‫جميع الحقوق محفوظة‬ ‫‪ 1443‬هـ ‪2022 /‬م‬ ‫نشر وتـوزيـع‪:‬‬ ‫مكتبة خزائن اآلثار‬ ‫سلطنة ُعمان ـ بركاء‬ ‫نقال‪0096895510025 :‬‬ ‫الراعي اإلعالمي‪:‬‬ ‫موقع بصيرة اإللكتروني‬ ‫موسوعة إلكترونية في العلوم اإلسالمية‬ ‫العلمة أحمد بن حمد الخليلي‬ ‫لسماحة الشيخ اَّ‬ ‫المفتي العام لسلطنة ُعمان‬ ‫للتواصل‪www.baseera.net :‬‬ ‫‪5‬‬ ‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والس�لام على رسوله الكريم وعلى آله‬ ‫وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫أما بعد‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫فقد جاء في مقدمة كتاب (تحفة األعيان) لإلمام نور الدين السالمي ‪5‬‬ ‫ما نصه‪« :‬أما بعد‪ :‬فإن��ه ال يخفى على عاقل أن عل��م التاريخ مما يعين على‬ ‫االقتداء بالصالحين‪ ،‬ويرشد إلى طريقة المتقين‪ ،‬ألن فيه ذكر أخبار من مضى‬ ‫من صالح وطالح‪ ،‬فإذا سمع العاقل أخبار الصالحين اشتاقت نفسه إلى اقتفاء‬ ‫آثارهم‪ ،‬وإذا س��مع أخبار الطالحين أشفقت نفسه أن يكون من جملتهم فتراه‬ ‫بذلك يقتفي آثار من صل��ح‪ ،‬ويتجنب أحوال من طلح‪ ،‬فيجاهد نفس��ه حق‬ ‫الجهاد‪ ،‬فيس��تحق بذلك من اهلل العون والتوفي��ق لقوله عز من قائل ﴿ ڻ‬ ‫ڻ ڻ ڻ ۀۀ ہ ہ ہ ہ ﴾ [العنكب��وت‪ ،]٦٩ :‬وحي��ث كان‬ ‫العدل وس��يرة الفضل في ُعمان أكثر وجود ًا بعد الصحابة من سائر األمصار‪،‬‬ ‫تشوقت نفسي إلى كتابة ما أمكنني الوقوف عليه من آثار أئمة الهدى ليعرف‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪6‬‬ ‫س��يرتهم الجاهل بهم‪ ،‬وليقتدي بها الطالب ألثرهم‪ ،‬م��ع قلة المادة في هذا‬ ‫الباب إذ لم يكن التاريخ من شغل األصحاب بل كان اشتغالهم بإقامة العدل‬ ‫وتأثير العلوم الدينية‪ ،‬وبيان ما ال بد من بيانه للناس‪.(((»...‬‬ ‫وجاء في مقدمة كتاب (الكامل في التاريخ) البن األثير ما نصه‪« :‬ومنها‪:‬‬ ‫ومن إليهم األمر والنهي إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل الجور‬ ‫أن الملوك َ‬ ‫والعدوان ورأوها مدونة في الكتب يتناقلها الناس‪ ،‬فيرويها خلف عن سلف‪،‬‬ ‫ونظروا إلى ما أعقبت من س��وء الذك��ر‪ ،‬وقبيح األحدوث��ة‪ ،‬وخراب البالد‪،‬‬ ‫وهالك العباد‪ ،‬وذهاب األموال‪ ،‬وفساد األحوال‪ ،‬استقبحوها‪ ،‬وأعرضوا عنها‬ ‫واطرحوها‪ .‬وإذا رأوا س��يرة الوالة العادلين وحس��نها‪ ،‬وما يتبعها من الذكر‬ ‫َّ‬ ‫الجميل بع��د ذهابهم‪ ،‬وأن بالده��م وممالكه��م عمرت‪ ،‬وأمواله��ا َد ّرت‪،‬‬ ‫استحسنوا ذلك ورغبوا فيه‪ ،‬وثابروا عليه وتركوا ما ينافيه»(((‪.‬‬ ‫وألجل أخذ العظات والعبر من أحداث الس��ابقين‪ ،‬وحتى يس��تفيد منها‬ ‫أبناء الحاضر واآلت��ون من بعدهم من البش��ر‪ ،‬كان النظر ف��ي تاريخ الناس‬ ‫الغابرين مجاالً تصرف فيه األوقات‪ ،‬ويس��هر على تبويب��ه والكتابة فيه أهل‬ ‫الهمم الذين يس��عون دائم ًا لربط حلقات تاريخ اإلنس��انية إل��ى أن يرث اهلل‬ ‫األرض ومن عليها‪.‬‬ ‫ولقد توارثت أمم س��طح هذه األرض‪ ،‬وشقت طريقها صوب دار الجزاء‬ ‫لتأتي من بعدها أمم من البشر بأخالق ومبادئ وقيم تكون هي الموجهة لها‬ ‫عند عمارة هذا الكوكب‪ ،‬فصالح اإلنسانية مرهون بصالح مبادئها التي تهيمن‬ ‫على حياة الناس‪ ،‬والمبادئ الصالحة ليس��ت مما تنتجه عقول عظماء األمم‬ ‫تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،4‬ومما قاله الشيخ السالمي ‪« : 5‬وأهل عمان ال يعتنون بالتاريخ‬ ‫(((‬ ‫فلذلك غابت عنا أكثر أخبار األئمة فكيف بأخبار غيرهم» (تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.)353‬‬ ‫الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.7‬‬ ‫(((‬ ‫‪7‬‬ ‫ةمدقم‬ ‫وقادتها‪ ،‬ولكنه��ا مما يدركه الناس من تعاليم النب��وات التي َم َّن اهلل بها على‬ ‫البشر ألخذهم صوب الصالح واإلصالح‪.‬‬ ‫ومن هنا ظهر للجميع مقاييس األخالق وموازين األعمال الصالحة التي‬ ‫ينبغي للبشر التس��ابق في تطبيقها لنيل الدرجات العالية في سعيهم في هذه‬ ‫الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫وألجل الرغبة في تقصي أخبار العاملين السابقين‪ ،‬تتبع أصحاب الرؤية‬ ‫الثاقبة أطوار التاريخ فوجدوا البشر بين سائر على منهاج اهلل‪ ،‬وبين مخالف هلل‬ ‫ورسله في أفهامه وأعماله‪.‬‬ ‫وحقيقة منهجية ال بد لكل قارئ أن يدركها‪ ،‬وهي أن س��لوكيات األفراد‬ ‫والجماع��ات في واقع الحياة ُتع��د من مصادر التاريخ وق��د فضلها كثير من‬ ‫المس��لمين على التدوين وإن كان كالهما ـ أقصد تطبي��ق المبادئ في واقع‬ ‫الحياة وتدوين األحداث ـ ذا أهمية في الكتابة التاريخية‪.‬‬ ‫وقول الشيخ الس��المي‪« :‬لم يكن التاريخ من ش��غل األصحاب بل كان‬ ‫اش��تغالهم بإقامة العدل» قد فس��ره الدكتور فاروق عمر ف��وزي بقوله‪« :‬ألن‬ ‫المسلمين كما ذكرنا سابق ًا عبروا عن فكرهم السياسي من خالل الممارسات‬ ‫واألح��داث التي قام��وا بها‪ ،‬فالح��دث التاريخ��ي فيه خزين م��ن األفكار‬ ‫السياس��ية‪ ...‬وعلى الباح��ث معرفة دالالت ه��ذه األحداث بالنس��بة للفكر‬ ‫السياس��ي وما تعنيه من مغازي سياس��ية»(((‪ .‬فالشيخ الس��المي ‪ُ 5‬ي َذ ِّكر‬ ‫الجميع ممن يري��د أن يكتب أو يقرأ في كتب التاري��خ أن يضع نصب عينيه‬ ‫المقياس الحق عند تتبع األحداث التاريخية قبل الوثوق بها واالعتماد عليها‬ ‫عند الحكم على الناس‪.‬‬ ‫((( المثالية والواقعية في تاريخ الفكر السياسي عند المسلمين‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪8‬‬ ‫فالتاريخ في ذاته يرس��م لألمم واألف��راد منهاج حياة؛ له��ذا قال اإلمام‬ ‫الس��المي‪ ... « :‬وإن للتاريخ فضالً عظيم ًا ال يقدر قدره‪ .(((»...‬فكم من أناس‬ ‫اعتبروا بغيرهم حينم��ا تتبعوا أحوال الس��ابقين فأخذوا من س��يرهم ما فيه‬ ‫س�لامتهم‪ ،‬وتجنبوا ما كانوا عليه من مفاسد في العقيدة واألخالق‪ .‬وهذا هو‬ ‫الهدف األس��اس الذي ركز عليه القرآن الكريم في آياته البينات حينما أرشد‬ ‫الناس قاطبة إلى الس��ير في األرض والوقوف على آث��ار الماضين وقصص‬ ‫الغابرين‪.‬‬ ‫ولس��ت في هذا المقام مضيف ًا على ما س��طرته أنامل علماء اإلسالم عن‬ ‫أهمية دراسة التاريخ‪ ،‬فقد كانت كتاباتهم عبر القرون الماضية دعوة إلى ترسم‬ ‫خطى الصالحين‪ ،‬ونجد تأس��فهم عل��ى فقدان حلقات من سلس��لة أحداث‬ ‫الماضين‪ ،‬والت��ي بفقدانها فقدت أجيال المس��لمين المتالحق��ة صور ًا زكية‬ ‫لتاريخ رجال كانوا في أوس��اط قرونهم مصاحف تمشي على وجه األرض‪.‬‬ ‫ومع فقدان التاريخ لبعض حلقاته فإن فيما تبقى من سلس��لته العبر والعظات‬ ‫امتث��االً لقوله تعال��ى‪ ﴿ :‬ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ‬ ‫ڤ ﴾ [ق‪.]٣٧ :‬‬ ‫واألخبار التي وصلت إلينا ال بد أن ُتعرض عل��ى المنهج العلمي الذي‬ ‫وي َق ِّيم األشخاص واألحداث بميزان شرع اهلل تعالى‪.‬‬‫يضع األمور في نصابها ُ‬ ‫قال اإلمام الس��المي عند تقييمه لبعض الروايات التاريخي��ة‪« :‬هذا من كالم‬ ‫ابن رزيق إال ما كان م��ن إصالح في لفظ��ه وحذف لبعض��ه ألجل إصالح‬ ‫التركيب ولم نجده مأثور ًا في غيره فاهلل أعل��م بصحته‪ ،‬وال يرضون الكذب‬ ‫وإنما نخاف التس��اهل في النقل فقد رأينا بعض الن��اس يأخذون األخبار من‬ ‫لس��ان العامة ثقة بهم ولس��نا ممن يثق بالعامة فإن غالبهم لي��س ضابط ًا أو‬ ‫تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.280‬‬ ‫(((‬ ‫‪9‬‬ ‫ةمدقم‬ ‫أكثرهم ال يحس��ن النقل‪ .‬واهلل أعلم بحقيقة األمر»(((‪ .‬وق��ال أيض ًا‪ ... « :‬كذا‬ ‫وجدته في سيرة متقطعة من أولها وال تخلوا من تخليط‪.(((»...‬‬ ‫وقال اإلمام السالمي ‪ 5‬إثر مناقشته لرواية جاءت في كامل ابن األثير‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬هذا حاصل قضية دبا من الكتب العمانية وهم أعرف بحالهم وبما عليه‬ ‫أوائلهم‪ .‬وال يصح ما ذكره ابن األثي��ر في كامله((( حيث قال‪ :‬وأما عمان فإنه‬ ‫نبغ بها ذو التاج لقيط بن مالك األزدي وكان يس��مى في الجاهلية الجلندى‪.‬‬ ‫قال وادعى بمثل ما ادعى من تنبأ وغلب على عمان مرتدا»(((‪.‬‬ ‫وقال اإلمام السالمي أيض ًا‪ ... « :‬انتهى كالم ابن األثير وكله باطل ال أصل‬ ‫له‪ .‬واهلل أعلم»(((‪.‬‬ ‫وعلق اإلمام الس��المي على الرواية التي ذكرها ابن األثير والتي تحدثت‬ ‫عن الحروب بين اإلمام حفص بن راشد وعمال بني العباس‪ ،‬حيث قال‪« :‬فما‬ ‫ذكره ابن األثير تخليط في الرواية»(‪.((1‬‬ ‫وقال الشيخ أبو إسحاق تعليق ًا على ما ذكره ابن األثير من روايات‪« :‬كمل‬ ‫لك اليقين في الحكم على هذا التش��ويه التاريخي وعلى أهله»(‪ .((1‬وبعد أن‬ ‫ذكر اإلمام الس��المي الرواية التي نقلها ابن األثير(‪ ((1‬ع��ن اجتماع الزنج في‬ ‫تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪ 158‬ـ ‪.159‬‬ ‫(((‬ ‫تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪ 168‬ـ ‪.169‬‬ ‫(((‬ ‫انظر (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪ 372‬ـ ‪.)373‬‬ ‫(((‬ ‫تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.72‬‬ ‫(((‬ ‫تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.73‬‬ ‫(((‬ ‫تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.319‬‬ ‫(‪((1‬‬ ‫تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬هامش ص ‪.320‬‬ ‫(‪((1‬‬ ‫(‪ ((1‬انظر (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ 646‬ـ ‪.)647‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪10‬‬ ‫عمان وحروب عضد الدولة للش��راة‪ ،‬قال اإلمام الس��المي‪« :‬هذا كالمه واهلل‬ ‫أعلم بصحته»(‪ .((1‬وفي هذا البحث أقوال لعلماء ومفكرين كلها تدعو إلى تتبع‬ ‫األخبار المنسوبة إلى الناس‪ ،‬ووزنها بميزان النقد العلمي قبل االحتجاج بها‪.‬‬ ‫والذي لفت انتباهي إلى كتاب (الكامل في التاريخ) ـ وجعلني أستخلص‬ ‫منه المنهج القيم‪ ،‬وأتعرف على المس��لك المتناقض الذي سلكه ابن األثير ـ‬ ‫هو ما وجدت��ه في كتاب (تحفة األعي��ان)(‪ ((1‬من إش��ارات وتعليقات لإلمام‬ ‫السالمي (المؤلف) وللشيخ أبي إسحاق اطفيش (المحقق)‪.‬‬ ‫فوقفاتن��ا المنهجية عند أقوال اب��ن األثير وغيره من ُكتَّ��اب التاريخ فيها‬ ‫إثبات وبيان صدق العبارات التي س��جلها اإلمام الس��المي والشيخ اطفيش‬ ‫ـ رحمهما اهلل تعالى ـ في تعليقاتهما على روايات ابن األثير عن عمان وأهلها‪،‬‬ ‫وهي كذلك توصيف للواقع المعيش في هذا العصر والذي قال عنه الدكتور‬ ‫فاروق عمر فوزي‪« :‬وقد أخطأ قس��م من مؤرخي الفرق المحدثين حين قبلوا‬ ‫الروايات دون تمييز بين مصدرها ورواتها ووقتها ولذلك وقعوا في تناقضات‬ ‫كثيرة فيما كتبوه عن الفرق»(‪.((1‬‬ ‫رأيت أن أضع كتاب (الكامل في التاريخ) البن األثير هو المرجع‬ ‫ُ‬ ‫هذا؛ وقد‬ ‫في رس��م محاور هذا البحث لما يحويه الكتاب من مختصرات للكتب السابقة‬ ‫عليه‪ ،‬ولكونه مرجع ًا تاريخي ًا لمن أتى من بعده من الكتاب‪ ،‬وكذلك لما يحويه‬ ‫هذا الكتاب من مناهج ينبغي األخذ بها‪ ،‬وما يجعله ش��عار ًا لمس��لك كثير من‬ ‫الكتَّاب الذين تناقضت أقوالهم وأفعالهم على صفح��ات مؤلفاتهم‪« .‬وعلى أية‬ ‫ُ‬ ‫(‪ ((1‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.286‬‬ ‫(‪ ((1‬تحفة األعي��ان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،65‬فقد قال اإلمام الس��المي ‪« : 5‬وفي كام��ل ابن األثير‪.»...‬‬ ‫وتحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،66‬حيث قال أيض ًا‪« :‬وذكر ابن األثير في كامله أيض ًا‪.»...‬‬ ‫(‪ ((1‬المثالية والواقعية في تاريخ الفكر السياسي عند المسلمين‪ ،‬ص ‪.422‬‬ ‫‪11‬‬ ‫ةمدقم‬ ‫حال فقد كسب الرجل احترام القارئ وتقديره حينما أعلن في ختام مقدمته‪ :‬أنه‬ ‫مقر بالتقصي��ر‪ ،‬وأن ما يجهله أكثر مما يعلم!! رغم أنه ق��دم للمكتبة التاريخية‬ ‫مؤلف ًا ليس ثمة ما هو أشمل منه في مصادرنا التاريخية على اإلطالق»(‪.((1‬‬ ‫وعلينا جميع ًا أن نعل��م أن المبادئ والقيم التي ينبغ��ي التحلي بها عند‬ ‫القراءة والكتابة ليست موجهة لفرد أو مجموعة أو جيل بعينه‪ ،‬بل هي دعوة‬ ‫خالدة أتى بها اإلسالم ودعا إليها المس��لمون من كل المذاهب وعبر القرون‬ ‫المتطاولة‪ .‬فكما أنني ـ وهلل الحمد والمنة ـ استفدت منها فأحسب أن كل من‬ ‫أراد الحق لنفسه وألمته ال بد أن يأخذ من كتب المسلمين قاطبة ـ إذا أحسن‬ ‫اتباع المنهج وخلصت عنده النوايا ـ نصيبه األوفى‪.‬‬ ‫فالدعوة الصادقة إلى تحري الصدق عند كتابة تاريخ الجماعات واألفراد‬ ‫تعد من األمور التي ال يختلف حولها المس��لمون‪ ،‬ونح��ن حينما ننظر إلى‬ ‫المنهج اإلس�لامي السليم نجده ُمشَ �� َّيد على أس��س وثيقة وركائز مستقيمة‪،‬‬ ‫والتي منها‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ «ف��إذا كان الخبر متعلق ًا بأحكام ش��رعية أو زمن الفت��ن بين الصدر‬ ‫األول‪ ،‬أو مسائل عقدية‪ ،‬فال بد أن يكون هذا الخبر التاريخي موثق ًا صحيح ًا‬ ‫عل��ى موازين أهل الحدي��ث في تصحيحه��م األخبار‪ ،‬وال يقب��ل فيه الخبر‬ ‫الضعيف»(‪.((1‬‬ ‫‪ 2‬ـ «إنما يدرس التاريخ في ميزان العق��ل والمنطق‪ ،‬وذلك ال يكون إال‬ ‫بالرجوع إلى المصادر‪ ،‬والس��ماع من كل األط��راف‪ ،‬حتى إذا صدر الحكم‪،‬‬ ‫يكون عادالً أو قريب ًا من العدل»(‪.((1‬‬ ‫(‪ ((1‬حول إعادة كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫(‪ ((1‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪.36‬‬ ‫(‪ ((1‬أباطيل يجب أن تمحى من التاري��خ‪ ،‬ص ‪ 283‬ومما قاله الدكتور إبراهيم ش��عوط أيض ًا‪= :‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪12‬‬ ‫‪ 3‬ـ «أن معظم مؤرخينا القدماء كانوا يوردون كل خبر منسوب ًا إلى راويه‬ ‫ليعرف القارئ قوة الخبر عن طريق معرفة رواته الثقات‪ ،‬أو ضعف الخبر الذي‬ ‫ينقل��ه رواة ال يوثق بهم‪ ،‬وبذلك ي��رى أولئك المؤرخون أنه��م أدوا األمانة‬ ‫ووضعوا بين أيدي القراء كل ما وصلت إلي��ه أيديهم‪ ...‬أما األحفاد‪ ،‬والحال‬ ‫هذه‪ ،‬فإن الطريق أمامهم أكثر اتس��اع ًا وهم يس��عون لع��رض وقائع تاريخنا‬ ‫اإلس�لامي‪ ،‬وإعادة تركيبها وفق منهج يمكنهم أكثر من االقتراب من الحقيقة‬ ‫التاريخية»(‪.((1‬‬ ‫وأخيراً‪ ،‬فإن هذا البحث جاء استجابة لدعوة الشيخ سلطان بن مبارك بن‬ ‫حمد الش��يباني الذي س��اهم في تعريف العالم بأمج��اد اإلباضية في مجال‬ ‫��ط ْرها الدفاتر‪ ،‬ولم تش��تغل‬ ‫��د أ ّن صنائعهم َلم ُت َس ِّ‬ ‫«ب ْي َ‬ ‫التأليف‪ ،‬حي��ث قال‪َ :‬‬ ‫ْ‬ ‫بتقييدها المحابر‪ ،‬فغاب عنا من أخبارهم شيء نحسبه كثيرا‪ ،‬وبقي غيض يدل‬ ‫على أن وراءه فيض ًا غزيراً‪ .‬على أنا إن تلمس��نا العذر لمن تقدم فليس ألبناء‬ ‫هذا الجيل عذر يتش��بثون به‪ ،‬وال تنهض لهم حجة تبرر له��م تخاذلهم عن‬ ‫تدوين سيرة أسالفهم‪ ،‬وال يفس��ر هذا الموقف منهم سوى أنه إقرار بضعفهم‬ ‫أمام خصمهم‪ ،‬وتشجيع ألصحاب األقالم الزائفة والمغرضة أن تطغى كتابا ُتهم‬ ‫على الساحة‪ ،‬وتعشش أفكارهم في عقول الناس»(‪ .((2‬واستجابة كذلك لدعوة‬ ‫«ولعل الدكتور طه حسين راعه أسلوب تلك الخطابات المتبادلة فبنى عليها أحكامه ورتب‬ ‫=‬ ‫نتائج��ه‪ ،‬دون أن يكلف نفس��ه ما يتكلفه أي قاض نزي��ه‪ ،‬من تح��ري العدالة‪ ،‬وفحص‬ ‫األس��انيد‪ ،‬ومناقش��ة الش��هود‪ ،‬حتى إذا حكم كان حكمه قد أصاب الواقع أو قريب ًا منه»‬ ‫(أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ‪ ،‬ص ‪ .)241‬وقول��ه أيض ًا‪« :‬ومع ذلك‪ ،‬فإن المؤرخين‬ ‫المحدثين‪ ،‬لم يمحصوا هذه الروايات‪ ،‬بل يذكرونها على عالتها‪ ،‬دون أن يظهروا للناس‬ ‫فسادها» (أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ‪ ،‬ص ‪.)172‬‬ ‫(‪ ((1‬حول إعادة كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ 28‬ـ ‪.29‬‬ ‫(‪ ((2‬في موكب اإلصالح‪ ،‬ص ‪.89‬‬ ‫‪13‬‬ ‫ةمدقم‬ ‫َّاب اإلباضية‬ ‫الكت َ‬ ‫الدكتور محمد بن قاس��م ناصر بوحجام الذي قال‪« :‬ينتظر ُ‬ ‫وجهد أكب��ر‪ ،‬لتغيير نظرة الناس إل��ى مذهبهم‪ ،‬وتصحيح بعض‬ ‫ٌ‬ ‫عمل كبير‪،‬‬ ‫المفاهيم‪ .‬فيجب أن تتظافر في س��بيل تحقيق ذلك جهات متعددة‪ ،‬وتتساند‬ ‫جوانب كثيرة»(‪.((2‬‬ ‫✾ ✾✾‬ ‫(‪)2‬‬ ‫لقد استبدت أقوال الضعفاء ـ شئنا ذلك أم أبينا ـ بأفهام الخاصة والعامة‬ ‫من أبناء األمة اإلسالمية‪ ،‬حتى أصبحت بقوة جبروتها ال تنالها عدالة المنهج‬ ‫الحق‪ ،‬وصارت باستبدادها بعقول الناس فوق الميزان الثابت‪.‬‬ ‫الكتَّاب قولة هارون الرشيد المشهورة‪( :‬إنما العاجز من‬ ‫لقد ترجم بعض ُ‬ ‫ال يس��تبد)(‪ ((2‬وقولة حفي��ده الواثق‪( :‬ص��دق واهلل جدي‪ ،‬إنم��ا العاجز من‬ ‫ال يس��تبد) في واقع كتاباتهم ونقلهم ألقوال بعضهم لبعض‪ ،‬وتكاثفت تلك‬ ‫األقوال الضعيفة بحيث أصبح الناس ال يرون إال تلك الروايات التي ال قيمة‬ ‫لها في موازين اإلسالم‪.‬‬ ‫ولقد أجاد عالم النفس الفرنسي‪ ،‬غستاف لوبون‪ ،‬في وصفه آلثار استبداد‬ ‫الكتَّاب والحكام على الجماهير حين قال‪« :‬إن االستبداد والتعصب يشكالن‬ ‫ُ‬ ‫بالنس��بة للجماهير عواطف واضحة جداً‪ ،‬وهي تحتملها بنفس السهولة التي‬ ‫(‪ ((2‬مالحظات حول تاريخنا القديم ـ كيف ندرسه وكيف نحققه‪ ،‬ص ‪ 34‬ـ ‪.35‬‬ ‫(‪ ((2‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪ ،11‬أصل هذه العبارة من بيت شعر قاله عمر بن أبي ربيعة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت أ َ ْنفُ َس�� َنا م َّم��ا َتجِ ْ‬ ‫��د‬ ‫َو َش َ‬ ‫��ف ْ‬ ‫��دا أ َ ْن َج َز ْت َن��ا َم��ا َت ِع ْد‬ ‫��ت ه ْن ً‬‫َل ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‌ال ‌ي ْس�� َتبِ ْد‬ ‫��ن َ‬ ‫ِإنَّ َم��ا ا ْل َعاج ُ‬ ‫��ز ‌م ْ‬ ‫����د ًة‬ ‫����ر ًة َواح َ‬‫ت َم َّ‬ ‫���ب َّ‬ ‫���د ْ‬ ‫اس��� َت َ‬ ‫َو ْ‬ ‫(ديوان عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬ص ‪.)101‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪14‬‬ ‫تمارسها‪ .‬فهي تحترم القوة وال تميل إلى احترام الطيبة التي تعتبرها شكالً من‬ ‫أش��كال الضعف‪ .‬وما كانت عواطفها متجه��ة أبد ًا نحو الزعم��اء الرحيمين‬ ‫والط ِّيبي القلب‪ ،‬وإنما نحو المستبدين الذين سيطروا عليها بقوة وبأس‪ ...‬إن‬ ‫نمط البطل العزيز على قل��ب الجماهير هو ذلك الذي يتخ��ذ هيئة القيصر‪.‬‬ ‫فخيالؤه تجذبها‪ ،‬وهيبته تفرض نفسها عليها‪ ،‬وسيفه يرهبها»(‪.((2‬‬ ‫ويقول األستاذ الدكتور عبد الكريم بكّ ار في كالم بليغ‪« :‬والدعاية عبارة‬ ‫عن محاولة للتأثير في عقول الجماهير ونفوس��هم والسيطرة على سلوكهم‪.‬‬ ‫وبما أن التفكير نوع من ت��ردد العقل في ظاهرة ما‪ ،‬ف��إن مهمة الدعاية هي‬ ‫تقصير أمد ذلك الت��ردد‪ ،‬وتضييق دوائر إعمال العق��ل‪ .‬والدعاية تتكامل مع‬ ‫االس��تبداد في أكثر األحيان حيث يغلق المس��تبد كل مصادر المعلومات من‬ ‫الخارج ويخنقها في الداخل‪ ،‬ليفس��ح المجال أمام ما يريد بثه من أفكار عن‬ ‫طريق الدعاية»(‪.((2‬‬ ‫ولقد درج الناس في فهم االستبداد على أنه وس��يلة أصحاب السلطات‬ ‫الجائرة الضعاف الشعوب الكادحة‪ ،‬بيد أن الواقع يؤيد أن االستبداد هو أداة‬ ‫يفرضها كل من يرى لنفس��ه النرجسية قدم س��بق وعلو منزلة على األحرار؛‬ ‫فيس��عى إلى التنمر عليهم وإمالء ما تش��رب به عقله من أفكار بكل وسائل‬ ‫التزيين واالحتيال واخت�لاب العقول‪ ،‬ولو كلف ذلك الني��ل من هيبة العلم‬ ‫والعدالة واإلنصاف‪.‬‬ ‫فالقارئ يتساءل‪ :‬كيف تسربت األفكار الضعيفة إلى بطون الكتب من غير‬ ‫رادع لها؟‪ ،‬وكي��ف تمكن الكذاب��ون والضعفاء من فرض اس��تبدادهم على‬ ‫(‪ ((2‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫(‪ ((2‬فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪.225‬‬ ‫‪15‬‬ ‫ةمدقم‬ ‫العقول المس��لمة‪ ،‬حتى أصبحت األفهام ال تتداول إال ما أملته أفواه الواقدي‬ ‫وسيف بن عمر التميمي وأضرابهما؟‬ ‫نعم لقد تسربت أقوال الضعفاء إلى أفهام الناس واستبدت بعقولهم‪ ،‬ولن‬ ‫تتخلص العقول من هذا االس��تبداد الموروث إال بتطبيق مناهج البحث على‬ ‫كل رواية‪ ،‬وعندها ستتحرر األقالم من هيمنة األقوال الباطلة التي فرقت األمة‬ ‫شيع ًا وأحزاب ًا‪.‬‬ ‫وأصحاب األقوال التي ضعفها المنهج اإلس�لامي قد تتاح لهم الفرصة‬ ‫ليستبدوا ويستأسدوا إذا وجدوا من القراء من يأخذ عنهم ويعينهم على تكبيل‬ ‫عقولهم؛ فبقاء الكذابين مرهون بوجود من يصدق أباطيلهم ويسعى لالحتجاج‬ ‫بها في ساحات العلم والمعرفة‪.‬‬ ‫ولقد علم الكذاب��ون أن هناك من يصدقهم‪ ،‬فلهذا كذبوا وكثر من س��ار‬ ‫بأكاذيبه��م!!‪ ،‬وال أرى لقوافلهم نهاي��ة ألنه صراع دائم بي��ن الحق والباطل‬ ‫والصدق والكذب‪.‬‬ ‫إن الكذابين وكل الذين وضعوا األباطيل في التاريخ لفي عجب من أمر‬ ‫مصدقيهم والناش��رين ألكاذيبهم‪ ،‬وعجبهم أشد من عجب الذين عرفوا الحق‬ ‫واتبعوه‪ .‬فالذين عرفوا الحق من مصادره يس��عون لنش��ره ويسعون إلى بيان‬ ‫مواقع الباطل ويح��ذرون الناس منه‪ ،‬فعجبهم ال يتجاوز الحس��رة على حال‬ ‫أناس ُيراد لهم الحق والصدق ولكنهم ال يلتفتون إليه‪.‬‬ ‫وأما الكذابون فيعجبون من تلك العق��ول التي تصاغرت ألكاذيبهم التي‬ ‫تضع حامليها ومعتقديها في دركات الجهل بالحقيقة‪ .‬فهم ـ أقصد الكذابين ـ‬ ‫في نش��وة من أمرهم حينما ي��رون باطلهم وقد تحكم ف��ي العقول وطم في‬ ‫األوساط المثقفة عبر القرون‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪16‬‬ ‫ويجترئ الكذابون في أقواله��م ألجل معاداة الحق‪ ،‬فه��م حينما تخلوا‬ ‫أيديهم من البراهين فإنهم يسعون لنشر روايات ال قيمة لها ويبثون فيها أخبار ًا‬ ‫باطلة‪ ،‬ويقومون على طمس معالم الحقيقة بتجاهل الحق وأهله‪ ،‬ألن في عالم‬ ‫الكذب «تعمد فاضح ومكشوف لتجاوز الضوابط والقيود والتعدي عليها في‬ ‫سبيل اإلضرار باآلخر»(‪.((2‬‬ ‫وكثير من الناس الصادقين قد تعرض لهم بالس��وء من ح��اول طمس أنوار‬ ‫وجودهم‪ ،‬وخير دليل على ذلك ما قاله الناس في سعد بن أبي وقاص ‪ ƒ‬حسب‬ ‫الرواية التي نقلها ابن األثير في كامله(‪ .((2‬وكذلك اإلمام محمد بن جرير الطبري‪،‬‬ ‫على جاللة منزلته العلمية‪ ،‬فإنه لم يسلم من األذى؛ فقد ادعوا عليه باإللحاد(‪.((2‬‬ ‫ونقل الدكتور محمد بن موس��ى الش��ريف عن تاج الدي��ن عبد الوهاب‬ ‫السبكي قوله‪« :‬فإن أهل التاريخ ربما وضعوا من أناس ورفعوا أناس ًا لتعصب‪،‬‬ ‫أو لجهل‪ ،‬أو لمجرد اعتماد على نقل َمن ال يوثق به‪ ،‬أو غير ذلك من األسباب‪،‬‬ ‫والجهل في المؤرخين أكثر منه في أهل الج��رح والتعديل‪ ،‬وكذلك التعصب‪،‬‬ ‫وق َّل أن رأيت تاريخ ًا خالي ًا من ذلك»(‪ .((2‬ونقل عن��ه أيض ًا‪« :‬المؤرخون‪ ،‬وهم‬ ‫على شفا جرف هار؛ ألنهم يتس��لطون على أعراض الناس‪ ،‬وربما نقلوا مجرد‬ ‫(‪ ((2‬الحدود بين حرية التعبير واإلساءة إلى اآلخر‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫(‪ ((2‬نقل ابن األثير‪« :‬وقال س��عد‪ :‬إني ألول رجل أهراق دما من المش��ركين‪ ،‬ولقد جمع لي‬ ‫رس��ول اهلل‪ ،‬ژ ‪ ،‬أبويه وما جمعهما ألحد قبلي‪ ،‬ولقد رأيتني ُخمس اإلس�لام‪ ،‬وبنو أسد‬ ‫تزعم أ ّني ال أُحسن أصلي وأن الصيد يلهيني» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.)6‬‬ ‫(‪ ((2‬ذكر ابن األثي��ر ما نصه‪« :‬دفن ً‬ ‫ليال ب��داره‪ ،‬ألن العامة اجتمعت‪ ،‬ومنعت م��ن دفنه نهاراً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وادعوا عليه الرفض‪ ،‬ثم ادعوا عليه اإللحاد؛ وكان علي بن عيسى يقول‪ :‬واهلل لو ُسئل هؤالء‬ ‫عن معنى الرفض واإللحاد ما عرفوه‪ ،‬وال فهموه‪ ،‬هكذا ذكره ابن مسكويه صاحب تجارب‬ ‫وحوشي ذلك اإلمام عن مثل هذه األشياء» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.)134‬‬ ‫األمم‪ُ ،‬‬ ‫نقال عن (خمس فتاوى لم تنشر ـ مجلة معهد المخطوطات‬ ‫(‪ ((2‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪ 10‬ـ ‪ً 11‬‬ ‫‪.)163 /2‬‬ ‫‪17‬‬ ‫ةمدقم‬ ‫ما يبلغهم من ص��ادق أو كاذب‪ ،‬فال بد أن يكون المؤرخ ع��ادالً عدالً‪ ،‬عارف ًا‬ ‫الضعة من أقوام مخالفة العقيدة‪،‬‬ ‫بحال من يترجمه‪ ...‬وربما كان الباعث له في َ‬ ‫واعتقاد أنهم على ضالل فيقع فيهم‪ ،‬أو يقصر في الثناء عليهم لذلك»(‪.((2‬‬ ‫فال تنتهي تبع��ات الكذابين عند فراغهم من وض��ع األكاذيب ودفنها في‬ ‫الكتب‪ ،‬وال تنتهي مس��ؤولية الناقلين للكذب والمحتجين به بمجرد اإلشارة‬ ‫إلى مواض��ع ما نقلوه من ق��ذف بالباطل وتحريض على عب��اد اهلل‪ .‬فال يرى‬ ‫اإلنس��ان «فرق ًا بين العدوان على أموال الناس وحقوقهم‪ ،‬وبين العدوان على‬ ‫عقائدهم وآدابهم‪ ،‬بل إن العدوان أش��د ضرراً‪ ،‬وأس��وأ نتيجة؛ فاإلنس��ان قد‬ ‫يتساهل في ماله وحقه‪ ،‬ولكنه ال يتساهل في عقيدته وأدبه وذوقه‪.((3(»...‬‬ ‫ومن يتتبع أقوال الضعفاء على أهل النهروان واإلباضية يدرك أن اإلشاعات‬ ‫ضدهم في اتس��اع دائم‪ ،‬واألعجب من اطراد اتس��اعها أنها ـ أي اإلشاعات ـ‬ ‫وجدت في أوس��اط ناش��ريها من نس��بها زور ًا وكذب ًا إلى العلم‪ ،‬ووجدت من‬ ‫الكتَّاب من اعتمد عليها في مجادالتهم من غير دراسة ألسانيدها ومتونها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والقارئ لما س��طرته أقالم الذي��ن عطلوا مناهج التلق��ي واعتمدوا على‬ ‫الروايات الضعيفة يدرك أن ما نس��بوه إلى اإلباضية من آراء ال واقع لها‪ ،‬وأن‬ ‫كتاباتهم ما ه��ي إال محاولة لتجري��د اإلباضية من كل فضيل��ة يعتزون بها‬ ‫وإظهارهم على غير ما هم عليه من االستقامة‪.‬‬ ‫فكتَّاب المسلمين عليهم رفض األقوال الضعيفة‪ ،‬وضبط أقالمهم بمناهج‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالم الرافضة لإلشاعات المغرضة؛ إذ المهمة هي‪ :‬حق ُيظهر وباطل ُيدمغ‪،‬‬ ‫نقال عن (خمس فتاوى لم تنشر ـ مجلة معهد المخطوطات ‪/2‬‬‫(‪ ((2‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪ً 11‬‬ ‫‪.)164‬‬ ‫(‪ ((3‬الحدود بين حرية التعبير واإلساءة إلى اآلخر‪ ،‬ص ‪ً 94‬‬ ‫نقال عن كتاب (أخالقنا االجتماعية‬ ‫لمصطفى الرفاعي)‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪18‬‬ ‫(‪((3‬‬ ‫وال مكان في أروقة العلم للمقولة(‪« :((3‬ال تدمر األفكار المنتشرة بالعدوى‬ ‫إال بواسطة آراء منتشرة بالطريقة ذاتها» والتي يعدها بعضهم إحدى قواعد علم‬ ‫النفس ويلجأ إليها الساسة عند «مقارعة العدوى بالعدوى»‪.‬‬ ‫ومما أعجبني‪ ،‬وأفتخر بقراءته ونقله‪ ،‬ويشرفني إضافته في هذا البحث هو‬ ‫ما قال��ه الدكت��ور محمد بن موس��ى الش��ريف‪ ،‬حي��ث ق��ال‪« :‬يطالب بعض‬ ‫لف لفه��م بالكتابة ب��دون العواطف‪ ،‬وتركه��ا جانب ًا حين‬ ‫ومن ّ‬ ‫المستش��رقين َ‬ ‫التصنيف‪ ،‬وهذا أمر غير ممكن‪ ،‬فالمرء ال يمكن أن يكون حيادي ًا في الكتابة في‬ ‫س��ير أهله وأبطاله وعظمائه بل قلب��ه يحن إليهم‪ ،‬وعواطفه وأش��واقه يبثها في‬ ‫كتابته‪ ،‬لك��ن الحياد الممك��ن المطلوب ه��و الحياد العلم��ي‪ ،‬فال يلوي عنق‬ ‫الحقائق‪ ،‬وال يرجح بدون مرجح ظاهر واضح‪ ،‬وال يظلم أحد ًا لحساب صاحب‬ ‫الترجمة‪ ،‬وال يبالغ‪ ،‬وال يهول في موضع التهوين‪ ،‬وال يهون في موضع التهويل‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ...‬ومن المهم اإلشارة إلى وجوب اإلنصاف في الترجمة؛ فإن جماعات‬ ‫من الناس ظُ لموا بسبب الهوى أو عدم فهم بعض أقوالهم أو أعمالهم‪.((3(»...‬‬ ‫(‪ ((3‬اآلراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها‪ ،‬ص ‪.248‬‬ ‫(‪ ((3‬جاء في كتاب (اآلراء والمعتقدات نش��وؤها وتطورها) ما نصه‪« :‬بص��ورة عامة ودون أن‬ ‫يكون على المرء طرح الكثير من االس��تثناءات‪ ،‬فإن المعتقدات الدينية والسياسية تنتشر‬ ‫على األخص عن طريق العدوى‪ ،‬وخاصة بين الجماهير‪ .‬وهي تحدث بقوة أكبر كلما كان‬ ‫الجمهور أكثر عدداً‪ .‬واالعتقاد الضعيف س��يعزز اجتماع األشخاص الذين يتشاركونه من‬ ‫قوته بس��رعة كبيرة جداً‪ .‬بفضل قدرة العدوى تغدو القيمة العقالنية للمعتقد المنتشر دون‬ ‫أهمية‪ .‬وألن العدوى تمارس تأثيرها عل��ى الالوعي فإن العقل ال يلعب فيها أي دور‪.»...‬‬ ‫(اآلراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها‪ ،‬ص ‪ 246‬ـ ‪.)247‬‬ ‫(‪ ((3‬التراجم وأثرها في السلوك اإلنس��اني‪ ،‬ص ‪ ،161‬ومما قاله الدكتور محمد موسى الشريف‬ ‫في كتاب آخر‪ ... « :‬لك��ن في ظني أن أي م��ؤرخ في الدنيا ال يمكن ل��ه أن يتخلى عن‬ ‫عاطفته تمام ًا وه��و يكتب‪ ،‬وهذا الذي يطلق عليه أحيان ًا فلس��فة المؤرخ للتاريخ» (كيفية‬ ‫قراءة التاريخ وفهمه‪ ،‬ص ‪.)86‬‬ ‫‪19‬‬ ‫ةمدقم‬ ‫وقال الدكتور عب��د اهلل زيد صالح‪« :‬ال يس��تطيع الباح��ث التجرد عن‬ ‫أحاسيسه وانفعاالته‪ ،‬على غرار التعاطي مع المسائل العلمية البحتة‪ ...‬لكن‬ ‫مع ضرورة عدم إلغاء العاطفة لقوانين المنه��ج واعتباراته المحورية‪ .‬بحيث‬ ‫ال تكون العاطفة أو النزعة الفردي��ة هي الداف��ع واألداة والرؤية في القراءة‬ ‫والنقد»(‪.((3‬‬ ‫ب غس��تاف لوبون حول «الحيادية في التاريخ» ما نصه‪« :‬طالما ُنظر‬ ‫وك َت َ‬ ‫َ‬ ‫إلى الحيادية على أنها المزية األكثر جوهرية لمؤرخ ما‪ .‬فالجميع منذ تاسيت‬ ‫يؤكدون أنهم حياديون‪ .‬وف��ي الواقع فإن الكاتب ي��رى األحداث كما يرى‬ ‫الرسام منظر ًا ما‪ ،‬أي عبر مزاجه‪ ،‬وطبعه‪ ،‬وروح عرقه‪ ...‬من المستحيل إذن‪...‬‬ ‫إنتاج كتاب تاريخي غير متحيز فعالً‪ .‬إذ لن يس��ع أي كاتب أن يكون كذلك‬ ‫وال يصح أن نأسف ألن أي كاتب لم يكن كذلك‪ .‬إن ادعاء الحيادية‪ ،‬المنتشر‬ ‫جد ًا هذه األيام يقود إلى إنتاج هذه المؤلفات التافه��ة‪ ،‬الرمادية والمضجرة‬ ‫جد ًا التي تجعل فه��م العصر أمر ًا مس��تحيالً تمام�� ًا‪ ...‬إن الباحث في علم‬ ‫األخالق ينبغ��ي أن يناقش حص��ر ًا األهمية االجتماعية وع��دم الحكم على‬ ‫األش��خاص إال وفق ًا له��ذه األهمية‪ ...‬وتبع�� ًا لمثل هذه األنم��اط والقواعد‬ ‫المش��تقة من الضرورات االجتماعية ينبغي عل��ى الباحث في علم األخالق‬ ‫الحكم على أش��خاص الماضي‪ ،‬مادح ًا أولئك الذين كان��وا مفيدين‪ ،‬الئم ًا‬ ‫اآلخرين‪ ،‬فيس��هم في تثبيت أنماط أخالقية ال غنى عنها لمس��يرة الحضارة‬ ‫وتفيد كنماذج ُيقتدى بها‪...‬‬ ‫أما وجهة نظر عالم النفس فستكون مغايرة تمام ًا‪ ...‬فإن عالم النفس ينبغي‬ ‫أن يظل غير متحيز‪ .‬فال ينشغل‪ ،‬وهو يتأمل األشياء بعين العالم‪ ،‬كثير ًا بقيمتها‬ ‫النفعية‪ ،‬ويسعى فقط لتفس��يرها‪ .‬إن حالته حالة المراقب أمام ظاهرة ما‪ ...‬إن‬ ‫(‪ ((3‬التيه العربي (تأمالت في الواقع الصعب)‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪20‬‬ ‫دور المؤرخ ودور عالم النفس ليسا متماثلين كما يظن البعض‪ ،‬لكن يمكن أن‬ ‫نتطلب من األول كما من الثاني أن يحاول عبر تفسير حكيم للوقائع الكشف‬ ‫تحت البديهيات المرئية عن القوى غير المرئية الكامنة التي تحددها»(‪.((3‬‬ ‫فالحيادية التي ندعو إليه��ا هي التي أقرها المنهج اإلس�لامي في تقييم‬ ‫األفكار واألف��راد والجماعات‪ ،‬إذ ال م��كان في س��احاته للعواطف الرعناء‬ ‫وطمس الحقائق الظاهرة البينة‪.‬‬ ‫��هل َل ّي أعناق الحقائ��ق‪ ،‬وغلب الهوى(‪ ((3‬عل��ى أفئدة بعض‬ ‫وحينما َس ُ‬ ‫الكتاب‪ ،‬واستشرى الكذب والظلم في أوساط من تجرأ على اإلباضية في هذا‬ ‫العصر‪ ،‬ما كان منا إال أن نسترشد بما حوته آية الشعراء من معان‪ ،‬فقد أذن اهلل‬ ‫لنا بقول��ه‪ ﴿ :‬ئا ئا ئە ئە ئو ئو ئۇ ئۇ ئۆ ئۆ ئۈ ئۈ‬ ‫ئېئې ئې ئى ئى ئى ی ی ﴾ [الشعراء‪ .]٢٢٧ :‬ففي هذه اآلية الكريمة‬ ‫تتراءى لكل بصير المناهج‪ ،‬والمبادئ‪ ،‬وصور الظالمين‪ ،‬وجهود المظلومين‪.‬‬ ‫فرد كيد الكائدين‪ ،‬وظلم الظالمين بسهام الحق واجب يمليه اإليمان‪ ،‬فعلى من‬ ‫أراد االنتصار أن يأخذ باألسباب؛ فيكثر من الذكر ويعمل صالح ًا‪.‬‬ ‫(‪ ((3‬الثورة الفرنسية وسيكولوجيا الثورات‪ ،‬ص ‪ 159‬ـ ‪.161‬‬ ‫(‪ ((3‬قال العالم الفرنسي غس��تاف لوبون في كتابه (اآلراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها) عند‬ ‫تعريفه لألهواء ما نصه‪« :‬تش��كل العواطف الثابتة وذات الش��كل المس��تحوذ الموصوفة‬ ‫باألهواء كذلك عوامل قوية في اآلراء والمعتقدات‪ ،‬وبالتالي في السلوك‪ .‬وبعض األهواء‬ ‫المعدية تصبح‪ ،‬لهذا السبب‪ ،‬جماعية بسهولة‪ .‬ويصبح عندئذ تأثيرها ال يقاوم‪ .‬وقد دفعت‬ ‫الكثير من الشعوب لمهاجمة بعضها بعض ًا في مختلف مراحل التاريخ‪ .‬األهواء يمكنها أن‬ ‫تحرض نش��اطنا‪ ،‬لكنها يمكن أن تحرف اآلراء عن الصواب أغل��ب األحيان‪ ،‬وتمنع من‬ ‫رؤية األش��ياء على حقيقتها ومن فهم نش��أتها‪ .‬وإذا كانت كتب التاريخ تطفح باألخطاء‬ ‫فذلك ألن األهواء في أغلب األحيان هي التي أمل��ت الحكاية‪ .‬ولن ُيذكر على اإلطالق‪،‬‬ ‫كما أعتقد‪ ،‬مؤرخ روى أحداث الثورة دون تحيز‪ .‬إن دور األهواء‪ ،‬كما نرى‪ ،‬عظيم األهمية‬ ‫في تكون آرائنا وفي أصل الوقائع‪( »...‬اآلراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها‪ ،‬ص ‪.)167‬‬ ‫‪21‬‬ ‫ةمدقم‬ ‫فأي ظلم أعظم من اته��ام أس�لاف اإلباضية بأنهم خرج��وا من «رحم‬ ‫اليهودية»(‪((3‬؟‪.‬‬ ‫ولقد أخذنا ـ وهلل الحمد والمنة ـ باألسباب في الرد العلمي على من قال‬ ‫هذه األقوال الباطلة‪ ،‬وأنا على يقين تام أن جميع المس��لمين من كل مذاهب‬ ‫اإلس�لام ال يرضون بهذه األقوال أبداً‪ ،‬وأن الذي كتب هذه األباطيل إنما هو‬ ‫ممن ابتليت بوجودهم األمة اإلسالمية‪.‬‬ ‫«إن الوعي بطبيعة أية قضية‪ ،‬يظل هو الخطوة األولى على طريق التعامل‬ ‫معها‪ ،‬وإن القارئ ف��ي التاريخ وفي غي��ره بحاجة إلى امتالك رؤية ش��املة‬ ‫لوضعية العلم الذي يقرأ فيه‪ ،‬حتى يجني من قراءاته ما يعود عليه بأكبر نفع‪،‬‬ ‫وحتى يتقي األعراض الجانبية الضارة التي تصاحب كل معرفة»(‪.((3‬‬ ‫فقضيتنا في ه��ذا البحث هي إثب��ات تعدد الموازين عند من أس��اء إلى‬ ‫اإلباضية من ُكتَّ��اب التاريخ‪ ،‬وإظهار أس��اليبهم التي اعتمدوه��ا في الكيل‬ ‫بمكاييل ال ضابط له��ا وال ُم َق ِّيم وال ُمق َِّوم‪ ،‬وبي��ان ازدواجية أحكامهم على‬ ‫الناس من غير مراعاة لضوابط اإلسالم في قول الحق‪.‬‬ ‫والذي أرنو إليه هو أن يس��عى اإلباضي��ة لبيان ما هم علي��ه من عقيدة‬ ‫وسلوك‪ ،‬وأن تتسابق أقالم المسلمين كافة إلى تطبيق مناهج األمة عند الحكم‬ ‫على الناس‪.‬‬ ‫وحس��بي في هذا المقام نقل ما قاله األس��تاذ الدكتور عبد الكريم بكّ ار‪:‬‬ ‫«فالكلمة األخيرة ليس��ت كلمة المؤلف‪ ،‬وإنما هي كلم��ة القارئ؛ فهو الذي‬ ‫(‪ ((3‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬عقائدهم‪ ،‬ص ‪.4‬‬ ‫(‪ ((3‬القراءة المثمرة (مفاهيم وآليات)‪ ،‬ص ‪.120‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪22‬‬ ‫س��يقرأ‪ ،‬وهو الذي س��يتفاعل ويقتنع‪ .‬وينقل قناعاته إلى غيره‪ ..‬إن الكتاب‬ ‫ال يحيا‪ ،‬وال يبلغ أهدافه إال به؛ ولذا فإن موقفه حيوي للغاية»(‪.((3‬‬ ‫وحس��بي في هذا المقام أيض ًا جعل كتابات بع��ض ممن لم ينصف أهل‬ ‫النهروان واإلباضية كعينة لما أملته أقالم كثير من الناس وأفواههم عبر القرون‬ ‫الماضية‪ ،‬وعرض تلك الكتابات على قواعد المنهج العلمي وأصوله الذي أمر‬ ‫به ديننا الحنيف‪ ،‬وأملي أن تقرع أصواتنا الداعية إلى تطبيق مناهج اإلس�لام‬ ‫أذان ًا سليمة من كل وقر فتقوم بالتصحيح والتصويب ورد األباطيل‪.‬‬ ‫وأنت أيه��ا القارئ الكري��م عند تفاعلك مع هذا المؤ َلف س��تجد إش��ارة‬ ‫للضوابط التي يحتكم إليها عند تقييم األخبار‪ .‬وس��تجد مناهج األمة اإلسالمية‬ ‫ناطقة بحكمها على الروايات واألفكار التي ُنسبت إلى أهل النهروان واإلباضية‪،‬‬ ‫وستجد النفس��ية ذات الطابع الجماهيري‪ ،‬التي ال يقودها العلم وال العقل‪ ،‬هي‬ ‫الكتَّاب الذين نسبوا اإلباضية وأهل النهروان إلى الخوارج‪.‬‬ ‫المؤثرة على ُ‬ ‫وأدعو اهلل تعالى أن يعيننا جميع ًا ويلهمنا رشدنا كي نطبق مناهج اإلسالم‬ ‫المنصفة في جميع مناشط حياتنا‪.‬‬ ‫المقلِّ‪ ،‬وأدعو اهلل تعال��ى أن يتقبله من��ي‪ ،‬وأن يجعل أجره‬ ‫��د ُ‬‫وهذا ُج ْه ُ‬ ‫أضعاف ًا مضاعفة في ميزان حسناتي‪...‬‬ ‫وصلى اهلل وسلم على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫أخوكم ‪ /‬علي بن محمد بن عامر الحجري‬ ‫والية بدية ـ سلطنة عمان‬ ‫‪1443‬هـ ـ ‪2022‬م‬ ‫(‪ ((3‬القراءة المثمرة (مفاهيم وآليات)‪ ،‬ص ‪ 77‬ـ ‪.78‬‬ ‫‪23‬‬ ‫قراءة منهجية في كتاب‬ ‫(الكامل في التاريخ)‬ ‫ال يخلو كت��اب (الكامل في التاريخ) من ذكر للمنه��ج الصائب‪ ،‬وكذلك من‬ ‫لمسات صادقة في تطبيقه على كثير من األخبار التي وصلت إلى علم ابن األثير‪،‬‬ ‫ابن األثير عن‬ ‫وفي مواضع كثيرة وعلى طول موس��وعته التاريخية وعرضها‪َ ،‬عبَّ َر ُ‬ ‫رده لكثير من األحداث لعدم تطابقها مع األسس العلمية التي ُت َق ِّيم األخبار‪ .‬وهذه‬ ‫ميزة طيبة تضاف إلى مميزات تاريخ ابن األثير‪ ،‬ولكن القارئ المدقق ال يجد لهذه‬ ‫المميزات أي أثر في كتابات ابن األثير عندما تكلم عن أهل النهروان واإلباضية؛‬ ‫فقد سار في نقل األحداث المنسوبة إليهم ضد التيار الذي نادى به واتخذه شعاره‬ ‫ووسيلته في نقد األحداث التاريخية األخرى التي رآها هو أهالً للنقد والرد‪ .‬ومهما‬ ‫يكن من توجه وش��عار‪ ،‬فال يكفينا ذل��ك للحكم على ت��وازن الكاتب حتى نرى‬ ‫تصديق أقواله في واقع الكتابة على كل ما حوته أجزاء موسوعته التاريخية‪.‬‬ ‫وابن األثير جعل نفس��ه رمزا تصدق عليه ـ كما تص��دق على غيره من‬ ‫وك ْيل األمور بمكيالين‪ ،‬وهذا الواقع‬ ‫ُكتَّاب التاريخ ـ االزدواجية في المنهج‪َ ،‬‬ ‫قد أدركه غيري حينما تفحصوا ما في (الكامل في التاريخ) من مواقف تنسب‬ ‫إلى ابن األثير(‪.((4‬‬ ‫(‪ ((4‬انظر ص ‪ 247‬ـ ‪ 248‬من هذا البحث‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪24‬‬ ‫يوجه ألي‬ ‫ومهما يكن من موقف أمام أي مؤلف‪ ،‬فـ «المهم في كل نقد َّ‬ ‫كتاب أو كاتب‪ :‬أن يوض��ح ما الذي كان على الكات��ب أن يفعله‪ ،‬وأن يتم‬ ‫تدعيم وجهات النظر التي نرى أنها بديل صالح للصورة التي قدمها‪ ،‬وكلما‬ ‫تمكنا من فعل ذلك أثبتنا أننا لم نقرأ الكتاب فحس��ب‪ ،‬وإنما أعدنا إنتاجه‬ ‫من جديد»(‪.((4‬‬ ‫فليس من الميس��ور عل��ى أي كاتب أن يعي��د إنتاج أي كت��اب بحجم‬ ‫ومنهجية (الكامل في التاريخ)‪ ،‬فالكتاب نفسه له رمزيته ومكانته بين الكتب‪،‬‬ ‫فقد أراده كاتبه أن يكون رمز ًا لش��خصه‪ ،‬وعنوان ًا لمواقفه‪ ،‬ودليالً على فكره‬ ‫الذي ينسب إليه‪ .‬فحسبنا نحن أن نتعرف على الكتاب‪ ،‬ونستنتج منه رأي ابن‬ ‫األثير‪ ،‬ونعرض ما طرحه من أقوال على القيم المنهجية التي عرفها المسلمون‬ ‫ونادى بها علماء المسلمين عبر التاريخ في صفحات كتبهم‪ ،‬وحسبنا أيض ًا أن‬ ‫نعرف مدى تطبيق ابن األثير لتلك القواعد عند نقل��ه ألحداث التاريخ التي‬ ‫وردت إليه‪.‬‬ ‫وف��ي كل األحوال‪ ،‬ينبغ��ي لنا أن نس��مع قولة المهتدي إلى اإلس�لام‬ ‫ـ محمد أس��د ـ ونطبقها‪ ،‬حيث قال‪« :‬وليس ثمة من مبرر مطلق ًا من الناحية‬ ‫العلمية أن يجرح أح��د صحة مصدر ٍ تاريخي ما‪ ،‬ما لم يكن باس��تطاعته أن‬ ‫يبرهن على أ ّن هذا المصدر منق��وص‪ .‬فإذا لم تقم حجة معقولة‪ ،‬أي علمية‪،‬‬ ‫على الشك في المصدر نفسه أو في أحد رواته المتأخرين‪ ،‬وإذا لم يكن ثمة‬ ‫من الناحية الثانية خبر آخر يناقضه‪ ،‬كان حتم ًا علينا حينئذ أن نقبل الحديث‬ ‫على أنه صحيح»(‪.((4‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫(‪ ((4‬القراءة المثمرة (مفاهيم وآليات)‪ ،‬ص ‪.85‬‬ ‫(‪ ((4‬اإلسالم على مفترق الطرق‪ ،‬ص ‪.94‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪ 1‬ـ ضفرلاو لوبقلا نيب )خيراتلا يف لماكلا( باتك رداصم‬ ‫مصادر كتاب (الكامل في التاريخ)‬ ‫‪1‬‬ ‫بين القبول والرفض‬ ‫فابن األثير‪ ،‬كغيره من المؤرخين الذين س��بقوه أو الذين أتوا من بعده‪،‬‬ ‫ذكر مصادر معلوماته التي سطرها في موسوعته التاريخية‪.‬‬ ‫فقد نق��ل ابن األثير ع��ن ابن الكلب��ي(‪ ،((4‬وعن ابن إس��حاق(‪ ،((4‬وعن‬ ‫وهب بن منبه(‪ ،((4‬وعن الواقدي(‪ ،((4‬وع��ن عمر بن ميمون األودي(‪ ،((4‬ومن‬ ‫كتاب تجارب األم��م البن مس��كويه(‪ ،((4‬ونقل كذلك م��ن تاريخ ثابت بن‬ ‫س��نان(‪ ،((4‬ونقل عن أبي زكريا يزيد بن إي��اس األزدي صاحب كتاب تاريخ‬ ‫الموصل(‪.((5‬‬ ‫ونقل ابن األثير أحداث ًا كثيرة من تاري��خ أبي جعفر الطبري وقد صرح‬ ‫بذل��ك بقول��ه‪« :‬وإل��ى أخ��ر ه��ذه الس��نة انته��ى تاري��خ أب��ي جعفر‬ ‫(‪ ((4‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،410‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،439‬ج ‪ /2‬ص ‪.16‬‬ ‫(‪ ((4‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،416‬ج ‪ /2‬ص ‪.111‬‬ ‫(‪ ((4‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.426‬‬ ‫(‪ ((4‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪ ،40‬ج ‪ /2‬ص ‪ ،111‬ج ‪ /3‬ص ‪ ،466‬ج ‪ /4‬ص ‪ ،341‬ج ‪ /4‬ص ‪،372‬‬ ‫ج ‪ /3‬ص ‪.425‬‬ ‫(‪ ((4‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.65‬‬ ‫(‪ ((4‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪ ،118‬ج ‪ /8‬ص ‪.708‬‬ ‫(‪ ((4‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.647‬‬ ‫(‪ ((5‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.430‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪26‬‬ ‫الطبري ‪ ،((5(»... 5‬ونقل مش��افهة عن رجال ال يعرفون قد ش��اركوا في‬ ‫بعض األحداث(‪.((5‬‬ ‫فكما ترى أخي القارئ الكريم‪ ،‬فإن تاريخ ابن األثير قد جمع ما تفرق في‬ ‫كتب كثيرة ومصادر متعددة‪ ،‬وعلى فرضية عدالة جميع المؤرخين الذين نقل‬ ‫عنهم ابن األثير ـ وهذا ال يتأتى ألن م��ن الذين ذكرهم ابن األثير هنا يعد من‬ ‫الكذابين عند علماء الجرح والتعديل ـ‪ ،‬فإن األخبار والروايات التي س��طرت‬ ‫في تلك المصادر جاءت من طرق ال تقبل كما هو الحال في تاريخ الطبري‪.‬‬ ‫فليس كون صاحب الكتاب صادقا ثقة يكون ما نقله صحيحا ثابتا؛ وفي‬ ‫ردود ابن األثير لكثير من األحداث تصديق لهذه القاعدة المنهجية‪ ،‬وترد على‬ ‫فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي‬ ‫ُ‬ ‫ما ادعاه في مقدمة تاريخه حيث قال هناك‪... « :‬‬ ‫المعول عن��د الكافة عليه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الكت��اب‬ ‫ُ‬ ‫صنفه اإلم��ام أبو جعفر الطب��ري إذ هو‬ ‫والمرجو ُع عند االختالف إليه‪ ...‬وإنما اعتمدت عليه من بين المؤرخين إذ هو‬ ‫الجامع علم ًا وصحة اعتقاد وصدق ًا‪ .‬على أني لم أنقل إال‬ ‫ُ‬ ‫المتقن حق ًا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اإلمام‬ ‫من التواريخ المذكورة‪ ،‬والكتب المش��هورة‪ ،‬ممن ُيعلم بصدقهم فيما نقلوه‪،‬‬ ‫دون��وه‪ ،‬ولم أكن كالخابط ف��ي ظلماء الليال��ي‪ ،‬وال كمن يجمع‬ ‫وصحة ما ّ‬ ‫الحصباء والآللي»(‪.((5‬‬ ‫فنحن نرى هنا ميزانين وقف اب��ن األثير أمامهما ليقيس بهما ما ورد إليه‬ ‫من أحداث‪:‬‬ ‫(‪ ((5‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.91‬‬ ‫(‪ ((5‬قال ابن األثير‪« :‬ثم دخلت سنة إحدى عشر وس��تمائة‪ ...‬هذه الحادثة ال أعلم الحقيقة أي‬ ‫سنة كانت‪ ...‬ألن الذي أخبر بها كان من أجناد الموصل‪ ،‬وسافر إلى تلك البالد‪ ...‬ثم عاد‬ ‫فأخبرني بها على شك من وقتها‪ ،‬وقد حضرها‪( »...‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪.)303‬‬ ‫(‪ ((5‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ 3‬ـ ‪.4‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪ 1‬ـ ضفرلاو لوبقلا نيب )خيراتلا يف لماكلا( باتك رداصم‬ ‫الميزان األول‪:‬‬ ‫فكل رواية صادف��ت ميول ابن األثي��ر‪ ،‬وجاءت في كت��ب التاريخ عن‬ ‫المجهولين‪ ،‬والضعفاء‪ ،‬والكذابين‪ ،‬والمتروكين ف��إن ابن األثير يعول عليها‬ ‫ألنها‪ ،‬في نظره‪ ،‬تنال درجة الصحة لكون من س��طرها ونقلها إلينا هو «اإلمام‬ ‫المتقن» و«الجامع علم ًا وصحة اعتقاد وصدق ًا»‪.‬‬ ‫وبهذا الميزان قَبِل ابن األثير الروايات الضعيفة التي ذكرها اإلمام الطبري‬ ‫عند حديثه عن معركة الجمل لكونها وردت في تاريخ «اإلمام المتقن»‪ ،‬ولم‬ ‫يكلف نفسه البحث عن المصادر التي نقل عنها اإلمام الطبري‪ .‬فقد قال ابن‬ ‫األثير‪« :‬لم أذكر في وقعة الجمل إال ما ذك��ره أبو جعفر إذ كان أوثق من نقل‬ ‫التاريخ(‪ ،((5‬فإن الناس قد حشوا تواريخهم بمقتضى أهوائهم»(‪.((5‬‬ ‫وتكرر استخدام ابن األثير لهذا الميزان عند ذكره لمعركة النهروان‪ ،‬وعند‬ ‫تقييمه لم��ا كان قبلها وما كان بعدها من أحداث؛ وهذا األس��لوب في النقل‬ ‫والنقد الذي س��ار عليه ابن األثير وغيره يجعل القارئ َي ِقظ ًا وعلى بصيرة من‬ ‫كل ما ُسطر في كتب األولين‪.‬‬ ‫الميزان الثاني‪:‬‬ ‫وكل قول ُس��طر في كتب الماضين‪ ،‬ولم يصادف عي��ن الرضى عند ابن‬ ‫األثير‪ ،‬فإن سهام النقد تسابقت لرده ولو جاء في كتاب من وصفه ابن األثير‬ ‫بـ «اإلمام المتقن» و«الجامع علم ًا وصحة اعتقاد وصدق ًا»‪.‬‬ ‫(‪ ((5‬قال الدكتور محمد بن موسى الش��ريف‪« :‬وكالمه هذا فيه مبالغة واضحة» (تعريف مؤجز‬ ‫بأشهر كتب التاريخ‪ ،‬ص ‪ )26‬عند نقده للعبارة التي نقلها عن ابن خلكان (وفيات األعيان‬ ‫‪ )191 /4‬والتي وصف فيها تاريخ الطبري بأنه «أصح التواريخ وأثبتها»‪.‬‬ ‫(‪ ((5‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.263‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪28‬‬ ‫فها هو ابن األثير يرس��ل س��هام نقده صوب اإلمام أبي جعفر الطبري‪،‬‬ ‫حيث قال‪« :‬ولو فكر أبو جعفر في ذلك الستحيا من نقله»(‪.((5‬‬ ‫وقال في موضع آخر‪« :‬قلت‪ :‬هذا الذي ذكره أبو جعفر‪ ...‬من النقل القبيح‬ ‫والغلط الفاحش‪ ،‬وفساده أش��هر من أن ُيذكر‪ ،‬فلوال أننا ش��رطنا أن ال نترك‬ ‫ترجمة من تاريخه إال ونأتي بمعناها من غير إخالل بشيء لكان اإلعراض عنه‬ ‫أولى»(‪.((5‬‬ ‫فهذا التناقض في أقوال ابن األثير في حق اإلمام الطبري نش��أ عن عدم‬ ‫تقيد ابن األثير بنصيحة اإلمام الطبري التي سطرها في مقدمة كتابه‪ ،‬ونشأ عن‬ ‫ازدواجية في التطبيق التي اتبعها ابن األثير في كتابة تاريخه‪.‬‬ ‫فأبو جعفر الطب��ري قد وجه القراء إلى المصادر الت��ي نقل منها روايات‬ ‫تاريخه‪ ،‬وطلب من القراء النظر في تلك الروايات من جانب الس��ند والمتن‪.‬‬ ‫فموس��وعة األمام الطبري التاريخية حوت ما تناهى إليه من روايات وأقوال‪،‬‬ ‫ولم يكن له فيها سوى جمعها وترتيبها حس��ب التسلسل الزمني لألحداث‪،‬‬ ‫ورمى بعهدتها إلى ناقليها إليه‪ ،‬فمن الضيم لإلمام الطبري وصفه بعدم الحيا‬ ‫وقبح النقل والفحش في الرواية‪.‬‬ ‫والكتَّاب وفي مقدمتهم ابن األثير «لم ينتبهوا إلى تحذيره ـ أي الطبري ـ‬ ‫ُ‬ ‫من األخذ بكل ما جاء في تأريخه‪ ...‬ولك��ن أخذوا بعين االعتبار أنه محدث‬ ‫ثقة حافظ فصدقوا كل ما ف��ي تأريخه‪ ،‬وتلك مصيبة ترك��ت أثرها في كتابة‬ ‫التأريخ اإلسالمي إلى يوم الناس هذا»(‪ .((5‬واهلل المستعان‪.‬‬ ‫(‪ ((5‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.423‬‬ ‫(‪ ((5‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.421‬‬ ‫(‪ ((5‬تعريف موجز بأش��هر كتب التاريخ‪ ،‬ص ‪ ،22‬نقال عن (صحي��ح وضعيف تاريخ الطبري‪،‬‬ ‫ج ‪ /1‬ص ‪.)36‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪ 1‬ـ ضفرلاو لوبقلا نيب )خيراتلا يف لماكلا( باتك رداصم‬ ‫ونجد الح��س النقدي عند ابن األثير ـ كمؤرخ ـ حاض��ر ًا بقوة في طوايا‬ ‫موس��وعته التاريخية‪ ،‬وقد أجاد ابن األثير ـ والحق يقال ـ عند تطبيقه لمنهج‬ ‫التلقي على كثير م��ن األخبار التي لم يرتضها‪ ،‬وبي��ن في كثير من الحاالت‬ ‫األسباب التي دعته إلى رد تلك األحداث واألقوال المنسوبة للناس‪ ،‬فقد رد‬ ‫ابن األثير أخبار ًا حينما صادمت تصاريف اللغة(‪ ،((5‬وأخبار ًا حينما لم تتساوق‬ ‫وأقواال حينما نالت من علماء اإلسالم(‪،((6‬‬ ‫ً‬ ‫مع التسلسل الزمني لألحداث(‪،((6‬‬ ‫(‪ ((5‬قال ابن األثير‪« :‬وفُتحت َس�� َل ْم َية أيضا‪ ،‬وقيل‪ :‬إنما ُسميت س��لمية ألنه كان بقربها مدينة‬ ‫وسميت‬ ‫تدعى المؤتفكة انقلبت بأهلها‪ ،‬ولم يسلم منهم غير مائة نفس فبنوا لهم مائة منزل ُ‬ ‫سلم مائة‪ ،‬ثم حرف الناس فقالوا‪ :‬سلمية‪ ،‬وهذا يتمشى لقائله لو كان أهلها عربا‪ ،‬ولسانهم‬ ‫عربيا‪ ،‬وأما إذا كان لس��انهم أعجميا فال يس��وغ ه��ذا القول‪( .»...‬الكامل ف��ي التاريخ‪،‬‬ ‫ج ‪/2‬ص ‪.)493‬‬ ‫(‪ ((6‬قال ابن األثير‪:‬‬ ‫· « ‪ ...‬وهذا القول ليس بشيء ألن عليا اس��تعمل قيس ًا على مصر أول ما بويع له‪ ،‬ولو أن‬ ‫ابن أبي حذيفة قتله معاوية وعمرو قبل وصول قيس إلى مصر الستوليا عليها ألنه لم يكن‬ ‫بها أمير يمنعهما عنها‪ ،‬وال خالف أن اس��تيالء معاوية وعمرو عليها كان بعد صفين واهلل‬ ‫أعلم»‪( .‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.)266‬‬ ‫· وقال أيض ًا من موضع آخر‪« :‬هكذا في هذه الرواية ُذكر عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬وليس‬ ‫بصحيح؛ فإن عبد الرحمن بن أبي بكر كان قد مات قب��ل معاوية» (الكامل في التاريخ‪،‬‬ ‫ج ‪ /4‬ص ‪.)6‬‬ ‫· وقال أيض ًا‪« :‬قلت‪ :‬ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر ال يس��تقيم على قول َم ْن يجعل وفاته‬ ‫سنة ثالث وخمس��ين‪ ،‬وإنما يصح على قول َم ْن يجعلها بعد ذلك الوقت»‪( .‬الكامل في‬ ‫التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.)511‬‬ ‫· ومما قاله‪« :‬كذا قيل إنه آخر الحوادث أيام ملوك الطوائف‪ ،‬وال وجه له‪ ،‬فإن من أدركت‬ ‫الملك ألردش��ير بن بابك بدهر طويل» (الكامل في‬ ‫ابنته النبي‪ ،‬ژ ‪ ،‬يكون بعد اجتماع ُ‬ ‫التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.)376‬‬ ‫· ومما قاله‪« :‬وق��د تقدم ذكر وقعة أجنادين على قول من يجعلها قبل اليرموك‪ ،‬وس��ياقها‬ ‫على غير هذه السياقة فلهذا ذكرناها هنالك وها هنا» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.)499‬‬ ‫(‪ ((6‬وقال ابن األثي��ر في رده على ابن الجوزي الذي تكلم في حق حماد بن مس��لم الدباس‪= :‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪30‬‬ ‫وأخبار ًا تأباها العقول وتمجها األسماع(‪ ((6‬حسب ما قاله‪ .‬وعرض أخبار ًا على‬ ‫األحكام الشرعية وبين الحكم الشرعي فيها(‪.((6‬‬ ‫ورأيت الش��يخ أبا الفرج بن الجوزي قد ذمه وثلبه‪ ،‬ولهذا الش��يخ أُس��وة بغيره من‬ ‫ُ‬ ‫« ‪...‬‬ ‫=‬ ‫فإن ابن الجوزي قد ص ّنف كتاب ًا سماه تلبيس إبليس لم ُيبق ِ فيه على أحد ٍ من‬ ‫الصالحين‪ّ ،‬‬ ‫س��ادة المس��لمين وصالحيهم» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪ .)671‬ومما قاله ابن األثير‬ ‫أيض ًا‪:‬‬ ‫· «وفي هذه السنة‪ ،‬في ش��هر رمضان‪ ،‬توفي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي‬ ‫الحنبلي الواعظ ببغداد‪ ،‬وتصانيفه مش��هورة‪ ،‬وكان كثير الوقيعة في الناس ال س��يما في‬ ‫العلماء المخالفين لمذهبه والموافقين له‪( »...‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪.)171‬‬ ‫· وقال ابن األثي��ر أيض ًا‪« :‬وفي هذه الس��نة [س��نة ‪ 563‬للهجرة] توف��ي عبد الكريم بن‬ ‫محمد ب��ن منصورا أبو س��عد بن أبي بكر بن أبي المظفر الس��معاني الم��روزي‪ ،‬الفقيه‬ ‫الشافعي‪ ...‬وإنما ذنبه عند ابن الجوزي أنه شافعي‪ ،‬وله أسوة بغيره‪ ،‬فإن ابن الجوزي لم‬ ‫ُيبق ِ على أحد إال مكسري الحنابلة» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.)333‬‬ ‫· وقال ابن األثي��ر‪« :‬وفيها توفي أبو الفتح أحمد بن محمد ب��ن محمد الغزالي‪ ،‬الواعظ‪،‬‬ ‫ذمه أبو الفرج بن الجوزي بأش��ياء كثيرة منها‪:‬‬ ‫وهو أخو اإلمام أبي حامد محمد‪ ،‬وق��د ّ‬ ‫روايته في وعظه األحاديث التي ليست له بصحيحة‪ ،‬والعجب أ ّنه يقدح فيه بهذا‪ ،‬وتصانيفه‬ ‫وء منه‪ ،‬نس��أل اهلل أن يعيذنا من الوقيعة في الناس‪ ،‬ثم يا ليت‬ ‫محشو به‪َ ،‬م ْم ُل ٌ‬ ‫ّ‬ ‫هو ووعظه‬ ‫شعري أما كان للغزالي حسنة ُتذكر مع ما ذكر من المساوئ التي نسبها إليه لئال ُينسب إلى‬ ‫الهوى والغرض؟» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.)640‬‬ ‫(‪ ((6‬فبعد أن ذكر ابن األثير األخبار التي تحدثت عن الجيوش التي خرجت من اليمن صوب‬ ‫الصين وبالد فارس وأرض سمرقند وبالد الروم‪ ،‬قال معلق ًا على تلك األخبار بقوله‪« :‬هذا‬ ‫مما تأباه العقول‪ ،‬وتمجه األسماع» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.)422‬‬ ‫(‪ ((6‬من ذلك‪:‬‬ ‫· علق ابن األثير على األخبار التي ذكرت اس��تلحاق معاوية بن أبي سفيان لزياد بن أبيه‬ ‫ت أحكام الش��ريعة عالنية‪ ،‬فإن رسول اهلل‪ ،‬ژ ‪ ،‬قضى‬ ‫بقوله‪« :‬وكان اس��تلحاقه أول ما ُر ّد ْ‬ ‫بالولد للفراش وللعاهر الحجر‪ ...‬فتوهم معاوية أن ذلك جائز له ولم يفرق بين استلحاق‬ ‫في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬وهذا مردود التفاق المسلمين على إنكاره وألنه لم يستلحق أحد‬ ‫في اإلسالم مثله ليكون به حجة‪( .‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 444‬ـ ‪.)445‬‬ ‫الحتات لما =‬ ‫· ومن أقوال ابن األثير أيض ًا‪« :‬وقد قيل‪ :‬إ ّن الفرزدق إنما قال هذا الشعر ألن ُ‬ ‫‪31‬‬ ‫‪ 1‬ـ ضفرلاو لوبقلا نيب )خيراتلا يف لماكلا( باتك رداصم‬ ‫وهذه النظرة من ابن األثير ينبغي أن تك��ون إحدى أدوات ُكتَّاب التاريخ‬ ‫عند دراساتهم لحياة األفراد ومبادئ األمم وقيم الشعوب‪ .‬فكل رواية ال بد لها‬ ‫أن تعرض على الثابت الصحيح م��ن أخبار الناس وعلى ما يتفق عليه حالهم‬ ‫من خير أو غير ذلك‪ .‬فلي��س ألي كاتب أن ينتقي األخب��ار التي توافق هواه‬ ‫ليجعلها حجة على من يناوئهم أو حجة لمن يناصرهم‪.‬‬ ‫وابن خلدون قد أكد على المعاني التي أش��ار إليها ابن األثير هنا‪ ،‬حيث‬ ‫تتم فائدة االقت��داء في ذلك لمن يرومه في أحوال‬ ‫قال في مقدمته‪ ... « :‬ح ّتى ّ‬ ‫‌متنوعة وحس��ن نظر‬ ‫‌متعددة‌ومعارف ّ‬ ‫ّ‬ ‫والدنيا فهو محتاج إل��ى مآخذ‬ ‫الدي��ن ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحق وينكّ بان به عن المزلاّ ت والمغالط‪ ،‬أل ّن‬ ‫ّ‬ ‫وتثبُّت يفضيان بصاحبهما إلى‬ ‫مج��رد ال ّنقل ولم تحكم أص��ول العادة وقواعد‬ ‫ّ‬ ‫األخبار إذا اعتمد فيها على‬ ‫اإلنساني وال قيس الغائب‬‫ّ‬ ‫السياس��ة وطبيعة العمران واألحوال في االجتماع‬ ‫ّ‬ ‫فربما لم يؤمن فيها من العثور ومز ّلة القدم‬ ‫بالذاهب‪ّ ،‬‬ ‫بالشاهد والحاضر ّ‬ ‫منها ّ‬ ‫وأئمة ال ّنقل من‬ ‫والمفسرين ّ‬ ‫ّ‬ ‫للمؤرخين‬ ‫ّ‬ ‫الصدق وكثيرا ما وقع‬ ‫والحيد عن جا ّدة ّ‬ ‫مج��رد ال ّنقل غ ّثا أو‬ ‫ّ‬ ‫المغالط ف��ي الحكايات والوقائ��ع العتمادهم فيها على‬ ‫سمينا ولم يعرضوها على أصولها وال قاس��وها بأشباهها وال سبروها بمعيار‬ ‫الحكمة والوقوف على طبائع الكائن��ات وتحكيم ال ّنظر والبصيرة في األخبار‬ ‫فض ّلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط»(‪.((6‬‬ ‫ومن هذه الوقفات التي سجلها ابن األثير وأشار إليها ابن خلدون ندرك‬ ‫أن أي كاتب ال يتناول أي فرع من فروع العل��م والمعرفة بمعزل عن العلوم‬ ‫الحتات بالش��ام ورثه معاوي ُة بتلك‬ ‫أس��لم آخى النبي‪ ،‬ژ ‪ ،‬بينه وبين معاوية‪ ،‬فلما مات ُ‬ ‫=‬ ‫األخوة فقال الفرزدق هذا الشعر‪ .‬وهذا القول الذي ليس بشيء ألن معاوية لم يكن يجهل‬ ‫أن هذه األخوة ال يرث بها أحد» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.)470‬‬ ‫(‪ ((6‬مقدمة تاريخ ابن خلدون‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪32‬‬ ‫األخرى التي تعين إلى الوصول إلى الحقيقة‪ .‬فقراءة التاريخ ال تكون بمعزل‬ ‫عن علم اللغات‪ ،‬وعلم الجغرافيا‪ ،‬وعلم األنس��اب وغيره��ا من العلوم وإال‬ ‫لجاءت النتيجة خداج ًا ومشوهة المالمح‪ .‬وقد ذكر الدكتور الشريف عدة علوم‬ ‫ذات عالقة وثيقة بعل��م التاريخ منها‪ :‬عل��م التربية‪ ،‬وعلم السياس��ة‪ ،‬وعلم‬ ‫االقتصاد‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬وعلم الجغرافيا‪ ،‬وعلم النفس(‪.((6‬‬ ‫وقد دعا الدكتور عماد الدين خليل إل��ى اعتماد مصادر ذات تخصصات‬ ‫شتى عند تتبع أحداث التاريخ‪ ،‬حيث قال‪« :‬سيكون من فضول القول التأكيد‬ ‫على ضرورة التنويع في اعتماد المص��ادر القديمة ما بين كتب التاريخ العام‪،‬‬ ‫والحوليات‪ ،‬وتواريخ الدويالت واألقاليم والمدن‪ ،‬وكتب الخطط‪ ،‬والجغرافيا‬ ‫والرحالت‪ ،‬والتراجم والس��ير والطبقات‪ ،‬والفقه‪ ...‬ال��خ‪ ،‬ألن إغناء الجانب‬ ‫الحضاري ـ بخاصة ـ في التاريخ اإلسالمي ال يتحقق إال بهذا التنويع؛ وألن‬ ‫مقابلة الروايات والنصوص ومناقشتها وصوالً إلى الحقيقة التاريخية‪ ،‬ال يتأتى‬ ‫إال باالنفتاح على هذا الحش��د الزاخر من أنماط المص��ادر التي ترفد العمل‬ ‫التاريخي من مناح ٍ شتى»(‪.((6‬‬ ‫وبعد أن بين الدكتور محمد بن موس��ى الشريف الصفات(‪ ((6‬التي ينبغي‬ ‫صفات خمس ًا ال يمكن‬ ‫ٍ‬ ‫أن يتحلى بها مريد التاريخ وكاتبه‪ ،‬قال‪« :‬تلك كانت‬ ‫لمريد التخصص أن ُيبدع أو يكون له نتاج حسن إال إن كان متصف ًا بها‪ ،‬ولو‬ ‫وار في تقريرات��ه وتعليقاته‪،‬‬ ‫والع ُ‬ ‫فاتته واح��دة منهن ظهر النقص في عمل��ه‪ُ ،‬‬ ‫(‪ ((6‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪ 49‬ـ ‪.51‬‬ ‫(‪ ((6‬في التأصيل اإلسالمي للتاريخ‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫(‪ ((6‬الصفات التي أرادها الدكتور الشريف للمؤرخ هي‪ 1 :‬ـ حسن الصلة باهلل‪ 2 ،‬ـ القدرة على‬ ‫النقد الحسن‪ 3 ،‬ـ الرغبة الدافعة له إلى الصبر‪ 4 ،‬ـ الذكاء وحسن االستنباط والتعليل‪ 5 ،‬ـ‬ ‫اتباع الحق ال التجرد والحياد (انظر كتاب إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪ 9‬ـ ‪.)17‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪ 1‬ـ ضفرلاو لوبقلا نيب )خيراتلا يف لماكلا( باتك رداصم‬ ‫وليس شرط ًا أن يبلغ الكمال في كل صفة منها بل حسبه أن يكون فيه قدر من‬ ‫كل صفة يؤهله للمضي في بحثه سليم ًا من الضعف‪ ،‬آمن ًا من الزلل‪ ،‬وهو أمر‬ ‫قدر تقدير ًا مرده إلى عرف الزمان والمكان‪ ،‬واهلل أعلم»(‪.((6‬‬ ‫ال ينضبط لكن ُي ّ‬ ‫ويؤكد الدكتور محمد بن موس��ى الش��ريف على ه��ذا المعنى بقوله‪:‬‬ ‫«وليس النقد فقط هو المراد‪ ،‬إنما المراد هو النقد القائم على أسس شرعية‬ ‫صحيحة‪ ،‬وهذا ال يقوى عليه إال مؤرخ له حظ وافر من العلوم الشرعية‪ .‬وقد‬ ‫كان أكثر المؤرخين القدامى علماء ش��رعيين؛ فلذلك كانت كتاباتهم موثقة‬ ‫ومعتدلة إلى حد كبي��ر‪ ،‬فاإلمام الطب��ري صاحب (تاريخ األمم والرس��ل‬ ‫والملوك) كان إمام ًا مجتهد ًا عارف ًا بالفقه والحديث والتفسير واللغة بل كان‬ ‫إمام ًا في كل ذلك»(‪.((6‬‬ ‫وقال أيض ًا‪ ... « :‬ال بد لم��ن يريد التصدي لنقد الح��وادث التاريخية أن‬ ‫يحوز قدر ًا جيد ًا من الثقافة الش��رعية يستطيع به أن يميز الصالح من الطالح‪،‬‬ ‫ويحس��ن به االنتقاء واالختيار‪ .‬والحد األدنى أن يكون عارف�� ًا لطرائق تمييز‬ ‫األخبار الصحيحة من الس��قيمة بموازي��ن أهل الحدي��ث‪ ،‬وأن يكون عارف ًا‬ ‫بالحالل والحرام على وجه اإلجمال وليس التفصيل»(‪.((7‬‬ ‫فوزن األخبار بالمعايير‪ ،‬التي أش��ار إليها ابن األثير والدكتور الش��ريف‬ ‫والدكتور عماد الدين هنا قبل نش��رها واالحتجاج بها عل��ى الناس‪ ،‬واجب‬ ‫فرضه اإلس�لام على كل قائل وناق��ل إن كانت هناك فوائد ش��رعية من وراء‬ ‫القول والنقل‪.‬‬ ‫(‪ ((6‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪ 17‬ـ ‪.18‬‬ ‫(‪ ((6‬كيفية قراءة التاريخ وفهمه‪ ،‬ص ‪.94‬‬ ‫(‪ ((7‬كيفية قراءة التاريخ وفهمه‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪34‬‬ ‫الكتَّاب أي خيار س��وى اتباع ما أسس��ه شرع اهلل من ضوابط‬ ‫وليس أمام ُ‬ ‫والتي حدده��ا قول اهلل تعال��ى‪ ﴿ :‬ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ‬ ‫ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ﴾ [الحجرات‪ ،]٦ :‬وقول الرسول ژ ‪:‬‬ ‫‌ك ِذبا‌أ َ ْن‌ي َح ِّد َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‌س ِم َع)(‪.((7‬‬ ‫‌ما َ‬ ‫ث‌ب ُك ِّل َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫‌ك َفى‌با ْل َم ْرء َ ً‬ ‫(َ‬ ‫فأي قول ال يتفق مع ضوابط الش��رع‪ ،‬وال يرتكز على األسس المنهجية‬ ‫التي أقرها القرآن الكريم وبينها الرس��ول ژ وش��رحها علماء اإلسالم‪ ،‬فهو‬ ‫إشاعة مغرضة تضر المجتمع‪ ،‬وال يخفى شرها على قائلها وناقلها‪ .‬ومما عرف‬ ‫يقين ًا أن «اعتبار نش��ر اإلش��اعات وترديدها س��لوك ًا منافي ًا للفضائل واآلداب‬ ‫اإلسالمية واالجتماعية وعمل غير أخالقي»(‪.((7‬‬ ‫ومن الواضح جلي ًا أن ابن األثير ومن سار على دربه لم يكن لهم حظ في‬ ‫تطبيق األس��س المنهجي��ة التي عرفوه��ا حينما كتب��وا عن أه��ل النهروان‬ ‫واإلباضية‪ ،‬لهذا فقد كثرت في كتبهم اإلشاعات وتزاحمت في سطورها أقوال‬ ‫الكذابين والضعفاء‪.‬‬ ‫فكان حري ًا بابن األثي��ر أن يتخير المصادر الصادق��ة في كل مواطن‬ ‫أجزاء موس��وعته التاريخي��ة‪ ،‬وأن يطبق مبادئ البح��ث العلمي على كل‬ ‫الروايات واألقوال التي وصلت إليه قبل أن يسطرها في كتابه‪ ،‬وأال يكون‬ ‫منحاز ًا للموروث��ات الفكرية الت��ي صادمتها األدلة القاطع��ة‪ ،‬وأن يبتعد‬ ‫ـ كمؤرخ ـ عن الكيل بمكيالين‪ ،‬بل كان ينبغي له أن يكون سباق ًا لترسم‬ ‫خطوات لسان ميزان العدل واإلنصاف الذي أقره اإلسالم ودعا إليه علماء‬ ‫اإلسالم قاطبة‪.‬‬ ‫(‪ ((7‬صحيح مسلم‪ ،‬الرواية‪ ،5 :‬ص ‪.49‬‬ ‫(‪ ((7‬محددات اإلشاعة في السلم والحرب‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪ 1‬ـ ضفرلاو لوبقلا نيب )خيراتلا يف لماكلا( باتك رداصم‬ ‫ومما قاله األستاذ الدكتور عبد الكريم بكّ ار‪« :‬ولعل من أهم األدوات التي‬ ‫ينبغي أن نقبض عليها القدرة عل��ى رؤية موضوعية بعيدة عن الهوى والذاتية‬ ‫والقراءات الناقصة‪ ...‬ولن يحصل من ذلك شيء إال إذا امتلكنا فضيلة الصبر‬ ‫والجلد على إعم��ال الفكر‪ ،‬وتقليب النظر‪ ،‬والكف ع��ن (التكديس الذري)‬ ‫للمعلومات دون الوقوف عل��ى النواميس العليا التي تنتظمها في مس��ارات‬ ‫محددة‪ ،‬وتوزعها على مفاهيم واضحة تخرجنا من التيه‪ ،‬وتعصمنا من العيش‬ ‫في األوهام وردود األفعال‪.((7(»...‬‬ ‫وأخيراً‪ ،‬وبما أن واقع كتاب (الكام��ل في التاريخ) ليس على ما روج له‬ ‫صاحبه‪ ،‬فه��و وإن كان غني ًا بالفوائد‪ ،‬يبقى علينا نح��ن القراء أن نقوم بمهمة‬ ‫التثبت من كل المصادر التي أش��ار إليها ابن األثير ونق��ول فيها قولة الحق‪،‬‬ ‫ونعمل بما س��جله الدكتور عم��اد الدين خليل والدكتور محمد بن موس��ى‬ ‫الشريف من توصيات‪ ،‬ألننا على يقين أن هذا هو مطلب ابن األثير وغيره من‬ ‫علماء اإلسالم‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫(‪ ((7‬فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪.6‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪36‬‬ ‫ابن األثير يزكي كتابه‬ ‫‪2‬‬ ‫(الكامل في التاريخ)‬ ‫وأما مقولة ابن األثير‪« :‬عل��ى أني لم أنقل إال م��ن التواريخ المذكورة‪،‬‬ ‫دونوه‪ ،‬ولم أكن‬ ‫والكتب المشهورة‪ ،‬ممن ُيعلم بصدقهم فيما نقلوه‪ ،‬وصحة ما ّ‬ ‫كالخابط في ظلماء الليالي‪ ،‬وال كمن يجمع الحصباء واآللي» فال واقع لها‪،‬‬ ‫والكتاب ال يصدقها‪.‬‬ ‫وقد نقد الدكتور عماد الدين خليل هذه العبارة التي س��جلها ابن األثير في‬ ‫مقدمة تاريخه‪« :‬أما قوله‪ ...‬في أنه لم ينقل إال مم��ن يعلم بصدقهم فيما نقلوه‪،‬‬ ‫وصحة ما دونوه‪ ..‬وأنه لم يك��ن كالخابط في ظلماء الليال��ي‪ ..‬إلى آخره‪ ..‬فيه‬ ‫نظر‪ ..‬ذلك أنه في األقسام األولى من مؤلفه‪ ،‬منذ حديثه عن بدء الخليقة وحتى‬ ‫القرون الهجري��ة الثالثة األولى‪ ،‬نق��ل الكثير الكثير عن مص��ادر لم تكن كلها‬ ‫موثوقة صحيحة‪ ،‬واعتمد روايات وأخبار ًا فيها الغث والس��مين‪ ..‬ال بل أنه نقل‬ ‫مساحات واس��عة جد ًا من الطبري ـ في كتابه (تاريخ الرس��ل والملوك) ـ بكل‬ ‫ما تتضمنه هذه المساحات من خطأ وصواب‪ ،‬فيما حذر منه الطبري نفسه‪ ،‬دون‬ ‫أن يمارس‪ ،‬إال في حاالت قليلة‪ ،‬النقد والعزل والموازنة والشك والتمحيص»(‪.((7‬‬ ‫فتاريخ ابن األثير يصدق عليه قول ابن خلدون‪« :‬كثير ًا ما وقع للمؤرخين‬ ‫والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع العتمادهم فيها‬ ‫(‪ ((7‬حول إعادة كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ 51‬ـ ‪.52‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪ 2‬ـ خيراتلا يف لماكلا( هباتك يكزي ريثألا نبا‬ ‫على مج��رد النقل غث ًا أو س��مين ًا‪ ،‬ولم يعرضوها على أصولها وال قاس��وها‬ ‫بأش��باهها‪ ،‬وال س��بروها بمعيار الحكم��ة والوقوف على طبائ��ع الكائنات‬ ‫وتحكيم النظر والبصيرة ف��ي األخبار‪ ،‬فضلوا عن الح��ق‪ ،‬وتاهوا في بيداء‬ ‫الوهم والغلط‪.((7(»...‬‬ ‫فالنظرة العامة لتاريخ اب��ن األثير تدلنا على أن ح��ال تاريخه هو كحال‬ ‫الكتب األخرى؛ ال بد أن تعرض رواياته ومواقفه على منهج األمة اإلسالمية‬ ‫خاصة عندما يكون الحديث عن جماعات المس��لمين وأفرادهم‪ ،‬وأال ُيكتفى‬ ‫بتزكية ابن األثير لتاريخه‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫(‪ ((7‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪38‬‬ ‫ابن األثير ينقل أخبارا ً‬ ‫‪3‬‬ ‫بصيغ التمريض‬ ‫ومما يؤكد أيض ًا عدم تقيد ابن األثير بشرطه الذي قال فيه‪« :‬على أني لم‬ ‫أنقل إال من التواريخ المذكورة‪ ،‬والكتب المشهورة‪ ،‬ممن ُيعلم بصدقهم فيما‬ ‫دونوه‪ ،‬ولم أكن كالخابط في ظلماء الليالي‪ ،‬وال كمن يجمع‬ ‫نقلوه‪ ،‬وصحة ما ّ‬ ‫الحصباء واآللي»‪ ،‬هو أنه كثير ًا ما يأتي بصيغ التمريض‪ ،‬وبعبارات تدل على‬ ‫عدم تيقنه عند نقله ألخبار وردت إليه‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫«وقيل في إس�لامه غير هذا‪ ،((7(»...‬و«وقي��ل‪ :‬إن المختار بن أبي ُعبيد‪،‬‬ ‫وزياد بن أبيه ولدا فيها»(‪ ،((7‬و«وقيل‪ :‬إنه ُعمل س��نة ثم��ان وهو الثبت»(‪،((7‬‬ ‫و«وقد قيل‪ :‬إن وقعة أجنادين كانت س��نة خمس عشرة وسيرد ذكرها إن شاء‬ ‫اهلل»(‪ ،((7‬وغيرها(‪ ((8‬من األخبار التي صدرها بصيغ التمريض‪.‬‬ ‫(‪ ((7‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.87‬‬ ‫(‪ ((7‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.111‬‬ ‫(‪ ((7‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.226‬‬ ‫(‪ ((7‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.418‬‬ ‫(‪ ((8‬ومن أمثلة ذلك قول ابن األثير‪:‬‬ ‫ـ «وقيل‪ :‬إن عياض ًا أرسل عمير بن سعد إلى رأس عين ففتحها بعد أن اشتد قتاله عليها‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫إن عمر أرسل أبا موسى األشعري إلى رأس عين بعد وفاة عياض‪ .‬وقيل‪ :‬إن خالد بن الوليد‬ ‫فأطلى بشيء فيه خمر فعزله عمر‪ .‬وقيل‪ :‬إن‬ ‫حمام ًا بآمد َّ‬ ‫حضر فتح الجزيرة مع عياض ودخل ّ‬ ‫=‬ ‫خالد ًا لم ْ‬ ‫يسر تحت لواء أحد غير أبي عبيدة واهلل أعلم» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪.)535 /2‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪ 3‬ـ يرمتلا غيصب ًارابخأ ل قني ريثألا نبا‬ ‫ونج��ده يصرح عن بع��ض مصادر معلومات��ه بقوله‪« :‬حك��ى لي بعض‬ ‫التجار‪.((8(»...‬‬ ‫وبقوله‪« :‬حدثن��ي بهذا رجل من عقالء النصارى مم��ن دخل تلك البالد‬ ‫وعرف حالها‪ ،‬وسألت غيره‪ ،‬فعرف البعض وأنكر البعض»(‪.((8‬‬ ‫وينقل أحيان ًا الخبر ويرد عهدته إلى ناقله حيث قال في موضع‪ ... « :‬هكذا‬ ‫ذكره أبو الفرج بن الجوزي في تاريخه‪ ،‬والعهدة عليه»(‪.((8‬‬ ‫وقال في موضع آخر‪ ... « :‬حتى مات ابن شيركوه ليلة عيد األضحى‬ ‫فإن��ه ش��رب الخمر وأكث��ر منه��ا‪ ،‬فأصب��ح ميت�� ًا‪ ،‬فذك��روا‪ ،‬والعهدة‬ ‫عليهم‪.((8(»...‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬ذكر أصحاب التواريخ في هذه الحادثة أقاويل نحن نذكرها‬ ‫جميعها للخروج من عهدتها»(‪.((8‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬كذا قال أبو جعفر وغيره من العلماء‪ :‬إنه ركب إبليس وطاف‬ ‫عليه‪ ،‬والعهدة عليهم‪ ،‬وإنما نحن نقلنا ما قالوه»(‪.((8‬‬ ‫ـ و«وقي��ل‪ :‬إن عبد الملك اعتمر هذه الس��نة‪ ،‬وال يص��ح» (الكامل ف��ي التاريخ‪ ،‬ج ‪/4‬‬ ‫=‬ ‫ص ‪.)373‬‬ ‫ـ «وقيل‪ :‬إن أهل سمرقند خرجوا على المس��لمين وهم يقاتلونهم يوم فتحها‪( »...‬الكامل‬ ‫في التاريخ‪ ،‬ج ‪ .)574 /4‬وغيرها من المواضع‪.‬‬ ‫(‪ ((8‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪.499‬‬ ‫(‪ ((8‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪.466‬‬ ‫(‪ ((8‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.410‬‬ ‫(‪ ((8‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.518‬‬ ‫(‪ ((8‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.81‬‬ ‫(‪ ((8‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.61‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪40‬‬ ‫واعتماد ابن األثير على أس��لوب التمريض في نقل األخبار‪ ،‬إنما يحمل‬ ‫تبرئة ذمته من تبعات النقل‪ ،‬ولكنه يتناقض مع ما سطره في مقدمة كتابه حين‬ ‫قال‪« :‬على أني لم أنقل إال من التواريخ المذكورة‪ ،‬والكتب المشهورة‪ ،‬ممن‬ ‫دونوه‪ ،»...‬لهذا وجب عدم االلتفات إلى‬ ‫ُيعلم بصدقهم فيما نقلوه‪ ،‬وصحة ما ّ‬ ‫ما قاله في مقدمة كتابه من تزكية وإطراء‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫‪41‬‬ ‫‪ 4‬ـ هاوحفب ةلص اهل ىرخأ رداصم ىلع اهضرعيو ًارابخأ لقني ريثألا نبا‬ ‫ابن األثير ينقل أخبارا ً ويعرضها‬ ‫‪4‬‬ ‫على مصادر أخرى لها صلة بفحواها‬ ‫ويورد ابن األثير رواي��ات مختلفة لحدث واحد وينقله��ا في كتابه كما‬ ‫وردته‪ ،‬فقد ق��ال‪ ... « :‬وقد ذكر غيره م��ن العلماء بالتواري��خ هذه الحوادث‬ ‫مخالفة لهذا في بعض األمور مع تقديم وتأخير‪ ،‬ونحن نوردها»(‪.((8‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬هذا الذي ذكره في هذه الرواية مخالف لما تقدم‪ ،‬ولو أمكن‬ ‫الجمع بين الروايتين لفعلت‪.((8(»...‬‬ ‫قال ابن األثير‪ ... « :‬وال نعلم أهذا اختالف من المؤرخين أم هما غزاتان‪،‬‬ ‫ويكون أهلها قد غدروا بعد هذه الدفعة واهلل أعلم»(‪.((8‬‬ ‫ذكرت اختالفهم والحادثة واحدة ألن كل س��بب‬ ‫ُ‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬وإنما‬ ‫منها قد ذكره بعض العلماء‪ ،‬فمت��ى تركنا أحدهما ظن من ليس له معرفة‬ ‫أن كل سبب منها حادث مس��تقل‪ .‬وقد أهملناه‪ ،‬فاتينا بهما جميعا لذلك‬ ‫ونبهنا عليه»(‪.((9‬‬ ‫(‪ ((8‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.380‬‬ ‫(‪ ((8‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.385‬‬ ‫(‪ ((8‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.106‬‬ ‫(‪ ((9‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.547‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪42‬‬ ‫ونجد اب��ن األثير يرد أخبار ًا بع��د عرضها على روايات ه��ي أثبت منها‬ ‫جاءت في كتب أخرى‪ ،‬فقد قال عن��د ترجيحه لبعض األخبار‪« :‬وهذه الرواية‬ ‫أصح‪ ،‬فإن البخاري ومس��لم ًا أخرجاها في صحيحيهم��ا»(‪ .((9‬وقال أيض ًا في‬ ‫(‪((9‬‬ ‫مناس��بة أخرى‪ ... « :‬واألول أصح‪ ،‬ألن البخاري قد ذك��ر في صحيحه‪»...‬‬ ‫وقال أيض ًا‪ ... « :‬إال أن النفس أكثر ثقة بنقل ابن ماكوال ألنه اإلمام العالم بهذه‬ ‫األمور‪.((9(»...‬‬ ‫فهذه األقوال الت��ي قالها ابن األثير في كتابه إرش��اد لكل قارئ أن يقوم‬ ‫بالتثبت من الروايات من خ�لال عرضها ومقارنة ما تحوي��ه من أخبار على‬ ‫روايات أخرى ذات صلة علمية بالموضوع‪ ،‬وه��ذه الخطوة جزء من المنهج‬ ‫الداعي إلى التبين قبل إطالق األحكام‪.‬‬ ‫وه��ذه الجزئية من المنهج الت��ي طبقها ابن األثير هنا ل��م يطبقها عندما‬ ‫تحدث عن أهل النهروان‪ ،‬فق��د ذكر الروايات التي فيه��ا التحامل على أهل‬ ‫النهروان‪ ،‬ول��م يعرضها على الرواي��ات األخرى التي عرض��ت مبادئ أهل‬ ‫النهروان واإلباضية‪.‬‬ ‫وقد أشار الدكتور الشيخ ناصر السابعي إلى هذا المبدأ حين قال‪« :‬كما أن‬ ‫من اإلشكاليات االقتصار على بعض الروايات دون اللجوء إلى روايات أخرى‬ ‫متوارية لعلها تحدث بعد ذلك أمراً‪ .‬وأيض ًا ف��إن غياب مصادر اإلباضية عن‬ ‫ساحة عدد من الدراس��ات أفقدتها التوازن المنهجي في دراسة كثير من هذه‬ ‫القضايا‪ ،‬ألن كتب اإلباضية تمثل وجهة نظر أهل النهروان تمام التمثيل‪ ،‬وإن‬ ‫(‪ ((9‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.560‬‬ ‫(‪ ((9‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.124‬‬ ‫(‪ ((9‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.265‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪ 4‬ـ هاوحفب ةلص اهل ىرخأ رداصم ىلع اهضرعيو ًارابخأ لقني ريثألا نبا‬ ‫كانت ال تعكس وجهة نظر الفرق األخرى المنس��وبة إلى الخوارج كاألزارقة‬ ‫والنجدات والصفرية»(‪.((9‬‬ ‫فكان ينبغي البن األثير أن ي��درس جميع الروايات ال��واردة حول أهل‬ ‫النهروان‪ ،‬ويأخذ منها ما وافق الح��ق والصواب‪ ،‬ال أن يقف عند روايات من‬ ‫ناوءهم وافترى عليهم‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫(‪ ((9‬الخوارج والحقيقة الغائبة‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪44‬‬ ‫ابن األثير يستعين بالمنهج‬ ‫‪5‬‬ ‫في رد كثير من األخبار‬ ‫ومما يؤكد يقينا عدم اقتناع ابن األثير بصحة مقولته التي َص َّدر بها تاريخه‬ ‫هو وقفته وقفة المدقق ألقوال الماضين‪ ،‬ووزنها بالميزان الحق الذي لم يطبقه‬ ‫في كثير من مواضع موسوعته‪.‬‬ ‫وما س��ننقله هنا فيه اعتراف ابن األثي��ر بأن في الكتب الت��ي نقل منها‬ ‫تاريخه روايات ضعيفة تستحق الرد وعدم القبول‪.‬‬ ‫فقد قال اب��ن األثير‪« :‬ذكر ابن مس��كويه ف��ي كتاب تج��ارب األمم أن‬ ‫المستعين أخو المتوكل ألبيه‪ ،‬وليس هو كذلك‪ ،‬إنما هو ولد أخيه محمد بن‬ ‫المعتصم‪ ،‬واهلل أعلم»(‪.((9‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬وقال الزهري‪ :‬لم يكن معهم‪ ،‬ول��و كان معهم لم ينهزموا‪،‬‬ ‫وهذه العلة ليست بش��يء ألنه قد كان بعد الوحي والرس��الة ينهزم أصحابه‬ ‫ويقتلون‪ ،‬وإذا كان في جمع قبل الرسالة وانهزموا فغير بعيد»(‪.((9‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬ومن العجائب أن الشهرس��تاني مصنف كتاب‪ :‬نهاية االقدام‬ ‫في األصول‪ ،‬ومصنف كت��اب‪ :‬الملل والنح��ل‪ ،‬في ذك��ر المذاهب واآلراء‬ ‫(‪ ((9‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.118‬‬ ‫(‪ ((9‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ 592‬ـ ‪.593‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪ 5‬ـ بخألا نم ريثك در يف جهنملاب نيعتسي ريثألا نبا‬ ‫القديمة والجديدة‪ ،‬ذك��ر فيه أن نس��طور كان أيام المأمون‪ ،‬وه��ذا تفرد به‪،‬‬ ‫وال أعلم له في ذلك موافقا»(‪.((9‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬وسبب هذا أن أخبار العرب لم تكن مضبوطة على الحقيقة‪،‬‬ ‫فقال كل واحد ما نُقل إليه من غير تحقيق»(‪.((9‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬والجميع حديث خرافة ال أصل له وال حقيقة»(‪.((9‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬وبالغ آخرون مبالغة تدل على س��خف عقولهم وجهلهم‪...‬‬ ‫وما أظن الس��اعة راوي هذا الكذب الفاحش عرف الحساب حتى يعلم مقدار‬ ‫جهله‪.((10(»...‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬إقدامه على هذا القول الس��خيف‪ ...‬وقد تواطأوا على الكذب‬ ‫والتالعب بعقول الجهال واستهانوا بما يلحقهم من استجهال العقالء لهم‪ ،‬وإنما‬ ‫ذكرنا هذا على قبحه ليقف بعض َمن كان يصدق به عليه فينتهي إلى الحق»(‪.((10‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬قلت‪ :‬وهذا الفصل من حديث جم قد أتينا به تاما بعد أن كنا‬ ‫عازمين على تركه لما فيه من األش��ياء التي تمجها األس��ماع وتأباها العقول‬ ‫والطباع‪ ،‬فإنها من خرافات الفرس‪.((10(»...‬‬ ‫وقال ابن األثير تعليق ُا على أقوال بعض العلماء حول أس��ماء بعض من‬ ‫جدات الرسول ژ ‪« :‬وقد غلط هنا بعض العلماء الكبار‪.((10(»...‬‬ ‫(‪ ((9‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.332‬‬ ‫(‪ ((9‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.411‬‬ ‫(‪ ((9‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪.232 /1‬‬ ‫(‪ ((10‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.233‬‬ ‫(‪ ((10‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.234‬‬ ‫(‪ ((10‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.66‬‬ ‫(‪ ((10‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.254‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪46‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬وذكر يأجوج ومأجوج ومنس��ك وثاريس‪ ،‬إلى أش��ياء أُخر‬ ‫فأعرضت عنه��ا لمنافاتها العقول‪ .‬ولو صح أس��نادها‬ ‫ُ‬ ‫ال حاجة إلى ذكره��ا‪،‬‬ ‫لذكرناها وقلنا ب��ه‪ ،‬ولكن الحديث غي��ر صحيح‪ ،‬ومثل ه��ذا األمر العظيم‬ ‫ال يجوز أن يسطر في الكتب بمثل هذا اإلسناد الضعيف»(‪.((10‬‬ ‫وغيرها من الترجيحات التي قام بها ابن األثير حينما طبق المنهج العلمي‬ ‫على األخبار المتناقضة‪.‬‬ ‫من هذه األمثلة(‪ ((10‬التي نقلناها من تاريخ ابن األثير ندرك أن الرجل على‬ ‫علم بما ينبغي له فعله عند قراءة أي خبر من أخبار الماضين‪ ،‬فتحقيق المنهج‬ ‫في تقييم األخبار مطلب ال مواربة فيه‪ ،‬وتطبيقه ينبغي أن يكون على كل خبر‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫(‪ ((10‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.22‬‬ ‫(‪ ((10‬وانظر أيض�� ًا تعليقات ابن األثير على بعض األخبار‪ .‬الكام��ل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪،351‬‬ ‫ج ‪ /4‬ص ‪ ،90‬ج ‪ /2‬ص ‪ ،255‬ج ‪ /2‬ص ‪ ،325‬ج ‪ /6‬ص ‪ ،351‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،328‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،510‬ج ‪/2‬‬ ‫ص ‪ ،33‬ج ‪ /8‬ص ‪ ،358‬ج ‪ /3‬ص ‪ ،53‬ج ‪ /2‬ص ‪ ،33‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،257‬ج ‪ /2‬ص ‪ ،427‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪ ،355‬ج ‪ /4‬ص ‪ ،6‬ج ‪ /1‬ص ‪.451‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪ 6‬ـ »مهلاوحأب ملعأ دلب لك لهأ«‬ ‫«أهل كل بلد أعلم بأحوالهم»‬ ‫‪6‬‬ ‫ومن األسس المنهجية المنصفة التي ذكرها ابن األثير ودعا إليها‪ ،‬وطبقها‬ ‫على بعض األخبار‪ ،‬هي الرجوع إلى مؤلفات أه��ل البلدان لمعرفة أحوالهم‬ ‫ومعتقداتهم وسجالت أحداثهم‪.‬‬ ‫فقد قال ابن األثير‪« :‬هذا الذي ذكره أصحاب التواريخ من الخراسانيين‪،‬‬ ‫وقد ذكر العراقيون هذه الحوادث على غير هذه السياقة‪ ،‬وأهل كل بلد أعلم‬ ‫بأحوالهم‪ ،‬ونحن نذكر ما ذكره العراقيون مختصر ًا»(‪.((10‬‬ ‫وقال أيض ًا‪ ... « :‬وال��ذي ذكره أهل التاريخ من المغارب��ة‪ ... :‬وهم أخبر‬ ‫ببالدهم‪ ،‬وأنا أذكر ما أثبتوه في كتبهم»(‪.((10‬‬ ‫وقال أيض�� ًا‪« :‬والذي ذكره هش��ام بن الكلبي ال وجه له‪ ،‬ألن اوش��هنج‬ ‫مشهور عند الفرس‪ ،‬وكل قوم أعلم بأنسابهم وأيامهم من غيرهم»(‪.((10‬‬ ‫وقال أيض�� ًا‪« :‬قلت‪ :‬والح��ق ما قاله الف��رس‪ ،‬فإن أس��ماء ملوكهم قبل‬ ‫اإلسكندر معروفة‪.((10(»...‬‬ ‫(‪ ((10‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ 463‬ـ ‪.464‬‬ ‫(‪ ((10‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.465‬‬ ‫(‪ ((10‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.49‬‬ ‫(‪ ((10‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.165‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪48‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬هذا جميعه ذكره أبو جعفر في فتح األندلس‪ ،‬وبمثل ذلك‬ ‫اإلقلي��م العظيم والفتح المبي��ن ال ُيقتصر فيه على هذا الق��در‪ ،‬وأنا أذكر‬ ‫فتحها على وجه أتم من هذا إن ش��اء اهلل تعالى من تصانيف أهلها إذ هم‬ ‫أعلم ببالدهم»(‪.((11‬‬ ‫وقال أيض�� ًا‪ ... « :‬والذي ذك��ره أهل األندل��س في تواريخه��م ما تقدم‬ ‫ذكره»(‪.((11‬‬ ‫فليس من حق أي إنس��ان مهما علت منزلته العلمي��ة أن يتحدث عن أي‬ ‫مجتمع من غير الرجوع إلى أحوال ذلك المجتمع؛ وبعد دراسة كتب علمائهم‬ ‫ومعايشة أحوالهم ومعرفة قربهم أو بعدهم من تعاليم اإلسالم هناك سيظهر له‬ ‫الواقع الذي ينقله بكل صدق وأمانة‪.‬‬ ‫وأما النقل من هنا وهناك‪ ،‬بال قيد‪ ،‬فال قيمة له في ميزان البحث العلمي‬ ‫ولو ادعى أهل األرض جميع ًا ص��دق مصادرهم ومراجعهم وأمانتها‪ .‬وما نال‬ ‫ابن األثير وغيره م��ن اإلباضية الكرام إال بعد أن تخلى هو ومن س��ار على‬ ‫نهجه ع��ن هذه القاع��دة المنصفة التي عرفه��ا وطبقها عل��ى بعض األخبار‬ ‫المنسوبة إلى أهل األندلس والمغاربة والفرس‪.‬‬ ‫وماذا كان يضير ابن األثير لو أنه قال‪« :‬وأه��ل كل بلد أعلم بأحوالهم»‬ ‫و«كل قوم أعلم بأنسابهم وأيامهم من غيرهم» عندما تحدث عن اإلباضية؟‪.‬‬ ‫ولماذا ضرب صفح ًا عن هذا المبدأ الذي نادى به؟‬ ‫فبس��بب إعراض ابن األثير عن هذا المبدأ ج��اءت كتاباته عن اإلباضية‬ ‫مضطربة ومتناقضة كم��ا وصفها اإلمام الس��المي بقوله‪« :‬وف��ي تاريخ هذه‬ ‫(‪ ((11‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.556‬‬ ‫(‪ ((11‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪.576 /4‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪ 6‬ـ »مهلاوحأب ملعأ دلب لك لهأ«‬ ‫الحوادث اضطراب ال ينبغي أن يعول عليه‪ ،‬وفي��ه مناقضة لما أرخ أصحابنا‬ ‫وهم أعرف بحال بالدهم»(‪.((11‬‬ ‫فعبارة ابن األثي��ر التي قال فيها‪« :‬عل��ى أني لم أنقل إال م��ن التواريخ‬ ‫المذك��ورة‪ ،‬والكتب المش��هورة‪ ،‬ممن ُيعل��م بصدقهم فيم��ا نقلوه‪ ،‬وصحة‬ ‫دونوه» لم تكن مطردة‪ ،‬وكثير من األخب��ار التي أوردها ابن األثير ال واقع‬ ‫ما ّ‬ ‫لها في التاريخ؛ فقد نقل كثير ًا من األقوال الضعيف��ة والروايات الباطلة التي‬ ‫أبطلتها مناهج األمة اإلسالمية‪ .‬وهو بنفس��ه أراد بديالً عن تلك المعلومات‬ ‫التي وصلت إليه م��ن الكتب التي ادع��ى صدقها وصحته��ا‪ ،‬وفضل عليها‬ ‫ما خطته أنامل أصحاب الشأن من األمم والشعوب‪.‬‬ ‫الكتَّاب على رصها‬ ‫فال تهولنك أخي القارئ العبارات الرنانة التي يتعود ُ‬ ‫في مقدمات كتبهم‪ ،‬ولكن عليك أن تعطي كل ذي حق حقه‪ ،‬وأن تزن األخبار‬ ‫بميزان اإلسالم الصادق الذي يعد الصدق أمانة ال بد من أدائها على من تحب‬ ‫وعلى من تكره‪.‬‬ ‫وقراءة كت��ب الماضين ال حرج فيها إذا عرف القارئ الغث من الس��مين‬ ‫وتجنب الخبط ف��ي متاهات األفكار‪ ،‬فليس كل ما س��طر في كتب الماضين‬ ‫ـ ولو علت منازلهم العلمية ـ يعد صحيحا ثابتا‪.‬‬ ‫واعلم أيها الق��ارئ الكريم أن «الكالم في الناس يج��ب أن يكون بعلم‬ ‫ً‬ ‫ع��دال وصواب ًا إال إذا صدقه‬ ‫وعدل‪ ،‬ال بجهل وظلم»(‪ ،((11‬ولن يكون الكالم‬ ‫الواقع‪ ،‬وشهد له الثقاة‪.‬‬ ‫(‪ ((11‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.294‬‬ ‫(‪ ((11‬منهاج السنة النبوية في نقض كالم الشيعة والقدرية‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.48‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪50‬‬ ‫والدكتور علي محمد الصالبي قاده صواب رأيه إلى قول الحق في مسألة‬ ‫مصادر التلقي عن اإلباضية(‪ ((11‬حيث قال حفظه اهلل تعالى‪« :‬إن تقصي المنهج‬ ‫(‪ ((11‬يحسن بنا هنا أن نذكر أن الدكتور علي بن محمد الصالبي قد ألف كتابه (اإلباضية مدرسة‬ ‫إسالمية بعيدة عن الخوارج) واعتمد في تأليفه على مؤلفات اإلباضية‪ ،‬وقارن بين مبادئ‬ ‫اإلباضية وما س��جله ُكتَّاب التاريخ ع��ن الخوارج‪ .‬حيث قال في مقدم��ة كتابه‪« :‬ولذلك‬ ‫التزمت في بحثي هذا بس��ياج األدب والموضوعية والحيادي��ة ما أمكن‪ ،‬بعيد ًا عن القيل‬ ‫والقال واالنفعاالت والمهاترات والتشهير وتصعيد العثرات‪ ،‬وتتبع السقطات والتغافل عن‬ ‫الحسنات» (اإلباضية مدرسة إسالمية بعيدة عن الخوارج‪ ،‬ص ‪ 7‬ـ ‪.)8‬‬ ‫ويبقى لنا طلب ونرجو من الدكتور الصالبي ـ حفظه اهلل تعالى ـ أن يس��عى لتحقيقه‪ ،‬أال‬ ‫وهو مراجعة كتابه (الخوارج نش��أتهم وصفاته��م وعقائدهم وأفكاره��م)‪ ،‬وكتابه (فكر‬ ‫الخوارج والشيعة في ميزان أهل السنة والجماعة) وكتبه األخرى التي تحدث فيها عن أهل‬ ‫النهروان‪ .‬فإن تلك الكتب التي نشرها بعناوين متعددة تعتمد على روايات ضعيفة وأقوال‬ ‫باطلة ونقوالت عن ُكتَّاب آخرين اعتمدوا على المتس��اقط من األخبار‪ .‬وما نقله الدكتور‬ ‫الصالبي في تلك الكتب يناقض ما قال��ه في مقدمة كتابه (الخوارج نش��أتهم وصفاتهم‬ ‫وعقائدهم وأفكارهم)‪ ،‬حيث قال‪« :‬فقد قمت في هذا الكتاب بدراسة موضوعية علمية عن‬ ‫الخوارج» (الخوارج نش��أتهم وصفاتهم وعقائده��م وأفكاره��م‪ ،‬ص ‪ ،)6‬والذي عرضه‬ ‫الدكتور في كتبه عن الخ��وارج (ويقصد بهم أهل النهروان) بعيد كل البعد عن الدراس��ة‬ ‫العلمية والموضوعية كما يظهر ذلك جلي ًا لكل من تتبع صفحات تلك الكتب‪.‬‬ ‫والنقل من غير تحقيق وال دراسة هي الصبغة التي ُصبغت بها كتب الدكتور ـ حفظه اهلل‬ ‫تعالى ـ عندما تكلم عن أهل النهروان؛ فنجده ينقل م��ن هنا وهناك بال ضابط منهجي‪،‬‬ ‫وهذا المسلك جعله يردد أقواالً‪ ،‬تمجها قواعد العلم‪ ،‬ويسطرها في كتبه ال لشيء إال ألنها‬ ‫وجدت في كتب من سبقه‪ .‬وكل األقوال والروايات التي ساقها الدكتور الصالبي في كتبه‬ ‫عن أهل النهروان ذكرناها في كتابنا هذا وكتابنا (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين‬ ‫وأصحاب المقاالت)‪ ،‬وبينا تهافته��ا وضعفها في ميزان اإلس�لام‪ .‬فأرجو من الدكتور ـ‬ ‫حفظه اهلل تعالى ـ مراجعة ما س��طره في كتبه عن أهل النهروان ووزنها بالميزان القسط‪،‬‬ ‫واهلل المعين إلى كل خير‪.‬‬ ‫وأما ما يخص نشر كتاب (الخوارج نشأتهم وصفاتهم وعقائدهم وأفكارهم) فإن الدكتور ـ‬ ‫حفظه اهلل تعالى ـ لم يكتف بنش��ره منفرداً‪ ،‬بل أعاد نش��ره ضمن كتابه (اإلباضية مدرسة‬ ‫إسالمية بعيدة عن الخوارج)‪ ،‬في مسلك ال يجد القارئ له مسوغ ًا سوى محاولة الدكتور =‬ ‫‪51‬‬ ‫‪ 6‬ـ »مهلاوحأب ملعأ دلب لك لهأ«‬ ‫العلمي للوصول إلى الحقيقة في مسألة كون اإلباضية من الخوارج أو ليسوا‬ ‫منهم‪ .‬هذا األمر يقتضي الوقوف على أقوال اإلباضية أنفس��هم في مصادرهم‬ ‫األصلية(‪ ،((11‬وكتبهم المرضية عندهم‪ ،‬وكالم المعاصرين من علمائهم‪ ،‬إذ أنها‬ ‫ال تزال مدرس��ة فكرية قائمة ومذهب ًا فقهي ًا متنوع ًا‪ ،‬فاألخ��ذ عنهم أولى من‬ ‫األخذ عن غيرهم؛ ألنهم أدرى بموقف مدرستهم الفكرية على قاعدة أن أهل‬ ‫مكة أدرى بشعابها»(‪.((11‬‬ ‫الصالبي عزل اإلباضية عن أهل النهروان‪ ،‬وهذا مس��لك فاش��ل‪ ،‬وق��د رأينا آخرين من‬ ‫=‬ ‫الكُ تَّاب يسعون إلى الترويج لهذا المسلك في أوساط اإلباضية‪.‬‬ ‫ومع شكرنا المتجدد للدكتور الصالبي على كتابه الذي َب َّين فيه ُبعد المدرسة اإلباضية عن‬ ‫الخوارج‪ ،‬فإننا نرجو مرة أخرى من الدكتور أن يتسع صدره لمالحظاتنا حول منهجه الذي‬ ‫سلكه في تأليف كتبه؛ فالمنهج الذي اتبعه الدكتور في تأليف كتابه عن اإلباضية يخالف‬ ‫المنهج الذي سلكه في كتابة كتبه األخرى التي تكلم فيها عن أهل النهروان‪ ،‬فالجمع بين‬ ‫هذين المنهجين في مجلد واحد كالجم��ع بين متناقضين ومس��لكين متضادين وكيانين‬ ‫متنافرين‪ ،‬وهذا مما ال نرضاه للدكت��ور أن يقع فيه؛ فاألدلة التي س��اقها الدكتور لعرض‬ ‫مبادئ اإلباضية هي الصدق وقول الحق‪ ،‬ولكن الشواهد التي سطرها عند حديثه عن أهل‬ ‫النهروان‪ ،‬الذين عدهم من الخوارج‪ ،‬ما هي إال أباطيل وترهات الكذابين والضعفاء‪ .‬وأما‬ ‫القضايا الخالفية األخرى‪ ،‬كقضية الشفاعة وقضية نفي أو إثبات رؤية اهلل تعالى في اآلخرة‪،‬‬ ‫والتي تعرض لها الدكتور في كتابه (اإلباضية مدرسة إس�لامية بعيدة عن الخوارج) فقد‬ ‫ناقشناهما في كتابنا (معالم الحق) وكتابنا (الميزان القسط)‪ ،‬فنرجو من الدكتور الصالبي‬ ‫النظر في هذين الكتابين بعين اإلنصاف‪ ،‬ونسأل اهلل تعالى التوفيق للجميع‪.‬‬ ‫(‪ ((11‬ومما قاله الدكتور الصالبي أيض ًا‪« :‬وقد عقدت العزم على التحلي بقيمة العلم واإلنصاف‬ ‫في إعداد هذه الدراسة‪ ،‬وما شجعني أكثر‪ ،‬وحس��ب اطالعي‪ ،‬لم يمر بي أحد من علماء‬ ‫أهل الس��نة من رجع إلى كتب ومصادر المدرس��ة اإلباضية وعلمائها األولين‪ ،‬ولم أجد‬ ‫دراسة تاريخية وفقهية موس��وعية تتعلق بالمدرس��ة اإلباضية‪ ،‬من حيث الفقه واألصول‬ ‫والسلوك والعقائد والتنظيم والسياسة الخاصة بهم‪( »...‬اإلباضية مدرسة إسالمية بعيدة عن‬ ‫الخوارج‪ ،‬ص ‪.)6‬‬ ‫(‪ ((11‬اإلباضية مدرسة إسالمية بعيدة عن الخوارج‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪52‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬إذا‪ ،‬فإن هذه الدراس��ة محاولة جادة لإلنصاف واالقتداء‬ ‫بقيمة العلم ف��ي البحث الموضوع��ي‪ .‬ولقد طالعت ودرس��ت المذهب‬ ‫اإلباضي من أصوله ومصادره وتعرفت على علماء راسخين وفقهاء ربانيين‬ ‫وسياس��يين محنكين وباحثي��ن جادين أث��روا الحضارة اإلس�لامية في‬ ‫اجتهاداتهم السياس��ية واألصولية والفقهية والفكري��ة واالجتماعية قديما‬ ‫وحديث ًا»(‪.((11‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬لقد أنتج هؤالء الفقهاء والمفكرين والساس��ة نتاج ًا حضاري ًا‬ ‫في مجال التاريخ والسياس��ة والتش��ريع والفق��ه واألص��ول واالجتهاد كتب ًا‬ ‫ومؤلفات كثيرة‪ .‬وإنني وصلت من خالل دراستي ومطالعتي إلى قناعة راسخة‬ ‫مبنية على قيمة العلم واإلنصاف بأن المذهب اإلباضي مدرسة إسالمية بعيدة‬ ‫ِ‬ ‫َت به��م تهم وادعاءات باطل��ة بعيدة عن اإلنصاف‬ ‫عن الخوارج‪ ،‬وقد أُلصق ْ‬ ‫الكتَّاب في مغالطات تاريخية‪ ،‬ونس��بوا‬ ‫والطريق العلمي‪ ،‬حي��ث وقع بعض ُ‬ ‫لإلباضي��ة من األق��وال والمعتقدات واألف��كار ما نفاه المحقق��ون والعلماء‬ ‫الراسخين من شيوخ وعلماء المذهب»(‪.((11‬‬ ‫فمن هذه األقوال التي قالها الدكتور علي بن محمد الصالبي ـ حفظه‬ ‫اهلل تعالى ـ ن��درك أن اإلنصاف مره��ون بالوثوق باألخب��ار المروية عن‬ ‫الناس؛ ولن تكون هناك ثقة بم��ا روي من أخبار إال إذا أقر بها المكتوب‬ ‫عنهم‪ ،‬أو صدقه علم الرواية والدراية الذي َش َّي َده المسلمون على القواعد‬ ‫الشرعية التي جاء بها كتاب اهلل تعالى‪ ،‬وأمر بها المصطفى عليه صلوات‬ ‫ربي وسالمه‪.‬‬ ‫(‪ ((11‬اإلباضية مدرسة إسالمية بعيدة عن الخوارج‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫(‪ ((11‬اإلباضية مدرسة إسالمية بعيدة عن الخوارج‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪ 6‬ـ »مهلاوحأب ملعأ دلب لك لهأ«‬ ‫ونحن مع ش��كرنا للدكتور الصالبي على جهده المبارك في ربط نتائج‬ ‫بحثه عن اإلباضية بمصادر البح��ث التي ينبغي الركون إليها‪ ،‬فإننا نطلب منه‬ ‫إعادة النظر في أقواله التي بثه��ا في كتبه األخرى عن أه��ل النهروان الذين‬ ‫أس��هب الدكتور في نعتهم بأقوال هم بريئون منها حينما اعتمد على روايات‬ ‫ضعيفة وأقوال ال قيمة لها في األوساط العلمية‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪54‬‬ ‫كتب التاريخ بين المنهج والواقع‬ ‫‪7‬‬ ‫وحال ابن األثير مع روايات التاريخ يتكرر م��ع غيره ممن كانوا قبله أو‬ ‫ُ‬ ‫ممن أتوا إلى الوجود من بعده‪ ،‬ألن الجميع م��ع مادة التاريخ لم يكونوا في‬ ‫كل األحوال مطبقين لما طُ لِ َب منهم التزامه عند الكتابة عن غيرهم من الناس؛‬ ‫فها هو ابن خلدون يعرض موسوعته التاريخية بأسلوب ال يتماشى مع القواعد‬ ‫المنهجية التي ذكرها في مقدمته‪ ،‬وقد أدرك هذه الحقيقة كل الذين قارنوا بين‬ ‫تاريخ ابن خلدون ومقدمته‪ ،‬فقد قال الدكتور عماد الدين خليل‪« :‬ويتس��اءل‬ ‫المرء‪ :‬لما لم ينفذ ابن خلدون منهجه النقدي هذا في معظم مساحات مؤلفه‬ ‫الضخم (العب��ر‪ ،‬وديوان المبتدأ والخبر‪ )...‬الذي يع��رض فيه لوقائع التاريخ‬ ‫البشري عامة واإلسالمي خاصة‪ ،‬من بداياتهما األولى وحتى عصره؟‪.‬‬ ‫ويجد المرء نفسه مضطر ًا إلى موافقة المؤرخ اإلنجليزي (روبرت فلينت)‬ ‫بقوله‪( :‬إذا نظرنا إلى ابن خلدون كمؤرخ وجدنا م��ن يتفوق عليه من ُكتَّاب‬ ‫العرب أنفسهم‪ ،‬وأما كواضع نظريات في التاريخ‪ ،‬فإنه منقطع النظير في كل‬ ‫زمان ومكان)‪.((11(»...‬‬ ‫(‪ ((11‬حول إعادة كتابة التاريخ اإلس�لامي‪ ،‬ص ‪ ،46‬وقد اعتذر الدكت��ور عماد الدين خليل في‬ ‫نفس الصفحة عن التناق��ض بين ما في مقدم��ة ابن خلدون وما س��طره ابن خلدون في‬ ‫موسوعته التاريخية بقوله‪ ... « :‬والسبب ربما يكون واضح ًا لدرجة قد تقوده إلى الخفاء‪..‬‬ ‫أن أحداث التاريخ التي دونها ابن خلدون في مؤلفه التاريخي غزيرة جد ًا تتضمن كميات‬ ‫هائلة من الوقائع‪ ،‬وأن محاولة تنفيذ المعيار النقدي عليها جميع ًا أمر فوق طاقة اإلنس��ان =‬ ‫‪55‬‬ ‫‪ 7‬ـ عقاولاو جهنملا نيب خيراتلا بتك‬ ‫وقال الدكتور عماد الدين خليل في موضع آخر‪« :‬أما ابن األثير فإننا نقرأ‬ ‫في مقدمته مالمح موقف منهجي‪ ،‬نقاد‪ ،‬غير مستس��لم‪ ،‬لكنه ـ أغلب الظن ـ‬ ‫لم يس��تطع ـ كابن خل��دون ـ أن يحقق تمام�� ًا الوفاق المنش��ود بين الواقع‬ ‫والمطلوب‪.((12(»...‬‬ ‫وقالت الدكتورة س��يدة إس��ماعيل كاش��ف حينما تحدثت ع��ن تاريخ‬ ‫ابن خلدون‪« :‬ولكن مما يؤس��ف له أنه لم يطبق هذا المنهج حين عرض هو‬ ‫نفسه لكتابة تاريخه المشهور‪( :‬العبر وديوان المبتدأ والخبر)»(‪.((12‬‬ ‫وقال الدكتور محمد بن موسى الشريف «وخرجنا من ذلك بنتيجة مؤداها‬ ‫أنه يتعين على من أراد أن يقرأ ما دونه المس��عودي أو غيره من ذوي الميول‬ ‫واألهواء عن التاريخ اإلس�لامي وخاصة الفترات الغامضة فيه أو التي حدث‬ ‫فيها اجتهاد واختالف بين المسلمين أن يكون على حذر وانتباه وأن ال ينساق‬ ‫إل��ى تصديق ما يق��رؤه إال بعد قيام الدالئ��ل وثبوت الرواي��ات من األوجه‬ ‫الصحيحة المعتبرة»(‪.((12‬‬ ‫وحينما تناول كت��اب (البداية والنهاي��ة) لإلمام ابن كثي��ر‪ ،‬قال الدكتور‬ ‫الش��ريف‪« :‬أورد بعض األخبار الواهية‪ ،‬والروايات الضعيفة‪ ،‬وبعض األخبار‬ ‫التي تناقض المنهج الصحيح والعقل الصريح‪ ،‬واعتذر عن بعض ذلك بقوله‪:‬‬ ‫(لوال أنها مسطرة في كثير من كتب التفسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس‬ ‫حتى لو كان هذا متفرغ ًا لمهمة مستحيلة كهذه‪ ،‬فكيف بابن خلدون الذي استنزفته مشاغل‬ ‫=‬ ‫الحياة‪ ،‬وزحمة األعمال الوظيفية‪ ،‬واالنغمار الذي عهد عنه في سياسات العصر وتقلباته‪،‬‬ ‫فضالً عن كثرة تجواله في حقول المعرف��ة المختلفة‪..‬؟ من أين له الوقت الذي يمكنه من‬ ‫تحقيق هذه المهمة العسيرة؟»‪.‬‬ ‫(‪ ((12‬حول إعادة كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.49‬‬ ‫(‪ ((12‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫(‪ ((12‬تعريف مؤجز بأشهر كتب التاريخ‪ ،‬ص ‪.40‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪56‬‬ ‫لما تعرضنا لها لسقاطتها وركاكتها ومخالفتها(‪ ((12‬للمعقول والمنقول)‪ ،‬وليته‬ ‫لم يوردها»(‪.((12‬‬ ‫كاتب التاريخ بقوله‪« :‬وليستشعر المسئولية‬ ‫َ‬ ‫ونصح الدكتور محمد الشريف‬ ‫الكبيرة الملقاة على عاتقه وهو يكتب تاري��خ األمة العظيمة التي أخرجها اهلل‬ ‫للناس‪ ،‬فهو أش��به بالقاضي والحاكم‪ .‬وليكون أمين ًا ف��ي النقل من المصادر‬ ‫والمراجع‪ ،‬فال يجتزئ من النص��وص أو يتالعب بها ليخ��رج بنتائج تخدم‬ ‫مذهبه أو وجهته الفكرية والعقدية»(‪.((12‬‬ ‫وأوضح األستاذ الدكتور عبد الكريم بكّ ار المسئولية الملقاة على عاتق كاتب‬ ‫التاريخ بقوله‪« :‬إذا كان القاضي في محكمة اليوم‪ ،‬ال يستطيع أن يتأكد دائم ًا من‬ ‫بناء عل��ى معطيات الحقيقة اليقينية الت��ي توصل إليها‪ ،‬على‬ ‫أنه أصدر أحكامه ً‬ ‫الرغم من وجود الش��هود بين يديه‪ ،‬وعلى الرغم من إمكانية فحص أشياء مرئية‬ ‫كثيرة‪ ،‬تتعلق بالقضية موضع الحك��م؛ فكيف يعرف المؤرخ التفاصيل المطلوبة‬ ‫لمعرفة حقيقة تفصله عنها مئات السنين؛ كما أن التفاصيل التي سيعتمد عليها في‬ ‫بناء الحدث التاريخي ليس��ت من اختياره دائم ًا؛ فكثير ًا ما تكون قد اختيرت له‬ ‫من قبل أُناس صدقوها وأرادوا من اآلخرين تصديقها!»(‪.((12‬‬ ‫وقدم الدكتور محمد الشريف نصيحة لقراء التاريخ بقوله‪« :‬وينبغي على‬ ‫الق��ارئ(‪ ((12‬أن يتخير كتب التراج��م التي امتاز كاتبوه��ا باإلنصاف والعدل‬ ‫(‪ ((12‬هكذا في النقل‪ ،‬وفي األصل‪‌« :‬لوال‌أنها‌مس��طرة‌في‌كثير من كتب التفاس��ير وغيرها من‬ ‫التواريخ وأيام الناس لما تعرضنا لحكايتها لس��قاطتها وركاكتها‪ .‬ثم إنها مخالفة للمعقول‬ ‫والمنقول» (البداية والنهاية‪ ،‬م‪ ،1‬ج ‪ /1‬ص ‪.)107‬‬ ‫(‪ ((12‬تعريف مؤجز بأشهر كتب التاريخ‪ ،‬ص ‪ 161‬ـ ‪.162‬‬ ‫(‪ ((12‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫(‪ ((12‬القراءة المثمرة (مفاهيم وآليات)‪ ،‬ص ‪ 100‬ـ ‪.101‬‬ ‫(‪ ((12‬هكذا في األصل والصواب (ينبغي للقارئ)‪.‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪ 7‬ـ عقاولاو جهنملا نيب خيراتلا بتك‬ ‫وحسن تقويم األشخاص‪ ...‬وإياه والكتب التي تحط من قدر الناس‪ ،‬وتتج ّنى‬ ‫عليهم‪ ،‬وتكثر من ذكر مثالبهم وعوراتهم وأخطائهم‪.((12(»...‬‬ ‫وقال الدكتور عماد الدين خليل‪« :‬وليس غير أبناء اإلس�لام أنفسهم من‬ ‫يقدر عل��ى أداء المهمة ويحمل على عاتقه مس��ؤولية إع��ادة عرض وتحليل‬ ‫التاريخ اإلسالمي وفق منهج يقدم من األدوات واإلمكانات ما يساعد المؤرخ‬ ‫على عرض وقائع هذا التاريخ بأكبر قدر من األمانة والموضوعية»(‪.((12‬‬ ‫واستش��هد الدكت��ور محمد ب��ن موس��ى الش��ريف بقول ت��اج الدين‬ ‫عبد الوهاب الس��بكي الذي وصف حال ُكتَّ��اب التاريخ بقول��ه‪« :‬فإن أهل‬ ‫التاريخ ربما وضعوا من أناس ورفعوا أناس�� ًا لتعصب‪ ،‬أو لجهل‪ ،‬أو لمجرد‬ ‫اعتماد على نقل َمن ال يوثق ب��ه‪ ،‬أو غير ذلك من األس��باب‪ ،‬والجهل في‬ ‫المؤرخين أكثر منه ف��ي أهل الجرح والتعديل‪ ،‬وكذل��ك التعصب‪ ،‬وق َّل أن‬ ‫رأيت تاريخ ًا خالي ًا من ذلك»(‪.((13‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬المؤرخون‪ ،‬وهم على شفا جرف هار؛ ألنهم يتسلطون على‬ ‫أعراض الناس‪ ،‬وربما نقلوا مج��رد ما يبلغهم من صادق أو كاذب‪ ،‬فال بد أن‬ ‫يكون المؤرخ عادالً عدالً‪ ،‬عارف ًا بحال م��ن يترجمه‪ ...‬وربما كان الباعث له‬ ‫الضعة من أقوام مخالفة العقيدة‪ ،‬واعتقاد أنهم على ضالل فيقع فيهم‪ ،‬أو‬ ‫في َ‬ ‫يقصر في الثناء عليهم لذلك»(‪.((13‬‬ ‫(‪ ((12‬التراجم وأثرها في السلوك اإلنساني‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫(‪ ((12‬في التأصيل اإلسالمي للتاريخ‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫نقال عن (خمس فتاوى لم تنشر ـ مجلة معهد المخطوطات‬‫(‪ ((13‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪ 10‬ـ ‪ً 11‬‬ ‫‪.)163 /2‬‬ ‫نقال (عن خمس فتاوى لم تنش��ر ـ مجلة معهد المخطوطات‬ ‫(‪ ((13‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪ً ،11‬‬ ‫‪.)164 /2‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪58‬‬ ‫فهذا القول الذي نقله الدكتور محمد بن موس��ى الشريف عن السبكي‬ ‫رد بليغ على دعوى اب��ن األثير التي قال فيها‪« :‬على أن��ي لم أنقل إال من‬ ‫التواريخ المذكورة‪ ،‬والكتب المش��هورة‪ ،‬ممن ُيعل��م بصدقهم فيما نقلوه‪،‬‬ ‫دونوه‪ ،‬ول��م أكن كالخابط في ظلم��اء الليالي‪ ،‬وال كمن يجمع‬ ‫وصحة ما ّ‬ ‫الحصباء واآللي»‪.‬‬ ‫من كل ما س��بق ندرك أن ابن األثير قد أجاد في تذكي��ر الناس بمبادئ‬ ‫المنهج التاريخي وأسسه‪ ،‬وهو ُيشكر على ذلك‪ ،‬ولكنه ـ يا لألسف ـ حينما‬ ‫عرض أح��داث التاريخ المنس��وبة إلى أه��ل النهروان واإلباضي��ة لم يطبق‬ ‫ما سجله من أفكار نقدية لألخبار التي أوردها في موسوعته التاريخية‪ ،‬وسلك‬ ‫مسلك من تنمر على مقامات الناس العالية الرفيعة‪.‬‬ ‫ولعل ابن األثير يشير إلى تلك الثغرات التي يدركها القارئ لكتابه حيث‬ ‫«ونصبت نفسي غ ََرض ًا للسهام‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قال في مقدمة موس��وعته التاريخية ما نصه‪:‬‬ ‫الل��وام‪ ،‬ألن المآخذ إذا كانت تتط��رق إلى التصنيف‬ ‫ّ‬ ‫وجعل ُته��ا مظ ّنة ألقوال‬ ‫تكررت مطالع ُته‬‫ْ‬ ‫المهذب‪ ،‬واالس��تدراكات تتعلق بالمجموع المر َّتب‪ ،‬الذي‬ ‫َّ‬ ‫وتنقيحه‪ ،‬وأُجيد تأليفه وتصحيحه‪ ،‬فهي بغيره أولى‪ ،‬وبه أحرى‪ ،‬على أني ُمقر‬ ‫س��هو جرى به القلم‪ ،‬بل أعترف بان ما أجهل‬ ‫ٌ‬ ‫بالتقصير‪ ،‬فال أقول إن الغلط‬ ‫أكثر مما أعلم»(‪.((13‬‬ ‫فمهما يكن من سبب‪ ،‬ومهما يكن من دافع للذين لم ينصفوا اإلباضية في‬ ‫ـ الكتَّاب منا والقراء ـ مطالبون باإلنصاف الذي أوجبه‬ ‫ُ‬ ‫كتاباتهم‪ ،‬فإننا جميع ًا‬ ‫علينا ش��رع اهلل في تحري الص��دق والتثبت‪ ... « ،‬فال نقبل م��ن األخبار إال‬ ‫(‪ ((13‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.6‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪ 7‬ـ عقاولاو جهنملا نيب خيراتلا بتك‬ ‫ما ثبت لدينا بمنهج المحدثين ال بمنهج المؤرخين‪« ،((13(»...‬والمنهج العلمي‬ ‫يقتضي الرجوع إلى األمهات وأصول العلوم والكتب‪ ،‬وأصول البحث تقتضي‬ ‫الدقة والتحقيق والتمحيص والمراجعة والصدق في النقل والبرهنة الصحيحة‬ ‫على الموضوع المتكلم فيه‪ ،‬والذي يدور الحوار حوله»(‪.((13‬‬ ‫إن األس��س «النقدية التي تمس صلب الخبر»(‪ ((13‬والتي نادى بها علماء‬ ‫اإلسالم ومنهم ابن األثير «تجعل المس��لم في حصن حصين من الوقوع في‬ ‫أس��ر الدعايات المنظمة المضللة التي ينشغل بها الناس اليوم‪ ،‬ويبنون عليها‬ ‫الكثير من عواطفهم ال سيما حين تنعدم دراس��ات اإلسناد وموازين الجرح‬ ‫والتعديل كما هو الش��أن في هذه األيام!!‪ .‬وحين تساهلنا في كل ما نسمعه‪،‬‬ ‫ول��م نملك الفاعلي��ة لتمحيصه ص��ار مركبن��ا العقلي مؤلف ًا م��ن المعقول‬ ‫والالمعق��ول‪ ،‬ومن الجائز والمس��تحيل‪ ،‬وكان��ت الثم��رة اضطراب ًا في كل‬ ‫شيء!!‪ ...‬وحين نمعن النظر في حال الناس تجاه هذه المسألة نجد الحيف‬ ‫فيها أكثر من اإلنصاف‪ ،‬كم��ا نجد التبعية لأله��واء واألمزجة الخاصة على‬ ‫أش��دها‪ ،‬ولكن يبقى في هذه األمة على اتس��اع أمداء الزم��ان والمكان من‬ ‫يتقرب إلى اهلل ـ تعالى ـ بإنزال الحقائق منازلها‪ ،‬وإنصاف المخالفين ومغالبة‬ ‫األهواء والظنون»(‪.((13‬‬ ‫ويقول الدكتور الش��ريف‪« :‬ال غنى لمريد التخصص في علم التاريخ من‬ ‫معرفة طرائ��ق الجرح والتعديل عن��د المحدثين‪ ،‬ـ ب��دون تفصيل إنما ذلك‬ ‫للمختصين ـ وفهم أقس��ام األحادي��ث واآلثار من حي��ث الصحة والضعف‬ ‫(‪ ((13‬الحدود بين حرية التعبير واإلساءة إلى اآلخر‪ ،‬ص ‪.143‬‬ ‫(‪ ((13‬الحدود بين حرية التعبير واإلساءة إلى اآلخر‪ ،‬ص ‪.144‬‬ ‫(‪ ((13‬فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪.162‬‬ ‫(‪ ((13‬فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪ 162‬ـ ‪.163‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪60‬‬ ‫والوضع‪ ،‬وفهم قواعد التخريج والتحقيق‪ ،‬ألن ذلك كله يحتاجه المؤرخ الذي‬ ‫ينقب في بطون الكتب القديمة ويستخرج منها ما يريد‪ ،‬والمطلوب هو الفهم‬ ‫العام لتلك القواعد على وجه يضبط بها المؤرخ قراءته وبحثه‪ .((13(»...‬ويقول‬ ‫في موضع آخر‪« :‬ما كان فيها من أخبار تتعل��ق بالعقائد‪ ،‬أو الفتن‪ ،‬أو الحكم‬ ‫على األش��خاص بالنفاق أو الكفر‪ ،‬أو اإلخب��ار بالمغيبات فهذا ال بد من أن‬ ‫يثبت بسند صحيح أو حس��ن لذاته أو لغيره‪ ،‬على حسب التفصيل الوارد في‬ ‫كتب دراسة األسانيد الحديثية‪ ،‬وال ُيقبل في هذا القسم األخبار الضعيفة»(‪.((13‬‬ ‫وينبغي لنا جميع ًا أن نعلم أن التاريخ يكتبه أصحاب الشأن‪ ،‬وال يقبل أن‬ ‫تدونه أيدي من أسقطت عدالتهم‪ ،‬وأن األقوال الضعيفة على أي فئة من الناس‬ ‫ال قيمة لها في ميزان العل��م والصدق‪ ،‬وأن دائرة المعرف��ة ال تكتمل إال إذا‬ ‫َص َدقْنا في القول والنقل وعرفنا كيف نقرأ التاريخ من مصادره‪ .‬وأس��اس كل‬ ‫ما س��بق ذكره هي القاعدة القائلة‪( :‬إذا كنت ناقالً فالصحة‪ ،‬وإذا كنت مدعي ًا‬ ‫فالدليل) والتي بينها علماء المسلمين عند حديثهم عن المنهج االستردادي في‬ ‫البحث العلمي(‪.((13‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫(‪ ((13‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫(‪ ((13‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫(‪ ((13‬انظر (فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪.)114‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪ 8‬ـ ابخألا نم ىوطي امو ىوري ام طبض‬ ‫ضبط ما يروى وما يطوى من األخبار‬ ‫‪8‬‬ ‫فمن نصائح سماحة شيخنا أحمد بن حمد الخليلي ـ حفظه اهلل تعالى ـ‬ ‫لألمة اإلس�لامية حول «طي صفح��ة الماضي في تاريخ األم��ة»‪ ،‬هو قوله‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬ال تنب��ش الفتن الت��ي نجمت في الق��رن األول مهما تأت��ى ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫الماضي ال يدرك‪ ،‬وقد مضى بحل��وه ومره‪ ،‬فال معنى الجترار أحداثه‪ ،‬وهل‬ ‫يورث ذلك إال تعميق الجراح وتنفير القلوب وإيغار الصدور؟ وقد أرش��دنا‬ ‫إلى ذلك الق��رآن الكريم في قوله تعال��ى‪ ﴿ :‬ئۈ ئۈ ئې ئېئې ئى ئى ئى‬ ‫ی ی یی ئج ئح ئم ئى ئي ﴾ [البقرة‪ ،]١٣٤ :‬وإن دعت الضرورة لبحث‬ ‫ذلك في الماضي فإنه يجب أن يكون بطريقة منصفة عادلة ال تخضع لما عند‬ ‫طائفة م��ن المواريث الفكرية‪ ،‬وإنم��ا يحكم فيها القرآن والس��نة الثابتة عن‬ ‫النبي ! باتفاق الجميع‪ ،‬فال يجرم برئ وال يبرأ مجرم اتباع ًا للهوى وركون ًا‬ ‫إلى العصبية»(‪.((14‬‬ ‫وقال الدكتور محمد بن موس��ى الشريف تحت عنوان‪( :‬ضبط ما يروى‬ ‫وما يطوى)(‪ ((14‬ما نصه‪« :‬ينبغي أن يكون لدى المؤرخ موازين شرعية وعقلية‬ ‫صحيحة تضبط ما ينبغي له أن يخرج إلى الناس وما ينبغي أن يكون حبيس‬ ‫الدفات��ر وبط��ون الكت��ب»‪ ،‬وذكر منه��ا‪« :‬أخب��ار الفتن التي ج��رت بين‬ ‫(‪ ((14‬أمة اإلسالم إلى أين‪ ،‬ص ‪.90‬‬ ‫(‪ ((14‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪ 28‬ـ ‪.29‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪62‬‬ ‫الصحاب��ة @ والخالفات التي نش��أت بينهم‪ ،‬وما صدر عنه��م من أفعال‬ ‫وأقوال مرجوحة‪.»...‬‬ ‫الكتَّاب في طي ما يمزق‬ ‫فالفوائد لهذه األمة ال تعد وال تحصى إذا ساهم ُ‬ ‫كيانه��ا‪ ،‬وإظهار ما يوح��د الصفوف ويبع��ث في كيان أم��ة محمد ژ روح‬ ‫التعارف والتكاتف والوحدة والتناصر‪ ،‬فال بد لكل كاتب أن يدرك األمور من‬ ‫هذا المبدأ ويسعى جاهد ًا في اختيار ما يطوى من أحداث فال يذكره إال ألخذ‬ ‫العبر‪ ،‬وأن يتعرف على ما يش��د من عضد هذه األمة فيروي��ه ويعرضه على‬ ‫أجيال األمة المتالحقة لتزداد قوة إلى قوتها‪.‬‬ ‫وقال الدكتور محمد بن موسى الشريف‪« :‬في التاريخ العديد من المزالق‬ ‫التي ينبغي ع��دم التركيز عليها‪ ،‬وعل��ى رأس ذلك الفتن الت��ي وقعت بين‬ ‫الصحابة ـ رضي اهلل عنهم جميع ًا ـ فقد كان الس��لف يتجنبون الخوض فيها‬ ‫ويقولون هي فتنة جنب اهلل أيدينا منها فنكف ألسنتنا عنها‪ ،‬وكانوا يوصون في‬ ‫الكتب التي يكتبونها لبيان العقيدة الصحيحة بقولهم فيها‪( :‬ونكف ألس��نتنا‬ ‫عما شجر بين أصحاب رسول اهلل ژ ‪ ،‬فأخبار الفتن هذه ينبغي اإلعراض عنها‬ ‫تمام ًا‪ ...‬واألجمل بطال��ب التاريخ أن يبتعد تمام ًا عن ه��ذا الموضوع المثير‬ ‫ألمور هو ف��ي غنى عنه��ا»(‪ .((14‬فحينما يأتي الحدث ال ليضي��ف فائدة فمن‬ ‫األولى أن (يطوى وال يروى)‪ ،‬فكيف إذا كان مما تكرهه النفوس ويؤجج نار‬ ‫الفتن ويمزق أواصر األخوة في الدين؟!‪.‬‬ ‫وابن األثير أش��ار إلى هذا المبدأ في مواضع(‪ ((14‬وإن لم يتخذه الصبغة‬ ‫(‪ ((14‬كيفية قراءة التاريخ وفهمه‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫(‪ ((14‬فمما قاله ابن األثير‪« :‬فدخل اب��ن عباس على ابن الزبير وأغلظ ل��ه‪ ،‬فجرى بينهما كالم‬ ‫كرهنا ذكره» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ .)253‬وقوله‪« :‬وقد قيل‪ :‬إنه جري بين محمد‬ ‫كرهت ذكرها فإنها مما ال يحتمل سماعها العامة» (الكامل في التاريخ‪= ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ومعاوية مكاتبات‬ ‫‪63‬‬ ‫‪ 8‬ـ ابخألا نم ىوطي امو ىوري ام طبض‬ ‫الغالبة على ما نقله من أحداث في موسوعته‪ .‬وهو وإن توقف عن ذكر بعض‬ ‫األحداث ـ وهو يش��كر على ذلك ـ‪ ،‬فإنه لم يتقيد بهذا المبدأ في كل أجزاء‬ ‫موسوعته؛ فقد نقل من األحداث التي ال يفخر بها مس��لم لما فيها من قتال‬ ‫ونهب واعتداء على محارم الدين‪.‬‬ ‫ونرجو أن يكون اعتذارنا مقب��والً عند القراء عن اب��ن األثير وغيره من‬ ‫المؤرخين في نقلهم ألحداث مؤلمة تمجها األسماع‪ ،‬فإننا نرى ذكرهم لتلك‬ ‫األحداث ألجل أن تتنبه أجيال المس��لمين إلى أن الفرق��ة والتقاتل بين أبناء‬ ‫الملة الواحدة تس��بب تداعي األمم الكافرة على حمى اإلس�لام‪ ،‬كما حدث‬ ‫ذلك قبل هجوم التتار والصليبيين وما نش��اهده اليوم من تكالب األمم على‬ ‫كيانات الشعوب المسلمة‪.‬‬ ‫وهذا ملمح أدركناه من خالل اطالعنا على ما كتبه ابن األثير نفسه ومن‬ ‫خالل ما صرح به رجال أحسوا بما تفعله الروايات التاريخية من أفاعيل حسنة‬ ‫في أوساط األمة إن أُحسن قراءتها واستلهمت منها العبر والدروس‪ ،‬وما تفعله‬ ‫تلك الروايات التاريخية من مساوئ في أوس��اط األمة إن ا ُتخذ منها سيوف‬ ‫لتقطيع هذه األمة إلى أشالء ال حراك لها أمام هجمات أعدائها‪.‬‬ ‫وقد أش��ار الدكتور محمد بن موس��ى الش��ريف إلى فاعلية األخبار في‬ ‫أوس��اط الناس بقوله‪ ... « :‬فلعل س��وق تلك األحداث يوقظ الضمائر‪ ،‬ويهز‬ ‫المشاعر‪ ،‬ويلهب النفوس‪ ،‬ويش��د العزائم حتى نخرج من هذا التيه‪ ،‬ونفارق‬ ‫هذا الطريق المعوج»(‪.((14‬‬ ‫ج ‪ /3‬ص ‪ .)273‬وقول��ه‪ ... « :‬وكان ابتداؤه أوالً ببناء المدينة‪ ،‬فلم��ا فرغ منها ابتدأ بعمارة‬ ‫=‬ ‫المسجد‪ ،‬وقد أكثر الناس في صفة البناء مما ُيس��تبعد وال حاجة إلى ذكره» (الكامل في‬ ‫التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ .)228‬ومما قاله أيض ًا‪« :‬وقد اختلفوا في والة اليمن لألكاس��رة اختالفا‬ ‫كثير ًا لم َأر لذكره فائدة» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.)451‬‬ ‫(‪ ((14‬من مآسي االفتراق‪ ،‬ص ‪.7‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪64‬‬ ‫نعم؛ األمة اإلس�لامية قادرة على الخروج من هذا التيه الذي هي فيه إذا‬ ‫أحسنت قراءة تاريخ من س��بق ووزنت أعمال القرون الماضية بالميزان الحق‬ ‫الذي حدده اإلسالم‪ .‬وما تجرأ أعداء اإلسالم عبر التاريخ على النيل من هذه‬ ‫األمة إال حينما ترك المس��لمون النظر في كتاب اهلل الداعي لهم إلى استلهام‬ ‫العبر ممن غبر من البشر‪ ،‬والداعي لهم كذلك إلى االقتداء بسنة الرسول ژ‬ ‫الذي جمع اهلل به صفوف القبائل المتناحرة تحت راية واحدة حينما حدد لهم‬ ‫ـ صلوات ربي وسالمه عليه ـ ما يأخذون وما يذرون مما وصل إلى أسماعهم‬ ‫من روايات الماضين‪.‬‬ ‫ففي الوقت الذي تتبختر في مشيتها أقالم عوامل الفرقة بين دويالت األمة‬ ‫الكتَّاب ـ نجد الجهد‬ ‫المس��لمة الواحدة ـ كما س��جلها ابن األثير وغيره من ُ‬ ‫الجهيد الذي بذله أقوام متناحرون ومتنافرون في توحيد صفوفهم ألجل النيل‬ ‫من اإلسالم والمس��لمين؛ «إذ حضت البابوية على نبذ الحروب الداخلية بين‬ ‫أمراء اإلقطاع‪ ،‬وتوجيهها ضد غير المسيحيين‪ .‬وأكثر ما امتاز به أوربان أنه دعا‬ ‫إلى تحويل القتال إلى الشرق اإلس�لامي وانتزاع األراضي المقدسة من أيدي‬ ‫المس��لمين»(‪« .((14‬وفي ذلك اليوم (‪ 27‬نوفمبر من عام ‪1095‬م)‪ ،‬استصرخ البابا‬ ‫الملة المسيحية لتجريد السالح لتحرير القبر المقدس‪.((14(»...‬‬ ‫ومما يعرفه المس��لمون وغيرهم «أن نجاح الصليبي��ن في أول األمر‪ ،‬لم‬ ‫يرجع فحس��ب إلى كثرة أعدادهم‪ ،‬وإلى ما تلقّوه من مس��اعدات من الغرب‬ ‫المسيحي ومن الدولة البيزنطية‪ ،‬بل يرجع أساس ًا إلى تفرق كلمة المسلمين‪،‬‬ ‫ونشوب الفتن الداخلية واضطراب األمن‪.((14(»...‬‬ ‫(‪ ((14‬موجز تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬ص ‪.6‬‬ ‫(‪ ((14‬موجز تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬ص ‪ .32‬اقرأ ما قاله المترجم عن حقيقة حال المسيحيين‬ ‫في المجتمع اإلسالمي وما آل إليه حالهم بعد الحروب الصليبية‪.‬‬ ‫(‪ ((14‬موجز تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬ص ‪.7‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪ 8‬ـ ابخألا نم ىوطي امو ىوري ام طبض‬ ‫فقد «أتي��ح للحركة الصليبية االس��تفادة م��ن الصراعات الناش��بة بين‬ ‫المسلمين‪ ...‬وهكذا تم سقوط القدس بأيدي الصليبيين في ‪ 15‬يوليو ‪1099‬م‪،‬‬ ‫إثر اقتحام مروع بذل فيه غودفروا دي بويون كل قواه وعرض نفسه للموت‬ ‫بجسارة‪ ،‬ولكن أعقب ذلك ـ مع األسف ـ مذبحة بشعة لسكان المدينة من‬ ‫المس��لمين»(‪ .((14‬و«تكش��ف الس��هولة النس��بية التي تمكن بها الصليبيون‬ ‫وحلفاؤهم البيزنطيون من االس��تالء على نيقية‪ ،‬عاصمة المملكة السلجوقية‬ ‫في آس��يا الصغرى‪ ،‬عن مدى ت��ردي أوض��اع العالم اإلس�لامي في ذلك‬ ‫الوق��ت»(‪ .((14‬وقد «‪ ...‬تم الحفاظ على المنش��أة الفرنجية الجديدة بس��بب‬ ‫تفكك أجنحة العالم اإلسالمي»(‪.((15‬‬ ‫فخس��ائر المس��لمين المتكررة عبر التاريخ أمام أعداءه��م كان من أهم‬ ‫أس��بابها تفرق كلمتهم وتمزق صفوفه��م‪ ،‬وما تفرقت كلمته��م وال تمزقت‬ ‫صفوفهم إال حينما جعلوا من أقالمهم مدى تفري وشائجهم وتقطع أوصالهم‪.‬‬ ‫لقد ظهر في المس��لمين ـ كما ظه��ر في غيرهم ـ من ع��رف ما للكلمة‬ ‫الباطلة من قوة في أوس��اط الجماهي��ر‪ ،‬لهذا افتروها وس��خروها فيما يهدم‬ ‫(‪ ((14‬موجز تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬ص ‪.43‬‬ ‫(‪ ((14‬موجز تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬ص ‪ ،40‬ومما جاء في هذه الصفحة أيض ًا‪ ... « :‬كان كل من‬ ‫س�لاجقة آس��يا الصغرى وس��وريا وإيران على حالة من الخالف م��ع بعضهم‪ ،‬وبذلك‬ ‫اس��تطاعت الحركة الصليبية أن تهزم على حدة سالجقة أس��يا الصغرى‪ ،‬دون أن يحاول‬ ‫س�لاجقة س��وريا وإيران التدخل‪ .‬وحتى في س��وريا‪ ،‬كان ملكا حلب ودمشق الشقيقان‬ ‫متخاصمين‪ ،‬وقد حارب كل منهما الصليبيين على حدة‪ ،‬ومنيا بالهزيمة فرادى»‪.‬‬ ‫(‪ ((15‬موجز تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬ص ‪ ،44‬ومما جاء في نفس الكتاب‪ ... « :‬ولهذا الس��بب‬ ‫ما برح استيطان الفرنجة في الساحل السوري مهدد ًا دوم ًا بالخطر‪ ،‬بيد أن هذا الخطر مع‬ ‫ذلك كان يبدو غير ماحق‪ ،‬طوال اس��تمرار التشتت اإلس�لامي على حاله» (موجز تاريخ‬ ‫الحروب الصليبية‪ ،‬ص ‪.)54‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪66‬‬ ‫وال يبني‪ ،‬وما يفرق وال يوحد‪ ،‬فجاءت الروايات واألقوال الباطلة‪ ،‬واألحكام‬ ‫الجائرة‪ ،‬وشنت الحروب وتمزقت األمة‪ ،‬فغدت بسبب هوانها طعمة تجذب‬ ‫إلى جسدها المنهك كل جائع‪.‬‬ ‫والمش��اهد المؤلمة والوقائ��ع المحزنة الت��ي نقلها اب��ن األثير في‬ ‫موس��وعته هي خير بيان على أن ما أصاب األمة اإلس�لامية في الماضي‬ ‫وما هي عليه ف��ي الحاضر من مآس��ي ما هي إال نتيج��ة ما خطته أقالم‬ ‫ضعيفة ودبرته عقول حاقدة‪.‬‬ ‫وما من جدال عقي��م إال ووراءه رواية باطلة‪ ،‬وما م��ن حروب اصطلى‬ ‫المسلمون بحممها إال وسببها االفتراء والكذب في القول‪ .‬وما من تشتت عبر‬ ‫تاريخ المس��لمين إال وأجج س��عارها أناس غلبت عليه��م أهواؤهم الطائفية‬ ‫الضيقة من غي��ر أن ينظروا إل��ى أمر األم��ة وكيانها ووحدته��ا وقوتها أمام‬ ‫المتربصين بها من الداخل والخارج‪.‬‬ ‫قال الدكتور فاروق عمر ف��وزي‪ ... « :‬إن بعض الخلف��اء والوزراء كانوا‬ ‫يتقربون لمذهب دون غيره ويوقفون له المدارس والمساجد (الطائفية) ألنها‬ ‫لطائفة محددة بعينها‪ .‬كل ذلك كان يحدث والمغول التتار يزحفون من الشرق‬ ‫باتجاه بغداد عاصمة الدولة وأقليمها المركزي العراق‪ .‬فكان سقوطها والحالة‬ ‫هذه حتمي ًا»(‪.((15‬‬ ‫فكل غيور م��ن أبناء هذه األم��ة يعرف أن ما أصابنا م��ن مصائب هو‬ ‫بس��بب ما جنته أيدينا لهذا كانت دعوتهم ألجل (إعادة صياغة األمة)(‪،((15‬‬ ‫بحيث يكون للمناهج اإلس�لامية في األخذ والعط��اء هيمنتها على أفكار‬ ‫(‪ ((15‬المثالية والواقعية في تاريخ الفكر السياسي عند المسلمين‪ ،‬ص ‪.447‬‬ ‫(‪ ((15‬هذا اسم لكتاب ألفه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي حفظه اهلل تعالى‪.‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪ 8‬ـ ابخألا نم ىوطي امو ىوري ام طبض‬ ‫الناس وأعمالهم‪ ،‬وبحيث يتعالى المسلم بإيمانه عن أن يكون قنطرة عبور‬ ‫لألخبار الضعيفة‪.‬‬ ‫قال الدكتور محمد بن موسى الشريف في إحدى توصياته‪ 5 ... « :‬ـ إعادة‬ ‫كتابة األحداث المؤرقة والفتن التي حدثت في التاريخ اإلسالمي كتابة تربوية‬ ‫تقف على مواطن الزل��ل وتنتقدها وتقومها‪ ،‬وتظهر العي��ب ليتجنبه الناس‪،‬‬ ‫وتبين زلل األوائل ليتحاش��اه األواخر‪ ،‬وقد قالت العرب قديم ًا‪ :‬الس��عيد من‬ ‫اتعظ بغيره ال من ُوعظ به غيره‪ ،‬وهذا يس��تلزم إعداد أساتذة يحسنون قراءة‬ ‫التاريخ وفي الوقت نفسه يكونون مسلحين بالعلم الشرعي العاصم عن الزلل‬ ‫أو الميل عن قصد»(‪.((15‬‬ ‫والذين يقرأون التاريخ من غير ضوابط منهجية ش��رعية فإنهم ال محالة‬ ‫سيرون كتاب (الكامل في التاريخ) وغيره من الكتب على أنها صناديق حوت‬ ‫في جنباتها تاريخ أمة مثكلة بالجراح‪ ،‬وأشالء ممزقة‪ ،‬ودماء بلغت من غزارتها‬ ‫الحد‪ .‬فها هو أحدهم يق��ول‪« :‬إنه ليس من المنطق مج��اوزة ذاكرة األمة‪ ،‬أو‬ ‫الدعوة إلى ط��ي صفحاتها؛ فحيثي��ات الواقع المعاص��ر ومفاهيمه وأفكاره‬ ‫تأسس��ت على عتبة تلك الذاكرة‪ ،‬وما نلحظه اليوم من س��عة تفكيك‪ ،‬وعمق‬ ‫مفارقة بي��ن منطلقات الجماع��ات أو المذاهب أو األحزاب المش��كلة لبنية‬ ‫المجتمع خير شاهد على جمود كل دائرة وانغالقها على ذاتها‪ ،‬وعدم قبولها‬ ‫التصالح أو الح��وار مع مقاصد أو مص��ادر ما دونها م��ن اتجاهات‪ ،‬بل إن‬ ‫العكس هو الس��ائد فكل تيار حريص على إهدار فك��ر اآلخر وتقليصه بكل‬ ‫ما أعطي من قوة‪ ،‬وف��ي مقدمة ذلك إضفاء المنظ��ور الديني على كل صنيع‬ ‫يتناغم مع تفكيرهم أو هواهم»(‪.((15‬‬ ‫(‪ ((15‬من مآسي االفتراق‪.70 ،‬‬ ‫(‪ ((15‬التيه العربي (تأمالت في الواقع الصعب)‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪68‬‬ ‫فـ «منطلقات الجماعات أو المذاهب أو األحزاب المشكلة لبنية المجتمع»‬ ‫اإلسالمي لم تكن في يوم من األيام عنصر تفكك وجمود وانغالق‪ ،‬بل الذي‬ ‫أحدث ذلك الشقاق بين األخوة في الدين هو الركون إلى تصورات وأقوال لم‬ ‫تركن هي نفس��ها إلى ركن العلم واليقين‪ .‬ومن الخطأ أن يس��تنتج الناس أن‬ ‫ما صار بين المسلمين من نزاعات كان أساسها ومبدأها تعاليم ما أسست عليه‬ ‫المذاهب من قواعد‪.‬‬ ‫والذي أحال الناس من جميع المذاه��ب‪ ،‬أو حتى من داخل كل مذهب‬ ‫بعينه‪ ،‬عن اللق��اء والتعارف هو هيمن��ة األقوال الباطلة المس��طرة في كتب‬ ‫األوائل‪ ،‬والتي صادفت ضيقا في األفق لدى حكام الدويالت اإلسالمية الذين‬ ‫جعلوا من التمذهب أداة للتسلط والتوسع على حساب من ناوئهم وحاربهم‪.‬‬ ‫فال بد للمس��لمين أن يعرفوا أن وحدتهم هي األص��ل‪ ،‬وما تحدث عنه‬ ‫الناس م��ن فرقة إنما هو عرض زائ��ل‪ ،‬ووباء مندثر إذا ما استش��فوا بمنهاج‬ ‫اإلس�لام الداعي إلى الصدق في القول والعمل‪ .‬لهذا فمن «الطبيعي جد ًا أن‬ ‫يهتم المسلمون بتوحيد صفهم وجمع ش��تات كلمتهم‪ ،‬وذلك ألنهم أول من‬ ‫جربوا أن الفرقة هي آف��ة الضعف‪ ،‬كما أن االجتماع هو آل��ة القوة في عصر‬ ‫كثرت فيه الحروب بين الناس ألسباب واهية»(‪.((15‬‬ ‫تؤسفنا تلك األحداث التي خالفت منهاج اإلس�لام وعدالته‪ ،‬وال نقبلها‬ ‫بأن تكون هي «ذاكرة األمة» اإلس�لامية فأولى بها أن تط��وى وال تقرأ على‬ ‫أجيال المسلمين إال من باب العبرة والعظة‪.‬‬ ‫فانظر أخي القارئ ـ يا رعاك اهلل ـ إلى أوضاع المسلمين في أرضهم قبل‬ ‫قدوم التتار من الش��رق وقبل انقضاض الصلبيين من الغرب‪ ،‬وقبل المذابح‬ ‫(‪ ((15‬دعوة القرآن الكريم إلى توحيد الصف واجتماع الكلمة‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪ 8‬ـ ابخألا نم ىوطي امو ىوري ام طبض‬ ‫المروعة للمس��لمين في بالد األندلس‪ ،‬وقارن بين تلك المش��اهد وما تلقطه‬ ‫أحاسيسك هذه األيام من جرائم تصب على رؤوس المسلمين صب ًا في مشارق‬ ‫األرض ومغاربها‪.‬‬ ‫أليس من األولى بأمة محمد ژ أن تلتف ح��ول الصدق وتنبذ ما خالف‬ ‫أمر اهلل تعالى وهدي رسوله الكريم ژ ؟‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪70‬‬ ‫دعوة إلى تحري الصدق قبل‬ ‫‪9‬‬ ‫اعتماد الروايات‬ ‫الكتَّاب‬ ‫ومع وضوح مبادئ المنهج التاريخي إال أننا نجد عدم التطبيق عند ُ‬ ‫أنفسهم‪ ،‬وعند من نقل عنهم ممن كتب عن أهل النهروان واإلباضية خاصة‪.‬‬ ‫فالمنهج اإلس�لامي حري لو طبق في مي��دان المعرفة عل��ى األحداث‬ ‫الكتَّاب والقراء إلى‬ ‫التاريخية المنسوبة إلى أهل النهروان واإلباضية أن يرشد ُ‬ ‫الصدق وعدم االفتراء على األبرياء‪.‬‬ ‫فعلى مدى القرون الماضية الزم الكتابة عن اإلباضية زجهم في صفوف‬ ‫الكتَّاب بحيث نجد عدواها قد‬ ‫الخوارج‪ ،‬وس��ارت على هذه الفكرة جماهير ُ‬ ‫عمت وسكنت في كتب التفسير والحديث واألدب واللغة والمعاجم المعرفية‪.‬‬ ‫وكل ما ف��ي األم��ر أن حفن��ة م��ن الكذابي��ن والضعف��اء والمتروكين‬ ‫والمجهولين ممن ال يأب��ه بأقوالهم منهج األمة اإلس�لامية َتقَولوا على أهل‬ ‫النهروان واإلباضية األباطيل‪ ،‬ونس��بوا إليهم األكاذيب‪ ،‬وجاء من بعدهم من‬ ‫نشر تلك األكاذيب‪ ،‬وهكذا سارت األقوال الباطلة من جيل إلى جيل إلى يوم‬ ‫الناس هذا‪ ،‬فغدت في أذهان الكثير م��ن الناس ـ إال من وفقه اهلل إلى تحري‬ ‫الصدق ـ واقعا ال جدال فيه!!‪.‬‬ ‫وذكر الدكتور محمد بن موس��ى الش��ريف هذا الواق��ع بقوله‪« :‬اإلمام‬ ‫ابن جرير محدث كبير الش��أن‪ ،‬وقد ساق أخبار كتابه بالس��ند‪ ،‬لكنه ساق‬ ‫‪71‬‬ ‫‪ 9‬ـ تاياورلا دامتعا لبق قدصلا يرحت ىلإ ةوعد‬ ‫أخبار ًا مستش��نعة‪ ،‬ظاهر ًا بطالنها‪ ،‬الئح ًا كذبها‪ ،‬خاصة ما تعلق من األخبار‬ ‫بزمن الفتن بي��ن الصحابة @ وزمن صدر اإلس�لام‪ ،‬وف��ي تلك األخبار‬ ‫شبهات طاعنة في أصول اإلس�لام‪ ،‬وحجته في س��وقها أنه أوردها بالسند‬ ‫فبرئت عهدته منها‪.((15(»...‬‬ ‫وقالت الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف‪« :‬وقد مر بنا الكالم عن مؤلفات‬ ‫كتبت في فجر اإلس�لام وكان أصحابه��ا يحذون حذو رج��ال الحديث في‬ ‫الرواية‪ ...‬وطبيعي أن االعتماد عليها ال يكون إال بعد النقد العلمي الصحيح‬ ‫للروايات وخير مثال لهذا النوع تاريخ الرسل والملوك للطبري»(‪.((15‬‬ ‫ولو أن كل كاتب وزن ما ساقه اإلمام الطبري من أقوال مستشنعة لما رأينا‬ ‫الكذب يتبختر في مش��يته العرجاء في أوس��اط أبناء األم��ة الواحدة الذين‬ ‫يجمعهم الصدق واإلخ�لاص في العمل‪ ،‬ويفرقهم االفت��راء والبهتان‪ .‬ولكن‬ ‫الكتَّاب عب��ر القرون الماضية التباهي بس�لامة‬ ‫ـ يا لألس��ف ـ صارت عادة ُ‬ ‫المنهج اإلس�لامي فقط‪ ،‬وعدم تطبيقه على األخبار الباطلة التي ُنسبت ظلم ًا‬ ‫وزور ًا إلى اإلباضية وأسالفهم أهل النهروان الكرام‪.‬‬ ‫وقد صور سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ـ حفظه اهلل تعالى ـ هذه‬ ‫العادة التي اس��تحكمت في نفوس الناس بقوله‪« :‬ومن تتبع أحوال البشر في‬ ‫تأريخهم الطويل وأطوارهم البعيدة؛ اس��تيقن أن للعادة أث��ر ًا كبير ًا في أفكار‬ ‫الناس وس��لوكهم‪ ،‬فهي إن اس��تحكمت في طباعهم أصبحت جزء ًا منها‪ ،‬إذ‬ ‫كثير ًا ما تغدو ملكة في النفس تتعامى معه��ا النفس عن كل ما تراءى لها من‬ ‫حجج الحق وبراهينه‪ ،‬وذلك بدافع من التعصب األعمى المقيت»(‪.((15‬‬ ‫(‪ ((15‬تعريف بأشهر كتب التاريخ‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫(‪ ((15‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪ ،‬ص ‪.55‬‬ ‫(‪ ((15‬نداء الحق‪ ،‬ص ‪.385‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪72‬‬ ‫فيا أخي القارئ‪ ،‬كن على يقين أن ما تقرأه في كتب الذين أس��اؤوا إلى‬ ‫أهل النهروان واإلباضية إنما هو مما لم ُيعرض على ميزان األمة الحق‪ ،‬وعدم‬ ‫الوفاء بشروط المنهج الصحيح منذ عهد اإلمام الطبري إلى هذا الوقت ساق‬ ‫على هذه األمة الويالت العظام وأصبحت األقوال الباطلة تقود أفراد هذه األمة‬ ‫إلى الجهل بالحقيقة التي عليها كثير من المسلمين‪.‬‬ ‫وأقول لألخوة القراء‪ ،‬وأخص منهم كل من أتبع مطالعاته تسطير الكتب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أن من واجبنا الس��عي إلى لم شمل أمة محمد ژ ‪ ،‬وس��يأتي ذلك الحدث‬ ‫المرجو إذا رمينا األقوال الباطلة المنسوبة إلى المسلمين بسهام النقد‪ ،‬وقسنا‬ ‫كل ما ورد إلينا من أخبار بالميزان الحق‪.‬‬ ‫فالمآخذ التي نأخذها على بعض العلماء ال��ذي كتبوا في التاريخ ـ وهم‬ ‫على جاللة منازلهم العلمية ـ أنهم حشوا كتبهم باألقوال الباطلة التي وجدوها‬ ‫في كتب الذين سبقوهم‪ ،‬وكان الواجب عليهم ـ وهم أهل لذلك ـ أن يوقفوا‬ ‫كل كذاب وضعيف من الرواة عند منزلته‪ ،‬ويحذروا األمة من األقوال الباطلة‬ ‫التي تتربع صفحات كتبهم التاريخية‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫‪73‬‬ ‫كُ َّتاب التاريخ بين‬ ‫المنهج والتطبيق‬ ‫ففي كتابن��ا (اإلباضي��ة ومنهجية البح��ث عند المؤرخي��ن وأصحاب‬ ‫المقاالت) دراس��ة للروايات المنس��وبة إلى أهل النهروان واإلباضية‪ ،‬لهذا‬ ‫أدعوك أخي القارئ إل��ى مراجعة ذلك الكتاب ففيه الدليل‪ ،‬المس��تقى من‬ ‫مناهج األمة‪ ،‬على س�لامة الفكر اإلباضي من كل ش��ائنة س��عى أصحاب‬ ‫األهواء للصقها ب��ه‪ .‬وفي هذا البحث‪ ،‬الذي بين يدي��ك‪ ،‬وقفات مع ُكتَّاب‬ ‫ضعفت هممهم عن ربط علوم األمة بعضها ببعض في مسألة كتابة التاريخ‪،‬‬ ‫الكتَّاب لم يتبعوا المنهج العلم��ي في كتاباتهم عن أهل‬ ‫وإثبات أن أولئك ُ‬ ‫النهروان واإلباضية‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪74‬‬ ‫الك َّتاب‬ ‫العوامل التي ت ؤ�ثر على توجهات ُ‬ ‫‪1‬‬ ‫مما سبق نعلم يقين ًا أنه ال يجدي مجرد النقل من كتب السابقين من غير‬ ‫تمحيص لما ُنقل‪ ،‬ب��ل يجب على كل ناقل أن يثبت صح��ة ما يحتج به‪ ،‬أو‬ ‫يثبت بطالن ما ال يرضيه من خالل وزن األق��وال بالميزان الذي تعرفنا على‬ ‫مالمحه في الصفحات الماضية من هذا البحث‪.‬‬ ‫فكل كاتب تتنازعه عوامل كثيرة‪ ،‬وه��ذه العوامل تمثل طاقات جذب قوية‬ ‫عندما يهم بالكتابة عن أي موضوع له شأن وأثر على حياة الناس والمجتمعات‪.‬‬ ‫فالمنه��ج يطالب بالعدالة‪ ،‬والميول النفس��ي يملي عل��ى صاحبه إظهار‬ ‫ما تختلجه األحاس��يس من توجهات‪ ،‬والجماهير تنادي بأعلى صوتها لكي‬ ‫تلبى مطالبها م��ن غير التفات إلى عل��م أو عقل أو ح��ق أو أداء أمانة‪ .‬هذه‬ ‫العوامل كلها في صراع‪ ،‬ونتيجة ذلك الصراع هو االنتصار لعامل واحد فقط‬ ‫من هذه المؤثرات التي قيلت هنا‪ ،‬وال مجال لتقاسم الحظوظ بين هذه القوى‬ ‫في عالم الكتابة‪.‬‬ ‫فالعدال��ة تنتصر حينما ُيطب��ق المنهج من غير مواربة عل��ى كل األقوال‬ ‫المنسوبة إلى الناس‪.‬‬ ‫ضل صاحبه لي أعناق األقوال‪ ،‬ويتستر بأقوال‬ ‫والميول النفسي ينتصر حينما ُي َف ِّ‬ ‫الذين سبقوه ولو اعترف ببطالنها‪ ،‬ويجعل منها تروس ًا تحميه من سهام النقد‪.‬‬ ‫‪75‬‬ ‫يتلا لموعلا‬ ‫ا‬ ‫‪ 1‬ـ اَّتُكلا تاهجوت ىلع رثؤت‬ ‫والجماهير‪ ،‬وما أدراك ما الجماهير‪ ،‬قد يفقد العلماء ـ إال من رحم اهلل ـ‬ ‫توازنهم في مس��يرهم‪ ،‬إذا غلبتهم أص��وات الجماهير الهادرة ورأوا س�لامة‬ ‫وجودهم حيث سار الناس وقعدوا‪.‬‬ ‫الكتَّاب ـ نظري ًا ـ أمام المؤثر األول وكتبوا فيه أحسن العبارات‪،‬‬ ‫لقد وقف ُ‬ ‫وأروق األلفاظ‪ ،‬وأبين الجمل‪ .‬واستشهدوا بآيات من كتاب اهلل تعالى وأحاديث‬ ‫الرسول ژ ‪ ،‬فجاءت القواعد التي أسسوها في مجال البحث العلمي قوية تقود‬ ‫إلى الحق لو أسلس لها القياد‪ .‬وهذا المؤثر‪ ،‬على أهميته وعدالته‪َ ،‬ق َّل من طبقه‬ ‫الكتَّاب الذين تحاملوا‬‫في عالم البح��وث التاريخية‪ ،‬ولم ُيحتفل به من قب��ل ُ‬ ‫على أهل النهروان واإلباضية عندما تحدثوا عن تاريخهم‪.‬‬ ‫فـ «حين نتأمل في واقعنا المعيش‪ ،‬نجده ـ في أغلبه ـ إفرازات لتوجيهات‬ ‫معينة‪ ،‬واجته��ادات بع��ض المؤرخين الذي��ن يفتقدون كثير ًا من الش��روط‬ ‫المطلوبة ف��ي كتابة التاريخ‪ ،‬لذل��ك نجدهم يقولون ويتقول��ون‪ ،‬ويتأولون‪،‬‬ ‫مرتكزين على منطلقات فكرية معينة‪ ،‬وربما ضيقة‪ ،‬فيقيمون بعض المواقف‪،‬‬ ‫ويقررون بعض األحكام الخاطئة‪ ،‬فتتناقلها األجيال كقضايا مسلمة‪ ،‬ويسير في‬ ‫ركابها من يأتي بعدهم من المؤرخين‪ ،‬فيتأصل الخطأ‪ ،‬فتنتج عنه هذه المظاهر‬ ‫المزرية التي نلحظها بين أبناء األمة الواحدة»(‪.((15‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫(‪ ((15‬مالحظات حول تاريخنا القديم (كيف ندرسه وكيف نحققه)‪ ،‬ص ‪ 3‬ـ ‪.4‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪76‬‬ ‫مصادر كتب المقاالت‬ ‫‪2‬‬ ‫فالناظر في الكتب الت��ي تكلمت على أهل النه��روان واإلباضية يجدها‬ ‫الك ّتاب النقل‬ ‫تعتمد كثير ًا على ما ُنقل في كتب الفرق المتقدمة‪ ،‬ول��م يتعد ُ‬ ‫الحرفي إلى التحقي��ق ومعرفة قرب أو بعد تلك األقوال المنس��وبة إلى أهل‬ ‫النهروان واإلباضية من الحق والصواب‪.‬‬ ‫الكتَّاب قلي�لاً مع األق��وال التي نقلوه��ا من كتب‬ ‫ولو توقف ه��ؤالء ُ‬ ‫البغدادي‪ ،‬واألشعري‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬والشهرس��تاني لعلموا عدم صالحية تلك‬ ‫األقوال في عالم العلم والمعرفة‪ ،‬إذ كلها جاءت من طرق ضعيفة‪.‬‬ ‫فأبو الحسن األشعري صاحب كتاب (مقاالت اإلسالميين) صدر أقواله عن‬ ‫أهل النهروان ومن انتسب إليهم بقوله‪ ... « :‬ويقال إن أول‪ ...‬ويقال إن المبتدع‪...‬‬ ‫قالوا وقد كان ناف��ع‪ ،((16(»...‬و« ‪ ...‬وقال بعض الناس‪ ...‬وق��ال قوم إن‪،((16(»...‬‬ ‫و«وحكي عنهم أنهم‪ ،((16(»...‬و«وحكى‬ ‫ُ‬ ‫و«وحكي لنا عنهم ما لم نتحققه‪،((16(»...‬‬‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫حاك‪ ، »...‬و«وحكى حاك عن الخوارج‪. »...‬‬ ‫(‪((16‬‬ ‫(‪((16‬‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ ((16‬مقاالت اإلسالميين‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫(‪ ((16‬مقاالت اإلسالميين‪ ،‬ص ‪.95‬‬ ‫(‪ ((16‬مقاالت اإلسالميين‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫(‪ ((16‬مقاالت اإلسالميين‪ ،‬ص ‪.105‬‬ ‫(‪ ((16‬مقاالت اإلسالميين‪ ،‬ص ‪.126‬‬ ‫(‪ ((16‬مقاالت اإلسالميين‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪ 2‬ـ الاقملا بتك رداصم‬ ‫الف��رق) فقد قام‬ ‫(الفرق بين ِ‬ ‫وأم��ا عبد القاهر البغدادي صاح��ب كتاب َ‬ ‫بتلخيص ما تناقلته كتب المقاالت وكتب التاريخ من أحداث من دون اإلشارة‬ ‫إلى المصادر األولى التي جاءت بتلك األخبار‪ .‬فهو عندما تكلم عن المحكمة‬ ‫األولى‪ ،‬أهل النهروان‪ ،‬ذكر ما نسب إليهم من أفعال وأقوال من دون تحقيق‬ ‫وال بيان لصحتها أو فسادها(‪ ،((16‬وذكر أنه أخذ بعض معلوماته عن شيخه أبي‬ ‫الحسن األش��عري حيث قال‪« :‬وقال شيخنا أبو الحس��ن‪ ،((16(»...‬و«ما حكاه‬ ‫شيخنا أبو الحسن‪ ،((16(»...‬وقال عبد القاهر أيض ًا‪ ... « :‬فمنهم من زعم أن أول‬ ‫من أحدث ذلك منهم عبد ربه الكبير ومنهم من قال‪ :‬عبد ربه الصغير‪،((16(»...‬‬ ‫وقال‪ ... « :‬وذكر أصحاب التواريخ‪.((17(»...‬‬ ‫صل في‬ ‫ِ‬ ‫وابن حزم الظاهري اعتمد على كتب المقاالت في تأليفه لكتابه (الف َ‬ ‫الملل واأله��واء والنحل) م��ن دون تحقي��ق وال محاولة للرج��وع إلى علماء‬ ‫اإلباضية الذين عايشهم في األندلس(‪ .((17‬فقد قال في مطلع حديثه عن اإلباضية‪:‬‬ ‫«ذكر بعض من جمع مقاالت المنتمين إلى اإلسالم أن فرقة من اإلباضية‪،((17(»...‬‬ ‫ً‬ ‫وأفعاال هم بريئون منها‪ ،‬في‬ ‫ً‬ ‫أقواال‬ ‫(‪ ((16‬لقد بينا ضعف الروايات‪ ،‬التي نسبت إلى أهل النهروان‬ ‫فصول كتابنا (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخي��ن وأصحاب المقاالت)‪ ،‬فليراجعه‬ ‫من يشاء من طالب الحق‪.‬‬ ‫(‪ ((16‬الفرق بين الفرق‪ ،‬ص ‪.73‬‬ ‫(‪ ((16‬الفرق بين الفرق‪ ،‬ص ‪.74‬‬ ‫(‪ ((16‬الفرق بين الفرق‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫(‪ ((17‬الفرق بين الفرق‪ ،‬ص ‪.111‬‬ ‫ص��ل‪ ...‬ج ‪ /4‬ص ‪ )144‬ثم ذكر‬ ‫ِ‬ ‫(‪ ((17‬قال ابن حزم‪« :‬وش��اهدنا اإلباضية عندنا باألندلس‪( »...‬الف َ‬ ‫أقواالً باطلة مكذوبة على اإلباضية قام األس��تاذ الش��يخ علي يحيى معمر ‪ 5‬بدحضها‬ ‫وال��رد عليها‪ .‬انظ��ر (اإلباضية بي��ن الف��رق اإلس�لامية) ج ‪ /1‬ص ‪ 52‬ـ ‪ 60‬وكذلك ج ‪/2‬‬ ‫ص ‪ 97‬ـ ‪.107‬‬ ‫صل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.144‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ ((17‬الف َ‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪78‬‬ ‫وبعد ذلك أخذ بتك��رار ما قاله ُكتَّاب المقاالت الذين س��بقوه م��ن دون تتبع‬ ‫للمصادر األولى التي جاءت بتلك األخبار(‪.((17‬‬ ‫والشهرستاني صاحب كتاب (الملل والنحل) لم يسند األخبار التي ذكرها‬ ‫إلى مصدر قوي متصل‪ ،‬بل جاءت أقواله نقالً عن كتاب (مقاالت اإلسالميين)‬ ‫لألشعري(‪ .((17‬وكذلك من مصادر ال يعرف أصحابها حيث قال‪ ... « :‬ويقال إن‬ ‫أول سيف سل من الخوارج‪ ... « ،((17(»...‬وقيل كان نجدة بن عامر ونافع بن‬ ‫األزرق‪ ... « ،((17(»...‬ويحكى عنه��م‪ ... « ،((17(»...‬ويحكى عن جماعة منهم‬ ‫أنهم قالوا‪.((17(»...‬‬ ‫تلكم هي مصادر ُكتَّ��اب المقاالت التي بنوا عليه��ا كتاباتهم‪ ،‬وهي كما‬ ‫ال يخفى على أحد أنها ضعيفة ال يؤسس عليها فكر أو مبدأ‪.‬‬ ‫الكتَّ��اب الذين تحاملوا على اإلباضية ف��ي هذا العصر خطأ‬ ‫لقد ارتكب ُ‬ ‫منهجي ًا ف��ي عزوهم لم��ا نقلوه إل��ى األش��عري‪ ،‬والبغ��دادي‪ ،‬وابن حزم‪،‬‬ ‫والشهرستاني‪ .‬فهؤالء العلماء قد أكدوا أن تلك المعلومات المنسوبة إلى أهل‬ ‫(‪ ((17‬انظر كتابنا (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت‪ ،‬القس��م الثاني‬ ‫من الفصل الثاني‪ ،‬ص ‪ 64‬ـ ‪.)67‬‬ ‫(‪ ((17‬الملل والنحل‪ ،‬المطبوع في هامش الفصل في الملل واأله��واء والنحل البن حزم‪ ،‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪ 137‬ـ ‪.138‬‬ ‫(‪ ((17‬الملل والنحل‪ ،‬المطبوع في هامش الفصل في الملل واأله��واء والنحل البن حزم‪ ،‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪.126‬‬ ‫(‪ ((17‬الملل والنحل‪ ،‬المطبوع في هامش الفصل في الملل واأله��واء والنحل البن حزم‪ ،‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪.132‬‬ ‫(‪ ((17‬الملل والنحل‪ ،‬المطبوع في هامش الفصل في الملل واأله��واء والنحل البن حزم‪ ،‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪.136‬‬ ‫(‪ ((17‬الملل والنحل‪ ،‬المطبوع في هامش الفصل في الملل واأله��واء والنحل البن حزم‪ ،‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪.136‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪ 2‬ـ الاقملا بتك رداصم‬ ‫النهروان واإلباضية والمبثوثة في كتبهم إنما س��يقت إليه��م‪ ،‬ونقلوها للقراء‬ ‫بصيغ التمريض التي تدل على عدم التثبت والتيقن‪.‬‬ ‫وكأن لس��ان حال أولئك العلماء يأمر كل من قرأ في كتبهم أن يتحقق من‬ ‫صدق تلك األقوال التي ُنس��بت إلى أهل النهروان ومن انتس��ب إليهم‪ ،‬وإال‬ ‫فال معنى لقوله��م‪ ... « :‬ويق��ال إن‪ »...‬و« ‪ ...‬قال بعض الن��اس‪ »...‬وقال قوم‬ ‫حاك‪ .»...‬و« ‪ ...‬فمنهم من‬ ‫ٍ‬ ‫و«وحكي عنهم‪ ،»...‬و«حكى‬ ‫«وحكي لنا‪،»...‬‬ ‫ُ‬ ‫إن‪ُ ،»...‬‬ ‫زع��م‪ ... « .»...‬ويق��ال إن أول»‪ ،‬و« ‪ ...‬وقيل كان»‪ ... « ،‬ويحك��ى عنهم‪،»...‬‬ ‫و« ‪ ...‬ويحكى عن جماعة منهم»‪ ،‬وغيرها من العبارات التي ال ترشد إلى يقين‪.‬‬ ‫فما للدكتور هاني س��ليمان الطعيمات‪ ،‬والدكتور محمد حس��ن مهدي‪،‬‬ ‫والدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل وغيرهم ينس��بون إل��ى هؤالء العلماء‬ ‫أقواالً لم يجزموا بصحتها وثبوتها؟‪ ،‬وما له��م ال يلتفتون إلى ما تحمله هذه‬ ‫العبارات من معان؟‬ ‫وقس على ما قي��ل هنا حول عبارات األش��عري وغيره م��ن العلماء‬ ‫ما ذكره ابن خلدون في مقدمت��ه(‪ ،((17‬وما قاله العالمة اب��ن تيمية(‪ ((18‬في‬ ‫(‪ ((17‬قال ابن خلدون‪ ... « :‬وشذ بمثل ذلك الخوارج ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم بل أوسعوها‬ ‫جانب اإلنكار والقدح‪ .‬فال نعرف ش��يئ ًا من مذاهبهم وال نروي كتبهم وال أثر لشيء منها إال‬ ‫في مواطنهم»‪( .‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص ‪ .)564‬المتتبع ألقوال ابن خلدون في تاريخه‬ ‫يجده ينس��ب اإلباضية إلى الخوارج‪ ،‬وهذا الق��ول الذي ذكره ابن خلدون هنا ينس��ف كل‬ ‫ما سجله في صفحات تاريخه عنهم‪ ،‬إذ كيف يحكم على قوم وهو ال يعرف شيئ ًا عنهم؟‪.‬‬ ‫(‪ ((18‬قال ابن تيمية‪ ... « :‬وأقوال الخوارج إنما عرفناها م��ن نقل الناس عنهم لم نقف لهم على‬ ‫كتاب مصنف‪ ،‬كما وقفنا على كتب المعتزلة والرافضة‪ ،‬والزيدية‪ ،‬والكرامية واألش��عرية‪،‬‬ ‫والس��المية‪ ،‬وأهل المذاه��ب األربعة‪ ،‬والظاهري��ة‪ ،‬ومذاهب أهل الحديث‪ ،‬والفالس��فة‬ ‫والصوفية‪ ،‬ونحو هؤالء» (مجم��وع الفتاوى الكب��رى‪ ،‬ج ‪ /13‬ص ‪ .)49‬فالناس الذين نقل‬ ‫عنهم ابن تيمية أقوال من س��ماهم خوارج‪ ،‬هم كذابون ومدلس��ون وضعفاء متروكون قد =‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪80‬‬ ‫(الفتاوى الكبرى) من أقوال ح��ول مصادرهما عن الناس الذين قاال عنهم‬ ‫بأنهم خوارج‪.‬‬ ‫ومما قلته في كتاب (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب‬ ‫المقاالت) ما نصه(‪ :((18‬وأما كتب الحديث وشروحها فهي ذات قدر عظيم عند‬ ‫كافة المس��لمين وعظمتها تكمن ف��ي أن أصحابها أوردوا األقوال وأس��ندوا‬ ‫الروايات إلى مصادرها‪ ،‬وطلب��وا من القراء التحقق من ص��دق األقوال قبل‬ ‫اتخاذها حجج ًا يخاصم به��ا‪ ،‬وإال فال جدوى من ذكر المصادر التي اعتمدوا‬ ‫عليها في نقل األحاديث(‪ ((18‬واألخبار‪.‬‬ ‫وقد اعتمد ابن حجر في ش��رحه ألحاديث جاءت ف��ي صحيح البخاري‬ ‫على روايات مكذوبة جاءت من طريق أبي مخنف والهيثم بن عدي فقد قال‪:‬‬ ‫«وقد صنف في أخبارهم أبو مخنف‪ ...‬واس��مه لوط ب��ن يحيى كتاب ًا لخصه‬ ‫الطبري في تاريخه‪ ،‬وصنف في أخباره��م الهيثم بن عدي كتاب ًا‪ ،‬ومحمد بن‬ ‫قدامة الجوهري أحد ش��يوخ البخ��اري خارج الصحيح كتاب�� ًا كبيراً‪ ،‬وجمع‬ ‫أخبارهم أبو العباس المبرد ف��ي كتابه (الكامل) لكن بغير أس��انيد بخالف‬ ‫المذكورين قبله‪.((18(»...‬‬ ‫جرح عدالتهم علماء األمة‪ .‬فعلى الذين ينقلون تلك األقوال من كتب ابن تيمية أن يثبتوا‬ ‫ّ‬ ‫=‬ ‫صحتها قبل االحتجاج بها‪.‬‬ ‫(‪ ((18‬انظر كتابنا (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت‪.)68 ،‬‬ ‫(‪ ((18‬لقد اعتذر اب��ن حجر عن وجود بع��ض من الرواي��ات الضعيف��ة والموضوعة في كتب‬ ‫الطبراني‪ ،‬فقال‪« :‬وقد عاب عليه إس��ماعيل بن محمد بن الفضل التيمي جمعه األحاديث‬ ‫باإلفراد‪ ،‬مع ما فيها من النكارة الش��ديدة والموضوعات‪ ،‬وفي بعضها القدح في كثير من‬ ‫القدماء من الصحابة وغيرهم‪ ،‬وهذا أمر ال يخت��ص به الطبراني‪ ،‬فال معنى إلفراده اليوم‪،‬‬ ‫بل أكثر المحدثين في األعصار الماضية من س��نة مائتين وهلم جر ًا‪ ،‬إذا س��اقوا الحديث‬ ‫بإسناده‪ ،‬اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته‪ ،‬واهلل أعلم» (لسان الميزان ج ‪ /3‬ص ‪.)90‬‬ ‫(‪ ((18‬فتح الباري‪ ،‬ج ‪ /14‬ص ‪ 288‬ـ ‪.289‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪ 2‬ـ الاقملا بتك رداصم‬ ‫واعتمد ابن كثير اعتمادا كبيرا على كتابات الهيثم بن عدي وأبي مخنف‬ ‫حيث قال في (البداية والنهاية) ما نصه‪« :‬قال الهيثم بن عدي في كتابه الذي‬ ‫جمعه في الخوارج وهو من أحس��ن(‪ ((18‬ما صنف في ذلك‪ ((18(»...‬و« ‪ ...‬ذكر‬ ‫ابن جرير عن أبي مخنف لوط بن يحيى ـ وهو أحد أئمة هذا الشأن ـ أن قتال‬ ‫علي للخوارج يوم النهروان‪ .((18(»...‬واعتمد أيض ًا على أقوال س��يف بن عمر‬ ‫التميمي ومحمد بن عم��ر الواقدي في ذكر األحداث التي س��بقت وأعقبت‬ ‫مقتل الخليف��ة الثالث عثمان بن عف��ان‪ .‬فقد قال‪« :‬وه��ذا مجموع من كالم‬ ‫الواقدي وسيف بن عمر التميمي»(‪.((18‬‬ ‫فهؤالء المؤرخون أصحاب الس��ير كأمثال الهيثم ب��ن عدي(‪ ((18‬وأبي‬ ‫مخنف ومحمد بن قدامة الجوهري وس��يف بن عمر التميمي ومحمد بن‬ ‫(‪((18‬‬ ‫المع َتمد على أقوالهم في ش��أن أهل النه��روان كذبة‬ ‫ُ‬ ‫عم��ر الواق��دي‬ ‫(‪ ((18‬متى صار قول الكذابين يوصف بالحسن؟!!‬ ‫(‪ ((18‬البداية والنهاية‪ ،‬م ‪ 4‬ج ‪ /7‬ص ‪.318‬‬ ‫(‪ ((18‬البداية والنهاية‪ ،‬م ‪ 4‬ج ‪ /7‬ص ‪.321‬‬ ‫(‪ ((18‬البداية والنهاية‪ ،‬م‪ 4‬ج ‪ /7‬ص ‪.199‬‬ ‫(‪ ((18‬قال اإلمام ابن كثير في الهيثم بن عدي الذي نقل عن��ه أخبار أهل النهروان ما نصه‪« :‬فإن‬ ‫‌الهيثم بن‌عدي أخباري‌ضعيف» (مسند الفاروق البن كثير‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.)134‬‬ ‫(‪ ((18‬قال اإلمام ابن كثير عند تعليقه على رواية جاءت من طريق الواقدي‪ ... « :‬وضعت أسماء‬ ‫بنت عميس يدها بين كتفي رس��ول اهلل ژ ‪ .‬فقالت‪ :‬قد توفي رس��ول اهلل ژ ‪ ،‬وقد رفع‬ ‫الخاتم من بين كتفيه‪ .‬فكان هذا الذي قد عرف به موته‪ .‬هكذا رواه الحافظ البيهقي في‬ ‫كتابه (دالئل النبوة) من طري��ق ‌الواقدي‪ ،‬وهو ‌ضعيف‪ ...‬وقد ذك��ر ‌الواقدي وغيره في‬ ‫الوفاة أخب��ارا كثيرة فيها نكارات وغرابة ش��ديدة‪ ،‬أضربنا ع��ن أكثرها صفحا؛ لضعف‬ ‫أس��انيدها ونكارة متونها‪ ،‬وال س��يما ما يورده كثير من القصاص المتأخرين وغيرهم‪،‬‬ ‫فكثير منه موضوع ال محالة‪ ،‬وفي األحاديث الصحيحة والحس��نة والمروية في الكتب‬ ‫المشهورة غنية عن األكاذيب وما ال يعرف سنده‪ .‬واهلل أعلم» (البداية والنهاية‪ ،‬م‪ ،3‬ج ‪/5‬‬ ‫ص ‪.)214‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪82‬‬ ‫(‪((19‬‬ ‫ـي أعناق األحاديث‬ ‫َ‬ ‫وضعفاء بشهادة علماء الجرح والتعديل‪ ،‬فال يصح ل ّ‬ ‫لموافقة أقوالهم الضعيف��ة‪ .‬وال يجوز لنا األخذ بأح��كام من اعتمد على‬ ‫أقوال الضعفاء في شأن أهل النهروان وغيرهم‪ ،‬بل علينا أخذ األقوال التي‬ ‫يقبلها المنهج المس��تقيم‪ ،‬وترك ما أبطلته مناهج األم��ة ولو نقله إلينا من‬ ‫نجله ونحترمه‪.‬‬ ‫وكتب التفس��ير أصبحت مكان ًا للضعفاء من الرواة لحمل آيات اهلل تعالى‬ ‫على معان باطلة ال يقرها إيمان وال علم وال عقل‪.‬‬ ‫فقد جاء في تفس��ير الطبري(‪ ((19‬ما نصه‪« :‬حدثن��ا عباس بن محمد‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫حدثنا مس��لم‪ ،‬قال‪ :‬ثني يحيى بن عمرو بن مالك البك��ري(‪ ،((19‬قال‪ :‬حدثنا‬ ‫أبي‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو الجوزاء إذا تال هذه اآلية‪ ﴿ :‬ہ ہ ھ ھ ھ ھ‬ ‫ے ے ۓ ۓ ڭ ﴾ [آل عمران‪ ،]١١٩ :‬قال‪ :‬هم‌اإلباضية»‪.‬‬ ‫هذا التفس��ير ال يصح نس��بته إلى أبي الجوزاء وذلك بس��بب يحيى بن‬ ‫عمرو بن مالك النكري الذي قال عنه اب��ن حجر في (تهذيب التهذيب)(‪:((19‬‬ ‫«قال ابن معي��ن وأبو زرعة وأبو داود والنس��ائي والدوالب��ي ضعيف‪ ،‬وقال‬ ‫الدارقطني‪ :‬صويلح يعتبر به‪ ،‬وقال غيره‪ :‬كان حماد بن زيد يرميه بالكذب‪...‬‬ ‫(‪ ((19‬في الفصل الس��ادس من كتابن��ا (اإلباضية ومنهجي��ة البحث عن��د المؤرخين وأصحاب‬ ‫رت في الطعن ف��ي أهل النهروان‪ ،‬على‬ ‫خ ْ‬ ‫المقاالت) عرضنا الروايات الحديثية‪ ،‬التي ُس�� ِّ‬ ‫منهج الجرح والتعديل‪ ،‬وتبين لن��ا بعد العرض أن ليس فيها حج��ة على أهل النهروان‪،‬‬ ‫فأرجو مراجعة تلك الروايات في الكتاب المشار إليه‪.‬‬ ‫(‪ ((19‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ .66‬وتفس��ير ابن أبي حاتم المسمى (التفسير‬ ‫بالمأثور)‪ ،‬الرواية‪ ،4105 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.233‬‬ ‫(‪ ((19‬كذا في نسخة مكتبة الفيصلية التي اعتمدنا عليها‪ ،‬والصحيح «ال ُّنكْ ري» كما جاء في تفسير‬ ‫ابن أبي حاتم‪ ،‬وتهذيب التهذيب‪.‬‬ ‫(‪ ((19‬تهذيب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،7936 :‬ج ‪ /11‬ص ‪.226‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪ 2‬ـ الاقملا بتك رداصم‬ ‫وقال العقيلي‪ :‬ال يتابع على حديثه‪ ،‬وقال أحمد بن حنبل‪ :‬ليس هذا بش��يء‪،‬‬ ‫وقال الساجي منكر الحديث»‪.‬‬ ‫فاإلباضية ليس وحدهم ممن تأذى من مثل هذه التفاسير الضعيفة‪ ،‬التي‬ ‫استقرت في الكتب‪ ،‬وتأججت بسببها عوامل الفرقة بين المسلمين‪ ،‬فأين علم‬ ‫التحقيق من رد هذه الترهات التي حشيت بها كتب التفسير وغيرها؟‬ ‫فأصحاب الكتب الذين ذكرنا أقوالهم أعاله صرحوا لنا بأن مصادرهم عن‬ ‫أهل النهروان ومن انتسب إليهم إنما جاءت من مصادر مجهولة ال تعرف‪ ،‬أو‬ ‫قالها أناس حكم عليهم علم��اء الجرح والتعديل بالك��ذب والضعف‪ ،‬لهذا‬ ‫وجب علينا التحقق من األقوال قبل نشرها واالحتجاج بها‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪84‬‬ ‫بداية الحكاية‬ ‫‪3‬‬ ‫من هنا بدأت الحكاية التي مألت بصخيخها أرجاء كتب التاريخ المزور‪،‬‬ ‫وكتب الفرق التي جمع فيها أصحابها ما ضعف وهزل من أقوال ال قيمة لها‬ ‫في منهج اإلسالم‪.‬‬ ‫فحكاية أن «أهل النهروان» هم أصل الخ��وارج‪ ،‬وأن «اإلباضية» هم من‬ ‫الخوارج(‪ ،((19‬بدأت في انتش��ارها من هنا حيث تجمعت أصوات المجاهيل‬ ‫(‪ ((19‬هذه الحكاية هي المدخل الذي ولج منه الكُ تَّاب للحديث عن أهل النهروان واإلباضية‪ ،‬وكل‬ ‫كتاباتهم عبر القرون الماضي��ة هي ألجل تبرير هذه األقوال وبث هذه الحكاية في أوس��اط‬ ‫الناس‪ ،‬واستعانوا ألجل ذلك بكل باطل من الروايات وس��اقط من األدلة‪ .‬وها هو الدكتور‬ ‫محمد حس��ن مهدي‪ ،‬يعبر عن جهله بحقيقة اإلباضية‪ ،‬ويعبر ع��ن خياناته للمنهج العلمي‪،‬‬ ‫حين قال‪« :‬وقد نشأت األباضية تاريخي ًا وسياس��ي ًا وعقدي ًا‪ ،‬على أصول الخوارج‪ ،‬وتفرعت‬ ‫عنهم كس��ائر فرقهم الكبرى‪ ،‬وهي لم تخرج عن سمات بقية الخوارج من قتالهم للمسلمين‬ ‫في المشرق والمغرب‪ ،‬ومن حيث خروجهم على الجماعة واألئمة طيلة التاريخ اإلسالمي‪،‬‬ ‫ومن حيث أخذهم بأصول الخوارج العقدية على وجه العموم» (األباضية نشأتها وعقائدها‪،‬‬ ‫ص ‪ .)60‬ثم أحال الكاتب إلى (تاريخ األمم والملوك لإلمام الطبري ـ ‪ 566 /5‬طبعة القاهرة)‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬تاريخ اإلمام الطبري ُبني على روايات ال ُيحتج بها إال بعد إثبات أسانيدها ومتونها‪،‬‬ ‫ولكن الدكتور الذي أخذته العزة بالباطل‪ ،‬وألجل تمرير حكايته المتهافتة التي تخيلها في‬ ‫ذهنه أشار إلى رواية باطلة ضعيفة ساقطة متهافتة جاءت من قبل أبي مخنف الضعيف كما‬ ‫هو بين في سند تلك الرواية التي أش��ار إليها الدكتور في كتابه‪ .‬فكان ينبغي للدكتور أن‬ ‫يحقق تلك الرواية ويثبتها أوالً‪ ،‬ثم ينط��ق بأحكامه ولكنه لم يفعل‪ ،‬ولن يفعل‪ ،‬وإذا فعل‬ ‫=‬ ‫فستكون عليه حسرة وندامة ألنها ستفضحه أمام الناس‪.‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪ 3‬ـ ةياكحلا ةيادب‬ ‫وأصوات الكذابين وأصوات الضعفاء الذين أشار إليهم األشعري والحافظ ابن‬ ‫حجر واإلمام ابن كثير وغيرهم‪.‬‬ ‫ذلكم ه��و الطور األول ال��ذي تخلقت فيه ه��ذه الحكاية‪ ،‬حيث َس��لَّ َم‬ ‫المجاهيل والكذابون ما نس��جته أيديهم إلى أصح��اب الكتب لتعيش تلك‬ ‫ُ‬ ‫الحكاية طوره��ا الثاني‪ ،‬ولتصبح بعد ذلك مورد ًا ترده��ا أفهام الخابطين في‬ ‫«ظلماء الليالي» ممن ال يميز بي��ن «الحصباء والآللي» وال بين التراب والتبر‬ ‫والجمر والتمر‪.‬‬ ‫والقائل الذي يقول‪ :‬ب��أن أخبار أهل النهروان ذكره��ا اإلمام الذهبي في‬ ‫كتابه (تاريخ اإلس�لام) وكتابه (س��ير أعالم النبالء)‪ ،‬عليه أن يعلم أن اإلمام‬ ‫الذهبي هو من أخبرنا‪ ،‬في كتبه‪ ،‬بأن رواة تلك األخبار هم من الضعف بمكان‬ ‫بحيث يجب علينا ركل رواياتهم بعيد ًا عن موائد العلم‪.‬‬ ‫والقائل الذي يقول‪ :‬بأن الحافظ ابن حجر ذك��ر تاريخ أهل النهروان في‬ ‫كتبه‪ ،‬عليه أن يعلم أن الحافظ ابن حجر هو نفس��ه من كتب لنا ضعف الرواة‬ ‫الذين نقلوا األخبار المنسوبة إلى أهل النهروان‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬على الدكتور محمد حس��ن مهدي وغيره من المفترين عل��ى المذهب اإلباضي أن‬ ‫=‬ ‫يعلموا أن عقائد اإلباضية قد أُخذت بحقها من كتاب اهلل تعالى ومن س��نة رسول اهلل ژ‬ ‫الصحيحة المتواترة‪ ،‬فمن الكذب عليهم نس��بت عقائدهم إلى الخ��وارج‪ .‬فالحديث عن‬ ‫القضايا العقدي��ة ينبغي أن يك��ون مع ذكر األدلة‪ ،‬ال أن يش��ار إليها م��ن بعيد في الجو‬ ‫المشحون بالتنطع‪ ،‬والكذب‪ ،‬وذكر األباطيل كما جاء في حكاية هذا الدكتور‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬فبسبب تصديق الدكتور محمد حس��ن للروايات الباطلة َت َق َّول على اإلباضية بما هم‬ ‫أبرياء من��ه‪ ،‬فالذين قاتلوا المس��لمين في الش��رق والغرب والش��مال والجنوب وهتكوا‬ ‫أعراضهم وقتلوهم ونهبوا أموالهم هم غير اإلباضية كما سيتبين ذلك جلي ًا واضح ًا في هذا‬ ‫البحث‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪86‬‬ ‫فقد ق��ال اإلمام الذهبي في س��يف بن عمر التميمي األس��دي‪« :‬متروك‬ ‫باتفاق‪ ،‬وقال‪ :‬ابن حبان اتهم بالزندقة‪ .‬قلت‪ :‬أدرك التابعين وقد اتهم‪ ،‬قال ابن‬ ‫حبان‪ :‬يروي الموضوعات»(‪.((19‬‬ ‫وقال اإلمام الذهبي في محمد بن عمر الواقدي‪« :‬مجمع على تركه‪ ،‬وقال‬ ‫ابن عدي‪ :‬يروي أحاديث غير محفوظة‪ ،‬والبالء منه‪ .‬وقال النسائي‪ :‬كان يضع‬ ‫الحديث»(‪.((19‬‬ ‫وقال اإلمام الذهبي في أبي مخنف لوط بن يحيى‪« :‬هالك»(‪ ،((19‬وقال في‬ ‫موضع آخر‪« :‬ساقط تركه أبو حاتم‪ ،‬وقال الدارقطني‪ :‬ضعيف»(‪.((19‬‬ ‫وقال اإلمام الذهبي في الهيثم بن ع��دي الطائي‪« :‬تركوه‪ ،‬وقال‪ :‬أبو داود‬ ‫(‪((19‬‬ ‫السجستاني كذاب»‬ ‫وقال اإلم��ام الذهبي في محمد ب��ن قدامة الجوه��ري‪« :‬روى أحمد بن‬ ‫محرز‪ ،‬عن ابن معين‪ :‬ليس بشيء‪.‬‬ ‫وقال أبو داود‪ :‬ضعيف‪ ،‬لم أكتب عنه شيئا قط»(‪.((20‬‬ ‫(‪ ((19‬المغني في الضعفاء‪ ،‬ت‪ ،2716 :‬ج ‪ /1‬ص ‪ .292‬وانظر كذلك ما قاله اإلمام الذهبي في كتاب‬ ‫(ميزان االعتدال في نقد الرجال‪ ،‬ت‪ ،3637 :‬ج ‪ /2‬ص ‪ 255‬ـ ‪.)256‬‬ ‫(‪ ((19‬المغني في الضعفاء‪ ،‬ت‪ ،5861 :‬ج ‪ /2‬ص ‪ .619‬ونقل اإلمام الذهبي تضعيف علماء الجرح‬ ‫للواقدي في كتاب (ميزان االعتدال في نقد الرجال‪ ،‬ت‪ ،7993 :‬ج ‪ /3‬ص ‪.)662‬‬ ‫(‪ ((19‬المغني في الضعفاء‪ ،‬ت‪ ،7719 :‬ج ‪ /2‬ص ‪ .807‬وذكر اإلمام الذهبي تضعيف علماء الجرح‬ ‫ألبي مخنف في كتاب (ميزان االعتدال في نقد الرجال‪ ،‬ت‪ ،6992 :‬ج ‪ /3‬ص ‪ 419‬ـ ‪.)420‬‬ ‫(‪ ((19‬المغني في الضعفاء‪ ،‬ت‪ ،5121 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.535‬‬ ‫(‪ ((19‬المغني في الضعفاء‪ ،‬ت‪ ،6807 :‬ج ‪ /2‬ص ‪ .717‬ومما قاله اإلمام الذهبي في الهيثم بن عدي‬ ‫الطائي «قال البخاري‪ :‬ليس بثقة‪ ،‬كان يكذب» (ميزان االعتدال في نقد الرجال‪ ،‬ت‪،9311 :‬‬ ‫ج ‪ /4‬ص ‪.)324‬‬ ‫(‪ ((20‬ميزان االعتدال‪ ،‬ت‪ ،8083 :‬ج ‪ /4‬ص ‪.15‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪ 3‬ـ ةياكحلا ةيادب‬ ‫لقد تعلمنا من علماء اإلس�لام أن األقوال المقبولة هي التي تعبر قنطرة‬ ‫المناهج‪ ،‬وأن الروايات التي يس��قطها علم الجرح والتعديل فال مكان لها في‬ ‫أذهان المس��لمين‪ ،‬لهذا وجب علينا أن نكون منصفين عند نسبة األقوال إلى‬ ‫غيرنا‪ .‬ووجب علينا أن نحترم جهود علماء اإلس�لام بتطبيق ما قالوه في علم‬ ‫الرواية والدراي��ة؛ فليس من اإلنصاف احتجاجنا بالرواي��ات التي نقلوها في‬ ‫كتبهم دون عرضها على الموازين التي أرادوا منا تطبيقها وتحكيمها في واقع‬ ‫كتاباتنا وأقوالنا‪ .‬فاإلمام الذهبي والحاف��ظ ابن حجر وغيرهما من أئمة العلم‬ ‫الشريف هدفهم األسمى هو تطبيق مناهجهم العلمية على كل الروايات التي‬ ‫والكتَّاب لن‬ ‫ُ‬ ‫س��طروها في كتبهم أو التي ُس��طرت في كتب غيرهم‪ .‬والقراء‬ ‫ينالوا السبق في مضمار العلوم إال إذا َح َّكموا المناهج العلمية التي جادت بها‬ ‫قرائح علماء اإلسالم عبر القرون الماضية‪.‬‬ ‫والناظر ف��ي الكتب الت��ي حاول أصحابه��ا التطاول عل��ى قامات أهل‬ ‫النهروان واإلباضية الس��امقة يجده��ا كلها تفتقر إلى تطبيق��ات علم الجرح‬ ‫الكتاب‪ ،‬لهذا وجدنا‬‫والتعديل‪ ،‬وكأن هذا العلم ال وجود له في أذهان أولئك ُ‬ ‫الكتَّاب الذين أس��هموا في نش��ر أقوال‬ ‫المفارقات بين الدعوة والتطبيق عند ُ‬ ‫الكذابين والضعفاء على أهل النهروان واإلباضية الكرام‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪88‬‬ ‫حكايات على مسرح الضعفاء والكذابين‬ ‫‪4‬‬ ‫الكتَّاب ألهل النهروان منذ بداياتها إلى‬ ‫المسيرة التاريخية التي اصطنعها ُ‬ ‫وقت الناس هذا اصطبغت في كل مراحلها بألوان من البالبل واالضطرابات‬ ‫الكتَّاب والمؤرخين فإنك ت��رى صورة أهل‬ ‫والمش��اكل‪ ،‬وحس��ب أوصاف ُ‬ ‫النهروان وكأنهم طائفة من المهرجين ال هم لهم إال إثارة الفتن‪ ،‬واالختالف‪،‬‬ ‫والتمزق‪ ،‬واالنقسام(‪.((20‬‬ ‫والمتتبع للمراحل التي س��لكتها األخبار التي كتبها الضعفاء والكذابون‬ ‫ونسبوها إلى أهل النهروان فإنه يرى تلك المراحل شاخصة أمام ناظريه‪:‬‬ ‫فالمرحلة األول��ى التي كونها الضعفاء من ال��رواة لتكون بداية حديثهم‬ ‫عل��ى أه��ل النه��روان هي ذكره��م لش��خص أطلق��وا عليه وص��ف (ذي‬ ‫الخويصرة)(‪ ،((20‬وجاءوا بأقوال باطلة تثير الغضب في نفوس المسلمين على‬ ‫قائلها الذي تطاول‪ ،‬بعد غزوة حنين‪ ،‬على مق��ام النبوة على صاحبها أفضل‬ ‫الصالة والسالم‪.‬‬ ‫(‪ ((20‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪.273‬‬ ‫(‪ ((20‬انظر (الخوارج تاريخه��م‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪ ،)208‬وكذل��ك انظر (الخوارج عقيدة‬ ‫وفكر ًا وفلس��فة‪ ،‬ص ‪ 39‬ـ ‪ .)41‬في الصفح��ات اآلتية نقاش للرواي��ات التي تحدثت عن‬ ‫شخصية (ذي الخويصرة)‪.‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪ 4‬ـ نيباذكلاو ءافعضلا حرسم ىلع تاياكح‬ ‫والمشهد الثاني الذي جاء به الكذابون والضعفاء على مسرحهم ليمثل في‬ ‫نظرهم أهل النهروان(‪ ،((20‬هو مشهد شخصية خرافية أطلقوا عليها اسم (ابن سبأ‬ ‫اليهودي)‪ ،‬ونس��بوا إليه أس��باب مقتل اإلمام عثمان بن عفان(‪ ،((20‬ونسبوا إليه‬ ‫(‪ ((20‬ومما قاله الدكتور أحمد عوض وهو يسجل تصوراته حول هذه المسرحية البلهاء‪« :‬وهكذا بدا‬ ‫لنا أن رؤوس الخوارج ـ في بدء أمرهم ـ كانوا م��ن المتمردين على عثمان ومن أنصار ابن‬ ‫سبأ» (الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪ .)28‬وقال أيض ًا‪« :‬وانتهى الدكتور معروف‬ ‫إلى القول إن العالئق الوثيقة الخطي��رة بين قادة الخوارج األوائل وبين ابن س��بأ وأنصاره‪،‬‬ ‫تجعلنا نميل إلى أن حرك��ة الخوارج قد نمت وترعرعت في أحضان الس��بئية‪ ،‬وأنها إحدى‬ ‫والئدها التي كانت تعمل في الظالم‪( »...‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪.)29‬‬ ‫(‪ ((20‬من مميزات الكُ تَّاب الذين سعوا إلى تزييف الحقائق عن أهل النهروان واإلباضية هو نقل‬ ‫بعضهم عن بعض من غير دراسة وال معرفة لما ينقلونه في كتبهم‪ ،‬فها وهو الدكتور محمد‬ ‫حس��ن مهدي ينقل عن كاتب آخر وه��و محمد األنور الس��نهوتي ما نص��ه‪« :‬وتبرم بها‬ ‫المسلمون ووجد أعداء اإلسالم الفرصة س��انحة إلحداث فتنة بين المسلمين‪ ،‬فجدوا في‬ ‫تحريض الن��اس على عثمان‪ ،‬وتولى كبر هذا العمل عبد اهلل بن س��بأ الذي أش��عل نيران‬ ‫الثورة على عثمان» (األباضية نش��أتها وعقائدها‪ ،‬ص ‪ ،)30‬كان ينبغي لهذين الكاتبين أن‬ ‫يقفا وقفة علمية أمام تلك الروايات التي جاءت فيها هذه األخبار قبل التفوه بهذه األباطيل‬ ‫التي نسبوها إلى خرافة ابن سبأ‪.‬‬ ‫وبعد أن تشبع ناصر السعوي بما أفرزته أقالم الضعفاء جاء ليجادل بقوله المتهافت‪« :‬لكن‬ ‫أعداء اإلسالم هالهم هذا األمر فسعوا في إشعال الفتن متظاهرين بالذود عن الدين والغيرة‬ ‫عليه فاغتر بهم من اغتر من المسلمين‪ ،‬فحصلت تلك الفتنة العظيمة التي راح ضحيتها أمير‬ ‫المؤمنين عثمان ‪ ƒ‬ثم إن من زعماء هذه الفتنة من أسسوا مذهب الخوارج فنراهم زعماء‬ ‫الخوارج فيما بعد» (الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم‪ ،‬ص ‪ ،48‬وانظر نحو هذا القول ص ‪.)55‬‬ ‫ومما يؤس��ف له أن نجد الدكتور عامر النجار في صفوف هؤالء الذين روجوا لخرافة (ابن‬ ‫س��بأ اليهودي)‪ .‬وقد زاد على أقواله��م بقوله‪« :‬وكان الطاغوت األكب��ر لهؤالء (عبد اهلل بن‬ ‫س��بأ)» (الخوارج عقيدة وفكر ًا وفلس��فة‪ ،‬ص ‪ .)23‬وبقوله أيض ًا‪« :‬من ذلك يتضح لنا خطر‬ ‫عبد اهلل بن وهب بن سبأ على اإلسالم» (الخوارج عقيدة وفكر ًا وفلسفة‪ ،‬ص ‪ ،)24‬كان على‬ ‫الدكتور عامر النجار إثبات وجود خرافة (عبد اهلل بن سبأ) من خالل دراسة الروايات دراسة‬ ‫علمية قب��ل أن يصفه بـ «الطاغوت» وقب��ل أن ُي َع ِّرفه بـ «عبد اهلل بن وهب بن س��بأ»‪ ،‬ولكن‬ ‫بسبب سيره وراء الضعفاء ما كان منه إال نقل أباطيلهم إلى المسلمين‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪90‬‬ ‫كذلك تأجيج حرب الجمل(‪ ،((20‬وختموا مسرحيتهم بمشهد مقزز فيه مطالبات‬ ‫أتباع (ابن سبأ اليهودي) لإلمام علي لكي يقسم بينهم الغنائم والنساء(‪.((20‬‬ ‫والحلقة الثالثة التي تضافرت أيدي الكذابين والضعفاء والمجهولين في‬ ‫س��بكها أتت بمش��اهد فيها مجادالت بين أهل النهروان واإلم��ام علي‪ ،‬فقد‬ ‫صورت تلك الحلقة اإلمام علي ش��خصية ال إرادة له��ا(‪ ،((20‬وصورت أهل‬ ‫(‪ ((20‬كل الروايات التي ذكرت هذه األحداث باطلة ضعيفة وقد ذكرنا أسباب ضعفها في الفصل‬ ‫الثالث من كتابنا (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت)‪ ،‬فأدعوك‬ ‫يا أخي القارئ الكريم إلى قراءة ما كتب لتدرك مدى تساقط الكُ تَّاب في وهاد التخريص‬ ‫ودركات التجاهل لعلوم األمة‪ .‬وس��تدرك أن الدكتور أحمد عوض ليس لديه إال األباطيل‬ ‫عندما نس��ب تأجيج حرب يوم الجمل إلى خرافة ابن س��بأ (الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪،‬‬ ‫وعقائدهم‪ ،‬ص ‪ 83‬ـ ‪ .)84‬وهن��اك كاتب آخر منضم في س��لك المتهوكين وهو الدكتور‬ ‫محمد حس��ن مهدي الذي هرف بما ال يعرف حين قال‪« :‬ويق��ف على رأس الراغبين في‬ ‫استمرار وقوع الفتنة حزب (السبئيين) ومن ماألهم من قتلة عثمان ‪( » ƒ‬األباضية نشأتها‬ ‫وعقائدها‪ ،‬ص ‪ ،)33‬وفي هامش الصفحة َع َّرف الدكتور محمد حس��ن مهدي الس��بئيين‬ ‫بقوله‪« :‬تنس��ب هذه الفرقة إلى زعيمها عبد اهلل بن وهب بن س��بأ وه��و يهودي من أهل‬ ‫صنعاء‪ »...‬وأشار في نهاية التعليق إلى (مقاالت اإلسالميين ‪ 11 /1‬ـ ‪ )12‬و(تاريخ المذاهب‬ ‫اإلس�لامية ص ‪ )31‬وعند رجوعنا لهذين الكتابين وجدنا اس��م (عبد اهلل بن سبأ) وليس‬ ‫(عبد اهلل بن وهب بن سبأ)‪ ،‬ولم نجد أي تحقيق يثبت صدق هذه األقوال‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬ ‫وكرر هذا الدكتور اتهام «الس��بئيين» بإش��عال حرب الجمل (األباضية نشأتها وعقائدها‪،‬‬ ‫ص ‪ ،)34‬كان ينبغي له��ذا الدكتور إثبات األخبار من مصادرها بع��د عرضها على منهاج‬ ‫الجرح والتعديل‪ ،‬وأال يقنع بما تناقلته الكتب السابقة من أقوال‪ ،‬ولكنه لم يفعل‪.‬‬ ‫(‪ ((20‬انظر تاريخ الطبري (ج ‪ /3‬ص ‪ )59‬حيث جاءت الرواية من طريق «ش��عيب‪ ،‬عن س��يف»‬ ‫الضعيفين‪ .‬هذا وقد اعتم��د الدكتور أحمد عوض على تلك الرواي��ة الباطلة‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫«ووبخ الس��بئية الذين طعنوا في قراره واعترض��وا عليه بقولهم‪ :‬كيف يح��ل لنا دماءهم‬ ‫ويحرم علينا أموالهم؟! فقال‪ :‬أيحب أحدكم أن تصير أم المؤمنين في سهمه؟» (الخوارج‬ ‫تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪.)85‬‬ ‫(‪ ((20‬ومما قاله الدكتور أحمد عوض‪« :‬ويبدو أن علي ًا ‪ ، ƒ‬قد ح��اول جاهد ًا إقناعهم بوجهة‬ ‫نظره‪ ،‬وحذرهم من المعصية‪ ،‬فأبوا إال أبا موس��ى بحجة أنه كان حذرهم الفتنة‪ ،‬ولما لم =‬ ‫‪91‬‬ ‫‪ 4‬ـ نيباذكلاو ءافعضلا حرسم ىلع تاياكح‬ ‫النه��روان بطائفة مهرجة؛ ال ضابط لتصرفاتها‪ ،‬فقد نس��ب إليه��ا ُكتَّاب هذه‬ ‫الحلقة إجبارهم لإلمام علي على قبول التحكيم بينه وبين معاوية‪ ،‬ثم نسبوا‬ ‫إلى تلك الطائفة إرغامهم لإلمام علي على قبول أبي موسى األشعري ليكون‬ ‫ممثالً عنه ف��ي قضية التحكي��م‪ ،‬ثم نطق��ت رواياتهم‪ ،‬التي نس��بوها ألهل‬ ‫النهروان‪ ،‬برفض قضي��ة التحكيم من أساس��ها(‪ ((20‬ومطالبته��م لإلمام علي‬ ‫بالتراجع عن تلك القضي��ة والتوبة منه��ا‪ .‬واختتم ُكتَّاب ه��ذه الحلقة تلك‬ ‫األحداث بمشهد فيه س��جال ومراجعات لفظية بين اإلمام علي والطائفة التي‬ ‫نسبت إليها تلك المواقف(‪.((20‬‬ ‫يجد علي وس��يلة إلقناعهم‪ ،‬رضخ لرغبتهم‪ ،‬وسلم األمر إليهم‪ ،‬وش��كا حاله بين أمسه‬ ‫=‬ ‫ويومه فق��ال‪ :‬أال إني كنت أمس أمي��ر المؤمنين‪ ،‬فأصبحت اليوم مأم��وراً‪ ،‬وكنت ناهي ًا‪،‬‬ ‫فأصبحت منهي ًا‪ ،‬وليس ل��ي أن أحملكم على ما تكرهون» (الخ��وارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪،‬‬ ‫وعقائدهم‪ ،‬ص ‪.)94‬‬ ‫(‪ ((20‬ومما قاله أحد الممثلين لهذه المس��رحية الهزلية‪ ،‬وهو الدكتور أحم��د عوض‪« :‬ثم نراهم‬ ‫يتدخلون في اختيار ممثل علي في الحكومة‪ ،‬ويفرضون عليه أبا موس��ى األش��عري‪ .‬وبعد‬ ‫ذلك يأتيه فريق منهم في طليعتهم عبد اهلل بن وهب الراس��بي‪ ،‬فيعترضون على قبوله بمبدأ‬ ‫التحكيم‪ ،‬ويطلبون إليه استئناف القتال ضد معاوية» (الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪،‬‬ ‫ص ‪ ،)34‬وانظر كذلك نحو هذا القول في (الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم‪ ،‬ص ‪.)191 ،186‬‬ ‫(‪ ((20‬ففي كتابنا (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت‪ ،‬القسم الثاني من‬ ‫ذكرت الروايات التي اعتمد عليها كثي��ر من الكُ تَّاب في طعنهم‬ ‫ُ‬ ‫الفصل الخام��س‪ ،‬ص ‪)194‬‬ ‫ألهل النهروان‪ ،‬وبينت أن هذه المواقف التي نسبت إليهم باطلة ال قيمة لها‪ .‬ومما قل ُته هناك‪:‬‬ ‫«هذه الرواي��ات التي نقلها الطبري في كتاب��ه واعتمد عليها الكُ تَّاب الذي��ن لم ينصفوا أهل‬ ‫النهروان ضعيفة باطلة س��اقطة لورودها من قبل أبي مخنف الراوي التالف المتروك (لسان‬ ‫الميزان ت‪ ،6776/8 :‬ج ‪ /4‬ص ‪ 584‬وكذلك كتاب الجرح والتعديل ت‪ ،1030 :‬ج ‪ /7‬ص ‪.)182‬‬ ‫ويعجب اإلنس��ان من أناس حملوا من اإلجازات العلمية ما تؤهلهم للوصول إلى معرفة‬ ‫الغث من السمين من الروايات ومع هذا نجدهم ال يبالون من أي مورد يستقون‪ ،‬وال من‬ ‫أي نبع يش��ربون‪ ،‬كل همهم الكيد ألهل النهروان وأتباعهم اإلباضي��ة الذين وقفوا أمام‬ ‫=‬ ‫غطرسة بني أمية وظلم بني العباس وضحوا بأنفسهم ألجل الخالفة الراشدة‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪92‬‬ ‫وجاء بنا قطار هذه األحداث‪ ،‬التي اخترعها الضعفاء من الرواة‪ ،‬ليقف بنا‬ ‫أمام مشاهد أخرى لتمثيل دور أهل النهروان المزعوم في التاريخ‪ .‬فقد صور لنا‬ ‫أهل النهروان فئة من الناس تعترض عبد هلل بن خباب فتقتله وتشق بطن‬ ‫الكتَّاب َ‬ ‫ُ‬ ‫امرأته(‪ ،((21‬وتتأسف على قتل خنزير(‪ ((21‬وتعوض مالكه الذمي قيمة خنزيره‪.‬‬ ‫الكتَّاب في مس��رحيتهم مش��هد ًا في��ه وقوف أهل‬ ‫ويعرض علينا أولئك ُ‬ ‫النهروان في صف واحد‪ ،‬ويرفعون صوتهم ليقول��وا لإلمام علي‪ :‬أنهم كلهم‬ ‫مشتركون في قتل رسله وقتل(‪ ((21‬عبد اهلل بن خباب‪.‬‬ ‫أناس لم‬ ‫فكل الذين نالوا من أهل النهروان نجدهم يعتمدون على روايات ضعيفة أبطالها ٌ‬ ‫=‬ ‫تحفل األمة بأخبارهم بل أطلقت عليها وابالً من قذائ��ف الحق فأصبحت في أنظار أهل‬ ‫الحق واالستقامة ركام ًا تحبط مقتنيها وتردي به في مضائق الجهل» انتهى‪...‬‬ ‫(‪ ((21‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪ ،209‬وق��ال الدكتور أحمد عوض‪« :‬فبينما هو‬ ‫كذلك إذ بلغه أن الخوارج قد عاثوا في األرض فس��اداً‪ ،‬وس��فكوا الدماء وقطعوا السبل‪،‬‬ ‫واستحلوا المحارم» (الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪.)106‬‬ ‫ومما قاله ناصر الس��عوي‪« :‬وبناء على مبدئهم هذا اس��تحلوا دم��اء مخالفيهم وأموالهم»‬ ‫(الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم‪ ،‬ص ‪ ،)41‬وأضاف ناصر السعوي إلى أباطيله هنا‪« :‬فيشير‬ ‫شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ 5‬إلى حقيقة هذا المذهب الباطل الذي خرجت به هذه الشرذمة‬ ‫المارقة التي شذت عن جماعة المس��لمين‪ ...‬ولم تنته عند هذا الحد أيض ًا؛ بل تعدته إلى‬ ‫ما هو أعظم منه وأخطر‪ ،‬وهو استباحتهم دماء من لم ير رأيهم ويسير على نهجهم‪ ،‬ليس‬ ‫الرج��ال فقط؛ بل تعدوا ذلك إلى النس��اء واألطفال والش��يوخ» (الخوارج دراس��ة ونقد‬ ‫لمذهبهم‪ ،‬ص ‪ ،)42‬وانظر نحو هذه األقوال المتهافتة التي قالها ناصر السعوي (الخوارج‬ ‫دراسة ونقد لمذهبهم‪ ،‬ص ‪ ،140‬ص ‪ ،183‬ص ‪ ،191‬ص ‪ ،194‬ص ‪.)206‬‬ ‫انظر كتابنا (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت‪ ،‬القسم الثالث‬ ‫من الفصل الخام��س‪ ،‬ص ‪ 206‬ـ ‪ )217‬لتعلم أن الروايات‪ ،‬التي اعتم��د عليها الكُ تَّاب في‬ ‫تمرير هذه األباطيل عن أهل النهروان‪ ،‬ال قيمة لها في الساحة العلمية لدى المسلمين‪.‬‬ ‫(‪ ((21‬انظر كتاب (الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم‪ ،‬ص ‪.)187‬‬ ‫(‪ ((21‬ومما قاله ناصر الس��عوي‪« :‬وروى عن علي (أن��ه لما قاتل أهل النه��روان قال ألصحابه‬ ‫ال تبدءوه��م بالقتال وبعث إليهم أقيدون��ا بعبد اهلل بن خباب‪ ،‬قالوا‪ :‬كلن��ا قتله)‪ .‬فحينئذ =‬ ‫‪93‬‬ ‫‪ 4‬ـ نيباذكلاو ءافعضلا حرسم ىلع تاياكح‬ ‫الكتَّاب‬ ‫وقبل أن يس��دل الس��تار على مش��اهد هذه الحلقة يعرض علينا ُ‬ ‫دليال على فس��اد رأي أهل‬ ‫مش��هد اس��تخراج جثة (ذي الثدية)(‪ ((21‬لتك��ون ً‬ ‫النهروان وصواب من حاربهم‪.‬‬ ‫وهكذا انتهى الجزء األول من هذه الملحمة!!!! بالعثور على (ذي الثدية)‬ ‫الذي كان في يوم من األيام (ذو الخويصرة)‪ ،‬ولتدور أحداث هذه المسرحية‬ ‫من بدايتها إل��ى نهايتها حول خرافات وقصص س��اذجة ُجع��ل أبطالها (ذو‬ ‫الخويصرة) و(ابن سبأ اليهودي) و(ذو الثدية)‪.‬‬ ‫لقد تُرك العلم‪ ،‬وأُهمل العقل‪ ،‬واتبعت األباطي��ل التي ُبنيت على أقوال‬ ‫الضعفاء من الرواة ألجل إثارة عواطف الجماهير خاصة حينما يسمعون أن (ذا‬ ‫الخويصرة) قد ُنسب إليه قوله للرسول صلى هلل عليه وسلم‪« :‬اعدل»‪ ،‬وأن (ذا‬ ‫الثدية) الذي ُنسب إلى أهل النهروان قد قال عنه رسول اهلل ژ ‪« :‬آيتهم رجل‬ ‫إحدى يديه‪ ،‬أو قال‪ :‬ثدييه‪ ،‬مث��ل ثدي المرأة‪ ،‬أو قال‪ :‬مث��ل البضعة تدردر‪،‬‬ ‫يخرجون على حين فرقة من الناس»‪ ،‬وأن (ابن سبأ اليهودي) قد أجج الناس‬ ‫على ذي النورين وثالث الخلفاء الراشدين @ ‪.‬‬ ‫الكتَّاب في اس��تنهاض عواطف الناس ضد أهل النهروان ومن‬ ‫لقد أجاد ُ‬ ‫اعترف بعدالة موقفهم من تلك األحداث التي شهدتها الساحة اإلسالمية أيام‬ ‫اإلمام علي بن أبي طالب كرم اهلل وجهه الكريم‪.‬‬ ‫ولقد اس��تنهضت النفوس على أهل النهروان حينما تكاتف الكذابون‬ ‫والضعفاء‪ ،‬وقَلَّب��وا األمور‪ ،‬ونس��جوا من خيوط أباطيلهم صورة س��اذجة‬ ‫استحل قتالهم إلقرارهم على أنفسهم بما يوجب قتلهم» (الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم‪،‬‬ ‫=‬ ‫ص ‪ ،)208‬وانظر كذلك (الخوارج عقيدة وفكر ًا وفلسفة‪ ،‬ص ‪.)42‬‬ ‫(‪ ((21‬انظر كتاب (الخوارج تاريخه��م‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائده��م‪ ،‬ص ‪ ،108‬وص ‪ ،)212‬وانظر كذلك‬ ‫(الخوارج عقيدة وفكر ًا وفلسفة‪ ،‬ص ‪.)40‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪94‬‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وال يقرها العقل المسلم النظيف‬ ‫ُ‬ ‫يرفضها العلم الذي أَسس بنيانه‬ ‫من الخرافات واألباطيل التي ظهرت في هذه المسرحية الهزلية التي روج‬ ‫لها أصحابها‪.‬‬ ‫وأما الجزء الثاني من مسرحية الكذابين والضعفاء فتناولت األحداث التي‬ ‫الكتَّاب بمشاهد فيها تتبع من زعموا أنهم‬ ‫أعقبت معركة النهروان حيث جاء ُ‬ ‫أتباع أهل النهروان لإلمام علي‪ ،‬لينتهي المشهد بمقتله كرم اهلل وجهه الكريم‬ ‫على يد رجل تعلق قلبه بحس��ناء‪ ،‬فأمهرها ضربة س��يف مسموم على كاهل‬ ‫اإلمام الكريم(‪.((21‬‬ ‫الكتَّاب‬ ‫وبعد اس��تراحة ليس��ت بقصيرة خرج الضعف��اء وأذنابهم م��ن ُ‬ ‫للجماهير على منصة المسرح ليمثلوا الحوار الذي دار بين عبد اهلل بن الزبير‬ ‫والذين جاءوا لنصرته ضد الجيش األموي ال��ذي هجم على المدينة المنورة‬ ‫ومكة المكرمة(‪.((21‬‬ ‫(‪ ((21‬انظر كتاب (الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪ ،)120‬فنس��بة قتل اإلمام علي كرم‬ ‫اهلل وجهه الكريم إلى أتباع أهل النهروان باطلة وذلك ببطالن جميع الروايات التي نسبت‬ ‫جريمة القتل إليهم‪ ،‬فالرجاء مراجع��ة كتابنا (اإلباضية ومنهجي��ة البحث عند المؤرخين‬ ‫وأصحاب المقاالت‪ ،‬ص ‪ 223‬ـ ‪.)228‬‬ ‫(‪ ((21‬انظر (الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪ ،155‬وص ‪ ،)204‬وانظر كذلك (اإلباضية‬ ‫نشأتها وعقائدها‪ ،‬ص ‪ ،)54‬وانظر كذلك‪( :‬الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم‪ ،‬ص ‪ 131‬ـ ‪،)132‬‬ ‫لقد اس��تعان الكُ تَّاب في طعونهم ألهل النهروان واإلباضي��ة بالروايات التي تحدثت عن‬ ‫الحوار الذي دار بي��ن عبد اهلل بن الزبير والرج��ال الذين جاءوا لنصرت��ه عندما هجمت‬ ‫جحافل بني أمية على المدينة المنورة ومكة المكرمة‪ .‬وأخ��ذ الكُ تَّاب من تلك الروايات‬ ‫تصوراتهم الباطلة عن منهج أتباع أهل النهروان الذين بق��وا على مبادئهم إلى يوم الناس‬ ‫هذا‪ .‬ولقد كان لن��ا نقاش لتل��ك الروايات في كتابن��ا (اإلباضية ومنهجي��ة البحث عند‬ ‫المؤرخين وأصحاب المقاالت‪ ،‬القس��م الخامس من الفص��ل الخامس‪ ،‬ص ‪ 229‬ـ ‪،)235‬‬ ‫وعرفنا من خالل مناقش��ة تلك الروايات أن ما نس��ب من أقوال إلى الذين جاءوا لنصرة =‬ ‫‪95‬‬ ‫‪ 4‬ـ نيباذكلاو ءافعضلا حرسم ىلع تاياكح‬ ‫واختتم الجزء الثاني من هذه المسرحية بعرض مشهد فيه القتل والسبي‬ ‫ونهب األموال‪ ،‬ليكون هذا المشهد دائم ًا وأبد ًا حي ًا في ذاكرة من افترى وعلى‬ ‫لسان من ارتمى في أحضان الكذابين‪.‬‬ ‫فكل المشاهد التي شملها الجزء األول والجزء الثاني من هذه المسرحية‬ ‫الهزلية المضحكة إنما أملتها روايات ضعيفة؛ أبطلتها علوم األمة اإلس�لامية‬ ‫كما بينا ذلك بالحجج العلمية التي أخذناها من كتب علماء اإلسالم من كل‬ ‫المذاه��ب في بحثن��ا الذي خرج باس��م (اإلباضي��ة ومنهجي��ة البحث عند‬ ‫المؤرخين وأصحاب المقاالت)‪ .‬ولقد وقف خلف تلك الروايات سدنة أنفقوا‬ ‫أموالهم وأعمارهم في إنش��ائها وتزييفها وحملها والترويج لها عبر التاريخ‪،‬‬ ‫وبرهنوا من خالل كتاباتهم أنهم «يحتطبون األخب��ار بأهوائهم»‪ ،‬وأن عملهم‬ ‫«عمل غير علمي وال دقيق‪ ،‬بل عمل حاطب ليل»‪ .‬وأن سيرهم «كالخابط في‬ ‫ظلماء الليالي»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للمش��اهد رأي ًا‬ ‫المش��اهد‪ ،‬فال بد أن يكون ُ‬ ‫وبعد أن ُعرضت علينا تلك َ‬ ‫ُي َس َجل له أو عليه‪ .‬وهنا ينقسم المشاهدون إلى فئات‪ ،‬وكل فئة تأتي بمواقفها‬ ‫حسب ما اس��تقر في أذهان أفرادها من تصورات وحسب االنتماءات الفكرية‬ ‫الموروثة التي تتناقلها األجيال عبر القرون‪.‬‬ ‫وهنا يح��دث الصخب بين أف��راد تلك الفئ��ات؛ فتس��مع أصوات من‬ ‫ال يعجبهم ما س��معوا ورأوا‪ ،‬وترى آخرين يرقصون فرح ًا بما ش��اهدوه من‬ ‫أحداث‪ ،‬وبهذا ينتقل الصخب من مسرح التاريخ الذي ُمثِّل عليه إلى مسرح‬ ‫الحياة التي يعيش��ها الناس‪ .‬ولكن إذا نطقت مناهج األمة اإلسالمية بالحكم‬ ‫ابن الزبير باطل ال يصح‪ ،‬وال ينبغي ألي أحد أن يطع��ن في أهل النهروان واإلباضية بما‬ ‫=‬ ‫جاء في تلك الروايات الباطلة‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪96‬‬ ‫العادل فال بد للجميع أن يضعوا أيديهم على رؤوسهم استسالم ًا للحكم الذي‬ ‫ال يزيغ عنه إال معاند ومكابر للحق‪.‬‬ ‫وح َّكموا‬ ‫فالذين رأوا سالمة مواقف أهل النهروان لم يعجبهم ما سمعوا‪َ ،‬‬ ‫في ذلك مناهج األمة‪.‬‬ ‫والذين توارثوا أحكامهم الجائرة على أهل النهروان ما كان منهم إال تقبل‬ ‫ما شاهدوه وسمعوه‪ ،‬وسعوا بعد ذلك في نش��ر أحكامهم الباطلة بين أجيال‬ ‫المسلمين بال خجل وال خوف من أن تظهر أباطيلهم في يوم من األيام‪.‬‬ ‫لقد أسهمت كتب كثيرة في بث ما حوته هذه المسرحية الهزلية من أباطيل‬ ‫في أوساط الجماهير معتمدة في ذلك أساليب (التكرار) وطرق (التأكيد)‪.‬‬ ‫فمن تلك الكتب‪:‬‬ ‫· كتاب (الخوارج أول الفرق في تاريخ اإلس�لام ـ مناهجهم وأصولهم‬ ‫وسماتهم قديم ًا وحديث ًا وموقف السلف منهم) للدكتور ناصر بن عبد الكريم‬ ‫العقل‪.‬‬ ‫· وكتاب (الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم) لناصر بن عبد اهلل السعوي‪.‬‬ ‫· وكتاب (الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقه��م وعقائدهم) للدكتور أحمد عوض‬ ‫أبو الشباب‪.‬‬ ‫· وكتاب (الخوارج نش��أتهم وصفاتهم وعقائده��م وأفكارهم) للدكتور‬ ‫علي بن محمد الصالبي‪.‬‬ ‫· وكتاب (الخوارج عقيدة وفكر ًا وفلسفة) للدكتور عامر النجار(‪.((21‬‬ ‫(‪ ((21‬هذا الكتاب الذي ظهر باس��م (الخوارج عقيدة وفكر ًا وفلسفة) ونش��رته (عالم الكتب)‪،‬‬ ‫والكت��اب اآلخر ال��ذي ظه��ر باس��م (األباضية وم��دى صلته��ا بالخوارج) ونش��رته =‬ ‫‪97‬‬ ‫‪ 4‬ـ نيباذكلاو ءافعضلا حرسم ىلع تاياكح‬ ‫· وكتاب (اإلباضية نشأتها وعقائدها) للدكتور محمد حسن مهدي‪.‬‬ ‫وغيرها من الكتب التي لم تختلف عنها إال في العنوان واس��م المؤلف‬ ‫والناشر‪ .‬وكل الذي حوته هذه الكتب ما هو إال تكرار وإعادة تدوير ألباطيل‬ ‫التاريخ التي نطق بها الضعفاء والكذابون في مشاهد مسرحيتهم الخرقاء عن‬ ‫أهل النهروان الك��رام‪ ،‬ولم نجد م��ن أصحاب هذه الكتب م��ن حقق تلك‬ ‫الروايات واألق��وال ووزنها بميزان علم الجرح والتعدي��ل‪ ،‬وكتبهم هذه خير‬ ‫دليل على ما نقول‪.‬‬ ‫الكتَّاب عن سابقيهم األخبار المنسوبة‬ ‫وعلى مدى القرون الماضية أخذ ُ‬ ‫إلى أهل النهروان‪ ،‬وكلما جاء جيل من هؤالء حمل على ظهره تلك األخبار‬ ‫حتى وصلت إلى الدكتور ناصر العقل الذي لم يك��ن له إال أن يقول‪« :‬يتفق‬ ‫العلماء والباحثون قديم ًا وحديث ًا على أن (األباضية) في أصولها العقدية فرع‬ ‫عن الخوارج وتلتقي معهم في أغلب األصول التي خرجت بها الخوارج عن‬ ‫(دار المعارف)‪ ،‬تش��ابها كثير ًا في طرح مادتهما‪ ،‬ومهما تكن من دوافع للكاتب أو الناشر‬ ‫=‬ ‫وراء إصدارهم��ا بعنواني��ن وإن اتفقا في المضم��ون‪ ،‬تبقى المادة العلمي��ة التي عرضها‬ ‫المؤلف ه��ي التي ُتطرح للنق��اش‪ ،‬وهي التي ُتثب��ت قرب أو بعد الكات��ب عن المنهج‬ ‫اإلسالمي في تحقيق األخبار‪.‬‬ ‫فالقارئ يجد الدكتور عامر النجار قد س��ار في ركب الضعفاء والكذابين من الرواة حين‬ ‫تحدث عن أهل النهروان‪ ،‬ولكنه صرح ببراءة اإلباضية من فكر األزارقة والنجدات حينما‬ ‫رجع إلى كتب اإلباضية‪ ،‬وهو يش��كر على ذلك؛ حيث قال‪« :‬وإنني أميل بشدة إلى رأي‬ ‫الدكت��ور عوض خليفات ال��ذي أكد من خالله على أن اإلباضية ليس��وا م��ن الخوارج»‬ ‫(اإلباضية ومدى صلتها بالخوارج‪ ،‬ص ‪ ،)85‬وقال أيض ًا‪« :‬ه��ذه الفروق المختلفة تجبرنا‬ ‫على الفصل بين اإلباضي��ة والخوارج وال نعتبرهم من فرق الخ��وارج» (اإلباضية ومدى‬ ‫صلتها بالخوارج‪ ،‬ص ‪ .)88‬وسيتبين في هذا البحث أين أخطأ الدكتور عامر النجار وأين‬ ‫أصاب؟ واهلل الموفق إلى كل خير‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪98‬‬ ‫األمة‪ .((21(»...‬ثم أش��ار الكاتب في هامش الصفحة إلى الكتب التي توارثت‬ ‫األباطيل عن أهل النهروان واإلباضية‪.‬‬ ‫وجاء نحو عبارة الدكتور ناصر العقل على لس��ان الدكتور محمد حس��ن‬ ‫مهدي الذي قال‪« :‬وقد اس��تنكر األباضيون المعاصرون بش��دة انتماءهم إلى‬ ‫الخوارج رغم اتفاق ُكتَّاب الفرق والمقاالت اإلسالمية على أن األباضية إحدى‬ ‫فرق الخوارج»(‪ .((21‬ثم أحال القارئ إلى كتب أخرى سبقته في ركم األباطيل‪.‬‬ ‫ليت الدكتور العقل والدكتور محم��د عرفا صلة تلك الكتب التي ذكراها‬ ‫بالمنهج العلمي‪ ،‬وليتهما وزنا ما في تلك الكتب بميزان الحق قبل أن يتفوها‬ ‫بهذه العبارة‪.‬‬ ‫ليعلم الدكتور ناصر العقل ومعه الدكتور محمد حسن أن علماء اإلسالم‬ ‫ال يتفقون على قول األباطيل‪ ،‬وما ُسجل على أهل النهروان واإلباضية باطل‬ ‫بش��هادة علماء الجرح والتعديل‪ .‬فَلِم ال يستفيدان من علومهم قبل أن يتفوها‬ ‫بهذه األباطيل؟‬ ‫(‪ ((21‬الخوارج أول الفرق في اإلس�لام‪ ،‬ص ‪ .89‬ثم أحال الدكتور الق��ارئ إلى الكتب اآلتية‪:‬‬ ‫«(مقاالت اإلسالميين لألشعري ‪ ،183 /1‬والفرق بين الفرق للبغدادي ‪ ،103‬والملل والنحل‬ ‫للشهرس��تاني ‪ ،133 /1‬والمعارف البن قتيبة ‪ ،622‬ومروج الذهب للمس��عودي ‪،258 /3‬‬ ‫والكامل البن األثير ‪ 335 /3‬ـ ‪ ،337‬واعتقادات فرق المس��لمين والمشركين للرازي ص‬ ‫(‪ ،)57 ،49‬ودراس��ات عن الفرق في تاريخ المس��لمين للدكتور‪ /‬أحم��د جلي ‪ 74‬ـ ‪،97‬‬ ‫وتأمالت في التراث العقدي للف��رق الكالمية (الخوارج) للدكتور ‪ /‬عبد الس�لام محمد‬ ‫عبده‪ ،‬ص ‪ 285‬وما بعدها‪ .‬والخوارج في العصر األموي للدكتور نايف معروف ص ‪.238‬‬ ‫وتاريخ الفرق اإلس�لامية لعلي الغرابي ص ‪ .281‬واإلباضية عقيدة ومذهب ًا للدكتور صابر‬ ‫طعيمة ‪ 17‬ـ ‪ 19‬وغيرها»‪.‬‬ ‫(‪ ((21‬األباضية نشأتها وعقائدها‪ ،‬ص ‪ .55‬ثم أحال الدكتور القارئ إلى كتاب الفصل البن حزم‪،‬‬ ‫وكتاب الملل للشهرستاني‪ ،‬والتبصرة في الدين لإلسفراييني‪ ،‬وكتاب مقاالت اإلسالميين‬ ‫لألشعري‪ ،‬والفرق بين الفرق للبعدادي‪ ،‬وتاريخ المذاهب اإلسالمية ألبي زهرة‪.‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪ 4‬ـ نيباذكلاو ءافعضلا حرسم ىلع تاياكح‬ ‫وليعلم الدكتور العقل أن الذين وصفه��م بـ «الباحثين» قديم ًا وحديث ًا لم‬ ‫يكن لهم حظ في تطبيق علوم األمة على األخبار التي أساءت إلى مقام أهل‬ ‫النهروان واإلباضية الكرام‪ .‬وكل ما قاموا به ما هو إال نقل ألباطيل لو عرفوا‬ ‫أصولها وما في بطونها لجفت مآقيهم من ش��دة الخج��ل إن كان فيهم عرق‬ ‫حياة وحياء‪.‬‬ ‫فالدكتور العق��ل والدكتور محمد مه��دي خلطا بين المص��ادر األصلية‬ ‫والثانوية‪ ،‬وهذا خرق لمبادئ المنهج العلمي في الكتابة‪ .‬وبما أن الكاتبين لم‬ ‫يفيا بقواعد المنهج اإلسالمي الصادق‪ ،‬فهما ليسا بأهل ألن يكتبا حرف ًا واحد ًا‬ ‫عن أهل النهروان واإلباضية الكرام‪.‬‬ ‫يا ناصر العقل ل��و تعقلت قلي�لاً‪ ،‬وطبقت علم الج��رح والتعديل على‬ ‫األخبار التي في كتب من تعدهم «باحثين» لعرفت أنها من إبداعات الضعفاء‬ ‫والكذابين والوضاعين‪ ،‬فكان من الواج��ب عليك القيام بهذه المهمة قبل أن‬ ‫تفضح نفسك أمام المسلمين‪.‬‬ ‫يا ناصر العقل لو كنت منصف ًا في القول لتبين ل��ك أن المصادر الثانوية‬ ‫التي تراكمت عبر التاريخ ما هي إال استنساخ لكل األباطيل التي تفوهت بها‬ ‫المصادر األصلية لحججكم النابعة من أذهان سيف بن عمر الوضاع والواقدي‬ ‫عمل عقلك‬ ‫الكذاب وأبي مخنف الضعيف وغيرهم من ضعفاء الرواة‪ ،‬فَلِم ال ت ِ‬ ‫ُ‬ ‫وضميرك ولسانك وقلمك إلظهار الحقيقة التي يعرفها صغار الطالب؟‪ ،‬ول ِ َم‬ ‫ال تقر بحقيقة أن األقوال الضعيفة واألخبار المتساقطة تبقى على حالها ضعيفة‬ ‫متساقطة كريهة نتنة حتى ولو حملها عبر التاريخ أجيال وأجيال؟‬ ‫فليس من اإلنصاف لعلماء اإلسالم أن نقول عنهم بأنهم اتفقوا على قبول‬ ‫األباطيل واألكاذيب وإن ُوجدت تلك األقوال في كتبهم‪ .‬إذ ليست العبرة فيما‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪100‬‬ ‫س��طر في الكتب‪ ،‬بل العبرة في االستش��هاد واالحتجاج بما في الكتب بعد‬ ‫وزنها بمناهج الحق‪ ،‬وهذا أمر بديهي يعرفه طالب العلم قبل حملة الشهادات‬ ‫العليا‪ ،‬ولكن إذا غلب الهوى على الدكتور ناصر العقل والدكتور محمد حسن‬ ‫مهدي فإنك لن ترى عقالً ُيسدد وال هدى ُيرشد‪.‬‬ ‫يا فضيلة الدكتور ناصر العقل ستعرف في هذا البحث أن كل أقوالك التي‬ ‫قل َتها في كتابك عن اإلباضية ما هي إال ركام من األباطيل‪.‬‬ ‫فتلك الكتب وإن تعددت عناوينها‪ ،‬فهي تمثل‪ ،‬لدى العارفين للحق‪ ،‬لعبة‬ ‫(الجري بالتناوب) أو لعبة (س��باق التتابع) التي يتلهى بها األطفال في وقت‬ ‫فراغهم‪ .‬فالخطوة األولى لهذه اللعبة كانت منذ عصر سيف بن عمر التميمي‬ ‫الوضاع للحديث‪ ،‬ووق��ت الواقدي الكذاب‪ ،‬وزمن أب��ي مخنف الضعيف‪،‬‬ ‫وما زال حاملوه��ا يركضون بها إلى وق��ت الناس هذا‪ ،‬لعله��م يجدون من‬ ‫ال يميز بين الجمر والتمر فيستلمها منهم ويركض بها‪ ،‬وهكذا‪ ،...‬ولم نر عبر‬ ‫التاريخ أحد ًا من ه��ؤالء العدائين من وقف عند نفس��ه وتس��اءل عن ماهية‬ ‫ما يحمله‪.‬‬ ‫الكتَّاب في أوساط الجماهير عن‬ ‫قطع ًا إن تلك المش��اهد التي روج لها ُ‬ ‫أهل النهروان واإلباضية إنما بنيت على أس��س ضعيفة‪ ،‬وحملها عبر التاريخ‬ ‫أناس لم يحفلوا بمناهج األمة اإلسالمية عند كتاباتهم وأقوالهم‪.‬‬ ‫قال األستاذ الدكتور عبد الكريم بكّ ار‪« :‬يعلمنا النبي ژ الموضوعية حين‬ ‫يشنع على أولئك الذين يحدثون الناس بكل ما سمعوه دون نظر شخصي في‬ ‫ذلك المسموع؛ وال ريب أن كثرة نقل األخبار واألقوال مظنة للوهم والنسيان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫‌ك ِذ ًبا ‌أ َ ْن‬ ‫‌ك َفى ‌بِا ْل َم ْرء َ‬ ‫كما أنها مظنة للتزيد وشوب الهوى؛ ومن ثم قال ! ‪َ ( :‬‬ ‫��م َع)‪ .‬كما ذم أيض ًا أولئك الذين يروون أخبار ًا ال سند لها‪،‬‬ ‫ث‌ب ِ ُك ِّل‌ما‌س ِ‬ ‫ُ‌ي َح ِّد َ‬ ‫َ َ‬ ‫‪101‬‬ ‫‪ 4‬ـ نيباذكلاو ءافعضلا حرسم ىلع تاياكح‬ ‫وال يعرف من هو قائلها؛ وذلك توس�لاً بها إلى مآرب ش��خصية‪ ،‬حين قال‪:‬‬ ‫‌ز َع ُموا)‪ .‬ولفظة (زعموا) إنما تس��تخدم عند عدم وثوق‬ ‫‌الر ُجلِ‪َ :‬‬ ‫(‌بِئس ِ‬ ‫‌مط َّي�� ُة َّ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫الناقل من صحة ما ينقل»(‪.((21‬‬ ‫الكتَّاب الذين تحاملوا على اإلباضية إلى أس��اليب التكرار‬ ‫فكما عمد ُ‬ ‫لتأكيد األكاذي��ب واألباطيل فإن الكثير منهم عمد إل��ى الخداع والتضليل‬ ‫اإلعالمي(‪ ((22‬ألجل «منع اآلخرين من معرفة الحقيقة بكاملها»(‪ ،((22‬والمتتبع‬ ‫(‪((22‬‬ ‫لكتابات الذين تحاملوا على اإلباضية يجد أساليب التضليل اإلعالمي‬ ‫حاضر ًا بكثاف��ة في كتبهم‪ ،‬فق��د عمدوا إلى تش��كيك الن��اس في تاريخ‬ ‫اإلباضية‪ ،‬والتس��تر وراء ش��عارات زائفة ال تربطها بمناه��ج البحث عند‬ ‫المس��لمين أي رابطة‪ ،‬وعمدوا إلى الك��ذب‪ ،‬وإثارة عواط��ف الجماهير‬ ‫وتخويفهم بروايات باطلة‪ ،‬وتزييف المصطلح��ات‪ ،‬وهذه كلها محاوالت‬ ‫«متعم��دة إلخفاء المعلومات واألخب��ار أو تش��ويهها أو االنتقاص منها أو‬ ‫الزيادة عليها‪ ،‬بطريقة ال تلت��زم بمعايير وضوابط وأخ�لاق مهنة اإلعالم‪،‬‬ ‫إليهام وتضليل الجمه��ور وجعله يتبن��ى وجهة نظر القائمي��ن على تلك‬ ‫الوسائل‪ ،‬خدمة ألهدافهم القريبة والبعيدة»(‪.((22‬‬ ‫(‪ ((21‬فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫(‪ُ ((22‬ع ِّرف اإلعالم «بأنه‪ :‬مشاركة اآلراء واألفكار واألخبار والمعلومات مع الجماهير بأساليب‬ ‫مؤثرة ووسائل اتصال مختلفة بهدف اإلعالم أو اإلخبار أو اإلقناع أو التأثير على السلوك‬ ‫بما يخدم أهداف القائمين على العملية اإلعالمية»‪( .‬التضليل اإلعالمي وس��بل مواجهته‪،‬‬ ‫ص ‪.)18‬‬ ‫(‪ ((22‬لماذا يكذب القادة (حقيقة الكذب في السياسة الدولية)‪ ،‬ص ‪.36‬‬ ‫(‪ ((22‬للمزيد من التفصيل حول التضليل اإلعالمي انظر (التضليل اإلعالمي وس��بل مواجهته‪،‬‬ ‫ص ‪ 55‬ـ ‪.)69‬‬ ‫(‪ ((22‬التضليل اإلعالمي وسبل مواجهته‪ ،‬ص ‪ 24‬ـ ‪.25‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪102‬‬ ‫الكتَّاب الذين تحاملوا على اإلباضية ـ باعتمادهم على الخداع‬ ‫وهم ـ أي ُ‬ ‫والتضليل اإلعالمي قد اقتبس��وا من أبي لهب أس��لوبه في تنفير الناس عن‬ ‫السماع لرسول اهلل ژ حينما كان يعرض نفسه على قبائل العرب(‪ .((22‬وهؤالء‬ ‫الكتَّاب بسلوكهم لمسلك أبي لهب‪ ،‬عرضوا األباطيل المنسوبة ظلم ًا وزور ًا‬ ‫ُ‬ ‫إلى أهل النهروان واإلباضية على جماهير الن��اس؛ فمن الناس‪ :‬من صدقهم‬ ‫وأخذ بتكرار أقاويلهم‪ ،‬تمام ًا كالذين غلبت عليهم شائعات قريش‪ ،‬ومنهم من‬ ‫(‪((22‬‬ ‫اقتداء بالطفيل بن عمرو الدوسي‬ ‫ً‬ ‫أراد أخذ الحقيقة من مصادرها الصادقة‪،‬‬ ‫وضماد األزدي(‪ ^ ((22‬اللذين تحديا شائعات قريش وسعيا إلى سماع القول‬ ‫الصادق من المصطفى ! ‪.‬‬ ‫والوقفات اآلتية فيها البيان لما قلناه‪ ،‬ونقد علم��ي للروايات التي بنيت‬ ‫عليها تلك المسرحية الهزلية المنسوبة إلى أهل النهروان الكرام‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫(‪ ((22‬حول جهود أبي لهب لصد الناس عن السماع لرس��ول اهلل ژ انظر (الكامل في التاريخ‪،‬‬ ‫ج ‪ /2‬ص ‪ ،)94‬وغي��ره من الكتب التي تحدثت عن الس��يرة النبوية عل��ى صاحبها أفضل‬ ‫الصالة والتسليم‪.‬‬ ‫(‪ ((22‬راجع (أس��د الغابة ف��ي معرف��ة الصحاب��ة‪ ،‬ت‪ ،2611 :‬ج ‪ /3‬ص ‪ 78‬ـ ‪ )81‬لمعرفة موقف‬ ‫الطفيل بن عمرو الدوسي ‪ ƒ‬حينما خوفته قريش من االستماع إلى قول الرسول ژ ‪.‬‬ ‫(‪ ((22‬راجع (أس��د الغابة في معرف��ة الصحاب��ة‪ ،‬ت‪ ،2567 :‬ج ‪ /3‬ص ‪ )56‬لمعرفة موقف ضماد‬ ‫األزدي عندما حذرته قريش من أقوال الرسول ژ ‪.‬‬ ‫‪103‬‬ ‫‪ 5‬ـ بابشلا يبأ ضوع دمحأ روتكدلا عـم ةفقو‬ ‫وقفة مـع الدكتور‬ ‫‪5‬‬ ‫أحمد عوض أبي الشباب‬ ‫حوارنا هنا سيكون مع الدكتور أحمد عوض أبي الشباب صاحب كتاب‬ ‫(الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬عقائدهم)‪.‬‬ ‫فمن خالل ما س��طره الدكتور أحمد عوض في كتابه ندرك ُبعد التجاهل‬ ‫لما يدعو إليه اإلسالم من قول الصدق والبحث في مظان الكتب عن الحق‪،‬‬ ‫خاصة إذا تحدث الكاتب عن أفراد أو جماعات من الناس‪.‬‬ ‫ولقد هي��أ الدكتور أحمد عوض قُ��راءه بقوله‪« :‬واطّ لع��ت على ما صنفه‬ ‫الباحثون في هذا الصدد من أبحاث‪ ،‬فوجدت أنها ال تفي بالغرض‪ ،‬إال القليل‬ ‫منها‪ ،‬وخاصة أنها تتن��اول الجانب التاريخي والعق��دي‪ ،‬بينما تناول بعضها‬ ‫هذين الجانبين باإلضاف��ة إلى الجانب األدبي‪ ،‬ولكنها ـ في الوقت نفس��ه ـ‬ ‫تفتقر إلى المنهجية العلمية‪ ،‬وتغفل كثير ًا من الف��رق الخارجية التي ظهرت‬ ‫خالل حقب تاريخية مختلفة»(‪.((22‬‬ ‫فعبارة الدكتور أحمد عوض هذه تعبر بصدق عن كتابات الذين سبقوه من‬ ‫الكتاب‪ ،‬فكتابات الذين س��بقوا هذا الدكتور «تفتقر إل��ى المنهجية العلمية»‬ ‫وهذا هو الواقع الذي تنطق به كتب الذين سبقوا هذا الدكتور في الميدان‪ .‬ويا‬ ‫ليت الدكتور‪ ،‬حينما أنكر على من س��بقه من الكتاب‪ ،‬س��لك مسلك ًا مغاير ًا‬ ‫(‪ ((22‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬عقائدهم‪ ،‬ص ‪.3‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪104‬‬ ‫لمس��لكهم في الكتابة عن أهل النهروان واإلباضي��ة‪ ،‬ولكنه آثر تلقف أخبار‬ ‫الكذابين والضعفاء وأخذ ينافسهم في التقول باألباطيل‪.‬‬ ‫والحقيق��ة أن العارفين والمطبقي��ن لمناهج األمة اإلس�لامية في األخذ‬ ‫والعطاء يعرفون‪ ،‬معرفة ال يشوبها أدنى ش��ك‪ ،‬أن كل الذين افتروا على أهل‬ ‫النهروان من الذين كانوا قبل الدكتور أحمد عوض أو من الذين جاءوا معه في‬ ‫هذا العصر قد افتقرت كتاباتهم «إلى المنهجية العلمية»‪.‬‬ ‫وليس للدكت��ور أحمد عوض أي مي��زة على غيره بهذا الق��ول إال رميه‬ ‫بالحجارة‪ ،‬وهو في بيت��ه المصنوع من زجاج محطم‪ ،‬صوب س��كان بيوت‬ ‫الكتَّاب‬ ‫العنكبوت‪ .‬وليس للدكتور أحمد عوض أي فضل على من سبقه من ُ‬ ‫إال كفضل اليهود على النصارى أو كفضل النصارى على اليهود حينما قالوا‪:‬‬ ‫﴿ٱٻٻٻٻپپپپڀڀڀڀ‬ ‫ٺ ٺٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ‬ ‫ڦ ڦ ڦ ڦ ﴾ [البق��رة‪ ،]١١٣ :‬فه��م جميع ًا في ودي��ان االفتراء هائمون‬ ‫بال دليل‪.‬‬ ‫ومصطلح «المنهجية العلمية» ليس ادعاء‪ ،‬بل هو قواعد وأس��س ومعالم‬ ‫ينبغي لكل كاتب معرفتها حق المعرف��ة‪ ،‬ويبني عليها كتاباته بعد أن يصطفي‬ ‫اللبنات الس��ليمة القوية ُليشَ �� ِّيد بها بحوثه التاريخية والمعرفي��ة‪ .‬فلو التزم‬ ‫الدكتور أحمد عوض بـ «المنهجية العلمية» التي َع َّرفَها ابن خلدون(‪ ((22‬وغيره‬ ‫من الكتاب‪ ،‬لما تجرأ عل��ى الصحابي الجليل أب��ي ذر الغفاري ‪ ƒ‬بقوله‬ ‫«وكان من قنائص عبد اهلل بن سبأ»(‪ ،((22‬ولما تجرأ على أهل النهروان الكرام‬ ‫(‪ ((22‬انظر ص ‪ 31‬من هذا البحث‪.‬‬ ‫(‪ ((22‬قال الدكتور أحمد عوض هذا القول البذيء في حق الصحابي الجليل عند مناقشته لعلي‬ ‫جفال صاحب كتاب (الخ��وارج تاريخهم وأدبهم)‪ ،‬ونص العبارة ه��ي‪« :‬أما ما ذكره من =‬ ‫‪105‬‬ ‫‪ 5‬ـ بابشلا يبأ ضوع دمحأ روتكدلا عـم ةفقو‬ ‫بقوله‪« :‬لذل��ك كان ال بد من تس��ليط الضوء في الفص��ل األول‪ ،‬على أصل‬ ‫الخوارج(‪ ((23‬ونشأتهم‪ ،‬ليدرك القارئ الكريم‪ ،‬أن مختلف الحركات الخارجية‬ ‫القديم��ة منه��ا والمعاص��رة(‪ ،((23‬غريب��ة المنش��أ‪ ،‬وأنها نش��أت في رحم‬ ‫اليهودية»(‪.((23‬‬ ‫فما مسارعة الدكتور وتقوله على المسلمين بهذه األكاذيب‪ ،‬إال تعبير ًا عن‬ ‫إفالسه وتخبطه وسوء أدبه وانحطاط أخالقه‪ ،‬فأي ضمير هذا الذي طاوع هذا‬ ‫الدكتور على وصف الصحابي الجليل أب��ي ذر الغفاري ‪ ƒ‬أنه «من قنائص‬ ‫عبد اهلل بن سبأ»؟‬ ‫ومن أين أتى هذا الدكتور بقوله البذيء أن منشأ أهل النهروان وأتباعهم‬ ‫كان من «رحم اليهودية»؟‪ ،‬فهل قام هذا الدكت��ور بالمقارنة بين دعوة اليهود‬ ‫وعقائدهم وبين مبادئ أهل النهروان حتى يصل إلى هذه النتيجة في السطور‬ ‫اعتراض أبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر لهذه السياسة‪ ،‬فلعله رمى إلى ما فعله أبو ذر من‬ ‫=‬ ‫دعوته مش��اركة األغنياء للفقراء في أموالهم‪ ،‬وكان من قنائص عبد اهلل بن سبأ» (الخوارج‬ ‫تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪.)52‬‬ ‫(‪ ((23‬لقد عنون الكاتب الفص��ل األول من كتابه بـ (أصل الخوارج ونش��أتهم)‪ ،‬وقس��مه إلى‬ ‫مباحث‪ :‬وذكر من أس��ماءهم‪ :‬الخوارج‪ ،‬أهل النهروان‪ ،‬والحرورية‪ ،‬والنواصب‪ ،‬والشراة‪،‬‬ ‫والمارقة‪ ،‬والمحكمة‪.‬‬ ‫(‪ ((23‬ولقد أصر هذا الدكتور على ربط اإلباضية بالخوارج الذين قال عنهم بأن نش��أتهم كانت‬ ‫من «رحم اليهودية»‪ ،‬حيث قال هذا الدكتور‪« :‬إن ما زعمته اإلباضية من دعوى البراءة من‬ ‫مذهب الخوارج‪ ،‬ال يج��دي في دفع هذه الش��بهة عنهم‪ ،‬كما أن المواق��ف التي وقفتها‬ ‫اإلباضية ضد الخوارج ال تدل على ذل��ك‪( »...‬الخوارج تاريخه��م‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪،‬‬ ‫ص ‪ ،)273‬فأنتم أيها اإلباضية في نظر هذا الدكتور قد خرجتم من «رحم اليهودية»‪ ،‬والعياذ‬ ‫باهلل‪ .‬لقد تجمعت أحقاد الدنيا في قلب هذا الدكتور فل��م يجد من يخاصمه إال اإلباضية‬ ‫أهل الحق واالستقامة‪.‬‬ ‫(‪ ((23‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬عقائدهم‪ ،‬ص ‪.4‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪106‬‬ ‫األولى من كتابه المتهافت؟‪ ،‬فهذا القول الذي ابت��دأ به كتابه المهزوم دليل‬ ‫واضح أنه لم يتب��ع أخالق المس��لمين وال مناهجهم في تتب��ع الحق وقول‬ ‫الصدق‪ ،‬فقد س��ار هذا الدكتور مع الكذابين وأتى م��ن األقوال ما نهى عنها‬ ‫اإلسالم الحنيف‪.‬‬ ‫وأنت يا أبا الش��باب بهذا االفتراء والكذب على الصحابي الجليل وأهل‬ ‫النهروان الكرام تسقط عدالتك عند المس��لمين‪ ،‬فليس لك أي مزية على من‬ ‫وصفت كتاباتهم بأنها «تفتقر إلى المنهجية العلمية»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الكتَّاب الذين‬ ‫سبقك من ُ‬ ‫فبكذبك المشؤوم يا دكتور يحكم عليك المسلمون برد شهادتك وأقوالك‬ ‫وكل كتابات��ك‪ ،‬عقوبة ل��ك على س��وء أدبك‪ ،‬فقد ق��ال اإلمام الش��افعي‪:‬‬ ‫«المعروفون بالكذب من المس��لمين ال تجوز ش��هادتهم»(‪ ،((23‬وهذا الكذب‬ ‫الذي خطته أناملك أصبح شاهد ًا عليك‪ ،‬فهنيئ ًا لك يا دكتور هذه الدركة التي‬ ‫تدحرجت إليها وسكنت فيها‪.‬‬ ‫لقد جنيت يا أبا الشباب على نفسك بتقولك على األبرياء‪ ،‬فعليك التوبة‬ ‫من هذا الزور‪ ،‬وأن تعلن للمأل قول الحق كما نشرت بينهم األباطيل‪ .‬وعلى‬ ‫«دار الكتب العلمية» التي عهدت(‪ ((23‬إليك كتابة افتراءاتك على المس��لمين‬ ‫وقامت بنشرها في أوساط المسلمين الوزر العظيم ألنها تعد مشاركة لك في‬ ‫هذا الكذب والدجل‪.‬‬ ‫فهل يا ترى ستقوم (دار الكتب العلمية) بشيء ضد الكاتب والمكتوب؟‪،‬‬ ‫أم ستبقى تنشر هذا االفتراء الممقوت؟‬ ‫(‪ ((23‬شرح السنة للبغوي‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.124‬‬ ‫إل��ي دار الكتب العلمية ـ مش��كورة ـ بتصنيف هذا‬ ‫َّ‬ ‫(‪ ((23‬قال الدكت��ور أحمد عوض‪« :‬عهدت‬ ‫البحث‪( »...‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬عقائدهم‪ ،‬ص ‪.)3‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪ 5‬ـ بابشلا يبأ ضوع دمحأ روتكدلا عـم ةفقو‬ ‫ولم يكن للدكتور في كل صفحات كتاب��ه أي جهد في تحقيق الروايات‬ ‫التي اعتمدها‪ ،‬فحاله هو نفس حال من سبقه من الكتاب‪ ،‬إذ كلهم مشارك في‬ ‫لعبة (الجري بالتناوب) القائمة على الهرول��ة والنقل لألثقال دون معرفة لما‬ ‫تقله أيديهم من أوزار‪.‬‬ ‫فأول ما نقله الدكتور أحمد عوض في كتابه ه��و تعريف «الخوارج» من‬ ‫كتاب القاموس المحيط للفيروزبادي حيث نقل عنه قوله‪« :‬الخوارج‪ :‬من أهل‬ ‫األهواء سموا به لخروجهم على الناس»(‪ .((23‬انتهى‬ ‫فكتاب الفيروزبادي هو كتاب لغة وليس كتاب أحكام على الناس‪ ،‬فكان‬ ‫ينبغي للدكتور أحمد عوض‪ ،‬وهو يس��عى جاهد ًا إلثبات أحكامه الباطلة‪ ،‬أن‬ ‫يبرهن صحة أقوال الفيروزبادي ال أن يعتمد عليها بال أدنى تحقيق‪ .‬وأسلوب‬ ‫النقل من غير تحقيق هو الديدن الذي سار عليه الدكتور أحمد عوض في كل‬ ‫صفحات كتابه عن أهل النهروان الكرام‪ ،‬وهذا فيه الكفاية إلثبات عدم اتباع‬ ‫الدكتور أحمد عوض للمنهج اإلس�لامي العلمي في كتاب��ة التاريخ‪ ،‬ثم أخذ‬ ‫الدكتور في إحالة القارئ إلى الكتب التي نقل منها األقوال التي س��طرها في‬ ‫صفحات كتاب��ه‪ ،‬حيث نقل كثير ًا عن الشهرس��تاني‪ ،‬واألش��عري‪ ،‬والحنفي‬ ‫(صاحب كتاب موسوعة الفرق)‪ ،‬وابن تيمية‪ ،‬والبغدادي‪ ،‬والمبرد‪ ،‬والملطي‬ ‫(صاحب كت��اب التنبيه والرد عل��ى أهل األهواء والب��دع)‪ ،‬ونايف معروف‪،‬‬ ‫والطبري‪ ،‬والبالذري وغيرهم‪ ،‬من غير أن تكون له وقفة علمية يس��تنتج منها‬ ‫ثبوت تلك األقوال أو بطالنها‪.‬‬ ‫فلو كان نقل الدكت��ور عن هؤالء العلماء للتدلي��ل على ما يقولونه عن‬ ‫أنفس��هم‪ ،‬وما يعتقدونه من مبادئ‪ ،‬وما يس��جلونه من تاريخهم‪ ،‬لقلنا‪ :‬إن‬ ‫(‪ ((23‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬هامش ‪ 1‬ص ‪.7‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪108‬‬ ‫الدكتور قد أحس��ن في نس��بة األق��وال إل��ى أصحابها من خ�لال كتبهم‬ ‫وما سجلته أقالمهم‪.‬‬ ‫ولكن الدكتور أحمد ع��وض في حديثه عن أهل النه��روان واإلباضية‬ ‫اتخذ األقوال الباطلة التي وجدها في الكتب حجة يبرر بها مقولته الساقطة‬ ‫التي نسبت أهل النهروان إلى «رحم اليهودية» والعياذ باهلل‪ .‬وهذا الذي أقدم‬ ‫عليه الدكتور أحمد عند النقل من الكت��ب الماضية من غير إثبات هو عين‬ ‫االفتراء الممقوت‪ ،‬واالعتداء على المس��لمين‪ ،‬والخ��رق الواضح ألخالق‬ ‫اإلسالم ومبادئه‪.‬‬ ‫علماء اإلس�لام إلى التثبت مما في كتبهم قبل أن ننسبها إليهم‬ ‫ُ‬ ‫وقد نبهنا‬ ‫ونحتج بها‪ .‬فها هو العالمة ابن تيمية يقول‪ ... « :‬وأقوال الخوارج إنما عرفناها‬ ‫من نقل الناس عنهم لم نقف لهم على كتاب مصنف»(‪.((23‬‬ ‫أما يكفي قول العالمة اب��ن تيمية هنا لكي يق��وم الدكتور أحمد عوض‬ ‫والدكتور ناصر العقل(‪ ((23‬وناصر الس��عوي(‪ ((23‬وغيره��م لتتبع كل األقوال‬ ‫واألحكام التي سطرها ابن تيمية في كتبه عن أهل النهروان ومن أطلق عليهم‬ ‫خوارج قبل إعادة تدويرها وتكرارها ونشر عدواها في أوساط المسلمين؟‬ ‫فقول ابن تيمية هنا دعوة للجميع لتتبع ما نقله الناس عن أهل النهروان‪،‬‬ ‫ولكن الدكتور أحمد عوض والدكتور ناصر العقل ومعهم ناصر الس��عوي قد‬ ‫(‪ ((23‬مجموع الفتاوى الكبرى‪ ،‬ج ‪ /13‬ص ‪.49‬‬ ‫(‪ ((23‬لقد أس��هب الدكتور العقل في النقل من كتب ابن تيمية من غير محاولة إلثبات ما نقله‪،‬‬ ‫انظر (الخوارج أول الفرق في تاريخ اإلسالم‪ ،‬ص ‪.)...31 ،26 ،25 ،24 ،23‬‬ ‫(‪ ((23‬وكذلك ناصر السعوي لم يحفل بما نبه عليه العالمة ابن تيمية هنا‪ ،‬فقد وجدناه ينقل كثير ًا‬ ‫من أقواله عن الخوارج من غير محاولة إلثباتها من مصادرها‪ ،‬انظر (الخوارج دراسة ونقد‬ ‫لمذهبهم‪ ،‬ص ‪.)...53 ،27 ،12 ،8‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪ 5‬ـ بابشلا يبأ ضوع دمحأ روتكدلا عـم ةفقو‬ ‫تقاصرت هممهم ونس��بوا إلى ابن تيمية ما لم يؤكده م��ن مصادره الصادقة‪،‬‬ ‫فأين مبادئ المنهج اإلسالمي من هؤالء الكتاب؟‬ ‫وهلل الحمد والمنة فقد طبقنا دعوة العالمة ابن تيمية في بحوثنا عن أهل‬ ‫النهروان من خالل تتبع روايات الناس وأقواله��م عنهم‪ ،‬ووزنا تلك األقوال‬ ‫بميزان اإلسالم‪ .‬فكانت النتيجة أن عرفنا أن ما نسبه الناس إلى أهل النهروان‬ ‫من مخالفات ش��رعية كلها باطلة‪ ،‬وكذب روج له الكذابون ومن س��ار على‬ ‫شاكلتهم‪.‬‬ ‫فهل سيقوم أتباع ابن تيمية بإنصاف مناهج األمة وتطبيق ما سجله العالمة‬ ‫ابن تيمية من دعوات في واقع الكتابة؟‬ ‫وكذلك ما قاله اإلمام الطبري في مقدمة تاريخه‪ ... « :‬فما يكن في كتابي‬ ‫هذا من خبر ذكرن��اه عن بعض الماضين مما يس��تنكره قارئه‪ ،‬أو يستش��نعه‬ ‫س��امعه‪ ،‬من أجل أنه لم يعرف له وجه ًا في الصحة‪ ،‬وال معنى في الحقيقة‪،‬‬ ‫فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من ق ِ َبلنا‪ ،‬وإنما أُتي من قـِ َبـل بعض ناقليه إلينا؛‬ ‫وأنّا إنما أدينا ذلك على نحو ما أ ُ ِّد َي إلينا»(‪.((23‬‬ ‫وهذه دعوة اإلمام الطبري للقراء أن يسعوا إلى إثبات األقوال المسطرة في‬ ‫تاريخه‪ ،‬فم��ا للذين افتروا على أه��ل النهروان ال يحملون له��ذه العبارة أي‬ ‫قيمة؟‪ ،‬وما لهم ينسبون إلى اإلمام الطبري األقوال التي لم يؤكدها بنفسه؟‬ ‫فواجب علينا تتبع األقوال الت��ي ذكرها اإلمام الطبري في تاريخه قبل أن‬ ‫ننسبها إليه وقبل أن نحتج بها في مجادالتنا‪ ،‬فهل يعي الدكتور أحمد عوض‬ ‫ومن س��ار على ش��اكلته‪ ،‬ممن ينقل من تاريخ اإلمام الطبري‪ ،‬هذا الواجب‬ ‫األخالقي والمنهجي؟‬ ‫(‪ ((23‬تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.13‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪110‬‬ ‫والمتتبع للكتب والدراسات التي روج فيها أصحابها لألباطيل على أهل‬ ‫النهروان واإلباضية يجدها تخلوا من التطبيق ألسس منهج كتابة التاريخ‪ .‬ففي‬ ‫الكتَّ��اب بالنقل للرواي��ات من كتب‬ ‫الوق��ت الذي يجد فيه الق��ارئ اهتمام ُ‬ ‫التاريخ‪ ،‬فإنه ـ أي القارئ ـ ال يجد أدن��ى محاولة إلثبات تلك الروايات من‬ ‫قبل الكتاب‪.‬‬ ‫الكتَّاب المتطاولين على أهل النهروان واإلباضية‬ ‫والسبب في عدم تحقيق ُ‬ ‫للروايات التي ينقلونها أو يش��يرون إليها هو خوفهم من افتضاح أمرهم أمام‬ ‫القراء العارفين؛ وألنهم على علم أن النتائج س��تكون دامغ��ة لترهاتهم التي‬ ‫توارثوها وسعوا لنش��ر عدواها في أوساط المس��لمين‪ ،‬وألن النتائج ستكون‬ ‫قطع ًا‪ ،‬وبال أدنى ش��ك‪ ،‬لصالح أهل النهروان واإلباضية وهذا الذي سيفوت‬ ‫عليه��م مقاصدهم المذمومة في تش��ويه س��معة أه��ل النه��روان واإلباضية‬ ‫ما استطاعوا إلى ذلك سبيال‪.‬‬ ‫وفي الصفحات اآلتي��ة من هذا البحث س��نبين باألدل��ة الدامغة بطالن‬ ‫الروايات التي اعتمد عليها الدكتور أحمد عوض والدكتور ناصر العقل وناصر‬ ‫السعوي والدكتور هانئ س��ليمان الطعيمات وغيرهم في نسبة األباطيل إلى‬ ‫أهل النهروان‪ ،‬وس��يدرك القارئ الس��بب الذي ألجله أهمل ه��ؤالء ُ‬ ‫الكتَّاب‬ ‫مناهج اإلسالم عند افتراءاتهم على اإلباضية‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫‪111‬‬ ‫‪ 6‬ـ ةرصيوخلا يذ ةياكح‬ ‫حكاية ذي الخويصرة‬ ‫‪6‬‬ ‫فأدعوك أخي القارئ الكري��م إلى قراءة الفصل الس��ادس من كتابنا‬ ‫(اإلباضية ومنهجية البح��ث عند المؤرخين وأصح��اب المقاالت)‪ ،‬ففيه‬ ‫أقوال علماء اإلس�لام الذين لم ترتضهم أحوال الرج��ال الذين نقلوا لنا‬ ‫أخبار ذي الخويصرة‪.‬‬ ‫فيا عجب ًا ممن جعل أحكامه على الناس مبنية على روايات ضعيفة‪ ،‬وفوق‬ ‫ذلك يأتي ليتش��دق ويق��ول بال اس��تحياء‪ :‬إن اإلباضية خ��وارج!!!‪ .‬فليعلم‬ ‫الدكتور أحمد ع��وض‪ ،‬والدكتور ناصر ب��ن عبد الكريم العق��ل وناصر بن‬ ‫عبد اهلل الس��عوي والدكتور هانئ س��ليمان الطعيمات أن التنط��ع في العلم‬ ‫ال ي��ورث إال خفة في العقل واضطراب ًا في الس��عي‪ ،‬وتيها ف��ي بيداء مظلمة‬ ‫الكتَّاب ومن ش��ايعهم في مصاف العاملين‬ ‫ال معالم لها‪ .‬فهل س��نرى هؤالء ُ‬ ‫بصدق وأمانة‪ ،‬أم سيبقون في تيار الضعفاء والكذابين؟‬ ‫فأول مشهد في مسرحية الضعفاء التي مثلوها لتعبر عن أرائهم حول أهل‬ ‫النهروان هو مشهد شخص وصفوه بـ (ذي الخويصرة) ونسبوا إليه أقواالً فيها‬ ‫سوء أدب أمام مقام النبوة على صاحبها أفضل الصالة وأزكى السالم‪ .‬وجاؤوا‬ ‫بروايات(‪ ((24‬نقلتها كتب الحديث‪ ،‬وقد كان لنا نقاش لتلك الروايات الحديثية‬ ‫(‪ ((24‬الخوارج دراس��ة ونقد لمذهبهم‪ ،‬ص ‪ 29‬ـ ‪ .45‬كان ينبغي لناصر الس��عوي مناقشة جميع‬ ‫الروايات التي س��طرها في كتاب��ه إن كان بحق يري��د أن يقدم لألمة اإلس�لامية الطاهرة =‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪112‬‬ ‫الكتَّاب على أهل النه��روان في كتابن��ا (اإلباضية ومنهجية‬ ‫التي احتج به��ا ُ‬ ‫البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت)‪ ،‬فأدعو القراء إلى مراجعة الفصل‬ ‫السادس من الكتاب المذكور‪.‬‬ ‫وقلت في بداية الفصل السادس ما نصه‪« :‬ليس هناك من متعلق ألحد في‬ ‫ُ‬ ‫الروايات الصحيح��ة التي لم تذك��ر أهل النه��روان بالنص أو باإلش��ارة‪.‬‬ ‫والروايات التي س��أذكرها هنا ـ الصحيح منها والضعيف ـ ل��م تذكر أحد ًا‬ ‫ولك��ن بعضها حددت الخص��ال واألعمال الت��ي بها يكون اإلنس��ان مارق ًا‬ ‫وخارج ًا عن دين اهلل تعالى‪.‬‬ ‫والذين يحملون ه��ذه الروايات على أهل النه��روان عليهم أن يأتوا لنا‬ ‫بالدليل الصحيح القاطع الذي يخصص ه��ذه الروايات ويجعل معناها في‬ ‫أهل النهروان‪.‬‬ ‫وأنت يا أخي القارئ الكريم إذا أمعنت النظر في هذه الروايات ستجد أن‬ ‫الذين حملوا معناه��ا في أهل النهروان لم يكن لهم م��ن دليل على ذلك إال‬ ‫روايات تاريخية باطلة أو روايات ضعيفة من كتب الحديث»‪ .‬انتهى‬ ‫الكتَّاب في‬ ‫والروايات التي صرحت باس��م (ذي الخويصرة)‪ ،‬وسخرها ُ‬ ‫طعنهم ألهل النهروان هي‪:‬‬ ‫«دراس��ة»‪ ،‬ونقد ًا بالمعنى الذي يفهمه المس��لمون‪ .‬والحق يقال إن المسلك الذي سلكه‬ ‫=‬ ‫ناصر السعوي ومن شاكله هو نفس المسلك الذي اتبعه المستشرقون من اليهود والنصارى‬ ‫عند كتاباتهم عن اإلسالم‪ ،‬فالمستش��رقون َي َّدعون أنهم أتوا بدراسات على قواعد علمية‬ ‫ولكنهم بعدوا كل البعد عن الدراسات العلمية وأخذوا في الترويج للضعيف والباطل من‬ ‫األقوال تمام ًا كما يفعل ناصر السعوي ومن شاكله‪ ،‬والعياذ باهلل‪.‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪ 6‬ـ ةرصيوخلا يذ ةياكح‬ ‫(أ)‬ ‫قال اإلم��ام البخاري‪« :‬حدثن��ا‌عبد اهلل بن محمد‪ ،‬حدثنا‌هش��ام‪ ،‬أخبرنا‬ ‫‌معمر‪ ،‬عن ‌الزهري‪ ،‬عن ‌أبي سلمة‪ ،‬عن ‌أبي سعيد قال‪ :‬بينا النبي ژ يقسم‪،‬‬ ‫جاء عبد اهلل ب��ن ذي ‌الخويصرة التميم��ي فقال‪ :‬اعدل يا رس��ول اهلل‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫(ويلك‪ ،‬من يعدل إذا لم أعدل)‪ .‬ق��ال عمر بن الخطاب‪ :‬دعني أضرب عنقه‪،‬‬ ‫قال‪ :‬دعه فإن له أصحابا‪ ،‬يحقر أحدكم صالته مع صالته‪ ،‬وصيامه مع صيامه‪،‬‬ ‫يمرقون من الدين كما يمرق الس��هم من الرمية‪ ،‬ينظر في قذذه فال يوجد فيه‬ ‫شيء‪ ،‬ثم ينظر في نصله فال يوجد فيه شيء‪ ،‬ثم ينظر في رصافه فال يوجد فيه‬ ‫ش��يء‪ ،‬ثم ينظر في نضيه فال يوجد فيه شيء‪ ،‬قد س��بق الفرث والدم‪ ،‬آيتهم‬ ‫رجل إحدى يديه‪ ،‬أو قال‪ :‬ثدييه‪ ،‬مثل ثدي المرأة‪ ،‬أو قال‪ :‬مثل البضعة تدردر‪،‬‬ ‫يخرجون على حي��ن فرقة من الناس‪ .‬قال أبو س��عيد‪ :‬أش��هد س��معت من‬ ‫النبي ژ ‪ ،‬وأش��هد أن عليا قتلهم‪ ،‬وأنا معه‪ ،‬جيء بالرجل على النعت الذي‬ ‫نعته النبي ژ ‪ ،‬قال‪ :‬فنزلت فيه ﴿ چ چ چ ڇ ڇ ﴾ [التوبة‪.»]٥٨ :‬‬ ‫هذه الرواية التي جاءت من طريق عنعنة الزهري أخرجها اإلمام البخاري(‪،((24‬‬ ‫والنسائي(‪ ،((24‬وابن أبي عاصم(‪ ،((24‬وابن أبي شيبة(‪ ،((24‬واإلمام أحمد(‪.((24‬‬ ‫قال ابن حجر في (تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس)‪:‬‬ ‫«‌محمد ب��ن‌مس��لم بن عبي��د اهلل بن ش��هاب‌الزه��ري‪ ...‬وصفه الش��افعي‬ ‫(‪ ((24‬صحيح البخاري‪ ،‬الرواية‪ ،6933 :‬ص ‪ 1225‬ـ ‪ ،1226‬والرواية‪ ،6163 :‬ص ‪.1104‬‬ ‫(‪ ((24‬السنن الكبرى للنس��ائي‪ ،‬الرواية‪ ،8561 :‬ج ‪ /5‬ص ‪ 159‬ـ ‪ .160‬وجاءت هذه الرواية أيض ًا في‬ ‫(السنن الكبرى للنسائي‪ ،‬الرواية‪ ،11220 :‬ج ‪ /6‬ص ‪.)355‬‬ ‫(‪ ((24‬السنة البن أبي عاصم‪ ،‬الرواية‪ ،956 :‬ج ‪ /2‬ص ‪ ،640‬والرواية‪ ،957 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.641‬‬ ‫(‪ ((24‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬الرواية ‪ ،37932‬ج ‪ /7‬ص ‪.562‬‬ ‫(‪ ((24‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬الرواية‪ ،11558 :‬ص ‪ 815‬ـ ‪.816‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪114‬‬ ‫(‪((24‬‬ ‫الزهري ضمن أفراد‬ ‫َ‬ ‫ابن حجر‬ ‫والدارقطني وغير واحد بالتدليس» ‪ ،‬وقد عد ُ‬ ‫المرتبة الثالثة من المدلسين‪ ،‬الذين َع َّرفهم بقوله‪« :‬من أكثر من التدليس فلم‬ ‫يحتج األئمة من أحاديثهم إال بما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم‬ ‫مطلقا ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي»(‪.((24‬‬ ‫وبهذا الس��بب فال ترقى هذه الرواية لدرجة القبول عند من طبق مناهج‬ ‫األمة في تقييم روايات المدلسين‪.‬‬ ‫وهناك تطبيقات وجدناها عند المحققي��ن لكتاب (المطالب العالية) فيها‬ ‫التصريح بعدم قبول عنعنة الزهري‪ ،‬حيث ق��ال المحققون في تعليقهم على‬ ‫روايات أوردها ابن حجر في كتاب (المطالب العالية)‪« :‬وإسناده ضعيف من‬ ‫أجل‌عنعنة‌الزهري»(‪.((24‬‬ ‫وقولهم‪« :‬وفيه ‌عنعنة ‌الزهري‪ ،‬وهو معدود ضمن أصحاب المرتبة الثالثة‬ ‫من مراتب المدلسين الذين ال يقبل حديثهم إلاَّ إذا صرحوا بالسماع»(‪.((24‬‬ ‫وقولهم‪« :‬وفي إسناده‌الزهري وقد‌عنعن‪ ،‬فاإلسناد ضعيف»(‪.((25‬‬ ‫فإن قيل‪ :‬إن رواية (ذي الخويصرة) جاءت أيض ًا من طريق أخرى فيها تصريح‬ ‫الزهري بالسماع من شيخه أبي س��لمة‪ ،‬قلنا‪ :‬إن تلك الرواية جاءت وفي سندها‬ ‫أبو اليمان‪ ،‬ولعلماء الجرح مقال في روايته عن شيخه شعيب بن أبي حمزة‪.‬‬ ‫(‪ ((24‬تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس‪ ،‬ت‪ ،102 :‬ص ‪.45‬‬ ‫(‪ ((24‬تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫(‪ ((24‬المطالب العالية‪ ،‬ج ‪ /11‬هامش ص ‪.237‬‬ ‫(‪ ((24‬المطالب العالية‪ ،‬ج ‪ /11‬هامش ص‪.249‬‬ ‫(‪ ((25‬المطالب العالي��ة‪ ،‬ج ‪ /11‬هامش ص ‪ .662‬وانظ��ر أيض ًا (المطالب العالي��ة‪ ،‬ج ‪ /11‬هامش‬ ‫ص ‪ ،294‬ج ‪ /11‬هام��ش ص ‪ ،232‬ج ‪ /11‬هام��ش ص ‪ ،299‬ج ‪ /11‬هام��ش ص ‪ ،535‬ج ‪/11‬‬ ‫هامش ص ‪ ،668‬ج ‪ /11‬هامش ص ‪ ،872‬ج ‪ /16‬هامش ص ‪ ،229‬ج ‪ /11‬هامش ص ‪.)141‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪ 6‬ـ ةرصيوخلا يذ ةياكح‬ ‫قال اإلمام البخاري‪« :‬حدثنا أبو اليمان أخبرنا ش��عيب عن الزهري قال‬ ‫أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري ‪ ƒ‬قال بينما نحن‬ ‫عند رس��ول اهلل ژ وهو يقس��م قس��ما أتاه ذو الخويصرة‪ »...‬ثم ذكر نحو‬ ‫الرواية السابقة‪.‬‬ ‫أخرج هذه الرواية اإلمام البخاري(‪ ،((25‬والبيهقي في سننه الكبرى(‪ ((25‬من‬ ‫طريق أبي اليمان‪.‬‬ ‫فأبو اليمان‪ :‬هو الحكم بن نافع البهراني موالهم‪.‬‬ ‫«قال األثرم‪ :‬سئل أبو عبد اهلل عن أبي اليمان فقال‪ :‬أما حديثه عن صفوان‬ ‫وحريز فصحي��ح‪ ،‬قال وهو يقول‪ :‬أخبرنا ش��عيب‪ ،‬واس��تحل ذلك بش��يء‬ ‫عجيب(‪ .((25‬قال أبو عبد اهلل‪ :‬كان أمر ش��عيب في الحديث عسر ًا جداً‪ ،‬وكان‬ ‫صة ألهل حمص أراها أنهم سألوه أن يأ َذ َن‬ ‫ِ‬ ‫علي بن عياش سمع منه‪ ،‬وذكر ق َّ‬ ‫لهم أن يرووا عنه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬ال‪ .‬ثم كلموه‪ ،‬حضر ذلك أبو اليمان فقال لهم‪:‬‬ ‫ارووا عني تلك األحاديث‪ .‬فقلت ألبي عب��د اهلل‪ :‬مناولة؟ قال لو كان مناول ًة‬ ‫كان لم يعطهم كتب ًا وال شيئ ًا‪ ،‬إنما سمع هذا فقط‪ ،‬فكان ابن شعيب يقول‪ :‬إ َّن‬ ‫ب ش��عيب مني َب ْع ُد‪ ،‬وهو يقول‪ :‬أخبرنا ... وقال‬ ‫أبا اليمان جاءني فأخذ ُك ُت َ‬ ‫المفضل بن غسان‪ ،‬عن يحيى بن معين‪ :‬سألت أبا اليمان عن حديث شعيب‬ ‫ابن أبي حم��زة فقال‪ :‬ليس هو مناول��ة‪ ،‬المناولة لم أخرجه��ا ألحد‪ ...‬وقال‬ ‫(‪ ((25‬صحيح البخاري‪ ،‬الحديث‪ ،3610 :‬ص ‪.641‬‬ ‫(‪ ((25‬السنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬الحديث‪ ،16702 :‬ج ‪ /8‬ص ‪.296‬‬ ‫(‪ ((25‬أنت ترى أن أبا اليمان في هذه الرواية يقول «أخبرنا شعيب‪.»...‬‬ ‫قال أحمد محمد شاكر‪« :‬وقد جازف بعضهم فنقل بمثل هذه الوجادة بقوله (حدثنا فالن) أو‬ ‫(أخبرنا فالن)! وأنكر ذلك العلماء‪ ،‬ولم يجزه أحد يعتمد عليه‪ ،‬بل هو من الكذب الصريح‪،‬‬ ‫والراوي به يسقط عندنا عن درجة المقبولين‪ ،‬وترد روايته» (الباعث الحثيث شرح اختصار‬ ‫علوم الحديث‪ ،‬هامش ص ‪.)97‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪116‬‬ ‫ش��عيب بن عمرو البردعي‪ ،‬عن أبي زرعة الرازي‪ :‬لم يس��مع أبو اليمان من‬ ‫شعيب إال حديث ًا واحد ًا والباقي إجازة‪...‬‬ ‫قلت [ابن حجر]‪ :‬وقال اآلجري‪ ،‬عن أبي داود‪ :‬لم يس��مع أبو اليمان من‬ ‫شعيب إال كلمة»(‪.((25‬‬ ‫وكذلك جاءت رواية أخرى وفيها تصريح الزهري بالسماع من شيخه أبي‬ ‫سلمة‪ ،‬ولكن هذه الرواية كسابقتها لم يسلم سندها من التضعيف‪ ،‬فقد جاءت‬ ‫من طريق يونس ب��ن يزيد بن أبي النجاد عن ابن ش��هاب وكذلك من طريق‬ ‫حرملة بن يحيى بن عبد اهلل وأحمد بن عبد الرحمن الفهري‪.‬‬ ‫قال اإلمام مس��لم‪« :‬حدثني أبو الطاهر‪ ،‬أخبرنا عبد اهلل ب��ن وهب‪ ،‬أخبرني‬ ‫يونس‪ ،‬ع��ن ابن ش��هاب‪ ،‬أخبرني أبو س��لمة بن عبد الرحمن‪ ،‬عن أبي س��عيد‬ ‫الخدري‪ ،‬ح وحدثن��ي حرملة بن يحيى‪ ،‬وأحمد ب��ن عبد الرحمن الفهري‪ ،‬قاال‪:‬‬ ‫أخبرنا اب��ن وه��ب‪ ،‬أخبرني يونس‪ ،‬ع��ن ابن ش��هاب‪ ،‬أخبرني أبو س��لمة بن‬ ‫عبد الرحمن‪ ،‬والضحاك الهمداني‪ ،‬أن أبا س��عيد الخدري‪ ،‬ق��ال‪ :‬بينا نحن عند‬ ‫رسول اهلل ژ وهو يقسم قسما‪ ،‬أتاه ذو‌الخويصرة‪ »...‬ثم ذكر نحو الرواية السابقة‪.‬‬ ‫أخرج هذه الرواية اإلمام مسلم(‪ ،((25‬وابن حبان(‪ ،((25‬والنسائي(‪.((25‬‬ ‫فيونس‪ :‬هو ابن يزيد بن أبي النجاد‪.‬‬ ‫«قال األثرم‪ :‬قيل ألبي عبد اهلل فإبراهيم بن س��عد فقال‪ :‬وأي ش��يء‬ ‫روى إبراهيم عن الزهري إال أنه في قلة روايته أقل خطأ من يونس‪ .‬قال‬ ‫(‪ ((25‬تهذيب التهذيب ت‪ ،1539 :‬ج ‪ /2‬ص ‪ 395‬ـ ‪.397‬‬ ‫(‪ ((25‬صحيح مسلم‪ ،‬الرواية‪ ،148 :‬ص ‪.449‬‬ ‫(‪ ((25‬صحيح ابن حبان‪ ،6741 ،‬ج ‪ /15‬ص ‪.140‬‬ ‫(‪ ((25‬السنن الكبرى للنسائي‪ ،‬الرواية‪ ،8560 :‬ج ‪ /5‬ص ‪.159‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪ 6‬ـ ةرصيوخلا يذ ةياكح‬ ‫ورأيته يحمل على يونس‪ ...‬وقال لم يكن يع��رف الحديث وكان يكتب‬ ‫أرى أول الكالم فينقطع الكالم فيكون أوله عن سعيد وبعضه عن الزهري‬ ‫فيشتبه عليه‪...‬‬ ‫وقال أبو زرعه الدمش��قي س��معت أبا عبد اهلل أحمد بن حنبل يقول في‬ ‫حديث يونس عن الزهري منكرات‪...‬‬ ‫وقال الميموني سئل أحمد من أثبت في الزهري قال‪ :‬معمر‪ .‬قيل فيونس‬ ‫قال‪ :‬روى أحاديث منكرة‪ ...‬وقال ابن س��عد‪ :‬كان حلو الحديث كثيره وليس‬ ‫بحجة ربما جاء بالشيء المنكر‪.((25(»...‬‬ ‫حرملة بن يحيى بن عبد اهلل بن حرملة التجيبي‪ ،‬أبو حفص‪.‬‬ ‫«قال أبو حات��م‪ :‬ال يحتج به‪ ،‬وقال ابن عدي‪ :‬س��ألت عبد اهلل بن محمد‬ ‫علي شيئ ًا عن حرملة‪ ،‬فقال‪ :‬هو ضعيف‪.((25(»...‬‬ ‫الفرهاداني أن يملي ّ‬ ‫أحمد بن عبد الرحمن الفهري‪ ...‬ابن أخي عبد اهلل بن وهب‪:‬‬ ‫«أكثر عن عمه‪ ،‬وروى عن‪ :‬الشافعي‪ ...‬وعنه‪ :‬مسلم‪ ،‬وابن خزيمة‪...‬‬ ‫وقال ابن أبي حاتم‪ :‬عن أبي زرعة‪ :‬أدركناه ولم نكتب عنه‪...‬‬ ‫وقال ابن عدي‪ :‬رأيت ش��يوخ مصر مجمعين على ضعفه‪ ،‬ومن كتب عنه‬ ‫من الغرباء ال يمتنعون من الرواية عنه‪...‬‬ ‫(‪ ((25‬تهذيب التهذيب ت‪ ،8244 :‬ج ‪ /11‬ص ‪ 393‬ـ ‪.394‬‬ ‫(‪ ((25‬ميزان االعتدال ت‪ ،1783 :‬ج ‪ /1‬ص ‪ 472‬ـ ‪ ،473‬ومما قاله اإلم��ام الذهبي‪ ... « :‬يكفيه أن‬ ‫ابن معين قد أثنى عليه‪ ،‬وهو أصغر من ابن معين‪ .‬قال عياش‪ ،‬عن ابن معين‪ ،‬قال‪ :‬ش��يخ‬ ‫بمصر يقال له حرملة أعلم الناس بابن وهب»‪ .‬هذا‪ ،‬حتى ولو اعتبر هذا القول الذي ذكره‬ ‫اإلمام الذهبي فتبقى الرواية ال يحتج بها لورودها من رواية يونس بن يزيد بن أبي النجاد‬ ‫عن الزهري‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪118‬‬ ‫وم ْن ض َّعفه أنكر عليه أحاديث وكثرة روايته عن عمه‪...‬‬ ‫وقال ابن عدي‪َ :‬‬ ‫وقال أبو سعيد بن يونس‪ :‬توفي في ش��هر ربيع اآلخر سنة (‪ ،)264‬وال تقوم‬ ‫بحديثه حجة‪ ...‬وقال أحمد بن صالح‪ :‬بلغني أن حرملة يحدث بكتاب الفتن‬ ‫عن ابن وهب‪ ،‬فقلت له في ذلك‪ ،‬وقلت‪ :‬لم يسمعه من ابن وهب أحد‪ ،‬ولم‬ ‫حدث‬ ‫يقرأه على أحد‪ ،‬قال‪ :‬فرجع من عندي على أنه ال يفعل‪ ،‬ثم بلغني أنه ّ‬ ‫حدث به‬ ‫به بعد‪ .‬وقال‪ :‬فقيل للبوشنجي إن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ّ‬ ‫كذاب إذاً»(‪ .((26‬وقد عده النسائي من الكذابين(‪.((26‬‬ ‫عن ابن وهب قال‪ :‬فهذا َّ‬ ‫(ب)‬ ‫وجاءت رواية أخرى في موضع آخر من صحيح مس��لم‪ ،‬من طريق أبي‬ ‫الزبير محمد بن مسلم األزدي‪.‬‬ ‫قال اإلمام مس��لم‪« :‬حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر أخبرنا الليث عن‬ ‫يحيى بن س��عيد ع��ن أب��ي الزبير ع��ن جابر بن عب��د اهلل ق��ال أتى رجل‬ ‫رسول اهلل ژ بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بالل فضة ورسول اهلل ژ‬ ‫يقبض منها يعطي الناس فقال يا محمد اعدل‪ »...‬ثم ذكر الرواية الس��ابقة من‬ ‫غير ذكر السم الذي قال للرسول ژ ما ُسجل هنا‪.‬‬ ‫أخرج اإلمام مس��لم(‪ ((26‬وابن ماجة(‪ ((26‬هذه الرواية من طريق أبي الزبير‬ ‫«عن» جابر‪.‬‬ ‫(‪ ((26‬تهذيب التهذيب ت‪ ،75 :‬ج ‪ /1‬ص ‪ 49‬ـ ‪.51‬‬ ‫(‪ ((26‬الضعفاء والمتروكين للنسائي ت‪ ،71 :‬المجموع في الضعفاء والمتروكين ص ‪.62‬‬ ‫(‪ ((26‬صحيح مسلم‪ ،‬الرواية‪ ،142 :‬ص ‪.448‬‬ ‫(‪ ((26‬سنن ابن ماجة‪ ،‬الحديث‪ ،172 :‬ص ‪.41‬‬ ‫‪119‬‬ ‫‪ 6‬ـ ةرصيوخلا يذ ةياكح‬ ‫أبو الزبير‪ :‬هو محمد بن مسلم بن تدرس األسدي موالهم‪.‬‬ ‫« ‪ ...‬وقال عبد اهلل بن أحمد‪ :‬قال أبي‪ :‬كان أيوب يقول‪ :‬حدثنا أبو الزبير‪،‬‬ ‫وأبو الزبي��ر أبو الزبير قلت ألب��ي يضعفه؟ قال نعم‪ .‬وق��ال نعيم بن حماد‪:‬‬ ‫سمعت ابن عيينة يقول حدثنا أبو الزبير وهو أبو الزبير أي كأنه يضعفه‪ .‬وقال‬ ‫هشام بن عمار عن سويد بن عبد العزيز قال لي ش��عبة تأخذ عن أبي الزبير‬ ‫وهو ال يحس��ن أن يصلي؟ وقال نعيم بن حماد سمعت هشيم ًا يقول سمعت‬ ‫من أبي الزبير فأخذ شعبة كتابي فمزقه‪ ...‬وقال محمد بن جعفر المدائني عن‬ ‫ورقاء قلت لشعبة ما لك تركت حديث أبي الزبير قال رأيته يزن ويسترجح في‬ ‫الميزان وقال يونس بن عبد األعلى س��معت الشافعي يقول أبو الزبير يحتاج‬ ‫إلى دعامة‪ ...‬وقال يعقوب بن شيبة ثقة صدوق وإلى الضعف ما هو وقال ابن‬ ‫أبي حاتم‪ :‬س��ألت أبي عن أبي الزبير فقال‪ :‬يكتب حديثه وال يحتج به وهو‬ ‫أحب إلي من سفيان‪...‬‬ ‫إلي من رجل يقدم فاس��أله عن أبي‬ ‫قال ش��عبة لم يكن في الدنيا أحب ّ‬ ‫الزبير‪ ،‬فقدمت مكة فسمعت منه فبينا أنا جالس عنده إذ جاءه رجل فسأله عن‬ ‫مس��ألة فرد عليه فافترى عليه فقال له‪ :‬يا أبا الزبير تفتري على رجل مس��لم‪،‬‬ ‫قال‪ :‬إن��ه أغضبن��ي قلت‪ :‬وم��ن يغضب��ك تفت��ري عليه؟ ال روي��ت عنك‬ ‫شيئ ًا‪.((26(»...‬‬ ‫«وأما أبو محمد بن حزم فإن��ه يرد من حديثه ما يق��ول فيه‪« :‬عن» جابر‬ ‫ونحوه‪ ،‬ألنه عندهم ممن يدلس؛ فإذا قال‪ :‬سمعت‪ ،‬وأخبرنا احتج به‪ .‬ويحتج‬ ‫به ابن حزم إذا قال‪« :‬عن» مما رواه عنه الليث بن سعد خاصة‪.((26(»...‬‬ ‫(‪ ((26‬تهذيب التهذيب ت‪ ،6580 :‬ج ‪ /9‬ص ‪ 380‬ـ ‪.382‬‬ ‫(‪ ((26‬ميزان االعتدال‪ ،‬ت‪ ،8169 :‬ج ‪ /4‬ص ‪.37‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪120‬‬ ‫وقال الذهبي‪« :‬وفي صحيح مس��لم عدة أحاديث مم��ا لم يوضح فيها‬ ‫أبو الزبير الس��ماع عن جابر‪ ،‬وهي عن غير طريق الليث عنه‪ ،‬ففي القلب‬ ‫منها شيء»(‪.((26‬‬ ‫وأنت ترى أيها الق��ارئ أن أبا الزبير لم يصرح في هذه الرواية بالس��ماع من‬ ‫جابر بل عنعن فيها عنه وهذا يكفي إلسقاط االحتجاج بها‪ ،‬كذلك كون هذه الرواية‬ ‫لم تحدد قوم ًا بذاتهم فمن القول بال دليل حمل مدلولها على أهل النهروان‪.‬‬ ‫(ج)‬ ‫وجاءت هذه الرواي��ة التي ُذكر فيها (ذو الخويصرة) بس��ند ضعيف عند‬ ‫اإلمام الطبري(‪ ((26‬من طري��ق محمد بن حميد الرازي‪ .‬ق��ال اإلمام الذهبي‪:‬‬ ‫«‌محمد ب��ن‌حميد‌ال��رازي‪ ...‬ضعي��ف‪ ...‬وق��ال البخاري‪ :‬فيه نظ��ر‪ ،‬وقال‬ ‫أبو زرعة‪ :‬يكذب‪ ،‬وقال النس��ائي‪ :‬ليس بثقة‪ ،‬وقال صال��ح جزرة‪ :‬ما رأيت‬ ‫أحذق بالكذب منه ومن ابن الشاذكوني»(‪.((26‬‬ ‫(‪ ((26‬ميزان االعتدال‪ ،‬ت‪ ،8169 :‬ج ‪ /4‬ص ‪.39‬‬ ‫(‪ ((26‬قال اإلمام الطبري‪« :‬حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا س��لمة‪ ،‬عن محمد بن إس��حاق‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫حدثني أبو عبيدة بن محمد‪ ،‬عن مقس��م أبي القاسم مولى عبد اهلل بن الحارث بن نوفل‪،‬‬ ‫قال‪ :‬خرجت أنا وتليد بن كالب الليثي حتى أتينا عبد اهلل بن عمرو بن العاص وهو يطوف‬ ‫بالبيت معلق��ا نعليه بيده‪ ،‬فقلنا له‪ :‬هل حضرت رس��ول اهلل ژ حين كلم��ه التميمي يوم‬ ‫حني��ن؟‪ ،‬قال‪ :‬نع��م‪ ،‬أقبل رجل م��ن بني تمي��م يقال ل��ه ذو‌الخويص��رة‪ ،‬فوقف على‬ ‫رس��ول اهلل ژ وهو يعطي الناس‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم! فقال‬ ‫رسول اهلل‪ :‬أجل‪ ،‬فكيف رأيت؟ قال‪ :‬لم ارك عدلت! فغضب رسول اهلل ژ ‪.»...‬‬ ‫وقال اإلمام الطبري أيض ًا‪« :‬حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا س��لمة‪ ،‬عن ابن إس��حاق‪ ،‬عن‬ ‫أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي مثل ذلك‪ ،‬وسماه ذا ‌الخويصرة التميمي»‪.‬‬ ‫(تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.)176‬‬ ‫(‪ ((26‬المغني في الضعفاء‪ ،‬ت‪ ،5449 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.573‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪ 6‬ـ ةرصيوخلا يذ ةياكح‬ ‫فإن قيل‪ :‬إن هذه الرواية التي جاءت في تاريخ اإلمام الطبري هنا قد جاءت‬ ‫أيض ًا عند ابن أبي عاصم في كتاب (الس��نة) من طريق محمد بن إس��حاق بن‬ ‫يس��ار‪ ،‬قلنا‪ :‬إن تلك الرواية ال حجة فيها ألحد لكون محمد بن إس��حاق قد‬ ‫اضطرب في روايتها؛ فمرة يرويها بالعنعنة ومرة يرويها بصيغة التحديث‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ قال ابن أبي عاصم‪« :‬حدثنا س��عيد بن يحيى بن س��عيد األموي‪ ،‬ثنا‬ ‫أبي‪ ،‬حدثنا محمد بن إس��حاق‪ ،‬عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر‪،‬‬ ‫عن مقسم أبي القاسم‪ ،‬عن عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬وعن محمد بن علي بن حسين‪،‬‬ ‫وعن عبد اهلل بن أبي نجيح‪ ،‬أنه قال‪ :‬تكلم يومئذ رجل لم يسمه إال محمد بن‬ ‫علي‪ ،‬قال‪ :‬هو ذو ‌الخويصرة‪ ،‬رجل من بني تميم‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد فقد رأيت‬ ‫ما صنعت في هذا اليوم‪ .‬فقال رسول اهلل ژ ‪« :‬أجل فكيف رأيت؟» فقال‪ :‬لم‬ ‫أرك عدلت‪ .‬فغضب رس��ول اهلل ژ فقال‪« :‬ويحك إذا ل��م يكن العدل عندي‬ ‫فعند من؟» فقال المس��لمون‪ :‬يا رس��ول اهلل أفال نقتله؟ فقال رسول اهلل ژ ‪:‬‬ ‫«دعوه‪ ،‬فإنه سيكون له شيعة يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية‪،‬‬ ‫ينظر في النصل فال يجد ش��يئا‪ ،‬ثم ينظر في القدح فال يوجد شيء‪ ،‬ثم ينظر‬ ‫في الفوق فال يوجد شيء‪ ،‬سبق الفرث والدم»(‪.((26‬‬ ‫‪ 2‬ـ قال ابن أبي عاصم‪« :‬حدثنا محمد بن منصور‪ ،‬ثنا يعقوب بن إبراهيم‪ ،‬ثنا‬ ‫أبي‪ ،‬عن ابن إسحاق‪ ،‬حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر‪ ،‬عن مقسم‬ ‫أبي القاسم مولى عبد اهلل بن الحارث بن نوفل‪ ،‬قال‪ ،((27(»...:‬ثم ذكر الرواية‪.‬‬ ‫(‪ ((26‬السنة البن أبي عاصم‪ ،‬الرواية‪ ،962 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.644‬‬ ‫(‪ ((27‬السنة البن أبي عاصم‪ ،‬الرواية‪ ،963 :‬ج ‪ /2‬ص ‪ .645‬وجاءت هذه الرواية بهذا السند أيض ًا‬ ‫في مسند اإلمام أحمد‪« ،‬حدثنا يعقوب‪ ،‬حدثنا أبي‪ ،‬عن ابن إسحاق‪ ،‬حدثني أبو عبيدة بن‬ ‫محمد بن عمار بن ياس��ر‪ ،‬عن مقسم أبي القاس��م‪ ،‬مولى عبد اهلل بن الحارث بن نوفل‪،‬‬ ‫قال‪( »...:‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬الرواية‪ ،7038 :‬ص ‪.)534‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪122‬‬ ‫وقد عد أحمد عمر بازم��ول في كتاب (المقترب ف��ي بيان المضطرب)‬ ‫محمد بن إسحاق بن يسار ضمن الموصوفين باالضطراب بقيد(‪.((27‬‬ ‫َ‬ ‫وعده ابن حجر ضمن المرتبة الرابعة من المدلس��ين(‪ ((27‬الذين وصفهم‬ ‫بقوله‪« :‬من اتفق على أنه ال يحتج بش��يء من حديثه��م إال بما صرحوا فيه‬ ‫بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل»(‪.((27‬‬ ‫فكما نرى من هاتين الطريقين‪ ،‬فإن محمد بن إس��حاق بن دينار ينقلهما‬ ‫بالعنعنة عن شيخه كما في الطريق األولى‪ ،‬وبالتحديث عن نفس الشيخ كما‬ ‫في الطريق الثانية‪ .‬وبما أن الرواة الذين نقلوا كلتا الطريقين عن ابن إس��حاق‬ ‫تقبل رواياتهم‪ ،‬فإنه يصعب الترجيح بين هاتي��ن الطريقين‪ ،‬فهنا يحكم على‬ ‫س��ند هذه الرواية الذي يدور حول ابن إس��حاق باالضطراب(‪ ،((27‬لكون ابن‬ ‫إس��حاق المدلس‪ ،‬الذي ال تقبل عنعنته‪ ،‬قد اضطرب في أدائها؛ فتارة يرويها‬ ‫بالعنعنة‪ ،‬وتارة يرويها بالتحديث‪.‬‬ ‫(‪ ((27‬المقترب في بيان المضطرب‪ ،‬ت‪ ،203/38 :‬ص ‪.414‬‬ ‫(‪ ((27‬تعريف أهل التقديس بمرات��ب الموصوفين بالتدلي��س‪ ،‬ت‪ ،125 :‬ص ‪ ،51‬قال ابن حجر‪:‬‬ ‫«‌محمد بن‌إسحاق بن‌يس��ار المطلبي المدني صاحب المغازي صدوق مشهور بالتدليس‬ ‫عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم‪ ،‬وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما»‪.‬‬ ‫(‪ ((27‬تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫(‪ ((27‬قال ابن الص�لاح‪« :‬المضطرب من الحديث هو الذي تختل��ف الرواية فيه فيرويه بعضهم‬ ‫على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له وإنما نسميه مضطرب ًا إذا تساوت الروايتان‪.‬‬ ‫إذا ترجحت إحداهما بحيث ال تقاومها األخرى بأن يك��ون راويها أحفظ أو أكثر صحبة‬ ‫للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة وال يطلق عليه‬ ‫حينئذ وصف المضطرب وال له حكمه‪ .‬ثم قد يقع االضطراب في متن الحديث‪ .‬وقد يقع‬ ‫في اإلسناد وقد يقع ذلك من راو واحد‪ .‬وقد يقع من رواة له جماعة‪ .‬واالضطراب موجب‬ ‫ضعف الحديث إلش��عاره بأنه لم يضبط واهلل أعلم» (التقييد واإليضاح ش��رح مقدمة ابن‬ ‫الصالح‪ ،‬ص ‪.)124‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪ 6‬ـ ةرصيوخلا يذ ةياكح‬ ‫من كل ما سبق أعاله‪ ،‬يتبين لنا أن كل الروايات التي جاء فيها ذكر (ذي‬ ‫الخويصرة) ال أس��اس لها من الصحة‪ ،‬وال قيمة لها في مي��زان األمة‪ ،‬وهذا‬ ‫حكم نطق به منهج اإلس�لام الذي ينبغي للجميع اإلذعان له‪ .‬فهل سيستفيد‬ ‫الدكتور أحمد عوض من علم علماء األمة أم أنه س��يواصل االفتراء على أهل‬ ‫الحق واالستقامة؟‬ ‫ولقد سبق لنا أن تحدثنا عن ش��خصية (ذي الثدية) في كتابنا (اإلباضية‬ ‫ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصح��اب المقاالت)‪ ،‬فأدعو القارئ الكريم‬ ‫مراجعة القسم األول من الفصل الخامس من الكتاب الذكور‪.‬‬ ‫فحينما ندرس أي رواية فال بد لنا أن نعرض متنها على األسس والمبادئ‬ ‫التي نادى بها اإلسالم‪ ،‬ومما تعارف عليه علماء الحديث هو أن صحة اإلسناد‬ ‫ليس وحده المرجح للرواية والداعي لقبولها‪ ،‬بل ال بد من النظر في المتن‪،‬‬ ‫وعرض الرواية على ما ثبت من األدلة‪.‬‬ ‫قال العالمة ابن تيمية‪« :‬كم من حديث صحيح االتصال ثم يقع في أثنائه‬ ‫الزيادة والنقصان‪ ،‬فرب زيادة لفظة تحيل المعنى ونقص أخرى كذلك‪ ،‬ومن‬ ‫مارس هذا الف��ن لم يكن يخف��ى عليه مواق��ع ذلك‪ ،‬ولتصحي��ح الحديث‬ ‫وتضعيفه أبواب تدخل وطرق تسلك ومسالك تطرق»(‪.((27‬‬ ‫وقال اإلمام ابن كثير‪« :‬والحكم بالصحة أو الحسن على اإلسناد ال يلزم‬ ‫منه الحكم بذلك على المتن‪ ،‬إذ قد يكون شاذ ًا أو معلالً»(‪.((27‬‬ ‫ومما رس��خ في عقول المس��لمين أن ميزان التقرب إل��ى اهلل تعالى هو‬ ‫اإليمان الصادق والعمل الصالح‪ .‬وجاءت العقيدة اإلسالمية لتعمق في قلوب‬ ‫(‪ ((27‬علم الحديث البن تيمية‪ ،‬ص ‪.39‬‬ ‫(‪ ((27‬الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث‪ ،‬ص ‪.37‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪124‬‬ ‫الن��اس أن «كل خلق اهلل حس��ن»(‪ ،((27‬وأن اهلل تعالى ال ينظر إلى األش��كال‬ ‫واأللوان ولكنه ينظر إلى األعمال الصالحة والقلوب الطاهرة‪.‬‬ ‫وجاء عند أبي داود الطيالس��ي رواية صحيحة تعمق ه��ذا الفكر في‬ ‫عقول المسلمين وتستأصل الشعور بالفوارق الجسدية التي تظهر على أفراد‬ ‫جنس البشر‪.‬‬ ‫قال الطيالسي(‪« :((27‬حدثنا شعبة(‪ ((27‬عن أبي عمران(‪ ((28‬سمع عبد اهلل بن‬ ‫الصامت(‪ ((28‬عن أبي ذر قال‪ :‬أمرني رسول اهلل ژ أن أسمع وأطيع ولو لعبد‬ ‫حبشي مخدج األطراف»‪.‬‬ ‫فالرسول الكريم ژ حس��ب رواية الطيالس��ي لم يحذر أبا ذر ‪ ƒ‬من‬ ‫مخ��دج األطراف بل أمره بالس��مع والطاع��ة له في حدود ش��رع اهلل‪ ،‬وهذه‬ ‫النصيحة النبوية كان لها األثر العميق في حياة ذلك الجيل الطاهر الزكي الذي‬ ‫ش��رفه اهلل تعالى بأن جعله قدوة حسنة ألجيال المس��لمين المتعاقبة إلى يوم‬ ‫الدين‪ .‬فوجود مخدج األطراف من بين بعض الناس ليس فيه دليل على فساد‬ ‫(‪ ((27‬هذا جزء من حديث أخرجه الطبراني ف��ي المعجم الكبير (الرواي��ة‪ 7240 :‬و‪ ،7241‬ج ‪/7‬‬ ‫ص ‪ 315‬ـ ‪ )316‬والحميدي في المسند (الرواية‪ ،810 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)354‬‬ ‫(‪ ((27‬مسند أبي داود الطيالسي‪ ،‬الرواية‪ ،453 :‬ج ‪ /1‬ص ‪.361‬‬ ‫(‪« ((27‬شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي موالهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري‪ ،‬ثقة‪ ،‬حافظ‬ ‫متقن‪ ،‬كان الثوري يقول‪ :‬هو أمير المؤمنين في الحديث‪ ،‬وهو أول من فتش بالعراق عن‬ ‫الرجال‪ ،‬وذب عن السنة‪ ،‬وكان عابداً‪ ،‬من الس��ابعة»‪( .‬تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،2798 :‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪.)418‬‬ ‫(‪« ((28‬عبد الملك بن حبي��ب أبو عمران الجون��ي‪ ...‬عن يحيى بن معين أنه ق��ال‪ :‬أبو عمران‬ ‫الجوني ثقة نا عبد الرحمن قال سألت أبى عن أبي عمران الجوني فقال‪ :‬صالح»‪( .‬كتاب‬ ‫الجرح والتعديل‪ ،‬ت‪ ،1636 :‬ج ‪ /5‬ص ‪.)346‬‬ ‫(‪« ((28‬عبد اهلل بن الصامت الغفاري البصري ثقة من الثالثة»‪( .‬تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،3402 :‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪.)502‬‬ ‫‪125‬‬ ‫‪ 6‬ـ ةرصيوخلا يذ ةياكح‬ ‫مسلكهم‪ ،‬ألن هذا مخالف تمام المخالفة لروح اإلسالم ومعارض لما أرشدت‬ ‫إليه رواية الطيالسي الصحيحة السابقة‪.‬‬ ‫كل ما س��بق حول روايات (ذي الخويصرة) و(ذي الثدي��ة) ُيلخص في‬ ‫اآلتي‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬كل الرواي��ات الت��ي حملتها جعب��ة الدكتور أحمد ع��وض وغيره‬ ‫ال تربطها باإلس�لام أي رابطة؛ فهي باطلة س��ند ًا ومتن ًا بش��هادة علم الجرح‬ ‫والتعديل‪ ،‬كما تبين أعاله‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬التفاضل بين الناس في اإلسالم مبني على التقوى والعمل الصالح‪،‬‬ ‫وليس على صور األجساد وهيئة الخلقة‪( ،‬فكل خلق اهلل حسن)‪ ،‬وما عرضته‬ ‫هذه الروايات من أقوال ح��ول (ذي الثدية) ال يربطها بمبادئ اإلس�لام أي‬ ‫رابطة(‪.((28‬‬ ‫الكتَّ��اب‪ ،‬الذين تحامل��وا على أهل‬ ‫وال��ذي نريد أن نؤك��ده هنا هو أن ُ‬ ‫النهروان‪ ،‬حينما عجزوا عن إثبات المخالفات الشرعية المنسوبة ظلم ًا وزور ًا‬ ‫إلى س��احة أهل النهروان الكرام أخذوا بس��بك أفكار ال صلة لها باإلسالم‪،‬‬ ‫وجعلوها دليلهم وحجتهم في النيل من أهل النهروان‪.‬‬ ‫ونريد أن نؤك��د أيض ًا أنه م��ن الواجب على كل مس��لم أن يضع مبادئ‬ ‫اإلس�لام هي الدليل والحجة عند تقييم العاملين في هذه الدنيا‪ ،‬ال أن ُتتخذ‬ ‫صور مخلوقات اهلل تعالى الدليل عند الحكم على البش��ر‪ .‬فوجود شخص له‬ ‫أط��راف غي��ر مكتملة النمو في أوس��اط البش��ر‪ ،‬ف��ي الماض��ي والحاضر‬ ‫والمس��تقبل‪ ،‬ليس بمقياس عادل في الحكم على معتقدات الشعوب واألمم‬ ‫(‪ ((28‬فليس من محاور هذا البحث ذكر رحمة اإلسالم بأصحاب العاهات الذين خلقهم اهلل تعالى‬ ‫حسب مشيئته ‪ ، 8‬فهذا مجال واسع‪ ،‬وقد أسهب كثير من الكُ تَّاب في الحديث عنه‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪126‬‬ ‫وسلوكها‪ ،‬وليس��ت صور مخلوقات اهلل تعالى مقياس�� ًا يحدد للبشرية قواعد‬ ‫اشتباكهم وأسباب شجارهم‪.‬‬ ‫وبهذا يتبين ل��كل من طبق علوم األمة اإلس�لامية التي س��طرها علماء‬ ‫اإلس�لام في كتبهم أن رواي��ات (ذي الخويص��رة) ورواي��ات (ذي الثدية)‪،‬‬ ‫الضعيفة سند ًا ومتن ًا‪ ،‬ال قيمة لها في ساحات الفكر اإلسالمي ووقائع التاريخ‪،‬‬ ‫وذلك لمخالفتها للمقاييس التي أتى بها ش��رع اهلل ف��ي تقييم الناس ومعرفة‬ ‫قربهم وبعدهم من تعاليم اإلسالم‪.‬‬ ‫الكتَّاب في‬ ‫وحينما غاب التطبيق العملي لعلم الجرح والتعديل‪ ،‬تس��ابق ُ‬ ‫نس��بة (ذي الخويصرة) إلى أهل النهروان واس��تخرجوا من تل��ك الروايات‬ ‫الضعيفة أوصاف ًا باطلة ولمزوا بها األبرياء‪ ،‬فها هو الدكتور أحمد معيطة ينقل‬ ‫الكتَّاب من روايات (ذي الخويصرة) الضعيفة‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫لنا ما اس��تخرجه ُ‬ ‫«نسوق هذه الروايات ألن بعض الباحثين المحدثين اعتبر أن هذا الرجل الذي‬ ‫اعترض على النبي (قد مثل باعتراضه التشدد والتعصب اللذين كانا من أهم‬ ‫مميزات الخوارج أول ظهوره��م‪ ،‬وهذا الخروج على اإلم��ام اعتراض ًا على‬ ‫سياسته يش��ابه في كثير خروج الخوارج على علي لس��خطهم على سياسته)‬ ‫وعلى الرغم من هذا التشابه بين شخصية هذا الرجل وشخصية الخوارج فيما‬ ‫بعد‪ ،‬فإن س��هير القلماوي ال تعتب��ره خارجي ًا وكل ما يمك��ن قوله إنه (كان‬ ‫متشبع ًا بذلك الروح الذي دفع إلى تكوين الحزب الخارجي)»(‪.((28‬‬ ‫ونحن المتبعون لمناهج األمة نق��ول لهؤالء الكُ َّتاب الذين أش��ار إليهم‬ ‫الكاتب‪ :‬أن ما ُبني على باطل فهو باطل‪ ،‬وما ُش��يد على أسس ضعيفة ينهار‬ ‫فوق بانيه‪ .‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬ ‫(‪ ((28‬اإلسالم الخوارجي قراءة في الفكر والفن ونصوص مختارة‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪127‬‬ ‫‪ 7‬ـ يدوهيلا أبس نبا ةفارخو تاميعطلا ناميلس يناه روتكدلا‬ ‫الدكتور هاني سليمان الطعيمات‬ ‫‪7‬‬ ‫وخرافة ابن سبأ اليهودي‬ ‫وفي نهاي��ة كالمه الذي وجه��ه لإلباضية ق��ال الدكتور هاني س��ليمان‬ ‫الكتَّاب اإلس�لاميين وعلى‬ ‫الطعيمات ما نص��ه‪« :‬إن من الواجب عل��ى كل ُ‬ ‫اختالف مذاهبهم التحرر من عقدة الش��عور باألفضلية‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق‬ ‫حقه وفق موازين منطقية علمية بعيدة عن تكرار أقوال المتعصبين من القدامى‬ ‫الذين عاشوا أجواء مشحونة بصراعات مذهبية وخالفات فلسفية»(‪.((28‬‬ ‫فالذي وجدن��اه في كتاب الدكتور هاني س��ليمان الطعيم��ات من أقوال‬ ‫وأحكام يناقض هذا القول الذي س��طره هنا؛ فهو لم يتحرر من عقدة الشعور‬ ‫باألفضلية‪ ،‬إذ عزز ش��عوره بأقوال باطلة متهافتة نطقت به��ا أفواه الكذابين‬ ‫والضعفاء من المؤرخين والرواة‪.‬‬ ‫وقد استنتج الدكتور هاني س��ليمان الطعيمات اس��تنتاجات باطلة من‬ ‫خالل قراءات سطحية في بعض الكتب اإلباضية من غير ربط لها باألسس‬ ‫الثابتة التي عليها الفكر اإلباضي‪ ،‬والتي س��جلها علماء اإلباضية في واقع‬ ‫التاريخ قوالً وعمالً‪ ،‬لهذا فه��و قد ابتعد كل البعد ع��ن الموازين العلمية‪،‬‬ ‫وكرر «أقوال المتعصبين من القدامى» وجاء بنظريات فلس��فية تمجها قواعد‬ ‫العلم عند المسلمين‪.‬‬ ‫(‪ ((28‬اإلباضية مذهب ال دين‪ ،‬ص ‪.186‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪128‬‬ ‫ولقد برر الدكت��ور هاني س��ليمان الطعيمات اس��تنتاجاته وأقواله عن‬ ‫اإلباضية‪ ،‬بذك��ر تصوراته حول المنهج الذي اتبعه عن��د الكتابة‪ ،‬فمما قاله‬ ‫حول منهجه وتصوراته‪« :‬ودعوى نفي صلته بالخ��وارج‪ ،‬تحمل في طياتها‬ ‫التشكيك في هذه الكتب‪ ،‬والتشكيك فيها يعنى هدم علم الجرح والتعديل‬ ‫من أساسه»(‪.((28‬‬ ‫فهذا الكاتب يحاول قلب األمور رأس�� ًا على عقب؛ فهو بفلسفته يرى أن‬ ‫هدم علم الجرح والتعديل يتحقق بالشك في ما ُكتب في كتب التاريخ‪ ،‬فلهذا‬ ‫يعلن للجميع وكأن��ه يقول لهم‪ :‬إن الش��ك في ما كتب على أه��ل النهروان‬ ‫واإلباضية «يعني هدم عل��م الجرح والتعديل من أساس��ه»!!!‪ .‬وبهذا المنطق‬ ‫التخويفي ينطلق المغرضون وأصحاب األهواء في مخاطبة الجماهير التي تنقاد‬ ‫بكل سهولة بمثل هذه العواطف الجوفاء الخالية من أدلة علمية وحجج عقلية‪.‬‬ ‫فعلى الدكتور هاني سليمان الطعيمات أن يعلم أن علم الجرح والتعديل‬ ‫هو أح��د تلك العلوم الت��ي قضت على الدع��وى الجائرة التي نس��بت أهل‬ ‫النهروان واإلباضية إلى الخوارج‪ ،‬فهو الس�لاح الذي أجهد علماء اإلس�لام‬ ‫أنفسهم في شحذه‪ ،‬واس��تلمه المخلصون من أبناء اإلس�لام للدفاع عن قيم‬ ‫اإلسالم ومبادئه وإظهار الحق ولو كره الكذابون وأذنابهم‪.‬‬ ‫فعلم الجرح والتعديل‪ ،‬هو القاضي على كل الش��كوك‪ ،‬إذا استلمته أيد‬ ‫أمينة قوية تعرف كيف تضع المقصل على المفصل‪ ،‬ال أن تهدم أسسه بشكوك‬ ‫يثيرها المبطلون كما يدعي هذا الدكتور‪.‬‬ ‫فعلى الدكتور هاني س��ليمان الطعيمات أن يدرك أن أقواله ال وزن لها‬ ‫مع حضور علم الجرح والتعديل‪ ،‬ألنهما ض��دان‪ ،‬وما نادى به هنا ال يقره‬ ‫(‪ ((28‬اإلباضية مذهب ال دين‪ ،‬ص ‪.119‬‬ ‫‪129‬‬ ‫‪ 7‬ـ يدوهيلا أبس نبا ةفارخو تاميعطلا ناميلس يناه روتكدلا‬ ‫منصف ُي ِّج ُل علوم األمة ويقدر ش��أنها وهيمنتها عل��ى مناهج الكتابة في‬ ‫ميادين المعرفة‪.‬‬ ‫ومما قاله الدكتور هاني س��ليمان الطعيمات للذين طبق��وا علوم األمة‪،‬‬ ‫وخاصة علم الحديث‪ ،‬عند دراستهم لما نسب إلى أهل النهروان واإلباضية‪:‬‬ ‫«هذا وإنني أش��فق على هؤالء الباحثين وأمثالهم إلضاعتهم جهدهم العلمي‬ ‫في محاولة قلب الحقائق التاريخية بالتش��كيك في رواياتها تارة‪ ،‬وبتفسيرها‬ ‫بما يتفق وأهدافهم تارة أخرى‪ ،‬وفي محاولة إخفاء بعض األمور التي تنقض‬ ‫ما يريدون إثباته»(‪.((28‬‬ ‫هنا يظهر الدكتور شفقته على اإلباضية ألنهم حسب فهمه الفاسد يقلبون‬ ‫الحقائق التاريخية‪ ،‬ويش��كون ف��ي رواة تل��ك الروايات التي نس��بتهم إلى‬ ‫الخوارج‪ ،‬وأن أهداف اإلباضية هي التي تقودهم إلى التفسير‪ ،‬وإخفاء األمور‬ ‫التي تناقض ما يريدون إثباته‪...‬‬ ‫نقول لهذا الدكتور‪ :‬بل أشفق على نفسك؛ فقد جنيت عليها باالفتراء على‬ ‫المسلمين وبلمزهم بما هم منه براء‪.‬‬ ‫تجنيت على مناهج البحث عند المسلمين كافة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ونقول لهذا الدكتور‪ :‬لقد‬ ‫فنجدك تجعل أقوال الكذابين والضعفاء والمجهولين هي األصل‪ ،‬وأن محاولة‬ ‫ردها بعلم الجرح والتعديل تعده تشكيك ًا ويراد منها قلب الحقائق العلمية!!!‪.‬‬ ‫وهذا القول الذي قاله الدكتور هاني سليمان الطعيمات ال يربطه بمناهج‬ ‫البحث عند المس��لمين أي رابط‪ ،‬فكان ينبغي له أن يحث المس��لمين على‬ ‫دراسة الروايات دراسة علمية‪ ،‬وأن يظهر لهم االحترام والتقدير على جهودهم‪،‬‬ ‫ال أن يتهمهم بقلب الحقائق والتشكيك في الروايات‪.‬‬ ‫(‪ ((28‬اإلباضية مذهب ال دين‪ ،‬ص ‪.119‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪130‬‬ ‫ولقد ركز الدكتور هاني سليمان الطعيمات كثير ًا على األحداث التاريخية‬ ‫التي شهدتها الساحة اإلس�لامية في عهد الصحابة الكرام @ من غير دراسة‬ ‫لتلك الروايات التي حدثته بما تفوه به‪.‬‬ ‫ومما قاله الدكتور هاني سليمان الطعيمات‪« :‬أغفل اإلباضية القدامى منهم‬ ‫والمحدثون على حد س��واء‪ ،‬ذكر الرواية التاريخية التي تثبت دور ابن س��ب ًا‬ ‫اليهودي ف��ي الفتنة التي حصلت‪ ،‬بتنقله في بلدان المس��لمين وتأليبه الناس‬ ‫على عثم��ان (رضي اهلل عنه)‪ ،‬فق��د جاء في تاريخ الطبري في أحداث س��نة‬ ‫السري‪ ،‬عن شعيب‪ ،‬عن سيف‪ ،‬عن عطية‪،‬‬ ‫إلي ّ‬‫خمس وثالثين‪ ...‬فيما كتب به ّ‬ ‫عن يزيد الفقعسي‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد اهلل بن سبأ يهودي ًا من أهل صنعاء‪.((28(»...‬‬ ‫لو فكر هذا الدكتور قليالً في هذا الس��ند الذي عرض��ه هنا لما تفوه بما‬ ‫تفوه به‪ ،‬ولما تجرأ على إثبات «دور ابن س��بأ» بتلك الروايات الباطلة التي‬ ‫أوردها اإلمام الطبري في تاريخه‪ .‬فها هو الدكتور هاني س��ليمان الطعيمات‬ ‫يقول لنا أنه استقى معلوماته عن (ابن س��بأ) من الرواية التي ذكرها «السري‪،‬‬ ‫عن شعيب‪ ،‬عن سيف‪ ،‬عن عطية‪ ،‬عن يزيد الفقعس��ي»‪ ،‬ويا ليته علم منزلة‬ ‫س��يف بن عمر وش��عيب بن إبراهيم‪ ،‬ويزيد الفقعس��ي عند علم��اء الجرح‬ ‫والتعديل قبل أن يخط قلمه هذا الكالم الذي ال وزن له في علوم األمة‪.‬‬ ‫فسيف بن عمر التميمي السدي «يروي عن هشام بن عروة‪ ...‬وخلق كثير‬ ‫من المجهولين‪ ...‬قال عباس‪ ،‬عن يحيى‪ :‬ضعيف‪ .‬قال أبو داود‪ :‬ليس بشي‪.‬‬ ‫قال أبو حاتم‪ :‬مت��روك‪ .‬قال ابن حبان‪ :‬اتهم بالزندق��ة‪ .‬قال ابن عدي‪ :‬عامة‬ ‫حديثه منكر»(‪ .((28‬وه��و «يروي الموضوعات عن األثبات‪ ...‬وكان س��يف‬ ‫(‪ ((28‬اإلباضية مذهب ال دين‪ ،‬ص ‪.38‬‬ ‫(‪ ((28‬ميزان االعتدال ت‪ 3637 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.255‬‬ ‫‪131‬‬ ‫‪ 7‬ـ يدوهيلا أبس نبا ةفارخو تاميعطلا ناميلس يناه روتكدلا‬ ‫يضع الحديث‪ .((28(»...‬وقال ابن أب��ي حاتم الرازي «‪ ...‬حدثنا عبد الرحمن‬ ‫قال سئل أبي عن سيف بن عمر الضبي فقال‪ :‬متروك الحديث‪ ،‬يشبه حديثه‬ ‫حديث الواقدي»(‪.((29‬‬ ‫وقال اب��ن حجر‪« :‬قال اب��ن معين‪ :‬ضعي��ف الحديث‪ ...‬وقال النس��ائي‬ ‫والدارقطني‪ :‬ضعيف‪ ...‬وقال البرقاني‪ ،‬عن الدارقطني‪ :‬متروك‪ .‬وقال الحاكم‪:‬‬ ‫اتهم بالزندقة‪ ،‬وهو في الرواية ساقط»(‪.((29‬‬ ‫من أقوال علماء الج��رح والتعديل يتبين لنا أن س��يف بن عمر يعد من‬ ‫الكذابين والوضاعين للحديث على رس��ول اهلل ژ ‪ .‬وكفى بهذا سبب ًا لرفض‬ ‫كل مروياته التي تناقلتهـا كتـب الحديث والتاريخ‪ .‬فمـن لـم يخف مـن نـار‬ ‫جهنـ��م التـي جعـ��ل اللـه ‪ 4‬فيه��ا مقاعد ل��كل من كذب على رس��وله‬ ‫الكريم ژ فلن يمتنع عن االفتراء والكذب على من دون النبي ! من البشر‪.‬‬ ‫فهل يفهم الدكتور هاني سليمان الطعيمات هذا الكالم الذي قاله جهابذة‬ ‫علماء الجرح والتعديل؟‪ ،‬أم أنه سيبقى س��ادر ًا في غيه‪ ،‬وشامخ ًا بغلوائه في‬ ‫عالم الكبر؟‬ ‫وأما الراوي الذي نقل عن سيف بن عمر فهو شعيب بن إبراهيم الكوفي‬ ‫الذي ال قيمة لما يرويه‪ ،‬فقد قال علماء الجرح والتعديل ما نصه‪« :‬راوي ُة ُكتب ِ‬ ‫ُ‬ ‫س��يف عنه‪ ،‬فيه جهالة‪ ،‬ذكره ابن عدي وقال‪ :‬ليس بالمعروف‪ ،‬وله أحاديث‬ ‫وأخبار‪ ،‬وفيه بعض النكرة‪ ،‬وفيها ما فيه تحامل على السلف»(‪.((29‬‬ ‫(‪ ((28‬كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ج ‪ /1‬ص ‪ 345‬ـ ‪.346‬‬ ‫(‪ ((29‬كتاب الجرح والتعديل ت‪ 1198 :‬ج ‪ /4‬ص ‪.278‬‬ ‫(‪ ((29‬تهذيب التهذيب ت‪ ،2819 :‬ج ‪ /4‬ص ‪.268‬‬ ‫(‪ ((29‬لسان الميزان‪ ،‬ت‪ ،4100/46 :‬ج ‪ /3‬ص ‪.176‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪132‬‬ ‫وأما يزيد الفقعس��ي فلم أجد له ترجمة في كتب الرجال التي بين يدي‪،‬‬ ‫فهو مجهول‪ ،‬وقد ذكر جهالته أيض ًا ناصر بن علي عائض‪ ،‬حيث قال‪« :‬لم أعثر‬ ‫له على ترجمة»(‪ ،((29‬وذكر جهالته أيض ًا أكرم بن محمد زيادة الفالوجي‪ ،‬حيث‬ ‫قال‪« :‬لم أعرفه‪ ،‬ولم أجد له ترجمة»(‪.((29‬‬ ‫فنقول للدكتور هاني س��ليمان الطعيمات‪ :‬إن علم الج��رح والتعديل هو‬ ‫اس��تندت عليها في إثبات شخصية (ابن سبأ)‬ ‫َ‬ ‫الذي أبطل الروايات(‪ ((29‬التي‬ ‫ودوره المزعوم في أحداث ي��وم الدار وما تالها من أح��داث إلى نهاية يوم‬ ‫الجمل‪ .‬فكفاك تجاهالً يا دكت��ور لهذا الواقع الذي يصدقه العلم الش��ريف‪،‬‬ ‫وكفاك صلف ًا وتبجح�� ًا وظلم ًا وعدوان ًا حينما اتهم��ت اإلباضية الكرام بقلب‬ ‫الحقائق التي أخذوها بقوة وصدق من كتب علماء اإلسالم قاطبة‪.‬‬ ‫ولقد كانت لنا دراس��ة لتلك الروايات التي أش��ار إليها الدكتور هاني‬ ‫سليمان الطعيمات في كتابه‪ ،‬وأخرجنا تلك الدراسة في كتاب لنا أسميناه‬ ‫(اإلباضية ومنهجية البحث عن��د المؤرخين وأصحاب المقاالت)‪ ،‬وعندما‬ ‫عرضنا كل الروايات التي نس��بت الفتنة أيام اإلمام عثمان إلى (ابن سبأ)‬ ‫وجدنا تل��ك الروايات باطلة ال تقرها مناهج اإلس�لام البتة‪ ،‬ومن التعدي‬ ‫على عل��وم األمة نس��بة األباطيل إل��ى تاريخها‪ ،‬فليراج��ع الجميع ذلك‬ ‫الكت��اب‪ ،‬وأرجو من كل ق��ارئ أن يجعل غيرته على مناه��ج األمة فوق‬ ‫الزعازع النفسية‪.‬‬ ‫(‪ ((29‬عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ ،1077‬هامش ‪.4‬‬ ‫(‪ ((29‬المعجم الصغير لرواة اإلمام ابن جرير الطبري‪ ،‬ت‪ ،5159 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.658‬‬ ‫(‪ ((29‬لقد ذكرنا في كتابنا (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت) أقوال‬ ‫علماء الجرح والتعديل في رجال الروايات التي روجت لخرافة ابن س��بأ اليهودي‪ ،‬انظر‬ ‫الفصل الثالث‪ ،‬ص ‪ 90‬وما بعدها من الكتاب المذكور‪.‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪ 7‬ـ يدوهيلا أبس نبا ةفارخو تاميعطلا ناميلس يناه روتكدلا‬ ‫ضنا للروايات‪ ،‬التي نس��بت الفتنة إلى الصحابة أنفس��هم‪ ،‬على‬ ‫وبعد عر ِ‬ ‫َْ‬ ‫علم الجرح والتعديل وجدنا تلك الروايات أرقى سند ًا من الروايات التي ُذكر‬ ‫فيها (ابن س��بأ)‪ .‬فلهذا نادينا‪ ،‬وبأعلى صوت‪ ،‬وما زلنا نكرر نفس النداء‪ ،‬أن‬ ‫علينا جميع ًا طي صفحات تلك الفتنة ألنه ال فائدة لنا من ذكرها‪ ،‬فعلى القارئ‬ ‫أن يراجع كتابنا المذكور وخاصة الفصل الثالث منه‪.‬‬ ‫وأستس��مح القارئ هنا في نقل عب��ارات مما قل ُته ف��ي كتابي (اإلباضية‬ ‫ومنهجية البحث عند المؤرخي��ن وأصحاب المقاالت)‪« :‬بع��د عرضنا لتلك‬ ‫الكتَّاب في التشنيع على بعض‬ ‫الروايات الفاس��دة التي اعتمد عليها كثير من ُ‬ ‫الصحابة‪ ،‬رضوان اهلل عليهم‪ ،‬أض��ع بين يديك أخي الق��ارئ هذه الروايات‬ ‫الكتَّاب خلف روايات سيف بن‬ ‫بأسانيدها وس��تعجب من انجراف كثير من ُ‬ ‫عمر الوضاع والواقدي الكذاب وتركهم لروايات أخرى أرقى منها سنداً‪ .‬فقد‬ ‫نقل الطبري وغيره روايات ـ من غير طريق س��يف بن عمر والواقدي ـ تذكر‬ ‫جانب ًا من جوانب الفتنة التي حدثت في الس��نوات األخيرة من خالفة اإلمام‬ ‫عثمان وما تلتها من أحداث‪.‬‬ ‫فقصدي م��ن ذكر هذه الروايات ه��و إثبات أن تلك الفتنـ��ة كانت بـين‬ ‫الصحابـة ـ رضوان اهلل عليهم ـ‪ ،‬وأنه من األسلم لنا عدم ذكر أي منهم بسوء‪.‬‬ ‫وكذلك إقامة الحجة عل��ى الذين يحتجون برواي��ات الكذابين والوضاعين‪.‬‬ ‫فأقول لهم‪ :‬إن كان وال بد لكم من الخوض في ذكر تلك الفتن فعليكم ترك‬ ‫األخبار الموضوعة والمكذوبة واألخذ بما هو أفضل حاالً»(‪.((29‬‬ ‫ثم ذكرت في ذلك الكتاب خمسة عش��رة رواية من مصادر مختلفة‪ ،‬ولم‬ ‫يذكر فيها ابن س��بأ اليهودي الذي روجت له روايات الكذابين والوضاعين‪.‬‬ ‫ومن الروايات التي ذكرتها‪:‬‬ ‫(‪ ((29‬اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت‪ ،‬ص ‪ 106‬ـ ‪.107‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪134‬‬ ‫· أورد اإلمام الطبري في تاريخه ما نص��ه‪« :‬يعقوب بن إبراهيم(‪ ،((29‬قال‪:‬‬ ‫حدثن��ا معتمر بن س��ليمان التيم��ي(‪ ،((29‬قال‪ :‬حدثن��ا أبي(‪ ،((29‬ق��ال حدثنا‬ ‫أبو نضرة(‪ ،((30‬عن أبي سعيد مولى أبي أسيد األنصاري(‪ .((30‬قال‪ :‬سمع عثمان‬ ‫أن وفد أهل مصر قد أقبلوا‪ ،‬قال‪ :‬فاس��تقبلهم‪ ،‬وكان ف��ي قرية له خارجة من‬ ‫المدينة‪ ...‬فقالوا له افتح التاس��عة ـ وكانوا يسمون سورة يونس التاسعة ـ قال‪:‬‬ ‫فقرأها حتى أتى على هذه اآلية ﴿ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ‬ ‫ۀ ہ ہ ہ ہ ھ ھھ ھ ے ے ۓ ﴾ [يونس‪ .((30(]59 :‬قال‪ :‬قالوا‬ ‫حميت من الحمى؟ آهلل أذن لك أم على اهلل تفتري!‬ ‫َ‬ ‫له‪ :‬قف‪ ،‬فقالوا له أرأيت ما‬ ‫الح َمى فإن عمر َح َمى الحمى‬ ‫قال‪ :‬فقال‪ :‬امضه؛ نزلت في كذا وكذا‪ .‬قال‪ :‬وأما ِ‬ ‫قبلي إلبل الصدقة‪ ،‬فلما وليت زادت إبل الصدقة فزدت في الحمى لما زاد في‬ ‫الدورقي الحافظ البغ��دادي «قال أبو حاتم‬ ‫ٌّ‬ ‫(‪ ((29‬يعقوب بن إبراهيم ب��ن كثير‪ ...‬أبو يوس��ف‬ ‫صدوق‪ .‬وقال النس��ائي ثقة‪ .‬وذكره ابن حبان في الثقات‪ .‬وق��ال الخطيب كان ثقة متقن ًا‪،‬‬ ‫صنف المسند‪ ...‬قلت [ابن حجر]‪ :‬قال مسلمة‪ :‬كان كثير الحديث ثقة» (تهذيب التهذيب‪،‬‬ ‫ت‪ ،8133 :‬ج ‪ /11‬ص ‪.)332‬‬ ‫(‪ ((29‬معتمر بن سليمان التيمي أبو محمد البصري يلقب بالطفيل‪ ،‬ثقة‪ ،‬من كبار التاسعة‪ ،‬مات‬ ‫سنة مائة وسبع وثمانين وقد جاوز الثمانين (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،6809 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)199‬‬ ‫(‪ ((29‬س��ليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري نزل في التيم فنسب إليهم ثقة عابد من‬ ‫الرابعة مات سنة مائة وثالث وأربعين وهو ابن سبع وتسعين (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪،2583 :‬‬ ‫ج ‪ /1‬ص ‪.)387‬‬ ‫(‪ ((30‬المنذر بن مالك بن قطعة العبدي العوقي البصري أبو نضرة مشهور بكنيته ثقة من الثالثة‬ ‫مات سنة ثمان أو تسع ومائة (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،6915 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)213‬‬ ‫(‪ ((30‬أبو س��عيد مولى أبي أس��يد األنصاري « ‪ ...‬ذكره ابن منده في الصحابة ولم يذكر ما يدل‬ ‫على صحبته‪ ،‬لكن ثبت أنه أدرك أبا بكر الصديق ? فيكون من أهل هذا القسم‪ ،‬قال ابن‬ ‫منده روى عنه أبو نضرة العبدي قصة مقت��ل عثمان بطولها وهو كما قال وقد رويناها من‬ ‫هذا الوجه وليس فيها ما يدل على صحبته»‪( .‬اإلصاب��ة في تمييز الصحابة‪ ،‬ت‪ ،588 :‬م‪4‬‬ ‫ج ‪ /7‬ص ‪ )95‬وكذلك انظر (أسد الغابة‪ ،‬ت‪ ،5951 :‬ج ‪ /6‬ص ‪.)141‬‬ ‫(‪ ((30‬سورة يونس‪.59 :‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪ 7‬ـ يدوهيلا أبس نبا ةفارخو تاميعطلا ناميلس يناه روتكدلا‬ ‫إبل الصدقة‪ ،‬امضه‪ .‬قال‪ :‬فجعلوا يأخذونه باآلية‪ ،‬فيقول امضه‪ ،‬نزلت في كذا‬ ‫وكذا‪ ...‬ثم أخذوه بأشياء لم يكن عنده منها مخرج‪ .‬قال‪ :‬فعرفها‪ ،‬فقال أستغفر‬ ‫اهلل وأتوب إليه‪ .‬قال‪ :‬فقال لهم‪ :‬ما تريدون؟ قال‪ :‬فأخذوا ميثاقه‪ ...‬وأخذ عليهم‬ ‫أال يش��قوا عص�� ًا‪ ،‬وال يفارقوا جماع��ة ما قام لهم بش��رطهم‪ ...‬فق��ال لهم‪:‬‬ ‫ما تريدون؟ قالوا نريد أال يأخذ أهل المدينة عطاء‪ ،‬فإنما هذا المال لمن قاتل‬ ‫عليه ولهؤالء الشيوخ من أصحاب رسول اهلل ژ ‪ .‬قال‪ :‬فرضوا بذلك‪ ،‬وأقبلوا‬ ‫معه إلى المدينة راضين‪ .‬قال‪ :‬فقام فخطب فقال‪ :‬إن��ي ما رأيت واهلل وفد ًا في‬ ‫علي‪.((30(»...‬‬ ‫من هذا الوفد الذين قدموا َّ‬ ‫(‪((30‬‬ ‫األرض هم خير لحوباتي‬ ‫· أورد ابن ش��بة في تاريخ المدينة(‪« :((30‬حدثنا محمد بن س��نان(‪ ((30‬قال‪،‬‬ ‫حدثنا أبو عوانة(‪ ((30‬قال‪ ،‬قال حصين(‪ :((30‬قلت لعمرو بن جاوان(‪ :((30‬لِم اعتزل‬ ‫األحنف؟ قال‪ ،‬قال األحنف‪ :‬انطلقنا حجاج ًا فمررنا بالمدينة‪ ،‬فبينما نحن بمنزلنا‬ ‫إذ جاءنا آت فقال‪ :‬إن الناس قد فزعوا إلى المسجد‪ .‬فانطلقت أنا وصاحبي‪ ،‬فإذا‬ ‫(‪ ((30‬لم يصف اإلمام عثمان أولئك الناس الذين قدموا عليه من مصر بما وصفهم به الكذابون‬ ‫وأذنابهم‪.‬‬ ‫(‪ ((30‬تاريخ الطبري ج ‪ /2‬ص ‪.655‬‬ ‫(‪ ((30‬تاريخ المدينة المنورة‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 1112‬ـ ‪.1113‬‬ ‫(‪ ((30‬محمد بن س��نان الباهلي أبو بكر البصري العوقي ثقة ثبت من كبار العاش��رة مات سنة‬ ‫مائتين وثالث وعشرين (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ 5954 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)83‬‬ ‫(‪ ((30‬الوضاح بن عبد اهلل اليش��كري مولى يزيد بن عطاء أبو عوانة الواسطي البزاز‪ ...‬مشهور‬ ‫بكنيته ثقة ثبت من الس��ابعة مات سنة مائة وخمس أو ست وس��بعين (تقريب التهذيب‪،‬‬ ‫ت‪ ،7434 :‬ج ‪ /2‬ص ‪ 282‬ـ ‪.)283‬‬ ‫(‪ ((30‬حصين بن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي ثقة تغير حفظه في اآلخر من الخامسة‬ ‫مات س��نة مائة وس��ت وثالثين وله ثالث وتس��عون (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،1375 :‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪.)222‬‬ ‫(‪ ((30‬عمرو بن ج��اوان التميمي البصري ويقال عم��ر مقبول من السادس��ة (تقريب التهذيب‪،‬‬ ‫ت‪ ،5014 :‬ج ‪ /1‬ص ‪.)730‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪136‬‬ ‫الناس مجتمعون على نفر وسط المسجد‪ ،‬فتخللتهم حتى قمت عليهم فإذا علي‬ ‫وطلحة والزبير وس��عد بن أبي وق��اص قعود‪ ،‬فل��م يك ذاك بأس��رع أن جاء‬ ‫عثمان ‪ ƒ‬يمشي في المسجد عليه ُملاَ ءَ ٌة له صفراء قد رفعها على رأسه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فقلت لصاحبي‪ :‬كما أنت حت��ى ننظر ما جاء به‪ .‬فلما دنا منه��م قالوا‪ :‬هذا ابن‬ ‫عفان‪ .‬قال‪ :‬أهاهنا علي؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أهاهنا الزبير؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أهاهنا‬ ‫طلحة؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أهاهنا س��عد؟ قالوا نعم‪ .‬قال‪ :‬أُنشدكم باهلل الذي ال إله‬ ‫إال هو‪ ،‬أتعلمون أن رسول اهلل ژ قال من يبتاع مربد بني فالن غفر اهلل له‪ .‬قال‬ ‫فابتعته بعشرين ـ أو بخمسة وعش��رين ـ ألف ًا‪ ،‬فأتيت النبي ژ فقلت له‪ :‬إني قد‬ ‫ابتعت مربد بني فالن‪ .‬قال‪ :‬اجعله في المسجد وأجره لك؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬ولكنك‬ ‫بدلت‪ .‬قال‪ :‬أُنشدكم باهلل الذي ال إله إال هو‪ ،‬أتعلمون أن رسول اهلل ژ قال‪ :‬من‬ ‫يبتاع بئر رومة غفر اهلل له فابتعتها بكذا وكذا‪ ،‬فأتيت رسول اهلل ژ فقلت‪ :‬إني قد‬ ‫ابتعت بئر رومة‪ .‬فقال‪ :‬اجعلها س��قاية للمس��لمين وأجرها ل��ك؟ قالوا‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫ولكنك بدلت‪ .‬قال‪ :‬أُنشدكم باهلل الذي ال إله إال هو‪ ،‬أتعلمون أن رسول اهلل ژ‬ ‫نظر في وج��وه القوم يوم جيش العس��رة فق��ال‪ :‬من يجهز ه��ؤالء غفر اهلل له‪.‬‬ ‫فجهزتهم حتى ما يفقدون خطام ًا وال عقاالً؟ قال��وا‪ :‬نعم‪ ،‬ولكنك بدلت‪ .‬قال‪:‬‬ ‫اللهم اشهد ـ ثالث مرات‪ ،‬ثالث مرات ـ ثم انصرف»‪.‬‬ ‫· وأورد البالذري‪« :‬حدثني أحمد بن إبراهي��م الدورقي(‪ ،((31‬حدثنا‬ ‫أبـو النض��ر(‪ ،((31‬حدثن��ا إس��حاق بـن س��عيـد(‪ ،((31‬عـ��ن عمـرو بـن‬ ‫(‪ ((31‬أحمد بن إبراهيم ب��ن كثير بن زيد الدورق��ي النكري ثقة حافظ‪ ،‬من العاش��رة (تقريب‬ ‫التهذيب‪ ،‬ت‪ ،3 :‬ج ‪ /1‬ص ‪.)29‬‬ ‫(‪ ((31‬هاشم بن القاسم بن مسلم‪ ،‬الليثي موالهم‪ ،‬البغدادي‪ ،‬أبو النضر‪« ،‬مشهور بكنيته‪ ،‬ولقبه‬ ‫قيصر‪ ،‬ثقة ثبت‪ ،‬من التاسعة» (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،7282 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)261‬‬ ‫(‪ ((31‬إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص األموي‪ ،‬السعيدي الكوفي‪ ،‬ثقة من السابعة‬ ‫(تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،356 :‬ج ‪ /1‬ص ‪ )81‬و(تهذيب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،389 :‬ج ‪ /1‬ص ‪ 211‬ـ ‪.)212‬‬ ‫‪137‬‬ ‫‪ 7‬ـ يدوهيلا أبس نبا ةفارخو تاميعطلا ناميلس يناه روتكدلا‬ ‫سعيـد(‪ ((31‬حدثني س��عيد بن عمرو(‪ :((31‬عن ابن حاطب(‪ ((31‬قال‪ :‬أقبلت‬ ‫مع علي يوم الجمل إلى الهودج وكأنه ش��وك قنفذ م��ن النبل‪ ،‬فضرب‬ ‫الهودج‪ ،‬ث��م قال‪ :‬إن حمي��راء إرم ه��ذه أرادت أن تقتلن��ي كما قتلت‬ ‫عثمان بن عفان‪ .‬فقال له��ا أخوها محمد‪ :‬هل أصابك ش��يء؟ فقالت‪:‬‬ ‫مشقص في عضدي‪ .‬فأدخل رأسه ثم جرها إليه فأخرجه»(‪.((31‬‬ ‫· ونقل الب�لاذري‪« :‬عبد اهلل بن محمد بن أبي ش��يبة أبو بكر(‪ ،((31‬ثنا‬ ‫وكيع(‪ ((31‬عن إس��ماعيل بن أبي خالد(‪((31‬عن قيس بن أبي حازم(‪ ((32‬قال‪:‬‬ ‫قال مروان بن الحك��م يوم الجمل‪ :‬ال أطلب أحد ًا بث��أري في عثمان بعد‬ ‫اليوم‪ ،‬فرمى طلحة بس��هم فأصاب ركبته فكان الدم يس��يل‪ ،‬فإذا أمسكوا‬ ‫(‪ ((31‬عمرو بن سعيد القرشي‪ ،‬أو الثقفي موالهم‪ ،‬أبو سعيد البصري‪ ،‬ثقة من الخامسة (تقريب‬ ‫التهذيب‪ ،‬ت‪ ،5051 :‬ج ‪ /1‬ص ‪.)735‬‬ ‫(‪ ((31‬سعيد بن عمرو بن سعيد بن أبي العاص األموي‪ ،‬المدني‪ ،‬ثم الدمشقي‪ ،‬ثم الكوفي‪ ،‬ثقة‪،‬‬ ‫من صغار الثالثة (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،2377 :‬ج ‪ /1‬ص ‪.)361‬‬ ‫(‪ ((31‬محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر الجمحي‪ ،‬الكوف��ي‪ ،‬مختلف في كنيته‪ ،‬صحابي‬ ‫صغير‪ ،‬مات سنة أربع وسبعين (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،5818 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)65‬‬ ‫(‪ ((31‬أنساب األشراف‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.46‬‬ ‫(‪ ((31‬عبد اهلل بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطي األصل أبو بكر بن أبي شيبة‬ ‫الكوفي ثقة حافظ صاح��ب تصانيف من العاش��رة (تقريب التهذي��ب‪ ،‬ت‪ ،3586 :‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪.)528‬‬ ‫(‪ ((31‬وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو س��فيان الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة»‬ ‫(تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،7441 :‬ج ‪ /2‬ص ‪ 283‬ـ ‪.)284‬‬ ‫(‪ ((31‬إسماعيل بن أبي خالد األحمس��ي موالهم البجلي ثقة ثبت من الرابعة (تقريب التهذيب‪،‬‬ ‫ت‪ 439 :‬ج ‪ /1‬ص ‪.)93‬‬ ‫(‪ ((32‬قيس بن أبي حازم البجلي أبو عبد اهلل الكوفي ثقة من الثانية مخضرم ويقال له رؤية وهو‬ ‫الذي يقال إنه اجتمع له أن يروي عن العشرة مات بعد التسعين أو قبلها وقد جاوز المائة‬ ‫وتغير (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،5583 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)32‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪138‬‬ ‫ركبته انتفخت‪ ،‬فقال‪ :‬دعوه فإنما هو سهم أرسله اهلل‪ ،‬اللهم خذ لعثمان مني‬ ‫حتى يرضى»(‪.((32‬‬ ‫· أورد خليفة خياط في تاريخه‪« :‬وحدثنا معاذ بن هشام قال‪ :‬حدثني‬ ‫أبي عن قتادة عن الجارود بن أبي س��برة قال‪ :‬نظر مروان بن الحكم إلى‬ ‫طلحة بن عبيد اهلل يوم الجم��ل فقال‪ :‬ال أطلب بثأري بع��د اليوم‪ ،‬فرماه‬ ‫بسهم فقتله»(‪.((32‬‬ ‫· أورد خليفة خياط ف��ي تاريخه‪« :‬قال وحدثني جويرية بن أس��ماء عن‬ ‫يحيى بن سعيد عن عمه قال‪ :‬رمى مروان طلح َة بن عبيد اهلل بسهم‪ ،‬ثم التفت‬ ‫إلى أبان بن عثمان فقال‪ :‬قد كفيناك بعض قتلة أبيك»(‪.((32‬‬ ‫· أورد اإلمام الطب��ري في تاريخه‪« :‬أحمد بن زهي��ر(‪ ،((32‬قال‪ :‬حدثنا أبي‬ ‫(‪((32‬‬ ‫أبو خيثمة(‪ ،((32‬قال‪ :‬حدثنا وهب بن جرير بن حازم(‪ ،((32‬قال‪ :‬سمعت أبي‬ ‫(‪ ((32‬أنساب األشراف‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.126‬‬ ‫(‪ ((32‬تاريخ خليفة خياط‪ ،‬ص ‪.135‬‬ ‫(‪ ((32‬تاريخ خليفة خياط‪ ،‬ص ‪.139‬‬ ‫(‪ ((32‬أحمد بن زهير بن حرب بن شداد النسائي األصل البغدادي أبو بكر بن أبي خيثمة الحافظ‬ ‫الكبير ابن الحافظ‪ ...‬س��مع أباه وأبا نعي��م‪ ...‬قال الخطيب‪ :‬كان ثق��ة عالما متقنا حافظا‬ ‫بصيرا بأيام الناس‪( »...‬لسان الميزان‪ ،‬ت‪ ،577 :‬ج ‪ /1‬ص ‪.)184‬‬ ‫«ز َه ْير بن َح ْرب بن َش َّداد الحرشي‪ ،‬أبو َخ ْي َثمة النَّسائي‪ ...‬عن يحيى بن معين‪ :‬ثقةٌ‪ ...‬وقال‬ ‫(‪ُ ((32‬‬ ‫أبو حاتم‪ :‬صدوق‪ ...‬وقال النَّس��ائي‪ :‬ثق ٌة مأم��ونٌ‪( .‬تهذيب الكمال في أس��ماء الرجال‪،‬‬ ‫ت‪ ،1995 :‬ج ‪ /3‬ص ‪ 34‬ـ ‪.)35‬‬ ‫(‪‌((32‬وهب بن ‌جرير بن ‌حازم ابن زيد أبو عبد اهلل األزدي البصري «ثقة من التاسعة» (تقريب‬ ‫التهذيب‪ ،‬ت‪ ،7499 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)291‬‬ ‫(‪‌((32‬جرير بن ‌حازم بن ‌زيد بن عبد اهلل األزدي أبو النضر البص��ري «ثقة لكن في حديثه عن‬ ‫قتادة ضعف وله أوهام إذا حدث من حفظ��ه‪ ...‬اختلط لكن لم يحدث في حال اختالطه»‬ ‫(تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،913 :‬ج ‪ /1‬ص ‪.)158‬‬ ‫‪139‬‬ ‫‪ 7‬ـ يدوهيلا أبس نبا ةفارخو تاميعطلا ناميلس يناه روتكدلا‬ ‫(‪((32‬‬ ‫علي‬ ‫قال‪ :‬سمعت يونس بن يزيد األيلي ‪ ،‬عن الزهري‪ ...‬فلما تواقفوا خرج ّ‬ ‫على فرس��ه‪ ،‬فدعا الزبير‪ ،‬فتواقفا‪ ،‬فقال علي للزبير‪ :‬ما ج��اء بك؟ قال‪ :‬أنت‪،‬‬ ‫لس��ت له أهال بعد‬‫َ‬ ‫وال أراك لهذا األمر أه�لا‪ ،‬وال أولى به م ّن��ا؛ فقال علي‪:‬‬ ‫مر عليهما فقال لعلي‪( :‬ما يقول‬ ‫وعظم عليه أشياء‪ ،‬فذكر أن النبي ژ ّ‬ ‫عثمان!‪ّ ...‬‬ ‫ابن عمت��ك؟ ليقاتِلنك وهو ل��ك ظالم)‪ .‬فانص��رف عنه الزبي��ر‪ ،‬وقال‪ :‬فإني‬ ‫ال أقاتلك‪ .‬فرجع إلى ابنه عبد اهلل فقال‪ :‬مالي ِ في هذه الحرب بصيرة‪ ،‬فقال له‬ ‫رأيت رايات ابن أبي طالب‪ ،‬وعرفت‬ ‫َ‬ ‫ابنه‪ :‬إنك قد خرجت على بصيرة‪ ،‬ولكنك‬ ‫فأحفظَ ه حتى أُرعد وغضب‪ ،‬وقال ويحك! إني قد‬ ‫َ‬ ‫فجبن��ت‪.‬‬ ‫أن تحتها الموت‪ُ ،‬‬ ‫حلفت له أال أقاتله‪ ،‬فقال له ابنه‪ :‬ك ِّفر عن يمينك بعتق غالمك سرجس‪ ،‬فأعتقه‪،‬‬ ‫وقام في الص��ف معهم‪ ،‬وكان علي ق��ال للزبير أتطلب من��ي د َم عثمان وأنت‬ ‫قتلتـه‪ ...‬فقال علي ألصحابه‪ :‬أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه‪ ،‬فإذا‬ ‫َ‬ ‫شاب‪ :‬أنا‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫فتى‬‫قطعت يده أخذه بيده األخرى‪ ،‬وإن قطعت أخذه بأسنانه؟ قال ً‬ ‫علي‪ :‬اعرض عليهم هذا‪ ،‬وقل‪ :‬ه��و بيننا وبينكم من أوله إلى آخره‪ ،‬واهلل‬ ‫فقال ٌّ‬ ‫في دمائنا ودمائكم‪ .‬فحمل على الفتى وفي يده المصحف‪ ،‬فقطعت يداه‪ ،‬فأخذه‬ ‫بأسنانه حتى قتل‪ ،‬فقال علي‪ :‬قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم‪.((32(»...‬‬ ‫حاال من‬‫هذه الرواية ـ وإن كانت من مراسيل الزهري(‪ ((33‬ـ فهي أفضل ً‬ ‫مجم��وع الروايات التي يتراق��ص حولها الدكتور هاني س��ليمان الطعيمات‬ ‫ً‬ ‫أقواال متضاربة وقد اختصرها‬ ‫(‪‌((32‬يونس بن‌يزيد ابن أبي النجاد‌األيلي‪ ،‬قال فيه علماء الجرح‬ ‫الحافظ ابن حجر بقوله‪« :‬ثقة إال أن في روايت��ه عن الزهري وهما قليال وفي غير الزهري‬ ‫خطأ» (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،7948 :‬ج ‪ 350 /2‬ـ ‪.)351‬‬ ‫(‪ ((32‬تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 40‬ـ ‪.41‬‬ ‫(‪ ... « ((33‬قال صاحب التنقيح‪ :‬مراس��يل الزه��ري ضعيفة‪ ،‬كان يحيى القطان ال يرى إرس��ال‬ ‫الزهري وقتادة ش��يئا ويقال هي بمنزلة الريح‪( »...‬نصب الراي��ة تخريج أحاديث الهداية‪،‬‬ ‫ج ‪ /3‬ص ‪.)639‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪140‬‬ ‫وغيره من أذناب الكذابين الذين عشش��ت في أدمغتهم خرافة «ابن س��بأ»‪.‬‬ ‫وعلى الذين يرضون بذكر تلك الفتن أن يأخذوا باألفضل حاالً من الروايات‪،‬‬ ‫وإال فمن األفضل لنا جميع ًا عدم الخوض في ذكر تلك األحداث التي سلم‬ ‫اهلل منها أسنتنا‪.‬‬ ‫· وأورد اإلمام الطبري‪« :‬حدثني جعفر ب��ن عبد اهلل المحمدي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫حدثنا عم��رو‪ ،‬ع��ن محمد بن إس��حاق ابن يس��ار المدن��ي عن عمه‬ ‫عبد الرحمن ابن يسار‪ ،‬أنه قال‪ّ :‬لما رأى الناس ما صنع عثمان كتب من‬ ‫بالمدينة من أصحاب النبي ژ إلى َمن باآلفاق منهم ـ وكانوا قد تفرقوا‬ ‫في الثغور‪ :‬إنكم إنما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل اهلل ‪ ، 8‬تطلبون دين‬ ‫محمد ژ ؛ فإن دين محمد قد أفس��د من خلفكم و ُت ِرك‪ ،‬فهلموا فأقيموا‬ ‫دين محم��د ژ فأقبلوا م��ن كل أفق حتى قتل��وه‪ .‬وكت��ب عثمان إلى‬ ‫عبد اهلل بن سعد بن أبي سرح عامله على مصر ـ حين تراجع الناس عنه‪،‬‬ ‫وزعم أنه تائب ـ بكتاب في الذين ش��خصوا من مصر‪ ،‬وكانوا أشد أهل‬ ‫األمصار عليه‪ :‬أم��ا بعد فانظر فالن�� ًا وفالن ًا فاضرب أعناقه��م إذا قدموا‬ ‫عليك‪ ،‬فانظر فالن ًا وفالن ًا فعاقبهـم بك��ذا وكـذا ـ منهم نفر من أصحاب‬ ‫رس��ول اهلل ژ ‪ ،‬ومنهم ق��وم م��ن التابعين ـ ف��كان رس��وله في ذلك‬ ‫السلمي‪ ،‬حمله عثمان على جمل له‪ ...‬فسألوه أين‬ ‫أبو األعور بن سفيان ُّ‬ ‫يريد؟‪ ...‬فوجدوا معه كتاب ًا في إداوة يابس��ة‪ ...‬فلما رأوا ذلك رجعوا إلى‬ ‫المدينة‪ ،‬فبلغ الناس رجو ُعهم‪ ،‬والذي كان من أمرهم فتراجعوا من اآلفاق‬ ‫كلها‪ ،‬وثار أهل المدينة»(‪.((33‬‬ ‫(‪ ((33‬تاري��خ الطبري‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪ ،662‬وج��اءت رواية أخرى عند الطبري م��ن طريق جعفر بن‬ ‫عبد اهلل المحمدي المجه��ول ومتنها قريب من متن هذه الرواي��ة (تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪/2‬‬ ‫ص ‪.)663‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪ 7‬ـ يدوهيلا أبس نبا ةفارخو تاميعطلا ناميلس يناه روتكدلا‬ ‫فكما أن الدكتور هاني س��ليمان الطعيمات «أثبت» شخصية ابن سب ًا‬ ‫برواي��ة «يزي��د الفقعس��ي» المجه��ول‪ ،‬وبرواي��ات غيره م��ن الضعفاء‬ ‫والمتروكين‪ ،‬فال أخاله يرفض هذه الرواية التي جاء بها «جعفر بن عبد اهلل‬ ‫المحمدي» المجهول(‪.((33‬‬ ‫ومما قل ُته في كتاب (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب‬ ‫المقاالت)‪« :‬نحن لسنا هنا في محضر تحقيق ألجل إثبات َمن قتل َمن‪ ،‬وكل‬ ‫الكتَّاب‬ ‫غايتي من ذكر هذه الروايات هو إبطال خرافة «ابن سبأ» ولفت أنظار ُ‬ ‫الذين تستهويهم أقوال الكذابين إلى ما هو أحسن حاالً‪.‬‬ ‫لهذا أقول لجميع أفراد هذه األمة أنه لن تكون لنا يقظة إال إذا أخذنا بما‬ ‫اتفق عليه ذلك الجيل الطاهر من الصحاب��ة الكرام ـ رضوان اهلل عليهم ـ من‬ ‫إخالص في العقيدة وصدق في القول والعمل‪ ،‬ول��ن تكون لنا وحدة إال إذا‬ ‫تركنا ما ش��جر بينهم وربين��ا أبناءنا عل��ى ما رباهم عليه الرس��ول الكريم‬ ‫ـ صلوات اهلل وسالمه عليه ـ »(‪.((33‬‬ ‫ومن تلفيقات الدكتور هاني س��ليمان الطعيمات ح��ول كتابة التاريخ هو‬ ‫قوله‪ ... « :‬ولكن نحن المعاصري��ن‪ ،‬ولم نكن في قلب األحداث‪ ،‬إنما نحكم‬ ‫عليها من خالل رواياتها التاريخية‪ ،‬وأنتم معشر أنصار القوم والمدافعين عنهم‬ ‫لم تذكروا في مصادركم التاريخية هذه الحوادث ال بنفي أو إثبات‪ ،‬وقد جاء‬ ‫في مصادرن��ا ما يثبتها‪ ،‬ولم ي��أت ما ينفيها‪ .‬فيغلب على الظ��ن صدقها‪ .‬ثم‬ ‫(‪ ((33‬لم أجد له ترجمة في كتب الرج��ال التي بين يدي‪ ،‬وقد ص��رح بجهالته أيض ًا محمد بن‬ ‫طاهر البرزنجي حي��ث قال في تعليقه على إح��دى روايات تاريخ الطبري‪« :‬في إس��ناده‬ ‫‌جعفر بن ‌عبد اهلل ‌المحمدي مجهول الحال إن لم يكن مجهول العين» (صحيح وضعيف‬ ‫تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.)540‬‬ ‫(‪ ((33‬اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪142‬‬ ‫ما بالكم تثق��ون بمصادرن��ا التاريخية فيم��ا يوافق ما عندكم م��ن روايات‪،‬‬ ‫وتشككون فيها فيما عدا ذلك؟»(‪.((33‬‬ ‫أهل للحكم‬ ‫فالروايات التاريخية‪ ،‬عند الدكتور هاني سليمان الطعيمات‪ٌ ،‬‬ ‫على الناس‪ ،‬وأنه يغلب عليها الصدق لمجرد ذكرها في المصادر!!!‬ ‫أال يعلم هذا الدكتور أن الرواي��ات المبثوثة في مصادرها ال قيمة لها في‬ ‫موازين األمة إال إذا أثبتها المنهج العادل؟‬ ‫أال يعلم هذا الدكتور أنه ليس في أصول المنهج العادل‪ ،‬الذي ُيرجع إليه‬ ‫في دراس��ة الروايات‪ ،‬صبغة طائفية ضيقة؟؛ فهو لكل المس��لمين‪ ،‬وصاحب‬ ‫الحجة هو من استفاد من المنهج ال من ادعاه‪.‬‬ ‫قال الدكتور محمد بن موسى الشريف وهو يبين جانب ًا من جوانب المنهج‬ ‫المتبع في دراسة أحداث التاريخ‪« :‬ال غنى لمريد التخصص في علم التاريخ‬ ‫من معرفة طرائق الجرح والتعديل عن��د المحدثين‪ ،‬ـ بدون تفصيل إنما ذلك‬ ‫للمختصين ـ وفهم أقس��ام األحادي��ث واآلثار من حي��ث الصحة والضعف‬ ‫والوضع‪ ،‬وفهم قواعد التخريج والتحقيق‪ ،‬ألن ذلك كله يحتاجه المؤرخ الذي‬ ‫ينقب في بطون الكتب القديمة ويستخرج منها ما يريد‪ ،‬والمطلوب هو الفهم‬ ‫العام لتلك القواعد على وجه يضبط بها المؤرخ قراءته وبحثه‪.((33(»...‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬م��ا كان فيها من أخب��ار تتعلق بالعقائ��د‪ ،‬أو الفتن‪ ،‬أو‬ ‫الحكم على األش��خاص بالنفاق أو الكفر‪ ،‬أو اإلخب��ار بالمغيبات فهذا‬ ‫ال بد من أن يثبت بس��ند صحيح أو حس��ن لذاته أو لغيره‪ ،‬على حسب‬ ‫(‪ ((33‬اإلباضية مذهب ال دين‪ ،‬ص ‪.43‬‬ ‫(‪ ((33‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪ 7‬ـ يدوهيلا أبس نبا ةفارخو تاميعطلا ناميلس يناه روتكدلا‬ ‫التفصيل الوارد في كتب دراس��ة األس��انيد الحديثية‪ ،‬وال ُيقبل في هذا‬ ‫القسم األخبار الضعيفة»(‪.((33‬‬ ‫فهذا الكالم الموزون‪ ،‬الدقيق‪ ،‬الصائب الذي قاله الدكتور الشريف‪ ،‬ال أثر‬ ‫له في كتابات الدكتور هاني سليمان الطعيمات‪ ،‬لهذا جاءت كتاباته عن أهل‬ ‫النهروان واإلباضية متهافتة ومنحرفة عن خط االستقامة والعدل‪.‬‬ ‫✾✾✾‬ ‫(‪ ((33‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪144‬‬ ‫الروايات التي ذكر فيها استعراض‬ ‫‪8‬‬ ‫الناس ومقتل عبد اهلل بن خباب‬ ‫قلت في كتابي (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب‬ ‫ُ‬ ‫المقاالت) ما نصه‪« :‬لقد طفحت كت��ب التاريخ والمقاالت وبعض كتب‬ ‫الحديث بروايات ضعيفة تنسب ألهل النهروان استحاللهم لدماء األبرياء‬ ‫وأموال المس��لمين‪ .‬وبس��بب تلك الروايات الضعيفة وم��ع عدم وجود‬ ‫التحقيق ترس��بت في أذهان الناس صورة ش��ائنة عن أهل النهروان مما‬ ‫جعل التاريخ يظلمهم وينال م��ن حقوقهم‪ .‬وفي المقاب��ل نجد روايات‬ ‫أحسن منها حاالً تنس��ب قتل األبرياء إلى غير أهل النهروان ولكن لعدم‬ ‫الكتَّاب لها جع��ل التاريخ من‬ ‫تكررها على ألس��نة الناس وعدم تناق��ل ُ‬ ‫أولئك القتلة عظماء وأبطاالً»‪.‬‬ ‫الكتَّاب الذي��ن تحاملوا على أهل‬ ‫ثم ذك��رت الروايات التي اعتد به��ا ُ‬ ‫النهروان وبينت بقواع��د علوم األمة ضعف تلك الرواي��ات‪ ،‬فأدعوك أخي‬ ‫القارئ الكري��م لقراءة القس��م الثالت م��ن الفصل الخامس م��ن الكتاب‬ ‫المذكور‪.‬‬ ‫وتلك الروايات التي ُذك��ر فيها الحوار بين عبد اهلل ب��ن خباب والذين‬ ‫ُنس��ب إليهم قتله قد ذكرها ابن األثير أيض ًا في كامله حيث قال‪ ... « :‬قالوا‪:‬‬ ‫ما تقول في عثمان في أول خالفته وفي آخرها؟ قال إنه كان محقا في أولها‬ ‫‪145‬‬ ‫‪ 8‬ـ بابخ نب هللا دبع لتقمو سانلا ضارعتسا اهيف ركذ يتلا تاياورلا‬ ‫وفي آخرها‪ .‬قالوا‪ :‬فما تقول في علي قبل التحكي��م وبعده؟ قال‪ :‬إنه أعلم‬ ‫باهلل منكم وأش��د توقيا على دينه وأنف��ذ بصيرة‪ .‬فقالوا‪ :‬إن��ك تتبع الهوى‬ ‫وتوالي الرجال على أس��مائها ال على أفعالها‪ ،‬واهلل لنقتلنك قتلة ما قتلناها‬ ‫أحداً‪.((33(»...‬‬ ‫ونقل ابن األثير أيض ًا‪ ... « :‬فأرس��ل علي إلى أهل النهر‪ :‬أن ادفعوا إلينا‬ ‫قتلة إخواننا منكم أقتلهم بهم ثم أن��ا تارككم وكاف عنكم حتى ألقى أهل‬ ‫المغرب فلع��ل اهلل ُيقب��ل بقلوبكم ويردكم إل��ى خير مما أنت��م عليه من‬ ‫أمركم»(‪.((33‬‬ ‫الكتَّاب‬ ‫فهذه الرواية التي نقلها ابن األثير واعتمد عليها الجم الغفير من ُ‬ ‫الذين تخبطوا (في ظلماء الليالي) وجمعوا (الحصباء) واألفاعي ضعيفة باطلة‬ ‫ال قيمة لها في ميزان الحق‪ ،‬وال ُتـثبت حجة على أحد أبداً‪.‬‬ ‫فإن كان عذر اإلمام الطبري في تس��طيرها في تاريخه مقبوالً‪ ،‬ألنه ألقى‬ ‫بعهدة الرواي��ات إلى ناقليها إليه ونب��ه القراء إلى اعتماد منه��ج التثبت قبل‬ ‫تصديقها واألخ��ذ بها‪ ،‬فال عذر البن األثير في تس��طيرها ف��ي تاريخه وهو‬ ‫القائل‪ ... « :‬على أني لم أنقل إال من التواريخ المذكورة‪ ،‬والكتب المشهورة‪،‬‬ ‫دونوه‪ ،‬ولم أكن كالخابط في ظلماء‬ ‫ممن ُيعلم بصدقهم فيما نقلوه‪ ،‬وصحة ما ّ‬ ‫الليالي‪ ،‬وال كمن يجمع الحصباء والآللي»(‪((33‬؟‪.‬‬ ‫وقد جاءت هذه الرواية من طرق عدة وكلها ضعيفة‪:‬‬ ‫(‪ ((33‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 341‬ـ ‪.342‬‬ ‫(‪ ((33‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.343‬‬ ‫(‪ ((33‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ 3‬ـ ‪.4‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪146‬‬ ‫· فقد جاءت عند اإلمام الطبري(‪ ،((34‬واإلمام أحمد(‪ ،((34‬والطبراني(‪،((34‬‬ ‫وأبي يعلى(‪ ،((34‬وابن س��عد(‪ ،((34‬وابن أبي عاصم الش��يباني(‪ ،((34‬وابن أبي‬ ‫ش��يبة(‪ ،((34‬والبالذري(‪ ((34‬من طريق حميد بن هالل ع��ن رجل مجهول من‬ ‫عبد القيس‪ ،‬وهي ضعيفة لوجود هذه الجهالة بسندها‪.‬‬ ‫· وجاءت هذه الرواية التي ذكر فيها قت��ل عبد اهلل بن خباب وقتل امرأته‬ ‫عند الطبري(‪((34‬من طريق أبي مخنف لوط بن يحيى الضعيف‪.‬‬ ‫(‪ ((34‬تاريخ الطبري ج ‪ /3‬ص ‪ 118‬ـ ‪ .119‬وانظر كذلك (مقاالت اإلس�لاميين) ص ‪ .129‬قال اإلمام‬ ‫الطبري‪« :‬حدثني يعقوب‪ ،‬قال حدثني إس��ماعيل‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أيوب‪ ،‬عن حميد بن هالل‪،‬‬ ‫عن رجل من عبد القيس كان من الخوارج ث��م فارقهم‪ ،‬قال‪ :‬دخلوا قريةً‪ ،‬فخرج عبد اهلل بن‬ ‫يجر رداءه‪ ،‬فقالوا‪َ :‬ل ْم ُت َر ْع؟ فقال‪ :‬واهلل لقد ذعرتموني! قالوا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫خباب صاحب رسول اهلل َذعر ًا ّ‬ ‫س��معت من أبيك‬ ‫َ‬ ‫أأنت عبد اهلل بن خباب صاحب رس��ول اهلل ژ ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالوا‪ :‬فهل‬ ‫يحدث به عن رسول اهلل ژ أنه ذكر فتنةً‪ ،‬القاعد فيها خير من القائم‪ ،‬والقائم فيها خير‬ ‫حديث ًا ِّ‬ ‫من الماشي‪ ،‬والماشي فيها خير من الساعي؟ قال‪ :‬فإن أدركتم ذلك فكن يا عبد اهلل المقتول‬ ‫ـ قال أيوب‪ :‬وال أعلمه إال قال‪( :‬وال تك��ن يا عبد اهلل القاتل) ـ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فقدموه على‬ ‫ضفة النهر‪ ،‬فضربوا عنقه‪ ،‬فسال دمه كأنه شراك نعل‪ ،‬وبقروا بطن أم ولده عما في بطنها»‪.‬‬ ‫(‪ ((34‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬الرواية‪ ،21378 :‬ص ‪.1543‬‬ ‫(‪ ((34‬المعجم الكبير‪ ،‬الرواية‪ 3629 :‬و‪ ،3630‬ج ‪ /4‬ص ‪ 59‬ـ ‪.60‬‬ ‫(‪ ((34‬مسند أبي يعلى‪ ،‬الرواية‪ ،7215 :‬ج ‪ /9‬ص ‪.601‬‬ ‫(‪ ((34‬الطبقات الكبرى‪ ،‬ت‪ ،783 :‬ج ‪ /5‬ص ‪.190‬‬ ‫(‪ ((34‬اآلحاد والمثاني‪ ،‬ص ‪.49‬‬ ‫(‪ ((34‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬الرواية‪ ،37896 :‬ج ‪ /7‬ص ‪.555‬‬ ‫(‪ ((34‬أنساب األشراف‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.143‬‬ ‫(‪ ((34‬نقل اإلمام الطبري‪« :‬قال أبو مخنف عن عبد الملك بن أبي حرة‪ ... :‬وأما خوارج البصرة‬ ‫فإنهم اجتمعوا في خمسمائة رجل‪ ،‬وجعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميمي‪ ،‬فعلم بهم ابن‬ ‫الدؤلي‪ ،‬فلحقهم بالجس��ر األكبر‪ ،‬فتواقفوا حتى حجز بينهم‬ ‫عباس‪ ،‬فأتبعهم أبا األس��ود ّ‬ ‫مقدمته األش��رس بن عوف‬ ‫الليل‪ ،‬وأدلج مس��عر بأصحابه‪ ،‬وأقبل يعترض الناس وعلى ِّ‬ ‫الشيباني‪ ،‬وسار حتى لحق بعبد اهلل بن وهب بالنهر‪ ...‬وكتبوا [يقصد أهل النهروان] إليه‪= :‬‬ ‫‪147‬‬ ‫‪ 8‬ـ بابخ نب هللا دبع لتقمو سانلا ضارعتسا اهيف ركذ يتلا تاياورلا‬ ‫غضبت لنفس��ك‪ ،‬فإن شهدت على نفسك بالكفر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أما بعد‪ ،‬فإنك لم تغضب لربك‪ ،‬إنما‬ ‫=‬ ‫ٍ‬ ‫واس��تقبلت التوبة‪ ،‬نظرنا فيما بيننا وبينك‪ ،‬وإال فقد نابذناك على س��واء إن اهلل ال يحب‬ ‫الخائنين‪ .‬فلما قرأ كتابهم آيس منهم‪ ،‬فرأى أن يدعهم ويمضي بالناس إلى أهل الشام حتى‬ ‫يلقاهم فيناجزهم» (تاريخ الطبري ج ‪ /3‬ص ‪ 115‬ـ ‪.)117‬‬ ‫«قال أبو مخنف ع��ن عطاء بن عجالن‪ ،‬عن حميد بن ه�لال‪ :‬إن الخارجة التي أقبلت من‬ ‫البصرة جاءت حتى دنت من إخوانها بالنهر‪ ،‬فخرجت عصابة منهم‪ ،‬فإذا هم برجل يسوق‬ ‫بامرأة على حم��ار‪ ،‬فعبروا إليه‪ ،‬فدعوه فته��ددوه وأفزعوه‪ ،‬وقالوا له‪َ :‬م��ن أنت؟ قال‪ :‬أنا‬ ‫عبد اهلل بن خباب صاحب رس��ول اهلل ژ ‪ ،‬ثم أهوى إلى ثوب��ه يتناوله من األرض ـ وكان‬ ‫س��قط عنه لما أفزعوه ـ فقالوا له‪ :‬أفزعناك؟ قال‪ :‬نعم؛ قالوا له‪ :‬ال َر ْوع عليك فحدثنا عن‬ ‫أبيك بحديث سمعه من النبي ژ ‪ ،‬لعل اهلل ينفعنا به! قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن رسول اهلل ژ ‪:‬‬ ‫(أن فتنة تكون‪ ،‬يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه‪ ،‬يمس��ي فيها مؤمن ًا ويصبح‬ ‫فيها كافراً‪ ،‬ويصبح فيها كافر ًا ويمسي فيها مؤمن ًا)‪ ،‬فقالوا‪ :‬لهذا الحديث سألناك‪ ،‬فما تقول‬ ‫في أبي بكر وعمر؟ فأثن��ى عليهما خيراً‪ ،‬قالوا‪ :‬ما تقول في عثم��ان في أول خالفته وفي‬ ‫آخرها؟ قال‪ :‬إنه كان محق ًا في أولها وفي آخرها؛ قالوا‪ :‬فم��ا تقول في علي قبل التحكيم‬ ‫وبعده؟ قال‪ :‬إنه أعلم باهلل منكم‪ ،‬وأش��د توقي ًا على دينه‪ ،‬وأنفذ بصي��رة‪ .‬فقالوا‪ :‬إنك تتبع‬ ‫الهوى‪ ،‬وتوالي الرجال على أس��مائها ال على أفعالها‪ ،‬واهلل لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً‪،‬‬ ‫فأخذوه فكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى ُمتِ ٌّم حتى نزلوا تحت نخل مواقر فسقطت‬ ‫ِ‬ ‫منه رطبة‪ ،‬فأخذها أحدهم فقذف بها في فمه‪ ،‬فقال أحدهم‪ :‬بغير حلِّها‪ ،‬وبغير ثمن! فلفظها‬ ‫وألقاها من فمه‪ ،‬ثم أخذ سيفه فأخذ بيمينه‪ ،‬فمر به خنزير ألهل الذمة فضربه بسيفه‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫صاحب الخنزير فأرضاه في خنزيره‪ ،‬فلما رأى ذلك منهم ابن‬ ‫َ‬ ‫هذا فسا ٌد في األرض‪ ،‬فأتى‬ ‫أحدثت في‬ ‫ُ‬ ‫علي منكم بأس‪ ،‬إني َل ُمس��لم؛ ما‬ ‫خباب قال‪ :‬لئن كنتم صادقين فيما أرى فما َّ‬ ‫اإلسالم حدث ًا‪ ،‬ولقد أمنتموني‪ ،‬قلتم‪ :‬ال روع عليك! فجاؤوا به فأضجعوه فذبحوه‪ ،‬وسال‬ ‫دمه في الماء‪ ،‬وأقبلوا إلى الم��رأة‪ ،‬فقالت‪ :‬إني إنما أنا امرأة‪ ،‬أال تتقون اهلل! فبقروا بطنها‪!،‬‬ ‫طيئ‪ ،‬وقتلوا أ َّم س��نان الصيداوية‪ ،‬فبلغ ذلك علي�� ًا ومن معه من‬ ‫وقتلوا ثالث نس��وة من ّ‬ ‫ِ‬ ‫المس��لمين من قتلهم عبد اهلل بن خباب‪ ،‬واعتراضهم الناس‪ ،‬فبعث إليهم الحارث بن مرة‬ ‫العبدي ليأتيهم فينظر فيما بلغه عنهم‪ ،‬ويكتب به إليه على وجهه‪ ،‬وال يكتمه‪ .‬فخرج حتى‬ ‫الخبر أمير المؤمنين والناس‪ ،‬فقام‬ ‫ُ‬ ‫انتهى إلى النهر ليسائلهم‪ ،‬فخرج القوم اليه فقتلوه‪ ،‬وأتى‬ ‫ت��دع هؤالء وراءنا يخلفوننا في أموالنا وعيالنا!‬ ‫إليه الناس‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين‪َ ،‬عالم َ‬ ‫=‬ ‫ِس ْر بنا إلى القوم فإذا فرغنا مما بيننا وبينهم سرنا إلى عدونا من أهل الشام‪...‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪148‬‬ ‫· وجاءت رواية أخرى مرس��لة من طريق أبي مجلز أخرجها ابن أبي‬ ‫شيبة(‪ ،((34‬والدارقطني(‪ ،((35‬والبيهقي(‪ ،((35‬والبالذري(‪ .((35‬فتلك الرواية من‬ ‫مراسيل أبي مجلز‪ ،‬فليس فيها حجة ألحد على أهل النهروان؛ وقد صحح‬ ‫« ‪ ...‬وخرج فعبر الجس��ر فصلى ركعتين بالقنطرة‪ ...‬فلقيه في مسيره ذلك منجم‪ ،‬أشار عليه‬ ‫=‬ ‫[أن] يسير وقت من النهار‪ ،‬وقال له‪ :‬إن س��رت في غير ذلك الوقت لقيت أنت وأصحابك‬ ‫ضر ًا شديداً‪ .‬فخالفه‪ ،‬وسار في الوقت الذي نهاه عن السير فيه‪ ،‬فلما فرغ من النهر حمد اهلل‬ ‫وأثنى عليه ثم قال‪ :‬لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم لقال الجهال الذين ال يعلمون‪:‬‬ ‫سار في الساعة التي أمره بها المنجم فظفر» (تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 119‬ـ ‪.)120‬‬ ‫(‪ ((34‬مصنف ابن أبي ش��يبة‪ ،‬الرواية‪ ،37893 :‬ج ‪ /7‬ص ‪ 554‬ـ ‪ .555‬قال ابن أبي شيبة‪« :‬حدثنا‬ ‫يزيد بن هارون الواسطي قال حدثنا سليمان التيمي عن أبي مجلز قال‪ :‬نهى علي أصحابه‬ ‫أن يس��طوا على الخوارج حتى يحدثوا حدث�� ًا‪ ،‬فمروا بعبد اهلل بن خب��اب فأخذوه‪ ،‬فمر‬ ‫بعضهم على تمرة ساقطة من نخلة فاخذها فألقاها في فيه؛ فقال بعضهم‪ :‬تمرة معاهد‪ ،‬فبم‬ ‫استحللتها؟ فألقاها من فيه‪ ،‬ثم مروا على خنزير فنفحه بعضهم بسيفه فقال بعضهم‪ :‬خنزير‬ ‫معاهد فبم اس��تحللته؟ فقال عبد اهلل‪ :‬أال أدلكم على ما هو أعظم عليكم حرمة من هذا؟‬ ‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال أنا‪ ،‬فقدموه فضربوا عنقه‪ ،‬فأرسل إليهم علي أن أقيدونا بعبد اهلل بن خباب‪،‬‬ ‫فأرسلوا إليه‪ :‬وكيف نقيدك وكلنا قتله‪ ،‬قال أوكلكم قتله؟ قالوا نعم‪ ،‬فقال اهلل أكبر ثم أمر‬ ‫أصحابه أن يس��طوا عليهم‪ ،‬قال‪ :‬واهلل ال يقتل منكم عش��رة وال يفلت منهم عشرة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فقتلوهم فقال‪ :‬اطلبوا فيه��م ذا الثدية فطلبوه فأتي به‪ ،‬فقال‪ :‬م��ن يعرفه‪ ،‬فلم يجدوا أحدا‬ ‫يعرفه إال رجالً‪ ،‬قال‪ :‬أنا رأيته بالحيوة‪ ،‬فقلت له أين تريد؟ قال‪ :‬هذه‪ ،‬وأشار إلى الكوفة‪،‬‬ ‫ومالي بها معرفة‪ ،‬قال‪ :‬فقال علي‪ :‬صدق هو من الجان»‪.‬‬ ‫وقد أورد ابن أبي ش��يبة رواية أخرى ش��بيهة بهذه الرواية‪« :‬ابن علية عن التيمي عن أبي‬ ‫مجلز‪ »...‬ثم نقل الرواية الس��ابقة إلى قوله‪ ... « :‬قالوا‪ :‬كيف نقيدك به وكلنا قد شرك في‬ ‫دمه‪ ،‬فاستحل قتالهم» انظر (مصنف ابن أبي شيبة‪ ،‬الرواية‪ ،37923 :‬ج ‪ /7‬ص ‪ .)560‬وجاء‬ ‫في تاريخ الطبري من طريق أبي مخنف التالف‪ ... « :‬وبعث [يقصد اإلمام علي ًا] إلى أهل‬ ‫النهر‪ :‬ادفعوا إلينا َق َتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم‪ ،‬ثم أنا تارككم وكافٌّ عنكم‪ ...‬فبعثوا إليه‪،‬‬ ‫فقالوا‪ :‬كلنا قتلتهم‪ ،‬وكلنا نستحل دماءهم ودماءكم‪ ».‬انظر (تاريخ الطبري ج ‪ /3‬ص ‪.)120‬‬ ‫(‪ ((35‬سنن الدارقطني‪ ،‬الرواية‪ ،3250 :‬ج ‪ /4‬ص ‪.151‬‬ ‫(‪ ((35‬سنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬الرواية‪ ،16767 :‬ج ‪ /8‬ص ‪.320‬‬ ‫(‪ ((35‬أنساب األشراف‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.141‬‬ ‫‪149‬‬ ‫‪ 8‬ـ بابخ نب هللا دبع لتقمو سانلا ضارعتسا اهيف ركذ يتلا تاياورلا‬ ‫الدارقطني الحكم عليها باإلرسال حيث قال‪« :‬وسئل عن حديث قيس بن‬ ‫عباد ع��ن علي في قصة أهل النه��روان وقتلهم لعبد اهلل ب��ن خباب فقال‪:‬‬ ‫حدث به عمر بن شبة عن يحيى القطان عن التيمي عن أبي مجلز مرسال‬ ‫وهو أصح»(‪.((35‬‬ ‫وقال ابن الصالح في مقدمته‪« :‬ثم اعلم أن ‌حكم ‌المرسل ‌حكم ‌الحديث‬ ‫الضعيف‪ ،‬إال أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر‪ ،‬كما سبق بيانه في نوع‬ ‫الحسن‪ ...‬وما ذكرناه من س��قوط االحتجاج بالمرس��ل والحكم بضعفه هو‬ ‫المذهب الذي اس��تقر علي��ه آراء جماهير حفاظ الحديث ونق��اد األثر‪ ،‬وقد‬ ‫(‪((35‬‬ ‫تداولوه في تصانيفهم»‬ ‫· وذكر الدارقطني(‪ ،((35‬والخطيب البغدادي(‪ ((35‬نحو هذه الرواية التي ذكر‬ ‫فيها قتل عبد اهلل بن خباب بسند آخر ضعيف‪.‬‬ ‫(‪ ((35‬العلل الواردة في األحاديث النبوية‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.102‬‬ ‫(‪ ((35‬التقييد واإليضاح شرح مقدمة ابن الصالح‪ ،‬ص ‪.73‬‬ ‫(‪ ((35‬سنن الدارقطني‪ ،‬الرواية‪ ،3251 :‬ج ‪ /4‬ص ‪« .153‬نا عبيد اهلل بن عبد الصمد بن المهتدي نا‬ ‫أحمد بن محمد بن رش��دين نا زكريا ابن يحيى الحميري ن��ا الحكم بن عبدة عن أيوب‬ ‫الس��ختياني عن حميد بن هالل العدوى عن أبي األحوص قال‪ .»...‬في سند هذه الرواية‬ ‫أحمد ب��ن محمد ب��ن الحجاج ب��ن رش��دين «قال بن ع��دي كذب��وه وأنك��رت عليه‬ ‫أشياء»(الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث‪ ،‬ص ‪ .58‬والكامل في ضعفاء الرجال‪،‬‬ ‫ت‪ ،42 :‬ج ‪ /1‬ص ‪ .326‬ولس��ان الميزان‪ ،‬ت‪ ،805 :‬ج ‪ /1‬ص ‪ .)280‬وكذلك الحكم بن عبدة‬ ‫الش��يباني البصري فقد قال ابن حجر عنه في التهذيب‪ ... « :‬قال اآلجري عن أبي داود‪...‬‬ ‫ما عندي من علمه شيء وقال أبو فتح األزدي ضعيف» (تهذيب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،1527 :‬ج ‪/2‬‬ ‫ص ‪.)388‬‬ ‫(‪ ((35‬تاريخ بغداد‪ ،‬الرواية‪ ،4168 :‬ج ‪ /14‬ص ‪ 231‬وكذل��ك انظر الرواية‪ ،129 :‬ج ‪ /1‬ص ‪ 571‬حيث‬ ‫جاءت رواية أخرى من طريق الحكم بن عبدة‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪150‬‬ ‫· وجاء في مصنف عبد الرزاق(‪« ((35‬عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن‬ ‫حميد بن هالل العدوي قال‪ :‬لم يس��تحل علي قتال الحروراء حتى قتلوا ابن‬ ‫خباب»‪ .‬هذه الرواية منقطعة اإلس��ناد حيث أن حميد بن هالل لم يشهد تلك‬ ‫األحداث‪ ،‬ومع هذا فإن معمر ًا لم يسلم من التجريح(‪.((35‬‬ ‫· ونقل الطب��ري(‪ ((35‬من طريق أب��ي مخنف التالف‪« :‬ق��ال أبو مخنف‪:‬‬ ‫فحدثني أبو الصلت األعور التيمي‪ ،‬عن أبي س��عيد العقيلي‪ ،‬عن عبد اهلل بن‬ ‫وأل التيمي قال‪ ... :‬وإن رجالً من دهاقين أس��فل الفرات قد صلى يقال له‪،‬‬ ‫زاذان ّفروخ‪ ،‬أقبل من ق ِ َبل أخواله بناحية ن ِ ّفر‪ ،‬فعرضوا له‪ ،‬فقالوا‪ :‬أمسلم أنت‬ ‫أم كافر؟ فقال‪ :‬بل أنا مس��لم‪ ،‬قالوا فما قولك في علي؟ قال أقول فيه خيراً‪،‬‬ ‫(‪ ((35‬مصنف عبد الرزاق‪ ،‬الرواية‪ ،18577 :‬ج ‪ /10‬ص ‪ .53‬وجاء نحو هذه الرواية عند عبد الرزاق‬ ‫في عدة مواضع وهي واهية ضعيفة‪:‬‬ ‫· «عبد الرزاق عن معمر قال أخبرني غير واحد م��ن عبد القيس عن حميد بن هالل عن‬ ‫أبيه‪( .»...‬مصنف عبد الرزاق الرواية‪ ،18578 :‬ج ‪ /10‬ص ‪..)53‬‬ ‫· «عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال‪ :‬سأله رجل أحسبه من أهل اليمامة‬ ‫ـ قال‪ :‬أتينا الحرورية زمان كذا وكذا‪ ،‬ال يسألونا عن شيء‪ ،‬غير أنهم يقتلون من لقوا‪.»...‬‬ ‫(مصنف عبد الرزاق‪ ،‬الرواية‪ ،18579 :‬ج ‪ /10‬ص ‪.)53‬‬ ‫رجال له قدر ونبل في نفسه ولما خرج إلى‬ ‫(‪ ((35‬قال ابن حجر‪ ... « :‬قال ابن سعد‪ ...‬كان معمر ً‬ ‫اليمن شيعه أيوب‪ ...‬وقال ابن أبي خيثمة سمعت يحيى ابن معين يقول‪ :‬إذا حدثك معمر‬ ‫عن العراقيين فخالفه إال عن الزه��ري وابن طاوس فإن حديثه عنهما مس��تقيم فأما أهل‬ ‫الكوفة وأهل البصرة فال وما عمل في حديث األعمش شيئ ًا‪ .‬قال يحيى وحديث معمر عن‬ ‫ثابت وعاصم بن أبي النجود وهش��ام بن ع��روة وهذا الضرب مضط��رب كثير األوهام»‬ ‫(تهذيب التهذيب ت‪ ،7126 :‬ج ‪ /10‬ص ‪.)221‬‬ ‫وش��يخ معمر في هذه الرواية هو أيوب بن أبي تميمة من أهل البصرة (تهذيب التهذيب‬ ‫ت‪ 654 :‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)361‬فعلى قول ابن معين فال يؤخذ بهذه الرواية ويجب مخالفتها‪.‬‬ ‫(‪ ((35‬تاريخ الطبري ج ‪ /3‬ص ‪.139‬‬ ‫‪151‬‬ ‫‪ 8‬ـ بابخ نب هللا دبع لتقمو سانلا ضارعتسا اهيف ركذ يتلا تاياورلا‬ ‫البشر‪ ،‬فقالوا له‪ :‬كفرت يا عدو اهلل! ثم حملت‬ ‫أقول‪ :‬إنه أمير المؤمنين‪ ،‬وسيد َ‬ ‫الذمة‪ ،‬فقالوا ما أنت؟‬‫عليه عصابة منهم فقطعوه‪ ،‬ووجدوا معه رجالً من أهل ّ‬ ‫قال‪ :‬رجل م��ن أهل الذمة‪ ،‬قالوا‪ :‬أما هذا فال س��بيل علي��ه‪ ،‬فأقبل إلينا ذلك‬ ‫الذمي فأخبرنا هذا الخبر...»‪.‬‬ ‫كم وكم تناقل هذه الرواية من الكتاب‪ ،‬وياليتهم علموا مصدرها قبل‬ ‫أن يثيروها حرب�� ًا عاصفة على األبري��اء البررة‪ .‬فأنت تـ��رى يـا أخـي‬ ‫القـ��ارئ الكري��م أن ه��ذه الرواي��ة أخب��ر بها ذم��ي ما آمن برس��الة‬ ‫المصطفى ژ ونقلها ذلك الراوي التالف‪ .‬فهل َيقبل من هذين الشخصين‬ ‫طالب حق ومتبع هدى؟‬ ‫· وجاء ف��ي التاري��خ الصغير لإلمام البخ��اري(‪« :((36‬حدثني إس��حاق‬ ‫الواس��طي ثنا خالد عن داود عن عامر أتى الخوارج عبد اهلل بن خباب في‬ ‫قرية له فضربوا عنقه»‪.‬‬ ‫فعامر الش��عبي راوي هذه الحادثة لم يش��اهد وقائع جريم��ة القتل التي‬ ‫تحدثت عنها ه��ذه الرواية‪ .‬ومع هذا ف��إن كلمة الخ��وارج كان لها في عهد‬ ‫الصحابة @ معنى يختل��ف كل االختالف عن المعنى ال��ذي تعارف عليه‬ ‫الناس في ه��ذا العصر‪ .‬فق��د روى الحاك��م(‪ ((36‬ما نصه‪« :‬حدثن��ا أبو أحمد‬ ‫الحس��ين بن عل��ي التميم��ي(‪ ،((36‬حدثن��ا أبو القاس��م عبد اهلل ب��ن محمد‬ ‫(‪ ((36‬التاريخ الصغير (األوسط)‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.49‬‬ ‫(‪ ((36‬المستدرك على الصحيحين‪ ،‬الرواية‪ ،2653 :‬ج ‪ /2‬ص ‪ 162‬ـ ‪.163‬‬ ‫(‪ ((36‬الحاف��ظ اإلم��ام النبي��ل أبو أحم��د الحس��ين بن علي ب��ن محمد بن يحي��ى التميمي‬ ‫النيسابوري‪ ...‬من كبار أهل خراس��ان‪ ...‬قال الخطيب كان ثقة حجة وقال الحاكم الغالب‬ ‫على سماعه الصدق‪ ...‬فما رأيته ترك قيام الليل من نحو ثالثين سنة‪( .»...‬تذكرة الحفاظ‪،‬‬ ‫ت‪ ،909 :‬ج ‪ /3‬ص ‪.)968‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪152‬‬ ‫البغ��وي(‪ ،((36‬حدثن��ا أبو كام��ل الجح��دري(‪ ،((36‬حدثن��ا عبد العزيز ب��ن‬ ‫المختار(‪ ،((36‬حدثنا خالد الح��ذاء(‪ ،((36‬عن عكرمة(‪ ،((36‬عن ابن عباس _ ‪:‬‬ ‫أنه قال له والبنه علي‪ :‬انطلقا إلى أبي س��عيد فاس��معا منه حديثه في ش��أن‬ ‫الخوارج فانطلقا فإذا هو في حائط له يصلح فلما رآنا أخذ رداءه ثم احتبى ثم‬ ‫أنش��أ يحدثنا حتى عال ذكره في المس��جد فقال‪ :‬كنا نحمل لبن��ة لبنة وعمار‬ ‫يحمل لبنتين لبنتين ف��رآه النبي ژ فجعل ينفض التراب عن رأس��ه ويقول‪:‬‬ ‫(يا عمار أال تحمل لبنة لبنة كما يحمل أصحابك؟) قال‪ :‬إني أريد األجر عند‬ ‫اهلل‪ .‬قال‪ :‬فجعل ينفض ويق��ول‪( :‬ويح عمار تقتله الفئ��ة الباغية) قال ويقول‬ ‫عمار‪ :‬أعوذ ب��اهلل من الفتن‪ .‬ه��ذا حديث صحيح على ش��رط البخاري ولم‬ ‫يخرجاه بهذه السياقة»‪.‬‬ ‫(‪« ((36‬البغوي الحافظ الثقة الكبير مسند العالم أبو القاسم عبد اهلل بن محمد بن عبد العزيز بن‬ ‫المرزبان البغوي‪ ...‬قال ابن أبي حاتم‪ :‬أبو القاس��م البغوي يدخ��ل في الصحيح‪ ...‬قلت‬ ‫[الذهبي]‪ :‬وقد احتج به عامة من خرج الصحيح كاإلس��ماعيلي والدارقطني والبرقاني‪...‬‬ ‫قال الخطيب أبو بكر‪ :‬كان ثقة ثبتا فهما عارفا‪ .‬وقال السلمي سألت الدارقطني عن البغوي‬ ‫فقال‪ :‬ثقة جبل إمام أقل المش��ايخ خطأ وقال أبو يعلى الخليلي‪ :‬البغوي‪ ...‬حافظ عارف‬ ‫صنف مسند عمه‪( .»...‬تذكرة الحفاظ‪ ،‬ت‪ ،738 :‬ج ‪ /2‬ص ‪ 737‬ـ ‪.)740‬‬ ‫(‪« ((36‬فضيل بن حس��ين بن طلحة الجحدري أبو كام��ل ثقة حافظ من العاش��رة‪( »...‬تقريب‬ ‫التهذيب‪ ،‬ت‪ ،5443 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)14‬‬ ‫(‪« ((36‬عبد العزيز بن المختار الدباغ البصري مولى حفصة بنت سيرين ثقة من السابعة» (تقريب‬ ‫التهذيب‪ ،‬ت‪ ،4134 :‬ج ‪ /1‬ص ‪.)607‬‬ ‫(‪« ((36‬خالد ب��ن مهران الح��ذاء أبو المن��ازل البصري‪ ...‬ق��ال األثرم عن أحم��د‪ :‬ثبت‪ .‬وقال‬ ‫إسحاق بن منصور‪ ،‬عن ابن معين‪ :‬ثقة وكذا قال النس��ائي‪ ...‬وقال فهد بن حيان‪ ... :‬كان‬ ‫خالد ثقة مهيبا كثي��ر الحديث‪ ...‬وذكره اب��ن حبان في الثقات‪ ...‬وق��ال العجلي بصري‬ ‫ثقة‪( .»...‬تهذيب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،1756 :‬ج ‪ /3‬ص ‪ 110‬ـ ‪.)111‬‬ ‫(‪ ((36‬عكرمة بن عب��د اهلل مولى ابن عباس أصله برب��ري‪ ...‬ثقة ثبت عالم بالتفس��ير لم يثبت‬ ‫تكذيبه عن ابن عمر وال تثبت عنه بدعة من الثالثة‪( .»...‬تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،4689 :‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪.)685‬‬ ‫‪153‬‬ ‫‪ 8‬ـ بابخ نب هللا دبع لتقمو سانلا ضارعتسا اهيف ركذ يتلا تاياورلا‬ ‫من هذه الرواي��ة تدرك أيه��ا القارئ أن أبا س��عيد الخدري ‪ ƒ‬فس��ر‬ ‫«الخوارج» بالفئة الباغية صاحبة الفتنة والتي قتلت الصحابي الجليل عمار بن‬ ‫ياسر‪ .‬ومن المعلوم أن عمار بن ياسر ^ قتل في حرب صفين‪.‬‬ ‫فلسنا هنا نش��ير بأصبع االتهام على أحد في قتل عبد اهلل بن خباب ألن‬ ‫ذلك ليس من وظائفنا وخارج عن مج��ال بحثنا‪ ،‬والذي نريد أن نبينه هنا هو‬ ‫أنه ليس في رواي��ة اإلمام البخاري ه��ذه وال في غيرها دلي��ل على أن قتلة‬ ‫عبد اهلل بن خباب هم أهل النهروان‪.‬‬ ‫· ومن الرواي��ات التي أوجدها الضعفاء لترس��يخ تهمه��م الباطلة ألهل‬ ‫النهروان باستعراض الناس هي هذه التي جاءت في تاريخ اإلمام الطبري‪.‬‬ ‫قال اإلمام الطبري(‪« :((36‬ذكر هش��ام بن محمد‪ ،‬عن أب��ي مخنف‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫حدثنى النضر بن صالح بن حبيب‪ ،‬ع��ن جرير بن مالك بن زهير بن جذيمة‬ ‫العبسي‪ ،‬عن أبي بن عمارة العبسي‪ ،‬أن حيان بن ظبيان السلمي كان يرى رأي‬ ‫الخوارج‪ ،‬وكان ممن ارتث يوم النه��روان‪ ،‬فعفا عنه علي ‪ ‰‬في األربعمائة‬ ‫الذين كان عفا عنهم من المرتثين يوم النهر‪ ...‬وكانت الخوارج يلقى بعضهم‬ ‫بعضا‪ ،‬ويتذاكرون م��كان إخوانهم بالنه��روان ويرون أن ف��ي اإلقامة الغبن‬ ‫والوكف‪ ،‬وأن في جهاد أهل القبلة الفضل واألجر»‪.‬‬ ‫ومما نقله ابن األثير من هذه الرواية هو‪ ... « :‬وكان س��بب خروجهم أن‬ ‫حيان بن ظبيان السلمي كان خارجيا وكان قد ارتث يوم النهر‪ ،‬فلما برأ لحق‬ ‫بالري ف��ي رجال معه‪ ،‬فأقاموا به��ا حتى بلغهم مقتل عل��ي‪ ،‬فدعا أصحابه‪،‬‬ ‫وكانوا بضعة عشر أحدهم س��الم بن ربيعة العبسي فأعلمهم بقتل علي‪ ،‬فقال‬ ‫قذاله بالس��يف! وحمدوا اهلل على قتله‪ ،‬رضي اهلل‬ ‫ُ‬ ‫سالم‪ :‬ال شلت يمين علت‬ ‫(‪ ((36‬تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 173‬ـ ‪.174‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪154‬‬ ‫عنه وال رضي عنهم‪ .‬ثم أن سالما رجع عن رأي الخوارج بعد ذلك وصلح‪،‬‬ ‫ودعاهم حيان إلى الخروج ومقاتلة أهل القبلة»(‪.((36‬‬ ‫فهذه الرواية م��ن صنع الضعف��اء والمجهولين‪ ،‬وهي كس��ابقاتها باطلة‬ ‫ال تمت إلى أهل النهروان بصلة‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬ ‫فقد جاءت هذه الرواية الباطلة من طريق هش��ام بن محمد بن الس��ائب‬ ‫الكلبي الذي ليس له وزن عن��د أئمة الجرح والتعدي��ل‪ ،‬فقد «قال أحمد بن‬ ‫حنبل‪ ... :‬ما ظننت أن أحد ًا يحدث عنه‪ .‬وقال الدارقطني وغيره‪ :‬متروك‪ .‬وقال‬ ‫ابن عساكر‪ :‬رافضي‪ ،‬ليس بثقة»(‪.((37‬‬ ‫وقد مر بك أعاله قول علماء الجرح والتعديل في أبي مخنف التالف‪.‬‬ ‫وأما النضر بن صالح بن حبيب العبسي فهو مجهول(‪.((37‬‬ ‫وأما جرير بن مالك بن زهير بن جذيمة العبس��ي لم أجد له ترجمة في‬ ‫كتب الرجال التي بين يدي‪.‬‬ ‫فيتبين لكل بصير بعد دراسة سند هذه الرواية أن نسبة «الخروج ومقاتلة‬ ‫أهل القبلة» إلى حيان بن ظبيان السلمي باطل‪.‬‬ ‫تلكم هي الروايات التي تراقص حولها وتغنى بها كثير من الكتاب‪ ،‬ولو‬ ‫عملوا بقول��ه تعال��ى ﴿ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ‬ ‫ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ﴾ [الحجرات‪َ ،]٦ :‬ل َم��ا حكموا بتلك األحكام‬ ‫الجائرة في حق أهل النهروان واإلباضية‪ .‬فحسبنا اهلل ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫(‪ ((36‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 420‬ـ ‪.421‬‬ ‫(‪ ((37‬ميزان االعتدال‪ ،‬ت‪ ،9237 :‬ج ‪ /4‬ص ‪.304‬‬ ‫(‪ ((37‬قال ابن أبي حاتم الرازي «يروي عن سنان بن مالك‪ ،‬روى عنه أبو مخنف‪ ،‬قال أبو حاتم‪:‬‬ ‫النضر وسنان مجهوالن»‪( .‬كتاب الجرح والتعديل‪ ،‬ت‪ ،2186 :‬ج ‪ /8‬ص ‪.)477‬‬ ‫‪155‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫وقفات مع كُ َّتاب التاريخ‬ ‫‪9‬‬ ‫حول تهمة «االستعراض»‬ ‫«االس��تعراض؛ أي القتل بال وجه ش��رعي يبيحه»(‪ ((37‬لم يثبت عن أهل‬ ‫النه��روان الكرام أبد ًا وكل الروايات التي نس��بت إليهم هذه الفعلة الش��نعاء‬ ‫باطلة‪ ،‬ومن الحمق بمكان جعلها حجة على األبرياء‪ ،‬ومن االعتداء الصارخ‬ ‫على مناهج األمة اإلس�لامية الطاه��رة جعل أقاويل الضعف��اء فوق أصوات‬ ‫الصادقين الثقاة‪ ،‬ومن اإلفس��اد للعقول المس��لمة حش��وها بأباطيل األقوال‬ ‫وترهات األفكار وخزعبالت الروايات‪.‬‬ ‫فأي خير يج��ره الدكتور هاني س��ليمان الطعيمات‪ ،‬والدكت��ور أحمد عوض‪،‬‬ ‫الكتَّاب لهذه األمة‬ ‫والدكتور محمد حسن مهدي‪ ،‬والدكتور ناصر العقل وغيرهم من ُ‬ ‫وهم يغرسون كل متساقط من األقوال في أذهان المسلمين؟‪ ،‬وصدق رسول اهلل ژ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫َّاس م ْن َكلاَ م ِ الن ُُّب َّوة الأْ ُو َلى‪ :‬إ َذا ‌ َل ْم ‌ َت ْس�� َتحي ِ ف ْ‬ ‫َاص َن ْع َما‬ ‫حينما قال‪( :‬إ َّن م َّما أ ْد َركَ الن ُ‬ ‫ت)(‪ .((37‬فهؤالء القوم فقدوا الحياء الذي يوجبه العلم‪ ،‬لهذا نراهم يرقصون على‬ ‫ِ‬ ‫ش ْئ َ‬ ‫أحابيل األهواء وال يعقل عقو َلهم علم وال مبدأ‪ ،‬فلله األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫فالروايات التي ُذكرت هنا فاضحة لمخترعيها وللمحتجين بها‪ ،‬وال تضر‬ ‫أهل النهروان الكرام بشيء وذلك بسبب ضعف أسانيدها وبطالن متونها(‪.((37‬‬ ‫(‪ ((37‬الخوارج والحقيقة الغائبة‪ ،‬ص ‪.124‬‬ ‫(‪ ((37‬سنن ابن ماجة‪ ،‬الرواية‪ ،4183 :‬ص ‪.679‬‬ ‫(‪ ((37‬لقد ناقش الدكتور الشيخ ناصر الس��ابعي ما حوته هذه الروايات من أقوال في كتابه الفذ‬ ‫(الخوارج والحقيقة الغائبة‪ ،‬ص ‪ 124‬ـ ‪.)135‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪156‬‬ ‫الكتَّ��اب الذي��ن اعتمدوا على ه��ذه الروايات في نس��بة‬ ‫ولكي ي��درك ُ‬ ‫االس��تعراض إلى أهل النهروان‪ ،‬فإننا س��نقف معهم ونبين لهم‪ ،‬ومن خالل‬ ‫قراءات ما في سطور هذه الروايات‪ ،‬أن المعاني التي جاءت بها هذه الروايات‬ ‫أشد التصاق ًا بالجانب الذي قاومه اإلباضية عبر التاريخ‪ ،‬وأن الذين تداعوا إلى‬ ‫«مقاتلة أهل القبلة» ليسوا أتباع ًا ألهل النهروان(‪ ((37‬البتة‪.‬‬ ‫فهذه الروايات تدور حول المعاني التالية‪:‬‬ ‫ـ مطالبة اإلمام علي أهل النهروان بتسليم قتلة عبد اهلل بن خباب‪.‬‬ ‫ـ نسبة أفعال حرمها اإلسالم إلى أش��خاص مجهولين وال تربطهم بأهل‬ ‫النهروان أي رابطة‪.‬‬ ‫ـ ذكر جانب من أفعال الخوارج‪.‬‬ ‫ـ قضية االستجواب وسؤال الناس عن آرائهم‪ ،‬وقتل األبرياء على الهوية‬ ‫التي ينتسبون إليها‪.‬‬ ‫(‪ ((37‬قد يقول قائ��ل‪ :‬إن األزارقة والنجدات يدعون إتباع أهل النه��روان‪ .‬ولكن نحن نقول‪ :‬إن‬ ‫األزارقة خالفوا المبدأ الذي عليه أهل النهروان وس��ار عليه اإلباضي��ة عبر التاريخ‪ .‬قال‬ ‫الشيخ أحمد بن سعود السيابي ـ حفظه اهلل تعالى ـ في إحدى تعليقاته على كتاب (دراسة‬ ‫في الفكر اإلباضي) للدكتور عمر با‪« :‬يرى اإلباضية أن الخ��وارج هم األزارقة والنجدية‬ ‫والصفرية الذين انش��قوا عن المحكمة وخرجوا بآراء تخالف مبادئ المحكمة‪ .‬فالخوارج‬ ‫(األزارقة والنجدات والصفرية) قالوا بتش��ريك مخالفيهم من المس��لمين وأحلوا س��فك‬ ‫دمائهم وغنيمة أموالهم وس��بي ذريتهم إلى غير ذلك من مبادئهم وهذه اآلراء تتنافى مع‬ ‫مبادئ وآراء المحكمة التي لم تش��ذ قيد شعرة عن تعاليم اإلس�لام الحنيف» (دراسة في‬ ‫الفكر اإلباضي‪ ،‬هامش ‪ ،55‬ص ‪ 103‬ـ ‪.)104‬‬ ‫‪157‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫(أ)‬ ‫الروايات تدعي مطالبة اإلمام علي أهل النهروان‬ ‫بتسليم قتلة ابن خباب‬ ‫جاء في إحدى تلك الروايات الباطلة‪« :‬فأرس��ل إليهم عل��ي أن أقيدونا‬ ‫بعبد اهلل بن خباب‪ ،‬فأرسلوا إليه‪ :‬وكيف نقيدك وكلنا قتله‪ ،‬قال أوكلكم قتله؟‬ ‫قالوا نعم‪ ،‬فقال اهلل أكبر ثم أمر أصحابه أن يسطوا عليهم»‪.‬‬ ‫فهذه الرواية التي اخترعها المخترع��ون‪ ،‬وروج لها المروجون‪ ،‬تحمل‬ ‫في طياته��ا الطعن في اإلم��ام علي ك��رم اهلل وجهه من حي��ث يدرون أو‬ ‫ال يدرون؛ حيث صورت اإلمام علي في أذهان الن��اس رجالً متناقض ًا في‬ ‫أفكاره‪ ،‬إذ كيف له أن يطالب أهل النهروان بتسليم قتلة عبد اهلل بن خباب‪،‬‬ ‫وهو ف��ي نفس الوقت يمتنع عن تس��ليم قتلة اإلم��ام عثمان بن عفان إلى‬ ‫معاوية بن أبي سفيان؟!‬ ‫وهذه الروايات الضعيفة ما نطق بها المؤرخون إال للتقليل من شأن اإلمام‬ ‫علي وم��ن كان يناصره في جميع المواطن والمواقع الت��ي نزلها إلى أن قَبِل‬ ‫ـ كرم اهلل وجهه ـ بمبدأ التحكيم(‪ .((37‬فاإلمام علي ومن كان معه قبل التحكيم‬ ‫بقوا جميع ًا‪ ،‬وإن لم تجمعهم راية واحدة بعد التحكيم‪ ،‬هدف ًا لسهام بني أمية‬ ‫وبني العب��اس ودعاياتهم‪ ،‬لهذا كث��رت الدعايات الباطل��ة عليهم؛ فأنتجت‬ ‫الكتَّاب يتوارثون تلك األقالم من غير‬‫الروايات وس��يرت الجيوش‪ ،‬وما زال ُ‬ ‫وعي وال دراية‪.‬‬ ‫(‪ ((37‬انظر كتابنا (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت)‪ ،‬القسم األول‬ ‫من الفصل الخامس‪ ،‬ص ‪ 171‬ـ ‪.194‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪158‬‬ ‫(ب)‬ ‫استجواب الناس حسب االنتماءات‬ ‫الكتَّاب من هذه الروايات هي فكرة «استجواب‬ ‫ومن األفكار التي أخذها ُ‬ ‫الناس» والحكم عليهم حسب انتماءاتهم السياس��ية والتي تطورت فيما بعد‬ ‫لتشمل االنتماءات إلى المذاهب‪.‬‬ ‫وقد جاء في إحدى الروايات الس��ابقة ما نصه‪ ... « :‬قال��وا‪ :‬ما تقول في‬ ‫عثمان في أول خالفته وفي آخرها؟ قال إنه كان محقا في أولها وفي آخرها‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟ قال‪ :‬إنه أعلم باهلل منكم وأشد‬ ‫توقيا على دين��ه وأنفذ بصيرة‪ .‬فقالوا‪ :‬إنك تتبع اله��وى وتوالي الرجال على‬ ‫أسمائها ال على أفعالها‪ ،‬واهلل لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً‪.»...‬‬ ‫هذه الرواية كما رأينا أعاله قالها أناس ال منزلة لهم عند علماء األمة‪ ،‬فهي‬ ‫باطلة قد صنعتها أقالم أرادت الشر ألهل النهروان فرد اهلل كيدهم في نحورهم‪.‬‬ ‫فليس هناك أي دليل على أن تلك الفئة من الناس التي ُنسب إليها القتل‬ ‫بعد االستجواب منطلقة من فكر أهل النهروان‪ .‬ففكر أهل النهروان واإلباضية‬ ‫هو فكر اإلمام علي بن أبي طالب كرم اهلل وجهه في جميع مناشط الحياة؛ من‬ ‫عقيدة وفقه وأخ�لاق‪ .‬وكان خالفهم مع اإلمام علي ـ ك��رم اهلل وجهه ـ فقط‬ ‫حول التحكيم الذي نزع من أصبعه الكريم خاتم الخالفة العامة(‪.((37‬‬ ‫فقصة عبد اهلل بن خباب مع الذين اعترضوا طريقه‪ ،‬وقصة استجوابهم له‬ ‫الكتَّاب‬ ‫حول رأيه في اإلمامين والخليفتين عثمان وعلي هي التي ال يتناساها ُ‬ ‫(‪ ((37‬أرجو مراجعة هذه الحيثية في كتابنا (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب‬ ‫المقاالت)‪ ،‬ص ‪ 179‬ـ ‪.180‬‬ ‫‪159‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫الذين تحاملوا على أهل النه��روان واإلباضية عبر القرون الماضية‪ ،‬ويا ليتهم‬ ‫تخلقوا بآداب اإلسالم وتأدبوا بأوامر القرآن الكريم وسنة الرسول ژ قبل أن‬ ‫يظهروا عداءهم الفاضح ألهل الحق واالستقامة‪.‬‬ ‫وبما أن اإلنصاف ليس من س��جايا الذين نسبوا أهل النهروان واإلباضية‬ ‫إلى الخوارج‪ ،‬فقد أظهروا لكل بصير حيف موازينهم التي ُي َق ِّيمون بها البشر‪،‬‬ ‫وأبانوا لكل سميع تناقض أفكارهم‪ ،‬وأكدوا بال خجل أنهم سدنة للهوى الذي‬ ‫يصم ويعمي؛ فما ص��ادف أهواهم أتوا به وتواصوا بحمل��ه جيال بعد جيل‪،‬‬ ‫وما كان س��ائر ًا على غير هواهم ال يلتفتون إليه وإن وجد في نفس المصادر‬ ‫التي ينقلون منها‪.‬‬ ‫فكل األفكار التي ُس��جلت في قصة عبد اهلل بن خباب ونسبت إلى أهل‬ ‫النهروان لم تثبت عنهم‪ ،‬ولم تكن في يوم من األيام مجال اهتمام(‪ ((37‬أتباعهم‬ ‫اإلباضية عبر التاريخ‪ ،‬والذي وجدناه أن تلك المحاجة التي س��جلتها الرواية‬ ‫التي ُذكر فيها عبد اهلل بن خباب تتكرر على ألسنة أناس وقف الفكر اإلباضي‬ ‫أمام سياس��اتهم الجائرة عبر بالتاريخ‪ .‬قال الدكتور الش��يخ ناصر الس��ابعي‪:‬‬ ‫«حصر فكرة االس��تعراض والتقتيل ـ على فرض ثبوتها ـ في التيار المعارض‬ ‫للتحكيم أمر مناف للوقائع التاريخية‪ ،‬فإن نس��بة مثل هذا الفعل إلى غيرهم‬ ‫تردده المصادر بكثرة‪ .‬وإذا كان��ت حادثة مقتل عبد اهلل بن خباب مرآة لمنطق‬ ‫(‪ ((37‬قال ابن الوزير‪ ... « :‬فوجب أن يعدل إلى أمر عدل بين الجميع فنترك كل عبارة مبتدعة من‬ ‫عبارات فرق اإلسالم كلها س��واء علمنا بالعقل أنها حق أو باطل ألنه ال يجب االشتغال‬ ‫بكل حق فقد نعل��م من أمور الدني��ا ما ال يحصى وال تجب علينا معرفت��ه وتعريفه مثل‬ ‫ما اشتملت عليه التواريخ من حوادث الزمان وعجائب أخبار البلدان بل ما تضمن المفاسد‬ ‫من الحق حرم فلذلك قد يكون من الحق ما هو حرام باإلجماع والنص كالغيبة والنميمة‬ ‫متى أردنا بالحق مجرد الصدق والمطابقة فلذلك ال ينبغي االشتغال ببعض العلوم وغيرها‬ ‫لمجرد كونها حق ًا حتى يرد الشرع باألمر بذلك‪( »...‬إيثار الحق‪ ،‬ص ‪.)136‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪160‬‬ ‫الس��يف الذي نس��ب إلى أهل النهروان‪ ،‬ف��إن ثمة من الح��وادث المروعة‬ ‫المنسوبة إلى غيرهم ما تتضاءل أمام شناعتها حادثة مقتل ابن خباب‪.((37(»...‬‬ ‫ونحن إذ ننقل هنا روايات نس��بت اس��تجواب الناس وقتلهم إلى أناس‬ ‫آخرين ال نريد من هذا الصنيع التشنيع على أحد‪ ،‬فذلك ليس من اهتماماتنا‪،‬‬ ‫وال فائدة لنا من ذكرها والحديث عنها‪ ،‬وإنما نريد أن نقول ألمة اإلسالم أن‬ ‫الكتَّاب الذين تحاملوا على أهل النهروان واإلباضية ليسوا بأمناء على تاريخ‬ ‫ُ‬ ‫اإلس�لام إذ أثبتوا من خالل كتاباتهم أنهم تبعة ل��كل ناعق وأنهم «يحتطبون‬ ‫األخبار بأهوائهم»‪ ،‬وأنهم «كالخابط في ظلماء الليالي» وأن ما س��جلوه على‬ ‫أهل النهروان واإلباضية إنما هو «عمل غير علمي وال دقيق‪ ،‬بل عمل حاطب‬ ‫ليل وسائس خيل ال عمل أساتذة التاريخ المحققين»(‪.((38‬‬ ‫فما الذي صرف أعين الكتاب‪ ،‬الذين تلقفوا األخبار الضعيفة ونس��بوها‬ ‫إلى أهل النهروان‪ ،‬عن هذه الروايات المنسوبة إلى الحجاج وغيره وقد جاءت‬ ‫هذه الروايات في نفس المصادر التي أساءت إلى أهل النهروان واإلباضية؟‬ ‫(‪ ((37‬الخوارج والحقيقة الغائبة‪ ،‬ص ‪.125‬‬ ‫(‪ ((38‬جاءت هذه العبارة على لسان الدكتور محمد بن موسى الش��ريف الذي قال‪« :‬ولقد عني‬ ‫المستش��رقون بالكتاب [يقصد تاريخ الطبري] فخدموه وطبعوه مبك��ر ًا لينالوا ُبغيتهم من‬ ‫الطعن في دين اإلس�لام‪ ،‬فإذا خافوا مالمة أو عتاب ًا أحالوا على تاريخ الطبري وظنوا أنهم‬ ‫بهذا قد برئت ذمتهم من التشويه المتعمد ـ في أكثر األحيان ـ لتاريخنا‪ ،‬ولقد تبعهم طائفة‬ ‫من األساتذة من بني جلدتنا فأوردوا المستشنع المس��تغرب من األخبار ثم أحالوها على‬ ‫تاريخ الطب��ري‪ ،‬وهذا عمل غير علمي وال دقيق‪ ،‬بل هو عمل حاطب ليل وس��ائس خيل‬ ‫ال عمل أساتذة التاريخ المحققين» (تعريف موجز بأشهر كتب التاريخ‪ ،‬ص ‪.)21‬‬ ‫هذا القول الذي قاله الدكتور الشريف في وصف حال المستشرقين ومن سار على نهجهم‬ ‫من بني جلدتنا‪ ،‬ينطبق تمام االنطباق على الكُ تَّاب الذين تجرأوا على اإلباضية وأسالفهم‬ ‫أهل النهروان‪.‬‬ ‫‪161‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫فقد أورد ابن األثير ما نصه‪:‬‬ ‫ـ «وأخذ الحجاج يبايع الناس‪ ،‬وكان ال يبايع أحد ًا إال قال له‪ :‬اشهد أنك‬ ‫كفرت‪ ،‬فإن قال‪ :‬نعم‪ ،‬بايعه‪ ،‬وإال قتله»(‪.((38‬‬ ‫َ‬ ‫ـ «فلما فرغوا م��ن طواف الزيارة ن��ادى منادي الحج��اج‪ :‬انصرفوا إلى‬ ‫بالدكم فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير الملحد»(‪.((38‬‬ ‫ـ «ثم إنه خطب يوم ًا فقال‪ :‬إن الزيادة التي زادكم إياها ابن الزبير إنما هي‬ ‫زيادة مخسرة باطلة [من] ملحد فاسق منافق ولسنا نجيزها! وكان مصعب قد‬ ‫زاد الناس في العطاء مائة مائة»(‪.((38‬‬ ‫ـ «وقام روح ب��ن زنباع الجذامي فقال‪ :‬أيها الن��اس إنكم تذكرون‪ ...‬ابن‬ ‫الزبير‪ ...‬ولكنه منافق قد خلع خليفتين يزيد وابنه معاوية وسفك الدماء وشق‬ ‫عصا المسلمين‪ ،‬وليس المنافق بصاحب أمة محمد»(‪.((38‬‬ ‫الم ّجان فقطع ذنب‬ ‫ـ « ‪ ...‬فخرج أبو مس��لم لبعض حاجته‪ ،‬فعمد بعض ُ‬ ‫حماره‪ ،‬فلما عاد قال لصاحب الخان‪ :‬من فعل هذا بحماري؟ قال‪ :‬ال أدري!‬ ‫أصيرها كنداباذ فلست بأبي‬ ‫قال‪ :‬ما اسم هذه المحلة؟ قال بوناباذ‪ .‬قال‪ :‬إن لم ّ‬ ‫مسلم فلما ولي خراسان أخربها»(‪ .((38‬فأين أحكام ابن األثير على هذا اإلفساد‬ ‫(‪ ((38‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.481‬‬ ‫(‪ ((38‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 350‬ـ ‪ ،351‬ونقل ابن األثي��ر الحوار الذي دار بين الحجاج‬ ‫صنعت بعبد اهلل؟ قالت‪ :‬رأيتك‬ ‫ُ‬ ‫الثقفي وأسماء بنت أبي بكر ^ ‪« :‬قال لها‪ :‬كيف رأيتني‬ ‫أفس��دت على ابني دنياه وأفسد عليك آخرتك‪ ،‬فإن رس��ول اهلل‪ ،‬ژ ‪ ،‬حدثنا أن في ثقيف‬ ‫َ‬ ‫كذاب ًا ومبيراً‪ ،‬فأما الكذاب فقد رأين��اه‪ ،‬تعني المختار‪ ،‬وأما المبير فأنت هو‪ .‬وهذا حديث‬ ‫صحيح أخرجه مسلم في صحيحه»‪( .‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.)361‬‬ ‫(‪ ((38‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.381‬‬ ‫(‪ ((38‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.148‬‬ ‫(‪ ((38‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.258‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪162‬‬ ‫في األرض الذي نقله لنا هنا؟‪ ،‬أألجل ذنب حمار تخرب أمالك الناس؟‪ ،‬فما‬ ‫دامت األمة ال تق��ول لظلمة التاريخ يا ظلمة‪ ،‬وما دام��ت تتمادى في وصف‬ ‫الصالحين بالخارجية فلن تقوم لها قائمة‪ ،‬وستهلك أمام كل الفتن التي تموج‬ ‫بها من كل صوب‪ .‬نسأل اهلل تعالى السالمة‪.‬‬ ‫ـ وخاطب الحجاج أهل الكوفة‪« :‬وق��د بلغني رفضكم المهلب وإقبالكم‬ ‫على مصركم عاصين مخالفين‪ ،‬وإ ّني أُقسم باهلل ال أجد أحد ًا من عسكره بعد‬ ‫وأنهبت داره»(‪.((38‬‬ ‫ُ‬ ‫ضربت عنقه‬ ‫ُ‬ ‫ثالثة إال‬ ‫ـ وخاطب عبد الملك بن مروان أهل المدينة وقال لهم‪« :‬واهلل ال يأمرني‬ ‫ضربت عنقه»(‪ .((38‬فما هو عذر ابن األثير‬ ‫ُ‬ ‫أحد بتقوى اهلل بعد مقامي هذا إال‬ ‫ومن سار على نهجه في عدم ذكر عبد الملك بن مروان في قائمة الخوارج؟‪.‬‬ ‫ـ ونقل ابن األثير‪« :‬وكان [يقصد مروان ب��ن الحكم] قد جعل البن زياد‬ ‫ما غلب عليه وأمره أن ينهب الكوفة ثالثا»(‪.((38‬‬ ‫ـ وقال اب��ن األثير‪« :‬وس��بب ذل��ك أن عبد الملك بن م��روان لما قتل‬ ‫عمرو بن س��عيد بن العاص‪ ،‬كما تقدم ذكره‪ ،‬وضع السيف فقتل من خالفه‪،‬‬ ‫فصفا له الشام»(‪.((38‬‬ ‫ونحن ال نريد أن يكون لنا رأي في هذه الروايات وأش��باهها ولو جاءت‬ ‫من مصادر موثوق��ة صادقة‪ .‬وكل الذي نس��عى إليه بنقله��ا ونقل غيرها من‬ ‫الكتَّاب الذين يحلبون‬ ‫األخبار‪ ،‬في هذا البحث‪ ،‬هو ألجل إقامة الحجة على ُ‬ ‫(‪ ((38‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.376‬‬ ‫(‪ ((38‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.392‬‬ ‫(‪ ((38‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.228‬‬ ‫(‪ ((38‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.323‬‬ ‫‪163‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫الروايات الباطلة‪ ،‬ونلزمهم أن يق��روا بها‪ ،‬من «باب إلزام الخصم ما يلتزمه»‪،‬‬ ‫ألنهم أقدموا على أمثالها عند حكمهم الجائر على أهل النهروان واإلباضية‪.‬‬ ‫ومما جاء عند ابن األثير‪:‬‬ ‫«وكان أول قتي��ل قتله زي��اد بالكوفة أوفى بن الحص��ن‪ ،‬وكان بلغه عنه‬ ‫الناس [زي��ا ٌد]‪ ،‬فمر به فقال‪ :‬م��ن هذا؟ قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ش��يء‪ ،‬فطلبه فهرب‪ ،‬فع��رض‬ ‫أوفى بن حصن‪ .‬فقال زياد‪ :‬أتتك بحائن رجاله‪ .‬وقال له‪ :‬ما رأيك في عثمان؟‬ ‫قال‪ :‬ختن رسول اهلل‪ ،‬ژ ‪ ،‬على ابنتيه‪ .‬قال‪ :‬فما تقول في معاوية؟ قال‪ :‬جواد‬ ‫قلت بالبصرة واهلل آلخذن البريء‬ ‫في؟ قال‪ :‬بلغني أنك َ‬ ‫حليم‪ .‬قال‪ :‬فما تقول ّ‬ ‫قلت ذاك‪ .‬قال‪ :‬خبطتها خبط عشواء! فقال‬ ‫والمقبل بالمدبر‪ .‬قال‪ :‬قد ُ‬ ‫بالسقيم‪ُ ،‬‬ ‫بشر الز ََّم َرة! فقتله»(‪.((39‬‬ ‫زياد‪ :‬ليس النفاخ ّ‬ ‫فهذا هو زياد بن أبيه‪ ،‬أحد سدنة اإلرهاب األموي‪ ،‬تنسب إليه هذه الرواية‬ ‫الكتَّاب الذين تحاملوا‬ ‫القتل لألبرياء بعد اس��تجوابهم‪ ،‬فلماذا ُصرفت أبصار ُ‬ ‫ظلم ًا وعدوان ًا على اإلباضية عن هذه الرواية؟‪.‬‬ ‫وذكر ابن األثير أيض ًا‪ ،‬ح��وار ًا بين زياد بن أبي��ه وصيفي أحد رجاالت‬ ‫حجر بن عدي‪:‬‬ ‫علي؟‬ ‫علي بالعصا‪ ،‬فأتي بها‪ ،‬فقال‪ :‬ما تقول في ّ‬ ‫« ‪ ...‬فقال له زياد‪ّ ... :‬‬ ‫قال‪ :‬أحس��ن قول‪ .‬قال‪ :‬اضربوه‪ ،‬حتى لصق باألرض‪ ،‬ثم قال‪ :‬أقلعوا عنه‪،‬‬ ‫قل��ت فيه إال‬ ‫ُ‬ ‫ش��رحتني بالمواس��ي ما‬ ‫َّ‬ ‫عل��ي؟ قال‪ :‬واهلل لو‬ ‫ّ‬ ‫ما قولك في‬ ‫س��معت مني‪ .‬قال لتلعن ّن��ه أو ألضربن عنقك! ق��ال‪ :‬ال أفعل‪ .‬فأوثقوه‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫حديد ًا وحبسوه»(‪.((39‬‬ ‫(‪ ((39‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.462‬‬ ‫(‪ ((39‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 477‬ـ ‪.478‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪164‬‬ ‫وها هو عبيد اهلل بن زياد يمش��ي على خطى أبيه‪ ،‬فيستجوب الناس‬ ‫ويقتلهم إذا ذكروا السبطين الكريمين وأباهما بخير‪ ،‬فقد قال ابن األثير‪:‬‬ ‫الحاجر كت��ب إلى أهل الكوفة مع قيس بن مس��هر‬ ‫َ‬ ‫الحس��ين‬ ‫ُ‬ ‫«فلما بلغ‬ ‫قيس إلى‬ ‫قدومه ويأمرهم بالجد في أمرهم‪ ،‬فلما انتهي ٌ‬ ‫َ‬ ‫الصيداوي يعرفهم‬ ‫القادس��ية أخذه الحصين فبعث به إلى ابن زياد‪ ،‬فقال له ابن زياد‪ :‬اصعد‬ ‫قيس فحمد‬ ‫ابن الكذاب الحسين بن علي‪ .‬فصعد ٌ‬ ‫اب َ‬ ‫ّ‬ ‫الكذ َ‬ ‫فس��ب‬ ‫ّ‬ ‫القصر‬ ‫خير خلق ِ اهلل‪ ،‬ابن فاطمة‬ ‫اهلل وأثنى عليه ثم قال‪ :‬إن هذا الحسين بن علي ُ‬ ‫بنت رسول اهلل‪ ،‬ژ ‪ ،‬أنا رس��وله إليكم وقد فارقته بالحاجر فأجيبوه؛ ثم‬ ‫فرمي من أعلى القصر‬ ‫ابن زياد وأباه واستغفر لعلي‪ .‬فأمر به ابن زياد ُ‬ ‫لعن َ‬ ‫فتقطع فمات»(‪.((39‬‬ ‫وذكر ابن األثير الحوار التي دار بين ابن زياد ومسلم بن عقيل‪:‬‬ ‫أحد في اإلسالم!‬ ‫«فقال له ابن زياد‪ :‬قتلني اهلل إن لم أقتلك قتلة لم ُيقتلها ٌ‬ ‫قال‪ :‬أما إنك أحق من أحدث في اإلس�لام ما ليس فيه‪ ،‬أما إنك ال تدع سوء‬ ‫المثلة وخبث الس��يرة ولؤم الغلبة وال أحد م��ن الناس أحق بها‬ ‫القتلة وقبح ُ‬ ‫منك‪ .‬فشتمه ابن زياد وشتم الحسين وعلي ًا وعقيالً‪ ،‬فلم يكلمه مسلم‪ ،‬ثم أمر‬ ‫به فأصعد فوق القصر لتضرب رقبته ويتبعوا رأسه جسده»(‪.((39‬‬ ‫وهذه حادثة أخرى ينقلها ابن األثير ف��ي تاريخه‪ ،‬حيث قال‪ ... « :‬فصعد‬ ‫المنبر [يقصد عبيد اهلل بن زياد] فخطبهم وق��ال‪ :‬الحمد هلل الذي أظهر الحق‬ ‫وأهل��ه‪ ،‬ونصر أمي��ر المؤمنين يزي��د وحزبه‪ ،‬وقت��ل الكذاب اب��ن الكذاب‬ ‫الحسين بن علي وشيعته‪.‬‬ ‫(‪ ((39‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.41‬‬ ‫(‪ ((39‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.35‬‬ ‫‪165‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫فوثب إليه عبد اهلل بن عفيف األزدي ثم الوالبي‪ ...‬فلما س��مع مقالة ابن‬ ‫زياد ق��ال‪ :‬يا ابن مرجانة! إن الكذاب ابن الك��ذاب أنت وأبوك والذي والك‬ ‫وأبوه! يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بكالم الصديقين؟ فقال‪:‬‬ ‫علي ب��ه‪ ...‬فأرس��ل إليه م��ن أتاه ب��ه فقتل��ه وأم��ر بصلبه في المس��جد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فصلب‪. 5 ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وأمر ابن زياد برأس الحسين فطيف به في الكوفة‪ ،‬وكان رأسه أول رأس‬ ‫حمل في اإلس�لام على خش��بة في قول‪ ،‬والصحيح أن أول رأس حمل في‬ ‫اإلسالم رأس عمرو بن الحمق»(‪.((39‬‬ ‫فزياد بن أبيه‪ ،‬وابنه عبيد اهلل‪ ،‬والحج��اج تحوطهم الحصانة األموية لهذا‬ ‫الكتَّاب عن أفعالهم الش��نعاء‪ ،‬ولم يحكم��وا عليهم بما هم له‬ ‫تعامت أبصار ُ‬ ‫أهل من جور وظلم وتعس��ف في القول والفعل‪ .‬فأين اإلنصاف؟‪ ،‬وأين أداء‬ ‫الواجب الذي يتحمل أمانته كل كاتب؟‬ ‫وقال ابن األثير أيض ًا‪:‬‬ ‫«ودعا مسلم الناس إلى البيعة ليزيد على أنهم خول له يحكم في دمائهم‬ ‫وأموالهم وأهليهم من شاء‪ ،‬فمن امتنع من ذلك قتله‪ ...‬فقال القرشيان‪ :‬نبايعك‬ ‫على كتاب اهلل وسنة رس��وله‪ .‬فضرب أعناقهما‪ ...‬وأتى بيزيد بن وهب‪ ،‬فقال‬ ‫له‪ :‬بايع‪ .‬قال‪ :‬أبايعك على الكتاب والسنة‪ .‬قال اقتلوه»(‪.((39‬‬ ‫هذا الذي ُنسب إلى قائد الجحافل األموية مع سكان مدينة رسول اهلل ژ‬ ‫للكتَّاب شعرة‪.‬‬‫لم يهز ُ‬ ‫(‪ ((39‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 82‬ـ ‪.83‬‬ ‫(‪ ((39‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 118‬ـ ‪.119‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪166‬‬ ‫للكتَّاب‪ :‬هذه رواية جاءت حس��ب موازينكم‪ ،‬فم��ا لكم تعاميتم‬ ‫فنقول ُ‬ ‫عنه��ا؟‪ ،‬ولم ال تبن��ون عليها أحكامكم كم��ا فعلتم عن��د حديثكم عن أهل‬ ‫النهروان واإلباضية؟‪.‬‬ ‫صحيح أنكم أيها الكُ َّت��اب أتباع هوى‪ ،‬وحطاب لي��ل‪ ،‬فال منهج للحق‬ ‫اتبعتم‪ ،‬وال لعقولكم ومناهجكم المعوجة احترمتم‪.‬‬ ‫وقال ابن األثير أيض ًا‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬فقام إليه حجر بن عدي في قيوده فقال له‪ :‬أبلغ معاوية أن دماءنا عليه‬ ‫حرام‪ ،‬وأخبره أ ّنا قد أُوم ّنا وصالحناه وصالحن��ا‪ ،‬وأ ّنا لم نقتل أحد ًا من أهل‬ ‫القبلة فيحل له دماؤنا‪...‬‬ ‫فبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي‪ ،‬والحصين بن عبد اهلل الكالبي‪،‬‬ ‫وأبا شريف البدي إلى حجر وأصحابه ليقتلوا من أُمروا بقتله منهم‪...‬‬ ‫وقالوا لهم قبل القتل‪ :‬إنا قد أُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي‬ ‫واللعن له‪ ،‬فإن فعلتم تركناك��م وأن أبيتم قتلناكم‪ .‬فقالوا‪ :‬لس��نا فاعلي‬ ‫فحف��رت القبور وأحض��رت األكفان وقام حج��ر وأصحابه‬ ‫ذلك‪ .‬فأمر ُ‬ ‫يصلون عامة الليل‪...‬‬ ‫‪ ...‬قال الخثعمي‪ :‬اهلل اهلل يا معاوية! فإنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى‬ ‫الدار اآلخرة الدائمة‪ ،‬ثم مس��ؤول عما أردت بسفك دماءنا! فقال له‪ :‬ما تقول‬ ‫في علي؟ قال‪ :‬أقول في��ه قولك‪ .‬قال أتبرأ من دين عل��ي الذي يدين اهلل به؟‬ ‫فسكت‪ ...‬ثم قال لعبد الرحمن بن حسان يا أخا ربيعة ما تقول في علي؟ قال‪:‬‬ ‫دعني وال تس��ألني فهو خير لك‪ .‬قال‪ :‬واهلل ال أدعك‪ .‬قال‪ :‬أشهد أنه كان من‬ ‫الذاكرين اهلل تعالى كثيراً‪ ،‬من اآلمرين بالحق والقائمين بالقسط والعافين عن‬ ‫الناس‪ .‬قال‪ :‬فما قولك في عثمان؟ قال‪ :‬هو أول من فتح أبواب الظلم‪ ،‬وأغلق‬ ‫‪167‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫قتلت؛ وال ربيعة بالوادي‪ ،‬يعني‬ ‫ُ‬ ‫قتلت نفسك! قال‪ :‬بل إياك‬ ‫َ‬ ‫أبواب الحق‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ليشفعوا فيه‪ ،‬فرده معاوية إلى زياد وأمره أن يقتله شر قتلة‪ ،‬فدفنه حيا»(‪.((39‬‬ ‫القارئ لهذه الرواية يرى وكأن أح��داث محاكم التفتيش التي تعرض لها‬ ‫المسلمون في األندلس نس��خة مطورة من محاكم التفتيش األموية‪ ،‬ومع هذا‬ ‫للكتَّاب أي شعرة‪.‬‬ ‫فهي ال تهز ُ‬ ‫ومما ذكره ابن األثير‪:‬‬ ‫«وكان المتوكل ش��ديد البغض لعلي بن أبي طالب ‪ ،‰‬وألهل بيته‪،‬‬ ‫وكان يقصد من يبلغه عن��ه أنه يتولى علي ًا وأهله بأخ��ذ المال والدم»(‪.((39‬‬ ‫وعند ذكره ليعقوب بن إس��حاق النحوي المعروف بابن السكيت‪ ،‬قال ابن‬ ‫األثير‪ ... « :‬وكان سبب موته أنه اتصل بالمتوكل‪ ،‬فقال له‪ّ :‬أيما أحب إليك‬ ‫المعت��ز والمؤيد‪ ،‬أو الحس��ن والحس��ين؟ فتنق��ص ابنيه‪ ،‬وذكر الحس��ن‬ ‫فحمل إلى‬ ‫والحسين ‪ ، 6‬بما هما أهل له‪ ،‬فأمر األتراك فداس��وا بطنه‪ُ ،‬‬ ‫داره فمات‪.((39(».‬‬ ‫ومما نقله ابن األثير أيض ًا‪:‬‬ ‫«وفيها عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر‪ ،‬وأمر‬ ‫بإنش��اء كتاب يقرأ على الناس‪ ،‬وهو كتاب طويل قد أحسن كتابته‪ ،‬إال أنه قد‬ ‫اس ُتدل فيه بأحاديث كثيرة على وجوب لعنه عن النبي‪ ،‬ژ ‪ ،‬ال تصح‪ ...‬فقال‬ ‫عبيد اهلل للقاضي يوسف بن يعقوب ليحتال في منعه عن ذلك‪ ،‬فكلم يوسف‬ ‫المعتضد‪ ،‬وحذره اضطراب العامة‪ ،‬فل��م يلتفت‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين! فما‬ ‫َ‬ ‫(‪ ((39‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 484‬ـ ‪.486‬‬ ‫(‪ ((39‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.55‬‬ ‫(‪ ((39‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.91‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪168‬‬ ‫نصنع بالطالبيين الذين يخرجون من كل ناحي��ة‪ ،‬ويميل إليهم خلق كثير من‬ ‫الناس لقرابتهم من رس��ول اهلل‪ ،‬ژ ؟ فإذا سمع الناس ما في هذا الكتاب من‬ ‫ألس��ن ًة وأظهر حجة فيهم اليوم‪.‬‬ ‫إطرائهم كانوا إليهم أميل‪ ،‬وكانوا هم أبس��ط ِ‬ ‫ْ‬ ‫فأمس��ك المعتضد‪ ،‬ولم يأمر في الكتاب بعد ذلك بشيء‪ ،‬وكان عبيد اهلل من‬ ‫المنحرفة عن علي ‪.((39(»‰‬‬ ‫فهؤالء الذين يلعنون الناس‪ ،‬ويتخذون المنابر وس��يلتهم في ذلك ال هم‬ ‫لهم سوى تفكيك المجتمع المسلم‪ ،‬وجعله شيع ًا وال يلتفتون إلى ما تحدثه‬ ‫قراراتهم المتهورة من مساوئ في المجتمع المسلم‪.‬‬ ‫ولم يكن الدين الحنيف هو المانع للمعتضد عن تطبيق ما عزم عليه من‬ ‫لعن‪ ،‬ولكن حينما أش��ير إليه بأن اآلخرين قد يركبون الم��وج «ويميل إليهم‬ ‫خلق كثير من الناس» مما يعرضه للخسارة‪ ،‬توقف عن إتمام ما أمر به‪.‬‬ ‫فاس��تعراض الناس واس��تجوابهم ف��ي الطرقات وفي مجال��س الحكام‬ ‫وسؤالهم عن علي‪ ،‬وعثمان‪ ،‬ومعاوية‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبير‪ ،‬وعن أناس آخرين‪،‬‬ ‫إنما هو ديدن أمراء بني أمية وبني العباس ومن سار على نهجهم عبر التاريخ‬ ‫الذي وجدناه في تاريخ ابن األثير(‪ ((40‬وغيره من الكتب‪.‬‬ ‫هذه الروايات‪ ،‬التي نقلناها أعاله‪ ،‬ال يهمنا منها شيء ألن كل ما فيها من‬ ‫أحداث ال عالقة له بمهمتنا في هذا الوجود‪ ،‬فاهلل تعالى حسيب كل فرد‪ ،‬ولن‬ ‫يسأل اهلل أحد ًا عما اقترفته أيدي اآلخرين‪ ،‬فمن التضييع لألوقات البحث عن‬ ‫(‪ ((39‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪ 485‬ـ ‪.486‬‬ ‫(‪ ((40‬انظر روايات أخرى ذكرها ابن األثير وفيها أخبار عن اس��تجواب الناس منسوبة إلى أقوام‬ ‫وقف اإلباضية ضد أفكاره��م‪( .‬الكامل في التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ ،193‬ج ‪ /8‬ص ‪ ،273‬ج ‪/6‬‬ ‫ص ‪ ،406‬ج ‪ /5‬ص ‪ ،224‬ج ‪ /5‬ص ‪ 229‬ـ ‪ ،230‬ج ‪ /3‬ص ‪ ،472‬ج ‪ /5‬ص ‪ 540‬ـ ‪ ،541‬ج ‪/8‬‬ ‫ص ‪ 542‬ـ ‪ ،543‬ج ‪ /3‬ص ‪ ،414‬ج ‪ /3‬ص ‪ ،333‬ج ‪ /3‬ص ‪ 413‬ـ ‪ ،414‬ج ‪ /3‬ص ‪.)405‬‬ ‫‪169‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫صدق هذه الروايات أو كذبها إن كان القصد هو إثبات ما ال فائدة من إثباته‪،‬‬ ‫أو نفي ما ال جدوى من نفيه‪.‬‬ ‫للكتَّاب‪ :‬إن كانت قد اس��تهوتكم تلك الروايات الباطلة التي ذكر‬ ‫ونقول ُ‬ ‫فيها عبد اهلل بن خباب‪ ،‬لحاجة في نفوس��كم‪ ،‬فإنه من األولى أن تستهويكم‬ ‫هذه الروايات‪ ،‬إذا رأيتم في ذلك منفعة لكم‪ ،‬ألن فيها من الوقائع ما هو شبيه‬ ‫بما في تلك الروايات الضعيفة التي تراقصتم حولها‪.‬‬ ‫فقد ج��اء عند اإلم��ام الطب��ري(‪« :((40‬حدثن��ي عمر(‪ ،((40‬ق��ال حدثني‬ ‫موسى بن إس��ماعيل(‪ ،((40‬قـال حدثني سليمان بن مس��لم العجلي(‪ ((40‬قال‬ ‫سمعت أبي(‪ ((40‬يقول‪ :‬مررت بالمسجد‪ ،‬فجاء رجل إلى سمرة(‪ ((40‬فأدى زكاة‬ ‫(‪ ((40‬تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.240‬‬ ‫(‪ ((40‬عمر بن ش��بة بن عبيدة بن زيد بن رائطة النميري «قال ابن أبي حاتم‪ :‬كتبت عنه مع أبي‬ ‫وهو صدوق‪ ...‬قال الدارقطني‪ :‬ثقة‪ ،‬وذكره ابن حبان في الثقات وقال‪ :‬مستقيم الحديث‪...‬‬ ‫وقال الخطيب‪ :‬كان ثقة عالما بالسير وأيام الناس وله تصانيف كثيرة‪...‬‬ ‫قلت [ابن حجر]‪ :‬وقال المرزباني في معجم الشعراء عمر بن شبة أديب فقيه واسع الرواية‬ ‫صدوق ثقة‪ .‬وقال مسلمة‪ :‬ثقة أنبأ عنه المهرواني‪ ،‬وقال محمد بن سهل راويته‪ :‬كان أكثر‬ ‫الناس حديثا وخب��را وكان صدوقا ذكي��ا نزل بغداد عن��د خراب البص��رة‪( .»...‬تهذيب‬ ‫التهذيب‪ ،‬ت‪ ،5103 :‬ج ‪ /7‬ص ‪ 389‬ـ ‪.)390‬‬ ‫(‪« ((40‬موسى بن إسماعيل المنقري‪ ...‬أبو س��لمة التبوذكي‪ ...‬ثقة ثبت‪( .»...‬تقريب التهذيب‪،‬‬ ‫ت‪ ،6969 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)220‬‬ ‫(‪ ((40‬سليمان بن مس��لم أبو المعلى العجلي ذكره البخاري في التاريخ الكبير (ت‪ ،1884 :‬ج ‪/4‬‬ ‫ص ‪ )37‬وابن حبان ف��ي الثق��ات (ج ‪ /6‬ص ‪ )393‬يروى عن الش��عبي وأبي��ه روى عنه‬ ‫التبوذكي‪.‬‬ ‫(‪ ((40‬مسلم العجلي ذكره البخاري في التاريخ الكبير (ت‪ ،1138 :‬ج ‪ /7‬ص ‪ )269‬وابن حبان في‬ ‫الثقات (ج ‪ /5‬ص ‪ )398‬يروى عن سمرة بن جندب روى عنه ابنه سليمان بن مسلم‪.‬‬ ‫(‪ ((40‬س��مرة بن جندب بن هالل بن حريج بن مرة بن حزن بن عمرو بن جابر بن خشين بن‬ ‫ألي بن عصيم ابن ش��مخ بن فزارة صحب النبي ژ وغزا معه ول��ه حلف في األنصار‪= ،‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪170‬‬ ‫ماله‪ ،‬ثم دخل فجعل يصلي في المس��جد‪ ،‬فجاء رجل فض��رب عنقه‪ ،‬فإذا‬ ‫رأسه في المسجد‪ ،‬وبدنه ناحية‪ ،‬فمر أبو بكرة‪ ،‬فقال‪ :‬يقول اهلل سبحانه ﴿ ی‬ ‫ئج ئح ئم ئى ئي بج بح بخ بم ﴾ قال أبي‪ :‬فشهدت ذاك‪ ،‬فما مات سمرة‬ ‫تي بناس ٍ كثير وأَناس‬ ‫ُ‬ ‫حتى أخذه الزمهرير‪ ،‬فمات شر ميتة‪ ،‬قال‪ :‬وشهدته وأ َ‬ ‫بين يديه فيق��ول للرجل‪ :‬ما دينك؟ فيقول أش��هد أن ال إل��ه إال اهلل وحده‬ ‫ال ش��ريك له‪ ،‬وأن محمد ًا عبده ورس��وله وأني بريء من الحرورية‪ ،‬فيقدم‬ ‫مر بضعة وعشرون»‪.‬‬ ‫فيضرب عنقه حتى ّ‬ ‫ونقل الطبري أيض ًا(‪« :((40‬حدثني عمر قال‪ :‬حدثني موسى بن إسماعيل‪،‬‬ ‫قال‪ :‬حدثنا نوح ب��ن قيس(‪ ،((40‬عن أش��عث الحداني(‪ ،((40‬عن أبي س��وار‬ ‫وكانت أمه عند مري بن سنان عم أبي س��عيد الخدري فيرون أن سمرة فيمن شهد أحدا‬ ‫=‬ ‫ونزل البصرة بعد ذلك فاختط بها ثم أتى الكوفة فأشترى بها دورا في بني أسد بالكناسة‬ ‫فبناها فنـزلها ومات بها‪ ،‬وله بقية وعقب‪ ،‬وروى عن رس��ول اهلل ژ أحاديث كثيرة وكان‬ ‫زياد يستعمله على البصرة إذا خرج إلى الكوفة‪.‬‬ ‫‪ ...‬لما مرض س��مرة بن جندب مرضه ال��ذي مات فيه أصابه برد ش��ديد فأوقدت له نار‬ ‫فجعل كانونا بين يديه وكانونا خلفه وكانونا عن يمينه وكانونا عن يساره‪ ...‬فجعل ال ينتفع‬ ‫بذلك ويقول كيف أصنع بما في جوفي فلم يزل كذلك حت��ى مات» (الطبقات الكبرى‪،‬‬ ‫ت‪ ،2887 :‬ج ‪ /7‬ص ‪.)35‬‬ ‫(‪ ((40‬تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.208‬‬ ‫(‪ ((40‬نوح بن قيس الحداني الطاحى وهو ابن قيس بن رباح روى عن تميم بن حويص وأشعث‬ ‫الحداني‪ ...‬نا عبد الرحمن أنا عبد اهلل بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال قال‬ ‫أبي‪ :‬نوح بن قي��س ثقة ذكره أبي‪ ،‬عن إس��حاق بن منصور عن يحيى ب��ن معين انه قال‬ ‫نوح بن قيس صالح‪ .‬نا عبد الرحمن أنا يعقوب بن إسحاق فيما كتب إلي قال نا عثمان بن‬ ‫س��عيد قال س��ألت يحيى بن معين عن نوح بن قيس فقال‪ :‬ثقة (كتاب الجرح والتعديل‪،‬‬ ‫ت‪ ،2209 :‬ج ‪ /8‬ص ‪.)483‬‬ ‫(‪« ((40‬أش��عث بن عبد اهلل بن جابر الحداني‪ ...‬أنا بن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال س��معت‬ ‫يحيى ب��ن معين يقول‪ :‬أش��عث بن جاب��ر الحداني ثقة بصي��ر‪ .‬حدثن��ا عبد الرحمن أنا‬ ‫عبد اهلل بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي قال أبي‪ :‬أش��عث بن جابر الحداني ال بأس به‪= .‬‬ ‫‪171‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫ً‬ ‫رجال قد‬ ‫العدوي(‪ ،((41‬قال‪ :‬قتل س��مرة من قومي في غداةٍ س��بعة وأربعين‬ ‫جمع القرآن»‪.‬‬ ‫وقال ابن س��عد(‪« :((41‬أخبرنا وهب ب��ن جرير بن ح��ازم(‪ ((41‬قال حدثني‬ ‫أبي(‪ ((41‬قال سمعت الفضل بن سويد(‪ ((41‬يحدث وكان في حجر الحجاج وكان‬ ‫أبوه أوصى إل��ى الحجاج ق��ال بعثني الحج��اج في حاجة فقي��ل قد جيء‬ ‫بسعيد بن جبير فرجعت ألنظر ما يصنع به فقمت على رأس الحجاج فقال له‬ ‫الحجاج يا سعيد ألم أستعملك ألم أش��ركك في أمانتي؟ قال بلى قال حتى‬ ‫سألت أبي عن أش��عث الحداني فقال ش��يخ»‪( .‬كتاب الجرح والتعديل‪ ،‬ت‪ ،984 :‬ج ‪/2‬‬ ‫=‬ ‫ص ‪ 273‬ـ ‪ .)274‬وق��ال اب��ن حج��ر‪« :‬ص��دوق» (تقري��ب التهذي��ب‪ ،‬ت‪ ،528 :‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪ 105‬ـ ‪.)106‬‬ ‫(‪« ((41‬أبو السوار العدوي البصري قيل اسمه حس��ان بن حريث وقيل حريث بن حسان‪ ...‬قال‬ ‫محمد بن س��عد أبو الس��وار العدوي من بني عدي بن زيد مناة بن طابخة بن إلياس بن‬ ‫مضر وكان ثقة وقال أبو عبيد اآلجري س��ئل أبو داود عن أبي الس��وار العدوي فقال من‬ ‫ثقات الناس روى له البخاري ومس��لم والنس��ائي» (تهذيب الكمال في أس��ماء الرجال‪،‬‬ ‫ت‪ ،8014 :‬ج ‪ /8‬ص ‪.)330‬‬ ‫(‪ ((41‬الطبقات الكبرى‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪ 274‬ـ ‪ .275‬وأيض ًا تاريخ الطبري ج ‪ /4‬ص ‪.24‬‬ ‫(‪ ((41‬وهب بن جرير بن حازم بن زيد أبو عبد اهلل األزدي البصري ثقة من التاس��عة مات سنة‬ ‫ست ومائتين (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،7499 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)291‬‬ ‫(‪ ((41‬جرير بن حازم بن زيد ب��ن عبد اهلل األزدي أبو النضر البصري وال��د وهب ثقة لكن في‬ ‫حديثه عن قتادة ضعف وله أوهام إذا حدث من حفظه وهو من السادسة مات سنة سبعين‬ ‫بعد ما اختلط لكن لم يحدث في حال اختالطه (تقريب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،913 :‬ج ‪ /1‬ص ‪.)158‬‬ ‫ونقل ابن حجر في التهذيب‪ ... « :‬عن ابن مه��دي‪ :‬جرير بن حازم اختلط‪ ،‬وكان له أوالد‬ ‫أحس��وا ذلك منه حجبوه‪ ،‬فلم يس��مع أحد منه في حال اختالطه‬ ‫أصحاب حديث‪ ،‬فلما ُّ‬ ‫شيئ ًا»‪( .‬تهذيب التهذيب‪ ،‬ت‪ ،965 :‬ج ‪ /2‬ص ‪.)64‬‬ ‫(‪« ((41‬الفضل بن س��ويد روى عن س��عيد بن جبير‪ ...‬قال أبو حاتم ليس بالمش��هور وال أرى‬ ‫بحديثه بأس��ا وذكره ابن حبان في كتاب الثقات روى له أب��و داود في كتاب القدر حديثا‬ ‫واحدا»‪( .‬تهذيب الكمال في أسماء الرجال‪ ،‬ت‪ ،5324 :‬ج ‪ /6‬ص ‪.)37‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪172‬‬ ‫ظننا أنه سيخلي سبيله قال فما حملك على أن خرجت علي قال عزم علي قال‬ ‫فطار الحجاج ش��قتين غضبا قال هيه أفرأيت لعزيمة عدو الرحمن عليك حقا‬ ‫ولم تر هلل وال ألمير المؤمنين عليك حقا اضربا عنقه فضربت عنقه»‪.‬‬ ‫فأين الدكتور أحمد عوض عن هذه الروايات المنس��وبة إلى س��مرة بن‬ ‫جندب والحج��اج الثقفي وهي أرقى من تل��ك الروايات الباطل��ة المتهافتة‬ ‫المنس��وبة إلى أهل النهروان الكرام؟‪ ،‬والتي اعتمد عليه��ا ليقول‪« :‬ال يكاد‬ ‫الباحث يجد سبب ًا حقيقي ًا جدير ًا بأن يدفع الخوارج(‪ ((41‬إلى إراقة الدماء التي‬ ‫أراقوها‪ ،‬وإزهاق األرواح التي أزهقوها‪ ،‬وإلى س��لب أموال المسلمين وقتل‬ ‫نسائهم وأطفالهم‪.((41(»...‬‬ ‫فنقول للدكتور كان ينبغ��ي لك أن تثبت التهمة أوالً ث��م بعد ذلك أقبل‬ ‫بكالمك هذا‪ ،‬فهذا الكالم أحق به جنود بني أمية وليس أهل النهروان الكرام‪.‬‬ ‫وكان ينبغي لك أن تقول‪« :‬ال يكاد الباحث يجد سبب ًا حقيقي ًا جدير ًا بأن يدفع»‬ ‫جنود بني أمية «إلى إراقة الدماء التي أراقوها‪ ،‬وإزهاق األرواح التي أزهقوها‪،‬‬ ‫وإلى سلب أموال المسلمين وقتل نسائهم وأطفالهم‪.»...‬‬ ‫أما كان من األجدر بالدكتور أحمد عوض أن يس��أل عن األس��باب التي‬ ‫دعت جنود بني أمية إلى سفك الدماء وسلب األموال؟‬ ‫من الروايات الت��ي ذكرت أعاله يتبي��ن لكل منصف أن الذي��ن ا ُتهموا‬ ‫باس��تجواب عبد اهلل بن خباب وقتله هم أن��اس ليس لهم صل��ة بفكر أهل‬ ‫النه��روان‪ ،‬بل هم قوم ق��د طردهم(‪ ((41‬أه��ل النهروان من صفوفهم بس��بب‬ ‫(‪ ((41‬كما هو واضح من سياق الكالم في كتاب الدكتور أحمد عوض فإنه يقصد بـ (الخوارج)‬ ‫هنا أهل النهروان الكرام‪.‬‬ ‫(‪ ((41‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫(‪ ((41‬أثبتنا طرد أهل النهروان للقوم الذي اس��تعرضوا الناس في الطرقات في كتابنا (اإلباضية =‬ ‫‪173‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫للكتَّاب في اتهامهم ألهل النهروان‬ ‫أعمالهم الشنيعة المنكرة‪ ،‬وبهذا فال حجة ُ‬ ‫باستجواب الناس على الهوية وقتلهم في الطرقات‪.‬‬ ‫ويتبين لن��ا جميع ًا‪ ،‬من خالل الروايات الس��ابقة‪ ،‬أن الذي��ن لهم القدح‬ ‫المعلى‪ ،‬والس��هم الفائز‪ ،‬والحظ األوفر في اس��تجواب الناس وقتلهم على‬ ‫انتماءاتهم السياسية هم قادة وساس��ة وكبار المسؤولين من الجبابرة في دولة‬ ‫بني أمية وبني العباس‪.‬‬ ‫دور أصحاب السياس��ة في تألي��ب العامة على من‬ ‫الكتَّاب َ‬ ‫وقد س��جل ُ‬ ‫عاداهم ووقف ضد سياس��اتهم‪ ،‬خدم��ة لمآربهم الذاتي��ة وتعزيز ًا لصوالت‬ ‫جحافلهم‪ ،‬فقد جاء في كتاب (مسالك األبصار في ممالك األمصار) ما نصه‪:‬‬ ‫«بعث ‌هشام بن عبد الملك إلى ‌األعمش أن اكتب لي ‌مناقب ‌عثمان ومساوي‬ ‫‌علي‪ ،‬فأخذ القرطاس وأدخلها في فم ش��اة فالكتها وقال لرسوله‪ :‬قل له هذا‬ ‫وتحمل‬ ‫ّ‬ ‫جوابك‪ ،‬فقال له الرس��ول‪ :‬إنه قد آلى أن يقتلني إن لم آته بجوابك‪،‬‬ ‫عليه بإخوانه‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا محمد خ ّلصه م��ن القتل‪ ،‬فلما ألحوا عليه‪ ،‬كتب‪:‬‬ ‫بس��م اهلل الرحمن الرحيم أما بعد يا أمير المؤمنين‪ ،‬فلو كانت لعثمان ‌مناقب‬ ‫ضرتك‪،‬‬ ‫أهل األرض ما نفعتك‪ ،‬ولو كانت لعلي مس��اوي أه��ل األرض ما ّ‬ ‫فعليك بخويصة نفسك»(‪.((41‬‬ ‫ومنهجية البحث عن��د المؤرخين وأصحاب المق��االت)‪ ،‬انظر القس��م األول من الفصل‬ ‫=‬ ‫الخامس من الكتاب المذكور‪.‬‬ ‫وقال الدكتور الشيخ الس��ابعي‪« :‬وبهذا يتبين أنه حتى الجماعة التي أقبلت من البصرة لم‬ ‫يرتض ِ أكثرها عمل مسعر‪ ،‬وعليه فإن االستعراض الذي نتج عنه مقتل ابن خباب وزوجته‬ ‫وبعض النسوة ورسول علي كان من عمل مسعر وال عالقة ألهل النهروان به‪ ،‬خاصة بعد‬ ‫أن طردوه وبعد أن اس��تأمن إلى علي فأمنه ألنه كان (يقطع الطريق وس��يتحل الفروج)»‬ ‫(الخوارج والحقيقة الغائبة‪ ،‬ص ‪.)132‬‬ ‫(‪ ((41‬مسالك األبصار في ممالك األمصار‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪ ،648‬وانظر كذلك (وفيات األعيان‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.)402‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪174‬‬ ‫من هذا النص‪ ،‬وغيره من النصوص الت��ي ذكرناها أعاله‪ ،‬يتبين دور‬ ‫الساس��ة في تأليب الجماهير على األبرياء‪ ،‬ومحاولتهم الدؤوبة لتجنيد‬ ‫األقالم واألف��واه في ب��ث الدعايات الباطل��ة في أوس��اط المجتمعات‬ ‫المسلمة‪.‬‬ ‫فهل سينتبه الدكتور هاني سليمان الطعيمات وغيره لهذه الحقائق‪ ،‬أم‬ ‫أنه س��يبقى عالة على الضعف��اء من الرواة ولس��ان دعاي��ة ألهل الجور‬ ‫والجبروت؟‬ ‫(ج)‬ ‫كُ َّتاب التاريخ ينسبون مجاهيل من الناس‬ ‫إلى أهل النهروان‬ ‫والمتصفح لكتب التاريخ يجدها محشوة بأس��ماء رجال ال تعرف أصولهم‬ ‫الكتَّاب لكثير منهم أية حادثة تبرر وسمهم بالخروج على‬ ‫الفكرية‪ ،‬ولم ينس��ب ُ‬ ‫تعاليم اإلسالم‪.‬‬ ‫والروايات المنس��وبة إلى الخوارج جاء فيها أس��ماء رج��ال مجهولين؛‬ ‫والكتَّاب على مدى القرون الماضية وإلى‬ ‫ُ‬ ‫ال ذكر لهم إال في تلك الروايات‪.‬‬ ‫هذا الوقت‪ ،‬جعل��وا أولئك المجاهيل ممن وصفوه��م بالخوارج خلف ًا ألهل‬ ‫النهروان!!‬ ‫وما محاولة إلصاق المجهولين بأهل النهروان ونسبة المخالفات الشرعية‬ ‫إليهم‪ ،‬إال إش��اعة أريد منها بث الوهن والتشكيك في مواقفهم‪ ،‬والتقليل من‬ ‫ش��أنهم في أوس��اط من رأى س�لامة مواقفهم‪ .‬ولقد ثبت لدى كل عاقل أن‬ ‫«اإلشاعة ال تثبت أي شيء‪ ،‬بل تؤدي عملها فقط إذا استطاعت أن تخلق جو ًا‬ ‫‪175‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫من عدم الثقة»(‪ .((41‬والمتتبع لما نس��ب إلى أهل النهروان من أباطيل يجدها‬ ‫ضمن «حرب هجومية يخوضها جيش بأسلحة فكرية وعاطفية»(‪.((42‬‬ ‫فها هو ابن األثير يذكر في موس��وعته التاريخية أسماء رجال و َع َّدهم من‬ ‫الخوارج ولم ينسب لكثير منهم أي عمل استحقوا به صفة الخارجية‪.‬‬ ‫فممن ذكرهم ابن األثير في كامله‪ :‬بالل الغس��اني(‪ ،((42‬وحمزة بن مالك‬ ‫الخزاع��ي(‪ ،((42‬وعم��رو اليش��كري(‪ ،((42‬والبختري صاحب األش��هب(‪،((42‬‬ ‫وأبان بن قحطبة الخارجي(‪ ،((42‬وأبو عمرو الش��اري(‪ ،((42‬ويوسف البرم(‪،((42‬‬ ‫وعبد الس�لام الخارجي(‪ ،((42‬ومحمد بن عمرو(‪ ،((42‬ومساور بن عبد الحميد‬ ‫الموصل��ي الخارج��ي(‪ ،((43‬وحل��ي ي��ن يحي��ى الخارج��ي(‪ ،((43‬وهارون‬ ‫الخارجي(‪ ،((43‬وابن مط��ر ومحمد بن صالح(‪ ،((43‬وش��وذب الخارجي(‪،((43‬‬ ‫(‪ ((41‬محددات اإلش��اعة في الس��لم والحرب‪ ،‬ص ‪ً ،136‬‬ ‫نقال عن معتز س��يد عبد اهلل‪ :‬الحرب‬ ‫النفسية والشائعات‪ ،‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪1997 ،‬م‪.)192 ،‬‬ ‫ً‬ ‫نق�لا عن أحمد ب��در‪ ،‬اإلعالم الدولي‬ ‫(‪ ((42‬محددات اإلش��اعة في الس��لم والحرب‪ ،‬ص ‪115‬‬ ‫دراسات في االتصال والدعاية الدولية‪ ،‬مكتبة غريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.)292‬‬ ‫(‪ ((42‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.415‬‬ ‫(‪ ((42‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.95‬‬ ‫(‪ ((42‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.212‬‬ ‫(‪ ((42‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.212‬‬ ‫(‪ ((42‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.168‬‬ ‫(‪ ((42‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.166‬‬ ‫(‪ ((42‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.43‬‬ ‫(‪ ((42‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.48‬‬ ‫(‪ ((42‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.120‬‬ ‫(‪ ((43‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.179‬‬ ‫(‪ ((43‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪.298 /7‬‬ ‫(‪ ((43‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.419‬‬ ‫(‪ ((43‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.214‬‬ ‫(‪ ((43‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.68‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪176‬‬ ‫وزياد بن خراش العجلي(‪ ،((43‬وشبيب الخارجي(‪ ،((43‬ومعين الخارجي(‪،((43‬‬ ‫وأبا مري��م(‪ ،((43‬وأش��رس بن عوف الش��يباني(‪ ،((43‬وهالل ب��ن علقمة(‪،((44‬‬ ‫واألش��هب بن بش��ر(‪ ،((44‬وس��عيد بن قفل التيمي(‪ ،((44‬وأبا مريم الس��عدي‬ ‫التميمي(‪ ،((44‬وياس��ين من بني تميم(‪ ،((44‬وثروان بن س��يف(‪ ،((44‬وسيف بن‬ ‫بكير(‪ ،((44‬وصالح بن مس��رح الخارج��ي(‪ ،((44‬والصحص��ح الخارجي(‪،((44‬‬ ‫والفضل بن س��عيد الحروري(‪ ،((44‬وحصين الخارج��ي(‪ ،((45‬وحمزة بن اترك‬ ‫السجستاني(‪ ،((45‬والموفق الخارجي(‪ ،((45‬وأبا النداء(‪ ،((45‬وخارجي من بجيلة‬ ‫اس��مه صالح بن محمود(‪ ،((45‬وإنس��ان من الخوارج اس��مه عبي��دة من بني‬ ‫(‪ ((43‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.491‬‬ ‫(‪ ((43‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.396‬‬ ‫(‪ ((43‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.412‬‬ ‫(‪ ((43‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.412‬‬ ‫(‪ ((43‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.372‬‬ ‫(‪ ((44‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.372‬‬ ‫(‪ ((44‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.372‬‬ ‫(‪ ((44‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.373‬‬ ‫(‪ ((44‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.516‬‬ ‫(‪ ((44‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.78‬‬ ‫(‪ ((44‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.205‬‬ ‫(‪ ((44‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.197‬‬ ‫(‪ ((44‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.78‬‬ ‫(‪ ((44‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.112‬‬ ‫(‪ ((44‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.115‬‬ ‫(‪ ((45‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.124‬‬ ‫(‪ ((45‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.147‬‬ ‫(‪ ((45‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.163‬‬ ‫(‪ ((45‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.205‬‬ ‫(‪ ((45‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.220‬‬ ‫‪177‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫العم��روي(‪ .((45‬وغيرهم الكثي��ر الكثير م��ن الذين ال يعرف��ون‪ ،‬ولم تعرف‬ ‫مبادئهم‪ ،‬هذا إن كان لهم وجود في هذه الدنيا‪.‬‬ ‫الكتَّاب عند ذكر أسماء مجهولة‪ ،‬بل تعدى بهم الحال إلى أن ذكروا‬ ‫ولم يقف ُ‬ ‫أناس ًا ووصفوهم بالخوارج‪ ،‬ولم يذكروا لهم اسم ًا وال نسب ًا‪ ،‬فقد قال ابن األثير‪:‬‬ ‫ـ «وفيها ظهر بسجستان خارجي‪ ،‬وسار في جمع إلى بالد فارس يريد التغلب‬ ‫عليها‪ ،‬فقتله أصحابه قبل الوصول إليها‪ ،‬وتفرقوا»(‪ .((45‬فمن هو هذا الخارجي؟‬ ‫ـ «وفيها َح َّك��م رجل من الخوارج بمنى وس��ل س��يفه‪ ،‬وكانوا جماعة‪،‬‬ ‫فأمسك اهلل أيديهم فقُتل ذلك الرجل عند الجمرة»(‪ .((45‬ومن هو هذا الخارجي‬ ‫الذي سل سيفه بمنى؟‬ ‫ـ «وفيها ورد الخبر إلى بغداد‪ ،‬ورس��ول من عامل برقة‪ ...‬بخبر خارجي‬ ‫خرج عليهم‪ ،‬وأنهم ظفروا به وبعسكره‪ ،‬وقتلوا منهم خلقا كثيرا‪.((45(»...‬‬ ‫ـ « ‪ ...‬وأوقع الخوارج بخراسان بأهل قرية الحمراء من نيسابور‪ ،‬فأكثروا‬ ‫فيهم القتل»(‪ .((45‬فمن هم هؤالء الخوارج؟‪.‬‬ ‫ـ «فتعاقد سبعة عش��ر رجالً من بني عوف على الطلب بدم ُبكَ ْير‪ ،‬فخرج‬ ‫فتى منهم ُيقال له ش��مردل من البادية حتى قدم خراس��ان فرأى َبحير ًا واقفا‬ ‫فحمل عليه‪ ،‬فطعنه فصرعه وظن أنه قد قتله فقال الناس‪ :‬خارجي‪ ،‬وراكضهم‪،‬‬ ‫فرسه فسقط عنه فقُتل»(‪ ،((46‬حتى المجاهيل نسبوهم إلى الخوارج!!‪.‬‬ ‫فعثر به ُ‬ ‫(‪ ((45‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪.226 /7‬‬ ‫(‪ ((45‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.198‬‬ ‫(‪ ((45‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 304‬ـ ‪.305‬‬ ‫(‪ ((45‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.74‬‬ ‫(‪ ((45‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.414‬‬ ‫(‪ ((46‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.458‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪178‬‬ ‫ـ «وفي هذه السنة خرج خارجي من البربر بناحية مورور‪ ،‬من األندلس‪،‬‬ ‫ومعه جماعة»(‪ .((46‬من هو هذا الخارجي؟‪.‬‬ ‫الكتَّاب على ذكر رجال مجهولين في المحيط اإلسالمي‪ ،‬بل‬ ‫ولم يقتصر ُ‬ ‫أضافوا إلى قائمة الخوارج رجاالً ظهرت جرائمهم في ساحات الملل الكافرة‪،‬‬ ‫فقد نقل ابن األثير‪:‬‬ ‫ـ «ثم إن كيكاووس بعد ه��ذه الحادثة تمزق ملكه وكثرت الخوارج عليه‬ ‫فصاروا يغزونه‪ ،‬فيظفر مرة ويظفرون أخرى»(‪.((46‬‬ ‫خارجي من‬ ‫ٌّ‬ ‫ـ « ‪ ...‬فخرج اس��م قس��طنطين‪ ،‬فم ّلكوه‪ ...‬فخرج عليه فيها‬ ‫الروم اسمه أرميناس‪ ...‬فأهم قسطنطين أمره‪ ،‬وس َّيره إليه جيش ًا كثيف ًا‪ ،‬فظفروا‬ ‫بالخارجي وقتلوه‪ ،‬وحملوا رأسه إلى القسطنطينية‪.((46(»...‬‬ ‫ـ «ظهر ببالد الصين إنسان ال ُيعرف‪ ،‬فجمع جمع ًا كثير ًا من أهل الفساد‬ ‫والعامة‪ ...‬فأغار عل��ى البالد وأخربها‪ ،‬ون��زل على مدينة خانق��وا‪ ...‬وبذل‬ ‫السيف‪ ،‬فقتل منهم ما ال يحصى كثرة‪ ...‬ثم انهزم الملك‪ ،‬وتبعه الخارجي‪...‬‬ ‫واس��تولى الخارجي على أكثر الب�لاد والخزائن‪ ...،‬فأخ��رب البالد‪ ،‬ونهب‬ ‫األموال‪ ،‬وسفك الدماء‪.((46(»...‬‬ ‫فهؤالء الذين وصفوا بالخوارج هنا ـ س��واء من ذكر اس��مه أو لم يذكر‬ ‫اس��مه ـ ال عالقة لهم بفكر أهل النهروان الكرام البتة؛ فأهل النهروان ومن‬ ‫س��ار على نهجهم عبر التاريخ لم تزايل أقدامهم خطى الرسول ژ وخطى‬ ‫الصحابة الكرام‪.‬‬ ‫(‪ ((46‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.318‬‬ ‫(‪ ((46‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.247‬‬ ‫(‪ ((46‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /9‬ص ‪.500‬‬ ‫(‪ ((46‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.319‬‬ ‫‪179‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫الكتَّاب المدلول االصطالح��ي لكلمة (الخوارج)‬ ‫ولقد ناقش كثير م��ن ُ‬ ‫حسب ورودها في كتب التاريخ والحديث وأش��عار الناس‪ ،‬وبين كل كاتب‬ ‫ما يراه المعنى المناس��ب لهذا االصطالح‪ ،‬ولمزيد م��ن اإليضاح حول داللة‬ ‫كلمة (الخ��وارج) عليك أيه��ا القارئ الكري��م بكتاب (الخ��وارج والحقيقة‬ ‫الغائبة)(‪ ((46‬للدكتور الشيخ ناصر السابعي‪.‬‬ ‫ومهما يكن من تعدد في مدلوالت ه��ذه الكلمة‪ ،‬فإن مدلول (الخوارج)‬ ‫الكتَّاب‪ ،‬الذين تطاولوا على أهل النهروان واإلباضية‪،‬‬ ‫الذي يسعى به جميع ُ‬ ‫ينطبق على من يعيث ف��ي األرض(‪ ((46‬فس��اداً‪ ،‬ومن يح��رق وينهب ويقتل‬ ‫األطفال ويأخذ النساء(‪ ،((46‬ومن يقتل ويمثل وينهب ليرعب قلوب الناس(‪،((46‬‬ ‫ومن يقتل الرجال ويسبي النساء ويشق فروج النساء ويبقر بطونهن(‪ ،((46‬ومن‬ ‫(‪ ((46‬الخوارج والحقيق��ة الغائبة‪ ،‬ص ‪ 144‬ـ ‪ ،161‬حيث ناقش الدكتور الش��يخ ناصر الس��ابعي‬ ‫مصطلح (الخوارج) من ناحية النش��أة التاريخية‪ ،‬ومن جانب النواحي الصرفية‪ ،‬واللغوية‪،‬‬ ‫واالصطالحية‪.‬‬ ‫(‪ ((46‬قال ابن األثير‪« :‬خرج الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة‪ ...‬ثم سار إلى أذربيجان‪ ،‬ثم إلى‬ ‫حلوان وأرض الس��واد‪ ،‬ثم عبر إلى غرب دجلة‪ ،‬وقصد مدينة َب َل َد‪ ،‬فافتدوا منه بمائة ألف‬ ‫وعاث في أرض الجزيرة» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.)141‬‬ ‫(‪ ((46‬قال ابن األثي��ر‪ ... « :‬ودخل أبو يزي��د باجة فأحرقه��ا ونهبها‪ ،‬وقتلوا األطف��ال‪ ،‬وأخذوا‬ ‫النساء‪( »...‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.)423‬‬ ‫(‪ ((46‬قال ابن األثير‪ ... « :‬وبلغ الخبر إلى أبي يزيد‪ ،‬فسير إليهم طائفة من عسكره‪ ،‬وأمر مقدمهم‬ ‫أن يقتل‪ ،‬ويمثل‪ ،‬وينهب‪ ،‬ليرعب قلوب الناس‪ ،‬ففعل ذلك‪( »...‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪/8‬‬ ‫ص ‪ ،)424‬وقال أيض�� ًا‪ ... « :‬وكان البربر يأت��ون إلى أبي يزيد م��ن كل ناحية‪ ،‬وينهبون‪،‬‬ ‫ويقتلون‪ ،‬ويرجعون إلى منازلهم‪( »...‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.)429‬‬ ‫(‪ ((46‬قال ابن األثير‪ ... « :‬وأرسل س��رية إلى ُسوسة ففتحوها بالس��يف‪ ،‬وقتلوا الرجال‪ ،‬وسبوا‬ ‫النساء‪ ،‬وأحرقوها‪ ،‬وشقوا فروج النس��اء‪ ،‬وبقروا البطون‪ ،‬حتى لم يبق في أفريقية موضع‬ ‫معمور وال سقف مرفوع‪ ،‬ومضى جميع من بقي إلى القيروان حفاة عراة‪ ،‬ومن تخلص من‬ ‫السبي مات جوع ًا وعطش�� ًا‪ .‬وفي آخر ربيع اآلخر من س��نة ثالث وثالثين وثالثمائة أمر =‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪180‬‬ ‫يقطع الطرق ويفس��د في األرض(‪ ،((47‬ومن يقتل ويجم��ع األموال(‪ ،((47‬ومن‬ ‫يأخذ األبكار ويفتضهن في المساجد(‪.((47‬‬ ‫ويلخص الدكتور محمد بن موسى الشريف صنائع الخوارج بقوله‪« :‬كان‬ ‫الخوارج يقدمون على س��فك الدماء على وجه عجي��ب ال يراعون فيه حرمة‬ ‫القائم بحفر الخنادق حول أرباض المهدية‪ ،‬وكتب زيري بن مناد‪ ،‬س��يد صنهاجة‪ ،‬وإلى‬ ‫=‬ ‫س��ادات كتامة والقبائل يحثهم على االجتماع بالمهدية وقتال الن��كار فتأهبوا للمسير إلى‬ ‫القائ��م» (الكامل في التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ .)426‬وق��ال أيض ًا‪ ... « :‬فلما اجتمعت عس��اكر‬ ‫أبي يزيد أرسل الجيوش‪ ...‬إلى تونس‪ ،‬فدخلوها بالسيف في العشرين من صفر سنة أربع‬ ‫وثالثين وثالثمائة فنهبوا جميع ما فيها‪ ،‬وسبوا النس��اء واألطفال‪ ،‬وقتلوا الرجال‪ ،‬وهدموا‬ ‫المس��اجد‪ ،‬ونجا كثير من الناس إلى البحر فغرق» (الكامل ف��ي التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.)431‬‬ ‫ونقل ابن كثير أيض ًا ما نصه‪« :‬وفيها خرجت الخوارج من الصفرية وغيرهم ببالد إفريقية‪...‬‬ ‫فقاتلوا نائب إفريقية فهزموا جيش��ه وقتلوه‪ ...‬وأكثرت الخوارج الفساد في البالد‪ ،‬وقتلوا‬ ‫الحريم واألوالد» (البداية والنهاية‪ ،‬م‪ ،5‬ج ‪ /10‬ص ‪.)113‬‬ ‫(‪ ((47‬قال ابن األثير‪ ... « :‬وخرج أيضا فضل بن أبي يزيد‪ ،‬وأفسد وقطع الطريق‪ ،‬فغدر به بعض‬ ‫أصحابه وقتله‪( »...‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ )441‬ونقل ابن األثير أيض ًا‪« :‬فشنوا الغارة‬ ‫على أهل المدائن يقتلون الرجال والنس��اء والولدان ويش��قون أجواف الحبالى‪ ...‬وأفسد‬ ‫الخوارج في األرض‪( .‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ ،)283‬وقال أيض ًا‪« :‬وقُتل من الخوارج‬ ‫إنس��ان اس��مه جعفر‪ ،‬وهو من أعيان أصحاب ه��ارون‪ ،‬فعظم عليه قتل��ه‪ ،‬وأمر أصحابه‬ ‫باإلفساد في البالد (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.)470‬‬ ‫(‪ ((47‬قال ابن األثير‪« :‬وخلت خراس��ان لحمزة الخارجي‪ ،‬حتى دخلها‪ ،‬وصار يقتل‪ ،‬ويجمع‬ ‫األموال‪ ،‬ويحملها إليها ُع ّمال َهراة وسجس��تان» (الكامل ف��ي التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.)209‬‬ ‫خارجي اس��مه األغر بن مط��ر التغلبي‪ ...‬وقصد‬ ‫ٌ‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬خرج ب��أرض الموصل‬ ‫كفرتوثا وقد اجتمع معه نح��و ألفي رجل‪ ،‬فدخله��ا ونهبها وقتل فيه��ا» (الكامل في‬ ‫التاريخ‪ ،‬ج ‪.)221 /8‬‬ ‫(‪ ((47‬قال ابن األثير‪« :‬وفيها خرج علي بن مس��اور الخارجي‪ ...‬فسار إلى أذرمة‪ ،‬فحاربه أهلها‪،‬‬ ‫فظفر بهم‪ ،‬فدخلها بالس��يف‪ ،‬وأخذ جاري��ة بكر ًا فجعلها فيئ ًا واقتضها في المس��جد‪»...‬‬ ‫(الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.)249‬‬ ‫‪181‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫سابقة ألحد‪ ،‬ونتج عن صنيعهم هذا مقتل عشرات اآلالف من المسلمين على‬ ‫مدار تاريخهم منهم سادة كرام نجباء‪.((47(»...‬‬ ‫هذه هي جملة مما ُنعت به (الخوارج)‪ ،‬وهي صفات برئت منها س��احة‬ ‫أهل النهروان‪ ،‬ولم يقم دليل صادق واحد يرتضيه منهج اإلسالم ويثبت نسبة‬ ‫هذه القضايا إلى أهل النهروان‪ ،‬أصحاب عبد اهلل بن وهب الراسبي‪ .‬وما نسب‬ ‫إلى أصح��اب عبد اهلل بن وهب الراس��بي من أفعال تس��تنكرها الش��رائع‬ ‫السماوية‪ ،‬وترفضها الفطر الس��ليمة من قتل ومثلة إنما هي أكاذيب ال أصل‬ ‫لها‪ ،‬وكل الرواي��ات التي جاءت بها ضعيف��ة في ميزان اإلس�لام‪ ،‬والذين‬ ‫نشروها واحتجوا بها إنما هم «يحتطبون األخبار بأهوائهم»‪ ،‬وما قاموا به إنما‬ ‫هو «عمل غير علمي وال دقيق‪ ،‬بل عمل حاطب ليل وس��ائس خيل ال عمل‬ ‫أس��اتذة التاريخ المحققين»‪ .‬وما س��طرته أيديهم يبرهن بأصدق لسان أنهم‬ ‫«كالخابط في ظلماء الليالي»‪.‬‬ ‫فالع��ار يلحق من عرف منهج اإلس�لام ف��ي تقييم األخب��ار‪ ،‬ثم هو‬ ‫ال يلتفت إل��ى المنهج الس��ليم ويقبل ب��كل كيانه على رواي��ات باطلة‪،‬‬ ‫ويتخذها وس��يلته الس��هلة لكي يلصق مجرمي التاري��خ وأعمالهم بأهل‬ ‫النهروان الطهر الميامين‪.‬‬ ‫الكتَّاب‪ :‬لقد تجاهلتم مناهج اإلس�لام في دراس��ة األخبار‬ ‫فأقول لهؤالء ُ‬ ‫فكانت نتيجة كتاباتكم نسبة الباطل إلى أهل النهروان واإلباضية‪ ،‬ولو ق ََّد ْر ُتم‬ ‫ما ينبغي لكم فعله حق قدره لما تلطخت ألس��نتكم بذكر األباطيل‪ ،‬وألرحتم‬ ‫أنفسكم من تبعات الكذب في الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫(‪ ((47‬من مآسي االفتراق‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪182‬‬ ‫(د)‬ ‫كُ َّتاب التاريخ والجرائم التي ارتكبها‬ ‫الذين حاربهم الفكر اإلباضي‬ ‫تلك الجرائم التي نس��بها ُكتَّ��اب التاريخ لمن قالوا عنه��م خوارج‪ ،‬هم‬ ‫الكتَّاب ـ من سطر أشنع منها ونسبوها إلى أناس آخرين ولكنهم‬ ‫أنفسهم ـ أي ُ‬ ‫لم يحشروهم في زمرة الخوارج‪.‬‬ ‫وأستسمحك أخي القارئ الكريم في عرض هذه األحداث المؤلمة التي‬ ‫نقلها ابن األثير وغيره‪ ،‬ألن من محاور هذا البحث هو بيان أن هناك خرق ًا‬ ‫واضح ًا للعدالة التي ينشدها اإلسالم من ق ِ َبل ُكتَّاب التاريخ‪ ،‬وبيان أن هناك‬ ‫الكتَّاب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اعتداء على مناهج اإلسالم في كتابة التاريخ من ق َبل كثير من ُ‬ ‫ً‬ ‫ومن محاور هذا البحث أيض ًا مطالبة كل فرد تعرض للحديث عن تاريخ‬ ‫أمة اإلس�لام العدالة في الحكم‪ ،‬وع��دم بخس الناس أش��ياءهم‪ ،‬وأن يضع‬ ‫الرجال في المنازل التي وضعهم اإلسالم فيها‪.‬‬ ‫وأنا حينم��ا أضع هذه األح��داث أم��ام ناظريك فإني أرج��و منك أخذ‬ ‫المالحظات اآلتية بعين االعتبار‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ لن تنف��ع من غبر من البش��ر مدائ��ح الحاضرين إذا كانت س��يرهم‬ ‫ال تقربهم إلى اهلل‪ ،‬ولن يضر من مضى من الناس ش��تائم الحاضرين إن كانوا‬ ‫أقدموا على اهلل بقلوب طاهرة وأعمال زاكية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ قضيتنا في هذا البحث ليس لها عالقة بالرجال الذين ُنسبت إليهم أو‬ ‫عليهم تلك األحداث‪ ،‬فذكر أس��مائهم جاء عرض ًا في وسط سطور األخبار‪،‬‬ ‫لهذا فإني أدعو القارئ إلى النظر في األحداث التي أمامه وأال يحمل تبعات‬ ‫‪183‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫تلك األحداث إلى من ُنس��بت إليهم؛ فال تهمنا تفاصيل أحداث وقعت قبلنا‬ ‫بقرون‪ ،‬ولن نسأل نحن عنها ولو عرفنا تفاصيلها‪.‬‬ ‫الكتَّاب الذين ينقلون‬ ‫‪ 3‬ـ حس��بي من هذه النقوالت إقامة الحجة عل��ى ُ‬ ‫الكتَّاب‬ ‫األخبار الباطلة وينس��بونها إلى األبرياء‪ ،‬في وقت ال نس��مع لهؤالء ُ‬ ‫همسا حينما ُتنس��ب نفس األعمال‪ ،‬أو أفظع منها‪ ،‬إلى جنود بني أمية وبني‬ ‫العباس وغيرهم‪.‬‬ ‫وإليكم ه��ذه األحداث وفيه��ا الداللة الواضحة أن الذي��ن وقفوا موقف‬ ‫العداء لإلباضية لم يتبعوا منهاج اإلسالم في تقييم الرجال‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ جرائم الجيش األموي في مدينة رسول اهلل ژ ‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«وأباح مسلم المدينة ثالثا(‪ ((47‬يقتلون الناس ويأخذون المتاع واألموال‪،‬‬ ‫فأفزع ذلك من بها من الصحابة‪ ...‬ودعا مس��لم الناس إلى البيعة ليزيد على‬ ‫فمن امتنع من‬ ‫أنهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم من ش��اء‪َ ،‬‬ ‫ذلك قتله‪.((47(»...‬‬ ‫«فلما قدم المدينة أقام بها شهر ًا أو شهرين فأساء إلى أهلها واستخف بهم‬ ‫وقال‪ :‬أنتم قتلة أمي��ر المؤمنين عثم��ان‪ ،‬وختم أيدي جماع��ة من الصحابة‬ ‫(‪ ((47‬وذكر ابن األثير وصية يزيد بن معاوية لقائده مسلم بن عقبة المري حينما وجهه لحرب أهل‬ ‫مدينة رس��ول اهلل ژ‪« :‬وس��ار الجيش وعليهم مس��لم‪ ،‬فقال له يزيد‪ :‬إن حدث بك حدث‬ ‫فاستخلف الحصين بن نمير السكوني‪ ،‬وقال له‪ :‬ادع القوم ثالثا‪ ،‬فإن أجابوك وإال فقاتلهم‪،‬‬ ‫ظهرت عليهم فانهبها ثالثا‪ ،‬فكل ما فيها من مال أو دابة أو سالح أو طعام فهو للجند‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فإذا‬ ‫فإذا مضت الثالث فاكفف عن الناس»‪( .‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 112‬ـ ‪.)113‬‬ ‫(‪ ((47‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 117‬ـ ‪.118‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪184‬‬ ‫بالرصاص اس��تخفافا به��م كما ُيفعل بأه��ل الذمة‪ ،‬منه��م جابر بن عبد اهلل‬ ‫وأنس بن مالك وسهل بن سعد‪.((47(»...‬‬ ‫أخي القارئ الكريم‪:‬‬ ‫أتدري أي جيش هذا الذي استباح مدينة رسول اهلل ژ فقتل الناس ونهب‬ ‫األموال وأفزع الصحابة؟‬ ‫أتدري أي جيش هذا الذي أس��اء إل��ى أهل المدينة وخت��م على أيدي‬ ‫الصحابة بالرصاص؟‬ ‫إنه جي��ش بني أمية ـ حس��ب ما تناقلته كتب التاريخ ـ ال��ذي كان عليه‬ ‫مسلم بن عقبة المري‪.‬‬ ‫الكتَّاب لذلك الجيش العربيد لم تصل‬ ‫هذه الجرائم وغيرها التي سجلها ُ‬ ‫بمرتكبيها في أنظ��ار ُكتَّاب التاريخ إلى حضيض الخ��وارج وإن أتوا بأعمال‬ ‫التتار التي ارتكبوها في ديار اإلسالم‪.‬‬ ‫للكتَّاب‪ :‬لماذا ال نجد أفراد هذا الجيش في قائمتكم التي سجلتم‬ ‫فسؤالنا ُ‬ ‫فيها أسماء من قلتم إنهم خوارج؟ أليس استحالل مدينة رسول اهلل ژ كبيرة‬ ‫من كبائر جرائم الحروب؟ إنها األهواء حينم��ا تخالط قلوب الناس‪ ،‬فتنقلب‬ ‫الموازين وتتعطل األحكام في حق من يستحقها‪.‬‬ ‫لقد ُع ِّرفَت جرائم الحرب بأنها‪« :‬مخالفة الشرع وما يتفق معه من قوانين‬ ‫وأعراف الح��رب وتقاليدها الت��ي تش��مل كل األفعال المحرم��ة من القتل‬ ‫والتعذيب واإلكراه وس��وء المعامل��ة واالعتقال في المعس��كرات واألعمال‬ ‫الشاقة‪ ،‬التي تنال من الس��كان المدنيين التابعين لدولة األعداء أو المقيمين‬ ‫(‪ ((47‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 358‬ـ ‪.359‬‬ ‫‪185‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫فيها‪ ،‬وأفعال القتل أو اإلساءة والتعذيب ألسرى الحرب وقتل الرهائن وسلب‬ ‫الممتلكات الخاصة أو العام��ة‪ ،‬وتدمير المدن والقرى وتخريبها أو كل أفعال‬ ‫التدمير والتخريب الذي ال تبرره الضرورة العسكرية»(‪.((47‬‬ ‫فكل جرائم الحرب التي تحاربها الش��رائع الس��ماوية ق��د فعلها جيش‬ ‫يزيد بن معاوية في مدينة رس��ول اهلل ژ ‪ ،‬ومع هذا لم يجرؤ ابن األثير ومن‬ ‫الكتَّاب على وصف يزيد وجنوده بالخوارج!!!‪.‬‬ ‫سار على نهجه من ُ‬ ‫وتلك المشاهد المؤلمة من قتل ونهب وهتك أعراض والتي كانت مدينة‬ ‫رسول اهلل ژ ساحتها‪ ،‬لم نش��اهد مثلها وال نصيفها إال حينما استحل الكفار‬ ‫دي��ار المس��لمين‪ ،‬فقد جاء ف��ي كت��اب (الدين وال��دم) ما يل��ي‪« :‬تعرض‬ ‫المورسكيون(‪ ((47‬ألهوال كثيرة حتى قبل أن يغادروا بيوتهم‪ ،‬فكان النصارى‬ ‫يهجمون عليهم في بيوتهم لسرقة ممتلكاتهم وقتلهم في حاالت كثيرة‪ .‬وفي‬ ‫أثناء الترحيل إلى الموانئ تعرضوا إلى السرقة واالختطاف‪ ،‬حتى من جانب‬ ‫الجنود المرافقين لهم‪ .‬وكانت المآس��ي األكبر في انتظارهم على السفن التي‬ ‫تآمر عليهم بحارتها في حاالت كثيرة‪ ،‬فسرقوا ممتلكاتهم واغتصبوا نساءهم‪،‬‬ ‫وألقوا به��م في البحر أو باعوه��م عبيد ًا أو ألقوا بهم على ش��واطئ معزولة‬ ‫تخل رحلتهم من‬ ‫ُ‬ ‫وحتى المورسكيون الذين هاجروا بر ًا عن طريق فرنسا‪ ،‬لم‬ ‫السرقة واالبتزاز والقتل في بعض األحيان‪ .‬ومن المورسكيين أيض ًا من رفض‬ ‫(‪ ((47‬المسئولية الجنائية للقادة العسكريين في الحروب شرع ًا ونظام ًا‪ ،‬ص ‪.158‬‬ ‫(‪ ((47‬قال مترجم كتاب (الدين والدم)‪« :‬المورسكيون ‪ Moriscos‬كلمة إسبانية معناها (األندلسيين‬ ‫الصغار) أو (أنصاف األندلسيين)‪ ،‬اس��تخدمها األوروبيون‪ ،‬خاصة في شبه جزيرة أيبيريا‪،‬‬ ‫صروا قس��ر ًا في إس��بانيا والبرتغال بعد سقوط ممالك‬ ‫لإلش��ارة إلى المس��لمين الذين ُن ّ‬ ‫المسلمين في األندلس‪ ،‬ومع الوقت أصبحت الكلمة تستخدم بشكل ازدرائي لإلشارة إلى‬ ‫الكاثوليك باالس��م فقط‪ ،‬الذين ُيش��تبه في أنهم يطبقون تعاليم اإلس�لام وطقوسه سراً»‬ ‫(الدين والدم إبادة شعب األندلس‪ ،‬هامش ‪ ،1‬ص ‪.)43‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪186‬‬ ‫الطرد ولجأ إلى الثورة‪ ،‬وهؤالء قمعتهم الجي��وش النصرانية وباعتهم لتجار‬ ‫العبيد واقتادت بعضهم إلى الس��واحل إلبعادهم‪ .‬وحت��ى بعد الوصول إلى‬ ‫شمال إفريقيا‪ ،‬تعرض بعضهم للقتل والسرقة واالغتصاب من القبائل البدوية‬ ‫الخارجة على القانون»(‪.((47‬‬ ‫وجاء أيض ًا في نفس الكتاب‪ ... « :‬غاصت خيول الفرسان النصارى حتى‬ ‫بطونها في الوحل والماء‪ ،‬ما فرض عليهم بعض الخسائر قبل اقتحام البلدة‪،‬‬ ‫وساعتها أعملوا السيف في السكان الذكور‪ ،‬في حين ذهبت النساء واألطفال‬ ‫إلى أسواق العبيد‪ .‬وقعت حوادث مماثلة في أماكن أخرى‪ ...‬وبأوامر من دي‬ ‫ثافراء‪ ،‬ألقي مئتان من زعماء الثوار من فوق مئذنة أحد المساجد‪ ،‬واستعبدت‬ ‫النس��اء واألطفال‪ .‬وفي بلدة أندرش ‪ ،Andarax‬ذبح ثالثة آالف مسلم بأوامر‬ ‫من القائد األسباني‪ ...‬منهم ستمائة امرأة وطفل فُجِروا داخل مسجد كانوا قد‬ ‫لجؤوا إليه‪.((48(»...‬‬ ‫فتلك المذاب��ح وذلك االغتص��اب ال��ذي أوقعه األس��بان في حق‬ ‫المس��لمين هو نفس��ه الذي ذكره ابن األثير لجيش يزيد ب��ن معاوية في‬ ‫المدينة المنورة الطاهرة‪.‬‬ ‫هذه الجرائ��م التي ارتكبها جن��ود بني أمية يصدق عل��ى مرتكبيها قول‬ ‫الدكتور محمد بن موسى الشريف الذي وصف الخوارج بقوله‪« :‬كان الخوارج‬ ‫يقدمون على سفك الدماء على وجه عجيب ال يراعون فيه حرمة سابقة ألحد‪،‬‬ ‫ونتج ع��ن صنيعهم هذا مقت��ل عش��رات اآلالف من المس��لمين على مدار‬ ‫تاريخهم منهم سادة كرام نجباء‪.((48(»...‬‬ ‫(‪ ((47‬الدين والدم إبادة شعب األندلس‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫(‪ ((48‬الدين والدم إبادة شعب األندلس‪ ،‬ص ‪.159‬‬ ‫(‪ ((48‬من مآسي االفتراق‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫‪187‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫أليس ه��ذا الجيش األموي قد س��فك ال��دم الحرام‪ ،‬ولم ي��راع لمدينة‬ ‫رسول اهلل ژ أي حرمة‪ ،‬وقتل من المسلمين ما قتل؟‪ ،‬فإذ ًا لماذا ال يذكر أفراد‬ ‫هذا الجيش وقادته في زمرة الخوارج؟‬ ‫والذي ُسجل في كتب التاريخ ونقله ابن األثير واإلمام ابن كثير ـ ضمن‬ ‫أحداث عام ‪ 384‬للهجرة ـ عن أعمال (العيارين) الذين أفسدوا في بغداد شبيه‬ ‫لما اقترفته أيدي جنود بني أمية اآلثمة في مدينة رسول اهلل ژ ‪ ،‬فقد قال ابن‬ ‫والس��فّل ينهبون‬ ‫األثير‪« :‬ووقعت الفتنة والنهب والقتل ببغداد‪ ،‬وثار العيارون ُّ‬ ‫الدور»(‪ .((48‬وقال اإلمام ابن كثير‪ ... « :‬فيها عظم الخطب بأمر العيارين‪ ،‬عاثوا‬ ‫ببغداد فس��اد ًا وأخذوا األموال والعمالت الثقال ليالً ونهاراً‪ ،‬وحرقوا مواضع‬ ‫كثيرة‪ ،‬وأخذوا من األسواق الجبايات‪.((48(»...‬‬ ‫تلك المجازر التي ذكرها ابن األثير وغيره لجنود بني أمية قد تلطخت أيدي‬ ‫مرتكبيها بالدم الحرام‪ ،‬ألن أولئك الرعاع والحثال��ة من المنحطين أخالقي ًا لم‬ ‫تكن لهم قيم سامية وال مبادئ عالية سوى ممارسة غرائزهم في الحرق والقتل‬ ‫ونهب األم��وال‪ ،‬وصدق ابن األثي��ر حينما وصف الذين يقدم��ون على النهب‬ ‫والقتل والتحريق بـ «الس��فل»‪ ،‬وهذا الوصف ليس حك��ر ًا للـ «عيارين» الذين‬ ‫أفس��دوا في عاصمة بالد الرافدين بل هو لكل من تجرأ عل��ى حدود اهلل فأثار‬ ‫الفتن وقتل ونهب وشرد وعاث في األرض فساد ًا ولو حكم الدنيا بأقطارها‪.‬‬ ‫الكتَّاب عن وصف جنود بني‬ ‫فما الذي صرف قلم ابن األثي��ر وغيره من ُ‬ ‫أمية‪ ،‬الذين أفس��دوا في مدينة رس��ول اهلل ژ ‪ ،‬بالخ��وارج؟‪ ،‬ألم يأت ذلك‬ ‫الجيش بما أتى به كفار النصارى من قتل ونهب؟‬ ‫(‪ ((48‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.16‬‬ ‫(‪ ((48‬البداية والنهاية‪ ،‬م‪ 6‬ج ‪ /11‬ص ‪.333‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪188‬‬ ‫‪ 2‬ـ جرائم الجيش األموي في اليمن‪:‬‬ ‫ونقل ابن األثير‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬بعث معاوي ُة ُب ْس َر بن أبي أرطاة‪ ...‬ثم س��ار إلى اليمن‪ ،‬وكان عليها‬ ‫لعلي‪ ،‬فهرب منه إلى علي بالكوفة‪ ،‬واستخلف علي‬ ‫ّ‬ ‫عبيد اهلل بن عباس عامال‬ ‫على اليمن عبد اهلل بن عبد المدان الحارثي‪ ،‬فأتاه ُبسر فقتله وقتل ابنه وأخذ‬ ‫ابنين لعبيد اهلل بن عباس صغيرين هما‪ :‬عبد الرحم��ن و ُق َثم فقتلهما‪ ...‬وقتل‬ ‫بسر في مسيره ذلك جماعة من شيعة علي باليمن‪.((48(»...‬‬ ‫إنها جرائم يصدق عل��ى فاعليها قول الدكتور الش��ريف‪« :‬كان الخوارج‬ ‫يقدمون على سفك الدماء على وجه عجيب ال يراعون فيه حرمة سابقة ألحد‪،‬‬ ‫ونتج ع��ن صنيعهم هذا مقت��ل عش��رات اآلالف من المس��لمين على مدار‬ ‫تاريخهم منهم سادة كرام نجباء‪.((48(»...‬‬ ‫وعلى كثرة تكرار جرائم هذا الجيش على صفحات كتب التاريخ فإننا لم‬ ‫نجد من وصف ذلك الجيش بالخوارج‪.‬‬ ‫فبأي حق تقتل األطفال؟‬ ‫وبأي مبرر تقتل الناس في الطرقات؟‬ ‫فس��ؤالنا ألبن األثير ومن س��ار على نهجه‪ :‬لماذا تقاعستم عن كتابة‬ ‫اسم بس��ر بن أبي أرطأة وأفراد جيشه الذي أرس��له معاوية في قائمة من‬ ‫قلتم إنهم خوارج؟‬ ‫(‪ ((48‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 383‬ـ ‪.384‬‬ ‫(‪ ((48‬من مآسي االفتراق‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫‪189‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫لماذا تسابقتم إلى كتابة أسماء أناس مجهولين في قائمتكم السوداء‪،‬‬ ‫وتركت��م هؤالء األبطـ��ال!!!! يغ��دون ويروحون في دماء المس��لميـن‬ ‫الطاهـرة الزكية؟‪.‬‬ ‫ونس��أل ابن األثير عن س��بب ذكره لحيان بن ظبيان السلمي‪ ،‬الذي دعا‬ ‫جماعته إلى حرب أهل القبلة حس��ب الرواية الضعيفة‪ ،‬في قائمة الخوارج؟‬ ‫ولم يذكر اسم مصعب بن الزبير الذي نقل عنه أنه قتل «سبعة آالف من أهل‬ ‫القبلة في غداة واحدة»(‪.((48‬‬ ‫الخوارج بأنهم من «يقت��ل أهل القبلة»؟‪ ،‬فإذ ًا‬ ‫َ‬ ‫الكتَّاب‬ ‫ألم ُي َع ِّرف ه��ؤالء ُ‬ ‫لماذا لم يس��جلوا مصعب بن الزبير وبس��ر بن أبي أرطأة ف��ي القائمة التي‬ ‫أعدوها للخوارج وقد سجلوا عليهم قتل المسلمين في اليمن والعراق؟‬ ‫‪ 3‬ـ جرائم الجيش األموي في العراق‪:‬‬ ‫ومما نقله ابن األثير‪:‬‬ ‫��م َر َة على البصرة أكثر القتل فيها‪ ،‬فقال ابن‬‫« ‪ ...‬فلما استخلف زيا ٌد َس ُ‬ ‫سيرين‪ :‬قتل س��مرة في غيبة زياد هذه ثمانية آالف فقال له زياد‪ :‬أتخاف أن‬ ‫خشيت‪ .‬وقال أبو السوار‬‫ُ‬ ‫قتلت معهم مثلهم ما‬ ‫ُ‬ ‫قتلت بريئا؟ فقال‪ :‬لو‬‫َ‬ ‫تكون‬ ‫العدوي‪ :‬قتل سمرة من قومي في غداة واحدة سبعة وأربعين كلهم قد جمع‬ ‫القرآن‪.((48(»....‬‬ ‫إنها جرائم يصدق عل��ى فاعليها قول الدكتور الش��ريف‪« :‬كان الخوارج‬ ‫يقدمون على سفك الدماء على وجه عجيب ال يراعون فيه حرمة سابقة ألحد‪،‬‬ ‫(‪ ((48‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪.278 /4‬‬ ‫(‪ ((48‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ 462 /3‬ـ ‪.463‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪190‬‬ ‫ونتج ع��ن صنيعهم هذا مقت��ل عش��رات اآلالف من المس��لمين على مدار‬ ‫تاريخهم منهم سادة كرام نجباء‪.((48(»...‬‬ ‫ما الذي زحزح اس��م س��مرة بن جندب عن قائمة ابن األثير التي عدها‬ ‫للخوارج‪ ،‬وهو قد قتل اآلالف من المسلمين وحفظة كتاب اهلل؟‬ ‫ستلتقي الخالئق عند أحكم الحاكمين‪ ،‬وس��يجزى كل فاعل ما اقترفت‬ ‫يداه‪ ،‬وليس من ديننا البحث ألجل معرفة من قتل من‪ .‬فكل ما نسعى إليه هو‬ ‫تبيان منهاج األمة في تقييم األفراد والمجتمعات‪ ،‬وتبيان اضطراب الموازين‬ ‫الكتَّاب‪.‬‬ ‫عند كثير من ُ‬ ‫الكتَّاب لم ينبسوا ببنت شفة في وصف سمرة بن جنب وزياد بن‬ ‫فها هم ُ‬ ‫أبيه بالخوارج مع أنهم قد نسبوا إليهما قتل اآلالف من المسلمين ومن حفظة‬ ‫الكتَّاب ـ يتسابقون في وصف األبرياء‬ ‫كتاب اهلل تعالى‪ ،‬في وقت نجدهم ـ أي ُ‬ ‫والمجاهيل بالخوارج‪.‬‬ ‫فأين العدال��ة التي يريدها اإلس�لام؟ وأين الصـدق ف��ي القول من‬ ‫هـؤالء الكتاب؟‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ جنود بني أمية ومقتل الحسين بن علي ڒ وكرم وجه أبيه الكريم‪:‬‬ ‫ونقل ابن األثير‪:‬‬ ‫«وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع‪،‬‬ ‫وقال لخولي بن يزيد األصبحي‪ :‬احتز رأس��ه‪ ،‬فأراد أن يفعل فضعف وأُرعد‪،‬‬ ‫فقال له س��نان‪ :‬فت اهلل عضدك! ونزل إلي��ه فذبحه واحتز رأس��ه فدفعه إلى‬ ‫(‪ ((48‬من مآسي االفتراق‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫‪191‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫بحر بن كعب وأخذ‬ ‫وس��لب الحس��ين ما كان عليه‪ ،‬فأخذ س��راويله ُ‬ ‫خولي‪ُ ،‬‬ ‫بعد قيس قطيفة‪ ،‬وأخذ‬ ‫قيس بن األشعث قطيفته‪ ،‬وهي من خز‪ ،‬فكان يسمي ُ‬ ‫ُ‬ ‫نعليه األسو ُد األودي‪ ،‬وأخذ س��يفه رجل من دارم‪ ،‬ومال الناس على الورس‬ ‫والحلل واإلبل فانتهبوها‪ ،‬ونهبوا ثقله ومتاعه وما على النساء حتى إن كانت‬ ‫المرأة لتنزع ثوبها من ظهرها فيؤخذ منها»(‪.((48‬‬ ‫فهذه الرواية لن تكون أضعف من تلك الروايات التي ُنسبت إلى الخوارج‬ ‫أبداً‪ ،‬وإن هؤالء الذين عملوا تلك الفعال الشنيعة في حق الحسين وأهله @ ‪،‬‬ ‫ينطبق عليهم وصف الدكتور الشريف للخوارج آنف الذكر‪.‬‬ ‫فلماذا لم يسجل ابن األثير أس��ماء هؤالء القتلة في قائمته التي أعدها‬ ‫للخوارج؟‬ ‫إن مما ابتليت به هذه األمة‪ ،‬عبر تاريخها إلى يوم الناس هذا‪ ،‬هو وجود‬ ‫طائفة من الناس ممن ازدوجت ف��ي أذهانهم المقايي��س‪ ،‬فأصبحوا يكيلون‬ ‫بمكاييل الهوى وال ُي َح ِّكمون علوم اإلس�لام عند تقييمهم ألحداث التاريخ‪.‬‬ ‫فلله األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ جرائم الحجاج بن يوسف في التاريخ‪:‬‬ ‫ونقل ابن األثير‪:‬‬ ‫«وقتل الحجاج يوم الزاوية بعد الهزيمة أحد عش��ر ألفا خدعهم باألمان‬ ‫وأمر مناديا فنادى‪ :‬ال أمان لفالن بن فالن‪ ،‬فسمى رجاالً‪ ،‬فقال العامة‪ :‬قد آمن‬ ‫الناس‪ ،‬فحضروا عنده فأمر بهم فقُتلوا»(‪.((49‬‬ ‫(‪ ((48‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 78‬ـ ‪.79‬‬ ‫(‪ ((49‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.469‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪192‬‬ ‫وقال ابن األثير أيض ًا‪« :‬وقيل‪ :‬أحصي من قتله الحجاج صبر ًا فكانوا مائة‬ ‫ألف وعشرين ألفا»(‪.((49‬‬ ‫ونقل ابن األثير‪« :‬قال األوزاعي قال عمر ب��ن عبد العزيز‪ :‬لو جاءت كل‬ ‫أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم»(‪.((49‬‬ ‫أال يس��تحق الحجاج الثقفي أن يكون على رأس قائمة الخوارج بس��بب‬ ‫جرائمه البشعة في حق أهل القبلة؟‬ ‫وفي رده على الذين دافعوا عن الحجاج‪ ،‬قال الدكتور محمد بن موس��ى‬ ‫الش��ريف‪« :‬وهذا دفاع أعمى عن رجل ظالم ولغ في الدماء ولوغ ًا بلغ مبلغ‬ ‫التواتر‪ ،‬وكان جبار ًا عس��وف ًا‪ ،‬يأخذ الناس بأدنى ش��يء وأقله‪ ،‬بل في بعض‬ ‫األحيان بدون سبب‪.((49(»...‬‬ ‫وببلوغ الحجاج هذه المنزلة من اإلفس��اد في األرض‪ ،‬فهو بحق يستحق‬ ‫هذا الوصف الذي قاله الدكتور محمد الشريف‪« :‬كان الخوارج يقدمون على‬ ‫س��فك الدماء على وجه عجيب ال يراعون فيه حرمة سابقة ألحد‪ ،‬ونتج عن‬ ‫صنيعهم هذا مقتل عشرات اآلالف من المس��لمين على مدار تاريخهم منهم‬ ‫سادة كرام نجباء‪.((49(»...‬‬ ‫فالحجاج الذي قتل اآلالف من خيار المسلمين لم تصل به جرائمه‪ ،‬عند‬ ‫ابن األثير ومن س��ار على نهجه‪ ،‬إلى حضيض الخوارج‪ ،‬ال لش��يء إال ألنه‬ ‫جندي مطيع من جنود بني أمية‪.‬‬ ‫(‪ ((49‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.587‬‬ ‫(‪ ((49‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.586‬‬ ‫(‪ ((49‬كيفية قراءة التاريخ وفهمه‪ ،‬ص ‪ 76‬ـ ‪ ،77‬ثم نقل الدكتور الشريف كالم اإلمام الذهبي في‬ ‫حق الحجاج (انظر سير أعالم النبالء‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.)343‬‬ ‫(‪ ((49‬من مآسي االفتراق‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫‪193‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫وأما اإلباضي��ون المدافعون عن حمى اإلس�لام والمنازل��ون لجبروت‬ ‫الطواغيت في ساحات الوغى‪ ،‬من أمثال الحجاج الثقفي‪ ،‬فال منزلة لهم عند‬ ‫الكتَّ��اب الذين س��اروا على نهج��ه‪ ،‬إال في صفوف‬ ‫ابن األثير وغي��ره من ُ‬ ‫الخوارج!!!!‪ .‬فلله األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ جرائم أموية في اليمن‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«وحج بالن��اس الوليد بن عروة بن محمد بن عطية الس��عدي‪ ،‬وهو ابن‬ ‫أخي عبد الملك بن محمد الذي قتل أبا حمزة‪ ،‬وكان هو على الحجاز‪ .‬ولما‬ ‫قتل عمه عبد الملك مضى إلى الذين قتلوه فقتل منهم مقتل ًة عظيم ًة‬ ‫الوليد ُ‬ ‫َ‬ ‫بلغ‬ ‫وحرق بالنار َم ْن قدر عليه منهم»(‪.((49‬‬ ‫ّ‬ ‫وقتل الصبيانَ‬ ‫َ‬ ‫وبقر بطون نسائهم‬ ‫وعلق الدكتور فاروق عمر فوزي على هذه الحادثة بقوله‪ ... « :‬ومع ذلك‬ ‫فإن مجموعة إباضية تصدت له (يقصد عبد الملك بن عطية السعدي) وهو في‬ ‫طريقه إلى مكة وقتلته‪ .‬وكان رد الفعل األموي عنيف ًا‪ ،‬إذ أرس��ل عامل صنعاء‬ ‫األموي جيش ًا فتك بأهل حضرموت حيث (قتل الرجال والصبيان وبقر بطون‬ ‫النساء وأخذ األموال وخرب القرى‪.((49(»)...‬‬ ‫لقد «حرم اإلس�لام تحريم ًا قاطع ًا التمثيل بالقتلى وإحراق جثث األعداء‬ ‫ب بها إال اهلل‪ ،‬وألن اإلنسان له حقوق بعد موته وهي‬ ‫ِ‬ ‫بالنار‪ ،‬ألن النار ال ُي َعذ ُ‬ ‫دفنه وترك األمر هلل ‪.((49(» 8‬‬ ‫(‪ ((49‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.402‬‬ ‫(‪ ((49‬المثالية والواقعية في تاريخ الفكر السياسي عند المسلمين‪ ،‬ص ‪.385‬‬ ‫(‪ ((49‬أخالقيات الحرب في السيرة النبوية الشريفة‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪194‬‬ ‫فأين هذه الجيش األم��وي الرعديد من مبادئ اإلس�لام؟‪ ،‬وأين أولئك‬ ‫الكتَّاب من قول الصدق في وصف هؤالء الهمج من البشر؟‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫هذا الذي فعله الجي��ش األموي؛ بقر لبطون النس��اء‪ ،‬وقت��ل للصبيان‪،‬‬ ‫وتحريق للمسلمين‪ .‬ومع كل هذه الجرائم فالجيش األموي قد أُلبس حصانة‬ ‫بحيث ال يحق للبشر أن يصفوهم بالخوارج‪.‬‬ ‫فإذا لم يكن أف��راد هذا الجي��ش العربيد من الخوارج‪ ،‬حس��ب تعريف‬ ‫الدكتور الشريف آنف الذكر‪ ،‬فمن يكن الخوارج إذن؟‬ ‫قد يكون م��ن بيننا قراء ال تحرك هذه الجرائم المنس��وبة إلى جنود‬ ‫بني أمية فيهم نخوة اإلس�لام‪ ،‬ولكن عس��ى حالهم يصلح إذا عرفوا أن‬ ‫ما أوقعه جنود بني أمية بالمسلمين في بالد اليمن هو نفس العمل الذي‬ ‫أوقعه النصارى في ساحات األندلس‪ .‬فقد قال ماثيو كار‪ ،‬صاحب كتاب‬ ‫(الدين وال��دم) ما نصه‪« :‬فبعد هج��وم نصراني على موقع مورس��كي‬ ‫محصن في قلعة واجرش أمر القائد الع��ام بذبح الباقين على قيد الحياة‬ ‫من المورسكين‪ .‬وفي قرية جبيل قتل العشرات من األسرى المورسكيين‬ ‫بدم بارد حين حاول��وا أن يمنعوا جندي�� ًا نصراني ًا م��ن اغتصاب امرأة‬ ‫مورسكية»(‪.((49‬‬ ‫وقال ماثيو كار أيض ًا‪« :‬وفضلت نس��اء مورس��كيات كثي��رات أن يلقين‬ ‫بأنفسهن من فوق الجبال على األسر والعبودية‪ ...‬ولم يبد جنود دي بلش أي‬ ‫رحمة أمام التوس�لات‪ ،‬فأعدموا مئات الرجال والنس��اء واألطف��ال فور ًا أو‬ ‫رموهم في الوديان المحيطة‪ ،‬وقتلوا حتى الكالب والقطط‪( .‬يا لها من وحشية‬ ‫نصرانية فظيعة لم ُتعرف من قبل في األمة اإلسبانية! ما هذا الغضب الجهنمي‬ ‫(‪ ((49‬الدين والدم إبادة شعب األندلس‪ ،‬ص ‪.292‬‬ ‫‪195‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫الذي جعلكم تظهرون كل هذه الوحش��ية وانعدام الرحم��ة؟) هكذا تعجب‬ ‫خينيس بيريث دي هيتا‪ ،‬الذي قاتل في جيش دي بلش»(‪.((49‬‬ ‫نعم‪ ،‬يا لها من وحش��ية نصرانية وم��ن قبلها من فظائ��ع أموية في حق‬ ‫المسلمين اآلمنين‪.‬‬ ‫ويكفي الذين بق��روا بطون المس��لمات ممن ادعى اإلس�لام أن تكون‬ ‫قدوتهم في ذلك هند بنت عتبة ـ حينما كانت على كفرها ـ التي بقرت جسم‬ ‫حمزة بن عبد المطلب ‪ ، ƒ‬فقد نق��ل ابن األثير‪« :‬ووقعت هند وصواحباتها‬ ‫على القتلى يمثلن بهم‪ ،‬واتخذت هند من آذان الرجال وآنافهم خدم ًا وقالئد‪،‬‬ ‫وأعطت خدمها وقالئدها وحشيا‪ ،‬وبقرت عن كبد حمزة فالكتها فلم تستطع‬ ‫أن تسيغها فلفظتها»(‪.((50‬‬ ‫صحيح أن هند عملت ما عملت وهي كاف��رة‪ ،‬وال عذر لها فيما عملت‪،‬‬ ‫ولكن فما عذر من عمل نفس الصنيع وهو يدعي اإلسالم؟‬ ‫أليس من حق من نس��بت إليه أمثال هذه الفعال الشنيعة أن يسجل اسمه‬ ‫في قائمة الخوارج؟‬ ‫ويكفي جن��ود بني أمية ـ الذين نس��ب إليهم ابن األثير قتل المس��لمين‬ ‫ونهب أموالهم وبقر بطون نسائهم ـ أن تكون أفعالهم النكراء هي مما ارتكبته‬ ‫جحافل التتار يوم وثبوا على حياض اإلسالم‪.‬‬ ‫بقيت عدة‬ ‫ُ‬ ‫قال ابن األثير وهو يسطر أحداث التتار في ديار اإلسالم‪« :‬لقد‬ ‫سنين ُمعرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظام ًا لها‪ ،‬كاره ًا لذكرها‪ ،‬فأنا ّ‬ ‫أقدم إليه‬ ‫نعي اإلس�لام‬‫فمن الذي يس��هل علي��ه أن يكتب ّ‬ ‫[رج�لاً] وأُؤخر أخ��رى‪َ ،‬‬ ‫(‪ ((49‬الدين والدم إبادة شعب األندلس‪ ،‬ص ‪.294‬‬ ‫(‪ ((50‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.159‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪196‬‬ ‫ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا لي��ت أمي لم تلدني‪ ،‬ويا‬ ‫والمس��لمين‪َ ،‬‬ ‫نس��ي ًا‪ ...‬وهؤالء لم ُيبقوا على أحد‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫وكنت َنسي ًا َم‬ ‫ُ‬ ‫ليتني ُمت قبل حدوثها‬ ‫قتلوا النساء والرجال واألطفال‪ ،‬وشقوا بطون الحوامل‪ ،‬وقتلوا األجنة‪ ،‬فإنا هلل‬ ‫وإنا إليه راجعون‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪.((50(»...‬‬ ‫وقال ابن األثير‪« :‬في سنة سبع عشرة وس��تمائة وصل التتر‪ ،‬لعنهم اهلل‪ ،‬إلى‬ ‫الري‪ ...‬وقد انضاف إليهم كثير من عساكر المسلمين والكفار‪ ،‬وكذلك أيض ًا من‬ ‫الري على حين غفلة من أهلها‪،‬‬ ‫المفسدين من يريد النهب والش��ر‪ ،‬فوصلوا إلى َّ‬ ‫فلم يش��عروا بهم إال وقد وصلوا إليه��ا‪ ،‬وملكوها‪ ،‬ونهبوها‪ ،‬وس��بوا الحريم‪،‬‬ ‫واسترقّوا األطفال‪ ،‬وفعلوا األفعال التي لم ُيسمع بمثلها‪ ...‬فنهبوا في طريقهم كل‬ ‫الري‪ ،‬وأحرقوا‪،‬‬ ‫مروا عليها‪ ،‬وفعلوا في الجميع اضعاف ما فعلوا في َّ‬ ‫مدينة وقرية ّ‬ ‫وخربوا ووضعوا السيف في الرجال والنساء واألطفال‪ ،‬فلم ُيبقوا على شيء»(‪.((50‬‬ ‫ويكفي جنود بن��ي أمية أنهم‪ ،‬بأفعاله��م النكراء‪ ،‬كانوا ق��دوة لمن جاء‬ ‫بعدهم من اإلفرنج والروم الذين أفسدوا في ديار اإلسالم‪.‬‬ ‫فقد قال ابن األثير‪ ... « :‬وقتل الفرنج‪ ،‬بالمس��جد األقصى‪ ،‬ما يزيد على‬ ‫س��بعين ألفا‪ ،‬منهم جماعة كثيرة من أئمة المس��لمين‪ ،‬وعلمائهم‪ ،‬وعبادهم‪،‬‬ ‫وزهادهم‪ ،‬ممن فارق األوطان وجاور بذلك الموضع الشريف‪.((50(»...‬‬ ‫وقال ابن األثير أيض ًا‪« :‬فلما تمت الهزيمة على المسلمين سار الفرنج إلى‬ ‫وس َبوا حريمهم‪ ،‬ونهبوا‬ ‫َسروج‪ ،‬فحصروها وتس ّلموها‪ ،‬وقتلوا كثير ًا من أهلها َ‬ ‫(‪ ((50‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪ 358‬ـ ‪.359‬‬ ‫(‪ ((50‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪ .373‬وانظر كذلك ما ذكره اإلمام ابن كثير من مفاسد التتار‬ ‫في ديار اإلسالم وخاصة ببغداد (البداية والنهاية‪ ،‬م ‪ ،7‬ج‪ 13‬ص ‪ 94‬وما بعدها)‪ ،‬و(البداية‬ ‫والنهاية‪ ،‬م‪ ،7‬ج‪ 13‬ص ‪.)216‬‬ ‫(‪ ((50‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪ 283‬ـ ‪.284‬‬ ‫‪197‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫أموالهم‪ ،‬ولم يس��لم إال من مضى منهزما‪ ...‬وفيها‪ ،‬في رجب‪ ،‬ملكوا مدينة‬ ‫ارية بالسيف‪ ،‬وقتلوا أهلها‪ ،‬ونهبوا ما فيها»(‪.((50‬‬ ‫ق َْي َس ّ‬ ‫الرها‬ ‫ووصف لنا ابن األثير واقعة أخرى بقوله‪« :‬أغ��ار ملك الروم على ُّ‬ ‫ونواحيها‪ ،‬وس��ار في دي��ار الجزيرة حتى بلغ��وا نصيبين‪ ،‬فغنموا‪ ،‬وس��بوا‪،‬‬ ‫وخربوا البالد‪ ،‬وفعلوا مثل ذلك بديار بكر‪.((50(»...‬‬ ‫وأحرقوا ّ‬ ‫أخي القارئ الكريم‪ ،‬لعلك أدركت اآلن بش��اعة ما قام به جنود بني أمية‬ ‫في مدينة رس��ول اهلل ژ وما ارتكبوه م��ن جرائم في بالد اليم��ن‪ .‬وما َن ْق ُلنا‬ ‫لجرائم التتار واألس��بان في بالد األندلس إال لوضع المشهدين‪ ،‬مشهد جنود‬ ‫بني أمية وهم يش��قون البطون ومش��هد التتار واألس��بان وهم يبقرون أرحام‬ ‫المس��لمات‪ ،‬أمام ناظريك إال لت��درك بعقلك بعد وزن��ك لألحداث بميزان‬ ‫اإلس�لام أن الذين ثار عليهم اإلباضية هم مفس��دون في األرض‪ ،‬تش��ابهت‬ ‫أعمالهم مع أعمال أعداء اإلسالم في الشرق والغرب وعلى امتداد الزمن‪.‬‬ ‫فيا ليت ابن األثير قال‪« :‬فمن الذي يس��هل عليه أن يكتب نعي اإلسالم‬ ‫والمس��لمين» وهو ينقل لنا جرائم القائد األموي في مدينة الرسول ژ ‪ ،‬كما‬ ‫فعل حينما أورد لنا خبر التتار في ديار اإلسالم‪.‬‬ ‫ويا ليت ابن األثير قال‪« :‬فيا ليت أم��ي لم تلدني ويا ليتني مت قبل هذا‬ ‫وكنت نسيا منسيا» حينما ذكر لنا فعائل بني أمية في بالد اليمن‪.‬‬ ‫فالتتار قتلوا النساء وبقروا بطونهن عن األجنة اآلمنة‪ ،‬وكذلك فعل جنود‬ ‫بني أمية‪ .‬والتتار والصليبيون قتل��وا الرجال واألطفال وكذلك وجد في كتب‬ ‫التاريخ من فعل فعلتهم ممن انتسب إلى اإلسالم‪.‬‬ ‫(‪ ((50‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.325‬‬ ‫(‪ ((50‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.618‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪198‬‬ ‫ومن المشاهد التي ذكرها ابن األثير لإلجرام األموي والعباسي حينما لم‬ ‫يكتفوا بالقتل المحرم‪ ،‬بل تعدوا ذلك إلى التمثيل بأجساد المسلمين‪:‬‬ ‫وإرس��ال الرأس إل��ى عبد الملك بن‬ ‫ُ‬ ‫وحز رأس��ه‪،‬‬ ‫قت��ل ابن الزبي��ر‪ُ ،‬‬‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫مروان(‪.((50‬‬ ‫ـ «وخ��رج عبد اهلل [ب��ن عمر بن عبد العزي��ز] ف��إذا األرض بيضاء من‬ ‫أصحاب ابن معاوية [عبد اهلل بن معاوية بن عبد اهلل بن جعفر بن أبي طالب]‬ ‫فأمر ابن عمر مناديا فنادى من جاء برأس فله خمس��مائة‪ .‬فأتي برؤوس كثيرة‬ ‫وهو يعطي ما ضمن»(‪.((50‬‬ ‫حماد وأصحابه‪ ،‬ووضع أصحاب المعز‬ ‫ـ «فما كان إال ساعة حتى انهزم ّ‬ ‫فيهم السيف‪ ،‬وغنموا ما لهم من ُع َدد ومال وغير ذلك‪ ،‬فنادى المعز‪ :‬من أتى‬ ‫برأس فله أربعة دنانير؛ ف ُأتي بشيء كثير‪.((50(»...‬‬ ‫ـ « ‪ ...‬وقتل مروان [يقصد مروان بن محمد] جماعة من أسرائهم وصلب‬ ‫خمسمائة من القتلى حول المدينة [يقصد مدينة حمص]»(‪.((50‬‬ ‫الرماحس بن عبد العزيز الكناني‪ ،‬فظفر‬ ‫ـ «واستعمل مروان على فلسطين ُّ‬ ‫بثابت وبعثه إلى مروان موثقا بعد ش��هرين‪ ،‬فأمر به وبأوالده الثالثة فقُطعت‬ ‫وحملوا إلى دمش��ق فألقوا على باب المس��جد‪ ،‬ثم صلبهم‬ ‫أيديهم وأرجلهم ُ‬ ‫على أبواب دمشق»(‪.((51‬‬ ‫(‪ ((50‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 356‬ـ ‪.357‬‬ ‫(‪ ((50‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.326‬‬ ‫(‪ ((50‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /9‬ص ‪.258‬‬ ‫(‪ ((50‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.329‬‬ ‫(‪ ((51‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.330‬‬ ‫‪199‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫ـ «ودخل ش��بل بن عبد اهلل مولى بني هاشم على عبد اهلل بن علي وعنده‬ ‫من بني أمية نحو تس��عين رجال عل��ى الطعام‪ ...‬فأمر بهم عب��د اهلل فضربوا‬ ‫بالعمد حتى قُتلوا‪ ،‬وبسط عليهم األنطاع فأكل الطعام عليها وهو يسمع أنين‬ ‫بعضهم حتى مات��وا جميع�� ًا‪ ،‬وأمر عبد اهلل بن عل��ي بنبش قب��ور بني أمية‬ ‫بدمشق‪ ...‬وقتل س��ليمان بن علي بن عبد اهلل بن عباس بالبصرة أيضا جماعة‬ ‫فجروا بأرجلهم ف ُألقوا‬ ‫من بني أمية عليهم الثياب الموشية المرتفعة وأمر بهم ُ‬ ‫على الطريق فأكلتهم الكالب»(‪.((51‬‬ ‫فهذه الجرائم التي ُذكرت باختصار هنا هي مش��اهد مروعة ش��بيهة لما‬ ‫تعرض له المس��لمون في بالد األندلس على أيدي أعداء اإلسالم‪ ،‬فقد جاء‬ ‫في كتاب (الدين والدم) ما نصه‪« :‬وفي الخامس والعش��رين من مايو ‪،1611‬‬ ‫أصدر كاراثينا أمر ًا همجي ًا وعد فيه بتقديم مكافأة عن كل مرسكي يؤتى به‬ ‫من موال حي ًا أو ميت ًا‪ .‬تلت ذلك عمليات بش��عة الصطياد البشر‪ ،‬إذ تكالب‬ ‫صائدو الثروات النصارى على ه��ذه الجبال‪ ،‬وبدؤوا ف��ي العودة برؤوس‬ ‫المورس��كيين للمطالبة بالمكافآت‪ ،»...‬وجاء في هامش هذه الصفحة قول‬ ‫المترجم‪« :‬كان الواحد من (صيادي البشر) اإلسبان يكافأ على عدد الرؤوس‬ ‫أو (القضبان) التي يعود بها إلى غرناطة‪ ،‬فقد كان الواحد منهم يقطع رأس‬ ‫أو (قضيب) فريس��ته ليريح نفس��ه م��ن حم��ل الجثمان كام�لاً‪ ،‬أو حتى‬ ‫الرأس»(‪[ ((51‬انتهى قول المترجم]‪.‬‬ ‫ومش��هد آخر من مشاهد اإلجرام‪ ،‬ش��بيه بما قام به جنود بني أمية وبني‬ ‫العباس في ديار اإلس�لام‪ ،‬ينقله لنا األمام ابن كثير ع��ن جحافل الفرنج يوم‬ ‫هجموا على اإلس��كندرية اآلمنة‪« :‬ووردت األخبار بما وقع من األمر الفظيع‬ ‫(‪ ((51‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪ 430‬ـ ‪.431‬‬ ‫(‪ ((51‬الدين والدم إبادة شعب األندلس‪ ،‬ص ‪ 484‬ـ ‪.485‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪200‬‬ ‫بمدينة اإلس��كندرية من الفرنج لعنهم اهلل‪ ...‬وعاثوا في أهلها فسادا‪ ،‬يقتلون‬ ‫الرجال ويأخذون األموال ويأسرون النساء واألطفال‪ ،‬فالحكم هلل العلي الكبير‬ ‫المتعال‪ ...‬فس��مع لألس��ارى من العويل والبكاء والش��كوى والجأر إلى اهلل‬ ‫واالستغاثة به وبالمسلمين ما قطع األكباد‪ ،‬وذرفت له العيون وأصم األسماع‪،‬‬ ‫فإنا هلل وإنا إليه راجعون»(‪.((51‬‬ ‫وينقل لنا الدكتور عماد الدين خليل شهادات المراسلين الغربيين عن‬ ‫ما فعلته جحاف��ل الطليان في م��دن ليبيا‪ ،‬حيث قال‪« :‬وكتب المراس��ل‬ ‫األلماني فون غوتنبرغ يق��ول‪( :‬إنه لم يفعل جيش مع ع��دوه من أنواع‬ ‫الغدر والخيان��ة ما فعله الطليان في طرابلس‪ ...‬وف��ي ذلك يقول هرمان‬ ‫رنول المراسل النمس��اوي‪( :‬وأحرق الطليان في ‪ 26‬تش��رين األول سنة‬ ‫(‪1911‬م) حيا بأكمله خلف بنك روما‪ ،‬بعد أن ذبحوا أكثر س��كانه وبينهم‬ ‫النساء والشيوخ واألطفال‪.)...‬‬ ‫وراح الطليان يخربون المس��اجد ويتخذونها إسطبالً للدواب‪ ،‬كما راحوا‬ ‫يدوسون القرآن الكريم كلما وجدوه‪...‬‬ ‫ويصف ش��اهد عيان معركة الكف��رة التي حدثت س��نة (‪1931‬م) فيقول‪:‬‬ ‫(ودخل الطليان الكفرة ولم يبق بها إال الش��يوخ والنس��اء واألطفال‪ ،‬فانتشر‬ ‫الطليان فيها وفي قرية التاج مس��تبيحين كل حرمة‪ ،‬ونهب��وا األموال وذبحوا‬ ‫الش��يوخ واألطفال ذبح الخراف‪ ،‬وبقروا بطون الحوام��ل وهتكوا األعراض‬ ‫وحرقوا المساجد وداسوا المصاحف»(‪.((51‬‬ ‫فهؤالء األشرار الذين أفسدوا في ديار اإلس�لام أتوا بما أتت به جحافل‬ ‫األمويين والعباسيين كما نقل لنا ذلك ابن األثير نفسه في كامله‪.‬‬ ‫(‪ ((51‬البداية والنهاية‪ ،‬م‪ ،7‬ج‪ 14‬ص ‪.329‬‬ ‫(‪ ((51‬في التأصيل اإلسالمي للتاريخ‪ ،‬ص ‪.208‬‬ ‫‪201‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫لم يقدم جنود بني أمية وبني العباس للمسلمين في مدينة رسول اهلل ژ‬ ‫وغيرها من ديار اإلس�لام الورود والرياحين‪ ،‬بل قدموا لهم الموت الزعاف‪،‬‬ ‫وبقر البطون‪ ،‬والنهب والس��بي والس��لب تمام ًا كما قدم أعداء اإلسالم عبر‬ ‫التاريخ للمسلمين من إفساد وجور‪.‬‬ ‫فلماذا تقاصرت أقالم ابن األثير ومن س��ار على دربه عن وصف أولئك‬ ‫الرعاع من جنود بني أمية بالخوارج‪ ،‬وهم قد أتوا بأعمال فاقت في بشاعتها‬ ‫ما نسب إلى الخوارج من جرائم؟‬ ‫‪ 7‬ـ جرائم جنود سعد الدولة في اليمن‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫س��عد الدولة أمير ًا اسمه ترشك‪ ،‬فس��اروا حتى وردوا‬ ‫ُ‬ ‫«فاستعمل عليهم‬ ‫اليمن‪ ،‬فاستولوا عليها‪ ،‬وأساءوا السيرة في أهلها‪ ،‬ولم يتركوا فاحشة وال سيئة‬ ‫إال ارتكبوها»(‪.((51‬‬ ‫الكتَّاب جرائم أفحش من هذه الجرائم حتى يس��جلوا اس��م سعد‬ ‫أينتظر ُ‬ ‫الدولة وقائده في صفوف الخوارج؟‬ ‫‪ 8‬ـ جرائم «زيد النار» العلوي‪ ،‬و«الجزار» العباسي في ديار اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«وسار علي بن سعيد إلى البصرة‪ ،‬فأخذها من العلويين‪ ،‬وكان بها زيد بن‬ ‫موس��ى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحس��ن بن عل��ي ‪ ،‰‬وهو الذي‬ ‫يسمى زيد النار‪ ،‬وإنما ُس��مي بها لكثرة ما أحرق بالبصرة من دور العباسيين‬ ‫��ودة أحرقه؛ وأخ��ذ أمواالً كثيرة من‬ ‫الم َس ِّ‬ ‫وأتباعهم‪ ،‬وكان إذا أتى رجل من ُ‬ ‫(‪ ((51‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.204‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪202‬‬ ‫أموال التجار‪ ...‬وبعث إلى مكة‪ ،‬والمدينة‪ ،‬واليمن جيش�� ًا‪ ،‬فأمرهم بمحاربة‬ ‫َم ْن بها من العلويي��ن‪ ...‬واجتمع بها إلي��ه جماعة من أهل مك��ة هربوا من‬ ‫العلويين‪ ،‬واستولى إبراهيم على اليمن‪ ،‬وكان يس��مى الجزار لكثرة من قتل‬ ‫باليمن‪ ،‬وسبى‪ ،‬وأخذ األموال»(‪.((51‬‬ ‫فأي��ن زيد النار‪ ،‬وأي��ن الجزار‪ ،‬من قائم��ة الخ��وارج؟‪ ،‬أم لكونهما من‬ ‫العلويين والعباسيين فال يحق ألي كاتب أن يصفهم بالخوارج؟‬ ‫فعند ابن األثير ومن س��ار على ش��اكلته فإن قائمة الخوارج تتسع لكل‬ ‫مجهول‪ ،‬وتضيق أمام من ُعرف اسمه واسم أبيه واسم جده ولو نافسوا الكفار‬ ‫عبر التاريخ في مفاس��دهم وجرائمهم‪ .‬فهذا اإلجرام الذي نس��به ابن األثير‬ ‫لهؤالء الناس قد أورد لنا مثله عن الروم حيث ق��ال‪ .... « :‬وصل الروم إلى‬ ‫وخربوا البالد‪ ،‬وسبوا نحو خمسة عشر ألف إنسان»(‪.((51‬‬ ‫قرب حلب‪ ،‬ونهبوا ّ‬ ‫الد ُم ْس�� ُتق على عين َزرب��ة‪ ...‬ونادى في‬ ‫وقال أيض ًا‪ ... « :‬نزل الروم مع ُّ‬ ‫تأخر في‬ ‫ومن ّ‬ ‫البلد‪ ،‬أول الليل‪ ،‬بأن يخرج جميع أهله إلى المسجد الجامع‪َ ،‬‬ ‫منزله قُتل‪ ،‬فخرج من أمكنه الخروج‪ ،‬فلما أصبح أنف��ذ رجالته في المدينة‪،‬‬ ‫وكانوا س��تين ألفا‪ ،‬وأمرهم بقتل من وجدوه في منزله‪ ،‬فقتلوا خلق ًا كثير ًا من‬ ‫الرجال والنساء والصبيان‪ ...‬وأمر من في المسجد بأن يخرجوا من البلد حيث‬ ‫يومهم ذلك‪ ،‬ومن أمس��ى قُتل‪ ،‬فخرجوا مزدحمين‪ ،‬فمات بالزحمة‬ ‫ش��اؤوا‪َ ،‬‬ ‫ومروا على وجوههم ال يدرون أي��ن يتوجهون‪ ،‬فماتوا في الطرقات‪،‬‬ ‫جماعة‪ّ ،‬‬ ‫وقتل الروم من وجدوه بالمدينة آخر الليل‪.((51(»...‬‬ ‫فلله األمر من قبل ومن بعد‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬ ‫(‪ ((51‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪ 310‬ـ ‪.311‬‬ ‫(‪ ((51‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.392‬‬ ‫(‪ ((51‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ 538‬ـ ‪.539‬‬ ‫‪203‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫‪ 9‬ـ جرائم ترتكب في حرم اهلل اآلمن‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«وجه إبراهيم بن موسى بن جعفر من اليمن رجالً من ولد عقيل بن أبي‬ ‫طالب في جند ليحج بالناس‪ ،‬فسار العقيلي حتى أتى بستان ابن عامر‪ ،‬فبلغه‬ ‫أن أبا إس��حاق المعتصم قد حج ف��ي جماعة من الق��واد‪ ،‬فيهم حمدويه بن‬ ‫علي بن عيسى بن ماهان‪ ،‬وقد استعمله الحس��ن بن سهل على اليمن‪ ،‬فعلم‬ ‫العقيلي أنه ال يقوى بهم‪ ،‬فأقام ببس��تان ابن عامر‪ ،‬فاجت��از قافلة من الحاج‪،‬‬ ‫ومعهم كسوة الكعبة وطيبها‪ ،‬فأخذ أموال التجار‪ ،‬وكسوة الكعبة وطيبها‪ ،‬وقدم‬ ‫الحجاج مكة عراة منهوبين»(‪.((51‬‬ ‫وقال ابن األثير أيض ًا‪« :‬ذكر ما فعله الحس��ين بن الحسن األفطس بمكة‬ ‫والبيعة لمحمد بن جعفر‪ .‬وفي هذه الس��نة في المحرم‪ ،‬نزع الحس��ين ُكسوة‬ ‫الكعبة‪ ،‬وكساها كسوة أخرى‪ ،‬أنفذها أبو السرايا من الكوفة‪ ،‬من القز‪ ،‬وتتبع‬ ‫ودائع بني العب��اس وأتباعهم‪ ،‬وأخذها‪ ،‬وأخذ أموال الن��اس بحجة الودائع‪،‬‬ ‫فهرب الناس منه‪ ،‬وتط��رق أصحابه إلى قلع ش��بابيك الحرم‪ ،‬وأخذ ما على‬ ‫نزر حقير‪ ،‬وأخذ ما في خزانة الكعبة‪ ،‬فقسمه مع‬ ‫األساطين من الذهب‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫كسوتها على أصحابه»(‪.((52‬‬ ‫وقال اب��ن األثير أيض ًا‪« :‬دخ��ل محمد وعلي ابنا الحس��ين بن جعفر بن‬ ‫موس��ى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحس��ين بن علي ب��ن أبي طالب‬ ‫يصل أهل المدينة‬‫ّ‬ ‫المدينة‪ ،‬وقتال جماعة من أهلها‪ ،‬وأخذا من قوم ماالً‪ ،‬ولم‬ ‫في مسجد رسول اهلل‪ ،‬ژ ‪ ،‬أربع جمع‪ ،‬ال جمعة وال جماعة‪.((52(»...‬‬ ‫(‪ ((51‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪ 313‬ـ ‪.314‬‬ ‫(‪ ((52‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.311‬‬ ‫(‪ ((52‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.413‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪204‬‬ ‫وقال ابن األثير أيض ًا‪« :‬وفيها ظهر إس��ماعيل بن يوس��ف بن إبراهيم بن‬ ‫عبد اهلل بن الحس��ن بن الحس��ن بن علي بن أبي طالب بمكة‪ ،‬فهرب جعفر‬ ‫بشاشات‪ ،‬وانتهب إس��ماعيل منزله ومنازل أصحاب الس��لطان‪ ،‬وقتل الجند‬ ‫وجماعة من أهل مكة‪ ،‬وأخذ ما كان ُحمل إلص�لاح القبر من المال وما في‬ ‫الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة وغير ذلك‪ ،‬وأخذ ُكس��وة الكعبة‪ ،‬وأخذ‬ ‫من الناس نح��و ًا من مائتي ألف دين��ار‪ ،‬وخرج منها بع��د أن نهبها‪ ،‬وأحرق‬ ‫بعضها في ربيع األول بعد خمس��ين يوم ًا وسار إلى المدينة‪ ،‬فتوارى عاملها‪،‬‬ ‫ثم رجع إس��ماعيل إلى مكة في رجب فحصرهم حتى تم��اوت أهلها جوع ًا‬ ‫وعطش�� ًا‪ ...‬ولقي أهل مكة منه كل بالء‪ .‬ثم س��ار إلى ُجدة بعد مقام س��بعة‬ ‫وخمسين يوم ًا‪ ،‬فحبس عن الناس الطعام وأخذ األموال التي للتجار وأصحاب‬ ‫وسلب‬ ‫المراكب‪ ،‬ثم وافى إسماعيل عرفة‪ ...‬وقتل من الحاج نحو ألف ومائة‪ُ ،‬‬ ‫الناس‪ ،‬وهربوا إلى مكة ول��م يقفوا بعرفة ليالً وال نهاراً‪ ،‬ووقف إس��ماعيل‬ ‫وأصحابه‪ ،‬ثم رجع إلى جدة فأفنى أموالها»(‪.((52‬‬ ‫وقال ابن األثي��ر‪ ... « :‬وفيها ظهر بصعيد مصر إنس��ان عل��وي‪ ،‬ذكر أنه‬ ‫إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد اهلل بن محمد بن علي بن أبي طالب ‪،‰‬‬ ‫ويعرف بابن الصوفي‪ ،‬وملك مدينة أسنا‪ ،‬ونهبها‪ ،‬وعم شره البالد»(‪.((52‬‬ ‫وأيض ًا نس��أل ابن األثير ومن اقتفى أثره‪ :‬لماذا ال يذكر اسم هذا العلوي‪،‬‬ ‫والعقيلي‪ ،‬واألفطس‪ ،‬ومحمد وعلي أبناء الحس��ين بن جعفر‪ ،‬وإسماعيل بن‬ ‫الكتَّاب من ذكرتم أن‬ ‫يوسف بن إبراهيم في قائمة الخوارج؟ ألستم أنتم أيها ُ‬ ‫من أعمال الخوارج قتل الناس ونهب أموالهم؟‬ ‫(‪ ((52‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪ 165‬ـ ‪.166‬‬ ‫(‪ ((52‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.238‬‬ ‫‪205‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫أليس أحدكم من وص��ف الخوارج بقوله‪« :‬كان الخ��وارج يقدمون على‬ ‫س��فك الدماء على وجه عجيب ال يراعون فيه حرمة سابقة ألحد‪ ،‬ونتج عن‬ ‫صنيعهم هذا مقتل عشرات اآلالف من المس��لمين على مدار تاريخهم منهم‬ ‫سادة كرام نجباء‪.((52(»...‬‬ ‫فلماذا جفت أقالمكم عن وصف هؤالء الناس بالخوارج؟‪ ،‬أليس هذا هو‬ ‫الهوى الذي يصم ويعمي؟‬ ‫فلله األمر من قبل ومن بعد‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ قطاع طرق حجاج بيت اهلل الحرام‪:‬‬ ‫وقال ابن األثير‪:‬‬ ‫سير أمير‬ ‫« ‪ ...‬وسار الحاج من دمشق‪ ...‬فلما قضوا حجهم وعادوا سائرين ّ‬ ‫مكة‪ ،‬وهو محمد بن أبي هاشم‪ ،‬عس��كر ًا فلحقوهم بالقرب من مكة‪ ،‬ونهبوا‬ ‫كثيرا من أموالهم وجِمالهم‪ ...‬فلما أيِسوا منه ساروا من مكة عائدين على أقبح‬ ‫صورة‪ ،‬فلما أبع��دوا عنها ظهر عليه��م جموع من العرب ف��ي عدة جهات‪،‬‬ ‫فصانعوهم على مال أخذوه من الحاج‪ ،‬بعد أن قُتل منهم جماعة وافرة‪ ،‬وهلك‬ ‫فيه [كثيرون] بالضعف واالنقطاع‪ ،‬وعاد السالم على أقبح صورة»(‪.((52‬‬ ‫الحاج‪ ،‬فقتلوا‬ ‫ّ‬ ‫وقال ابن األثير‪« :‬وفيها خرج بنو هالل وجمع من العرب على‬ ‫منهم خلق ًا كثيراً‪ ،‬وضاق الوقت‪ ،‬فبطل الحج‪ ،‬ولم يسلم إال من مضى مع الشريف‬ ‫أبي أحمد الموسوي‪ ،‬والد الرضي‪ ،‬على طريق المدينة‪ ،‬فتم حجهم»(‪.((52‬‬ ‫(‪ ((52‬من مآسي االفتراق‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫(‪ ((52‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.225‬‬ ‫(‪ ((52‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪.647 /8‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪206‬‬ ‫وقال ابن األثير‪« :‬وفيها كانت فتنة عظيمة بين األمير هاش��م بن فليتة بن‬ ‫القاسم العلوي الحس��يني‪ ،‬أمير مكة‪ ،‬واألمير نظر الخادم أمير الحاج‪ ،‬فنهب‬ ‫أصحاب هاشم الحجاج وهم في المسجد يطوفون ويصلون‪ ،‬ولم يرقبوا فيهم‬ ‫إلاّ ً وال ّ‬ ‫ذمةً»(‪.((52‬‬ ‫أال تكفي هذه الجرائم في حرم اهلل اآلمن وفي حق حجاج بيت اهلل تعالى‬ ‫أن تلقي بفاعليها في صفوف الخوارج؟‬ ‫أقول البن األثير ومن انتهج نهجه‪ :‬كفاكم حيدة عن معالم الحق وكفاكم‬ ‫صدود ًا عن مقاييس العدل واإلنصاف حينم��ا تذكرون اإلباضية الزهر الكرام‬ ‫ظلم ًا وعدوان ًا في قائمة من وصفتموهم بالخوارج‪.‬‬ ‫فأين هؤالء الذين ذكرتموهم هنا بجرائمهم من اإلباضية الذين ال يستحلون‬ ‫قطرة دم مسلم‪ ،‬وال يأخذون دانق ًا من أموال موحد مهما خالفهم في الرأي؟‬ ‫‪ 11‬ـ إجرام على يد معز الدولة وناصر الدولة‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬فلما س��مع معز الدولة الخبر س��ار إلى تكريت فنهبها ألنها كانت‬ ‫(‪((52‬‬ ‫لناصر الدولة‪»...‬‬ ‫وقال ابن األثير‪« :‬فضاقت األقوات على معز الدولة وعسكره‪ ،‬وبلغه أن‬ ‫بنصيبين من الغالت الس��لطانية شيئ ًا كثيراً‪ ...‬فلما توس��ط الطريق بلغه أن‬ ‫المرجى وهبة اهلل بس��نجار في عس��كر‪ ،‬فسير إليهم‬ ‫ّ‬ ‫أوالد ناصر الدولة أبا‬ ‫عسكراً‪ ،‬فلم يش��عر أوالد ناصر الدولة بالعسكر إال وهو معهم‪ ،‬فعجلوا عن‬ ‫(‪ ((52‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.103‬‬ ‫(‪ ((52‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.453‬‬ ‫‪207‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫دوابهم وانهزموا ونهب عسكر معز الدولة ما تركوه‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫أخذ أثقالهم‪ ،‬فركبوا‬ ‫وكان أصحاب ناصر الدولة في حصونه ببل��د الموصل‪ ،‬والجزيرة‪ ،‬يغيرون‬ ‫على أصحاب معز الدولة بالبلد‪ ،‬فيقتلون فيهم‪ ،‬ويأس��رون منهم‪ ،‬ويقطعون‬ ‫الميرة عنهم»(‪.((52‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬واش��تد األمر على ج�لال الدولة لفق��ره‪ ،‬وق ّلة األموال‬ ‫وغيرها عنده‪ .‬فاستش��ار أصحابه فيم��ا يفعل‪ .‬فأش��اروا أن يقصد األهواز‬ ‫وينهبه��ا‪ .‬ويأخذ ما بها من أم��وال أبي كاليجار وعس��كره‪ ...‬ومضى إلى‬ ‫األهواز فنهبها‪ ،‬وأخذ م��ن دار اإلم��ارة مائ َت ْي ألف دين��ار‪ ،‬وأخذوا ماال‬ ‫يحصى‪ ،‬ودخ��ل األكراد واألع��راب وغيرهم إلى البل��د‪ ،‬فأهلكوا الناس‬ ‫بالنهب والسبي‪.((53(»...‬‬ ‫ضاقت األقوات على معز الدولة فرأى الفرج في نهب أموال ناصر الدولة‪،‬‬ ‫وفي المقابل يسعى ناصر الدولة بقتل جنود معز الدولة وأسرهم وقطع أرزاقهم‪.‬‬ ‫واشتد فقر جالل الدولة فأشار إليه بطانته بنهب األهواز المسلمة‪ ،‬وأطلق‬ ‫أيدي من سار معه في أعراض الناس فأهلكوا الحرث والنسل‪.‬‬ ‫أبهذه الجرائم تجلل الممالك وينصر الدين وتعز الدول؟!‬ ‫أما علم معز الدولة وناصر الدولة أن «اإلس�لام يري��د بأعمال الجهاد أن‬ ‫تكون انتصار ًا للمظلومين وحرية الدين وحماية المؤمنين والدعوة إلى توحيد‬ ‫رب العالمين»(‪ ،((53‬ال أن تنتهك األعراض وترتكب المحرمات؟‬ ‫(‪ ((52‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ 522‬ـ ‪.523‬‬ ‫(‪ ((53‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /9‬ص ‪.375‬‬ ‫(‪ ((53‬المسئولية الجنائية للقادة العسكريين في الحروب شرع ًا ونظام ًا‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪208‬‬ ‫فس��ؤالنا البن األثير ومن س��ار على نهجه‪ :‬ما الذي يصرفكم عن نعت‬ ‫هؤالء بالخوارج‪ ،‬وهم قد جاءوا بأفعال أعداء اإلنسانية من غير نقصان؟‬ ‫أليس��ت أعمالهم هذه ش��بيهة بكل معايير اإلجرام لما قام به توفيل بن‬ ‫مخائيل ملك الروم الذي «أغار على أهل م َلطْ َية وغيرها من حصون المسلمين‪،‬‬ ‫وسبى المس��لمات‪ ،‬وم ّثل بمن صار في يده من المس��لمين وسمل أعينهم‪،‬‬ ‫وقطع أنوفهم وآذانهم‪.((53(»...‬‬ ‫أليس��ت أعمال ناصر الدولة وأعمال معز الدولة وجنودهما ش��بيهة بما‬ ‫اقترفته يد ملك الروم وجنوده في حمص حين قصدها؟‪ ،‬حيث أورد ابن األثير‬ ‫عنه‪ ... « :‬فأحرقه��ا ملك الروم ورجع إلى بلدان الس��احل فأت��ى عليها نهب ًا‬ ‫ويخرب ما شاء‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫وتخريب ًا‪ ...‬وأقام في الشام شهرين يقصد أي موضع شاء‪،‬‬ ‫وعاد ومعه من السبي نحو مائة ألف رأس‪ ،‬ولم يأخذ إال الصبيان‪ ،‬والصبايا‪،‬‬ ‫��بان‪ ،‬فأما الكهول‪ ،‬والش��يوخ‪ ،‬والعجائز‪ ،‬فمنهم َمن قتل��ه‪ ،‬ومنهم من‬ ‫ُّ‬ ‫والش ّ‬ ‫س��رية كثيرة إلى الجزيرة‪ ،‬فبلغوا كفرتوثا‪ ،‬ونهبوا‬ ‫ّ‬ ‫أطلقه‪ ...‬وسير ملك الروم‬ ‫وسبوا وأحرقوا‪.((53(»...‬‬ ‫أليس أولى بقائمة الخوارج التي يلوح بها ابن األثير ومن سار على نهجه‬ ‫أن تحمل في أحشائها كذلك معز الدولة!! وناصر الدولة!! وجنودهما الذين‬ ‫أتوا بما أتى به الروم من جرائم في ديار اإلسالم؟‬ ‫فما لهؤالء القوم يحش��رون األبرياء في قائمة الخ��وارج ويتركون هؤالء‬ ‫المجرمين؟ فلله األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫(‪ ((53‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪.479‬‬ ‫(‪ ((53‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ 596‬ـ ‪.597‬‬ ‫‪209‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫‪ 12‬ـ جرائم جيش المنصور في األهواز‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫جمعه‪ ،‬فواهلل إنهما‬ ‫ُ‬ ‫« ‪ ...‬فقال له المنصور‪ :‬اعمد إلى إبراهيم وال يروعنك‬ ‫غيره من القواد‪ .‬وكتب‬ ‫جمال بني هاشم المقتوالن! فثق بما أقول‪ .‬وضم إليه َ‬ ‫المهدي يأمره بإنفاذ خزيمة بن خازم إلى األهواز‪ ،‬فسيره في أربعة آالف‬ ‫ّ‬ ‫إلى‬ ‫فارس فوصلها وقات��ل المغيرة‪ ،‬فرجع المغير ُة إلى البصرة‪ ،‬واس��تباح خزيمة‬ ‫األهواز ثالث ًا»(‪.((53‬‬ ‫حتى ولو استباحها لحظة من نهار أو ليل لكان ذلك حرام ًا في دين اهلل‪.‬‬ ‫الكتَّاب هذا هو حال جيش بني العباس‪ ،‬فلماذا ال تلقون بهم في‬ ‫يا معشر ُ‬ ‫صفوف الخوارج؟‬ ‫ولماذا عمدت��م إلى اإلباضي��ة الوقافين عن��د حدود اهلل ووس��متموهم‬ ‫بالخوارج ظلم ًا وعدوان ًا؟ فحسبنا اهلل ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ مشهد إجرامي فيه دليل على اضطراب مقاييس كُ َّتاب التاريخ‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«فاستخلف ُزف َُر على قرقيسيا أخاه أوس بن الحرث وعزم على أن يغير على‬ ‫بني تغلب ويغزوهم‪ ،‬فوجه خيالً إلى بني ف ََد ْو َكس بطن من تغلب فقتل رجالهم‬ ‫واستبيحت أموالهم ونس��اؤهم‪ ...‬وبعث زفر أيضا مسلم بن ربيعة العقيلي إلى‬ ‫قوم تغلب مجتمعين فأكثر فيهم القتل‪ ...‬وترج��ل أصحاب زفر أجمعون وبقي‬ ‫زفر على بغل له فقتلوهم ليلتهم وبقروا بطون نساء منهم‪.((53(»...‬‬ ‫(‪ ((53‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪ 565‬ـ ‪.566‬‬ ‫(‪ ((53‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.318‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪210‬‬ ‫هذه األحداث التي س��جلها ابن األثير‪ ،‬من قتل وبقر لبطون النساء‪ ،‬لم‬ ‫تهز له ش��عرة ولم يجرؤ على وصف زفر بن الحرث وقائده مسلم بن ربيعة‬ ‫العقيلي بالخوارج‪.‬‬ ‫فحينما تضطرب المقاييس‪ ،‬ولم يراع للكلمة الصادقة حقها‪ ،‬فإنك يا أخي‬ ‫الكتَّاب ما يس��تحقونه من‬ ‫القارئ الكريم س��تجد المجرمين ال يناله��م من ُ‬ ‫وصف‪ ،‬بل ستجد ـ ويا للعار ـ كيل التهم الباطلة ضد من وقف أمام أصحاب‬ ‫هذه األعمال الفاحشة‪ .‬فلله األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫‪ 14‬ـ ابن األثير واضطراب الموازين‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«وقد جعلت تغلب عليها بعد شعيث زياد بن هوبر‪ ،‬ويقال‪ :‬يزيد بن هوبر‬ ‫تغلب ومن معها منهم‬ ‫ُ‬ ‫قيس وقتلت‬ ‫التغلبي‪ ،‬فاقتتلوا قتاالً ش��ديداً‪ ،‬فانهزمت ٌ‬ ‫مقتل ًة عظيم ًة وبقروا بطون ثالثين امرأة من بني ُس َليم»(‪.((53‬‬ ‫الحروب عن��د هؤالء الناس ال تنته��ي إال بالمقتل��ة العظيمة وببقر‬ ‫بطـون النس��اء‪ ،‬ومع هذا ال يصفهم اب��ن األثير ومن س��ار على نهجه‬ ‫بالخوارج‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـ مروان األموي واستباحته ألرواح المسلمين وأموالهم‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫خيل مروان تقتل وتأسر‪ ،‬واستباحوا‬ ‫ُ‬ ‫«وانهزم سليمان ومن معه‪ ،‬واتبعتهم‬ ‫عس��كرهم‪ ،‬ووقف مروان موقفا ووقف ابناه موقفي��ن‪ ،‬ووقف كوثر صاحب‬ ‫(‪ ((53‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.311‬‬ ‫‪211‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫ش��رطته موقفا‪ ،‬وأمرهم أن ال يؤ َتوا بأسير إال قتلوه إال عبد ًا مملوك ًا‪ .‬ف ُأحصي‬ ‫من قتالهم يومئذ [ما] َن َّيف على ثالثين ألف قتيل»(‪.((53‬‬ ‫وقال ابن األثير أيض ًا‪« :‬وقدم على س��لم بعد ذل��ك أربع ُة آالف من عند‬ ‫مروان فأرادوا نهب َم ْن بقي من األزد‪ ،‬فقاتلهم قتاالً ش��ديداً‪ ،‬وكثرت القتلى‬ ‫وس��بيت نس��اؤهم‪ ،‬وهدموا البيوت‬ ‫بينهم‪ ،‬وانهزمت األزد‪ ،‬و ُنهبت دورهم‪ُ ،‬‬ ‫ثالثة أيام‪.((53(»...‬‬ ‫تلكم هي أعمال آخر ملوك بني أمية‪ ،‬ففي يوم واحدة يقتل ما يزيد على‬ ‫ثالثين ألف ًا‪ ،‬ويقدم جنوده على س��بي المسلمات وهدم البيوت ونهب الدور‪،‬‬ ‫الكتَّ��اب من خلفاء اإلس�لام‪ ،‬فيا للعج��ب ألمر هؤالء‬ ‫ومع ه��ذا كله يعده ُ‬ ‫المؤرخين والكتاب‪.‬‬ ‫أما َعلِ َم مروان وجنوده أن في اإلس�لام «ع��دم التعرض لمن ال يحارب‬ ‫حتى لو كان قادر ًا على الح��رب»(‪((53‬؟‪ .‬فبأي مبدأ يقدم م��روان على فعلته‬ ‫النكراء هذه؟‬ ‫هذا اإلجرام الذي بلغ أقصى حد يمكن أن يتصوره اإلنس��ان لم يش��فع‬ ‫لجنود بني أمية عند ابن األثير لكي تتبوأ أس��مائهم الم��كان الالئق بهم في‬ ‫قائمة الخوارج‪.‬‬ ‫وهنا نس��أل ابن األثير ومن س��ار على نهجه‪ :‬ما الذي أخرج مروان بن‬ ‫محمد من قائمتكم التي س��جلتم فيه��ا الخوارج؟ ألم يأت م��روان وجنوده‬ ‫بأضعاف مضاعفة من سيء الفعال التي ُنسبت إلى الخوارج؟‬ ‫(‪ ((53‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.332‬‬ ‫(‪ ((53‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪ 406‬ـ ‪.407‬‬ ‫(‪ ((53‬أخالقيات الحرب في السيرة النبوية الشريفة‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪212‬‬ ‫ونس��أل الدكتور محمد الش��ريف‪ :‬أال ينطب��ق وصفك للخ��وارج على‬ ‫مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية‪ ،‬خاصة وقد أتى بشنائع األفعال التي لم‬ ‫يشهدها المسلمون إال عندما اجتاحت جحافل الكفر وجيوش التتار والنصارى‬ ‫بالد المسلمين؟‬ ‫الكرج في خل��ق كثير يبلغون‬ ‫فقد أورد اب��ن األثير ما نص��ه‪« :‬اجتمعت ُ‬ ‫ثالثين ألف مقاتل‪ ،‬ودخلوا بالد اإلسالم‪ ،‬وقصدوا مدينة ُد َوين من أذربيجان‪،‬‬ ‫فملكوها ونهبوها‪ ،‬وقتلوا من أهلها وسوادها نحو عشرة آالف قتيل‪ ،‬وأخذوا‬ ‫وقادوهن حفاة ُعراة‪ ،‬وأحرقوا‬‫ّ‬ ‫النساء س��بايا‪ ،‬وأس��روا كثيراً‪ ،‬وأعروا النس��اء‬ ‫الجوامع والمساجد‪.((54(»...‬‬ ‫وقد جاء على لس��ان ماثيو كار ما نصه‪« :‬وفي بع��ض الحاالت‪ ،‬اضطر‬ ‫الجنود النصارى إلى إحراق عائالت كاملة في بيوتها‪ ،‬ألن المورسكيين كانوا‬ ‫يصدون تقدمهم بأي أس��لحة تق��ع تحت أيديهم‪ ،‬كالس��يوف والس��كاكين‬ ‫والمساعر الحديدية واألحجار‪ .‬وبعد معركة دامت تسع ساعات‪ ،‬دانت البلدة‬ ‫أخي��ر ًا للنصارى‪ ،‬وأمر دون خوان جنوده بذبح الس��كان جميع�� ُا عقاب ًا على‬ ‫تحديهم‪ .‬فقتل نحو ‪ 400‬رجل وامرأة وطفل‪.((54(»...‬‬ ‫وقال في موضع آخر من كتابه‪« :‬فف��ي عيد الفصح ‪ ،1588‬أحرق التراس‬ ‫وأتباعه من الجبليين قرية كودو المورسكية تمام ًا بعد أن فر أهلها‪ .‬وتال ذلك‬ ‫هجوم أكثر دموية على قرية بينا النصرانية ـ المورس��كية المختلطة‪ ،‬قتل فيه‬ ‫رجال التراس مئات المرس��كيين في الميدان الرئي��س أو ألقوا بهم من فوق‬ ‫برج الدير المحلي»(‪.((54‬‬ ‫(‪ ((54‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.286‬‬ ‫(‪ ((54‬الدين والدم إبادة شعب األندلس‪ ،‬ص ‪.311‬‬ ‫(‪ ((54‬الدين والدم إبادة شعب األندلس‪ ،‬ص ‪.339‬‬ ‫‪213‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫وقال ماثيو كار أيض�� ًا‪ ... « :‬وفي بعض الح��االت كان البحارة النصارى‬ ‫يغتصبون النس��اء وحتى األطف��ال ثم يرمونه��م في البحر‪ .‬ف��ي واحدة من‬ ‫الحوادث القليلة التي تتوافر حولها تفاصيل محددة‪ ،‬تآمر ربان قطلوني يدعى‬ ‫خوان ريبيرا مع ربان نابولي النتظار أحدهما اآلخر في منتصف الرحلة‪ ،‬وذبح‬ ‫ركاب السفينتين‪ .‬وبمجرد أن ابتعدت السفينتان عن البر‪ ،‬قتل ريبيرا وطاقمه‬ ‫الركاب المورسكيين على منصة الربان ورموا جثثهم في البحر‪ .‬ووعد البحارة‬ ‫ال��ركاب بالطابق الس��فلي بأنهم ل��ن يقتلوا إذا س��لمهم الرج��ال أموالهم‬ ‫وممتلكاتهم‪ .‬ثم صعد الركاب االذكور إلى الس��طح واحد ًا بعد اآلخر‪ ،‬حيث‬ ‫كانوا يسرقون ويقتلون ويرمون في البحر‪ .‬وحين صعدت نساؤهم إلى السطح‬ ‫واكتش��فن ما حدث‪ ،‬أصيبت كثيرات منهن بالهلع‪ ،‬فألقين بأنسهن في البحر‬ ‫ومعهن أطفالهن‪ .‬في حين اغتصبت أخريات قبل أن يلقين في البحر»(‪.((54‬‬ ‫تلكم هي أعمال جنود بني أمية وملوكهم في حق المسلمين‪ ،‬وهي نفس‬ ‫الجرائم التي ش��هدتها األندلس على أيدي النصارى‪ ،‬فأين هؤالء وهؤالء من‬ ‫قائمة ابن األثير وغيره التي أعدوها للخوارج؟‬ ‫فالعجب كل العجب م��ن صنيع ابن األثير ومن س��ار على نهجه حينما‬ ‫تس��ابقت أقالمهم بوصف اإلباضية‪ ،‬الذين وقفوا أمام جيوش أولئك الطغاة‪،‬‬ ‫بالخوارج‪ .‬وهذه مفارقة ليس لها ما يبررها س��وى أن ُكتَّاب التاريخ والفرق‬ ‫ومن س��ار مس��يرهم لم تكن كتاباتهم ألجل الدفاع عن هذا الدين بل ألجل‬ ‫قذف األبرياء باألباطيل في خضم التنافس المذموم الذي ش��هدته الس��احة‬ ‫اإلسالمية في الماضي‪.‬‬ ‫فأين العدالة؟ وأين الصدق في القول واألحكام؟‬ ‫(‪ ((54‬الدين والدم إبادة شعب األندلس‪ ،‬ص ‪.445‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪214‬‬ ‫وأس��تعير هنا قولة القائل‪« :‬إلى متى سيس��مى إرهاب المستبدين عدالة‪،‬‬ ‫وعدالة الشعب بربرية أو تمرداً؟»(‪.((54‬‬ ‫‪ 16‬ـ جرائم جنود بني العباس صورة ألفعال الكفار في ديار اإلسالم‪:‬‬ ‫أخي القارئ الكريم‪:‬‬ ‫قد تدرك بشاعة ما قام به جنود بني العباس بعد أن تقرأ ما نقله ابن األثير‬ ‫عن فعلة ملك الروس في مدينة بردعة المس��لمة‪ ... « :‬فوضع الروس��ية فيهم‬ ‫الس�لاح فقتلوا منهم خلق ًا كثيراً‪ ،‬وأس��روا بعد القتل بضعة عشر ألف نفس‬ ‫وجمعوا م��ن بقي بالجامع‪ ...‬فلما رأى الروس��ية أنه ال يحصل منهم ش��يء‬ ‫قتلوهم عن آخرهم‪ ،‬ولم ينج منهم إال الشريد‪ ،‬وغنموا أموال أهلها واستعبدوا‬ ‫السبي‪ ،‬واختاروا من النساء من استحسنوها»(‪.((54‬‬ ‫فبعد أن جمع الروم المس��لمين في الجامع أحدثوا فيهم القتل والتشريد‬ ‫ونهب األموال‪ ،‬وهذه الجرائم هي نفسها التي اقترفتها أيدي جنود بني العباس‬ ‫حسب ما نقله لنا ابن األثير‪« :‬وفي هذه السنة استعمل السفاح أخاه يحيى بن‬ ‫محمد على الموصل‪ ...‬وس��يره إليها في اثني عش��ر ألف رجل‪ ...‬ثم دعاهم‬ ‫فقتل منهم اثني عشر رجالً‪ ،‬فنفر أهل البلد وحملوا السالح‪ ،‬فأعطاهم األمان‪،‬‬ ‫الناس يهرعون إليه‪ ،‬فأقام يحيى‬ ‫ُ‬ ‫وأمر فنودي‪َ :‬م ْن دخل الجامع فهو آمن؛ فأتاه‬ ‫الناس قتالً ذريع ًا أس��رفوا فيه‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه‬ ‫َ‬ ‫الرجال على أبواب الجامع‪ ،‬فقتلوا‬ ‫عشر ألف ًا ممن له خاتم وممن ليس له خاتم خلق ًا كثيراً‪ .‬فلما كان‬ ‫قتل فيه أحد َ‬ ‫الليل سمع يحيى صراخ النساء الالتي قُتل رجالهن‪ ،‬فسأل عن ذلك الصوت‪،‬‬ ‫(‪ ((54‬الحرب المقدسة االستشهاد واإلرهاب أشكال العنف المسيحية في الغرب‪ ،‬ص ‪ ،313‬نقال‬ ‫عن روبسبيير‪.‬‬ ‫(‪ ((54‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ 412‬ـ ‪.413‬‬ ‫‪215‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫فأخبر به‪ ،‬فقال‪ :‬إذا كان الغد فاقتلوا النساء والصبيان‪ .‬ففعلوا ذلك‪ ،‬وقتل منهم‬ ‫ثالثة أيام‪ ،‬وكان في عس��كره قائد مع��ه أربعة آالف زنجي‪ ،‬فأخذوا النس��اء‬ ‫قهراً‪ ...‬وفيمن قُت��ل معروف بن أبي معروف‪ ،‬وكان زاه��د ًا عابداً‪ ،‬وقد أدرك‬ ‫كثير ًا من الصحابة وروى عنهم»(‪.((54‬‬ ‫لعل��ك أخي الق��ارئ قد أدرك��ت من هذي��ن المش��هدين‪ ،‬وبعد وزنك‬ ‫للجريمتين‪ ،‬منزلة السفاح العباسي وجنوده في ميزان اإلسالم‪.‬‬ ‫كل ما ُسجل على الخوارج عبر تاريخهم الطويل إلى نهاية تأليف كتاب‬ ‫(الكامل في التاريخ) البن األثير ال يتجاوز ُعش��ر معشار ما سجله ابن األثير‬ ‫وغيره على ملوك بني أمية وملوك بني العباس‪.‬‬ ‫الكتَّاب من هذه الجرائم المروعة في حق األبرياء؟‬ ‫فأين هم ُ‬ ‫ففي فترة الصراع ال��ذي كان بين بن��ي العباس وبني أمية س��الت دماء‬ ‫مسلمة‪ ،‬ونهبت أموال محرمة‪ ،‬وقتلت نساء مسلمات‪ ،‬وبقرت بطون المؤمنات‬ ‫عن أجنتهن اآلمنة‪ ،‬ومع كل هذه الجرائم فإننا ال نجد ألولئك المجرمين ذكر ًا‬ ‫في قائمة الخوارج التي تحفل بها كتب التاريخ‪.‬‬ ‫وبعد أن تمكن بنو العباس من البالد والعباد ما كان منهم إال االستمرار‬ ‫على نهج مروان وجنوده في القتل والنهب وشق البطون‪.‬‬ ‫أما علم ملوك بني أمية وجنودهم أن «من المبادئ األساسية في اإلسالم‬ ‫التمسك بالفضيلة واألخالق اإلسالمية‪ ،‬حتى وإن انتهكها األعداء‪ ،‬فالمعاملة‬ ‫بالمثل ال تعني أن يتجاوز المسلم مبادئ الفضيلة واألخالق‪ ،‬والمسلم عندما‬ ‫يدخل الحرب فإنه يدخلها بأخالقه وليس بأخالق أعدائه»(‪((54‬؟‬ ‫(‪ ((54‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪ 443‬ـ ‪.444‬‬ ‫(‪ ((54‬أخالقيات وسلوكيات الحرب عند رسول اهلل ژ ‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪216‬‬ ‫أما علم ملوك بني العباس وجنودهم أن «القرآن قد أقر رد االعتداء بمثله‪،‬‬ ‫غير أنه إذا انتهك العدو حرمات الفضيل��ة فال تنتهك‪ ،‬فإذا كان العدو ينتهك‬ ‫حرمة النساء ال نفعل ذلك‪ ،‬وإذا كان يقتل النساء والذرية الضعاف ال نقتلهم‪...‬‬ ‫وإذا كان العدو يمثل بالقتلى ويشوه أجسامهم بعد قتلهم ويفعل ذلك في قتلى‬ ‫المسلمين فال نجاريه في ذلك»(‪.((54‬‬ ‫قال س��ماحة الش��يخ أحمد بن حمد الخليلي حفظه اهلل تعالى‪« :‬إذا كان‬ ‫اإلس�لام يأمر بالتحلي باألخالق في أثناء المسالمة‪ ،‬فإنه ال يعدم هذه السمة‬ ‫في أثناء الحرب‪ ،‬فالحرب في اإلسالم ال تخرج عن إطار األخالق‪ ،‬وال تشن‬ ‫إال من أجل غاية إنس��انية نبيلة‪ ،‬بحيث ال ينتج عنه��ا إال العدل واإلنصاف‪،‬‬ ‫وإطفاء سعير الفتن‪ ،‬ونشر المرحمة بين الناس»(‪.((54‬‬ ‫وهكذا دارت عجلة الزمن ببني أمية وببني العباس وبمن جاء من بعدهم‬ ‫الغي أي األداة‬ ‫ّ‬ ‫من الطغاة فـ «كل من حاول استعادة الرش��د من بعد لجأ إلى‬ ‫المروانية الجاهلية نفسها‪ :‬الس��يف‪ .‬هذا ما فعله العباسيون ومن بعدهم كثير‬ ‫فلم ترجع الحياة الراشدية واستمر السيف فوق القانون»(‪.((55‬‬ ‫وهكذا عاشت األمة اإلس�لامية ردح ًا من الزمن ال تلد فيها الفوضى إال‬ ‫فوضى أشد وأعمى منها‪ ،‬وال ينجب االستبداد إال استبداد ًا أشد وأطغى‪ ،‬وقد‬ ‫تناسى جنود الطغيان أن «االستبداد ال ُيزال وال ُيحارب باالستبداد‪ ،‬والفوضى‬ ‫ال ُتمحى وال ُتعالج بالفوضى»(‪.((55‬‬ ‫(‪ ((54‬أخالقيات وسلوكيات الحرب عند رسول اهلل ژ ‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫(‪ ((54‬نداء الحق‪ ،‬ص ‪.314‬‬ ‫(‪ ((55‬كيف تفقد الشعوب المناعة ضد االستبداد‪ ،‬ص ‪.226‬‬ ‫نقال عن الشاعر زيد الموشكي‪.‬‬ ‫(‪ ((55‬التيه العربي (تأمالت في الواقع الصعب)‪ ،‬ص ‪ً ،142‬‬ ‫‪217‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫وبقي ابن األثير ومن نهج نهجه‪ ،‬وهم يسطرون األحداث‪ ،‬ال يتعدون ذكر‬ ‫الحدث إلى وصف المجرمين بما يستحقونه من أوصاف‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي يتهم فيه ابن األثير وغيره اإلباضية بالخوارج‪ ،‬ال لشيء‬ ‫إال ألن اإلباضية حاربوا هؤالء المجرمين من األمويين والعباس��يين‪ ،‬نجدهم‬ ‫يصمتون صمت القبور الدارسة أمام جرائم العباسيين واألمويين‪.‬‬ ‫ونحن اإلباضية ال نجيز تصرفات الفئات المتهورة المتطرفة المتوحشة من‬ ‫الخوارج وغيرهم‪ ،‬وقد حاربنا من أتى بأعمالهم في الغرب والش��رق‪ ،‬وننكر‬ ‫اإلجرام أيا كان فاعله‪ ،‬ولن يجد أي مجرم في صفوفنا من يداهنه ويتستر عليه‪.‬‬ ‫الكتَّ��اب ظلم ًا وزور ًا بالخ��وارج‪ ،‬وال ينال الظالمين‬ ‫فإذن‪ ،‬لماذا يصفنا ُ‬ ‫منهم ما يستحقونه من أحكام؟ فهذا المسلك المضطرب أبعد ابن األثير ومن‬ ‫سار على دربه عن النهج اإلسالمي السوي في تقييم الجماعات واألفراد‪.‬‬ ‫«واهلل حسيب من ينسب إلينا ما ليس من مذهبنا»(‪« .((55‬فليتقوا اهلل فينا فإن‬ ‫العبء ثقيل‪ ،‬واألمانة جسيمة‪ ،‬والحساب بين يدي اهلل عسير‪ ،((55(»...‬فحسبنا‬ ‫اهلل ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫‪ 17‬ـ اضطراب الموازين لدى كُ َّتاب التاريخ‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«وفي هذه السنة قتل قحطب ُة بن شبيب(‪ ((55‬من أهل جرجان ما يزيد على‬ ‫(‪((55‬‬ ‫ثالثين ألفا»‬ ‫(‪ ((55‬جواب العزابة رد ًا على البهلولي علي بن أبي الحسن‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫(‪ ((55‬الحدود بين حرية التعبير واإلساءة إلى اآلخر‪ ،‬ص ‪.95‬‬ ‫(‪ ((55‬هذا أحد قادة الدولة العباسية الذين أسرفوا في القتل حتى استقامت األمور لهم‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬ ‫(‪ ((55‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.392‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪218‬‬ ‫فقحطبة بن ش��بيب قتل أكثر من ثالثين ألف ًا ومع هذا لم يذكر بسوء في‬ ‫صفحات ابن األثير وغيره‪ .‬فأين اإلنصاف يا ُكتَّاب التاريخ؟‬ ‫‪ 18‬ـ كُتاب التاريخ في عمى عن جرائم قادة بني العباس‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫أهل خراسان فقتل منهم‬ ‫«وكان عبد اهلل بن علي قد خشي أن ال يناصحه ُ‬ ‫نحو ًا من سبعة عشر ألف ًا‪.((55(»...‬‬ ‫فعبد اهلل بن علي القائد العباس��ي يقتل من أهل خراس��ان هذا العدد من‬ ‫المسلمين ومع هذا ال نجده في قائمة الخوارج‪ .‬كيف نجى هذا القائد العباسي‬ ‫من قائمة ابن األثير؟‬ ‫إنها إلحدى عجائب المؤرخين حين نجد في قائمتهم السوداء‪ ،‬التي أعدوها‬ ‫للخوارج‪ ،‬أس��ماء مجاهيل ال يعرفون أبداً‪ ،‬وال نجد فيها اسم عبد اهلل بن علي‪،‬‬ ‫القائد العباسي‪ ،‬المعروف نسب ًا وفعالً‪ ،‬والذي قتل سبعة عشر ألفا من المسلمين‪.‬‬ ‫فهل من معتبر؟‬ ‫‪ 19‬ـ ابن األثير‪ ،‬ومن سار على دربه‪ ،‬أصحاب ميول وأهواء‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«وكان أبو مسلم قد قتل في دولته ستمائة ألف صبراً»(‪.((55‬‬ ‫فأبو مسلم من أوائل قادة بني العباس‪ ،‬وهو الذي وطد لهم الملك بعد أن‬ ‫قتل اآلالف من المس��لمين األبرياء‪ ،‬فما الذي كان يمنع ابن األثير أن يقول‬ ‫(‪ ((55‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.465‬‬ ‫(‪ ((55‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.476‬‬ ‫‪219‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫كلمة الحق في وصف أبي مسلم‪ ،‬الذي ُنسب إليه قتل أكثر من نصف مليون‬ ‫مسلم صبر ًا في غير معركة؟‪ ،‬إنها األهواء التي أصمت وأعمت ابن األثير ومن‬ ‫سار على نهجه عن قول الحق في هؤالء المجرمين‪ .‬واهلل مستعان‪.‬‬ ‫‪ 20‬ـ الهوى يلجم األلسن عن قول الحق‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«قبض المقتدر على الوزير أبي الحسن بن الفرات في ذي الحجة‪ ...‬ولما‬ ‫وكل بداره‪ ،‬وهتك ُح َرمه‪ ،‬ونهب ماله‪ ،‬و ُنهبت دور أصحابه‬ ‫قبض على الوزير ّ‬ ‫ومن يتعلق به‪.((55(»...‬‬ ‫َ‬ ‫أليست هذه هي أعمال الخوارج؟‪ ،‬فلماذا إذ ًا ال يوصف المقتدر وجنوده‬ ‫بما يستحقون؟‬ ‫إنه الهوى يلجم األلسن عن قول الحق‪ .‬نسأل اهلل السالمة‪.‬‬ ‫‪ 21‬ـ نهب وقتل في بالد الرافدين‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«وسير أبو عبد اهلل البريدي أخاه أبا الحسين إلى بغداد في جميع الجيش من‬ ‫األتراك والديلم‪ ....‬فثاروا في بغداد وأحرقوا ونهبوا‪ ،‬وأخذوا الناس ليالً ونهاراً‪...‬‬ ‫وقتل أصحاب البريدي من وجدوا في دار الخليفة من الحاشية‪ ،‬ونهبوها‪ ،‬ونهبوا‬ ‫دور الحرم‪ .‬وكثر النهب ف��ي بغداد ليالً ونهاراً‪ ...‬لما اس��تولى على بغداد أخذ‬ ‫أصحابه في النهب والس��لب وأخذ الدواب وجعلوا طلبها طريقا إلى غيرها من‬ ‫وكبست الدور‪ ،‬وأُخرج أهلها منها و ُنزلت‪ ،‬وعظم األمر‪.((55(»...‬‬ ‫األثاث‪ُ ،‬‬ ‫(‪ ((55‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.63‬‬ ‫(‪ ((55‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ 380‬ـ ‪.381‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪220‬‬ ‫وينهب مال��ه‪ ،‬ومثل هذا األمر‬ ‫نعم إنه ألمر عظيم حينما ُيقتل المس��لم ُ‬ ‫العظيم تكرر ذكره في تاريخ ابن األثير‪ ،‬ولكنه لم يصف من فعله بالخوارج‪.‬‬ ‫نسأل اهلل الصدق في القول والعمل‪.‬‬ ‫‪ 22‬ـ نهب وقتل وإحراق وهتك أعراض في ديار المسلمين‪:‬‬ ‫وقال ابن األثير‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬ودخل الغز البلد ونهبوه‪ ،‬وانتقلوا إلى سمنان ففعلوا فيها مثل ذلك‪،‬‬ ‫ودخلوا خوار الري ففعلوا مثله‪ ،‬ونهبوا إس��حق آباذ وما يجاورها من القرى‪،‬‬ ‫وس��اروا إلى مش��كويه من أعمال الري فنهبوه��ا‪ ...‬فإنهم لم يتركوا الش��ر‬ ‫والفساد‪ ،‬والقتل والنهب‪ ،‬وساروا إلى مراغة‪ ...،‬وأحرقوا جامعها‪ ،‬وقتلوا من‬ ‫عوامها مقتلة كثي��رة‪ ...‬ونهبوا نهبا فاحش��ا‪ ،‬وس��بوا النس��اء‪ ...‬ودخل الغز‬ ‫همذان‪ ...‬فلما دخلوها نهبوها نهب ًا منكر ًا لم يفعلوه بغيرها من البالد‪ ...‬ودخل‬ ‫الغز البلد (يقصد الموص��ل) فنهبوا كثير ًا منه‪ ...‬وعم��ل الغز بأهل الموصل‬ ‫األعمال الشنيعة من الفتك وهتك الحريم ونهب المال‪ ...‬ووضعوا السيف في‬ ‫أهله‪ ،‬أسروا كثيراً‪ ،‬ونهبوا األموال‪ ،‬وأقاموا على ذلك اثني عشر يوم ًا يقتلون‬ ‫وينهبون‪ ...‬وبقي القتلى في الطريق‪ ،‬فأنتنوا لعدم من يواريهم‪ ،‬ثم طُ رحوا بعد‬ ‫ذلك كل جماعة ف��ي حفيرة‪ ،‬وكانوا يخطبون للخليف��ة‪ ،‬ثم لطغرلبك‪ ...‬هذه‬ ‫أخبار الغز العراقيين»(‪.((56‬‬ ‫لماذا جف قلم ابن األثير عن وصف هؤالء المفس��دين بالخوارج؟‪ ،‬هل‬ ‫لكونهم يخطبون للخليفة منع قلمه من أن يصفهم بالخوارج المفس��دين في‬ ‫األرض؟‬ ‫(‪ ((56‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /9‬ص ‪ 379‬ـ ‪.391‬‬ ‫‪221‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫‪ 23‬ـ ابن األثير ووزن األحداث بموازين الهوى‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬ورد سعدي بن أبي الشوك في جيش من عند السلطان طغرلبك إلى‬ ‫نواحي العراق‪ ...‬ونهب أصحاب سعدي البالد حتى بلغوا النعمانية‪ ،‬فأسرفوا‬ ‫في النهب والغ��ارة‪ ،‬وفتكوا في الب�لاد‪ ،‬وافتضوا األب��كار‪ ،‬فأخذوا األموال‬ ‫واألثاث فلم يتركوا شيئا‪.((56(»...‬‬ ‫لقد ذكر ابن األثير‪ ،‬وغيره ممن س��ار على نهجه في قلب الموازين‪ ،‬أن‬ ‫الخوارج من يكثر في النهب ويفتك بالبلدان ويفتض األبكار‪.‬‬ ‫فس��ؤالنا لكل من اضطربت عنده المقاييس‪ :‬لم��اذا ال تصفون طغرلبك‬ ‫وأفراد جيشه بالخوارج وقد أتوا بأعمالهم حسب ما ُسجل في ُك ُتبِكم؟‪.‬‬ ‫لماذا تزجون باألبرياء في قائمة الخوارج وتتركون أمثال هؤالء المفسدين‬ ‫الذين نقلتم لنا أخبارهم؟‬ ‫‪ 24‬ـ شقاق بين األقارب يفضي إلى جرائم حرب‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«فارق س��عدي بن أبي الش��وك عمه مهلهالً‪ ،‬ولحق بإبراهيم َي ّنال فصار‬ ‫بحلوان فعاد‬ ‫تحص َن عمه منه خاف على َمن خ ّلفه ُ‬ ‫ُّ‬ ‫معه‪ ...‬فلما رأى س��عدي‬ ‫عازم ًا على محاص��رة القلعة‪ ،‬فمضى وحصرها‪ ،‬وقاتل��ه من بها من أصحاب‬ ‫عمه‪ ،‬ونهب ال ُغزُّ حلوان‪ ،‬وفتكوا فيها وافتضوا األبكار‪ ،‬وأحرقوا المس��اكن‪،‬‬ ‫وتفرق الناس‪ ،‬وفعلوا في تلك النواحي جميعها أقبح فعل»(‪.((56‬‬ ‫(‪ ((56‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /9‬ص ‪ 589‬ـ ‪.590‬‬ ‫(‪ ((56‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /9‬ص ‪ 532‬ـ ‪.533‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪222‬‬ ‫أال تكفي هذه األفعال للحصول على مكان مرم��وق في قائمة الخوارج‬ ‫السوداء؟!!!‪.‬‬ ‫سؤال نوجهه إلى من سار على نهج ابن األثير‪.‬‬ ‫‪ 25‬ـ أين العدالة يا كُ َّتاب التاريخ؟‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«فاجتمعت ربيعة والمنتفق ومن انضم إليها من العرب‪ ،‬وقصدوا البصرة‬ ‫في جمع كثير‪ ...‬فدخلوها بالس��يف أواخر ذي القعدة‪ ،‬وأحرقوا األس��واق‪،‬‬ ‫والدور الحس��ان‪ ،‬ونهب��وا ما قدروا علي��ه‪ ،‬وأقاموا ينهب��ون ويحرقون اثنين‬ ‫وثالثين يوم ًا وتشرد أهله في السواد‪ ،‬و ُنهبت خزانة كتب كانت موقوفة‪ ،‬وقفها‬ ‫القاضي أبو الفرج بن أبي البقاء»(‪.((56‬‬ ‫وقال ابن األثي��ر أيض ًا‪ ... « :‬ودخ��ل العرب حينئذ البص��رة‪ ،‬وقد قويت‬ ‫نفوسهم‪ ،‬وملكوها‪ ،‬ونهبوا ما فيها نهب ًا شنيع ًا‪ ،‬فكانوا ينهبون نهاراً‪ ،‬وأصحاب‬ ‫صمة ينهبون ليالً‪ ،‬وأحرقوا مواضع عدة‪ ،‬وفي جملة ما أحرقوا دارين‬ ‫ِ‬ ‫العميد ع ْ‬ ‫للكتب‪ ...‬وخربت وقوف البصرة التي لم يكن لها نظير‪.((56(»...‬‬ ‫وقال ابن األثير أيض ًا‪« :‬فلما عبر الفرنج إلى أرض دمياط اجتمعت العرب‬ ‫على اختالف قبائله��ا‪ ،‬ونهبوا البالد المج��اورة لدمياط‪ ،‬وقطع��وا الطريق‪،‬‬ ‫وأفسدوا‪ ،‬وبالغوا في اإلفساد‪ ،‬فكانوا أشد على المسلمين من الفرنج‪.((56(»...‬‬ ‫(‪ ((56‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.411‬‬ ‫(‪ ((56‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.184‬‬ ‫(‪ ((56‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪ 326‬ومما قاله ابن األثير أيض ًا‪« :‬وصار مع قراقوش عس��كر‬ ‫كثير‪ ،‬فحكم على تلك البالد بمس��اعدة العرب بما ُجبلت عليه م��ن التخريب والنهب‪،‬‬ ‫أمواال عظيمةً‪(»...‬الكامل في =‬ ‫ً‬ ‫واإلفس��اد بقطع األش��جار والثمار‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فجمع بها‬ ‫‪223‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫فالعرب جنس من أجناس البش��ر‪ ،‬فهم مخاطب��ون كغيرهم بالوحيين‪.‬‬ ‫فعليهم كما على غيرهم من الش��عوب القاطنة على وجه األرض التمس��ك‬ ‫بقيم اإلسالم‪.‬‬ ‫وهذه األعمال الت��ي ذكرها ابن األثير هنا هي جرائم يحاربها اإلس�لام‪،‬‬ ‫وأعد اهلل لمن قام بها عذاب ًا شديد ًا لما اقترفته أيديهم‪.‬‬ ‫فهؤالء القطعان من العرب لم يضعهم ابن األثي��ر في قائمته التي أعدها‬ ‫للخوارج‪ ،‬وإن أتوا بأفعال كأفعال اإلفرنج في ديار اإلسالم؛ فقد قال ماثيو كار‬ ‫صاحب كتاب (الدين والدم) وهو يصف جانب ًا من جوانب حروب األس��بان‬ ‫للمسلمين في بالد األندلس‪ ... « :‬أمر الملكان الكاثوليكيان بحرق كل الكتب‬ ‫والمخطوطات اإلس�لامية في اإلمارة السابقة تحت تهديد الموت أو مصادرة‬ ‫الممتلكات‪.((56(»...‬‬ ‫فنسأل ابن األثير ومن سار على نهجه‪ :‬لماذا ترمون باإلباضية المتمسكين‬ ‫بأهداب اإلس�لام والمتبعين ألم��ر اهلل في المنش��ط والمك��ره في صفوف‬ ‫الخوارج‪ ،‬وتتركون هؤالء القطعان الذين سجلتم عليهم هذه الجرائم المخزية‬ ‫التي ال يأتي بها إال أعداء اإلسالم؟‪.‬‬ ‫فأين العدالة يا ُك َّتاب التاريخ؟‬ ‫التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪ .)389‬وقال أيض ًا‪« :‬وفيها أفس��د العرب في بادي��ة البصرة بين اليمامة‬ ‫=‬ ‫والبحرين‪ ،‬وقطعوا الطريق‪ ،‬وانتهك��وا المحارم‪ ،‬وتركوا الصالة‪ ،‬فأرس��ل المهدي إليهم‬ ‫جيش ًا‪ ،‬فقاتلهم‪ ،‬واشتد القتال‪ ،‬وصبر العرب‪ ،‬فظفروا‪ ،‬وقتلوا عامة العسكر المنفذ إليهم‪،‬‬ ‫فقويت شوكتهم وزاد شرهم»‪( .‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪ .)77‬وذكر ابن األثير جانب ًا‬ ‫من مفاس��د العرب الذين تجردوا من تعاليم اإلس�لام‪ ،‬انظر (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪/12‬‬ ‫ص ‪ ،80‬وج ‪ /12‬ص ‪.)428‬‬ ‫(‪ ((56‬الدين والدم إبادة شعب األندلس‪ ،‬ص ‪.167‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪224‬‬ ‫‪ 26‬ـ جرائم حرب في ديار المسلمين‪ ،‬فأين المنصفون؟‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬وأما عس��كر جالل الدين فنهب البالد وأهلكها‪ ،‬وكان قد وصل هو‬ ‫الدواب‪ ،‬والذي‬ ‫ّ‬ ‫ضر شديد وجهد جهيد‪ ،‬وق ّلة من‬ ‫وعسكره إلى ُخوزستان في ّ‬ ‫ح��د ال ُينتفع ب��ه فغنموا من الب�لاد جميعها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫معهم فهو م��ن الضعف إلى‬ ‫واس��تغنوا‪ ...‬وس��ار من يعقوبا إلى َدقوقا فحصرها‪ ،‬فصعد أهلها إلى السور‬ ‫وجد في‬‫ّ‬ ‫وس��بوه وأكثروا من التكبير‪ ،‬فعظم ذلك عنده‪ ،‬وشق عليه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وقاتلوه‪،‬‬ ‫قتالهم‪ ،‬ففتحها عنوة وقهراً‪ ،‬ونهبتها عس��اكره‪ ،‬وقتلوا كثير ًا من أهلها‪ ،‬فهرب‬ ‫وتفرقوا في البالد»(‪.((56‬‬ ‫َمن سلم منهم من القتل ّ‬ ‫من فضل اهلل تعالى على المسلمين أن حفظ لهم كتابهم الذي َيفصل بين‬ ‫الحق والباطل‪ ،‬وبين اإلخالص والرياء‪ ،‬وبين الص��دق والكذب‪ ،‬وبين أداء‬ ‫األمانة ودسها وسط تالفيف الدعاوى الباطلة‪.‬‬ ‫فهؤالء القوم الذين نسب إليهم القتل والنهب‪ ،‬فأين يذهبون من عدل اهلل‬ ‫تعالى يوم ال ينفع مال وال بنون؟‬ ‫فحسبنا اآلن أن نكرر س��ؤالنا على ابن األثير وعلى من سار على نهجه‪:‬‬ ‫لماذا تلقون باألبرياء في صفوف الخوارج وتتركون هؤالء المجرمين من غير‬ ‫وصف وأنتم تذكرون شنائعهم؟‬ ‫‪ 27‬ـ جرائم في بالد األندلس على يد من ادعى اإلسالم‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«ثم أمر ابن عمه عبيد اهلل‪ ،‬فثلم في السور ثلمة‪ ،‬وخرج منها ومعه قطعة من‬ ‫الجيش‪ ،‬وأ َتى أهل الربض من وراء ظهورهم‪ ،‬ولم يعلموا بهم‪ ،‬فأضرموا النار‬ ‫(‪ ((56‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪ 426‬ـ ‪.427‬‬ ‫‪225‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫في الربض‪ ،‬وانهزم أهله‪ ،‬وقتلوا مقتلة عظيمة‪ ،‬وأخرجوا َم ْن وجدوا في المنازل‬ ‫والدور‪ ،‬فأسروهم‪ ،‬فانتقى من األسرى ثالثمائة من وجوههم‪ ،‬فقتلهم‪ ،‬وصلبهم‬ ‫منكسين‪ ،‬وأقام النهب والقتل والحريق والخراب في أرباض قرطبة ثالثة أيام‪.‬‬ ‫عبد الكريم بن عبد الواحد بن عبد الغيث‪ ،‬ولم يكن‬ ‫الحكم َ‬ ‫ُ‬ ‫ثم استشار‬ ‫عنده من يوازيه في قربه‪ ،‬فأش��ار عليه بالصفح عنهم‪ ،‬والعفو‪ ،‬وأش��ار غيره‬ ‫��ن بقي من أهل الربض‬ ‫بالقتل‪ ،‬فقبل قوله‪ ،‬وأمر فنودي باألمان‪ ،‬على أنه َم ْ‬ ‫��ن بقي بعد ذلك منهم مس��تخفي ًا‪،‬‬‫بعد ثالثة أيام قتلن��اه وصلبناه؛ فخرج َم ْ‬ ‫وتحملوا على الصعب والذلول خارجين من حضرة قرطبة بنسائهم وأوالدهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومن ِ امتنع‬‫وما خف من أموالهم‪ ،‬وقعد لهم الجند والفسقة بالمراصد ينهبون‪َ ،‬‬ ‫عليهم قتلوه»(‪.((56‬‬ ‫أخي القارئ الكريم‪ :‬وأنت تقرأ هذه األحداث الت��ي فيها القتل والنهب‬ ‫والتمثيل بجثث المس��لمين فال تذهب بك الظنون أن الفاعلين لهذه الجرائم‬ ‫هم النصارى الذي��ن أقاموا محاك��م التفتيش ف��ي قرطبة وغيره��ا من ديار‬ ‫األندلس‪ .‬إن الذين قاموا بهذه الجرائم هم ممن انتسب لإلسالم فكانوا أساتذة‬ ‫لألسبان الذين أتوا إلى قرطبة وفعلوا فيها ما فعله الحكم بن هشام األموي في‬ ‫حق أهل ملته‪.‬‬ ‫فأين هؤالء القوم من اإلس�لام الذي «يوصي أتباعه أن يعاملوا األس��رى‬ ‫معاملة حسنة في كل شيء وال يساء إليه حتى تضع الحرب أوزارها‪.((56(»...‬‬ ‫الحكم في أس��رى المس��لمين‪ ،‬واإلس�لام حرم كل‬ ‫فبأي ُحكم يحكم َ‬ ‫الجرائم التي ارتكبها؟‬ ‫(‪ ((56‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /6‬ص ‪ 299‬ـ ‪.300‬‬ ‫(‪ ((56‬أخالقيات الحرب في السيرة النبوية الشريفة‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪226‬‬ ‫لكتَّاب التاريخ‪ :‬أليس من حق الحكم بن هشام األموي وجنوده‬ ‫فسؤالنا ُ‬ ‫أن يكونوا في مقدم��ة قائمة الخوارج؟ أم أن نس��به األم��وي يعطيه حصانة‬ ‫ال تغالب؛ فيبقى بعيد ًا عن قائمة الخوارج ولو أتى بما أتى به أعداء اإلسالم‬ ‫من فضائع؟‬ ‫وكأنني أرى الفيلسوف الفرنس��ي وهو يكتب قوانين سلوك البشر الذين‬ ‫تركوا الدين الحق جانب ًا‪ ،‬وتعاملوا فيما بينهم حسب األهواء ورغائب النفوس‬ ‫الجائرة‪ ،‬يش��ير لما فعله الحكم بن هشام في أبناء اإلس�لام حيث قال‪« :‬في‬ ‫الصراعات السياسية أو الدينية(‪ ((57‬ال يسع المهزوم أن يأمل الرحمة‪ .‬فمنذ أيام‬ ‫جز أعناق مئتي سيناتور وخمسة أو س��تة آالف روماني‪،‬‬ ‫س��يال ‪ Sylla‬الذي ّ‬ ‫وحتى المنتصرين على الكومونة الذين أعدموا رميا بنار البنادق والرشاشات‬ ‫أكثر من عشرين ألف ًا من المهزومين بعد انتصارهم‪ ،‬فإن هذا القانون الدموي‬ ‫لم يتوقف على اإلطالق‪ .‬لقد تأكد في الماضي وس��يظل دون شك ساري ًا في‬ ‫المستقبل أيض ًا»(‪.((57‬‬ ‫إن كان هذا القانون الدموي يمشي كالظل مع الوحوش‪ ،‬فإنه ال وجود له‬ ‫في تعاليم اإلس�لام‪ ،‬وال وجود له في تاريخ أئمة اإلباضية وغيرهم من أبناء‬ ‫األمة اإلسالمية القائمين على حدود اهلل والمتمسكين بدينه الحنيف‪.‬‬ ‫فهل س��ترتفع همم ُكتَّاب التاريخ؟ وهل س��يؤدون أمانة الكتابة من غير‬ ‫إفراط وال تفريط؟ وهل سيخافون اهلل تعالى في كالمهم عن المسلمين؟‬ ‫(‪ ((57‬ال يمكن للمسلم أن يعتبر ما حدث بين المس��لمين من حروب أن منشأها ديني‪ ،‬فالدين‬ ‫اإلس�لامي يدعو للوحدة والتحل��ي باألخالق الس��امية التي تحرم س��فك الدماء ونهب‬ ‫األموال‪ ،‬والكاتب يعبر هنا عن نظريات ُس��ميت دينية في أوس��اط مجتمعه وأذهان أبناء‬ ‫جلدته‪.‬‬ ‫(‪ ((57‬الثورة الفرنسية وسيكولوجيا الثورات‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫‪227‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫الكتَّ��اب عن تبعات‬‫فالج��واب «بنعم» على هذه األس��ئلة منوط بابتعاد ُ‬ ‫األهواء وظلم األبرياء‪.‬‬ ‫‪ 28‬ـ من جرائم إبراهيم بن أحمد األغلبي في ديار اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«وفيها أوقع إبراهيم ب��ن أحمد بن األغلب بأهل بلد ال��زاب‪ ،‬وكان قد‬ ‫وحملهم‪ ،‬ثم قتل‬ ‫ّ‬ ‫حضر وجوههم عنده‪ ،‬فأحس��ن إليهم‪ ،‬ووصلهم‪ ،‬وكساهم‪،‬‬ ‫أكثرهم‪ ،‬حتى األطفال‪ ،‬وحملهم على العجل إلى حفرة فألقاهم فيها»(‪.((57‬‬ ‫وهذا ش��خص آخر معروف بنس��به وقد عرفه ابن األثير بجرائمه‪ ،‬ولكن‬ ‫ال نجد له ذكر ًا في قائمة الخوارج‪.‬‬ ‫فأين موازين الع��دل في التاريخ؟؛ فقد ُحش��ر في قائم��ة الخوارج‬ ‫األبرياء والمجاهيل وضاقت تلك القائمة على من ُعرف واشتهر بجرائمه‬ ‫في حق المسلمين‪.‬‬ ‫‪ 29‬ـ فأين العدالة يا كُ َّتاب التاريخ؟‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬وهرب إبراهيم وبعض من معه إلى القي��روان‪ ،‬وتبعهم أصحاب أبي‬ ‫��دد‪ ،‬ودخل أصحابه‬ ‫والع َ‬ ‫عبد اهلل يقتلون ويأس��رون‪ ،‬وغنموا األموال والخيل ُ‬ ‫ربس فقتلوا بها خلق�� ًا عظيم ًا‪ ،‬ودخل كثير من أهلها الجامع فقُتل فيه‬ ‫مدينة ا ُ‬ ‫أل ُ‬ ‫أكثر من ثالثة آالف ونهبوا البلد‪ ...‬ودخل أهل القيروان رقّادة ونهبوا ما فيها‪،‬‬ ‫الضعيف‪ ،‬و ُنهبت قصور بني األغلب‪ ،‬وبقي النهب ستة أيام»(‪.((57‬‬ ‫َ‬ ‫القوي‬ ‫ُ‬ ‫وأخذ‬ ‫(‪ ((57‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.370‬‬ ‫(‪ ((57‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.45‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪228‬‬ ‫هاتان الطائفتان المتقاتلتان هنا‪ ،‬وعلى مدى تاريخهم الذي سجله عليهم‬ ‫ُكتَّاب التاريخ‪ ،‬لم يقلعوا عن النهب والقت��ل واالعتداء على الحرمات اآلمنة‬ ‫في ديار اإلسالم‪.‬‬ ‫وقد وقف اإلباضية أمام عجرفة األغالبة وطغيان العبيديين فما كان منهم‬ ‫إال نصرة الدي��ن ورد الطغاة بكل ما آتاه��م اهلل من قوة من غي��ر أن تتلوث‬ ‫جنباتهم الطاهرة بمساوئ الحروب‪.‬‬ ‫ومن عجائب ُكتَّ��اب التاريخ أنه��م حينما يذكرون اإلباضي��ة يلمزونهم‬ ‫بالخارجية ولكنهم ال يرس��لون نفس الوصف إلى األغالبة والعبيديين الذين‬ ‫سجلوا عليهم هذه الجرائم‪ .‬فأين العدالة اإلسالمية يا ُك َّتاب التاريخ؟‬ ‫‪ 30‬ـ ذبح أطفال المسلمين على يد من ادعى اإلسالم‪:‬‬ ‫أخي القارئ‪ ،‬أضع بين يديك هذه األحداث والقلب يعتصر ألم ًا وحزن ًا‪،‬‬ ‫فقد نقل ابن األثير‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬في هذه السنة [يقصد س��نة ‪ 406‬للهجرة] ظهر االختالف بين األمير‬ ‫باديس‪ ،‬صاحب أفريقية‪ ،‬وعمه حماد‪ ،‬حتى آل األمر بينهما إلى الحرب التي‬ ‫ال بقيا بعدها‪ ...‬ف��كان بينهم حرب انهزم [فيها] اب��ن جعفر ولجأ إلى باجة‪،‬‬ ‫وغنم حماد مال��ه و ُعدده‪ ...‬ووصلت ُك ُتب حم��اد وإبراهيم إلى باديس أنهما‬ ‫ما فارقا الجماعة‪ ،‬وال خرجا عن الطاعة‪ ،‬فكذبهم��ا ما ظهر من أفعالهما من‬ ‫س��فك الدماء‪ ،‬وقتل األطفال‪ ،‬وإحراق الزروع والمس��اكن‪ ،‬وس��بي النساء‪.‬‬ ‫فأمنهم‪ ،‬واطمأنوا إلى عهده‪،‬‬ ‫ووصل حماد إلى باجة فطلب أهلها منه األمان‪ّ ،‬‬ ‫فدخله��ا يقتل وينهب ويحرق ويأخ��ذ األموال‪ ...‬ووصل بادي��س إلى مدينة‬ ‫الم ِسيلة‪ ،‬ولقيه أهلها‪ ،‬وفرحوا به‪ ،‬وسير جيش ًا إلى المدينة التي أحدثها حماد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فخربوها إال أ ّنهم لم يأخذوا مال أحد‪ ،‬وه��رب إلى باديس جماعة كثيرة من‬ ‫‪229‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫جند القلعة التي له‪ ،‬وفيها أخوه إبراهيم‪ ،‬فأخذ إبراهيم أبناءهم‪ ،‬وذبحهم على‬ ‫صدور أمهاتهم‪ ،‬فقيل أنه ذبح بيده منهم س��تين طفالً‪ ،‬فلما فرغ من األطفال‬ ‫قتل األمهات‪.((57(»...‬‬ ‫فهل ينتظر ابن األثير‪ ،‬ومن سار على نهجه‪ ،‬من هؤالء المجرمين جرائم‬ ‫أشد فضاعة من هذه األعمال حتى يضعوهم في صفوف الخوارج؟‪.‬‬ ‫فهؤالء المجرمون الذين َسلِموا من قائمة الخوارج أتوا بما أتى به أعداء‬ ‫اإلسالم من أعمال حينما تسلطوا بجبروتهم على اآلمنين‪.‬‬ ‫وهذا الذي تسمى باإلسالم أخذ أبناء المس��لمين «وذبحهم على صدور‬ ‫أمهاتهم‪ ،»...‬والصليبيون في القدس الش��ريف «كانوا يمس��كون األطفال من‬ ‫أقدامهم وينتزعونهم من أحضان أمهاتهم أو من مهادهم‪ ،‬ثم يهشمونهم على‬ ‫الجدران أو على أعتاب األبواب ويكسرون أعناقهم»(‪.((57‬‬ ‫فنقول البن األثير ومن سار على نهجه‪ :‬إن الذين ذبحوا أطفال المسلمين‬ ‫على صدور أمهاتهم هم أول��ى بقائمتكم التي أعددتموه��ا للخوارج وليس‬ ‫اإلباضية الوقافون عند حدود اهلل‪.‬‬ ‫‪ 31‬ـ أوصاف في غير محلها‪:‬‬ ‫قال ابن األثير‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬وعاد إلى إشبيلية فحصرها‪ ...‬واش��تد األمر على أهل البلد‪ ،‬ودخله‬ ‫��بد ٍ وال َل َبدٍ‪،‬‬ ‫المرابطون من وادي��ه‪ ،‬و ُنهب جميع ما في��ه‪ ،‬ولم يبقوا على َس َ‬ ‫وس��لبوا الناس ثيابهم‪ ،‬فخرجوا من مس��اكنهم يس��ترون عوراتهم بأيديهم‪،‬‬ ‫(‪ ((57‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ 253 /9‬ـ ‪.254‬‬ ‫(‪ ((57‬الحرب المقدسة االستشهاد واإلرهاب أشكال العنف المسيحية في الغرب‪ ،‬ص ‪.453‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪230‬‬ ‫الح ُرمات‪ ،‬ف ُأخذ المعتمد أسيراً‪ ،‬ومعه أوالده‬ ‫وس��بيت المخدرات‪ ،‬وان ُتهكت ُ‬ ‫ُ‬ ‫الذكور واإلناث‪ ،‬بعد أن اس��تأصلوا جميع مالهم‪ ،‬فل��م يصحبهم من ملكهم‬ ‫ُبلغة زاد‪ ...‬فلما س�� ّلم إليهم إش��بيلية لم يفوا له‪ ،‬وأخذوهم أُس��راء‪ ،‬ومالهم‬ ‫فحبس��وا فيها‪ ،‬وفعل أمير‬ ‫ْمات‪ُ ،‬‬ ‫��ير المعتمد وأهله إلى مدينة أغ َ‬ ‫وس ّ‬‫غنيمة‪ُ ،‬‬ ‫ممن يأتي‬ ‫ممن قبله‪ ،‬وال يفعلها أحد ّ‬ ‫المسلمين بهم أفعاالً لم يس��لكها أحد ّ‬ ‫بعده‪ ...‬فأبان أمير المسلمين بهذا الفعل عن صغر نفس ولؤم قُدرة»(‪.((57‬‬ ‫الحكم على صاحب هذه األفعال التي ذكرها ابن‬ ‫أترك لك أخي القارئ ُ‬ ‫األثير‪.‬‬ ‫وأترك لك التعجب من أمر ابن األثير الذي وصف من نس��بت إليه هذه‬ ‫الجرائم بـ (أمير المسلمين)‪.‬‬ ‫فنس��أل ابن األثير ومن س��ار على نهجه‪ :‬بأي ميزان ألبس��تم من انتهك‬ ‫المحرمات وسبى المخدرات إمارة المسلمين؟‬ ‫أما كان من حقه أن يكون أمي��ر ًا على الخوارج حس��ب أوصافكم التي‬ ‫سجلتموها في كتبكم؟‬ ‫ألم يأت هذا الذي وصفتموه بـ (أمير المس��لمين) بما أتى به الفرنج في‬ ‫ديار اإلس�لام؟‪ ،‬حيث نقلتم لنا ما نصه‪ ... « :‬فصعد الفرنج إليه [يقصد أحد‬ ‫تحير المس��لمون‪ ،‬ودخلوا‬ ‫حصون معرة النعمان] على الس�لاليم‪ ،‬فلما ع َلوه ّ‬ ‫دورهم‪ ،‬فوضع الفرنج فيهم السيف ثالثة أيام‪ ،‬فقتلوا ما يزيد على مائة ألف‪،‬‬ ‫وسبوا السبي الكثير‪ ،‬وملكوه‪.((57(»...‬‬ ‫ألم يأت هذا الذي ألبس��تموه لباس اإلمارة على المس��لمين بما أتى به‬ ‫(‪ ((57‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.190‬‬ ‫(‪ ((57‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.278‬‬ ‫‪231‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫أعداء اإلس�لام في ب�لاد األندل��س؟‪ ،‬حيث س��جلتم في كتبك��م ما نصه‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬خرجت الفرن��ج إلى ب�لاد األندلس التي للمس��لمين‪ ،‬فنهب��وا وقتلوا‬ ‫وسبوا‪.((57(»...‬‬ ‫فكيف يكون هذا اإلنسان أمير ًا للمسلمين وقد أتى بأفعال الكفار في ديار‬ ‫اإلسالم حسب نقلكم؟‬ ‫إنها إلحدى الكب��ر المفجعات في التاريخ اإلس�لامي أن يوصف من‬ ‫س��بى المخدرات وارتكب المحرمات بـ (أمير المسلمين)‪ .‬فلله األمر من‬ ‫قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫‪ 32‬ـ «وفعلوا ما لم يفعله الكفار مع المسلمين»‪:‬‬ ‫وذكر ابن األثير طائف��ة من أعمال الغز في ديار اإلس�لام بعد أن عرفهم‬ ‫بقوله‪ ... « :‬وهم طائفة من الترك مس��لمون‪ ،‬كانوا بما وراء النهر‪ ...‬ال يؤذون‬ ‫أحداً‪ ،‬ويقيمون الصالة‪ ،‬ويؤتون الزكاة»(‪.((57‬‬ ‫ولكن ماذا حدث بعد وصفهم بهذا الوصف الجميل؟‬ ‫نقل ابن األثير‪:‬‬ ‫وشدد عليهم في االنتزاح عن بلده‪ ،‬فعادوا‬ ‫ّ‬ ‫« ‪ ...‬ثم إن قماج عاودهم‪...‬‬ ‫عنه‪ ،‬واجتمعوا وقاتل��وه‪ ،‬فانهزم قماج ونهبوا ماله ومال عس��كره‪ ،‬وأكثروا‬ ‫القتل في العسكر والرعايا‪ ،‬واسترقوا النساء واألطفال‪ ،‬وعملوا كل عظيمة‪،‬‬ ‫وخربوا المدارس‪ ...‬واس��تولى الغز على البالد‪ ،‬وظهر منهم‬ ‫ّ‬ ‫وقتلوا الفقهاء‬ ‫(‪ ((57‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ ،339‬وانظر كذلك ما نقله الدكتور محمد بن موسى الشريف‬ ‫من جرائم اإلفرنج في بالد األندلس في كتابه (من مآسي االفتراق‪ ،‬ص‪.)54‬‬ ‫(‪ ((57‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.176‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪232‬‬ ‫من الجور ما لم ُيس��مع بمثله‪ ...‬فركب ال ُغ ّز ودخلوا نيس��ابور ونهبوها نهب ًا‬ ‫مجحف ًا‪ ،‬وجعلوها قاع ًا صفصف ًا‪ ،‬وقتل��وا الكبار والصغار وأحرقوها‪ ،‬وقتلوا‬ ‫القضاة والعلماء في البالد كلها‪ ...‬ويتع��ذر وصف ما جرى منهم على تلك‬ ‫البالد جميعها‪ ،‬ولم يسلم من خراسان شيء لم تنهبه ال ُغ ّز‪ ...‬واستولوا على‬ ‫نواحي بلخ‪ ،‬وعاث��وا فيها وأفس��دوا بالنهب والقتل والس��لب‪ ...‬وقصدوا‬ ‫نيسابور‪ ،‬وتبعهم الغز‪ ،‬فمروا بطُ وس‪ ،‬وهي معدن العلماء والزهاد‪ ،‬فنهبوها‪،‬‬ ‫وسبوا نساءها‪ ،‬وقتلوا رجالها‪ ،‬وخربوا مساجدها ومساكن أهلها‪ ...‬وأفنوا من‬ ‫بها من الشيوخ الصالحين‪ ،‬وساروا منها إلى نيس��ابور‪ ...‬ولم يجدوا دونها‬ ‫مانع ًا وال مدافع ًا‪ ،‬فنهبوها نهبا ذريع ًا‪ ،‬وقتلوا أهلها‪ ،‬فأكثروا حتى ظنوا أنهم‬ ‫لم ُيبقوا بها أحداً‪ ،‬حتى إنه أُحصي في محلتين خمس��ة عشر ألف قتيل من‬ ‫الرجال دون النس��اء والصبيان‪ ،‬وسبوا نس��اءها وأطفالها‪ ،‬وأخذوا أموالهم‪،‬‬ ‫وبقي القتلى في الدروب كالتالل بعضهم ف��وق بعض‪ ،‬واجتمع أكثر أهلها‬ ‫بالجامع المنيعي تحصنوا به‪ ،‬فحصرهم الغز فعجز أهل نيسابور عن منعهم‪،‬‬ ‫فدخل الغز إليه��م فقتلوهم عن آخره��م‪ ...‬وقتلوا كثير ًا م��ن أئمة العلماء‬ ‫والصالحين‪.((58(»....‬‬ ‫هذه طائفة من أعمال الغز في الساحة اإلسالمية كما ذكرها ابن األثير في‬ ‫موس��وعته التاريخية‪ ،‬وعلى رغم فضاعة هذه األعمال فإننا ال نجد ألحد من‬ ‫هؤالء الغز أي ذكر في قائمة ابن األثير التي عدها للخوارج‪.‬‬ ‫وبسبب بش��اعة أعمال الغز في الساحة اإلس�لامية فقد اختتم ابن األثير‬ ‫ما نسب إليهم بقوله‪« :‬وفعلوا ما لم يفعله الكفار مع المسلمين‪ ،‬وكان العيارون‬ ‫أيضا ينهبون نيسابور أشد من نهب الغز ويفعلون أقبح من فعلهم»(‪.((58‬‬ ‫(‪ ((58‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪ 176‬ـ ‪.181‬‬ ‫(‪ ((58‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.182‬‬ ‫‪233‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫واختتم اب��ن األثي��ر أيض ًا ما نس��ب إلى أحده��م من الجرائ��م بقوله‪:‬‬ ‫عما يريد؛ ولم‬‫« ‪ ...‬وعمل بأهل البالد ما ال يعمله الفرنج‪ ،‬ولم يمنع��ه أحد ّ‬ ‫يكن عنده من الدين ما يزعه عن ذلك‪.((58(»...‬‬ ‫وفي موضع آخ��ر نقل اب��ن األثير ما نص��ه‪« :‬وعاد مجاه��د الدين إلى‬ ‫زلت انتظر العقوبة من اهلل تعالى على س��وء‬ ‫الموصل‪ ،‬فكان يحكي‪ :‬إنني ما ُ‬ ‫وكنت‬ ‫ُ‬ ‫رأيت منهم ما لم أكن أظنه يفعله مس��لم بمسلم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أفعال العجم‪ ،‬فإنني‬ ‫أنهاهم فال يسمعون‪ ،‬حتى كان من الهزيمة ما كان»(‪.((58‬‬ ‫فمن استخف بحرمات اهلل فلن يأتي إال بما ش��اهدته أيها القارئ الكريم‬ ‫من فضائع كما نقلها لنا ابن األثير في تاريخه‪ .‬والنفس اإلنسانية إن لم يقيدها‬ ‫عقال الدين‪ ،‬ولم تجعل للمصير األخروي أي اعتبار فإنها س��تأتي بكل قبيح‬ ‫من األعمال ولو ادعت اإلسالم‪.‬‬ ‫لم يلتفت هؤالء المجرمون والس��فاحون لـ «المبادئ العامة للحرب‬ ‫في الش��ريعة اإلس�لامية»(‪ ،((58‬فلهذا «فعل��وا ما لم يفعل��ه الكفار مع‬ ‫المسلمين»‪.‬‬ ‫� اإلسالم وسلوك األتباع‪:‬‬ ‫‪ 33‬ـ مباد ئ‬ ‫فالمس��لمون في مش��ارق األرض ومغاربها وعبر الق��رون المتطاولة هم‬ ‫جميع جسد واحد يتألمون لمصاب إخوانهم‪ ،‬ويفرحون عندما ينال إخوانهم‬ ‫الفضل العظيم‪.‬‬ ‫(‪ ((58‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.250‬‬ ‫(‪ ((58‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.504‬‬ ‫(‪ ((58‬المسئولية الجنائية للقادة العسكريين في الحروب شرع ًا ونظام ًا‪ ،‬ص ‪ 67‬ـ ‪.70‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪234‬‬ ‫والمس��لمون من جميع المذاهب اإلس�لامية مطالبون ب��أن يراعوا حق‬ ‫األخوة في الدين‪ ،‬فال يعتدي أحد على أحد بيد أو بلسان‪ ،‬إذ الجميع أمام اهلل‬ ‫ربه بقلب سليم‪.‬‬ ‫تعالى سواسية وليس السبق إال لمن جاء َ‬ ‫وقد تهب أعاصي��ر الفتن في المجتمع��ات حينما تغل��ب على القلوب‬ ‫األهواء‪ ،‬وينتصر الناس للشعارات الرعناء‪ ،‬ويترك الدين وراء الظهور‪ ،‬وتركب‬ ‫الجماهير مراكب مخرقة تعصف بها أمواج الفتن فال تكاد تسلم من الغرق إال‬ ‫إذا أتاها المدد من اهلل عل��ى أيدي رجال اختاره��م اهلل تعالى لرص الصوف‬ ‫ولتأليف القلوب ولجبر الخواطر ولتطهير المجتمعات المسلمة من كل الفتن‪.‬‬ ‫وإذا رس��منا خط�� ًا بياني ًا أمامن��ا لرؤية مدى ق��رب المس��يرة التاريخية‬ ‫للمسلمين وبعدها من الخط المتزن الذي رسمه اإلس�لام ألتباعه‪ ،‬وطالبهم‬ ‫للسير عليه من غير إفراط وال تفريط‪ ،‬لوجدنا خطوات المجتمعات اإلسالمية‬ ‫ـ سواء كانوا جماعات أو أفرادا ـ بين قرب أو بعد من الخط الوسط الذي منه‬ ‫تقاس األفهام والس��لوك‪ ،‬ونجد كذلك وفي فترات من الزمن تطابق خطوات‬ ‫السائرين على السبيل المستقيم الذي يعرفه كل مسلم‪.‬‬ ‫لقد حدد الش��رع لهذه األمة ما تأتي وما تذر وبين لها مجاالت التنافس‬ ‫بينها‪ ،‬وحذرها من االنزالق‪ ،‬ومع ذلك جعل ألفرادها أدوات اإلنابة والرجوع‬ ‫إلى الصراط المستقيم‪.‬‬ ‫ومما ينبغي لنا قوله عندما ننقل أحداث التاريخ أال نربط بين االنتس��اب‬ ‫للمذاهب اإلسالمية وتصرفات الناس‪ ،‬ألن المذاهب اإلسالمية في تعاليمها‪،‬‬ ‫القائمة على كتاب اهلل تعالى وسنة رسوله الكريم وإجماع األمة في أي عصر‬ ‫من العصور‪ ،‬هي الميزان الذي يوزن به مسلك الناس‪ ،‬وما تقترفه أيدي األتباع‬ ‫مما ينكره الش��رع إنما هو عمل ال تربطه بأس��س تلك المذاهب أي رابطة‪،‬‬ ‫‪235‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫فـ «اإلس�لام يعلمنا أن من الخطأ البين إصدار حكم واحد على قبيلة أو أهل‬ ‫ملة أو بلدة؛ ألن ذلك التعميم سوف ينطوي على ظلم واضح؛ فال يمكن أن‬ ‫تكون العدوانية أو الخيانة أو البخل صفة مالزمة لقبيل كبير من البشر»(‪.((58‬‬ ‫ومما ذكره ابن األثير من أحداث يتأس��ف لها كل مس��لم‪ ،‬أنه «كان أهل‬ ‫العيث والفساد بنيسابور قد طمعوا في نهب األموال وتخريب البيوت‪ ،‬وفعل‬ ‫ما أرادوا‪ ...‬ومن جملة ما ُخ ّرب مسجد ُعقَيل‪ ،‬وكان مجمع ًا ألهل العلم‪ ،‬وفيه‬ ‫وخرب أيض ًا من‬ ‫خزائن الكتب الموقوف��ة‪ ،‬وكان من أعظم منافع نيس��ابور؛ ُ‬ ‫مدارس الحنفية ثمان مدارس‪ ،‬ومن مدارس الش��افعية س��بع عشرة مدرسة‪،‬‬ ‫وأحرق خمس خزائ��ن للكتب‪ ،‬ونهب س��بع خزائن كت��ب وبيعت بأبخس‬ ‫األثمان؛ هذا ما أمكن إحصاؤه سوى ما لم ُيذكر»(‪.((58‬‬ ‫فأولئك الذي وصفهم ابن األثير بـ «أهل العيث والفساد بنيسابور» ال بد أن‬ ‫يكونوا قد انتسبوا زور ًا إلى مذهب من مذاهب اإلسالم‪ ،‬وال بد أنهم قد ركعوا‬ ‫وسجدوا في تلك المس��اجد التي خربوها‪ ،‬وال بد أنهم قد استفادوا من خزائن‬ ‫الكتب التي أحرقوها‪ ،‬وال بد أنهم قد تعلموا في تلك المدارس التي أفسدوها‪.‬‬ ‫ولكن حينما هب��ت عليهم أعاصير الفت��ن‪ ،‬خرجوا م��ن تعاليم تلك‬ ‫الصروح العلمية التي س��هر على إنجازها رجال قدموا أموالهم وأنفس��هم‬ ‫ألجل نشر العلم ورفع منارات اإلسالم في تلك الديار التي أخرجت للعالم‬ ‫علماء أفذاذاً‪.‬‬ ‫ومما يؤسف له أشد األسف أن نجد في كتب التاريخ أن بعض الفتن التي‬ ‫حلت في ديار المس��لمين كانت على أيدي رجال ينظر إليهم على أنهم أهل‬ ‫(‪ ((58‬فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪.89‬‬ ‫(‪ ((58‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪ 271‬ـ ‪.272‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪236‬‬ ‫حديث وعلم ومعرفة وفقه وقضاء(‪ ،((58‬وقد وجد في كتب التراجم والتاريخ‬ ‫أخبار فتن(‪ ،((58‬وحروب(‪ ((58‬وقعت بين أتباع المذاهب اإلس�لامية وكان من‬ ‫نتائجها وقوع القتلى بين المسلمين(‪ ،((59‬وطرد العلماء(‪ ،((59‬وهجر مجالسهم‬ ‫العلمية(‪ ،((59‬وإيذائهم(‪.((59‬‬ ‫المحس��ن بن علي‬ ‫ّ‬ ‫(‪ ((58‬قال ابن األثي��ر‪« :‬وفيها قبض عضد الدول��ة على القاضي أبي علي‬ ‫التنوخي‪ ،‬وألزمه منزله‪ ،‬وعزله ع��ن أعماله التي كان يتواله��ا‪ ،‬وكان حنفي المذهب‪،‬‬ ‫شديد التعصب على الش��افعي يطلق لس��انه فيه‪ ،‬قاتله اهلل!» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪/9‬‬ ‫ص ‪.)15‬‬ ‫(‪ ((58‬البداية والنهاية‪ ،‬م ‪ ،7‬ج ‪ /13‬ص ‪ ،22‬و(الكامل ف��ي التاريخ‪ ،‬ج ‪ /9‬ص ‪ ،)614‬و(الكامل في‬ ‫التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪ ،)124‬و(الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.)514‬‬ ‫(‪ ((58‬من مآسي االفتراق‪ ،‬ص‪ 14‬ـ ‪.15‬‬ ‫(‪ ((59‬قال ابن األثير‪« :‬وفيها‪[ ،‬يقصد س��نة ‪ 351‬للهجرة] في جمادى األولى‪ ،‬كانت فتنة بالبصرة‬ ‫وبهمذان أيض ًا بين العامة بس��بب المذاهب‪ ،‬قُتل فيها خلق كثي��ر»‪( .‬الكامل في التاريخ‪،‬‬ ‫ج ‪ /8‬ص ‪ ،)544‬وانظر (الكامل في التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ ،)517‬و(الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪/10‬‬ ‫ص ‪ ،)104‬و(الكام��ل ف��ي التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪ ،)213‬و(الكام��ل ف��ي التاري��خ‪ ،‬ج ‪/11‬‬ ‫ص ‪ 234‬ـ ‪ ،)236‬و(الكام��ل في التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪ ،)250‬و(الكامل ف��ي التاريخ‪ ،‬ج ‪/11‬‬ ‫ص ‪ ،)395‬و(الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.)107‬‬ ‫(‪( ((59‬الكام��ل ف��ي التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪ ،33‬ج ‪ /10‬ص ‪ ،)209‬و(الكام��ل ف��ي التاريخ‪ ،‬ج ‪/12‬‬ ‫ص ‪ 151‬ـ ‪.)152‬‬ ‫(‪ ((59‬ومن األفعال التي يكره س��ماعها كل مس��لم غيور على وحدة هذه األمة هو‪« :‬ما حصل‬ ‫لإلمام الكبير أبي نعيم األصبهاني؛ أحمد بن عبد اهلل‪ ،‬الثقة‪ ،‬ش��يخ اإلسالم المتوفى سنه‬ ‫‪ 430‬والذي كان من حفاظ الدنيا‪ ،‬فقد هجر بس��بب المذهب‪ ،‬وقام إنسان مرة في مجلس‬ ‫تحديث يعلن عن مجل��س أبي نعيم األصبهان��ي فقام إليه أصحاب الحديث بس��كاكين‬ ‫األقالم وكاد الرج��ل يقتل!!‪ .‬وصدق الذهب��ي حين علق على الحادث��ة قائالً‪« :‬ما هؤالء‬ ‫بأصحاب الحديث‪ ،‬بل فجرة جهلة‪ ،‬أبعد اهلل ش��رهم» وقال الذهبي‪« :‬كان بين األش��عرية‬ ‫والحنابلة تعصب زائد يؤدي إلى فتنة‪ ،‬وقيل وقال‪ ،‬وصداع طويل»‪( .‬من مآسي االفتراق‪،‬‬ ‫ص ‪ ،18‬نقالً عن نزهة الفضالء‪.)1349 /3 ،‬‬ ‫(‪ ((59‬من مآسي االفتراق‪ ،‬ص ‪ً ،19‬‬ ‫نقال عن نزهة الفضالء‪.1495 /4 ،‬‬ ‫‪237‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫والذي يختصر وقائع الفتن المؤلمة لكل مس��لم ه��و ما قاله ابن األثير‪:‬‬ ‫«جرى بأصفهان بين الشافعية والحنفية من الحروب والقتل واإلحراق والنهب‬ ‫ما يجل عن الوصف‪ ،‬وكان قاضي البلد رأس الحنفية‪ ،‬وابن الخُ َجندي رأس‬ ‫الش��افعية‪ ،‬وكان بمدينة الري أيضا فتنة عظيمة بين الس��نية والشيعة‪ ،‬وتفرق‬ ‫أهلها وقُتل منهم وخربت المدينة وغيرها من البالد»(‪.((59‬‬ ‫أخي القارئ الكريم‪ ،‬إنه ليؤلمن��ي‪ ،‬ويكاد قلمي ال يطاوعني على نقل‬ ‫هذه العبارات التي وجدتها في تاريخ ابن األثي��ر‪ ،‬ولكن ماذا نفعل ونحن‬ ‫نشخص الداء الذي أصاب أفراد هذه األمة الطاهرة؟‪ ،‬إال أن نقول‪ :‬إن معرفة‬ ‫أس��باب تلك الفتن والس��عي لتفادي حدوثها في قادم األيام شيء واجب‪،‬‬ ‫ومع هذا فال ينبغي لنا الوقوف عند تلك األح��داث إال بقدر ما نأخذ منها‬ ‫الدروس والعبر(‪ ،((59‬وإن أجيال المسلمين ال بد لهم أن يعرفوا أن ما أصاب‬ ‫المس��لمين من هوان ومن تكالب الغ��زاة عليهم إنما كان م��ن نتائج تلك‬ ‫الفتن‪ ،‬التي دمرت حصون المسلمين من الداخل في وقت كانت تطرق فيه‬ ‫فلول التتار أبواب الديار المس��لمة من الخارج‪ ،‬وتص��ول وتجول في ديار‬ ‫اإلسالم دون رادع‪.‬‬ ‫(‪ ((59‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪ 525‬ـ ‪ ،526‬ومما نقله ابن األثي��ر أيض ًا‪ ... « :‬وقع بأصفهان‬ ‫فتنة عظيمة بين صدر الدين عبد اللطيف بن الخجندي وبين القاضي وغيره من أصحاب‬ ‫المذاهب‪ ،‬بس��بب التعصب للمذاهب‪ ،‬فدام القتال بين الطائفتين ثمانية أيام متتابعة قُتل‬ ‫فيها خلق كثير‪ ،‬واحترق و ُهدم كثير من الدور واألس��واق‪ ،‬ث��م افترقوا على أقبح صورة»‬ ‫(الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.)319‬‬ ‫(‪ ((59‬ومما قاله الدكتور محمد بن موسى الشريف حول مهمة المؤرخ ما نصه‪« :‬إحسان عرض‬ ‫التاريخ‪ :‬المقصود بهذا هو أال يس��رد المؤرخ أحداث التاريخ س��رد ًا مج��رد ًا من عبرها‬ ‫وعظاتها‪ ،‬وال يكتفي بعرض تواريخ األمم دون الوقوف على مواطن الفس��اد فيها‪ ،‬وذلك‬ ‫حين يكون العرض التاريخي ُم ِعين ًا في التقويم والتوجيه للمجتمعات‪( .»...‬إعداد المؤرخ‬ ‫الثقة‪ ،‬ص ‪.)92‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪238‬‬ ‫وال بد للجميع أن يعرفوا أن المذاهب اإلسالمية مبرأة من كل ما ارتكبه‬ ‫أتباعها من فتن‪ ،‬وأن «القت��ل واإلحراق والنهب» ليس م��ن تعاليم المذاهب‬ ‫اإلسالمية؛ ألن أسس المذاهب اإلسالمية قاطبة تأمر الناس كلهم باتباع القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬والصحيح من أحاديث الرسول ژ ‪ ،‬وباأللفة والمحبة‪ ،‬وألن من اتبع‬ ‫المذاهب اإلسالمية بحق وطبق تعاليمها في سلوكه فلن يقدم على عمل كهذا‪،‬‬ ‫والذين أقدموا عليه أقدموا خدمة لوساوس الشيطان وأعداء اإلسالم وإن كانوا‬ ‫قضاة أو رؤوس ًا في أوساط الناس‪.‬‬ ‫والنفس��ية الجماهيرية التي تحملها كيانات ه��ؤالء الناس الذين تكررت‬ ‫على أيديهم أعمال «القتل واإلحراق والنهب» عبر القرون الماضية هي نفسها‬ ‫النفس��ية الجماهيرية التي لم تراع للعلم والعلماء أي حرمة‪ ،‬فال غرو أن يجد‬ ‫القارئ الذين تطاولوا على المذاهب اإلس�لامية عبر التاريخ يحملون نفوس ًا‬ ‫ضاقت عليها ساحات العلم بما رحبت بسبب التعصب المذموم‪ ،‬وغير مبالين‬ ‫بتعاليم مذاهب اإلسالم التي ينتسبون إليها‪.‬‬ ‫وهؤالء القوم الذي��ن ذكر ابن األثي��ر خصوماتهم لغي��ر المذاهب التي‬ ‫ينتس��بون إليها يحملون نفس العقلية التي حملها الذي��ن تحاملوا على أهل‬ ‫النهروان واإلباضية؛ إذ داء الجميع هو ضيق األفق وتغلغل التعصب األعمى‬ ‫في نفوس��هم‪ ،‬وقد وصف الذهبي أمثال هؤالء المتعصبين بقوله‪« :‬ما هؤالء‬ ‫بأصحاب الحديث‪ ،‬بل فجرة جهلة‪ ،‬أبعد اهلل شرهم»(‪.((59‬‬ ‫فهؤالء الناس الذين وصفهم ابن األثير بالفس��اد ونسب إليهم إثارة الفتن‬ ‫والقت��ل لم يصفهم بـ (الخ��وارج) وإن أت��وا بأعمال هي عي��ن ما أقدم عليه‬ ‫الخوارج من أعمال كما نقل ذلك ابن األثير(‪ ((59‬نفسه‪.‬‬ ‫(‪ ((59‬من مآسي االفتراق‪ ،‬ص ‪ً ،18‬‬ ‫نقال عن نزهة الفضالء‪.1349 /3 ،‬‬ ‫(‪ ((59‬انظر ص ‪ 179‬ـ ‪ 180‬من هذا البحث‪.‬‬ ‫‪239‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫فما الذي صرف ابن األثي��ر وغيره من الكُ َّتاب ع��ن وصف هؤالء القوم‬ ‫بالخوارج‪ ،‬وعلى أيديهم س��الت دماء بريئة‪ ،‬ونهبت أموال محرمة‪ ،‬وهدمت‬ ‫مساجد‪ ،‬وأحرقت كتب‪ ،‬وأفسدت مدارس؟‬ ‫فلماذا تقاصرت عبارات ابن األثير عن وصف أولئك الناس الذين نسبهم‬ ‫إلى المذاهب اإلس�لامية بـ (الخوارج) وقد أتوا من األعم��ال ما يخجل منها‬ ‫أشرار الخلق؟‬ ‫إن جميع المذاهب اإلسالمية التي انتسب إليها أولئك الذين أفسدوا في‬ ‫ديار المسلمين بريئة منهم وال تقر أعمالهم‪ ،‬فال يصح شرع ًا تحميل المذاهب‬ ‫اإلسالمية أوزار أتباعها إذا خالفوا مبادئها وقيمها وما تدعوا إليه من أخالق‪.‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬براءة أهل‬ ‫فمن العدالة في الحكم أن ُيظهر ابن األثير‪ ،‬وغيره من ُ‬ ‫النهروان واإلباضية الكرام من تبعات أعمال األقوام الذين انتسبوا إليهم ظلم ًا‬ ‫وزور ًا والذين عاثوا في األرض فس��اداً‪ ،‬كأمثال األزارقة(‪ ،((59‬تمام ًا كما نفعل‬ ‫جميع ًا عند تبرئتنا للمذاهب اإلس�لامية كافة من تبعات ه��ؤالء القوم الذين‬ ‫جعلوا الجهل سائس��هم وقائدهم نحو «القتل واإلح��راق والنهب»‪ .‬فمحاولة‬ ‫شيطنة ابن األثير وغيره ألهل النهروان بما ارتكبه المنتسبون إليهم من جرائم‬ ‫هو عين الحي��ف والضيم ال ألهل النه��روان واإلباضية فحس��ب‪ ،‬بل للعلم‬ ‫والعدالة واألمانة‪ .‬و«من الخطأ المنهج��ي أن تحمل الجماعة خطأ الفرد‪ ،‬وأن‬ ‫(‪ ((59‬ذكر الدكتور الشيخ ناصر السابعي ـ حفظه اهلل تعالى ـ سبب انتشار تهمة تكفير المسلمين‬ ‫إلى أه��ل النهروان‪ ،‬حيث ق��ال‪« :‬والخالصة أن نافع�� ًا لما حكم عل��ى مخالفيه بأحكام‬ ‫المش��ركين انس��حب هذا الحكم ليكون مس��تقى من السلف الذي ينس��ب إليه نافع بن‬ ‫األزرق‪ ،‬فتدخلت عوامل عدة لعل السياس��ة م��ن أهمها ليكون التكفي��ر مبدأ من مبادئ‬ ‫المحكمة األوائل‪ ،‬وربما لهذا العامل أو لغيره نسب التكفير إلى المعارضين للتحكيم‪»...‬‬ ‫(الخوارج والحقيقة الغائبة‪ ،‬ص ‪.)141‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪240‬‬ ‫ينسب إليها تصرف شاذ ليكون س��لوك ًا لكل أفرادها‪ ،‬ولو استعرضنا العهود‬ ‫الراشدة لوجدناها ال تخلو من مثل هذه الحاالت الشاذة»(‪.((59‬‬ ‫ع ْو ٌد على َب ْدء‪:‬‬ ‫‪ 34‬ـ َ‬ ‫وبعد هذا التطواف الس��ريع في كتاب (الكامل في التاريخ) والذي نقلنا‬ ‫منه ـ وباختصار ش��ديد ـ أحداث ًا مؤلمة أوقعها من انتس��ب إلى اإلسالم في‬ ‫أبناء جلدتهم من المسلمين‪ ،‬ال نملك إال أن نقول (ال حول وال قوة إال باهلل‬ ‫العلي العظيم)‪.‬‬ ‫أليس ألرواح المسلمين حرمة بحق (ال إله إال اهلل‪ ،‬محمد رسول اهلل)؟‬ ‫أليس ألموال المسلمين حرمة بحق (ال إله إال اهلل‪ ،‬محمد رسول اهلل)؟‬ ‫فبأي وجه تقتل األطفال وتبقر بطون المس��لمات ويقتل الشيوخ وتنهب‬ ‫األموال؟‬ ‫أما علم هؤالء الطغاة حديث الرس��ول ژ الذي جاء فيه‪( :‬ف َِإ َّن ‌دِ َماءَ ُك ْم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اض ُك ْم َب ْي َن ُك ْم َح َر ٌام‪َ ،‬ك ُح ْر َمةِ َي ْوم ُك ْم َه َذا‪ ،‬فِي َش ْه ِر ُك ْم َه َذا‪ ،‬فِي‬ ‫‌وأ َ ْم َوا َل ُك ْم‪َ ،‬وأ َ ْع َر َ‬ ‫َ‬ ‫َ (‪((60‬‬ ‫َب َلد ُك ْم َهذا) ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فما هو عذر ه��ؤالء الطغاة وأهل البغي والعدوان عن��د ربهم يوم القيامة‬ ‫وقد تضافرت الروايات النبوية «على أن كلمة (ال إله إال اهلل) عاصمة للدم إال‬ ‫بموجب شرعي‪ ،‬وهو قتل النفس المحرمة بغير حق أو الزنا بعد اإلحصان أو‬ ‫االرتداد عن اإلسالم»(‪((60‬؟‬ ‫(‪ ((59‬الخوارج والحقيقة الغائبة‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫(‪ ((60‬صحيح البخاري‪ ،‬الرواية‪ ،67 :‬ص ‪.39‬‬ ‫(‪ ((60‬أمة اإلسالم إلى أين‪ ،‬ص ‪.36‬‬ ‫‪241‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫ونحن إذا قسنا البشر حسب مبادئهم لعرفنا أن أولئك الناس الذين يدعون‬ ‫اإلسالم قد خالفوا ما نادى به اإلسالم‪ ،‬وارتكبوا ما حرمه اهلل تعالى ونهى عن‬ ‫فعله الرسول ژ ‪ ،‬فلهذا جاءت أفعالهم مصادمة لما يدعو إليه القرآن الكريم‪،‬‬ ‫واتبعوا في إجرامهم ما دعت إليه كتب النص��ارى المحرفة‪ ،‬وطبقوا ما كانت‬ ‫عليه الجاهلية األولى من قتل ونهب وسبي لألحرار‪.‬‬ ‫والذين جاسوا خالل ديار اإلسالم تحت اس��م «الحروب الصليبية»‪ ،‬فإن‬ ‫قائدهم في ذلك هو العداء المتأصل في نفوسهم ضد أهل التوحيد‪ ،‬وقد برروا‬ ‫جرائمهم وأراحوا ضمائره��م بما وجدوه في كتبهم المحرف��ة‪ .‬فهؤالء القوم‬ ‫ارتكبوا ما ارتكبوه من أفعال ألن كتبه��م المحرفة أمرتهم بذلك‪ ،‬فهم يعدون‬ ‫ما قاموا به أمر ًا يتنافس فيه المتنافسون‪.‬‬ ‫قال فيليب بوك‪ ،‬صاحب كتاب (الحرب المقدسة)‪ ،‬ما نصه‪« :‬سلطة العهد‬ ‫القدي��م(‪ ،((60‬التي كانت تستش��هد بها ج��ان دارك وهي تقت��رح على المدن‬ ‫اإلنكليزية ـ البورغونية االستس�لام‪ ...‬كانت تشرعن أيض ًا المجزرة إن رفض‬ ‫العرض‪ ...‬كان جاك زيزكا يخوض الحرب على قاع��دة الكتابات اإلنجيلية‪:‬‬ ‫(‪ ((60‬يشير الكاتب إلى الفقرة اآلتية والتي ذكرت في الكتاب المسمى (الكتاب المقدس)‪« :‬وإذا‬ ‫تقدمت إلى مدين��ة لتقاتلها‪ ،‬فادعها أوالً إلى الس��لم‪ ،‬فإذا أجابتك بالس��لم وفتحت لك‬ ‫َ‬ ‫أبوابها‪ ،‬فكل القوم الذي فيها يكون لك تحت الس��خرة ويخدمك‪ .‬وإن لم تسالمك‪ ،‬بل‬ ‫حاربتك‪ ،‬فحاصرتها‪ ،‬وأسلمها الرب إلهك إلى يدك‪ ،‬فاضرب كل ذكر بحد السيف‪ .‬وأما‬ ‫النس��اء واألطفال والبهائم وجميع ما ف��ي المدينة غنيمة‪ ،‬فاغتنمها لنفس��ك‪ ،‬وكل غنيمة‬ ‫أعدائك التي أعطاك الرب إلهك إياها‪.‬‬ ‫هكذا تصنع بجميع المدن البعيدة منك جد ًا والتي ليس��ت من مدن تلك األمم هنا‪ .‬وأما‬ ‫مدن تلك الش��عوب التي يعطيك ال��رب إلهك إياها ميراث ًا‪ ،‬فال َتس�� َت ْبق ِ منها نس��مة‪»...‬‬ ‫(الكتاب المس��مى (الكتاب المقدس ـ العهد القديم س��فر تثنية االش��راع‪ 20 ،‬ـ الحرب‬ ‫والمحاربون‪ ،‬فتح المدن‪ ،‬ص ‪ 388‬ـ ‪ ،)389‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1988 ،3‬م)‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪242‬‬ ‫سفر التثنية‪ ،20 ،‬كان يطلب أوالً استسالم ًا سلمي ًا‪ ،‬ثم يقبل على قتل الرجال‪،‬‬ ‫تارك ًا النس��اء واألطفال‪ ،‬إن لم تفتح ل��ه أبواب المدين��ة‪ ...‬والحقيقة‪ ،‬حين‬ ‫هوجمت المدينة [يقصد مدينة براشاتيس في عام ‪1420‬م] وتم االستيالء عليها‪،‬‬ ‫بينما حوفظ على حيوات النساء واألطفال‪ ،‬جرى إما قتل الرجال حيث وجدوا‬ ‫أو جمعوا في حجرة االجتماعات في الكنيسة كي يحرقوا فيها»(‪.((60‬‬ ‫وق��ال الفيلس��وف الفرنس��ي غس��تاف لوبون‪ ،‬صاح��ب كت��اب (اآلراء‬ ‫والمعتقدات نش��وؤها وتطورها)‪ ،‬ما نصه‪« :‬وكان كهنة محاكم التفتيش موقنين‬ ‫أن اهلل يريد حرق الهراطقة(‪ ،((60‬فأفرغوا أس��بانيا من سكانها بمحارقهم‪ .‬شارل‬ ‫التاسع ولويس الرابع عش��ر كانا موقنين أن خالق السماوات واألرض لم يكن‬ ‫يقبل بوجود البروتستانت‪ ،‬ومن أجل القضاء عليهم ارتكب األول مذبحة سان‬ ‫ـ بارتملي ولجأ الثاني إلى الدراغوني��ة (مرحلة من االضطهاد في عصره حيث‬ ‫كان جنود الدراغون ـ الفرس��ان ـ يحتلون بيوت البروتستانت ـ م‪ .‬ع‪ .).‬وكان‬ ‫أنصار الجمعية التأسيس��ية موقنين بأنه ينبغي قطع عدد كبير من الرؤوس‪ ،‬من‬ ‫أجل ضمان س��عادة الجنس البش��ري‪ ،‬ونتيجة لذلك أثاروا الح��روب وأقاموا‬ ‫ديكتاتورية مما أدى إلى إهالك ثالثة ماليين ش��خص ف��ي أوروبا‪ .‬وفي أيامنا‬ ‫الراهنة ثمة آالف من البرجوازيين المشبعين بيقين أن االشتراكية ستعيد تجديد‬ ‫العالم‪ ،‬يدمرون بجنون آخر الدعائم التي تسند المجتمع الذي يعيشون فيه»(‪.((60‬‬ ‫(‪ ((60‬الحرب المقدسة االستش��هاد واإلرهاب أشكال العنف المس��يحية في الغرب‪ ،‬ص ‪،340‬‬ ‫وانظر كذلك ص ‪ 341‬من نفس الكتاب لترى كيف كانت تعمل جان دارك في من تحاربهم‬ ‫في ديارهم‪.‬‬ ‫(‪ ((60‬هم ينعتون المسلمين بالهراطقة خدمة ألديانهم المحرفة‪.‬‬ ‫(‪ ((60‬اآلراء والمعتقدات نش��وؤها وتطورها‪ ،‬ص ‪ 283‬ـ ‪ ،284‬وانظر ما قاله غس��تاف لوبون في‬ ‫كتابه اآلخر (الثورة الفرنسية وس��يكولوجيا الثورات‪ ،‬ص ‪ 54‬ـ ‪ ،56‬وص ‪ )244‬لترى جانب ًا‬ ‫=‬ ‫من المجازر التي وقعت باسم الدين المحرف بين الكاثوليك والبروتستانت‪.‬‬ ‫‪243‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫من كل ما سبق نقله من أحداث مؤلمة منس��وبة إلى الناس الذين أداروا‬ ‫رحاها في أوساط المسلمين‪ ،‬لم يكن لهم حظ من التقوى التي أمر اهلل تعالى‬ ‫بها‪ ،‬فقد بقوا بأفعالهم السيئة يعيشون بذلك «العقل العربي ـ الذي لم يمكن‪،‬‬ ‫لقصر المدة وغ��زارة الدماء‪ ،‬من اس��تيعاب النقلة العقلي��ة القرآنية الراقية ـ‬ ‫ال يزال حتى تلك اللحظة‪ ،‬يعيش الطور التاريخي السابق على القرآن»(‪.((60‬‬ ‫فالطور التاريخي السابق للقرآن شهد أحداث ًا هي شبيهة بما قرأناه أعاله‪،‬‬ ‫فقد أرخت العرب أيامها بتلك المعارك الت��ي خاضوها فيما بينهم‪ ،‬وفي كل‬ ‫يوم من أيامهم يتفاخرون بما أوقعوه بأنفسهم من قتل ونهب وسبي‪.‬‬ ‫فكل قبيلة منهم كانت «تعتبر نفس��ها مستقلة‪ ،‬اس��تقالالً تام ًا‪ ،‬وفي حالة‬ ‫حرب مع غيرها‪ ،‬يباح لها وألفرادها أن تأخ��ذ كل ما تحصل عليه من الغير‪.‬‬ ‫فالغزو أمر طبيعي وقانوني عندهم‪ ،‬ودوافعه متعددة‪.((60(»...‬‬ ‫فمثالً‪ :‬ففي يوم (بارق) أسفرت الحرب عن «مقتلة عظيمة لم ُتصب تغلب‬ ‫بمثلها واقتسموا األسرى واألموال‪ ،‬وكان من أعظم األيام عليهم‪ ،‬قُتل الرجال‬ ‫وسبى الحريم»(‪.((60‬‬ ‫و ُنهب األموال ُ‬ ‫ومن األحداث التي نقلها لوبون ع��ن مجلة المونيتور الصادرة بتاري��خ ‪ 21‬كانون أول ‪1794‬‬ ‫=‬ ‫ما يلي‪« :‬رأيت‪ ،‬يقول توما‪ ،‬بعد االستيالء على نوارموتييه‪ ،‬رجاالً‪ ،‬ونساء‪ ،‬وعجائز يحرقون‬ ‫أحياء‪ ...‬ونس��اء ُتغتصب وكذلك فتيات في الرابعة عشرة أو الخامس��ة عشرة ويذبحن بعد‬ ‫رمون من حربة إلى حربة كانوا ممددين إلى جانب أمهاتهم فوق‬ ‫ذلك‪ ،‬ورأيت أطفاالً رضع ًا ُي َ‬ ‫األرض» (الثورة الفرنسية وسيكولوجيا الثورات‪ ،‬ص ‪ ،257‬وهناك أحداث أخرى نقلها لوبون‬ ‫عن نفس الصحيفة في ص ‪ 258‬من كتابه‪ ،‬وانظر ما ذك��ره لوبون عن مجازر آراس وكامبري‬ ‫والتي كانت نتيجتها أن أفرغت شوارعا بأكملها من األحياء‪ ،‬ص ‪ ،277‬وذكر لوبون ما أوصى‬ ‫به قانون بريريال الذي بموجبه أُعدم ‪ 1373‬شخص ًا في غضون تسعة وأربعين يوم ًا‪ ،‬ص ‪.)283‬‬ ‫(‪ ((60‬السلطة في اإلسالم‪ ،‬ص ‪ 105‬ـ ‪.106‬‬ ‫(‪ ((60‬دراسات تاريخية‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫(‪ ((60‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.648‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪244‬‬ ‫فتلك النتائج التي أسفرت عنها أحداث يوم بارق في الجاهلية ـ بين‬ ‫تغلب وتميم من جهة وبني ش��يبان م��ن جهة أخرى ـ هي ش��بيهة بما‬ ‫أس��فرت عنه أيام العرب األخ��رى(‪ ((60‬التي حدثت قبل الرس��الة على‬ ‫صاحبها أفضل الصالة والسالم‪ ،‬والتي حدثت(‪ ((61‬بعد بعثة المصطفى ژ‬ ‫(‪ ((60‬فاألحداث التي سبقت رسالة الرس��ول ژ ‪ ،‬والتي قتل فيها العرب بعضهم بعض ًا‪ ،‬ونهبوا‬ ‫فيها أموال بعضهم‪ ،‬وس��بوا نس��اءهم هي‪« :‬يوم عنيزة‪ ...‬يوم واردات‪ ...‬يوم الحنو‪ ...‬يوم‬ ‫القصيبات‪ ...‬يوم النقية‪ ...‬ويوم الفصيل» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ .)537‬ويوم عين‬ ‫أباغ (الكامل في التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)540‬ويوم مرج حليمة (الكام��ل في التاريخ‪ ،‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪ 542‬ـ ‪ ،)543‬ويوم ال��كالب األول (الكامل في التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)549‬ويوم أوارة‬ ‫األول (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)552‬وي��وم أوارة الثاني (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪ ،)553‬وأي��ام داحس والغب��راء وهي بين عبس وذبي��ان (الكامل ف��ي التاريخ‪ ،‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪ ،)566‬يوم ذات نكيف (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ .)587‬ويوم الفجار «سمي الفجار‬ ‫لما اس��تحل الحيان كنانة وقيس فيه من المحارم وكان قبله يوم جبلة وهو مذكور من أيام‬ ‫العرب والفجار أعظم منه» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ )590‬ويوم مسحالن (الكامل في‬ ‫التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)608‬ويوم جديد (الكامل ف��ي التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)610‬ويوم اإلياد‬ ‫(الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)612‬ويوم الش��قيقة (الكامل ف��ي التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.)613‬‬ ‫و«يوم الجفار‪ ...‬وكان يوم الجفار يسمى (الصيلم) لكثرة من قتل به» (الكامل في التاريخ‪،‬‬ ‫ج ‪ /1‬ص ‪ ،)619‬ويوم الصفقة والكالب الثاني (الكامل ف��ي التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)620‬ويوم‬ ‫الوقيط (الكامل في التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ .)628‬ويوم المروت (الكامل ف��ي التاريخ‪ ،‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪ ،)631‬ويوم اليحاميم (الكامل في التاري��خ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)635‬ويوم ذي طلوح (الكامل‬ ‫في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)637‬ويوم أقرن (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)638‬ويوم السالن‬ ‫(الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)639‬ويوم ذي عل��ق (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪،)641‬‬ ‫ويوم فلج (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،)652‬ويوم الش��يطين (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪/1‬‬ ‫ص ‪ ،)654‬ويوم حاطب ويوم بعاث (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.)671‬‬ ‫(‪ ((61‬ومن األيام التي ذكرها ابن األثير ضمن أحداث عام ‪ 70‬للهجرة هي‪ :‬حروب يوم الجفرة‪،‬‬ ‫ويوم ماكسين‪ ،‬ويوم الثرثار األول‪ ،‬ويوم الثرثار الثاني‪ ،‬ويوم الفدين‪ ،‬ويوم السكير‪ ،‬ويوم‬ ‫المعارك‪ ،‬ويوم الشرعية‪ ،‬ويوم البليخ‪ ،‬ويوم الحشاك‪ ،‬ويوم الكحيل‪ ،‬ويوم البشر (الكامل‬ ‫في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 306‬ـ ‪.)319‬‬ ‫‪245‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫أيض ًا‪ ،‬حينما تركت تعاليم اإلس�لام جانب�� ًا وأخذ بقواني��ن الغالب من‬ ‫وحوش البشر‪.‬‬ ‫وإني ألجد نفسي‪ ،‬واألسى يعصر القلب‪ ،‬مضطر ًا الستعارة هذه الكلمات‬ ‫من كتاب (أش��رار التاريخ) ل ِ ُت َلخص لنا ما قرأناه هنا من جرائم‪« :‬شخصيات‬ ‫وشخصيات في هذا الكتاب كلها قطعان بش��رية ضالة قاتلة‪ ،‬تجسد الشر في‬ ‫أفظع صورة‪ ،‬وتقدم أنماط ًا غير تقليدية لنوع خاص من الش��ر‪ ،‬يجرد اإلنسان‬ ‫من آدميته‪ ،‬ويخرج ب��ه عن فطرته‪ ،‬ويجعل��ه مثالً يقتل من أج��ل القتل‪...،‬‬ ‫وبوحش��ية تخجل منها الوح��وش‪ ...،‬إنهم أع��داء اإلنس��انية الذين حفروا‬ ‫أسماءهم بما ارتكبوه من فظائع في سجل التاريخ األسود للبشر!!»(‪.((61‬‬ ‫فهذه األوصاف التي ذكرها صاحب كتاب (أشرار التاريخ) لصيقة بأولئك‬ ‫المجرمين السفاحين الذين نقل ابن األثير ش��يئ ًا من مفاسدهم في موسوعته‬ ‫التاريخية كما مر بنا أعاله‪.‬‬ ‫قال الدكتور فاروق عمر فوزي وهو من الذين س��بروا أغوار كتب التاريخ‬ ‫وعرفوا ما تحويه تلك الكتب من توجه��ات أصحابها‪« :‬إن مؤلفات الم ّنظرين‬ ‫للفكر السياسي عند المسلمين ابتداء من عبد اهلل بن المقفع (ت‪146 :‬هـ) مرور ًا‬ ‫بأبي يوس��ف القاضي (ت‪180 :‬هـ) ث��م الجاح��ظ (ت‪255 :‬هـ) ثم الماوردي‬ ‫(ت‪450 :‬هـ) ثم الغزالي (ت‪505 :‬هـ) ث��م ابن أبي الربيع (ت‪650 :‬هـ) ثم ابن‬ ‫الطقطقي ثم اب��ن تيمية (ت‪728 :‬هـ) ث��م ابن جماع��ة (ت‪733 :‬هـ) ثم ابن‬ ‫خلدون (ت‪808 :‬هـ) وأخير ًا ابن األزرق (ت‪869 :‬هـ)‪ .‬كانوا كما قلنا يبررون‬ ‫األوضاع السياسية ويلتمسون لها العذر‪ ،‬ويروجون ألهل الشوكة من سالطين‬ ‫وأمراء سالجقة وبويهيين وأتراك ويضفون عليهم مزايا مرموقة‪.((61(»...‬‬ ‫(‪ ((61‬أشرار التاريخ‪ ،‬ص ‪.7‬‬ ‫(‪ ((61‬المثالية والواقعية في تاريخ الفكر السياسي عند المسلمين‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪246‬‬ ‫وقال الدكتور فاروق عمر فوزي في موضع آخ��ر من كتابه‪« :‬وعندي أن‬ ‫أدبيات ُكتَّاب السياسة الش��رعية والمنظرين والفالسفة سواء بسواء ال تسمن‬ ‫وال تغني من جوع فهي تبرير لتوجهات الس��لطة وتسويغ لألمر الواقع!! وقد‬ ‫قي��ل إن المفك��ر إذا لم يك��ن حليف�� ًا للمظلومين فل��ن يكون إال ش��ريك ًا‬ ‫للظالمين!!»(‪.((61‬‬ ‫فنس��أل ابن األثير وغيره م��ن ُكتَّاب التاري��خ‪ ،‬ونقول له��م‪ :‬أين واقعية‬ ‫كتاباتكم من المثالية التي ترفعون شعارها؟‬ ‫فالمثالية العلمية توجب على ابن األثي��ر وغيره أن يحكموا على كل‬ ‫من نس��بت إليهم تلك األفعال من قتل لألنفس‪ ،‬ونه��ب لألموال‪ ،‬وبقر‬ ‫للبطون بالخوارج المارقين من الدين تمام ًا كم��ا فعلوا عند حديثهم عن‬ ‫األزارقة والصفرية‪.‬‬ ‫فهذه االزدواجي��ة في األحكام عند ابن األثير ومن س��ار على نهجه إنما‬ ‫الكتَّاب على اإلصرار‬ ‫تدل على هيمنة التبعات الفكرية التي ما فتئ كثير من ُ‬ ‫عليها وإن رفعوا شعارات المنهج العلمي في بحوثهم التاريخية‪.‬‬ ‫ما الذي كان يمنع ابن األثير أن يعلن حكم اإلسالم على كل أحد ُسجلت‬ ‫عليه تلك األحداث التي حرمها الش��رع؟‪ ،‬إذ ال فرق بي��ن بعيد وقريب أمام‬ ‫المثالية التي يدعو إليه��ا ديننا الحنيف‪ .‬ولكن ال عجب فإن «اإلنس��ان نتاج‬ ‫أفكاره‪ ،‬أي أن األفكار الصامتة التي تعتمل في ذهنه هي القوة الحقيقية التي‬ ‫تدفعه التخاذ القرارات والمواقف والعمل على تحقيقها»(‪.((61‬‬ ‫(‪ ((61‬المثالية والواقعية في تاريخ الفكر السياسي عند المسلمين‪ ،‬ص ‪.545‬‬ ‫(‪ ((61‬المثالية والواقعية في تاريخ الفكر السياسي عند المسلمين‪ ،‬ص ‪ ،6‬نقال عن مفكر سياسي‬ ‫صيني‪.‬‬ ‫‪247‬‬ ‫‪ 9‬ـ ارعتسالا« ةمهت لوح خيراتلا باَّتُك عم تافقو‬ ‫وكل قارئ لكت��اب (الكامل في التاري��خ) يدرك م��دى هيمنة األفكار‬ ‫الصامتة على كتابات ابن األثير‪ ،‬فقد قال الدكتور محمد بن موسى الشريف‪:‬‬ ‫«ولكن من خالل قراءتي ألحداث القرنين الرابع والخامس في (الكامل) تبين‬ ‫لي أن ابن األثير ال يصحح النسب(‪ ((61‬فقط‪ ،‬بل هو متعاطف مع هذه الدولة‬ ‫بشكل عام‪ ،‬فهو يمدح ملوكهم ويبرز محاسنهم وال يذكر عيوبهم‪ ،‬ويؤكد في‬ ‫كل مرة يترجم ألحدهم بقوله‪( :‬الخليفة العلوي)‪ ،‬كأنه يريد أن يرسخ هذا في‬ ‫ذهن القارئ‪ .‬ثم تبين لي أنه ُيغرق في مدح بعض ملوك الدولة البويهية وأمراء‬ ‫الدولة األسدية والحمدانية‪.((61(»...‬‬ ‫وهنا يدرك القارئ المنصف الس��بب الذي ألجله تحامل ابن األثير على‬ ‫اإلباضية‪ ،‬الذين وقفوا أمام البويهيين(‪ ((61‬على أرض عمان‪ ،‬والذين وقفوا أمام‬ ‫جبروت العبيديين(‪ ((61‬على أرض المغرب العربي‪.‬‬ ‫لقد حددت أف��كار ابن األثي��ر ما ينبغي ل��ه قوله تجاه م��ن وقف أمام‬ ‫البويهيين والعبيديين‪ ،‬وكتب ما يدل داللة واضح��ة على عدم تقيده بمناهج‬ ‫(‪ ((61‬يشير الدكتور محمد الشريف إلى ما أعلنه ابن األثير عن قناعاته حول نسب الفاطميين إلى‬ ‫العترة الطاهرة ولو خالفه في ذلك آخرون‪ ،‬انظر أقوال ابن األثير في (الكامل في التاريخ‪،‬‬ ‫ج ‪ /8‬ص ‪ 24‬ـ ‪ )27‬و(الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.)37‬‬ ‫(‪ ((61‬تعريف مؤجز بأشهر كتب التاريخ‪ ،‬ص ‪.83‬‬ ‫(‪ ((61‬ونقل الدكتور محمد بن موسى الشريف عن األستاذ محمد العبدة قوله‪« :‬ليس من العسير‬ ‫لمن يقرأ ما كتبه اب��ن األثير في (الكامل) أن يح��س بتعاطفه مع الدول��ة البويهية‪ ،‬فهو‬ ‫ال يذكرهم إال مادح ًا معظم ًا األوائل منهم‪ ،‬بل يغال��ي في المديح أحيان ًا عندما يعتبر وفاة‬ ‫ركن الدولة الحسن بن بويه مصيبة للدين والدنيا مع ًا» (تعريف موجز بأشهر كتب التاريخ‪،‬‬ ‫ص ‪ 87‬ـ ‪.)88‬‬ ‫(‪ ((61‬قال الدكتور محمد الش��ريف «أما ما فعله عبيد اهلل بالعلماء العاملي��ن الذين كرهوا دولته‬ ‫وعقيدته الفاس��دة فهذا ال يذكره ابن األثير‪ »...‬انظر (تعريف موجز بأشهر كتب التاريخ‪،‬‬ ‫ص ‪.)86‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪248‬‬ ‫(‪((61‬‬ ‫اإلسالم في كتابة التاريخ؛ إذ نسمعه يـ «مدح ملوك البويهيين والعبيديين»‬ ‫الذين أراد تجميل دولهم على رغم ما سجله التاريخ عليهم من جرائم حرمها‬ ‫اإلسالم‪.‬‬ ‫فإذن‪ ،‬فليس بمس��تغرب على ابن األثير أن يبذل قص��ارى جهده ألجل‬ ‫االنتقاص من أقدار اإلباضية األح��رار الذين حاربوا البويهيين والعبيديين في‬ ‫المشرق والمغرب‪...‬‬ ‫لقد اتخذ ابن األثير ومن س��ار على نهجه قرارهم ومواقفهم في تصنيف‬ ‫الناس على أفكار موروثة مجحفة ال على أس��س المثالية اإلسالمية المنصفة‪،‬‬ ‫فلله األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫✾ ✾✾‬ ‫(‪ ((61‬تعريف موجز بأشهر كتب التاريخ‪ ،‬ص ‪.91‬‬ ‫‪249‬‬ ‫خيرات ةيضابإلا ئدابم‬ ‫‪ 10‬ـ لكتي‬ ‫� اإلباضية تاريخ يتكلم‬ ‫مباد ئ‬ ‫‪10‬‬ ‫فكل الذين درس��وا تل��ك األحداث التي عاش��ها الع��رب وغيرهم قبل‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ودرس��وا مبادئ اإلس�لام‪ ،‬عرفوا أن اهلل تعالى قد أرسل رسوله ژ‬ ‫«رحمة للعالمين وإمام ًا للمتقين وقدوة للمحسنين‪ ،‬فحقن به الدماء التي كانت‬ ‫تسفح‪ ،‬وصان به الحمى الذي كان يستباح‪ ،‬وألف به بين القلوب التي اشتدت‬ ‫وحش��تها وتنافرها‪ ،‬وجمع به بي��ن األمم الت��ي تعاظم عداؤه��ا وتدابرها‪،‬‬ ‫فانصهرت به األمم في أمة واحدة»(‪.((62‬‬ ‫فبعد عهد الرس��الة وبعد عصر الخالفة الراشدة س��لك الناس مسالك ًا‬ ‫متعددة منها‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ مس��لك أولئك الرعاع من البش��ر الذين ورثوا الهمجي��ة من أرباب‬ ‫الجاهلية األولى فكانت مآثرهم القتل والنهب وسبي الذراري‪ ،‬وهم بأعمالهم‬ ‫هذه ال تربطهم بمذاهب اإلس�لام أي رابطة ولو ادعوا انتسابهم إليها‪ ،‬إذ كل‬ ‫مذاهب المسلمين تحرم ما كانت عليه تلك الجاهلية من أفعال يستنكرها شرع‬ ‫اهلل‪ .‬وقد ذكر ابن األثير وغيره من ُكتَّاب التاريخ أحداث ًا أقدم عليها ممن ادعى‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وأتوا بأبشع األفعال من قتل ونهب وسبي‪ ،‬وساروا بأفعالهم النكراء‬ ‫في نفس المس��ير الذي عليه أهل الجاهلية والتت��ار والصليبيون‪ ،‬وقد ذكرنا‬ ‫طائفة من أحداثهم أعاله‪.‬‬ ‫(‪ ((62‬أمة اإلسالم إلى أين‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪250‬‬ ‫‪ 2‬ـ ومس��لك مس��تقيم س��ار عليه المتقون المؤمنون المتبع��ون لهدي‬ ‫رس��ول اهلل ژ ‪ ،‬وقد تزين��ت الدنيا عبر الق��رون بوجودهم فيه��ا‪ ،‬وهم وإن‬ ‫استظلوا تحت مذاهب ش��تى بقوا جميع ًا تحت قبة اإلسالم الواسعة المرتفعة‬ ‫ال تزايل خطاهم خطى رس��ول اهلل ژ قيد أنملة‪ .‬وس��يبقى هؤالء القوم هداة‬ ‫ودعاة إلى الحق ما داموا على العهد الذي أوصاهم به كتاب اهلل تعالى ورسول‬ ‫اإلسالم ژ ‪ .‬ونحن حينما نتكلم عن مبادئ اإلس�لام فإننا على يقين تام أن‬ ‫جميع المس��لمين مطالبون بالتحلي بها‪ ،‬فال فرق بين فرد وفرد وبين جماعة‬ ‫وجماعة‪ .‬فالمبادئ واحدة‪ ،‬والمي��زان الذي ُي َق ِّي��م العاملين واحد ال يحيف‬ ‫وال يحابي أحد ًا على حساب أحد‪ .‬فمبادئ اإلسالم من عقيدة‪ ،‬وفقه‪ ،‬ومكارم‬ ‫األخالق التي ينشأ عليها المس��لمون هي الس��ياج الذي يحيط بهم والرابط‬ ‫الذي تقوى به أرواحهم وأجسادهم‪.‬‬ ‫ونحن حينما نعرض هذه المبادئ ـ في هذا القسم من هذا البحث ـ فإننا‬ ‫على يقين تام أنها هي هي نفس��ها مبادئ المس��لمين كافة م��ن غير تحديد‬ ‫ذكرت (اإلباضية) هنا ألن األقالم الجائرة أكثرت‬‫ُ‬ ‫لمذهب دون مذهب‪ ،‬وإنما‬ ‫من اإلساءة إليهم فكان من الواجب أن نرفع عنهم‪ ،‬بقدر المستطاع‪ ،‬جانب ًا من‬ ‫الظلم الذي ما برح العابثون في التاريخ يرس��لونه إلى ساحة الفكر اإلباضي‬ ‫من غير دليل وال تقوى من اهلل‪.‬‬ ‫فحينما يقرأ الفرد هذه العبارات وهي تصف أحد األش��خاص‪ ... « :‬فكان‬ ‫عاب��د ًا مجتهد ًا عظيم الق��در‪ ...‬وكان ال يدين باالس��تعراض‪ ،‬ويحرم خروج‬ ‫النساء‪ ،‬ويقول ال نقاتل إال من قاتلنا وال نجبي إال من حمينا»(‪ ،((62‬فإن القارئ‬ ‫��ي ِّجل صاحب هذه األخ�لاق‪ ،‬الذي عرفه فقط م��ن خالل هذه‬ ‫ال محالة َس ُ‬ ‫العبارات‪ ،‬وسيزداد إجالله له إذا عرف أن صاحب هذه الكلمات أردف العمل‬ ‫(‪ ((62‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.518‬‬ ‫‪251‬‬ ‫خيرات ةيضابإلا ئدابم‬ ‫‪ 10‬ـ لكتي‬ ‫ِ‬ ‫وسي ِّج ُل أيض ًا الذين رفعوا من شأن صاحب هذه األوصاف‪ ،‬وطبق‬ ‫مع القول‪ُ .‬‬ ‫هذه العبارة في اإلصالح لهذه األمة والعالم أجمع‪ ،‬وس��يقر القارئ المنصف‬ ‫أن صاحب ه��ذه العبارة بعيد كل البع��د عن الخوارج وأفعالهم‪ .‬وس��يعلنها‬ ‫القارئ‪ ،‬وبال تردد‪ ،‬مدوية في أرجاء الوجود‪ :‬أن ه��ذه العبارة هي مما يدعو‬ ‫إليه اإلسالم‪ ،‬ويفتخر بها وبقائلها المسلمون كافة من كل المذاهب على كل‬ ‫األمم التي عاشت على وجه األرض‪.‬‬ ‫ولكن ماذا س��يكون موقف المنغمس��ين في آثار فلسفة (س��يكولوجية‬ ‫الكتَّاب والقراء‪ ،‬الذين تش��ربوا أقوال الكذابين والضعفاء‪ ،‬إذا‬ ‫الجماهير) من ُ‬ ‫علم��وا أن قائل هذه العبارة ه��و القائد اإلباضي أبو ب�لال مرداس بن حدير‬ ‫التميمي؟‪ .‬فإنك ال محالة س��ترى الوجوه وقد كلحت وجهمت ال لشيء إال‬ ‫ألن قائلها والمنادي بها إباضي س��جل له التاريخ مقارع��ة عبيد اهلل بن زياد‬ ‫القائد األموي‪.‬‬ ‫الكتَّ��اب العابثون في التاريخ‪ ،‬فهم‬ ‫فهنا هو مكمن الداء الذي يعاني منه ُ‬ ‫ال ُي َق ِّي ُمون الرجال حسب قربهم أو بعدهم من مبادئ اإلسالم‪ ،‬ولكن ينظرون‬ ‫إلى العاملين في هذا الوجود حس��ب ما أملته الدعايات األموية من أحكام‪،‬‬ ‫فالموروثات الفكرية الباطل��ة ذات الطابع الجماهيري ه��ي التي تملي على‬ ‫الكتَّاب مواقفهم وأحكامهم وإن كان الش��رع والعقل والعلم ينقضون‬ ‫هؤالء ُ‬ ‫تلك األحكام الجائرة‪.‬‬ ‫وبسبب الحملة اإلعالمية الضروس الشعواء‪ ،‬واإلشاعة المغرضة ضد من‬ ‫الكتَّاب أضافوا إلى ما لم يستطيعوا نفيه من‬ ‫قاوم سياسة األمويين الظالمة فإن ُ‬ ‫أوصاف عبارات تمجها األسماع‪.‬‬ ‫فها هو اب��ن األثير ينقل العبارة الس��ابقة كاآلتي‪« :‬وأم��ا أخوه أبو بالل‬ ‫مرداس فكان عابد ًا مجتهد ًا عظيم القدر في الخوارج‪ ،‬وشهد صفين مع علي‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪252‬‬ ‫فأنكر التحكيم‪ ،‬وش��هد النه��روان مع الخ��وارج‪ ،‬وكانت الخ��وارج كلها‬ ‫تتواله‪.((62(»...‬‬ ‫وهذا هو مس��لك ابن األثير مع رجال الفكر اإلباضي في طول موسوعته‬ ‫التاريخية وعرضها‪ ،‬فه��و ال يكاد يذكر اإلباضية بمحاس��نهم في التاريخ إال‬ ‫ويقرنهم بالخوارج‪ ،‬ال لشيء إال ألنهم لم يطاوعوا بني أمية ومن جاء بعدهم‬ ‫من العباس��يين والبويهيين والعبيديين في ظلم المس��لمين وسفك دماءهم‪،‬‬ ‫وس��نذكر بعض ًا من مواقف ابن األثير من المذهب اإلباض��ي فيما يأتي من‬ ‫صفحات إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬ ‫فليعلم الجميع أن من «ال يدين باالستعراض» ليس من الخوارج في شيء‪.‬‬ ‫وليعلم الجميع أن من ال يقاتل‪ ،‬إال من قاتل��ه واعتدى عليه‪ ،‬فليس من‬ ‫الخوارج في شيء‪.‬‬ ‫وليعلم الجميع أن م��ن ال يأخذ من أم��وال الناس ش��يئ ًا‪ ،‬إال بموجب‬ ‫شرعي‪ ،‬فليس من الخوارج في شيء‪.‬‬ ‫وبين الشيخ الدكتور ناصر السابعي موقف أبي بالل بقوله‪« :‬ومنهج أبي‬ ‫بالل واضح في أنه ال يستبيح قتال أحد إال دفاع ًا عن النفس‪ ،‬وهذا يعكس لنا‬ ‫طبيعة موقف أهل النهروان بأنهم ال يس��تبيحون دم أحد من المسلمين‪ ،‬فإن‬ ‫أبا ب�لال واحد منهم‪ ،‬وال ش��ك أنه إذا كان يق��ف موقف ًا معادي�� ًا من قريب‬ ‫وزحاف لما ارتكباه ف��إن رضاه عن عبد اهلل بن وهب ـ وه��و رمز لفكر أهل‬ ‫النه��روان ـ يجل��ي لن��ا الص��ورة الحقيقي��ة لمنهجه��م ف��ي التعام��ل مع‬ ‫مخالفيهم»(‪.((62‬‬ ‫(‪ ((62‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.518‬‬ ‫(‪ ((62‬الخوارج والحقيقة الغائبة‪ ،‬ص ‪ 134‬ـ ‪.135‬‬ ‫‪253‬‬ ‫خيرات ةيضابإلا ئدابم‬ ‫‪ 10‬ـ لكتي‬ ‫الكتَّ��اب على أبي بالل وأه��ل النهروان‬ ‫فحكم اب��ن األثير وغيره من ُ‬ ‫بالخ��وارج إنما جاء بس��بب تصديقهم للرواي��ات الباطلة الت��ي قيلت عبر‬ ‫التاريخ‪ ،‬وكذلك بسبب تأثير فلس��فة (سيكولوجية الجماهير) على نفوسهم‬ ‫العلم الثابت والمبادئَ القيمة التي هي شعار‬ ‫َ‬ ‫أحكامهم الجائرة‬ ‫ُ‬ ‫ولو خالفت‬ ‫العدل واإلنصاف‪.‬‬ ‫فما البن األثير ومن س��ار على نهجه ينسبون إلى الخوارج من سار على‬ ‫نهج النبوة على صاحبها أفضل الصالة وأزكى التسليم؟‬ ‫فليس بمستغرب على ابن األثير أن ينسب أبا بالل إلى الخوارج ال شيء‬ ‫ابن األثير أبا بالل‬ ‫إال ألنه جادل عبد اهلل بن زياد فكانت النتيج��ة أن يالحق ُ‬ ‫وينسبه إلى الخوارج على رغم عدالة المسلك الذي سلكه أبو بالل‪.‬‬ ‫ومش��هد المجادلة بين التيار األموي والقائمين على حدود اهلل ذكره ابن‬ ‫األثير أيض ًا‪ ،‬ولكن في ه��ذه المرة بين معاوية ابن أبي س��فيان وعبد اهلل بن‬ ‫العباس‪ ،‬ونتيجة تلك المجادلة بين الرجلين ه��ي تهديد ابن عباس لمعاوية‬ ‫بجلب الخوارج عليه م��ن كل مكان‪ .‬فقد قال ابن األثي��ر‪« :‬فقال [يقصد ابن‬ ‫عباس]‪ :‬يا معاوية إني لخليق أن أنحاز إلى بعض السواحل فأقيم به ثم أنطق‬ ‫بما تعلم حتى أدع الناس كلهم خوارج عليك»(‪ .((62‬فإذن؛ س��يأتي ابن عباس‬ ‫بالخوارج‪ ،‬ومن يجعل الناس كلهم خوارج عل��ى معاوية فهو منهم وقائدهم‬ ‫ال محالة‪.‬‬ ‫أيها القارئ‪ :‬إياك ثم إياك أن تضع نفسك في مكان المجادل ضد بني أمية‬ ‫ومن ناصرهم‪ ،‬وإال س ُت ْشرع صوبك س��هام التهمة بالخارجية من كل صوب‬ ‫تمام ًا كما وجهت صوب اب��ن عباس وأبي بالل‪ .‬حتى ول��و كان لك الحظ‬ ‫(‪ ((62‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.511‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪254‬‬ ‫األوفى من الزهد والعلم والتقوى‪ ،‬فإن ذلك لن يشفع لك عند ابن األثير ومن‬ ‫سار على دربه‪.‬‬ ‫والمتتبع لألحداث التاريخية وما س��ايرها من ح��روب إعالمية يدرك أن‬ ‫اتهام أهل النه��روان الكرام واإلباضي��ة الزهر بالخوارج هي تهمة سياس��ية‬ ‫بامتياز(‪ ،((62‬وق��د روج لها عبر التاريخ أناس وقف اإلباضية أمام سياس��اتهم‬ ‫الظالمة لألمة اإلس�لامية‪ .‬فهذه الدعاية ضد اإلباضية مصدرها نفس المصدر‬ ‫الذي وصف ابن عباس بالمستنصر بالخوارج والمستنهض لهم ضد معاوية‪،‬‬ ‫والذي وصف العباسيين في أول أمرهم بخراس��ان «بالكفار والرعاع والعبيد‬ ‫وسقاط العرب والموالي والعجم والمجوس والسفهاء»(‪.((62‬‬ ‫والذي حدث بعد زوال دولة األمويين أن األمور صارت إلى بني العباس‪،‬‬ ‫فلهذا ارتفعت األقالم المغرضة عن وصفهم بهذه األوصاف‪ ،‬وبقي اإلباضية‬ ‫(‪ ((62‬قال الشيخ أبو إسحاق اطفيش‪« :‬إطالق لفظة الخوارج على اإلباضية أهل الحق واالستقامة‬ ‫من الدعايات الفاجرة ـ التي نشأت عن التعصب السياسي أوال‪ ،‬ثم عن المذهبي ثانيا‪»...‬‬ ‫(تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬هامش ص ‪،)6‬‬ ‫قال الدكتور الش��يخ ناصر الس��ابعي‪ ... « :‬ألن الصفات والخصائص التي تسرد كميزات‬ ‫للخوارج ـ وس��يأتي بيانها ـ غير محصورة فيهم‪ ،‬بل نجد م��ن غيرهم من يتصف بها أو‬ ‫ببعضها‪ ،‬وهذا ما أفضى إلى عدم االنضباط فيم��ا يصدق عليه هذا االصطالح» (الخوارج‬ ‫والحقيقة الغائبة‪ ،‬ص ‪ 154‬ـ ‪.)155‬‬ ‫وقال البشير مس��عي محمد‪« :‬ولفظة خوارج لفظة مطاطية مرنة‪ ،‬يؤولها كل حسب هواه‪،‬‬ ‫وحس��ب ما يمليه عليه الظرف والموقف والغرض‪ ،‬فتعني الخروج عن طاعة المس��لمين‬ ‫وعن خليفتهم عند البع��ض‪ ،‬وتعني المروق عن الدين عند آخري��ن‪ ،‬فتلقفها المؤرخون‪،‬‬ ‫وأعطوها طابع الحقيقة التي ال تقبل الجدال والمناقش��ة‪ ،‬وتتعاق��ب األحداث التاريخية‬ ‫لتؤصل هذا المفهوم أو ذاك في النف��وس‪ ،‬وتتناقلها األجيال المتتالية‪ ،‬وتتكون‬ ‫ِّ‬ ‫المتالحقة‬ ‫لديها نظرة خاصة نحو هذه الطائفة تتسم بالعداء وتصفها بالزيغ والضالل‪( »...‬شبهة نسبة‬ ‫اإلباضية إلى الخوارج‪ ،‬ص ‪.)250‬‬ ‫(‪ ((62‬المثالية والواقعية في تاريخ الفكر السياسي عند المسلمين‪ ،‬ص ‪.110‬‬ ‫‪255‬‬ ‫خيرات ةيضابإلا ئدابم‬ ‫‪ 10‬ـ لكتي‬ ‫يكافحون ظلم بني العب��اس كما كان صنيعهم أيام بني أمية‪ ،‬لهذا اس��تمرت‬ ‫األقالم المشؤومة تفرز مدادها اآلسن إلى وقت الناس هذا ظن ًا منها أنها ستنال‬ ‫من الفكر اإلباضي‪ ،‬وأنى لها ذلك؟‪.‬‬ ‫وصالح الدين األيوبي الذي َم َّن اهلل عليه بتوحيد ديار المسلمين‪ ،‬وتطهير‬ ‫المسجد األقصى من أدران أعداء اإلسالم‪ ،‬كان في بداية أمره خارجي ًا!!! في‬ ‫أنظار من حاربه ووقف ضد مش��روعه النبيل‪ .‬فق��د أورد ابن األثير في كامله‬ ‫ما نصه‪« :‬كان المصاف بين سيف الدين غازي بن مودود وبين صالح الدين‬ ‫يوس��ف بن أيوب بتل الس��لطان‪ ،‬على مرحلة من حلب‪ ،‬على طريق حماة‪،‬‬ ‫وانهزم س��يف الدين‪ ...‬فلما وصل صالح [الدي��ن] كان وصوله العصر‪ ،‬وقد‬ ‫تعب هو وأصحابه وعطشوا‪ ،‬فألقوا نفوس��هم إلى األرض ليس فيهم حركة‪،‬‬ ‫فأشار على س��يف الدين جماعة بقتالهم وهو على هذا الحال‪ ،‬فقال زلفندار‪:‬‬ ‫ما بنا هذه الحاجة إلى قتال هذا الخارجي في هذه الساعة‪ ،‬غد ًا ُبكرة نأخذهم‬ ‫كلهم؛ فترك القتال إلى الغد»(‪.((62‬‬ ‫فمالحق��ة المصلحين م��ن قبل م��ن ناوأهم أم��ر يتكرر عب��ر التاريخ‪،‬‬ ‫فال عجب في أن نرى ُكتَّاب هذا العصر يمش��ون مع تيار الكذابين والضعفاء‬ ‫عند حكمهم على اإلباضية‪ ،‬وليس بمستغرب أن يأتوا بما أتى به أولئك الذين‬ ‫وصفوا ابن عباس بالمحرض للخوارج على معاوي��ة‪ ،‬والذين وصفوا القائد‬ ‫اإلسالمي العظيم صالح الدين األيوبي بـ «الخارجي»‪.‬‬ ‫فقد مر بنا سابق ًا المعنى االصطالحي لكلمة (الخوارج) الذي روج له ابن‬ ‫األثير ف��ي موس��وعته التاريخي��ة(‪ ،((62‬واختصره الدكتور محمد بن موس��ى‬ ‫(‪ ((62‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪ 427‬ـ ‪.428‬‬ ‫(‪ ((62‬انظر ص ‪ 179‬ـ ‪ 180‬من هذا البحث‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪256‬‬ ‫الشريف بقوله‪« :‬كان الخوارج يقدمون على س��فك الدماء على وجه عجيب‬ ‫ال يراعون فيه حرمة س��ابقة ألحد‪ ،‬ونت��ج عن صنيعهم هذا مقتل عش��رات‬ ‫اآلالف من المسلمين على مدار تاريخهم منهم سادة كرام نجباء‪.((62(»...‬‬ ‫فإذا كان هذا هو المعنى المقصود لكلمة الخوارج‪ ،‬فإن الضمير المس��لم‬ ‫الحي عليه أن يك��ون وقاف ًا عند حدود اهلل؛ فال يرتمي ف��ي أحضان الكذابين‬ ‫والضعفاء‪ ،‬وال يرسل أحكامه الباطلة إلى أهل النهروان واإلباضية وابن عباس‬ ‫والقائد اإلس�لامي العظيم صالح الدين األيوبي‪ ،‬وغيرهم ممن برئ من هذه‬ ‫األعمال الممقوتة‪.‬‬ ‫وعلى كل صاحب ضمي��ر حي أن يع��رف ميول الكت��اب‪« ،‬فقد يكون‬ ‫المؤلف مشايع ًا لمذهب أو لحزب أو لفئة معينة ممن يكتب عنهم فيناصرهم‬ ‫من غير قصد‪ ،‬أو يذه��ب في ذلك إلى تعم��د الكذب ف��ي الرواية‪ ،‬أو إلى‬ ‫تحريف الحقائق وحذف بعضها ليقود القارئ إلى نتائج معينة ترفع من شأن‬ ‫الذين يشايعهم أو تدفع عنهم مسئولية أو عار‪ .‬وقد يندفع المؤلف إلى البعد‬ ‫عن العدالة بسبب الحرص على تملق أولياء األمور‪ ،‬أو على مداراتهم والنجاة‬ ‫من اضطهادهم»(‪.((63‬‬ ‫فكل الذين جاءوا بخيله��م ورجلهم على أهل النه��روان واإلباضية قد‬ ‫تعمدوا الكذب وشايعهم في ذلك من داسوا على مناهج البحث في اإلسالم‪،‬‬ ‫الكتَّاب لم يكن لهم حظ في دراسة مبادئ اإلباضية من خالل كتبهم‬ ‫وهؤالء ُ‬ ‫وعرض تلك المبادئ على جوهر اإلسالم الذي جاء به القرآن الكريم ونادى‬ ‫به الرسول ژ ‪.‬‬ ‫(‪ ((62‬من مآسي االفتراق‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫(‪ ((63‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪257‬‬ ‫خيرات ةيضابإلا ئدابم‬ ‫‪ 10‬ـ لكتي‬ ‫وأما الذين درس��وا تاريخ الرجال من خالل األعمال التي قاموا بها‪،‬‬ ‫والمب��ادئ والقيم الت��ي يدعو إليها اإلس�لام‪ ،‬ولم تس��تهوهم الروايات‬ ‫الضعيفة المبثوثة في كتب التاريخ فإنهم أنصفوا الحق بإنزالهم الرجال في‬ ‫منازلهم الالئقة بهم‪ .‬فها هو الدكتور فاروق عمر فوزي يكتب في حق أبي‬ ‫بالل مرداس ما نصه‪« :‬يعد أبو ب�لال مرداس بن عمرو بن حدير التميمي‬ ‫من أبرز أئمة (المحكمة األولى) إال أن اإلباضي��ة هي الفرقة األكثر تأثر ًا‬ ‫بس��يرته‪ ،‬فقد عرف بالزهد والتقوى وحسن الس��يرة‪ ...‬ولم يكن (يدعي‬ ‫هج��رة وال ينتحلها وال يخيف آمن ًا وال يس��تحل اس��تعراض ًا‪ ...‬وال يغنم‬ ‫أمواالً وال يسبي ذرية وال ينزل قومه منزلة أهل األوثان)‪ .‬وهذه السلوكية‬ ‫طبعت اإلباضية في معاركهم ومعاملتهم ألهل الخالف من المس��لمين‪...‬‬ ‫وقد تركت س��يرته هذه أثر ًا عميق ًا في س��لوك اإلباضية‪ ...‬ولعلنا نستطيع‬ ‫القول أنه في اللحظة التي رف��ض فيها عبد اهلل بن أب��اض اتباع نافع بن‬ ‫األزرق واختالفه م��ع عبد اهلل بن الصفار‪ ،‬بدأ فيه��ا تنظيم فرقة اإلباضية‬ ‫وتبلور مبادئها حيث لم يبق ش��يء يربط اإلباضي��ة بجماعات الخوارج‬ ‫األخرى سوى الموقف العام من مسألة اإلمامة»(‪.((63‬‬ ‫هذه األقوال التي قاله��ا الدكتور فاروق عمر ف��وزي تناقض ما قاله ابن‬ ‫األثير عن أبي بالل‪ ،‬ألن الدكتور فاروق عمر فوزي وزن سير الرجال بميزان‬ ‫الحق‪ ،‬ولم يتبع أقوال الكذابين والضعفاء كما فعل ابن األثير ومن سار على‬ ‫نهجه من الكتاب‪.‬‬ ‫أهل النهروان واإلباضية إلى الخوارج‬ ‫ابن األثير َ‬ ‫فالخلل الذي بسببه نسب ُ‬ ‫هو عدم تقيد ابن األثير ومن س��ار على نهجه بالقواعد التي يحتكم إليها في‬ ‫(‪ ((63‬المثالية والواقعية في تاريخ الفكر السياسي عند المسلمين‪ ،‬ص ‪.372‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪258‬‬ ‫تقييم الرجال‪ ،‬وإال فإن القيم والمبادئ التي سجلها ابن األثير وغيره لإلباضية‬ ‫كفيلة بإقناعه��م أن أهل النهروان واإلباضية بعي��دون كل البعد عن الخوارج‬ ‫وغيرهم من المفسدين في األرض‪ ،‬وفي ما يأتي من صفحات بيان أوسع لما‬ ‫قلناه هنا‪ ،‬واهلل الموفق إلى الصواب‪.‬‬ ‫✾ ✾✾‬ ‫‪259‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫مباينة اإلباضية ألفكار الخوارج‬ ‫‪11‬‬ ‫أما يكفي اب��ن األثير ذلك الموقف الذي وقف��ه اإلمام عبد اهلل بن إباض‬ ‫أمام نافع بن األزرق‪ ،‬وأعلن له كم��ا أعلن للعالم أجم��ع المبدأ الذي عليه‬ ‫اإلباضي��ة وال��ذي اس��تقاه م��ن مص��ادره الصافية؛ القرآن والس��نة وس��ير‬ ‫الصحابة @ ؟‬ ‫فقد أورد ابن األثير ما نصه‪« :‬ونظر نافع فرأى أن والية من تخ ّلف عن‬ ‫الجهاد من الذي��ن قعدوا من الخ��وارج ال تحل له‪ ،‬وأن م��ن تخلف عنه‬ ‫ال نجاة له‪ ،‬فقال ألصحابه ذلك ودعاهم إلى الب��راءة منهم وأنهم ال يحل‬ ‫لهم مناكحتهم وال أكل ذبائحهم‪ ،‬وال يجوز قبول شهادتهم وأخذ علم الدين‬ ‫عنهم‪ ،‬وال يحل ميراثه��م‪ ،‬ورأى قتل األطفال واالس��تعراض‪ ،‬وأن جميع‬ ‫المس��لمين كفار مثل كف��ار العرب ال ُيقب��ل منهم إال اإلس�لام أو القتل‪.‬‬ ‫‪ ...‬فكتب نافع إل��ى ابن أباض واب��ن الصفار يدعوهما وم��ن معهما إلى‬ ‫ذلك‪ ...‬فأخذه ابن أباض فقرأه‪ ،‬فق��ال‪ :‬قاتله اهلل أي رأي رأى! صدق نافع‪،‬‬ ‫لو كان القوم مش��ركين كان أص��وب الناس رأي ًا وكانت س��يرته كس��يرة‬ ‫النبي‪ ،‬ژ في المش��ركين‪ ،‬ولكنه قد كذب فيما يق��ول‪ ،‬إن القوم ُب َرآء من‬ ‫الش��رك ولكنهم كفار بالنعم واألحكام وال يحل لنا إال دماؤهم‪ ،‬وما سوى‬ ‫ذلك فهو حرام علينا»(‪.((63‬‬ ‫(‪ ((63‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 167‬ـ ‪.168‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪260‬‬ ‫فحينما نفك رم��وز هذا النص التاريخي‪ ،‬ونحلل ما أت��ى به ابن األزرق من‬ ‫أفكار‪ ،‬ونستش��عر رد عبد اهلل بن إباض لتلك األفكار الت��ي أراد ابن األزرق من‬ ‫الجميع تطبيقها‪ ،‬سنعرف يقين ًا براءة أهل النهروان من هذه األفكار الخبيثة ورفض‬ ‫اإلباضية لها ولقائلها ومطبقيها في واقع الحياة مدى القرون الماضية والالحقة‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ لم تكن عبارة ابن إباض هذه نظرية عابرة يواجه بها خصم ًا عنيداً‪ ،‬بل‬ ‫هي قاعدة من قواعد الدين التي سار عليها المسلمون منذ وقت الرسالة على‬ ‫صاحبها أفضل الص�لاة والتس��ليم‪ .‬ولإلباضي��ة‪ ،‬مع غيرهم م��ن إخوانهم‬ ‫المخلصين لهذا الدين‪ ،‬الحظ الوافر في تطبيق تعاليم الرس��ول ژ وأصحابه‬ ‫الكرام طوال مسيرتهم النيرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ وعبارة «ونظر نافع فرأى‪ »...‬الواردة في هذا النص تدل أن مبدأها هو‬ ‫يوم س��اورت نافع بن األزرق وساوس��ه الش��يطانية‪ ،‬ولم تكن هذه األفكار‬ ‫معروفة قبل هذا الوق��ت‪ ،‬لهذا بادرهم نافع بأقواله الت��ي اخترعها لهم لعلها‬ ‫تجد الرضى منهم‪ .‬والحمد هلل‪ ،‬فاإلباضية هم أول الناس في التاريخ من وقف‬ ‫أمام هذه الدع��وة الخارجية ألنهم رأوها مخالفة للقرآن الكريم وللس��نة على‬ ‫صاحبها أفضل الصالة والتس��ليم وهدي الصحابة الكرام رضوان اهلل عليهم‪.‬‬ ‫وتدل هذه العبارة أن نافع بن األزرق هو الذي انشق بنظريته ورأيه عن تعاليم‬ ‫اإلس�لام التي كان عليها أهل النهروان وثبت عليها ابن إباض وأتباعه‪ .‬فهذه‬ ‫النظرة التي رآها اب��ن األزرق رفضها اإلباضيون رفض ًا ش��ديد ًا وتبناها أقوام‬ ‫آخرون على مدى القرون الماضية كما تبين ذلك في صفحات هذا البحث‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ قولة ابن إباض واصف ًا اب��ن األزرق « ‪ ...‬قاتله اهلل أي رأي رأى‪،»...‬‬ ‫وقوله‪ ... « :‬ولكنه قد كذب فيما يق��ول‪ »...‬إعالن براءة(‪ ((63‬من ابن األزرق‬ ‫(‪ ((63‬ذكر الدكتور الشيخ ناصر السابعي أقوال علماء اإلباضية التي أعلنوا فيها البراءة من أفكار‬ ‫الخوارج‪ ،‬انظر (الخوارج والحقيقة الغائبة‪ ،‬ص ‪ 192‬ـ ‪.)194‬‬ ‫‪261‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫الكذاب وأفكاره‪ ،‬إذ كل ما أتى به من أقوال هي كذب ويس��تحق بس��ببها‬ ‫القتال من اهلل‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ وعبارة‪« :‬ورأى قتل األطفال واالستعراض‪ »...‬دليل بين واضح أن‬ ‫استحالل دماء المسلمين جاء من رأي ابن األزرق وأفكاره‪ ،‬وليس الذي‬ ‫رآه ابن األزرق يعد من موروثات العلم‪ .‬والعبارة التي هي منهج التعامل‬ ‫بين المتحاربين من المس��لمين قد أراد ابن األزرق تحريفها ولكن اإلمام‬ ‫ابن إباض كان له بالمرصاد فرد عليه بالحق الذي س��ار عليه المسلمون‬ ‫من قبل ابن األزرق وم��ن بعده‪« :‬إن القوم برآء من الش��رك(‪ ((63‬ولكنهم‬ ‫كفار بالنعم واألحكام وال يحل لنا إال دماؤهم وما سوي ذلك فهو حرام‬ ‫علينا»‪ .‬من ه��ذا النص الذي نقلناه يتضح لنا تكون جماعة على رأس��ها‬ ‫نافع ابن األزرق تنادي بمبادئ لم تكن متبناة من ق ِ َبل أهل النهروان ومن‬ ‫سار على نهجهم‪ ،‬ويتضح لنا كذلك بقاء عبد اهلل بن إباض على المبادئ‬ ‫التي كان عليها أهل النهروان والتي تخالف كل المخالفة لما اقترحه ابن‬ ‫األزرق من أفكار‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ ومما يالحظه القارئ لكتاب ابن األثي��ر أنه حينما يذكر األزارقة فإنه‬ ‫ينسبهم إلى الخوارج ويذكر المفاس��د التي نادوا بها وارتكبوها‪ .‬وأما حينما‬ ‫يذكر أعالم اإلباضية فإنه ينسبهم إلى الخوارج وينس��ب إليهم أعماالً سامية‬ ‫وأفعاالً يدعو إليها اإلسالم‪.‬‬ ‫(‪ ((63‬جاء في «أول منظومة في االعتقاد عند اإلباضية» (شرح قصيدة أبي المؤثر‪ ،‬ص ‪ 14‬ـ ‪:)15‬‬ ‫وال قت��ل س��ر إن ذل��ك يوبق»‬ ‫«وال شرك في أهل القرآن لحكمنا‬ ‫ش��ركوا أهل القبل��ة‪ ،‬وانتحلوا الهجرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وجاء في ش��رح هذا البيت‪« :‬وذلك أن الخوارج‬ ‫واعترضوا الناس على غير دعوة‪ ،‬وسبوا النساء‪ ،‬وحرقوا المنازل‪ ،‬وقتلوا األطفال» (شرح‬ ‫قصيدة أبي المؤثر‪ ،‬ص ‪.)38‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪262‬‬ ‫وبعد تلك المحاجة والجدال التاريخي الذي صار بين اإلمام عبد اهلل بن‬ ‫إباض ونافع بن األزرق اتجه اإلمام عبد اهلل بن إباض وأتباعه ومن سار على‬ ‫نهجه صوب العلم وتربية األجيال المس��لمة على أخالق اإلس�لام ومبادئ‬ ‫الدين‪ ،‬ورد األمور إلى نصابها من إقامة الحق‪ ،‬ومحاربة الطغاة والظلمة ممن‬ ‫أفسدوا في األرض‪.‬‬ ‫وبعد أن أعلن اب��ن األزرق مبادئه المخالفة للش��رع‪ ،‬وبعد أن نابذه أئمة‬ ‫اإلباضية وحكموا عليه بالكذب ودعوا عليه بالويل والقتل‪ ،‬اتجه هو وأتباعه‬ ‫إلى إراقة دماء المسلمين وسبي نسائهم‪ ،‬منافس�� ًا في ذلك الذين حاربوه من‬ ‫جنود بني أمية‪ ،‬فهم ـ أقصد جنود بني أمية ـ لم يأتوا في حروبهم للخوارج‬ ‫إال بما أتى به األزارقة من فساد وظلم ونهب وسبي للمسلمات‪.‬‬ ‫فها هو ابن األثير نفس��ه ينقل لنا‪ ... « :‬ث��م إن اهلل تعالى أنزل نصره على‬ ‫المهلب وأصحابه وهزم الخوارج وكثر القتلى فيهم‪ ،‬وكان فيمن قتل‪ :‬عبد ربه‬ ‫الكبير‪ ،‬وكان عدد القتلى أربعة آالف قتيل‪ ،‬ولم ين��ج منهم إال قليل‪ ،‬وأخذ‬ ‫وسبوا ألنهم كانوا يسبون نساء المسلمين»(‪.((63‬‬ ‫عسكرهم وما فيه ُ‬ ‫وهكذا قاب��ل جنود األمويين والخ��وارج بعضهم بعض�� ًا؛ القتل بالقتل‪،‬‬ ‫ونهب األموال بنهب األموال‪ ،‬وسبي النساء بسبي النساء‪ ،‬ولم يكن أحدهما‬ ‫وقاف ًا عند حدود اهلل‪ ،‬ولم يكن همهما الدفاع عن الدين ومبادئه‪.‬‬ ‫وأما اإلباضية فقد أعلنوه��ا‪ ،‬فعالً وقوالً‪ ،‬أن ما أق��دم عليه األزارقة من‬ ‫أعمال يحاربها اإلسالم ال تمتها أي صلة بأهل النهروان الكرام‪ ،‬والذي أقدم‬ ‫عليه األزارقة من فعل سيء إنما هو ردة أفعال لما جنته أيدي جنود بني أمية‬ ‫من شنائع األفعال في ديار اإلسالم‪.‬‬ ‫(‪ ((63‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.440‬‬ ‫‪263‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫واإلباضية حينما حاربوا الخوارج وغيرهم من المفسدين في األرض لم‬ ‫يتعدوا حدود اهلل؛ فلم ينهبوا ماالً لمس��لم‪ ،‬ولم يس��بوا امرأة وال ذرية‪ ،‬ألن‬ ‫همهم األوحد رضى اهلل تعالى بإقامة حدوده في أرضه‪.‬‬ ‫قال الدكتور الش��يخ ناصر الس��ابعي‪« :‬وأما ق��ول عبد اهلل بن إباض‪:‬‬ ‫(وال تحل لنا إال دماؤهم) فال يخفى أنه يعني أم��ر القتال‪ ،‬والمراد أنه إن‬ ‫حل قتال أحد من المسلمين بحكم ش��رعي كقتال البغاة الذي نصت على‬ ‫ش��رعيته آي��ة الحج��رات‪ ،‬فال يحل بعده ش��يء م��ن الغنيمة والس��بي‬ ‫ونحوهما‪.((63(»...‬‬ ‫وقال الش��يخ أبو إس��حاق اطفيش وهو يبين هذا المب��دأ الذي فرق بين‬ ‫اإلباضي��ة واألزارق��ة‪« :‬فاألباضية أهل الح��ق لم يجمعهم جام��ع بالصفرية‬ ‫واألزارق��ة ومن نحا نحوه��م إال إن��كار الحكومة بين عل��ي ومعاوية‪ ،‬وأما‬ ‫اس��تحالل الدماء واألموال من أهل التوحيد والحكم بكفرهم كفر شرك‪ :‬فقد‬ ‫انفرد به األزارقة والصفرية والنجدية‪ ،‬وبه استباحوا حمى المسلمين‪ ،‬ولما كان‬ ‫مخالفونا ال يتورعون وال يكلفون أنفسهم مؤنة البحث عن الحق ليقفوا عنده‬ ‫خلطوا بي��ن األباضية‪ ،‬أهل الحق الذين ال يس��تبيحون قط��رة من دم موحد‬ ‫بالتوحيد الذي معه‪ ،‬وبين من اس��تحلوا الدماء بالمعصية الكبيرة‪ ،‬حتى قتلوا‬ ‫األطفال تبع ًا آلبائهم‪.((63(»...‬‬ ‫لقد وقف أحد عظم��اء اإلباضية أمـام جبروت زياد ب��ن أبيه الـذي‬ ‫قـال‪« :‬وإني ألقسم باهلل آلخذن الولي بالولي‪ ،‬والمقيم بالظاعن‪ ،‬والمقبل‬ ‫بالمدب��ر‪ ،‬والصحي��ح منك��م بالس��قيم»(‪ ،((63‬وذكره بق��ول اهلل تعالى‪:‬‬ ‫(‪ ((63‬الخوارج والحقيقة الغائبة‪ ،‬ص ‪.190‬‬ ‫(‪ ((63‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،6‬هامش ‪.1‬‬ ‫(‪ ((63‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج‪.448 / 3‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪264‬‬ ‫﴿ئې ئى ئى ئى ی ی ی ی ئج ئح ئم ئى ئي بج بح بخ بم ﴾‬ ‫[النجم‪ ٣٧ :‬ـ ‪ ،]٣٩‬وقال له‪« :‬أنب��أ اهلل بغير ما قل��ت»‪« ،‬فأوعدنا اهلل خيرا مما‬ ‫أوعدتن��ا»‪ ،‬فما كان من زي��اد إال أن ق��ال‪« :‬إنا ال نجد إل��ى ما تريد أنت‬ ‫وأصحابك سبيال حتى تخوض إليها الدماء»‪ .‬فما كان من ابن األثير‪ ،‬وهو‬ ‫يذكر هذه القصة‪ ،‬إال أن يص��ف من تحدى طغيان زياد بقول��ه‪« :‬فقام إليه‬ ‫أبو بالل مرداس بن أدية وهو من الخوارج»‪.‬‬ ‫فأبو بالل مرداس بن أدية ال��ذي التزم بما نطق به الق��رآن‪ ،‬وكره أقوال‬ ‫الطغاة الذين ال يقيمون لتعاليم اإلسالم أي وزن‪ ،‬الحقه ابن األثير وغيره من‬ ‫الكتَّاب وألقوا به ظلم ًا وزور ًا في ساحة الخوارج ال لشيء إال ألنه وقف وقفة‬ ‫ُ‬ ‫حق أمام جبروت الطغاة‪.‬‬ ‫وفي نفس الصفحة التي ذكر فيها اب��ن األثير قصة أبي بالل مع زياد بن‬ ‫أبيه‪ ،‬نجد ابن األثير ينس��ب إلى ابن أبيه قتل أعرابي برئ جاء لطلب الرزق‬ ‫وغشيه الليل في البصرة‪ .‬ومما قاله ابن األثير في وصفه لزياد بن أبيه‪« :‬وكان‬ ‫زياد أول من شدد أمر الس��لطان‪ ،‬وأكد الملك لمعاوية‪ ،‬وجرد سيفه‪ ،‬وأخذ‬ ‫بالظنة‪ ،‬وعاقب على الش��بهة»(‪ .((63‬فهذا الذي جرد السيف ووضعه في غير‬ ‫محله ال تناله أوصاف الخوارج‪ ،‬ال لشيء إال ألنه جندي من جنود معاوية بن‬ ‫أبي سفيان!!‪.‬‬ ‫وفي مش��هد آخر يتبين فيه ل��كل منصف وبصي��ر من أول��ى الفريقين‬ ‫بالخوارج‪ ،‬فقد ذكر ابن األثير ما نصه‪« :‬فق��ال أبو بالل‪ :‬هذا يوم جمعة وهو‬ ‫يوم عظيم وهذا وق��ت العصر فدعون��ا حتى نصلي‪ .‬فأجابه��م ابن األخضر‬ ‫وتحاجزوا‪ ،‬فعجل ابن األخضر الصالة‪ ،‬وقيل قطعها‪ ،‬والخوارج يصلون‪ ،‬فشد‬ ‫(‪ ((63‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.450‬‬ ‫‪265‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫عليهم هو وأصحابه وهم ما بين قائم وراكع وس��اجد لم يتغير منهم أحد من‬ ‫حاله‪ ،‬فقتلوا من آخرهم وأُخذ رأس أبي بالل»(‪.((64‬‬ ‫أهذا الذي يدعو الناس للصالة يك��ون من الخوارج؟!!‪ .‬أفمن ُيقتل غدر ًا‬ ‫وهم بين قائم وراكع وساجد يكون من الخوارج؟!!‪ .‬وما هو عذر ابن األثير‬ ‫في وصفه ألبي بالل ومن كان معه بالخوارج؟‪.‬‬ ‫لقد انقلب��ت عند ابن األثير ومن س��ار على نهج��ه الموازين فأصبح‬ ‫الواقف عند حدود اهلل من الخوارج!!‪ .‬إن أولى الناس بالخوارج هم جنود‬ ‫بني أمية ـ الذين يقتلون األبرياء ويتسابقون في قطع الرؤوس ليتزلفوا بها‬ ‫عند سادتهم الذين علموهم الفساد واإلفساد ـ وليس أبو بالل الذي تربى‬ ‫على مبادئ اإلسالم التي كان عليها أهل النهروان والصحابة الكرام رضوان‬ ‫اهلل عليهم‪.‬‬ ‫ومما قاله ابن األثير واصف�� ًا أبا بالل م��رداس‪« :‬كان عابدا مجتهدا‬ ‫عظيم القدر في الخوارج وش��هد صفين مع علي فأنكر التحكيم وشهد‬ ‫النهروان م��ع الخوارج وكانت الخ��وارج كلها تت��واله‪ ...‬وكان ال يدين‬ ‫باالستعراض ويحرم خروج النساء ويقول ال نقاتل إال من قاتلنا وال نجبي‬ ‫إال من حمينا»‪.‬‬ ‫فأبو بالل مرداس بن حدير يجس��د ما كان عليه أهل النهروان من مبادئ‬ ‫وقيم؛ فهو «ال يدين باالستعراض» وال يقاتل إال من ابتدأه بالقتال‪ ،‬وال يأخذ‬ ‫من أموال الناس ش��يئ ًا إال بموجب شرعي س��مح به الدين الحنيف‪ .‬فما هو‬ ‫عذر ابن األثير إذ ًا في وصف أبي بالل بالخارجية؟‬ ‫(‪ ((64‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ 94‬ـ ‪.95‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪266‬‬ ‫لقد نقل لنا ابن األثير في موسوعته أحداث ًا لجنود بني أمية وبني العباس‬ ‫فيها االستعراض والقتل ونهب األموال ولم يصفهم ابن األثير بالخوارج‪ ،‬فلم‬ ‫هذا الظلم في القول؟ ولم هذا التطفيف في الموازين؟‬ ‫فنقول البن األثير ومن س��ار على نهجه(‪ :((64‬كفاكم ظلم ًا لإلسالم حينما‬ ‫رفعتم أقدار الجبارين من جنود بني أمي��ة‪ ،‬ووصفتم أبا بالل الذي «ال يدين‬ ‫باالستعراض» بالخوارج‪.‬‬ ‫ومشهد آخر من مش��اهد الظالمين ومناصريهم من الكتاب‪ ،‬يرسمه لنا‬ ‫ابن األثير بقوله‪« :‬اش��تد عبيد اهلل بن زياد على الخوارج فقتل منهم جماعة‬ ‫كثيرة‪ ،‬منهم‪ :‬عروة بن أ ُ َديَّة أخو أبي بالل مرداس بن أدية‪ ...‬وكان سبب قتله‬ ‫أن ابن زياد كان قد خرج في ره��ان له‪ ،‬فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع إليه‬ ‫الناس وفيهم عروة‪ ،‬فأقبل على ابن زياد يعظ��ه‪ ،‬وكان مما قال له ﴿ ې‬ ‫ېېېىىئائائەئەئوئوئۇئۇ‬ ‫ئۆ ﴾ [الشعراء‪ ١٢٨ :‬ـ ‪ ...]١٣٠‬فقيل لعروة‪ :‬ليقتلنك! فاختفى‪ ،‬فطلبه ابن زياد‬ ‫فهرب وأ َتى الكوفة‪ ،‬ف ُأخذ وقُدِم به على ابن زياد‪ ،‬فقطع يديه ورجليه وقتله‪،‬‬ ‫وقتل ابنته»(‪.((64‬‬ ‫(‪ ((64‬وممن سار على نهج ابن األثير الدكتور أحمد معيطة صاحب كتاب (اإلسالم الخوارجي)‬ ‫الذي وصف عروة بن أدية‪ ،‬أخا أبي بالل‪ ،‬بقوله‪« :‬أما أغلبية الخوارج فلم تقر هذا المبدأ‬ ‫(التقية) ال قوالً وال فعالً‪ ،‬وفي كتب التاريخ والسير ما يؤكد أن الخارجي ملتزم بعقيدته‪،‬‬ ‫مخل��ص لمبادئها في القول والس��لوك‪ ،‬فعندما ج��يء بـ (عروة بن أدية) ل��م يتورع هذا‬ ‫الخارج��ي عن إبداء رأيه الحقيقي‪ ،‬وعن س��ب معاوية وفضح نس��ب زي��اد المزيف‪»...‬‬ ‫(اإلس�لام الخوارجي‪ ،‬ص ‪()56‬عروة بن أدية أعلى وأرقى من أن تصدر منه مسبة ألحد‪،‬‬ ‫فهو ‪ ƒ‬ملتزم بأمر اهلل‪ ،‬ولكن عقدة الكُ تَّاب أن كل من أظهر رأي اإلس�لام‪ ،‬وصبر على‬ ‫الحق‪ ،‬وناقض ما عليه معاوية وبني أمية وبني العباس يسمى عندهم خارجيا)‪.‬‬ ‫(‪ ((64‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 517‬ـ ‪.518‬‬ ‫‪267‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫كان على ابن األثير ومن س��ار على نهجه أن يتذكروا قول الرس��ول ژ‬ ‫‌سلْطَ ان ٍ َجائ ِ ٍر)(‪.((64‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫(أَف َ‬ ‫ْض ُل ا ْلج َهاد‪َ ،‬كل َم ُة َع ْدل‌ع ْن َد ُ‬ ‫واإلنسان ليشتد عجب ًا من ابن األثير وغيره حينما يتهمون الذين ُي َذ ِّكرون‬ ‫الجبابرة بآيات اهلل تعالى بالخوارج‪ ،‬وال يلتفتون إل��ى ما يفعله الجبابرة من‬ ‫قتل وتقطيع أوصال‪.‬‬ ‫فأولئك الرجال الذين تمثلوا حديث الرس��ول ژ ‪ ،‬ولم تأخذهم في قول‬ ‫الكتَّاب‬ ‫الحق لومة الئم‪ ،‬ص��اروا في دواوين بني أمية ومن ش��ايعهم م��ن ُ‬ ‫خوارج؛ ال جزاء لهم إال القتل والتقطيع ألبدانهم وقتل أبنائهم!!‬ ‫فهل هناك إجرام فوق هذا اإلجرام الذي ارتكبه عبيد اهلل بن زياد؟‪ ،‬وهل‬ ‫هناك بخس للموازين فوق نعت األبرياء بالخوارج؟‬ ‫ومشهد آخر من مش��اهد االس��تقامة في الدين يترجمه سلوك أبي حمزة‬ ‫الش��اري الذي ثار على جحافل الفساد األموية‪ ،‬والمؤس��ف أن الذين ذكروا‬ ‫خطبه العصماء المس��توحاة من هدي الوحيين‪ ،‬والذين نقلوا لنا حسن سيرته‬ ‫هم أنفسهم من نسبه إلى الخوارج‪ ،‬في مفارقة ال يجد لها القارئ المنصف أي‬ ‫الكتَّاب بالحيدة عن منهج اإلسالم الداعي إلى قول الصدق‬ ‫مبرر سوى اتهام ُ‬ ‫في حق عباد اهلل تعالى‪.‬‬ ‫ابن عطية فالتق��ى أبا حمزة بوادي‬ ‫فقد نقل اب��ن األثير ما نصه‪« :‬فس��ار ُ‬ ‫القرى‪ ،‬فقال أبو حمزة ألصحابه‪ :‬ال تقاتلوهم حتى تختبروهم‪ .‬فصاحوا بهم‪:‬‬ ‫ما تقولون في القرآن والعمل به؟ فقال ابن عطية‪ :‬نضعه في جوف الجواليق‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬فما تقولون في مال اليتيم؟ قال اب��ن عطية‪ :‬نأكل ماله ونفجر بأمه‪ ،‬في‬ ‫أشياء سألوه عنها‪ .‬فلما سمعوا كالمه قاتلوه‪.((64(»...‬‬ ‫(‪ ((64‬سنن ابن ماجة‪ ،‬الرواية‪ ،4011 :‬ص ‪.647‬‬ ‫(‪ ((64‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.391‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪268‬‬ ‫ومما قال��ه اب��ن األثير ف��ي وص��ف معاملة أب��ي حمزة أله��ل مدينة‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬ژ ‪« :‬وأحسن السيرة مع أهل المدينة واستمال حتى سمعوه يقول‪:‬‬ ‫(‪((64‬‬ ‫شك في كفرهما فهو كافر‪.‬‬ ‫وم ْن ّ‬ ‫وم ْن سرق فهو كافر‪َ ،‬‬ ‫َم ْن زنى فهو كافر ‪َ ،‬‬ ‫وأقام أبو حمزة بالمدينة ثالثة أشهر»(‪.((64‬‬ ‫الناس‬ ‫ُ‬ ‫ومما نقله ابن األثير عن س��لوك أبي حمزة وأصحابه‪ ... « :‬فبينما‬ ‫بعرفة ما شعروا إال وقد طلعت عليهم أعالم وعمائم سود على رؤوس الرماح‬ ‫الناس حتى رأوهم وس��ألوهم عن حالهم‪ ،‬فأخبروهم‬ ‫ُ‬ ‫وهم س��بعمائة‪ ،‬ففزع‬ ‫عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك‪،‬‬ ‫بخالفهم مروان وآل مروان‪ .‬فراسلهم ُ‬ ‫وهو يومئذ على مكة والمدينة‪ ،‬وطلب منهم الهدنة‪ ،‬فقالوا‪ :‬نحن بحجنا أضن‬ ‫وعليه أش��ح‪ .‬فصالحهم على أنهم جميع ًا آمنون بعضهم من بعض حتى ينفر‬ ‫ِ‬ ‫الناس النفر األخير‪ ،‬فوقفوا بعرفة على ح َدةٍ‪.((64(»...‬‬ ‫األمير برس��الة‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬ ‫ومما نقله ابن األثي��ر أيض ًا‪ ... « :‬ولكن بعثنا إليك‬ ‫خبركها‪ .‬فلما ذكر ل��ه ربيعة نقض العهد قال أبو حم��زة‪ :‬معاذ اهلل أن‬ ‫ربيعة ُي ْ‬ ‫ننقض العهد أو نخيس ب��ه‪ ،‬ال واهلل ال أفعل ولو قُطع��ت رقبتي هذه‪ ،‬ولكن‬ ‫تنقضي الهدنة بيننا وبينكم‪ .‬فرجعوا إلى عبد الواحد فأبلغوه‪ .‬فلما كان النفر‬ ‫األول نفر عبد الواحد فيه وخلى مكة‪ ،‬فدخلها أبو حمزة بغير قتال‪.((64(»...‬‬ ‫فهذه األفعال السامية‪ ،‬واألخالق الرفيعة‪ ،‬والمبادئ اإلسالمية التي تحلى‬ ‫بها أبو حمزة الشاري ومن معه من الشراة‪ ،‬لم تمنع ابن األثير ومن حذا حذوه‬ ‫(‪ ((64‬ذكر الدكتور الش��يخ ناصر الس��ابعي أحاديث نبوية ذكرت فيها كلم��ة (الكفر) ويراد بها‬ ‫المعصية‪ ،‬انظر (الخوارج والحقيقة الغائبة‪ ،‬هامش ص ‪.)138‬‬ ‫(‪ ((64‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.390‬‬ ‫(‪ ((64‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.373‬‬ ‫(‪ ((64‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.374‬‬ ‫‪269‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫عن اتهامهم ظلم ًا وزور ًا بالخوارج‪ .‬فقد وصف ابن األثير أبا حمزة الش��اري‬ ‫بـ (الخارجي)(‪ ((64‬في مواضع عدي��دة ولم يأت بما يثبت هذه التهمة الباطلة‪،‬‬ ‫س��وى مخالفة(‪ ((65‬مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمي��ة الذي قام عليه بنو‬ ‫العباس فيما بعد وأذاقوه ومن معه من بني أمية أشد العذاب‪.‬‬ ‫الكتَّاب ـ دائم ًا وأب��د ًا وأينما حل وارتحل‪،‬‬‫وقلم ابن األثي��ر ـ كغيره من ُ‬ ‫ما إن ُيذكر أهل النه��روان واإلباضية إال ويقرنهم بالخ��وارج‪ ،‬ولم يراع في‬ ‫أحكامه الجائرة تلك ما حرمه اهلل تعالى على المس��لمين من تنابز باأللقاب‪،‬‬ ‫ورمي بالبهتان‪.‬‬ ‫ولم يرض اب��ن األثير بوصف اإلمام الجلندى بن مس��عود ومن معه من‬ ‫الشراة بما ارتضوه ألنفسهم من أوصاف‪ ،‬بل ألحقهم بالخوارج الذين هم من‬ ‫ألد أعداء اإلباضية عب��ر التاريخ‪ .‬ومما ذك��ره ابن األثير ح��ول قتال اإلمام‬ ‫الجلندى بن مسعود لشيبان الصفري قوله‪ ... « :‬فركب شيبان وأصحابه السفن‬ ‫الجلندى‬ ‫وس��اروا إلى ُعمان‪ ،‬وهم صفرية‪ .‬فلم��ا صاروا إلى ُعم��ان قاتلهم ُ‬ ‫وم ْن معه»(‪ .((65‬ولم‬ ‫وأصحابه‪ ،‬وهم إباضية‪ ،‬واشتد القتال بينهم‪ ،‬فقُتل شيبان َ‬ ‫يقتنع ابن األثير هنا بالحق الذي عليه اإلمام الجلندى بن مس��عود اإلباضي‬ ‫الذي حارب ش��يبان الصفري حينما أراد أن يدخل عم��ان عنوة‪ ،‬بل أراد ابن‬ ‫األثير أن ُي َه ِّون من ش��أن هذا اإلمام ومن ش��أن أهل عمان حينما نسبهم إلى‬ ‫(‪ ((64‬فمما قاله ابن األثير في حق أبي حمزة الش��اري‪« :‬ذكر وقعة أبي حمزة الخارجي بقديد»‪،‬‬ ‫و«ذكر أبي حمزة الخارجي»‪ ،‬و«قدم أبو حمزة بلج بن عقبة األزدي الخارجي»‪ ،‬و«فأرسل‬ ‫عبد الواحد إلى أبي حمزة الخارجي»‪ ،‬و«كان اسم أبي حمزة الخارجي المختار بن عوف‬ ‫األزدي الس��لمي البصري‪ ،‬وكان أول أمره أنه كان من الخوارج األباضية» (هذه العبارات‬ ‫تكررت في الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬بين صفحات ‪ 351‬ـ ‪.)391‬‬ ‫(‪ ((65‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.351‬‬ ‫(‪ ((65‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.452‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪270‬‬ ‫الخوارج عند ذكره للحملة العسكرية التي أعدها السفاح وأ َّمر عليها خازم بن‬ ‫خزيمة‪ ... « :‬وأشاروا [يقصد الذين كلموا السفاح في تأمير خازم على حملته‬ ‫بعمان من الخوارج وإلى الخوارج الذين‬ ‫العس��كرية] عليه بتوجيهه إلى َم ْن ُ‬ ‫بجزيرة ابن كاوان مع شيبان بن عبد العزيز اليشكري»(‪.((65‬‬ ‫ومما سجله ابن األثير على خازم بن خزيمة في نفس الصفحات التي ُذكر‬ ‫فيها اإلمام الجلندى بن مسعود‪ ... « :‬ثم انصرف [يقصد خازم بن خزيمة] فمر‬ ‫بذات المطامير‪ ،‬وبها أخوال الس��فاح من بني عبد المدان‪ ...‬فقال لهم‪ :‬أنتم‬ ‫ع��دوه ويأمن ف��ي قريتكم! فه�ّل�اّ اجتمعتم‬ ‫ّ‬ ‫أخ��وال أمير المؤمني��ن يأتيكم‬ ‫ربت أعناقهم جميع ًا وهدم‬ ‫فض ْ‬‫فأخذتموه! فأغلظوا له في الج��واب‪ ،‬فأمر بهم ُ‬ ‫دورهم ونهب أموالهم ثم انصرف»(‪.((65‬‬ ‫فاإلباضية عند ابن األثير خوارج!!! ولو حارب��وا الخوارج‪ ،‬وانتصروا‬ ‫لدين اهلل‪ ،‬وقاتلوا خازم بن خزيمة الذي ضرب أعناق األبرياء وهدم دورهم‬ ‫ونهب أموالهم‪.‬‬ ‫هنا؛ وفي هذه الصفحات التي خطتها أنامل ابن األثير نش��اهد واقع ًا حي ًا‬ ‫واصف ًا لثالثة مبادئ طبقها أصحابها في سيرهم في هذه الحياة‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ نرى مبدأ خازم بن خزيمة وس��ادته من بني العباس المتمثلة في قتل‬ ‫األبرياء وهدم ديارهم ونهب أموالهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ونرى ش��يبان الصفري تطارده جحافل بني العب��اس من دار إلى دار‬ ‫حت��ى انتهت أحالمه الفاس��دة في أرض عم��ان الطاهرة على أيدي الش��راة‬ ‫األشاوس‪.‬‬ ‫(‪ ((65‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.451‬‬ ‫(‪ ((65‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /5‬ص ‪.450‬‬ ‫‪271‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫‪ 3‬ـ ونرى اإلمام الجلندى بن مسعود اإلباضي ومن معه من الشراة يهبون‬ ‫هبة األسود للدفاع عن ُعمان الطاهرة من لوثة أفكار الصفرية‪ ،‬وفساد خازم بن‬ ‫خزيمة المتكرر في كل أرض سار إليها‪ .‬ونرى اإلمام الجلندى ذا بسالة رد بها‬ ‫كيد شيبان الصفري‪ ،‬ونرى تقواه وخوفه من اهلل تعالى يعصمانه ومن معه من‬ ‫األجناد من أن يتعدوا حدود اهلل تعالى‪ .‬وهم‪ ،‬وف��ي عزة النصر‪ ،‬لم تحدثهم‬ ‫نفوسهم الطاهرة بنهب ما خلفه ش��يبان ومن معه في أرض المعركة(‪ ،((65‬بل‬ ‫عزموا على رد ما تركه ش��يبان إلى أهله وذويه‪ ،‬ولم يفعلوا فعلة خازم الذي‬ ‫هدم الديار ونهب األموال كما نقل ذلك ابن األثير‪.‬‬ ‫فنقول البن األثير ومن سار على نهجه ممن اضطربت عندهم الموازين‪:‬‬ ‫إن أحق الن��اس بالخوارج ه��م خازم بن خزيمة وجنوده وس��يده الس��فاح‬ ‫العباسي‪ ،‬الذين نقلتم في كتبكم مفاسدهم في أرض اإلسالم؛ من قتل وهدم‬ ‫للديار ونهب لألموال‪.‬‬ ‫وكل منصف من أبناء هذه األمة الخي��رة‪ ،‬التي اختارها اهلل تعالى وفرض‬ ‫عليها ق��ول الصدق‪ ،‬ال بد أن يق��ف مع الحق‪ ،‬ويعدل ف��ي القول والحكم‪،‬‬ ‫وينصف المظلوم ولو بمدة قلم‪ .‬هذا الذي نرجوه من أبناء أمتنا ونحسب ذلك‬ ‫من حقنا الذي نطالب به‪.‬‬ ‫ومساندة ابن األثير للدولة البويهية‪ ،‬جعلته يقلب الموازين التي نادى بها‬ ‫في تاريخه‪ ،‬ويصف اعتداءات جنودهم على بالد المسلمين فتح ًا‪ ،‬ويصف من‬ ‫تغلب من المغتصبين للديار أصحاب ًا لها‪ ،‬وينعت أهل البلدان المدافعين عن‬ ‫حماها خوارج‪.‬‬ ‫(‪ ((65‬انظر ما كتبه اإلمام الس��المي حول ح��رب اإلمام الجلندى لش��يبان الخارجي وخازم بن‬ ‫خزيمة في (تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ 95‬ـ ‪.)101‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪272‬‬ ‫فقد قال ابن األثير‪« :‬وفيها [يقصد سنة ‪ 280‬للهجرة] افتتح محمد بن ثور‬ ‫ُعمان وبعث برؤوس جماعة من أهله��ا»(‪ ،((65‬وقال أيض ًا في موضع آخر من‬ ‫تاريخه‪« :‬في هذه الس��نة [يقصد س��نة ‪ 352‬للهجرة] س��ار الوزير أبو محمد‬ ‫المهلبي‪ ،‬وزير مع��ز الدولة في جمادى اآلخرة‪ ،‬في جي��ش كثيف إلى عمان‬ ‫ليفتحها‪ ،‬فلما بلغ البحر اعتل»(‪.((65‬‬ ‫وعند ذكره لحروب العبيديين للدولة الرس��تمية اإلباضية قال ابن األثير‪:‬‬ ‫«وخالف عليه أهل تا َهرت‪ ،‬فغزاها‪ ،‬ففتحها‪ ،‬وقتل أهل الخالف»(‪.((65‬‬ ‫ومما قاله ابن األثير عند ذكره لجيش آخر أرس��له البويهيون إلى عمان‪:‬‬ ‫األبلة‪ ،‬في ش��هر رمضان‪ ،‬فأقام به��ا يجهز الجيش‬ ‫«وانحدر من واس��ط إلى ُ‬ ‫والمراكب ليسيروا إلى ُعمان‪ ،‬ففرغ منه‪ ،‬وس��اروا منتصف شوال‪ ،‬واستعمل‬ ‫عليهم أبا الفرج محمد بن العباس بن فس��انجس‪ ،‬وكانوا في مائة قطعة‪ ،‬فلما‬ ‫كانوا بس��يراف انضم إليهم الجيش الذي جهزه عضد الدولة من فارس نجد ًة‬ ‫لعمه معز الدولة‪ ،‬فاجتمعوا وس��اروا إلى ُعمان‪ ،‬ودخلها تاس��ع ذي الحجة‪،‬‬ ‫وخطب لمعز الدولة فيها‪ ،‬وقتل من أهلها مقتل��ة عظيمة وأُحرقت مراكبهم‪،‬‬ ‫وهي تسعة وثمانون مركب ًا»(‪.((65‬‬ ‫فبأي حق هذه المقتلة العظيمة التي أوقعها جيش معز الدولة بالمسلمين؟‬ ‫ألم يجد اب��ن األثير إال كلم��ة (فت��ح) للتعبير عن هجم��ات البويهيين‬ ‫والعبيديين المتوحشة لعمان وتيهرت عاصمة الرستميين؟‬ ‫(‪ ((65‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /7‬ص ‪.464‬‬ ‫(‪ ((65‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.546‬‬ ‫(‪ ((65‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.53‬‬ ‫(‪ ((65‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.568‬‬ ‫‪273‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫فعمان عبر تاريخها لم يدخلها الغزاة إال حين فرق��ة من أهلها‪ ،‬وبعد أن‬ ‫تلتحم الصفوف يخرج منها الغزاة صاغرين‪.‬‬ ‫والذي حدث مع محمد بن بور لم يك��ن فتح ًا كما يدعي ابن األثير‪ ،‬بل‬ ‫أهل عمان حينما تناس��وا نعمة اهلل‬‫كان إفس��اد ًا في األرض‪ ،‬وقد أدب اهلل به َ‬ ‫عليهم وجعلوا بأسهم بينهم شديداً‪ ،‬فجاءهم ابن بور ومن معه من المفسدين‬ ‫ليذيقوهم بأس ًا أشد من بأس بعضهم لبعض‪ ،‬وهذه سنة اهلل تعالى في العباد‪.‬‬ ‫وأي فتح يدعيه ابن األثير وهو بنفسه اختتم خبره بقوله‪« :‬وبعث برؤوس‬ ‫جماعة من أهله��ا»؟‪ ،‬وهو الذي نقل أيض ًا عن جيش مع��ز الدولة «وقتل من‬ ‫أهلها مقتلة عظيمة وأحرقت مراكبهم وهي تسعة وثمانون مركبا»‪.‬‬ ‫أفمن جاء للقتل والنهب والعيث في ديار المسلمين يسمى فاتح ًا؟‬ ‫فهوى ابن األثير لدول��ة البويهيين قاده إلى هذا الق��ول‪ ،‬وقاده لالفتخار‬ ‫بفعلة ابن بور في أهل عمان‪ ،‬فلله األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫واس��تمر ابن األثير في اتهامه ألهل عمان بالخوارج ال لشيء إال ألنهم‬ ‫وقفوا أمام البويهيين الذين جاسوا في ُعمان وأهلكوا الحرث والنسل‪ ،‬فقد قال‬ ‫في تاريخه‪« :‬ذكر استيالء الخوارج على ُعمان في هذه السنة [يقصد سنة ‪442‬‬ ‫للهجرة] اس��تولى الخوارج المقيمون بجبال ُعمان عل��ى مدينة تلك الوالية‪.‬‬ ‫وس��بب ذلك أن صاحبها األمير أبا المظفر بن الملك أبي كاليجار كان مقيم ًا‬ ‫بها‪ ،‬معه خادم له قد اس��تولى على األمور‪ ،‬وحكم على البالد‪ ،‬وأساء السيرة‬ ‫في أهلها‪ ،‬فأخذ أموالهم‪ ،‬فنفروا منه وأبغضوه‪.‬‬ ‫وعرف إنسان من الخوارج يقال له ابن راشد الحال‪ ،‬فجمع َمن عنده منهم‬ ‫فقصد المدينة‪ ،‬فخ��رج إليه األمير أبو المظفر في عس��اكره‪ ،‬فالتقوا واقتتلوا‪،‬‬ ‫فانهزمت الخوارج وعادوا إلى موضعهم‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪274‬‬ ‫وأقام ابن راشد مدة يجمع ويحتشد‪ ،‬ثم سار ثاني ًا‪ ،‬وقاتله الديلم‪ ،‬فأعانه‬ ‫أهل البلد لسوء سيرة الديلم فيهم‪ ،‬فانهزم الديلم‪ ،‬وملك ابن راشد البلد وقتل‬ ‫وس��يره إلى جباله‬ ‫ّ‬ ‫الخادم وكثير ًا من الديلم‪ ،‬وقبض على األمير أبي المظفر‬ ‫خط بقلم من الديلم‪ ،‬وأصحاب األعمال‪،‬‬ ‫مستظهر ًا عليه‪ ،‬وسجن معه كل من ّ‬ ‫وأخرب دار اإلم��ارة‪ ،‬وقال‪ :‬هذه أحق دار بالخراب! وأظهر العدل‪ ،‬وأس��قط‬ ‫��رد إليهم‪ ،‬وخطب لنفس��ه‪ ،‬وتلقب‬ ‫المكوس‪ ،‬واقتصر على رفع ُعش��ر ما َي ِ‬ ‫بالراشد باهلل‪ ،‬ولبس الصوف‪ ،‬وبنى موضع ًا على شكل مسجد‪ ،‬وقد كان هذا‬ ‫فس��ير إليه أبو القاسم من منعه‬ ‫ّ‬ ‫الرجل تحرك أيض ًا ّأيام أبي القاسم بن ُمكرم‬ ‫وحصره وأزال طمعه»(‪.((65‬‬ ‫فأي قلب للحقائق كهذا الذي أقدم عليه ابن األثير هنا؟‬ ‫فأهل ُعمان الذين توارثوا عرشها‪ ،‬وسكنوا س��هولها وجبالها‪ ،‬وأسسوا‬ ‫دوالً على أرضها حكمت بالحق والعدل‪ ،‬وأنش��ؤوا أس��اطيالً مخرت بهم‬ ‫عباب البحار صوب الش��رق والغرب‪ ،‬أصبحوا ـ عند اب��ن األثير ـ خوارج‬ ‫ال تقلهم إال قمم الجب��ال وكهوفها حينما دافعوا ع��ن أعراضهم وأوطانهم‬ ‫وحاربوا الغزاة الفاسدين من البويهيين الذين وجدوا فرصتهم ـ حين فرقة ـ‬ ‫للنيل من عمان وأهلها‪.‬‬ ‫وأصبح في نظر ابن األثير الغزاة الغرباء أصحاب ًا لعمان‪ ،‬وكل من حاول‬ ‫طردهم وتطهير األرض منهم خوارج!!‬ ‫فبأي منطق ينطق ابن األثير؟‪ ،‬وبأي معيار يكتب تاريخه؟‬ ‫وعلق الشيخ أبو إسحاق اطفيش على خبر ابن األثير هنا بقوله‪« :‬لم يكن‬ ‫األئمة بعمان يلقبون به��ذه األلقاب [يقصد لقب الراش��د باهلل] في وقت من‬ ‫(‪ ((65‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /9‬ص ‪ 565‬ـ ‪.566‬‬ ‫‪275‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫األوقات وإنما هذا من أغاليط الذين يتلقفون األمور حس��ب شهواتهم ولهذا‬ ‫قلنا ال يجوز األخذ عنهم لما يناقض ما كتبه أصحابنا والحق أبلج»(‪.((66‬‬ ‫وأوضح اإلمام نور الدين السالمي مبادئ اإلباضية التي ساروا عليها عبر‬ ‫القرون الماضية‪ ،‬حيث قال‪... « :‬‬ ‫ـ ونؤدي األمانة إلى من أستأمننا عليها من قومنا أو غيرهم‪،‬‬ ‫ـ ونوفي بعهود قومنا وأهل الذمة وغيرهم‪،‬‬ ‫ـ ونجير من استجارنا من قومنا وغيرهم‪،‬‬ ‫ـ ويأمن عندنا منهم الكاف عن القتال المعتزل بنفس��ه من غير أن نشك‬ ‫في ضاللته‪،‬‬ ‫ـ وندعو إلى كت��اب اهلل ومعرفة الح��ق ومواالة أهل��ه ومفارقة الباطل‬ ‫ومعاداة أهله‪،‬‬ ‫ـ فمن عرف منهم الحق وأقر به وتوالنا عليه توليناه وحرمنا دمه‪،‬‬ ‫ـ ومن أنكر حق اهلل منهم واس��تحب العمى على الهدى وفارق المسلمين‬ ‫وعاندهم فارقناه وقاتلناه حتى يفئ إلى أمر اهلل أو يهلك على ضاللته‪ ،‬من غير‬ ‫أن ننزلهم منازل عبدة األوثان فال نستحل سباهم وال قتل ذراريهم وال غنيمة‬ ‫أموالهم وال قطع الميراث منهم‪.‬‬ ‫ـ وال نرى الفتك بقومنا وال قتلهم في السر وإن كانوا ضالال‪ ،‬ألن اهلل لم‬ ‫يأمر به في كتابه‪ ،‬ولم يفعله أحد من المس��لمين مم��ن كان بمكة بأحد من‬ ‫المش��ركين‪ ،‬فكيف نفعله نحن بأهل القبلة؟ وقد أمر اهلل نبيه أن ينبذ إلى من‬ ‫(‪ ((66‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ ،293‬هامش ‪.1‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪276‬‬ ‫خاف منه خيانة فقال‪ ﴿ :‬ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀہ ہ ہ ہ‬ ‫ھ ھ ﴾ [األنفال‪.]٥٨ :‬‬ ‫ـ ونرى أن مناكحة قومن��ا وموارثتهم ال تحرم علينا ما داموا يس��تقبلون‬ ‫قبلتنا‪ ،‬ألن المس��لمين قد كانوا يناكحون المنافقي��ن ويوارثونهم ويظهر من‬ ‫المنافقين من المعاصي أكثر مما يظهر اليوم من كثير قومنا‪،‬‬ ‫ـ وال نرى أن نقذف أحد ًا ممن يستقبل قلبتنا بما لم نعلم أنه فعله خالف ًا‬ ‫للخوارج الذين يستحلون قذف من يعلمون أنه برئ من الزنا من قومهم وهم‬ ‫بذلك مضلون‪...‬‬ ‫ـ وال نرى الوالية إال لمن علمنا منه الوف��اء بما وجب عليه من دين اهلل‪،‬‬ ‫ونبرأ من المصرين عل��ى المعاصي من أهل دعوتنا وغيره��م حتى يراجعوا‬ ‫التوبة ويتركوا اإلصرار»(‪.((66‬‬ ‫ونقل اإلمام نور الدين السالمي من وصايا أئمة اإلباضية لجنودهم حين‬ ‫أرسلوهم لكس��ر ش��وكة النصارى الذين اعتدوا على حرمات اهلل في جزيرة‬ ‫سقطرى‪ ،‬حيث نقل ‪: 5‬‬ ‫ـ «فتوبوا إلى اهلل من س��يئ ما مضى‪ ،‬وأصلحوا فيما بقي بما عنكم‬ ‫به يرضى‪،‬‬ ‫ـ وصونوا دينكم‪،‬‬ ‫ـ وال تبيعوا دينكم بدنياكم وال بدنيا غيركم‪،‬‬ ‫ـ وقفوا عن الشبهات واحرموا عن محارم الشهوات‪،‬‬ ‫(‪ ((66‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ 81‬ـ ‪ ،82‬وأنظر كذلك ص ‪ 83‬و‪ 84‬و‪.85‬‬ ‫‪277‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫ـ وغضوا أبصاركم عن مواقعة الخيانة‪،‬‬ ‫ـ واحفظوا فروجكم عن الحرام‪،‬‬ ‫ـ وكفوا أيديكم وألس��نتكم عن دم��ا الناس وأمواله��م وأعراضهم بغير‬ ‫الحق‪،‬‬ ‫ـ واجتنبوا قول الزور‪ ،‬وأكل الحرام‪ ،‬ومش��ارب الحرام‪ ،‬وجماعة السوء‪،‬‬ ‫ومداهنة العدو‪،‬‬ ‫ـ وأدوا األمانات إلى أهلها»(‪.((66‬‬ ‫ـ «وأما من تم��رد وأراد أن يبع��ث بجزيته ويقيم في منزل��ه على حدثه‬ ‫فال تقبلوا ذلك منهم‪،‬‬ ‫ـ ومن صار منهم إلى أمانكم وعهدكم فليكونوا في أسركم آمنين‪،‬‬ ‫ـ وأحسنوا إليهم في طعامهم وشرابهم‪،‬‬ ‫إلي وإلى المسلمين إن شاء‬ ‫ـ وامنعوهم ممن أراد ظلمهم حتى توصلوهم ّ‬ ‫اهلل‪.((66(»...‬‬ ‫ـ «وإذا التحمت الحرب بينكم وبينهم فال تقتلوا صبي ًا صغير ًا‪،‬‬ ‫ـ وال شيخ ًا كبير ًا وال امرأة‪ ،‬إال شيخ ًا أو امرأة أعانوا على القتال‪،‬‬ ‫ـ ومن قتلتموه عن��د المحاربة فال تمثلوا به فإن رس��ول اهلل ژ نهى عن‬ ‫المثلة‪.((66(»...‬‬ ‫(‪ ((66‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.170‬‬ ‫(‪ ((66‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.175‬‬ ‫(‪ ((66‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ 179‬ـ ‪.180‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪278‬‬ ‫تلكم هي بعض م��ن وصايا أئم��ة اإلباضية لجنودهم الذين أرس��لوهم‬ ‫لمقارعة النصارى‪ ،‬فهي كما ترى رحمة اإلس�لام مع أعدائه الذين ال يرقبون‬ ‫في المسلمين إالً وال ذمة‪ ،‬وهذه المبادئ ليست حكر ًا على اإلباضية‪ ،‬بل هي‬ ‫فخر كل أتباع المذاهب اإلسالمية‪.‬‬ ‫وأما حينما يقارع جنود الحق واالستقامة فلول العصاة والمعتدين من‬ ‫المسلمين فإن هدي أئمة اإلباضية هو هدي اإلسالم الذي جاء به القرآن‬ ‫الكريم وأمر به الرس��ول ژ ‪ ،‬وطبق��ه الخلفاء الراش��دون ومن اهتدى‬ ‫بهديهم‪.‬‬ ‫فها هو اإلمام ناصر بن مرشد يوصي والته بما أوصى به اإلسالم أتباعه‪:‬‬ ‫ـ «أن تأمر في هذه القرى والبلدان‪ :‬باديه��م وحاضرهم وعبدهم وحرهم‬ ‫وصغيرهم وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم بالعدل والمعروف وتنهاهم عن المنكر‬ ‫المخوف‪.‬‬ ‫ـ وأن تعمل فيهم بكتاب اهلل المس��تبين وتحيي فيهم س��نة النبي األمين‬ ‫وآثار األئمة المهتدين وس��يرة القادة المخلصين الذين جعلهم اهلل منار الهدى‬ ‫وقادة الناس إلى التقوى‪.((66(»...‬‬ ‫ـ « ‪ ...‬على أن تظهر دين اهلل ‪ 8‬في هذه البلدان والقرى وتحيي سنة نبيه‬ ‫محمد ژ حتى تأخذ من الظالم للمظلوم حقه وتوف��ي من مال اهلل لكل فقير‬ ‫نصيبه ورزقه‪.‬‬ ‫ـ وتأمر من بهذه القرى والبلدان حضرهم وبدوهم بالمعروف واإلحسان‪.‬‬ ‫ـ وتنهاهم عن الفجور والبهتان‪.‬‬ ‫(‪ ((66‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.27‬‬ ‫‪279‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫ـ وتعلمهم أن من ظلم أحد ًا مثقال ذرة أو أقل منها أو أكثر فاقتد في عقابه‬ ‫بآثار األئمة الفضالء‪.((66(»...‬‬ ‫وخاطب إمام من أئمة اإلباضية أحد البغاة ووض��ح له مبادئ اإلباضية‪،‬‬ ‫حيث قال له‪:‬‬ ‫ـ «وحاربناك محاربة المسلمين ألهل البغي‪ ...‬وال نستحل منك ماالً‪،‬‬ ‫ـ وال نسبي لك عياالً‪،‬‬ ‫ـ وال ننسف لك دار ًا‪،‬‬ ‫ـ وال نعقر لك نخالً‪،‬‬ ‫ـ وال نعضد لك شجر ًا‪،‬‬ ‫ـ وال نستحل منك حرام ًا‪،‬‬ ‫ـ وال نجهز على جريح‪،‬‬ ‫ـ وال نقتل موالي ًا تائب ًا‪،‬‬ ‫ـ وال نقتل مستأمن ًا إلينا‪،‬‬ ‫ـ وال نغنم ماله‪،‬‬ ‫ـ وال ندع أحد ًا يتع��دى عليه بنفس وال مال‪ ،‬فإن فع��ل ذلك أحد بأحد‬ ‫أخذنا له الحق إذا صح معنا‪ ،‬ومن كان في يده مال فهو أولى بما في يده‪ ،‬ألنا‬ ‫ال نزيل ماالً إال بحجة»(‪.((66‬‬ ‫(‪ ((66‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪ 29‬ـ ‪ ،30‬وهناك رسائل كثير من اإلمام ناصر بن مرشد اليعربي إلى‬ ‫والته‪ ،‬وكلها دعوة إلى اتباع القرآن والس��نة‪ ،‬وحينما يقرأها المرء يلمس فيها روح جيل‬ ‫الصحابة الذين كانوا يتواصون بالحق في تعاملهم مع شعوب العالم‪ ،‬انظر (تحفة األعيان‪،‬‬ ‫ج ‪ /2‬ص ‪ 32‬ـ ‪.)35‬‬ ‫(‪ ((66‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.290‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪280‬‬ ‫ومما جاء من نصائح أئمة اإلباضية لجنودهم‪:‬‬ ‫ـ « ‪ ...‬فإن كان أحد من أهل هذه السرية قد ركب جور ًا وفعل فعالً منكور ًا‬ ‫فأنا برئ منه ومن فعله معاقب له بعد الصحة على جهله منصف بما يجب في‬ ‫الحق عليه غير راض بجهله وتعديه‪،‬‬ ‫ـ وما بعثت هذه السرية حتى نهيتهم عن ظلم العباد‪،‬‬ ‫ـ وأمرتهم بطاعة رجل من أهل الصالح والرشاد‪،‬‬ ‫ـ فإن كانوا تجاوزوا في ذلك إلى ماال يجوز له��م فعليهم وزر ما فعلوه‬ ‫وضمان ما أتلفوه على الناس وأحدثوه‪...‬‬ ‫إلي حتى‬ ‫ـ فإن يكن أحد يدعي على أحد من أصحاب السرية حق ًا فيصل ّ‬ ‫أوصله إلى ما يجب في الحق له‪.((66(»...‬‬ ‫ـ « ‪ ...‬وأن تسووا في الحق بين القريب والبعيد والحبيب والبغيض‪،‬‬ ‫ـ وال تصفحوا عن أحد وتأمنوه ثم تأخذوه وتعاقبوه بعد الصفح واألمان‪،‬‬ ‫ـ وال تخرجوا إلى النواحي والبلدان بعسكر ال تضبطونه وال تشدونه عن‬ ‫الظلم والفساد‪.((66(»...‬‬ ‫وقد أورد اإلمام الس��المي ‪ 5‬عن اإلمام الجلندى بن مسعود ‪ ƒ‬أنه‬ ‫«أظهر الحق وعمل به‪ ،‬وأخذ الدولة من يد أه��ل الجور‪ ،‬وبرئ من الجبابرة‬ ‫وأش��ياعهم‪ ،‬ودان بقتال أهل البغي‪ ،‬ولم يس��تحل مع ذلك غنيمة‪ ،‬وال سبي‬ ‫ذرية‪ ،‬وال استعراض ًا بالقتل من غير دعوة»(‪.((67‬‬ ‫(‪ ((66‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.312‬‬ ‫(‪ ((66‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.324‬‬ ‫(‪ ((67‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.89‬‬ ‫‪281‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫وهذه السيرة العطرة لهذا اإلمام كانت في وقت تتسابق فيه جنود األمويين‬ ‫والعباسيين إلى القتل والنهب واالعتداء على حرمات الدين‪.‬‬ ‫ومشهد أخر من مش��اهد الحق واالس��تقامة قد نحت اإلباضيون وقائعه‬ ‫وآثاره على جبين الدهر‪ ،‬فهم حينما نصبوا اإلمام الوارث بن كعب‪ ،‬عام ‪179‬‬ ‫للهجرة‪ ،‬بايعوه «على ما بويع عليه أئمة العدل‪ ،‬وعلى األمر بالمعروف والنهي‬ ‫عن المنكر‪ ،‬والشرى في سبيل اهلل‪ ،‬وإظهار الحق وإخماد الباطل‪ ،‬والجهاد في‬ ‫سبيل اهلل‪ ،‬وقتال الفئة الباغية‪ ،‬وكل فرقة امتنعت من الحق حتى تفئ إلى أمر‬ ‫اهلل ال يس��تحلون منه��م غنيمة مال وال س��بي عي��ال‪ ،‬وانتح��ال هجرة بعد‬ ‫النبي ژ ‪ ،‬وال يسموا بالشرك أهل القبلة ما بينوا الشهادتين»(‪.((67‬‬ ‫وفي فت��رة الن��زاع والح��روب بي��ن اإلمام س��عيد بن عب��د اهلل وبغاة‬ ‫البويهيين(‪ ،((67‬الذين هجموا على عمان وأرادوا نزعها من أهلها‪ ،‬لم يستحل‬ ‫اإلمام س��عيد بن عبد اهلل من أموال البويهيين أي شيء ألنهم مسلمون‪ ،‬رغم‬ ‫كل ما ارتكبوه من مفاسد في ديار اإلس�لام‪ ،‬ورد إليهم ما فقدوه من أموال‬ ‫بعد أن أخذه��ا أحد ضعفاء النف��وس ممن كان في جيش اإلمام س��عيد بن‬ ‫عبد اهلل ? ‪ .‬فقد أورد اإلمام الس��المي في (تحف��ة األعيان) ما نصه‪« :‬ومن‬ ‫جملة سالطين عمان‪ ،‬يوسف بن وجيه‪ ،‬وكان قد ملك ناحية من عمان‪ ،‬وكان‬ ‫معاصر ًا لإلمام س��عيد بن عبد اهلل ‪ ، ƒ‬وكان لإلمام معه حروب‪ ...‬ولإلمام‬ ‫كتاب إلى يوس��ف بن وجيه‪ ،‬يذكر له فيه حسن س��يرة المسلمين في حربه‪،‬‬ ‫وأنهم تبعوا في ذلك س��يرة أس�لافهم‪ ،‬ومن ذلك الكتاب قوله‪( :‬من اإلمام‬ ‫س��عيد بن عبد اهلل ومن قبله من المسلمين‪ ،‬إلى يوس��ف بن وجيه‪ ،‬وإن في‬ ‫(‪ ((67‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.115‬‬ ‫(‪ ((67‬قال األس��تاذ الدكتور عماد الدين خليل‪ ... « :‬لقد تعبت األمة من س��يادة البويهيين أشد‬ ‫التعب‪( »...‬في التاريخ اإلسالمي فصول في المنهج والتحليل‪ ،‬ص ‪.)158‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪282‬‬ ‫شأننا وش��أنك لعجب‪ ،‬لحلقة حديد في رز باب‪ ،‬اتهم بها رجل من الرعية‬ ‫عندنا أنه قلعها من معس��كر أصحابك بنزوى‪ ،‬فحبس��نا الذي اتهم بها ألنا‬ ‫نس��تحل حبس أهل التهم على قدر اس��تحقاقهم في حكم المسلمين‪ ،‬وقلنا‬ ‫للناس جهر ًا على رؤوس المأل أن أموال أهل القبلة علينا حرام‪ ،‬كحرمة أموالنا‬ ‫على بعضنا البعض‪ ،‬وحجرنا عل��ى الناس التعرض ألش��يائكم ما دق منها‬ ‫وجل‪ ،‬حتى قال‪ :‬من ال علم ل��ه بأصول دين المس��لمين‪ ،‬أنكم اآلن حفظة‬ ‫للجند على أموالهم‪ ،‬ومن ذلك أن الحب��وب التي جمعت من األمصار التي‬ ‫استولينا عليها وجرى عليها حكمنا‪ ،‬لما علم الناس منا أنا ال نستحل شيئ ًا‪،‬‬ ‫وال نقار أح��د ًا على معصي��ة اهلل كائن ًا م��ا كان من الناس منعه��م ذلك من‬ ‫التعرض ألش��يائكم كلها التي كانت ف��ي جوارنا من بلدانن��ا‪ ،‬ولوال خوف‬ ‫العقوبة منا النتهب ذلك بأيسر مؤنة‪ ،‬ولم يكن ذلك تقرب ًا إليك‪ ،‬وال ابتغاء‬ ‫وسيلة إليك‪ .‬ولكنا اتبعنا في ذلك كتاب اهلل‪ ،‬وآثار أسالفنا رحمهم اهلل)»(‪.((67‬‬ ‫ويس��جل اإلباضيون مآثر مبادئهم عل��ى صفحات التاريخ ف��ي كل عصر‪،‬‬ ‫ويشاهدها المبصرون من أبناء اإلسالم الذين ينصفون الحق والعاملين به‪ ،‬فها هو‬ ‫عبد الرزاق طوطاوي يقول بكل أمانة ما نصه‪« :‬تعرضت الجزائر منذ اس��تقاللها‬ ‫إلى هزات خطيرة وزالزل سياس��ية وفتن مس��لحة من داخل السلطة وخارجها‪،‬‬ ‫ش��ارك فيها القاصي والداني‪ ،‬لكن لم تجد في أي هذه الفتن إباضي ًا واحد ًا؛ ألن‬ ‫اإلباضي ال يؤمن بالعنف في التغيير‪ ،‬وهو يهرب من الفتن كما يهرب من الكفر‪،‬‬ ‫وأغلب شباب اإلباضية ملتزمون خلق ًا ودين ًا‪ ،‬وال يستطيع أن ينكر هذا إال جاحد‪،‬‬ ‫كما أن لإلباضية مرجعية فكرية ودينية فال يس��تطيع أح��د أن يقول برأيه في أي‬ ‫مس��ألة‪ ،‬فهم ملتزمون بالش��ورى‪ ،‬ومن يخرج عن القاعدة يتبرؤون منه ويصبح‬ ‫منبوذاً‪ ،‬إنه��م أهل طهارة ونقاء ال تجدهم في أوكار البغي والفس��اد‪ ،‬وال يردون‬ ‫(‪ ((67‬تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪ 289‬ـ ‪ ،290‬وانظر كذلك (تحفة األعيان‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.)276‬‬ ‫‪283‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫باالس��تفزاز بمثله فإذا اس��تفزهم أحد يردون بابتس��امة أو يصمت��ون‪ ،‬كما أن‬ ‫اإلباضي يكون إما في طلب العلم أو رزق شريف‪ ،‬فأين ما يصفهم به المرجفون‪،‬‬ ‫ولقد منينا بقوم ال يتدبرون فإنا هلل وإنا إليه راجعون»(‪.((67‬‬ ‫تلكم هي س��جايا اإلباضية عبر التاري��خ‪ ،‬فهنيئ ًا لهم هذا الس��مو الذي‬ ‫تبوؤوه بأخالقهم التي ورثوها من هدي النبوة‪.‬‬ ‫والس��ؤال البليغ الذي يبحث له عن ج��واب عند ُكتَّ��اب التاريخ الذين‬ ‫تحاملوا على اإلباضية هو‪« :‬فأين هذه األخالق فيما يشن من الحروب لشفاء‬ ‫الغيظ وإرض��اء العواطف‪ ،‬لي��س من ورائها ه��دف إال االنتقام واس��تئصال‬ ‫المحاربي��ن‪ ،‬من غير تمييز بين مس��الم وغير مس��الم‪ ،‬تل��ك الحروب التي‬ ‫ال يتقيد فيها المحاربون بعهد وال ميث��اق‪ ،‬وال يراعون فيها فضيلة وال خلق ًا‪،‬‬ ‫وال يجري على نفوسهم عطف وال رحمة بأحد‪ ،‬وإنما يأتون على كل شيء‪،‬‬ ‫ويبيدون كل ما امتدت إليه أيديهم‪ ،‬ال يرقون لب��كاء طفل‪ ،‬وال يلتفتون إلى‬ ‫استرحام امرأة‪ ،‬وال يبالون بصراخ الضعفاء البرآء‪ ،‬ألن األمجاد في مقاييسهم‬ ‫مقدرة بقدر ما يس��فكونه من دماء‪ ،‬وما يزهقونه من أرواح‪ ،‬وما يبيدونه من‬ ‫أمم‪ ،‬وما يخربونه من ديار‪ ،‬وما يشيعونه من خوف وبذلك يفاخرون؟»(‪.((67‬‬ ‫أخي القارئ‪ ،‬لعل��ك أدركت اآلن الف��رق بين اإلباضية الذين تس��اموا‬ ‫بأخالق اإلس�لام فكانوا رحمة اهلل في أرض��ه‪ ،‬وبين من فق��د ما يدعو إليه‬ ‫اإلس�لام من أخالق «وفعلوا ما لم يفعله الكفار مع المسلمين»(‪ .((67‬وعملوا‬ ‫«بأهل البالد ما ال يعمله الفرنج‪.((67(»...‬‬ ‫(‪ ((67‬حوار بين السنة واإلباضية والشيعة‪ ،‬ص ‪ 74‬ـ ‪.75‬‬ ‫(‪ ((67‬نداء الحق‪ ،‬ص ‪ 319‬ـ ‪.320‬‬ ‫(‪ ((67‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.182‬‬ ‫(‪ ((67‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /8‬ص ‪.250‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪284‬‬ ‫وليعلم الجمي��ع أن اإلباضي��ة ال َي َّدعون احتكاره��م لهذه المث��ل العالية‬ ‫واألخالق السامية ألنفسهم‪ ،‬بل عاش��وا كما عاش إخوتهم الشرفاء من أبناء هذه‬ ‫األمة الطاهرة عبر أطوار التاريخ على منهاج اإلسالم‪ ،‬فكانت منحة اهلل لهم مناعة‬ ‫صانتهم عن االنزالق في دركات الظلم والج��ور والطغيان في أرض اهلل تعالى‪،‬‬ ‫خر فيه بنو‬ ‫وروح ًا زكية ُرفعوا بها في سماء اإلسالم الخالد‪ .‬ففي الوقت الذي َس َّ‬ ‫أمية وبنو العباس ومن لف في لفيفهم قوتهم الطاغية في القتل والنهب والسبي‬ ‫للمسلمين‪ ،‬فإن الشرفاء من أبناء هذه األمة سعوا إلى رفع ظلم الطغاة عن كاهل‬ ‫أمة محمد ژ ‪ ،‬وهم عند مناهضتهم للظلم والطغيان لم يلتفتوا إلى نعيق الضعفاء‬ ‫الكتَّاب الذين وصفوهم بالخوارج ظلم ًا وزوراً‪.‬‬ ‫ومرضى النفوس من ُ‬ ‫فالفرق جد شاس��ع بين من علم وعمل بإخالص وجد‪ ،‬وبين من عرف‬ ‫الحق ولكنه تدحرج بإفساده في دركات الظلم والجور‪ .‬فهل سيدرك الكتاب‪،‬‬ ‫من خ�لال ما يقرؤونه‪ ،‬هذه الحقيقة ويعطوا كل ذي حق حقه؟ أم س��يغلبهم‬ ‫الهوى فتنطق ألسنتهم بالكذب على عباد اهلل؟‬ ‫نعم «إن طبيعة اإلنس��ان أن يكون حر ًا وأن يريد كونه كذلك‪ ،‬ولكن من‬ ‫طبيعته أيض ًا أن يتطبع بما نشأ عليه‪ .‬لنقل إذن إن ما درج اإلنسان عليه وتعوده‬ ‫يجري عنده بمثابة الش��يء الطبيعي»(‪ .((67‬لم يختر ابن األثير ومن سار على‬ ‫دربه الس��ير ف��ي مس��الك الحرية عن��د كتاباتهم ع��ن اإلباضي��ة‪ ،‬ولكنهم‬ ‫ـ يا لألس��ف ـ درجوا على ما تطبعوا عليه‪ ،‬فكانوا أس��ارى الستبداد أفكار‬ ‫الطغاة وأقوال الضعفاء من المؤرخين‪ ،‬فأنى يأتي الرش��د والصدق والصواب‬ ‫من قوم هذه طبيعتهم؟‬ ‫لقد سمع اإلباضيون‪ ،‬كما سمع إخوانهم المخلصون من أتباع المذاهب‬ ‫ِ ِ‬ ‫األخرى‪ ،‬قول الرسول ژ ‪( :‬فَإ َّن د َماءَ ُك ْم َوأ َ ْم َوا َل ُك ْم َوأ َ ْع َر َ‬ ‫اض ُك ْم ‌ َع َل ْي ُك ْم َ‬ ‫‌ح َر ٌام‪،‬‬ ‫(‪ ((67‬كيف تفقد الشعوب المناعة ضد االستبداد‪ ،‬ص ‪ 69‬ـ ‪.70‬‬ ‫‪285‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫َ ْ ِّ ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الش��اه ُد‬ ‫��ذا‪ ،‬فِي َب َلد ِ ُك ْم َه��ذا‪َ ،‬فل ُي َبلغ‬ ‫��ه ِر ُك ْم َه َ‬ ‫ِ‬ ‫َك ُح ْر َم��ة َي ْوم ُك ْم َه َذا‪ ،‬في َش ْ‬ ‫ِ‬ ‫ب)(‪ ،((67‬فكانوا خير تابع ألكرم وأزكى وأطهر متبوع ژ ‪.‬‬ ‫ا ْلغَائ َ‬ ‫ولقد وجد اإلباضيون في سيرة اإلمام علي ـ كرم اهلل تعالى وجهه ـ منهاج‬ ‫حياتهم‪ ،‬فلهذا تج��د أراءه مبثوثة ف��ي مصنفاتهم ويس��تندون عليها في أداء‬ ‫واجباتهم وأخذ حقوقهم‪.‬‬ ‫ولقد عرف اإلباضي��ة أن اإلمام علي كرم اهلل وجه��ه «كان مذهبه أن ال يقتل‬ ‫مدبر ًا وال ُيذفف على جريح وال يكش��ف س��ترا وال يأخذ ماالً»(‪ .((68‬لهذا أخذوا‬ ‫بمبادئ��ه ولم يفرطوا بكلمة مما قال��ه اإلمام كرم اهلل وجهه ف��ي وقت نجد القتل‬ ‫والنهب والسبي للمسلمين يرتكبه من يدعي زور ًا وكذب ًا اتباع اإلمام كرم اهلل وجه‪.‬‬ ‫ولقد سمع اإلباضيون قولة سليمان بن صرد الخزاعي وهو ينصح التوابين‬ ‫حي��ث ذكرهم بمبادئ اإلم��ام علي كرم اهلل وجه��ه‪ ... « :‬وال تقتل��وا مدبراً‪،‬‬ ‫وال تجهزوا على جريح‪ ،‬وال تقتلوا أسير ًا من أهل دعوتكم إال أن يقاتلكم بعد‬ ‫أن تأسروه‪ ،‬فإن هذه كانت س��يرة علي في أهل هذه الدعوة»(‪ ،((68‬فكانوا خير‬ ‫سامع وأخلص عامل في ميدان الحياة‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي تتنافس فيه فرس��ان بني أمية وبن��ي العباس على قتل‬ ‫المدبرين‪ ،‬واإلجهاز على الجرحى‪ ،‬وكش��ف الع��ورات‪ ،‬والتمثيل بالقتلى‪،‬‬ ‫وسلب أموال المس��لمين‪ ،‬وس��بي نس��ائهم‪ ،‬فقد بقي اإلباضيون يد ًا طائعة‬ ‫ومحققة ألقوال اإلمام علي كرم اهلل وجهه في ميدان النزال‪ ،‬فلم تتدنس أيديهم‬ ‫(‪ ((67‬صحيح مسلم‪ ،‬الرواية‪ ،30 :‬ص ‪.752‬‬ ‫(‪ ((68‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ ،257‬ونقل ابن األثير من س��يرة اإلمام علي كرم اهلل وجهه‪:‬‬ ‫«فلما انهزموا أمر علي منادي ًا فنادى‪ :‬أال ال تتبعوا مدبر ًا وال تجهزوا على جريح وال تدخلوا‬ ‫الدور» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ 253‬ـ ‪.)254‬‬ ‫(‪ ((68‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.181‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪286‬‬ ‫الكريمة الطاهرة بتلك القاذورات من األعمال التي حذر منها اإلمام علي كرم‬ ‫اهلل وجهه وانغمس فيها غيرهم(‪.((68‬‬ ‫ولقد بقي اإلباضيون على العهد فساروا على توجيهات اإلمام علي العالية‬ ‫الرفيعة وطبقوها في ميادين النزال على من نازلهم واعتدى عليهم‪ .‬وأصبحت‬ ‫هذه األقوال المأثورة جواهر في صحائفهم النيرة تتربى عليها أجيالهم‪ ،‬وتزود‬ ‫بها الشراة الساعون في األرض ألجل الحق‪.‬‬ ‫واإلباضي��ة وإخوانه��م من أبناء ه��ذه األم��ة الطاهرة يملك��ون هذه‬ ‫التوجيهات الربانية والنصائح النبوية والمثل العالية الرفيعة كعقيدة راسخة‬ ‫أخذوها بحقها‪ ،‬فعرفوها حق المعرفة من مصادرها الصافية‪ ،‬و ُعرفوا بآثارها‬ ‫على أرواحهم وأجسادهم‪ ،‬وأيقنوا أن مثلهم األعلى يأمرهم بتجسيدها في‬ ‫واقع الحياة قبل أن تحبر على األوراق(‪ ،((68‬وعلموا علم اليقين أن هذا لم‬ ‫يكن «في اإلسالم تنظير ًا فحسب‪ ،‬وإنما كان منهج ًا عملي ًا طبق تطبيق ًا دقيق ًا‬ ‫(‪ ((68‬فمن وصاي��ا اإلمام علي ك��رم اهلل وجهه لجن��وده‪ ... « :‬فإذا هزمتموه��م فال تقتلوا مدبر ًا‬ ‫وال ُتجهزوا على جريح وال تكشفوا عورة وال ُتمثلوا بقتيل‪ ،‬وإذا وصلتم إلى رحال القوم‬ ‫فال تهتِكوا س��تر ًا وال تدخلوا دار ًا وال تأخذوا ش��يئا من أمواله��م‪ ،‬وال تهيجوا امرأة وإن‬ ‫ضعاف القوى واألنفس» (الكامل في‬ ‫شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم‪ ،‬فإنهن ِ‬ ‫ُ‬ ‫التاريخ‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ ،)293‬وجاء عنه كرم اهلل وجهه أيض�� ًا‪ ... « :‬فكف علي يده حتى بدءوه‬ ‫بالقتال فقاتلهم بعد الظهر فما غربت الش��مس وحول الجمل أحد‪ ،‬فقال علي‪ :‬ال تتمموا‬ ‫جريح ًا وال تقتلوا مدبراً‪ ،‬ومن أغلق بابه وألقى سالحه فهو آمن)(الخالفة الراشدة والدولة‬ ‫األموية‪ ،‬ص ‪ ،508‬نقالً عن مصنف ابن أبي شيبة ج ‪ /15‬ص ‪.)286‬‬ ‫(‪ ((68‬وبهذا المعنى يقول الفيلس��وف والكاتب الفرنس��ي غس��تاف ليبون‪« :‬المعتقدات الدينية‬ ‫تجسدت في مثال أعلى‬ ‫َّ‬ ‫األخالقية أو السياس��ية ال تكتسب س��لطتها إال بعد أن تكون قد‬ ‫مقبول من الجميع‪ .‬وحينما يتكيف هذا األخير مع ضرورات وإمكانيات اللحظة التاريخية‬ ‫فإنه يحدد عظمة أمة ما‪ .‬وبالعكس من المسار الطبيعي لألش��ياء فإنه يسبب انحطاطها»‪.‬‬ ‫(اآلراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها‪ ،‬ص ‪.)163‬‬ ‫‪287‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫حتى شمل من هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا‪ .((68(»...‬وهم قد عرفوا أن‬ ‫«ليس من حقهم أن يبطرهم النصر‪ ،‬فيتعس��فوا بالمهزومين ويس��تذلوهم‪،‬‬ ‫وإنما هم مقيدون بأحكام الشرع‪ ،‬التي يجب عليهم أن يتبعوها واألخالقيات‬ ‫العليا التي يجب أن يلتزموا به��ا واآلداب الرفيعة التي يجب أن يتحلوا بها‬ ‫وأن يقتدوا بأخالق رسول اهلل ژ في مرحلة ما بعد الحرب‪ .((68(»...‬وأيقنوا‬ ‫المش��كّ لة تظل كلمات ال طائل تحته��ا طالما لم يكن الفعل‬ ‫أن « ‪ ...‬اآلراء ُ‬ ‫مصادقة عليها»(‪.((68‬‬ ‫ولقد أيقن اإلباضيون كما أيقن إخوتهم المخلص��ون من أبناء المذاهب‬ ‫اإلس�لامية بالحكمة القائل��ة‪« :‬إن أمة دون مث��ال أعلى تزول م��ن التاريخ‬ ‫بسرعة»(‪ ،((68‬لقد زال من التاريخ كل من ألقى بتعاليم اإلسالم عرض الحائط‬ ‫وبقي من جعل رسول اإلس�لام ژ والصحابة والتابعين لهم بإحسان المثال‬ ‫األعلى واألسوة الحسنة‪.‬‬ ‫وببقاء الفكر اإلس�لامي الطاهر في أذهان جميع المسلمين وجوارحهم‬ ‫فإنك ال بد أن ترى المظالم وق��د ردت(‪ ،((68‬والمظلوم وقد انتصر‪ ،‬والدعوة‬ ‫الحقة وقد ظهرت‪ ،‬والحجة وقد قامت‪ ،‬والس��نن وق��د أحييت‪ ،‬والمنن وقد‬ ‫عظمت بفضل من اهلل تعالى‪ .‬سنة اهلل تعالى في عباده‪.‬‬ ‫(‪ ((68‬أمة اإلسالم إلى أين‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫(‪ ((68‬أخالقيات الحرب في السيرة النبوية الشريفة‪ ،‬ص ‪ 57‬ـ ‪.58‬‬ ‫(‪ ((68‬اآلراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫(‪ ((68‬اآلراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫(‪ ((68‬قال اإلمام نور الدين السالمي ‪ ، 5‬واصف ًا حياة الناس بعد أن قام العدل على أكتاف أحد‬ ‫أئمة اإلباضية وجن��وده‪ ... « :‬وردت المظال��م وانتصر المظلوم وظه��رت الدعوة وقامت‬ ‫الحجة وأحييت الس��نن وعظمت المنن والحمد هلل على ذلك كثيراً» (تحفة األعيان ج ‪/2‬‬ ‫ص ‪.)22‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪288‬‬ ‫واإلنس��ان ال يدرك موقعه إال حينما يعرض نفسه على ما تأصل من قيم‬ ‫وثوابت جاءت بها الش��رائع الس��ماوية‪ ،‬وصدقتها العقول الصافية‪ ،‬وتقبلتها‬ ‫الفطر السليمة‪.‬‬ ‫والقوة الطاغي��ة التي قد يمتلكه��ا فئام من الناس‪ ،‬وف��ي وقت من عمر‬ ‫الزمن‪ ،‬ال تصن��ع لهم بأي حال من األحوال الالمس��وؤلية ع��ن تصرفاتهم‪،‬‬ ‫وستبقى سنن اهلل تعالى تالحق كل عامل في هذا الوجود‪ ،‬وسيعرض الجميع‬ ‫أمام ميزان واحد ال يفرق بين أبناء البش��ر إال بقدر عقائدهم في اهلل وما سبق‬ ‫لهم من أعمال صالحة‪.‬‬ ‫والحق « ‪ ...‬أن المقاتل المسلم مسؤول مسؤولية فردية عن أفعاله وسلوكياته‬ ‫في ميدان المعركة‪ ،‬فهو إن أفلت من العقاب الدنيوي فلن يفلت من حساب اهلل‬ ‫في اآلخرة»(‪« .((68‬وإذا كان المقاتل المس��لم مسؤول عن أعماله وسلوكياته في‬ ‫المعركة‪ ،‬فإن القائد العسكري مسؤول كذلك عن المخالفات التي تحصل من‬ ‫أفراده ومن ثم عليه إصالح الوضع وإرجاعه إلى الخط الشرعي»(‪.((69‬‬ ‫فالس��عيد من اس��تعان بقوته‪ ،‬التي وهبها اهلل تعالى له‪ ،‬في أداء واجباته‬ ‫وأخذ حقوقه‪ ،‬والخاس��ر من اس��تغنى بما أوتي من قوة فس��خرها في بخس‬ ‫الناس حقوقهم‪ ،‬واستعالئه عليهم بكل صنوف الظلم والطغيان‪.‬‬ ‫واإلس�لام لم يترك الن��اس هائمين ف��ي بي��داء الحياة من غي��ر معالم‬ ‫يسترشدون بها في خطواتهم ومواضع أقدامهم‪ ،‬فال مجال في اإلسالم للتيه‪،‬‬ ‫وال يتيه إال من استبدل بشريعة اهلل مزاعم البش��ر وقوانينهم القاصرة‪ .‬فالذي‬ ‫يرتكب جرائم الحروب‪ ،‬فليست جرائمه «سوى استشهادات لنزعاته الداخلية‬ ‫(‪ ((68‬أخالقيات وسلوكيات الحرب عند رسول اهلل ژ ‪ ،‬ص ‪.193‬‬ ‫(‪ ((69‬أخالقيات وسلوكيات الحرب عند رسول اهلل ژ ‪ ،‬ص ‪ 193‬ـ ‪.194‬‬ ‫‪289‬‬ ‫‪ 11‬ـ اوخلا راكفأل ةيضابإلا ةنيابم‬ ‫وعواطفه وانفعاالته‪ ،‬أو اس��تدعاءات للتأكيد على ذائقت��ه وتصوراته ومواقفه‬ ‫حيال الش��خصية»(‪ ،((69‬أو «لنوازعه الفكرية والنفسية الذاتية»(‪ ،((69‬أو «بسبب‬ ‫ضخامة الهزيمة النفسية والعاطفية والذهنية المتالحقة»(‪ ((69‬عليه‪.‬‬ ‫فكل الذين سبق أن نقلنا أفعالهم ينطبق عليهم هذا القول‪ ،‬فهم ألقوا بشرع‬ ‫اهلل جانب ًا وقادتهم نفوسهم األمارة بالس��وء‪ ،‬التي تتنازعها العواطف الرعناء‪،‬‬ ‫إلى القتل المحرم وهتك األعراض اآلمنة وأكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬ ‫الكتَّاب عن الجادة إال إذا تعاموا عن جرائم الظالمين‪،‬‬ ‫وال تنحرف كتابات ُ‬ ‫وأوس��عوا لهم أبواب األعذار‪ ،‬وتخلوا عن قول الحق الذي يرضاه اهلل تعالى‬ ‫ورسوله والمؤمنون‪.‬‬ ‫ومن «المبادئ العامة للحرب في الشريعة اإلسالمية»(‪ ((69‬هي‪« :‬أن يكون‬ ‫الجهاد موافق ًا للغاية التي شرع من أجلها وهو أن يجاهد المسلم لتكون كلمة‬ ‫اهلل هي العلي��ا‪ »...‬و«االقتص��ار في الحرب عل��ى المقاتلي��ن الفعليين‪،»...‬‬ ‫و«التدمير لألموال يتم في حدود ما تتطلبه العمليات الحربية وإرهاق الخصم‬ ‫وإجباره على االستسالم‪ ،»...‬و«احترام جثة اآلدمي وإكرامها بقدر المستطاع»‪،‬‬ ‫و«هتك األعرض يعتبر جريمة في شرع اإلسالم‪.»...‬‬ ‫وقد جاء اإلسالم الحنيف بنصائحه وتوجيهاته‪ ،‬وأمر المحاربين من أتباعه‬ ‫أن ينطلقوا باسم اهلل وال يقتلوا شيخ ًا وال طفالً وال امرأة وال يغلوا وال يغدروا‪،‬‬ ‫ولكن أولئك البشر(‪ ((69‬الذين نقلنا ما نسب إليهم من جرائم في حق اإلنسانية‬ ‫(‪ ((69‬التيه العربي تأمالت في الواقع الصعب‪ ،‬ص ‪.37‬‬ ‫(‪ ((69‬التيه العربي تأمالت في الواقع الصعب‪ ،‬ص ‪.38‬‬ ‫(‪ ((69‬التيه العربي تأمالت في الواقع الصعب‪ ،‬ص ‪.40‬‬ ‫(‪ ((69‬المسئولية الجنائية للقادة العسكريين في الحروب شرع ًا ونظام ًا‪ ،‬ص ‪ 67‬ـ ‪.70‬‬ ‫(‪ ((69‬انظر ص ‪ 183‬ـ ‪ 242‬من هذا البحث‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪290‬‬ ‫قد انطلقوا باسم الطاغوت وعلى ملة فرعون‪ ،‬لهذا فهم خانوا اإلسالم وقتلوا‬ ‫الشيوخ واألطفال والنس��اء ومثلوا بجثث الموتى وس��لبوا أموال المسلمين‪،‬‬ ‫وفعلوا بالمسلمين ما يفعله الكفار في حروبهم الجائرة‪.‬‬ ‫وأي كاتب حينما يستشهد بأقوال الرسول ژ والصحابة الكرام @ فإنه‬ ‫يدعو إلى تطبيقها في واقع الحياة‪ ،‬ويتخذ منها القول الفصل في الحكم على‬ ‫العاملين في ميدان الحياة‪ .‬وابن األثير حينما َذ َّك َرنا بقول الرس��ول ژ ‪« :‬أيها‬ ‫الناس إن دماءك��م وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومك��م هذا»(‪ .((69‬وحينما‬ ‫َذ َّك َرنا بوصية أبي بكر ‪ ƒ‬للصحابة الذين أرسلهم إلى بالد الروم‪ ،‬والتي قال‬ ‫فيها‪« :‬ال تخون��وا‪ ،‬وال تغ��دروا‪ ،‬وال تغل��وا‪ ،‬وال تمثل��وا‪ ،‬وال تقتلوا طفال‬ ‫وال ش��يخا كبيرا‪ ،‬وال امرأة‪ .((69(»...‬كان ينبغي له‪ ،‬أي ابن األثير‪ ،‬أن يحكم‬ ‫على الناس المندفعين ف��ي هذه الحياة من خالل قربه��م أو بعدهم عن هذه‬ ‫الوصايا‪.‬‬ ‫فما بال ابن األثير ينقل لنا أخبار سفك الدماء وقتل األطفال وسبي النساء‬ ‫المبجلة وال يجرؤ على ذكرهم في‬ ‫وينس��بها إلى أناس من أصحاب األنساب ُ‬ ‫قائمة الخوارج؟‬ ‫فكما َب ُعد أولئك الذين ُن ِسبت إليهم تلك الجرائم عن وصايا الرسول ژ‬ ‫والصحابة @ ‪ ،‬فقد أبعد ابن األثير ال ُنجعة عن وزن أفعالهم الش��ائنة بميزان‬ ‫اإلسالم‪ .‬فلله األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫✾ ✾✾‬ ‫(‪ ((69‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.302‬‬ ‫(‪ ((69‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.335‬‬ ‫‪291‬‬ ‫‪ 12‬ـ سانلا ىلع مكحلا يف ةيركفلا تاثوروملا رثأ‬ ‫أثر الموروثات الفكرية‬ ‫‪12‬‬ ‫في الحكم على الناس‬ ‫ومما استقر في نفس كل فرد هو أن أهل العدل واإلحسان مبجلون حتى‬ ‫عند أهل الظلم والبخس‪ ،‬وأن أهل الصدق تتواضع لهم كل القلوب‪ .‬وأقوال‬ ‫علماء اإلسالم قاطبة تشحذ همم الناس جميع ًا لوضع أهل الفضل من أبناء‬ ‫اإلس�لام في مواضعهم التي وضعوا أنفس��هم فيها عندما التزموا اإلخالص‬ ‫عند أدائهم ألمر اهلل تعالى‪.‬‬ ‫وكثير هي األعمال التي ال يقرها الش��رع تجرأت على فعلها أيد انضمت‬ ‫إلى صفوف جنود اإلسالم سواء كانت في عهد رسول اهلل ژ أو في عهود من‬ ‫جاء بعده من الخلفاء واألئمة والملوك عبر التاريخ‪ ،‬والعبرة كيف تعامل القادة‬ ‫مع تلك المخالفات؟ وما هي القرارات التصحيحية التي نفذوها ألجل تدارك‬ ‫األمور وإعطاء كل ذي حق حقه؟‬ ‫قال ابن األثير عند حديثه عن الظاه��ر بأمر اهلل‪« :‬ولما ولي الخالفة أظهر‬ ‫الع َمرين‪ ،‬فلو قيل إ ّنه لم يل ِ الخالفة بعد‬ ‫من العدل واإلحسان ما أعاد به ُس ّنة ُ‬ ‫عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادق ًا‪ ،‬فإنه أعاد من األموال المغصوبة‬ ‫في أيام أبيه وقبله وش��يئا كثيراً‪ ،‬وأطلق المكوس في الب�لاد جميعها‪ ،‬وأمر‬ ‫جدده‬ ‫بإعادة الخ��راج القديم ف��ي جميع الع��راق‪ ،‬وأن ُيس��قط جمي��ع ما ّ‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪292‬‬ ‫أبوه‪ ،((69(»...‬وقال ابن األثير أيض ًا‪ ... « :‬وكان نعم الخليفة‪ ،‬جمع الخشوع مع‬ ‫الخضوع لربه‪ ،‬والعدل واإلحسان إلى رعيته»(‪.((69‬‬ ‫ومن الرجال الذين يفخر المسلم بذكر مآثرهم هو غياث الدين‪ ،‬أبو الفتح‬ ‫محمد بن س��ام الغوري‪ ،‬الذي نقل لنا ابن األثير ش��يئ ًا من عدله وإحسانه‪،‬‬ ‫حيث قال‪« :‬وأما س��يرة غياث الدين وأخالقه‪ ،‬فإنه كان ُمظ َّف��ر ًا منصور ًا في‬ ‫قط‪ ،‬وكان قليل المباش��رة للح��روب‪ ،‬وإنما كان له‬ ‫حروبه‪ ،‬لم تنهزم له راي ٌة ّ‬ ‫ومكر‪ ،‬وكان جواداً‪ ،‬حسن االعتقاد‪ ،‬كثير الصدقات والوقوف بخراسان‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫دهاء‬ ‫بنى المساجد والمدارس بخراسان ألصحاب الشافعي‪ ،‬وبنى الخانكاهات في‬ ‫الطرق‪ ،‬وأسقط المكوس‪ ،‬ولم يتعرض إلى أحد من الناس‪ ...‬وكان إذا وصل‬ ‫خط‬ ‫عم إحس��انه أهله‪ ...‬وكان في��ه فضل غزير‪ ،‬وأدب مع حس��ن ّ‬ ‫إلى بلد ّ‬ ‫وبالغة؛ وكان ‪ ، 5‬ينسخ المصاحف بخطه ويقفها إلى المدارس التي بناها‪،‬‬ ‫تعص ٌب على مذهب‪ ،‬ويقول‪ :‬التعصب في المذاهب من الملك‬ ‫ولم يظهر منه ّ‬ ‫قبيح؛ إال أ ّنه كان شافعي المذهب‪ ،‬فهو يميل إلى الشافعية من غير أن يطمعهم‬ ‫ٌ‬ ‫في غيرهم‪ ،‬وال أعطاهم ما ليس لهم»(‪.((70‬‬ ‫ومن الحوادث التي ذكرها ابن األثير للتدليل على عدل غياث الدين في‬ ‫الغورية البلد‪ ،‬وملكوه عنو ًة‪ ،‬ونهبوه س��اعة من نهار‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حكمه هي‪ ... « :‬ودخل‬ ‫فبلغ الخبر إلى غي��اث الدين فأمر بالنداء‪َ :‬من نهب م��االً أو آذى أحد ًا فدمه‬ ‫حالل؛ فأعاد الناس ما نهبوه عن آخره»(‪.((70‬‬ ‫(‪ ((69‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪.441‬‬ ‫(‪ ((69‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪.456‬‬ ‫(‪ ((70‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪ 181‬ـ ‪.182‬‬ ‫(‪ ((70‬وأتبع ابن األثير قصة حكاها له أحد أصدقاءه ممن ش��هد هذه الحادثة‪« :‬ولقد حدثني‬ ‫بعض أصدقائنا من التجار‪ ،‬وكان ب َنيسابور في هذه الحادثة‪ُ :‬نهب من متاعي شيء من‬ ‫جملته سكر‪ ،‬فلما س��مع العس��كر النداء ر ّدوا جميع ما أخذوا م ّني‪ ،‬وبقي لي بساط =‬ ‫‪293‬‬ ‫‪ 12‬ـ سانلا ىلع مكحلا يف ةيركفلا تاثوروملا رثأ‬ ‫ومما قاله ابن األثير عند ذكره لسيرة نور الدين محمود زنكي ما نصه‪:‬‬ ‫لعل يقف عليها َمن له حكم فيقتدي به؛‬ ‫« ‪ ...‬ولنذكر ههنا نبذة مختصرة ّ‬ ‫فمن ذلك زهده وعبادته وعلمه‪ ،‬فإنه كان ال يأكل وال يلبس [وال يتصرف]‬ ‫في الذي يخصه [إال] من ملك كان له قد اش��تراه من سهمه من الغنيمة‬ ‫ومن األموال المرصدة لمصالح المس��لمين‪ ،‬ولقد شكت إليه زوجته من‬ ‫الضائقة‪ ،‬فأعطاها ثالث دكاكين في حمص كانت له‪ ،‬منها يحصل له في‬ ‫السنة نحو عشرين ديناراً‪ ،‬فلما اس��تقلتها قال‪ :‬ليس لي إال هذا‪ ،‬وجميع‬ ‫ما بيدي أنا فيه خازن للمس��لمين ال أخونهم فيه‪ ،‬وال أخوض نار جهنم‬ ‫ألجلك»(‪.((70‬‬ ‫ومن الحوادث التي ذك��ر فيها ابن األثير تميز الن��اس في أفعالهـم‬ ‫وحسن س��يرتهم في التاريـخ‪ ،‬ما نقـله من س��يرة أتابك زنكـي حيـث‬ ‫قـال‪« :‬لما قُتل [يقصد أتابك زنكي] تط��اول صاحب ماردين وصاحب‬ ‫الحصن إلى ما كان قد فتحه من بالدهما فأخذاه‪ ،‬فلما ملك سيف الدين‬ ‫وتمكن سار إلى ماردين وحصرها‪ ،‬وفعل ببلدها األفاعيل العظيمة‪ ،‬فلما‬ ‫رأى صاحبها‪ ،‬وهو حينئذ حس��ام الدين ت ِ ِمرتاش‪ ،‬ما يفعل في بلده قال‪:‬‬ ‫كنا نشكو من أتابك الش��هيد‪ ،‬وأين أيامه؟ لقد كانت أعياداً‪ .‬قد حصرنا‬ ‫أحد من عس��كره مخالة تب��ن بغير ثمن‪،‬‬ ‫غير مرة‪ ،‬فلم يأخ��ذ هو وال ٌ‬ ‫أما السكر فأكلناه‪،‬‬ ‫فرأيت السكر مع جماعة‪ ،‬فطلب ُته منهم‪ ،‬فقالوا‪ّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫وشيء من السكر‪،‬‬ ‫=‬ ‫حل منه؛ ولم يكن‬‫فقلت‪ :‬أنتم في ّ‬ ‫ُ‬ ‫أردت ثمنه أعطيناك؛‬ ‫َ‬ ‫فنسألك أال يسمع أحد‪ ،‬وإن‬ ‫فرأيت البساط الذي لي‬ ‫ُ‬ ‫فمش��يت إلى باب البلد مع النظارة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫البساط مع أولئك‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وقلت‪ :‬هذا لي؛ فطلبوا‬ ‫ُ‬ ‫قد أُلقي عند باب البلد لم يجسر أحد على أن يأخذه‪ ،‬فأخذته‬ ‫فأحضرت َمن ش��هد لي وأخذته» (الكامل ف��ي التاريخ‪ ،‬ج ‪/12‬‬ ‫ُ‬ ‫م ّني َمن يش��هد به‪،‬‬ ‫ص ‪ 165‬ـ ‪.)166‬‬ ‫(‪ ((70‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.403‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪294‬‬ ‫وال تعدى هو وعس��كره حاص��ل الس��لطان‪ ،‬وأرى هذا ينه��ب البالد‬ ‫ويخربها»(‪.((70‬‬ ‫ووصف ابن األثير ملك الغور بقوله‪« :‬كان عادالً حسن السيرة‪ ،‬فمن عدله‬ ‫وخوفه عاقبة الظلم أنه حاصر أهل هراة‪ ،‬فلما ملكها أراد عسكره أن ينهبوها‪،‬‬ ‫فنزل على درب المدين��ة‪ ،‬وأحضر األموال والثياب‪ ،‬فأعطى جميع عس��كره‬ ‫منها‪ ،‬وقال‪ :‬هذا خير لكم من أن تنهبوا أموال المسلمين وتسخطوا اهلل تعالى‪،‬‬ ‫الملك يبقى على الكفر وال يبقى على الظلم»(‪.((70‬‬ ‫فإن ُ‬ ‫(‪((70‬‬ ‫وممن ذكرهم ابن األثير بخير هم‪ :‬المقتفي(‪ ((70‬ألمر اهلل‪ ،‬والمستنجد‬ ‫ب��اهلل‪ ،‬وأتس��ز(‪ ،((70‬والس��لطان بركي��ارق(‪ ،((70‬وأل��ب أرس�لان(‪،((70‬‬ ‫(‪ ((70‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.123‬‬ ‫(‪ ((70‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.294‬‬ ‫عادال حس��ن الس��يرة من‬ ‫ً‬ ‫(‪ ((70‬مما قاله ابن األثير في المقتفي ألمر اهلل « ‪ ...‬وكان حليم ًا كريم ًا‬ ‫الرجال ذوي الرأي والعقل الكثير‪( »...‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.)256‬‬ ‫ً‬ ‫عادال‬ ‫(‪ ((70‬ومما قاله ابن األثير‪« :‬وكان المس��تنجد باهلل من أحسن الخلفاء س��يرة مع الرعية‪،‬‬ ‫فيهم‪ ،‬كثير الرفق بهم‪ ،‬وأطلق كثي��ر ًا من المكوس‪ ،‬ولم يترك بالعراق منها ش��يئ ًا‪ ،‬وكان‬ ‫شديد ًا على أهل العيث والفساد والسعاية بالناس‪( »...‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.)362‬‬ ‫رعيته‪ ،‬منصف ًا لهم محبوب ًا إليهم‪،‬‬ ‫(‪ ((70‬قال ابن األثير‪« :‬وكان أتسز حسن السيرة‪ ،‬كاف ًا عن أموال ّ‬ ‫أمن غامر وعدل شامل» (الكامل في‬ ‫مؤثر ًا لإلحسان والخير إليهم؛ وكان الرعية معه بين ْ‬ ‫التاريخ‪ ،‬ج ‪ /11‬ص ‪.)209‬‬ ‫ً‬ ‫عاقال‪ ،‬كثير‬ ‫(‪ ((70‬قال ابن األثير في وصفه للس��لطان بركيارق‪« :‬وكان حليم ًا‪ ،‬كريم�� ًا‪ ،‬صبوراً‪،‬‬ ‫المداراة‪ ،‬حس��ن القدرة‪ ،‬ال يبالغ في العقوبة‪ ،‬وكان عفوه أكثر م��ن عقوبته» (الكامل في‬ ‫التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.)381‬‬ ‫ً‬ ‫عاقال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ع��ادال‪،‬‬ ‫(‪ ((70‬ومما قاله ابن األثير‪« :‬هو ألب أرس�لان محمد ب��ن داود‪ ...‬كان كريم ًا‪،‬‬ ‫ال يسمع الس��عايات‪ ...‬وكان رحيم القلب رفيقا بالفقراء‪ ،‬كثير الدعاء بدوام ما أنعم اهلل به‬ ‫عليه‪ ...‬وكان يكثر الصدقة‪ ...‬وكان ش��ديد العناية بكف الجند عن أموال الرعية؛ بلغه أن‬ ‫الرس��تاقية إزاراً‪ ،‬فأخذ المملوك وصلبه‪ ،‬فارتدع‬ ‫ّ‬ ‫بعض خواص مماليكه س��لب من بعض‬ ‫التعرض إلى مال غيرهم» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪ 74‬ـ ‪.)75‬‬ ‫ّ‬ ‫الناس عن‬ ‫‪295‬‬ ‫‪ 12‬ـ سانلا ىلع مكحلا يف ةيركفلا تاثوروملا رثأ‬ ‫وش��هاب الــدين الغــ��وري(‪ ،((71‬وعمــاد الدي��ن زنــك��ي(‪ ،((71‬ونظــام‬ ‫الملك(‪.((71‬‬ ‫فالمآثر التي ُس��جلت للخليفة العباس��ي‪ ،‬الظاهر بأم��ر اهلل‪ ،‬عندما أعاد‬ ‫األموال المغصوبة في أيام أبيه إلى أهلها‪ ،‬هو عمل مبارك يثاب فاعله‪.‬‬ ‫وما فعله غياث الدين‪ ،‬وأتابك زنكي‪ ،‬ومل��ك الغور حينما نادوا في‬ ‫جنودهم وتوعدوهم أش��د العذاب إذا أقدموا على نهب أموال الناس‪ ،‬هو‬ ‫عمل تدعو إليه عقيدة اإلس�لام‪ ،‬ولكن ـ يا لألسف ـ فقد َق َّل في التاريخ‬ ‫من أدى هذه األمانة‪ .‬ولتبقى دائم ًا في ذاكرة التاريخ قولة نور الدين زنكي‬ ‫وهو يخاطب زوجه الت��ي أرادت الزيادة في النفق��ة‪ ... « :‬ال أخوض نار‬ ‫جهنم ألجلك»‪.‬‬ ‫فهذه األعمال‪ ،‬التي يدعو إليها اإلس�لام‪ ،‬والتي ذكرها ابن األثير ونسبها‬ ‫إلى أولئك الرجال هي عقيدة ينبغي أن ترس��خ في قل��وب العاملين في هذه‬ ‫الدنيا‪ ،‬وقد سجل مسلمون‪ ،‬من جميع مذاهب اإلسالم‪ ،‬وعلى جبين الدهر‪،‬‬ ‫وبأحرف من نور مآثرهم الصادقة التي يرتضيها اهلل ورس��وله‪ .‬فالذين أحسنوا‬ ‫رعيته‪ ،‬حس��ن الس��يرة فيهم‪ ،‬حاكم ًا بينهم بما يوجبه‬ ‫ً‬ ‫«عادال في ّ‬ ‫(‪ ((71‬قال عنه ابن األثير‪ :‬كان‬ ‫المطهر» (الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪.)216‬‬‫ّ‬ ‫الشرع‬ ‫رعيته‪ ،‬عفيف ًا عن أموالهم وأمالكهم‪،‬‬ ‫عادال‪ ،‬حسن السيرة في ّ‬‫ً‬ ‫(‪ ((71‬قال عنه ابن األثير‪ :‬كان « ‪...‬‬ ‫متواضع�� ًا‪ ،‬يحب أه��ل العل��م والدي��ن‪ ،‬ويحترمه��م‪ ،‬ويجل��س معهم‪ ،‬ويرج��ع إلى‬ ‫أقوالهم‪(»...‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /12‬ص ‪.)132‬‬ ‫(‪ ((71‬وعند ذكره ألبي علي الحسن بن علي بن إسحاق‪ ،‬نظام الملك‪ ،‬قال ابن األثير‪ ... « :‬فإنه‬ ‫كان عالم ًا‪ ،‬دين ًا‪ ،‬جواداً‪ ،‬عادالً‪ ،‬حليم ًا‪ ،‬كثير الصفح ع��ن المذنبين‪ ،‬طويل الصمت‪ ،‬كان‬ ‫بالقراء‪ ،‬والفقه��اء‪ ،‬وأئمة المس��لمين‪ ،‬وأهل الخير والص�لاح‪ ،‬أمر ببناء‬‫ّ‬ ‫مجلس��ه عامر ًا‬ ‫المدارس في س��ائر األمصار والبالد‪ ،‬وأجرى له��ا الجرايات العظيم��ة‪ ،‬وأملى الحديث‬ ‫بالبالد‪ :‬ببغداد وخراسان وغيرهما‪( »...‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ /10‬ص ‪.)208‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪296‬‬ ‫إلى الخلق‪ ،‬وأدوا واجبهم بنية خالصة‪ ،‬واتبعوا أمر اهلل في المنشط والمكره‪،‬‬ ‫والمغنم والمغرم‪ ،‬والمحب��وب والمكروه‪ ،‬فمن حقهم أن يرفع ش��أنهم وأن‬ ‫يجعل لهم ذكر صادق في أجيال المسلمين المتالحقة‪.‬‬ ‫واإلباضية لهم الحظ الوافر في تطبيق أمر اهلل تعالى حين سعيهم ألجل رد‬ ‫األمور إلى نصابها‪ ،‬فهم لم تزايل أقدامهم خطى الرس��ول ژ في كل مناشط‬ ‫حياتهم‪ ،‬وقد سجل لهم التاريخ مآثر ًا كما سجل للذين ُذكرت أسماءهم أعاله‪،‬‬ ‫ولكن حينم��ا تغلب على النف��وس األف��كار الخاطئة الموروث��ة فإنك ترى‬ ‫الموازين خالية من معايير الحق التي ال تحابي أحد ًا على حساب أحد‪.‬‬ ‫وأما حروب اإلباضية للطغاة والظلمة ممن انتسب إلى اإلسالم «فإنها لم‬ ‫يكن من ورائه��ا هدف إال وق��ف الظلم؛ بك��ف أيدي الظالمي��ن وإنصاف‬ ‫المظلومين‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬وحس��بك ش��اهد ًا على التزامهم فيها‬ ‫أرقى ما يتص��ور من األخ�لاق‪ ،‬وأدق ما يدور على البال م��ن معايير العدل‬ ‫وموازين اإلنصاف‪ ،‬ما كان في ثورة طالب الح��ق وقائده أبي حمزة المختار‬ ‫رحمهم��ا اهلل تعالى على الدولة األموية‪ ،‬التي عتت واس��تكبرت اس��تكباراً‪،‬‬ ‫وس��لبت األمة حقوقها‪ ،‬وطمس��ت معالم الدين‪ ،‬وأطلقت أيدي المفس��دين‬ ‫للبطش بالناس‪ ،‬وسلبهم ما منحهم اإلسالم من حرية وأمان‪ ،‬فقد كانت تلك‬ ‫الثورة مثاالً للتمسك بمبادئ الحق والس��ير على نهجه‪ ،‬لم تخرج قيد شعرة‬ ‫عما جاء في القرآن‪ ،‬والتزمه الرسول عليه أفضل الصالة والسالم‪ ،‬ودرج عليه‬ ‫الخلفاء الراشدون»(‪.((71‬‬ ‫فمواقف اإلباضية المشرفة التي ذكرها التاريخ ما كان لها لتقنع ابن األثير‬ ‫ومن سار على نهجه من عدم حشرهم ظلم ًا وزور ًا في زمرة الخوارج‪.‬‬ ‫(‪ ((71‬نداء الحق‪ ،‬ص ‪.320‬‬ ‫‪297‬‬ ‫‪ 12‬ـ سانلا ىلع مكحلا يف ةيركفلا تاثوروملا رثأ‬ ‫فقد كان ينبغي البن األثير أن يقدر موقف اإلمام طالب الحق عبد اهلل بن‬ ‫يحيى الكندي اإلباضي الذي رد األموال المغصوبة في صنعاء إلى أهلها(‪،((71‬‬ ‫كما قدر موقف الخليفة العباسي‪ ،‬الظاهر بأمر اهلل‪ ،‬حين رد األموال المغصوبة‬ ‫إلى أهلها‪ ،‬ولكنه يا لألسف لم يفعل‪.‬‬ ‫وكان ينبغي البن األثير أن يقدر موقف أبي الخطاب المعافري اإلباضي‬ ‫الذي طهر القيروان(‪ ((71‬من رجس قبيل��ة َو ْرفجومة‪ ،‬ووقف وقفة صارمة أمام‬ ‫(‪ ((71‬جاء في كتاب السير للشماخي‪ ... « :‬وقس��م ما وجد من مال على فقراء صنعاء‪ ...‬فأتوا به‬ ‫من الخزانة إلى المس��جد‪ ،‬فقس��مه عبد اهلل على فقراء صنعاء ولم يأخذ منه ش��يئ ًا‪ ،‬ولم‬ ‫يستحل منه ألصحابه متاع ًا» (كتاب السير‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.)213‬‬ ‫(‪ ((71‬ومما قاله ابن األثير في نقله إلحدى مآثر اإلباضي��ة‪« :‬ولما قُتل حبيب بن عبد الرحمن‬ ‫عاد عبد الملك بن أبي الجعد إلى القيروان وفعل ما كان يفعله عاصم من الفساد والظلم‬ ‫وقلة الدين وغير ذلك‪ ،‬ففارق القيروا َن أه ُلها‪ .‬فاتفق أن رجالً من اإلباضية دخل القيروان‬ ‫لحاجةٍ له فرأى ناس�� ًا من الورفجوميين قد أخذوا امرأ ًة قهر ًا والناس ينظرون فأدخلوها‬ ‫الجامع‪ ،‬فترك اإلباضي حاجته وقص��د أبا الخطاب عبد األعلى بن الس��مح المعافري‬ ‫أصحابه من‬ ‫ُ‬ ‫فأعلمه ذلك‪ ،‬فخرج أبو الخطاب وهو يقول‪ :‬بيتك اللهم بيتك! فاجتمع إليه‬ ‫كل مكان وقص��دوا طرابلس الغ��رب‪ ،‬واجتمع علي��ه الناس من اإلباضي��ة والخوارج‬ ‫عبد الملك‪ ،‬مقدم ورفجومة‪ ،‬جيشا فهزموه وساروا إلى القيروان‪،‬‬ ‫وغيرهم‪ ،‬وسير إليهم ُ‬ ‫فخرجت إليهم ورفجومة واقتتلوا واشتد القتال‪ ،‬فانهزم أهل القيروان الذين مع ورفجومة‬ ‫وخذلوهم‪ ،‬فتبعهم ورفجومة في الهزيمة وكثر القتل فيهم وقُتل عبد الملك الورفجومي‪،‬‬ ‫وتبعهم أبو الخطاب يقتلهم حتى أس��رف فيه��م‪ ،‬وعاد إلى طرابلس واس��تخلف على‬ ‫عبد الرحمن بن رس��تم الفارس��ي»‪( .‬الكامل في التاري��خ‪ ،‬ج ‪ 316 /5‬ـ ‪)317‬‬ ‫القيروان َ‬ ‫(ال مكان للخوارج في هذا السجل التاريخي النير الذي يفتخر به اإلباضية عبر التاريخ‪،‬‬ ‫ولكن هذه عادة ابن األثير وغيره ال ينفكون عن قرن اإلباضية بالخوارج في كل موضع‬ ‫من كتبهم‪ ،‬واهلل المس��تعان)‪ .‬ولإلنصاف فإن هناك من المؤرخين من لم يقرن اإلباضية‬ ‫بالخوارج عند ذكرهم لهذه الحادثة التي تترجم مب��ادئ اإلباضية في واقع الحياة‪ ،‬انظر‬ ‫ما كتبه ش��هاب الدي��ن النويري ف��ي كتاب��ه (نهاية األرب ف��ي فن��ون األدب‪ ،‬ج ‪/24‬‬ ‫ص ‪ 71‬ـ ‪.)73‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪298‬‬ ‫أحد القتلى(‪ ،((71‬كما ق��در موقف أتابك زنكي‬ ‫أحدهم َ‬ ‫جنوده حينما س��لب ُ‬ ‫وملك الغور حينما ردا األمور إلى نصابها‪ ،‬ولكن ابن األثير لم يفعل‪ ،‬بل لم‬ ‫يهدأ باله حتى قرن اإلباضية بالخوارج‪.‬‬ ‫لقد آثر اب��ن األثير كيل األح��داث بمكيالين‪ ،‬وعمد إل��ى بخس الناس‬ ‫أشياءهم‪ .‬فمن كانت هذه وجهته فإن اإلنصاف ال محالة قد جانبه‪.‬‬ ‫✾ ✾✾‬ ‫(‪ ((71‬جاء في كتاب السير للشماخي‪ ... « :‬انهزم أهل القيروان‪ ،‬وولوا مدبرين‪ ،‬فتبعهم حتى دخل‬ ‫القيروان‪ .‬فخرج أهل المدينة إلى موضع القتلى‪ ،‬فإذا هم بثيابهم‪ ،‬لم يسلب أحد منهم‪...‬‬ ‫وخرجوا إلى زروعهم‪ ،‬ف��إذا هي كما كانت‪ ،‬لم يقع فيها فس��اد وال مض��رة‪ ،‬ال بالناس‬ ‫وال بالمواش��ي‪ .‬فتعجب الناس من عدل أبي الخطاب‪ ،‬وطاعة أصحابه له‪ .‬فتفقد ‪، 5‬‬ ‫القتلى فوجد واحد ًا منهم مس��لوب ًا‪ ،‬فنادى مناديه‪ :‬من أخذ من القتلى شيئ ًا‪ ،‬فليرده! فلما‬ ‫أيس‪ ،‬دعا ربه‪ ،‬ـ وكان مستجاب الدعاء ـ أن يفضحه على رؤوس األشهاد‪ .‬فركبوا خيلهم‬ ‫ليجروها‪ ،‬وانقطع حزام جميل السدراتي‪ ،‬فسقط وظهر السلب تحت سرجه‪ .‬فأخذه اإلمام‬ ‫ّ‬ ‫وأدبه» (كتاب السير‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪ 252‬ـ ‪.)253‬‬ ‫‪299‬‬ ‫الطاعنون في أهل النهروان واإلباضية وفلسفة‬ ‫(سيكولوجية الجماهير)‬ ‫كثير من الناس يظنون أن الفيلس��وف الفرنس��ي غس��تاف لوبون هو من‬ ‫اكتشف ظاهرة ما أطلق عليها (سيكولوجية الجماهير) عند دراسته لتوجهات‬ ‫الناس الذين دارت حولهم الثورة الفرنس��ية‪ .‬ولكن الواقع يظهر أن غس��تاف‬ ‫لوبون قد استفاد كثير ًا من مبادئ علم النفس وقواعده التي جاء بها اإلسالم؛‬ ‫س��واء التي أش��ارت إليها آيات بينات ف��ي كتاب اهلل تعال��ى‪ ،‬أو جاءت في‬ ‫أحاديث من أقوال الرسول ژ ‪ ،‬أو ما سجله التاريخ من مواقف لبعض الناس‬ ‫قبل الثورة الفرنسية‪.‬‬ ‫وليس هذا البحث حول معرفة الجذور لكتاب (سيكولوجية الجماهير)‪،‬‬ ‫ولك��ن ينبغي لن��ا أن نعرف أن الكت��اب يبين بالش��واهد التاريخي��ة هيمنة‬ ‫الموروث��ات الفكرية في ج��رف أصحابها عك��س تيارات العل��م والمعرفة‬ ‫والبديهي من المؤكدات‪.‬‬ ‫والعارف ألهل النهروان واإلباضية حق المعرفة‪ ،‬والعالم لعلوم األمة‬ ‫اإلس�لامية التي تقاس بها أق��وال العاملي��ن وأفعاله��م‪ ،‬والمطلع على‬ ‫الكتَّاب من كتابات مخالفة لما يدعو إليه العلم والعقل‪،‬‬‫ما سجلته أنامل ُ‬ ‫ي��درك تم��ام اإلدراك أن المتطاولين عل��ى الفكر اإلباضي ق��د حازوا‬ ‫بكتاباتهم وأقوالهم األوصاف التي يتحلى بها كل من خالف فع ُله قو َله‪،‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪300‬‬ ‫واصطبغ بها كل من صار إمعة يسير مع أفكار الناس على حساب قناعاته‬ ‫وما يدعو إليه العلم الثابت والمبادئ الراسخة والقيم القائمة على تعاليم‬ ‫شرع اهلل تعالى‪.‬‬ ‫وكل الذين ساهموا في ش��يطنة أهل النهروان واإلباضية‪ ،‬ووصفوهم بما‬ ‫ال يليق بهم‪ ،‬لم يكن له��م حظ في اتباع الثوابت المنهجية التي أش��ار إليها‬ ‫الدكتور محمد بن موسى الش��ريف بقوله‪« :‬فال بد لمن يريد أن يكون مؤرخ ًا‬ ‫أن يتعلم كيفية تقويم رأي المؤرخ ووجهة نظ��ره‪ ،‬وهذا يكون بمحاكمة رأيه‬ ‫هذا إلى الثوابت الش��رعية‪ ،‬وإلى الضوابط التي تحك��م حياة الناس من كل‬ ‫جوانبها‪ ،‬فإن صنع ذلك لم يفته غالب ًا الحك��م الجيد على المؤرخ وما يورده‬ ‫من آراء»(‪.((71‬‬ ‫الكتَّاب المتطاولون على أهل النهروان واإلباضية أن مآربهم‬‫ولقد أدرك ُ‬ ‫لن تتحقق باتباع ما أرساه اإلسالم من مبادئ في البحث العلمي‪ ،‬لهذا لجأوا‬ ‫إلى اعتماد ما يبطله المنهج الحق لكي يكون وسيلتهم في الكتابة‪ ،‬ورأوا أن‬ ‫قوتهم تكمن في تكثير س��وادهم بتك��رار أقاويلهم وتأكيدها‪ ،‬بكل وس��ائل‬ ‫المؤكدات‪ ،‬لكيال يرى القراء غيرها من األقوال‪ .‬وبهذا األس��لوب تحقق لهم‬ ‫الس��بق إلى عقول األجيال‪ ،‬وأصبحت أقوالهم التي يبطلها المنهج الحق هي‬ ‫المنتشرة في أوساط الجماهير‪.‬‬ ‫وهؤالء الكت��اب‪ ،‬على كثرته��م‪ ،‬حينما تناول��وا الحديث عن صلة‬ ‫اإلباضية بأه��ل النهروان لم يك��ن منهم إال اجت��رار ما حبطت به كتب‬ ‫التاريخ والفرق من أقوال كان مبدأها ما أنتجته أفواه الكذابين والضعفاء‬ ‫من الرواة والكتاب‪.‬‬ ‫(‪ ((71‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪.37‬‬ ‫‪301‬‬ ‫ريهامجلا ةيجولوكيس( ةفسلفو ةيضابإلاو ناورهنلا لهأ يف نونعاطلا‬ ‫الكتَّاب يمثلون الجماهير(‪ ((71‬الهادرة التي تنساق خلف من يجيد‬ ‫وهؤالء ُ‬ ‫اختالب العقول‪ ،‬وس��حر النفوس ولو خالف كل المبادئ والضوابط العلمية‬ ‫التي ترتكز عليها المناهج التي بينها كبار علماء اإلسالم في كتبهم العلمية‪.‬‬ ‫الكتَّاب والخطباء أن «ف��ن التأثير على مخيلة الجماهير تعني‬ ‫ولقد عرف ُ‬ ‫فن حكمها»(‪ ،((71‬لهذا تخيروا من األحداث ما يالمس أحاس��يس الجماهير‪،‬‬ ‫وما يثير في خلجات نفوس��هم الحقد والبغضاء‪ ،‬وما يبعث من مكامنها حب‬ ‫االنتقام‪ .‬وبما أن المسلم بفطرته السوية المستقيمة يكره كل أنواع الفساد‪ ،‬فقد‬ ‫الكتَّاب ف��ي حملة دعائية إل��ى مخيلة جماهيره��م وأثاروهم على أهل‬ ‫جاء ُ‬ ‫النهروان‪ ،‬وحاولوا ش��يطنتهم في أعين الناس حينما نسبوا إليهم كذب ًا وزور ًا‬ ‫القتل وبقر بطون النساء وتكفير الصحابة(‪.((72‬‬ ‫(‪ ((71‬عرف مترجم كتاب (س��يكولوجية الجماهير) مصطلح «الجماهير» حس��ب رأي غس��تاف‬ ‫لوبون بقوله‪« :‬الميزة األساسية للجمهور هي انصهار أفراده في روح واحدة وعاطفة مشتركة‬ ‫تقضي على التمايزات الشخصية وتخفض من مس��توى الملكات العقلية‪ .‬وهو يشبه ذلك‬ ‫بالمركب الكيماوي النات��ج عن صهر عدة عناصر مختلفة‪ .‬فهي ت��ذوب وتفقد خصائصها‬ ‫األولى نتيجة التفاعل ومن أجل تركيب المركب الجديد» (سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪.)30‬‬ ‫(‪ ((71‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪.89‬‬ ‫(‪ ((72‬قال الدكت��ور علي بن محمد الصالبي ـ وي��ا ليته لم يقل ـ عند حديثه ف��ي مقدمة كتابه‬ ‫(الخوارج نشأتهم وصفاتهم وعقائدهم وأفكارهم)‪« :‬وأشرت إلى أهم صفات الخوارج في‬ ‫عهد أمير المؤمنين علي‪ ،‬كالغلو في الدين‪ ،‬والجهل به‪ ،‬وش��ق عص��ا الطاعة‪ ،‬والتكفير‬ ‫بالذنوب‪ ،‬واستحالل دماء المس��لمين وأموالهم‪ ،‬وسوء الظن‪ ،‬وتكفير المسلمين وطعنهم‬ ‫لبعض الصحابة وتكفيره��م لعثمان وعلي ^ » (الخوارج نش��أتهم وصفاتهم وعقائدهم‬ ‫وأفكارهم‪ ،‬ص ‪ ،)6‬وكرر نفس العبارات في مقدمة كتابه اآلخر (فكر الخوارج والشيعة من‬ ‫ميزان أهل الس��نة والجماعة‪ ،‬ص ‪ .)6‬لعل اعتذارنا للدكتور الكريم هو أن ثقته الزائدة بما‬ ‫س��طره الذين نقل عنهم مادة بحثه هو الدافع له للتقول على أه��ل النهروان الكرام بهذه‬ ‫األوصاف الباطلة التي ال تليق بهم‪ .‬ونناشد الدكتور الصالبي ـ حفظه اهلل تعالى ـ لمراجعة‬ ‫هذه األقوال ووزنها بميزان الحق الذي دعى إلى تطبيقه الشرع الشريف‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪302‬‬ ‫الكتَّاب الذين تحاملوا على اإلباضية الحقيقة النفسية القائلة‪:‬‬ ‫ولقد أدرك ُ‬ ‫« ‪ ...‬ال يمكن تحريك الجماهير والتأثير عليها إال بواسطة العواطف المتطرفة‪،‬‬ ‫فإن الخطيب الذي يريد جذبها ينبغي أن يس��تخدم الشعارات العنيفة‪ .‬ينبغي‬ ‫عليه أن يبالغ في كالمه ويؤكد بشكل جازم ويكرر دون أن يحاول إثبات أي‬ ‫شيء عن طريق المحاجة العقالنية‪ .‬وهذه هي الطريقة التي يستخدمها الخطباء‬ ‫في الملتقيات الشعبية»(‪.((72‬‬ ‫وأيض ًا أدركوا أن « ‪ ...‬محركي الجماهير من الخطباء ال يتوجهون أبد ًا إلى‬ ‫عقلها وإنما إل��ى عاطفته��ا‪ .‬فقوانين المنط��ق العقالني ليس له��ا أي تأثير‬ ‫عليها‪.((72(»...‬‬ ‫الكتَّ��اب‪ ،‬الذين تحاملوا على أهل النه��روان واإلباضية‪ ،‬أن‬ ‫ولقد عرف ُ‬ ‫دراسة الروايات التي تقول الحق ليست من صالح أغراضهم‪ ،‬وأنهم إذا طبقوا‬ ‫القواعد المنهجية في دراس��ة األخبار لما كث��رت جماهيرهم؛ ألن الجماهير‬ ‫وقليال ما يستهويها التحقيق العلمي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قليالً ما تس��تنهضها األدلة العقلية(‪،((72‬‬ ‫لهذا فقد استس��هلوا رص الروايات الباطلة وركمها لتظهر وكأنها شيء يؤثر‪،‬‬ ‫وأخذوا في تشكيلها لبناء فكر خاطئ عن أهل النهروان واإلباضية‪.‬‬ ‫ولقد أجاد الدكتور إبراهي��م الريس عند وصفه ألمث��ال هؤالء الكتاب‪،‬‬ ‫حينما قال‪ ... « :‬وكم ش��وه بعض المؤرخين من تواريخ األمم‪ ،‬وكم ُلطخت‬ ‫سير الصالحين من بعض المؤرخين بالتشويه والدس والتهجم والتهكم‪ ،‬وكم‬ ‫ُزينت سير أش��خاص ضالين ومفسدين‪ ،‬وأبرزت س��يرهم نماذج للمثل التي‬ ‫(‪ ((72‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪.75‬‬ ‫(‪ ((72‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪ 123‬ـ ‪.124‬‬ ‫(‪ ((72‬من أقوال غستاف لوبون‪« :‬ليس بالحجج العقلية تستنهض الجماهير» (اآلراء والمعتقدات‬ ‫نشوؤها وتطورها‪ ،‬ص ‪.)281‬‬ ‫‪303‬‬ ‫ريهامجلا ةيجولوكيس( ةفسلفو ةيضابإلاو ناورهنلا لهأ يف نونعاطلا‬ ‫ُتحتذى‪ ،‬والقدوات التي ُتقتفى‪ ...‬ولهذا فليس كل كالم ورد في كتب التاريخ‬ ‫مما تتلقاه العقول بالقبول‪ ،‬ولكن ال بد أن يعرف الناظر فيها مناهج أصحابها‬ ‫وتوجهات مؤلفيها‪ ،‬وأه��داف تصنيفها؛ فإن كثير ًا من س��ير العلماء والدعاة‬ ‫والخلفاء قد ُشوهت‪ ،‬ونسب لهم من المواقف ما هم منه براء‪.((72(»...‬‬ ‫الكتَّاب الذين تحاملوا على أهل النه��روان واإلباضية العمل‬ ‫ولقد أتقن ُ‬ ‫واالستفادة من القاعدة النفس��ية القائلة‪« :‬ال داعي للقول بأن مبالغة الجماهير‬ ‫تخص العواطف وليس العقل بأي ش��كل من األش��كال‪ .‬فبمجرد أن ينخرط‬ ‫الفرد في الجمهور‪ ،‬فإن مستواه الفكري ينخفض إلى حد بعيد‪.((72(»...‬‬ ‫وهكذا هو حال الجماهير‪ ،‬فكما كانت ف��ي الماضي‪ ،‬فهي دائم ًا تهيجها‬ ‫وتجيش��ها كل الدعوات التي يجيد أصحابها اس��تغالل مب��ادئ الدين وقيم‬ ‫الكتَّاب إال تلق��ف األباطيل ورميها في‬ ‫المجتمع؛ فما على المس��تبدين من ُ‬ ‫ساحة من يناوئهم‪ ،‬ثم يجيشون إعالمهم بعد أن ينصبوا أنفسهم حماة لمبادئ‬ ‫الدين وقي��م المجتمع؛ تمام ًا كالذين وضعوا أنفس��هم أبواق�� ًا ضد ما زعموه‬ ‫إرهاب�� ًا في ه��ذا العصر‪ .‬وأصبح الناس أس��ارى لم��ا قاله الكذاب��ون أوالً‪،‬‬ ‫الكتَّاب الذين نقلوا عنهم ثاني ًا‪ ،‬وص��ارت الحقيقة التي ينادي بها‬ ‫وما اجتره ُ‬ ‫العلم وينشدها المنهج اإلسالمي المس��تقيم جمرة تحت ركام رماد األباطيل‬ ‫تنتظر وقت خروجها لحرق ترهات المبطلين‪.‬‬ ‫فالكتَّاب الذين أجلب��وا بخيلهم ورجلهم على أه��ل النهروان واإلباضية‬ ‫ُ‬ ‫استقرت في نفوس��هم حاالت الخوف من أن تنكش��ف الحقيقة لكل لبيب‪،‬‬ ‫فحاولوا التضليل واس��تالب عقول الناس بأفكاره��م‪ ،‬وحرضوا الناس على‬ ‫(‪ ((72‬التراجم وأثرها في الس��لوك اإلنس��اني‪ ،‬ص ‪ 133‬ـ ‪ً ،134‬‬ ‫نقال عن (عل��م التراجم‪ :‬أهميته‬ ‫وفائدته‪ ،‬ص ‪ 92‬وما بعدها)‪.‬‬ ‫(‪ ((72‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪304‬‬ ‫األبرياء بما اس��تحدثوه من إيحاءات زائفة‪ ،‬وإبعاد أذه��ان الناس عن مناهج‬ ‫النقد التي يحتكم إليها المس��لمون‪ ،‬وأكثروا من النقل لألقوال الباطلة‪ ،‬ولم‬ ‫يأتوا بالحق والصادق من األخبار التي يقبلها منهج اإلسالم الخالد العادل‪.‬‬ ‫واألس��ئلة التي ال تنفك عن طرح نفس��ها أم��ام العارفين لمناه��ج الكتابة‬ ‫التاريخية هي‪ :‬كيف تغلبت أقوال الكذابين والضعفاء على الحقيقة التي عليها أهل‬ ‫النهروان على مدى القرون الماضية على رغم فساد تلك األقوال سند ًا ومتن ًا؟‬ ‫وكيف أمكن ألولئك الكذابين من الس��يطرة على أقالم رجال لهم الحظ‬ ‫األوفى في تأصيل مبادئ التلقي عند المسلمين؟‬ ‫وكيف س��كنت واس��تقرت تلك الترهات واألباطيل المنسوبة إلى أهل‬ ‫النهروان في أدمغة الجم الغفير من الناس من غير مناعة وال مقاومة؟‬ ‫أس��ئلة قد نجد جوابها عند الدكتور عماد الدين خلي��ل‪ ،‬الذي نقل عن‬ ‫مح��ب الدي��ن الخطيب قول��ه‪« :‬أما الذي��ن يحتطب��ون األخب��ار بأهوائهم‪،‬‬ ‫وال يتعرفون إلى رواتها‪ ،‬ويكتفون بأن يش��يروا في ذي��ل الخبر إلى الطبري‪:‬‬ ‫رواه في صفحة كذا من جزئ��ه الفالني‪ ،‬ويظنون أن مهمته��م انتهت بذلك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ت به كتب التاريخ اإلسالمي من‬ ‫فهؤالء من أبعد الناس عن االنتفاع بما َحف َل ْ‬ ‫ألوف األخبار‪ .‬ولو أنهم تمكنوا من (علم مصطلح الحديث)‪ ،‬وأنِسوا بكتب‬ ‫الجرح والتعديل‪ ،‬واهتموا برواة كل خبر‪ ،‬كاهتمامهم بذلك الخبر‪ ،‬الستطاعوا‬ ‫أن يعيشوا في جو التاريخ اإلس�لامي‪ ،‬ولتمكنوا من التمييز بين غث األخبار‬ ‫وسمينها‪ ،‬ولعرفوا لألخبار أقدارها بوقوفهم على أقدار أصحابها‪.((72(»...‬‬ ‫(‪ ((72‬في التاريخ اإلس�لامي فصول في المنهج والتحلي��ل‪ ،‬ص ‪ 187‬ـ ‪ ،188‬ونقل الكاتب هذه‬ ‫العبارة أيض ًا في كتابه (حول إعادة كتابة التاريخ اإلس�لامي‪ ،‬ص ‪ ،)86‬نقالً عن (المراجع‬ ‫األولى في تاريخنا‪ :‬مجلة األزهر‪ ،‬مجلد ‪ :24‬ج ‪ /2‬ص ‪ ،210‬صفر ‪1372‬هـ)‪.‬‬ ‫‪305‬‬ ‫ريهامجلا ةيجولوكيس( ةفسلفو ةيضابإلاو ناورهنلا لهأ يف نونعاطلا‬ ‫قطع ًا‪ ،‬والواقع يشهد بذلك‪ ،‬فإن الذين تستروا بما َش ِرقَت به كتب التاريخ‬ ‫من أقوال ضعيفة‪ ،‬لم يك��ن لهم حظ في «األخذ بأس��لوب نقدي رصين في‬ ‫التعامل مع الروايات التي قدمتها مصادرنا (القديمة) وعدم التس��ليم المطلق‬ ‫بكل ما يطرحه مؤرخنا القديم‪ ،‬وإحالة الرواية التاريخية‪ ،‬قبل التسليم النهائي‬ ‫بها‪ ،‬على المجرى العام للمرحلة التاريخية لمعرفة‪ :‬هل يمكن أن تتجانس في‬ ‫سداها ولحمتها مع نسيج تلك المرحلة لحمة وسدى؟‪ .‬هذا فضالً عن ضرورة‬ ‫اعتماد مقاييس ومعايير النقدين الخارج��ي والباطني وصوالً إلى قناعة كافية‬ ‫بصحة الرواية»(‪.((72‬‬ ‫وكما رزئ��ت هذه األمة في الماض��ي بالكذابين والضعف��اء والوضاعين‬ ‫للتاريخ‪ ،‬فق��د عظمت الرزي��ة في هذا العص��ر حينما « ‪ ...‬ج��اء المؤرخون‬ ‫(‪((72‬‬ ‫المحدثون فوس��عوا الش��قة وتلقوا روايات موضوعة في العصر العباسي‬ ‫دونما نقد أو تمحيص‪.((72(»...‬‬ ‫فهذه األقوال التي نقلها وقالها الدكتور عماد الدين خليل هي أبلغ عبارة‬ ‫وخير وصف لكل الذي��ن تزاحموا على الروايات الضعيف��ة واألقوال الباطلة‬ ‫عندما تحدثوا عن أهل النهروان وعالقة اإلباضية بهم‪.‬‬ ‫فهم «يحتطبون األخبار بأهوائهم»‪ ،‬وما قاموا به إنما هو «عمل غير علمي‬ ‫وال دقي��ق‪ ،‬بل عم��ل حاطب ليل وس��ائس خي��ل ال عمل أس��اتذة التاريخ‬ ‫(‪ ((72‬حول إعادة كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ ،85‬ونفس العبارة جاءت في كتاب (في التأصيل‬ ‫اإلسالمي للتاريخ‪ ،‬ص ‪.)20‬‬ ‫(‪ ((72‬دائم ًا ألصحاب السلطات قوة توجه الرأي العام ضد من يناوئهم‪ ،‬وهذا غير مستبعد ويقع‬ ‫كثير ًا عب��ر التاريخ‪ ،‬ولكن ال ينبغي رف��ض أي رواية أو قبولها لكونها س��طرت في عهد‬ ‫األمويين أو العباس��يين أو في أي عصر آخر‪ ،‬فدراسة األسانيد وما حوته المتون من معان‬ ‫كفيلة ببيان حال أي قول منسوب إلى أقوام من الناس‪.‬‬ ‫(‪ ((72‬في التأصيل اإلسالمي للتاريخ‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪306‬‬ ‫المحققين»‪ .‬وما سطرته أيديهم حين الحديث عن أهل النهروان الكرام يبرهن‬ ‫بأصدق لس��ان أنهم «كالخابط في ظلم��اء الليالي»‪ ،‬كما ق��ال ابن األثير في‬ ‫مقدمة تاريخه‪.‬‬ ‫والكتَّاب الذين لم ينصفوا‪ ،‬ولم يعطوا الحقوق ألهلها‪ ،‬وقاسوا األحداث‬ ‫ُ‬ ‫بمقاييس االنتقائي��ة‪ ،‬فقد جاءت نتائ��ج أعمالهم مبرهن��ة لثقافتهم وخيالهم‬ ‫وأمزجتهم العقلية‪ ،‬وهذا الفعل «من أخطر ما يتعرض له العمل التاريخي»‪...‬‬ ‫فـ «االنتقاء الذي يقوم به المؤرخ يجعل البنيان التاريخي كله انتقائي ًا»(‪.((73‬‬ ‫س��واء الذين كتبوا األخبار الضعيفة عن أهل النه��روان‪ ،‬أو الذين نقلوا‬ ‫أخبارهم في صفحات كتبهم عبر القرون الماضية هم أدوات إشاعة مغرضة‪،‬‬ ‫وأبواق ألصوات جوفاء ال أصل لها‪ ،‬وهم عرفوا أن اإلش��اعة‪« :‬تعتمد تزييف‬ ‫الحقائق وتش��ويه الواقع‪ ...‬وتهدف إلى التأثير على الروح المعنوية والبلبلة‬ ‫والقلق وزرع بذور الشك في صفوف الخصوم والمناوئين عسكري ًا أو سياسي ًا‬ ‫أو اقتصادي ًا أو اجتماعي ًا»(‪ ،((73‬لهذا فقد أكثروا من اإلش��اعات ونشروها عبر‬ ‫القرون الماضية‪ ،‬وتضاعف��ت جهودهم في عصر الناس هذا بكل الوس��ائل‬ ‫المعروفة‪ ،‬ألنهم على دراية بأن «هدف اإلش��اعة دائم ًا هو عقل اإلنسان وقلبه‬ ‫ونفسه‪ ...‬وتستهدف اإلشاعة الفكر والعقيدة والروح»(‪.((73‬‬ ‫فكل غايات الذين كذبوا على أه��ل النهروان واإلباضية هو زرع بذور‬ ‫الش��قاق بين المس��لمين‪ ،‬ووضع الفواص��ل بين اإلباضي��ة وغيرهم من‬ ‫(‪ ((73‬القراءة المثم��رة (مفاهيم وآلي��ات)‪ ،‬ص ‪ 101‬ـ ‪ ،102‬بتصرف في بع��ض العبارات ليتالءم‬ ‫تركيبها مع السياق‪.‬‬ ‫(‪ ((73‬محددات اإلشاعة في السلم والحرب‪ ،‬ص ‪ً ،21‬‬ ‫نقال (عن مبارك عبد اهلل المفلح‪ ،‬اإلشاعة‬ ‫ومخاطرها التربوية من منظور إس�لامي‪ ،‬رس��الة ماجس��تير‪ ،‬جامعة اليرم��وك باألردن‪،‬‬ ‫‪1415‬هـ‪ ،‬ص ‪.)14‬‬ ‫(‪ ((73‬محددات اإلشاعة في السلم والحرب‪ ،‬ص ‪.97‬‬ ‫‪307‬‬ ‫ريهامجلا ةيجولوكيس( ةفسلفو ةيضابإلاو ناورهنلا لهأ يف نونعاطلا‬ ‫المسلمين‪ ،‬وزعزعة ثقة اإلباضية بتاريخ أسالفهم الكرام‪ .‬وهم دائم ًا وأبد ًا‬ ‫يعتمدون «على الكذب في نس��ج تلك اإلشاعات واألراجيف التي يبثونها‬ ‫وينشرونها»(‪.((73‬‬ ‫والكتب التي تطاول أصحابها على أهل النه��روان واإلباضية إنما ُبنيت‬ ‫على النقل‪ ،‬وفقد أصحابها كل مقومات النقد لما نقلوه‪ ،‬فما تجده في كتاب‬ ‫منها تجده في باقي الكتب‪ ،‬وكأن القوم على موعد فيما بينهم ـ وإن فصلت‬ ‫بينهم السنون ـ ألجل تكثيف شائعاتهم وتكثير سواد أباطيلهم‪ ،‬وهم يتحركون‬ ‫ككتل جماهيرية غير واعية(‪ ((73‬لم��ا يتطلبه منهج البحث العلمي الرصين من‬ ‫مبادئ وأسس‪ .‬وهذا الذي درج عليه الكتاب‪ ،‬سواء كان عملهم مدح ًا أو ذم ًا‪،‬‬ ‫ال يعد شيئ ًا في ميزان اإلسالم‪.‬‬ ‫و«من األس��باب التي تدعو إلى انطماس الحقائق وذي��وع األكاذيب أن‬ ‫الناس يتقرب��ون ألصحاب الس��لطان والمراتب بالثناء والمدح‪ ،‬فتس��تفيض‬ ‫األخبار بثنائهم ومدائحهم‪ ،‬وهي بعيدة عن الحقيقة‪ ،‬ثم يأتي الرواة‪ ،‬فيتلقفون‬ ‫ذلك‪ ،‬ويذيعونه من غير بصيرة‪ ،‬وال بحث‪ ،‬ويأتي َم ْن بعدهم ليأخذوا صورة‬ ‫عن أوضاع أصحاب النفوذ والس��لطان من خ�لال ما تناقله المؤرخون الذين‬ ‫يحطبون كل ما يجدونه!!»(‪.((73‬‬ ‫وهذه األطوار التي تنتقل فيها أقوال المادحين‪ ،‬هي نفسها التي تحتضن‬ ‫أقوال الشامتين؛ فهي تبدأ من دواوين المستبدين لتصبح على ألسنة الرواة‪،‬‬ ‫(‪ ((73‬محددات اإلشاعة في السلم والحرب‪ ،‬ص ‪.160‬‬ ‫(‪ ((73‬جاء في تقديم المترجم لكتاب سيكولوجية الجماهير‪« :‬الفرد يتحرك بشكل واع ومقصود‬ ‫أما الجمهور فيتحرك بش��كل ال واعٍ‪ .‬ذل��ك أن الوعي فردي تحديداً‪ ،‬أم��ا الالوعي فهو‬ ‫جماعي» (سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪.)32‬‬ ‫(‪ ((73‬فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪.161‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪308‬‬ ‫ولتمس��ي فيما بع��د ص��ورة يتناقله��ا «المؤرخ��ون الذي��ن يحطبون كل‬ ‫ما يجدونه!!»‬ ‫وال بد من اإلش��ارة هنا إل��ى أن «النقد لما يورده الم��ؤرخ أمر في غاية‬ ‫األهمية؛ ألنه بالنقد يطمئن قارئ التاريخ لصحة الم��ادة التي يقرأها وترتاح‬ ‫نفس��ه لمتابعة االطالع‪ ،‬وعكس هذا صحيح؛ إذ القارئ للكتاب الخالي من‬ ‫النقد والذي تكثر فيه الروايات الضعيفة أو األساطير الموضوعة سيعزف عنه‬ ‫وتمله نفسه»(‪ .((73‬وأنى تكون الطمأنينة ألقوال الكذابين والضعفاء وهي بعيدة‬ ‫الكتَّاب من‬ ‫كل البعد عن الصحة والس�لامة؟! فأي رش��د وأي نجاح يرجوه ُ‬ ‫إعادة تدوير األكاذيب في أوساط المسلمين؟‬ ‫ونحن نرى نفور قلوب القراء العارفين م��ن أي كاتب حينما تنعدم عنده‬ ‫موازين النقد على رغم معرفته به��ا‪ ،‬وعندما تغيب عنه مقاييس تقبل األخبار‬ ‫وإن كانت حاضرة أمام عينيه‪ ،‬وحينما يصبح جرم�� ًا تجذبه جاذبية الجماهير‬ ‫النفسية‪ ،‬فيدور في فلكها من غير حول له وال قوة‪.‬‬ ‫وقد ذكر األس��تاذ الدكتور عبد الكريم بكّ ار أس��باب التخلف في كتابة‬ ‫تاريخنا اإلس�لامي بقوله‪« :‬ولس��ت أبعد في النجعة‪ ،‬وال أخط��ئ الرمية إذا‬ ‫ما قل��ت‪ :‬إن فقدن��ا للموضوعية(‪ ((73‬ف��ي التعام��ل مع األف��كار والمواقف‬ ‫(‪ ((73‬كيفية قراءة التاريخ وفهمه‪ ،‬ص ‪ 92‬ـ ‪.93‬‬ ‫(‪ ((73‬لقد عرف األس��تاذ الدكتور عبد الكريم بكّ ار التفكير الموضوعي بقول��ه‪« :‬وبإمكاننا أن‬ ‫نعرف التفكير الموضوعي بأنه‪( :‬مجموعة األساليب والخطوات واألدوات التي تمكننا من‬ ‫الوقوف على الحقيق��ة‪ ،‬والتعامل معها على ما ه��ي عليه بعيد ًا ع��ن الذاتية والمؤثرات‬ ‫الخارجية)‪ .‬وال يغيب عن البال أن الذين يدعون التحلي بالتفكير الموضوعي كثيرون؛ بل‬ ‫قلما نجد من يعترف أنه غير موضوعي؛ وهذا على مس��توى األفراد والجماعات والدول‬ ‫والش��عوب‪ .‬وال ريب أن الموضوعية ليس��ت امتالك منهج يجهد اإلنسان نفسه للحصول‬ ‫عليه‪ ،‬ثم يس��ترخي مطمئن ًا لما أنجزه!! إن الموضوعية علم وإخالص‪ ،‬قدرة وإرادة‪ ،‬فهم‬ ‫وتقوى» (فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪.)45‬‬ ‫‪309‬‬ ‫ريهامجلا ةيجولوكيس( ةفسلفو ةيضابإلاو ناورهنلا لهأ يف نونعاطلا‬ ‫واألش��خاص واألش��ياء كان من أكبر العوام��ل التي أدت بنا إل��ى التخلف‬ ‫والتفكك والتنازع في تاريخنا المديد»(‪.((73‬‬ ‫الكتَّاب الذين فق��دوا الموضوعية أنهم ل��ن ينالوا من أهل‬ ‫ولقد أيق��ن ُ‬ ‫النهروان واإلباضية إذا طبقوا مناهج المس��لمين في دراسة اآلراء واألفكار‬ ‫والعقائد‪ ،‬فلهذا ألجأتهم نفوسهم إلى «أس��لوب التأكيد‪ ،‬وأسلوب التكرار‪،‬‬ ‫وأسلوب العدوى»(‪ ((73‬في نشر كل مكذوب وضعيف من األخبار والروايات‬ ‫الذين قَلَّ ْ‬ ‫(‪((74‬‬ ‫ت‪ ،‬أو انعدمت‪ ،‬لديهم أسس تلقي األخبار‬ ‫في أوس��اط الناس‬ ‫من مظانها‪.‬‬ ‫الكتَّاب المتحاملون عل��ى اإلباضية أن «التأكيد والتكرار هما‬ ‫ولقد أدرك ُ‬ ‫عنصران قويان جد ًا في خلق ونش��ر اآلراء‪ .‬وتقوم التربية جزئي ًا عليهما»(‪،((74‬‬ ‫وأدركوا أيض ًا أن «التأكيد ال يحتاج لالتكاء على أي برهان عقلي‪ ،‬ينبغي فقط‬ ‫أن يكون قصيراً‪ ،‬حماسي ًا ومؤثراً»(‪.((74‬‬ ‫فعدم وجود التحقيق العلمي المبني على البراهين العقلية واألدلة الثابتة‬ ‫الكتَّ��اب المتحاملين على أه��ل النهروان‬ ‫من مظانها الصادق��ة‪ ،‬جعل مهمة ُ‬ ‫واإلباضية س��هلة ألن كل ما قاموا به هو تكرار المك��رر؛ فأتى ثانيهم وكرر‬ ‫(‪ ((73‬فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫(‪ ((73‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫(‪ ((74‬قال الدكتور محمد موسى الشريف‪ ،‬حينما تكلم عن نتائج اإلخالل بضوابط (النقد الجيد)‬ ‫الذي يقدم عليه الكتاب‪« :‬فإذا انضاف إلى ذلك قلة الحصيلة الشرعية للقارئ أو انعدامها‬ ‫في كثير من األحيان فحدث وال حرج حينئذ عن الضالل البعيد الذي تحدثه الترجمة‪»...‬‬ ‫(التراجم وأثرها في السلوك اإلنساني‪ ،‬ص ‪.)67‬‬ ‫(‪ ((74‬اآلراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها‪ ،‬ص ‪.231‬‬ ‫(‪ ((74‬اآلراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها‪ ،‬ص ‪.231‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪310‬‬ ‫ما تفوه به أولهم‪ ،‬وهكذا انتقلت األفكار إل��ى ثالثهم ورابعهم‪ ،‬ثم أصبحت‬ ‫بعد ذلك راس��خة رس��وخ الجبال الراس��ية في أدمغة الجماهير ما دام الذين‬ ‫كرروها لهم منازلهم في أوساط الجماهير‪.‬‬ ‫والذين تحاملوا على أهل النه��روان واإلباضية عرفوا أن «التأكيد المجرد‬ ‫والعاري من كل محاجة عقالنية أو برهانية يش��كل الوسيلة الموثوقة إلدخال‬ ‫فكرة ما في روح الجماهير‪ .‬وكلما كان التأكيد قاطع�� ًا وخالي ًا من كل برهان‬ ‫كلما فرض نفسه بهيبة أكبر»(‪ ،((74‬لهذا فهم قد أكثروا من تكرار األخبار الزائفة‬ ‫التي فق��دت الموضوعية‪ ،‬ول��م يعملوا عل��ى إظهار الصدق م��ن بين ركام‬ ‫الروايات التي اختلط فيها الخير والشر‪.‬‬ ‫فكل األفكار الخاطئة التي نسبت إلى أهل النهروان واإلباضية زور ًا وكذب ًا‬ ‫الكتَّاب‬ ‫ترفضها براهين الحق‪ ،‬ولكنها انتشرت في أوساط الناس حينما اعتمد ُ‬ ‫مقومات انتشار الشائعات الزائفة في تأكيد باطلها‪ ،‬وتكرار أحداثها المكذوبة‪،‬‬ ‫ونشر عدواها في أوساط األجيال المتالحقة‪.‬‬ ‫والذين أرادوا ألفكارهم الهزيلة ـ التي ال يس��ندها عل��م وال عقل ـ أن‬ ‫تنتش��ر‪ ،‬وتس��ود‪ ،‬وتتحكم في عقول الناس أيقنوا أن «التأكيد إذا ما ُكرر بما‬ ‫يكفي س��يؤدي في النهاية إلى خلق الرأي بداي ًة وفيما بعد االعتقاد‪ .‬والتكرار‬ ‫هو المكمل الضروري للتأكيد‪ .‬فأن تكرر كلمة أو فكرة أو عبارة يعني غالب ًا أن‬ ‫تحولها حتم ًا إلى معتق��د‪ ...‬إن التكرار يبلغ من القوة بحي��ث إ َّن المرء ذاته‬ ‫ينتهي إلى اإليمان بالكلم��ات المكررة وإلى القبول ب��اآلراء التي يعبر عنها‬ ‫بشكل اعتيادي»(‪.((74‬‬ ‫(‪ ((74‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫(‪ ((74‬اآلراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها‪ ،‬ص ‪.232‬‬ ‫‪311‬‬ ‫ريهامجلا ةيجولوكيس( ةفسلفو ةيضابإلاو ناورهنلا لهأ يف نونعاطلا‬ ‫فخذ‪ ،‬على سبيل المثال‪« ،‬شخصية عبد اهلل بن س��بأ» التي جاء بفكرتها‬ ‫أناس ضعفاء ووضاعون لألخبار‪ ،‬ثم كان سبيل تلك األخبار إلى كتب التاريخ‬ ‫التي انتشرت في أوس��اط الناس‪ ،‬وبتكرار ذكر تلك األخبار في المجادالت‬ ‫والمناظرات بين الناس صار لتك الروايات مكان�� ًا في أذهان األجيال‪ ،‬حتى‬ ‫ج��اء دورها لتتبوأ مكانه��ا في عقول حملة الش��هادات العليا في األوس��اط‬ ‫العلمية‪ .‬وبعد أن كانت (شخصية ابن سبأ) وهمية انتهى بها التطواف لتصبح‬ ‫حقيقة تس��تميت في نصرتها جماهير من الناس ممن صخت أس��ماعهم من‬ ‫تكرارها والتأكيد عليها عبر القرون الماضية‪.‬‬ ‫الكتَّاب لخرافة(‪« ((74‬ابن س��بأ» في أوس��اط المجتمعات‬ ‫وبإعادة تدوير ُ‬ ‫المس��لمة وتأكيدهم عليها عبر القرون الماضية صارت تل��ك الخرافة‪ ،‬التي‬ ‫ال أس��اس لها في واقع التاريخ‪ ،‬وكأنها حقيقة ال تقبل الش��ك في وجودها‪،‬‬ ‫وال تخال��ط أحداثها ريب��ة‪ .‬لقد أدخلوها في أوس��اط المس��لمين بتكرارهم‬ ‫«المجرد والعاري م��ن كل محاجة عقالنية أو برهاني��ة»‪ ،‬ولهذا صارت تلك‬ ‫الخرافة تخالط أفكار الجماهير وأصبحت لها هيبة على عقولهم حتى ولو جاء‬ ‫البرهان بأدلته الدامغة على فس��ادها وبطالن وجودها من على وجه األرض‪.‬‬ ‫وهكذا انتشرت شخصية «ابن س��بأ» الخيالية‪ ،‬التي أفرزتها أفكار الكذابين‪،‬‬ ‫تمام ًا كما تنتشر أحيان ًا «اآلراء والعقائد بواس��طة آلية العدوى وليس بواسطة‬ ‫المحاجة العقالنية إال في القليل النادر»(‪.((74‬‬ ‫(‪ ((74‬انظر كتابنا (اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت)‪ ،‬الفصل الثالث‪.‬‬ ‫(‪ ((74‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪ .135‬ومن األمثلة التي س��اقها عالم النفس الفرنسي لتوضيح‬ ‫مدى تأثير تكرار اإلش��اعة في أوس��اط الناس هي قوله‪« :‬ومن كثرة ما يكررون في نفس‬ ‫الصحيفة أن (أ) هو وغد حقير وأن (ب) هو رجل نبيل وش��ريف فإن األمر ينتهي بنا إلى‬ ‫تصديق ذلك ما دمنا لم نقرأ صحيفة أخرى ذات رأي مضاد تمام ًا لألول» (س��يكولوجية‬ ‫الجماهير‪ ،‬ص ‪.)133‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪312‬‬ ‫الكتَّاب الذي��ن تقولوا على أه��ل النه��روان واإلباضية ظاهرة‬ ‫وظاه��رة ُ‬ ‫مدهشة‪ ،‬فهم حينما يتحركون كأفراد تظهر على ألسنتهم الدعوة إلى قول الحق‬ ‫والعمل به‪ ،‬ولكنهم حينما ينضوون في جمهرة من الناس تتشكل لديهم نفسية‬ ‫جماهيرية واح��دة ويتحولون إلى أب��واق ُتكَ بِّ ُر صدى ما رددت��ه أفواه الذين‬ ‫سبقوهم من الكذابين والوضاعين والضعفاء‪.‬‬ ‫فالكتل��ة الجماهيرية الت��ي انضوى فيه��ا كل الذين تحامل��وا على أهل‬ ‫النه��روان واإلباضية‪ ،‬هي بمنزل��ة القبيلة‪« ،‬غزية»‪ ،‬التي لج��أ إليها دريد بن‬ ‫الصمة وإن كان يرى رأي ًا مخالف ًا لسواد جمهورها‪.‬‬ ‫فدريد بن الصمة‪ ،‬كفرد‪ ،‬قال لقومه‪:‬‬ ‫ف َلم يستبِينوا الر ْش َد إال ضحى الغَد ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ َ َْ ُ‬ ‫��رج ِ الل َ‬ ‫��وى‬ ‫��م أ ْم��ري ب ُم ْن َع َ‬ ‫أم ْر ُت ُه ُ‬ ‫َ‬ ‫ودريد بن الصمة‪ ،‬كجرم في فلك قبيلته‪ ،‬قال عن نفسه‪:‬‬ ‫ِغوايته��م وأنَّن��ي غي��ر مهت��د ِ‬ ‫منه ْم وقد َأرى‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ ََُ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ص ْون��ي ك ْن ُ‬‫فل َّما َع َ‬ ‫��د غزَّي ُة أَر ُش��د ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫رش ْ‬ ‫��ت وإ ْن َت ُ‬ ‫غو ْي ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫وما أ َن��ا إال م��ن غَزيَّ�� َة إ ْن َ‬ ‫غو ْ‬ ‫َ‬ ‫الكتَّاب الذي��ن توارث��وا الطعن في أه��ل النهروان‬ ‫وهكذا هو ح��ال ُ‬ ‫واإلباضية‪ ،‬فهم كأف��راد ينادون بالمنهجي��ة العلمية الت��ي ال تظلم أحداً‪.‬‬ ‫الكتَّاب ينزعون عن أنفسهم لباس‬ ‫ولكنهم حينما ينقلبون في فلك جماهير ُ‬ ‫المنهج‪ ،‬ويصطبغون بما أفرزته أقالم الضعف��اء والكذابين والوضاعين من‬ ‫أقوال باطلة‪.‬‬ ‫وهذه الكتلة الجماهيري��ة التي حلت محل قبيلة اب��ن الصمة‪ ،‬تفانى في‬ ‫نصرتها ُكتَّاب الفرق والتاريخ وإن كان الضحية هو العلم واألخالق واآلداب‬ ‫واألبرياء من الناس ووحدة األمة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪313‬‬ ‫ريهامجلا ةيجولوكيس( ةفسلفو ةيضابإلاو ناورهنلا لهأ يف نونعاطلا‬ ‫وعالم النفس الفرنسي‪ ،‬الكاتب غستاف لوبون‪ ،‬قد استفاد من قراءاته في‬ ‫الفكر اإلسالمي قبل أن يحذر العالم من اآلثار الس��يئة التي تنتج عن تكرار‬ ‫آراء الجماهير التي تخالف قناع��ات الفرد المبنية على العلم وتأكيدها‪ .‬حيث‬ ‫قال غستاف‪« :‬والظاهرة التي تدهشنا أكثر في الجمهور النفسي هي التالية‪ :‬أي ًا‬ ‫تكن نوعية األفراد الذين يشكلونه‪ ،‬وأي ًا يكن نمط حياتهم متشابه ًا أو مختلف ًا‬ ‫وكذلك اهتماماته��م ومزاجهم أو ذكاؤهم‪ ،‬فإن مج��رد تحولهم إلى جمهور‬ ‫يزودهم بنوع من الروح الجماعية‪ .‬وهذه الروح تجعلهم يحس��ون ويفكرون‬ ‫ويتحركون بطريقة مختلف��ة تمام ًا عن الطريقة التي كان س��يحس بها ويفكر‬ ‫ويتحرك كل فرد منهم لو كان معزوالً‪ .‬وبعض األفكار والعواطف ال تنبثق أو‬ ‫ال تتح��ول إلى فعل إال ل��دى األف��راد المنطوين في صف��وف الجمهور‪ .‬إن‬ ‫الجمهور النفسي هو عبارة عن كائن مؤقت مؤلف من عناصر متنافرة ولكنهم‬ ‫متراصو الصفوف للحظة من الزمن»(‪.((74‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬وهناك س��بب ثالث أكثر أهمية وحسم ًا بكثير ألنه يوجد في‬ ‫األف��راد المنخرطين في الجمهور صف��ات خصوصية تكون أحيان ًا معاكس��ة‬ ‫لصفات الفرد مأخوذ ًا على حدة‪ ...‬فنحن نعلم اليوم أنه يمكن وضع الفرد في‬ ‫حالة معينة يفقد فيها ش��خصيته الواعية‪ ،‬وبالتالي فهو يخضع لكل اقتراحات‬ ‫الجراح الذي جعل��ه يفقدها‪ .‬وعندئذٍ يقت��رف أكبر األعم��ال مخالفة لطبعه‬ ‫الحقيقي وعاداته»(‪.((74‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬إذن إليكم اآلن مجموع الخصائص األساسية للفرد المنخرط‬ ‫في الجمهور‪ :‬تالش��ي الشخصية الواعية‪ ،‬هيمنة الش��خصية الالواعية‪ ،‬توجه‬ ‫الجميع ضمن نفس الخط بواس��طة التحريض والعدوى للعواطف واألفكار‪،‬‬ ‫(‪ ((74‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫(‪ ((74‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪ 58‬ـ ‪.59‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪314‬‬ ‫المحرض عليها إلى فعل وممارس��ة مباش��رة‪ .‬وهكذا‬ ‫َّ‬ ‫الميل لتحويل األفكار‬ ‫ال يعود الفرد هو نفس��ه‪ ،‬وإنما يصبح عبارة عن إنس��ان آلي ما عادت إرادته‬ ‫بقادرة على أن تقوده‪ .‬هذا يعني أنه بمج��رد أن ينضوي الفرد داخل صفوف‬ ‫الجمهور فإنه ينزل درجات عديدة في س��لم الحضارة‪ .‬فهو عندما يكون فرد ًا‬ ‫معزوالً ربما يكون إنسان ًا مثقف ًا متعقالً‪ ...‬إن الفرد المنخرط في الجمهور هو‬ ‫عبارة عن حبة رمل وس��ط الحبات الرملية األخرى التي تذروها الرياح على‬ ‫هواها‪ .‬على ه��ذا النحو يمكننا أن نفهم كيف أن هيئ��ات التحكيم الجماعية‬ ‫تصدر أحكام ًا كان يمكن أن يدينها كل عضو مأخوذ ًا على حدة»(‪.((74‬‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬إن الجماهير تشبه األوراق التي يلعب بها اإلعصار ويبعثرها‬ ‫في كل اتجاه قبل أن تتساقط على األرض‪ .‬إن دراسة بعض الجماهير الثورية‬ ‫تقدم لنا بعض األمثلة عن تغير عواطفها وتنوعها وتقلبها»(‪.((75‬‬ ‫ومن أقوال غس��تاف لوبون أيض�� ًا‪« :‬إن العديد من خصائ��ص الجماهير‬ ‫الخصوصية من مثل س��رعة االنفعال والنزق والعجز ع��ن المحاكمة العقلية‬ ‫وانعدام الرأي الش��خصي والروح النقدية والمبالغة في العواطف والمشاعر‪،‬‬ ‫وغيرها»(‪.((75‬‬ ‫وقال في موضع آخر من كتاب��ه‪« :‬وكنا قد برهنا في ه��ذا الكتاب على أن‬ ‫نفسية الناس المنخرطين في الجمهور تختلف أساس ًا عن نفسيتهم الفردية‪ ،‬وإن‬ ‫الذكاء الفردي ال يلع��ب أي دور في هذا المجال‪ .‬ف��دوره يتعطل عندما يصبح‬ ‫اإلنسان منخرط ًا في الجماعة‪ .‬وحدها العواطف الالواعية تلعب دور ًا آنذاك»(‪.((75‬‬ ‫(‪ ((74‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫(‪ ((75‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪ 64‬ـ ‪.65‬‬ ‫(‪ ((75‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫(‪ ((75‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬ص ‪ ،158‬ومن أقوال غستاف أيض ًا «فاإلنسان الذي يشكل جزء ًا من =‬ ‫‪315‬‬ ‫ريهامجلا ةيجولوكيس( ةفسلفو ةيضابإلاو ناورهنلا لهأ يف نونعاطلا‬ ‫وتساءل غستاف أيض ًا في كتاب آخر من كتبه‪« :‬كيف جرى أن قبل العلماء‬ ‫األكثر تنور ًا في جميع العص��ور دون صعوبة بعض المعتقدات التي ال يمكن‬ ‫ألي عقل أن يبررها؟»(‪.((75‬‬ ‫وقد أجاب هو بنفس��ه على هذا السؤال بقوله‪« :‬ببساطة ألن األفراد وسط‬ ‫حش��د ما ال يتصرفون كما يتصرفون لو كانوا منفردين»(‪ .((75‬وأجاب األستاذ‬ ‫الدكتور عبد الكريم ب��كّ ار عن هذا الس��ؤال بقوله‪ ... « :‬ه��ذا التنوع يجعل‬ ‫الصفوة المالكين للقدرة على التفكير الس��ليم واقعين تحت تأثير الجماهير‬ ‫بصورة من الصور مهما حاولوا الفكاك من ذلك!»(‪.((75‬‬ ‫ونحن نقول بأن خرافة «ابن س��بأ اليهودي» الت��ي أزعجت التاريخ‪ ،‬هي‬ ‫ب‪ ،‬ما كان لها أن تبقى في ذاكرة التاريخ لو أن كل كاتب‬ ‫ِ‬ ‫الم ْغر ُ‬ ‫البعبع والعنقاء ُ‬ ‫من الذين روجوا لها عمل بمفرده في دراستها‪ ،‬مستقوي ًا في ذلك بعلوم األمة‬ ‫حشد‪ ،‬يختلف كثير ًا عن هذا اإلنس��ان ذاته عندما يكون بمفرده‪ .‬إذ تتالشى فرديته الواعية‬ ‫=‬ ‫في الشخصية الالواعية للجمهور» (الثورة الفرنسية وسيكولوجيا الثورات‪ ،‬ص ‪ .)123‬وقال‬ ‫أيض ًا‪« :‬هذه الطباع المختلفة تبين أن اإلنس��ان وس��ط الجماهير ينحدر كثير ًا على السلم‬ ‫الحضاري» (الثورة الفرنسية وسيكولوجيا الثورات‪ ،‬ص ‪.)124‬‬ ‫(‪ ((75‬الثورة الفرنسية وسيكولوجيا الثورات‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫(‪ ((75‬الثورة الفرنسية وسيكولوجيا الثورات‪ ،‬ص ‪.141‬‬ ‫(‪ ((75‬فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪ ،257‬ومما قاله األس��تاذ الدكت��ور عبد الكريم بكّ ار‬ ‫أيض ًا‪« :‬ونحو من ه��ذا المجال االجتماعي ف��إن الظواهر االجتماعية تتكون على س��بيل‬ ‫التدرج‪ ،‬وإذا ما استقرت كانت قاهرة ال يسع األسوياء إلاَّ التكيف معها بصورة من صور‬ ‫التكيف‪ .‬والظواهر االجتماعية تعتمد على الكم ال عل��ى الكيف‪ ،‬ومن ثم جاء الحديث‪:‬‬ ‫(من كثر سواد قوم‪ )...‬ألن الناس حين يتأثرون بظاهرة ما ال يملكون في العادة النفاذ إلى‬ ‫معرفة أس��بابها‪ ،‬والجهات التي تروج لها‪ ،‬وإنم��ا يندفعون إلى تقليده��ا‪ ،‬والتظاهر بها؛‬ ‫لمجرد أن السواد األعظم من مواطنيهم يستحسنها‪ ،‬بل إنهم مضطرون للرضوخ لها‪ ،‬ولو‬ ‫لم يقتنعوا بها!» (فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪.)243‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪316‬‬ ‫اإلسالمية العادلة في تحقيق األخبار والروايات‪ ،‬ولكن آثر جميعهم البقاء في‬ ‫كتل جماهيرية اس��تحال على أفرادها االنفالت من ق��وة جاذبيتها‪ ،‬فما وجد‬ ‫العقل في أوس��اطهم أرض ًا تقله‪ ،‬ولم يجد البرهان في محيطهم سماء تظله‪.‬‬ ‫فال غرو أن تجد الخرافات س��بيلها في كتب الجماهير المتالحقة حينما تأمن‬ ‫على نفسها من صوالت البراهين العلمية والمحاجة العقلية القائمة على تعاليم‬ ‫اإلسالم الحنيف‪.‬‬ ‫الكتَّاب أن نضع كتاباتهم‬ ‫لهذا وجب علينا ونحن ننظر في كتب ه��ؤالء ُ‬ ‫في كفة موازين الحق التي ال تتأثر بأعاصير اله��وى ورياح النزق‪ ،‬وأن نبعد‬ ‫إمالءات الجماهير عن كل ما صدقه العلم وأرشدت إليه المناهج اإلسالمية‪.‬‬ ‫فالفرد في اإلسالم ـ خاصة إن كان من الذين أعطاهم اهلل المقدرة ـ مسؤول‬ ‫أمام اهلل تعالى بمفرده عن قناعات��ه فال بد أن يبنيها بالثابت القوي من األدلة‪،‬‬ ‫ومسؤول كذلك عن أعماله فال بد أن يؤديها بعلم وبصيره‪ .‬وعلى كل فرد منا‬ ‫التزحزح‪ ،‬ب��كل ما أوتي من قوة‪ ،‬عن مصائ��د التقاليد الباطل��ة ذات الطابع‬ ‫الجماهيري‪ .‬وقد أرشد اهلل تعالى الناس إلى «البحث والنظر حين يطلب منهم‬ ‫القيام هلل مثنى وفرادى بعيدين عن التأثر بصخب الجماهير‪ ،‬وانفعاالتهم حتى‬ ‫يسلم النظر من المؤثرات الخارجية»(‪.((75‬‬ ‫بحق إنها ظاهرة مدهش��ة حينما نجد أناس�� ًا يتخيرون من طرائق الكتابة‬ ‫ما يخدم مآربهم وينشر ادعاءاتهم؛ فالرغائب النفسية المتقلبة هي التي تملي‬ ‫عليهم األس��اليب الت��ي بها يعرض��ون كتاباته��م‪ ،‬وهي التي تمل��ي عليهم‬ ‫ما يستدلون به من مأثور األقوال عند طرحهم ألفكارهم‪ .‬فالدليل عندهم تابع‬ ‫ألفكارهم وهذه هي القضية الكبرى عند المتهوكين في التاريخ اإلسالمي‪.‬‬ ‫(‪ ((75‬فصول في التفكير الموضوعي‪ ،‬ص ‪.18‬‬ ‫‪317‬‬ ‫ريهامجلا ةيجولوكيس( ةفسلفو ةيضابإلاو ناورهنلا لهأ يف نونعاطلا‬ ‫الكتَّاب الذين يتحركون حس��ب أهواءهم ق��د ابتليت بوجودهم‬ ‫وأولئك ُ‬ ‫األمة اإلسالمية‪ ،‬فهم في تذبذب؛ فتجدهم يستغلون قوة المناهج العلمية في‬ ‫تحقيق مآربهم‪ ،‬ولكن عن��د كتاباتهم عن أه��ل النه��روان واإلباضية فإنهم‬ ‫ال يلتفت��ون إل��ى موازين الحق‪ ،‬ب��ل يحتجون بأق��وال الكذابي��ن وترهات‬ ‫الوضاعين‪ ،‬ويطبقون اآلفات المذمومة التي يتبناها الماكرون في كتابة التاريخ‬ ‫من المستشرقين‪.‬‬ ‫فها ه��و الدكتور أحم��د عوض أبو الش��باب صاحب كت��اب (الخوارج‬ ‫تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم) يتقمص سيكولوجية الجماهير ـ التي تفضح كل‬ ‫(‪((75‬‬ ‫علمه ومعرفَته ـ ويتبنى «المنهج المعكوس أو المقلوب»‬ ‫من خالف عم ُله َ‬ ‫عند كتابة كتابه هذا‪.‬‬ ‫فالدكتور أحمد عوض لديه م��ن العلم ما يؤهله ليق��ول اآلتي‪ ،‬حينما‬ ‫تكون له منفعة في ذلك‪« :‬وقاصمة الظهر ما فعله أكثر المؤرخين من دأبهم‬ ‫على اختالف الروايات المكذوبة حول هذه القضية‪ ،‬وسار على نهجهم كثير‬ ‫من المستش��رقين وحط��اب الليل م��ن ُكتَّ��اب المس��لمين‪ ،‬بال تدقيق أو‬ ‫تمحيص»(‪ .((75‬وبقوله أيض ًا‪« :‬وعلى العموم ف��إن الروايات المكذوبة التي‬ ‫تتصل بخبر التحكيم قد جاءت عن طريق أب��ي مخنف‪ ،‬ونصر بن مزاحم‪،‬‬ ‫وفيها زيادات منكرة وجريئة‪ ،‬وفيها س��ب واتهام بالعنف والغدر والخيانة‪،‬‬ ‫وتحامل على الحكمين»(‪.((75‬‬ ‫(المنهج المعكوس= المقل��وب) بـ «الذي توضع فيه‬ ‫َ‬ ‫(‪ ((75‬عرف الدكتور عبد العظيم الدي��ب‬ ‫النتائج مقدم ًا‪ ،‬ثم يكون البحث عن األدلة التي تؤدها» (المنهج في كتابات الغربيين عن‬ ‫التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.)103‬‬ ‫(‪ ((75‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫(‪ ((75‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬ص ‪.102‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪318‬‬ ‫الكتَّاب ما هو فيه غارق إلى شحمة‬ ‫فها هو الدكتور يعيب على غيره من ُ‬ ‫أذنه‪ ،‬فكل أقوال��ه عن أهل النهروان واإلباضية مبني��ة على روايات الكذابين‬ ‫والضعفاء‪ ،‬وسار الدكتور مع حطاب الليل‪ ،‬ولم يكن له تدقيق وال تمحيص‬ ‫عندما نقل في كتابه تلك الروايات الضعيفة والمكذوبة‪ ،‬ولم يخف الفضيحة‬ ‫حينما أقبل على روايات أبي مخنف وغيره من الضعفاء والكذابين واتخذها‬ ‫حجة له على أهل النهروان واإلباضية‪.‬‬ ‫وما تفوه به من أحكام ضد الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري ‪ ƒ‬وأهل‬ ‫النهروان الكرام ما هو إال س��ير خلف خطى المستشرقين الذين همهم الطعن‬ ‫في رجال اإلس�لام وأمجاده‪ .‬فقد أخذ ه��ذا الدكتور‪ ،‬ف��ي الكتابة عن أهل‬ ‫النهروان واإلباضية‪ ،‬بمنهج المستشرقين الذين ُعرف عنهم البحث عن األدلة‬ ‫لتقوية ما رسخ في أدمغتهم من أقوال ونتائج‪.‬‬ ‫فبعد أن أتى الدكتور‪ ،‬في السطور األولى من مقدمة كتابه‪ ،‬بوصفه ألهل‬ ‫النهروان ومن س��ار على نهجهم المس��تقيم أن نش��أتهم كان��ت «في رحم‬ ‫اليهودي��ة»(‪ ،((76‬أخذ يبحث بي��ن ركام األباطيل‪ ،‬ويس��طر كل متهافت من‬ ‫األقوال في طول كتابه المشئوم وعرضه متبع ًا في ذلك مسالك المستشرقين‬ ‫الذين ُجل همهم الطعن في اإلسالم والمسلمين‪ .‬وما اتبعه الدكتور أحمد في‬ ‫كتابات��ه ليس له باإلس�لام أي صل��ة بل هو نس��خ بكل أبعاده لمس��الك‬ ‫المستش��رقين الذين قال عنهم الدكتور عبد العظيم محمود الديب في كتابه‬ ‫(المنهج في كتابات الغربيين عن التاريخ اإلسالمي)‪« :‬شرط المنهج األول‪،‬‬ ‫وأساسه‪ ،‬التجرد من األهواء‪ ،‬وعدم الوقوع تحت سلطانها‪ ،‬فال يميل الهوى‬ ‫بالباحث إلثبات ما يوافق هواه‪ ،‬ونف��ي ما عداه فما بالنا بمن يحدد الغرض‬ ‫أوالً‪ ،‬والنتيجة مسبق ًا‪ ،‬ثم يبدأ في البحث عما يؤيدها‪ ،‬والتنقيب عما يثبتها‪،‬‬ ‫(‪ ((76‬الخوارج تاريخهم‪ ،‬فرقهم‪ ،‬عقائدهم‪ ،‬ص ‪.4‬‬ ‫‪319‬‬ ‫ريهامجلا ةيجولوكيس( ةفسلفو ةيضابإلاو ناورهنلا لهأ يف نونعاطلا‬ ‫فهذا ليس علم ًا‪ ،‬وليس بحث ًا‪ ،‬مهما كانت صورته‪ ،‬ومهما كان شكله‪ ،‬وهذا‬ ‫هو ما يعمله المستشرقون»(‪.((76‬‬ ‫والذي عمله الدكتور أحمد عوض هو نفسه الذي يعمله المستشرقون‪ ،‬فقد‬ ‫حدد الدكتور أحمد عوض في مقدمة كتابه غرضه‪ ،‬وبعد ذلك بدأ في التنقيب‬ ‫فلم يجد إال األباطيل والمتساقط من األقاويل لتكون أدلته المزعومة‪ .‬فهذا هو‬ ‫الدكت��ور أحمد عوض س��اقته األه��واء ليجد نفس��ه في صف��وف المفترين‬ ‫والمتهوكين على المسلمين‪ ،‬فهنيئ ًا له هذه المنزلة!!!‪.‬‬ ‫والدكتور أحمد عوض وغيره ممن وصف أه��ل النهروان بالخوارج كل‬ ‫غاياتهم هي البحث عن شيء من األقوال ولو من أفواه الكذابين ألجل تبرير‬ ‫وصفهم هذا‪ ،‬وهذا هو مسلك المستشرقين الذي أكد عليه الدكتور عبد العظيم‬ ‫الدي��ب بقوله‪« :‬وما ذكرن��اه في هذا البح��ث آنف ًا عن أهداف المستش��رقين‬ ‫وغاياتهم‪ ،‬يشير إلى هذه اآلفة‪ ،‬فالمستش��رق يبدأ بحثه وأمامه غاية حددها‪،‬‬ ‫ونتيجة وصل إليها مقدم ًا‪ ،‬ثم يحاول أن يثبتها بعد ذلك‪ ،‬ومن هنا يكون دأبه‪،‬‬ ‫واستقصاؤه الذي يأخذ بأبصار بعضهم‪ ،‬وهو في الواقع يدأب‪ ،‬ويشقى ويكد‬ ‫لينحي ما يهدم فكرته ويكذب رأيه‪ ،‬ويخفي ويطمس ويتجاهل كل ما يسوقه‬ ‫ِّ‬ ‫إلى نتيجة غير التي حددها سلف ًا‪ ،‬ومن هنا تأتي أبحاثهم عليها مسحة العناء‬ ‫واالس��تقصاء‪ ،‬ولكنه عناء االلتواء‪ ،‬واس��تقصاء من يجمع من ال شيء شيئ ًا‪،‬‬ ‫ويصنع من الهباء بناء ويبني من الغبار صرح ًا»(‪.((76‬‬ ‫الكتَّاب الذين نعتوا‬ ‫وهذا الحال الذي عليه المستش��رقون هو نفس حال ُ‬ ‫الكتَّاب‬ ‫اإلباضية وأس�لافهم أهل النهروان الكرام بمساوئ األخالق‪ .‬فأولئك ُ‬ ‫(‪ ((76‬المنهج في كتابات الغربيين عن التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫(‪ ((76‬المنهج في كتابات الغربيين عن التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ 70‬ـ ‪.71‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪320‬‬ ‫وش��قَوا وكدوا وكذبوا وأخفوا وطمسوا وتجاهلوا ولووا وشيدوا من‬ ‫قد دأبوا َ‬ ‫الهباء والغبار أوهام ًا ال تلبث إال أن تنقش��ع وتتالشى أمام الحجج والبراهين‬ ‫الساطعة التي قامت على علوم األمة اإلسالمية‪.‬‬ ‫ونقول للدكتور أحمد عوض‪ :‬إنك واحد من أولئك الكثيرين الذين سار‬ ‫«على نهجهم كثير من المستشرقين» وس��اروا على نهج المستشرقين‪ ،‬وأنك‬ ‫يا دكتور أحمد عوض م��ن «حطاب الليل»‪ ،‬وأنك يا أبا الش��باب قد افتريت‬ ‫على الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري وأه��ل النهروان ألنك اعتمدت على‬ ‫روايات باطلة «بال تدقيق أو تمحيص»‪ ،‬فهل يتحمل كيانك يا دكتور «قاصمة‬ ‫الظهر» هذه؟‪.‬‬ ‫✾ ✾✾‬ ‫‪321‬‬ ‫ففي الخاتمة نضع النقاط اآلتية لتختصر لن��ا المحاور التي ُبني عليها‬ ‫هذا البحث‪:‬‬ ‫· فالطَ ْرق في طُ ُرقات التاريخ هو سير بين األلغام واألشواك‪ ،‬والكاتب‬ ‫ال بد له أن يحدد أهداف مهمته قبل أن يخط بنان��ه حرف ًا واحداً‪ .‬نعم هي‬ ‫رحلة تحفها المخاطر؛ ألنها قد تجني على أصحابها إثم ًا عظيم ًا إذا ظلموا‬ ‫األبرياء وناصروا الظالمي��ن‪ .‬وقد تكون مهمة تجر لهم أج��ر ًا مضاعف ًا إذا‬ ‫أخلصوا في أعماله��م وكان عدتهم الصدق وكان��ت وجهتهم نصرة الدين‬ ‫وإنصاف المظلوم‪.‬‬ ‫· ولقد أكد هذا البحث على أن علماء اإلباضية على اطالع بما كتب‬ ‫عنهم في كتب التاريخ المتداولة‪ ،‬فهم يأخذون من األقوال ما أيده الدليل‬ ‫ويردون ما أبطلته مناهج التلقي عند المس��لمين‪ ،‬وكت��اب (الكامل في‬ ‫التاري��خ) مثال واحد م��ن بين الكتب األخ��رى التي تناوله��ا اإلباضية‬ ‫بالدراس��ة‪ ،‬وهم ـ أقصد اإلباضية ـ في تعاملهم مع كتب المسلمين كافة‬ ‫لم يس��تنكفوا عن تقبل األقوال الصحيحة الت��ي اعتمدت على كتاب اهلل‬ ‫تعالى وسنة رسوله ژ الصحيحة والثابت من األخبار التي توافق ما هم‬ ‫عليه من مبادئ‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪322‬‬ ‫وما رأوه مخالف ًا لكتاب اهلل تعالى وسنة رسوله ژ ومخالف ًا لما هم عليه‬ ‫من مبادئ وقيم فقد أوسعوه رد ًا وبينوا الحق والصواب بأدلته الثابتة‪ ،‬ونيتهم‬ ‫في ما قاموا به التناصح في الدين‪.‬‬ ‫· ولقد ركز هذا البحث على العناصر الثالثة التي تش��كل في مجموعها‬ ‫كيان أي كتاب تخطه أنامل البشر‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ المنهج المتبع في الدراسة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ المادة المعرفية‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ شخصية الكاتب الذي يحمل على عاتقه ربط المعارف والسير على‬ ‫المنهج‪ ،‬ومخاطبة القراء بالنتيجة التي يصل إليها‪.‬‬ ‫· ولقد ناقش هذا البحث الحكاي��ة القائلة‪ :‬إن أه��ل النهروان هم أصل‬ ‫الخوارج وإن اإلباضية هم م��ن الخوارج‪ ،‬فكانت نتيجة الدراس��ة أن عنصر‬ ‫المنهج ال يجيز هذه الحكاية لكون بنيانها ال صلة له بأسس المنهج اإلسالمي‬ ‫َصلت هذه الحكاية إنما‬ ‫في دراسة األخبار وتقبلها‪ ،‬وأن المادة المعرفية التي ف َّ‬ ‫هي مما حكم عليها المنهج اإلس�لامي بالضعف والكذب‪ .‬ولقد توصل هذا‬ ‫الكتَّاب الذين ترك��وا تطبيق علم‬ ‫البحث إلى أن مص��ادر هذه الحكاية ه��م ُ‬ ‫الجرح والتعديل‪ ،‬وتجنبوا البراهين العقلية‪ ،‬ولم يتبعوا المنهج المستقيم‪ ،‬ولم‬ ‫يلتفتوا إلى المبادئ والقيم التي عليها أهل النه��روان واإلباضية‪ .‬وأثبت هذا‬ ‫البحث أن أصحاب هذه الحكاية قد تحقق لهم الس��بق إل��ى عقول األجيال‬ ‫باعتمادهم على تكرار اإلش��اعات‪ ،‬والتأكيد عليها بكل وس��ائل المؤكدات‪،‬‬ ‫وإعادة تدويرها من خالل إصدار كتب كثيرة بعناوين مختلفة لذات المحتوى‬ ‫الضعيف والمادة المعرفية التي ال يقرها منه��ج‪ ،‬وال يثبتها دليل‪ ،‬وال يقبلها‬ ‫عقل سليم‪.‬‬ ‫‪323‬‬ ‫ةمتاخلا‬ ‫· ولقد أكد هذا البحث على الدع��وة القائلة‪ :‬إن «الكالم في الناس يجب‬ ‫أن يكون بعلم وعدل‪ ،‬ال بجهل وظلم»(‪ ،((76‬ولقد برهن هذا البحث على أن‬ ‫ما قيل عن أهل النهروان واإلباضية لم يكن بعلم وال بعدل ولكنه كان بجهل‬ ‫وظلم من قبل الكذابين والضعفاء ومن سار على نهجهم‪.‬‬ ‫· ولقد أكد هذا البحث على األسس التي ُتبنى عليها األحكام الشرعية‪،‬‬ ‫حيث نادى بتطبيق القاعدة المنهجية القائلة‪« :‬ف��إذا كان الخبر متعلق ًا بأحكام‬ ‫شرعية أو زمن الفتن بين الصدر األول‪ ،‬أو مسائل عقدية‪ ،‬فال بد أن يكون هذا‬ ‫الخبر التاريخي موثق�� ًا صحيح ًا على موازين أه��ل الحديث في تصحيحهم‬ ‫األخبار‪ ،‬وال يقبل فيه الخبر الضعي��ف»(‪ .((76‬و«إنما يدرس التاريخ في ميزان‬ ‫العقل والمنطق‪ ،‬وذلك ال يكون إال بالرجوع إلى المصادر‪ ،‬والسماع من كل‬ ‫األطراف‪ ،‬حتى إذا صدر الحكم‪ ،‬يكون عادالً أو قريب ًا من العدل»(‪.((76‬‬ ‫· ولقد اس��تفاد هذا البحث من وقفات ابن األثير المنهجية عند دراسته‬ ‫لبعض األح��داث التي ذكرها في موس��وعته التاريخية‪ ،‬فف��ي تلك الوقفات‬ ‫المنهجية دعوة لكل كاتب للتقيد بأسس القواعد العلمية؛ ودعوة للقراء ألداء‬ ‫«عبادة التبي��ن» التي يدعو إليها القرآن الكريم قب��ل التفاعل مع ما يصل إلى‬ ‫مسامعهم من أخبار‪.‬‬ ‫· وفي هذا البحث ذكر أسماء رجال قادهم صواب رأيهم إلى معرفة الحق من‬ ‫مصادره فما كان منهم إال أن أدركوا أن اإلباضية بعي��دة عن فكر الخوارج‪ .‬وفي‬ ‫هذا البحث أيض ًا ذكر أس��ماء رج��ال بقوا يرددون ما س��جلته أق�لام الكذابين‬ ‫والضعفاء فما كان منهم إال ربط أهل النهروان واإلباضية ظلم ًا وعدوان ًا بالخوارج‪.‬‬ ‫(‪ ((76‬منهاج السنة النبوية في نقض كالم الشيعة والقدرية‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪.48‬‬ ‫(‪ ((76‬إعداد المؤرخ الثقة‪ ،‬ص ‪.36‬‬ ‫(‪ ((76‬أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ‪ ،‬ص ‪.283‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪324‬‬ ‫· ولقد أثبت هذا البحث أن الذين تحاملوا على أهل النهروان واإلباضية قد‬ ‫اضطربت عندهم المقاييس‪ ،‬ولم يراع��وا للكلمة الصادقة حقها‪ ،‬ولم يلتفتوا إلى‬ ‫الجرائم التي ارتكبتها أيد منسوبة إلى التيار األموي والعباسي‪ ،‬في وقت يفترون‬ ‫فيه على أهل النهروان واإلباضية‪ ،‬وينسبون إليهم أحداث ًا باطلة وأقواالً زائفة‪.‬‬ ‫· ولقد أكد هذا البحث على أن المذاهب اإلسالمية في تعاليمها‪ ،‬القائمة‬ ‫على كتاب اهلل تعالى وس��نة رس��وله الكريم وإجماع األمة في أي عصر من‬ ‫العصور‪ ،‬هي الميزان الذي توزن به مس��الك الناس في ه��ذه الحياة الدنيا‪،‬‬ ‫وما تقترفه أيدي األتباع مما ينكره الشرع إنما هو عمل ال تربطه بأسس تلك‬ ‫المذاهب أي رابطة‪ ،‬إذ جميع المذاهب اإلس�لامية التي انتسب إليها أولئك‬ ‫الذين أفسدوا في ديار المسلمين بريئة منهم وال تقر أعمالهم‪ ،‬فال يصح شرع ًا‬ ‫تحميل المذاهب اإلسالمية أوزار أتباعها إذا خالفوا مبادئها وقيمها وما تدعو‬ ‫إليه من أخالق‪.‬‬ ‫الكتَّاب الذين َت َّقول��وا على أهل النه��روان واإلباضية ظاهرة‬ ‫· وظاه��رة ُ‬ ‫مدهشة‪ ،‬فهم حينما يتحركون كأفراد تظهر على ألسنتهم الدعوة إلى قول الحق‬ ‫والعمل به‪ ،‬ولكنهم حينما ينضوون في جمهرة من الناس تتشكل لديهم نفسية‬ ‫جماهيرية واحدة ويتحولون إلى أبواق ُتكَ بِّ ُر ص��دى ما رددته أفواه الكذابين‬ ‫والوضاعين والضعفاء‪ .‬وهذه النفسية التي أطلق عليها (سيكولوجية الجماهير)‬ ‫لم يكن ابن األثير وحده من تأثر بها‪ ،‬فهناك من العلماء من س��ار في اتجاه‬ ‫معاكس لما تدعو إليه مناهج األمة حينما تكلم عن أهل النهروان الكرام‪.‬‬ ‫فاإلمام الشيخ محمد عبده قد أجاب سائله(‪ ((76‬عن الراوي محمد بن عمر‬ ‫الواقدي بقوله‪« :‬لم ْير َزأ اإلسالم بأعظم مما ابتدعه المنتسبون إليه‪ ،‬وما أحدثه‬ ‫(‪ ((76‬األعمال الكاملة للشيخ اإلمام محمد عبده‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.413‬‬ ‫‪325‬‬ ‫ةمتاخلا‬ ‫الغالة من المفتريات عليه‪ ،‬فذلك مما جلب الفس��اد على عقول المسلمين‪،‬‬ ‫وأساء ظنون غيرهم فيما بني عليه الدين‪ ،‬وقد فشت للكذب فاشية على الدين‬ ‫المحمدي في قرونه األولى‪ ...‬أما الش��يخ الواقدي فكان م��ن علماء الدولة‬ ‫العباسية‪ ...‬قال ابن خلكان‪ :‬وضعفوه في الحديث‪ ،‬وتكلموا فيه‪ .‬أهـ أي عدوه‬ ‫ضعيف الرواي��ة‪ ،‬ليس من أهل الثق��ة‪ .‬ولذا نص اإلمام الرمل��ي‪ ،‬من علماء‬ ‫الشافعية‪ .‬على أنه ال يؤخذ بروايته في المغازي‪ ...‬فهذا الكتاب ال تصح الثقة‬ ‫به‪ ،‬إما ألنه مكذوب النسبة على الواقدي‪ ،‬وهو األظهر‪ ،‬وإما لضعف الواقدي‬ ‫نفس��ه في رواية المغازي‪ ،‬كما صرح العلماء‪ .‬فال تقوم به حجة للمتحذلقين‪،‬‬ ‫وال يصلح ذخر ًا للسياسيين‪ ...‬وعلى أي حال فال يستغني مطالع التاريخ عن‬ ‫قوة حاكمة يميز بها بين ما ينطبق على الواقع وما ينبو عنه»(‪.((76‬‬ ‫فوقفة الشيخ اإلمام محمد عبده هنا هي المنهج الذي ينبغي لكل باحث‬ ‫اتباعه في تقييم الرواة واألحداث التاريخية‪ ،‬ولكن يا لألس��ف لم يكن لهذا‬ ‫الكالم أي أثر على كتاباته حينما تكلم على أهل النهروان الكرام‪ ،‬حين قال‪:‬‬ ‫«وكان الذي��ن خرجوا على أمي��ر المؤمنين وخطأوه ف��ي التحكيم قد نقضوا‬ ‫بيعته‪ ،‬وجهروا بعداوته وصاروا له حرب ًا‪ ،‬واجتمع معظمهم عند ذلك الموضع‬ ‫[النهروان]‪ ،‬وهؤالء يلقبون بالحرورية نسبة إلى حروراء وكان رئيس هذه الفئة‬ ‫الضالة حرقوص بن زهير السعدي‪ ،‬ويلقب بذي الثدية (تصغير ثدي)‪.‬‬ ‫وخرج إليهم أمير المؤمنين يعظهم في الرجوع عن مقالتهم‪ ،‬والعودة إلى‬ ‫بيعتهم‪ ،‬فأجابوا النصيحة برمي الس��هام وقتال أصحابه كرم اهلل وجهه‪ ،‬فأمر‬ ‫بقتالهم»(‪.((76‬‬ ‫(‪ ((76‬األعمال الكاملة للشيخ اإلمام محمد عبده‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪ 413‬ـ ‪.417‬‬ ‫(‪ ((76‬األعمال الكاملة للشيخ اإلمام محمد عبده‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.473‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪326‬‬ ‫لقد سار اإلمام الشيخ مع المتأثرين بـ (سيكولوجية الجماهير) وأقبل على‬ ‫الروايات الضعيفة التي جاء بها محمد بن عم��ر الواقدي وغيره من الضعفاء‬ ‫والكذابين كأمثال س��يف بن عمر التميمي وأبي مخنف‪ ،‬ول��م ُي َح ِّكم القوة‬ ‫الحاكمة التي «يميز بها بين ما ينطبق على الواقع وما ينبو عنه»‪.‬‬ ‫لقد غلبت (سيكولوجية الجماهير) على نفسية اإلمام محمد عبده وغيره‬ ‫الكتَّاب فكان��ت النتيجة أن رددوا أحكام الضعف��اء والكذابين وأكدوها‪،‬‬ ‫من ُ‬ ‫ونشروا عدواها بين أجيال المسلمين‪ ،‬وتركوا قناعاتهم العلمية الداعية إلى رد‬ ‫روايات الضعفاء والمتروكين‪ ،‬ولم يحتكموا إل��ى البراهين العقلية التي تميز‬ ‫بنورها س�لامة فكر أهل النهروان واإلباضية من كل ش��ائبة ألصقت به ظلم ًا‬ ‫وجور ًا وتعسف ًا‪.‬‬ ‫فعلى المس��لمين ترجمة ما أمرهم اهلل به في كل مناش��ط حياتهم‪ ،‬حيث‬ ‫قال ‪ 8‬في كتابه العزيز‪ ﴿ :‬ۀ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے‬ ‫ے ۓ ۓ ڭ ڭڭ ڭ ۇ ۇ ۆ ۆ ۈ ۈ ۇٴ ﴾‬ ‫[األحزاب‪ ٧٠ :‬ـ ‪.]٧١‬‬ ‫فندعو اهلل تعالى أن يعيننا على قول الحق‪ ،‬وأن يصلح أعمالنا‪ ،‬ويغفر لنا‬ ‫ذنوبنا‪ ،‬وأن يرزقنا الفوز في اآلخرة والدنيا‪ ،‬إنه س��بحانه على ذلك قدير فهو‬ ‫نعم المولى ونعم النصير‪ ،‬وأن آخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وب‬ ‫��هدُ أَ ْن لاَ ِإ َل َه ِإلاَّ أَن َ‬ ‫ْت‪ ،‬ن َْس�� َتغْف ُركَ َو َن ُت ُ‬ ‫َك ‌ال َّل ُه َّم َ‌وب ِ َح ْمدكَ ‪‌ ،‬ن َْش َ‬ ‫‌س ْب َحان َ‬ ‫ُ‬ ‫ِإ َل ْي َ‬ ‫ك‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬ ‫✾ ✾✾‬ ‫‪327‬‬ ‫المصادر والمراجع‬ ‫‪ 1‬ـ ‪1‬اإلباضية مدرس��ة إس�لامية بعيدة عن الخوارج‪ :‬د‪ .‬علي محمد محمد‬ ‫الصالبي‪ ،‬مكتبة مسقط‪ ،‬مسقط‪ ،‬سلطنة عمان‪ ،‬ط‪1440 ،1‬هـ ـ ‪2019‬م‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ‪2‬اإلباضية مذهب ال دين‪ :‬الدكتور هاني سليمان الطعيمات‪ ،‬دار الشروق‬ ‫للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪2003 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ ‪3‬اإلباضية نشأتها وعقائدها‪ :‬الدكتور محمد حسن مهدي‪ ،‬األهلية للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪2011 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ‪4‬اإلباضية ومدى صلتها بالخوارج‪ :‬الدكتور عامر النجار‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬ط‪1993 ،1‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ ‪5‬اإلباضية ومنهجية البحث عند المؤرخين وأصحاب المقاالت‪ :‬علي بن‬ ‫محمد بن عامر الحجري‪ ،‬مكتبة الجيل الواعد‪ ،‬مسقط‪ ،‬سلطنة عمان‪،‬‬ ‫ط‪1427 ،2‬هـ ـ ‪2006‬م‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ ‪6‬أباطيل يج��ب أن تمحى من التاري��خ‪ :‬الدكتور إبراهيم ش��عوط‪ ،‬دار‬ ‫الشروق‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪1409 ،7‬هـ ـ ‪1989‬م‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪328‬‬ ‫‪ 7‬ـ ‪7‬اآلح��اد والمثاني‪ :‬أبو بك��ر أحمد بن عمرو الضحاك اب��ن أبي عاصم‬ ‫الشيباني‪ ،‬مراجعة‪ :‬باس��م فيصل أحمد الجوابرة‪ ،‬دار الراية‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫‪1411‬هـ ـ ‪1991‬م‪ .‬ضمن اصدارات الموس��وعة الذهبي��ة للحديث النبوي‬ ‫الشريف وعلومه‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ ‪8‬أخالقيات الحرب في السيرة النبوية الش��ريفة‪ :‬د‪ .‬إسماعيل عبد الفتاح‬ ‫عبد الكافي‪ ،‬دار العالم العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1438 ،2‬هـ ـ ‪2017‬م‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ ‪9‬أخالقيات وسلوكيات الحرب عند رس��ول اهلل ژ ‪ :‬الدكتور وليد نور‪،‬‬ ‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1436 ،1‬هـ ـ ‪2015‬م‪.‬‬ ‫‪10‬ـ ‪ 10‬اآلراء والمعتقدات نشوؤها وتطورها‪ :‬غستاف لوبون‪ ،‬ترجمة‪ :‬نبيل أو‬ ‫صعب‪ ،‬دار الفرقد للطباعة والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪2014 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪11‬ـ ‪ 11‬أسد الغابة في معرفة الصحابة‪ :‬عز الدين بن األثير أبو الحسن علي بن‬ ‫محمد الج��زري‪ ،‬تحقيق محم��د إبراهيم البنا ومحمد أحمد عاش��ور‬ ‫ومحمود عبد الوهاب فايد‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪12‬ـ ‪12‬اإلس�لام الخوارجي قراءة في الفكر والفن ونصوص مختارة‪ :‬د‪ .‬أحمد‬ ‫معيطة‪ ،‬دار الحوار للطباعة والنش��ر والتوزيع‪ ،‬الالذقية‪ ،‬س��وريا‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪2000‬م‪.‬‬ ‫‪13‬ـ ‪13‬اإلسالم على مفترق الطرق‪ :‬محمد أسد‪ ،‬ترجمة الدكتور عمر فروخ‪ ،‬دار‬ ‫العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪329‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬ ‫‪14‬ـ ‪14‬أشرار التاريخ‪ :‬مجدي كامل‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪2013 ،2‬م‪.‬‬ ‫‪15‬ـ ‪15‬اإلصابة في تميي��ز الصحابة‪ :‬أبو الفضل ش��هاب الدين أحمد بن علي‬ ‫العسقالني المعروف بابن حجر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪.‬‬ ‫‪16‬ـ ‪16‬إعداد المؤرخ الثقة‪ :‬الدكتور محمد بن موس��ى الش��ريف‪ ،‬دار التوزيع‬ ‫والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1434 ،1‬هـ ـ ‪2013‬م‪.‬‬ ‫‪17‬ـ ‪17‬األعمال الكاملة للش��يخ اإلمام محمد عبده‪ ،‬محمد عبده‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬ ‫تحقيق وتقديم محمد عمارة‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ ـ ‪1996‬م‬ ‫‪18‬ـ ‪18‬أمة اإلسالم إلى أين‪ :‬سماحة الش��يخ أحمد بن حمد الخليلي‪ ،‬الكلمة‬ ‫الطيبة‪ ،‬مسقط‪ ،‬سلطنة عمان‪ ،‬ط‪1436 ،1‬هـ ـ ‪2015‬م‪.‬‬ ‫‪19‬ـ ‪19‬أنس��اب األش��راف‪ :‬أحمد بن يحيى بن جابر البالذري‪ ،‬حققه األستاذ‬ ‫الدكتور سهيل زكار والدكتور رياض زركلي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ ـ‬ ‫‪1996‬م‪.‬‬ ‫‪20‬ـ ‪20‬إيثار الحق عل��ى الخلق‪ :‬محمد ب��ن إبراهيم بن علي ب��ن المرتضى‬ ‫اليماني (ابن الوزير)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1435 ،1‬هـ ـ‬ ‫‪2014‬م‪.‬‬ ‫‪21‬ـ ‪21‬الباعث الحثيث ش��رح اختص��ار علوم الحديث‪ :‬أحمد محمد ش��اكر‪،‬‬ ‫مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1408 ،3‬هـ‪.‬‬ ‫‪22‬ـ ‪22‬البداية والنهاية‪ :‬أبو الف��داء الحافظ ابن كثير‪ ،‬تحقي��ق‪ :‬الدكتور أحمد‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪330‬‬ ‫أبو ملحم والدكتور علي نجيب عطوي واألس��تاذ فؤاد السيد واألستاذ‬ ‫مهدي ناصر الدين واألس��تاذ علي عبد الس��اتر‪ ،‬دار الكت��ب العلمية‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪23‬ـ ‪23‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ :‬عبد الرحمن بن خلدون‪ ،‬تحقيق األس��تاذ‬ ‫خليل شحادة وسهيل زكار‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1408 ،2‬هـ ـ ‪1988‬م‬ ‫‪24‬ـ ‪24‬التاريخ الصغير (األوسط)‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬دار‬ ‫ترجمان السنة‪ ،‬الهور‪1402 ،‬هـ ـ ‪1982‬م‪.‬‬ ‫‪25‬ـ ‪25‬تاريخ الطبري ـ تاريخ األم��م والملوك ـ‪ :‬أبو جعف��ر محمد بن جرير‬ ‫الطبري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1407 ،1‬هـ ـ ‪1987‬م‬ ‫‪26‬ـ ‪26‬التاريخ الكبير‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن إس��ماعيل بن إبراهيم البخاري‪،‬‬ ‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪.‬‬ ‫‪27‬ـ ‪27‬تاريخ المدينة المنورة‪ :‬أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫فهيم محمد شلتوت‪.‬‬ ‫‪28‬ـ ‪28‬تاريخ بغداد‪ :‬أبو بك��ر أحمد بن علي بن ثابت ب��ن أحمد بن مهدي‬ ‫الخطيب البغدادي‪ ،‬تحقيق الدكتور بش��ار عواد مع��روف‪ ،‬دار الغرب‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ـ ‪2002‬م‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪29‬ـ ‪29‬تاريخ خليفة خياط‪ :‬خليفة بن خياط العصفري البصري‪ ،‬تحقيق األستاذ‬ ‫الدكتور سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر‪1414 ،‬هـ ـ ‪1993‬م‪.‬‬ ‫‪331‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬ ‫‪30‬ـ ‪30‬تحفة األعيان‪ :‬العالمة المحقق الشيخ نور الدين أبو محمد عبد اهلل بن‬ ‫حميد السالمي‪ ،‬مكتبة االستقامة‪ ،‬سلطنة عمان‪.‬‬ ‫‪31‬ـ ‪31‬تذكرة الحفاظ‪ :‬أبو عبد اهلل ش��مس الدين محم��د الذهبي‪ ،‬دار الكتب‬ ‫العلمية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪.‬‬ ‫‪32‬ـ ‪32‬التراجم وأثرها في السلوك اإلنساني‪ :‬د‪ .‬محمد بن موسى الشريف‪ ،‬دار‬ ‫التوزيع والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1434 ،1‬هـ ـ ‪2013‬م‪.‬‬ ‫‪33‬ـ ‪33‬التضليل اإلعالم��ي وس��بل مواجهته‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬هاش��م نغيم��ش الزوبعي‬ ‫وأ‪ .‬موس��ى مقدادي‪ ،‬دار أسامة للنش��ر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪2018‬م‪.‬‬ ‫‪34‬ـ ‪34‬تعريف اهل التقدي��س بمرات��ب الموصوفين بالتدلي��س‪ :‬أبو الفضل‬ ‫أحمد ب��ن علي بن محمد ب��ن أحمد بن حج��ر العس��قالني‪ ،‬تحقيق‬ ‫د‪ .‬عاصم بن عب��د اهلل القريوتي‪ ،‬مكتبة المنار ـ عم��ان‪ ،‬ط‪1403 ،1‬هـ ـ‬ ‫‪1983‬م‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪35‬ـ ‪35‬تعريف موجز بأشهر كتب التاريخ‪ :‬د‪ .‬محمد بن موسى الشريف‪ ،‬دار‬ ‫األندلس الجديدة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1435 ،1‬هـ ـ ‪2014‬م‪.‬‬ ‫‪36‬ـ ‪36‬تفسير ابن أبي حاتم المسمى (التفسير بالمأثور)‪ :‬عبد الرحمن بن أبي‬ ‫حاتم ال��رازي‪ ،‬راجعه أحمد فتحي عبد الرحم��ن حجازي‪ ،‬دار الكتب‬ ‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1427 ،1‬هـ ـ ‪2006‬م‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪332‬‬ ‫‪37‬ـ ‪37‬تقريب التهذيب‪ :‬الحافظ أحمد بن علي بن حجر العس��قالني‪ ،‬تحقيق‬ ‫مصطفى عبد القادر عط��ا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بي��روت ـ لبنان‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫‪1415‬هـ ـ ‪1995‬م‪.‬‬ ‫‪38‬ـ ‪38‬التقيي��د واإليضاح ش��رح مقدم��ة ابن الص�لاح‪ :‬الحافظ زي��ن الدين‬ ‫عبد الرحيم بن الحس��ين العراقي‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان‪،‬‬ ‫دار الفكر العربي‪.‬‬ ‫‪39‬ـ ‪39‬تهذي��ب التهذيب‪ :‬أبو الفض��ل أحمد بن علي بن حجر العس��قالني‪،‬‬ ‫تحقيق مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكت��ب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫ط‪1415 ،1‬هـ ـ ‪1994‬م‪.‬‬ ‫‪40‬ـ ‪40‬تهذيب الكمال في أس��ماء الرجال‪ :‬جمال الدين أبو الحجاج يوس��ف‬ ‫المزي‪ ،‬تحقيق الدكتور بشار عواد معروف‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت ـ‬ ‫لبنان‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ ـ ‪1998‬م‪.‬‬ ‫‪41‬ـ ‪41‬التيه العربي (تأمالت في الواقع الصعب)‪ :‬الدكتور عبد اهلل زيد صالح‪،‬‬ ‫دار مجدالوي للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ 2018 ،1‬ـ ‪2019‬م‪.‬‬ ‫البس��تي‪ ،‬دائرة المعارف‬ ‫‪42‬ـ ‪42‬الثقات‪ :‬محمد بن حبان أبو حاتم‪ ،‬الدارمي‪ُ ،‬‬ ‫العثماني��ة بحيدر آب��اد الدك��ن الهن��د‪ ،‬ط‪1393 ،1‬هـ ـ ‪1973‬م‪ .‬ضمن‬ ‫الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪43‬ـ ‪43‬الثورة الفرنسية وس��يكولوجيا الثورات‪ :‬غس��تاف لوبون‪ ،‬ترجمة نبيل‬ ‫‪333‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬ ‫أبو صعب‪ ،‬دار الفرقد للطباعة والنش��ر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪2016‬م‪.‬‬ ‫‪44‬ـ ‪44‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري)‪ :‬أبو جعفر محمد بن‬ ‫جرير الطبري‪ ،‬المكتبة الفيصلية‪ ،‬مكة المكرمة‪.‬‬ ‫‪45‬ـ ‪45‬جواب العزابة رد ًا على البهلولي علي بن أبي الحسن‪ :‬الشيخ أبو مهدي‬ ‫عيسى بن إسماعيل‪ ،‬منشورات مكتبة المس��جد العتيق بقصر غرداية‪،‬‬ ‫الجزائر‪ ،‬ط‪1437 ،1‬هـ ـ ‪2016‬م‪.‬‬ ‫‪46‬ـ ‪46‬الحدود بي��ن حرية التعبير واإلس��اءة إلى اآلخر‪ :‬محمد بن س��الم بن‬ ‫عبد اهلل الحارثي‪ ،‬مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم‪ ،‬مسقط‪،‬‬ ‫سلطنة عمان‪1436 ،‬هـ ـ ‪2014‬م‪.‬‬ ‫‪47‬ـ ‪47‬الحرب المقدسة االستش��هاد واإلرهاب أش��كال العنف المسيحية في‬ ‫الغرب‪ :‬فيليب بوك‪ ،‬ترجمة بدر الدين عرودكي‪ ،‬جسور الترجمة للنشر‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪2020 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪48‬ـ ‪48‬حوار بين الس��نة واإلباضية والش��يعة‪ :‬عبد الرزاق طوط��اوي‪ ،‬مكتبة‬ ‫مسقط‪ ،‬مسقط‪ ،‬سلطنة عمان‪ ،‬ط‪1429 ،2‬هـ ـ ‪2008‬م‪.‬‬ ‫‪49‬ـ ‪49‬حول إعادة كتابة التاريخ اإلس�لامي‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل‪ ،‬دار ابن‬ ‫كثير‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1438 ،2‬هـ ـ ‪2017‬م‪.‬‬ ‫‪50‬ـ ‪50‬الخالفة الراش��دة والدولة األموية من فتح الباري‪ :‬د‪ .‬يحيى بن إبراهيم‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪334‬‬ ‫اليحي��ى‪ ،‬دار الهجرة للنش��ر والتوزي��ع‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملك��ة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ ـ ‪1997‬م‪.‬‬ ‫‪51‬ـ ‪51‬الخ��وارج أول الفرق في تاريخ اإلس�لام‪ :‬الدكتور ناص��ر عبد الكريم‬ ‫العقل‪ ،‬دار الوطن ـ الرياض ـ‪ ،‬الطبعة األولى ‪1416‬هـ‪.‬‬ ‫‪52‬ـ ‪52‬الخ��وارج تاريخه��م‪ ،‬فرقه��م‪ ،‬وعقائده��م‪ :‬الدكت��ور أحم��د عوض‬ ‫أبو الشباب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1433 ،2‬هـ ـ ‪2012‬م‪.‬‬ ‫‪53‬ـ ‪53‬الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم‪ :‬ناصر بن عبد اهلل السعوي‪ ،‬دار المعراج‬ ‫الدولية للنشر‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ ـ ‪1996‬م‪.‬‬ ‫‪54‬ـ ‪54‬الخوارج عقيدة وفكر ًا وفلس��فة‪ :‬الدكتور عامر النج��ار‪ ،‬عالم الكتب‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬ط‪1406 ،1‬هـ ـ ‪1986‬م‪.‬‬ ‫‪55‬ـ ‪55‬الخوارج نشأتهم وصفاتهم وعقائدهم وأفكارهم‪ :‬د‪ .‬علي محمد محمد‬ ‫الصالبي‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1437 ،1‬هـ ـ ‪2016‬م‪.‬‬ ‫‪56‬ـ ‪56‬الخوارج والحقيقة الغائبة‪ :‬الدكتور الش��يخ ناصر بن سليمان بن سعيد‬ ‫السابعي‪ ،‬ط‪1434 ،1‬هـ ـ ‪2013‬م‪.‬‬ ‫‪57‬ـ ‪57‬دراسات تاريخية‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫ط‪1438 ،2‬هـ ـ ‪2017‬م‪.‬‬ ‫‪58‬ـ ‪58‬دراس��ة في الفكر اإلباضي‪ :‬عمر بن الحاج محمد صالح با‪ ،‬مؤسس��ة‬ ‫الشيخ الناصر للكتاب‪ ،‬غرداية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪1436 ،2‬هـ ـ ‪2015‬م‪.‬‬ ‫‪335‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬ ‫‪59‬ـ ‪59‬دعوة القرآن الكريم إلى توحيد الصف واجتماع الكلمة‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد الظاهر‬ ‫عبد الباري عل��ي عبيد‪ ،‬دار العال��م العربي‪ ،‬القاه��رة‪ ،‬ط‪1434 ،1‬هـ ـ‬ ‫‪2013‬م‪.‬‬ ‫‪60‬ـ ‪60‬الدين والدم إبادة شعب األندلس‪ :‬ماثيو كار‪ ،‬ترجمة د‪ .‬مصطفى قاسم‪،‬‬ ‫هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة مشروع «كلمة»‪2013 ،‬م‪.‬‬ ‫‪61‬ـ ‪61‬ديوان عمر ب��ن أبي ربيع��ة‪ :‬دار بي��روت للطباعة والنش��ر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪1404‬هـ ـ ‪1984‬م‪.‬‬ ‫‪62‬ـ ‪62‬السلطة في اإلسالم‪ :‬عبد الجواد ياس��ين‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1998‬م‪.‬‬ ‫‪63‬ـ ‪63‬السنة البن أبي عاصم‪ :‬أبو بكر أحمد بن عمرو ابن أبي حاتم‪ ،‬تحقيق‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬باسم بن فيصل الجوابرة‪ ،‬دار الصميعي للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ ـ ‪1998‬م‪.‬‬ ‫‪64‬ـ ‪64‬س��نن ابن ماجة‪ :‬الحافظ أبو عبد اهلل محمد بن يزي��د القزويني‪ ،‬ضبط‬ ‫النصوص أحمد ش��مس الدين‪ ،‬منش��ورات محمد عل��ي بيضون‪ ،‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ ـ ‪2002‬م‪.‬‬ ‫‪65‬ـ ‪65‬س��نن الدارقطني‪ :‬علي بن عمر الدارقطني‪ ،‬تحقيق ش��عيب االرنؤوط‬ ‫وحسن عبد المنعم شلبي وهيثم عبد الغفور‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫لبنان‪1424 ،‬هـ ـ ‪2004‬م‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪336‬‬ ‫‪66‬ـ ‪66‬س��نن الكب��رى البيهق��ي‪ :‬أحمد ب��ن الحس��ين بن علي بن موس��ى‬ ‫الخُ ْس َر ْوجِردي الخراساني‪ ،‬أبو بكر البيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر‬ ‫عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1424 ،3‬هـ ـ ‪2003‬م‪ .‬ضمن‬ ‫المكتبة الشاملة‪.‬‬ ‫‪67‬ـ ‪67‬الس��نن الكبرى للنس��ائي‪ :‬اإلم��ام أبو عبد الرحمن أحمد بن ش��عيب‬ ‫النسائي‪ ،‬تحقيق الدكتور عبد الغفار س��ليمان البنداري وسيد كسروي‬ ‫حسن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ ـ ‪1991‬م‪.‬‬ ‫‪68‬ـ ‪68‬س��يكولوجية الجماهير‪ :‬غس��تاف لوبون‪ ،‬ترجمة هاش��م صالح‪ ،‬دار‬ ‫الساقي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪2016 ،7‬م‪.‬‬ ‫‪69‬ـ ‪69‬ش��بهة نس��بة اإلباضية إلى الخوارج‪ :‬البش��ير مس��عي محمد‪ ،‬مكتبة‬ ‫الضامري للنشر والتوزيع‪ ،‬السيب‪ ،‬سلطنة عمان‪ ،‬ط‪1439 ،1‬هـ ـ ‪2018‬م‪.‬‬ ‫‪70‬ـ ‪70‬شرح السنة للبغوي‪ :‬أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء‬ ‫البغوي الش��افعي‪ ،‬تحقيق ش��عيب األرنؤوط ومحمد زهير الشاويش‪،‬‬ ‫المكتب اإلس�لامي‪ ،‬دمش��ق‪ ،‬بي��روت‪ ،‬ط‪1403 ،2‬هـ ـ ‪1983‬م‪ .‬ضمن‬ ‫الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪71‬ـ ‪71‬شرح قصيدة أبي المؤثر الصلت بن خميس الخروصي البهلوي‪ :‬مؤلف‬ ‫مجهول‪ ،‬جمع وترتيب شمسة بنت عبد اهلل بن هالل الحوسنية‪ ،‬ذاكرة‬ ‫عمان‪ ،‬مسقط‪ ،‬سلطنة عمان‪ ،‬ط‪1436 ،1‬هـ ـ ‪2015‬م‪.‬‬ ‫‪337‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬ ‫‪72‬ـ ‪72‬صحيح ابن حب��ان بترتيب اب��ن بلبان‪ :‬ع�لاء الدين علي ب��ن بلبان‬ ‫الفارسي‪ ،‬تحقيق شعيب األرنؤوط‪ ،‬مؤسس��ة الرسالة‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪،‬‬ ‫ط‪1418 ،3‬هـ ـ ‪1997‬م‪.‬‬ ‫‪73‬ـ ‪73‬صحيح البخاري‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن إس��ماعيل البخاري‪ ،‬دار إحياء‬ ‫التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ـ‬ ‫‪2001‬م‪.‬‬ ‫‪74‬ـ ‪74‬صحيح مس��لم‪ :‬اإلم��ام أبو الحس��ين مس��لم بن الحجاج القش��يري‬ ‫النيس��ابوري‪ ،‬دار إحي��اء التراث العرب��ي للطباعة والنش��ر والتوزيع‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ ـ ‪2000‬م‪.‬‬ ‫‪75‬ـ ‪75‬صحيح وضعيف تاريخ الطبري‪ :‬تحقيق محمد بن طاهر البرزنجي‪ ،‬دار‬ ‫ابن كثير‪ ،‬دمش��ق‪ ،‬بي��روت‪ ،‬ط‪1428 ،1‬هـ ـ ‪2007‬م‪ .‬ضمن الموس��وعة‬ ‫الشاملة‪.‬‬ ‫‪76‬ـ ‪76‬الضعفاء والمتروكين للنسائي‪ :‬اإلمام أحمد بن شعيب النسائي‪ ،‬دراسة‬ ‫وتحقيق الش��يخ عبد العزيز عز الدين الس��يروان‪ ،‬ضمن المجموع في‬ ‫الضعفاء والمتروكين‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1405 ،1‬هـ ـ ‪1985‬م‪.‬‬ ‫‪77‬ـ ‪77‬الطبقات الكبرى‪ :‬محمد بن س��عد بن منيع الهاشمي البصري‪ ،‬تحقيق‬ ‫محمد عبد الق��ادر عطاء‪ ،‬دار الكت��ب العلمية‪ ،‬بي��روت ـ لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1410‬هـ ـ ‪1990‬م‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪338‬‬ ‫‪78‬ـ ‪78‬عقيدة أهل الس��نة والجماعة في الصحابة الك��رام @ ‪ :‬ناصر بن علي‬ ‫عائض حسن الشيخ‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫ط‪1421 ،3‬هـ ـ ‪2000‬م‪.‬‬ ‫‪79‬ـ ‪79‬العلل الواردة في األحاديث النبوية‪ :‬أبو الحس��ن علي ب��ن عمر البغدادي‬ ‫الدارقطني‪ ،‬تحقيق محفوظ الرحمن زين اهلل الس��لفي‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1405 ،1‬هـ ـ ‪1985‬م‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪80‬ـ ‪80‬علم الحديث البن تيمية‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫ط‪1405 ،1‬هـ ـ ‪1985‬م‪.‬‬ ‫‪81‬ـ ‪81‬فتح الباري بش��رح صحيح البخاري‪ :‬الحافظ أحمد بن علي بن حجر‬ ‫العسقالني‪ ،‬تحقيق الش��يخ عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬لبنان‪1414 ،‬هـ ـ ‪1993‬م‪.‬‬ ‫‪82‬ـ ‪82‬ال َفرق بين الفِ��رق‪ :‬الش��يخ عبد القاهر بن طاهر بن محم��د البغدادي‬ ‫االسفرائيني التميمي‪ ،‬تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬المكتبة‬ ‫العصرية‪1411 ،‬هـ ـ ‪1990‬م‪.‬‬ ‫ص��ل في المل��ل واألهواء والنح��ل‪ :‬أبو محمد علي ب��ن أحمد بن‬ ‫ِ‬ ‫‪83‬ـ ‪83‬الف َ‬ ‫سعيد بن حزم‪ .‬مكتبة السالم العلمية‪.‬‬ ‫‪84‬ـ ‪84‬فصول في التفكي��ر الموضوع��ي‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد الكريم ب��كار‪ ،‬دار القلم‪،‬‬ ‫دمشق‪ ،‬ط‪1434 ،7‬هـ ـ ‪2013‬م‪.‬‬ ‫‪339‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬ ‫‪85‬ـ ‪85‬فكر الخوارج والش��يعة من ميزان أهل السنة والجماعة‪ :‬علي بن محمد‬ ‫الصالبي‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1429 ،1‬هـ ـ ‪2008‬م‪.‬‬ ‫‪86‬ـ ‪86‬في التاريخ اإلس�لامي فصول في المنهج والتحلي��ل‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين‬ ‫خليل‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1438 ،2‬هـ ـ ‪2017‬م‪.‬‬ ‫‪87‬ـ ‪87‬في التأصيل اإلسالمي للتاريخ‪ :‬د‪ .‬عماد الدين خليل‪ ،‬دار الفرقان للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪88‬ـ ‪88‬في موكب اإلصالح‪ :‬سلطان بن مبارك بن حمد الشيباني‪ ،‬ذاكرة عمان‪،‬‬ ‫من مطبوعات موقع بصيرة االلكتروني‪ ،‬مس��قط‪ ،‬س��لطنة عمان‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1436‬هـ ـ ‪2015‬م‪.‬‬ ‫‪89‬ـ ‪89‬القراءة المثمرة (مفاهي��م وآليات)‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد الكريم ب��كار‪ ،‬دار القلم‪،‬‬ ‫دمشق‪ ،‬ط‪1436 ،8‬هـ ـ ‪2015‬م‪.‬‬ ‫‪90‬ـ ‪90‬الكامل في التاري��خ‪ :‬عز الدين أبو الحس��ن علي ب��ن أبي الكرم‬ ‫الشيباني المعروف بابن األثير‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1402 ،‬هـ ـ‬ ‫‪1982‬م‪.‬‬ ‫‪91‬ـ ‪91‬الكامل في ضعفاء الرجال‪ :‬اإلمام الحاف��ظ أبو أحمد عبد اهلل بن عدي‬ ‫الجرجاني‪ ،‬تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد‬ ‫معوض واألستاذ الدكتور عبد الفتاح أبو س��نة‪ ،‬منشورات محمد علي‬ ‫بيضون‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ ـ ‪1997‬م‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪340‬‬ ‫‪92‬ـ ‪92‬كتاب الجرح والتعديل‪ :‬اإلمام أبو محم��د عبد الرحمن بن أبي حاتم‬ ‫التميمي الحنظلي الرازي‪ ،‬مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد‪،‬‬ ‫الهند‪ ،‬ط‪1372 ،1‬هـ ـ ‪1952‬م‪.‬‬ ‫‪93‬ـ ‪93‬كتاب الس��ير‪ :‬أبو العباس أحمد بن أبي عثمان س��عيد بن عبد الواحد‬ ‫الشماخي‪ ،‬تحقيق الدكتور محمد حسن‪ ،‬دار المدار اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫لبنان‪ ،‬ط‪2009 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪94‬ـ ‪94‬كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين‪ :‬اإلمام الحافظ‬ ‫محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البس��تي‪ ،‬تحقيق محمود‬ ‫إبراهيم زايد‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪1412 ،‬هـ ـ ‪1992‬م‬ ‫‪95‬ـ ‪95‬الكش��ف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث‪ :‬بره��ان الدين الحلبي‪،‬‬ ‫تحقيق السيد صبحي البدري السامرائي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫ط‪1416 ،2‬هـ ـ ‪1996‬م‪.‬‬ ‫‪96‬ـ ‪96‬كيف تفقد الشعوب المناعة ضد االستبداد‪ :‬هشام علي حافظ‪ ،‬وجودت‬ ‫س��عيد‪ ،‬وخالص جلبي‪ ،‬رياض الريس للكتب والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫ط‪2002 ،2‬م‪.‬‬ ‫‪97‬ـ ‪97‬كيفية قراءة التاريخ وفهمه‪ :‬الدكتور محمد بن موس��ى الشريف‪ ،‬دار‬ ‫التوزيع والنش��ر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جمهوري��ة مصر العربي��ة‪ ،‬ط‪1434 ،1‬هـ ـ‬ ‫‪2013‬م‪.‬‬ ‫‪341‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬ ‫‪98‬ـ ‪98‬لسان الميزان‪ :‬الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر‬ ‫العسقالني‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ ـ ‪1988‬م‪.‬‬ ‫‪99‬ـ ‪99‬لماذا يكذب الق��ادة (حقيقة الكذب في السياس��ة الدولية)‪ :‬جون جي‪.‬‬ ‫ميرش��ايمر‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عبد الفتاح عمورة‪ ،‬مراجع��ة أ‪ .‬د‪ .‬منذر محمود‬ ‫محمد‪ ،‬دار الفرقد‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪2016 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪100 100‬المثالية والواقعية في تاريخ الفكر السياس��ي عند المسلمين‪ :‬الدكتور‬ ‫فاروق عمر فوزي‪ ،‬دار مجدالوي للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ 2016 ،1‬ـ ‪2017‬م‪.‬‬ ‫‪101 101‬مجموع فتاوي شيخ اإلسالم أحمد بن تيمية‪ :‬جمع وترتيب عبد اهلل بن‬ ‫محمد بن قاسم العاصمي وابنه محمد‪ ،‬الطبعة األولى‪1398 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪102 102‬محددات اإلشاعة في السلم والحرب شرع ًا ونظام ًا‪ :‬الدكتور عبد اهلل بن‬ ‫معتب بن ربيق‪ ،‬مركز الدراس��ات العربية للنش��ر والتوزيع‪ ،‬جمهورية‬ ‫مصر العربية‪ ،‬ط‪1436 ،1‬هـ ـ ‪2015‬م‪.‬‬ ‫‪103 103‬مس��الك األبصار في ممالك األمص��ار‪ :‬أحمد ب��ن يحيى بن فضل اهلل‬ ‫القرشي العدوي العمري‪ ،‬ش��هاب الدين‪ ،‬المجمع الثقافي‪ ،‬أبو ظبي‪،‬‬ ‫ط‪1423 ،1‬هـ‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪104 104‬المس��تدرك على الصحيحي��ن‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن عب��د اهلل الحاكم‬ ‫النيس��ابوري‪ ،‬تحقيق مصطف��ى عبد القادر عط��ا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ ـ ‪1990‬م‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪342‬‬ ‫‪105 105‬مسند أبي داود الطيالسي‪ :‬الحافظ أبو داود سليمان بن داود الطيالسي‪،‬‬ ‫تحقيق الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي‪ ،‬دار هجر‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1419‬هـ ـ ‪1999‬م‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪106 106‬مس��ند أبي يعلى‪ :‬اإلمام الحافظ أحمد بن على ب��ن المثنى التميمي‪،‬‬ ‫تخريج وتعليق‪ :‬سعيد بن محمد السناري‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1434‬هـ ـ ‪2013‬م‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪107 107‬مس��ند اإلمام أحمد بن حنبل‪ :‬اإلم��ام أحمد بن حنب��ل‪ ،‬بيت األفكار‬ ‫الدولية‪ ،‬الرياض‪1419 ،‬هـ ـ ‪1998‬م‪.‬‬ ‫‪108 108‬مس��ند الحميدي‪ :‬اإلمام أبو بكر عبد اهلل بن الزبي��ر الحميدي‪ ،‬تحقيق‬ ‫حبيب الرحمن األعظم��ي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بي��روت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1409‬هـ ـ ‪1988‬م‪.‬‬ ‫‪109 109‬مسند الفاروق البن كثير‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي‪،‬‬ ‫تحقيق إمام بن علي بن إمام‪ ،‬دار الفالح‪ ،‬الفيوم‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪١٤٣٠ ،1‬هـ ـ‬ ‫‪٢٠٠٩‬م‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪110 110‬المسئولية الجنائية للقادة العسكريين في الحروب شرع ًا ونظام ًا‪ :‬الدكتور‬ ‫عبد اهلل بن متعب بن ربيق‪ ،‬مركز الدراس��ات العربية للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫جمهورية مصر العربية‪.‬‬ ‫‪343‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬ ‫‪111 111‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪ :‬الدكتورة سيدة إسماعيل‬ ‫كاشف‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1396 ،2‬هـ ـ ‪1976‬م‪.‬‬ ‫‪112 112‬مصنف ابن أبي ش��يبة‪ :‬أبو بكر بن أبي ش��يبة‪ ،‬تحقيق كمال يوس��ف‬ ‫الحوت‪ ،‬مكتبة الرش��د‪ ،‬الري��اض‪ ،‬المملكة العربية الس��عودية‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1409‬هـ‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪113 113‬مصنف عبد الرزاق‪ :‬أبو بك��ر عبد الرزاق بن همام الصنعاني‪ ،‬تحقيق‬ ‫األستاذ نظير الساعدي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1423‬هـ ـ ‪2002‬م‪.‬‬ ‫‪114 114‬المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية‪ :‬أبو الفضل أحمد بن علي بن‬ ‫محمد بن أحمد بن حجر العس��قالني‪ ،‬تحقيق مجموعة من الباحثين‪،‬‬ ‫دار العاصمة للنشر والتوزيع‪ ،‬دار الغيث للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪١٤١٩ ،1‬هـ ـ‬ ‫‪١٩٩٨‬م‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪115 115‬المعجم الصغير لرواة اإلمام ابن جرير الطب��ري‪ :‬أكرم بن محمد زيادة‬ ‫الفالوجي األثري‪ ،‬الدار األثرية‪ ،‬األردن ـ دار ابن عفان‪ ،‬القاهرة‪ .‬ضمن‬ ‫الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪116 116‬المعجم الكبير‪ :‬سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي‪،‬‬ ‫أبو القاسم الطبراني‪ ،‬تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي‪ ،‬مكتبة ابن‬ ‫تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ .2‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪344‬‬ ‫‪117 117‬المغني في الضعفاء‪ :‬ش��مس الدي��ن أبو عب��د اهلل محمد بن أحمد بن‬ ‫عثمان ب��ن ق َْايماز الذهب��ي‪ ،‬تحقيق الدكت��ور نور الدي��ن عتر‪ .‬ضمن‬ ‫الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪118 118‬مقاالت اإلس�لاميين واختالف المصلين‪ :‬اإلمام أبو الحس��ن علي بن‬ ‫إسماعيل األشعري‪ ،‬تصحيح هلموت ريتر‪ ،‬ط‪1400 ،3‬هـ ـ ‪1980‬م‬ ‫‪119 119‬المقترب في بي��ان المضطرب‪ :‬أحمد بن عمر بن س��الم بن أحمد بن‬ ‫عبود أبو عمر بازمول الس��لفي المكي الرحابي‪ ،‬دار ابن حزم للطباعة‬ ‫والنشر‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ـ ‪2001‬م‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪120 120‬مالحظات ح��ول تاريخن��ا القديم ـ كيف ندرس��ه وكي��ف نحققه ـ‪:‬‬ ‫محمد بن قاسم ناصر بوحجام‪ ،‬المطبعة العربية‪ ،‬غرداية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫‪1417‬هـ ـ ‪1996‬م‪.‬‬ ‫‪121 121‬المل��ل والنح��ل‪ :‬أبو الفت��ح محمد ب��ن أب��ي القاس��م عبد الكريم‬ ‫صل في الملل واألهواء والنحل لإلمام‬ ‫ِ‬ ‫الشهرستاني‪ ،‬مطبوع بهامش الف َ‬ ‫ابن حزم‪ ،‬مكتبة السالم العالمية‪.‬‬ ‫‪122 122‬من مآسي االفتراق‪ :‬د‪ .‬محمد بن موسى الشريف‪ ،‬دار األندلس الخضراء‬ ‫ودار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1433 ،2‬هـ ـ ‪2012‬م‪.‬‬ ‫‪123 123‬منهاج السنة النبوية في نقض كالم الشيعة والقدرية‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪345‬‬ ‫عجارملاو رداصملا‬ ‫الدكتور محمد رش��اد س��الم‪ ،‬دار الفضيلة للنش��ر‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة‬ ‫العربية السعودية‪.‬‬ ‫‪124 124‬المنهج في كتابات الغربيين عن التاريخ اإلسالمي‪ :‬الدكتور عبد العظيم‬ ‫محمود الديب‪ ،‬المحاكم الشرعية والش��ؤون الدينية بدولة قطر‪ ،‬ضمن‬ ‫إصدارات كتاب األمة‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬ ‫‪125 125‬موجز تاريخ الحروب الصليبية في المش��رق اإلسالمي وشرقي حوض‬ ‫المتوسط‪ :‬رنيه غروسيه‪ ،‬ترجمة د‪ .‬أحمد إيبش‪ ،‬هيئة أبو ظبي للسياحة‬ ‫والثقافة‪ ،‬دار الكتب الوطنية‪ ،‬ط‪1435 ،1‬هـ ـ ‪2014‬م‪.‬‬ ‫‪126 126‬ميزان االعتدال ف��ي نقد الرجال‪ :‬أبو عب��د اهلل محمد بن أحمد بن عثمان‬ ‫الذهبي‪ ،‬تحقيق علي محمد البخاري‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫‪127 127‬نداء الحق‪ :‬سماحة الش��يخ العالمة أحمد بن حمد الخليلي‪ ،‬الكلمة‬ ‫الطيبة‪ ،‬مسقط‪ ،‬سلطنة عمان‪ ،‬ط‪1439 ،1‬هـ ـ ‪2018‬م‪.‬‬ ‫‪128 128‬نص��ب الراية تخري��ج أحادي��ث الهداية‪ :‬جم��ال الدي��ن أبو محمد‬ ‫عبد اهلل بن يوس��ف الزيلعي الحنفي‪ ،‬مع الهداية ش��رح بداية المبتدي‬ ‫لإلمام برهان الدين أبي الحس��ن علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي‪.‬‬ ‫تحقيق أحمد ش��مس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بي��روت لبنان‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫‪1422‬هـ ـ ‪2002‬م‪.‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪346‬‬ ‫‪129 129‬نهاي��ة األرب في فن��ون األدب‪ :‬أحمد ب��ن عبد الوهاب بن محمد بن‬ ‫عبد الدائم القرشي التيمي البكري‪ ،‬شهاب الدين النويري‪ ،‬دار الكتب‬ ‫والوثائق القومية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪130 130‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ :‬أبو العباس ش��مس الدين أحمد بن‬ ‫محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خل��كان البرمكي اإلربلي‪ ،‬تحقيق‬ ‫إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ .‬ضمن الموسوعة الشاملة‪.‬‬ ‫‪347‬‬ ‫الفهـــرس‬ ‫• المقدمة‪5......................................................................................‬‬ ‫قراءة منهجية في كتاب (الكامل في التاريخ) ‪23..............................................‬‬ ‫‪ 1‬ـ مصادر كتاب (الكامل في التاريخ) بين القبول والرفض ‪25...........................‬‬ ‫‪ 2‬ـ ابن األثير يزكي كتابه (الكامل في التاريخ) ‪36.........................................‬‬ ‫‪ 3‬ـ ابن األثير ينقل أخبار ًا بصيغ التمريض ‪38..............................................‬‬ ‫‪ 4‬ـ ابن األثير ينقل أخبار ًا ويعرضها على مصادر أخرى لها صلة بفحواها‪41............‬‬ ‫‪ 5‬ـ ابن األثير يستعين بالمنهج في رد كثير من األخبار‪44.................................‬‬ ‫‪ 6‬ـ «أهل كل بلد أعلم بأحوالهم» ‪47........................................................‬‬ ‫‪ 7‬ـ كتب التاريخ بين المنهج والواقع ‪54....................................................‬‬ ‫‪ 8‬ـ ضبط ما يروى وما يطوى من األخبار ‪61...............................................‬‬ ‫‪ 9‬ـ دعوة إلى تحري الصدق قبل اعتماد الروايات ‪70......................................‬‬ ‫ُك َّتاب التاريخ بين المنهج والتطبيق ‪73........................................................‬‬ ‫‪ 1‬ـ العوامل التي تؤثر على توجهات الكُ تَّاب ‪74............................................‬‬ ‫‪ 2‬ـ مصادر كتب المقاالت‪76.................................................................‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪348‬‬ ‫‪ 3‬ـ بداية الحكاية ‪84..........................................................................‬‬ ‫‪ 4‬ـ حكايات على مسرح الضعفاء والكذابين ‪88............................................‬‬ ‫‪ 5‬ـ وقفة مع الدكتور أحمد عوض أبي الشباب‪103..........................................‬‬ ‫‪ 6‬ـ حكاية ذي الخويصرة‪111..................................................................‬‬ ‫‪ 7‬ـ الدكتور هاني سليمان الطعيمات وخرافة ابن سبأ اليهودي ‪127........................‬‬ ‫‪ 8‬ـ الروايات التي ذكر فيها استعراض الناس ومقتل عبد اهلل بن خباب ‪144...............‬‬ ‫‪ 9‬ـ وقفات مع ُكتَّاب التاريخ حول تهمة «االستعراض» ‪155................................‬‬ ‫أ ـ الروايات تدعي مطالبة اإلمام علي أهل النهروان بتسليم قتلة ابن خباب‪147........‬‬ ‫ب ـ استجواب الناس حسب االنتماءات ‪158..............................................‬‬ ‫ج ـ ُكتَّاب التاريخ ينسبون مجاهيل من الناس إلى أهل النهروان ‪174....................‬‬ ‫د ـ ُكتَّاب التاريخ والجرائم التي ارتكبها الذين حاربهم الفكر اإلباضي ‪182............‬‬ ‫‪ 1‬ـ جرائم الجيش األموي في مدينة رسول اهلل ژ ‪183..................................‬‬ ‫‪ 2‬ـ جرائم الجيش األموي في اليمن‪188..................................................‬‬ ‫‪ 3‬ـ جرائم الجيش األموي في العراق ‪189................................................‬‬ ‫‪ 4‬ـ جنود بني أمية ومقتل الحسين بن علي ‪ ƒ‬وكرم وجه أبيه الكريم‪190......... .‬‬ ‫‪ 5‬ـ جرائم الحجاج بن يوسف في التاريخ ‪191...........................................‬‬ ‫‪ 6‬ـ جرائم أموية في اليمن‪193.............................................................‬‬ ‫‪ 7‬ـ جرائم جنود سعد الدولة في اليمن ‪201..............................................‬‬ ‫‪ 8‬ـ جرائم «زيد النار» العلوي‪ ،‬و«الجزار» العباسي في ديار اإلسالم ‪201..............‬‬ ‫‪349‬‬ ‫سرـــهفلا‬ ‫‪ 9‬ـ جرائم ترتكب في حرم اهلل اآلمن‪203.................................................‬‬ ‫‪ 10‬ـ قطاع طرق حجاج بيت اهلل الحرام‪205...............................................‬‬ ‫‪ 11‬ـ إجرام على يد معز الدولة وناصر الدولة ‪206........................................‬‬ ‫‪ 12‬ـ جرائم جيش المنصور في األهواز‪209...............................................‬‬ ‫‪ 13‬ـ مشهد إجرامي فيه دليل على اضطراب مقاييس ُكتَّاب التاريخ ‪209...............‬‬ ‫‪ 14‬ـ ابن األثير واضطراب الموازين ‪210..................................................‬‬ ‫‪ 15‬ـ مروان األموي واستباحته ألرواح المسلمين وأموالهم‪210.........................‬‬ ‫‪ 16‬ـ جرائم جنود بني العباس صورة ألفعال الكفار في ديار اإلسالم‪214..............‬‬ ‫‪ 17‬ـ اضطراب الموازين لدى ُكتَّاب التاريخ‪217........................................ .‬‬ ‫‪ 18‬ـ ُكتاب التاريخ في عمى عن جرائم قادة بني العباس‪218...........................‬‬ ‫‪ 19‬ـ ابن األثير‪ ،‬ومن سار على دربه‪ ،‬أصحاب ميول وأهواء ‪218.......................‬‬ ‫‪ 20‬ـ الهوى يلجم األلسن عن قول الحق ‪219.............................................‬‬ ‫‪ 21‬ـ نهب وقتل في بالد الرافدين ‪219.....................................................‬‬ ‫‪ 22‬ـ نهب وقتل وإحراق وهتك أعراض في ديار المسلمين ‪220........................‬‬ ‫‪ 23‬ـ ابن األثير ووزن األحداث بموازين الهوى‪221.....................................‬‬ ‫‪ 24‬ـ شقاق بين األقارب يفضي إلى جرائم حرب ‪221...................................‬‬ ‫‪ 25‬ـ أين العدالة يا ُكتَّاب التاريخ؟‪222....................................................‬‬ ‫‪ 26‬ـ جرائم حرب في ديار المسلمين‪ ،‬فأين المنصفون؟‪224............................‬‬ ‫‪ 27‬ـ جرائم في بالد األندلس على يد من ادعى اإلسالم ‪224...........................‬‬ ‫المذهب اإلباضي وسيكولوجية كتَّاب التاريخ‬ ‫‪350‬‬ ‫‪ 28‬ـ من جرائم إبراهيم بن أحمد األغلبي في ديار اإلسالم‪227....................... .‬‬ ‫‪ 29‬ـ فأين العدالة يا ُكتَّاب التاريخ؟‪227...................................................‬‬ ‫‪ 30‬ـ ذبح أطفال المسلمين على يد من ادعى اإلسالم‪228..............................‬‬ ‫‪ 31‬ـ أوصاف في غير محلها‪229...........................................................‬‬ ‫‪ 32‬ـ «وفعلوا ما لم يفعله الكفار مع المسلمين»‪231.....................................‬‬ ‫‪ 33‬ـ مبادئ اإلسالم وسلوك األتباع‪233..................................................‬‬ ‫‪ 34‬ـ َع ْو ٌد على َب ْدء ‪240.....................................................................‬‬ ‫‪ 10‬ـ مبادئ اإلباضية تاريخ يتكلم‪249.........................................................‬‬ ‫‪ 11‬ـ مباينة اإلباضية ألفكار الخوارج ‪259.....................................................‬‬ ‫‪ 12‬ـ أثر الموروثات الفكرية في الحكم على الناس‪291.....................................‬‬ ‫الطاعنون في أهل النهروان واإلباضية وفلسفة (سيكولوجية الجماهير) ‪299.................‬‬ ‫• الخاتمة ‪321......................................................................................‬‬ ‫• المصادر والمراجع ‪327.........................................................................‬‬ ‫• الفهرس‪347......................................................................................‬‬ ‫✾ ✾✾‬