)شە س سارها ‎ERN‏ 2 Ne RP ا eG Aa e seet ) < 2e) ۹ < 0 > < ت ي ج 7 و ٥0 ) ‎Vv‏ او سيان ار تايف لح نيو الجن الثالت ANA AA DNL الناشر كي الاستقامة د او : ص .تب ا۸۸۱٤ ‎VYVeeA\A 1‏ بسم الله الرحمن الرحيم واد قال رَبك للْمَلائكة ف جُاعل ف اض خحليفة الوا بعل فيها نيفد فيه وَبَسفِكُ الذماء وحن تبح بحمدك نفس لك قال إني أَعْلَم ما لا تَعلّمُونَ4 (البقرة : الآية 3۰) ka ف هذه الاية وما بعدها محکی الله سبحانه وتعا ل لن قصة خلق الإنسان ليتحمل أمانة الله على عاتقه . وتبداً هذه القصة بإعلان منزلة هذا الكائن من مخلوقات الله في اللا الأعلى ٠ والقران ليس كتابا تاريخيا يعنى بسرد أحداث التاريخ وقضاياء . كا أنه ليس كتاب هندسة › ولا كتاب طب وما إلى ذلك ٠ وإنما هو كتاب رسالة إلحية موجهة ة إلى الفطرة الانسانية › وئ إطار هذه الرسالة تلتقى الدعوة إلى الله مع التعليم والتشريع 6 والأمر والنمى 6 والوعظ والارشاد 6 والترغيب والترهيب 6 ولذلك فإنه عندما يتعرض للتاريخ أو لأي ناحية أخرى يكون تعرضه بقدر ما يعزز جانب هذه الرسالة وجل برهانما كا تبد ذلك واضحا فا قدرا 2 وقد أخبر الله جل شأنه نبيه يي أن قصص القرآن هو أحسن القصص ك أن حديثه هو أصدق الحديث في قوله : نحن نقص عَلَيِك ۶ ال 20ر ‎e 2o ‘woe‏ 0 ہم ‎o o v o o‏ َ‫ احسن القصص ما اوحينا إليك هذا القران وإن كنت من قبله لمن العَافلين - الآية ۳ سورة يوسف . وقد يتبادر لقارىء القران أول مرة عندما يبد القصة الواحدة مذكورة في العديد من السور ان ذلك تكرار » ولكن إذا عاد إلى السور ومحتوياتها . ومقاصدها › والمعروض من القصة فيها . وأسلوب العرض ٠ أدرك أن ذلك بعيد عن التكرار . فإن السورة لا تعرضص القصص بطريق السرد كا هو شأن القصاصين ٠ وإنا تأي متها بقدر ما يخدم الموضوع الذي ذُكرت خلاله القصة » وبحسب ما يتلاءم مع هذا الحو فقصة موسی عليه السلام مثلا عرضت في سور شتی ولکن هذا العرض ل يات على وتيرة واحدة . فتجدها تارة مطولة . وتارة محتصرة . وفي كل مرة يتميز العرض بفوائد شتى من جوانب القصة نفسها » ومن جانب العبر والعظات التي تمليها ٠ وإذا علمت أن القران نزل في ثلاث وعشرين سنة واجه فيها تحديات المشركين العرب ومكر أهل الكتاب ٠ ودسائس النافقين ›. ومؤامرات الشعوب المختلفة أدركت السر في تعدد المقامات التي تستوجب ذكر القصة الواحدة إما للتذكير وإمًا لتفنيد المزاعم أو لغير ذلك من الأغراض . وجيع القصص القرانية تحكي أحداثا واقعة › وأحوالا متقدمة › وليست مسوقة لغرض التمثيل فحسب كا يجنح إلى ذلك بعض المتأخرين - فإن باب التمثيل معروف »٠ وعندما يأتي في القران يأ مقرونا بالقرائن اللفظية الدالة على قصده لتعميق المفاهيم في النفس ٠ وترسيخ اللعاني في الأذهان . فإن النفس كا سبق - هي للمحسوس أألف ا وبماهيته أعلم . ولا توجد وثيقة تاريخية بشرية تحكي قصة بداية خلق الانسان › وتمكينه في الأرض ٠ ولذلك كان الذين يعتمدون على أنفسهم ف استلهام ذلك متخبطین في متاهات حائرة سالکین طرائق قددا . لم تقم على مزاعمهم حجة ٠ ولم تعززها قرينة » بل كثيرا ما يکشف الواقع العلمي عكس ما يقولون ٠ وإنما المستند في ذلك إلى خبر الله تعالى الذي خلق الإنسان فسواه » ومن عليه فأعطاه › وهو العليم بكل شيء . مظاهر تکريم الله للانسان وطبيعة هذا الكائن وفطرته مغايرتان لطبائم وفطر جميع المخلوقات الأرضية وغيرها . فقد اختصه الله بمزايا متنوعة وفواضل مختلفة › يشير إليها قوله تعالى : ولق كرما بني أَدَم وحَلناهُم في البر والبحر وَرَرَفَاُم من الطيبات وَفَضَلَْاهُم عل كثير عَنْ حلفا فضي _ الآية ٠ سورة الاسراء . ومن مظاهر هذا التكريم وأنواع هذه المزايا اختصاص الإنسان بقدرات متنوعة وملكات مختلفة هيأته للسيادة في الأرض ومكنته ما فيها من أنواع محلوقات الله تعالى » ومن المعلوم أن من الحيوانات الأرضية ما هو أطول عمرا من الإنسان » وأقوى جسيا » وأعظم حجا » وأكٹر إقداما . غير أنها لم تستطع أن تسخره کا سخرها » وأن تنال منه ما نال منہا » فقد سخر هو الفيل وغيره من الحيوانات الضخمة الحريئة › ۷ -۔ واستخدمها ف مصال حه . وانتفا ع أي حیوان بالأرض وما فيها انتماع نسبي محدود بينم انتفاع الإنسان مطلق لا حدود له فهو ينتفع بالحيوانات البرية والبحرية » والنباتات المختلفة » وال جحمادات المتنوعة › والمعادن الى لا تحصى انتفاعا متنوعا » بحيث يستخدم الشيء الواحد في مصالح ومن مظاهر هذا التكريم أيضا سنة التطور التي اختص الله بها الجنس البشري دون غيره » فسائر المخلوقات -وإن تعاقبت عليها القرون وتوالت عليها الأحقاب ‏ لا تتبدل أحوالا ولا تتغير أوضاعها 6 بخلاف الناس الذين أودع الله سبحانه وتعالى في طبائعهم ملكات التطور حتى صاروا ينتقلون من وضع إلى غيره ويرتقون من حال إلى آخری کا هو ظاهر ي حیاة الناس الفكرية ٠ والأدارية . والصناعية › البحر إذا أرادوا أن يرمحوا أقدامهم من جهد السبر › وكواهلهم من عناء الحمل › ويكلفهم ذلك جهدا جسميا . کا ینتھب منہم جانبا من أعمارهم »٠ ثم أخذوا ينتقلون من طور إلى اخر حت بلغوا الآن في طي اللسافات واختصار مراحل الأسفار إلى الاستغناء ببضع ساعات فيا كان يكلفهم شهورا وأعواما حتى ليظن الظان أنهم طويت لم الأرض وزُوى حم الفضاء › وقس على ذلك بقية مطالب الحياة . وقّل مثل ذلك في الانتفاع بجا أودع الله تعالى هذه الأرض من مصالح للناس ل تكتشفها إلا الأجيال المتأخرة بفضل ما اتاهم الله تعالى من علم » فكم من معدن يعد - ۸ في وقتنا هذا من أكبر الثروات وأنفس المنتوجات لم يكن يزن شيئا في عهود الآباء والأجداد › وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الله سبحانه هيأ هذا الانسان منصب كبيرلا يرقى إليه غيره » وهو الخلافة في الأرض كا تفش علينا هذه الآية الكريمة . وبجانب هذا التكريم الالهي لذا الكائن البشري فإن الله ابتلاه بنقص ذاتي لئلا يذهب به الغرور إلى أنه أوتي ما أوتي باستحقاقه » وأنه مستغن بذاته عن غيره » ومن مظاهر هذا النقص الضعف ال حسمي ٠ فن کل ما يصيبه يؤله أكثر من إيلام غيره من الخلوقات الحية › وجسده أضعف من أجساد الحيوانات في احتمال حرارة الصيف وبرودة الشتاء . ومن مظاهر نقصه ضرورته إلى النظافة والزينة » فهو دائما بحاجة إلى الماء للاستنجاء والاستحمام » وإلى السواك وإزالة التفث عنه ٠ فلو يستنج ويستحم لنتن ٠ ولو لم يستك لبخر » ولو لم يلق التفث عنه لتشوه › ك) أنه بحاجة إلى ما يستر سوأته من اللباس ء. وبدون ذلك يكون أقبح منظرا وأسواً حالة من أي حيوان › وهو أيضا بحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الشر من السلاح ٠ بينم بقية الحيوانات جعل الله نا في نفسها وسائل للدفاع تقاوم بها عدوها . والمولود البشري يمر بمراحل متطاولة حتى تکتمل قواه بخلاف المولود من الحيوانات فإنه سرعان ما يصل إلى غايته من القوة . ولذلك كان المولود البشري بحاجة زائدة إلى عناية بالغة ممن يقوم بتربيته » وم ۹ -۔ كثير من النواقص المختلفة يكتشفها الإنسان في نفسه إذا أمعن النظر فيها 9 وحسبنا أن الله سبحانه قال فيه : لِوَخْلق الإنسَان ضعيفاگه - الاية ۲۸ من سوره النساء . ومن الظواهر الغريبة في الجنس البشري التفاوت الذي لا يحد مقياس بين أفراده وهي ظاهرة إن وجدت في غيره فهي نسبية » فبینےا ترى إنسانا لا ترتفع مته فوق موطىء قدميه شبرا واحدا إذا باخر تعلو ممه حتى تسبح مع النجوم في أفلاكها » وبين تشاهد جماعات من الناس هم أشبه ما يكونون بالحشرات المؤذية والزواحف السامة › إِذا بك ترى لا يعلو تفكيره شهوته البهيمية . وغريزته السبعية إذا بك تنجد غيره يهشي على الأرض »٠ وهو يعيش بفكره » وبصيرته مع اللا الأعلى . وكم تجبد الفضاء › وهذه الظاهرة إن دلت على شىء فإنما تدل على اختصاص الله سبحانه هذا الحنس من مخلوقاته با لا یکتنه من مواهبه » وعلی أن تکوینه سفلوا يكون غالبا بسبب إيثار الدنيا والإاخلاد إليها من قبل أنفسهم › وهذا الاختصاص الرباني هذا النوع الإنساني بهذه المزية العظمى ما هو إلا مظهر من مظاهر ترشيحه لمنصب الخلافة الذي تحدثت عنه هذه الآية . الإنسان خليفة الله في الأرض وارتىاط الكلام هنا با سبقه واضح ٠ ذلك لأن فيا تقدم تذكيرا للإنسان بمختلف نعم الله الل التي أفاضها على النوع الإنساني » ومنها خلق جيع ما في الأرض له ٠ ثم الاستواء إلى السياء وتسويتهن سبع سماوات » وفي ذلك أيضا نعم لا تحصى لأن الأرض مرتبطة بالأجرام السماوية برباط الجحاذبية كا تقدم » وبهذه التسوية أمكن للإنسان أن يستقر على الأرض ٠ وأن يستمتع بمنافعها التي على ظهرها والتي ي أعماق بطنها » وهذا التكريم اللي يترتب عليه ما ذكر هنا من تبوئة الانسان لهذا المنصب الحليل » منصب الخلافة في الأرض الذي تحدثت عنه هذه الآية . وبعد هذه التوطئة الاجمالية لتفسيرها نأي إلى تفصيل ألفاظها ومعانيها :- (إذ) ظرف زماني دال على وقوع نسبة في الزمن الماضي مع وقوع نسبة أخرى ماضية أيضا › وذهب ابن قتيبة وأبوعبيدة معمر بن الثنى إلى أنها في هذا الموضع وما يشبهه زائدة . وهي مجازفة من القول يجب أن لا يصغى إليها في تفسير كتاب الله تعالى المنزه عن كل حشو» فإن الزيادة لا تكون إلا في كلام الذين يعييهم ترتيب الألفاظ بحسب ترتيب المعاني . فيأتون بالدخيل من القول لقصد تنميق الكلام وتزويقه . وهذا ما لا ينطبق أبدا على كلام الله تعالى الذي هو أبلغ الكلام وأصدقه › وأحسن الحديث وأصحه ٠ وقد أجاد إمام المفسرين ابن جرير الطبري في ا۱ -۔ رد هذا الزعم وتفنيد جميع شبهه وقد حذا حذوه معظم المفسرين حتى أن القرطبي حكى اتفاقهم عليه › كى| أن حماعة من أئمة العربية قاموا بدورهم ف الرد على هذه الدعوى » منهم الرّجاج والتحاس غير أن مما يثبر الاستغراب أن ينبري أحد أئمة التفسير في العصر الحديث يعد في مقذمُة مفسري هذا العصر معرفة بعلوم القرآن وأساليب البيان - وهو الإمام ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير - فيؤ يد هذه الفكرة الواهية واقفا مع القائلين بزيادة «إذ» » وهو أمر يدعو حقا إلى الحيرة والاستغراب ٠ فإن عَدّ أي كلمة مما في القران زائدة يعني فراغها من المعنى ٠ وهويناني الاحكام الذي وصف الله به كتابه المبين › وإذا كانت زيادة الألفاظ لغير أي معنى يترفع عنبا كلام بلغاء البشر فما بالكم بكلام خالق البشر الذي وهبهم ملكات البيان › والذي يبدو أن القول بزيادة «إذ» هنا ناشىء عن الحيرة » واضطراب الأفهام في ترتبط به صناعة ومعنى ٠ ومثل هذا القول في الغرابة والبعد عن الصواب قول من زعم انها بمعنى «فقد» . والقائلون بعدم زيادتها اختلفوا ي إعرابما » فمنهم من جعلها على بابها وهو الظرفية الزمانية - وجعلها متعلقة بقالوا » جوز ذلك ال حشري » واختاره أكثر أهل التفسير حتى أن منهم ‏ كأبي حيان ‏ من عذّه الوجه الوجيه الذي لا يُعدل عنه » وردّه كل من أبي السعود وابن عاشور من حيث أنه يؤدي إلى أن یکون قول الملائكة المحكى هو المقصود الأساسي من القصة وذلك مستبعد لأن العبرة المستفادة متها كامنة في ۔ ٢١ ۔۔ إعلام الله م أنه جاعل في الأرض خليفة » وما أجابوا به إنما هو مترتب على هذا الخطاب ٠ وأضاف ابن عاشور إلى ذلك بأن هذا الاعراب لا یتاتق في کل موضع کہا في قوله تعالی : وإ لا للْمَلاِكةِ اسْجْدُوا لادَم فسَّجَدُواڳ (الآية ٢٤۳ - البقرة) فإن فاء التعقيب مانعة من جعل الظرف متعلقا بمدخوفا . وأن الأظهر أن قوله : «قالوا» حكاية للمراجعة والمحاورة 9 على طريقة أمثاله كا سيأ بيان . وذهب بعضهم إلى أنها متعلقة بمحذوف تقديره ابتداء خلقكم إذ قال ربك ٠ أو ابتداً خلقكم إذ قال ربك »٠ فعلى الأول هي ي موضع رفع على الخبرية › وعلى الثاني ي في موضع نصب »٠ وثم أقوال أخرى موغلة في الضعف »٠ وأضعفها القول بأنها متعلقة ببشر من قوله تعالى : «إويشر الذينَ آمنوا وق الصّالحات» . . الآية ٢۲ - البقرة . وضعف هذا القول باد للعيان فإن المعني والصناعة يرفضانه . أما المعنى فلأن التبشير لم يحصل عندما قال الله ذلك للملائكة › وأما الصناعة فلأنه لا يعقل أن يحصل في كلام البلغاء . ارتباط كلمة بأخرى بيغا مسافات من الكلام الخارج عن إطار الموضوع القاضي بالارتباط ٠ فكيف يحصل ذلك في القران ؟ ما قول من زعم أنها متعلقة بخلقكم من قوله تعال : «الّذي خلقكم والَّذِينَ منْ قبلكم » (الآية ٢۲ - البقرة) فهو أوهن من أن يکترث به فيرد عليه وكفى بمجيء حرف العطف قبل إذ شاهدا على بطلان هذا القول والذي قبله فإن الظرف لا يتخلل بينه وبين (١) تفسير ابي السعود - الجزء الأول ص ۷۹ - دار الصحف . - ۱۳ متعلقه عاطف . وذهب آخرون إلى أنها وإن كانت ظرفا بحسب وضعها فهي في إعرابها هنا خارجة عن الظرفية إلى المفعولية » والعامل فيها محذوف تقديره اذكر » وهذا كما يتصرف في كثير من الظروف فتنصب نصب للفاعيل نحو : اذكر يوم قلت كذا » وهذا القول هو الذي صذر به الزغشري ٠ واختاره ابن هشام وصححه قطب الأئمة - رحمه الله - في الحيميان مستدلا له بصرف «إذ» إلى الاضافة في نحو يومئذ » وحينئذ › وساعتئذ » وإذا جاز صرفها إلى الإضافة فلم لا يجوز أن تصرف إلى المفعول » وهذا الرأي هو الذي أختاره لبعده عن الكلفة . وإن رده من رده من المفسرین وغیرهم زاعمیين أن فيه إخراج «إِذ» عا وضعت له وهو الظرفية من غير مُسَوغ ٠ وإني لأعجب من هؤلاء كيف يأبون ذلك مع قيام الشواهد على صحته من الكتاب نحو قوله تعالى : «إواذكروا إُِ كنتم فيلا فكتركم» الآية ٩۸ سورة الأعراف . وقوله : «وادُكُرُوا إٌِ جَعَلَكم خلا من بعد قوم وح الآية ١ سورة الأعراف › وقوله : لإواذكروا إذْ جَعَلَكُم خَلَفَاءَ من بعد عاد الآية ٤٠ سورة الأعراف ٠ فإن مفعوليتها في جميم ذلك واضحة ٠ إذ من المستبعد أن تكون ظرفا للذكر المطلوب مع سبق ما أضيفت إليه على طلب الذكر › والمطلوب لايأتي إلا بعد الطلب ٠ والراد بذكر الزمان › ذكر ما يحتويه من الأحداث لأن العرب اعتادت أن تسند الأحداث إلى أزمنتها ٠ ودلالة الزمان المذكور على أحداثه إنما تكون بالطريق البرهاني وذلك أبلغ . ٤١ -. والعطف هنا من باب عطف القصة على القصة كا تقدم ٠ والمعطوف عليه قصة خلق منافع الأرض للإنسان » وما تبع ذلك من ذكر تسوية السماوات ٠ وبناء على ما ختاره ابن عاشور من كون »إِذ» مزيدة ذهب إلى أن هذا العطف من باب عطف الحملة على الحملة . فجملة لقال ربك معطوفة على جملة للق لكم وقد علمت ما في القول بزيادة «إذ» من الضعف ٠ على أن ابن عاشور نفسه ذکر في بداية تعسبر الآية أن العطف هو من باب عطف القصة على القصة ٠ وعضد ذلك فيا بعد بكون إذ تبتدا بها القصص العجيبة الدالة على قدرة الله تعالى ٠ كا في قوله : علو إِدٌ لما للْمَلئَكَة اسْجْدُوا لادم (الآية ٢۳ - البقرة) . هذا وجعل «إذ» مفعولا لمحذوف تقديره «اذكر» » مع كونها دالة على زمن مضى وقعت فيه نسبة - يقتضي أن المراد ذكر تلك النسبة الواقعة فيه » وقد اعتاد الناس إسناد الحوادث إلى الأزمان كا تقدم . وصدور هذا القول من الله الى الملائكة كان بحسب ما جعل الله لهم من طريقة لفهم مراده ويقول في هذا ابن عاشور): «وکلام الله تعالى للملائكة أطلق على ما يفهمون منه إرادته وهو المعبر عنه بالكلام النفسي فيحتمل أنه كلام سمعوه فإطلاق القول عليه حقيقة وإسناده إلى الله لأنه خلق ذلك القول بدون وسيلة معتادة . ويحتمل أنه دال اخر على الارادة . فإطلاق القول عليه يجاز . لأنه دلالة للعقلاء . والمجاز فيه أقوى من المجاز الذي في نحو قول النبي يِل : «اشتكت النار إلى ربها» « وقوله تعالي : «فَقَالَ فا وللرْض اتيا طَوعاً أو كرُها فالتا أتينا ENE (١) التحرير والتنوير - الجزء الأول ص ۷ - الدار التونسية للنشر . ١ا - طائعين وقول أبي النجد : «إذ قالت الأطال للبطن احق . . ولا طائل في البحث عن تعين أحد الاحتمالين» . والملائكة جمعغ ملك ٠ ومن شأن الجموع ان تراعي فيها أصول للفردات وقد اتضح من هذا الجمع أن أصل ملك ملاك › حذفت همزته تخفيفا وألقيت حركتها على اللام قبلها . وفد جاء على أصله في بعض فلست لإانسي ولكن لملأك تنزل في جو السااء يصوب وقول الآخر : من نبي وملأك ورسول وهو من لأك بعنى أرسل » وهي لغة محكية ٠ وقيل هو من ألك فقدمت عينه وأخرت لامه » وهو من الألوكة بمعنى الرسالة » ومنه قول الشاعر : وغلام أرسلته أمه بألوك فبذلنا ما سأل والظاهر أن الك ولأك يتعاقبان كتعاقب الحذب والحيذ › ولا داعي إلى القول بالتقديم والتأخبر » وقيل هو من اَذَك بمعنى القوة › وعليه فإن الحمزة زائدة فيه » وهو غير واضح . صفات الملائكة والملائكة هم صنف من مخلوقات الله سبجانه خلقهم الله لطاعته وتنفيذ أمره في ملكوته . وسخرهم لذلك » فلا يخرجون عن طاعته في ٦۱ - جميع الأحوال » كما وصفهم بقوله : لا يَعُصُونَ الله ما أمرَهُم وَيَْعَلُون مَايؤْمَرُون» الآية 6 سورة التحريم » وبقوله : «عبَاُ مَکرمُون لا يَسِقونه بالْقَوْلِ وهم بره َعْمَلُون» الآية ۲۷ سورة الأنبياء - وقد اتاهم الله قوة على التشكل عندما يظهرون لبعض البشر حسب إرادته تعالى » وهم من عالم الغيب الذي يجب علينا أن نؤمن به كم أخبرنا تعالى » وهم من الكثرة بحيث يملأون ملكوت الله عز وجل كا قال الرسول يَيٍ : «أطت السياء وحق فا أن تئط ٠ ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك راكع أوساجد» » وللعلاء فيهم أقوال بحسب ما فهمه کل منہم من صفاتهم ٤ وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله . والجعل يصح أن يكون بمعنى الخلق فيتعدى لمفعول واحد › ومعنى التصيير فيتعدى لمفعولين » وعلى الثاني فامفعول الأول خليفة وهو مؤخر » والمفعول الثاني ما يتعلق به قوله «إفي الأرض“ ٠ وقد ققدم على الأول » وعلى الأول فالمفعول خليفة ولإفي الأرضڳ متعلق بجاعل › وانتصر بعض المفسرين له بأنه أبعد عن التكلف في تأويل ما حکاه الله عن الملائكة وهو قولحم : بعل فِيهًا منْ يُفْسِدُ يها (الآية ۳۰ - البقرة) ٠ فإن تأويله بالتصيير يقتضي تقدير مفعول ثانٍ محذوف وغو خليفة » والأصل عدم الحذف . حلافه ادم والخليفة يكون بمعنى الفاعل أي الذي يخلف غيره ». وبمعنى اللفعول أي الذي يخلفه غيره . ومن هنا اختلف المفسرون في المراد - ۱۷ بالخليفة هنا » هل هو الخالف أو المخلوف ؟ كا اختلفوا فيه » هل هو آدم وحده أو هو الجحنس البشري کله ؟ ذهب فريق من المفسرين إلى أن المراد بخلافة ادم كونه خلف خلوقات عمرت الأرض من قبله ثم أبادها الله بسبب إفسادها › واستند هؤلاء إلى جواب الملائكة لله تعالى حيث قالوا : تبعل فيها من يُفْسدُ فيهًا وفك الدّمَاءك -الآية ٠۳ البقرة- وذلك أنهم -حسب زعم ھؤلاء القائلين - قاسوا ادم وذريته على تلك المخلوقات التي سفك بعضها دم بعض ٠ وأشاعت الفساد في الأرض فكان هذا الحواب منم » وقد قيل إن هذا القول سرى إلى المسلمين من أساطير الفرس ٠ وليس ذلك ببعيد فإن الفرس كانوا يزعمون أن ال جنس البشري مسبوق في عمارة الأرض بخلائق كانت تسمى الطم والرّم » وهذين الاسمين وجود في بعض المؤلفات القصصية في الإسلام › وهو دليل هذا السريان » ولا يبعد أن يكون ساريا إليهم من خرافات اليونان الذين كانوا يزعمون وجود خلائق في الأرض قبل البشر تدعى التيتان . وقالت طائفة آرید بخلافته أنه يلف اللائكة الذين كانوا بي الأرض بعد أن حاربوا الجن فيها وألجأوهم إلى جزائر البحر وقلل الحبال » وذلك أنهم زعموا أن الأرض كانت معمورة بالحن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء . فأرسل الله إليهم إبليس مع مجموعة من الملائكة يدعون الجن أيضا فقاتلوهم حتى الجأوهم الى جزائر البحر وأطراف الجبال » وسكنت هذه المجموعة من الملائكة الأرض إلى آخر ما جاء في القصة ٠ وقد نسب هذا التفسير إلى جماعة من الصحابة رضوان الله علیهم کا أورده ابن جرير وابن ابي حاتم وغي رهما ۽ ويظهر لي ان هذه القصة مما تلقاه المفسرون عن أهل الكتاب من أساطيرهم التي اختلطت بخرافات اليونان › وقد راقت لبعضهم فعزاها إلى من عزاها ليه من الصحابة . وقيل هي خلافة ادم لمن كان قبله من الجن في الأرض ٠ وقيل هي خلافته عن الله سبحانه من حيث القيام بتدبير شئون الحياة على هذه الأرض وسيأتي إن شاء الله مزيد إيضاح لذا المعنى . وقيل إن هذه الخلافة ليست لآدم وحده بل له ولذريته » وهو الذي يقتضيه قوله تعالى : لِوَمُو الذي جََلَكُم خلائف الأرزض4 الآية ١٠٦٠ سورة الأنعام - وقوله : «وعُعلكم خلفاء الْض€ الاية ٢ سورة النمل - وقوله لداود : ميا دَاودُ إنا جَعَلْناكُ خَليفّةٌ في الأَرْضك - الآية ٢۲ سورة (صّ) -وعليه فهل المراد بهذه الخلافة ما تقدم ذكره من خلافة الجحنس البشري عن الحن . أو الملائكة فيها ٠ خلافتهم عن الله سبحانه بتدبير شئون الحياة الأرضية ٠ أو كونهم يخلف بعضهم بعضا› فكل قرن خالف لا قبله ؟ وعلى هذا الأخبر يتوجه في الخليفة أن يكون بمعنى الخالف ويبمعنى المخلوف ٠ فإن كل جيل يعمر الأرض خالف لن قبله » ولوف بمن بعده » والذين قالوا إنها خلافة الله في أرضه اختلفوا في خصوص هذه الخلافة بالصاحين من البشر أو عمومها للبر والفاجر متهم ٠ واستأنس القائلون بأنها خاصة بالصالحين - ۱۹ _ بقوله تعالى : «لوعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات. ليستخلفنهم في الأرضي -الآية ٥٥ سورة النور- وما يماثلها من الآيات . وأظهر هذه الأقوال ان الخلافة ليست لادم وحده بل هو وذريته مشتركون فيها » وليس الراد بالخليفة الفرد بل أريد به الجنس ٠ وتدل على ذلك الآيات التي أسلفنا ذكرها في الخلفاء » وتشمل هذه اخلافة البر والفاجر من ذريته لأن الجحميم مؤتمنون من قبل الله سبحانه في الأرض ومسؤ ولون عن القيام بالواجب فيها » وما هذه الخلافة إلا ابتلاء واختبار منه تعالى » كما يدل عليه قوله : «ومُو الذي جَعَلَكُم خَلائف الأرْض وَرَقع بَعْضكُم قوق بض دَرَجَاتٍ ليْلوكُم فا آتاكم إِن رَبك سَریع لْعقَاب وإنه لعْفُور رَّحيم -الآية ١٠٦٠ سورة الأنعام - فإن ذكر الأبتلاء فيه وقرنه بالوعد والوعيد دليل على أن هذه الخلافة هي مسؤ ولية وأمانة يتحمل الإنسان ثقلها ويبوء بوزرها أو أجرها » وما هو صريح في شموفا للبر والفاجر قوله سبحانه : امن يجيب المضطر إذَا دَعَاهُ ويكشِفُ السُوء وعْعَلَكم خُلَقاء الأرْض أله مع الله ليل ما تذْكُرون» الآية ١٠ سورة النمل ‏ فإنه جاء في سياق إقامة الحجة على المشركين بوحدانية الله تعالى مع اتخاذهم المة أخرى ». وقوله تعالى حاكيا نداء هود لعاد : «واذكرُوا إذْ جَعَلَكُم خلَفَاء مِنْ بَعْد قَوْم توح ۔الآية ٩٦ سورة الأعراف - ومثله في حكاية خطاب صالح لثمود : «إوادْكُرُوا إِدُ جَعَلَکُم حلفا من بعد عَاٍ - الآية ٢٤۷ سورة الأعراف - وقوله عز وجل 0 بعد أن ذكر إهلاك القرون من قبل بظلمهم وتكذيبهم رسلهم : ثم جَعَلناكم خلائف في لض من بَممدهم لطر كيف تَعْمَلُون € الآية ٤ سورة يونس - . وقد أشكل على كثير من الناس جعل جيم ال جنس البشري خلفاء ي الأرض عن الله سبحانه مع كثرة الكفار والفجار فيهم ٠ وندرة الصالحين الأبرار بينهم ء وهذا الاشكال ناتج عن عدم فهم المراد يجازى المؤمنون بالتمكين في الأرض ٠ بل كثيرا ما تكون ابتلاء من الله سبحانه لينظر ما يقوم ره هذا المستخلف | ولا فارق بين الخلافة والأمانة 6 إن أمانة الله ف رقاب هيع عباده برهم وفاجرهم . كا يقتضيه قوله تعالى : لإإنا عَرَضْنا الأمَانة على السّمَاوَات گ٥ َ‫ © ‎oe‏ أن 20 ‎020E‏ ە ‎o E o e‏ والارْض والجبال فأبينٌ أن يملعم وَاشفْفَنَ منها وحَلها النْسَانْ إِنه كان ظَلُوماً جَهُولا ‏ الآية ٢V‏ سوره الأحزاب - وبهذا يتضح أن مسؤ ولية هذه الخلافة هي في أعناق جميع المكلفين › وإنما اختلافها ئي الخفة والثقل بحسب ما یکون للانسان من تمکین ٤ فمن کان أکٹر تمکیينا کان اآثقل مظاهر الاستخلاف ومن مظاهر هذا الاستخلاف ما أوتيه الناس في هذه الدنيا من قوة التسخير نا في الأرض حسب منافعهم ٠ وتطورهم في ابتكار 0 الصناعات العجيبة . واستخدام الآلات الغريبة فيا يعود عليهم بالمنفعة ويزيد الأرض عمارة » وليس ذلك محصورا في المؤمنين وحدهم ٠ بل نجد في عصرنا غيرهم أكثر براعة فيه وأرسخ قدما وأقوی يدا بسبب تغلف المسلمين عن اتباع مراشد دینهم » وتنفیذ آوامر ربهم » وهل من لمكن أن يقال مع ما نراه من التمكين لغير المسلمين إن اخلافة حصورة في المتقين الأبرار وحدهم ؟ وما يزيد ما قلته وضوحا أن هذا الرأي هو الذي يقتضي التناسب بين هذه الآية وما مر قبلها من تذكير الناس بأن الله خلق لحم ما في الأرض جيعا » والخطاب فيا مر لم يكن للمؤمنين وحدهم ٠ بل هو موجه بالأصالة إلى الكفار الذين نعى الله عليهم کفرهم مع وفرة الائه عليهم وظهور ایاته لحم . ولا يستلزم الاستخلاف حلول الخليفة مكان من استخلفه بعد فناء الملستخلف أو انتقاله حتى يشكل أن يكون ادم وذريته خلفاء الله ي أرضه مم تعالي الله عن الزمان والمكان » وعن مشابهة خلقه في أي صفة من أمر لم يكن بإمكانه أن يتمكن منه بدونه » وإباحة التصرف له فيه تصرفا يستمد شرعيته من هذا التمكين . وشعور الإنسان بأنه خليفة الله في أرضه يجعله يحس أولا بمكانته عند الله وعظم منته تعالى عليه » وثانيا بثقل حمله وعظّم مسؤ وليته › وهذا الشعور يستلزم محري مرضاة الله تعالى في كل أمر واستلهام منهج الحياة منه سبحانه في الفعل والترك ٠ والأخذ والرد › والعطاء والمنع ٠ ۔ ۲۲ ۔ فإن من شأن الاستخلاف أن لا يتجاوز الخليفة الحدود التي رسمها له ممن استخلفه » وأن لا يخرج عن إطار وظيفته » ولا ريب أن الأرض أرض الله » وما فيها هو ملكه ٠ والناس المستخلفون ما هم إلا وكلاء وأمناء من قبله تعالى » لا يحق لم أن يتصرفوا مطلق التصرف فيا وكلوا فيه وائتمنوا عليه بل يلزمهم أن يرجعوا كل شيء إلى حكم مالك الأمر الذي لهم هذه الأمانة › وشرفهم باختیارهم لا » وهذا الذي يوحیه قوله تعالى في المال : «وأنفقوا ما جَعلَكُمْ مُسْتَخْلَينَ فيه الآية ۷ سورة الحديد ‏ وقوله : «واتوهُم مِنْ مال اللّه الذي آتاكم € الآية ۳۳ سورة النور - . ولئن قيل ما هي الفائدة من إعلام الله الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة مع أنه تعالى يفعل مايشاء ويحكم مايريد » لا راد لقضائه . ولا معقب لحكمه › ولا تبديل لكلماته ». وهو غني بواسع علمه عن اراء خلقه ؟ فالجواب عن هذا السؤال انه سبحانه أراد أولا تعريفهم بقيمة هذا النوع من الخلق وفضله على من عداه با اختصه الله تعالى به › ورفع ما عسى أن يحدث ي صدورهم من الحيرة والاستغراب بسبب تکریم الله هذا النوع بتبوئته هذا امقام › فإنهم لو فوجئوا بوجود الإأنسان على عرش الخلافة مم ما يعلمونه في طبعه من النقص لكان ذلك داعيا ے۲۳ - إلى تراكم الاستغراب في صدورهم » واستيلاء الحيرة على عقوم ٠ فكان هذا الإعلام طريقا إلى دركهم حقيقة الأمر بعدما يحدث بينهم وبينه تعا ى من سال وجواب » وآراد ثانیا تکریم ملائکته بعرض هذا الخبر عليهم في صورة الاستشارة منه لحم » فهو تعليم في إطار التكريم » وفي هذا الإنباء سن للاستشارة بين الخلق ٠ فإن الله جل شأنه - وهو العليم بطوايا الخفايا » والغني بكماله عن كل شيء - وجه هذا الخطاب إلى ملائكته كامستشير لحم 5 فما بالكم بالمخلوقين 3 وكل أحد منہم متلبس بصفات النقص ٠ لا يعرف من الأمور إلا ظواهرها » كيف يستغنى بعضهم عن استشارة بعض ؟ ولعله لا يستبعد أن يكون الأمر كا قال ابن عاشور » وإلیکم نص کلامه : «وعندي أن هذه الاستشارة جعلت لتكون حقيقة مقارنة في الوجود لخلق أول البشر حتى تكون ناموسا أشربته نفوس ذريته › لأن مقارنة شيء من الأحوال والمعاني لتكوين شيء ما تؤثر تالف بين ذلك الكائن وبين المقارن » ولعل هذا الاقتران يقوم في المعاني التي لا توجد إلا تبعا لذوات مقام أمر التكوين في الذوات ٠ فك أن أمره إذا أراد شيئا أي إنشاء ذات أن يقول له كن فيكون » كذلك أمره إِذا أراد اقتران معنى بذات أو جنس أن يقدر حصول مبداً ذلك المعنى عند تكوين أصل ذلك ال جنس » أوعند تكوين الذات »٠ ألا ترى أنه تعالى لا أراد أن يكون قبول العلم من خصائص الإنسان علم أدم الأسماء عندما خلقه . وهذا هو وجه مشروعية تسمية الله تعالى عند الشروع في الأفعال ٤۲ - ليكون اقتران ابتدائها بلفظ اسمه تعالى مفيضا للبركة على جميع أجزاء ذلك الفعل . ولذا طلبت منا الشريعة تخبر أكمل الحالات وأفضل الأوقات للشروع في فضائل الأعمال ومهمات المطالب»”) . وإيراد هذه القصة ينطوي على فوائد أخرى ٠ ذكر منها الامام محمد عبده ربع فوائد : الأولى : أن الله تعالى في عظمته وجلاله يرضى لعبيده أن يسألوه عن حكمته في صنعه وما يخفی عليهم من أسرار خلقه » ولا سيا عند الحيرة » والسؤال يكون بالمقال ويكون بالحال » والتوجه إلى الله تعالى في استفاضة العلم بالمطلوب من ينابيعه الي جرت سنته تعالى بأن يفيض منها (كالبحث العملي والاستدلال العقلي ٠ والالام الإلحي) ٠ وربا كان للملائكة طريق اخر لاستفاضة العلم غير معروف لأحد من البشر › فيمكننا أن نحمل سؤال اللائكة على ذلك . الثانية : إذا كان من أسرار الله تعالى وحكمه ما يخفى على الللائكة . فتحن أولى بأن يخفى علينا » فلا مطمع للانسان في معرفة جميع أسرار الخليقة وحكمها › لأنه م يؤت من العلم إلا قليلا . الثالثة : أن الله هدى الملائكة في حيرتهم وأجابهم عن سؤالحم لأقامة الدليل بعد الارشاد إلى الخضوع والتسليم » وذلك أنه بعد أن أخبرهم بأنه يعلم ما لا يعلمون علم ادم الأسياء ثم عرضهم على الملائكة کا سیأتي بیانه . الرابعة : تسلية النبي يِل عن تكذيب الناس ومحاجتهم في النبوة (١) التحرير والتنوير - الجزء الأول ص ٠٠4 - الدار التونسية للنشر . ٢۲ ۔ . بغير برهان على إنكار ما أنكروا » وبطلان ما جحدوا » فإذا كان الملا الأعلى قد مُثلوا على أنهم يختصمون ويطلبون البيان والبرهان في ما لا يعلمون › فأجدر بالناس أن يكونوا معذورين ٠ وبالأنبياء أن يعاملوهم كا عامل الله الملائكة المقربين ٠ أي فعليك أيها الرسول أن تصبر على هؤلاء المكذبين ٠ وترشد المسترشدين ٠ وتأتي أهل الدعوة بسلطان مبين . وهذا الوجه هو الذي يبين اتصال هذه الأيات با قبلها » وكون الكلام لا يزال في موضع الكتاب وکونه لا ریب فيه » وفي الرسول وکونه يبلغ وحي الله تعالى ويهدي به عباده » وفي اختلاف الناس فيه|() وقد سبق ذكر وجه ارتباط هذه القصة با سبقها من الآيات ٠ وهو أن تكريم الانسان بمنصب الخلافة في الأرض ينسجم ذكره مع ما سلف من تذكير الإنسان بالاء الله الواسعة التي من بينها خلق جميع ما في الأرض له ٠ وتسوية السماوات السبع با أودع الله فيها من نظام يربط با الأرض »٠ وهذا الوجه في نظري أجدر بأن يعتد به في مراعاة التناسب بين الآيات مما ذكره الإمام لوضوحه » وهو لا يناي ما ذکره من کون الكلام لا يزال يدور حول رسالة الرسول وصدق الكتاب الذي ازل عليه . وبعدما حكى الله قوله للملائكة حكى جوابهم له › ومن المعلوم أن قولحم مترتب على قوله لم غير أنه لم يوصل به بالفاء الترتيبية » وهذا الفصل ‏ عند أكثر علماء التفسير- لأجل ملاحظة تساؤ ل من السامع › فعندما يسمع أحد حكاية هذا الإعلان الاي الموجه إلى عباده المكرمين (١) المتارج١ ص ٢٤٠۲ - ٢٠۲ , الطبعة الرابعة n فإن من شأنه أن يتطلع إلى ما یکون من جوابہم ٤ فلسان حاله يقول كيف أجابوا ربهم ٠ فيقال له : لإقالُوا عل فيها مَنْ يفسدُ فيها ويَسْفكُ الدَماءَ ‏ الآية ٠ - البقرة - وخالفهم في ذلك ابن عاشور حیث قال : «فصل الجحواب ولم يعطف بالفاء أو الواو جريا على طريقة متبعة في القرآن ئي حكاية المحاورات ٠ وهي طريقة عربية » قال زهير : قيل لم ألا اركبوا ألاتا قالوا جميعا كلهم ألافا أي فاركبوا » ولم يقل فقالوا » وقال رؤ بة بن العجاج : قالت بنات العم يا سلمى وإن كان فقيرا معدما قالت وإنن وإنما حذفوا العاطف في أمثاله كراهية تكرير العاطف بتكرير أفعال القول . فإن المحاورة تقتضي الإعادة في الغالب ٠ فطردوا الباب › فحذفوا العاطف في الحميع ٠ وهو كثبر في التنزيل › وربا عطفوا ذلك بالفاء لنكتة تقتضي خالفة الاستعمال › وإن كان العطف بالفاء هو الظاهر › والأصل وهذا مما م أسبق إلى كشفه من أساليب الاستعمال العري”› . وما ذكره ابن عاشور واضح لن تدبر الأسلوب القراني في حكاية اللحاورات › ألا ترى الى العطف بالفاء في قوله تعالى : ل وإِذ قلنا لْمَلاِكة اسْجُدُوا لدم فَسَجَدُوا ‏ الآية ٣٤۳ البقرة مع عدم الفارق إلا من حيث إن في قوله تعالى : إفسجدوا» إخبارا عن فعل ٠ وفي قوله : «إقالوا حكاية قول » غير أنه لا يسلم لابن عاشور أن هذا مما لم ESED (١) التحريروالتنويرج ٠ ص ١٠٤ - الدار التونسية للنشم , - ۲۷ يسبق إلى كشفه من أساليب الاستعمال العري › فهناك من سبقوه إلى ذكر ذلك منہم الامام أبوحيان في البحر المحيط ٠ وإليكم نص كلامه : «والحملة المفتتحة بالقول إذا كانت مرتبا بعضها على بعض في المعنى فالأصح في لسان العرب أنها لا يؤق فيها بحرف ترتيب اكتفاء بالترتيب المعنوي ٠ نحو قوله تعالى : فالا عل يها أ بعده قال إِفي ألم ونحو قالوا سباك تقال يا ادم انهم 4 ۽ وجو تقال تلك قال بها يبل اللهك رالائدة : الآية © ) › قال أ يجي هذه الله (البقرة : الآية ۹٥۲) لقال كلت قال لبت يوم أو بض وم فال بل ليت مائة عام (البقرة ۲64 قال اول َؤمنُ فال بل ولكنْ لِيمئن قبي قال قحد اربَعةً من الطيره (البقرة : ٠ )وقد جاء في سورة الشعراء من ذلك عشرون موضعا في قصة موسی على نبینا وعلیه أفضل الصلاة والسلام في إرساله إلى فرعون ومحاورته معه » ومحاورة السحرة إلى أخر القصة دون ثلائة جاء منها اثنان جوابا وواحد كالجواب ٠ ونحو هذا ئي القران كثس« . واختلف في هذا الاستفهام في قوشم : لأتجعل فيها الآية › قيل هو تعجبي محض ٠ وذلك أنهم عجبوا من جعل الله في الأرض خليفة يكن فيها وهو يفسد فيها ويسفك الدماء مع ما هم عليه من ملازمة عبادته تعالى بالتسبيح بحمده والتقديس له › وذلك أنهم عليهم السلام تبادر هم أن الحكمة تقتضي استخلاف من طبع بطبعهم لا النوع الذي زكزفي طبعه من الأسباب ما يدعوه إلى الفساد وأعطى من القوة في خلقه ما يمكنه ke )۱( البحر المحيط ج١ ص ۸٤۱ ۹٤۱ -مكتبة ومطابع النصر الحديثة . - ۸ منه . وقيل إن الاستفهام على حقيقته 9 وأنهم أرادوا به استجلاء ما خفي عليهم من حكمة الله سبحانه في هذا الأمر » واستبعاد الشبهة الي خطرت لم ٠ وذلك أنهم علموا أن أفعال الله كلها لا تغلو من الحكم › فتطلعوا إلى حكمته في هذا الخبر الذي ألقاه إليهم » ويبعد هذا القول قوم من بعد وَنخُنُ تسبح بحَمْدك ونقَدَسٌ لَك ٠ وقيل هو على بابه غبر أنه أشرب معنى التعجب والاستبعاد من أن تتعلق حكمة الله بذلك ٠ وعليه فقد كنوا بالاستفهام عا هم متلبسون به من الدهشة والاستغراب طالبين بذلك إزالتي) با لا يدع لبسا في نفوسهم ٠ وقيل : إن الاستفهام على بابه والمراد به اكتناء حقيقة الملجعول في الأرض خليفة هل هو من جنس الذين يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء › أو من جنس المصلحين › وعليه فالمعادل محذوف تقديره أم من يصلح فيها › ويرد هذا القول أيضا ما حكاه الله عنبم من بعد من قولحم : ونخن سبح بِحَمْدك ونْقَدَسُ لَك الآية ۳۰ -البقرة -وقيل : إن الاستفهام واقع على قولحم : «ِوَنخنُ نسح بِحَمْدكً ونْقَدَسٌ لَّك4 أي هل نحن نبقى على هذا التسبيح والتقديس مع وجود خليفة في الأرض يفسد فيها ويسفك الدماء . أو ننتقل عن حالتنا هذه إلى حالة أخرى ٠ والتكلف فيه ظاهر » ودخول الاستفهام على الجعل دليل على أنه هو المستفهم عنه دون غيره » وأعدل هذه الأقوال أن الاستفهام على بابه وإنا أشرب معنى التعجب »٠ ومثله وارد في كلام العرب وهو لا يناي عصمة الملائكة من الزلل . فإنما كان هذا الاستفهام منهم بعد خطاب الله لحم الذي اذغمم ۰ ۲۹ -۔ فيه بأنه جاعل في الأرض خليفة ولا ريب اهم کانوا مدرکین لا سوف يصدر من هذا ال جنس المستخلف من أنواع الفساد في الأرض وهم قد فطروا على صفاء السرائر وسلامة النفوس . وصدق الحديث ٠ وقد فهموا من توجيه هذا الخطاب إليهم أنهم مطالبون بان يبدوا ما ئي طوایا نفوسهم تباه هذا الخبر وهم قد خامرهم منه العَجْب فلا غرو أن أجابوا با أجابوا به مما ينم عن استغرابهم لذا الأمر وطلب كشف الحكمة حم واخحتلف في سبب معرفتهم أن من شأن هذا الجنس المستخلف الإفساد في الأرض وسفك الدماء فيها ؛ قيل : إنهم علموا ذلك بإعلام الله لحم › وهو مروى عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عن › فد أخرج ابن جرير عنما وعن ناس من الصحابة أن الله تعالى قال للملائكة : إن جَاعلٌ في الأرْض خَليفَةَّڳه (البقرة : الآية ٠۳3) قالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة » قال يكون له ذرية يفسدون ي الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا ء وقيل : إنهم عرفوا ذلك بعد أن قرأوه مكتوبا في اللوح المحفوظ ٠ وقيل : عرفوه بقياس الجنس البشري على الأجناس التي كانت تعمر الأرض من قبل فأفسدت فيها وسفكت الدماء » وقيل إنهم فهموا ذلك بنظرهم إلى أحوال الإنسان الفطرية ء فهو ذو إرادة واسعة واختيار واسع . وعلمه لا يحيط بجميع وجوه اللصالح والمنافع فإذا ما عنت له أعمال متعارضة واحتاج إلى الترجيح بينها رما انساق ئي ترجيحه إلى غير الصالح النافع لقصور علمه . 7 - ولم يأت في الباب شيء مرفوع إلى الرسول يَيةٍ وغالب ما قیل مبني على التخمين ٠ والأولى أن يوكل الأمر في ذلك إلى الله سبحانه مع احتمال كبير لأن يكونوا فهموا ذلك من طبيعة فطرة الإنسان ٠ فهو كا قيل ذو إرادة تمكنه من الخروج عن الجحبلة إلى الاکتساب » وفي نفسه قوی متعارضة أهمها العقل والشهوة والغضب .٠ وقد تدعو الشهوة - ك| هو شانہا- إلى الانسياق وراء الفساد وعدم البالاة با يترتب على هذا الإنسياق من مضار بالغة بالنفس أو الغبر » كما يدفع الغضب إلى الانتقام من الغبر انتقاما لا حدود له » والعقل وإن كان له سلطان على صاحبه فإنه سرعان ما يضعف ويتزلزل أمام عواصف الشهوة والغضب فها قوتان مؤ ثرتان على النفس المجبولة على الرغبة فيا تتطلبانه » وماذا عسى أن يصنع العقل إذا غشيته غواشيها من كل جانب فصار كنور الذبالة بين الزوابم الحوجاء » ولا غرو في معرفة الملائكة بذلك »٠ فإنهم ذوو نفوس زكية » وأرواح قدسية لا يستغرب معها أن يعرفوا طبيعة الشيء باطلاعهم على طريقة تكوينه غير أنهم مع ما جبلوا عليه من الصفاء النفسي لا يحيطون بشيء من علم الله إلا بما شاء » فقد فاتهم أن الله عز وجل سيستصفى من هذا الجنس المستخلف عبادا متقين أخيارا يعملون بأمره » ويقفون عند حكمه » ويسخرون ما اتاهم الله تعالی من قوی جسمية وروحية في طاعته التي يقتضيها خلقهم واستخلافهم في الأرض ٠ وأن مواهبهم العقلية ستقوى - بهداية الله - فتسخر قواهم الغضبية والشهوانية فيا تتطلبه هذه الخلافة . ا۳ - وقد سبق معنى الإفساد وهو هنا شامل لحميع المعاصي فإنها إما مضرة بالنفس أو بالغير » وذلك مناف لا تتطلبه الخلافة من التعمير الحسي والمعنوي للأرض ٠ وعطف سفك الدماء عليها من باب عطف الخصوص على العموم لبيان جدارته بالاهتمام والعناية › كا في قوله تعالى : خافظوا عَلّ الصّلَوَّات والصّلاة الوسّطى - الآية ۲۳۸ سورة البقرة - وهذا أولى من تفسير بعضهم الإفساد بالشرك › وجعل سفك الدماء رمزا إلى المعاصي العملية لأنه أفحشها ٠ والسفك الصب والاراقة كالسفح ٠ وإنما يستعمل السفك في إراقة الدم دائما › والسفح يكون غالبا في الدم . وقد يكون في غيره » ولا يدل قوم هذا على عدم عصمتهم من الذنوب ٠ فإنهم كا علمت ما أرادوا إلا الإطلاع على حكمة الله من وراء هذا الأمر › وقد فهموا أنهم مطالبون بأن يفصحوا عما في قرارة نفوسهم والمستشار مؤ تمن فلم يجدوا مناصا عن القول الذي قالوه . والواو في قوم «ونَحنُ سبح بحَمْدڭ َنقَدَسْ لَك للحال . وقد صندرت هذه الجملة من كل الملائكة الذين قالوا : وأََْعَل فيها من سد فيهًا وَيسْفك اّما الآية ۳۰ البقرة ‏ خلافا لا حكاه أبوحيان في البحر عن صفي الدين أبي عبدالله الحسين ابن الوزير علي بن أي منصور الخزرجي أنه قال في كتاب فك الأزرار «ظاهر كلام الملائكة يشعر بنوع من الاعتراض وهم منزهون عن ذلك »٠ والبيان أن الملائكة كانوا حين ورود الخطاب عليهم مجملين » وكان إبلیس مندرجا في جملتهم ٥ ے۳۲„ فورد منهم الحواب مجملا » فلا انفصل إبليس عن جملتهم بإبائه وظهور إبليسيته واستكباره انفصل الجحواب إلى نوعين » فنوع الاعتراض منه كان عن إبليس ٠ وأنواع الطاعة والتسبيح والتقديس كان عن الملائكة › فانقسم الحواب إلى قسمين كانقسام الجنس إلى جنسين » وناسب کل جواب من ظهر عنه» . وقد أعجب هذا الکلام أبا حیان فقال فيه : دوهو تأويل حسن 9 وشبهه بقوله تعال : وفوا كُونُوا هُوداً أو نْصَارَّى عَْتدُواڳ (الآية ١۳٠ البقرة) لأن الجملة كلها مقولة والقائل نوعان » فرد کل قول لن ناسبه») . وقد حكاه أيضا الألوسي في تفسيره ولم يتعقبه إلا بقوله : «وهو تأويل لا تفسير» ©) بعدما نسبه إلى الغرابة . وما أجدر هذا الكلام بالاستغراب ! فإن الجحملة الحالية مرتبطة بما قبلها بحيث لا يصح استقلا ا دونها لفظا ولا معنى ٠ فلا يتاق أن تكون وحدها جوابا ممن صدرت عنه لقوله تعالى : لق جَاعلٌ في الأزْض خليفة € » وقد حكاها الله مع ما قبلها عازيا ذلك كله إلى الملائكة فكيف يصح لنا أن نعزو بعضه إلى طائفة وبعضه إلى طائفة أخرى ؟ وانفصال طائفة عن طائفة بعدما كانت مندرجة فيها لا يسوغ فصل الكلام الصادر منا معا قبل الانفصال ٠ ولا يصح أن يناظر ما هنا با في قوله تعالى : «وقَالوا كونوا هُوداً أو نَصّارى عدوا لجحواز استقلال كل واحدة من طائفتي اليهود والنصارى ى بالدعوة ال ملي وذلك هو الواقع والمراد من ۳۳ -۔ هذا الحكي عنم 6 ول یکونوا مندغحن من قبل حال صدورهم هذا القول عنم د م تقل بعضهم عن بعض أطي كل فرق من الحكاية ما يلائمه . وقولحم هذا ينطوي على تعريض بأنهم أجدر بالاستخلاف »› فإن الدائب على التسبيح بحمد الله والتقديس له أنزه وأطهر ممن يتلوث بالفساد وتصدر منه المعاصي وانتهاك الحرمات »٠ ومن المعلوم أن الحكمة من الاستخلاف عمارة الأرض وما ذكر من الافساد فيها وسفك الدماء أمر ظاهره مناف لذه الحكمة واستظهر الفقهاء من هذا القول جواز ترشيح الانسان نفسه لوظيفة يرى أنه أقدر على حمل أعبائها من غيره » واستدلوا لذلك أيضا با حكاه الله عن يوسف الصديق عليه السلام من قوله ملك مصر : «اجْعَلني عَلّ خرّائن الأرْض إن حَفيظ عَليمْ» ( ; يوسف») . ۶ وذكر الإمام ابن عاشور وجها اخر لقولحم : #ونحن سبح بِحَمْدك وَنْقَدَسُ لَك وهو أن يكونوا أرادوا به تفويض الأمر إلى الله واتهام علمهم فيم أشاروا به كما يفعل المستشار مع من يعلم أنه أسدٌ منه رايا وأرجح عقلا فلیشر ثم يفوض ٠ ك قال آهل مشورة بلقيس إِذ قالت : وني ف أمُري ما كنت قاطعة رحق تَشْهَدُون (النمل : ر بقوشم : نحن ولوا وة وأولُوا باس شديد» (النمل : ۳) » أي الرأي أن نحاربه ونصده عما يريد من قوله : وانوي ٢٤۳ - مسلمین» ثم ردوا الأعر إليها في قوم : والامر إليك فانظري ماڏا مين (النمل : ۳۳) وا يفعل التليذ مع الأستا في يحكه ممه ثم يصرح بان فلن مبلغ علمه وأن القول الفصل للأستاذ أو أنهم أرادوا به إعلان التنزيه للخالق عن ‎REY‏ استخلاف ادم . وبراءة نفوسهم من شائبة الاعتراض والله تعالى العليم ببراءتهم من ذلك غير أن كلامهم جر على طريقة التعبير عا في الضمير من غير قصد إعلام الغير » أولأن في هذا التصريح تبركا وعبادة » أو أرادوا به إعلان ذلك في الل الأعل) والظاهر أن ابن عاشور أميل إلى هذا الوجه بدليل أنه صذّر به قبل ما سلف »٠ وهو وجه وجيه وحمل قول الملائكة عليه أنسب با عرف من نزاهتهم وعصمتهم ولكن رد الله تعالى عليهم بقوله : إن أعَلّم ما لا تعْلَمُون الذي فصله من بعد قوله عز وجل : أل قل لكم إن أَعْلمُ غيب السّمَاواتِ والأْض وأعْلَمْ ما تبَدُونَ وما كنت تَكُتَمُون - الآية ۳ البقرة - يقتضي خلافه . والتسبيح والتقديس مأخوذان - في رأي الز حشري من سبح في الأرض أو الماء . وقدس في الأرض ٠ إذا ذهب فيها وأبعد › وعليه فالتضعيف للتعدية ٠ ويراد ا تبعيد الله عن السوء أي تنزيه عن كل الصفات غر اللائقة بجلاله وعلو شأنه سواء كان بالقول أو الاعتقاد أو العمل ٠ واختار ابن عاشور كون التسبيح مأخوذا من كلمة «سبحان» (١) التحرير والتنوير ج٠ ص ٤٠ ٤ الدار التونسية للنشر «بتصرفء ٢۳„ بدليل أنه م يستعمل إلا مضعّفا » واختلف في مرادهم بالتسبيح هنا › فقيل هو الصلاة وعلیه ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنہا ٠ کہا أخرجه عنبا ابن جرير وغيره » وقد شاع استعمال التسبيح بمعنى الصلاة ومنه قول عائشة رضي الله تعالى عنها : «ما سبح رسول الله ية سبحة الضحى وإني لأسبحها» » وحمل عليه قوله تعالى : ەإفلولا أنه كَانَ من المسبّحينڳ (سورة الصافات : ١٤۱) وقيل هو التنزيه » وعليه قتادة › وقيل : الخضوع والتذلل ٠ وبه قال ابن الأنباري › وقال المفضل هو رفع الصوت بذكر الله تعالى . وعن مجاهد أنه التعظيم ٠ وقيل هو تسبيح خاص ٤ وهو سبحان ذي الملك والملكوت . سبحان ذي العظمة والجبروت » سبحان الحي الذي لا يموت »٠ ويعرف بتسبيح الملائكة . وأنت إذا دريت أن معنى التسبيح هو التنزيه م يشكل عليك هذا الخلاف » فإنه خلاف لفظي ٠ وكلمة العبادة كلمة عامة تنتظم جميع ما قيل » فأ وى ما يقال في تفسير التسبيح أنه عبادة الله سبحانه كما ينبغي لجحلال وجهه وعظيم سلطانه . وتسبيحهم بحمده تعال ى يعني تلبسهم في حال تنزیہه عز وجل بالثناء عليه الثناء اللائق بعظمة شأنه وسعة احسانه . فالباء هنا للمصاحبة . وقيل : هو على غرار قولحم فعلت هذا بحمد الله . أي بتوفيقه الذي يستوجب به الحمد » فالباء للسببية . وقد علمت تقارب معنى التسبيح والتقديس ٠ وإنما يفرق بينهما من حيث أن التسبيح ختص به تعالی فلا يُقال في شخص أو بلد أو أي لوق -۔ ۱٦۳ -۔ إنه مُسبح بخلاف التقديس کا ي قوله تعا ى حكاية عن .موسی عليه السلام : «ادُخلوا الأَرْض القدّسَة التي كنب اللَهُ لكم؟ (المائدة : آية ١) » وفي الحديث «لا قَدّست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها» » وقد استعمله العرب في جاهليتهم فيمن کان منزها عند أبناء ملته نحو قول امرىء القيس : فأدركنه يأخذ بالساق والنسا كا شبرق الولدان ثوب المقدس وأصله بمعنى التطهير ولذلك سمى السّطل قَدّساً لأنه يتوضاً به ويتطهر . واحتيج لدفع التكرار الذي يوهمه اقتران التسبيح بالتقديس ‏ مع ما علمته من التقارب بينا - إلى التفرقة بين معنييها › فقيل : إن أحدهما باعتبار الاعتقادات ٠ والثاني : باعتبار الطاعات البدنية . وقيل : التسبیح تنزیهه تعالی عا لا یلیق به » والتقدیس تنزه ئي ذاته عما لا يراه لائقا بنفسه فهو أبلغ » ويشهد له أنه حیث جمع بینہما أ خر نحو سبوح قدوس١ . وفعل قدّس يتعدی بنفسه وإنغا اللام هنا لتأكيد وقوع النسبة كما في قولحم شكرت لك ونصحت لك »٠ وقيل : إن التقديس بمعنى التطهير » ومرادهم به تطهيرهم لأنفسهم من معاصي الله لأجله تعالى ٠ فكأهم قابلوا الإفساد في الأرض التوقم صدوره من البشر ء والذي أفحشةٌ الاشراك بالله سبحانه بتسبيحه تعالى الذي هو من مقتضيات س (١) روح العماني للالوسي ج٠ ص ٢۲۲ دار احياء التراث العربي - ۳۷ توحيده » وقابلوا سفك الدماء الذي هو من أشنع المعاصي العملية بتقديس أنفسهم أي تطهيرها من أكدار المعاصي ‏ من أجله تعالى ٠ فاللام على هذا أصلية مفيدة للتبيين ولا تخلو من التعليل › وعليه فلا إيام للتكرار » ومجيء هذه الحملة إسمية لأجل إفادة الدوام والثبوت فهم ‏ عليهم السلام ‏ من شأنمم الاستمرار على هذه الحالة التي وصفوا ها أنفسهم بحيث لا ينفكون عنا . واخحتلف في المراد بقوله : إن أَعُلَمُ ما ل تَعْلَمُون» ٠ فقيل : أراد به تعا ى ما يعلمه من وجوه المصلحة في استخلاف هذا الجنس من خلقه في الأرض ٠ وقيل : أراد علمه بذنبهم واستغفارهم › وقيل : أراد به أنه عليم ن يطيعه وهم الأنبياء والأولياء والصالحون »٠ وبمن يعصيه وهو إبليس وحزبه » وقيل : أراد به الرد على قولحم : «ونخن سبح بحم ودس لَك فقد كان من بینب 'إبليس وهو منطو على ما ظهر من بعد من الكفر والشقاق وهم لا يعلمون ذلك ٠ والله به عليم » وجوز القطب ‏ رحه الله - أن يكون الراد به أنه تعالى عليم بما لا يعلمونه من غلبة القوة العقلية على القوة الشهوية والغضبية بحيث تضمحلان فيها اضمحلال الظلمة عند النور حتى تکونان مسخرتين ا فيقوى الإآنسان على استعمال الغضبية ني جهاد المشركين والمنافقين وي قهر النفس والشيطان ٠ وفي الأمر والنبي غضبا لله تعالى وعلى استعمال الشهوية فيا يشتهيه من أمر الآخرة والدين وإعزازە وإقامتە”› . (۱) هیميان الزاد ج\ ص ٢٤٢٤-٤٢٤ مطابع سجل العربي «بتصرف» - ۳۸ وأرى أن جميع هذه الأقوال غبر وافية بالمقصود من المعنى فإن ما لا يعلمونه غير منحصر في ذكر » و(ما) من أدوات العموم » والأصل فيها وفيا أشبهها إبقاؤ ها على عمومها حتى يقوم دليل التخصيص ولا خغصص هنا » وقد أوضح المراد قوله تعالى فيا بعد : ألم أقل لكُمْ إن أَعْلَمْ غيب السّمَاوَاتِ والأرْض وأعلمٌ ما تبون وما كنتم تَكتَمُونَ وجيع ما ذكر مندرج في هذا المفهوم العام . والقران أولى بتفسير بعضه بعضا . هذا وقد استظهر القرطبي من هذه الآية الكريمة وجوب وجود خليفة للمسلمين يرجعون إليه فيا يعنيهم من أمور الدين والدنيا » وذكر في تفسيرها جانبا من أحكام الإمامة وتابعه على ذلك الإمام ابن كثير في تفسيره ك) تابعه الأمام العلامة محمد الأمين الشنقيطيى صاحب كتاب أضواء البيان في إيضاح القران بالقران . وأسهب في بيان الأحكام اللتعلقة بالموضوع . وأرى أن غير هذا الموضع من التفسير أنسب با ذکروه هنا . يقولوه على سبيل الاعتراض ٠ وما يستغرب ما نقله الألوسي عن الشعراني أنه نقل عن شيخه الخواص أن العصمة خاصة بملائكة السماء » وعلله بأنهم عقول مجردة بلا منازع ولا شهوة بخلاف ملائكة الأرض فهم عنده غير معصومين ٠ ولذلك وقع إبليس فيا وقع فيه › 7 وهذا القول إنما هو صادر من ملائكة الأرض ٠ وهذه دعوى واهية ٠ إما أولا فإن الله عز وجل أثنى على ملائكته جميعا بقوله : بل عبد مكْرَمُون لا يفول بالقول ومُمْ بأمُره يعْمَلُون» (الأنبياء : ٢٠- ۲7)٠ وقوله : لإيسبون اللَيِلَ والتهار لا يترون (الأنبياء : الآية 0۰) › فدعوى خروج طائفة منم عا يقتضيه هذا الوصف من العصمة ليس عليها شاهد ولا دليل ٠ وما هي إلا تحكم لعدم المخصص ؛ وإما ثانيا فإن الذي يقتضيه سياق قصة ادم أن الخطاب ليس مقصورا على بعض الللائكة دون بعض فإن الله سبحانه ذكرهم بلفظ التعريف الدال على قصد الجنس وهو يوحي بالشمول . ويتأكد ذلك بقوله سبحانه من بعد : جد الملائكة كلهم أَحَمُونڳ ‏ الآية ۳۰ الحجر - حيث أكد الشمول الذي يفيده ال جنس بمؤ كدين وهما «كل وأجمعون» ٠ ومن الظاهر جدا أن الملائكة المأمورين بالسجود لآدم هم المخاطبون أولا بنباً الاستخلاف لأن السجود هو تكريم من الله له بعد أن أثبت سبحانه تفوق قدره على الملائكة بمعرفته الأسياء التي لم يعرفوها › والأمر به مترتب على ما سبق من مقاولة في شأنه » والقول بأن الملائكة الذي اذنهم الله بخبر الاستخلاف هم جميع أفراد ال جنس الملكي هو قول أكثر المفسرين › وقد خالفهم في ذلك جماعة منهم قطب الأئمة - رحمه الله في الحيميان ٠ فقالوا إنهم ملائكة الأرض وحدهم ٠ وذكر الألوسي عن الصوفية أنهم خصوا هذا الخطاب بمن عدا العالين منهم ٠ وهم الذين استودعوا أسماء الله وصفاته فهاموا بها وحدها ولم يشعروا با سواها » وحملوا على ذلك 7 قوله تعالى لإبليس : #لاستكبرّت أمْ كنت من العَالين - الآية ٥۷ ص - وذلك لأن العالين عندهم غير داخلين في هذا الخطاب ولا مكلفين بالسجود وهو تأويل بعيد عن الصواب لا يصح أن يحمل عليه كلام الله تعالى الذي أنزله بلسان عربي مبين ٠ وقول الجحمهور هو الصحيح لأنه للفهوم من صيغة الكلام . ويستفاد من رد الله على الملائكة بقوله : إت أَعْلَم مال عْلَمُونڳ وجوب الانقياد التام ل جميع أوامر الله من غير أن تعرض على العقول المخلوقة » فإن علم الله محيط بكل شيء وحكمته تسمو على أفكار الخلق . والعقل لا يمكن له أن يحيط بدقائق اللأمور » فإن مثله مثل البصر الذي تحول الحوائل بينه وبين إبصار ما وراءها » وإذا كانت الحواجز الحسية تمنع العين عن إدراك المبصرات فإن الحواجز المعنوية الكثيفة هي أيضا مانعة للعقل عن الوصول إلى فهم كثير من الحقائق ٠ وكل طاقة في المخلوق محدودة بقدره با في ذلك الطاقة العقلية على أن العقل كثيرا ما يتأثر بالمؤ ثرات النفسية والاجتماعية فتكدر صذوه وتحجب شعاعه › فمن المؤثرات النفسية ما جبلت عليه النفس من الغضب والشهوة ». فكم من عاقل تأجج في نفسه الغضب فدفعه إلى ارتكاب ما يجعله يعض من بعد على بنان الندم طول حیاته »ء وکم من عقل کبل بأسر شهوات النفس فلم يستطع الفكاك منها ء ومن أهم المؤثرات الاجتماعية البيئة فإنها ذات أثر كبير على من ينشاً فيها ويتري في محيطها ٠ ولذلك تختلف أفكار الناس استحسانا واستهجاناً بحسب اختلاف ا4 ۔ بيئاتهم » بحيث تجبد أمرا يعد عند أهل بيئة من أحسن الأمور » بينم يعد عند غيرهم من أقبحها » والكل معدودون في العقلاء . ولذلك كان الواجب الاحتكام إلى الشرع المنزل من الساء لا إلى عقول الناس المتغيرة الأطوار المختلفة الأحوال . والمؤمن عندما يسمم خطاب الله الموجه إليه بأمر أو نجي لا يلك إلا أن يسلم تسليما ويتهم عقله إن وجده رافضا لذا الخطاب أو لشيء منه : وما كَانَ لمؤمن ولا مُؤْمنة إذا قضىٌ الله ورسُوله أمراً أن يكونٌ لحم الخيرة من أمرهم ومَنٌ يعص الله ورسُولَهُ فق صل صللا مبیناڳه (الأحزاب : الآية ٦۳) . أما الذين يتطاولون على أحكام الله بالنقد فهم ليسوا من الإيمان ئي شيء بل هم ليسوا من العقل ئي شيء لأن العقل السليم هو الذي يدرك أن المصلحة في أمر الله به . وأن المفسدة فيا نجى عنه › ويدرك قصوره عن استيعاب حكم الله في أحكامه كا يدرك عجزه عن احتواء أسرار الله في خلقه » ولذلك ذكر الله عن أصحاب النار أغهم يقولون بعدما يصلونها : «لو كنا نَسْمَعْ أو تعْقلْ ما كنا في أضْحاب السُعير»ه (الملك : الآية ١٠) وفقنا الله للهدى وجنبنا مسالك الردى إنه ولي التوفيق . - 4۲ «وعلم ام الأسْيَاء كلها تم عَرضِهم عل الملائكة فْقال يوني سء مَؤلاءِ إن إن كنتم صَادقين . قالوا سُبْحَانَكَ لا لم لتا إل ما عَلمَُنا نك أت العَليم الحكيم 4 . . الآيتان ۳۱٠ ۳۲ البقرة . بعد أن ذكر الله الجحواب الإجمالي للملائكة وهو قوله : اق أَعُلَمُ ما ل تَعْلَمُونڳ عطف عليه هذا الجحواب التفصيلي ٠ ولم يكن جوابا قوليا فحسب بل يتضمن القول والفعل معا للأن من شأن المخلوق أن يكون ما يشاهده ويحسه أعمق أثرا في نفسه مما يسمعه » بل المشاهدات تنزل منزلة الأدلة والحجج للمسموعات ٠ وهذا العطف من باب عطف الحكي التفصلي على الحكاية الإجمالية » وفي هذه الإجابة التفصيلية شاهد على أن حياة النوع الإنساني المستخلف في الأرض تدور على العلم ٠ فعليه تتوقف حركتها ونغوها وتجددها › وذلك لأن الله سبحانه وتعا ى طبع هذه الحياة الأنسانية بطابع التطور ٠ والتطور هو قائم على كسب الإأنسان نفسه وتصرفه . وقد جعل الله سبحانه ئي طبيعة تكوين الإنسان وطبيعة الموجودات التي يتعامل معها في الأرض ما يدفعه إلى هذا التطور » فلذلك كان بحاجة إلى معارف استنباطية يستفيدها من تباربه » ويستلهمها من مشاهداته » وذلك بخلاف الحياة الملكية فإنا في غنى عن ذلك كله ؛ ومن ناحية أخری فإن الأنسان واقع بين تاذب وتدافع مستمرين من قبل قوی وطبائع شتی في نفسه » فهو متکون من روح وجسم ٠ ومنطو على عقل وقلب وغرائز وضمير » وذہ كلها - 6۳ مطالب شتى »٠ والتنسيق بين متطلباتها يدعو إلى العلم والمعرفة حتى لا يؤدي الأمر إلى ضرر نفسي أو اجتماعي ؛ ومن ناحية ثالثة فن الانتفاع بهذه الموجودات التي يتعامل معها الجنس البشري مشترك بين أفراد هذا الحنس فلذلك كانوا بحاجة ماسة إلى معرفة أجناسها وأسمائها التي تتميز با كما أنهم بحاجة إلى معرفة خواصها حتی یکون التعامل معها سليا . قيمة العلم في موازين ن الاسلام وفي هذه القصة تنويه بشأن العلم والعلماء » وبيان لقيمته ثي موازين الاسلام فإن الله إنما شرف الإنسان فبوأء منصب الخلافة ي الأرض با آتاء من العلم » وقد رفع قدره به على أقدار ملائكته اللعصومين من الزلل الدائبين على الطاعة . الذين وصفهم ‎KH‏ : للا يصون اللّه ما أمَرَهُم وَيَفْعلُونَ ما ورون (التحريم : وبقوله : يسيون الل والتهار لا يَفتَرُونَ» 0 ۲۰( وذلك حيث أمره بتعليمهم الأسياء » ثم أمرهم بالسجود له اعترافا بفضل العلم وتكريا لأهله . والاسلام بهذا يختلف عن اليهودية والنصرانية اللتين تجعلان من العلم عدوا مبينا للإنسان ؛ فاليهودية ترى أن العلم هو سبب إبعاد الإنسان من رحمة الله وطرده من جنته واستحقاقه اللعنة والغضب » والنصرانية ترى أن الحداية لا تكون إلا مع الجهل وذلك بأن يغلف الانسان عقله » ويغمض عينيه » ويسد أذنيه لثلا تتصور له الحقيقة فتضله عن الدين › وذلك بأن يتلقى كل ما يلقى إليه من تعاليم الدين تلقي الأعمى والأصم الذي لا يبصر شيثا ٤4 - ولا يسمم شيئا » غير ذلك الذي يلقى إليه » وفي القران الكريم الكثير من الآيات الدالة على أن هذا الدين لا يقوم إلا على أساس العلم والفهم › منها قوله تعالى : لِوَبَلْك المُعَالُ نَضربها للناس. وما يَعُقِلَهَا إلا العَالمُون € (العنكبوت : ۳٤) ٠ وقوله : لإكَذَلك فصل الآيات لوم يَفَكُرُون» (يونس : ٢٤۲) . والتعليم تحويل الغيرمن اجهل بالشيء إلى المعرفة به » ويكون ئي أن واحد » وفي انات متعددة » وذكر صاحب النار أن الذي يتبادر إلى الفهم من صيغة التعليم هو التدريج ٠ ثم ذكر قوله تعالى : طويعَلَمَكُمْ ما لم تکونوا تَعلمُونگ (البقرة : ١١۱) ٠ وقوله : لإ وعلمُك مالم َكْنْ تَعْلَم (النساء : ١١٠) » وقوله : ِوَيعَلَمُه الكتَابَ والُحكمَة والتوْراة والإنجيل4 (آل عمران : 48) › وقال : وَمًا كان ذلك إلا تذريجاً . . غير أنه أتبعم ذلك قوله : «... ولكن التبادر من تعليم ادم الأساء أنه كان دفعة واحدة إذا أريد بادم شخصه بالفعل أو بالقوة» . ونحن نؤمن بأن الله علم ادم الأسياء كى أخبر تعالى ونسكت عا وراء ذلك من كيفية هذا التعليم . وإن تكلف جماعة من المفسرين استظهار الطريقة التي علمه الله بها » فذهب بعضهم إلى أن ذلك إا تم. بإلهام رباني بحيث ألقى الله في روعه هذه الأسماء من غير واسطة › ` وقيل : إن الله خلق له صوتا في الحواء » أو في| شاء تعال ى فوعاه ادم وحفظ منه هذه الأسياء › وقيل : إنه تعالى أرسل إليه ملكا من غبر EE (١) المنارج١ ص ٢٠۲ - الطبعة الرابعة ٥4 ۔ اللخاطبين بقوله سبحانه : #أنبئوني» › وقيل غير ذلك » ولا دليل على شيء من هذه الأقوال . فالسكوت عن ذلك أولى وقوفا عند قوله تعا ى : وَل قف مَالَيسَ لَك به علم» (الاسراء : ۳) › ولعل أقرها إل الصواب القول الأول فإن المقصود من هذا المحكى إظهار شرف ادم وفضله مما أو من مزية الاستعداد الفطري لدرك المعلومات وتنميتها › ومن المعلوم أن سماع الصوت النب بالأسياء من الحواء أو غيره أو من نطق الملك يمكن معه فهم المراد للملائكة كما يمكن لآدم ٠ فالقول الأول أظهر في بیان مزیته . وعطف ذكر آدم وتعليمه الأسياء غب ما تقدم من إيذان الملائكة بجعل خليفة في الأرض شاهد على أن الخليفة المعني هو ادم وهو ضرب من التفصيل بعد الاجمال . وادم اسم لأبي البشر واختلف في أصله » فذهب طائفة إلى أنه من الأدمة وهى السمرة » وقيل : البياض ء كا يقال ناقة أدماء أي بيضاء › وقیل : سمي بذلك فلقه من أديم الأرض وهو محكي عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم » وعوّل على ذلك جل الذي يفسرون القران بالأثور » وعلى ما تقدم فهو عربي ووزنه أفعل وإا لبنت الحمزة الساكنة الي هي فاؤه فصارت ألا . وخالف في ذلك الز شري وتبعه النظار من الفسرين › فقالوا إنه اسم أعجمي على وزن فاعل بفتح العين كآزر وشالخ ٠ واستدلوا لذلك بجمعه على أوادم دون أادم ‏ وتصغيره على أويدم لا على أأيدم » والتكسير والتصغيريردان الألفاظ إلى أصوطا › ولم ٦٤ - يكن هذا الاسم محصورا عند العرب وحدهم بل نص عليه في التوراة › ولا يبعد أن يكون انتقاله إلى ألسنة العرب بسبب احتكاكهم بأهل الكتاب ودخول طائفة منہم في دینہم . الأساء التي علمها ادم والأسماء جمع اسم وهو ما دل على ذات أو معنى ٠ وللناس أقوال فيا عُلّمه آدم من الأسماء » فبعضهم یری ان عُلم اسم کل شيء حتی القصعة والقصيعة . وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنما › وذهب بعضهم إلى أنه عُلّم أساء أجناس الأشياء دون مفرداتها » وقيل : إنه علم أساء ما تحتاج إليه ذريته مما يستنفعون به في حیاتهم » وقد غالی أبوعلي الفارسي فزعم أنه علم کل شيء حت نحو سيبويه » والمغالاة ي . ذلك ظاهرة » وقيل : إنه غلم أساء الملائكة ٠ وقيل : أساء الملائكة والبشر » واختاره ابن جرير وأيده بقوله تعالى : ثم عرضهم» حيث جاء بضمير تمع الذكور وهو لا يستعمل غالبا إلا في العقلاء » وزد عليه بأنه استعمل في القران لغير العقلاء مع العقلاء وذلك في قوله تعالى : لإواللَهُ خَلَق كل دَابةٍ من مَاءٍ فُمنم مَنْ يشي عَل بَطنه ومنهم مَنْ يشي عل رِجْلين وَمنْم مَنْ يشي عَفى اربع (النور : ٤٤) » وذهبت طائفة إلى أن المراد بالأسماء اللغات وذلك أنه تعالى علمه جميع اللغات التي تدور على ألسنة ذريته » وقد تلقى كل واحد من أولاده لغة منہا ثم تفرقوا فورُثها كل أحد منهم ذريته » وبطلان هذا القول ظاهر » إن اللغات أكثر بکٹیر من عدد أولاد صلب ادم ٠ على أن کٹیرا منہا قد تولد من لغات سابقة ولا تزال تتولد إلى عصرنا هذا . ۷٤ - وحكى الفخر الرازي عن بعض الناس أن المراد من الأساء صفات الأشياء ونعوتها وخوؤاصها » واستدل له الفخر بأن الاسم إما أن يكون مشتقا من السمة أو من السمو » فإن كان من السمة فهو بمعنى العلامة . وصفات الأشياء ونعوتها وخواصها دالة على ماهياتها » فضصح أن يطلق الاسم عليها › وإن كان من السمو فكذلك لأن الدليل يرتفع بمدلوله وهو أسمى سنه لتقدمه عليه » وبحث في تخصيص النحويين الاسم با هو معروف عندهم ٠ وأجاب أن ذلك عرف حادث لا اعتبار به » ولصحة هذا التفسير لغة يرى الفخر وجوب التعويل عليه هنا لوجهين : أول ما أن الفضيلة في معرفة حقائق الأشياء أكثر منها في معرفة أسمائها . والقصة اللحكية هنا إنما تحكى فضيلة ادم على الملائكة . ثانيه| : أن التحدي يتوقف جوازه على ما كان مكنا للمتحدي في الجملة . فللعربي أن يتحدى من كان مثله بأن يأتي بمثل كلامه ي البلاغة العربية دوب أن يقول لزنجي مثلا أت بمثل هذا الكلام وذلك لأن العقل ليس هو طريق تعلم اللغات ٠ وإِنما طريق ذلك الممارسة . أما العلم بحقائق, الأشياء فالعقل يتمكن منه مع التجارب التي تتولد متها المعلومات) . ورأي الامام محمد عبده يتفق مع رأي الفخر في المعنى وإن يكن بینہا خلاف لفظي ٠ ففي المنار بعد إيراد قوله تعالى «وَعَلم آدم الأسْمَاء كُلّها» ما نصه «أودع في نفسه علم جيم الأشياء من غير تحديد ولا (١) نفاتيم الغيب الجزء الثانى ص ١۱۷ . الطبعة الثائية - 4۸ تعيين »٠ فالراد بالأساء المسميات ٠ عبرعن المدلول بالدليل لشدة الصلة بين المعنى واللفظ الموضوع له » وسرعة الانتقال من أحدهما إلى الآخر › والعلم الحقيقي إنما هو إدراك المعلومات أنفسها . والألفاظ الدالة عليها تختلف باختلاف اللغات التي تجري بالمواضعة والاصطلاح ٠ فهي تتغير وتختلف والمعنى لا تغيبر فيه ولا اختلاف» . قال الأستاذ : « . . . ثم إن الاسم قد يطلق إطلاقا صحيحا على ما يصل إلى الذهن من المعلوم أي صورة المعلوم في الذهن ٠ وبعبارة أخرى هو ما به يعلم الشيء عند العام » فاسم الله مثلا هو ما به عرفناه في. أذهاننا » بحيث يقال إننا نؤمن بوجوده ونسند إليه صفاته . فالأسماء هي ما به تعلم الأشياء . وهي العلوم المطابقة للحقائق» : «والاسم بهذا الاطلاق هو الذي جرى الخلاف في أنه عين المسمى أو غيره » وقد كان اليونانيون يطلقون على ما في الذهن من المعلوم لفظ الاسم » والخلاف في أن ما في الذهن من الحقائق هو عينها أو صورتها مشهور كالخلاف في أن العلم عين المعلوم أو غير المعلوم » وأما الخلاف في أن الاسم الذي هو اللفظ عين المسمى أو غيره » فهو ما أخطاً فيه الناظرون لعدم الدقة في التمييز بين الاطلاقات‌لبداهة أن اللفظ غير معناه بالضرورة › والاسم بذلك الاطلاق الذي ذكرناهء هو الذي يتقدس ويتبارك ويتعالى سبح اسم رَبك الأَعل 4 (الأعلى - ١) تارك اسم ربك ذي الجحلال والإكرام چ (الرحمن - ۷۸) فاسمه جل شانه ما یکنا أن نعلم من صفاته وما يشرق في أنفسنا من بہائه وجلاله › ولا مانع من ۹ ۔. أن نريد من الأسماء هذا المعنى » وهو لا يختلف في التأويل عما قالوه من إرادة المسميات ٠ ولكنه على ما نقول أظهر وأبين . وقد أحال السيد محمد رشيد زضا القارىء إلى ما تقدم نقله عنه ثي تفسير البسملة › وهو أن اسم الله يسبح ويعظم ٠ ومنه اسناد التسبيح اليه قولا وكتابة » وتسبيحه وتعظیمه بدون ذکر اسمه خاص بالقلب ٠ وان من تعمد اهائة اسم الله تعالى يكفر كمن يتعمد إهانة کتابه . والتحقيق أن الأسماء هي الالفاظ الدالة على الحقائق سواء كانت هذه الحقائق ذوات أو معاني ٠ فإن القران نزل باللسان العري › ومن المعلوم أن العرب يطلقون الاسم على اللفظ اللوضوع إزاء المعنى المدلول عليه به » ولا ينبغي أن يفسر القران با تواضع عليه فلاسفة اليونان فان ذلك خارج عن الوضع العربي الذي نزل به » ولا يمنع هذا أن يكون ادم عليه السلام علم خواص الاشياء كا علم أساءها . ولا ريب أن معرفة هذه الخواص تتوقف على معرفة الألفاظ التي تعبر عنها » وحياة الناس من الضرورة فيها بمكان معرفة أساء ما تتوقف عليها من المنافم فإنها حياة اجتماعية لا يستقل فيها أحد بنفسه » ولذلك احتاج الناس إلى وضع أساء لكل ما يحدث أو يكتشف من الأشياء التي ل تكن معهودة من قبل . وهذا شيء معهود في جيم اللغات خصوصا فيا تتوقف عليه مصالحهم » ومن الذي يستغنى ي عصرنا هذا عن معرفة اسم الكهرباء › والمذياع . والسيارة » والطائرة مثلا » وقد كان سلفنا في غنى عن معرفة جميم ذلك لعدم تعاملهم مع هذه الأشياء وعدم (١) المنار الجزء الأول ص ٢٠۲ . الطبعة الرابعة (۲) انار الجزء الأول ص ٢٠۲ ٠ الطبعة الرابعة تصورهم إياها . وبهذا التحرير يتبين لك أن الصحيح هوما عليه الجمهور من أن المراد بالأسياء الألفاظ الدالة على المعاني وقد أجاد الشهابان الخفاجي والألوسي حيث قالا إن في ماحكاه الفخر الرازي نظرا » ويتبين لك ايضاإن أصح الأقوال هو أن المراد بالأسماء أسياء الأجناس وهو قول وسط بين إفراط الغالين وتفريط المقصرين ٠ إذ دعوى أن الله علمه جميم اللغات التي تتحدث با ذريته إلى يوم القيامة أو علمه كل ما يكون في المحيط الإنساني إلى أن يرث الله الأرض إفراط لا يستند إلا إلى الوهم ٠ وقول من قال إن المراد بالأسماء أساء الملائكة فحسب أو أسياء النجوم ٠ أو أسماؤه تعالى الحسنى ليس بشيء » فان حاجة البشر إلى معرفة الأشياء الأرضية التي تشتد ضرورتهم إليها ابلغ من حاجتهم إلى معرفة أسماء الملائكة والنجوم » ومن ناحية أخری فإن قوله تعالی من بعد : لنم عَرَّضهُم عل الللائكة؟ يدل على أنه سبحانه جاء بمسميات هذه الأسماء فعرضها على الملائكة وطالبهم بأن يخبروه بأسمائها . وإذا كانت هذه الأسياء للملائكة فكيف يكون هذا العرض على الملائكة أنفسهم ٠ والقول بأنه عرض على كل طائفة منهم طوائف أخرى ٠ وطالب الطائفة المعروض عليها أن تخبر بأساء الطائفة المعروضة هوفي منتهى التكلف وليس له حظ من الدليل ٠ وأبعد من ذلك عن الصواب القول بأنها أساء الله الحسنى فإن عرض مسماها مستحيل عقلا ونقلا . ومن الظاهر بداهة أن المراد بقوله : وم عَرَضَهُم عَل اللائكة € ا٥ ۔ ۱ البقرة عرض مسميات هذه الأسياء لا الأسياء نفسها فإنها أعراض تتعذر مشاهدتها » وعود الضمير على المسميات وإن لم يسبق لا ذكر لأجل قرينة ذكر أسمائها » والرباط بين الاسم ومسماه رباط قوي فالأسماء إنما وضعت لأجل استحضار ماهيات مسمياتها بحيث تكون مجلوة للأذهان › وهذه الصلة بين الاسم ومسماه هي التي أدت بالكثيرين إلى القول بأنا شيء واحد » وقد سبق الكلام على ذلك في أول تفسير الفاتحة . وقد جعل ابن الثير الاسكندري في الانتصاف من صاحب الكشاف - من هذه الآية دليلا على أن الاسم هو المسمى »٠ وانتقد فيه الزتحشري بشده حيث أشار إلى التفرقة بينا » وزعم أن ذلك من الزغخشري فرار عن معتقد أهل السنة وإخلاد إلى ما عليه المعتزلة » وفي ما قاله نظر لا سبق لك في تفسير البسملة من أن كثيرا من المحققين من أصحاب الملذاهب الأربعة قالوا بالتفرقة بين الاسم والمسمى ٠ فليس القول بذلك من معتقد المعتزلة وحدهم . وهذا العرض على الملائكة من الأمور الغيبية المسلّمة ٠ ومن العسير تحديد طريقته لعدم قيام دليل على ذلك ٠ ومن المحتمل أن يكون الله سبحانه عرض صور هذه المسميات للملائكة كأنما يشاهدون حقائقها عن كثب وهو أمر هين بالنسبة إلى قدرته عز وجل » وفيا نشاهده الآن من عرض لأجسام غير حاضرة بكل حركاتها وأحوالما مع مصاحبة ذلك بنقل حديثها شاهد على ما ذکرته . فإن الله سبحانه الذي منح خلقه القدرة على ذلك هو أجل وأقدر على كل ما يشاء » فمن الین عنده ۲٥ - تعالى عرض صورة ما لم يْلق بعد من مصنوعاته » ويمكن أن يكون ذلك بإحضار هذه المسميات في أذهان الملائكة ٠ وفيا يراه النائم من المشاهد غير الحاضرة شاهد على جواز ذلك ٠ ولیس ببعيد أن یکون تعالی قد خلق حالتئذ أفرادا من أجناس هذه المسميات حتى يشاهدها ادم والملائكة ويتصوروها . وجمهور المفسرين يقولون بحصول مهلة بين تعليم الله ادم الأساء وعرضها على الملائكة معولين على ما تدل عليه «ثم» من الترتيب: والمهلة . ولا مهلة عندهم بين العرض عليهم ومطالبتهم بأن يخبروا بأسمائها بدليل العطف بالفاء التعقيبية في قوله : لإفقال» ومرد ذلك حسب) قالوا - إ ى قصد تبكيت الملائكة › وخالفهم في ذلك الإمام ابن عاشور معولا على أن «ثم» هنا للمهلة الرتبية لا للمهلة الزمنية . كا هو شأنها في عطف الحمل . وقد سبق بيان ذلك في قوله تعالى : لثم اسْتوّى إل السّمَاءڳ - الآية ٢۲ البقرة - والذي يقتضيها هنا أن هذا العرض وما ترتب عليه من ظهور عدم علم الملائكة » وظهورعلم أدم ٠ وظهور ما خفي من علم الله تعا ى وحكمته كل ذلك أرفع رتبة في إظهار مزية ادم واستحقاقه الخلافة من رتبة جرد تعليمه الأسياء لو لم يتصل با ذکر . ولا كانت مطالبته تعالى للملائكة أن ينبئوه بالأساء متفرعة عن الغوض المذكور عغطفت قصتها عليه بالفاء التفريعية . والانباء هو الاخبار بالنباً وهو ما تيز من الأخبار بالفائدة العظيمة - 0۳ والأهمية البالغة بحيث يكون حريا أن يحرص على استفادته كل سامع ٠ وبهذا يكون أخص من الاخبار . وأولاء من أس|ء الاشارة ك تقدم » ودها» للتنبيه وهي مألوفة الدخول على أساء الاشارة » والإشارة بأولاء تستعمل فيا إذا كان المشار إليه من جنس العقلاء › وقد تستعمل في غير العاقل كا أشير بها إلى السمع والبصر والفؤ اد في قوله تعالى : إن السُمْعَ والْبَصرَ والفُوَادَ كَل اولك كَانَ عَنْه مَسْؤولا (الإسراء : ٢۳) » فليس في الإشارة به في هذه الآية دليل على أن الأجناس المعروضة ل تكن إلا من العقلاء . وهذا الأمر منه سبحانه م يُقصد به التكليف وإغا أريد به التبكيت وإظهار عجز الملائكة عم لم يجعل الله لحم إليه سبيلا » فلا دليل في الأية ن قال بتکليف ما لا یطاق . والمراد بقوله : «إن نتم صادقين إن كنتم صادقين في أحقيتكم بالخلافة من آدم » وهوما يفهم من قوشم : «أتَيعَلْ فيها مَنْ يفُسدُ يها وفك الدّمَاءَ ونحنُ تسبح بحمدڭ وَقَدسُ لّكَ 4‏ الآية ٠۳ البقرة - وإن لم يأتوا به صريحا » وقيل المراد به إن كنتم واثقين أن قولكم في هذه الأساء لن يخغرج عن ن إطار الصدق ٠ وفي هذا منم لحم عن الاجتهاد › فلذلك توقفوا عن الأجابة بخلاف الذي ابتلاه الله بأن أماته مائة عام ثم بعثه فسأله : كم لبت فإنه لم يَُيْد في الاجابة المطلوبة منه بمثل. ما قيدوا به » فلذلك ساغ له الاجتهاد وإن جاز عليه الخطاً . وقال بعضهم إن المراد بالصدق هنا العلم وهو غريب إذ لم تؤلف تسمية العلم بالصدق ٠ وفسره بعضهم بالاصابة نظرا إلى أن الصدق كا يكون في القول يكون في العمل . وحكى ابن جرير وأبوعبيد عن بعضهم أنهم حملوا إن هنا على معنى «إذ» » ورده كل منا » وأطال ابن جرير في هذا الرد وبين أن الذي يكون بمعنى «إذ» هو أن المفتوحة لا المكسورة › لأن اللكسورة خاصة بالاستقبال › ورإذ» دالة على المضي فلا يصح حلول إحداهما محل الأخرى . وما يرمي إليه هذا الخطاب الموجه إلى الملائكة تنبيههم على خطئهم ليراجعوا أنفسهم وينيبوا إلى ربهم وإن كانوا هم في جميع أحوالحم منيبين وقد أدركوا هذه الغاية المطلوبة منهم فسارعوا قبل كل شيء إلى تنزيهه تعالى عن كل مالا يليق بجلاله وعظم شأنه وذلك بقوشم : #سبحانك» وسبحان هو اسم مصدر بعنى التسبيح ٠ وقد تقدم أن التسبيح هو تنزيه تعالى عن كل مالا يلیق به » وي تصدیر جوابہم بالتتزيه اعتذار متهم إليه تعال » ثم صرحوا بالعجز في قوم : لا عِلُم نا إلا ما عَلمننا إنك انت العَلِيمُ الحكيمٌ -الآية ۳۲ البقرة - وفيا صدروا به جوابهم من تسبيحه تعالى ٍقرار بان أفعاله عز وجل تل عن العبث ٠ فهي جميعها منطوية على حكم شتی ظهرت للخلق أو لم تظهر . وإنما على المخلوق أن يقف عند حده وأن لا يتجاوز ئي شيء طوره » فإذا عزب عنه علم شيء من أسرار الله في خلقه أو حكمه في أحكامه فا عليه إلا أن يقدسه تعالى ويبرىء أفعاله من أي عبث ويعترف بالعجز عن الاحاطة بحكمه تعالى في أحكامه أو أسراره في خليقته ٠ وبهذا كانت „ 00 الملائكة قدوة لسائر الخلق في مثل هذه المواقف ٠ ويتضمن جوابهم هذا الإعتذار عن الإنباء بالأسماء » فكأنهم قالوا ربنا إنك ل تعلمنا هذه الأسماء فلا سبيل لنا إلى معرفتها حتى نقدر على الحواب ٠ ثم ردوا علم كل شيء إليه تعالى حيث قالوا : «إِنْكٌ أنْتَ العَلِيمُ اكيم - الآية ۲ البقرة - وهذه الحملة هي تذييل وتعليل لا تقدم ٠ فن من شان الجمل المصدرة بإن إذا عقبت حك) أن تكون تعليلا له كا يتضح ذلك من استقراً ما جاء من مثله في القران وفي الكلام العربي منثوره ومنظومه . وعليم بوزن فعيل وهو من أوزان المبالغة ء ولذلك يطلق في اللخلوقات على ما يكون كالطبائم والسجايا من صفاتها › فإذا وصف أحد بأنه عليم أدركت أن العلم صفة ملازمة له , وهكذا يقال في صفتي السميع والبصير ونحوهما . ومن هنا لا يطلقون هذه الصيغة على ما يحدث عرضا » فلا يقال فيمن علم مرة إنه عليم وإنما يخصون ذلك بن كان العلم ملكة راسخة في نفسه . ولي تعريف المسند والمسند إليه مع توسيط ضمير الفصل بينبا مالا يخفى من تأكيد وصفه تعالى بالعلم بحيث لا يعد غیره جدیرا بوصف العلم لأنه تعا ى وحده المحيط بكل شيء علا » وعلم کل من عداه لا يوازي شيئا بجانب علمه الأزلي الذي لا يخرج شيء عن حیطته » دقيقا كان أو جليلا » ولهذا كان هذا القصر حقيقيا ولم يكن ادعائيا › فإن کل من عدا الله وإن علم شيئا فإن علمه مسبوق بالجهل ٠ وعلمه بذلك الشيء نسبي فإن ما يجهله من أحواله أكثر بكثر ما يعلمه بخلاف علمه 1٦0 -„ تعالى الذي لا تخفى عنه خافية . والحكيم بمعنى المحكم على الصحيح ٠ وقد سبق ذكر اختلاف العلماء في إتيان فعيل بمعنى مفعل ومن أنكر ذلك يضطر في مثل هذه المواطن إلى التأويل فيحمل الحكيم هنا على معنى المفعول ٠ ويتأول ذلك بأنه تعالى محكمة أفعاله . والتكلف باد على هذا التأويل . وإحكام الشيء هو اتقانه ووضع كل جزء منه موضعه » فالمراد من وصفه تعالی بأنه حكيم أنه متقن صنع كل شيء من خلقه » واللأصل في الحكمة أن تكون من نتائج العلم » إذ لا يعقل أن يكون الحكيم غيرعالم » فلذلك أتوا بصفة الحكيم بعد صفة العليم . العلم لله وحده وي هذا الحواب من الملائكة تعليم لغيرهم أن يقفوا عما أشكل عليهم ٠ ولا يدعوا علم ما لا يعلمون ٠ وأن يردوا علم كل شيء إليه سبحانه وتعالى ٠ فإن العلم له وحده ولا يصل إلى الناس شيء من علمه إلا ما أفاضه عليهم بمشيئته ولطفه » وإذا كان الملائكة - وهم في الملا الأعلى يطلعون على ما لا يطلع عليه البشر من أسرار خلق الله تعالى قد تبرآوا من العلم إلا ما علمهم الله ولم يقتحموا على الاجابة فيقولوا من تلقاء أنفسهم ما لم يأذن به الله » فما بالكم بالانسان الجاهل الذي خرج من بطن أمه لا يعلم شيئا ؟ أنى يسوغ له أن يتسور على أحكام الله فيفتي فيها بجهله اتيا فيها بما ل يأذن به الله ؟ أليس الأولى له أن يقتدي بملائكة - 0۷ الله فيجيب بلا أدرى فيا لا يدري فيحرز أجر الاعتراف باحق ؟ ويقف في الحد الذي أمره الله أن يقف عنده حيث قال : ولا قف ما ليس لك به علْمٌ إن السّمع والْبْصرَ واوا كُل اولك كَانَ عه مَسؤُولا» وناهيكم تحذيرا بالغا من التقول على الله بغيرعلم أن الله قرنه بالشرك في وله : فل إا حرم رب الفاح مَاطَهَر منها وما طن والإئم والبفْى ِبر الحقّ وأن تُشركوا باللّه ما م بُعَرّلْ به سُلْطاناً وان فووا عَل الله مًا لا تَعْلَمُون (الأعراف : ۳۳) ٠ وروى الإمام الربيع عن جابر رضي الله عنما إرسالا عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أنه قال : «من أفتى مسألة أو فسر رؤيا بغير علم كان كمن خر من الساء إلى الأرض فصادف بئرا لا قعر لا ولو أنه وافق الحق» » وقد سبق في مقدمة التفسير ذكر توقف الخليفتين رضي الله عنا عن تفسير الآب وتحرجهيا من أن يقولا على الله ما لم يرده » وهكذا كان مسلك صضحابة رسول الله و 5 فقد كانوا يتدافعون اليا ومن بُ بها وم يستطع الفكاك متها كان شديد اليقظة والحذر من أن يأتي فيها با ل يأذن به الله » وقد سلك مسلكهم جهابذة العلماء المحققين › فكان أحدهم يُسأل عن المسائل الكثيرة ولا يجيب إلا عن القليل منها ء ويقتصر فيا بقى على قول لا أدري » حتى فشا الجهل وكثر الادعاء ٠ وتبراً الناس على الخوض في مسائل الدين بدون معرفةءفاختلط الحابل بالنابل والتبس الحق بالباطل فإنا لله وإنا إليه راجعون . - 0۸ سرو ەو £ ِ ‎f2 o e fo‏ طقال يا ادم أنيئهم باسمائهم فلما أنباهم بأسمائهم قال ألم أ ارو ‎s^ o"‏ 3 َ‫ ۳ گ٥ ا 0 َ‫ لم اقل لكم إني اعلم غيب السماوات والارض واعلم ما تبدون وما کنتم َكُتْمُون -الآية ۳۳ البقرة - . بعد أن عرض الله أجناس المسميات على الملائكة وأمرهم أن ينبئوه بأسمائها فاستعصى ذلك عليهم فلجأوا إلى تسبيحه تعالى معلنين أنهم لا علم لحم إلا ما علمهم إياء » وجه تعالى هذا الخطاب إلى ادم حتی يتبين لم ما اختصه الله تعالى به من العلم ومنحه إياء من الفهم إذا ما جاء بما ند عَنْ أفهامهم » واستعصی على مداركهم ووجه اليه هذا الخطاب مصدرا بندائه بإسمه ما في ذلك من الإيناس والتكريم » كيف والمقام مقام دهشة واضطراب فإن المخاطب هو الله الذي له ملك السماوات والأرض وهو بكل شيء حيط ؟ وهذه سنته تعالی في خطابه لأنبيائه نحو : يانوح ... ياهود.. يا صالح .. يا شعيب . یا موسی . . یا عیسی بن مریم . . وانما اختص عز وجل عبده ورسوله محمدا عليه أفضل الصلاة والسلام فلم يناده باسمه العلم ء بل كان غالب ندائه له بلقب النبوة أو الرسالة » وذلك لأجل الاعلان عن قدره والإشعار بمكانته » وفي ذلك تعليم ضمني بكيفية محاطبة الناس له يٍَ . ادم ينبىء الملائكة وقد أمر سبحانه آدم عليه السلام أن ينبىء الملائكة بالأسماء التي ل يفهمومها ول يأمره أن ينبئه هو كما سبق في أمره إياهم للفارق بين الأمرين = 0۹ فإن أمره سبحانه للملائكة كان امتحانا لحم بخلاف أمره لآدم » فإنه آمر تشريف وتکریم اراد تعا ی به إظهار مزیته وبیان ما تنطوي عليه فطرته من الخصائص التكوينية لدرك المعارف التي ل تكن فيهم ٠ ومثل ذلك ولله المثل الأعلى - أن يمتحن أستاذ تلامذته في درس من الدروس التي أملاها عليهم ويطالبهم بتحليل معانيه واستنتاج فوائده » وهو واڻق ان أفهامهم لم تستوعب ذلك › ومداركهم لم تستجله . وإنما یرید منہم معرفة قصورهم » فإذا تبين م فشلهم قال لتلميذ آخر ايقن منه توقد الفطنة وسعة الإدراك ٠ قم يا فلان وأخبرهم با لم يفهموه › وفصل طم ماعزب عن مداركهم وأفهامهم . وقد قام ادم بهذه المهمة الي نيطت به خير قيام فأوضح ما انبهم من أساء هذه الأجناس التي عغرضت على الملائكة كا يدل عليه قوله EEE e سبحانه : فلما انباهم باسمائهم ‏ وعندئذ نودي عليهم من قبله تعالى بأن أسراره في خلقه . وحكمه في أفعاله لا یحیط بها غیره سبحانه » فليس لأحد بأن يعترضه في أمره . إذ له سبحانه الخلق والأمر » وهذا مطوى تحت إجابته لحم بقوله : الُم أل لَكُمْ إني أعْلمْ غيب السّمَاوات والأرزْض وأَعْلَمْ ما تبْدُونَ وما كنتم نَكُتَمُونڳ ولم يذكر سبحانه في سالف القصة نص هذا القول وإنما ذكر ما يتضمن معناه وهو قوله لحم : «إني أعلم ما لا تعلمون وفي هذا دليل على أن المراد با لا يعلمون هناك هوما فصله هنا بأنه غيب السماوات والأرض فما حكي هنا تقرير وتفصيل لا حكي هنالك . والأولى إجراء غيب السماوات والأرض على العموم فيدخل في ذلك كل ما انطوى عليه هذا الوجود من حقائق لم تكتنهها أفهام الخلق ٠ وكل ما حدث أو سيحدث في الكون من أمور لم تحط بہا المخلوقات علا » ومن كان محيطا بہذه الخفايا كلها لم يخرج شيء من أفعاله عن الحكمة ٠ ولم يكن شيء من أمره محلا للنقد أو الاعتراض . وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بغيب السماوات أكل ادم وحواء من الشجرة ٠ والمراد بغيب الأرض قتل قابيل لأخيه هابيل ٠ وهو تفسير ضعيف جدا فإن غيب السماوات والأرض أوسع من ذلك بكثير › ومن ناحية أخرى فإن كلا من الأكل أو القتل ل يكن حاصلا عندما وجه الله إلى اللائكة هذا الخطاب . وذهب بعضهم إلى أن غيب السماوات هو ما قضاه من أمور خلقه » وغيب الأرض هو ما فعلوه فيها بعد القضاء . وذهب أخرون إلى أن المراد بهذا الغيب أحوال ادم التي علمها الله سبحانه قبل خلقه » وهذا من باب قصر عموم اللفظ على خصوص السبب »٠ والمعول على ما صححه الأصوليون من أنه لا عبرة بخصوص السبب مع عموم اللفظ وإنما دخول السبب الخاص في الراد من اللفظ العام أولوي لأنه مقطوع به ٠ وإيقاء اللفظ هنا على عمومه أليق بكمال الله الذي أحاط بكل شيء علا . والاستفهام في قوله : للإألم اقل لكم . . 4 تقريري ٠ فإن ذلك القول لا ريب في وقوعه ». والملائكة يعلمون وقوعه ولا ينكرونه » ومن شأن الاستفهام التقريري إذا أريد به إثبات شيء أن يدخل عليه منفيا ا١٦ - نحو قوله تعالى : ألم نشرح لك صدرك4 (٠ : الانشراح) ٠ وقوله : ألم نخلقكم من ماء مهين» (اللرسلات : ٢۲) » وما في هذه الآية › وهذا لأن في الاستفهام معنى النفي ونفي النفي اثبات ولذلك إذا أدخل على ما يراد نفيه لم يقترن بحرف النفي نحو قوله عز وجل : أأنتم تخلقونه أم نحن ا خالقون (الواقعة : ۹) » وقوله : الله أذن لكم م على الله تفترون# (يونس : ۹) » وقوله : «لإأأنت قلت للناس اتغذوني وأمي إلين من دون اللهك (المائدة : ١١۱۱) ٠ ولا داعي إلى ما قاله ابن عاشور من أن أداة النفي مقحمة وأن ذلك غالبي ي الإستفهام التقريري لقصد التوسيع على المقرّر حتى تيل إليه أنه يسال عن نفي وقوع الشيء فإن أراد أن يزعم نفيه فقد وسع القرّر عليه ذلك ولكنه يُتحقق أنه لا يستطيم إنكاره › فلذلك يقرره على نفيه › فإذا قر کان إقراره لازما له لا مناص له منه » وأخرج ابن عاشور من هذا الغالب نحو لأأنت قلت للناس ك ¿ وقوله : #إقالوا أأنت فعلت هذا باتنا يا ابراهيم (الأنبياء : 2)17 » وفي كلامه ما لا يخفى من اخلط بين ما يراد به الاثبات وما يراد به النفي ٠ وقد علمت الفرق بينا . ماذا يبدي الملائكة ویکتمون ؟ واختلف في المراد با يبدون وما کانوا یکتمون ٠ قيل ما يبدونه هو قولحم : تبعل فيه مَنْ فد فيها وفك الدَمَاء - الآية ٢۳ البقرة - وما كانوا يكتمونه هو ما كان ابليس ينطوي عليه من العجب والكبر › (١) التحرير والتنوير - الجزء الأول ص ١٤٤ ٠ ٠٠٤ الدار التونسية للنشر ۲٦ - أخرج هذا القول ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة رضي الله عنبم » وهو مروي عن سعيد بن جبير ومجاهد والسدى وا لضحاك والثوري 6 واختاره ابن جریر وحمل اسناد ما کان ينطوي عليه إبليس إليهم على مثل ما تقول العرب قتل الجيش وهزموا › ُنادُونك منْ وَرَاء الحجرّاتڳ (الحجرات : 4٤) مع أن المنادي لم يكن إلا واحدا من بني تيم » وروی ابن جرير عن الضحاك عن ابن عباس أن المراد به أن الله يعلم السر كا يعلم العلانية » وقد علم من أمر إبليس ما لم يعلموا إذ قالوا : لوَنَحنُ نسَح بحمُدك وَنقدَسُ لَك الآية ۳ البقرة - . وروى عن أبي العالية والربيع ابن أنس والحسن وقتادة : أن المراد با يكتمونه هو قولحم فيا بينهم لم يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم مته وأكرم عليه منه وذلك عندما رأوا خلقة ادم حسبا روی ابن جریر وغیره » وإنما عَذّ ذلك مما يكتمونه مع إفضاء بعضهم به إلى بعض لأن هذا الإفضاء م يكن إلى عموم الملائكة بل كان افضاءاً محدودا حسبما قيل» وفي المنار عن الامام ححمد عبده ُن الذي يبدونه هو ما يظهر ره ف نفوسهم وأما ما يکتمون فهو ما يوجد ئي غرائزهم وتنطوي عليه طبائعهم ۽ وقد جيء بکان الدالة على المضي مع ذكر الكتمان دوں الأبداء 6 قیل لأن کتمانمم كان فيا سبق أما بعد أن كشف الله أمرهم فلم يكن كتمان » والأظهر نها رید بها تعميق مفهوم خبرها وهو ضرب من التأکید کٹیرا ما يجیء في ۳٦ - القرآن نحو قوله تعالى : لإوكان الله غفورا رَحياڳ (الفتح : ١٤۱) ٠ ففائدتها في هذا الكلام تأكيد أنهم کتموا ما کتموہ حرصا منہم على ان وما يستفاد من هذا الدرس وجوب مراقبة النفس في كل ما یلم بہا وخفايا الأمور فلا يخفى عليه شيء مما يتلجلج في صدر أحد » وبحصول هذه المراقبة من الانسان لنفسه يكون يقظا في أمره 9 بصيرا مما يأ وما يذر . .- ٤1“ «وإٌِ لما لملائكة اسْجُدُوا لادم فسَجدُوا إل إبليس أي وَاستَكبّر وَكان منَ الكافرينَ -الآية ٢۳ البقرة - . أسند القول فيا تقدم إلى الرب مضافا إلى الضمير المخاطب مراد الله بهذا الاستخلاف تربية هذا الجنس المستخلف في هذه الأرض حسية ومعنوية ›. وذلك مفهوم من لفظة الرب فإنها بمعنى المربي والمصلح كا تقدم في الفامحة وإصافته إلى ضمي الخطاب العائد إليه صلوات الله وسلامه عليه لما في ذلك من إشارة إلى أنه يي بلغ أرفع رتبة يصل إليها أفراد هذا الجنس فإنه نال من التربية الالية الظاهرة والباطنة ما م ينله أحد من الخلق . وأحاطت به عنايته تعالى في كل شيء فخرج هذا الوجود وقد اجتمعت فيه جيم صفات الكمال التي وهبها الله هذا الجنس الأنساني من بين مخلوقاته . وقد عُدل عن هذا الأسلوب هنا إلى أسلوب آخر حيث أسند القول إلى ضمير المتكلم التي بصيغة الحمم لاظهار عظمته . وهذا العدول تما يسمى في عرف علاء الىلاغة بالالتمات 6 وقد سبق ذکره ي سورة الفاتحة ٠ وأنه يأ لنكتة عامة وھی تطرية الكلام وتیدید نشاط ٥1 - سامعه 9 وقد تکون مع هذه النكتة نكت خاصة بحسب ملاءمات مقلم الخطاب » والنكتة الخاصة هنا أن الأمر بسجود الملائكة لآدم معاكس نا کانوا يتصورونه من فضلهم عليه وأحقيتهم بالخلافة دونه › فكأنما اراد به تعالى تأديبهم بعد أن أظهر لم مزيته » فلذلك حكى هذا الحانب من القصة هذا الاسلوب 6 وئي هذا السجود ما يشبه الاعتذار منم إليه ما قالوه في شأنه . قصة الأمر بالسحود لادم والعطف هنا من باب عطف القصة على القصة ك| تقدم ٠ وما قيل في «إذ» هناك فقيل هنا . وإعادتها بعد العاطف المغنى عن إعادة الظرف للتنبيه على أن هذه القصة مقصودة بذاتها ». فكانت حرية بالاستقلال والاهتمام » ومن هنا م تعطف بالفاء الدالة على الترتيب والتفريع مع أن هذه القصة متفرعة عن سابقتها غير أن مراعاة استقلاا والعناية بها كانت أولى من مراعاة التفرع المذكور » ويتضح لكم ما ذكرته من أن هذه القصة متفرعة عن سابقتها أن الأمر بالسجود كان على أثر ظهور مزية ادم بعلمه الأسماء وتعليمه إياها للملائكة . وذهب الفخر الرازي إلى أن الأمر بالسجود سابق على تلك المقاولة المتعلقة بالأسساء لقوله تعا ى : «#وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإدا سویته ونفخت فيه من روحی فقعوا له ساجدين ¶ (الحجر : ٢۲ - ۲۹)٠ وقوله : ءوإِذُ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويت ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (ص : ١۷ ۷۲) › فإن الظاهر من ذلك أنه سبحانه أمر الملائكة - ٦٠ - بالسجود عندما اذنهم بخلق ادم » والمجيء بفاء الترتيب في جواب الشرط مؤذن بأن السجود كان مطلوبا عند حصول نفخ الروح وهو بلا ريب سابق على تعليمه الأساء وما ترتب عليه » ولا بد هنا من وقفة تأمل فيا تدل عليه ايات (الحجر) ورص) » وما تدل عليه سائر الآيات ٠ فإن من المعلوم أن الأصل في ترتب الحكايات أن يكون بحسب ترتب اللحكيات ٠ وقد سردت هنا قصة ادم متدأة بإيذان الله الملائكة أنه مستخلفه في الأرض مع ذكر المراحل التي مر بها إلى أن أهبط من الجحنة إلى الأرض . والظاهر أن كل ما ذكر في القصة كان مرتبا بحسب ترتبها الزمني » وهذا يعني أن أمر الملائكة بالسجود كان إثر ما تقدم ذكره من ظهور تفوق ادم على الملائكة في معرفة الأساء . ومقدرته على تعليمها لحم ٠ ويرجح ذلك المناسبة التي ذكرتها وهو أن يكون في هذا السجود' اعتذار منهم إليه عم قالوه في شأنه » أما ما في سورة (الحجر) و(ص) فهو يشعر بأن الله تعالى عندما أخبر الملائكة بخلقه ادم تضمن إخباره أمرا تعليقيا بأن يسجدوا له عندما يكتمل خلقه ويتجلى فيه السر اللي وهو ما عبر عنه بالنفخ فيه من روحه ويجمع بين ما ذكر في تينك السورتين وما ذكر في هذه السورة وسائر السور المشتملة على قصته من الأمر التنجيزي بالسجود بأن ذلك الأمر ظل معلقا إلى أن تم وجود ما تعلق .عليه فأكد لحم بالصيغة التنجيزية » هذا ما ظهر لي من الجحمع بين ما ورد في هذه القصة وأنا أستغفر الله مما خالفت فيه الحق . معنى السحود لادم ولا يبعد أن يكون الأمر بالسجود ما كان إلا مرة وإنما كي تارة ¬ ۷ a معلقا وأخرى منجزا بحسب اختلاف المقامات ٠ فإذا أورد حالة ذكر الإعلام بخلقه ذكر معلقا نظرا إلى عدم وقوع ما علق عليه عندئذ ٠ وإذا ذكر مع ذكر هذا المعلق عليه ذكر منجزا » ويرجح ما ذکرته من قبل قوله تعالى : «ولقَذ خَلَفناكم تم صَوْرْناكم ثم فنا لْمَليكَةِ اسجُدُوا لم € (الآية ١٠ الأعراف) اللهم إلا (آن) تحمل (ثم) على المهلة الرتبية كما هو شأنها اذا عطفت الحمل »٠ وهذا الذي استقر عليه رأيي أخيرا وسازیده بيانا في سورة الأعراف إن شاء الله . ولعله مما يستشكل أن يكون السجود لآدم بعد تلك المقاولة في الأسماء مع قوله سبحانه : فإٍذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين؟ (۷۲ : ص) فإن الظاهر من الآية أن السجود مطلوب عقب نفخ الروح وذلك لكان الفاء الي يقترن عطفها بالتعقيب غالبا وتوسط الكلام في الأسياء بين نفخ الروح والسجود مناف لذا التعقيب . والحواب أن الفاء هنا رابطة وليست عاطفة حتى تكون دالة على التعقيب وإنما دلالتها على السببية وحدها . والملائكة الموجه إليهم هذا هم جيم ملائكة الله ك يفيده التعريف والتأكيد بكلهم وأجمعون في قوله سبحانه : إفسجد الملائكة كلهم أجمعون€ (۷۳ : ص) وهو يدل على رجحانية ما رجحته من قبل من أن الملائكة الذين قال لم الله إِني جاعل في الأرض خليفة هم جيم ملائكته تعالى خلافا ن قال إنهم ملائكة الأرض وحدهم كقطب الأئمة في الحيميان ٠ ووجه هذه الدلالة أن الأصل في الاسم إذا أعيد معرفة أن يكون مدلوله = 1۸ نفس المدلول السابق ٠ وما يستغرب أن قطب الأئمة ‏ رحمه الله - اختار في هيميانه وتيسيره أن لفظ الملائكة هنا صادق على جيم أفرادهم مع ما سبق نقله عنه من أن الملائكة الذين خوطبوا أولا هم ملائكة الأرض وحدهم . وقد سبق أن ذكرت أن الألوسي نقل عن الصوفية أن المأمورين. بالسجود من عدا العالين من الملائكة ٠ وأن العالين غير داخلين في الخطاب ولا مأمورين بالسجود لاستغراقهم وعدم شعورهم بسوی الذات › وحلوا على ذلك قوله تعالى : لإأستكبرت ام كنت من العالين» (ص : ٢۷) ٠ ولا يجوز التعويل على هذا الرأي إذ هو من شطحاتهم الألوفة » وسيأتي إن شاء الله بيان المراد من العالين عندما نصل إلى تفسير الآية من سورة (ص) بعون الله وتوفيقه . وروی ابن جریر عن ابن عباس رضي الله عنما أن الله خلق خلقا فقال اسجدوا لآدم › فقالوا : لا نفعل » فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم ثم خلق خلقا أخر فقال : إني خالق بشرا من طین ‏ اسجدوا لآدم » فقالوا : لا نفعل فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم › ثم خلق هؤلاء فقال : اسجدوا لأدم (الآية ۷۱ ص ) ٠ قالوا نعم وکان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم » وهذه رواية باطلة إذ في اسنادها مبهم . وهي مصادمة لنصوص القران الدالة على عصمة الملائكة عن مخالفة أوامر الله » ومن ناحية أخرى فإنها تقتضي أن خلق دم سابق على خلق الملائكة . والآيات دالة على أنهم أوذنوا بخلقه قبل 1۹ -۔ أن يلق . وهو يقتضي ُن يكون وجودهم سابقا على وجوده » ومن التناقض الينّ في هذه الرواية زعم راويها أن إبليس كان مندرجا في تلك اللجموعة التي رفضت السجود فأحرقت بالنار » ويلزم من هذا أن يكون إبليس ممن أتت عليه النار » وبالجحملة فلولا خشية أن تكون هذه الرواية سببا للبس الحق بالباطل لكان الأولى عدم ذكرها رأسا . وسجودهم لأدم م يكن عبادة له فن العبادة لا تكون إلا لله رب العالين » ولم تشرع عبادة غير الله عند أية طائفة من الخلق ولا في أية رسالة جاءت من عند الله «إوما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ك (الأنبياء : ٢۲) » وإنما هو سجود إجلال وتكريم أذن به الله تعالى لإعلاء شأن الجنس البشري في الملا الأعلى ٠ وامتثال الملائكة لأمر الله به معدود من عبادة الله سبحانه التي لا يفتأون عنها » واختلف في نوعه » فقيل كان سجودا شرعيا وهو عبارة عن وضع الجبهة على الأرض ٠ وقيل : لم يكن الا سجودا لغويا وهو عبارة عن تواضعهم وتطامنهم بين يديه . ولا يشكل عجيء ألفاظ في القران والسنة مستخدمة في معانيها اللغوية الأصيلة مع أن الشرع حوفا إلى معان أخرى » وذلك كالصوم في قوله تعالى : لإإني نذرت للرحمن صوما (سورة مریم : ٢) فإنه بمعنى الإمساك مع أن الصوم منقول في الشرع إلى إمساك خاص ليس هو الراد هنا » والكفر المدلول عليه بقوله عز وجل : «يُعجب الكُفار باه (سورة الفتح ٢۲) فإنه مستعمل ئي معناه اللوي - وهو التغطية - مع أن الشرع نقله إلى مفهوم آخر » ومن العلماء من يرى الوقوف عن تحديد كيفية هذا السجود » وهو أولى لعدم قيام حجة على تعين أحد القولين . واختلف أيضا هل كان مقصودا بهذا السجود آدم نفسه أو أنه كان سجودا لله . وكان ادم قبلة للساجدين كا هو شأن الكعبة المشرفة ؛ ويرجح الرأي الأول تعدية فعل السجود باللام الدالة على أن مدخوفا هو اللقصود به . ولا يسشتشكل سجود لوق لثله مع الأمر بذلك ممن له الخلق والأمر على أن سجود بعض الناس لبعض كان مباحا في بعض عهود النبوات السابقة » كيف وقد حكى الله عن أبوي يوسف عليه السلام وإخوته أنهم خروا له سجدا » ومهم يكن فليس في ذلك ما يلمح منه قصد عبادة لوق لمخلوق مثله » وإنما حرم السجود لغير الله في رسالة خاتم النبيين صلوات الله وءسلامه عليه حتى لا يكون في هذه الأمة تعظيم لغير الله عز وجل ٠ فلا تخر جبهة على الأرض ولا يتطأطاً رأس ولا ينحني ظهرا لغبر جلاله تعالى . ولذلك أنكر النبي يق على من هم بالسجود له . وتأول القائلون بالقول الثاني «اللام» بمعنى «إلى» واستشهدوا لذلك بقول حسان : أليس أول من صلى لقبلتكم وأعلم الناس بالقران والسنن ومنہم من حمل اللام على معنى «عند» مستدلا بقوله سبحانه : ‎o‏ ‏اقم الصلاة لدلوك الشمس؟ (الاسراء : ۷۸) »٠ والأكثرون ضعْفوا ذلك . ا۷ - أصل إبليس واختلف في استثناء إبليس هل هو متصل أو منقطع ؟ وعلى الأول فإبليس من جنس الملائكة غير أنه شذ عنهم بغروره وکفره ما سبق في علم الله من شقائه » وعلى الثاني فهو خارج من جنسهم وإنغا شمله الأمر بالسجود معهم لدخوله ضمنهم بعبادته وطاعته من قبل ؛ والقول الأول مروي عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنہا کہا ئي تفسیر ابن جریر وغيره ونسب إلى ال جحمهور » والقول الثاني رُوي عن ابن عباس أيضا ورواه ابن جرير باسناد صحيح عن الحسن ونص ما رواه عنه «ما کان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن كا أن ادم أصل الإنس» » ومثله رزوي عن عبدالرحمن بن زيد ابن أسلم وشهر ابن حوشب وعليه أصحابنا - رحمهم الله حتى بالغ بعضهم فقال بإشراك من زعم أنه من الملائكة لنافاة ذلك قوله تعالى : لكان من الجن (الكهف : ١۰٥) ٠ ورده القطب -رحمه الله لأن قائله تأوله من الاستثناء . والاتصال هو الأصل فيه . وحجة هؤلاء هذا النص الصريح في سورة الكهف الدال على أنه من جنس الجن ولیس من جنس الملائكة . وما ثبت بالنصوص القرانية من عصمة الملائكة المنافية ما صدر من إبليس ٠ وقوله تعالى : «لأفتتخذونه وذريته أولياء» (الكهف : ٠) » حيث أثبت له ذرية والملائكة لا يتوالدون إذ لا يتصفون بذكورية ولا بأنوثية وبانه تلوق من نار کا خلقت الجن منہا حسب ما صرحت نصوص الكتاب العزيز › والملائكة خلقوا من نور كما يدل عليه حديث ۷۲ -۔ عائشة رضي الله عنها عند مسلم . وتكلف أصحاب القول الأول رد هذه الأدلة بضروب من التأويل كقوم إن الجن المعنيين هنا طائفة من الملائكة لأن لفظه مأخوذ من الاجتنان وهو الاستتار واستأنسوا لذلك بقوله تعالى : وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا» (الصافات : ١١۱) مع أن العرب كانت تزعم أن لملائكة بنات الله فاستظهروا من ذلك أنهم المقصودون بالجنة » وجوز بعضهم أن تكون كان بمعنى صار وهو يعني انتقاله بعد الطرد واللسخ من الصفات الملكية إلى صفات الجن الشيطانية فلذلك جاز عليه مالم يجز على الملائكة » وأما خلقته من نار فلا تناي - عندهم ‏ أن يكون كاللائكة لوقا من النور لأن النار من طبيعتها الانارة . وما أوهى هذه الردود وأخفى حجتها فإن الأدلة ظاهرة في كون الجن جنسا موازيا للانس وليس من الملائكة ٠ ولا يبعد أن يكون مشركو العرب قالوا فيهم ما قالوه في الملائكة من وجود النسب بينهم وبين الله تعالى عا يقولون . فلا يدل قوله تعالى : #وجعلوا بينه وبين الحنة نسبا» على قصد الملائكة بذلك ٠ وقد قال غير واحد من المفسرين : إن المراد بالجنة هنا الجحان لا الملائكة » والنار وان كان من شأنها الإنارة فإن خاصيتها المعروفة هي الإحراق › فالحن خلقوا منها متلبسين بهذه الخاصية المزعجة . أما الملائكة فهم مخلوقون من النور والنور لا يلزم تلبسه بالإحراق كا هو معروف على أن قوله تعالى في سورة الكهف : كان من الجن ففسق عن أمر ربهڳ واضح في أن فسقه ناشیء عن کونه - ۷۳ من الجن . والقول الفصل في هذه المسألة هوما قاله الأمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وهو أن إبليس كان مع الملائكة بصورته مع اختلاف عنصره عنم فهو من نار وهم من نور » وأن النافي لكونه من الملائكة » والمثبت لم يتواردا على محل واحد » وبهذا يرجع القولان إلى قول واحد . وجمل «أبي واستكبر وكان من الكافرين؟ مستأنفة استثنافا بيانيا لتبيان سبب خروجه عن الملائكة بعصيانه أمر الله واعتراضه عليه وذلك أن من شأن مثل هذا الخبر أن يثبر تساؤ لا في نفوس سامعیه » كيف لم يمتثل إبليس أمر ربه مع الحاقه إياه بلملاً الأعلى وتاثره بالصفات الملكية وإن لم يكن منهم ؟ وتوجيه الخطاب إليه ضمن خطاب الملائكة في قوله : إاسجدوا؟ على أن من طبيعة المخلوق التأثر بالمقارن . وكراهة شذوذ الفرد عن الجحماعةء وفي هذه الحمل الاجابة عن هذه التساؤلات كلها . معنى الإباء والاستكبار والأباء الامتناع عن الشيء لكراهته . ويستعمل فيا اذا كان الأمتناع والكراهة لترفع الأبي عن الأبي عنه » والاستكبار والتكبر بمعنى غير أن الاستكبار يشعر لفظه بامبالغة في طلب الكبر وهو جبلة ذميمة تدع النفس تركن إلى اعتقادها أنها أرفع من المتكبر عليه وهذا يعني أن الكبر لا يكون إلا مع وجود المتكبروالتكبر والمتكبر عليه مم داعية الكبر وإن كانت وهمية ‏ ومن هنا يختلف عن العجب فإنه يتوقف على العبّب وداعية العجب فقط . ٢٤۷ وذهب بعض المفسرين إلى أن المعطوفات هنا لم تأت على نسق ترتبها الواقعي ٠ فإن الكفر سابق على الاأستكبار › والاستكبار سابق على الإباء » فكان من حق الترتيب أن يُقال كان من الكافرين واستکبر وأبي » ورده الإمام محمد عبده بأن نظم الآية جاء على ممتضى الطبيعة في الذكر › فإنه يفيد أن الله تعالى أراد أن يبين الفعل أولا لأنه المقصود بالذات وهو الإباء » ثم يذكر سببه وعلته وهو الإستكبار › ثم يأتي بالأصل في العلة والمعلول والسبب والمسبب وهو الكفر” . وذهب بعضهم إلى أن «كان» هنا بمعنى «صار» ٠ وقائل ذلك نظر إلى أن صيرورته إلى الكفر إنما كانت بسبب إبائه واستکباره » ورده ابن فورك قائلا : إن الأصول ترده » وانتصر له ابن عاشور بان استعمال کان بمعنى صار نوع من أنواع استعمال ا كا في قوله تعالى : لوحال بینما اللوج فكان من المغرقين» (هود : ٤٤) وقوله : #وبست الحبال بسا فكانت هباء منبثاڳه (الواقعة : ٥ 9 ٦)٠ وقول ابن أحمر : بتيهاء قفر والملطي كأنها قطا الحزم قد كانت فراخا بيوضها وقال کٹیر منہم : إن المراد بقوله : Yوكان‏ من الكافرين ك أنه كان كافرا في علم الله عز وجل ٠ والداعي إلى هذا القول عند قائليه ان إبليس قبل هذا الإباء م يكن في ذاته كافرا وإنما كان كفره ما طواه الغيب في علم الله وحده . وذهب اخرون إلى أنه كان کافرا في سره ون ظهر خلاف ذلك من علانيته » وجميم هذه الأقوال غير صادرة إلا عن التكلف الذي ألا قائليها إليه نظرهم إلى أن دلالة كان على المضي ٠ وإبليس لى (١) المنار الجزء الأول ص٠٦٠۲ , الطبعة الرابعة يكن في ماضي أمره حسب علانیته كافرا › والصحیح ما استحسنه ابن عاشور وهو أن «كان» هنا دالة على رسوخ معنی خبرها ئي اسمها وإلا فالأاصل أي واستكبر وکفر » ولا أريد تعميق مفهوم الكفر الذي انطوى عليه إِبليْس ليكون سامعوا خبره على بينة من مره جيء بکان کم فعل في قوله عز وجل : إلا امرأته كانت من الغابرين 4 (الأعراف : 8۳) › وقوله : «ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون» (النمل : ١) » ودل عن نحو وكان كافرا إلى إوكان من الكافرين مع أنه م يكن له ثان في الكفر يومئذ فضلا عن وجود مجموعة من الكافرين ينضم إليها لأن التعبير المعدول إليه أدل على تعمق الكفر فيه وتمكنه مته › فإِن الواحد يزداد تمسكه بمبدئه وإصراره عليه إذا علم أن له شركاء يساندون رأيه ويقفون معه » فإبليس وإن كان هو المام للكافرين ورفضه لا أمره الله به هو الخطوة الأولى إلى الكفر › فإن استشعاره أنه سيكون له أتباع وأعوان وشركاء فيا اختاره لنفسه من الكفر كان له حافزا إلى الاصرار على ما أخلد إليه والعياذ بالله . وقد ذكر الاستكبار هنا حملا وبين في قوله تعا ی حاكيا عنه : فنا خير منهُ خفتني من نار وَحَلََْه من طبن (ص : ۳۸ ٠ الأعراف : ١۱) وفيه دليل على أن منشاً استکبارہ نظرہ إلى العنصر الذي خلق منه » والعنصر الآخر الذي لق منه آدم » ولم يدر بباله أن قيمة كل أحد عمله وليست عنصره » وفي هذا عبرة للذين يتفاخرون بالأنساب ويتكلون على الأحساب تاركين العمل الصالح جانبا عنهم كأنما يجبازي الناس يوم القيامة بأنسابهم . ٦۷ - المفهوم الخاطىء عن الملائكة هذا وقد سبق لي أن أشرت في مقدمة التفسير إلى ما ذهب إليه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده وتابعه عليه تلميذه العلامة السيد محمد رشيد رضا في تفسير قصة ادم عليه السلام وقد رأيت أن أورد هنا ما قالاه في تفسير هذه الآية الكريمة وذلك بإيراد نص كلامه) تارة ومضمونه تارة أخرى ثم أتبع ذلك كشف الستار عن هذه المسألة وبيان مخالفة رأما مدلولات النصوص القرانية وما اتفقت عليه هذه الأمة جيلا بعد جيل مع شرح الأسباب التي دفعت بها إلى اتباع هذا المسلك اللتوي في تأويل كتاب الله . سبق أن أشار الأستاذ الإمام في الآيات السابقة أن الناس وقفوا من هذه القصة موقفين : موقف التفويض وعدم الخوض في بيان تفاصيلها وعزا ذلك إلى السلف ٠ وموقف التأويل وأمثل وجوهه عنده أن يكون المراد هذه القصة محرد التمثيل ٠ وقد سبق أن ذكرت في بداية تفسيرها بطلان حمل القصص القرانية على التمثيل فحسب » فإن للتمثيل طرقا في القران ليست هذه القصص متنا ولا إليها . وفي حمل الأستاذ هذه القصة على التمثيل توطئة لا سيقوله بعد فإنه تدرج في تأويلها وتأويل ما انطوت عليه من أساء الأجناس الغيبية حتى انتهى إلى النقطة النهائية التي لم يبرحها وهي ذلك التأويل البعيد الذي أشرت إليه في المقدمة . ولنبداً هنا بنقل كلامه حسب تلخيص السيد رشید رضا له . قال : «تقدم أن الملائكة خلق غيبي لا نعرف حقيقته وإنما نؤمن به - VV يإخبار الله تعالى الذي نقف عنده ولا نزيد عليه » وتقدم أن القرآن ناطق أن الملائكة أصناف لكل صنف وظيفة وعمل »٠ ونقول الأن إن إلحام الخبر والوسوسة بالشر مما جاء في لسان صاحب الوحي ي وقد سند إلى هذه العوالم الغيبية » وخواطر الخبرالتي تسمى إلاما » وخواطر الشر التي تسمی وسوسة کل منې| محله الروح فاللائكة والشياطين إِذن أرواح تتصل بأرواح الناس فلا يصح أن تمثل الملائكة بالتماثيل الجحثمانية المعروفة لنا لأن هذه لو اتصلت بأرواحنا فإنما تتصل با من طرق أجسامنا ونحن لا نحس بشيء يتصل بأبداننا . لا عند الوسوسة . ولا عند الشعور بداعي الخير من النفس ٠ فإِذن هي من عالم غير عالم الأبدان قطعا » والواجب على المسلم في مثل هذه الآية الإنمان بمضمونها مع التفويض أو الحمل على أنها حكاية تمثيل ثم الإعتبار بها بالنظر في الحكم الي سيقت ها القصة»” . وبعد إيراد هذه الفقرة من كلام الأمام في المنار قال السيد رشيد رضا : «إن إسناد الوسوسة إلى الشياطين معروف في الكتاب والسنة › وأما إسناد الحق والخبر إلى الملائكة فيؤ خذ من خطاب اللائكة لمريم عليها السلام . ومن حديث الشيخين في المحدثين وكون عمر منم والمحدثون بفتح الدال وتشديدها الملهمون - ومن حديث الترمذي والنسائي وابن حبان وهو «إن للشيطان لَة بابن ادم وللملك لة ٠ فأمالة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق , وأما لة الملك فإيعاد بالخير وتصديق باحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ٠ فليحمد الله على (١) المنار - الجزء الأول ص ٦٠۲ ٠ ۷٠۲ - الطبعة الرابعة - ۷۸ ذلك ٠ ومن وجد الآخر فليتعوذ بالله من الشيطان» ثم قرا : «الشِيْطان يعذكم الفقرَ ومركم بالفخشاء € (الآية ٢٢۲ البقرةق” . وكانت هذه خطوة يخطوها الإمام إلى إيضاح رأيه الذي اقتنع به › ثم جاءت الخطوة الثانية في قوله : «وذهب بعض المفسرين مذهبا اخر في فهم معنى الملائكة وهو أن مجموع ما ورد ي الملائكة من کونهم موکلين بالأعمال من إنماء نبات وخلقة حيوان وحفظ إنسان وغبر ذلك فيه إِيماء الى الخاصة با هو أدق من ظاهر العبارة » وهو أن هذا النمو في النبات ل¿ يكن إلا بروح خاص نفخه الله في البذرة فكانت به هذه الحياة النباتية اللخصوصة . وكذلك يقال في الحيوان والإنسان » فكل أمر كلي قائم بنظام محصوص تمت به الحكمة الألحية في إبباده ؛ فإنما قوامه بروح إ لهي سّمى في لسان الشرع ملكا » ومن لم يبال في التسمية بالتوقيف يسمى هذه المعاني القوى الطبيعية إِذا كان لا يعرف من عالم الإمكان إلا ما هو طبيعة أو قوة يظهر أثرها في الطبيعة » والأمر الثابت الذي لا نزاع فيه هو أن في باطن الخلقة أمرا هو مناطها وبه قوامها ونظامها لا يكن لعاقل أن ينكره » وإن أنكر غير المؤمن بالوحي تسميته ملكا وزعم أنه لا دليل على وجود الملائكة أو أنكر بعض المؤمنين بالوحي تسميته قوة طبيعية أو ناموسا طبيعيا لأن هذه الأسماء لم ترد في الشرع » فالحقيقة واحدة والعاقل من لا تحجبه الأسماء عن المسميات ٠ وإن كان المؤمن بالغيب يرى للأرواح وجودا لا يدرك كنهه › والذي لا يؤمن بالغيب يقول لا أعرف الروح ولكن أعرف قوة لا أفهم حقيقتها » فلا يعلم إلا الله عَلامْ يختلف أ(١) المنار - الجزْء الأول ص ۷٠۲ - الطبعة الرابعة ۷۹ ۔. الناس ؟ وكل يقر بوجود شيء غير ما رى ونس » ویعترف بأنه لا يفهمه حق الفهم ولا يصل بعقله إلى إدراك كنهه » وماذا على هذا الذي يزعم أنه لا يؤمن بالغيب وقد اعترف با أجيب عنه لو قال أصدق بغيب أعرف أثره وإن كنت لا أقدره قدره » فيتفق مع المؤمنين بالغيب › ويفهم بذلك ما يرد على لسان صاحب الوحي » ويظی با يحظی به اللؤۇمنون”» . وخلاصة ما ذكره هنا أن المراد بالملائكة هذه القوى الغيبية التي تكمن وراء الكائنات الإنسانية والحيوانية والنباتية . وهي ماتسمى بالأوراح عند المتدينين وفقا لنصوص الوحي ٠ وبالقوى الطبيعية عند غيرهم وهو كا تراه يعزو ذلك إلى بعض المفسرين ولم یحدده » وقد فتشت فيا وصلت إليه يدي من كتب التفسير عن هذا الرأي فلم أجده مُعزوا إلى أحد الإسلامين سواء كان من المفسرين أم من سائر العلماء » وإنما وجدت رأيا قريبا منه معزوا إلى النصارى › واجر إلى فلاسفة اليونان › كا سيأتي إن شاء الله » ولست أدري هل يقصد الأستاذ بالبعض الذي ذكره هؤلاء ؛ أو أنه يريد به نفسه فورى عنما بكلمة بعض المفسرين ؟ ويتضح لن قرا كلامه هذا أنه أراد بهذه المحاولة التقريب بين عقائد الملسلمين وأفكار الماديين الذين ران الباطل على قلوهم فلم تتمكن من إبصار الحقيقة وإدراك الحق » وهيهات أن يِل الحق والباطل » أو ادى والضلال في قرن . ثم ذکر عقب ما تقدم ما یجس به کل احد عندما پہم بامر حق او (١) المرجع السابق ص ۷٠۲ - ٢۲۱ ٠۸ - باطل من تنازع في نفسه بين دواعي الخير ودواعي الشر - وهي خواطره المترددة - إلى أن يترجح أحد الجانبين فيقدم على الفعل أو الترك في الأمرين . وأجاز أن تسمى الخواطر اخيرية باسم الملائكة لأن التسميات لا حجر فيها على الناس . فكيف يحجر على صاحب الاأرادة المطلقة ٠ والسلطان النافذ › والعلم الواسع ؟ وذكر السيد رشيد رضا عقب كلامه هذا أن الامام الغزالي سبق إلى بيان هذا المعنى وعبر عنه بالسبب › وقال إنه سمي ملكا » وذلك أنه بعدما قسم الخواطر إلى محمود ومذموم قال : «ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة ثم أن كل حادث فلا بد له من محدث »٠ ومه) اختلفت الحوادث دل ذلك على اختلاف الأسباب »٠ هذا ما غرف من سنة الله تعالى في ترتيب المسببات على الأسباب ٠ فمها استنارت حيطان البيت بنور النار » وأظلم سقفه بالدخان علمت أن سبب السواد غير سبب الاستنارة » وكذلك لأنوار القلب وظلمته سببان مختلفان » فسبب الخاطر الداعي إلى الخبريسمى ملكا » وسبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطانا » واللطف الذي يتهياً به القلب لقبول إلمام الخير يسمى توفيقا » والذي يتهياً به لقبول الشر يسمى إغواء وخذلانا › فإن المعاني المختلفة تحتاج إلى أسامي غختلفة . والفرق واضح بين كلام الغزالي هذا وكلام الامام محمد عبده › فإن الغزالي لم يزد على أن خواطر الخير تكون بإلام الملائكة فإنهم يتولون بأمر الله إلقاءها في نفس الإنسان . وخواطر الشر من أمر الشيطان ء (١) الملصدر السابق ء ص ٢۲۱ - ۲۱۹ ا۸“ وهذا هو الذي تفيده دلائل القران والسنة › ولا يدل كلامه من قريب ولا بعيد أن خواطر الخير هي نفسها الملائكة . وخواطر الشر هي الشياطين ك يقتضيه كلام الامام محمد عبده . وإن عد كلاميها صاحب المنار من باب واحد . وبعد هذه التوطئة الطويلة من الامام محمد عبده لغرضه المقصود أق ببيت قصيده حيث قال : «فإذا صح الجري على هذا التفسير فلا يُستبعد أن تكون الاشارة في الآية إلى أن الله تعالى لا خلق الأرض ودبرها ما شاء من القوى الروحانية التي بها قوامها ونظامها » وجعل كل صنف من القوى مخصوصا بنوع من أنواع المخلوقات لا يتعداه ولا يتعدى ما دد له من الأثر الذي خص به » خلق بعد ذلك الانسان وأعطاه قوة يكون با مستعدا للتصرف بجميم هذه القوى › وتسخيرها ي عمارة الأرض وعبر عن تسخير هذه القوى له بالسجود الذي يفيد معنى الحضوع والتسخير › وجعله بهذا الاستعداد الذي لا حد له والتصرف الذي لم يعط لغيره » خليفة الله في أرضه › لأنه أكمل الموجودات في هذه الأرض ٠ واستثنى من هذه القوى قوة واحدة عبر عنما بإبليس ٠ وهي القوة التي لزها الله بهذا العام لرا وهي التي تيل بالمستعد للكمال أو بالكامل إلى النقص ٠ وتعارض مبداً الوجود لترده إلى العدم أو تقطع سبيل البقاء » وتعود بالموجود إلى الفناء أو التي تعارض في اتباع احق › وتصد عن عمل الخير وتنازع الإنسان في صرف قواه إلى المنافع والمصالح التي تتم بها خلافته » فيصل إلى مراتب الكمال الوجودي التي خلق ۸۲ -۔ مستعدا للوصول إليها » تلك القوة الي ضللت اثارها قوما فزعموا أن في العام إلا يسمى إله الشر ء وما هي بإله ولكنها محنة إله لا يعلم أسرار حكمته الا هو - قال - ولو أن نفسا مالت إلى قبول هذا التأويل ل تجد في الدين ما يمنعها من ذلك والعمدة على اطمئنان القلب وركون النفس إلى ما أبصرت من الحق») . واذا كان الامام قال هنا بجواز هذا التأويل ورد الأمر فيه إلى اطمئنان القلب وسكون النفس »٠ فإنه تجاوز ذلك إلى القول بوجوبه بعد أن طمُت عليه موجة من الاستنكار من العلماء الذين ل يألفوا مثل هذا التأويل البعيد عن مدلولات ألفاظ القران بحسب وضعها اللغوي والاصطلاحي فأصر على قوله إصرارا ولم يعر عاذليه إلا أذنا صماء » وقد وقف بجانبه تلميذه السيد رشيد رضا الذي بين هدف الامام من هذا التأويل › ومهد لنقل ما رد به الأمام على خصومه بقوله : «إن غرض الأستاذ من هذا التأويل الذي عبر عنه بالايماء وبالاشارة اقناع منكري الملائكة بوجودهم بتعبير مألوف عندهم تقبله عقوم وقد اهتدی به كثيرون وضل به اخرون فأنكروه عليه وزعموا أن جعل الملائكة قوی لا يعقل فرد عليهم كتابة بما نصه بحروفه «ولست أحيط علم ما فعلت العادة والتقاليد في أنفس بعض من يظنون أنهم من المتشددين في الدين إذ ينفرون من هذه المعاني كا ينفر المرضى أو المخرجون من جيد الأطعمة التي لا تضرهم ٠ وقد يتوقف عليها قوام بنيتهم » ويتشبثون بأوهام 4 (١) المرجع السابق ٠ ص ٢٠٦۲ “۸۳ مألوفة لحم تشبث أولئك المرضى والمخدجين بأضر طعام يفسد الأجساد ويزيد السقام لا أعرف ما الذي فهموه من لفظ روح أو ملك ؟ وما الذي يتخيلونه من مفهوم لفظ قوة ؟ أليس الروح في الأدمي مثلا هذا الذي يظهر لنا في أفراد هذا النوع » بالعقل والحس »› والوجدان والارادة والعمل ٠ وإذا سُلبوه سُلبوا ما يسمى بالحياة ؟ أو ليست القوة هي ما تصدر عنه الآثار فيمن وهبت له ٠ فإذا سمي الروح لظهور أثره قوة › أو سميت القوة لخفاء حقيقتها روحا » فهل يضر ذلك بالدين أو ينقص معتقده شيئا من اليقين ؟» . «ألا لا يسمى الإمان إِيمانا حتى يكون إذعانا » ولا يكون كذلك حتى يستسلم الوجدان وتخشم الأركان لذلك السلطان الذي تعلق به الإيمان . ولا يكون كذلك ٠ حتى يلقي الوهم سلاحه › ويبلغ العقل فلاحه » وهل يستكمل ذلك لن لا يفهم ما يکنه فهمه › ولا يعلم ما يتيسر له علمه ؟ كلا إنما يعرف الحق أهله ولا يضل سبله ٠ ولا يعرف اهل الغفلة لو أن مسكينا من عبدة الألفاظ من أشدهم ذكاء وأذربهم لسانا أخذ با قيل له إن الملائكة أجسام نورانية قابلة للتشكل ٠ ثم تطلع عقله إلى أن يفهم معنى نورانية الأجسام › وهل النور وحده له قوام يكون به شخصا ممتازا بدون أن يقوم بجرم اخر كثيف »٠ ثم ينعكس عنه كذبالة الملصباح أو سلك الكهرباء ؟ ومعنى قابلية التشكل وهل يمكن للشيء الواحد أن يتقلب في أشكال من الصور مختلفة حسبا يريد » وكيف يكون ذلك ؟ ألا يقع في حيرة » ولو سئل عا يعتقده من ذلك ألا يحدث في۰ ٤۸ -۔ لسانه من العقد ما لا يستطيم حله ؟ أليس مثل هذه الحيرة يعد شكا ؟ نعم ليست هذه الحيرة حيرة من وقف دون أبواب الغيب يطرف لا لا يستطيم النظر إليه » لكنها حيرة من أخذ بقول لا يفهمه . وكلف نفسه علم ما لا تعلمه 9 فلا يعد مثله ممن أمن بالملائكة إِيمانا صحيحا واطمأنت بإيمانه نفسه › وأذعن له قلبه » ولم يبق لوهمه سلاح ينازع به عقله كا هو شأن صاحب الان الصحيح» . «فليرجع هؤلاء إلى أنفسهم ليعلموا أن الذي وقر فيها تقاليد حُفُت بالمخاوف لا علوم ححفت بالسكينة والطمأنينة . هؤلاء لم يشرق في نفوسهم ذلك السر الذي يعبر عنه بالنور اللي ٠ والضياء الملكوتي ٠ واللألاء القدسي › أو ما يماثل ذلك من العبارات › لم يسبق لنفوسهم عهد بملاحظة جانب الحق ٠ ولم تكتحل أعين بصائرهم بنظرة إلى مطلع الوجود منه على الخلق » ولو علموا أن العالم بأسره فان في نفسه ٠ وأن ليس في الكون باق كان أو يكون إلا وجهه الكريم ٠ وأن ما كلف من الكون وما لطف وما ظهر منه وما بطن إنما هو فيض من جوده » ونسبة إلى وجوده » وليس الشريف منه إلا ما أعلى بذكره متزلته » ولا الخسيس إلا ما بين لنا بالنظر إلى الأول نسبته . فإن كل مظهر من مظاهر الوجود في نفسه واقع موقعه ليس شيء أعلى ولا أحط منه . فإن كان كذلك - ولا بد أن يكون كما قدره - لو عرفوا ذلك كله لأطلقوا لأنفسهم أن تجول في تلك الشؤون حتى تصل الى مستقر الطمأنينة حيث لا ينازع العقل شيء من وساوس الوهم ٠ ولا تجد طائفا من اخغوف ٠ ثم لا يتحرجون من إطلاق لفظ مكان لفظ» . «هذه القوى التي نرى اثارها في كل شيء يقم تحت حواسنا وقد خفيت حقائقها عنا » ولم يصل أدق الباحثين في بحثه عنبا إلا إلى اثار تجل إذا كشفت › وتقل بل تضمحل إذ حُجبت ٠ وهي التي يدور عليها كمال الوجود » ويها ينشاً الناشىء ٠ وبها ينتهي إلى غايته الكامل 4 کالا فى على نبية ولا خامل أليست أشعة من ضياء ال حق ؟ أليست أجل مظهر من مظاهر سلطانه ؟ ألا تعد بنفسها من عَالم الغيب وإن كانت اثارها من عالم الشهادة ؟ ألا يجوز أن يشعر الشاعر متها بضرب من الحياة والاختيار خاص با لا ندرك کنهه لاحتجابه با نتصوره من حیاتنا واختیارنا ؟ الا تراها توافي بأسرارها من ينظر في اثارها ويوفيها حق النظر في نظامها ؟ يستكثر من الخبر با يقف عليه من شؤ ونما ومعرفة الطريق إلى استدرار منافعها ؟» . «أليس الوجود الاي الأعلى من عالمٌ الغيب واثاره في خلقه من عام الشهادة ؟ أليس هو الذي وهب تلك القوى خواصها وقدر لما اثارها ؟ 1 لا تقول أيها الغافل إنه بذلك وهبها حياتها الخاصة بها ولم قصرت معنى الحياة على ما تراه فيك وفي حيوان مثلك ؟ مع انك لو سثلت عن الذي تزعم أنك فهمته وسميته حياة م تستطع له تعريفا ولا لفعله تصريفا ؟ م لا تقول كما قال الله وبه نقول : ْلَه السْمَاوات السب والأرض ومن فيهنَ وان من شي إل سبح بحَمده ولکن ل تفْقَهُون تسيِيْحهُم € ؟ (الإسراء : 44) . «أفلا تزعم أن لله ملائكة في الأرض وملائكة في السياء ؟ هل عرفت أين تسكن ملائكة الأرض ؟ وهل حددت أمكنتها ورسمت مساکنہا ؟ وهل عرفت أين يجلس من يکون منہم عن مينك ومن یکون عن يسارك ؟ هل ترى أجسامهم النورانية تضيء لك في الظلام أو تؤنسك إذا هجمت عليك الأوهام ؟ فلو ركنت إلى أنها قوى أو أرواح منبثة فيا حولك أوما بين يديك وما خلفك »٠ وأن الله ذكرها لك با كان يعرفها سلفك »› وبالعبارة التي تلقفتها عنم كي لا يوحشك با يدهشك وترك لك النظر فيم تطمئن إليه نفسك من وجوه تعرفها › أفلا يكون ذلك أروح لنفسك وأدعى إلى طمأنينة عقلك ؟ أفلا تكون قد أبصرت شیئا من وراء حجاب ووقفت على سر من أسرار الكتاب فن لم تجد في نفسك استعدادا لقبول أشعة هذه الحقائق وكنت ممن يؤمن بالغيب ويفوض في إدراك الحقيقة ويقول : «لآمنا به كل مِنْ عند رَبْناچ (آل عمران : ۷) فلا ترم طلاب العرفان بالريب ما داموا يصدقون بالکتاب الذي امنت به ويؤمنون بالرسول الذي صدقت برسالته وهم في إيمانهم أعلى منك كعبا وأرضى منك بربهم نفسا » ألا إن مؤمنا لو مالت نفسه إلى فهم ما أنزل إليه من ربه على النحو الذي يطمئن إليه قلبه كما قلنا كان من دينه في ثقة ومن فضل ربه في سعة) . هذا ما قاله الإأمام في هذا الموضوع ٠ وأقره وتابعه عليه السيد رشید رضا » ویتلخص راا فيا يلي : )۱( المرجع السابق ج٠ ۰ص اق - ۸V ١) عدم التفرقة بين الملائكة والأرواح الي هي قوام أجساد الأحياء . ۲) تفسير الملائكة والأرواح بالقوى الطبعية الكامنة وراء العالم البشري وغيره من المخلوقات . ۳) تفسير إبليس والشياطين بقوى الشر الكامنة وراء هذه المخلوقات الي تدفم بالإنسان الى ما فيه ضرر نفسه وجنسه ومصيبة مجتمعه وأمته . وقد جاء رد الامام على خصومه في هذه المسألة مليئا بعبارات التشنيم عليهم والاستخفاف بهم » خاليا من الحجج التي يكن أن يعول عليها في اثبات أمر أو نفيه بل كان وحيا من عاطفته الحياشة الثائرة بعيدا عم يجب أن يكون عليه البحث الموضوعي » وقد حشر فيه ما لا صلة له با يتحدث عنه . وسفه رأي من قال ٳِن الملائكة أجسام نورانية قابلة للتشكل وعده من دواعي الحيرة والشك في العقيدة لعدم استيعاب الأفهام لذا المنطق ٠ ووافقه السيد رشيد رضا في تعليق له على كلامه بي حاشية المنار ونصه : «هذا هو التعريف المشهور ي كتب الكلام وغيرها وأول ما يعترض به عليه أنه لا يصح فيه معنى الجسم في اللغة . ولكنه صار مألوفا وإن لم يكن مفهوما»( . هذا وإذا كنت قد أعجبت بكثير من آراء هذين الإمامين في تفسي رهما لكتاب الله كا تجدون ذلك واضحا في هذا التفسير فإن ذلك لا يمنعني من التنبيه على خطئه) عندما يحيدان عن الصراط السوي في الرآي » وما من أحد إلا وفي كلامه ما هو مقبول وما هو مردود إلا اللعصوم عليه أفضل الصلاة والسلام . وبناء على هذا فإنني أقول : (١) المنار - الجزء الأول ص ٠۲۷ الطبعة الرابعة ۸۸ -۔ الملائكة والشياطين من عالم الغيب لا ريب أن الملائكة والشياطين من عالم الغيب الذي لا يمكن أن نفسره وفق المقاييس التي نعتمد عليها في فهم عالنا المشهود › وإنما يجب استنادنا في اكتناه حقائقه على ما نفهمه من كتاب الله » وما ثبت عندنا من حديث رسوله يل إذ ليس لنا أي اتصال بالغيب إلا من طريقها › وإذا استقرينا نصوص الكتاب والسنة نجد أن هذا التفسير الذي قاله الإمام واعتمده تلميذه صاحب النار ليس من الصحة في شيء بل هو بعيد من الصحة بعد تخوم الأرض عن الأفلاك المتناهية في العلو › فالله عز وجل يخبرنا عن الملائكة بقوله : لإجاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاءې (فاطر : ١) » وقوله : بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ٠ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلالن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالينكه (الآنبياء : ٢۲- ۲۹) ء. فإن هذه الأوصاف بحسب مقتضيات اللغة العربية - لا تكون إلا لأولي ذوات مستقلة . وهو يتناف مع تفسيرهم بالطاقات الطبعية . فإنه من المعلوم أن الطاقة الطبعية لا توصف بأنها عاقلة » وكل من لفظتي «أولى» و«عباد» لا تطلق إلا على جنس العقلاء فضلا عن إطلاقي| على الحقائق المعنوية وحدها كالقوى الطبعية . ومثل ذلك وصف العباد بالصيغة الدالة على جمع العقلاء في v۸ قوله لا يسېقونە» › ول إيعملون» › ولإبين أيديهم وما خلفهم ٠ ولا يشفعون» › وهم › ولإمشىفقون» › وەإمنهم» ٠ ويقول تعالى : #واللائكة باسطوا أيديهم؟ (الأنعام : ۹۳) وهو دال على استقلال ذواتهم كما قلت ٠ ويقول في زبانية النار- والعياذ بالله - #عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون» (التحريم : ٦) » وصيغة أوصافهم في هذه الآية دالة أيضا على أنهم من العقلاء كا سبق ٠ ويقول في جبريل عليه السلام : #إعلمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدف فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما یری ولقد راه نزلة أخرى» (النجم : ١-۱۳) » فبالله عليكم هل تنطبق هذه الأوصاف على القوى الطبعية ؟ ويقول فيه أيضا : إرسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مکین مطاع ثم أمینڳ (التکویر : ٢۲ - ٢٢( . ومثل ذلك ثبت في سنة الرسول يِل المتواترة معنى »٠ فد أخرج الإمام الربيع والشيخان عن مسروق أنه سال ام اللؤمنين عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى : إولقد راه بالأفق المبين ٠ وقوله : للإولقد راه نزلة أخرى» ٠ فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله ية فقال : «إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين » رأيته منهبطا من السياء سادا عظيم خلقه ما بين السياء والأرض» ». وثبت عند الشيخين أن جبريل جاء إلى رسول الله يل ۹ وأصحابه حضور بين يديه في صورة رجل حسن الوجه والثیاب طیب الرائحة وأخذ يسأله عن أركان الإيمان ›. وروى الربيع والشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : سأل الحارث ابن هشام رسول الله يي : كيف يأتيك الوحي يا رسول الله ؟ قال : «أحيانا يأتيني مثل صلصلة ال حرس وهو أشده عل فيفصم عني وقد وعيت ما قال ٠ وأحیانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» . ففي هذه الأحاديث الثابتة الصحيحة وأمثالا ما يكفي العاقل حجة على استقلال ذوات الملائكة وعدم كونهم قوى متلبسة بسائر الذوات › وهي صريحة في تشکلهم متی أرادوا › فالنبي َل يدل قوله : «لم أره على صورته التي خلق عليها غبرهاتين المرتين . . إلى آخره» على أنه صلوات الله وسلامه عليه كان يرى جبريل عليه السلام في سائر المرار في صورة أخری يتمثل ا لتقوى نفس النبي يَيٍ على إبصارها . وهو الذي صرح به حديڻا الإيمان والوحي ٠ بل صرح القران بتمثل جبريل في صورة إنسان في قوله تعا ی حاکیا قصة مریم : ءإذ أرسلنا إليها روحنا فتمثل ا بشرا سويا (مريم : ۱۷) » أما كونهم أجساما نورانية فیمکن أن يُستدل له بحدیٹ عائشة رضي الله تعا ى عنها عند مسلم أن الملائكة مخلوقون من نور » ومثل ذلك مثل خلق إبليس والجان من نار امتصوص عليه في قوله تعالى حاكيا عن إبليس : #خلقتني من نار وخلقته من طين» (ص : ٦۷)٠ وقوله : والجحان خلقناه من قبل من نار السموم» (الحجر : ۲۷) ٠ وقوله : #وخلق الحان من مارج من نار (الرحمن : ١٠) ٠ والنور ۹۱ ۔ والنار مشتركان في عالنا الأرضي المحسوس في كون| لا يقوم أحدهما بنفسه 5 وإنما يتوقف وجودهما على وجود جرم اخر كثیف یتلبسان به » غير أن الله عز وجل الذي جعلها في هذا العالم بهذه الصفة قادر على جعلها في ما وراء العام المحسوس بصفة أخرى › وعلينا آن نؤمن با أخبر به أو أخبر به رسوله الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام . ولا يلزم من تفسير جمهور الأمة للملائكة أن نعرف أين مساكن ملائكة الأرض وتحديد أمكنتها . وبيان موقع من يكون منم عن اليمين » ومن يكون عن اليسار » ورؤ ية أجسامهم النورانية تضيء في الظلام كى قال الإمام محمد عبده » فإننا مع تسليمنا بجا جاء به الوحي نعترف بالعجز عا طوى الله علمه عنا . ونعلم أن طبيعة اتصال الملائكة بنا تختلف عن طبيعة اتصال بعضنا ببعض »٠ وإذا كان الله عز وجل ميز بائم بعض الموجودات في عالنا عن بعض أفلا يكون ما أوجده وراء هذا العالم أجدر بأن تتميز طبيعته » وأن تختلف أحواله » فتحن هنا على ظهر الكرة الأرضية نسبح في خضم من المواء يحيط بنا من أعلانا » وأمامنا › وخلفنا › وعن أنيماننا . وعن شمائلنا . غير أننا لا نشعر بملامسته لأجسادنا مع كونه جس لطيفا » وإنما نحسن به في سرعة جرینا » وفي حالة اضطرابه » هذا مع العلم بأن المواء هم عنصر مادي في قوام أحسادنا › ولا يمكننا الاستغناء عنه لحظة واحدة . واذا كنا نسلم أن للشياطين تأثيرا على البشر في الإغواء والاضلال ولا يحس أحد بحرارة أجسامهم مع خلقهم من نار » ونما يجس باثار ۹۲ -۔ وحيهم عندما تيل نفسه إلى جانب الشر وتنزع إلى الباطل والفساد ٠ فما المانع من أن يكون اتصال الملائكة بالبشر لا تحس معه طبائعهم الخلقية على أننا نقول : إن تأثير كلا النوعين على الناس هو تأثير روحاني با أودع الله فيها من قوى لا يمكننا تصورها » واذا كان البشر مع كونهم أجساما كثيفة يمكن لبعضهم أن يؤثر على بعض تأثيرا نفسيا بما يسمى التنويم المنغاطيسي حتى بمجرد حديث في الماتف »٠ ف بالك بالملائكة والشياطين مع ما اختصوا به من قدرات ل تعط للإنسان . . وان تعجب فاعجب للسيد رشيد رضا إذ قال - ني تعليق له على المنار بعد إيراده انتقاد الامام لتعريف الملائكة بأخهم أجسام نورانية قابلة للتشكل ما نصه : «هذا هو التعريف المشهور في كتب الكلام ٠ وأول ما يعترض به عليه أنه لا يصح فيه معنى ال حسم في اللغة 6 ولكنه صار مألوفا وإن لم يکن مفهوما» () % إذ تجده يستنكر هذا التعريف للملائكة ويقول بعدم صحته لغة بين تجده في تعليقه على كتاب «الوحي المحمدي» يثبت خرافة لا يصدقها العقل السليم ولا يقرها النقل الصحيح إذ قال ما نصه : «قال بعض من شاهد في فرنسا روح امرأة تجسدت : انها ظهرت أولا بشکل بخار أو ضباب ٤ ثم تكاثف فكانت جسدا تام الجمال في ثوب أبيض فسأا أن تعطيه قطعة من وبا فسمحت له » فقصها فلم تلبث أن تكون مثلها في موضعها . ثم عرضها على معارض النسج في باريس وسأهم هل يوجد مثل هذا النسيج المهلهل ؟ قالوا «لا» ولكن يمكن إيجاده إذا طلب») . فانظر كيف أثبت تطور الروح ما هي عليه إلى بخار أو ضباب حتی (١) تفسير المنار ج١ ٠ ص٠١۲۷ . الطبعة الرابعة (۲) الوحي المحمدي - الجزء الأول ص ۷١٠ - الطبعة الرابعة ۹۳ صارت جس تام الجحمال . . . الخ ما ذكره ‏ فبالله عليكم هل صاحبة الروح كانت حية أو ميتة ؟ فإِن كانت حية فكيف يكن انفصال روحها عن جسدها مع استمرار حیاتها ؟ وإن كانت ميتة فان لحد سلطان على الروح وهي من أمر ربي ؟ وقد قال تعالى : الله يتوف الأنفُس حين وجا والتي لمعت في مََاِهَا يسك الي قَضّى لها اموت وَيرْسِل الاخرّى إلى أجل مُسمّىه (الزمر : 7٤) » فكيف يمكن لأحد أن يسترد ما أمسكه الله ؟ ويقول سبحانه : لإوكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منم من أحد أو تسمع غم رکزاڳه (مريم : ۹۸) ٠ ولم يقف السيد رشيد رضا عند هذا الحد بل أتبم هذه الخرافة الأوروبية بخرافة صوفية تحسب على الإسلام خصوصا عندما يقرها مثله ي کتابه فقد قال عقب ما تقدم : «وهذا مثل ما يحكيه صوفيتنا عن الذين يتجردون من أجسادهم تارة ويتشكلون كاين عري ومنهم قضيبٌ البان الذي لب مرة فوجد مالئا للبيت الذي كان فيه حتى يتعذر خروجه بجسده ذاك ٠ ثم صغر فخرج »٠ ومن لم يصدق هذا من علماء الكيمياء لأنه لم يشاهد مثله لا ینکر إمكانه»( . فانظر أليس ما نسبه إلى قضيب البان من هذا التحول هو التشكل الذي استبعده من الملائكة ؟ فكيف يثبت لإانسان خلق مطبوعا بان البشرية ما ينفيه عن الملائكة الذين أوتوا من القوى الغيبية ما م يؤته أحد سواهم ؟ ونجده في الوحي المحمدي يصرح بثبوت التشكل للمؤمنين في الدار الآخرة إذ يقول : «ويؤ خذ ما ورد في الآيات والأحاديث النبوية من (١) الوحي المحمدي . ص ١١٠ , ١١٠ - الطبعة الرابعة ٤۹ صفة حياة الآخرة أن القوى الروحية تكون هي الغالبة والمتصرفة في الأجساد فتكون قادرة على التشكل بالصور اللطيفة وقطع المسافات البعيدة في المدة القريبةء والتخاطب بالكلام بين أهل الجنة وأهل النار»( . وأغرب من هذا كله أن يستسيغ السيد رشيد رضا مثل هذا التأويل في الملائكة والشياطين مع إصراره في تفسير الآيات المتشابمات على إجرائها بحسب ظاهرها تمسكا بمذهب السلف - حسبا يقول - مع أن ذلك يؤدي قطعا إلى تشبيه الله بمخلوقاته كما يؤدي إلى إقرار التناقض في القران وهو. ما لا يصح عقلا ولا نقلا . وتأويل المتشابمات بحملها على ما تقتضيه القرائن من المعاني للقصودة بها هو الذي يتفق مع سنن الكلام العربي الذي يدل على المقصود تارة بطريق الحقيقة وأخرى بطريق اللجاز وهو ضروري لأبعاد تهمة التناقض عن كلام الله » كا ستبينه إن شاء الله في موضعه . هذا وكا لا يصح تفسير الملائكة با ذكره الإمام من أنهم القوى الخيرية وراء هذه الكائنات يتعذر أيضا ما قاله من تفسبر إبليس أو الشيطان بالقوة التي تأبت على الإنسان وهي القوة التي لزها الله بهذا العام لزا » وهي التي تيل بالمستعد للكمال أو بالكامل إلى النقص - الخ . فإن ذلك منافٍ لا ذكره الله من صفات إبليس والشياطين في کتابه وما جاء من ذلك في حديث رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ٠ وكفى با ذكره الله في قصة آدم من شأن إبليس وتأبيه عن السجود لآدم ٠ (١) الوحي المحمدي ص ۷١٠ ., الطبعة الرايعة ٥۹ = وما كان بينه وبين الله من مقاولة شاهدا على بطلان هذا التأويل › وقد ذكر الله أن إبلیس من جنس الجن کہا ذکر أن الجن جنس قسیم جنس الإنس » وأنهم متعبّدون كا تعبد الإنس » وذلك في قوله تعالى : «إوما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونڳ (الذاريات : 5٥) › وقوله : لإوكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والحنكه (الأنعام ۲٢)» وقوله : «قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والانس في النارڳ (الأعراف : ۳۸) ٠ وقال في سليمان الذي سخر له الجن كا سخر له الإنس : للإوخحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون4 (النمل : ١۱1) › وحكى ما أجابه به عفريت من الجن في قصة عرش بلقيس إذ قال : قال عفريت من الحن أنا اتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين (النمل : ۳۹) » وذكر تسخير الشياطين لسليمان وما كانوا يعملونه له في قوله : ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا شم حافظين € (الأنبياء ۸7) › وقوله : لإوالشياطين كل بناء وغواص واخرين مقرنين في الأصفاد» (ص : ۳۷) » وقال فيهم : ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ متهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كال حواب وقدور راسیات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور . فلم قضينا عليه اموت ما دشم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلا خر تبينت الحن أن لو انوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهينڳ (سباً : ١٠۱ - ٤۱)٠ وقد م نص الله عز وجل على أن للشيطان ذرية في قوله : «أفتتخذونه وذريته أولياء من دونيڳ (الكهف : ٠٥) ٠ وقد نصت الأحاديث على تناسل الشياطين كا نصت على أكلهم ومنه ما جاء في الصحيح عنه يِل أنه قال : «ليأكل أحدكم بيمينه وليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» . وإني أرى.ان فتح هذا الباب في التأويل يوسع المجال لأصحاب الآهواء والأغراض بأن يتلاعبوا بكتاب الله كا علي عليه أهواؤهم › حتى يتسع الخرق على الراقع فيفقد بذلك القران ما اختصه الله به من هدى حيث تحجبه تأويلات الزنادقة وأقاويل المبتدعة إذ لا يبالون بلي أعناق الآيات حتى تتفق مع المفاهيم التي يمدفون إليها » وماذا ينع مع فتح هذا الباب - من أن يقول قائل : إن المراد بنعيم الحنة ما يخوله الإنسان في هذه الدنيا من خيراتها » وأن المراد بعقاب النار ما يكابده من عنتها وبلائها . وبالجملة فإن تأويل اللائكة والشياطين بما ذكره الإمام محمد عبده من أبعد التأويلات عن مدلولات القران » بل هو مزيج من أقوال محكية عن طوائف من التصاری » وعن حکماء الیونان » فقد حکی الفخر والألوسي في تفسيريما عن طوائف من النتصارى قوم : إن الملائكة هي الأنفس الناطقة المفارقة لأبدانها الصافية الخيرة ء وإن الشياطين هي الأنفس الخبيثة » كا نسبا إلى الفلاسفة قولحم : إنها - ۹۷ جواهر حردة مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة(2 . وحكى القطب ثي الحيميان كلا القولين وشنم على من قال بقول النتصاری حيث قال : «ومن اعتقد هذا حكمنا بإشراکه لقيام الأدلة القاطعة على أن الملائكة ليسوا كذلك ‏ إلى أن قال فإذا قلنا إن الملائكة أرواح الوق الفضلاء لزم أن یکونوا من بني ادم وأيضا قامت الأدلة أن الملائكة » تبعث على حدة › فيلزم منه أن یکونوا بنوا ادم مبعوثین بلا روح آخر او غير مبعوثين ۽ أو مبعوثين بأرواح غير ما كان فيهم ي الحياة الدنيا . وذلك كله شرك لأنه انكار للبعث الموصوف شرعا بأنه بأرواح وحياة وأنه لا يترك منه شيء مما كان فيه في الدنيا فكيف يبعثون بدون الروح الي كانت فيهم») . وقد يدهش الانسان من صدور هذا التأويل عن مثل هذين العالين الحليلين اللذين طالا حملا لواء الدفاع عن الإأسلام غر أن هذه الدهشة قد تتضاءل شيئا ما عندما يتصور الظروف الحرجة التي عايشاها . وقد سبق أن أشرت في مقدمة التفسير إلى شيء من ذلك ٠ ولأجل المناسبة أرى أن أوضح قليلا هنا ما أشرت إليه هناك . من المعلوم أن الإمام محمد عبده كان هو الربان الذي يقود سفينة للدرسة الإصلاحية في مصر بعدما تولى إنشاءها السيد جمال الدين الأفغاني إيان زيارته ‏ مصر في الربم الأخيرمن القرن الثالث عشر ال حجري وقد سلم زمامها بعد أن أتم إنشاءها إلى تلميذه الكبير العملاق الأمام محمد عبده ٤ فکان يجري ہا بین تیارین متعاکسین کل منا لا يقل خطورة على الدين الحنيف ؛ ويتمثل التيار الأول في مشائخ (١) مفاتيح الغيب ج۲ ص ١٠٠ - الطبعة الثانية ؛ «روح المعاتيء ج١ ص ۸٠۲ - ۹٠۲ دار احياء التراث العربي (۲) هيميان الزاد ج٠ ص ١١٤ -وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان - الطبعة الثانية - ۹۸ الدين الدجالين الذين ما كانوا يعرفون من الدين إلا قشورا سخيفة تنطوي تحتها على ما الدين براء منه من الخرافات والأوهام والضلالات الي ما أنزل الله با من سلطان ٠ وكانوا يلقون التأييد الكاسح من الجمهور الساذج الذي لا يعرف معنى للدين إلا أنه العادات الموروثة والتقاليد المألوفة ويتمثل التيار الثاني في الثقافة الأوروبية التي وفد بها طائفة من الشباب الذين نہلوا من معارف أوروبا وهم خلو من تعالیم الأسلام فعادوا إلى بلادهم وهم ينظرون إلى الدين نظرة أساتذتهم الغربيين إليه . وهي أنه الحاجز الوحيد دون تقدم الأمم ورقي الشعوب ٠ ويتصورونه مزيجا من التناقضات والأوهام التي يأباها العقل ويرفضها العلم ٠ وقد رسخ في عقوم هذه النظرة ما كانوا يسمعونه ويشاهدونه من أدعياء الدين الذين يلقبون شيوخه فكانوا يتطلعون بكل فة وشوق إلى اليوم الذي يقم فيه الدين الاسلامي تحت مطارق العلم الحديث والفكر الحر حتى يعود هباء منبثا كما سبق أن حل ذلك بالعقيدة النصرانية في الغرب إذ لم تلبث حتى ذابت تحت وهج العلم . وكان رجال الإصلاح يعانون من هؤلاء ومن هؤلاء » ولسان حالم يقول : «وحسبي من أمرين أحلاهما مر » وقد أخذوا على عاتقهم مسؤ ولية الدفاع عن الدين الإسلامي ودفم التهم التي يوجهها إليه الحاقدون والملغرضون ٠ وإعادة الثقة به في نفوس أبنائه » كا أخذوا على عاتقهم مسؤ ولية تنقيته مما يشوبه من بدع المحرفين » وضلالات الدجالين › وخرافات المشعوذين ٠ ونظرا إلى استنكار الماديين للقضايا الغيبية ء - ۹۹ ومسارعتهم إلى :التكذيب بالدين بسببها › إذ لم تكن تستسيغها عقوم القاصرة على الفكر المادي ؛ كان القائمون بالإصلاح يواجهونهم في تفسير هذه القضايا با لا يصطدم مع الفاهيم التي ألفوها ء ولربما انزلقت أقدامهم في مثل هذه المسالك الصعبة كى تجده في تفسير قصة ادم هنا ء ومن ناحية أخرى فإن أولئك المحسوبين على الدين الملقبين بمشائخه كانوا يتوجسون خيفة من الإصلاح وانتشاره في أوساط الناس ٠ وكانوا يرشقون رجاله بمختلف التهم من بينها : الكفر اللخرج عن اللة - ليثيروا عليهم الدهماء » ويقطعوا عليهم السبل فكانت نتيجة ذلك هذه الردة الفعلية التي تلمسها في رد الإمام عليهم في هذه المسألة . الذي تراه مصطبغا بصبغة انفعاله الشديد » وملتهبا بنار عاطفته المتوقدة بين جنبيه ٠ ولو أن الطرفين اتفقا على البحث النزيه في المسألة والحوار الجادىء الحادف لم يصل الأمر ‏ حسب رأيي - إلى ما وصل إليه . ولست أستبعد أن يكون من دوافع الأستاذ الإمام إلى ما ذكرته عنه وما سوف أذکره إن شاء الله من التأويل البعيدالقصة ادم تفاديه للاصطدام مع النظرية الداروينية اللسماه بالنشوء والارتقاء والقي شاعت في أوساط الناس أن ذاك حتى تلقفوها بالقبول فكانت من اللسلمات عندهم › ويقرب ذلك أن تلميذه السيد محمد فريد وجدي عندما أورد هذه النظرية في كتابه «دائرة معارف القرن العشرين» ذكر أنها إن ثبتت لا يتعذر التوفيق بينها وبين ما في القرآن » ولعمري إن ١٠١۱ - محاولة التوفيق بين هذا الحراء الباطل الذي أقى به الدجال اليهودي داروين وبين احق الذي أنزله الله كمحاولة التوفيق بين الظلام والضياء » والجهل والعلم ٠ والإفك والصدق . وقد ثبت والحمد لله بطلان ما ادعاه داروين علميا بوسائل الحفريات وغيرها . وثبت احق الذي أنزله الله عند خصومه الألداء الذين أصروا على محاربته » وبذلوا جهدهم للأطفاء نوره » وقد اعترف الداروينيون أنفسهم أن هذه النظرية من أساسها ل تقم على العلم ٠ وأنها لا احتمال لا من الصحة إلا بمقدار الواحد في المليار » كا نقلت ذلك نصا عتمم مع إبطال زعمهم من كل وجه السيدة العالة منيرة علي الغاياقي . في كتابها الذي سمته «النشوء والارتقاء» . ا١١ - لوقلا يا آدم اسْكْنْ أت وَرَوْجُك الحنة وكلا منها رغداً حَيثُ شئتما ولا تَقَرّبَا حُذه الشجرة فَتَكُونًا من الظَالين رالآية ٢۳ - البقرة) . ا هذه مرحلة من المراحل التي مر با أبو البشر صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه قبل أن يتم استخلافه في الأرض وينوء بأثقاله › ويتعود على تكاليفه . وقد أراد الله بإمراره في هذه المرحلة أن يعده بتربيته على الأمر والنبي وتعويده على البلاء والصبر للتكيف حسب مقتضيات هذا الاستخلاف ٠ فمن المعلوم أن توطين النفس على التكاليف مما يقوي صبرها على تحملها . ومن لطف الله به أنه لم يلقها على ظهره دفعة واحدة » بل درجه فيها لیبتليه » ویعرفه بضعفه ٠ ولیقر في نفسه أنه لا ملجاً له من مكائد الشيطان ووساوسه إلا إلى الله تعالى وحده » حتى يكون أسوة لذريته في ذلك . ويتمثل ذلك كله في إسكان الله إياء الحنة . وإذاقته نعيمها › وإباحة متعها له . ما عدا شيئا واحدا وهو شجرة حجر الله عليه الأكل منبا سواء كانت هذه الشجرة فردا من الأشجار معينا أو جنسا من أجناسها تدخل ضمنه أفراد شتى ٠ وقد تبدو هذه المحنة هينة عند من لا يعلم طبيعة الإنسان ولا يحيط بمكائد الشيطان ولكنها في حقيقتها محنة صعبة ٠ فإن النفس البشرية خلقت ميالة الى ما حجر عليها . ومتطلعة ۳١۱ - إلى ما خفي عنها » وللشيطان وسائل إليها وقد عقد العزم على إضلاها فكان في حجر الأكل على ادم وزوجه من هذه الشجرة اختبار لإارادته وتعريت له بعجزه › ومن ناحية أخرى فإن السلب بعد الوهب من أتعب ما يعانيه الإنسان › فلا غرو إذ اعيل صبر ادم على محنة الحرمان من هذا النعيم الذي كان يتفياً ظلاله ويتقلب على لطفه الوثير » وضاق ذرعه من وحشة الإبعاد بعد أنس التقريب › ولم يكن قذفه بهذ اللصائب إلا لتمام إعداده للمهمة التي نيطت به › فإنه خلق لحياة الأرض الق يجد فيها العطاء والحرمان › والآأنس والوحشة › والخير والشر » حتى بجبتازها بسلام فينقلب إلى ما أعد له من النعيم الدائم جزاء عمله وصبره » وجهاده وکفاحه » فکان في كل ما مر به تربية نفسية له ولذريته الذين سينوؤ ن با ناء به من التكاليف ٠ وسيتحملون ما تحمله من مشاق حتی یعبروا طریق هذہ الحیاة » وینقلب کل منہم الى حياة أخرى يجني فيها ما غرس »٠ ويحصد ما زرع خیرا کان أو شرا . وقد يقول قائل : إن ادم عليه السلام فشل في هذا الامتحان لأن الشيطان بلغ منه قصده › فقد تمكن من إنسائه عهد الله . وقدر على التأثير عليه حتى ارتكب ما نبي عنه . والجحواب أن هذا لا يعد فشلا مع تدارك الأمر بالتوبة والانقلاب من الغفلة والغي والمعصية إلى أضدادها من الذكر والرشد والطاعة ٠ وقد أراد الله لآدم أن يكون إمام التائبين من ذريته فإنهم جميعا خطاؤ ون وخير الخطائين التوابون » ولم في أبيهم ادم الذي ثاب إليه رشده ۔ ٤١ - فتعجل التوبة إلى الله -:أسوة حسنة » أما الذي يلد إلى هواه ويصر على غيه ويركب رأسه في عناده لله فله في الشيطان - الذي أصر واستكبر استكبارا _ أسوة سيئة . وقد نادى الله ادم باسمه العلم إيناسا وتكريما له وإشعارا بمنزلته في ذلك العالم العلوي ٠ والكلام معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة كما تقدم . وقيل هو من باب عطف الجحملة على الجملة › والمعطوف عليه جملة «لإوإذ قلنا للملائكة (الآية ٢٤۳ - البقرة) © والتزم أصحاب هذا القول أن قبل الحملة المعطوفة «إذ» محذوفة لدلالة السياق عليها وهو ضعيف جدا لأن حذف ما ينبغي أن يثبت من القران لايتفق مع مايتميز به من علو البلاغة وسمو الفصاحة › وذهب بعضهم إلى أن المعطوف عليه «قلنا» السابقة . واعترض بعدم اتحاد زمن القولين مع استلزام هذا الرأي أن يكون القول الثاني مظروفا ل «إِذْ» كالذي قبله ؛ وأجيب بأن «إذ» ليس مدلوفا زمنا قصيرا بحسب ما يسع القول الأول فحسب بل هو زمن ممتد فيدخل في مظروفها القولان جيعا » وبناء على هذا الرأي ففي الكلام تذكير للبشر بإحدى. النعم الكبرى التي من الله بها عليهم بإضفائها على سلفهم وهو ادم عليه السلام الذي بوأه دار كرامته وأباح له صنوف النعم المتوفرة فيها . وتصدير الكلام بالنداء دال على أهمية ما سيليه مع دلالته على ما سبق ذکره . وقوله : لإاسكن» من السّكنى بمعنى الاستقرار في المسكن ١١۱ „ لا من السكون الذي هو ضد الحركة لنافاة ذلك قوله تعالى لا : لوكلا منها رغدا حيث شئتماڳ» فإن الأكل من حيث شاءا من الجحنة يقتضي حركتها في أرجائها . وذهب القرطبي إلى أن الأمر بالسكنى يوحي بخروجهم منها » إذ ليس في السّكنى تمليك الساكن للمسكن »› فلو قال قائل لأحد اسكن هذه الدار ل يدل قوله هذا على تمليكه إياها » واستظهر القرطبى من ذلك تأييد الجمهور في قولحم بعدم انتقال المسكن من ملك صاحبه إلى ملك الساكن بالسكنى ورجوعه إلى صاحبه بانتهاء دتا( ؛ وفي هذا الاستدلال نظر » ومسائل السكنى وماشابمها › كالغمرى › والرّقبي ٠ والإفقار » مبسوطة في كتب الفقه . و«أنت» ضمير فصل جيء به لتهيئة عطف الاسم البارز على الضمبر المستتر ني «اسكن» لعدم جواز العطف عليه دونه » وفيه نوع من التأكيد له . والزوج مفرد الأزواج ٠ ويطلق على الذكر والأنثى › ولا يتميز إذا أريد به الأنثى بالتاء على لغة القران كا في هذه الآية » وفي قوله تعالى : «إأمسك عليك زوجكڳ (الأحزاب : ۳۷) › وقوله : وخلق منها زوجهاڳە (النساء : ١) ٠ وقوله : إن هذا عدو لك ولزوجك‰ (طه : ١۱۱) » وعليه الفصيح من كلام العرب »٠ وإنا ورد خلافه شاذا كا ئي قول الفرزدق : وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي كساع إلى أسد الشرى يستميلها وعد بعضهم ذلك لحنا . وفرق الفقهاء بين الذكر والأنثى 0 الجامع لأحكام القرآن الجزء الأول ص ۲۹۹ ٠ ط دار احياء التراث العربي - لبنان ٠ ۹٦١١۱ - بإدخال التاء على ما يراد به الأنثى كما هو شائع في كتب الفقه خصوصا حال التعرض لأحكام النكاح والمواريث ٠ وقد نحوا هذا المنحى لا في هذا التفريق اللفظي من القرينة على التفريق المعنوي » وهو مسلك حسن كا قيل ‏ لدفع اللبس .٠ حنة ادم والحنة مأخوذة من الحن بمعنى الستر ٠ وتطلق على الأرض ذات الشجر الملتف لاجتنانها- أي استتارها - به » ومنهم من یری أنها دالة على الشجر الملتف نفسه لأنه يجن ما كان داخله » واستعملت الحنة في عرف الوحي الشريف المنزل على النبيين في دار السعادة الي أعدت للمتقين واختلف في جنة ادم هذه » هل هي دار السعادة نفسها أو أنها بقعة يصدق عليها هذا الوصف لكثرة ما فيها من الأشجار؟ فجمهور أصحابنا يرونها دار السعادة » وعليه المتقدمون من الأشعرية » وحكى القرطبي عن أبي الحسن بن بطال قوله : «وقد حكى بعض المشائخ أن أهل السنة يجمعون على أن جنة الخلد هي التي أهبط منها آدم عليه السلام . فلا معنى لقول من خالفهم» › ونحوه كلام ابن تيمية حیٹ قال : «وهذا قول أهل السنة والجحماعة » ومن قال أنها جنة في الأرض با هند أو جدة أوغبر ذلك ٠ فهو من الملحدة المبتدعين ٠ والكتاب والسنة يرد هذا القول») وذهب بعض أصحابنا كأبي المؤثر وأي سهل الفارسي »٠ وابن أبي نبهان إلى أن هذه الجنة م تكن إلا حديقة في الأرض (١) الجامع لأحكام القرآن - الجزْء الأول ص ۳٠۲ ط دار احياء التراث العربي - لبنان . (۲) محاسن التأويل للقاسمي ج۲ . ص١۱٠۱ .٠ ط : دار احياء الكتب العربية کے ۷١١ = مليئة بالأشجار تجري من تحتها الأتهار أنشأها الله لآدم قبل أن يحمله عبء تاليف الخلافة 2 وهذا هو قول المعتزلة » وعليه أبومسلم الأصفهان وأبومنصور الماتريدي في تفسيره المسمى «بالتأويلات» › وعزى إلى أي حنيفة واختاره الامام محمد عبده والسيد محمد رشيد رضا وعزاه الإمام إلى الحققين من أهل السنة ء ثم قال على إثر ذلك : «وهذا التفسير تنتحل إشكالات كثيرة : ١ أن الله خلق آدم في الأرض ليكون هو ونسله خليفة فيها ء الا قود م ا 1 أنه م يذكر أنه بعد خلقه في الأرض عرج به إلى السياء » ولو حصل لذكر لأنه أمر عظيم . ۳ _ أن الحنة الموعود بها لا يدخلها إلا المؤمنون المتقون فكيف دخلها الشيطان الكافر الملعون ؟ ٤ أا ليست علا للتكليف .. أنه لا يمنع من فيها التمتع بما يريد . _ أنه لا يقم فيها العصيان . وبال جملة إن الأوصاف التي وُصفت با الحنة الموعود بها لا تنطبق على ما كان في جنة آدم » ومنه كون عطائها غبر مجذوذ » ولا مقطوع ٠ وغير ذلك . وأضاف السيد محمد رشيد رضا إلى ما قاله أستاذه أن القول بأن ادم سكن جنة الأخرة يقتضي أن تكون الأخرة هي الدار الأول (١) انار - الجزء الأول ص ۲۷۷ - الطبعة الرابعة دار المنار . 7 ۸١۱ ۔ والدنيا » فتكون تسمية الدارين غير صحيحة ٠ وينافي أيضا كون الحنة دار ثواب يدخلها المتقون جزاء بما كانوا يعملون كا ورد في الآيات الكثيرة»( . وذهب أبوعلي الحبائي - وهو من أثمة المعتزلة ‏ مذهبا ثالثا وهو أن جنة أدم ليست جنة الخلد ولكنها كانت في السياء ولم تكن في الأرض ٠ وهو قول غريب لا سلف له فيه ولم يتابعه عليه أحد فا أعلم إلا ما سمعته من أحد علماء العصر وهو أن جنة ادم كانت في أحد الكواكب العلوية وقد أنزل متها إلى الأرض«) . والقائلون بأنها كانت في الأرض اختلفوا في تعیینہا » منہم من قال كانت بستانا بين فارس وکرمان » وقیل : بفلسطین ۽ وقیل : بأرض عدن ٠ وقيل : غير معينة وبه قال أبومتصور الماتريدي وعزاه إلى السلف کا ذكره عنه الامام محمد عبده . واستدل أصحاب القول الأول بأن الله سماها الحنة - بالتعريف - وذلك ما لا يكون إلا لجنته التي أعدها للمتقين ؛ وبأن الله أمر ادم وحواء بالحبوط منها وهو عبارة عن الإنتقال من العلو إلى السفل ٠ ويا روى أن موسی عاتب ادم عليه السلام بقوله : «أنت أشقيت ذريتك وأخرجتهم من الحنة» . وأجيب عن الأول بأن تعريف الجحنة ليس دليلا قاطعا على أنها جنة )۱( الرجع السابق . )۲( سمعت هذا القول من الشيخ ناصر بن محمد الرموري وهو أحد علماء الاياضية بوادي میزاب ۳) المنار ج١ , ص ۲۷۷ - الطبعة الرابعة . ۹١۱ - الخلد . فقد قال الله تعالى : «إنا بلوناهم کا بلونا أصحاب الحنة € (القلم : ۱۷) . وهي جنة من جنان الأرض » وبأن الحبوط لا يلزم أن يكون إنتقالا من العلو إلى السفل ٠ فقد قال الله : إاهبطوا مصر ¶ (البقرة : ١1) » وبأن ماروي من قصة موسى مع ادم عليه السلام حديث أحادي لا تنمض به حجة في أمور الاعتقاد فضلا عن کون هذا الكلام ينافيه أن الله سبحانه خلق ادم من أول الأمر ليكون خليفة في الأرض .٠ لا ليكون في الجنة وتنشاً ذريته فيها . وقد استدل أصحاب القول الثاني با ذكره الامام وبأن جنة ا خلد وُصفت في القرآن بقوله تعالى : ءل لَغُو فيه ولا تيم (الطور : ۳٢) » وقوله : إلا يسمعون فيها لغوا ولا كذاباگە (النباً : ٥۳) › وقوله : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيا إلا قيلا سلاما سلاما (الواقعة : ٢۲ -٠٦۲) ٠ وأي لغو أشد من الدعوة إلى معصية الله . وقد كان ذلك من ابلیس في جنة آدم » وبان داخحلھا لا یخرج منہا کا دل عليه قوله تعالى : وما هم منبا بمخرجين (الحجر : ۸٤) » فكيف يفرج منها ادم وحواء ؟ وبأنها دار قدس فلا تقم فيها خطيئة ٩ فكکيف یکن لإبليس أن يوقم ادم وحواء في معصية الله فيها ؟ وقد أجيب بأن ما وصفت به الجنة من کونها لا لغو فيها ولا تأثيم إلى غيره من صفاتها إنما هو بعد دخول المؤمنين فيها جزاء » وبأن أمر الله لآدم وزوجه بأن يسكناها دليل على أن قد رفعا من الأرض إليها › وبأن كونها دار القدس لا ينافي أن تكون معصية وقعت فيها › فإن الله أمر بني ١ا٠ - إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة وهي أرض الشام التي دست في جميع الشرائع » وقد شوهد فيها وقوع جميع المعاصي على اختلافها ولم يکن تقدیسها مانعاً منہا . أما وسوسة الشيطان لما فقد رُويت فيها أقوال عن السلف سوف نذكرها إن شاء الله ي تفسير الآية الآتية . ولأجل تعارض أدلة القولين قال من قال بالتوقف عن تصحيح أحدهما أو ترجيحه ٠ وعليه أبوالسعود والألوسي في تفسيريما وبه أقول › وإن قال نور الدين السالي - رحمه الله - «والقول بأن الجنة التي كانا- أي ادم وحواء - فيها غير الحنة الموعود بها في الأخرة تحكم من قائله إذ لا دليل عليه« . وإنما اخترت هذا القول لا فيه من السلامة من مغبة الخوض فيا لا علم لنا به » والأدلة الي استند إليها كلا الفريقين يعروها الاحتمال كا تقدم » والدليل إذا عراه الإحتمال سقط الإستدلال به › ولعل قوله تعالى : «إن لك ألا تجبوع فيها ولا تعرى وأنك لاتظماً فيها ولا تضحی 4 (طه : ۱۱۸ -۱۱۹) جوز أن يستأنس به للقول بأنها جنة النعيم لأن هذه الأوصاف أنسب بها غير أن الاستئناس لا يكفي وحده أن يكون دليلا خصوصا في الاعتقاديات التي يجب الاستناد فيها إلى القطعيات . والأمر بسكنى آدم وزوجه الحنة وجه إليه ولم يوجه إليهما معا لأن (١) مشارق أنوار العقول ص ٢۲۷ - الطبعة الثانية ۔ ۱۱۱ ۔. المرأة تابعة للرجل ٠ وقد سكت القران عن وقت خلق حواء فما لنا إلا أن نسكت عنه وإن كان في ذلك محال رحب للذين يسوغون لأنفسهم أن يقولوا ما لا يعلمون » وقد اختلفوا ؛ فقال بعضهم : خلقت في الحنة بعد أن كان ادم فيها وحيشا لعدم المؤانس » فألقى الله عليه نومه فخلقها من ضلعه الأيمن ولا استفاق وجدها بجانبه فسألا عن نفسها فاحابته بأنها أمرأة خلقث ته ليسكرن إليها ؛ وقال اخرون خلقت قبل إسكا| ي الحنة ثم حملته) الملائكة إليها على سرير من ذهب »٠ وکانت ثياما من نور » وكلا القولين منسوبان إلى بعض الصحابة ٠ والأسانيد التي تلقيا منها واهية جدا » والقضايا الغيبية لا يستند فيها إلا إلى ما نزل من عند الله أو حدث به المعصوم صلوات الله وسلامه عليه » وصحت نسبته إليه . وما أكثر ما حشي به التفسير من أقاويل أهل الكتاب - مع عزوها إلى الصحابة رضي الله عنهم في هذه القضايا » ويمكن أن يُقال بأن قوله تعا ى : اسكن أنت وزوجك الحنةڳ (الآية ٢۳ - البقرة) أدل على القول بأنها خلقت قبل سكناه فيها . وقد شاع استدلال المفسرين وغيرهم للقول بأن حواء خلقت من ضلع ادم بقوله تعالى : خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها» (الأعراف : ۱۸۹) وبحديث أبي هريرة عند الشيخين «إن المرأة خلقت من ضلع» وليس في ذلك نص على ما قالوه فإنه يحتمله ویحتمل ما قاله الامام محمد عبده من أن المراد بقوله تعالى : متها من جنسها » کہا في قوله عز وجل : ومن اياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا - ۱۱۲ إليهاڳ (الروم : ٢۲) فإنها لا ماري أحد في أن الله م يخلق امرأة كل رجل من بدنه » وإنما المراد بقوله : لمن أنفسكم» من جنسكم ٠ وما قاله السيد رشيد رضا في الحديث أنه حمول على ما يحمل عليه قوله تعالى : لإخلق الأنسان من عجل كه (الأنبياء : ۳۷) . وقد أباح الله لآدم وزوجه التنعم بأكل ثمار هذه الحنة أكلا هنيئا لا يكدره شيء من التقتير بدلالة قوله عوِرَعُدا» 3 فان الرغد هو الواسع عند العرب ٠ ولا ينافيه النبي عن الاقتراب من شجرة ما سواء كانت شجرة معينة » أو جنسا معينا من الأشجار » فإن النبي عنها مع إباحة سواها لا يدخل عليه شيئا من الكدر . ونجد النبي عن تلك الشجرة م يقتصر على الأكل منہا بل شمل القرب منها لأجل سد ذرائع المعصية › فإن الدنو متها مفض إلى ارتكابہا › ونحوه قوله عز وجل : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاڳ (الإسراء : ۳۲) » ومن ثم حجر على الإنسان ممارسة أي سبب يفضي إلى معصية الله كا يدل عليه حديث النعمان بن بشير عند الشيخين قال سمعت رسول الله ي يقول : «إن الحلال بين وإن لرام ين » وبينما أمور مشتبهات لا يعرفهن كثير من الناس » فمن اتقی الشبهات فقد استبراً لدينه وعرضه . ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام » كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه . ألا وإن لكل ملك حى »› ألا وإن حى الله محارمه» » وفي ذلك داعية إلى نفرة المسلم العاقل من كل المعاصي بعدم الحوم حول حماها » والقرب من الأمر يمون - ۱۱۳ خطبه ويدعو إلى ألفته » والنفس ميالة بطبعها إلى ما فيه مضرتها إن لم يتعهدها صاحبها بالرعاية ويستمد من الله التوفيق والعون . ودأب النفوس السوء من حيث طبعها إذا لم يصنما للبصائر نور ومن باب النبي عن الدنو من المحرمات ما فصله الفقهاء من تحريم بيع الذرائع الملسمى بببيع العينة » ونحوه من العقود التي يحتال با المحتالون ليسوغوا لأنفسهم ارتكاب ما حرم الله من الربا . وقرب يَقَرَبُ كرب يقرب في دلالته على الدنو » وقد نص على عدم التفرقة بينما كل من الجوهري في صحاحه ٠ والفيروز أبادي ئي قاموسه » وابن منظور في لسانه » وحكي عن ابن العربي أنه نقل عن لشاشي التفرقة جل قرب بالكسر معن «املابسةء » ورب بالضىم بمعنى «الدنو» › وذكر مثله الزبيدي في شرح القاموس ونسبه إلى أرباب الأفعال كا نسبه إلى شيخه -ويعني به الفاسي - والقول الأول هو اللشهور » ولا معنى ذه التفرقة فإن حمل القرب على التلبس بالشيء مجاز ولا يستقل المجاز عن الحقيقة بصيغة معينة . وقد عطف قوله كلا في هذه السورة بالواو بخلاف ما في سورة الأعراف وهو قوله سبحانه : لإويا ادم اسكن أنت وزوجك الحنة فكلا من حيث شئتا (الأعراف : ۱۹) فإن عطفه فيه بالفاء » ولا إشكال في ذلك فإن الواو ل مطلق الجمع فلا ينافي مدلوا مدلول الفاء . وذهب الفخر الرازي إلى التفرقة بين ما في السورتين › وخلاصة قوله أن المعطوف على الفعل إن كان ذلك الفعل كالشرط له وهو كالجزاء يُعطف بالفاء دون ٤۱۱ - الواو كقوله تعا ى : و إذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداڳ (البقرة : ۸٥) ٠ فإن الأكل متها متعلق بدخوفا فلذلك عطف بالفاء كأنه قال إن دخلتموها أكلتم منہا » وعطف بالواو في قوله : #إاسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم (الأعراف : ١١١) لأن الأكل لا يتوقف على السكنى فقد يأكل من البستان من كان تازا به › وعليه فإن الأمر بالسكنى في سورة البقرة يراد به الاستمرار في البقاء › وقد ورد بعد أن کان ادم في الجنة » وليس ذلك شرطا للأكل ٠ فلذلك عطف بالواو » والأمر بها في سورة الأعراف ورد قبل دخوله الجحنة » فهو محمول على دخوفا . والأكل متعلق به فلذلك ورد بالفاء . وماذكره يستلزم أن يكون ادم خوطب بذلك مرتين » ولعدم الدليل عليه عدلت عن رأيه إلى ما ذكرته قبل . وللناس أقوال في الشجرة التي هيا عنها » أخرج ابن جریر وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ وابن عساکر من طرق عن ابن عباس قال : الشجرة التي هى الله عنها ادم السنبلة » وأخرج ابن المنذر وابن جریر وابن ابي حاتم وابن آبي مید عنه انها الكرم وأخرجه ابن جریر عن ابن مسعود » وأخرج أبوالشيخ عنه أنها اللوز » وأخرج ابن جرير عن بعض الصحابة قال هي التينة . وروى عن قتادة » وزوي عن أبي مالك أنها النخلة . وقيل غير ذلك ٠ ولا فائدة وراء هذا الاختلاف ٠ وهو ينبىء عن ضعف هذه الأقوال › ولا دليل يمكن به ترجيح أحدها ٤ وما يستغرب كثيرا تعليل بعضهم تحريم الخمر بكونها من العنب الذي جى (١) مفاتيح الغيب ج۲ . ص٤ . الطبعة الثانية ١ا۱ - عنه » وما أسخف هذا القول › فإن الخمر إنما حرمت لاسكارها لا لكونها من العنب »٠ ولو كان الأمر كا قال هذا القائل لكان العنب نفسه قبل استحالته خمرا أجدر بالتحريم » ولکان عصیره حراما ولو لم يسكر » ومن المعلوم أن الخمر ما خامر العقل › فيحرم كل مطعوم أو مشروب هذا شأنه مها كان أصله ٠ ولعمري إن هذا الاختلاف ليس منشؤه إلا تصديق أهل الكتاب في دعاواهم الكاذبة والثقة بأقوا حم في تفسير كتاب الله » وما عُزى إلى الصحابة من ذلك لا يصح عنبم ٠ وقد أغرب قطب الأئمة - رحمه الله في قوله إن ما روي عن الصحابة في مثل هذا له حكم المرفوع إذا صح ٠ وأني تثبت الصحة مع هذا الاختلاف ٠ وقد علمت مما سلف في مقدمة التفسير أن أقوال أهل الكتاب كان ها أثر على اراء بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم في تفسير ما لا يتعلق بالعقيدة والأحكام من اي الكتاب ٠ وإن كان أثر ذلك في تفسير التابعين أكثر بكثير » فكيف يصح مع ذلك أن نعطي ما یُروی عنهم حكم الرفع وإن ثبتت نسبته إليهم ٠ وقد أبعد بعض المفسرين النجعة فزعم أنها شجرة العلم والصبغة اليهودية بادية على هذا القول » فإن اليهود هم الذين يقولون بأن منشاً طرد الإنسان من رحمة الله » وإقصائه عن دار كرامته أكله من شجرة المعرفة التي ميز بها بين الخبر والشر » وإن عجبت فإنني أعجب ممن يتقبل ذلك عنهم ويُوَتُره في تفسير كتاب الله والقرآن نفسه ينادي بأن فضل الإنسان إا كان بالعلم الذي فضل به على الملائكة حتی آمروا بالسجود له . ٦١۱۱ -۔ وقد ذكر المفسرون تفصيل قصة الأكل من الشجرة ٠ ومن ذلك أن ادم لم یاکل منہا حت كانت حواء هي البادئة بالأكل 6 وذلك لا مختلف عما قبله في کونه قولا لم بُين على دلیل . وفد أسرف القرطبي في الاستناد على هذه الجكايات الوهمية حتى أق شيئا إمرا إذ اذعى أن المعصية ل تتحقق بأكل حواء وحدها من الشحرة ة حتی تبعها ادم فتحققت معصيته) فکان ما کان من عقاب الله شا بإخر جا مس انه عدم ! زياس وأا › ومنشاً قوله بأن المعصية لى تقمع حت أكلا جميعا أن الخطاب بالنهي وججه إليهم معا ول يخص كل واحد به » وبني على ذلك أن من قال لزوجتيه : إن دخلتم) الدار فأنتما طالقتان أو لأمتيه إن فعلح| فأنت| حرتان . بأن الطلاق والعتاق لا يقعان حتى يصدر ذلك منم) معا ٠ وأنكر ‏ تبعا لابن العربي ما يعارض هذا القول لعدم وقوع الشرط وهو دخول الائنتين كما أن ادم وحواء م يکونا ظالين حتى أكلا جميعا من الشجرة مع قوله عز وجل : «إولا تقربا ذه الشجرة فتكونا من الظالمين 4 (الآية ٣۳ - البقرة) . وهو كلام جدير بأن يستوقف كل سامع » كيف لا یکون ارتکاب النبي معصية وظلا حتى يقع ذلك من كل من وجه إليهم الخطاب إذ لا فرق بين صيغة التثنية وصيغة الحمع في مثل هذا ؟ ويترتب على هذا القول أن لا يصدق حكم المعصية على أحد حتى يرتكب الناس كلهم ما نهوا عنه ما دام الخطاب بالنبي موجها إِليهم جمیعا فیجوز لکل زان ان یعتذر عما ارتکب بأنه غير عاص ما لم يزن جميع الذين خوطبوا بقوله (١) الجامع لأحكام القران ج١ ص۷٠۲٠ ۸٠۲ ٠ ط : دار احياء التراث العربي - لبنان - ۱۱۷ تعالى : ولا تقربوا الزنا (الإسراء : ٢۳) كما يجوز لكل اكل ربا:أن يعتذر بأنه غير عاص بأكله الربا حتى يأكله الذين خوطبوا بقوله تعالى : طلا تأكلوا الرباڳه (ال عمران : ١۱۳) ٠ ومثل ذلك يقال في قتل النفس الملحرمة بغيرحق وسائر المعاصي الموبقات ما لم يخصٌ مرتكبها بالنهي عنها في خطاب يخصه ٠ وهو فاسد بالاجماع › وإذا فسد اللازم فسد الملزوم لعدم انفکاکه عنه . وما أختاره - وفقا لابن العربي - من أن الطلاق والعتاق لا يقعان إن علقا على فعل المرأتين أو الأمتين اللائي خوطبن لأمر نيط به الطلاق أو. العتاق إلا إن فعلتاه معا » مردود حسب را بي لأن كل واحدة يعتد بفعلها في الحكم فيترتب عليه طلاقها أو عتاقها وإن کان الخطاب للاثنتين › لعدم الفارق بين صيغة التثنية وصيغة الجحمع في مثل هذه الأحوال ٠ء وأنت تدري أن تكفير السيئات المعلق على اجتناب الكبائر في قوله عز من قائل : إن تجتنبوا كبائر ما تهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ‏ (النساء : ١) لا يشترط أن يكون حاصلا من جيم المخاطبين » بل هذا الحکم يتجه إلى كل واحد منهم ئي خصوصه وإن ل يجتنب غيره الكبائر . هذا وإني لأعجب ممن يقول إن إبليس ل يتسلط على ادم إلا من طريق حواء مع أن القران صريح بأنه ‏ لعنه الله - كان خطابه لآدم فقد قال تعالى : قال يا ادم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فاكلا متها (طه : ١١۱۲۱-۱) » فإن ذلك واضح في أن أكله) ناشیء عن هذا الخطاب الموجه إلى ادم ». وهو لا يناي أن یکون خاطبی) معا کا يدل ۔ ۱۱۸ - عليه قوله سبحانه : ل وقال ما ناكا ربكا عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين؟ (الأعراف : ٢۲) وإنما حكى الله تارة خطابه لما معا » وتارة خطابه لآدم وحده لآن حواء تبع له کا سبق . هذا وقد بين الله لما عاقبة مخالفتي| أمره بقرم| من تلك الشجرة التي نبيا عنها حيث قال لما : «إفتكونا من الظالين» وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه ٤ .ومنه استحسان ما ليس بمستحسن »٤ وقد استحسنا الأكل من تلك الشجرة بتزيين إبليس لما ذلك مع ما فيه من خالفة أمر الله . وإطلاق الظلم على فعلها لا يستلزم أن يكون من الكبائر لنافاة ذلك عصمة النبوة » وللعلم بأ لم يأتيا ما أتياهء لأجل الوقوع في مخالفة أمره سبحانه وتعالى ٠ وإنما كان ذلك إما نسیانا وإٍما خطاً کا سیأتي قریبا إن شاء الله » وليس تهويل هذه المخالفة إلا لعلو قدرهما وعظم شأنا › وما أحسن قول من قال : «حسنات الأبرار سيئات المقربين» ٠ ومن هذا الباب مضاعفة الوعيد بالعذاب لأمهات المؤمنين رضي الله عنبن في قوله تعا ى ؛ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف ها العذاب ضعفينڳ (الأحزاب : ۳۰) مع قوله : يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن (الأحزاب : ۳۲) ٠ فلا غرابة في إطلاق اسم الظلم على صنيم صفي الله ادم عليه السلام وإن كان بالنسبة إلى غيره صغيرا . - ۱۱۹ «فَرَلَهُمَا الشْيطان عَنبا فاخ رَجَهُمَا ما كاناً فيه وَفُلَا اهبطوأ بعضكم لبَعضٍ عدو وَلكم في الأرض مستقر وَمَتاح إلى جين ٭ لى آَم من به كَلِمَاٍ فاب عليه نه ُو التَواب الحم (الآيتان ‎۳V «۳‏ البقرة) . يحكي الله لنا في هاتين الآيتين وما بعدهما قصة مرحلة انتقالية مر بها أبوالبشر عليه السلام وقد كابد منها المشقة وتجبرع الخصص »٠ وعانى عنتها ولا تزال ذريته تعاني من هذا العنت » ومرد ذلك كله إلى الخروج عن حدود أمر الله بتزيين الشيطان . وقد نتج عن ذلك انتقاله من مقر الطمأنينة والراحة إلى محل الاضطراب والتعب ٠ وإذا كان عليه السلام استقبل الحياة على هذه الأرض التي هي مقر خلافته بهذه المحنة القاسية والملمة الفادحة . فإن لنا في ذلك دليلا وأي دليل على أن حياتنا على الأرض ليست حياة نعيم وهناء وراحة واستقرار ء و انما هي حياة مصائب ومتاعب › وجهد وبلاء » والشواهد على ذلك قائمة من طبيعة الحياة نفسها » فهي لا تکاد تحلو حتی تمر » ولا تهر حتی تذبل « ولا تقبل حتی تدبر » ولا تنح حتی تسلب . جبلت على كدر وأنت تريدها ‏ صفوا من الأقذار والأكدار ومن أحسن وأبلغ وأصدق ما وصفت به الدنيا من قول شاعر کان غارقا في حب الدنيا الى الأذقان ولم يدع بابا من أبواب اللهو والمجون وا خلاعة إلا طرقه وولحه وهو أبو نواس شاعر البلاط العباسي الماجن في » ‏١‎ e عهد هارون الملقب بالرشيد فقد قال في وصف الدنيا : إذا اختبر الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق الشيطان عدو ماكر وإذا كان هذا العدو الماكر الشيطان الرجيم عليه لعنة الله استطاع بأساليبه الخبيثة أن يوقع صفي الله ادم عليه السلام في حبائل المعصية حتى فكه الله منها » فم بالكم بذرية ادم الذين يندر منهم من يتفطن لمكائده ويتنبه لمداخله » وأحسن ما نستفيده من هذه القصة هذه العبرة يراقب الشيطان بعينى الخائف الوجل . لايدري من أي ثغرة يلج عليه . وي أي حال يفضي إليه . والحمزة في اَل لتعدية زل » والزلل كالزلق وزنا ومعنى ٠ والأصل فيهما استعمالها في انزلاق القدم ٠ وتوسم فيه فاطلقا فيا يؤدي إلى الحلاك أو إلى بلاء شديد حسيا كان أو معنويا » ومنه الإزلال المسند إلى الشيطان هنا فإنه بمعنى الاغواء » وذهب بعضهم إلى أن أزل هنا بمعنى أزال لان القدم إذا زلت زالت من مكانها » ويؤ يد هذا التفسير قراءة حمزة والحسن وأبي رجاء «فأزا ما» وانتقد هذه القراءة ابن جرير الطبري جريا على عادته في انتقاد القراءات المتواترة التي لا تروف له . وهو غلط شنيع كا ذكرت من قبل ٠ والباعث له إلى هذا الانتقاد ما تومه من التكرار معنى الإزالة في قوله سبحانه : «لإفأخرجه) مما كانا فيه لعدم الفارق -۔ ا۱۲۱ - عنده بين مدلول لفظي الأزالة والأخراج والحقيقة عدم التکرار ک| سيأتي بيانه إن شاء الله . وتفسير الازلال بالإزالة إنما هو من باب المجاز المبني على المجاز › وذلك أن الازلال هو الايقاع ئي الزلة . والزلة هي سبب للاخراج › فإسناد الإزالة إلى ازل لا يكون إلا بهذا الأسلوب المجازي . والمراد بالشيطان إبليس السالف الذكر › الذي كشر عن أنياب عداوته لادم وذريته ساعة أمره الله بالسجود له . والضمير المجرور في «عنها» عائد إلى الشجرة في قول جماعة من أهل التفسير › وقال غيرهم : إنه عائد إلى الجحنة ؛ وعلى الأول فعن في هذا الموضمع كالتي في قوله تعالى : وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة (التوبة : ١۱۱) ٠ وقوله : وما فعلته عن أمري* (الكهف : ۸۲) ٠ وقوله : وما ينطق عن الحموى؛ (النجم : ۳) › وهي في كل هذه المواضع دالة على النشوء والصدور » ويعني ذلك أن وقوعه) في المعصية نشا أو صدر عن تلك الشجرة . أي كان بسببها › وحمل بعضهم (عن) فيا كان كذلك على السببية » وهو من باب التفسير بالمعنى ؛ وعلى الثاني فعن على بابها ؛ والرأي الأول روعي فيه عدم خلو القصة عن ذكر سبب الخروج . واختلف في الوسيلة التي اتخذها -لعنه الله حتى تمكن من إغوائها › وأكثر ما قيل من مزاعم أهل الكتاب وإن عزی إلى بعض الصحابة والتابعين ٠ والباعث الى التساؤ ل عن ذلك هو أن الله سبحانه - ۱۲۲ طرد إبلیيس مذؤ وما مدحورا من دار کرامته » فکیف تكن من الدخول فيها حتى يفضي إليها ٠ وما قيل أنه لجا إلى حية كانت تخرج من الحنة وتعود إليها فطلب منها أن تخغفيه بين أنيابها حت تمكن من الإفضاء إليها › فأخذ يوسوس فما من بين الأنياب غير أا م يصغيا إليه حتى خرج إليها » فمناهما با مناهما به من ال خلد إن أكلا من تلك الشجرة ك| قال تعالى : قال يا ادم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يېل ى (طه : ٠) » وقال سبحانه : ما نهاك ربكا عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين؟ (الأعراف : ٢۲)٠ وهذا الرأي هو الذي درج عليه أكثر المفسرين لا سيا المفسرون بالأثور » ورائحة الكذب اليهودي تَشْتَمْ منه » وقد أشار الى ذلك ابن كثير مع أنه من الذين يعتمدون على الأثور في تفسيرهم › وقال بعضهم إنه تحول إلى صورة دابة فدخل الجنة » وذهب اخرون بأنه استطاع أن یوسوس فما من السياء » وبعضهم قال بأنه وقف على باب الحنة وكانا - عليه السلام - يتجولان في نواحيها فوصلا إلى الباب فتمكن من الوسوسة ما » إلى غير ذلك من الأقوال الفارغة من الدليل . وأنتم تدرون أن للشياطين قوى روحية خارقة كالقوى التي وهبها الله الملائكة وإنما الفارق ما بين القوتين أن القوى الملكية خيرة والقوى الشيطانية شريرة » فلا عجب إذا تمكن الشيطان من إغواء ادم وزوجه با ينفثه في أنفسه) من دواعي إالسوء » وتلك هي الوسوسة التي أخبر تعالى عنبا بقوله : لإفوسوس فما الشيطان ليبدي فما ما وورى عنبا من ۱۲۳ -۔ سوءاتاڳ (الأعراف : ٢۲) ٠ وإنما عبر عنها بالقول في مواضع متعددة لأنها سدت مسده ٠ ونحو ذلك قوله عز وجل : #إكمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفره (الحشر : ١٠) » وما يقرب ما قلته إلى العقول ما يجري في العصر الحديث من التأثير النفسي من إنسان على اخر » ولو بعدت المسافة بينما بالمكالة الماتفية حتى ينام المؤثر عليه بخطاب المؤثر » وهو ما يسمى بالتنويم المغناطيسي . واستشكل وقوع ادم في حبائل كيد إبليس بأكله من الشجرة التي نهاه الله تعالى عنها مع تحذير الله إياه من مكائد الشيطان وإيذانه أنه عدو له ولزوجه ٠ وأنه يسعى إلى إخراجها من الحنة وإشقائي| › وهذا كله من دواعي التفطن لکائده والاحتراز من شروره . واتہامه في کل ما يصدر عنه مما يدعيه نصحا وإرشادا » وقد كان هذا الاستشكال منشاً ختلاف عريض بين اللفسرين بحسب ما اجه لك من جواب » وقد بلغ الحال ببعضهم أن ادعى أن ادم عليه السلام لم يأكل من تلك الشجرة إلا بعدما سقته حواء الخمر فسكر › وهو منسوب إلى سعيد ابن المسيب ٠ وروي عنه أنه كان يقسم عليه 9 وهو باطل من وجوه : أوضا : أنه لم يثبت به نقل ولا جال في اثبات مثل ذلك بمجرد النظر ء ثانيها : أن الأنبياء عليهم السلام لا يصدر منهم ما يل بعقولحم » كيف وهم أوفر الناس عقلا › وأسماهم فکرا . وأنورهم بصيرة . ثالثا : أن خر الحنة ليست مسكرة فإن الله نعتها بقوله : لا لغو فيها ولا تأثيمڳ (الطور: ۲۳)٠ وقوله : للا يصدعون عنا ١٤۱۲ - ولا ينزفون» (الواقعة : ۱۹) ». وهذا مبني على أن جنة ادم هي دار الخلد كا هو رأي من عزي اليه هذا الحواب . وقيل : إنه عليه السلام ما نجي عن الشجرة ظن أن المغبى عنه عين الشجرة 2 فأكل من جنسها لعدم حسبانه أنه ينطوي عليه المي ؛ وقيل : ن أكله كان في حالة نسيان ليه تعالى عن تلك لشرد وا يقم عل ستيه عدا لك ال وهذا القول هو أصح الأقوال حسب رأيي لا يعضده من قوله تعالى : «إولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسی ول نجد له عزما (طه : ١٥ ) . وقد يشكل هذا القول إذا ما ظر الى ظاهر قوله تعالى : ¥وقال ما ناكا ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تکونا من الخالدين . وقاسمه) إني لكا لن الناصحين4 (الأعراف : ٠6 ٠ ١) » وقوله سبحانه : لإقال يا ادم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يب ى“ (طه : ١۱۲) ٠ فإن ظاهر ما في هذه الآيات أن ادم وزوجه أكلا من تلك الشجرة وهما على ذكر من عهد الله لما ويندرىء هذا الاشكال مم التعويل على الرأي الذي اخترته من قبل » وهو أن إغواء الشيطان لا كان بمجرد الوسوسة كا يدل عليه قوله عز وجل : لإفوسوس ف) الشيطان . . . 4 (الأعراف : ۲0) ٠ وأن ما ذكره تعالى من المقاولة والمقاسمة إنما هو لتصوير تلك الحالة النفسية الكائنة من هذه الوسوسة ونتائجها في صورة الجحدل المسموع بين ادع وشاع › فإِن نفس المؤمن عندما ينفث فيها الشيطان أمرا لا بد ها من أخحذٍ ورد حتى ١۱۲ ۔ تدركها العناية فتنجو أو تجتاحها الغواية فتردى . وبيان ذلك أن الشيطان ‏ لعنه الله - ألقى في نفس ادم وحواء عليه السلام أن تلك الشجرة من أكل منها ظل خالدا في النعيم » ومن طبيعة النفس الإنسانية حب الخلد وكراهة الفناء » فلا عجب إذا تعلقا مع ذلك بها لولا أن عهد الله كان يحجزهما عنها › ثم سعى ‏ لعنه الله - في إنسائه| العهد با يلقيه ي صدورهما من الوساوس التي تشغله| عنه › وني غمرة الغفلة ألجأهما الى الأكل منها بدافع حبها للخلد فلم يراعا إلا وقد بدت فا سوات| فتذكرا عهد الله فابا إليه بالندم والحسرة على مقارفته| معصيته » وهذا التأويل أحسن ما يجمع به بين الآي المتحدثة عن هذه القصة وإن لم أجده مأثورا عن أحد » وما أحسن ما قيل : لئكن نسيت منك عهودا سالفة فاغفر فأول ناس أول الناس ويؤيد ما ذكرته أن الله سبحانه أراد بقصة ادم تنبيه ذريته إلى مكائد الشيطان ووجوب احتراسهم منها وتفطنهم لا . ومن المعلوم أن إغواءه لحم لا يكون ببروزه إليهم ومشافهته إياهم ٠ وإنما یکون بوساوسه الخادعة التي يلقيها في صدورهم فناسب ذلك أن يکون شأنه مع أبيهم كشأنه معهم . وإن اعترض معترض بأن الله تعا ى وصف ادم بالمعصية والغواية في قوله : #وعصی ادم ربه فغوی» (طه : ١۱۲) » وما ذكر في هذا التأويل يستلزم تبرئته من الغواية والعصيان لأن الجدير بحلم الله عز وجل أن لا يؤاخذ عبده با قارفه نسيانا » فإن النسيان ليس من كسب ٦۱۲ - الناس وإنما هو أمر مفروض عليه › ومن المعلوم أنه تعالى أخذ ادم بصنيعه هذا إذ أبدی له سوأته وأخرجه من جنته . فالجحواب أن تسمية ما صدر من ادم غيا وعصيانا إنما هو بالنظر إلى علو قدره وسمو رتبته » كيف وقد اختاره الله خليفة في الأرض وعلمه الأسماء كلها وفضله بتعليمها للملائكة وإسجادهم له ؟ فكان حريا أن يتفطن في كل حالاته لمكائد الشيطان العدو الأول له ولذريته - لا سيا وأن الله قد حذره منه وبين له عاقبة متابعته - وأن لا يسترسل مم أماني الخلد حتى ينسى عهد الله إليه . فاي غرابة مع ذلك إن سمى الله ما صدر منه في حالة سهوه غيا ومعصية ؟ وما أحسن قول من قال : «حسنات الأبرار سيئات المقربين» وأي غرابة كذلك في تأديب الله إياه وابتلائه بإخراجه من الجنة لتكون في ذلك عبرة لذريته وردع عن العصيان وتحذير من مؤامرات الشيطان ؟ وهذا الحديث يجرنا إلى الكلام في عصمة الأنبياء ولو بإيجاز › عصمة الأنياء وخلاصة القول فيها أن الأمة اختلفت ٠ هل النبيون معصومون أو لا ؟ وهل عصمتهم تبداً مع بداية النبوة أو هي سابقة عليها ؟ فذهب أصحابنا إلى أنهم معصومون عن الكبائر والصغائر في حال النبوة وقبلها وهو يتفق مم مانسب إلى أكثر المعتزلة من أن عصمتهم من وقت البلوغ . ونسب الفخر إلى الرافضة قولحم : إنهم معصومون منذ - ۱۲۷ _ لليلاد » وهذا هو اللائق بمقام المختصين بالاصطفاء الإلهي › وذهبت الحشوية إلى عدم عصمتهم من الذنوب صغيرها وكبيرها حتى بعد إكرامهم بالنبوة » وقيل بإجازة الصغيرة عليهم دون الكبيرة ونسب إلى اللعتزلة » وذهب الحبائي متهم إلى أنهم لا يقارفون الصغائر ولا الكبائر على جهة العمد البتة . بل على جهة التأويل ٠ وقيل بعدم صدور ذنب منم صغيرا كان أم كبيرا إلا على جهة السهو والخطاً » ولكنهم مأخوذون با يقع منهم على هذه الجهة وإن كان ذلك موضوعا عن أمتهم ٠ وذلك لقوة معرفتم » وكثرة أدلتهم ٠ وقدرتهم على ما لا يقدر عليه غيرهم من التحفظ » ذكر هذا القول الفخر في تفسيره ولم يعزه إلى أحد وهويتفق مع القول الأول كا يتفق مع التحرير الذي ذكرته قبل قليل › ولا بد من تقييد أخذهم با يقع منهم بأنه دنيوي وليس أخرويا » وذهب أكثر الأشاعرة إلى أنهم معصومون حال النبوة لا قبلها » ونسب هذا القول إلى أبي الحذيل وأبي على من المعتزلة . قال الفخر : «والمختار عندنا - أي الأشعرية - أنه م يصدر عنم الذنب حال النبوة البتة . لا الكبيرة ولا الصغيرة» ؟ وقد أطال في الاستدلال هذا الذي اختاروه بكثير من الأدلة العقلية والنقلية » ومن أراد علم ذلك فليرجع إليه في موضعه من تفسيره . وبعض أصحاب هذا القول لا يمنعون أن يكون عصيان ادم عن عمد لأنه كان قبل النبوة بدليل قوله تعالى . لثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدیڳ (طه : ١۱۲) »٠ بناء على أن الاجتباء هو إلباسه رداء النبوة . (١) مفاتيح الغيب - الجزه الثالث ص ۸ الطبعة الثانية . - ۱۲۸ وأصح هذه الأقوال القول الأول . وأبعدها عن الصواب والحق قول الحشوية » فإن الذين اصطفاهم الله من بين خلقه بأن جعلهم وعاء لنوره وحملة لأمانته » وشهداء على خلقه هم أحق الخلق بالبعد عن سفاسف الأمور فضلا عن المعاصي ٠ وقد دل القران أن طائفة من عباد الله ليست للشيطان عليها سلطان . وذلك في قوله تعالى في خطابه لإأبليس : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان 4 (الأسراء : 160) › وقوله في يحكيه عنه : لأغوينهم أجمعين ٠ إلا عبادك متهم المخلصين € (ص : ۸۳-۸۲) » وأي عباد أحق بهذه العناية الربانية التي تباعدهم عن مؤامرات الشيطان › من أولئك الذين اختصهم بكرامة النبوة وبوأهم منصب الرسالة . إن كل عاقل ليدرك أن الله لا يختار لهذا الأمر الحلل ٠ ولا يرضى لحذه المهمة العالية إلا من كان من عباده أزكى عنصرا وأطيب فطرة ٠ وأوفر عقلا » وأطهر سريرة ٠ وأقوم سيرة » وأنور فکرا » وأخشی لله ٠ وأكثر تحريا لمرضاته » ووقوفا عند حدوده . ويقظة في كل ما يأ وما يذر . أما ما تشبث به الذين رموهم بالعصيان ونسبوهم إلى الفساد فهو أوهى من نسج العنكبوت » فما لنا وللاشتغال به » وفي بطلانه ما يكفينا مؤونة إبطاله ؟ ولعل أقوى ما تعلقوا به قصة آدم هذه » وقد علمت ما فيها والحمد لله . ۱۲۹ -۔ هبوط آدم وحواء إلى الأرض والعطف بالفاء في قوله : لإفأخرجه) مما كانا فيه (الآية ٢۳ - البقرة) لأن المعطوف فرع عن المعطوف عليه ومسبب له › إن فسر الأزلال بالاأيقاع في المعصية فإن اخراجها من الحنة ناشىء عن ذلك ٠ وإن فسر الإزلال بالاخراج فهو من باب عطف التفصيل على الإجمال ٠ وجيء بالفاء لإفادتها الترتيب الذكري ٠ كا في قوله تعالى.: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا»ە (الأعراف : 4) ٠ وقوله : كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا (القمر : ۹) » ومثله يقال في قراءة حمزة : «لإفأز) الشيطان عنها فأخرجه] مما كانا فيەڳ (الآية ٢۳ - البقرة) » وبهذا يندفم ما قاله ابن جرير من لزوم التكرار على هذه القراءة فإن عطف التفصيل على الإجال شائع في القران وغيره من الكلام العربي ٠ ومن ناحية أخرى فإن «ما كانا فيه» ليس نصا في الحنة لاحتمال أن يُفسر بنعيمها أو با كانا عليه من طاعة الله وأنسها› فأخرجها الشيطان عنه إلى نقيضه من المعصية ووحشتها . ومها يكن الراد «بما كانا فيه» من الحنة ونعيمها » أو من الطاعة وأنسها » فإن التعبير بلموصول يفيد التفخيم كم هو في قوله تعالى : «فغشيهم من اليم ما غشيهم (طه : ۷۸) » وفيه تلويح إلى ما ل حقها من الخسران بسبب هذا الإخراج » وفي استحضار ذلك لن تلا الآية أو تليت عليه موعظة ودكرى ٠ وترسيخ لعداوة الشيطان في النفس »٠ فإنه ١۱۳ - هو الذي جر على أصل الانسانية هذه المصيبة فا أجدر الفروع أن تثار لأصلها ببعاداة الشيطان وحزبه » ومقاومة وساوسه › والحذر من إغرائه وإغوائه » والسعي الى تخييب سعيه في إضلال البشر » وقطع حبل أمانيه في إهلاكهم . وهذا أصل تربوي ناجح ي إعداد النفوس لا یراد منہا › إذ في تذكير الأولاد والأحفاد مصائب الآباء والأجداد تأصيل لكراهية من كان السبب في هذه المصائب » وقد اتبم القران هذه الطريقة التربوية في أكثر من موضع » ومن ذلك قوله تعالى : «يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كا أخرج أبويكم من الجحنة ينز ع عنبا لباسهما ليريهما سواتېما» (الأعراف : الآية ۲۷) . هذا وقد استدل بأمر هما با حبوط من قال انها جنة الخلد ۔ ک| سبق ذکره - کا استدل به الحبائي القائل بأنها جنة في السماوات ؛ والذين قالوا إنها كانت في الأرض حملوا هذا الحبوط على الانتقال من مكان إلى اخر كا في قوله تعالى ؛ «اهبطوا مصر 4 (البقرة : 61) . وقد حشر المفسرون أقوالا متعددة معزوة إلى الأسلاف في تحديد أماكن هبوط کل من ادم وحواء وعدوهما إبليس » وأضافوا إليهم الحية › ولست أراها إلا من أكاذيب أهل الكتاب التي علقت بأذهان كثير من اللفسرين فشانوا بها جمال التفسير» وإن زعم بعض المحدئين كال حاكم صحة نسبة بعضها إلى بعض الصحابة . والأمر بالحبوط موجه في رأي أكثر المفسرين - إلى ادم وحواء وإبليس ٠ وعليه فإن العداوة الملقصودة هي ما بين ادم وحواء من جهة ا۱۳۱ - وإبليس من جهة أخرى »٠ وزعم بعضهم دخول الحية معهم ٠ وأخرج هذا ابن جرير وابن آبي حاتم وعبد بن ميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنما » وما ذكروه أنها كانت ذات قوائم وزينة فسلبها الله قوائمها وزينتها ووحش منظرها بعد أن أعانت إبليس على إغواء ادم ٠ وجعل بينها وبين الانسان عداوة مستمرة » ولا يخفى ما فيه . والصحيح أن الخطاب لآدم وحواء بدليل ما في سورة طه وهو قوله عز من قائل : قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذکري فن له معيشة ضنكاڳ (طه : ١۱۲ - ١۱۲) ٠ إِذ لا يكن أن يكون الخطاب فيه شاملا لابليس أو له وللحية مع وروده بصيغة التثنية › والقران يبين بعضه بعضا › ولا يشكل ورود الخطاب بصيغة الحمع هنا » وفي| بعد الجحملة الأو ى من سورة طه لأن الخطاب وإن کان )| فإنه يشمل بفحواه من يأتي من ذريته) فالعدول فيه إلى صيغة الجحمع ٳنما هو لهذا الغرض . أماما قيل من أن المعدوم لا يخاطب لعدم إمكان أن يعقل الخطاب فهو ليس على إطلاقه » فقد خاطب الله تعالى جيم الأجيال إلى أن تقوم الساعة بأوامره ونواهيه التي أنزا في القران نحو قوله : لإوأقيموا الصلاة واتوا الزكاة (البقرة : 4۳) ٠ وقوله : بولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحقڳ (الأنعام : ١١٠) 5٠ وقوله : «لإولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا» (الاسراء : ۳۲) ٠ وليس من المعقول أن يكون - ۱۳۲ هذا الخطاب محصورا في الجيل الذي عايش نزول القران ٠ إذ لو كان كذلك لكان لن يأتي بعده عذر في عدم التقيد بالأوامر والنواهي لعدم خطابه بها 9 والحق أنه لا مانع من خطاب المعدوم مع الموجود ِن کان الخطاب صالحا لما وكان المعدوم امتدادا للموجود كما في هذا الخطاب فإن ذرية ادم وحواء ليس وجودهم إلا امتدادا لوجودهما » فاي مانم من دخوم في عموم الخطاب الموجه إِليها ومراعاة ذلك فيه بحيث يصاغ صيغة الحمع الشاملة لحم جميعا . ويدل على شمول الخطاب للذرية قوله تعالى في هذه السورة : «إقلنا اهبطوا متها جميعا فإما يأتينکم مني هدی فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وکذبوا باياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (البقرة : ۳۸ - ۳۹) › إذ لا يُعقل إلا دخول ذرية آدم في هذا ا خطاب وشمول ما فيه » من وعد ووعيد لحم ٠ وإني لأعجب ممن ادعى دخول إبليس والحية في هذا الخطاب كيف ذهل عن كون الحية ليست من جنس المکلفین حت توعد على اتباعها هدى الله وتتوعد على إعراضها عنه ٠ وأن إبليس لا يمكن أن يكون مقصودا بهذا الخطاب لاستحالة صلاحه وتعذر فلاحه بعدما طرده الله من واسع رحمته وقضى عليه بالشقاء المستمر . ولا يشكل أمر ادم وحواء بالحبوط من الجحنة مع ذریتھا مع عدم وجود الذرية حينئذ ذلك لأم) عليه السلام كانا منطويين على عناصر هذه الذرية فهبوطه) هبوط للجميع ولو بقيا مكانم لظهرت ثم ذريتها ولكان ذلك المكان مستقرا ا . - ۱۳۳ وذهب ابن عاشور الى أن جمم الضمير مع إرادة التثنية به لكراهية توالي المثنيات بالاظهار والاضمار من قوله : لوكلا متها رغدا؟ والعرب يستثقلون ذلك قال امرؤ القيس : وقوفا بها صحبى عل مطيهم يقولون لا تملك أسا وتجمل وإنغا له صاحبان لقوله : «قفا نبك» ٠ وقال تعالى : #فقد صغت قلوبكماڳ (التحريم : 4) . وما قاله وإن ساغ عربية فإن القرائن دالة على القول الذي صححته. صححته . ِ والعداوة المقصودة في قوله تعالى : إبعضكم لبعض عدو (الاية ١ -البقرة) هي عداوة الشيطان للإنسان عند من قال بدخول إبليبس ثي الخطاب بقوله : لإاهبطواڳ ٠ ومن قال بدخول الحية أيضا قال بان وصف العداوة شامل لا فهي وإبليس عدوان لآدم وحواء › وهما عدوان لا كذلك ٠ وقد علمت أن الصحيح بأن الخطاب لأدم وحواء بالأصالة ولذريته) بالتبعية . فالمقصود بالعداوة إذا ما يكون بين ذريتهما من تنازع وتقاتل على متاع الحياة الدنيا » وقد بدأت هذه العداوة تتجسد في سلوك الانسان منذ أن قتل قابيل هابيل » ولا زالت مستعرة نارها والشيطان هو الذي يُسعُرها بمكائده › فلا يفت يوغر الصدور ويثير الأحقاد ويبعث الضغائن حتى تظل الإنسانية في شقاء مستمر . وتتقطع ما ينها الصلات التي أمر الله برعايتها › وغير خافٍ أن ذكر هذه العداوة في معرض الحديث عن إغواء إبليس لآدم وزوجه فيه إشارة إلى أن (١) التحرير والتنوير , ج١ ص٥٠٤ . الدار التونسية ١۱۳ - منشأها مكائد إبليس العدو الأول للإنسان » وفي ذلك تعريض بوجوب أذ الحذر من شروره والتفطن لكائده بين الناس . وإفراد لفظ عدو مع أن العداوة ليست بين فردٍ وفرد بل هي بين أكثر أفراد الجنس البشري غالبا - لوجهين : أحدهما : أن بعضا وكلا مفردان لفظا وإن دلا على الحمعية ٠ فيجوز فيه رعاية لفظي| فيفردا » ورعاية معناهما فيجمعا . ثانيهما : أن لفظ العدو يشترك فيه الواحد والجحمع كا في قوله سبحانه : هم العدو فاحذرهم (المنافقون : £) . والمستقر إما أن يكون مصدرا ميميا بمعنى الاستقرار » أو ظرفا ميمياً - أي مكان الاستقرار - وعلى هذا الأخير ففي العبارة تجريد كما في قوله تعالى : هم فيها دار الخلد» (فصلت : ٢۲) ٠ فإن الأرض نفسها هي مكان الاستقرار » واختلف في هذا المستقر هل هو خاص بالحياة أو هو في الحياة وبعد الممات ؟ فالاستقرار في الحياة على ظهر الأرض ٠ وبعد الممات في بطنها » وعطف التاع عليه يدل على أن المراد باللستقر ما كان ي الحياة فإن الاستمتاع لا يكون إلا فيها . وكلمة متاع تطلق على كل ما يستمتع به سواء كان نظرة سارة او صوتا محبوبا » أو رائحة طيبة » أولباسا › أو طعاما . أوسکی . أو أي شيء أخر مما فيه منفعة ظاهرة أو باطنة . ويشهد لذلك ما روي عن سليمان بن عبدالملك أنه وقف على قبر ابنه أيوب بعدما دفن فقال : وقفت على قبر غريب بقفرة متاع قليل من حبیب مفارق ١۱۳ - ومن قال إن المستقر في الأرض ليس خاصا بالحياة أن يقول بعموم الملتاع لا بعد اموت من دفن الأجساد في باطن الأرض ء فإن في ذلك سترا لها وهو من منافعها › ويستأنس له بقوله تعال ى في سورة الأعراف : قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين . قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنہا تخرجون4 (الأعراف : ٢٤۲ -٢٥۲) . والحين الزمن طويلا كان أو قصيرا ولا معنى لتقييده بالطول مع قوله تعا ى : أو تقول حين ترى العذاب 4 (الزمر : ۸٥) لحواز إحلال ساعة مله ٠ ويراد به هنا انتهاء أمد الدنيا » هذا بالنسبة إلى الجحنس فإن الأرض مستقر للجنس البشري إلى انتهاء أمد حياتها أما الأفراد فإن كل فرد انتهاء حينه بابتداء ينه » فبالموت ينقطم امد استقراره على ظهر الأرض »٠ واستمتاعه بمنافعها . هذا كله على القول بأن الاستقرار والمتاع اللقصودين هما في حال الحياة لا بعدها . والتلقي الاستقبال وهو نفعل من اللقاء › وصيغته توحي أنه اكتساب اللقاء » وهو يعني المحاولة للوصول إليه » فلا يكون إلا في الحبوب بخلاف اللقاء نفسه والملاقاة . فقد يستعمل في المحبوب وغيره » يقال لقى فلان صديقه ولقى عدوه . ولاقی صديقه ولاقی عدوه » وذهب بعضهم إلى أن التلقي هنا بمعنى التلقن . وهو وإن صح معنى ‏ لا يصح لغة لأن قلب لام الفعل ياء إنما يصح إذا جانست العين نحو تسری وتسرر » وأملي وأملل › وتقصي وتقصص ٠ وتضني وتضنن ٠ وليس تلقن من هذا الباب » وقراً ال جمهور : لإفتلقى ادم من ٦۱۳ - ربه كلماتٍ4 (البقرة : ۳۷) برفع ادم ونصب «كلماتٍ» » وعکس ابن كثیر فنصب ادم » ورفم کلمات » وانتقد قراءته ابن جریر جریا على عادته في عدم الاحتراز من انتقاد القراءات التواترة ؛ وعلى قراءة الجمهور فإن ادم استقبل الكلمات من ربه إِذ ألحمه إياها » وعلى قراءة ابن كثير فالكلمات هي التي استقبلته استقبال المحب لمحبوبه . وهذا من باب المجاز » والأصل في تلقي الشيء للشيء جواز كون كليه) فاعلا ومفعولا › فإن كلا من تلقي الأخر . فلذلك يجوز إسناد التلقي إلى كل من . قبول التوبة من ادم وهذه الكلمات إما أن تكون معبرة عن التوبة والندم ألحمها الله ادم وزوجه وعليه فهي ما ذكره الله عنما في سورة الأعراف من قولما : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» (الأعراف : ۲۳) »٠ وإما أن تكون كلمات وجهها الله إليها لإيقاظها من غفلتها » وتذکی رهما بعد نسیانېا » وعلیه فهي ما ذکره الله من قوله لها : ألم أنهكما عن تلكا الشجرة وأقل لكا إن الشيطان لكا عدو مبينڳ (الأعراف : ٢۲) ٠ ويرجح الأول ذكر توبة الله على ادم في هذه الآية معطوفة على تلقي الكلمات بالفاء الي تقتضي الترتيب والتعقيب › ومن المعلوم أن التوبة حصلت له من الله غب إتيانه بهذه الكلمات المعبرة عن توبته إلى ربه . ولقائل أن يقول إن توبة الله عليه جاءت مع توبته هو - ۱۳۷ إلى الله تعالى الى استلهمها من إدراكه خطيئته وسماعه عتاب ربه » فلا شكال في عطف توبته سبحانه عليه على عتابه الذي وجهه إليه بالفاء الترتيبية التعقيبية » على أن دلالة تلقى من ربه» على ما صدر من ربه إليه أوضح منها على ما صدر منه إلى ربه . ويرى ابن عاشور أن التعبير بتلقي هنا مؤذن بأن الكلمات التي أخذها آدم كلمات نافعة له » فعلم أنها ليست كلمات زجر وتوبيخ ٠ بل كلمات عفو ومغفرة ورضا » وهي إما کلمات لُقنها آدم من قبل الله تعالى ليقولها طالبا المغفرة » وإما كلمات إعلام من الله إِياه بأنه عفا عنه بعد أن أهبطه من الجحنة اكتفاء بذلك في العقوبة . قال : «وما يدل أنها كلمات عفو عطف فتاب عليه بالفاء إذ لو كانت كلمات توبيخ لا صح التسبب»”) . ومن فهم أن الكلمات هي قوله تعالی : لم ہکا عن تلكا الشجرةڳ الآية » يسوغ له أن يقول : إن هذا التوبيخ لا كان باعثا إلى التوبة وهاديا للنفس إلى صوابها بعد خطئها › فهو أمر نافع لأن المصلحة مترتبة عليه . وقد أكثر الناس في الحديث عن هذه الكلمات وإيراد ما نسب إلى السلف عم يراد بها » ومن ذلك ما أخرجه ابن جرير وابن المنذر » وابن أبي حاتم » وابن أبي الدنيا » وعبد بن حميد » والحاكم وصححه ٠ وابن مردویه » عن ابن عباس رضي الله عن| أن الكلمات هي قوله : ي 8 (١) التحريروالتنوير ٠ ج١ ص ۲۷٤ - الدار التونسية للنشر EEN - ۱۳۸ رب ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلي . قال : أي رب الم تنفخ في من روحك ؟ قال : بى . قال : أي رب ألم تسبق إل رحمتك قبل غضبك ؟ قال : بلى . قال : أي رب ألم تسكني جنتك ؟ قال : بل . قال : أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الحنة ؟ قال : نعم» . وأخرج البيهقي في شعب الإمان » وابن عساكر عن انس رضي الله عنه أنه قال في الكلمات هي لا إِله إلا أنت سبحانك وبحمدك › عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خيرالغافرين » لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ربي عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين ٠ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ٠ إني عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب عل إنك أنت التواب الرحيم ؛ وأخرج نحوه البيهقي في الشعب وفي الزهد عن سعيد بن جبير » وكذا ابن عساکر عن ابن عباس والديلمي في مسند الفردوس من طريق علي كرم الله وجهه مرفوعا بسند ضعيف » وعبد بن مید عن عبدالله بن زید موقوفا » والروايات عن السلف في ذلك كثيرة متضاربة » وبعضها غير خارج عن كونه من شواذ التأويلات ٠ والأولى الرجوع إلى القرآن نفسه ٠ والتعويل على ما جاء فيه » ولذلك لا أرى العدول عن الوجهين السابقين ٠ على أن الوجه الأول مروي عن جماعة من السلف »٠ فقد أخرجه الثعلبي وابن المتذرعن ابن عباس » ورواه ابن جرير » وابن المنذر » وابن ابي حاتم »٥ والبيهقي في شعب الايمان › وعبد بن حميد عن محمد بن كعب القرظي وروی مثله عبد بن حميد عن الحسن ٠ والضحاك ٠ ومجاهد . ورواه - ۱۳۹ _ أيضا ابن ابي حاتم عن مجاهد . ولم تذكر توبة حواء في هذه السورة اكتفاء بذكر توبة ادم لأن القصة سيقت من أجله . وقد ابتدئت به » ومن ناحية أخرى فإن المرأة كثيرا ما يُطوى ذكرها ويقتصر على ذكر الرجل لأجل سترها وبیان تبعيتها له › وقد ذُكرت توبته| معا في سورة الأعراف . ولفظة «تاب» ومشتقاتها دالة على الرجوع وكذا أخواتها كاب وثاب ٠ وتوبة العاصي إلى ربه رجوعه إلى طاعته واستقالته العثرة ء واستغفاره مما وقع فيه » وتوبة الله عليه عوده بالمنة والإحسان إليه ولا ي ذلك من معنى العفو عديت التوبة الصادرة من الله تعالى بعلي بخلاف توبة العبد فإنها رجوع محض فلذلك عديت بإلى الدالة على الغاية » فإن غاية ما يلتمسه العبد من ربه أن يحقق توبته ويکفر حوبته . وقد كان ادم بتوبته هذه قدوة لکل من تاب من ذریته بخلاف إبليس فهو قدوة للمصرين ٠ ولينظر الإنسان لنفسه أي القدوتين يختار › هل يختار الاقتداء بأبيه الذي ينتمي إليه أو إلى الشيطان العدو المبين الذي لا يسعى إلا إلى إردائه ي الجحيم ؟ وكا وقع ادم في الخطيئة فإن ذلك آمر لا بد منه في ذريته » وإنما التلافي للأمر باتباع مسلكه في التوبة » فكل بني ادم خطاء وخير الخطائين التوابون » والله تعا ى ينادي عباده بأن يتوبوا ويبين لحم سعة فضله وعظيم رحمته ويحذرهم من الإصرار على العصيان ٠ والاستخفاف بسوء عواقبه . ومن ذلك قوله : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحة الله إن الله يغفر ١٤٤۱ - الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم . وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنتصرون ٠ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون . أن تقول نفس يا حسرق على ما فرطت ي جنب الله وإن كنت لن الساخرين . أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين . أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحستين؟ (الزمر : ۳٥٥ - ۸٥) . وللتوبة أركان أهمها الندم وقد جاء في الحديث عن رسول الله َي «التوبة الندم» » وذكر بعض العلاء أن التائب لا بد له من علم وحال وفعل . فالعلم إدراكه وقوعه في المعصية ومضرة العصيان . والحال وجدانه في نفسه الم الناشئ عن تحسره على ما وقم فيه . والفعل هجرانه ما كان عليه من المعصية إلى الطاعة ٠ وأضاف بعضهم إلى ذلك إشفاقه » لأنه لا يدري هل وفی بشرائط توبته أو لا ؟ کا آنه لا يدري عن مستقبله هل سيوفق فيه للطاعة أو يصاب بسهم الخذلان فيتردى في مهاوي العصيان كا سبق عليه ذلك ؟ وقوله : إنه هو التواب الرحيم تذييل منطو على التعليل فإن قوله : «إنه هو التواب تعليل لقوله : #فتاب عليه » والتواب على وزن فعال بمعنى كثير التوبة » فهو مشعر بأن الله يتوب على عبده كلا تاب العبد إليه من أعماق قلبه » وبإخلاص سريرته وإن تكررت المعصية منه » ومن ناحية أخرى فإن التائبين بعد المعصية كثرة كاثرة » والله يتوب عليهم جيعا » فناسب ذلك لفظ «التواب» الدال على كثرة صدور التوبة ا١٤۱ -۔ منه تعا ى ٠ وفي «الرحيم» تعليل لمدلول التواب ٠ فإن سبب كثرة توب الله على عباده رحمته بهم » وفي هذا تنبيه على أن توبته تعا ى على العاصين من خلقه هي محض فضل وإحسان منه سبحانه » ولیست واجبة عليه کہا يقول أهل الاعتزال . هذا وقد شذ الامام محمد عبده في تفسیره اتين الآيټن فقد صبغه بلون من تلك الأفكار التي تولدت في ذهنه نتيجة العراك بين نزعتي التجديد والتقليد . وقد بدا أولا بتقرير المراد مما تقدم في هذه القصة على هذا المذهب الذي اختاره فقال : «إن إخبار الملائكة يجعل الإنسان خليفة في الأرض هو عبارة عن تهيئة الأرض وقوى هذا العالم وأرواحه الي بها قوامه ونظامه لوجود نوع من المخلوقات يتصرف فيها فيكون به كمال الوجود في هذه الأرض ٠ وسؤال الملائكة عن جعل خليفة يفسد في الأرض لأنه يعمل باختياره » ويعطي استعدادا في العلم والعمل لا حد لما . هو تصوير لا في استعداد الانسان لذلك ٠ وتهيد لبيانه أنه لا ينافي خلافته في الأرض » وتعليم آدم الأسياء كلها بيان لاستعداد الانسان لعلم كل شيء في هذه الأرض واندفاعه في استعمارها › وعرض الأسياء على الملائكة ٠ وسؤالحم عنما وتنتصلهم في الجواب تصوير لكون الشعور الذي يصاحب كل روح من الأرواح المدبرة للعوالم محدودا لا يتعدى وظيفته . وسجود الملائكة لادم » عبارة عن تسخبر هذه الأرواح والقوى له ينتفع با في ترقية الكون بمعرفة سنن الله تعالى في ذلك ٠ وإباء إبليس واستكباره عن السجود تمثيل لعجز الانسان عن ٣٤۱ - والتخاصم والتعدي والأفساد ي الأرض 6 ولولا ذلك لحجاء عى الأنسان زمن يكون فيه أفراده كالملائكة بل أعظم ٠ أو يخرجون عن کونهم من هذا النوع البشري ...9 . وقد بني على ذلك منهجه في تفسير ما هنا فقال : «وأما التمثيل فيا نحن فيه منہا ۔ أي القصة - فيصح عليه أن يراد بالحنة الراحة والنعيم › فإن من شأن الانسان أن يجد في الحنة الى هي الحديقة ذات الشجر الملتف ما يلذ له من مرئي ومأكول ومشروب ومشموم في ظل ظليل وھواء ألا نبو ع فيها ولا تعرى ‏ وأنك لا تظماً فيها ولا تضحى (الآية ١١۱) ويصح أن يعبر عن السعادة بالكون في الجحنة وهو مستعمل ٠ ويصح أن يراد بأدم نوع الإنسان كما يطلق اسم أب القبيلة الأكبر على القبيلة › فيقال كلب فعلت كذا » ويراد قبيلة کلب » وکان من قریش کذا » يعني القبيلة التي أبوها قريش » وفي كلام العرب كثير من هذا . ويصح أن یراد بال لشجرة معنى الشر والمخالفة كا عبر الله تعال ى في مقام التمثيل عن الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة » وفسرت بكلمة التوحيد » وعن الكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة » وفسرت بكلمة الكفر › وي الحديث تشبيه المؤمن بشجرة النخل . ويصح أن يكون المراد بالأمر بسكنى الحنة » وبالحبوط منها أمر (١) المنارج ١ .ص ٢۲۸ - ۲۸۲ - الطبعة الرابعة ١٤۱ ۔ التكوين › فقد تقدم أن الأمر الالجي قسمان ء أمر تكوين ٠ وأمر والمعنى على هذا أن الله تعالى كون النوع البشري على ما نشاهد في الأطوار التدريجية التي قال فيها سبحانه : وقد خلقكم أطوارا» (نوح : ١٠) » فأولا طور الطفولية . وهي لا هم فيها.ولا كدر » و إا هي لعب ولحو كأن الطفل دائما في جنة ملتفة الأشجار يانعة الثمار › جارية الأنهار » متناغية الأطيار » وهذا معنى : اسكن أنت وزوجك الجنةك ٠ وذكر الزوجة مع أن المراد بادم النوع الآدمي للتنبيه على الشمول وعلى أن استعداد المرأة كاستعداد الرجل في جيم الشؤون البشرية . فأمر ادم وحواء بالسكنى أمر تكوين » أي أنه تعالى خلق البشر ذكورا وإناثا هكذا » وأمرهما بالأكل حيث شاءا عبارة عن إباحة الطيبات وإلام معرفة الخير » والنهي عن الشجرة عبارة عن إام معرفة الشر ء وأن الفطرة تهدي إلى قبحه ووجوب اجتنابه » وهذان الالامان اللذان يكونان للإنسان في الطور الثاني - وهو طور التمييز - هما المراد بقوله تعا ى : #جوهديناه النجدين“ (البلد : ١٠) . ووسوسة الشيطان وإذلاله لما عبارة عن وظيفة تلك الروح الخبيثة التي تلابس النفوس البشرية فتقوي فيها داعية الشر ء أي إن إلام التقوى والخبر أقوى في فطرة الانسان أو هو الأصل ٠ ولذلك لا يفعل الشر إلا ملابسة الشيطان له » ووسوسته إليه » وال خروج من الجنة مثال لا يلاقيه الانسان من البلاء والعناء با خروج عن الاعتدال الفطري . ٤٤۱ - وأما تلقي ادم الكلمات وتوبته فهو بيان لا عرف في الفطرة السليمة من الاعتبار بالعقوبات التي تعقب الأفعال السيئة » ورجوعه إلى الله تعالى عند الضيق ء٠ والتجائه إليه في الشدة ٠ وتوبة الله عليه عبارة عن هدايته إياه الى المخرج من الضيق »٠ والتفلت من شرك البلاء بعد ذلك الاعتار والالتجاء»() . ثم قال : «فحاصل القول أن الأطوار الفطرية للبشر ثلاثة » طور الطفولية وهو طور نعيم وراحة » وطور التمييز الناقص ٠ وفيه يكون الأنسان عرضة لاتباع الحوى بوسوسة الشيطان . وطور الرشد والاستواء » وهو الذي يعتبر فيه بنتائج الحوادث ٠ ويلتجىء فيه عند الشدة إلى القوة الغيبية التي منها كل شيء وإليها يرجع الأمر كله فهكذا كان الإنسان في أفراده مثلا للانسان في مجموعه ‏ قال كأن تدرج الإنسان في حياته الاجتماعية ابتداً ساذجا سليم الفطرة قويم الوجهة › مقتصرا في طلب حاجاته على القصد والعدل » متعاونا على دفع ما عساه يصيبه من مزعجات الكون ٠ وهذا هو العصر الذي يذكره جميم طوائف البشر ويسمونه بالذهبي . ثم م يكفه هذا النعيم المرفه فمد بعض أفراده أيديهم إلى تناول ماليس لحم طاعة للشهوة › وميلا مع خيال اللذة ء وتنبه من ذلك ما كان نائما في نفوس سائرهم فثار النزاع وعظم الخلاف واستنزل الشقاء . وهذا هو الطور الثاني » وهو معروف في تأريخ الأمم ٠ ثم جاء (١) المصدر السابق .ص ۲۸۲ - ۲۸۳ ١٤۱ - الطور الثالث وهو طور العقل والتدبر ووزن الخير والشر بميزان النظر والفكر وتحديد حدود للأعمال تنتهي إليها نزعات الشهوات ويقف عندها سير الرغبات » وهو طور التوبة والحداية إن شاء الله( . هذا ما قاله هنا وهو لا يختلف عا قاله سابقا في الملائكة وإبليس ء والدافع إلى كل ذلك واحد » وقد سبق بيانه » وإذا تأملت هذا الشرح الذي جاء به وعرضته على نصوص الكتاب في القصة وجدته بعيدا عن مدلوا ؛ على أنه قد ناقض نفسه في بعض ما جاء به » كقوله : «إِن الإنسان ‏ لولا داعية الشر المعبر عنها بإبليس وامتناعه عن السجود - لاق عليه زمن يكون فيه أفراده كالملائكة بل أعظم »٠ فإنه لا يتفق مع تفسیره للملائكة بما تقدم من كونهم قوى طبعية منبثة في کل شيء من هذا الكون › وإلا فما معنى تحول الانسان إليها مع أنه نفسه منطو عليها ؟ وهل يعد ذلك انتقالا إلى الأعلى أو إلى الأدى ؟ وبال جملة فإن كلامه ‏ لعدم انبنائه على أسس ثابتة من مفاهيم الدين - كفيل بهدم بعضه بعضا . وهكذا كل ما کان ناشئا عن فکر الإنسان غير المستقر » لإولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (النساء : ۸۲) » وإني لأعجب كيف يمكن القول بأن المراد بادم الجنس البشري مع تحذير الله لهذا ال جنس من فتنة الشيطان - كا صنع مع ادم وزوجه - في قوله تعالى : بيا بني ادم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجحنة يتزع عنما لباسها ليريهما سوء اتبا beeen EEE (١) الملصدر السابق ص ۲۸۳ - ٢٤۲۸ ١٤۱ - (الأعراف : ۲۷) ٠ ولعمري لئن ساغ مثل هذا التأويل ل تبق للألفاظ العربية مدلولات خاصة تستقر عليها الأفهام . وهذا يعني فتح باب الشك والاحتمال الواسع في كل ما جاء به القرآن من وعد ووعيد وأمر وهي ١ وقصص وأخبار » هذا من ناحية اللفظ . أما من ناحية المعنى فإنه يتعذر أن يكون الراد بادم النوع الإنساني » وأن يكون أمره بسكنى الجحنة عبارة عن مرحلة الطفولة البريئة الي يمر بها كل إنسان وهو خالي البال مطمئن النفس بعيد عما يعانيه الكبار من مشاق وأتعاب » ذلك لأن الناس مختلفون غير متفقي الحال في أي طور من أطوار الحياة , فتجد أحدهم وهو في صغره يتفياً ظلال الراحة » ويتقلب على بساط النعيم حتى إذا ما بلغ طور الرشد لفحته الدنيا ببؤسها وكشرت له الأيام عن عصل أنيابها › وفرته الحوادث بأظفارها » بين تجد غيره لا يذوق في طفولته الراحة وإن اشترك مع غیره من الأطفال في براءتهم الفطرية » فلا يكاد يفتح عينه على الدنيا إلا ويرى أيامها عابسة أمام ناظريه فيقضي مرحلة طفولته كلها في بؤس وفقر وعرى ومسغبة وذل وخوف ٠ وكرب وبلاء حتى إذا ما ناهز الاحتلام وبلوغ سن الرشد تنفس الفرج فانزاحت الشدائد فتذوق لذة العيش › ولامس برد النعيم » وماذا عسى أن تكون حالة الأطفال الذين ينشأون في أزمنة الحروب الطاحنة التي تملك الحرث والنسل ٠ وتستلب الطارف والتليد » فلا يسمعون إلا أصوات الانفجار وقصف المدافع وهدير الطائرات , ولا يشاهدون إلا جثث القتلى المتمزعة أشلاؤ ها › وحطام ٧٤۱ - اللساكن المقفرة من أهلها › ولا يعرفون ما هو الآأمن والاستقرار في الحياة » ولا يقتاتون إلا بعد جهد ونصب ۾› أفيقال إن طفولة هؤلاء جنة ونعيم ؟ أولا يكن أن يكون من بين هؤلاء من تبتسم له الدنيا وتفدق عليه عطاءها › وتوسع له فضاءها بعد اجتيازه مرحلة صباه ؟ وقل مثل ذلك في الغي والرشد » فقد يرشد بعض الناس من أول أمرهم حتى إذا بلغوا سن النضج العقلي . والإتساع الفكري ٠ والانتفاع بالعظات والعبر أضلهم ا هوی فاقتادهم إلى إشراك الردى والعياذ بالله » بينم تجد آخرين لا تتسع قلوبهم لموعظة ولا تنشرح صدورهم لذکری فيتخبطون في ضلالم » وینہمکون في فسادهم » حتی إذا ما كاد المنون يختطف أرواحهم شملتهم عناية الله فأنقذتهم الحداية من الورطة الي وقعوا فيها فيا سبق » وهكذا تجبد الناس متفاوتين في كل شيء » فلا يكن أن يكونوا معنيين بهذه القصة بحسب أطوارهم . - ۱۸ َم 7 0 2 و ٍ 1 7ج ً 7 1 و 0 - ًّ ۴ء 7 خوف عليهم ولا هم حزنون ٩٠ والذين كفروا وکدبوا بایاتنا اولئلك ۶ك 2 2 7 َ أصحابٌ النار هُم فيه خَالِدُونَ (الآيتان ۳۸٠ ۳۹ البقرة) . أعيد الأمر بالحبوط ليترتب عليه غير ما ترتب على الأمر الأول › فالأمر السابق ذكر مقرونا ببيان الإنتقال من حياة الصفاء والنعيم إلى حياة الكدر والبؤس »› ولبيان أن الحياة التي ينتقلون إليها ذات أمد محدود › ونباية محتومة يتضح ذلك من قوله تعالى فيا تقدم : لإبعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (البقرة : ٢۳) وذلك أن ادم عليه السلام لم يكن يشعر هو ولا زوجه عندما كان في الحنة ہا سيدور في هذه الحياة التي خلقا لأجلها بين ذريتها من عداوات وأحقاد › وحسد وبغضاء › وكذب واحتيال » وغش وخداع » وتعا ى بعضهم على بعض وما يتبع ذلك من التناحر والتفاني ›. فأراد الله أن يعرفه| طبيعة الحياة المنتقل إليها عندما أمرهما بالإنتقال حتى يكونا على بصيرة من أمرهما . الحراء من جنس العمل والأمر بالحبوط هنا يترتب عليه بيان أن الناس يجحزيون في الأخرة بحسب أعماحم في الدنيا ء ومن المسلمات عند الجحميع أن النفس البشرية مطبوعة على حب الحياة . فإذا ما أوذن الانسان أن حياته على الأرض محدودة استحكم فيه القلق واستولى عليه الاضطراب إلا إذا علم ۹٤۱ - ما يتبم مرحلة الفناء التي تلي الحياة . واطمأن إلى وجود حياة أخرى ٠ وإذا م يستبن الإنسان ذلك من طريق الوحي فإن القلق والاضطراب لن ينفكا عنه » إذ المصيرمبهم ٠ والمستقبل مَعَمى لا يمكن اكتناهه بالعقل › ولا بوسائل العلوم التجريبية › وإنما الوحي وحده هو الذي يزيح ستره ویکشف سره ٠ وقد أراد الله أن يرفعم عن صدر ادم وزوجه موم التفكر في هذا المستقبل الغامض فاذم| بأن هذه الحياة المنصرمة تتبعها حياة سرمدية يلقي فيها كل عامل جزاءه » وني ذلك طمأنينة شا باجا لن يخسرا ال خلود في النعيم إذا ما عملا صالحا وهما يرجوان من الله أن يوفقهما لصالحات العمل بعد تلك الورطة التي أوقعهما فيها الشيطان فكانت لما درسا لا پنسیانه ٩ كا أن في ذلك تبشیرا مہا بان کل صالح من ذریتھا سينقلب إلى هذا المنقلب ٠ وسيلقى هذا الحزاء الخالد » فإن كانت الحنة الي أهبطا منها هي جنة الخلد فإنا سيعودان إليها بتوفيق الله مع عدد لا یحصی من ذریتھہا » وان کانت غیرھا سیبدلان بہا ما ھو خیر منہا وآبقی . ويجانب ذلك فإن في هذا التبشير والانذار حفزا لما ولكل لبيب من ذريتها على المسارعة إلى البر والتوقي من الفجور » فإن المنقلب إما إلى جنة عالية وإما إلى نار حامية » والبقاء في کل منېا ليس له أمد › ولا مصير بين هذين المصيرین ٠ فالرابح لا يوازي ربحه شيء وا خاسر فد خسر كل شيء » وحسبها وحسب ذريته| عظة وعبرة تلك الحفوة التي صدرت منم| فتجرعا غصص عاقبتها . ١۱۵ ۔ وذهب بعض المفسرين إلى أن الحبوط الأول هو الانتقال من الحنة إلى السماء › والحبوط الثاني هو الانتقال من السياء إلى الأرض ٠ وهو قول مرفوض لأمرين : أول ما : ان الله تعالى قال إثر الأمر با بوط الأول : ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين والمستقر والمتاع إنما هما في الأرض دون الساء . ثانيه| : أنه تعا ى أمرهما هنا با حبوط منہا » والضمير في منہا عائد إلى الحنة قطعا . لأن الضمائر السابقة لا تعود إلا إليها . فلا ينسجم البيان إذا ما فصل هذا الضمير عنها وأعيد الى السياء على أن السياء لم يسبق لا ذكر حتى يعاد إليها . وذهب الفخر الرازي إلى أن إعادة الأمر بال بوط لأن ادم وحواء تابا بعدما أمرهما الله بالحبوط فوقم في قلبهما انتساخ هذا الأمر لأنه كان بسبب الزلة وقد محتها التوبة فأعاد الله تعالى الأمر به ليعلم أنه ليس جزاء على ارتكاب الزلة حتى يزول بزوالا وإنما هو لأجل تحقيق ما تقدم من وعده تعا ى في قوله للملائكة : لإي جاعل في الأرض خليفة»” (البقرة : ۳۰( . ومقتضى رأيه أن الأمر با مبوط ليس عقوبة على ارتكاب الخطيئة › وهو يتنانى مع قوله عز وجل لآدم وحواء تحذيرا من الشيطان : فلا يخرجنكم) من الحنة فتشقى (طه : ١۱۱) فإنه صريح في أن إخراجها من الجحنة كان بسبب تلبسهما بالخطيئة التي أوقعها فيها الشيطان ٠ (١) التفسير الكبير ج٣ . ص٠۲ .٠ الطبعة الثانية ا۱١١۱ . ولا ينافي ذلك تحقق الوعد الذي وعد الله به ملائكته بنفس هذا الحبوط فإن لله أن يرتب ما شاء من أمره على ما يشاء » وله تعالى ئي کل شيء حكمة . وذهب ابن عاشور إلى أن هذه حكاية أمر ٹان لادم بالحبوط کي لا يظن أن توبة الله عليه ورضاه عنه عند مبادرته بالتوبة عقب الأمر بالحبوط قد أوجبت العفو عنه من الحبوط من الحنة فأعاد له الأمر بالحبوط بعد قبول توبته » ليعلم أن ذلك كائن لا محالة لأنه مراد الله تعالى › وطور من الأطوار التي أرادها الله تعالى من جعله خليفة في الأرض ء٠ وهو ما أخبر به الملائكة » وفيه إشارة أخرى وهي أن العفو يكون من التائب في الزواجر والعقوبات » وأما تحقيق آثار المخالفة - وهو العقوبة التأديبية - فإن العفو عنها فساد في العام » لأن الفاعل للمخالفة إذا م ير أثر فعله م يتادب في المستقبل » فالتسامح معه في ذلك تفويت لقتضى الجكمة › فإن الصبي إذا لوث موضعا وغضب عليه مربيه ثم تاب فعفا عنه » فالعفو يتعلق بالعقاب »٠ وأما تكليفه بأن يزيل بيده التلويث الذي لوث به الموضم فذلك لا يحسن التسامح فيه » ولذا لا تاب الله على ادم رضى عنه ولم ي اخذه بعقوبة ولا بزاجر في الدنيا » ولكنه م يصفح عنه في تحقق أثر مخالفته . وهو الحبوط من الحنة ليرى أثر حرصه وسوء ظنه .١ . ورأيه يتفق مع رأي الفخر كا هو واضح من كلامه غير أنه أضاف (١) التحرير والتنوير ج٠ .ص ١٤٤ - الدار التونسية للنشر ۲١١۱ - إلى ذلك الإشارة التي ذكرها . وذهب الز حشري وجاعة إلى أن هذا تأكيد للأمر الأول وحمله ابن عاشور على أن تسميته تأكيدا ليست إلا لإعادة نفس الأمر الأول بلفظه ٠ وإلا فقد ترتبت على هذه الاعادة فائدة لا تتم بدونها وهي ارتباط البيان بعضه ببعض وتوضيح مراده للسامع فلو لم يع هذا اللفظ نفسه لتوهم أن الخطاب في قوله فإما يأتينكم مني هدى للمؤمنين على عادة القران في التفنن » فهو قول واحد كرر مرتين لربط الكلام مع استقلاله في كل مرة بفائدة ٠ ولذلك ل يعطف «فقلنا» على ما قبله ما بيا من شبه كمال الإتصال .<0 وبناء على هذا التوجيه . فالقول بالتأكيد لا يتناف مع ما ذهبت إليه في المراد من إعادة الأمر . المراد باهدى بعد الحبوط و«إما» مركبة من «إن» الشرطية و«ما» التأكيدية › والأصل ف «إن» أن تكون في الشرط غير المقطوع به بخلاف «إذا» » وقد أوثرت عليها للإيماء إلى أن إتيان الحدى ليس واجبا على الله وإنما هو جرد فضل منه تعا ى غير أن اقترانها ب «ما» ودخول نون التوكيد على فعلها ينفيان شك السامع في عدم تحقق شرطها . وقد سبق معنى الحدى في تفسير الفاتحة وأول هذه السورة › واختلف في المراد به هنا » روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية أنه الأنبياء والرسل والبيان » وبنى عليه ابن جرير أن الخطاب هنا لغبر 4 ۳١١۱ - آدم بل هو لذريته لأنه نفسه كان من الرسل » مع أن ابن جریر نفسه ذکر ان الرسل إلى الأنبياء هم الملائكة وإلى سائر الناس هم الأنبياء » وذهب قوم إلى أن المراد با حدى الكتب »٠ وقال أخرون هو القران خاصة ٠ وقيل هو محمد يِل . وهذان القولان - وإن صححه) ابن كثیر۔ یردھما أن الخطاب لآدم وحواء وجميع ذريتها » وليس خاصا بهذه الأمة وحدها › وقد خلت رسل جاءت بکتب من عند الله تعبدت الأمم السالفة با فيها من الحدی والبيان . واستدل القطب - رحه الله - في الحيميان للقول بأنه الرسل بقوله تعالی : يا بني ادم إما يأتينكم رسل منكمڳ (الأعراف : ٢۳) › ولا أرى وجها للاستدلال بالآية لأنها في بني ادم بين الخطاب هنا لادم وحواء وإنما تدخل فيه ذريته) بالتبعية وقد علمتم أن ادم کان نفسه رسولا . وأو ى الأقوال بالصواب هو أن الحدى كل ما تقوم به حجة الله على خلقه سواء كان عقلا أو وحيا ؛ فالعقل حجة في معرفة وجود الله ٠ ومعرفة صفاته الذاتية . كالوحدانية . والقدم والبقاء › والعلم والقدرة ؛ والوحي حجة في ذلك وفي سائر المعتقدات ٠ وفي أحكام الله اللتعلقة بأفعال العباد ولا يبعد أن يكون الحدى هو الدين الذي تعبد الله به خلقه ٠ فإن المتمسك به اخذ بحجزة هدى الله ٠ ومستمسك بالعروة الوثقى منه » والمفرط فيه أصفر الكفين من كل خير » وانتظام حياة الفرد واللجتمع تتوقف عليه » فللنفس الإنسانية مطالب شتى » متها روحية ١١ -۔ ومنها جسدية » ومنها قلبية ومنها عقلية » والتأليف بين هذه الجحوانب › والتنسيق بين هذه المطالب لا يتم إلا بعقيدة روحية يسري أثرها على كل شيء في الإنسان . ومصالح أفراد هذا ال جنس متشابكة وشؤ ونهم متداخلة » فإذا لم يهيمن عليهم وازع من الدين أدى بهم الأمر إلى النزاع والشقاق ٠ والتدافع والتنافر . ومن هنا كان الدين ضروريا للسعادة والنظام » إذ العقل وحده لا يكفي لأن يسد مسده » فإن العقول متباينة باختلاف المؤثرات النفسية والاجتماعية على أصحابها . فالتربية والتثقيف ٠ والبيئة والمحيط لا أثر في تكوين الفكر وتوجيه العقل ٠ بينما الدين فوق ذلك كله لأنه تنزيل من حكيم حميد يخضع له العقل والقلب ٠ ويستسلم له الروح وال حسد . وقد يتصور عبيد الشهوات أن في الدين حرمانا بسبب ردعه للإنسان عن الانطلاق وراء شهواته . والواقم أن تلك هي السعادة المطلوبة والغاية المحبوبة . فإن الإنسان إذا أطلق له العنان فاتبعم هواه كان ذلك أخطر العوامل في تدمير الفرد والمجتمع ٠ فقد تقوده شهواته الى ما فيه هلاك نفسه » وفساد مجتمعه . والله لم يحرم في دینه شیئا إلا لا علمه من مصلحة لعباده في هذا التحريم » خفية كانت أم ظاهرة › عاجلة أم اجلة . وكفى سعادة أن يفوز الإنسان برضوان الله وما يترتب عليه من حياة الخلد والنعيم المقيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر » (القمر : ٥٥) في مقابل. قيد نفسه عن بعض شهواتها في فترة قصيرة لا توازي شيئا بجانب حياة الأبد » ومن هنا كان تغابن الناس الحقيقي ١٥۱ - بحسب اختلاف حظهم من التمسك بالدين فهم وإن تفاوتوا في الغنى والفقر » وفي الراحة والبؤس » وفي طول الأعمار وقصرها › وفي امتداد الأفكار وانحصارها › وفي قوة الأبدان وضعفها › وفي الاه والسلطان إلى غبر ذلك نا يعد التفاوت فيه ربحا أو خسارة › فإن ذلك لا يساوي شيئا بجانب التفاوت في التمسك بأهداب الدين› والاعتصام بحبل التقوى. وفي إضافة الحدى إليه تعالى إماء إلى أنه لا يأني إلا منه » ولا يتلقى إلا عنه » سواء كان من كتبه التي أنزلا » أومن رسله الذين بعثهم ٠ أو من العقل الذي نوره . واتباع الجدى سبب الأمان من الخوف »٠ والوقاية من الحزن » فالمجتمع المتمسك بهدى الله مجتمع امن مستقر لا خوف عليه مما يتهدد المجتمعات الضالة الفاسدة من عواقب سيثة ٠ والفرد لمتبع للهدى يبعث يوم القيامة امنا مطمئنا تتلقاه الملائكة بالبشائر › وتطمئنه بالفوز والسعادة . فلذلك قال تعالى : فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (الآية ٢۳ - البقرة) . معنى الخوف والحزن والخوف انزعاج النفس لتوقع مكروه في المستقبل » والحزن تاها لفوات محبوب أو لتوقع فواته » فهو يكون على ما وقع في الماضي ٠ او ما يتوقع في امستقبل » وهو مأخوذ من الحزن ‏ أي ما غلظ من الأرض - فکأنه هم غليظ . وخصه الأكثرون بالواقم دون المتوقع » ویرده قوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام : #لإني ليحزنني أن تذهبوا به (يوسف : ۱۳) » ولا داعي إلى تأويله . واختلف المفسرون فيا يراد من - ٦١١۱ - الخوف والحزن المنفيين هنا عن اتباع الجدى على أقوال أبلغها أبوحيان في البحر المحيط إلى اثني عشر قولا » وأكثرها متداخل . وهي كلها ترجع إلى أن أنهم لا يحزنون على فائت ولا يخشون ما يستقبلهم » وهذه الحالة إنما هي ي الحياة الآخرة طبعا عندما تتلقاهم الملائكة . وألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجحنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الأخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون» (فصلت : ٢۳۱-۳) » أما في الدنيا فالمؤمنون أشد خوفا لعدم أمنهم من مكر الله » ومعرفتهم بعظم الول وجلل الخطب » فلذا كانوا أشد مراقبة للنفس ومحاسبة لا » ويدل على ذلك ما وصفهم الله به في کتابه كقوله : إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون .. إلى قوله .. والذين يؤتون مااتوا وقلوبهم وجلة أنهم الى ربهم راجعون» (المؤمنون : 5۷ - ١1) ٠ وقد وصف الله باخوف الأنبياء - وهم صفوته من خلقه - ومن ذلك قوله في زكريا واله إوكانوا يدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين (الأنبياء : ٠4) ٠ وكذا الحزن . فإن من شأن للؤمن أن يحزن في الدنيا بسبب شعوره بالتقصير في طاعة الله » وهويرى نفسه دائما مسبوقا بالملجدين في الطاعة والمسارعة إلى الخيرات كا أنه يحزن - كا يحزن غيره - لا يعتريه من مصائب الدنيا ونوائبها . وظاهر كلام الامام محمد عبده في المنار أن الخوف والحزن منفيان عن أهل الحدى في الدنيا والآخرة ونصه : «فالمهتدون بهداية الله تعالى لا يخافون مما هوات ٠ ولا يحزنون على ما فات » لأن اتباع الحدی يسهل ۷١۱ - عليهم طريق اكتساب اخيرات ويعدهم لسعادة الدنيا والأخرة » ومن كانت هذه وجهته يسهل عليه کل ما یستقبله » ویہون عليه کل ما أصابه أو فقده » لأنه موقن بأن الله يخلفه فيكون كالتعب في الكسب لا يلبٹ ُن يزول بلذة الربح الذي يقع أو يتوقعم» 37 وقد علمتم أن المؤمن في الدنيا لا يبارحه ال خوف لأنه الواقي من الخوف في الآخرة اذ لا يجمع الله على عبد خوفين » وفي الآيات القرانية الواصفة للمؤمنين بالخوف والآمرة به » وفي أحاديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ما يكفي دليلا على أن الخوف من الله - كرجائه تعا ى من أهم واجبات الدين › فبها يستقيم أود النفس ٠ وتنزجر عن المعاصي »٠ وتسابق إلى الخيرات ٠ وإذا كان النبيون أشد خوفا من الله كما ثبت في الحديث ٠ فما بالكم بسائر المؤمنين على أن خوف کل أحد إا هو بقدر علمه وإيمانه . فكيف يقال إن المؤمنين لا يعتريهم الخوف في الدنيا ؟ وأما الحزن فهو أمر فطري جبلت عليه نفوس البشر وإن تباينت فيه بحسب اختلاف أمزجتها » وهو يعتري البر والفاجر » كيف وقد أصاب الأنبياء » وهم أكمل البشر وصفا » وأعظمهم صبرا » وأشدهم جلدا › فقد وصف الله يعقوب عليه السلام بقوله : وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم» (يوسف : ٤) . وحکی عنه قوله : ني لیحزنني أن تذهبوا بەڳ (يوسف : ۱۳) ٠ وقال لصفوة الأنبياء وخاتم اللرسلين : لولقد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون؟ (الأنعام : ۳۳) ء e (١) المنارج٠ ٠ ص ٢۲۸ - الطبعة الرابعة = ۱۸ وثبت في الحديث أنه صلوات الله وسلامه عليه قال - ودمعه ينسكب وقلبه يتلم على فراق قرة عينه وفلذة كيده إبراهيم الذي وُهبه على الكبر - «وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون» فما قاله الإمام من أن المهتدين لا يعتريهم الخوف والحزن في الدنيا ترده النتصوص والمشاهدات . واستدل الفخر الرازي بهذه الآية على عدم خوف المؤمن بعد الوت لا في قبره » ولا عند بعثه ولا في الموقف ٠ وعزز هذا الاستدلال بمدلول قوله تعالى : #إلا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون» (الأنبياء : ١١٠) . وذهب الأكثرون إلى أنه لا دليل ي الآية على نفي الخوف يوم القيامة عن المطيعين لا وصفه الله تعالى ورسوله من شدائد ذلك اليوم إلا أنه يخففه عن المطيعين وإذا صاروا إلى رحمته فكأنهم لم يخافوا . والظاهر ان هؤلاء نظروا إلى أن من طبع الإنسان أن يتأثر با حول النازل وإن كان على ثقة بأنه في مأمن منه . وأنتم تدرون أن الطبيعة البشرية في الآخرة لا تبقى بحسب ما كانت في الدنيا . ومن الدليل على ذلك ما ذكره الله من التقاول الذي يكون بين أهل الجحنة وأهل النار › واطلاع هل الجنة على ما فيه أهل النار من العذاب - والعياذ بالله - مع عدم تكدير ذلك صفو نعيمهم ولا إثارة مشاعر الألم والحزن في نفوسهم ٠ وذلك الف للطبع البشري الألوف في الدنيا ؛ فما المانع أن يكون الحال كذلك في الموقف ؟ وما أشاروا اليه من وصف الله ورسوله لأهوال ذلك اليوم لا يخلو إما أن يكون من العمومات القابلة للتخصيص أو الروايات ۹١۱ -„ الأحادية الي لا تقوى على معارضة النتصوص القاطعة برفع اخوف عن المؤمنين الصالحين نحو قوله تعالى : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجحنة الي كنتم توعدون» (فصلت : ۳۰) » وقوله : ئلا يحزنهم الفزع الأكبرگ» (الأنبياء : ١١۱) . ّ واتباع هدى الله الذي يترتب عليه الأمن من اخوف والسلامة من الحزن إنما هو باتباع مراشده أمرا ونهيا ومعرفة سننه في خلقه » وذلك ما جاءت به رسالاته التي بعث بها رسله واحتوته الرسالة الخالدة . رسالة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام المتمثلة في كتاب الله الكريم وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه . فالتمسك بها أصل النجاة من كل مخوف والسلامة من كل محزن . عقاب اللنحرفين عن هدی الله وبعد تقرير عاقبة المتبعين لهدى الله بين مال أضدادهم الذين انحرفوا عن مسلك الحدى واتبعوا طرائق الضلال › بقوله: لإوالذين كفروا وكذبوا باياتنا أولثتك أصحاب الثار هم فيها خالدون ۳۹ - البقرة)› ويلحظ إفراد الأسم الموصول في معرض الحديث عن المهتدين وجمعه عندما ذكر أعداؤ هم الضالو ن » والحكمة ي ذلك الإيماء الى قلة المهتدين بجانب الكثرة الكاثرة من الضلال ٠ وهو الذي يدل عليه قوله تعالى : إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم“ (ص : ٢۲) » وقوله : 7 وقليل من عبادي الشكور»ه (سباً : ۱۳) . والكفر هنا إما أن يكون كفرا بالله أو كفرا باياته » وعلى الأول فاللجرور متعلق «بكذبوا» » وهو على الأخير- متنازع بين «كفروا» و«كذبوا» ؛ والكفر أعم من التكذيب لأنه يكون بالقلب وباللسان بينما التكذيب من عمل اللسان فالملكذب بلسانه كافر با كذب به وان صدقه قلبه . ومن هذا الباب ما وصف الله به فرعون وقومه في قوله : لإوجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلا وعلواڳ (النمل : ١٠) . فهم موقنون بصدق ايات الله وإغما دعاهم الظلم والعلو الى جحدها › ووصف الله بذلك كفار العرب في قوله لرسوله محمد يَيةٍ : انهم لا يكذبونك ولكن الظالين بايات الله يجحدونڳ (الأنعام : ۳۳) › فقد کانوا يکابرون أنفسهم في إنكار ما جاء به عليه أفضل الصلاة والسلام مع إيقانهم بصدقه » والمصدق بلسانه كافر إن لم يعتقد في قلبه صدق ما أقر لسانه بتصديقه ٠ ومن هذا الباب كفر النافقين الذين يدعون الإيمان بألسنتهم وقلويهم فارغة منه » كا أخبر الله عنهم أغهم يقولون : «امنا بالله وباليوم الآخرڳ › ويقولون : لإنشهد إنك لرسول اللهك (المنافقون : ١) . وهم في كل ذلك كاذبون . وقد سبق بيان معنى الكفر وانقسامه الى كفر شرك وكفر نعمة » وأن كافر النعمة لا يخرجه كفره من الملة ٠ فلا تمتنع موارثته ومناكحته › وكذلك جيم أحكام أهل الملة ما عدا الولاية الي هي حق المستقيمين على دين الله » وأما في الآخرة فمصيره - إن لم يتب - مصير سائر الكفار ۔ ۱۱١۱ - والعياذ بالله . والآيات جمع اية وهي علامة ظاهرة على شيء خفي یعرف بہا ويدرك بإدراكها سواء كانا حسّيين » كمعلم الطريق ٠ ومنارة السفينة › أو عقلين كالدلالة المؤلفة من مقدمات ونتيجتها . واختلف في مأخذها » فقيل من أي التفسيرية لأنها تبين أيا من أي ٠ وقيل من التايي وهو النظر والتؤدة » ومنه قول لبيد : وتأييت عليه ثانيا يتقيني بتليد ذي خصل وقیل من تاییته أو تأييته معن قصدت اينه أي شخصه » ومنه قول الشاعر : الحصن أولى لو تأييته من حثيك الترب على الراكب وفي وزن آية أقوال » قيل هو فعَلَةٍ - بالتحريك - وإغا أبدلت الياء ألغا لانفتاحها وتحرك ما قبلها » وقيل على وزن فَعلَةُ - بكسر العين - وقيل على وزن فَعُلَهُ كسمرة وعلى هذين القولين فَعِلّةٌ إبدالها ألفا هي نفس العلة السابقة . وقيل غير ذلك › ولا يلو شيء في الوجود من ایات الله . فكل ذرة فيه منطوية على ما لا يحصى من الآيات الدالة على قدرة خالقها وعلمه وحكمته . وبجانب ذلك فقد مضت سنته تعالى ئي رسالاته أن يعززها بايات دالة على صدق الرسول وصحة الرسالة لئلا تبقى للمرسل اليهم حجة بعدها » ومن أمثلة ذلك آياته تعالى التي قرن بها رسالة موسى عليه السلام › وقد وصفها بقوله : وما نريهم من أية إلا هي أكبر من أختها (الزخرف : ۸٤) » وأعظم هذه الآيات دليلا n وأظهرها حجة القران الكريم الذي أنزله الله على قلب خاتم النبيين ليكون اية على صدق رسالته تتحدى جيم المعارضين على اختلاف ملكاتهم البيانية ومواهبهم الفكرية إلى أن يطوي الله صفحة هذا الوجود » وأطلقت الآيات على الأقسام التي تتألف متها سور القران لدلالة ألفاظها على محتوياتها من العقائد والأحكام والآداب والمواعظ والحكم ٠ ويجبوز أن يكون تسميتها ايات لدلالة أوائلها وأواخرها على بدايتها ونهايتها » وتحديد هذه الآيات توقيفي لا جال للاجتهاد فيه . وإذا علمتم أن كل ما يفتح عليه الإنسان عينيه » بل کل ما يدرکه بأي حاسة كانت هومن ايات الله أدركتم أن أولى ما تفسر به الآيات هنا هو کل ما کان شاهدا على معرفته تعالی ودلیلا على وحدانیته » وتبیینا لأوامره ونواهيه » ووعده ووعيده . فتدخل في ذلك المخلوقات اللحسوسة والمعقولة . وما أوحاه الله إلى أنبيائه من تعليم خلقه › وتبيين ما خفي عنم علمه » ولا وجه لحصر هذه الآيات في القران لأنه تخصيص بغير مخصص » ولأن الخطاب ل يكن ذه الأمة وحدها . والعدول عن الضمير الى الاسم الظاهر - في قوله : لإفمن اتبع هداي مع جواز أن يكون بدله فمن اتبعه لتقدم اسم ادى إنما هو لأجل التفخيم والاهتمام ليزداد المعنى رسوخا في أذهان المخاطبين ٠ ولأجل استقلال هذه الحملة بنفسها بحيث لا تشتمل على ضمبر يعود على ما ذكر فيا قبلها حتى يكن اعتبارها مثلا سائرا » ونصيحة مشهورة ترددها الألسن فتتذكرها النفوس وتتاثر بها على حد قوله تعالى : «وقل -۔ ۱۱۳ - جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل کان زهوقاڳه (الاسراء : ۸۱) . والمراد بكون الذين كفروا وكذبوا بايات الله أصحاب النار أغهم يلزمونها كا يلزم الصاحب صاحبه غير أن الصحبة قد تكون دائمة وقد تكون مؤقتة » وقد نفي الإحتمال الثاني بقوله : هم فيها خالدون» فلا مطمع لم في الإنفكاك عنها والخروج منها . - ١٤٦۱ -۔ ا 6 و © ر ‎o 2s £ & J۴‏ يا بني إسرائیل آذکروا نعمتي آل انعمت عليکم واوفوا َ ٤.2 ۔ 7 م لو“ وه ۴ د۶ و 2 بعهدي اوف بعهدكم وإياي فارهبون #٭ وامنوا بما انزلت مصدقا ا رر ‎E‏ و ‎CAE e‏ لما معكم ولا تکونوا اول کافر به ولا تشتروا بایاتي ٹمنا قلیلا وإٍياي اتقون (البقرة : الآيتان 4° - ١4) . بعد الحديث عن ادم وقصة استخلافه في الأرض وما تبع ذلك من بيان منقلب طائفتي المهتدين والضالين بعد حياتهم الدنيا بحسب حام فيها يوجه الله سبحانه هذا الخطاب الطويل إلى بني إسرائيل مقرون بتذكيرهم النعمة الي أنعمها عليهم ٠ وبيان عثراتهم وسوء معاملتهم لأنبيائهم . وغلظة طبائعهم ١ وقسوة قلوبهم ٠ وإعراضهم عن ایات الله . وتحريفهم ما أنزل » وكفرهم بكثير من أحكام الكتاب الذي بایدیہم الى ما وراء ذلك ما دأبوا عليه ي سلسلة تأريخهم عبر أحداث شتی ٤ وإسرائیل هو يعقوب عليه السلام ومعناه صفي الله ٠ وف ندائهم بهذا الاسم تذكير لحم بأنهم أحرياء بأن يكونوا أسبق الناس إلى الإيمان وأسرعهم إلى الإاحسان » خصوصا » وأنهم قد تسلسلت فيهم النبوات وتتابعت في أجيالحم الرسالات » وسط الله لحم صنوف نعمه 6 . وكانت لديهم بقية من علم الكتاب يمكنهم بها التمييز بين الحدى والضلال ٠ وكانوا بذلك على علم بمبعث خاتم النبيين » بل كانوا على انتظاره بمارع الصبر ليرفع عم کابوس الذل ۴ ومحطم عم فیود ١۵٦۱ - الموان » وإنما صرفهم عنه الحسد الذي مردوا عليه ٠ والأنانية التي عرفوا بها » فكانوا مصدر بلاء عليه وعلى أمته » وعقبة كؤودا ئي طريق دعوته » فكثيرا ما حاولوا صرف الناس عن الإيمان به » وشوهوا الحقيقة للذين ينشدونها , وظلوا على اتصال بكل الفئات المحاربة للاسلام › كى| أظهر بعضهم الإسلام بقوله لأجل الوصول إلى ما يريدونه من إشعال نار الفتنة في صفوفه وبين أبنائه . وهؤلاء هم الذين عرفوا بالمنافقين . وبنو إسرائيل الذين كانوا في ذلك الوقت مصدر هذا البلاء هم يهود المدينة وما حوفا » وهم جزء من سائر اليهود . فطبائعهم هي طبائعهم › وسلوكهم هو سلوكهم » وقد انطوى خطابهم على الترغيب تارة » وعلى الترهيب تارة » وعلى التذكير أخرى ليكون ذلك أدعى إلى ارعوائهم وأرجی في إصلاح نفوسهم الفاسدة . وعلاج أدوائهم المتأصلة غير أن أمراضهم كانت أعصى على العلاج ٠ وأبلغ من الدواء . فلم يؤمن منهم إلا قلة قليلة قدروا على مغالبة طبائعهم »٠ ومقاومة نفوسهم › فكانوا للحق حجة وللاسلام قوة » وهم عبدالله بن سلام رضي الله عنه ومن نهج نجه . وآما سائرهم فقد شرقوا عندما ظهر هذا النبي من ولد اسماعيل عليه السلام ولم يكن من ولد اسحاق » وهم كانوا يطمعون أن لا تخرج النبوة عنهم لا يرونه لأنفسهم من المزايا فأدى ذلك الى تكذيبهم با كانوا. یرددونه من قبل من بشائر إظلال زمنه ودنو إشراق صبحه ٠ وای تاویل نصوص التبشير به في أسفارهم من توراة وغيرها » رغم أن صفاته فیها 2 واضحة جلية لا يماري فيها لبيب . التناس بين ايات .القران وسوره وقد يعرض هنا تساؤ ل عن وجود مناسبة رابطة بين ما تقدم من قصة ادم © وهذا الخطاب الموجه الى بني إسرائيل . وجوابه أن العلماء مختلفون في وجود التناسب بين ايات القران وسوره » وفي اجداء البحث عن ذلك ٠ لأن القران نزل في ظروف مختلفة . ولأغراض شتى في أزمنة متطاولة . فقد نزل في ظرف ثلاث وعشرين سنة » منه ما نزل في السلم » ومنه ما نزل في الحرب »٤ ومنه ما نزل في الحضر ومنه ما نزل في السفر » ومنه ما نزل في حال ضعف اللسلمين ٠ ومنه ما نزل بعد قوتهم » ومنه ما كان أمرا ونهيا » ومنه ما جاء تبشيرا وانذارا ٩ ومنه ما هو ناسخ ومنه ما هو تقریر » ومنہا ما هو قصص وأخبار » إلى غيرها من الأغراض التي نزل لأجلها ء ول يرا في ترتیب سوره وایاته ترتب نزوله » ولا ترتب هذه الأغراض ٠ فرأت طائفة تعذر وجود التناسب مع ذلك »٠ وعدوا طلبه من باب طلب لمناسبة بين الضب والنون ٠ والماء والنار › والملاح والحادي ٠ ومن أصحاب هذا الرأي الإمام الشوكاني في فتح القدير . وقد بالغ في الإنكار على القائلين بالتناسب بين آيات القران جميعها حتى عد ذلك فتحا لأبواب الشك ٠ وتوسيعا لدائرة الريب على من في قلبه مرض أو کان مرضه محرد الجهل والقصور › وعلل ذلك بأن هذا الجاهل إذا وجد آهل العلم يتكلمون في التناسب بين جميع آي القران » ويفردون ذلك بالتصنيف تقرر عنده .أن هذا أمر لا بد منه وأن القران لا يكون بليغا ۷٦۱ - معجزا إلا إذا ظهر الوجه المقتضي للمناسية ٠ وتبين الأمر الموجب للإرتباط » فإن وجد الاختلاف بين الآيات فرجع إلى ما قاله المتكلمون في ذلك فوجده تكلفا محضا » وتعسفا بيّنا انقدح في قلبه ما کان عنه في عافية وسلامة . وعد الشوكاني الاشتغال بأمثال هذه البحوث تضييعا للأوقات ٠ وإنفاقا للساعات في أمر لا يعود بنفع على فاعله › ولا على من يقف عليه من الناس » وجعل مثله مثل الذي يعنى بكلام بليغ من البلغاء فيحاول إيباد التناسب بين خطبه التي ألقاها ي مقامات مختلفة ٠ ولأغراض متباينة . ورسائله التي أنشأها لأسباب شتى ٠ أو إلى شعر شاعر فيجتهد في البحث عن المناسبة بين قصائده التي تكون تارة مدحا › وتارة هجاء » وحينا نسيبا » وحينا رثاء » واذا کان طالب ذلك في کلام البشريعد راكبا للأ حموقة فأجدر من طلبه في كلام الله أن يكون - في رأي الشوكاني ‏ أشد حماقة » وأكثر غباوة على أن كلام الله أنزله بلسان عربي مبین » لم يرج به عن مسالکهم » ولم يتجاوز أساليبهم() . وذهب اخرون إلى القول بالتناسب » وقد عنوا عناية فائقة ببحثه حتی ان منہم من أفرد هذا الموضوع بالتأليف كالعلامة برهان الدين البقاعي الذي ألف في ذلك كتابا سماه «نظم الدرر في تناسب الآي والسور» » وقد سلك هذا المسلك غير واحد من المحققين › منم الأمام ابن العربي الذي ذكر أنه عُني بشرح التناسب بين آي القرآن في تفسير كبر له لم جد له أهلا فطواه عن الناس » والفخر الرازي في مفاتيح (١) فتح القدير ج٠ .ص ۸٥ 0۹ الطيعة الاولى . - ۱۱۸ الغيب »٠ وأبوحيان في البحر المحيط ٠ والامامان محمد عبده › ومحمد رشيد رضا في المنار » والإمام ابن عاشور في التحرير والتنوير » وقد اخحتلف هؤلاء هل التناسب بين ايات كل سورة » أو انه حتى بين السور نفسها بحيث تكون فاتحة كل سورة مرتبطة بخاتمة ما قبلها ؟ وهذا هو الذي درج عليه البقاعي ٠ وبه قال أبوحيان ناقلا له عن أحد شيوخه في تفسيره لأول البقرة » وهو الذي يفهم مما ذكرته عن شيخنا العلامة الامام أي اسحاق اطفيش ‏ رحه الله - في تفسير فواتح السور ؛ ومن قال بالتناسب بين ايات السورة من غير تعرض لتناسب السور نفسها الامام ابن عاشور في التحرير والتنوير . وقد أضاف بعض التأخرين - كالعلامة الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه النباً العظيم - إلى التناسب ما هو أدق منه وهو النظام بحيث تكون كل اية ليست مرتبطة با قبلها وما بعدها فحسب ۽ وإنما هي وقعت ي مكانها الملائم بحيث يتخلخل البيان لو أنها قدمت عليه أو أخرت عنه . وهؤلاء جميعا بنوا اراءهم على أن ترتيب القران توقيفي كما يفهم من بعض الروایات » وآنه کان مرتبا قبل نزوله وإنما کان ينزل ما ينزل منه على النبي يَأ بحسب الوقائع والأحداث ٠ ومثل ذلك - ولله المثل الأعلى - مثل القصيدة الواحدة المشتملة على معان شتى › : وأغراض متعددة غير أنها تلاحمت ألفاظها بترابط معانيها . ويمكن الاستشهاد ببيت أو شطر منہا فيا يلائمه من المقامات . -_ ۱۹٦۱ - وأرى أن التناسب بين أي القران أمر لا ينبغي إنكاره » فهو ماثل جل لأولي البصائر » وإنما يجب على من بحث فيه أن يقنع با انکشف منه له . وأن يقف عا غمض عليه . #إوفوق كل ذي علم عليم» (يوسف : ٢۷) » والتكلف فوق ما يسنح للفهم هو الذي لا يحمد › وبحسبنا أن نعتقد أن القران أبلغ ما وصل إلى الأسماع ووعته الألباب ٠ وأن لطائف تعبيره أكثر من أن تحويا الأفهام ٠ فإذا ما اتضح لنا تناسب بين بعض اياته أو أكثرها ولم يتضح لنا في البعض فا علينا إلا أن نقف عند حد ما وصلت إليه أفهامنا . وأن لا نتجاوز ذلك إلى تحمل مالم و تحمله ‏ وادعاء ما لا نعلمه . وإذا أدركتم ذلك اتضح لكم أن القائلين بعدم تناسب كل ما في القران لا يعنون بالنظر في وجه الربط ما بين هذا الخطاب الموجه إلى بني إسرائيل والقصة التي قبله › أما القائلون بالتناسب فلم يألوا جهدا في بيان وجه ذلك ٠ وأظهر الوجوه هو أن الله تعالى دعا الناس أولا الى عبادته في قوله : هيا أيها الناس اعبدوا ربكم .. الخ › وذكرهم نعمته عليهم ولفت أنظارهم إلى اياته في خلقهم وخلق ما حوطم ٠ وبين لهم اية صدق نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام الذي بعثه إليهم › وقرن تبشير الذين امنوا بوعيد الذين كفروا . وكشف عن حالة كل طائفة في تلقي ما يأني من قبله من الأمثال » ونعى عليهم كفرهم به مع سبحهم في خضم نعمه وإشراق اياته في كل شيء ٠ ثم أورد عليهم قصة أصل البشر وأنهاها بیان مصیرهم في دار الجحزاء حسبا یکون منہم في دار ١۱۷ = العمل ٠ فكان جديرا بعد ذلك خطاب بني إسرائيل - وهم طائفة من الناس الذين خوطبوا أولا ‏ لا عندهم من علم الكتاب الذي يميزهم عن سائر الناس ويمكنهم من التفرقة بين الحق والباطل » والتمييز بين ادى والضلال » فهم بموجب ذلك أحرى بأن يسبقوا إلى الإيمان وآن يذعنوا للحق ٠ ولأن الله نشر فيهم من الحدى وبسط عليهم من النعمة ما ل يكن في غيرهم » فقد تتابعت فيهم الرسالات وتعاقبت بينهم النبوات ٠ وكل ذلك يحفز أولي الفكر الثاقب والبصائر النيرة إلى الإيمان والطاعة . وذهب صاحب النار إلى أن هذا الكلام لا يزال ي الكتاب ٠ وكونه لا ريب فيه » وبيان أحوال الناس وأصنافهم في آمره » وبنى ذلك على أن التفنن في مسائل مختلفة منتظمة في سلك موضوع واحد هو من أنواع بلاغة القران وخصائصه المدهشة التي لم تسبق لبليغ . ولن يبلغ شاوه فيها بليغ وخلاصة القول أنه تعالى ذكر الكتاب ووصفه أنه لا ريب فيه » ثم ذكر اختلاف الناس فيه ٠ فابتداً بالمستعدين للإيمان › النتظرين للهدى الذي يضيء نوره منه » وثنى بالؤمنين › وثلث بالكافرين » وقفى عليهم بالنافقين » ثم ضرب الأمثال لذا الصنف الأخيرء ثم طالب الناس كلهم بعبادته . ثم أقام البرهان على كون الكتاب منزلا من عند الله على عبده محمد يَيةٍ . وتحدى الرتابين با أعجزهم ٠ ثم حذر وأنذر » وبشر ووعد ٠ ثم ذكر المثل والقدوة وهو الرسول() » وذكر اختلاف الناس فيه كا ذكر اختلافهم ي الكتاب ٠ (١) هذا مبني على ما نقلته عن صاحب النار في الجزء الثاني من تفسيره المثل بالقدوة الذي يُحتذى ٠ وغير من علماء ۔ ا۱۷۱ - ثم حاجٌ الكافرين » وجاءهم بأنصع البراهين وهو إحياؤ هم مرتين › وإماتتهم مرتين › وخلق السماوات والأرض بنافعهن ٠ ثم ذكر خلق الإنسان وبين أطواره . ثم طفق يخاطب الأمم والشعوب الموجودة في البلاد الي ظهرت فيها النبوة تفصيلا . فبداً في هذه الآيات بذكر اليهود للمزايا التي كانوا عختصين بها » والكلام لم يخرج بهذا التنويع عن انتظامه في سلکه وحسن اتساقه في سبکه » فهو دائر على قطب واحد في فلکه » وهو الكتاب » والمرسل به » وحاله مع المرسل إليهم( . وني خطابهم ببني اسرائيل - مع إمكان خطابهم بغيره من الأسماء والألقاب ‏ ما علمتم من بعث عزائم الخير في نفوسهم لو كانوا لذلك أهلا لأن من شأن الإنسان الرغبة في أن يحذو حذو أبيه فيا كان عليه من جد وخير » ففي مواطن القتال يثار ماس القاتلین بتذکیرهم ببطولات آبائهم الماضين ٠ وفي مقام البذل والعطاء يذكر أصحاب الكرم بأيادي آبائهم الأسخياء فينادون منسوبين إليهم . وهكذا في مقام الدعوة إلى الخبر والنداء إلى البر يحسن تذكر الأخلاف بالأسلاف ٠ ومن وسيلة ذلك نسبتهم إليهم في ندائهم . والمراد بالنعمة التي أنعم الله بها عليهم جنس النعم ٠ فتدخل فيها أصناف الأيادي التي بسطها الله لحم ٠ ونعمه تعالى أكثر من أن تحصى ٠ منہا ما هو مشترك بين بني اسرائيل وغيرهم من الناس ٤ ومنہا ما هو خاص بهم » ومنها ما هو خاص بغيرهم » والجنسية مستفادة من