... إذا الصفرة والكدرة ليست من ألوان دم الحيض(٢) . ويضيف الشماخي توضيحا ً وإذا سبقت إلى المرأة علقة » : لهذه المعاني فيقول ثم تبعتها صفرة، فلتترك الصلاة، وكذلك العلقة مع الصفرة، فهو حيض، وكذلك ّ إذا سبقت الصفرة فهو حيض إذا اتبعتها العلقة، وأما علامة الطهر فهو الماء الأبيض لقولعائشة # : « لا تطهر المرأة من حيضتها حتى ترى القصة البيضاء »(٣) .« ﱠ (١) رواه الربيع بن حبيب في مسند الجامع الصحيح، كتاب الطهارة، باب جامع النجاسات ِِ ِ حديث رقم ١٤٩ . بلفظ عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: د» َم ُالاس ْتح َاض َة ن َج ِس ٌ ، لأن َﱠه ُد َم ُ ٍِ عر ق، ي َن ْق ُ ض ال ْوض ُ وء َ« . ورواه البخاري، كتاب الطهارة، ما جاء في المستحاضة التي قد ْ ُُ عدت أيام إقرائها، رقم ٦٢٠ ، عن فاطمة بنت أبي حبيش، بلفظ: « إنما ذلك عرق » . (٢) ٢٣٠/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .٢٣١ (٣) ؛١٤٧/٢ ،( أخرجه الربيع بن حبيب، في مسند الجامع الصحيح، باب الحيض رقم ( ٥٤٣ وقد جاء موقوفا ً عن عائشة # أن النساء كن يبعثن إليها بالد ﱠ ر َ ج َ ة فيه الكر ْ س ُ ف فيه الصفرة ساقه ،« لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء » : من دم الحيض يسألنها عن الصلاة فتقول لهن = ﱠ قال الجيطالي : هي ماء رقيق أبيض يأتي في آخر الحيض كما القصة وهو » « الجير(١) ، وقال الشماخي : والق » َصة البيضاء(٢) قطعة من الجص، وذهب بعض ّﱢ أصحابنا إلى أنه قطعة من الورق، وقال قوم: علامة الطهر نوعان: الماء الأبيض، والجفوف(٣) ، فنزول الماء الأبيض هو الأقعد في الطهر عند أصحابنا رحمهم الله «... كان ذلك عادة للمرأة أو ليس ذلك بعادة، والتي عادتها الجفوف فهو طهرها(٤) . وبعد أن ختم الشماخي كلامه عن علامات الحيض والطهر عند الإباضي ة، أشار إلى القاعدة التي اعتمدها الفقهاء في تحديد هذه العلامات وهي العرف لعلهم استدلوا في هذا إلى التجربة، والعادة على » : والعادة، وعلل ذلك بقوله «... أن تلك الدماء لا تدوم أكثر من ثلاثة أيام(٥) . = البخاري معلقا ً في صدر باب إقبال المحيض وإدباره من كتاب الحيض، ورواه مالك في (٣٣٥/١) ،( الموطأ، كتاب الطهارة رقم ( ١١٧ )، والبيهقي في السنن الكبرى، رقم ( ١٤٨٦ ٧٠ ) /٤) ،« النهاية في الغريب الحديث » وعبد الرزاق في مصنفه، كما أورده ابن الأثير في ١٩٣ والد / يراجع: الزيلعي، نصب الراية ١ ﱢ رجة جمع الد ﱡ رجة، وهي الخرقة الصغيرة تدخر فيها المرأة طيبها وأدائها؛ والك ُ رسف: القطن. (١) .٢٧١/ الجيطالي: قواعد الإسلام مع حاشية أبي ستة عمرو القصبي، ٢ (٢) وقد روي عن عائشة » :« الجامع » قال ابن بركة في # أنها قالت: إذا رأت المرأة الدم فتمسك عن الصلاة حتى ترى بعده البياض كالق َ والقصة: قصة الصبح « صة ثم تغسل وتصلي (بياض النهار) الذي يرتفع بطهوره حكم الليل وسواده وكدرته، وقد قال بعض أهل اللغة لم ت َ عن ِ به عائشة قصة الصبح وإنما أرادت القصة: هي قصة الصبح وذهب أصحابنا (الإباضية) ﱠ ﱠﱠ إلى أنها القطعة من الجص ﱢ ينظر: )» ، ووجدت أهل اللغة على القولين اللذين قدمنا ذكرهما ٣٢١ ) وقال بعضهم: القص / ابن بركة: الجامع، ٢ ﱠ ة الجص ﱢ الأبيض والقص ﱠ ة البيضاء (البياض الخالص)، إذ تعرف المرأة انتهاء حيضها بإدخال قطعة من القطن الأبيض في فرجها الداخل فإذا خرجت بيضاء كالقصة فقد انتهى حيضها وطهرت، وإن خرجت ملوثة بألوان أخرى، ﱠ . ينظر: قلعة جي وقنيبي، معجم لغة الفقهاء: ص ٣٦٤ .« فمعنى أن حيضها لما ينته بعد ﱠ (٣) الجفوف: وهو أن تدخل المرأة الخرقة فتخرجها جافة. ينظر: الجيطالي قواعد الإسلام مع .٢٧١/ حاشية أبي ستة، ٢(٤) ١٨٨/ الشماخي: الإيضاح، ١ - .٢٣١/ ٢٠٠ . ابن بركة: الجامع، ٢ (٥) .١٨٣/ الشماخي: الإيضاح، ١ ومن خلال عبارة الشماخي يتبين أن الإباضية اعتمدوا في تحديد علامات الحيض والطهر على العرف والعادات الجارية بين النساء في الدماء، وهذا دليل قاطع على اعتبار العرف وتحكيمه في دماء النساء ما دام لم يرد نص صريح بتحديدها يكون قاعدة عامة معتمدة في جميع حالات النساء. وفي السياق نفسه سئل أبو سعيد الكدمي عن امرأة ترى الصفرة في هو حيض، وإن رأت في أيام طهرها فليست بحيض، » : أيام حيضها فقال فتتوضأ لكل صلاة وتصل ّ « ي ما دامت الصفرة(١) . وقال أيضا ً : قد قيل: إن » الحائض إذا انقطع عنها الدم والصفرة والحمرة والكدرة، اغتسلت، وإنما «... الحيض بأحد هؤلاء(٢) . المسألة الثانية: تحديد الأقل والأكثر من الحيض والنفاس: اختلف فقهاء الإباضية في تحديد أقل الحيض وأكثره، وأقل النفاس وأكثره، فذهب بعضهم إلى أن ّ أقل الحيض ثلاث أيام وأكثره عشرة أيام، ونسب ابن بركة هذا القول إلى الجمهور، وذهب بعضهم إلى أن أقله يوم وليلة، بينما يرى آخرون أن أقله دفعة واحدة وأكثره خمسة عشر يوما ً ، وقال بعضهم أقل الحيض ساعة، قال ابن بركة: وهو قول شاذ ونسبه إلى الأوزاع ي، إلا أن المعمول به عند جمهور الإباضية هو القول الأول. أما النفاس فأقله عشرة أيام وأكثره أربعون يوما ً فما زاد على ذلك فهو استحاضة(٣) . قال أبو سعيد الكدمي : والقول من أصحابنا أنهم يذهبون أنه أقل الحيض » ثلاثة أيام وأكثره عشر أيام، وأقل الطهر عشرة أيام، وإذا لزم العمل والمحنة (١) .٤٨/ الكدمي: المعتبر، ٣(٢) .٦٥/ الكدمي: المرجع نفسه، ٣(٣) ٢١٥ ،٢١٤/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ١ - .٢٢٦/ ٢١٧ . ابن بركة: الجامع، ٢ ِ استعمل الأقل من الأمور؛ لئلا يتطاول عليها أسباب ترك الصلاة، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مستحاضة أنه أمرها أن تدع الصلاة أيام حيضها وتصل ّ « ي أيام طهرها(٢)(١) . وعل ّ ل الكدمي صحة ما ذهب إليه جمهور الإباضية في تحديد أقل الحيض فقال أصحابنا إنه إذا كان الحيض أياما » : وأكثره بقوله ً والطهر أياما ً ما لم يكن أقل من ثلاثة أيام ولا أكثر من عشرة أيام لقوله صلى الله عليه وسلم : « أيام » ، لأنك تقول يوم ويومان وثلاثة أيام، فثبت في اسم الأيام في الثلاثة فصاعدا ً ، وتقول ثلاثة أيام إلى سبعة أيام إلى عشرة أيام، ثم تقول: إحدى عشر يوما ً ، فسقط اسم الأيام أحد عشر يوما ً فصاعدا ً ، فثبت عندهم أن أقل ﱠ الحيض ثلاثة أيام أو أكثر، وعشرة أيام لا يجاوزه، وثبت عنهم أن الطهر عشرة أيام فيما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة تغتسل وتصل ﱢي سنة إذا كانت تلك عادتها، ووقع عليها الطلاق، َ وخرج ذلك من حد ﱢ التعارف، ولم ِ َ ا جعل الله من (الأقراء) في الأشهر، ولا تساوي بين الحيض والطهر في الأقل والأكثر، ولكنها تجعل أكثر الحيض «... أقل الطهر لا تساوي بينهما(٣) . أما أكثر الطهر فلم يحدده الشارع وإنما ترك تحديده للعادة الجارية بين ﱠ النساء حسب تجربة كل امرأة وحالتها. وقد أشار الشماخي إلى هذا الأمر، وبين أنه لا حد ﱠ لأكثر الطهر بل يخضع ّ وذ » : للعادة والتجربة في تحديده فقال ُ كر عن الربيع بن حبيب في كتاب َ كل دم وجد بعد طهر عشرة أيام فهو حيض، وقال » : محمد بن جعفر قال ُ (١) رواه البخاري، كتاب الطهارة، باب المستحاضة، رقم ٣٠٠ ، عن فاطمة بنت أبي حبيش عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب » « قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي . (٢) .٦٢ - ٦١/ الكدمي: المعتبر، ٣(٣) .٦٢/ الكدمي: المرجع نفسه، ٣ آخرون: كل دم وجد بعد طهر خمسة عشر يوما ً فهو حيض؛ لأن الحيض يرفعه ُ المرض والكبر والرضاع والريح، فلا حد ﱠ «... لأكثر الطهر عند هؤلاء(١) . ﱢ واختار الشماخي القول الأول وصححه وهو: أن ّ أكثر الطهر عشرة أيام وصححه استنادا ً والقول الأول عندي أصح، » : إلى العادة والتجربة، فقال ولا مستند لهذا عندي إلا التجربة والعادة، فمن كان لأقل الحيض عنده قدر ِ معلوم وجب أن يكون ما دون ذلك إذا ورد في سن الحيض عنده استحاضة، ﱢ ومن لم يكن لأقل الحيض عنده قدر محدود وجب أن يكون الدفعة حيضا ً َ عنده، وكذلك النفاس، وكذلك أيضا ً من كان عنده أكثره محدودا ً أوجب أن « يكون ما زاد على ذلك استحاضة(٢) . أما أقصى مدة النفاس فقد اختلف الإباضية أيضا ً في تحديدها وذكر الشماخي والمحشي السدويكشي أن أقصى مدته عند جمهور الفقهاء أربعون يوما ً ، وما زاد عليها فهو استحاضة وأقل مدة النفاس عشرة أيام على الصحيح. واختلفوا في أقصى حد النفاس، قال أكثر أهل » : جاء في الإيضاح ما نصه العلم وهو الصحيح أربعون يوما ً إلا ﱠ أن ت َرى الطهر قبل ذلك، والدليل حديث َ أمسلمة # ك» : أنها قالت ُ ن ﱠ ا نقعد في النفاس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما ً إلا ّ « أن نرى الطهر قبل ذلك(٣)، وقال آخرون ستون يوما ً ، وقال ناس من (١) ٢٠٠/ الشماخي: كتاب الإيضاح، ١ - .٢٠١ (٢) .٢٠١/ الشماخي: المرجع نفسه، ١(٣) رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب المستحاضة يغشاها زوجها، رقم ٣١١ ، والترمذي، أبواب قلت الظاهر » : الطهارة، باب كم تمكث النفساء، رقم ١٣٩ ، عن أم سلمة. قال المباركفوري تحفة .« أن هذا الحديث حسن صالح الحديث للاحتجاج وفي الباب أحاديث أخرى تؤيده .٣٦٤/ الأحوذي، ١ في كتاب الحيض، ذكر النفساء، حديث: ٨٠١ اختلاف « الأوسط » وقد نقل ابن المنذر في كانت النفساء على عهد » : الفقهاء في أقصى مدة النفاس، وبعد أن ذكر حديث أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما ً ، أو أربعين ليلة، وكنا نطلي على وجهها الورس = أهل العلم: من النساء من أهل السعة والترف ّ ه من يبلغ تسعين يوما ً ، وقالوا قد َ كان ذلك معروفا ً في بيوتات العرب «... (١) . ويشير الشماخي إلى علة تأخر النفاس عند بعض النساء حتى يصلن تسعين يوما ً ولعل السبب يعود إلى الظروف المعيشة للمرأة، فالغذاء الجيد يؤثر في دم الإنسان مما يجعله يتدفق بغزارة أو يستمر فوق العادة، والعكس ِ صحيح إذا كانت تغذية المرأة ضعيفة، فقد يتأثر جسمها فيقل ّ دمها، وتقصر مدة حيضها أو نفاسها، ولكن الحكم يكون للأغلب عادة، وهو أربعون يوما ً كما صححه الجمهور، وقد عقب الشارح أبو محمد السدويكشي في قوله: في أقصى حد النفاس، وأما أقله » : حاشيته على متن الشماخي فقال فعشرة أيام على الصحيح، وبمعنى ما رواه أبو داود والترمذي من قومنا = وبه قال سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو عبيد، والنعمان، » : قال .« من الكلف ويعقوب، ومحمد، قال أبو عبيد: وعلى هذا جماعة الناس لم يختلفوا في أقصاه اختلافهم في الحيض، وفيه قول ثان، قاله الحسن البصري، قال: النفساء لا تكاد تجاوز أربعين يوما ً ، فإن جاوزت خمسة وأربعين إلى الخمسين، فإن جاوزت الخمسين فهي مستحاضة، وقالت طائفة: أقصى النفاس شهران، روي هذا القول عن الشعبي، وبه قال مالك، والشافعي، وأبو ثور، وذكر ابن القاسم أن مالكا ً رجع عن هذا القول آخر ما لقيناه، فقال: يسأل عن ذلك النساء، وأهل المعرفة، فتجلس أبعد ذلك، وقالت طائفة: تجلس كامرأة من نسائها، وروينا هذا القول عن عطاء، وقتادة، وبه قال الأوزاعي، وقد اختلف فيه عن عطاء، وروينا عنه أنه قال كما قال الشعبي: تربص شهرين، فهذه أربعة أقوال، وفي هذه المسألة سوى ذلك قولان شاذان، أحدهما أن تنتظر إذا ولدت سبع ليال، أو أربع عشرة، ثم تغتسل وتصلي. يروى هذا القول عن الضحاك، والقول الثاني ذكر الأوزاعي عن أهل دمشق يقولون: إن أجل النفساء من الغلام ثلاثون ليلة، ومن الجارية أربعون ليلة، وقال قائل: إذا استمر بالنفساء الدم حتى تجاوز ستين يوما ً ، فهي مستحاضة تغتسل عند الستين، وتصلي، وتتوضأ لكل صلاة، وتقضي الصلاة التي تركتها في الستين يوما ً كلها، إذ جائز أن تكون النفاس لم يأت فيها وقت صلاة، وسائر الدم دم استحاضة، فلما جاز وصفنا، كان الاحتياط للصلاة لا عليها، هذا إذا أشكل .« دم نفاسها من دم استحاضتها (١) .٢٣٣/ ١٩٦ . ابن بركة: الجامع، ٢ / الشماخي: المصدر نفسه، ١ وصححه الحاك م، قالت: كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد «(٢)(١) نفاسها أربعين يوما ً . مجمل ا لقول: وبعد أن عرض الشماخي الأقوال المتباينة في تحديد أقصى الحيض والنفاس وأقلهما، خلص إلى القول بأن هذه المسائل لا نصوص تحددها وإنما وذكر في بعض كتب » : تحكمها التجربة والعادة الجارية في أحوال النساء فقال أهل الخلاف أن التوقيت في أيام الحيض وأيام الطهر وأيام النفاس لا مستند له «... إلا التجربة والعادة، ولذلك كثر الاختلاف فيه لاختلاف أحوال النساء(٣) . بيان أقل النفاس وأكثره: اختلف الإباضية أيضا ً في تحديد مدة النفاس من حيث القلة والكثرة، فذهب الجمهور إلى أن أقله عشرة أيام وأكثره أربعون يوما ً وهو المشهور عند إن أقل النفاس عشرة أيام » : فقال « المعارج » الإباضية صرح بذلك السالمي في (١) رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب المستحاضة يغشاها زوجها، رقم ٣١١ ، والترمذي، أبواب قلت الظاهر » : الطهارة، باب كم تمكث النفساء، رقم ١٣٩ ، عن أم سلمة. قال المباركفوري تحفة .« أن هذا الحديث حسن صالح الحديث للاحتجاج وفي الباب أحاديث أخرى تؤيده وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والتابعين، » : ٣٦٤ . قال الترمذي / الأحوذي، ١ ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما ً ، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنها تغتسل وتصلي، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، إنها تدع الصلاة خمسين يوما » : وإسحاق، ويروى عن الحسن البصري، أنه قال ً إذا لم تر ستين يوما » : ويروى عن عطاء بن أبي رباح، والشعبي .« الطهر ً .« وأبو داود في السنن، كتاب الطهارة، باب ما جاء في وقت النفساء، حديث: ٢٧٠ . ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الطهارة، وأما حديث عائشة حديث: ٥٧٤ . (٢) .١٩٦/ السدويكشي: الحاشية على متن الإيضاح للشماخي، ١(٣) .١٩٧/ الشماخي: المرجع نفسه، ١ كمقدار أكثر الحيض على القول المشهور في المذهب، وتكتفي المرأة في أكثر النفاس بالأربعين يوما ً على المذهب المشهور أيضا ً ، ونسبه أبو محمد (ابن بركة ( إلى بعض الإباضية وقال: وهو أشيق إلى قلبي ونسبه ابن جعفر (الأزكوي) إلى الربي ع، وأحبه أبو سعيد (الكدم ي)، وصححه الشيخ عامر (الشماخ ي)، قال أبو إسحاق (الحضرمي ( وعليه العمل(١) ، واستدلوا بحديث «(٢) روته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: النفساء تعتد أربعين ي وما » ً . وهناك أقوال أخرى في المذهب غير مشهورة تزيد على هذا الحد أو تنقص منه، وحسبنا أننا ذكرنا الرأي المشهور وما عليه العمل في المذهب الإباض ي، وقد أشار الشماخي إلى هذه الأقوال بعد أن اختار رأي الجمهور واختلفوا في أقل النفاس، قال بعضهم عشرة أيام وهو » : وصححه فقال الصحيح عندي، مقدار حيضة واحدة، وقال من قال: أقله أسبوعان، وقال من قال الدفعة الواحدة تكون نفاسا ً «... ، وليس الحيض كذلك عند أكثرهم(٣) . منشأ الخلاف: ولعل ّ اختلاف الفقهاء في تحديد أقل الحيض وأكثره، وأقل النفاس وأكثره، يرجع إلى اعتمادهم على أدلة ظنية، واختلاف أحوال النساء في الدماء، فبعضهم استند إلى تلك النصوص واحتج بها، وبعضهم احتكم إلى العرف ولا مستند لهذا عندي إلا » : والعادة، ويؤكد الشماخي هذا الأمر فيقول ّ التجربة (١) .٢٣٣/ ١٢٦ . ابن بركة: كتاب الجامع، ٢ ، السالمي: نفسه، ٤(٢) رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب المستحاضة يغشاها زوجها، رقم ٣١١ ، والترمذي، أبواب قلت: الظاهر » : الطهارة، باب كم تمكث النفساء، رقم ١٣٩ ، عن أم سلمة. قال المباركفوري تحفة .« أن هذا الحديث حسن صالح الحديث للاحتجاج، وفي الباب أحاديث أخرى تؤيده .٣٦٤/ الأحوذي، ١(٣) ٢٣٣ . السالمي: معارج الآمال، / ١٩٨ . ابن بركة: الجامع، ٢ / الشماخي: كتاب الإيضاح، ١ .١٢٦/٤ والعادة، فمن كان لأقل الحيض عنده قدر معلوم وجب أن يكون ما دون ذلك، إذا ورد في سن الحيض عنده استحاضة، ومن لم يكن لأقل الحيض عنده قدر ّ محدود وجب أن تكون الدفعة حيضا ً عنده، وكذلك النفاس، وكذلك أيضا ً من كان عنده أكثره محدودا ً «... أوجب أن يكون ما زاد على ذلك استحاضة(١) . وقد أشار السالمي إلى هذا المعنى أيضا ً العادة » : حيث اعتبر قاعدة محكمة « هي المعتمدة عند الفقهاء في مسائل دماء النساء وتحديد مدتها، وهذا ما نص عليه بعد عرض أحد الأقوال ...» ولا دليل لذلك إلا أن يكون القائل ِ رأى ذلك موجودا ً في بعض النساء، فقال به عن علم وخبرة، والعادة في هذا « الباب محكمة(٢) . ويشير السالمي في موضع آخر إلى ما خلصنا إليه في معرض كلامه عن مسألة انتساب المرأة في حيضها ونفاسها إلى قريباتها رد ًّ ا على قول ابن برك ة، قال أبو محمد (ابن بركة): وفي إجازة هذا القول إغفال من قائله، إذ » : فيقول فرض الله عليها أن تدع الصلاة؛ لأنها حائض أو نفساء والفرض عليها غير الفرض على أم ّ ها، قلت: (والقول للسالمي ( لا إغفال فيه بل هو مبني بتحكيم العادة، وأشبه شيء من أحوال المرأة عادة أمهاتها وقريباتها، وكثير من مسائل « الحيض والنفاس، بل غالبها مبنية على أدلة ظنية فلا سبيل إلى القطع(٣) . المسألة الثالثة: ما تثبت به العادة للمرأة ا لمبتدأة: اختلف فقهاء الإباضية وغيرهم في حكم المرأة المبتدأة في الحيض والنفاس، إذا رأت دم الحيض والنفاس لأول مرة في حياتها، متى تعتبر ذلك حيضا ً أو نفاسا ً ؟ وكيف تحسب عادتها وتحددها، لتعتمد ذلك في الدورات القادمة؟ (١) .٢٠١/ الشماخي: الإيضاح، ١(٢) .٣٢/ السالمي: المعارج، ٤(٣) .١٣٧/ السالمي: معارج الآمال، ٤ وذكر أن الفقهاء قد اختلفوا في « المعارج » بحث السالمي هذه المسألة في أقل ما يمكن أن تكون الصبية حائضا ً ، فقيل: إذا دخلت تسع سنين فقد أمكن بلوغها، ويكون الدم الخارج منها حيضا ً. وقيل: إذا دخلت في تسع السنين، واختاره أبو ستة (القصبي) واعتمد عليه المصنف (السالمي .( وقيل: إذا دخلت عشر سنين، فإن أتاها في أواخر السنة السادسة إلى أوائل السابعة، أو في أواخر التاسعة إلى أوائل العاشرة، فقيل: إنها تعطى للحيض إذا تم لها أقل الحيض بعد البلوغ، وإلا أعادت ما تركت من ّ الصلاة(١) . ويبين السالمي أن مبنى هذه الأقوال كلها على العرف والعادة، وقد تختلف ّ ِ أحوال النساء بوفور الأسباب وقوة الشباب، فقد يمكن في بعض النساء البلوغ ُ قبل إمكانه في بعض، كل ذلك بحسب قوة الحال وضعفه(٢) . فإذا وجدت الصبية في وقت يمكن بلوغها فيه دما ً عبيطا ً ودام بها ثلاثة أيام كانت حائضا ً بلا خلاف، وحكم عليها بالبلوغ وتكون تلك عد ﱠ تها فيما أقبل من الأوقات. وإذا دام بها الدم يومين، فقيل: إنها تكون حائضا ً في ذلك، وتجعلها أصلا ً لحيضها فيما أقبل، وجزم به صاحب الوضع (الجناوني ( (٣) ، وصححه أبو ستة . وقيل: لا تبني إلا على ثلاثة أيام، وقيل على يوم واحد(٤) . (١) .١٩/ السالمي: المرجع نفسه، ٤(٢) السالمي: نفسه، بتصرف. (٣) . الجناوني: كتاب الوضع، ص ٧٢(٤) ١٩/ السالمي: معارج الآمال، ٤ - .٢٠ منشأ ا لخلاف: ويعتبر السالمي أن أصل الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى اختلاف الفقهاء في أقل الحيض(١) بينما يرى غيره أن سببه يعود إلى اختلافهم في الضابط المعتمد في التمييز بين الدماء، فمنهم من يقدم حكم العادة، ومنهم من َ ينظر إلى مدى معرفة المبتدئة التمييز بين الدماء. اختلف » : فيقول « المنهج » ويشير خميس الشقصي إلى هذا الخلاف في الناس في العادة والتمييز، فقال قوم: إن التمييز مقد ّ م على حكم العادة، وقال قوم: إن العادة مقدمة على التمييز، والعادة ما اعتادته المرأة في أيام الحيض، والتمييز هو معرفة تمييز دم الحيض من غيره. وقال بعض أصحابنا (الإباضية ( في المبتدأة في الحيض والنفاس إنها تقعد للحيض والنفاس كعادة أمهاتها وأخواتها، وقول تنتظر بعد وقت أمها يوما ً أو يومين، وقال أبو عبد الله (محمد بن محبوب ( 5 في البكر يدوم بها الدم أو ما تحيض، فإن عرفت وقت أمها، فهو لها وقت، فإن كان وقت أمها مختلفا ً أخذت بأكثر، وإن لم تعرف وقت أمها ودام بها الدم فتجعل ّ حيضها عشرا ً وطهرها خمسة عشر يوما ً ، فإذا أرادت بدل العشر ألحقت معها بدل خمسة أيام حتى تتم خمسة عشر يوما ً ، فيكون ذلك استحاضة « عنها(٢) . وذهب القطب أطفيش إلى أن عادة المرأة المبتدأة التي لم يسبقها حيض (١) .٢٠/ السالمي: المرجع نفسه، ٤(٢) الشقصي: خميس بن سعيد الرستاقي، منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، تحقيق: سالم بن حمد بن سليمان الحارثي، نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، طبع بمطبعة ُ ٢٩٥/ عيسى البابلي الحلبي وشركاه، القاهرة، مصر، ٣ - ٢٩٦ . الجيطالي: قواعد الإسلام مذيلا ً بحاشية أبي ستة القصبي تحقيق: بشير بن موسى الحاج موسى، ط ١، المطبعة العربية، ٢٦٣/ غرداية، الجزائر، ١٤٢٢ ه/ ٢٠٠١ م، ٢ - .٢٦٤ مرة واحدة، فإذا جاء الدم مرة واحدة ودام مدة، تجعل ذلك وقت حيضها وعادتها، ولا تعتمد على عادة أمها وأخواتها، واختار هذا القول وصححه، والصحيح أنه يثبت بمرة أولا » : ما نصه « الشامل » فقال في ً ، فإذا جاءها الدم « أول مرة ودام مدة تصلح أن تكون وقت حيض فهي وقته لا غير(١) ، وتبعه في هذا القول الراشدي(٢) . المسألة الرابعة: حكم ا لمستحاضة: اختلف الإباضية وغيرهم في حكم المستحاضة، وهي التي تمادى بها الدم بعد انقضاء مدة الحيض أو النفاس، فما حكم صلاتها وصومها، وكيف تستطيع أن تميز بين دم الحيض والاستحاضة؟ ّ وأشار إلى اختلاف الإباضية « الإيضاح » بحث الشماخي هذه المسألة في اختلف أصحابنا في المرأة إذا تمادى بها الدم، » : في حكم المستحاضة فقال وكانت مستحاضة، قال بعضهم: تترك الصلاة وقت أقرائها (حيضها) ثم تغتسل وتصل ّ ي إلى أن يعود إليها مثل أيامها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للتي سألته وكانت مستحاضة: اقعدي أيامك التي كنت تحيضين، فإذا دام بك الدم فاستنظري » « ي(٣) بثلاثة أيام ثم اغتسلي وصل ّ . وقال قوم تترك الصلاة عشرة أيام وتغتسل وتصل ّ ي عشرة أيام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت حبيش : إذا أقبلت الحيضة فاتركي لها الصلاة، وإذا » َُ « أدبرت وذهب قدرها، فاغسلي عنك ا لدم(٤)، والمجاورة لأكثر أيام الحيض قد ذهب قدر حيضتها ضرورة. (١) .٢٣٧/ أطفيش أمحمد: شامل الأصل والفرع، ١(٢) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٦٤(٣) تقدم تخريجه بلفظ قريب منه. (٤) تقدم تخريجه بلفظ قريب منه. وقال قوم: تترك الصلاة خمسة عشر يوما ً وتغتسل وتصل ّ ي خمسة عشر يوما ً ؛ لأن أكثر الحيض خمسة عشر يوما ً عندهم، وأقل ّ الطهر خمسة عشر يوما ً ، وقال قوم تترك الصلاة عشرة أيام وتغتسل وتصل ّ ي عشرين يوما ً ؛ لأن عندهم في كل شهر حيضة وطهرا ً ، والحيضة لا تتجاوز عشرة أيام عندهم، وقال قوم تترك الصلاة يوما وليلة، وتغتسل وتصلي تسعة وعشرين يوما ً ؛ لأن أقل الحيض عندهم يوم وليلة، والعادة جارية أن المرأة تحيض في كل شهر مرة إذا لم تكن بها آفة تمنع الحيضة فحكموا لها في كل شهر بأقل الحيض وهو عندهم يوم وليلة، وأكثر من اليوم محتمل عندهم، فلا تترك العبادات «... والواجبات بالدم المحتمل(١) . وبين ابن بركة أيضا ً أن حكم النفساء إذا طهرت وعاودها الدم مثل الحائض ّ وحكم النفساء كذلك أيضا » : تترك الصلاة في تلك المدة على حد قوله ً إذا طهرت لم تدع الصلاة، فإن رجع الدم في بقية أيام النفاس تركت له الصلاة إلى أن ينقطع أو تبل ُغ َ مدة عادتها من نفاسها، والحائض بمثابتها، فإذا استمر الدم بالحائض بعدما يحكم لها بحكم الحائض إلى أن يأتي لها الوقت الذي كانت تدع فيه الصلاة، في وقت حيضها من كل شهر عود أن يأتيها الحيض َﱠ فيه، ثم تدع الصلاة أياما ً كانت تدع الصلاة في مثلهن من عادة الأيام في قول بعض أصحابنا . وقال بعضهم: تدع الصلاة في كل عشرة أيام؛ لأن أكثر عادة النساء ذلك، وقال كثير منهم: تصل ﱢ ي عشرة أيام، وتدع الصلاة عشرة أيام ما دام الدم مستمرا ً ّ «... بها(٢) . (١) ٢٢٩/ الشماخي: الإيضاح، ١ - ٢٢٩ . الجيطالي: ،٢٢٨/ ٢٣١ . ابن بركة: الجامع، ٢ ٢٧٣/ قواعد الإسلام مع الحاشية لأبي ستة، ٢ - .٢٧٦ (٢) ٢٢٦/ ابن بركة: كتاب الجامع، ٢ - ٢٢٧ . الجيطالي: قواعد الإسلام مع الحاشية لأبي ستة .٢٨٦ - ٢٨٥/ القصبي الجربي، ٢ المسألة الخامسة: طلوع الدم ونزوله عند الحائض والنفساء: قد تعتري المرأة الحائض أو النفساء حالات غير معتادة، فتتغير عادتها، ِ ويأتيها الدم المعتاد قبل موعده المألوف، وقد يتأخر فيل ْ تبس عليها الأمر، َ فلا تدري هل هو حيض أم استحاضة؟ وهل تترك الصلاة والصوم؟ أم تبقى على عادتها ولا تنظر إلى هذا الاضطراب في النزول والصعود؟ فما رأي فقهاء الإباضية في مثل هذه الحالات؟ والطلوع والنزول إنما هي زيادة الحيض » : قال الشماخي في بيان ذلك ونقصانه، وذلك إذا كان للمرأة وقت معلوم في الحيض والنفاس، فإنها تطلع في الحيض من ثلاثة إلى عشرة وهو أكثر أيام الحيض، وفي النفاس من عشرة إلى أربعين؛ لأنه أكثر أوقات النفاس، وتنزل في الحيض من عشرة إلى ثلاثة؛ لأنها أقل الحيض، وفي النفاس من أربعين إلى عشرة؛ لأنها أقل النفاس، ويكون الطلوع بالدرجات باليوم واليومين والأكثر حتى تنتهي إلى أكثر أيام «... الحيض، ويكون الطلوع بمرة واحدة إلى أكثر الأوقات(١) . وتفسير هذا البناء: أن » : ويبين الشماخي كيفية البناء على الأصول، فيقول ترى الدم أول ما تراه، فيتمادى عليها يومين، أو يوما ً واحدا ً عند بعضهم، ثم ترى الطهر وتصل ﱢ ي به سبعة أيام، وفي العاشر رأت دما ً ثم انقطع، فإن ّ هذه عند بعضهم وقتها ثلاثة أيام؛ لأنها تلفق أيام الدماء وتترك أيام الطهر. وقال آخرون: وقتها عشرة أيام تلف ّ ق أيام الدماء وأيام الطهر،؛ لأن أيام الطهر لا يخلو أن تكون أيام حيض أو أيام طهر، فإن كانت أيام طهر ليس يجب أن تلفق أيام .« الدماء إذا تخللها طهر، وإن كانت أيام حيض فيجب أن تلفقها والنظر عندي أنها ليست » : واختار الشماخي ألا تعتبرها أيام طهر فقال بأيام طهر؛ لأن أقل الطهر عشرة أيام، ويجب على هذا أن تكون أيام حيض (١) .٢٣٤ - ٢٣٣/ الشماخي: الإيضاح، ١ كلها، لأنها أيام الحيض والنفاس تجري ثم تنقطع يوما ً أو يومين أو أكثر، كما «... تنقطع ساعة أو ساعتين أو أكثر في النهار(١) . وفي موضع آخر صرح الشماخي بالضابط الذي وضعه الإباضية لضبط ّ مسألة البناء على الأصول، أو الطلوع والنزول في دماء النساء، وبين أنهم اختلفوا ّ فيما يكون أصلا للمرأة تبني عليه في الحيضة الأولى والنفاس الأول، وذكر أن بعضهم يرى يومان للحيض وحيضة واحدة وهي عشرة أيام للنفاس ويبني عليهما، ونفى أن تكون الصفرة والكدرة والثرية والعلقة أصلا ً لبناء الحيض أو ّ النفاس عليها، ولا حكم لهذه المعاني، إن ّ ما الحكم لما سبقهم وتقد ّ مهم، فإن سبقهم دم فحكمهم حكم الدم، وإن تقدمهم طهر فحكمهم حكم الطهر(٢) . وأما النفاس إذا نفست وليس لها وقت فدام بها النفاس حتى أتمت أربعين يوما ً ولم تر الطهر فتمادى بها الدم، فإنها تصل ّ ي عشرة أيام بعد الانتظار، ثم تعطي للحيض، وإن رأت الطهر بعد ذلك فيما رد ّ ت ثلاثة أيام إلى عشرة، اغتسلت وصل ﱠ ت ويكون ذلك وقتها للحيض، وأما النفاس فإنما هو حيض زادت أيامه(٣) . أما إباضية المشرق فلهم ضوابط أخرى يعتمدوها لضبط مسألة الطلوع والنزول في دم النساء، ويطلقون عليها انتقال الحيض، وقد بحث الإمام وأشار إلى الخلاف الحاصل بين إباضية « المعارج » السالمي هذه المسألة في هذه المسألة انتقال مدة الحيض ...» : المشرق والمغرب في هذه المسألة فقال إلى الزيادة والنقصان ويعبر عنها أصحابنا من أهل المغرب(٤) رحمهم الله ّ (١) .٢١٢ - ٢١١/ الشماخي: الإيضاح، ١(٢) ٢٣٠/ ٢١٩ . ابن بركة: الجامع، ٢ ،٢١١/ الشماخي: المصدر نفسه، ١ - .٢٣١ (٣) ١٩٥ . الجناوني: كتاب الوضع، ص ٧٥ / الشماخي: نفسه، ١ - .٧٦ (٤) يقصد به الإباضية المتواجدون في المغرب الإسلامي قديما ً ، ويطلق عليه حاليا ً الجزائر وتونس وليبيا، والمغرب الأقصى. تعالى بمسألة الطلوع والنزول، وأنت خبير بأن هذه المسألة مبنية على القول بثبوت الأوقات في أكثر الحيض وأقله... وأما على مذهب من لا يحدد بالأوقات فلا تتمشى على قاعدته هذه المسألة؛ « لأنه لا يعتبر الأيام والليالي في ذلك، وإنما يعتبر إقبال الحيضة وإدبارها(١) . وبعد أن حدد السالمي ضابط هذه المسألة عند المشارقة شرع في توضيحه إن المرأة إذا حاضت في أول حيضة، ثم طهرت كان ذلك الوقت أصلا » : فقال ً لحيضها، وتكون تلك المدة هي عدتها فيما أقبل من زمانها، فإذا استمر بها الدم بعد ذلك الوقت في الحيضة الثانية أو الثالثة انتظرت عند من أثبت عليها الانتظار، على ما تقدم من الخلاف فيه، ثم اغتسلت وصلت. فإذا تكررت عليها تلك الزيادة مرارا ً فإما: أن تكون زيادة منضبطة، أو تكون زيادة غير منضبطة. فإذا كانت غير منضبطة فلا تنتقل بها عن حكمها الأول، بل يكون وقتها الأول هو وقت حيضها، وذلك كما إذا جاءتها الزيادة في المرة الأولى يوما ً وفي المرة الثانية يومين مثلا ً فإن هذه الزيادة غير منضبطة في نفسها، فلا تصلح أن تكون قاعدة لغيرها. وإن كانت تلك الزيادة منضبطة فإن تكررت عليها ثلاث مرات انتقلت في الرابعة، وذلك أن يكون وقتها خمسة أيام مثلا ً فتزيد يومين في ثلاث « حيض، فإنها تنتقل في الرابعة إلى سبعة أيام ويكون ذلك وقتها(٢) . وإذا تكررت » : ويضيف السالمي بيانه لأحكام الحيض في حالة النقصان بالنقصان فإنها تنزل عن وقتها الأول إلى ما دونه بما إذا توالى عليها ثلاث مرات كل ذلك دون وقتها الأول. (١) .٥١ - ٥٠/ السالمي: المعارج، ٤(٢) ٥١/ السالمي: المصدر نفسه، ٤ - .٥٢ ُ وإن أمرت ْ بالاغتسال والصلاة من حين ما ترى الطهر في أيام حيضها، فإن ذلك الأمر مبني على الاحتياط لا على الانتقال. وقيل: إذا تحول إلى وقت أو عدد ثم دام على ذلك مرتين فقد صار لها ﱠ وقتا وتدع الوقت الأول. وقيل: تنتقل بمرة واحدة في الطلوع والنزول. وقيل: تنتقل في الطلوع بثلاث مرات، وفي النزول بمرتين، واختاره الشيخ عامر (الشماخي ( في إيضاحه(١) ، وأطفيش في الشامل(٢) ، وتبعهما الراشدي(٣) . وقيل: لا تتحول عن وقتها الأول ولو زاد من بعد أو نقص، وضعفه الشيخ عامر في إيضاحه، وعلل ذلك بأن دم الحيض يزيد وينقص ذلك موجود في النساء، ولذلك صارت أوقات النساء، ولو كان لا يزيد ولا ينقص لكان أوقات النساء كلها متفقة، وأهل الترف ﱡ ه والسعة من النساء في زيادة الحيض، ﱢ «... وكذلك أهل الجهد منهن في نقصان الحيض بخلاف غيرها(٤) . قال السالمي معقبا على هذه الأقوال ومشيرا ً إلى اعتبار العادة في مثل هذه ولعل » : الحالات ّ حجة القول الأول: أن الثلاث المرات إذا توالت تكون عادة، وأمر الحيض مبني على العادة. وأما القول بأنها تنتقل بمرتين، فإنه مبني على القول بأن أقل الجمع ّ اثنان، فالمرتان عادة عند هذا القائل. وأما القول بأنها تنتقل بمرة، فدليله ما روي أنه قال عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت حبيش : إذا أقبلت الحيضة، فاتركي لها الصلاة، وإذا أدبرت » « ي(٥) وذهب قدرها فاغتسلي الدم عنك وصل ﱢ . (١) .٢٣٥/ الشماخي عامر بن علي: الإيضاح، ١ (٢) .٢٣٧/ أطفيش: شامل الأصل والفرع، ١ (٣) . الراشدي سفيان: جواهر القواعد، ص ١٦٤ (٤) ٢٣٥/ الشماخي: المصدر نفسه، ١ - .٢٣٦ (٥) سبق تخريجه. وضعف الشماخي هذا القول وعل ّ له بأن القائل بذلك جعلها كالمبتدئة في وهو عندي ضعيف؛ لأن » : كل مرة، وقال ّ ه لا ترجع عند الاختلاط إلا إلى ما كان معتادا ً بخلاف المبتدئة، والمعتاد لا يكون بمرة واحدة، وإنما يكون معتادا ً « بثلاث مرات أو مرتين، وهو أقل الجمع عند بعضهم(١) . وأما القائل بأنها تطلع بثلاث وتنزل بمرتين، فاستدل بالتفرقة بأن الطلوع زيادة في الحيض، فلا تترك بتلك ما تيقنت وجوبه من العبادات، إلا بالعدد الذي اتفقوا أن تكون تلك الزيادة بها دم حيض وهو ثلاث مرات، والنزول بخلافه؛ لأنها لا تترك عبادة متيقنة في النزول، فلذلك قال: إنها تنزل بمرتين وهو أقل الجمع عند بعضهم، بل الواجب عليها أن تصلي وتصوم في الطهر إذا « ي(٢) «(٣) رأته داخل وقتها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أدبرت الحيضة فاغتسلي ف صل » ّ . هذا، وقد نقل الراشدي في قواعده أن القطب 5 يرى أن انتقال المرأة عن المعتاد به في الحيض بالنقص يكون مرتين، وبالزيادة ثلاثا ً على ما صححه ولو خالف ذلك في المرة الأخرى حتى يخالفه بالنقص » : بما نصه « الشامل » في مرتين متواليتين أو بالزيادة ثلاثا ً « متواليات فإنها تنتقل(٤) . ويبدو من عبارة القطب أنه وضع للمرأة الحائض ضابطا ً تضبط به حالات النزول والصعود في الحيض، ولا تتسرع في تغيير عادتها وانتقالها إلى عادة جديدة بمرة واحدة، إلا إذا تكررت حالة النقص مرتين متتاليتين، أو زادت عن حالتها السابقة ثلاث مرات متتاليات، وما أقره القطب وتبعه فيه الراشدي هو ّ المعتمد والمعمول به عند جمهور الإباضية المعاصرين، وقد سئل سماحة شيخنا أحمد الخليلي يحفظه الله عن امرأة كانت عادتها في الحيض خمسة (١) .٥٣/ ٢٣٦ . السالمي: المعارج، ٤ / الشماخي: الإيضاح، ١(٢) سبق تخريجه من حديث فاطمة بنت أبي حبيش. (٣) ٢٣٦/ الشماخي: المصدر نفسه، ١ - ٥٢/ ٢٣٧ . السالمي: المصدر نفسه، ٤ - .٥٣ (٤) . ٢٣٧ . الراشدي: الجواهر، ص ١٦٤ / القطب أطفيش: شامل الأصل والفرع، ١ أيام، وفي الفترة الأخيرة أصبح يعادوها خروج الدم بعد أن تطهر، وبعد الخمس، وغالبا ً ما يعاودها في اليوم التاسع أو العاشر، فهل يعتبر هذا الدم الأخير دم حيض أم دم استحاضة؟ ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: » : فأجاب بما نصه أقل الحيض » « ثلاثة أيام وأكثره عشرة أ يام(١) . وهذا يعني أن حيضة المرأة لا تتجاوز عشرة أيام منذ بدايتها إلى نهايتها، فإن كانت لها عادة معلومة فتلك العادة هي المحكمة إذا التبس عليها الأمر عندما تستحاض، فإن رأت طهرا ً بعد عادتها وأدرف بالدم مرة أخرى فلا تلتفت إليه، بل تستمر على صلاتها وصومها، الل ﱠهم إلا إذا تكرر لها ذلك ثلاث مرات، فقيل: تعطيه للحيض، وفي هذه ُﱠ « الحالة وهو رأي علمائنا العمانيين(٢) . ُ خلاصة ا لقول: وهكذا بعد عرض أحكام مسائل الحيض والنفاس المختلفة يتبين لنا أن ّ معظمها لا يستند فيه الفقهاء إلى النصوص الشرعية من القرآن أو السن ﱠ ة أو الإجماع، ﱡ وإنما مستندهم في ذلك غالبا ً إلى التجربة والعادة الجارية في أحوال النساء، وكذلك تعددت أقوالهم واختلفت آراؤهم وتشعبت إلى درجة يعسر على الدارس استيعابها، ولذلك يتحرج بعض الفقهاء في الإجابة عنها، لأن جل ّ هذه الأقوال تعتمد على غلبة الظن واطمئنان النفس وليست مبنية على اليقين ولا يمكن الجزم بصحتها لأنها صدرت عن اجتهاد بعد النظر في أحوال النساء وعادتهن في الدماء. وللتخفيف والتيسير ورفع الحرج والمشقة عن النساء فقد حاول بعض الفقهاء وضع ضوابط خاصة لضبط بعض الحالات المستعصية والمتكررة والمنتشرة بين وكذلك » : النساء يرجع إليها عند الحاجة، وقد أشار ابن بركة إلى هذا الأمر فقال (١) تقدم تخريجه. (٢) الخليلي أحمد بن حمد: الفتاوى: الكتاب الأول، ص ١٧ - .١٨ k :IÓ°üdG »a IOÉ©dG º«μëJ :É«fÉK المرأة تترك الصلاة ويحكم لها بالحيض إذا طبق الدم بها بغير يقين أنه دم حيض، ولا الوقت الذي تركت فيه الصلاة وقت حيضها، ولكن لما كانت عادتها جرت بأن تحيض في مثل ذلك الوقت أو في كل شهر حكم لها على التحري وقتا ً تدع َ َﱢ فيه الصلاة، فقد جاز أن تترك الصلاة لعل ّ ة الصيام في شهر رمضان وقتا ً لأجل «... حيض، يحكم به لها مع التحري لوقتها إلا بيقين معها، ومع من حكم به لها(١) . وردت في المصادر الإباضية بعض المسائل في الصلاة والإمامة احتكم فيها الإباضية إلى العادة والعرف؛ لأنه لا توجد نصوص تنص عليها، أو جاءت فيها نصوص عامة فخصصتها العادة أو العرف، أو كانت مطلقة فقيدت بالعادة الجارية بين الناس، من ذلك: ١ الشك في قراءة الفاتحة مع ا لإمام: من صل ّ ى وراء الإمام وشك في قراءة الفاتحة بعد أن تجاوزها الإمام، فإنه إن ترك قراءتها اعتمادا ً على أنه قرأها وسكت، ثم شك في ذلك، فإنه يسعه ذلك بشرط ألا يكون في العادة يترك قراءتها مع الإمام، فإن كانت له عادة في العادة محكمة » ذلك، فعليه قراءتها؛ لأن « (٢) . ٢ في تحديد المسافة بين الإمام والمأموم: ذكر أهل العلم أنه يجب على المأمومين إذا كانوا جماعة مصطفة خلف الإمام أن يتركوا بينهم وبينه مسافة قدر مربض شاة، لحديث سهل بن سعد كان بين مصل » : قال ﱠ « ى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة(٣) . ُّ (١) ابن بركة: كتاب التعارف، ص ٣٥ - .٣٧ (٢) .١٠١/ الخليلي سعيد (المحقق): كتاب تمهيد قواعد الإيمان، ٥(٣) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الصلاة، أبواب سترة المصلي، باب قدر كم ينبغي أن يكون = وجه الاستدلال ب الحديث: يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل » أشار السالمي إلى مدلول هذا الحديث فذكر أنه الجدار سترة للإمام، والإمام سترة للجماعة، فوجب أن يتساويا في مقدار المسافة، وذلك أقل ما يؤمر به، وأكثر ما يكون بينه وبينهم قدر مريض ثور، فإذا تباعدوا، فإلى خمسة عشر ذراعا ً ، وإن زاد على ذلك فلا تصح صلاتهم بصلاته. وكذلك يكون القدر بين الصفين والثلاثة، وإن تباعد الصف عن الصف أكثر من خمسة عشر ذراعا ً ، فلا تجوز صلاتهم حتى قال أبو معاوية (عزان بن الصقر) في رجل وجده وعنده متاع في أقصى المسجد فخاف على متاعه أن يتلف قال: ليس له أن يصلي بصلاة الإمام، فإن صل ّ ى فعليه النقض. ورخص غيره أن يصل ّ ي هناك لأجل الضرورة، وقيل: لا يصل ّ ي، فإن ِ صل ّ ى فصلاته تامة(١) . وذكر أبو إسحاق الحضرمي أن ّ من نواقض الصلاة، أن يكون بين المأمومين وبين الإمام أكثر من مد ّ الصوت، ومقتضاه أن ما دون ذلك غير ناقض(٢) . وأفاد السالمي أن هذا التحديد كله إنما هو في موضع لم يحل بين الإمام والجماعة حائل لا منفذ فيه، كحائط وستر ونحو ذلك، فإن كان حائلا ً لا منفذ فيه، وكان يمنع الوصول إلى الإمام أو النظر إليه أو إلى من خلفه، فسدت صلاتهم، إذ الحيلولة بذلك تمنع الاجتماع، وإن كان فيه منفذ جازت حتى قيل: يجوز للرجل أن يصل ّ ي في بيته بصلاة الإمام إذا كان بينه وبين المسجد باب مفتوح ولم يقطع بينهم طريق(٣) . = بين المصلي والسترة؟ حديث: ٤٨٣ . ومسلم، كتاب الصلاة، باب دنو المصلي من السترة، حديث: ٨١٧ . عن سهل بن سعد الأنصاري. (١) ١٩١/ السالمي: معارج الآمال، ٩ - ١٩٢ بتصرف. (٢) . الحضرمي أبو إسحاق إبراهيم بن قيس: مختصر الخصال، ص ٦٩(٣) ١٩٢/ السالمي: معارج الآمال، ٩ - . ١٩٣ . الحضرمي: مختصر الخصال، ص ٦٩ واشترط بعض الفقهاء أن يكون الم َن ْ فذ أكثر من ثلاثة أشبار قياسا ً على السترة، وقيل: حتى يكون موضعا ً يدخل الرجل منه بغير معالجة، وإن كان أقل امتنعت. ولم يشترط بعضهم شيئا ً من ذلك بل قالوا: إذا كانت كوة يبصر منها ّ الإمام أو من خلفه، جازت الصلاة بصلاة الإمام. ونقل السالمي عن الشافعية أنهم اشترطوا في الفضاء أن لا يزيد بين الإمام والجماعة ولا بين الصفوف على ثلاثمائة ذراع. قال الرملي : ولا تضر زيادة أذرع يسيرة كثلاثة ونحوها(١) . وقال غيره: ولو كان المأموم والإمام في البر؛ فالمأموم في سفينة والإمام في أخرى وهما مكشوفان، فالصحيح أنه يصح الاقتداء به إذا لم يزد ما بينهما على مقدار ثلاثمائة ذراع كالصحراء. وقال النووي : وكذا لو كان أحدهما في سفينة، والآخر على الشط وإن كان مسقفتين فهما كالدارين، والسفينة التي فيها بيوت كدارات البيوت، قال: وهذا التقدير مأخوذ من العرف(٢) . ويوضح السالمي مرادهم بالفضاء أنه الموضع الذي لا حائل فيه بين المصل ّ ي يمنع التطرق والمشاهدة في أي محل كان، فهو عندهم فضاء ولو كان محوطا ً أو مسقفا ً ، مملوكا ً أو مواتا ً أو وقفا ً. ويعد عرض مختلف الأقوال في تحديد المسافة الجائزة بين الإمام والمأمور صرح بأن هذا القول هو مذهب الإباضية وهو ألا يزيد على خمسة عشر ذراعا ً ، وقد تعجب من رأي الإباضية وغيرهم في تقدير المسافة الفاصلة بين الإمام والمأموم، حيث استندوا في تحديدهم إلى العرف ولا سند لهم (١) الرملي: نهاية المحتاج شرح المنهاج للخطيب الشربيني، طبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، .٩٨/٦(٢) ١٩٣/ السالمي: المرجع السابق، ٩ - ١٩٤ . النووي: المجموع شرح المهذب للشيرازي، .٣٠٨/٤ ثابت من النص، وكأنه بذلك لا يرى تحكيم العرف في العبادات؛ لأنها أمور ولا أعرف الوجه في التحديد عندنا ولا عند قومنا إلا » : تعبدية وتوقيفية، فيقول « ما ذكره الرملي بأن ذلك التقدير عندهم مأخوذ من العرف(١) . وهكذا نجد السالمي يخالف الإباضية وغيرهم فيما ذهبوا إليه من اعتبار العرف والعادة في العبادات، وتحكمه في مسألة سترة الصلاة، وفضل الاحتكام إلى النصوص الشرعية الثابتة وجعلها سندا ً في تحديد المسافة بين الإمام ولعل » : والمأموم فيقول ّ أصحابنا رحمهم الله أخذوا ذلك التحديد من أحوال الصفوف خلف النبي صلى الله عليه وسلم أو فهموه من حديث سهل بن ] أبي] حثمة مرفوعا ً : إذا صل » ّ « ى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته(٢) . واستدل أيضا ً : بأن الفرض من الجماعة الاجتماع، والتباعد مناف لذلك. وأيضا ً فقد قال تعالى: ﴿ «ª© ¬ ﴾ (الأ عراف : ٢٠٤ ( ، والتباعد « لا يتأتى معه الاستماع فلا يتم الواجب إلا بالقرب من الإمام(٣) . مجمل ا لقول: إن الأصل في المسافة الفاصلة بين الإمام والمأموم لم ينص عليها الشارع ولم يحددها الرسول صلى الله عليه وسلم بالأذرع ولا بالأشبار، وإنما دعا إلى الاقتراب من الإمام وعدم التباعد عنه، ولم يقيد ذلك بل تركه مطلقا ً . فاجتهد الفقهاء في تحديد هذه المسافة حتى يتجنبوا نقض الصلاة بطول المسافة بين الإمام والمأموم، وحسب ما يظهر من كلام السالمي وغيره أن الفقهاء لاحظوا من خلال أحوال الصفوف التي كانت تقف خلف النبي صلى الله عليه وسلم حيث كانت المسافة بينه (١) .١٩٤/ السالمي: المرجع نفسه، ٩(٢) رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الدنو من السترة، رقم ٦٩٥ ، والنسائي في المجتبى، قال » : كتاب القبلة، باب الأمر بالدنو من السترة، رقم ٧٤٨ ، عن سهل بن أبي حثمة. الزيلعي الخلاصة » النووي في :« .٤٧/ نصب الراية، ٢ .« إسناده صحيح (٣) السالمي: المرجع السابق. وبين المصلين قريبة، ولا يوجد بينهم وبين الإمام فاصل يفصلهم عنه، فقدروا هذه المسافة بمربض الشاه أو الثور، أي في حدود خمس عشرة ذراعا ً ، وما زاد فيها عن ذلك ينقض الصلاة، على أنه يمكن الجمع بين القولين بأنه إذا كان المأمومون في حالة الاختيار، فيجب عليهم الاقتراب من الإمام قدر مربض ْ الشاة، فإن حال بينهم وبين الإمام أو الصفوف التي خلفه حائل، فإنه يجوز ذلك والضرورة » ، بشرط عدم تجاوز أقصى المسافة المشار إليها، وهذا عند الضرورة وبذلك نكون قد جمعنا بين رأي الجمهور ورأي السالمي في ،« تقدر بقدره ا العمل بهما حسب الأحوال، فالأولى تحديد المسافة بالنص فإذا تعذر ذلك، ولم يرد نص صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم يحدد ذلك فنحتكم إلى العادة والعرف الجاري في البلد، ما دام معتبرا ً في الشرع وأصلا ً من أصول التشريع الإسلامي. k :IÉcõdG »a IOÉ©dGh ±ô©dG º«μëJ :ÉãdÉK ١ في منح الزكاة للبنات المقبلات على ا لزواج: ومن مسائل الزكاة المعاصرة ما ذكره بعض العلماء في حكم إعطاء الوالد زكاته لبناته البالغات لتجهيزهن للزواج، وقد اختلف فقهاء الإباضية في حكم هذه المسألة، فذهب بعضهم إلى منع ذلك مطلقا ً ؛ لأنه تجب عليه نفقتهن فلا تعطى الزكاة لمن يعول، ومنهم من رخص فيه على شرط أن تكون فقيرة ومقبلة على الزواج، وت َصرفها في الضروريات استنادا ً إلى العرف ْ الجاري في البلد. سئل الشيخ عبد الرحمنبكلي 5 عن رجل متوسط الحال عليه زكاة، ٰ وله بنات عديدات، فهل له أن يعطيهن من زكاته ما يلزم لزواجهن؟ أجل، له أن يعطيهن من زكاته على من لا يلزمه نفقتهن بعد » : فأجاب البلوغ، أما من يلزمه نفقتهن ما لم يتزوجن ويجل ْ بن، وإن كن بالغات، فلا يجوز َ ُّ له أن يعطيهن من زكاته، وحيث أن البنات لا يملكن في الغالب أموالا ً بل يظللن عالة على آبائهن، وقد جرى العرف عندنا(١) أن الأب يتكلف بحكم التكافل العائلي بتجهيز ابنته لدى الزواج، وإن استدان لذلك، وحيث أن الأب غير متوفر الحال ليس في استطاعته أن يقوم بتجهيز بنات عديدات، وحيث أن نفقات التجهيز نفقة غير واجبة على الأب لبناته، فالمستحسن أن يعطي زكاته لمن ليس لها منهن مال لتجهيزها، شريطة أن يقتصر على ما هو « ضروري لزواجهن، ولا ينفق في الزوائد التافهة، والكماليات(٢) . ٢ في إخراج المؤجر زكاة ا لأجير: إذا تعاقد التاجر مع أجير ليعمل معه في تجارته، وكان الأجير يترك أجرته عند المؤجر، فلما بلغت نصاب الزكاة، وجب عليه إخراجها، فتولى المؤجر ذلك من ماله الخاص مقابل الانتفاع بأجرة العامل، فهل يجوز له ذلك؟ أم يدخل هذا التصرف في شبهة الربا؟ ورد على الشيخ عبد الرحمنبكلي 5 سؤال في هذا الشأن مفاده أنه ٰ جرى العرف التجاري أن الصانع الذي يترك أجرة عمله بين يدي معلمه »(رب العمل) وهذا يستفيد منها طبعا ً يلتزم المعل ّ م أو يتبرع بإخراج زكاته من ماله، فهل يكفي ذلك عنه، سيما إذا اتفقا على ذلك من أول الأمر، ألا يعتبر ذلك كفائض يأخذه على وديعة أو كقرض جر منفعة؟ أم ثم مخرج ّّ .«؟ يقره الشرع أجل، هناك مخرج يبعد بهما عن المحذور، ذلك أن » : فأجاب الشيخلا يسقطها التاجر من ماله ويعتبرها دينا ً في ذمته، وأنت خبير أن هناك فريقا ً من َْ علماء الإسلام كإبراهيم النخع ي، وابن عباد المصري من أصحابنا (الإباضية ( القدامى يقول: إن زكاة المال على المديان، من أكل مهنأة لزمه زكاته. َ (١) يشير إلى ما جرى عليه العمل في بلده بوادي ميزاب بالجزائر من تجهيز الوالد لبناته في الزواج. (٢) بكلي عبد الرحمن: ٰ ١٦٤/ فتاوى البكري، ١ - .١٦٥ وعليه فلا حرج على الأجير إذا أدى عنه التاجر زكاة أجرته؛ لأنه لما ّ «(١) يقبضها بعد، ولا أخرجها التاجر من ماله فعلا ً . ويستنتج من عبارة البكري أن زكاة الأجير لا تسقط عليه في الأصل، بل تبقى د َ ينا ً عليه ولو دفعها عنه المؤجر، حيث لم يستطع إخراجها من ماله الخاص في وقتها؛ لأن أجرته ما زالت تحت تصرف المؤجر لم يقبضها منه بعد، فيجوز للمؤجر أن يخرجها نيابة عنه في وقتها، ويخصمها من أجرة الأجير حتى تبرأ ذمته وكذلك يفهم من عبارته أيضا ً أن التاجر يمكن أن يخرجها عنه دون طلب منه مقابل انتفاعه بأجرة العامل، وذلك من باب المسامحة، فكأنما أخرج زكاة ماله ما دام لم يسلمه لصاحبه، أما إذا اشترط الأجير ذلك فلا يجوز؛ لشبهة الربا، فالزكاة تجب على صاحب المال سواء كان تاجرا ً أو أجيرا ما دام المال بلغ النصاب، ومن جهة أخرى قد تكون أجرة العامل دينا ً في ذمة التاجر فلا يجوز للأجير أن يطلب من التاجر فائدته، كأن ْ يتحمل عنه زكاة أجرته أو يدفع عنه ضريبة لزمته، فما يدفعه عنه هو بمثابة قرض جر منفعة وهو عين الربا والله أعلم. ّ :º°ù≤dGh ¿ÉªjC’G »a IOÉ©dGh ±ô©dG º«μëJ : k É©HGQ الإيمان على الإرادات والمقاصد » نص ابن بركة والعوتبي على أن ّ « والعادات مع تعلق الأسماء بمسمياتها(٢) . ويفيد هذا النص أن الأيمان مرد ّ ها إلى العادات الجارية في كلام الناس إذا غاب القصد من الحالف. وقد حك ّ م الإباضية العرف والعادة في كثير من الفروع الفقهية إذا تعذر معرفة نية الحالف وقصده، من ذلك: (١) بكلي عبد الرحمن: ٰ .١٦٢/ المرجع السابق، ١(٢) ٨٩/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .١٤/ ٩٠ . العوتبي سلمة بن مسلم الصحاري: كتاب الضياء، ٣ ١ في الحلف بالأكل والشرب: من حلف لا يأكل البيض ولا نية له » ما ذكره ابن بركة البهلوي أنلا يحنث بأكل بيض السمك؛ لأن عرف الناس وعاداتهم ومقاصدهم على « بيض الدجاج(١) . من حلف لا يأكل اللحم أكل » ومثله ما ذكره ابن جعفر الأزكوي أن الطري من السمك؛ لأن الذي عند العامة أن اللحم هو لحم الأنعام، وكذلك ّ الطير، ولحم الغيلم(٢) « والسمك، إلا أن يقصد إليه بعينه في يمينه(٣) . وإن حلف لا يأكل اللحم لم )» : وقال الثميني في النيل وأطفيش في شرحه يحنث إن أكل سمكا ً بالعرف والعادة) في أن اللحم غير السمك، وقد يكون السمك في ع ُ رف قوم وعادتهم لحما ً فيعترف كل أحد ع ُ رف نفسه (ولزمه بمقتضى اللفظ) عند من قال: اليمين على اللفظ، وإن حلف لا يأكل السمك حنث بالقاشع والكسيف وهما منه، وقيل لا. وقال أبو عبد الله (محمد بن محبوب :( من حلف على اللحم لا يأكل طري وخالفه ،« السمك، وقال في محل آخر: إن السمك ليس من اللحم إلا إن نواه والحق أنه منه لنص القرآن إلا » : القطب أطفيش واعتبره من أنواع اللحم، فقال إن نوى الحلف خروجه أو اعتاد أنه لا يسمى لحما ً أقل ما يكون به غير طري بل مالحا ً يوم وليلة، وزعم بعض أن من حلف عن لحم الغنم فأكل الظباء والوعل يحنث إن لم يعن غيرها بل أرسل، وزعم أن من حلف على لحم «... الشاة لا يحنث بالتيس إن أرسل(٤) . (١) .٨٩/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) الغليم: الضفدع. (٣) .٤٥٨/ ابن جعفر: الجامع، ٣(٤) ٣٠٥/ أطفيش: شرح كتاب النيل وشفاء العليل لعبد العزيز الثميني، ٤ - .٣٠٦ ٢ في الحلف بالسكنى والإقامة والطلاق: ولو حلف لا يسكن بيتا ً ، فكل بيت من حجر أو مدر يسكن فيه حنث، وإن سكن بيتا ً من شعر أو نحو ذلك لم يحنث؛ لأن البيوت المعروفة والمقصود (١) إليها هو ما ذكرنا؛ ولا اعتبار لتسميتها في القرآن بيوتا ً . ورد ابن بركة عمن احتج عليه في اعتبار المقاصد والعادات في الأشياء ّ فإن قائل، فإن الله تعالى سمى بيوتا » : دون النظر إلى مسمياتها في اللغة فقال ً ّ من غير ما ذكرت ﴿ ' ,+*)( ﴾ )النحل : ( ٨٠ ، قيل له: لو تركنا وما تقع عليه الأسماء في الأيمان لكان الحالف على أكل اللحم لا يأكل السمك إذ في القرآن تسمية السمك لحما ً ﴿ «¬¯® ° ³²± ﴾ )النحل : ( ١٤ ، وكذلك لو حلف لا يبيت تحت سقف لما كان إذا بات تحت السماء حنث لقوله جل ذكره ﴿ §¨ ª© ﴾ (الأ بن ياء : ٣٢ ( ، وكذلك لو حلف لا يبيت على فراش فبات على الأرض حنث لقوله الله تعالى: ﴿ |{zyx ﴾ )البقرة : ( ٢٢ ، فإنما الأيمان على «... المقاصد والعادات مع تعلق الأسماء بمسمياتها(٢) . ورد ّ فمن حلف على زوجته إن لم » : ابن جعفر على المعترضين عليه بقوله يطأها على وتد، فيطؤها على جبل، ولا حنث عليه؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ :9 ﴾ )النبأ : ( ٧ ، أي جعلناها، إلا أن يكون للحالف نية، وإن حلف إن لم يطأها على بساط فوطئها على الأرض، ولم يطأها على بساط فقيل: إنه بحنث؛ لأن البسط معروفة مع العامة، وهي ما يمكن أن يطأ زوجته عليها، والوتد والأوتاد لا يمكن أحدا ً أن يطأ زوجته على شيء منها، وقد سمى الله ّ الجبال أوتادا ً «... ، ولا يحنث إن وطئ على واحد منها(٣) . (١) .٨٩/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) ٨٩/ ابن بركة: المصدر نفسه، ٢ - .٩٠ (٣) .٤٦١/ ابن جعفر: الجامع، ٣ ومثله: لو حلف لا يكلم بني آدم فكل ّ م رجلا ً واحدا ً حنث؛ لأنه لا يقدر أن يكل ّ م بني آدم كل ّ هم، ولو قال: لا آكل الطعام ولا أتزوج النساء، فإن ّ ه يحنث في أقل ّ القليل من ذلك(١) . وإذا حلف لا يسكن دار فلان، فسكن شيئا ً منها، أو انهدمت وبقي موضع منها لم ينهدم فسكنه، فإنه يحنث، وقالوا أيضا ً فيمن حلف لا يدخل لفلان بيتا ً فمشى على ظهر بيته أنه لا يحنث. وكذلك من حلف لا يدخل بيت فلان، وله بيت من الطين فدخل قبة له، ّ فإن كان مرسلا ً ليمينه فدخل قبة له أو خيمة أو عريشا ً ، فإنه يحنث، فإذا أوقع ّ نيته على بيت من الطين لم يحنث إن دخل قبة، أو خيمة، أو عريشا ً ، وإن ّ حلف لا يدخل بيتا ً لم يدخل قبة ولا خيمة، ولا يدخل العريش، والعريش مثل ّ القبة(٢) . ولو حلف لا يقعد هذه الدار، فجلس على أطراف بنان رجله لا يحنث(٣) . ومن الصور التي ذكرها ابن جعفر في الأيمان التي لا يحنث فيها الحالف حسب العرف الجاري، لأنه حلف بالكل وفعل البعض أن: من حلف لا يلبس ثياب فلان، فلبس من ثيابه ثوبا ً واحدا ً ، فإنه لا يحنث إذا كان مرسلا ً ليمينه حتى يلبس من ثيابه ثلاثة أثواب ثم يحنث؛ لأن الثلاثة أقل الجمع. ومن حلف لا يعرف مال فلان، وكان يعرف بعضه، ولا يعرفه كله فنرجو أنه لا يحنث حتى يعرف كله. وكذلك إن حلف لا يحفظ القرآن، وهو يحفظ بعضه فلا يحنث؛ لأنه لم يحفظه كله. (١) .٩٠/ ابن بركة: الجامع، ٢(٢) ٤٤٨/ ابن جعفر: الجامع، ٣ - .٤٦٠ (٣) . مجهول: كتاب المعلقات، ص ٥٣ k :äGQÉØμdG »a :É°ùeÉN ومن حلف لا يصعد هذه النخلة، ثم صعد منها بعضها فقد حنث. وعن أبي علي (موسى بن علي ( 5 في رجل حلف لا يحلب شاة وأنه حلب بعضها، ثم ذكر يمينه فأمسك عن الحلب، قال لا يحنث حتى يحلبها كلها(١) . ومن الصور التي استدل بها ابن بركة على اعتبار العرف في الأيمان وتحكيمه ما ذكره في الحلف بالطلاق، أنه يحنث صاحبه خلافا ً للجمهور، إذ فإن قال لها أنت طالق إن لم أضرب فلانا » : يقول ً وهو ميت، حنث قال: والنظر ّ يوجب أن ّ ضرب الأموات من بني آدم وغيرهم ليس بضرب، وأن ّ حكم البشرية قد زال عنه عند الموت؛ لأن أيمان الناس على عرفهم وعاداتهم وما يقصدون به في أيمانه م، أن ّ الضرب لإدخال المكروه على المضروب، والألم الذي « يوجد مع الضرب(٢) . ولكن جمهور الإباضية خالفوه، وقالوا: إنه لا يحنث وحكمهم هذا يستند إلى الفعل الظاهر، دون مراعاة القصد والعرف المعمول به. ٣ في تقدير طعام المساكين في ا لكفارة. لم تحدد نصوص القرآن الكريم والسن ﱠ ة النبوية مقدار طعام المساكين في ﱡ كفارة اليمين والظهار والقتل الخطأ، بل ترك تقدير ذلك للعرف والعادة الجارية في الناس، ولذلك اختلف الفقهاء في تقديرها، وقد أجمع فقهاء الإباضية على أنه يلزم المطعم للمساكين في كفارة اليمين وغيرها بأكلتين مأدومتين على حسب المتوسط من عادة الناس في إطعام أهاليهم(٣) . (١) ٤٦٠/ ابن جعفر: الجامع، ٣ - .٤٦٣ (٢) .١٦٩ - ١٦٨/ المصدر نفسه، ٢(٣) .٩٨/ ابن بركة: الجامع، ٢ اتفق أصحابنا » : فقال ،« الجامع » وقد حكى ابن بركة هذا الإجماع في فيما تناهى إلينا عنهم أن على مطعم المساكين عن كفارة الأيمان والظهار أكلتين لكل واحد منهم غذاء وعشاء أو غذاء وعشاء، أو كيف ما أطعم الأكلتين في يوم أو يومين أو أكثر، والغذاء عندهم أول أوقاته طلوع الفجر الآخر إلى نصف النهار قبل الزوال، ثم العشاء أول أوقاته إذا زالت الشمس وآخر العشاء إلى ثلث الليل، ولا ينبغي لمن أراد ذلك أن يقرب بين الأكلتين ّ قصدا ً منه للنفع والربح المعجل، ولتكن رغبته وقصده فيما يتوفر عليه ثوابه عند الله، فإن قال قائل ممن يخالفنا: لم أوجبتهم الأكلتين وليس في الآية تكرار الطعام والأمر إذا ورد مطلقا ً وجب استعماله مرة واحدة إلا أن تقدم دلالة توجب التكرير؟ قيل له: قامت الدلالة من الكتاب والسن ﱠ ة، فأما من الكتاب فيقول الله: ﴿ ´ ﱡ ¶µ ¸¹ ﴾ )المائدة : ( ٨٩ . والمعتاد من طعام الناس لأهليهم في كل يوم أكلتان؛ لأن النادر من فعلهم إطعام أكلة، وثلاث أكلات؛ وأما ما فعله « الناس من عادتهم من إطعام لأهليهم: أكلتين(١) . وأما الدليل من السن ﱠ ة ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة وقد رآه في ﱡ إحرامه والقمل ينتثر من رأسه «؟ أيؤذيك هوام رأسك » فقال: نعم يا رسول الله، ّ قال: فاحلق شعر رأسك، وانسك بشاه، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة » « مساكين، كل مسكين نصف صاع(٢) . (١) .٩٩ ،٩٨/ ابن بركة: المصدر نفسه، ٢(٢) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية حديث: ٣٩٦٨ عن كعب بن عجرة 3 . ونص الحديث، قال: أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية والقمل يتناثر ﱠ على وجهي، فقال: «؟ أيؤذيك هوام رأسك » قلت: نعم، قال: فاحلق، وصم ثلاثة أيام، أو » « أطعم ستة مساكين، أو انسك ن سيكة . ومسلم، كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، حديث: ٢١٥٥ . قال ابن بركة معق ّ با ً : علمنا أن نصف الصاع هو للأكلتين؛ لأن العادة » « الجارية أن نصف صاع بر لواحد أكلتان(١) . ّ ويبدو أن ما ذهب إليه جمهور الإباضية في تقدير طعام المساكين في الكفارات ليس محل اتفاق بين جميع الفقها ء، فقد نقل ابن بركة اختلاف وإطعام المساكين في كفارة الأيمان والنذور » : الفقهاء في تحديد هذا القدر فقال أكلتين في اليوم عن اليمين الواحد والنذر الواحد لم أعلم خلافا ً بين علمائنا، وروي عن ابن سيرين أنه قال: تكفي أكلة مأدومة، وعن الحسن البصر ي، نحو ذلك أنه قال أكلة واحدة في اليوم تكفي، والأكلة الواحدة إذا كانت من عادة الإنسان في اليوم تسمى الوجبة، فقال: فلان يأكل الوجبة، وإن كان أكلة في ّ كل يوم مرة، وربما يسمونها الورمة، والذي من عادته أن يشرب في كل يوم «... مرة واحدة يقال يشرب العصيرة(٢) . عمن حل » وفي السياق نفسه سئل أبو سعيد الكدمي َ ف يمينا ً بالله وحنث ََ فيها وهو غني وطعامه البر وحده أو السمك وحده أو التمر وحده وهو في ّ موضع لا يقدر على الحب، بما يكف ّ ر هذا الحالف؟ ّ قال: فمعي؛ إنه يكف ّ ر بإطعام أهل بلده الذي عليه عامة غذاؤهم من جميع الأطعمة كما قال الله تعالى: ﴿ ´ ¶µ ¸¹ ﴾ )المائدة :( ٨٩ ، « ولا يكلف من الإطعام فوق ما يطيق(٣) . ويلاحظ أن أبا سعيد لم يجعل له حد ّ ا ً معينا ً في الإطعام، بل ترك ذلك ّ للعرف يحدده حسب ما تعارف الناس عليه في طعامهم وجرى عليه العمل في العادة محكمة » بلدهم؛ لأن .« (١) ٩٨/ ابن بركة: الجامع، ٢ - .٩٩ (٢) .١٠٨/ ابن بركة: الجامع، ٢(٣) .١٩٦/ الكدمي: الجامع المفيد، ٢ k :QhòædG »a :É°SOÉ°S سئل محمد بن إبراهيم الكندي عمن نذر على إنسان بشيء، هل هو للناذر أو المنذور عليه؟ هو على ما تجري به العادة من فعل الفاعل، فإن كان المتعارف بين » : قال الناس أنه يقصد به المفعول له على وجه الهبة والعطية فهو للمنذور عليه، وإن كان ذلك مما تجري به العادة أن ذلك شيء يبيحه الناذر لمن حضر المنذور، فهو على ذلك، ويجوز من ذلك ما جرت به العادة بين الناس ومضى « عليه التعارف (١) . (١) .١٠٣/ الكندي محمد بن إبراهيم: بيان الشرع، ج ٢٥ k :´ƒ«ÑdG »a :’hCG ذكر فقهاء الإباضية جملة من البيوع يتم التعامل بها بين الناس ويحكمها العرف والعادة من ذلك: ١ بيع ا لمعاطاة: وهو أن يأخذ المشتري السلعة من البائع ويسل ّ م له الثمن دون أن يتم ّ بينهما إيجاب وقبول، وهو أن يكون أحدهما يعني هذه السلعة بكذا فيقول الآخر قلبت، فيتم عقد البيع بالرضى، ويتم فيه تسليم الثمن والمثمن. ّ أجاز الإباضية بيع المعاطاة ومارسوه في معاملاتهم، فقد سئل يوسف بن أبي عمران بن زكرياء(١) عن رجل جاء إلى رجل يشتري سلعة، » (١) لن نقف على هذا الاسم ولعل الصواب هو موسى بن زكرياء المزاتي الزمريني (أبو عمران) (حي في: ٤٠٥ ه/ ١٠١٤ م) ووقع تصحيف في اسمه بفعل النساخ، وهو رأس من رؤوس العلم في زمانه، وهو من أهل تجديت، أو هو من زمرين. أخذ العلم عن أبي صالح بكر بن قاسم، وعن أبي القاسم يزيد بن مخلد الحامي. كان صاحب حلقة للعلم، ﱢ تخرج فيها تلامذة سادوا. وكان كل منهم منارة للعلم، ومن هؤلاء: أبو عبد الله محمد بن ﱠﱞ ﱠ بكر النفوسي (ت: ٤٤٠ ه) الذي درس عنده الفروع في قصطاليا، وكذا ابنه العالم المفتي أبو يعقوب يوسف. وكان أبو عمران أحد السبعة الذين أل ﱠ فوا ديوان العز ﱠ ابة في غار أمجماج بجربة، وكان رأس هؤلاء، فهو الذي خط ﱠ ه بيده فنسب إليه. والعزابة السبعة هم: جابر بن َﱠَ سدرمام، وكباب بن مصلح، وأبو مجبر توزين المزاتي، وأبو عمرو النميلي، وأبو محمد ﱠ عبد الله بن مانوج اللمائي، وأبو يحيى زكرياء بن جرنان النفوسي. والمصن ﱠ ف يقع في اثني تول » . عشر جزءا ﱠ ى نسخه أبو عمران لما خصه الله من جودة الخط ﱢ ، فنسب إليه التصنيف، ً َﱠ وليس له ما عليهم سوى فضل البنان، وإلا ﱠ فهو كأحدهم في فضل البنيان، شريك فيما ويعتبر ديوان العزابة من أقدم الموسوعات الفقهية. وله أقوال مأثورة، .« أودعوه شركة عنان = ﱠﱠ فقال: بكم هذا؟ فقال: بدينار، فقال له: خذ دينارك فأعطاه الدينار وأخذ « السلعة، فقال: ذلك جائز(١) . ويشير الراشدي إلى حقيقة بيع المعاطاة وحكمه عند الإباضية فيقول: ِ وفي المعاطاة: وهو إعطاء ذي سلعة مريدها ببيع وإعطاؤه الثمن بلا » َ « عقد(٢) . وذكر في الديوان » : وفي شرح النيل(٣) أنه إذا أراد الرجل أن يشتري شيئا ً من رجل، فليطلب إليه البيع، وإن باع له بلا طلب جاز وإن قال البائع: هاء « وهاء، جاز(٤) . ويبي ﱢ ن الراشدي معنى (هاء وهاء) وهو: خذ وآخذ فإحداهما بمعنى الماضي، والأخرى بمعنى المضارع(٥) . = تعل » : وحكم بليغة، فمن ذلك قوله مرارا في مجالس كثيرة ﱡ م حرف واحد من العربية كتعل ﱡ م ًﱠ ثمانين مسألة في علم الفروع، وتعل ﱡ م مسألة واحدة كعبادة ست ﱢ ين سنة، ومن حمل كتاب ً ا إلى ِ بلد لم يكن فيه ذلك الكتاب فكأن ﱠ ما حمل ألف حمل ٍ من الدقيق، وتصد ﱠ ق بها على أهل ذلك ؛٢٥٣ ،٢٤٢/ ينظر: أبو زكرياء: السيرة (ط. ت) ١ .« البلد. وهكذا في فضل العلم وطلبه ،٣٩١/٢ ؛١٦٩ ،١٦٠ ،١٥٩/ ٢٦٤ الدرجيني: طبقات، ١ ، ٣٥٢ (ط. ج) ٢٥٣ ،٢٨٤/٢ ٤٠٩ ،٤٠١ - ٤١١ البرادي: الجواهر المنتقاة، ٢٢٠ الشم ﱠ .١٤١ ،٧٤ ،٧٣/ اخي: السير، ٢ سالم بن يعقوب: تاريخ جربة، ٩٨ . دب ﱡ .٤١١ ،٣٩٧/ وز: تاريخ المغرب، ٣ (١) . مجهول: كتاب المعلقات، ص ٤٣ (٢) .١٥٣ - الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٥٢(٣) هناك ديوانان في الفقه عند الإباضية مشهورة عند المغاربة ديوان الغار، وقد أل ّ فه سبعة من علماء القرن الرابع الهجري في اثني عشر جزءا، وديوان الأشياخ، ويطلق عليه أيضا ً ديوان » ً وقد أل « العزابة ّ فه عشرة من علماء القرن الخامس الهجري، يوجد في خمسة وعشرين جزءا، ً والظاهر أنه هو المراد، لأن ّ ه موجود إلى اليوم، وأما الآخر فإنه مفقود (كما قيل). ينظر: بكلي عبد الرحمن بن عمر، تعليق على كتاب النيل وشفاء العليل، ط ٢، المطبعة العربية لدار الفكر ٰ ١٠٨٠/ الإسلامي، الجزائر، ١٣٨٩ ه/ ١٩٦٩ م، ٣ - ١٠٨١ بتصرف. (٤) .٢٠٤/ أطفيش: شرح النيل للثميني، ٨(٥) . الراشدي: جواهر القواعد، ص ١٥٣ وقد صرح الثميني أيضا ً بجواز هذا البيع مشيرا ً إلى أنه يجري التعامل به استنادا ً وقد جاز في العرف أن يأتي المرء بدراهم إلى » : إلى عرف الناس فقال خباز أو جزار أو غيرهما ويسلمها إليه من غير أن يقول له بع لي بها، فيقبضها الخباز أو نحوه منه ويسل ّ م إليه ما أراد من ذلك، فيتصرف كل بما أخذ من الآخر ويأكله وتطيب نفسه، كمبايعة العجم والصبيان بلا خطاب، وإن وجد من الصبيان فهو كعدمه، ويتم ذلك إذا تمم ولم يقع فيه ترافع إلى الحاك م، «... وهذا الباب طويل ومرجعه إلى التعارف وسكون القلب(١) . مجمل ا لقول: يبدو أن فقهاء الإباضية لم يمنعوا هذا البيع ما دام فيه تراض بين الطرفين، ولم يترتب عليه خلاف ولا نزاع من أحد العاقدين، وقد أصبح هذا البيع منتشرا ً في عصرنا ولم نعلم من العلماء من ينكره أو يحرمه، ما دام قد توفرت فيه شروط عقد البيع الصحيح. وقد سئل ابن بركة البهلوي عن حكم هذه البيوع فأجازها أيضا ً كما يستظهر قلت: فما تقول في هذه البياعات التي تجري بين العامة ممن يسلم » : من عبارته المشتري الدراهم إلى الثمار و