مركز الدراسات الاباضية دراسات عن الإباضية بقلم الدكتور عمرو خليفة النامي 2001 دار الغرب الاسلامي مقدمة (واقع التراث الإباضي) عرف الفكر الإباضي بأئمته وعلمائه الذين حاولوا أن يبنوا قواعد دولته، وجاهدوا في إرساء أصوله الفكرية، فألقوا في مسائلة الفقهية والكلامية، وكتبوا في مسيرته الحضارية والتاريخية، ولكنهم كشأن أي حركة دينية ذات طابع سياسي واجهروا المطاردة والملاحقة من خصومهم منذ ظهور هذا الفكر على الساحة السياسية. وكان هذا الواقع المؤسف من أقوى الأسباب التي جعلت أصحاب هذا الفكر مضطرين إلى إخفاء مؤلفاتهم خشية أن يطلع عليها خصومهم فيصادروها، بل فعلوا ذلك في بعض المراحل من تاريخهم مخافة أن يتعرضوا هم أنفسهم للتعذيب والاضطهاد. وبسبب هذا الموقف المتعسف وبسبب الخوف على تلك المعارف أن تضيع، لجأ العلماء الأوائل إلى إيصال معارفهم تلك، عن طريق المشافهة والتلقين بعيدا عن أعين الناس، كما فعل أحد رواد هذا الفكر وهو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة. وكان هذا الواقع المؤلم مصاحبا للمذهب، وتراثه في المشرق والمغرب، منذ نشأته في منتصف القرن الثاني الهجري إلى حين قيام أول دولة قوية للإباضية وهي الدولة الرستمية، أو بعبارة أدق نستخدم فيها مصطلحا طالما استخدمة أصحاب هذا الفكر، من مرحلة الكتمان إلى مرحلة الظهور. ففي ظل الدولة الرستمية التي وفرت الحماية لحرية الفكر والتعبير لمذهبها الذي اعتنقته ولغيرها من المذاهب والطوائف الأخرى، وبفضل العدالة الإسلامية التي انتهجتها الدولة الرستمية كطريقة حكم ازدهر التأليف، وكثرت حلق المذاكرة، وشاعت أسواق الجدال والمناظرة، وأنتجت هذه السياسة الرشيدة مكتبة المعصومة التي أشاد بتراثها المؤرخون، ولكنها والأسف ملء الجوانح، احترقت أثناء هجوم عبيد الله الشيعي على تاهرت، وكانت شاهدة لأئمة الدولة الرستمية بالنزاهة والعدل، بقدر ما ستبقى شاهدة على أعدائهم الفاطميين على التعصب المقيت، ومعاداة أنوار العلم والمعرفة. وشهد الفكر الإباضي مرحلة أخرى من الاضطهاد والظلم، وعاد أصحابه مرة أخرى إلى مرحلة الكتمان، متسترين بالشعاب والمسالك الصحراوية، لائذين بعقيدتهم إلى واد غير ذي زرع، وكان ذلك حالهم إلى حين استقرارهم بوادي ميزاب في بداية القرن الخامس الهجري. وأحب أن أوكد على أن هذه المرحلة رغم قساوتها السياسية، فإنها لم تعرف نضوبا فكريا، إذ أن المصادر الخاصة بدراسة سير العلماء والمشايخ والأئمة تدل على أن الإباضية كانوا مثل غيرهم من المذاهب الأخرى أصحاب عناية بالتأليف، والتحقيق والتدوين، ولا سيما في الشريعة والتاريخ. فالذي يرجع إلى سير الشماخي، أو جواهر البرادي، أو ملحق السير لأبي اليقظان يتأكد من هذا التراث المعرفي الواسع، فمن خلال عناوين هذه المؤلفات يدرك أن الإباضية ألفوا في مختلف العلوم الإنسانية، وأنهم كتبوا في شتى ضروب المعرفة، ولعل بعض البيبلوغرافيات الحديثة مثل تلك التي قام بإعدادهما لفتسكي، أو شاخت أو غيرهما من الأوروبيين تساعد على تصور نصيب الإباضية ومكانتهم في هذا المجال. على أنه لو قام احد بإحصاء جميع الكتب التي ألفها أصحاب هذا الفكر ونسبتها المئوية إلى عددهم، ثم فعل مثل ذلك في بقية المذاهب، ثم قارن بين نسب الجميع، لوجد نسبتهم من أعلى النسب إن لم تكن أعلاها، على أن الكثير منها ضاع للملاحقة السياسية التي لم تتوقف في أي زمان عن مطاردتهم ومضايقتهم بشتى الأساليب والصور، حتى بلغت في مداها أحيانا حرق الكتب والمكتبات، وفي أحيان كثيرة تكون أصابع الفقهاء المتعصبين وراء أجهزة السلطة....وإلى الآن لا تزال أكثر كتب هذا الفكر وأهمها مجهولة حتى عند أصحابها أنفسهم. ولكن الذي يؤسف له حقا هو أن هذا التراث ضاع أكثره إذ جنت عليه الظروف الخارجية، من حروب وملاحقات، وأودى ببعضه الآخر الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي لم تساعد أهل العلم على الاستقرار النفسي لمتابعة المسيرة، بل إنهم زهدوا في نشر هذا التراث وطبعه. واقع التراث الإباضي في العصر الحاضر أحسب أنه من أسبق علماء الإباضية في العصر الحديث بنشر هذا التراث وإخراجه للناس، ما قام به الشيخ سليمان الباروني والمطبعة البارونية بمصر، وما طبعه الشيخ أطفيش من نفائس وذخائر. هذه المجهودات أخرجت من حيز النسيان تراثا قيما ما زال بعضه إلى يومنا هذا في طبعه الحجرية مثل: قناطر الخيرات، والنيل وشفاء العليل، وفاء الضمانة، والدليل لأهل العقول، والأزهار الرياضية، وغيرها. كان ذلك قبل الحرب العالمية الأولى. وجاء بعد المطبعة البارونية المرحلة القيمة التي قطعها الشيخ أبو إسحق أطفيش، الذي كان نفيه من قبل الاستعمار الفرنسي إلى القاهرة خيرا وبركة، حيث أخرج هو الآخر ذخائر نفيسة من مؤلفات قطب الأئمة، بطبعه أحسن وإخراج أجود، وإليه يعود الفضل في إخراج الأجزاء الأخيرة من شرح النيل، والذهب الخالص، وشامل الأصل والفرع، والوضع وغيرهما من المصادر والمراجع الهامة في الفقه والتاريخ. وما نزال حتى اليوم نتدارس بعض هذه الطبعات التي تعود إلى الثلاثينيات والأربعينيات. وما من شك في أن التعاون الإسلامي بين أبي إسحق إبراهيم أطفيش وبين صديقه الداعية الكبير محب الدين الخطيب، صاحب المطبعة السلفية، قد ساعد على إخراج الكثير من هذه الكنوز إخراجا جيدا، وكان لمجلة المناهج التي كانت تطبع بهذه المطبعة دور الداعية الذي كان همه الأول وهاجسه الوحيد إيقاظ المسلمين إلى واقعهم المرير تحت وطأة الاحتلال الغربي، وما يتهددهم من غزو فكري، وما يستخدم من وسائل إعلامية حاقدة على رأسها الإرساليات التنصيرية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنها كانت – أي المناهج – تعرف بالفكر الإسلامي وتراثه وحضارته وتصحح المفاهيم التي علقت بأذهان المسلمين من رواسب عصور التخلف والانحطاط. وبما أن أبا إسحق إباضي فإنه لم يأل جهدا في التعريف بهذا المذهب وتراثه الحضاري. وفي أوائل الستينيات برز إلى عالم الفكر الإسلامي كاتبان إباضيان، أحدهما هو الشيخ علي بن يحيى معمر الليبي النفوسي، وثانيهما هو الشيخ محمد علي دبوز الجزائري الميزابي. وإذا اتجه محمد علي دبوز إلى تاريخ المغرب الإسلامي، ثم إلى الحركة الإصلاحية يصحح ما فيها من مواقف ومعلومات خاطئة، في وقفات طويلة، فإن الشيخ علي يحيى معمر اتجه إلى تاريخ الإباضية قديما وحديثا، فأصدر سلسلته الرائعة القيمة الإباضية في موكب التاريخ، وهي تشتمل على حلقات، كانت الحلقة الأولى عن النشأة التاريخية للإباضية، فالحلقة الثانية والثالثة عن الإباضية في ليبيا، فالرابعة عن الإباضية في تونس، ثم الخامسة عن الإباضية في الجزائر. ولقد كشف بمنهجه الدعوي، وذكائه الوقاد، وورعه الشديد، وحبه العارم لأمته الإسلامية عن كنوز عرفت القارئ المسلم بشخصيات وزعماء وعلماء لم يكن يعرف عنهم شيء من قبل. ولكن الكتاب الذي يصب في قناة التوحيد بين المسلمين، وجمع كلمتهم هو كتبه الرائد في منهجه وفحواه الإباضية بين الفرق الإسلامية، وقد هداه فكره النير، وذهنه الإسلامي الثاقب إلى وضع نظرية يعلي عليها المسلمون المعاصرون بناء وحدتهم، وعبد طريقا يسلكونه إلى جمع كلمتهم ولم شملهم، وقد لخص هذه النظرية في المبادئ الثلاثة: المعرفة، التعارف، الاعتراف. والشيخ علي يحيى معمر بمؤلفاته القيمة تلك يعد من أهم الدعاة الإسلاميين الداعين إلى وحدة المسلمين في هذه العقود الأخيرة. وأحسب أن أغلب الكتابات التي أخذت تنتشر هنا وهناك عربية أو أجنبية في محاولة منها لإنصاف الإباضية تتخذ كتب الشيخ علي يحيى معمر من مصادرها الأساسية. أما في المشرق فقد برز الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان، فتحمل مسؤولية الدعوة إلى التقارب ونبذ الخلاف، وقد وهبه الله صفات أهلته لذلك عن جدارة واستحقاق، فهو علام راسخ القدم في الشريعة الإسلامية، حباه الله ذاكرة فياضة، تسعفه بالأدلة من القرآن والسنة، إلى تواضع جم يحببه من النفوس، ويقربه منها، وهو في سبيل هذه الرسالة ما فتئ مشاركا في المؤتمرات الإسلامية يدعو إلى الله على المنابر، وإذا سمع أو رأى باطلا أو تهجما إنبرى إلى الرد غير هياب ولا وجل.. يجادل بالتي هي أحسن، ويحاور بالعقل والمنطق والأدلة العقلية والنقلية. وعسى أن يجتهد الناشرون في نشر كتاباته القيمة، ومؤلفاته الهامة فإنها من أهم وسائل التقريب بين المذاهب الإسلامية، وقد وضحت آثار جهوده تلك في منطقة الخليج والمشرق العربي بما سيدخره الله له في صالح الأعمال إن شاء الله. مكانة هذه الدراسة وفي خضم هذا الواقع المشار إليه سابقا تجيء دراسة الدكتور عمرو النامي القيمة (دراسات عن الإباضية)، وهي فيما أعلم أول دراسة أكاديمية جادة يقدمها باحث إباضي، ونظرا لأهميتها ذات الطابع المعرفي العام الشامل ونظرا لمنهجية صاحبها، واستناده إلى الوثائق والنصوص عودة إلى مصادرها الأساسية، فقد اعتمدها كثير من الباحثين المعاصرين عربا وأجانب، ولعل من توفيق الله سبحانه وتعالى لصاحبها أن يقدم هذه الدراسة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة كمبودج باللغة الإنجليزية ليطلع الأجانب والعرب معا على حقيقة هذا المذهب ومنهجه الدعوي. وظلت أطروحة الدكتور عمرو النامي حبيسة لغتها الإنجليزية منذ سنة 1971 إلى أن قيض الله لها الفاضل الحاج حبيب اللمسي صاحب دار الغرب الإسلامي لنشرها مترجمة إلى اللغة العربية، حتى يطلع عليها الباحثون والدارسون في الوطن العربي، ليعم بها الانتفاع، ويحصل القصد النبيل الذي من أجله ألفت وترجمت، فيضيف بذلك مؤلفا هاما إلى قائمة المنشورات التي ما فتئت دار الغرب الإسلامي تقدمها إلى القارئ العربي مشكورة مأجورة. ولست في حاجة إلى تقديم هذه الأطروحة العلمية الهامة إلى القارئ الكريم لأن مثل هذا العمل القيم في غنى عن ذلك، وإنما أرغب في أن أشير إلى أننا حاولنا قدر المستطاع أن نقدم للقارئ النصوص المعتمدة في الأطروحة من مظانها بلغتها العربية التي كانت كتبت بها أصلا، ولذا فقد يلحظ اختلاف بين النسخ التي جاءت في الأصل الإنجليزي وبين الأصل المترجم إلى اللغة العربية، لأننا لم نستطع التوصل إليها لندرتها، وأغلبها مخطوطات رجع إليها الباحث الدكتور عمرو النامي هنا وهناك من المكتبات الخاصة والعامة وخصوصا، وأن الكثير مما كان مخطوطا أثناء كتابة الأطروحة أصبح اليوم مطبوعا وهو ما يسهل للباحثين الرجوع إلى النصوص في مظانها الأصلية إن هم رغبوا في ذلك، والمهم على كل حال هو ذكر النص المعتمد كما هو موجود في أصله. وحسبنا أننا اجتهدنا في العودة بالقارئ الكريم إلى النصوص الأصلية كلما وجدنا إلى ذلك سبيلا، ونعتذر عما تعذر الوصول إليه. نسأل الله أ، يجعل هذا العمل ذخرا في ميزان حسنات الدكتور عمرو النامي حيثما كان، ونسأل الله أن يجمع قلوب المؤمنين على حب شريعته ودينه ويوحد صفوفهم لنصرته وتمكينه. مؤلف هذه الدراسة - من هو عمرو النامي: ولد عمرو خليفة النامي في سنة ( 1939 ) في نالوت إحدى قلاع الجبل الغربي من جبل نفوسة الأشم. وتربى في أحضان عائلة فقيرة مثل أغلب عائلات الجبل ولكنها غنية بقيمها، ومحافظتها على الدين الإسلامي، والأخلاق الفاضلة، ومن هنا فتح عمرو عينيه على هذا الجبل الذي تنطق كل ذرة فيه بالأمجاد الإسلامية موطن الأمازيغ الصناديد المشهورين بالبطولة، والبسالة، والرجولة، ونالوت تعد أحد معاقل الجبل حيث نشأ المذهب الإباضي وترعرع قبل أن يمتد إلى باقي أجزاء المغربين الأدنى والأوسط في القرون الهجرية الأولى. - مسيرته العلمية: اختلف إلى الكتاب يحفظ القرآن مثل لداته، وتعلم مبادئ اللغو العربية والعلوم الشرعية وكانت نالوت تتحدث عن حركة إصلاحية ونهضة إسلامية واعية يترأسها ويدعو إليها أحد أبناء نالوت الشيخ علي يحيى معمر، وسرعان ما ارتسمت صورة الشيخ علي المهيبة في ذاكرة الطفل الذي انتقل بعد ذلك إلى مدينة غريان حيث درس في المدرسة الإعدادية والثانوية. وكانت ليبيا مثل غيرها من البلاد الإسلامية تتطلع إلى عهد مشرق وغد أفضل بعد الحسرات التي مرت بها من جراء أتون الحرب العالمية الثانية التي خلفت آثارها بصفة خاصة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وكان الفتى اليافع عمرو يختلف إلى مجالس الشيخ علي ويسمع منه فصولا من تاريخ الفاتحين الأوائل والمجاهدين الذين رفعوا لواء الإسلام عاليا في هذه الربوع، ويحرك في ضميره ذكريات الرجال العظام من أسلافه الأمجاد الذين تشهد كل ذرة رمل في الجبل على منافحتهم عن الإسلام سواء في العهدين الأموي أم العباسي أم في العصر الحديث ضد الاستعمار الإيطالي والحكم العثماني ولا سيما ما تركه الشيخ سليمان الباروني من آثار وأفكار. في هذه الأثناء كانت عودة الشيخ علي من الجزائر حيث قضى حوالي عشر سنوات ينهل من معين معهد الشباب على يد شيخ الحركة الإصلاحية الإمام الشيخ إبراهيم بيوض، عاد الشيخ علي متحمسا للنهضة والإصلاح وبعث ما أذبلته الأيام من نضارة الأمجاد السالفة، وكان لا بد أن يتأثر الشاب الذكي عمرو النامي بكل ما يجري حوله ويدور من مناقشات ودروس ووعظ وإرشاد، ويتطلع إلى أن يتبوأ منزلة مرموقة في هذه الصفوف العلمية تستشرف غدا أفضل للمسلمين ولا سيما تلك الربوع التي ران عليها الجهل والتخلف والفقر. ولا نكاد نصل سنة 1957 حتى يلتحق الطالب الذكي الجاد بجامعة بنغازي هذه الجامعة التي تعد أول جامعة في ليبيا إذ افتتحت سنة 1955 وتمكنت هذه الجامعة في عقدي الخمسينات والستينات من استقدام عدد من الأساتذة الجامعيين اللامعين وجلهم من جامعتي القاهرة والإسكندرية، وكانت لعمرو علاقات حميمة مع أستاذة الدكتور محمد محمد حسين الذي ربطته به علاقة بنوة عميقة، وكان الدكتور معجبا بذكاء عمرو ونجابته وأخلاقه وسلوكه. ونحسب أن التقاء عمرو النامي بالشيخ الدكتور محمد محمد حسين كان توجيها إلهيا وتوفيقا ربانيا إذ وجد على يد الدكتور الملتزم الجاد، المربي والموجه وكأن الله سخر له الدكتور الأصيل بفكرة وثقافته وأخلاقه وسلوكه ليكمل ما وجده في شيخه علي يحيى معمر في مرحلته الابتدائية والثانوية. يقول زميله الناكوع عن تلك العلاقة: (( كان الدكتور محمد محمد حسين مولعا شديد الإعجاب بذكاء عمرو النامي فاهتم به وشجعه على المضي في طريق البحث والدراسة حتى يصبح يوما ما أستاذا جامعيا، وجمعت بين الأستاذ وتلميذه رابطة المنطلق والتوجيه الإسلامي )).1 -الدراسات العليا: وما لبث عمرو حتى أظهر تفوقا وذكاء مميزين أهلاه ليكون من بين الطلاب المتفوقين الذين اختارتهم الجامعة ليزاولوا دراستهم العليا خارج ليبيا، وراح يستعد لمرحلة الدراسات العليا، وتوجه في بداية الأمر إلى مصر. - تعرفي عليه: في هذه الآونة كان تعرفي الألو على عمرو النامي عن طريق أستاذي الشيخ محمد علي دبوز، فقد حظينا ببعض اللقاءات القليلة معه ومع الشيخ علي معمر الذي كان يزور القاهرة عندئذ لطبع كتابه الهام ( الإباضية في موكب التاريخ ) وقد ترك عمرو النامي في ذاكرتي انطباعا ملؤه الإعجاب برصانته وذكائه، واجتهاده، وتطلعه إلى المشاركة بقلمه في الدرس والبحث في مجال العلوم الإسلامية، وعرفت فيه أيضا شاعرا حساسا وتقديرا عظيما لتاريخ السلف، وشغفا واضحا بالتراث فكرا ورجالا، وكان النامي يستروح هذه الروحانية من جلساته المتكررة إلى أبي إسحاق إبراهيم اطفيش بقية السلف الصالح. وبينما كان في تلك المرحلة وقعت أحداث 1965 وهي أحداث اعتقالات الإخوان وإعدامهم وكان على رأسهم الشهيد سيد قطب، ونظرا لأن عمرو النامي يقع في نفس الدائرة من حيث التوجه الفكري ولعلاقته الحميمة بسيد قطب وخشيته من أن تمتد إليه يد الاعتقال ترك مصر، وترك شأن الدراسات العليا بها وعاد إلى ليبيا لبعض الوقت.1 لم يستسلم عمرو لحظة العاثر في مصر إذ سرعان ما تجهت به همته نحو الغرب وإلى جامعة كمبردج بالذات وبموافقة الجامعة الليبية وبمنحه منها بفضل مديرها الأستاذ مصطفى بعيو الذي قدر ظروف عمرو النامي ووافق على إجراءات التغيير. سافر عمرو إلى بريطانيا سنة 1967 وأمضى في رحاب جامعة كمبردج خمس سنوات، باحثا منقبا مستفيدا من الثقافة الإنجليزية التي تفوق تفوقا ظاهرا حتى بات يكتب بها أبحاثه ومقالاته بكل اقتدار وهي التي كتب بها أطروحته التي نال بها الدكتوراه تحت عنون: دراسات عن الإباضية. وكان لقائي الثاني به في رحلة قمت بها أنا وصديقي المرحوم أحمد فرصوص إلى كمبردج نزلنا أثناءها ضيفين مكرمين عليه 2واستطعت في هذه المدة القصيرة أن أتعرف على عمرو النامي عن قرب، واكتشفت فيه جانبا جديدا من اهتماماته الإسلامية في أوساط الغرب، وأطلعني على بعض مقالاته التي كان يكتبها ضد التيار اليساري في البلاد العربية بعامة وفي ليبيا بخاصة، كما كان ينتقد بمرارة لاذعة مواقف المنبهرين بالمدارسة الغربية ويوضح بأسلوب علمي رصين تهافت الحضارة الغربية وسلبياتها. والحق إن الفترة التي قضاها في كمبردج كانت كلها عطاء سخيا، وفكرا نيرا، يقول عنها صديقه محمود الناكوع: (( كان حصادها التعليمي الدكتوراه في الدراسات العربية الإسلامية، وحصادها العام ثقافة واسعة، وتجربة حضارية وعلاقات متنوعة مع أهل العلم والفكر ورواد الحركات الإسلامية من مختلف الأجناس واللغات والقارات.1 -كتاباته: كان عمرو النامي في هذه المرحلة في أوج نشاطه عطاء وفكرا وإنتاجا كان يمثل في كتاباته ذلك النموذج من الشباب المسلم الملتزم دون جمود أو تزمت المتفتح دون انحلال أو تسيب، كانت أغلب اهتماماته تحوم حلو الفكر الإسلامي ورؤاه في جميع الموضوعات التي كانت يعالجها منطلقا من منظور إسلامي ثابت، سواء في مقالاته الأدبية النقدية، أم في بحوثه الأكاديمية، أم في متابعاته السياسية، وشمل بنظرته مجريات الأحداث داخل الوطن العربي وخارجه، كان يتابع أخبار وطنه وما يجري فيه من تفاعلات ثقافية وسياسية، وظل يرصد بعض ما تنشره الصحف الليبية من مقالات فكرية وأدبية، أو ما تنشره من شعر، ولا يفوته أن يقيمها، وأن يعبر عن موقفه من اتجاهاتها، وما تعكس من دلالات لا يرضى عنها في بعض الأوقات، وفي بعض ذلك الإنتاج. يقول صديقه وزميله محمود الناكوع الذي عرفه في الجامعة وفي محنة السجن عن هذه المرحلة: (( كنت أنا في تلك السنوات صحافيا في صحفية العلم أكتب عادة عمودا يوميا وأكتب أحيانا مقالات في بعض الصحف والمجالات الأخرى...، ونظرا لعلاقة الصداقة بيني وبين عمرو النامي، ونظرا لاهتماماتنا بالفكر والثقافة، وحواراتنا المتواصلة أحيانا والمتقطعة أحيانا أخرى منذ كنا في الجامعة، فقد اتفقنا أن يكتب المقالات تنشر بصحيفة العلم وكان من بين ما نشر له بين ( 1968 – 1969 ) عددا من المقالات النقدية التي كانت تدور حول: ( الحضارة الغربية وموقفها من الإسلام والعالم الإسلامي ) ( والشعر الحديث، نماذج ليبية ) ( واختار لها عنوانا ) ( فصول من الجد الهازل ). وعكست نقدا ساخرا ولاذعا لبعض الإنتاج الشعري الليبي الذي انفلت من موازين الشعر العربي، وانفلت من ثقافة وقيم وصورة البنية العربية الإسلامية، وكثرت فيه على حد إشارات النامي ( النواقيس، والصلبان ) وأشياء أخرى، وهي ثقافة تعلمها الشباب الليبيون من مجالات: الطليعة، والكاتب المصريتين، والآداب البيروتية، وغيرها، أما المقالات التي أثارت دويا هائلا فهي المقالات التي أنشأها بعنوان: ( رمز أم غمز في القرآن ) وفيها رد على كتابات الصادق النيهوم التي نشرها في صحيفة: الحقيقة، ونشر بعضها الآخر في صحيفة: الرائد وكانت عن الرمز في القرآن، ومن أكثرها جدلا مقالته بعنوان: ( إلى متى يظل المسيح بدون أب ) حيث أحدثت ردود أفعال في عدة دوائر دينية وصحافية وأدبية، ومن بين ردود الفعل تلك كانت مقالة عمرو النامي التي أرسلها من مدينة كمبردج ونشرت بالعلم بتاريخ ( 18 / 4 / 1969 ) وجاء فيها: (( لولا أنني كنت أعرف الصادق النيهوم جيدا – كان زميلا له في الجامعة – لكتبت غير هذا عن الأمر، فأنا أعرف الصادق شخصا لا ينطلق من أسس واضحة فيما يفعل أو يكتب، وهو يصنع ذلك استجابة لما يقرأ أو ما يطرأ عليه من أحوال تكتنف حياته التي لا يحكمها تصور واضح للحياة، أو سلوك ثابت محدود ولذلك فعندما نشر بعض فصوله عن الرمز في القرآن حسبت ذلك على ما قدمته من أحواله، وقلت نوبة وستمضي بما جاءت، وهو شيء غير ذي قيمة في الواقع لا من ناحية الجهل والدراسة، والبحث العلمي السليم، ولا من حيث آثاره ونتائجه )). وكشف النامي أن ما يردده النيهوم قد سبقه إليه الباطنية نظريا وتطبيقيا.1 هكذا ظل النامي يتفيأ ظلال الحرية الفكرية في أجواء كمبردج، وانتهت السنوات الخمس محملة بالعلم والفكر والتجربة، وعاد إلى ليبيا سنة 1971 وفي نفسه حلم يتطلع إلى تحقيقه وهو أن يصبح أستاذا جامعيا إسلاميا مرموقا يعالج قضايا مجتمعه وأمته الإسلامية بفكر نير وبصيرة نافذة ويقف بالمرصاد للانحرافات الزائغة في ميادين الفكر والسياسة،1 ولعله كان حسن الظن في نظام القذافي الذي أحل النظام الجمهوري بديلا للنظام الملكي إثر ( ثورة الفاتح ) في 1 / 9 / 1969، وسارع الكاتب المسلم إلى إسداء النصائح لقادة الثورة في مسيرة خيل للناس أنها تبشر بالخير والعطاء، والرفاهية والرخاء فكتب مقالة بعنوان كلمات للثورة نشرت بصحيفة الثورة في 4 / 11 / 1969، وسنشير إلى مضمونها لاحقا في هذا المقال. هكذا وفي صيف 1971 حزم الأستاذ المؤمن بدينه ووطنه وأمته أمتعته متجها صوب ليبيا ليشارك في معركة البناء وليقف على منابر الكلمة الطيبة فيها صادعا بالحق، مشاركا بالقلم في ميادينه التي وفق فيها باحثا، وأستاذا جامعيا، وأديبا ناقدا، وشاعرا مبدعا، وبدل أن تفتح أمامه أبواب هذه المنابر استقبلته ظلمات العنابر، فمن مراكز الشرطة، إلى غرفات التحقيق وزنازن السجون والمعتقلات، وتبدأ رحلة شاقة من المحن والعذاب والنفي والاغتراب. - رحلة المعانات والعذاب: إن شخصا مثل عمرو النامي ما كان ليكون مجهولا لدى السلطات الليبية الحاكمة، فهو معروف في الأوساط الثقافية والعلمية والجامعية بفكره الإسلامي النير، وموقفه الثابت الواضح شأن المسلم المخلص الذي يخلص النصح لأمته ووطنه، وقد دخل عمرو النامي هذا المعترك عن نية صافية، وتوقع أن يأتي عهد الثورة بما هو أجدى نفعا، وأحسن استقرار، وأوفر أمنا من العهد الملكي السابق، ومن منطلق هذا التصور كتب مقالة ( كلمات للثورة ) نشرت بصحيفة الثورة بتاريخ 4 / 11 / 1969 وكان يومئذ بكمبودج طالبا، وقد حدد في ذلك المقال، مبررات الثورة ومهمة الجيش، وهي مهمة استثنائية ضرورية محدودة يعقبها تسليم السلطة إلى الشعب، وهو الذي يختار أسلوب حياته السياسي والاجتماعي في الفترة القادمة، وتناولت المقالة الاتجاهات الفكرية السياسية القائمة في ليبيا في ذلك الوقت ورتبها على النحو التالي: 1- القوميون العرب. 2- البعثيون. 3- الناصريون. 4- الشيوعيون. 5- الإسلاميون. ووصفها بأنها تجمعات عقدية ولذلك حسب تعبيره (( فغالب الظن لن تتخلى عن اتجاهاتها القائمة، بل ستستمر في ارتباطها بهذه الاتجاهات والدعوة إليها، ونحن نعتقد أن لها جميعا حقا في اعتناق أفكارها، وعرضها في إطار الأخلاق العامة للشعب بعيدا عن التراشق بالتهم، والكذب والإرجاف.... ويجب أن تتاح الفرصة الكاملة لهذه التجمعات للتعبير عن أفكارها وعرضها بكل الصور المشروعة التي تختارها، كما يجب الاستفادة من خبرات هذه الفئات جميعا على النطاق الفردي في الجهاز الإداري للدولة مع تجنب تمكين أي فئة منها من كل المراكز الحيوية التي تجعلها تستغل نرافق الدولة في سبيل أهدافها الخاصة....)). كما تحدث في مقالته الطويلة عن الثورة والإسلام، وأكد أن الإسلام هو الأصل وهو الأساس في أحداث الإصلاح المنشود في ليبيا، فلا توجد في ليبيا عقيدة غير عقيدة الإسلام.1 ومن الواضح أن الأفكار التي دعا إليها عمرو النامي لا تعجب النظام الذي كان همه أن يحكم ويتسلط، ونظام شأنه هذا كيف يؤمن بالديمقراطية أو الشورى أو إعطاء الفرص لكل الفئات والطوائف والآراء والأفكار، وهو ينطلق من أيديولوجية معينة منذ البداية. ومن الواضح أيضا أن عمرو النامي يدعو صراحة إلى الاتجاه الإسلامي باعتباره العامل الأقوى لتوحيد الشعب الليبي انطلاقا من تاريخه وواقعه وحضارته. وقد صدقت في أولئك الحكام فراسة شيخه علي يحيى معمر إلى قال عنهم أنهم حفنة من الأطفال وتخوف من مصير ليبيا في ظل حكمهم.1 ومن هنا ما إن وطأت رجلاه أرض ليبيا حتى زج به إلى التحقيق ووضع في قائمة الأشخاص المشبوهين الذين يعارضون السلطة الحاكمة وكان أول اعتقال له إنذارا وتحذيرا ولم يستغرق سوى بضعة أيام. واستأنف عمرو النامي نشاطه العادي أستاذا بالجامعة في بنغازي ثم ما لبث أن نقل إلة جامعة طرابلس لأسباب نجهلها وإن كنا نرجح أنها ليست ذات طابع أكادمي بقدر ما هي ذات طابع سياسي. وجاءت الحملة الواسعة التي تفجرت سنة 1973 تحت شعارات: الثورة الثقافية ومن تحزب خان، والثورة الإدارية، وغير ذلك من الشعارات التي يكتظ بها الكتاب الأخضر، وهكذا طالت هذه الحملة فئات المثقفين والطلبة من ذوي الفكر الحر والشخصيات المتميزة، فكان من بين من ألقي عليهم القبض الدكتور عمرو النامي، والشيخ علي يحيى معمر أبنائه وكثير من أستاذة وشيوخ وأصدقاء النامي ومن بينهم صديقه الحميم محمود الناكوع، ودامت محنة السجن قرابة سنتين. وبعد أن أفرج عن المسجونين طلب من الدكتور النامي أن يغادر البلاد وهو تعبير مهذب يراد به ( النفي ) وأعطى حق اختيار منفاه في اليابان أو أمريكا اللاتينية أو إفريقيا والنفي الاختياري هنا بعناية فكل من اليابان، وأمريكا، وإفريقيا، تنفي المرء جسدا لبعدها وروحا لغربتها، ولكن عمرو النامي – ربما لثقافته الإنجليزية – سافر إلى الولايات المتحدة لتدريس اللغة العربية والإسلام في جامعة أمريكية وكان إلى جانب ذلك يعمل بنشاط كبير في مجال الدعوة إلى دين الله الحق ونشره بين المتعطشين إلى روحانية الرسالة الخالدة، وقد استغل ما أتاه الله من فصاحة وذكاء وحيوية في هذا المجال مما خلد له السمعة الحسنة في الأوساط الإسلامية بتلك الديار. ولكن ما لبث أن طلب منه الذهاب إلى اليابان وكان ذلك سنة 1979 وهنالك رغم ما قدمه من خدمات جلي للحركة الإسلامية ولا سيما في الميدان الطلابي والشبابي الإسلامي شعر بالغربة القاسية تعصره وتؤلمه، واستبد به الشوق والحنين إلى مرابع الطفولة ومرابع الشباب وقد أودع تلك الأحاسيس الجياشة في قصيدة كتبها في هذه الآونة وهو باليابان يقول فيها: وعدت دارك رغم الشوق للدار= والدار ذات أحاديث وأخبار يا دار أمسيت بالأحزان غامرة = تهدي همومك من دار إلى دار نفسي الفداء لدار عشت محنتها = ثم ارتحلت وحيدا غير مختار مبدد الحول لا زاد ولا أمل = إلا علالات أفكار وأشعار أني ارتحلت فإن القلب يعطفني = إلى الأحبة في شوق وإصرار وهكذا لم يطق حياة الاغتراب، وهمه وهواه أن يصلح أمته ووطنه، وأن يكون قريبا من أهله وذويه، وأقاربه فعاد إلى ليبيا قبل دوران حول عن مفارقتها. بعد هذه التجربة المريرة ما بين نفي واغتراب واعتقال أيقن عمرو النامي أن النظام الليبي لن يسكت عنه وأنه سيختلق المبررات لملاحقته واضطهاده كلما حلى له أن يفعل ذلك، وآمن أن حرية الكلمة والحركة التي هي حق من حقوق الإنسان، وأن الصدع بالحق وأداء النصيحة التي هي واجب على كل مسلم، لا يمكن أن تجد مكانها في ظل حكم دكتاتوري ولو تظاهر بالديموقراطية، ومن هنا قرر الانسحاب من المدن الكبيرة آوايا إلى جبل نفوسة بعيدا عن أعين المخابرات والجواسيس، وقرر أن ينفذ قرارا مريرا يتحول به من حياة إلى حياة، قرر الأستاذ الجامعي أن يترك مهنة التدريس إلى مهنة الرعي، ويودع أبهاء الجامعة إلى قمة الجبل، ويستبدل بأضواء المدن والعواصم، سكون الصحراء وهدوء الجبل ويكتفي بشظف العيش وخشونة الملبس عن رفاهية المدينة ورقة حواشيها، فاشترى قطيعا من الأغنام فذهب إلى ظاهر ( نالوت ) مسقط رأسه ومرابع ذكرياته ومقر أسرته وأهله، وفي هذا القرار الصعب احتجاج صارخ وإدانة موخزة للنظام الليبي الذي كان يبلغه بعمله هذا أن لا مكان للثقافة وحرية الرأي في هذه البلاد. وأحسب أن عمرو النامي اختار هذه المهنة أسوة بالأنبياء والرسل فمن شأن هذه الحياة الهادئة البعيدة عن صخب المدينة وبريقها الزائف أن تقرب المرء من نفسه وتجعله يعيش في روحانية مطلقة، كان ذلك اختيار عمرو النامي على الرغم من أنه يمثل المسلم الحركي والمثقف الاجتماعي، والأديب صاحب الرسالة الصادقة. وقد عبر عن هذا التحول الجذري عن حياته في قصيدة يقول فيها مخاطبا ابنه: يكفي أباك لكي يعيش مكرما = عجفاء ثاغية، وتيس أجرب ونعيش في قنن الجبال تظلنا = ويحيطنا بالحفظ قفر سبسب جيراننا وحش الفلاة فلا يرى = فيها سوى سبع سيسح وثعلب وهناك لا نخشى سوى ذئب الفضا = يعدو على تلك الشياه فينهب والوحش وحش لا يلام لبطشه = هو في طبيعته يغير ويغضب فلقد نعيش هناك عيشة هانئ = ولقد يسالمنا الشجاع المرعب غير أن أعين الجواسيس لاحقته وهو في عزلته، وطاردته وهو في صحرائه ومع شويهاته، ولم يسالموه حتى يحقق مشروعه، أو يعيش عزا كريما كما كان يمني نفسه بذلك دوما. - في مواجهة الطغيان: وفي سنة 1981 فوجئ عمرو مرة أخرى بقبضة شرطة القذافي تلقي عليه القبض وتزج به في السجن وتوصد دونه الأبواب، بعيدا عن أهله وذويه، وأغنامه وأحلامه وظل بين جدران السجن لا يسمح له بمغادرته أو محاكمته، ومنذ 1986 انقطعت أخباره عن أهله وذويه وغاص النامي في ظلمة النسيان ن وامتدت هذه الظلمة ثقيلة مريرة على أنفس ذويه ومحبيه وعارفي فضله في مصير مجهول لا يدرك مداه سوى الله سبحانه وتعالى، ولم يبق من الدكتور النامي الذي كان ملء السمع والبصر سوى أعماله الصالحة تشهد له بالتقوى والصلاح، ولم يعد يهو الأنفس عند تذكره سوى أبياته المشجية المؤثرة الحزينة أو دمعة حرى تسلل في حيرة وصمت عميقين. وكأن النامي كان واعيا مصيره المحتوم هذا الذي عبر عنه تعبيرا تصويريا مؤثرا في قصيدته التي سارت بأبياتها الركبان حيث يخاطب أمه من خلف القضبان قائلا: أماه لا تجزعي فالحافظ الله = إنا سلكنا طريقا قد خبرناه... - في طي النسيان: هكذا يطوي النسيان علما بارزا من أعلام ليبيا المعاصرة وتستمر مؤامرة الصمت مرعبة قاتلة، ولا أحد يحرك ساكنا من ذوي قرابته الوطنية أو العقدية وكأن شيئا لم يكن ولكن الذي لا يستطيع الطاغوت فعله هو أن يمحو أثر النامي الوضيء في النفوس المسلمة سواء تلك التي علمها ذات يوم من الأيام في اليابان أو أمريكا آية من آيات القرآن أو حرك مشاعرها ببيت من أبياته الشعرية الملتهبة، أو أفادها معرفة وعلما بتحقيقاته العلمية التراثية الرصينة. فأنى اتجهت تجد للدكتور النامي آثارا في النفوس وفي مختلف الميادين العلمية في ميدان التحقيق العلمي، وفي مجال النشاط الإسلامي، وفي فضاءات الشعر الإسلامي الصادق، وكفاه فخرا أن له في هذه الميادين حضورا وخلودا أحب الطاغوت ذاك أم كره. وكأن النامي كان يتحدث صادقا عما سيؤول إليه أمره مع الظلمة حيث يقول: إنا شمخنا على الطاغوت في شمم = نحن الرجال وهم يا أم أشباه نذيقهم من سياط الصبر محنتهم = فلم يروا للذي يرجون معناه وهل يموت من قال مؤمنا صادقا: أماه بايعت ربي واعتصمت به = ما كنت أعرف درب الخير لولاه أماه ذلك دربي قد أموت به = فلا يسؤوك كأس إن شربناه لا تجزعي لفتى إن مات محتسبا = فالموت في الله أسمى ما تمناه رحمك الله يا عمرو حيث تكون صابرا محتسبا أو شهيدا منعما. نسأل الله التوفيق في البداية والنهاية د. محمد صالح ناصر الجزائر: 1 / 6 / 2000 نماذج من رسائله بسم الله الرحمن الرحيم أستاذنا الإمام الجليل المجاهد الصابر أبو اليقظان حفظه الله وأدام فضله وعزه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأما بعد: فأحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأصلي وأسلم على سيدنا محمد رسول الله وعلى من تبع هداه ونهج سبيله من المؤمنين. وأبتهل إلى الله سبحانه أن يجنبنا العجز والكسل ويعيننا على الخير من العمل، وأعتذر إليك من تقصير كبير هو شهادة على ضعف هذه النفس التي ما تزال تعيش في متاهات من العجز والتواني والضعف مما يحضها من صور الخمول والجمود في كل ناحية بهذه الديار.... وكيف أعتذر إليك بالتقصير وقد أقام الله علي حجته وأمضى علي حجتك ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله... فلقد وصلتني كتبك، وهي حيث هي من نفسي ومن نفوس الإخوان إعزازا وإكبارا وإجلالا واعتبارا واستفادة ثم لا أزال أؤامر نفسي في الكتابة إليك وتسوف يوما بعد يوم حتى تطاولت الأيام فصارت شهورا وامتدت الشهور فصارت أعواما... وقد كان فيكل تلك المدة من الأحوال والأحداث ما يكون له شأن فيما أكتب.. ولقد هيأت من نفسي أكثر من مرة بعض ما أريد أن أسطره إلى مقامك الجليل وهممت مرات كذلك بالكتابة إلى الأستاذ العلامة المجاهد الشيخ بيوض في شؤون لها بعض الأهمية ثم لا يتهيأ لي ذلك ولا أنفذ ما نويت، وأنا أصبحت أخشى هذه الحال من نفسي ولعلي أستطيع التغلب عليها بعون الله سبحانه... أثلج صدري دعائكم المبارك بالتوفيق لنا في نهضتنا التي نعتزمها والتي رأيت صورة منها في القسم الأول المطبوع من كتاب القناطر، وأمن الإخوان على الدعاء المبارك وكان لنا من حسن ظنكم وجميل تشجيعكم حافزا جديدا ودافعا على مواصلة العمل، أما بالنسبة لبقية الأقسام فقد تأخرت عن العمل فيها لأن مكتبتي بقيت في مصر، ولا سبيل إليها الآن، ونحن في موطن لا مكتبات به ولم تتهيأ لي فرصة الاستقرار حتى الآن، زد على ذلك أنني أتطلع في الحصول على بعض النسخ المخطوطة من الإخوان بميزاب أو جربة لعلكم تستحثون الإخوان في موافاتنا ببعض النسخ الخطية التي سبقت بتاريخ نسخها تاريخ طبع المطبوعة البارونية فما لدي من مخطوطات الكتاب للجزء الأول فقط... وحبذا لو يتيسر الحصول على بقية كتب الجيطالي المخطوطة الأخرى: الفرائض، وكتاب الحج، ورسائل الأئمة، وشرح نونية أبي نصر فإنني أعزم إخراج كتاب خاص عن هذا العالم الجليل، ويستدعي ذلك الإطلاع الكامل على كامل مؤلفاته إن أمكن فلعل إخواننا بوادي ميزاب يعينون في هذا الأمر. أنا مقيم هذه المدة في نالوت وسوف أسافر إلى لندن بعد مدة لإتمام الدراسة إذا تيسرت الإجراءات المتعلقة بالسفر والحصول على مكان في إحدى الجامعات البريطانية.... وسأوافيكم بخبر ذلك إذا كان. كان لزيارة الإخوان للجبل هذا الصيف الماضي أثر عظيم في تحريك النفوس وإحيائها وقد كانت جولتهم كالهزة الكهربائية جعلت الجبل بكامله ينتفض لها فاختلفت المشاعر في نفسه بين ماض رائع وواقع سائب وأمل غائم ونسأل الله التوفيق إلى الطريق... وزيارة الشيخ بيوض حفظه الله سوف تكون لها أعظم الأثر إذا تمت فلعلكم تستعجلونه بها. كل الإخوان بخير ن ولعلكم لاحظتم أثر الزيارة في استجابة الناس بإرسال أبنائهم للدراسة بمعاهدكم وقد كان لزواره في هذا السبق والفضل، والأستاذ الفاضل الشيخ علي معمر يخشى أن يكون لكثرة الموفدين أثر في تكوين وحدة تستعصي على الذوبان في المعهد، ويرى أهمية التركيز على هذه الناحية حتى يكون في تخلصهم من الاحتفاظ بوحدة الطابع انطباع بالأخلاق الإسلامية الصحيحة في ميزاب، وحتى يساهم ذلك في تخليصهم من رواسب أخلاقهم هنا، المهم هو يرى ضرورة التركيز على تربية هذه المجموعة تركيزا خاصا حتى تكون فاتحة الخير ومبعث الأمل ولا حاجة للتنويه بمثل هذا ولكن ذلك ما أشار إليه أستاذنا الجليل فأحببت إطلاعكم عليه ومثلكم لا ينبه لهذا.... منتصف رمضان 1386 هـ بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وسلم: الأستاذ الجليل العلامة المجاهد بقية السلف وبركة المذهب الشريف شيخنا أبو اليقظان إبراهيم حفظه الله تعالى وزاده رفعة. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والسلام على من يلوذ بكم من الأبناء والإخوان والسادة المشايخ. والسلام على رياض ذلك الوادي المبارك الذي انكشف عبابة عن رجالات الإسلام الأفذاذ فكنتم فيهم غرة الزمان وكنتم أنفة الذي يعطس عنه، وفخره الذي يشمخ به. وبعد.. ها أنا ذا أفرغ إلى القلم مترددا بين إلحاح الشوق وعقال العجز، يحفزني الأول ويعلقني الآخر، وتقف الكلمات حيرى أمام ما يتتابع في أيامنا من حوادث هي كلها باهت عابر، ولكنها تبتلع الأيام فتطويها طيا سريعا أجدني كلما أفقت على حقيقة غارقا في بحار التقصير تدفعني موجة إلى أخرى، ويقودني أمر ذلك إلى حال من الخجل أهرب منها إلى تقصير أكبر، فهذه طويلة قد مضت أعجب اليوم كيف انقطعت فيها عنك. ... ويعلم الله أن القلب موصول بك، ولكن كما قلت لا تطاوعني نفسي بالكتابة إليك كما أكتب لغيرك، فيقطعني عنك هذا الشعور بأن ما أقوله لك أو ما أريد أن أقوله وأن أعبر هو خارج عن نطاق الكلمات ومما يعجز أن يستقر في حروف على قرطاس، ولكنه من مناجاة الروح التي تأبى إلا أن تحلق في أجوائها الطليقة المرفرفة... ويعلم الله أن في القلب من ذلك ما فيه وأن ما يلج علي به من اللوم والتأنيب أشد علي مما يحمل من مشاعر الشوق التي يقر بالعجز عن وفاء حقها في مجال البيان والمواصلة ويتداخل الأمران فيأخذان على النفس مسارها بما يكون أشد من كل ذلك... أسأل الله لك الهناء والعافية وأسألك الدعاء لنا فأنت وسيلتنا إلى ربنا فيما يحوط بنا من أهوال هذا الزمان الذي اشتدت ضرباته على الإسلام والمسلمين فنشأ فيه أجيالنا على مصيبتين، مصيبة الضياع والذلة التي يعيشها المسلمون، ومصيبة الإنسان التي تعقل ألسنتهم عن نداء الإصلاح..أما أنا فماض بحول الله في عملي، وبالرغم من وجود الحقيبة الضائعة في تونس كما أخبرني الأخ فرحات إلا أنها لم تصلني بعد1... ولا زال بعدها يقيدني عن بعض عملي.. وإذا يسر الله تعالى فسوف أنتهي من أمر هذه الدراسة قبل هذا الوقت من العام القادم فإذا تم ذلك، فسيكون طريق عودتي بإذن الله وادي ميزاب حتى أسعد بإمضاء وقت معكم فأسألكم دعواتكم حتى ييسر الله تعالى هذا... لقد شغلت نفسي فترة من الوقت بكتابة عدة فصول في النقد الأدبي نشرت في الجريدة الرسمية في طرابلس سميتها فصول من الجد الهازل. عرضت فيها لقضية الشعر الحر وتتبعت بعض دعاته وأوضحت خطره على اللغة والفكر الإسلامي بما يحمله من سم زعاف في طياته من الأفكار المسمومة والمبادئ الهدامة، وكان للمقالات صدى طيب. كما نشرت فصلا طويلا في الرد على أحد الكتاب الليبيين قام يردد أفكارا ضالة حول تفسير القرآن يدعو فيها إلى تفسير القرآن حسب الرمز ويبطل بذلك المعجزات الربانية، وكان للرد الذي كتبته أيضا صدى حسن وقد توقفت عن هذا النشاط الثقافي العام للتفرغ النهائي لعملي، وآخر ما ساهمت به في ذلك النشاط فصل طويل ضاف عن ( نوادي الروتاري ) ناقشت فيها نشأة هذه النوادي وفكرتها وسيطرة اليهود عليها وما يجره وجودها من مصائب على بلاد المسلمين وذلك بمناسبة إنشاء فرع لهذا النادي في ليبيا وسوف أبعث إليكم نسخة من الجريدة التي نشر فيها هذا الفصل عند حصولي عليها. أما في نطاق العلم النافع، فقد فرغت من طباعة ومقابلة رسالة الشيخ يوسف بن خلفون وبعثت بنسخة منها للشيخ الجليل الأستاذ بيوض إبراهيم حفظه الله لمراجعتها فهي عنده، وفرغت حتى الآن من طباعة رسائل الإمام جابر بن زيد على الآلة الراقنة من نسخة قديمة رديئة وسوف أطبع منها عدة نسخ لأبعث لكم منها لتصحيحها، لأن هناك بع العبارات صعب علي تخريجها جدا، وعلمت أن نسخة منها في مكتبة الشيخ صالح بن عمر1 فلعل أحد منكم يظفر بفرصة لمقابلتها بذلك الأصل، وسوف يتم إرسالها في حدود نصف شهر بحول الله تعالى... انقطعت عني رسائل الشيخ علي يحيى معمر لمدة طويلة ولكني علمت أنه بخير وأنه انتقل واستقر بطرابلس وهذا أمر استبشرت به كثيرا فإن كتابه الإباضية في موكب التاريخ قد أحيا في نفوس الناس هنا بعض معاني الاعتزاز بالمذهب والتعلق به فإقامته بطرابلس سوف تكون طورا آخر في هذا الصدد... كما علمت أن الرسالة الثالثة التي نفحتم بها رسالة المسجد قد تم طبعها وأنها وصلت الميناء بطرابلس ولكن لم تصلنا منها نسخة بعد.... وهذه كلها طلائع خير وبركة فنحمد الله كثيرا، سلامي الكثير إلى شيخنا الجليل الشيخ بيوض وإلى السادة المشايخ وأساتذة المعهد وجماعة العزابة وجميع أحبابنا هناك.. ابنكم المتحنن إليكم عمرو خليفة النامي 4 أغسطس 1969 نماذج من شعره أماه 1 عمرو خليفة النامي... شاعر مسلم، ولد عام 1939 م، وعاش ودرس في ليبيا.. وواصل دراسته العليا في بريطانيا وتخرج فيها عام 1970 م... وعمل مدرسا بجامعة طرابلس الغرب، ثم أقصي عنها بعد سجنه لمدة سنتين تقريبا... ...والأستاذ النامي داعية إسلامي، وقف في وجه الظلم والطاغوت، وتعرض لألوان من التعذيب..وكان من الدعاة الصابرين المحتسبين، الذين تحررت قلوبهم من كل خوف، واستعدوا لمقارعة الباطل، ووطنوا نفوسهم على الصبر والمصابرة، وابذل والتضحية، وثبتوا على طريق الحق.. والنامي داعية مجاهد، جاهد من أجل دعوته بصلابة وثبات..وآمن بقضاء الله وقدره.. فثمة أمور ثلاثة، الله وحده مدبرها ومتكفل بها، ولا دخل ولا حيلة لإنسان فيها: الأعمار، والأرزاق، والنصر..( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم )2... لقد آمن النامي بهذه المبادئ الأصلية والقواعد الثابتة.. فبايع ربه عليها، واعتصم بحبله المتين، وسار في موكب الدعاة الصادقين...واستعد لتحمل النتيجة بلا وهن ولا جزع. ولو كانت النتيجة مفارقة هذه الحياة.. فالموت في الله أسمى ما تمناه... بهذا الشعور الصادق... ومن وحي هذه المبادئ الأصيلة، نظم النامي هذه القصيدة: أماه أماه لا تجزعي فالحافظ الله إنا سلكنا طريقا قد حفظناه في موكب من دعاة الحق نتبعهم على طريق الهدى أنى وجدناه على حفافية يا أماه مرقدنا ومن جماجمنا ترسى زواياه ومن دماء الشهيد الحر يسفحها على ضفافيه نسقي ما غرسناه أماه لا تجزعي بل وابسمي فرحا فحزن قلبك ضعف لست أرضاه إنا شمخنا على الطاغوت في شمم نحن الرجال وهم يا أم أشباه نذيقهم من أسياط الصبر محنتهم فلم يروا للذي يرجون معناه أماه لا تشعريهم أنهم غلبوا أماه لا تسمعيهم منك ( أواه ) أرضعتني بلبان العز في صغري لا شيء من سطوة الطاغوت أخشاه أماه، رؤياك في قلبي مسطرة ونبع حبك أحيا في ثناياه ومر طيفك يا أماه يؤنسني إني وإن صفت القضبان ألقاه أماه هذا طريق الحق فابتهجي بمسلم باع للرحمن دنياه هزئت بالأرض والشيطان يعرضها في زيفها ببريق الذل حلاه عشقت موكب رسل الله فانطلقت روحي تحوم في آفاق رؤياه لا راحة دون تحليق بساحتهم ولا هناء لقلبي دون مغناه عشقت ركب الهدى والنور يغمره عشقت حسنا عليه الوحي أضفاه أماه بايعت ربي واعتصمت به ما كنت أعرف درب الخير لولاه ذلك دربي قد أموت به فلا في الله أسمى ما تمناه أماه لا تجزعي فالحافظ الله وهو الوكيل لنا بالغيب أماه كلمة شكر أتقدم بصادق شكري إلى الأستاذ ر. ب. سرجنت على ما وفره لي من المقترحات والمناقشات والانتقادات المفيدة الكثيرة أثناء الفترة التي أشرف فيها على كتابة هذا البحث. كذلك أتقدم بشكري الخاص إلى الكثيرين من الأصدقاء والباحثين الإباضية في الأوساط الإباضية في شمالي إفريقية على ضيافتهم وعلى مساعدتهم التي جاءت بلا حدود. وإنني ممتن أشد الامتنان لأصحاب المجموعات المختصة من المخطوطات لتمكيني من استعمال مكتباتهم القيمة ؛ بدون ذلك كان هذا العمل مستحيلا. وأشكر أيضا الشيخ محمد السالمي، وسالم الحارثي من عمان لإعارتي العديد من المخطوطات القيمة ؛ كما أتوجه بشكري إلى جميع الأصدقاء الذين مدوا لي يد العون بصورة أو بأخرى. وأود أن أتقدم بالشكر أيضا إلى وزارة التربية الليبية لأنها زودتني بمنحة مالية خلال هذا البحث، كما أشكر معهد الآداب في الجامعة الليبية لإعطائي الإجازة الدراسية للقيام بهذا العمل. ثم إن علي واجب الشكر للأستاذ عمر الشيباني، رئيس الجامعة الليبية، والدكتور منصور كيخيا، عميد معهد الآداب، والسيد عبد الرحمن الشريدي، رئيس الطبع والنشر، وإليه يعود نشر هذا العمل بهذا الشكل الممتاز. دراسات عن الاباضية د. عمرو خليفة النامي تمهيد الإباضية أو الأباضية هي إحدى أقدم الفرق الإسلامية، التي تعود نشأتها إلى النصف الأول من القرن الهجري الأول ؛ وقد أخذت اسمها من عبد الله بن إباض أحد فقهائها الأولين. ويشمل اسم الإباضية مجموعة إسلامية اعتبرت من قبل معظم الكتاب فرعا معتدلا من حركة الخوارج. ويشكل أنصار هذا المذهب عددا من الأوساط المستقلة التي لا تزال تتمسك بتعاليمها بقوة ؛ وأكبر هذه المجموعات تعيش حاليا في عمان في جنوبي شرقي شبه الجزيرة العربية ؛ ثم إن هنالك أقليات أخرى في زنجبار، مقابل شاطئ أفريقية الشرقي، وفي جبل نفوسه وزواره في ليبيا، وفي جزيرة جربة في تونس، وفي وادي مزاب في الجزائر. لا يعرف إلا القليل جدا المعلومات عن الإباضية، وتعاليمها، وأصولها، وتطورها. وهنالك باحثون أوربيون حديثون حققوا إسهامات مفيدة في ميدان الدراسات الإباضية، غير أن دراساتهم جاءت موجهة بالدرجة الأولى إلى تاريخ الجماعات الإباضية، أو إلى بعض نواحي حياتهم الدينية والاجتماعية الحالية. وباستثناء عدد قليل من المقالات عن الفقه الإباضي، بقيت التعاليم الإباضية بوجه عام غير معالجة بصورة جادة. والدراسات التي قام بها البحاثة الأوربيون عن الإباضية تعتمد بالدرجة الأولى مصادر تاريخية. أما الكتابات الإباضية الغزيرة في الفقه والكلام فلم تستخدم بالطريقة الملائمة ؛ ومرد ذلك، ولا ريب، إلى صعوبة الوصول إلى مثل هذه المصادر. وأقدم ورقة تناولت مصادر الإباضية ومرجعها، قدمها موتيلنسكي في مقال له عن (( بيبوغرافيا مزاب))(*)1 سرد فيها الأعمال الإباضية التي ذكرها البرادي، مضيفا إلى ذلك ملاحظاته والنتائج التي توصل إليها. غير أنه، على أي حال، لم يحدد بدقة مواضع المخطوطات التي ذكرها، ولم يعط وصفا مرضيا لها، باستثناء الأعمال التاريخية، وتكمن قيمة هذه الدراسة في كونها خطوة تمهيدية سهلت الأبحاث اللاحقة. أما الجدول الأحداث والأكثر فائدة للأعمال الإباضية في مزاب فهو من وضع الأستاذ جوزيف شاخت في مقال له عن (( مصادر ومراجع ومخطوطات أباضية )) سرد فيه المخطوطات الإباضية الموجودة في المكتبات الخاصة بميزاب، مرتبة وفق موضوعاتها، ذاكرا أسماء المكتبات وأرقام المخطوطات. ثم إن هنالك مجموعات أخرى لمخطوطات إباضية جمعها بحاثة معاصرون آخرون: لائحة المخطوطات الإباضية في كركوفيا في بولندا جمعها فلاديسلاف كوبياك في مقال له عنوانه (( المخطوطات العربية في بولونيا )) في (( مجلة معهد المخطوطات العربية )) ؛ وقائمة المخطوطات الإباضية في المعهد الشرقي في نابولي، من إعداد روبيناتشي ؛ وهنالك وصف للمخطوطات الإباضية في دار الكتب في القاهرة، من إعداد فؤاد سيد في فهرس دار الكتب. وخلال إعداد هذه الدراسة قمت بجولتين بين الجامعات الإباضية في شمالي إفريقية بحثا عن مخطوطات ومواد لعملي. كانت الجولة الأولى في حزيران / يونيو – أيلول / سبتمبر 1968 ؛ وكانت الثانية في تشرين / نوفمبر – كانون الأول / ديسمبر 1969. وقد كان من السهل علي بما أنني إباضي بعكس غير الإباضيين أن أطلع على المكتبات والمكتبات الخاصة بالمخطوطات. ووجدت لدهشتي أن غالبية الأعمال المغربية الهامة، بما في ذلك التي كان يظن أنها مفقودة، لا تزال موجودة وفي حالة جيدة. يضاف إلى ذلك أن هنالك أملا كبيرا باحتمال تحقيقي اكتشافات هامة في المستقبل في هذا الميدان. ونشرت وصفا لبعض المخطوطات الجديدة التي اكتشفت في جولتي الأولى في (( مجلة الدراسات السامية )) وآمل أن يصار في المستقبل القريب إلى إعداد جدول كامل يتضمن وصفا شاملا لجميع المخطوطات التي تفحصتها. أما المنطقة التي لم تستكشف كليا وهي، ولا ريب، مكان يحتمل أن توجد فيه مخطوطات إباضية أكثر قيمة، فهي عمان ويتطلب ذلك اهتماما خاصا من دارسي الشؤون الإباضية. ولم أستطع أن أزور عمان شخصيا، لكنني زودت من بعض الأصدقاء العمانيين بمخطوطات إباضية قيمة عن بعض أعمال قديمة في الفقه وفي السير لعلماء الإباضية الأوائل ؛ وقد كانت ذات فائدة كبيرة في دراسة أصول المذهب الإباضي وعلاقته بحركات المعارضة الأولى في الإسلام. ولما كانت عمان مركزا رئيسا للإباضية وللإمامة الإباضية فإنها حظيت باهتمام وثيق من الباحثين الأوربيين، وقد عرض ج. ويلكنسون ذلك في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه بعنوان (( الاستيطان العربي في عمان )) من أوكسفورد، سنة 1969، وهو ما لن أعالجه هنا. غير أن الذي لا يزال مطلوبا بالنسبة لعمان هو – على صعوبة احتمال إنجازه – اكتشاف المزيد من المواد مما يسهم ولا ريب في تكوين صورة أكثر وضوحا لمذهب الإباضية وتطوره في جميع المناطق الإباضية. انتقلت غالبية المراجع الإباضية الأولى من البصرة إلى عمان حيث جرى تأسيس إمامة قوية وتوفر جو أكثر ملائمة لأولئك العلماء لتطوير وجهات نظرهم، والإسهام بصورة أكبر في الأدب الإباضي ؛ ومنه ما انتقل إلى بلدان إباضية أخرى، لكن المواد الأصلية للعقيدة الإباضية في فترتها الأولى ربما كانت محفوظة في عمان ؛ والتوصل إلى اكتشافات هامة هناك هو أمر محتمل جدا. كذلك أبدى الباحثون الأوربيون اهتماما وثيقا بالإباضية في إفريقية الشمالية. لقد بدأت دراساتهم بواسطة ماسكوراي الذي ترجم سيرة أبي زكريا الوارجلاني إلى الفرنسية. ولفت عمله انتباه علماء آخرين أسهموا بالدراسات الإباضية في ميادين مختلفة. ففي ميدان التاريخ، قدم موتيلنسكي في مقالة عن الكتب الإباضية جداول كاملة عن محتويات الأعمال الإباضية بخصوص سير شيوخ الإباضية: سيرة أبي زكريا و (( طبقات الدرجيني )) ؛ و (( الجواهر )) للبرادي، وسير الشماخي. ثم حقق بعد ذلك، وترجم إلى اللغة الفرنسية، تاريخ ابن الصغير المالكي عن الأئمة الرستميين. وفي وقت لاحق ظهرت مراجعات كاملة لهذه المصادر الإباضية: فقد راجع ليفتسكي (( طبقات الدرجيني )) وسير الشماخي معا ؛ وراجع روبيناتشي (( كتاب الجواهر )) للبرادي ؛ كذلك نشر ليفتسكي، وهو يملك نسخة من سير الوسياني، سلسة من مقالات مستفيدا من مواد ذكرها الوسياني والأعمال الإباضية التاريخية الأخرى، وهي تغطي عددا من الموضوعات المعنية بالدراسات الإباضية وبالجماعات الإباضية في بلدانها المختلفة، لا سيما في شمالي إفريقية، من حيث حياتهم الفكرية ونشاطاتهم التجارية والسياسية. والظاهر أن دراساته تبدو أكثر قبولا من تلك ذكرت من قبل برغم ما فيها من نقاط ثانوية قليلة ضلله فيها بالدرجة الأولى نقص المواد. وعن الإباضية في شمالي إفريقية قدم إشتروتمان أولا عروضا تاريخية موجزة في مقال له عنوانه (( البربر والإباضية )) ليقدم شيخ بكري بعده في وقت لاحق عرضا أكمل عن الإباضية وغيرهم من الخوارج في شمالي إفريقية في مقال له عنوانه (( الخوارج والبربر )) ثم إن المصادر الإباضية استخدمت منذ وقت وجيز من قبل العلماء الإيطاليين في دراسة النزاع السياسي الباكر في الإسلام، لا سيما من قبل فالييري لعرض الصراع بين علي ومعاوية، ومن قبل روبيناتشي لعرض العلاقة بين الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان والإباضية. عالج البحاثة الغربيون من المقالات علم الكلام الإباضي. وقد ظهرت هذه المقالات بعد أن قدم موتيلنسكي ترجمة بالفرنسية للعقيدة الإباضية عند عمرو بن جميع في سنة 1905. بعد ذلك كتب نلينو ملاحظاته حلو ما اعتبره تأثرا معتزليا في علم الكلام الإباضي. وعلى هذا الغرار من الدراسة سار مورنيو في مقالة (( ملاحظات فقهية إباضية )) وفي هذا الحقل كتب سمو غورفسكي مقالا عن الفروق بين الإباضية والمالكية مبنيا على عدد قليل من منظومة لإباضي مجهول: (( شعر إباضي عن الآراء الخلافية بين المالكية والإباضية )). ومن جهته كتب ليفتسكي مقالا حاشدا بالمعلومات عن تفرعات الإباضية. وهنالك كذلك دراسة عن العقيدة الإباضية لأبي زكريا الجناوني قدمه روبيناتشي مع مترجمة إيطالية، وبحث عن صلتها بالفرق الإسلامية الأخرى. ثم إن الفقه الإباضي لم يعالج حتى الوقت الحاضر بصورة جادة. وثمة عدد قليل من المقالات عولجت فيها نواح ثانوية من هذا الموضوع: مقال لوربيناتشي عنوانه: La purita rituale secondo gli Ibditi وفيه قدم دراسة مقارنة لموضوع (( الطهارة )) في المذاهب الإباضية والإسلامية الأخرى ؛ ومقال تناول المراجع التي نشرت العقيدة الإباضية في إفريقية الشمالية، كتبه غروبي لاروزا باللغة الإيطالية، مبني على عمل للبحاثة الحديث عبد الله بن يحيى الباروني (( سلم العامة والمبتدئين )). وهنالك عمل باللغة الفرنسية لغواشوان عن (( الحياة النسائية في مزاب ))، La vie feminine au M’ZAB’ كما أن هنالك عملا لميليو عنوانه (( مجموعة مناقشات جماعة مزاب )) وفيه ملامسات لبعض نقاط الفقه الإباضي. وثمة عدد قليل من المقالات الأخرى عنيت بدراسة التنظيم الإباضي للعزابة، كما أن هنالك مقالا لليفتسكي عن (( الحلقة ))، و (( مقالا آخر لروبيناتشي عنوانه Un antico documento di vita cenobitica musulmana يتناول أصول (( الحلقة )). هذه هي الأعمال الأساسية باللغات الأوروبية حول الدراسات التي تتعلق بالإباضية في المغرب. وقليلة هي الملاحظات التي تتوفر حين تكون الحركات المذهبية الأولى في الإسلام هي موضوع البحث لأن جميع البحاثة الأوروبيين يضعون الإباضية بين الخوارج. أما بالنسبة للعلماء المسلمين غير الإباضية، فإنهم كانوا باستمرار ينظرون إلى الإباضية باعتبارهم خوارج متطرفين ومبتدعة. ولم يعيروا أي اهتمام جدي للدراسة العقيدة الإباضية وإلى تكوين صورة أوضح للمذهب الإباضي. ومنذ وقت وجيز فقط أدخل المذهب بين المذاهب الإسلامية، ممثلة في الموسوعتين الجديدتين حول الفقه الإسلامي في مصر والكويت. وقد تحقق هذا الحدث السار نتيجة النشاطات الإباضية المستمرة التي تهدف إلى الحصول على فهم أفضل لها من قبل المسلمين المجاورين. لقد بدأ بهذه النشاطات سليمان باشا الباروني من جبل نفوسة، وهو سياسي مسلم نشط لعب دورا رئسا في محاربة الغزاة الإيطاليين لليبيا سنة 1911. وقد أثير اهتمام المسلمين بشؤون الإباضية بفعل الدور الذي لعبه الباروني وإباضيو جبل نفوسة في محاربة إيطاليا، وبولائه الراسخ للإمبراطورية العثمانية وبكفاحه الصلب في سبيل قضية الإسلام، إذ كان يدعو إلى التفاهم الفضل بين المسلمين؛ وكان أحد أول من دعا المسلمين لنسيان الخلافات التي نشأت عن خلافات في الرأي بين الأئمة الأولين لمذاهبهم، وللعودة إلى الحكم المباشر للقرآن والسنة. وإن المكانة التي رسخها الباروني لنفسه في الأوساط الإسلامية الدولية بفضل نضاله البطولي في وجه الغزو الاستعماري الغربي وفرت التقدير للإسهام الإباضي في سبيل الوحدة الإسلامية التي كانت شعار غالبية القادة المسلمين آنذاك، ومهدت السبيل لسماع وجهات نظر الإباضية. وبالإضافة إلى المطبعة الحجرية البارونية التي أنشئت في القاهرة قبل بداية القرن الحالي، أنشأ سليمان الباروني مطبعته الخاصة به في وقت باكر من هذا القرن، وأصدر صحيفته (( الأسد الإسلامي )) التي بث فيها آراءه وسعى إلى إعطاء صورة للإباضية أكثر وضوحا. وكذلك نشر عددا قليلا من الكتب الإباضية لمؤلفين عمانيين ومغاربة، بما في ذلك كتابه الخاص عن تاريخ الإباضية (( الأزهار الرياضية )). ثم واصل إبراهيم أطفيش من مزاب، الذي نفاه الفرنسيون من الجزائر فاستقر ف يمصر، حيث أصدر صحيفته (( المنهاج )) وشارك في تحرير ونشر أعمال العالم الإباضي المعاصر محمد بن يوسف أطفيش وبعض أعمال العلامة العماني السالمي. وكان خلال المدة الطويلة التي بقيها في مصر، الممثل غير الرسمي للمذهب الإباضي يدافع عن الآراء الإباضية وينشرها. كما كان باستمرار على استعداد لإسداء المشورة بشأن الدراسات الإباضية. ولا مجال للشك بأن إسهامه من أجل تقديم عرض أوضح للمذهب الإباضي ذو أهمية كبيرة. وتجلى هذا بوضوح شديد في مجلته (( المنهاج )) وفي ملاحظاته على المؤلفات التي حررها، وفي ملاحظاته على أجزاء من (( دائرة المعارف الإسلامية )) المترجمة إلى العربية، وفيها حاول أن يصحح آراء خاطئة عن الإباضية. وفي تونس والجزائر جرت نشاطات مماثله من قبل قادة حزب الإصلاح في مزاب المشاركة بنشاطات جمعية العلماء في الجزائر، ومن قبل علماء وقادة إباضية في تونس شاركوا في نشاطات الحزب الدستوري لعبد العزيز الثعالبي. ومن الشخصيات الإباضية البارزة التي لعبت دورا هاما في تونس، المغفور له محمد الثميني ؛ وهو في الأصل من مزاب وقد أسس مكتبة في تونس، وشارك في نشر وتوزيع المؤلفات الإباضية ؛ والمغفور له الشيخ سليمان الجادوي من جربة، وكان محرر الصحيفة الشهيرة (( مرشد الأمة )). ومن الشخصيات البارزة في مثل هذه النشاطات المماثلة في الجزائر أبو اليقظان إبراهيم الذي أصدر نحو ثماني صحف مختلفة في ظل العهد الفرنسي ؛ والشيخ بيوض إبراهيم بن عمر الذي كان مسؤولا عن الحركة الإصلاحية الحديثة في مزاب، وعن مدارسها ومؤسساتها. وقد كان الرجلان عضوين ناشطين في (( جمعية العلماء ))، وصديقين شخصيين لعلماء السنة البارزين في (( الجمعية )). وكانوا جميعا مخلصين في استهداف تفاهم أفضل مع جيرانهم من السنة. وأسفرت هذه الحركة التي كانت بالدرجة الأولى من وحي الباروني ومقاربته، عن تلطيف موقف المعارضة المرير من الإباضية في مختلف أوساطهم، ووفرت جوا أفضل الإباضيين لعرض وجهات نظرهم بطريقة معتدلة. والإسهام الأخير في هذا الميدان قدمه علي بن معمر من جبل نفوسة، في ليبيا، وهو الذي نشر حديثا عددا من المؤلفات تحت عنوان (( الإباضية في موكب التاريخ )) هادفا بذلك إلى تقديم دراسة عامة عن الإباضيين في بلدانهم المختلفة. كما نشر أعمالا أخرى تتناول قضايا شرعية ودينية. والعالم الآخر هو محمد علي دبوز من القرارة في مزاب ؛ وقد تعهد بإعادة كتابة تاريخ المغرب من وجهة النظر الإباضية، ونشر حتى الآن سبعة مجلدات من عشرة، ينوي فيها أن يكمل عمله. وفي المجلدات الثلاثة الأولى تناول تاريخ المغرب الكبير فيما كانت المجلدات التالية مخصصه لدارسة الجزائر في العصر الحديث – ثورة الجزائر ونهضتها المباركة – وكلا المؤلفين هما من طلاب الشيخ بيوض، وقد تأثرا إلى حد كبير بآرائه الإصلاحية، وهما يدعوان المسلمين في مؤلفاتهما بصورة مقنعة وبقوة إلى أن عليهم أن يعودوا إلى القرآن والسنة وأن يتركوا جانبا أساب الانقسام الناشئ عن إتباع العلماء المتأخرين الذي تأثروا بالخلافات السياسية. وذلك هو إسهام الإباضية في المسعى الإسلامي الحديث للعودة إلى الإسلام الأصيل كما هو عليه في الكتاب والسنة. وكان من شأن هذا الاتجاه الذي دعا إليه محمد عبده وتلميذه رشيد رضا، ثم واصله تلميذتهما قاموا به من نشاطات تالية، أن أمن للإباضية أملا جديدا بفهمهم على وجه أفضل لقد بدأ لهم أن خصومهم المسلمين بدأوا في النهاية يدركون ما مثلته الإباضية ودعت إليه منذ البداية. وقد لعب الإباضية دورا في هذه الحركة بواسطة النضال السياسي في سبيل الاستقلال الوطني في ديارهم المختلفة، ووقفوا جنبا إلى جنب مع جيرانهم السنة في وجه الدول الغازية وحاولوا دائما أن يعرضوا آراءهم وعقائدهم لتوضيح سوء الفهم القديم والتخلص من العزلة التقليدية التي عاشوا فيها باستمرار حيال جيرانهم المسلمين. وقد اتخذت المساهمة الإباضية في الدراسات الإباضية اتجاهين اثنين هما: أ – توفير إنتاجهم الخاص بهم عن طريق تحقيق ونشر أعمالهم الإباضية السابقة، وإضافة مساهمات جديدة بكتابات جديدة لتلبية المتطلبات الحالية. ب – عرض آراءهم وتاريخهم بصورة أوضح لتحقيق فهم أفضل لهم من قبل المسلمين غير الإباضيين. أما بالنسبة للمسلمين غير الإباضية، فليست هنالك حتى الآن أية محاولة جادة من جانبهم لدراسة الإباضية بعمق عبر مصادرها الخاصة بها، غير أن علامات على مثل هذا الاهتمام بالدراسات الإباضية بدأت تظهر في الجامعات الحديثة عبر علماء معاصرين توجهوا ولا ريب إلى الدراسات الإباضية بفعل اهتمام العلماء الأوروبيين وإسهامهم. وفي طليعة هذا الاتجاه تأتي جامعة القاهرة حيث يقوم طالب إباضي هو محمد حنبولة بدراسة مقارنة لقوانين الملكية في الفقه الإباضي والقانون الحديث في ليبيا، بإشراف محمد سلام مدكور. ولا شك أن أصالة هذا الموضوع والإمكانات التي يفتحها في سبيل اتجاهات جديدة في البحث ستشجع على إجراء المزيد من الدراسات في المستقبل 1.. إن الغرض من الدراسة الحالية هو عرض صورة أكثر وضوحا للمذهب الإباضي مبنية على مواد إباضية لكنها مكتشفة حديثا. وإذا كانت هذه الدراسة معنية بالإباضية في شمال إفريقية من حيث المنطقة، إلا أنه كان لا بد لنا من أن ندرس أصول الحركة الإباضية ومؤسسيها الأوائل في البصرة، وعلاقتها بحركة الخوارج، وصلتها بالأحداث الأولى للتاريخ الإسلامي والتطور السياسي، والتأثير الذي كان لهاتين الناحيتين الأخيرتين على المذهب الإباضي بالنسبة لآرائه الفقهية والكلامية، ثم توسعه في شمالي إفريقية. ونهدف أيضا إلى تقديم نظرة واضحة للفقه وعلم الكلام الإباضيين ؛ ونقاط الاتفاق والاختلاف مع حركات المعارضة المعاصرة لها والمدارس الفقهية وبعض الخصائص المميزة للعقيدة الإباضية: وتحديدا، (( نظام الولاية والبراءة )) ومراحل تطور الجماعة الإباضية، أي (( مسالك الدين )). وقد حررت كجزء من هذه الأطروحة ثلاثة نصوص أباضية لتقديم نماذج من النتاج الإباضي تغطي ميادين الفقه والشرع، وموضوع الولاية والبراءة الذي يدخل في الميدانين معا2. تعتبر هذه الدارسة حتى الآن، الأولى المبنية على أساس واسع من مواد أصلية مكتشفة حديثا للمصادر الإباضية الأولى وعلى دراسة تامة شاملة لغالبية الأعمال الإباضية الموجودة في مختلف حقول الدارسة. وأرجو أن يؤدي ذلك إلى فتح أفق جديد في ميدان الدراسات الإسلامية وإلى التشجيع على المزيد من التحقيق في ضوء المواد الجديدة المستخدمة هنا، والآراء التي توصلنا إليها. وهي على كل حال ليست غير الخطوة الأولى في دراسة الإباضية. ولا ريب أن هنالك الكثير مما يبقى عمله ولو أن الكاتب يثق بأن الطريق قد مهدت بفضل النتائج التي تحققت بفضل هذا البحث. الفصل الأول نشأة الإباضية، آراء الإباضية في الخوارج عبد الله بن إباض أخذ المذهب الإباضي اسمه عن عبد الله بن إباض المري التميمي ؛ وقد سمي المذهب على اسم أبيه لأنه كان أكثر من ابنه شهرة، كما هي الحال في علم الأنساب عند العرب1 والملطي هو الوحيد الذي ذكر أن هذه الفرقة سميت على اسم مؤسسها، وهو كما قال، إباض بن عمرو. 2 على أن هذه المعلومة لا يمكن أن تؤخذ بالاعتبار لأن الملطي أورد في كتابه معلومات عن الخوارج مناقضة لجميع المراجع الموثوقة التي تناولت الموضوع.3 ما نعلمه عن عبد الله بن إباض قليل جدا، سواء في المصادر الإباضية أم غير الإباضية ؛ وهو من بنى صريم بن الحارث بن مقاعس من بني تميم، إحدى قبائل مضر الرئيسة4. ولا يعرف شيء عن حياته الأولى، ويرى العالم الإباضي الحديث محمد بن يوسف اطفيش أن ابن إباض انتقل من نجد، موطن قبيلته، إلى البصرة1 كذلك ذكر أن هنالك روايات معنية تفيد أنه كان صحابيا لفترة قصيرة2 ؛ إلا أن رواة إباضيين أوردوا ابن إباض في طبقة التابعين الذين عاشوا في أثناء النصف الثاني من القرن الهجري الأول3. ولا يعرف هل اشترك في الحروب الأهلية التي وقعت بين المسلمين قبل خلافة بني أمية، ويبدو أنه لم يكن راضيا عن حكم معاوية، وقد انتقد مخالفته للقرآن وللسنة. 4.وترد أول معلومة أكيدة حلو نشاطاته العامة عن دوره في الدفاع عن مكة بوجه القائد الأموي حصين بن نمير السكوني، الذي خلف مسلم بن عقبة ( 63 / 682 )5 ؛ كما كان أحد زعماء فريق المحكمة الذين حاولوا أن يكسبوا عبد الله بن الزبير إلى جانبهم، وقدموا له دعمهم الكامل إذا وافق على آرائهم وانفصل عن عثمان، وطلحة، ووالده بالذات الزبير بن العوام ؛ غير أن عبد الله بن الزبير رفض الموافقة على آرائهم فتركوه وعاد بعضهم إلى البصرة، ومن بين هؤلاء عبد الله بن إباض6. والظاهر أن موقف ابن الزبير دفعهم إلى اليأس من تأمين قيادة بارزة من القرشيين وهو ما كانوا يسعون إليه باتصالهم بابن الزبير. وفي أثناء هذه الفترة دخلت حركتهم مرحلة حرجة بالنسبة لمسألة قيادتها فقد ظهر عدد من الشخصيات البارزة التي حاولت الفوز بقيادة الحركة عبر العمل العسكري، وأول هؤلاء أبو راشد نافع بن الأزرق الذي اتخذ منحى متطرفا في انتفاضته وانسحب هو وأنصاره من الجماعة الإسلامية على أساس أن دارهم دار حرب وأنهم جميعا مشركون1. في هذه المرحلة برز عبد الله بن إباض شخصية قائدة تعارض موقف نافع وسواه من القادة الخوارج ودعا إلى مقاومتهم علنا2. وترى المصادر غير الإباضية أن ذلك كان بداية المذهب الإباضي، وتنسب تأسيسه إلى عبد الله بن إباض الذي كان، وفقا لغالبية تلك المصادر (( رأس )) المذهب الإباضي3. والمعلومات الواردة في المصادر الإباضية تبين أن عبد الله بن إباض لعب دورا ثانويا في تأسيس الحركة الإباضية وقيادتها بالمقارنة مع إمامها الأول ومؤسسها جابر بن زيد. ويقال إن ابن إباض كان يعمل في كل نشاطاته وفقا لأوامر جابر بن زيد4. ويذكر كذلك أن ابن إباض كان الفقيه الأبرز في زمن جابر بن زيد، وأنه كان الشخص الذي رفض علنا آراء المجموعات المعارضة من القدرية، والمعتزلة، والمرجئة، والشيعة، والخوارج المتطرفين 5.والمعتقد أن ابن إباض دعا علنا إلى آراء مذهبه مع أن نشاطات المذهب الإباضي كانت آنذاك تنفذ سرا، لأنه كان يتمتع بحماية قبيلته. وهنالك سبب آخر هو أن الحركة الإباضية كانت بعد انتفاضة نافع بن الأزرق، مضطرة للإعلان عن آرائها تجاه الأزارقة أمام الناس للاحتفاظ بدعم المسلمين العاديين، وأمام السلطات لتتجنب ملاحقتها. وكانت نشاطات ابن إباض موجهة من قبل جابر بن زيد الذي كان إمام الحركة الإباضية آنذاك. وأخذ المذهب اسم ابن إباض لأنه اعتاد أن يبشر علنا بآراء المذهب، كما كان معروفا بين غير الإباضيين برفض آرائهم، وبسبب موقفه الواضح الحازم من الخوارج المتطرفين أيضا. ولعل السبب الآخر الذي جعل المذهب الإباضي يحمل اسمه هو نشاطاته السياسية واتصالاته بالخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي كان يتبادل وإياه الرسائل1. ولم يكن الإباضيون في البداية يستخدمون اسم الإباضية ؛ بل استخدموا عبارات (( المسلمين )) و (( أمة المسلمين )) و (( جماعة المسلمين )) و (( أهل الدعوة )). ولم يرد ذكر اسم (( الإباضية )) في الأعمال الإباضية الأولى مثل (( مدونة )) أبي غانم أو أي عمل آخر مبكر، إلا أنهم، عادوا في وقت لاحق، فاعترفوا بهذا الاسم وقبلوه. وقد ظهر لأول مرة في الأعمال الإباضية المغربية في رسالة عمروس بن فتح ت 280 / 8932. ويظهر أن عبد الله بن إباض أصبح شخصية معروفة بسبب آرائه ونشاطاته، حتى إن هنالك مجموعات أخرى غير إباضية، كالمعمرية، على سبيل المثال3، زعمت أنه قائدها، ويقال أيضا إن الحارثية، أتباع الحارث بن مزيد الإباضي أعلنوا بعد وفاة أبي بلال مرداس أنهم لا يعترفون بغير إمامة عبد الله بن إباض4. وليس من الواضح أن عبد الله بن إباض لعب أي دور نشيط في الانتفاضات العسكرية التي جرت في حياته، في حين أن الكدمي ذكره في نفس القائمة مع أبي بلال وعبد الله بن يحيى الكندي ووصفهما بأنهما من الخوارج1. وبناء على ما ذكره القزويني فقد ثار ابن إباض بتبالة في أثناء عهد مروان بن محمد بن عطية2. كذلك ذكر الشهرستاني أن عبد الله بن يحيى كان إلى جانب ابن إباض في انتفاضته، وكان رفيقا له في جميع أحواله وأقواله3. الذي كتب إليه رسائله الشهيرة4، إلا أنهما، كغيرهما من المؤلفين الإباضيين، لم يذكرا هل بقي حيا بعده، أو هل لعب دورا في انتفاضة عبد الله بن يحيى الكندي ؟ وليس من المحتمل أن يكون ابن إباض لعب أي دور في تلك الحروب من غير أن يذكره المؤلفون الإباضيون أو المؤرخون الآخرون الذين رووا أخبار هذه الحروب كالطبري والأصفهاني وسواهما5. وتدل لائحة المراجع الإباضية القديمة التي أوردها القلهاني أن عبد الله بن إباض وعروة بن جدير هما من تلامذة جابر بن زيد، وعبد الله بن وهب الراسبي وزيد بن صوحان ؛ وتدل كذلك على أن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة، وفروة بن نوفل، ووداع بن حوثرة هم من تلامذة عبد الله بن إباض، ومعاصرون له، فيما كان عبد الله بن يحيى الكندي والمختار بن عوف معدودين بين طلبة أبي عبيدة مسلم6. والظاهر أن ابن إباض كان قد توفي حين توفي جابر بن زيد وخلفه أبو عبيدة أو أنه لم يكن مهما إلى درجة كافية لاستلام قيادة الحركة. ويبدو أن الرأي الأول أكثر إقناعا ؛ ثم إنه مدعوم بمعلومة ترد عند البغدادي هي أن الحارث الإباضي ترأس مجموعته خلفا لعبد الله بن إباض. ووفقا لذلك لا بد أن ابن إباض كان قد توفي حين بدأ الحارث بنشر آراءه بشأن القدر والتي عارض فيها القيادات الإباضية. ومن الصعب أن نصدق أن ابن إباض كان لا يزال حيا، إذ أنه لو كان لا زال على قيد الحياة، لكان رفض آراء الحارث، وقد ذكرت المراجع الاباضية ان عبء معارضة الحارت كان يحمله ابو عبيدة مسلم. 1 ان جميع هذه الحقائق تؤيد رأي ليفتسكي الذي أشار إلى أن المعلومات التي أوردها الشهرستاني والقزويني معا بالنسبة لدور ابن إباض في الانتفاضات في وجه مروان بن محمد ليست مقنعة جيدا2. على أن المعلومات المقدمة عن ابن إباض محدودة ومربكة جدا كذلك، وكان ابن حزم من بين المؤلفين الأوائل الذين لاحظوا هذه الحقيقة إذ يذكر أن أكثر الإباضيين علما في الأندلس لم يكونوا يعرفون شيئا عن عبد الله بن إباض3. والسبب كما رآه ابن حزم، هو أن ابن إباض تنكر آرائه وانضم إلى مجوعة الثعالبة من الخوارج4. كذلك ذكر الذهبي أن ابن إباض تراجع عن بدعته الإباضية5، غير أن هذه المعلومات لا تؤيدها المراجع الإباضية. وهنالك مثل آخر عن المعلومات المشوشة وغير الموثوقة ذكرها ابن حوقل إذ قال: إن كلا من عبد الله بن إباض وعبد بن وهب الراسبي قدما إلى جبل نفوسة وماتا هناك6. ومن الضروري هنا أن نذكر أن قول ليفتسكي، بأن حالة الكتمان الإباضية بدأت بابن إباض7 مناقض للمعلومة الواردة في المؤلفات الإباضية. ولقد ذكرت المراجع الإباضية بوضوح أن هذه الحالة من الكتمان أدخلت في عهد إمامة جابر بن زيد الذي وجه نشاطات الحركة ونشاطات أعضائها1. كما تذكر أن الانتفاضات التي وقعت في أثناء حياته، سواء انتفاضة أبي بلال أو سواها، كانت بتخطيط من جابر بن زيد2 الذي كان المسئول عن تأسيس المذهب الإباضي وتطويره. آراء الإباضية في الخوارج تنظر المصادر غير الإباضية إلى المذهب الإباضي باعتباره فرعا من حركة الخوارج انفصل الخط العام ليشكل مجموعة معتدلة بقيادة عبد الله بن إباض. ومثل هذا العرض للمذهب الإباضي كرره أولئك العلماء الذين درسوا الموضوع على أساس معلومات مستقاه من المصادر غير الإباضية. لقد كان من الصعب على غير الإباضية أن يكونوا نظرة واضحة عن الحركة الإباضية وعن طبيعة علاقاتها بحركة الخوارج. ومرد ذلك إلى التكتم حول النشاطات والمخططات التي وجهت معظم النشاطات الإباضية الأولى. والسبب الآخر هو، كما ذكره ابن النديم، أن خوف الإباضية من الاضطهاد من قبل خصومهم، جعلهم يسترون كتبهم3. فمن المهم إذا نعرض نظرة الإباضية الخاصة إلى منشأ حركتهم وإلى موقعها بالنسبة لحركات الخوارج كما رأت مصادرها ذلك. لقد حفظ الإباضية شرحا مفصلا لآرائهم عن التطور السياسي الباكر للأمة الإسلامية وذكر البرادي الجدول التالي للأعمال والوثائق الأولى التي تناولت الموضوع4. 1- أخبار صفين والنهروان. 2- صفة أحداث عثمان. 3- الرسالة التي وجهها علي بن أبي طالب إلى ابن عباس بعد هزيمة أهل النهر ورد ابن عباس عليها. 4- رسالة جابر بن زيد إلى أحد أفراد الشيعة. 5- رسالة عبد الله بن إباض إلى عبد الملك بن مروان. 6- رسالة أبي بلال مرداس إلى المسلمين. 7- رسالة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة وحاجب إلى أهل المغرب. 8- رسالة الربيع بن حبيب بخصوص عبد الله بن عبد العزيز، وأبي المؤرج وشعيب. 9- رسالة أبي الحر علي بن الحصين. 10- كتاب سالم بن حطيئة الهلالي. 11- كتاب أبي سفيان محبوب بن الرحيل. 12- سيرة محمد بن محبوب إلى أهل المغرب. 13- سيرة منير بن النير الجعلاني. وذكر البرادي أنه شاهد جميع الوثائق والأعمال أعلاه وقرأها باستثناء سيرة محمد بن محبوب.1 ويقال إن هنالك نسخة كاملة من هذه السيرة مؤلفة من سبعين جزءا كانت موجودة في جبل نفوسة حوالي نهاية القرن الرابع الهجري ؛ وإن الجزء السادس فقط من هذا الكتاب كان موجودا في جزيرة جربة أثناء هذه الفترة.2 إن معظم هذه الأعمال والوثائق لا يزال موجودا باستثناء أعمال أبي سفيان وابنه محمد بن محبوب، وكتاب سالم بن حطيئة الهلالي، ورسالة جابر بن زيد إلى شيعي، ورسالة أبي بلال مرداس. على أن البرادي احتفظ لنا في (( جواهره )) بمعلومات مفيدة عن بعض هذه الأعمال المفقودة1 فيما احتفظ الدرجيني في (( طبقاته )) بمعلومات مفيدة عن علماء الإباضية الأوائل من كتاب أبي سفيان محبوب.2 وهنالك وثائق إباضية أخرى قديمة تناولت الموضوع، لا تزال موجودة وبالإمكان العودة إليها: 1- سيرة سالم بن ذكوان، وهو عالم إباضي معاصر لجابر بن زيد.3 2- سيرة شبيب بن عطية العماني.4 3- سيرة أبي قحطان خالد بن قحطان الهجاري.5 يضاف إلى ذلك أيضا خطب لعبد الله بن يحيى وخطب للمختار بن عوف، ألقاها بنفسه في مكة والمدينة، وقد كانت مسجلة ومحفوظة.6 وجميع هذه الأعمال التي ترد في مراجع إباضية قديمة1 تحتوي على النظرة الإباضية للتغييرات الباكرة التي حدثت في المجتمع الإسلامي ؛ وهي التي بدأت بمعارضة سياسة الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وعلى العرض الإباضي للفرق المختلفة التي نشأت في أوائل التاريخ الإسلامي، وعلى موقف الإباضية منها. والعرض التالي لنظرة الإباضية للتطور السياسي الباكر للأمة الإسلامية، ولرأيها بالخوارج بني على هذه المواد المذكورة أعلاه. اعتبر الإباضية حركتهم استمرارا للمعارضة التي أسقطت الخليفة الثالث عثمان بن عفان وسببت وفاته. ونظروا إلى تلك المعارضة باعتبارها رفضا إسلاميا صرفا (( للأحداث )) التي أدخلها عثمان وحاشيته الأموية ؛ ثم إن هذه (( الأحداث )) معروضة في كتاب (( صفة أحداث عثمان )) ورسالة عبد الله بن إباض، وسيرة سالم بن ذكوان. ولا ذكر في المصادر الإباضية لدور عبد الله بن سبأ في الانتفاضة الأولى بوجه عثمان ؛ وتلك حقيقة تشير إلى أن الإباضية رأوا في تلك الانتفاضة واجبا إسلاميا يقوم به صحابة النبي الذين أرادوا أن يتقيدوا بسنة الرسول ومثال خليفتيه الأولين، لا نتيجة أي نفوذ خارجي أو غريب. وقد وافق الإباضية على خلافة علي بن أبي طالب ونظروا إلى طلحة بن الزبير وعائشة وأنصارهما باعتبارهما (( الفئة الباغية))2 وهنا يذكر أن جابر بن زيد وأبا بلال مرداس ناقشا عائشة بموفقها من معركة الجمل، ووجها إليها اللوم على مقاومتها لعلي الذي كان الخليفة الشرعي آنذاك، و (( تابت مما كانت قد دخلت فيه )).1 كذلك وافقوا عليا في حروبه مع معاوية ونظروا إلى معاوية وعمرو بن العاص معا ومناصريهما باعتبارهم الفئة الباغية التي يجب محاربتها حتى تخضع لأمر الله.2 لكنهم لم يوافقوا على قبول علي بالتحكيم معتبرين أن الذين رفضوا التحكيم هم المسلمون الحقيقيون وأن زعيمهم عبد الله بن وهب الراسبي هو الخليفة الشرعي الخامس.3 وهاجموا عليا بن أبي طالب لأنه فتك بأهل النهر وحجتهم أنه لم يكن يحق له على الإطلاق بأن يقاتلهم. وعلق أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة على ما أعلنه علي بالنسبة لشعار أهل النهر (( لا حكم إلا لله )) بأنها كلمة حق أريد بها باطل ؛ قال أبو عبيدة: (( لقد علم علي أن شعارهم هو الحق، فمن أخبره أنهم يريدون به باطل )) ؟.4 وبناء على ما قاله جابر بن زيد يذكر أن عليا بن أبي طالب، حين لحظ أن مناصريه قلقوا لمقتل المسلمين الأتقياء في معركة النهروان، وندموا على ما فعلوه، طلب منهم في اليوم التالي للمعركة أن يبحثوا عن شيطان بين قتلى أهل النهر ؛ جاءوه برجل كان قد عضه الجمل في صدره، فقال لهم علي: ذاك هو الشيطان. وحين نبهه ابنه السحن إلى أن هذا الرجل هو الصحابي نافع، مولى الصحابي ثرملة، أسهم بالجهاد، أسكته علي وقال له: (( إن الحرب خدعة )).5 ومن شأن هذه المعلومات أن تدل على أن المراجع الإباضية الأولى اعتقدت أن عليا بن أبي طالب لم يكن على حق في محاربة أهل النهر، وأن موقفه آنذاك كان مبنيا على طموحات دنيوية، لا على أسس دينية كما هي الحال بالنسبة لأهل النهر.6 هكذا كانت نظرة الإباضية بالنسبة للتطورات السياسية الأولى كما فهموها. وعندهم أن المحكمة هم المجموعة الوحيدة التي كانت تكافح من أجل العودة بالإمامة الإسلامية إلى ما كانت عليه أثناء عهدي أبي بكر وعمر، والسنوات الست الأولى من خلافة عثمان والسنوات الأولى من خلافة علي قبل أن يرضى بالتحكيم. ثم انتهى جهاد هذه الجماعة في مقتله أهل النهر على يدي علي بن أبي طالب وجيشه ( 27 / 658 )، ومقتله أهل النخيلة على أيدي عسكريي معاوية والحسن بن علي معا.1 بعد هذه المرحلة ترسخت الخلافة الأموية وجعلت همها أن تضرب أي مقاومة. وهكذا فإن مؤيدي مجموعة المحكمة، أو (( المسلمين )) أو (( جماعة المسلمين )) كما كانوا يدعون في الأدب الإباضي القديم، اضطروا لإخفاء عقيدتهم والقيام بنشاطاتهم سرا.2 ومن الذين نجوا من معركة النهروان، عروة بن أدية وشقيقه أوب بلال مرداس.3 وقد واصلا نشاطاتهما في البصرة، وهما المعروفان بتفانيهما في واجباتهما الدينية، وكانا بارزين بين جماعة المسلمين هناك. ويبدو أن أبا بلال كان زعيما في البصرة لأنه كان أحد ثلاثة رجال علقوا على خطبة زياد بن أبيه الأولى في جامع البصرة حين عين هذا الأخير من قبل معاوية حاكما على البصرة وخرسان وسجستان.4 ويذكر أيضا أن أبا بلال وجابر بن زيد كانا على صلة وثيقة خلال هذه الفترة، وأنه كان ينفق وقتا طويلا مع جابر بن زيد. ويقال إنهما دخلا على عائشة فعاتباها على ما كان منها يوم الجمل فاستغفرت وتابت.1 وفي أثناء هذه الفترة ترسخت قيادة جابر لمجوعة المحكمة ؛ وهو رجل تقي عالم من الأزد، من قبيلة عبد الله بن وهب الراسبي، وآخر زعيم منتخب للمجموعة. وبوجه عام كانت نشاطات جابر فكرية، بحيث أنه استطاع الدعوة للإسلام والحفاظ على تعاليمه بطريقة لم تثر شك السلطات الأموية. ثم إن منصبه كمفت بارز في البصرة أمن له غطاء مفيدا ومكنه من إقامة صلات واسعة مع شخصيات بارزة في مختلف أنحاء البلدان الإسلامية.2 وقامت سياسة جابر على اللجوء إلى جميع الوسائل لضمان أمن حركته وسلامة أباعه، حتى ذهب إلى حد الأمر بمقتل شخص يدعى خردلة أبلغ السلطات الأموية عن أسماء أفراد الحركة الإباضية في البصرة وجعل يطعن فيهم ويدل على عوراتهم ويفضح أسرارهم.3 كذلك سمح جابر بأخذ الإتاوة لتفادي العراقيل مع السلطات في عهد عبيد الله بن زياد.4 وأدى الاضطهاد المتزايد المتواصل، لأعضاء مجموعة المحكمة في البصرة على يد عبيد الله بن زياد إلى حمل الأعضاء أن يتصرفوا حيال ذلك بعنف، كما دفع بالسلطات لمتابعة اضطهاد إخوانهم المسلمين.5 وقد واجهوا أنواع التنكيلات مما يتراوح بين السجن والموت؛6 حتى إن النساء تعرضن للعقوبة القاسية.7 وفي هذا الوضع تعذر على الشخصيات البارزة في المجموعة أن يعيشوا حياة هادئة، إن لم نقل أنه حال دون احتمال نشر آرائهم وتعليمها. وفي هذه المرحلة أدخل مبدأ (( الشراء ))، أي التضحية بالذات في الحركة بموجب أصول محددة، ثم نفذ من قبل أربعين عضوا في الحركة بقيادة أبي بلال مرداس الذي أوضح أنه لا ينوي أن يقاتل إلا الذين يقاتلونه، وأنه لن يأخذ من الغنائم إلا نصيبه، أي الأعطيات التي هي من حقه.1 وكان ذلك بالفعل رفضا مكشوفا لسياسة (( الاستعراض )) التي كان يمارسها بعض الخوارج قبل أبي بلال، ممن كانوا معروفين بتعاطفهم مع جماعة المحكمة,2 تلك كانت تنفيذا عمليا لسياسة (( الشراء )) أي التضحية بالذات، و (( القعود )) أي البقاء في حالة هدوء في عهد الطغاة وعدم الخروج إلى الجهاد ضدهم في أثناء (( مرحلة الكتمان )) وبذلك لم يرفض أبو بلال مبدأ القعود أو التقية. والواقع أنه وافق على مبدأ التقية ونصح البلجاء بأن تتكتم في معتقداتها حين علم أن عبيد الله بن زياد قرر أن يعاقبها.3 وفي أي حال فإن أبا بلال وأنصاره، بعد أن هزموا جيشا من ألفي شخص، قتلوا في معركة تالية فيما كانوا يؤيدون صلواتهم.4 وتقول المراجع الإباضية إن هذه الانتفاضة من قبل أبي بلال كانت قد خططت من قبل جابر بن زيد إمام الإباضية آنذاك وبموافقته.5 ويقال كذلك إن أبا بلال طلب من جابر عند مغادرة البصرة، أن ينضم إليه6 ولكن جابرا بقي في البصرة وتابع سياسته القائمة على تجنب العنف. وتقوم العلاقة بين الإباضية وخصومهم المسلمين على أساس المبادئ التالية: أ- على الإباضية ألا يقاتلوا أحدا إلا الذين يقاتلونهم ؛ وليس لهم أن ينهجوا سياسة الاستعراض. ب- لا يجوز أن تؤخذ ممتلكات المسلمين غنائم ؛ ولا يجوز قتل نسائهم وأولادهم أو أن يؤخذوا سبايا. ويعتمد هذا المبدأ على سيرة المسلمين الأوائل في قتالهم لعثمان وأنصاره، وعلى سيرة علي في حربة ضد طلحة والزبير حين كان علي الخليفة الشرعي 1. ج- ليس (( الخروج )) واجبا ؛ ويمكن للمسلمين أن يعيشوا ف يظل الطغاة لاجئين إلى التقية، عند اللزوم. د- الشراء، أو التضحية بالذات، واجب اختياري على من اكتمل عددهم أربعين شخصا أو أكثر حين يكونون هم الذين اختاروا الخروج. وأصبحت هذه المبادئ سيرة للمسلمين متبعة لا يجوز تغييرها ؛ وأيدت المراجع الإباضية هذه المبادئ قياسا على سيرة الرسول طوال كفاحه في سبيل الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية وفقا لشريعة الله.2 كذلك زعموا أن هذه المبادئ لم تخرق قبل انتفاضة نافع بن الأزرق الذي تصرف خلافا لذلك، أو كما قال ابن إباض نفسه: ((... ولكننا باسم الله نختلف مع ابن الأزرق وأنصاره: حين ثاروا بدا لنا أنهم كانوا على دين المسلمين، لكنهم تركوه بعد ذلك وأصبحوا كافرين )).3 وكانت حركة ابن الأزرق أول انشقاق جاد خطير في جماعة المحكمة ؛4 وقد أدت التعاليم التي أدخلها نافع بن الأزرق إلى ردود فعل مختلفة وقد عارض جابر بن زيد وعبد الله بن إباض آراء نافع ودافعا عن مبادئ المحكمة الأولى وعملا على نشرها. ويدل هذا العرض لتطور جماعة المحكمة على أن زعماء المذهب الإباضي لم يدخلوا أي عقائد جديدة على مسألة (( الخروج )) أو على العلاقة بين الأعضاء وبقية المسلمين في زمن السلم والحرب، وكل ما فعلوه هو مواصلة نشر العقائد الموضوعة من قبل سواء في أثناء الحروب بين علي وطلحة، أم تلك التي أرسها أبو بلال في وقت لاحق. ورفضوا من ناحية أخرى، آراء نافع بن الأزرق وسواه من زعماء الخوارج المتطرفين كنجدة وداود، لخرقهم تلك الأصول الموضوعة من قبل أسلافهم. وقد عبر سالم بن ذكوان عن الموقف الإباضي بالعبارات التالية: فأمرنا تبع لأئمة المسلمين قبل نزول للمسلمين يوم قتلوا عثمان، ويوم الجمل، ويوم أنكروا تحكيم الرجال في دينهم. وأرينا اليوم لرأيهم تبع يومئذ، وتأويلنا القرآن اليوم لتأويلهم يومئذ تبع. لسنا ممن يزعم أنه أفاد علما في القرآن والسنة حتى غلبهم )).1 هكذا فهم الإباضية حكمهم الذي لم يكن بالنسبة لهم سوى استمرار لحكم المحكمة قبل انفصال نافع والخوارج المتطرفين. ولذلك نظروا إلى الخوارج المتطرفين بأنهم (( المارقة )) أي الذين تجاوزوا الدين، وطبقوا عليهم الوصف المعروف المذكور في حديث شهير للرسول،2 وهو: (( يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم، يقرؤون القرآن ولا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية تنظر في النصل فلا ترى شيئا ثم تنظر في القدح فلا ترى شيئا ثم تنظر في الريش فلا ترى شيئا وتتمارى في الفوق )).3 أما بالنسبة لكلمتي (( الخوارج )) و (( الخروج )) فقد استعملها الإباضية بمعنى (( الخروج )) إلى الجهاد.1 وفي وقت لاحق، حصر بعض المؤلفين الإباضية هذا الاسم في مجوعات متطرفة من الخوارج تصرفت على النقيض لمبادئ المحكمة.2 غير أن غالبية المراجع الإباضية القديمة، وبعض المؤلفين العمانيين المتأخرين كذلك، استعملوا كلمتي (( خروج )) و (( الخوارج )) مشيرين بذلك للإباضية، وميزوا الخوارج المتطرفين بعبارة (( خروج الجور )).3 واستعملوا كذلك (( شراء )) و (( شراة )) بدلا من كلمتي (( خروج )) و ((خوارج ))، مع أنه كان لكلمتي (( شراء )) و (( شراة )) معناهما الخاص بهما في العقيدة الإباضية.4 وبالنسبة للمحكمة ولأهل النهر، والنخيلة، وأبي بلال وأنصاره، فقد استعملت عادة عبارتا (( المسلمين )) و (( جماعة المسلمين)). وكان هذان الاسمان بالإضافة إلى اسم (( أهل الدعوة )) يستعملان من قبل الإباضية للإشارة إلى مذهبهم. وفيما يلي النقاط التي اختلف عليها الإباضية والخوارج: 1- مسألة الخروج: إن العقيدة التي أدخلها نافع بن الأزرق هي أن (( الخروج )) أو (( الهجرة )) إلى معسكرهم أمر إلزامي. وقد اعتبر بلاد خصومهم من المسلمين ( المخالفين ) دار حرب، ونظر إلى أولئك الذين لا يقومون بأي عمل (القعدة ) باعتبارهم مشركين على أساس الآية القرآنية: ( وأن أطعتموهم إنكم لمشركون ).1 وهذه العقيدة مناقضة للعقيدة التي قال بها المحكمة وهي إن معارضيهم من المسلمين هم محض (( كفار نعمة ))2 لا مشركون، وإن إخوانهم المسلمين قادرون على الحياة بين خصومهم، وسمحوا بالقعود، إذ إن الخروج أو الهجرة ليسا إلزاميين. والواقع أن المحكمة الأولين كانوا واضحين كثيرا بشأن القعود باعتباره شرعيا بالنسبة لإخوانهم المسلمين حتى أنهم انتخبوا عبد الله بن وهب الراسبي إماما، وآثروه على معدان الإيادي لأنه قال.3 سلام على من بايع الله شاريا = وليس على الحزب المقيم سلام 1 سلام على مـن بايـع الله شاريـا وليس على الحزب المقيم سلام لقد تمسك الإباضية بعقيدة المحكمة الأوائل ورفضوا نافع، وقالوا إن كلا من المجاهدين والقعدة، هم مسلمون ؛ (( يخرج من يخرج ويتخلف من يتخلف، فيتولى الخارج القاعد والقاعد الخارج، على ذلك مضوا وانقرضوا، رحمهم الله وغفر لهم )).4 وقد جرى التعبير عن هذه العقيدة في وقت لاحق بالقول التالي: (( لا هجرة بعد الفتح ))، وهو في الواقع جزء من حديث للرسول،5 وقد ورد في جميع المعتقدات الإباضية للتعبير عن رأيهم بمسألة الهجرة أو الخروج.6 2- والمسألة الثانية هي موقفهم بالنسبة لخصومهم المسلمين (( المخالفين )).7 لقد اعتقد الأزارقة أن خصومهم المسلمين كفار. ونظروا بالتالي إلى بلادهم باعتبارها دار حرب، وآمنوا بشرعية قتل نسائهم وأولادهم، أو بسبيهم، وبالاستيلاء على ممتلكاتهم. ومن ناحية أخرى فإنهم منعوا أتباعهم من أن يرثوا منهم ومن أن يتزوجوا من نسائهم. كذلك رأوا شرعية الاحتفاظ بما أمنهم عليه من خالفهم من المسلمين، وأن ينكروا عليهم حقهم فيه.1 إن جميع هذه العقائد عن علاقتهم بخصومهم المسلمين نظر إليها الإباضية (( كضلالات )) لأنها معارضة لآراء المسلمين مناقضة لسيرتهم. ورفض الزعيمان الإباضيان، جابر بن زيد وعبد الله بن إباض آراء الأزارقة وأنكروها.2 كذلك اتخذ الموقف نفسه من مجموعات أخرى من الخوارج كالصفرية والنجدات وغيرهما، مع أن هذه المجموعة الأخيرة اختلفت عن الأزارقة حول بعض المسائل.3 واعتبر الإباضية هذه العقائد الجديدة التي أدخلها نافع وخوارج آخرون، بأنها (( بدع ))، وانفصلوا عن حركاتهم ورفضوا آرائهم، حتى أنهم خاضوا حروبا ضدهم ,4 وتعد سيرة سالم بن ذكوان من بين الوثائق الإباضية القديمة التي ناقشت مشكلة متطرفي الخوارج وآرائهم. ولعله من المفيد أن ننقل هنا آراءه حول هذه المسألة لأنها تمثل الرأي المعاصر لعلامة إباضي بارز، وتعكس الموقف الإباضي العام نحو الخوارج. استهل سالم بن ذكوان سيرته بعرض مفصل لسير الإسلام من بداية الوحي حتى وقت قبول علي بن أبي طالب الخليفة الرابع، بالتحكيم، ثم رفضه المحكمة وراحوا يقيمون حكم الله على الأرض بطريقتهم الخاصة، يضحون بأرواحهم في سبيل قضيتهم. لقد قدم ابن ذكوان العرض التالي عن المحكمة وخلفائهم، ووصف سيرتهم كما يلي: (( ثم تتابعت على ذلك خوارج المسلمين يحكمون الله وحده ويرضون سبيل من مضى قبلهم من المسلمين، لا يقتلون ذرية قومهم، ولا يستحلون فروج نسائهم، ولا يستعرضونهم ولا يخمسون أموالهم، ولا يقطعون الميراث منهم، ويؤدون الأمانة إليهم وإلى غيرهم، ويوفون بعهودهم، ومن غيرهم، ويأمن عندهم الكاف والمعتزل من قومهم، من غير أن يكونوا يشكون في ضلالتهم ولا تخاذلهم بين الحق والباطل منزلة، وليس بعد الحق إلا الضلال. ويصلون الرحم، ويعرفون حق الجار والصاحب واليتيم وابن السبيل وما ملكت أيمانهم، ويتولى ماضيهم وقاعدهم لماضيهم الفضيلة التي أعطاه الله، ويتحابون بحب الله يتولى بعضهم بعضا ابتغاء مرضاة الله ويواسي غنيهم فقيرهم ابتغاء وجه الله والدار الآخرة. وإذا مضت طائفة تركوا لمن خلفهم من أوليائهم على عدوهم الحجة الثابتة عند ذوي العقول والعلم بأمر الله )).1 بعد ذلك راح ابن ذكوان يشرح موقف الأزارقة كما يلي: (( ثم خرج من بعدهم ابن الأزرق وأصحابه، فمكثوا ما شاء الله يسيرون بسيرة من كان قبلهم من الخوارج، ثم إنهم حرمهم شنآن قوم أن أنزلوهم بمنازل عبدة الأوثان، فقطعوا الميراث منهم وحرموا مناكحتهم، وقد ناكحهم من يتولون ووارثهم، فإن يكن ذلك هدى وعمل به من يتولون فقد خالفوهم فيه ودانوا اليوم بالبراءة ممن عمل به، وإن يكون ذلك ضلالة ضلوا بتوليهم من عمل به، واستحوا سبي قوم واستنكاح نسائهم وخمس أموالهم وقتل ذراريهم واستعراضهم، ولك يكن من يتولون يستحلون شيئا من ذلك من قومهم، فإن يكن الذي عمل به من يتولون من قومهم هدى، فقد خالفوهم عليه وأبوا أن يجيروا من استجارهم من قومهم حتى يسمع كلام الله، وهم يشهدون أنهم بمنزل عبدة الأوثان. وقال الله لنبيه:1 ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه).2 وجعلوا للقوم محبة، وأبوا أن يقبلوا ممن أتاهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإقرارهم بحكمهم، وهم يزعمون أنه حكم الله... ويرثون من كل أعرابي وإن كان يتولاهم ويسأل الله أن يرزقهم مثل الذي رزقهم من جهاد أعدائه. وقد قال الله: ( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم، سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم ).3 (( وكفروا قعدتهم واستحلوا دمائهم وأموالهم وحرموا ولايتهم والاستغفار لهم وقد علموا ذلك منهم، فإن يكن ذلك هدى عمل به من يتولون فقد خالفوهم فيه وكفروا من يتولى اليوم عليه، وإن يكن من يتولون تولى كافرا فقد كفروا، وكفروا هم بولايتهم إياهم على تولي الكفار، فزعموا أنما يكفرون فعذبهم بكفرهم إياهم دونهم وقد أمر الله أن يتوبوا )).4 وبعد ذلك يتابع ابن ذكوان مناقشة رأي الأزارقة بخصوص (( التقية )) كما يلي: فقد مكث مؤمن آل فرعون5 ما شاء الله أن يمكث كاتما إيمانه فلم يرده الله عليه بكتمانه إياه، وقد قال الله: ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ). ( آل عمران: 28 )، فحرض الله المؤمنين في التقية، وكيف يتقي المؤمنون الكفار إلا بأن يظهروا لهم ما يحبون ويكتمون دينهم مع أنهم إذا خرجوا ( الأزارقة ) كانوا أكتم ما كانوا قط لدينهم، وذلك أن الرجل يأتيهم فيقول: اعرضوا علي دينكم، فيقولون: (( لا، إنا إذا فعلنا كنا من الكافرين، ولكن أخبرنا أنت به. فإن أخطأ في شيء مما في أنفسهم قتلوه. وغيرها من المعاصي ليس كلها تحصى، من استحلال أكل الأمانات التي أمر الله بالوفاء بها، وأوفى بها المؤمنون، ويشهدون أن النفاق قد رفع، وأن أحدا لا يستطيع أن يكون منافقا، ويشهدون أن الله يغفر للزاني والسارق إذا كان فيهم.. ))1 بعد ذلك واصل ابن ذكوان عرض آراء نجدة وأنصاره، مبينا عقائدهم الزائفة ومنها: أ- اعتبار من خالفهم من المسلمين كفارا، إلا أنهم سمحوا في الوقت ذاته بالزواج من نسائهم وبأكل ذبائحهم. كذلك منعوا أخذ الجزية منهم للحماية، وقاموا بواجبات خصومهم المسلمين نحو أهل الذمة، مع أنهم اعتبروا خصومهم المسلمين مشركين. ب- رأوا أن عليهم أن يهاجروا من بلاد خصومهم المسلمين كما هاجر الرسول من مكة. بعد ذلك أوضح أن نجدة واجه معارضة من قبل داود وأنصاره، وعطية وأنصاره، وأبي فديك وأنصاره. إذ كانوا يختلفون معه بخصوص مسائل معينة زعموا أنه انحرف فيها: (( ثم فارقه داود وأصحابه وعطية وأصحابه وأبو فديك وأصحابه في أمور نقموها عليه وزعموا أنه قد ضل بها، وليس الذي فارقوه فيه بأكثر من الذي جامعوه عليه من سبي أهل القبلة وقتل ذراريهم واستنكاح نسائهم وخمس أموالهم واستعراضهم وقطع الميراث منهم، فكلهم بحمد الله ضال تارك للحق متبع لهواه بغير هدى من الله. وهم في ذلك معترفون فيما بينهم )).1 ثم أشار إلى عقائد أخرى خاطئة تميز أولئك الخوارج. نافع، داود، عطية، أبا فديك وأنصارهم.2 وهناك شروح مماثلة لعقائد الخوارج وردت في مصادر إباضية أخرى مرفقة بحجة قوية ضدهم، مبينة على القرآن والسنة، ومثال المسلمين الأوائل والمحكمة القدماء.3 وإلى جانب رفض آراء الخوارج المتطرفين، فقد جعل الأئمة الإباضية الأوائل سياستهم شديدة الوضوح حول هذه القضايا. وحين استشار عبد الله يحيى الكندي قادة الإباضية في البصرة بشأن الانتفاضة، كتب أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة الإمام الثاني للجماعة الإباضية في البصرة، وزملاءه، ويقولون له: (( إذا خرجتم فلا تغلوا ولا تغدروا واقتدوا بسلفكم الصالحين، وسيروا سيرتهم، فقد علمتم أن الذي أخرجهم على السلطان العيب لأعمالهم )).4 وقد عبر عبد الله بن إباض بشكل موجز عن موقف الإباضية تجاه علاقاتهم ببقية الأمة الإسلامية بقوله الشهير: (( لا نقول فيمن خالفنا إنه مشرك لأن معهم التوحيد والإقرار بالكتاب والرسول، وإنما هم كفار بالنعم ومواريثهم ومناكيحهم والإقامة معهم حل، ودعوة الإسلام تجمعهم )).5 ثم إن هذا القول أكدته وكررته المراجع الإباضية، التالية المعاصرة، واللاحقة، أمثال سالم بن ذكوان، وعبد الله بن يحيى الكندي، وأبي حمزة المختار بن عوف. وكتب عبد الله بن يحيى الكندي، أول إمام إباضي في حضرموت واليمن في رسالته التفويضية إلى حاكمة عبد الرحمن بن محمد: قول عبد الله بن يحيى طالب الحق لعبد الرحمن بن محمد: (( إننا لا نقطع الطريق على الناس ونقتلهم لمجرد رؤيتهم من غير أن ندعوهم أولا إلى إدراك الحقيقة، إننا ندعوهم إلى الحقيقة. إن ذلك الذي يقبل بها يتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها المسلمون ( الإباضية ) وهو خاضع لجميع التزاماتهم. أما ذاك الذي ينكر الحقيقة ويقاتلنا فنقاتله ونسأل الله أن يؤيدنا ضده )).1 مثل هذا الموقف، أي دعوة الناس وإعطائهم الفرصة لفهم آراء الإباضية، وانتظارهم لتقرير موقفهم أولا، طالما كرره الإباضية. وطالما أوضحوا باستمرار أنهم سيقاتلون خصومهم فقط، عندما يهاجمهم هؤلاء أولا. والأمثلة العملية على هذا الموقف الإباضي تظهر باستمرار خلال تاريخهم ف يحين أن سياسة قتل الخصوم بدون الإنذار المسبق – وهي المعروفة بالاستعراض - كانت العلامة المميزة للأزارقة في كل الأزمنة. تلك كانت إحدى القضايا الرئيسة التي جعلت الإباضية يقاومون الأزارقة وسواهم من الخوارج المتطرفين، بالإضافة إلى مقاومة المواقف الأخرى المتطرفة الناشئة عن النظر إلى خصومهم المسلمين كمشركين. والموقف الإباضي من هذه القضايا عبر عنه بصور مختلفة عبد الله بن يحيى، وأبو حمزة وسالم بن ذكوان. وكتب عبد الله بن يحيى يقول: ((.... هذه سيرتنا، نحن لا نروع المسالمين أو نكمن لهم، نحن لا نعاقب الأبرياء عن المجرمين، ولا الطيبين عن الأشرار، ولا المرأة عن الرجل، ولا الصغير عن الكبير، نحن لا نقتل الناس لمجرد الرؤية بدون دعوتهم إلى الحقيقة أولا وإيضاحها لهم )).2 وفي الرسالة نفسها كتب: قول عبد الله بن يحيى، طالب الحق: ((... إن من يقاتلنا نقاتله، ونبحث في ممتلكاته لنرد إلى أصحابها تلك الحقوق التي استولى عليها، ونعيد إليه ما هو حق له من غير أن يكون قد أذى بسببها أي إنسان آخر، ونسلمها إلى أبنائه وورثتهم، لا غنيمة ولا أسى يمكن أن تؤخذ من أهل القبلة ( المسلمين ) لأنهم ليسوا بالمشركين الذين تنهب أموالهم وتؤسر نساؤهم وأبناؤهم. على أن أهل القبلة فئتان إحداهما تمتثل لما هو حق، وتتمسك به والثانية تفعل الجور وتصر عليه )).1 وقال أبو حمزة المختار بن عوف، أحد الإباضية البارزين في البصرة، والزعيم الأهم في حروب عبد الله بن يحيى الكندي: (( أيها الناس، إنا نخيركم في ثلاث خلال، أيما شئتم فخذوا لأنفسكم. رحم الله امرأ أخذ الخيار لنفسه. إما قائل بقولنا ودائن بالذي قلناه، حملته نيته على أن يجاهد معنا بنفسه، فيكون للمجاهد منا ومن قسم هذا الفيء ما له، وعارف بهذا الأمر مقيم ف يداره يدعو إليه بقلبه ولسانه، فعسى أن يكون أحسن منزلة منا، وثالث كره قولنا فليخرج آمنا على أهله وماله، ويكف عناده ولسانه، فإن ظفرنا ولم يعرض نفسه لم نفسك دمه، وإن نحن قتلنا كان قد كفي مؤنتنا، وعسى أن لا يعمر في كفره إلا قليلا )).2 والعرض الأقدم والأكثر تفصيلا لسياسات الإباضية نحو هذه القضايا، وهي سياسات خرقها متطرفة الخوارج، ويرد في سيرة سالم بن ذكوان، ومنها المقتطفات التالية: (( نرى حق الوالدين وحق ذي القربى وحق اليتامى وحق المساكين وحق أبناء السبيل وحق الصاحب وحق الجار وحق ما ملكت أيماننا علينا حقا، أبرارا كانوا أم فجارا. ونؤدي الأمانة إلى من استأمننا عليها من الناس كلهم من قومنا أو غيرهم ن ونوفي بعهود قومنا من أهل الذمة، ونرد على أهل الذمة إن استطعنا الذي يأخذونهم به من الظلم من قومنا أو من غيرهم، ونجير من استجارنا من قومنا ومن أن نكون نشك في ضلالتهم ولاتخاذهم بين الحق والباطل منزلة: ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ).1 فإذا أخلى إليهم الأمر دعوناهم إلى كتاب الله معرفة الحق وموالاة أهله ومفارقة الباطل ومعاداة أهله، فمن عرف منهم الحق وأقر به وتولانا عليه توليناه وحرمنا دمه، وإن ينفر معنا، ومن أنكر حق الله منهم واستحب العمى على الهدى ومفارقة المسلمين على مجامعتهم فارقناه وقاتلناه حتى يفيء إلى أمر الله أو يهلك على ضلالته، من غير أن يكون نراهم نزلوا منازل عبدة الأوثان، فنستحل سباهم وقتل ذراريهم وخمس أموالهم وقطع الميراث منهم. ولا نرى الفتك بقومنا وقتلهم في السر وإن كانوا ضلالا ما دمنا بين ظهرانيهم نظهر لهم الرضى بالذي هم عليه، وذلك أن الله لم يأمر به في كتابه، ولا نعلم أحدا ممن مضى من أولياء الله في الأمم الماضية استحل شيئا من ذلك، وهو بمثل منزلتنا فقتدى بسنتهم في ذلك، ولم يفعله أحد من المسلمين ممن كانوا بمكة بأحد من المشركين فنفعله نحن بأهل القبلة. وقد أمر الله نبيه أن ينبذ إلى من خاف منه خيانة فقال: ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ).2 ويكره أن يتكلف أحد من المسلمين مع ملوك قومه ما كانوا على ضلالتهم، وذلك أن الرجل المسلم إذا هو غزا معهم... فإنما يصير المقاتل معهم على أحد منزلتين: إما على ولايتهم ورضى بأمرهم، وإما نصرهم وتسديد سلطانهم. ونرى مناكحة قومنا وموارثتهم لا تحرم علينا ما داموا يستقبلون قبلتنا، لأن المسلمين قد كانوا يناكحون المنافقين ويوارثوهم وهم يعلمون ويظهر منهم من المعاصي أكثر ما يظهر اليوم من كثير من قومنا. ولا نرى أن نقذف أحدا ممن يستقبل قبلتنا، ثم لا علم لنا به، فإن كثيرا من الخوارج يستحلون في دينهم قذف من يعلمون أنه بريء من الزنا من قومهم بفراقهم، زعموا إياه ولعلهم لا يكونوا كلموه قط، ولا أخبرهم أحد ممن يتولون أنه كلمه ولا يدرون على ما هو. قال الله تعالى: ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) ( النحل: 125 ). وقال له: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) ( يوسف: 108 ). وقال: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ( آل عمران: 104 )، ثم قال: ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) ( فصلت: 33 ). ولا نرى قتل صغير من أهل قبلتنا لا ذنب له ولم يعمل مما اختلف فيه ممن يستقبل القبلة بينهم بذنب آخر كبير قد غفل عما أمر الله وعلم الأمر الذي اختلف الناس فيه ثم جهل بعد العلم وعمي بعد البينة، وإنما ذرية من يستقبل القبلة اليوم في ذلك بمنزلتهم، ولو كان عليهم إمام هدى يحكم عليهم بطاعة الله ففارقه بعض آبائهم. ولا نرى أن يستحل فرج امرأة رجل تزوجها بكتاب الله وسنة نبيه حتى يطلقها زوجها أو يتوفى عنها ثم تعتد عدة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها. ونبرأ ممن ظهر لنا منه عمل هو لله معصية منه أو وعد الله عليه العذاب وأمر بفراق من عمل بذلك العمل والبراءة منه أو يتولى عليه حتى ينزع ويحدث منه توبة.1 (( ولا نرى أن يتولى أحدا من الناس أحد إلا أظهر لنا منه معرفة حق الله وعمل بطاعة الله وموالاة لأوليائه ومفارقة لأعدائه )). ولا نرى انتحال الهجرة من دار قومنا كهجرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه من دار قومهم. ولكن يخرج منا مجاهدا في سبيل الله على طاعته، فإن هو رجع إلى دار قومه توليناه إذا كان عرافا لحق الله مقرا به في نفسه وماله. ونرى أن نتولى المرأة والمملوك على الخروج إذا ما نحن علمنا منهما قبل الخروج الرضا بالحق والمعرفة له والموالاة عليه، ولم يخرجهما إلا الرغبة في الإسلام والأثرة على ما سواه، لأن الله يقول: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) ( التوبة: 71 ). ولا نرى النفر من المسلمين أن يبايعوا إمامهم إلا على الجهاد في سبيل الله والطاعة بالمعروف حتى يهلكوا على ذلك أو يظهروا على عدوهم، فيولوا الأمر أفضالهم وفقهائهم. ونتولى ماضينا وقاعدنا، ويعرف قاعدنا لماضينا الفضيلة التي أعطاه الله.1 إن هذه المسائل التي ناقشها سالم بن ذكوان، لم تعرض فقط وجهات نظر الإباضية بخصوص القضايا التي تناولها، بل عرضت أيضا رفضا قويا لجميع وجهات نظر الخوارج بشأن هذه القضايا. وواضح من هذه المناقشات والمقتطفات من الأدبيات الإباضية القديمة أنه يكاد لا يوجد أي اتفاق بين الإباضية والخوارج على أية مسألة. والواقع أن الإباضية اختلفوا مع الخوارج في جميع معتقداتهم وعارضوهم نظريا وممارسة، والمسألة الوحيدة التي يشتركون فيها مع الخوارج هي رأيهم في المحكمة. بعد مناقشة الرأي الإباضي في الخوارج وحركتهم، لعله من الأهمية بمكان أن نذكر بإيجاز رأيهم في الأمويين المعاصرين والشيعة , فقد عبر أبو حمزة المختار بن عوف في خطبته في المدينة بوضوح عن رأي الإباضية في الأمويين وفي الشيعة معا. وبعد أن تكلم عن أعمال الخلفاء الأمويين واحدا فواحدا، بدءا بمعاوية وانتهاء بيزيد بن عبد الملك، تكلم أبو حمزة عن حكم سلالة بني أمية عموما في العبارات التالية: (( وأما بنو أمية ففرقة الضلالة، بطشهم بطش جبرية، يأخذون بالظنة، ويقضون بالهوى، ويقتلون على الغضب، ويحكمون بالشفاعة، ويأخذون الفريضة من غير موضعها، ويضعونها في غير أهلها، وقد بين الله أهلها فجعلهم ثمانية أصناف فقال إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ( التوبة: 60 )، فأقبل صنف تاسع ليس منها فأخذها كلها، تلكم الفرقة الحاكمة بغير ما أنزل الله )).1 وبخصوص الشيعة قال أبو حمزة: (( وأما هذه الشيع فشيع ظاهرت بكتاب الله، وأعلنت الفرية على الله، لم يفارقوا الناس ببصر نافذ في الدين ولا بعلم نافذ في القرآن، وينقمون المعصية على أهلها ويعملون إذا ولوا بها، يصرون على الفتنة ولا يعرفون المخرج منها، جفاة عن القرآن، أتباع كهان، ويؤملون الدول في بعث الموتى، ويعتقدون الرجعة إلى الدنيا، قلدوا دينهم رجلا لا ينظر لهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون )).2 وفي هذه الخطبة تكلم أبو حمزة أيضا عن فئة عن الإباضية، وقضيتهم ودوافعهم. وجه أبو حمزة كلامه إلى أهل المدينة، قائلا: (( ندعوكم إلى كتاب الله، وسنة نبيه، والقسم بالسوية، والعدل في الرعية، ووضع الأخماس مواضعها التي أمر الله بها )). ثم راح يصف فئته وأهدافها ودوافعها، وأسبابها للثورة )).3 وعلى أي حال، (( لا يمكن الشك )) كما قال مكدونالد: (( بأن هؤلاء الرجال كانوا الممثلين الحقيقيين للإسلام السالف. لقد ادعوا لأنفسهم أنهم يرثون أبا بكر وعمر ؛ ولقد كانوا في ادعائهم على حق. لقد جرى تحويل الإسلام إلى دنيوي ؛ الطمع الدنيوي، والنزاع الأخوي، والترف، والخطيئة دمرت رابطة الإخاء القديمة. ولذلك انسحبوا جانبا ومضوا في سبيلهم، وهي السبيل التي لا يزال المتحدرون منهم ينهجونها في عمان، وإفريقية الشرقية، وفي الجزائر )).1 ولعله يجب علينا أن نذكر أن الأستاذ مكدونالد لم يكن، حين كتب هذا الكلام، يملك تمييزا واضحا بين الإباضية والخوارج، على أنه واضح أن وصفه لا يمكن أن يكون صحيحا إلا إذا طبق على الإباضية. الفصل الثاني جابر بن زيد، الإمام الأول للمذهب الإباضي ينتسب أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي الجوفي إلى بني عمرو بن اليحمد، أحد فروع قبيلة الأزد ؛ وهو من قرية (( فرق )) بين (( منح )) و (( نزوى )) في عمان1 حيث يرجح أنه ولد، ثم انتقل وعائلته للاستقرار في درب الجوف بالبصرة، وهو المكان الذي أخذ اسمه من المنطقة التي كانت قبيلة جابر تقطنها في عمان ؛2 وقد ذكر ياقوت موقعا في عمان كان يستوطنه جابر جاءت إلى البصرة بنو الأزد معروفا بجوف الحميلة.3 ومن المحتمل أن عائلة جابر جاءت إلى البصرة مع الجيش الذي جهزه عثمان بن أبي العاص لمحاربة الفرس ؛ وقد ضم هذا الجيش عددا كبيرا من الأزد. وبناء على ما ذكره السالمي، فإن الجيش، بعد أن هزم الفرس وقتل قائدهم (( شاه رك )) أو ابن الحمراء، توجه نحو فارس واستقر في (( تواج )) ثم انتقل إلى البصرة في أثناء حكم عبد الله بن عامر، حاكم البصرة من قبل عثمان بن عفان.4 ويقال إن الرجل الذي قتل القائد الفارسي هو جابر بن حديد اليحمدي،5 من عائلة جابر بن زيد نفسها مما يشير إلى أن أفراد عائلة جابر بن زيد كانوا في عداد ذلك الجيش، ثم استقروا في البصرة في خلافة عثمان. ويشير السالمي إلى أن جابر ولد في (( فرق )) في عمان، ثم قدم إلى البصرة طلبا للعلم،1 غير أنه يمكن رفض هذا الرأي لأن جابرا، لو كان جاء إلى البصرة لمجرد طلب العلم، لكان عاد إلى عمان بعد ذلك إلى عائلته، إلا أنه عاش في البصرة طوال حياته. ويذكر لمولد جابر تاريخان: 18 هـ / 639 م.2و21ه / 639 م.3 وهنالك مصادر تذكر أن جابرا كان في المدينة في اليوم الذي بويع فيه للخليفة الأول أبي بكر.4 على أنه لا معلومات لدينا عن طفولة جابر ولا عن حياته في سنواته الأولى ؛ ثم إننا لا نعرف شيئا عن والديه. لذلك ينبغي علينا أن نصرف جهدنا في هذه الدراسة لمناقشة تعلمه وثقافته. لم تكن الدراسات الإسلامية قد نشأت وترسخت ف يزمن جابر ؛ فإلى جانب القراءة والكتابة، هنالك القرآن الذي يجب حفظه غيبا من قبل الطلبة، وأحاديث الرسول، والفتاوى، أو الآراء الشرعية التي كان قد أصدرها الخلفاء الأولون والصحابة البارزون. أما الشيوخ الذين كان يمكن الحصول منهم على هذه المعرفة بالإسلام فهم صحابة الرسول. ومن حسن حظ جابر أنه عاصر عددا كبيرا من الصحابة الأولين، فالتقى سبعين من الصحابة الذين حضروا معركة بدر الكبرى، وحفظ عنهم جميع الأخبار والأحاديث التي كانوا يعرفونها.5 كذلك التقى بعائشة، زوج الرسول المفضلة، وسألها عن حياة الرسول الخاصة،6 وناقش معها مشاكل الأمة الإسلامية السياسية التي لعبت فيها دورا رئيسا.1 وبالإضافة إلى عبد الله بن عمر، وعائشة، وابن مسعود، وأنس بن مالك، فإن أبرز شيوخه كان عبد الله بن عباس،2 وهو كان الأوسع علما بين الصحابة الشبان، وعرف بحبر الأمة وبالبحر بسبب معارفه الواسعة بالقرآن وتفسيره وبالسنة، معا. ثم إن جابر كان صديقا مقربا لابن عباس، وتلميذه المفضل.3 وحفظ جابر أحاديث الرسول عن الصحابة الذين التقاهم بالبصرة، والمدينة، ومكة. واستغل مناسبة الحج للقاء الصحابة الذين كانوا يأتون إلى مكة في وقت الحج من شتئ أنحاء البلدان الإسلامية. ويقال إن جابرا تنقل بين البصرة ومكة حاجا ما لا يقل عن أربعين مرة4 ولقد دفعه توقه إلى معرفة أحاديث الرسول إلى بذل كل الجهود لجمع هذه الأحاديث. وقد قدم إلى المدينة بصورة خاصة، وقصد بني عمرو بن حزم الأنصاري وطلب منهم أن يروه الرسالة التي بعث بها الرسول مع والدهم عمرو بن حزم إلى أهل اليمن بخصوص الزكاة، واستجابوا إلى طلبه.5 لقد حصل جابر على معرفة واسعة بالقرآن والأحاديث والفتاوى. وكان شيخه ابن عباس راضيا عنه تمام الرضى، ويروي عن ابن عباس أنه قال: ((لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علما في كتاب الله)).6 ثم وصف جابرا بأنه ((من العلماء)) ؛ واعتقد أن جابرا بلغ مرتبة عالية من العلم، حتى أنه لا حاجة للعودة إلى أحد بعده، ولو إلى ابن عباس نفسه، لإصدار أية أحكام شرعية إذا كان جابر قد عبر عن رأيه في ذلك. وسأل الربيع – وهو أحد أبناء البصرة – ابن عباس عن رأيه الشرعي في مسائل معينة، فرد عليه ابن عباس: ((تسألونني وفيكم جابر بن زيد ؟)).1 وكان لصحابة آخرين، كعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله الأنصاري مثل رأي ابن عباس في جابر. وقد نقل البخاري عن جابر بن زيد أنه قال: (( مر بي ابن عمر بينما كنت في الطواف، وقال لي: (( يا جابر إنك من فقهاء أهل البصرة وإنك ستستفتى، فلا تفتين إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت )).2 ويقال أيضا إن سعيد بن جبير سأل الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري عن رأيه في قضية معينة، وبعد أن أعطى الصحابي رأيه قال: (( تسألونني وفيكم أبو الشعثاء ؟ )).3وهكذا فإن جابرا كان أحد علماء البصرة البارزين ؛ وبناء على ما قاله محمد بن محبوب، فإن جابرا كان أوسع علما من الحسن البصري.4 ثم أصبح جابر مفتيا للبصرة5 وقضى حياته يصدر الفتاوى، ويدرس أحاديث الرسول، وينقل علمه الواسع بالإسلام إلى طلبته. ولما كان جابر تابعيا بارزا، فإن إسهامه للأمة الإسلامية النامية يمكن إدراكه في إطار الدور الذي لعبته طبقة التابعين الذين ورثوا العلم وتطبيق الإسلام عن الصحابة مباشرة، ثم نقلوه إلى طلابهم. وبما أنه كان طالبا وثيق الصلة بابن عباس الذي أسهم في معظم النشاطات السياسية للأمة الإسلامية منذ شبابه، فقد تمكن جابر من أن يتعرف إلى المواقف المتناقضة في النشاطات السياسية التي بدأت مع النزاع الأهلي في خلافة عثمان وانتهت بانتصار معاوية. وبعيشه في البصرة، إحدى أهم مراكز النشاطات السياسية، وبمعاصرته لأحداث تلك الفترة المفعمة بالحيوية ( 28 هـ / 684 م – 93 هـ / 701 م ) استطاع جابر أن يكون فهما واضحا للسير المعقد للشؤون الدينية والسياسية في الأمة الإسلامية النامية. ونتيجة لذلك اختار السبيل الأمثل لتحقيق أهدافه، إذ بقي بعيدا عن جميع النشاطات السياسية ونهج نهجا يتسم بالحذر الشديد في علاقاته برجال الحكم الأمويين. ومن ناحية أخرى فقد كرس وقته لتعليم الإسلام للناس وصياغة الأحكام الشرعية بشأن المشاكل الدينية. وبالنسبة لطريقة حياته، فقد عاش جابر حياة تقوى وزهد، وهو الذي قال ذات مرة: (( طلبت من ربي ثلاثة أشياء، وقد منحها لي: زوجة مؤمنة، وراحلة صالحة، ورزقا حلالا كفافا يوما بيوم )).1 وفي حديث له إلى أصحابه عن ثروته قال: (( ليس منكم أحد أغنى مني، ليس عندي درهم وليس علي دين )).2 وقال الحجاج بن عيينة: (( لقد عتاد جابر بن زيد أن يأتينا في جامعنا ؛ وذات يوم أتانا يحتذي حذاء قديما وقال: (( مضى من أجلي ستون سنة، قال: فأصبت فيها ونعمت فنعلي الآن أعز علي من ذلك كله إلا خيرا قدمته )).3 وعن محمد بن سيرين أنه قال: (( رحم الله جابرا كان مسلما عند الدراهم )) وهو يعني بذلك أنه كان ورعا تقيا ؛4 فالبساطة والتقوى هما الصفتان الرئيستان في حياة جابر. ومعرفة جابر الواسعة بتفسير القرآن وبالسنة جعلت منه شخصية بارزة في هذا الميدان من العلم، وروايته لأحاديث الرسول مقبولة بوجه عام ؛ وهو يوصف (( بالثقة ))5 من قبل المحدثين. والاستثناء الوحيد لذلك هو الأصيلي الذي نعته بالمحدث (( الضعيف )) ورد ابن حجر العسقلاني رأيه هذا.1 وبالإضافة إلى طلابه العاديين الذين درسوا عليه الحديث والفقه، فقد كان الناس يأتون إليه يطلبون منه آراءه الشرعية بخصوص القضايا الدينية. وكان بعض هذه الآراء مكتوبا على صورة أسئلة مرسلة إليه من الأصدقاء خارج البصرة ؛ وكان يوصف بأنه أكثر الناس علما في حقل الفتيا.2 واعتاد الكثير من طلابه أن يسجلوا آراءه الشرعية كتابة، غير أن جابرا لم يكن مؤيدا لتدوين آرائه بهذه الطريقة وحين علم بأن طلابه يفعلون ذلك، علق على ذلك بقوله: (( إنا لله، يكتبون عني آراء وقد أرجع عنها غدا )).3 على أن غالبية آرائه ورواياته دونت، برغم ذلك، من قبل طلابه. وقد نقل علمه إلى الأجيال التالية عبر قناتين: الأولى الأساسية مبنية على ما دونه طلابه الإباضية أمثال ضمام بن السائب، وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة، وأبي نوح صالح الدهان، وحيان الأعرج، وسواهم ؛ والثانية قائمة على ما دونه طلابه غير الإباضية، وبينهم عمرو بن دينار، وعمرو بن هرم، وقتادة بن دعامة السدوسي، وأيوب السختياني وآخرون.4 ومن الأعمال الباقية التي دونت فيها فتاوى جابر ورواياته نذكر: 1) روايات ضمام: رواها أبو صفرة عبد الملك بن صفرة، عن الربيع بن حبيب، عن ضمام عن جابر بن زيد.5 2) مسند الربيع بن حبيب: وقد ضم بالدرجة الأولى أحاديث رواها الربيع بن حبيب الفراهيدي عن أبي عبيدة، و ضمام عن جابر بن زيد.6 3) (( جوابات )) جابر: وفيها بعض فتاويه مرسلة إلى بعض أصدقائه وأتباعه. وهذه كلها من مدونات الإباضية، على أن هنالك الأعمال التالية أيضا: 1- كتاب النكاح: وهو يضم أحكاما بخصوص الزواج، نقلا عن جابر. ولا زلنا نجهل من هو الذي روى هذا الكتاب، لكن وجوده في مخطوطة كتاب (( نكاح الشغار )) لعبد الله بن عبد العزيز يشير إلى احتمال روايته من قبل مؤلف (( كتاب نكاح الشغار )) نفسه.1 2- كتاب الصلاة:2 رواه حبيب بن أبي حبيب الحرمي عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد.3 3- روايتان عن عمرو بن دينار وعمرو بن هرم، موجودتان في القسمين الخامس والسادس من (( كتاب أقوال قتادة ))4 وفيهما أحاديث وفتاوى تتناول بالدرجة الأولى مواضيع الزواج، والزكاة، والصلاة إلى جانب فتاويه وأحاديثه المنقولة عنه بواسطة قتادة.5 ويقال إن كتب جابر كانت في حوزة أبي عبيد مسلم بن أبي كريمة، ثم انتلقت إلى الربيع بن حبيب، فإلى أبي سفيان محبوب بن الرحيل، ثم ابنه محمد بم محبوب، وعنه نسخت في مكة.6 ويقول بعض المؤرخين الإباضيين إن جابرا نفسه جمع كتابا كبيرا من الأحاديث والفتاوى يعرف بديوان جابر بن زيد، وإن نسخة من الديوان كانت موجودة في مكتبة الخليفة العباسي هارون الرشيد ( 170 هـ / 786 – 809 ). ويقال أيضا إن العالم الإباضي في جبل نفوسة، نفاث ( فرج ) بن نصر تمكن من نسخ الديوان وجاء به إلى جبل نفوسة، لكن نفاثا، وهو المعارض لحاكم الجبل وللإمامة الرستمية، أتلف نسخة الديوان كي لا يتمكن خصومه ( أهل الدعوة ) من الحصول عليها.1 وعلى أي حال فإن الفقه الإباضي قام بالدرجة الأولى على أساس الأحاديث والفتاوى التي رواها جابر إلى طلابه الإباضيين. وقال أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة: (( كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال. ولولا أن الله تعالى من علينا بجابر بن زيد لضللنا )).2 ولقد حاول العلماء غير الإباضيين أن يثبتوا أن جابرا لم تكن له علاقة بالإباضية ؛ وهنالك قصص مختلفة تروى للدلالة على أن جابرا نفسه أنكر مثل هذه العلاقة.3 وقد نقل قتادة وداود أبي هند عنه عزرة أنه قال: (( قلت لجابر إن الإباضية يزعمون أنك منهم )) فقال: (( أبرأ إلى الله منهم )).4 كذلك يقال إن هند بنت المهلب قالت: (( كان جابر بن زيد أشد الناس انقطاعا إلي وإلى أمي، فما أعلم شيئا كان يقربني إلى الله إلا أمرني به، ولا شيئا يباعدني عن الله عز وجل إلا نهاني عنه، وما دعاني إلى الإباضية قط ولا أمرني بها... )).5 ومن شأن الفحص الدقيق للمعلومات السابقة أن يؤدي تصنيفها إلى ثلاث فئات: 1- معلومات يذكر أنها منقولة عن جابر، ينكر فيها أية علاقة بالإباضية. وفي هذه الفئة تأتي المعلومات التي لا تذكر إلا في المصادر غير الإباضية، وقد نقلها ثابت البناني وعزرة. وكلاهما يزعم أن جابرا أعلن هذا النفي وهو على فراش الموت. ثم إن زيارة ثابت البناني لجابر برفقة الحسن البصري مذكورة في المصادر الإباضية أيضا. ولقد جرت فعلا وهي واردة في جميع المصادر وتؤكد أن جابرا، وهو على وشك الموت، تمنى بأن يرى الحسن البصري الذي كان آنذاك متواريا عن الأنظار خوفا من الحجاج. ولقد ذكر ثابت البناني للحسن رغبة جابر وجاء كلاهما سرا إلى منزل جابر. وحين شاهداه، قال الحسن لجابر: قل لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله )). فرد عليه جابر: يا أبا سعيد، ( يوم تأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ).1 ثم أردف يقول: (( أعوذ بالله من غدو ورواح إلى النار )). عند سماع ذلك قال الحسن معلقا: (( هذا والله الفقيه العالم )). 2 إلى هنا المصادر التي تروي هذه الحكاية: أما الإضافة بأن الحسن سأل جابرا رأيه بأهل النهر، ورأيه بالإباضية فلم يروها غير ابن سعد وحده نقلا عن عزرة وثابت البناني. مثل هذه الإضافة لا يمكن اعتبارها صحيحة لعدة أسباب: أ- إن غالبية المصادر، بما فيها المصادر غير الإباضية ذكرت هذه الحكاية بدون أن تذكر أن جابرا تكلم عن موقفه من الإباضية أو أهل النهر. ثم إن البغطوري أكد، بعد أن روى محادثة جابر والحسن كما وردت أعلاه، أن جابرا لم يضف بعد ذلك أي كلام. ب- إذا كان جابر يعتقد هذا الاعتقاد، لا سيما بخصوص هذه المسائل المهمة، فإن ذلك كان ينبغي أن يكون معروفا عنه قبل أن يصبح على وشك الموت. ج- لا يبدو أن المناسبة كانت ملائمة فعلا لطرح مثل هذه الأسئلة على جابر. II – وهنالك معلومات منقولة عن العلماء السنة ينفون فيها أن يكون لجابر أية علاقات بالإباضية.1 مثل هذه المعلومات، بالإضافة إلى تلك المنسوبة إلى جابر نفسه، بالنسبة لإنكاره أية علاقة مختلفة بالإباضية، على ما يبدو، تسمح لعلماء الحديث من أهل السنة بقبول الأحاديث التي يرويها جابر. ووفقا للقواعد التي وضعها بعض المحدثين السنة، فإن الأحاديث التي تروى عن أهل (( البدع )) ليست مقبولة. فإذا كان الشخص شيعيا، أو خارجيا، أو إباضيا، فإن هذا كاف لتجريحه.2 ولذلك يعتقد أن المعلومات المذكورة آنفا مختلفة من قبل بعض المحدثين السنة بقصد تبرئة جابر من تهمة الإباضية. III – والطبقة الثالثة من المعلومات تعتمد على خبر لهند بنت المهلب تذكر فيه أن جابرا لم يدعها إلى الإباضية أبدا3 لعل صحيح، لأن جابرا كان يعلمها الإسلام، ثم إن مصطلحي الإباضيين والإباضية بالذات لم يكونا يستعملان بين الإباضيين الأوائل حتى بعد وفاة جابر، وبدلا منهما كانوا يستعملون مصطلحي (( المسلمين )) و (( جماعة المسلمين )). ومن ناحية أخرى، فإن ابن حجر العسقلاني ذكر اعتمادا على ما نقله عن (( ضعفاء )) الساجي، أن جابر بن زيد كان إباضيا4 وذكر أبو الحسن الأشعري، حين عدد معتقدات الخوارج، وقد ضم الإباضيين إليهم، (( ويدعون من السلف جابر بن زيد ))5. ثم إن هذا الرأي نفسه يرويه ابن أبي الحديد6. والسؤال هنا هو: هل كانت هنالك حركة إباضية بهذا الاسم ف يزمن جابر بن زيد ؟ وأي دور لعبه جابر في تلك الحركة ؟ وللرد على هذين السؤالين يجب أن نذكر أوضاع الأمة الإسلامية آنذاك، تحت ثلاثة عناوين: أ- بنو أمية الذين كانوا في السلطة وأنصارهم. ب- الشيعة أو جماعة علي بن أبي طالب. ج- والجماعة الثالثة يمكن أن تقسم إلى فئتين: 1- أولئك الذين آثروا الاعتزال وامتنعوا عن أي نشاط سياسي. 2- أولئك الذي رفضوا تأييد الأمويين والشيعة معا، لمحاذير دينية، وأرادوا أن يكونوا هم الحاكمين – أي الذين نجوا من معركة النهروان، والمحكمة الآخرون الذين رفضوا محاربة علي، لكنهم كانوا معارضين أشداء للحكم الأموي. ومن الشخصيات البارزة التي نجت من معركة النهروان نذكر أبا بلال مرداس بن حدير. وتقول المراجع الإباضية إن أبا بلال كان صديقا مقربا لجابر بن زيد1. ووفقا لبعض العلماء الإباضيين فقد ثار أبو بلال على بني أمية بموافقة جابر.2 ويذكر آخرون أن الثورة كانت فكرة أبي بلال وأنه حث جابر بن زيد كي ينضم إليه.3 وهنا يمكن القول إن المحكمة، بعد وفاة إمامهم عبد الله بن وهب، ذو علم واسع بالقرآن والسنة. وفي رأيي الشخصي فإنه لم يكن أكثر من زعيم ديني قصده أتباعه لتعلم الإسلام، ولطرح أسئلة تتعلق بالشؤون الدينية، ولم تكن قيادته في المرحلة الأولى ذات فعالية، لأن هذه الفئة لم تكن، من ناحية، لتتاح لها فرصة التنظيم في حركة دينية وسياسية واضحة. ولأن الأمويين لن يكونوا، من ناحية أخرى، يسمحون بظهور أي نوع من القيادة، لأن إعلان مثل هذه القيادة يمكن أن يعني إعلان خلافة جديدة، وهو ما كان الأمويون يقاومونه بقوة. وهنالك سبب آخر يتمثل في مفهوم القيادة القرشية ؛ إذ كان واضحا أن الأمة الإسلامية بوجه عام لم تكن توافق على أية قيادة على مستوى الخلافة إلا إذا كانت قرشية. ولعل هذا هو السبب الذي دفع القادة البارزين من هذه الجماعة لأن ينضموا إلى عبد الله بن الزبير ويؤيدوه في وجه الأمويين، آملين منه أن يقبل آراءهم. وكان عبد الله بن إباض بين هؤلاء القادة ؛1 لكن ثورة نافع بن الأزرق زعيم حركة الخوارج المتطرفين الذين حملوا اسمه، الأزارقة، جاءت حدثا جديدا غير مسار فئة المحكمة وطبيعة علاقة جابر بها. لقد كان جابر معارضا بقوة لآراء نافع ونهجه ولأنصاره ورفض آراءهم بالنسبة لمعارضيهم المسلمين الذين اعتبروهم مشركين، وارتأوا شرعية قتلهم وتجريدهم من ممتلكاتهم، بالإضافة إلى سبي نسائهم وأولادهم وهذا ما رفضه جابر. وقد حفظت المصادر الإباضية عرضا للنقاش التالي بين جابر والخوارج، منقولا عن ضمام ؛ جاء فيه: (( كان جابر يأتي الخوارج فيقول لهم: أليس قد حرم الله دماء المسلمين بدين ؟ فيقولون: نعم ؛ وحرم الله البراءة منهم بدين ؟ فيقولون: نعم ؛ فيقول: أوليس قد أحل الله دماء أهل الحرب بدين بعد تحريمها بدين ؟ فيقولون: بلى ؛ فيقول: وحرم الله ولايتهم بدين بعد الأمر بها بدين ؟ فيقولون: نعم ؛ فيقول: هل أحل ما بعد هذا بدين ؟ ( مشيرا بذلك إلى تجريد المسلمين من ممتلكاتهم والفتك بنسائهم وأولادهم ) فيسكتون )).2 ويمكن القول إنه عند هذا المنعطف بدأ انقسام جدي داخل فئة المحكمة بسبب الخطوة التي اتخذها نافع بن الأزرق الذي اعتبر المسلمين المعارضين كفارا وعاملهم كمشركين، وجعل الخروج إلزاميا على زملائه المسلمين. كل هذه الآراء كانت مناقضة لمعتقدات أهل النهروان وممارساتهم، وقدماء المحكمة، وأتباعهم، أبي بلال مرداس وصحبه. وهكذا أصبح إلزاما على الزعماء البارزين في هذه الفئة أمثال زيد بن جابر أن يرفضوا خطة نافع وغيره ممن اعتقدوا آراءه وأن يوضحوا ذلك للجميع، أفرادا ومجوعات، ليحتفظوا بعطفهم. وكان عبد الله بن إباض بين القادة الذين هموا بالانضمام إلى نافع، غير أنه حين كان ف يجامع البصرة ينتظر الصلاة ويستمع للناس وهم يتلون القرآن، ويسمع الدعوة إلى الصلاة، غير رأيه وقرر معارضة الخروج.1 و (( آمن بشرعية الإقامة بين المسلمين والاختلاط بهم على أساس التسامح المتبادل )).2 فقد آمن بآراء أهل النهروان وأنصارهم كما وصته، ورفض بقوة آراء نافع وأعلن انفصاله عنه.3 وهنا يمكن القول إن جابرا، بعد ثورة نافع، كلف ابن إباض برفض آراء نافع والدعوة علنا لآراء جماعة المسلمين ( أي الإباضية). والواقع أنه بسبب الدور الناجح الذي لعبه عبد الله بن إباض في تلك المرحلة، حملت الحركة بكليتها اسمه وعرفت بين المسلمين باسم الإباضية. وثمة حوادث عديدة تشير إلى أنه كانت لجابر علاقة وثيقة وفاعلة بالحركة الإباضية في مرحلة باكرة جدا. ويقال إن جابرا اعتاد أن يذهب إلى مكة برفقة عضو آخر من (( جماعة المسلمين )) يدعى أبو الفقاس الأسود بن قيس، وكانا يلتقيان بابن عباس في مكة. وفي إحدى المواسم جاء جابر ابن عباس وحده، فقال له ابن عباس: أين صاحبك ؟ قال: أخذه عبيد الله بن زياد، فقال ابن عباس: وإنه لمتهم، فقال جابر: نعم، فقال ابن عباس: أو ما أنت متهم، قال: أجل )).4 ويضيف الشماخي أن هنالك شيخا كبيرا من جماعة المسلمين هو أبو سفيان قنبر أخذ وجلد مائة جلدة لحمله على إفشاء المعلومات عن عضو آخر من جماعة المسلمين، لكنه رفض الإفضاء بأسمائهم ؛ قال جابر بن زيد: (( وكنت قريبا منه وما كنت أتنظر إلا أن يقول هذا هو فعصمه الله )),5 والحديث الآخر الذي يدل على أنه كانت لجابر صلة قوية بالحركة الإباضية هو أنه أمر أحد شبان الإباضية بالفتك بخردلة وهو عضو سابق بالحركة أفشى أسماء بعض أعضاء الإباضية مما أدى إلى قتلهم على أيدي الطغاة.1 وقد رويت هذه الحادثة ف يوقت لاحق كبرهان على وجوب قتل من يشهر بالإباضية ( الطاعن في الدين ) في الشرع الإباضي.2 على أي حال، بعد ثورة نافع والخوارج الآخرين، انكشف بوضوح طابع الفئة التي عرفت فيما بعد بالإباضية، أو أهل الدعوة، أو بجماعة المسلمين، وأصبح جابر رئيس هذه الحركة أو إمامها. ويمكننا الآن أن ننتقل إلى دراسة نهج جابر كإمام للحركة الإباضية، ولنا أن نميز فيه أربعة اتجاهات رئيسة: أولا: تجنب أي صدام علني مع السلطات والحفاظ على علاقات ودية مع الحكام ( الولاة ). ثانيا: عدم عزل أعضاء الحركة عن الأمة الإسلامية. ثالثا: الاستمرار بتدريس الأحاديث والفتاوى للناس بصرف النظر عن كونهم أعضاء في الحركة أم لا. رابعا: لما كان جابر مصمما على المحافظة على سلامة الحركة بتنفيذ بعض نشاطاته سرا، وبإبقاء أفراد المنظمة مجهولين لدى الحكام، فقد اتخذ موقفا متشددا ممن يفشون أسماء الأعضاء (( للطغاة )).3 وينظر الإباضية إلى جابر باعتباره أول إمام لمذهبهم، ويعتبرون فترة إمامة جابر مثالا على حالة الكتمان.4 قليلة هي معلوماتنا عن نشاطات جابر في أثناء ولاية زياد بن أبي سفيان وابنه عبيد الله بن زياد. ومع أن الحركة واجهت الاضطهاد في تلك الفترة، وقد قتل أصدقاء مقربون من جابر، مثل أبي بلال، وشقيقه عروة، وسجن آخرون مثل أبي فقاس، وقنبر فإنه لا توجد معلومات مؤكدة على أن جابرا واجه مثل هذه المعاملة. وقد قدرت المصادر الإباضية أن جابرا قال: (( لم يبق شيء أنفع لنا في تلك العهد – عهد عبيد الله – إلا الرشوة )).1 وهكذا فإن جابرا بلغ حد استخدام الرشوة لتجنب أي اضطهاد ينزله الطغاة به وبأنصاره. وفي أثناء حكم الحجاج، حافظ جابر على صلات طيبة معه عبر كاتبه يزيد بن مسلم الذي كان صديقا مقربا لجابر. 2كان بنو المهلب، وهم أقاربه، من بين العائلات القوية التي أقام جابر معها علاقات طيبة. على أن الأهم من رابطة القربى هو أن جابرا كان المعلم الديني لعائلته.. إذ اعتاد أن يزورهم ويلقنهم تعاليم الإسلام و (( يأمرهم بالعمل الصالح )).3 ومن رسائل جابر الباقية هنالك ثلاث أرسها ردا على رسائل من أفراد عائلة المهلب. اثنتان منها أرسلتا إلى عبد الملك بن المهلب والثالثة إلى خيرة بنت ضمرة القشيرية، زوجة المهلب. ومن مراسلاته الأخرى نلحظ أنه كانت لجابر عدة اتصالات مع أناس في مناصب رسمية في مواقع مختلفة. ومن هؤلاء النعمان بن سلمة الذي وجه رسالة إلى جابر يسأله نصيحته بحيث يتمكن من جمع المبلغ المالي اللازم كضريبة الخراج وكضريبة الحماية من غير أن يجور على الرعية، أو أن يتصرف بما يخالف التعاليم الإسلامية. وفي الرسالة التي وجهها جابر إلى النعمان حول هذه القضية معلومات طريفة عن الوسائل المتبعة لجمع الضرائب، ودلالة على أنه من اصل ثلاثمائة درهم، لا يصل بيت المال إلا ما هو دون المائة، فيما يأخذ الباقي الدهاقين ( أسياد المزارعين ) وجامعوا الضرائب.4 والشخص الآخر يدعى يزيد بن يسار، وقد أرسل رسالة إلى جابر يبلغه فيها أنه عين مسؤولا عن بعض المراكز في عمان ويطلب منه رأيه حول عدد من القضايا.1 ومن أهل عمان الآخرين الذين كانت لهم صلات بجابر هنالك مالك بن أسيد ( أو أسيد ) وهو الذي وجه رسالة إلى جابر يعرض فيها عليه شراء ناقة من عمان ؛ ووافق جابر على ذلك، كما جاء في رسالة منه إلى مالك بن أسيد.2 وبالإضافة إلى توجيه الفتاوى إلى أصدقائه ف يتلك الأمكنة النائية، كان جابر يطلب منهم أن يبعثوا إليه بتقارير حول الأوضاع في بلدانهم، وأن يذكروا له كل شيء يحدث فيها.3 وكان من شأن هذه الاتصالات الواسعة بأناس نافذين، وبعائلات ذات مكانة، وهذا التقدير العام لمعارف جابر، أن يثير حذر الحجاج بن ويسف منه. فقد حاول أن يستميله إلى جانبه وعرض عليه منصب القضاء، غير أن جابرا رفض هذا العرض.4 وتقول المصادر إن جابرا أظهر في حالات كثيرة معارضته للحجاج ؛ ويقال أن جابرا رفض تسليم قلم للحجاج قائلا له أن النبي قال: (( لعن الله الظالمين وأعوانهم وأعوان أعوانهم ولو بمد قلم )).5 كذلك رفض أن يوافق الحجاج على مسألة المسح على الخفين في الوضوء وقال: أدركت جماعة من صحابة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فسألتهم: هل يمسح رسول الله على خفيه ؟ فقالوا: لا 6 وكان جابر نفسه حذرا، متيقظا في اتصالاته بأصدقائه وأنصاره، هذا ما يمكن أن نلاحظه بوضوح من مراسلاته، إذ طلب إتلاف خمس من رسائله وأعطى الأسباب لذلك في ثلاث منها – ( أ ) في رسالته إلى الحارث بن عمرو، أحد قدماء (( الأتباع )) في الكوفة،1 كتب جابر: أعلم، أصلحك الله، أنك في بلاد لا أحب أن تذكر فيها اسمي ولذلك لا تنقل أي شيء مما كتبته لك.2 ولعل ذلك وقع في عهد زياد لأن الحارث توفي في أثناء خلافة يزيد بن معاوية. ( ب ) في رسالته إلى عبد الملك بن المهلب، كتب جابر: اكتب لي ما تحتاجه وأرسله لي سرا مع من تثق به ؛ إنك تعرف وضعنا، والذي نخشاه هو أولئك الذين يبحثون عن أسباب لإيذائنا، ولذلك لا تخاطر بما قد تسبب لنا به زوالنا. أصلح الله أمورك )).3 وفي رسالة أخرى وصف شؤون الأمراء ( الحكام ) بما يلي: (( أنتم تعلمون شؤون الأمراء ؛ أننا نخشاهم ؛ وهم يبحثون عن أعذار ضدنا )).4 إن جميع هذه المقتطفات من المعلومات تبين أن جابرا كان دائما يخاف الأمراء، الحكام، وأنه كان حذرا في نشاطاته. وفي إحدى رسائله إلى عبد الملك بن المهلب، عبر جابر ن شكره لله لأنه حمى عبد الملك ووقاه، وتوسل إلى الخالق كي ينقذه ويحميه (( إلى أن يظهر لكم ولنا في شؤونكم وشؤوننا ما يجعلنا سعداء، ويسحق أعدائنا )). 5ويحتمل أن جابرا كان بهذه الكلمات الأخيرة يشير إلى الحجاج. ولما اصطدم الحجاج بآل المهلب، اعتقلهم وسجنهم. ويحتمل أن الحجاج نفى جابرا وأحد مؤيديه، هبيرة ؛ إلى عمان.6بحيث لا يستطيع أن يقدم أية مساعدة لآل المهلب. وفي الفترة اعتقل الحجاج وسجن ثلاثة من الشخصيات البارزة في الحركة الإباضية، وهم أبو عبيدة وضمام، وأبو سلمة.1 ذلك هو أول عمل قمع جدي واجه قادة الحركة الإباضية، بمن فيهم جابر نفسه، في عهد الحجاج. والظاهر أن السبب الرئيس الذي دفع الحجاج إلى تغيير سياسته نحو الإباضية هو صراعه مع آل المهلب. وهنا يمكن القول أن الحجاج، بسبب العلاقات القوية بين جابر وهذه العائلة، ظن أن جابرا قد يقوم بعمل ما ضده لمساعدة آل المهلب. وسوى ذلك، لا تمكن الإشارة إلى أي سبب آخر لتفسير هذا التغيير في سياسة الحجاج نحو جابر والحركة الإباضية. إلا أن آل المهلب تمكنوا من الهرب من السجن واللجوء إلى سليمان بن عبد الملك في دمشق، ونالوا منه الحماية.2 وبناء على رواية الذين يقولون إن جابرا توفي سنة 93 هـ / 711، فإنه من المحتمل أنه عاد إلى البصرة بسبب الموقف الودي نحو آل المهلب من قبل سليمان والوليد بن عبد الملك. ذلك هو موجز عن سياسة جابر ونشاطاته العامة ؛ على أن الدور الأهم الذي لعبه جابر كان إسهامه في الفقه الإسلامي، وبتأسيس فقه المذهب الإباضي. من المفروض على كل مسلم أن يحفظ عددا من الآيات القرآنية وبعض الأحاديث النبوية لكي يقوم بالواجبات الدينية كالصلاة وغيرها من الواجبات الدينية. وقد أدى تطور الأمة الإسلامية وتوسعها السريع، إلى نشوء مراكز جديدة استقرت فيها جماعات من الصحابة. وكانت مدينة البصرة أحد هذه المراكز الرئيسة إذ نشأت في أثناء خلافة عمر بن الخطاب كقاعدة عسكرية، ثم سرعان ما أصبحت إحدى العواصم الفكرية في الإسلام. وفي هذه المدينة نشأ جابر، وهنا التقى بعدد كبير من الصحابة الذين كانوا تواقين لتعليم الناس دين الإسلام. ونشأن طبقة جديدة في المجتمع الإسلامي مؤلفة من تابعي الصحابة، وهم الجيل الثاني الذين ورثوا تعاليم الإسلام كما قدمها لهم (( الصحابة )) وأصبحوا دعاة للدين، وعلموا الناس القرآن، وأحاديث الرسول، وقدموا لهم مثالا حقيقيا للمسلمين من خلال حياتهم العملية، وكان جابر بن زيد بين قدماء التابعين في البصرة ممن كرسوا حياتهم لهذه المهمة. وقد سبق أن ذكرنا أنه أصبح أحد أكثر أهل البصرة علما ؛ ونتيجة لذلك أصبح مفتي البصرة. وقد ذكر إياس بن معاوية أن جابرا كان (( مفتي البصرة )).1 والمرجح أن ذلك كان لفترة محدودة لأن هنالك مصادر أخرى تذكر أن هنالك علماء آخرين شاركوه عبء الفتوى في البصرة، ومنهم الحسن البصري، وعمرو بن سلمة الجرمي، وأبو مريم الحنفي، وكعب بن سور.2 وكان لعمرو بن دينار تلميذ جابر، رأي رفيع جدا بجابر حتى أنه ذهب إلى حد القول: (( ما رأيت أحدا أعلم بالفتيا من جابر بن زيد )).3 ومن شأن دراسة موجزة للطريقة التي نهجها جابر في إصدار فتاويه أن تساعد على فهم طبيعة الفقه الإباضي. فهو محدث؛ وكانت معرفته الواسعة بالحديث وبفتاوى الصحابة هي ميزة طريقته في الاستنباط. وعنده أن أي فتوى يجب أن تستند إلى القرآن والسنة وآراء الصحابة ؛ ثم يلي برأيه. والمصدر الثاني لفتاويه، بعد القرآن هو السنة، وهو القائل: (( ما كان من أمر خوالف فيه السنة نقض )).4ويقول في ذلك:(لايستقيم للناس ما خالفوا فيه السنة ).5 بانتهاج هذه الطريقة كان جابر يتقيد بالحكم الذي وضعه الصحابة. ولقد حذره معلمه عبد الله بن عمر من أن يصدر فتوى إلا بكتاب ناطق أو سنة ماضية.6 ويقال أيضا إن جابرا قال: (( أدركت ناسا من الصحابة، أكثر فتياهم أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ).7 وبعد السنة يأتي (( الرأي )). وبالنسبة لهذا المصدر الثالث للشرع، اعتقد جابر بأن حكمه ينبغي أن يأتي بعد حكم الصحابة، لا قبله ؛ فقال: (( ورأي من قبلنا أفضل من رأينا الذي نرى، لم يزل الآخر يعرف للأول فضله، وكانوا أحق بذلك من المهاجرين مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والتابعين لهم بإحسان، فقد شهدوا وعملوا، فالحق علينا وطء أقدامهم وأتباع آثارهم )).1 ثم يقول بعد ذلك: (( فلعمري ما أنا إلا متعلم متبع آثار قد وطئت قبلي، وما عندي من ذلك ثقة ولا دلالة إلا رواية عسى أن نختلف فيها)).2 وفي رسالته إلى عنيفة، عبر جابر عن هذا المبدأ نفسه كما يلي: (( ليس من ذلك شيء إلا ما يروي الناس عن الناس، وأما رأي من عندنا فنحن في ذلك أنقض رأيا ))3 وفيما يلي قصة تبين مدى تمسك جابر بهذا المبدأ. وهي قصة امرأة طلقها زوجها المريض. فكان رأي ابن عباس، أن عليها أن تنتظر زوال خطر مرض زوجها كي تحتفظ بحقها بالمهر وبالإرث ؛ أما إذا تزوجت رجلا آخر قبل ذلك، فإنها تفقد حقها بالمهر وبالإرث. وبعد رواية هذا الرأي لابن عباس، قال جابر: (( ولولا قول ابن عباس في ذلك لسرني – وإن تزوجت – إذا عرف الضرر، أن تستوجب الأمر كله ما لم يذهب ميراثها)).4 على أن جابرا كان يفضل رأي ابن عباس على رأيه تأكيدا على المبدأ المذكور أعلاه، ولو أنه كان يرى أن رأيه في هذه الحالة هو الأفضل. وهكذا يمكن القول أن مصادر الفقه الإباضي هي القرآن والسنة والرأي. إلا أن الرأي لا يلجأ إليه إلا إذا لم يتوفر الحديث. وكخلاصة لهذه الدراسة الموجزة يمكن القول أن المذهب الفقهي الذي أنشأه جابر بن زيد كان متأثرا إلى حد كبير بالحديث.5 ثم إن طريقة جابر هذه اتبعها بعد وفاته طلابه الإباضيون الذين بنوا فقههم على الآثار بالدرجة الأولى. ويقال إن أبا عبيدة مسلم، الذي خلف جابرا، قبل له إن أهل عمان يفتون بالرأي في أحكامهم الشرعية، فقال أبو عبيدة: (( لن تسلموا من الفروج والدماء )).1 لقد ذكر كتاب سيرة جابر خمسة تواريخ مختلفة لوفاته. إن أولئك الذين يقولون إن جابرا توفي في نفس الأسبوع الذي توفي فيه الصحابي أنس بن مالك، يذكرون تاريخين أولهما 91 هـ / 709 كما يقول ابن حبان،2 وثانيهما 93 هـ / 711 وهذا التاريخ الأخير يذكره الربيع بن حبيب، والبخاري، وأحمد بن حنبل، والفلاس، والنجار، وأبو نعيم، وابن حبان.3 هؤلاء جميعا محدثون، وقد كانوا ملزمين بالدقة في إعطاء التاريخ المضبوط لوفاة المحدث، لأن ذلك ذو أهمية كبيرة بالنسبة لهم، فيما يتعلق بصحة الإسناد. ويؤرخ ابن سلام، وابن سعد، والواقدي، والمسعودي، والأصمعي، وبن مداد وفاته في سنة 103 هـ / 721؛4 في حين أن الشماخي وحده يذكر تاريخ وفاته سنة 96 هـ / 714؛5 ونقل ابن حجر عن ابن عدي أن جابرا توفي سنة 104 هـ / 722.6 ولمحاولة تقرير التاريخ المضبوط لوفاة جابر، ينبغي أن نأخذ الحقائق التالية بعين الاعتبار: أ ) إن غالبية المصادر تقول إن جابرا أراد ليلة وفاته، أن يرى الحسن البصري الذي كان آنذاك مختفيا يتجنب الحجاج. وبناء على ذلك لابد أن وفاة جابر حصلت قبل وفاة الحجاج 95 هـ / 713. ب ) إن غالبية المصادر ذكرت أن جابرا توفي قبل وفاة الصحابي أنس بن مالك الذي قال عند السماع بنبأ وفاة جابر: (( اليوم قضى أعلم أهل الأرض )).1 والتاريخان اللذان يذكران لوفاة أنس هما 91 و 93. ج ) في أثناء خلافة عمر بن عبد العزيز ( 99 هـ / 101 ) كانت للإباضية صلات ناشطة به، وبعث إليه وفد إباضي. ثم إن المصادر الإباضية لا تذكر غير تعليق أبي عبيدة على نتائج ذلك الوفد. ولا يروي شيء عن جابر بخصوص هذه الحادثة. ومن الصعب أن نعتقد أن جابرا لم يكن ليعلق لو أنه كان حيا، مما يوحي بأنه توفي قبل سنة 101 / 719، لا سنة 103 كما يقول المؤرخون، أو 104 كما يقول ابن عدي. ولئن كان يستحيل التوصل إلى التاريخ الدقيق في حالة كهذه، فإن سنة 93 التي يذكرها المحدثون وتؤيدها المراجع الإباضية يمكن أن تعتبر في رأيي قريبة جدا من الحقيقة. الفصل الثالث أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة الإمام الثاني للجماعة الإباضية في البصرة هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي، مولى بني تميم.1 ذكر الجاحظ أنه كان مولى عروة بن أدية، شقيق أبي بلال مرداس.2 عاش في البصرة ودرس على جابر بن زيد، وصحار العبدي وجعفر بن السماك.3 يقول بعض العلماء إن أبا عبيدة التقى بالصحابة الذين التقى بهم شيخه جابر، وروى الحديث عن: جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وعائشة.4 ويحتمل أنه التقى ببعض هؤلاء الصحابة، أو جميعهم، لكنه لم يصحبهم طويلا كما فعل جابر بن زيد. أما شيوخه فهم جعفر بن السماك، وصحار العبدي، وجاب بن زيد، إلا أنه أخذ القسم الأكبر من علمه على أيدي جعفر بن السماك وصحار5 ثم كرس حياته للتعلم والتعليم. ويقال إنه أنفق أربعين سنة من حياته يتعلم، ثم أنفق أربعين سنة أخرى في التعليم.1 ولا شك أن تطور الحركة الإباضية ونمو تنظيمها، وانتشار حركتها السريعة في اليمن، وعمان، وخرسان، وشمالي إفريقية، ويعود إلى أبي عبيدة وقدراته الطبيعية كعالم وكرجل سياسة معا.2 وقد لعب الدور الأكبر باعتباره القائد الأكثر نجاحا للحركة الإباضية في أثناء الفترة الأخيرة من العهد الأموي وبداية العهد العباسي. وقد ذكر الشماخي أن أبا عبيدة توفي في خلافة أبي جعفر المنصور ( 136 / 735 – 158 / 774).3 وسبق أن ذكرنا أنه عاش ثمانين سنة قضاها في التعلم والتعليم، ولذلك يمكن القول إن أبا عبيدة عاش في الفترة التي تبدأ بنهاية النصف الأول من القرن الأول حتى نهاية النصف الأول من القرن الثاني. ثم يشار أيضا إلى أنه أصبح زعيم الحركة الإباضية بعد أن أطلق سراحه من السجن سنة 95 / 713، بعد سنتين من وفاة جابر بن زيد.4 ولإدراك الطابع المميز لأبي عبيدة والناحية الخاصة التي ميزت شخصيته، لا بد لنا من الإشارة إلى تأثير شيوخه. فهناك أولا عروة بن أدية ؛ وهو رجل قوي وتقي ذو خبرة واسعة بالنزاع السياسي والديني الذي وقع في أثناء الحروب الأهلية بين علي ومعاوية. وكان أول من رفض التحكيم وحارب عليا في معركة النهروان، ثم قتله عبيد الله بن زياد في وقت لاحق. ووصفه خادم عروة إلى عبيد الله كما يلي: (( ما أتيته بطعام بنهار قط، ولا فرشت له فراشا بليل قط ))،5 وقد قصد بذلك أنه كان يصوم باستمرار في أثناء النهار، وينفق الليالي في الصلوات. ولابد أن أباب عبيدة، وهو مولى عروة، قد تأثر به إلى حد بعيد. وكان شيخه الآخر صحار العبدي خطيبا مفوها، ونسابة عظيما، وهو مؤلف كتاب في الأمثال،6 وكان فقيها كذلك.1 وكان شيخه جابر بن زيد ضليعا في الشرع، ومحدثا بارزا. ولما كان أبو عبيدة قد درس على هؤلاء العظام فإنه امتلك صفاتهم جميعا ؛ كان زاهدا، وعابدا تقيا،2 وخطيبا مفوها،3 ومدرسا ممتازا، وعالما كبيرا، وسع ميادين الفقه والكلام والحديث. وأخيرا، فإنه كان ذا قدرة تنظيمية ممتازة. وفي ميدان العقيدة الإباضية، نهج أبو عبيدة نهج جابر بن زيد نفسه، إلا أنه إسهامه بالآراء الفقهية كان أكبر لكي يواجه المشاكل في هذا الميدان. ولعل ذلك عائد إلى تأثير مدرسة صحار العبدي أيضا. وسار أبو عبيدة في فتاويه على نفس نهج سلفه، جابر بن زيد، وهو الذي كان فخورا به جدا، وقد قال: (( كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه، فهو في ضلال. ولولا أن الله أنعم عليما بجابر بن زيد، لضللنا.4 وكان مثل شيخه يحترم الصحابة وآراءهم بنفس الدرجة. من أمثال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن سلام، وهم الراسخون في العلم وهو القائل عنهم: وعلة آثارهم اقتفينا وبقولهم اقتدينا وعلى سيرتهم اعتمدنا وعلى مناهجهم سلكنا )).5 والطريقة التي نهجها أبو عبيدة هي أن يتمسك بقوة بتعاليم الصحابة والتابعين، لا أن يتبع أي مسار قد يبعده عنهم. وعنده أن أتباع السنة دليل على تقوى المسلم. وقد نقل عن ابن عباس أنه قال: (( من روى حديثا يدعو إلى الصلاح، ثم بذل جهده في إتباعه، كما رواه فإنه له أجرين، أجر الحفظ، وأجر العمل ؛ وإذا لم يكن الحديث كمما رواه، فهو ينال الأجر نفسه، لأن الله لا يضيع أجر من عمل صالحا ؛ ولن يضيع الله أجر العمل الصالح والعبادة إلا إذا كان العمل بدعة6 وبعد عرض هذا الرأي لابن عباس، علق أبو عبيدة قائلا: (( اعلموا أن المسلم، إذا كان الله قد وهبه نفسا صالحة موجهة إلى عبادة الله، حين يسمع ما يقربه من الله يبذل وسعه في إتباعه، فهو سيؤجر كما ذكر من قبل. أما إذا كان هذا الشخص ذا نفس شريرة فهو يمل عبادة الله ويكره العبادة. همه كله عند ذاك في الجدل والشك. وإذا ما سمع حديثا يدعوه إلى العمل، عارضه بالقياس وقال: هذا الحديث ليس صحيحا، لأن رأيه الذي يلائم رغبته لا صلة له بطاعة الله.1 وعلى أي حال، فقد كان أبو عبيدة محدثا، وكان إلى حد كبير، متأثرا بالحديث بصفته ضليعا في الشرع وفقيها، وكان يعارض اللجوء إلى الرأي. ولما قيل له أن أهل عمان يلجأون إلى الرأي لإصدار الفتاوى، قال: (( ما نجوا من الفروج والدماء )).2 ثم إنه قال لأنصاره أن لا يقبلوا أي رأي إذا كان رواية، أو (( آثارا )) من شيوخ المذهب الإباضي. ويروي أن أم شهاب، وهي امرأة إباضية، زارها عبد الله بن عبد العزيز وصالح بن كثير، وكانا طالبين لدى أبي عبيدة، فسألتهما فتوى في قضية فأجابها صالح، فقالت له: عمن أخذتها ؟ فقال: (( هو رأيي ؛ فقالت له: اضرب برأيك عرض الحائط. لا حاجة لي فيه )).3 وزاد في زمنه الاهتمام بنظام الولاية والبراءة، من الناحيتين النظرية والعملية، عما كان علي في وقت جابر بن زيد. والحالتان التاليتان تبينان الفارق في الموقف بين الإمامين: I- قيل إن إباضيا يدعى الحسن بن عبد الرحمن طلب يد أن عفان وهي إباضية كوالدها، فستأمرها أبوها ذلك فنهاه جابر أن يزوجها وهي كارهة، وحين تقدم مسلم غير إباضي منها يطلب يدها رضيت به، فأمره جابر أن يزوجها إياه.4 II – وفي حالة مماثلة اتخذ أبو عبيدة موقفا مغايرا. يقال إنه هاجم رجلا إباضيا زوج ابنته من مسلم غير إباضي وأبدى استياء شديدا. ويذكر تلميذه أبو المؤرج: (( وكره أبو عبيدة نكاح المنافق المسلمة، وهو ممن أحل الله نكاحه من المسلمات، كما كره عمر نكاح من أحل الله نكاحه من المشركات، وكره الأخذ بالرخصة في ذلك مخافة الفتنة لهن، والردة عن بصيرتهن من غير أن يكون ذلك حراما )).1 والظاهر أن أبا عبيدة أخذ هذا الموقف الحازم لعزل الإباضيين عن الفئات الأخرى من المسلمين بحيث لا يتأثرون بالآراء المختلفة الناشئة آنذاك. ولعل هنالك سببا آخر هو أن أبا عبيدة أراد في تصميمه على إقامة الإمامة الإباضية أن يضمن سلامة مخططاته وحركته بحيث لا يستطيع أي غريب أن يؤثر فيها. فقد كان نظام الولاية والبراءة آنذاك ذا أهمية كبيرة من هذه الناحية.2 وقد غطت نشاطات أبي عبيدة اتجاهين أساسيين: أ – العناية بتنظيم الفرقة الإباضية. ب – تعليم العقيدة الإباضية للطلبة الذين يتلقون العلم. وفي مؤسسته السرية هذه التي لم يكن أكثر من سرداب عميق في مكان ما في البصرة،3 علم الرجال الذين لعبوا الدور الأهم في تطوير العقيدة الإباضية وفي نجاحها السياسي. وقد ظلت البصرة مركز الحركة الإباضية حتى نهاية القرن الثاني لأسباب مختلفة. أ – فزعماء الحركة الدينيون كانوا يعيشون في البصرة ويقومون بنشاطاتهم التعليمية كلها هناك. ب – وفي البصرة نالت الحركة الدعم الكامل من العدد الكبير من أقارب جابر من الأزد، ومن عائلة آل المهلب البارزة. ج – وكانت البصرة إحدى عواصم الإسلام الفكرية تشكل، إلى جانب الكوفة، مركزا ثقافيا للدراسات الإسلامية والعربية. د – وأخيرا، تقع البصرة في قلب بلدان آسيا الإسلامية مما سهل الاتصالات بين مركز الحركة في البصرة والفروع الأخرى في خراسان، وعمان، واليمن، ومكة. وفي البصرة كانت المنظمة الإباضية بزعامة أبي عبيدة ومجلس الشيوخ، تقوم بمسؤولية تصميم سياسة الحركة وإعداد المتعلمين للقيام بالدعوة لإرسالهم إلى البلدان الإسلامية لنشر العقيدة الإباضية. وأحد هؤلاء الدعاة الإباضيين المبعوثين من البصرة هو سلمة بن سعد وقد أرسل إلى شمالي إفريقية مع نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري.1 ويروي عن الإمام عبد الوهاب عن والده عبد الرحمن بن رستم أنه قال: (( أول من جاء يطلب مذهب الإباضية ونحن بقيروان إفريقية سلمة بن سعد قدم علينا من أرض البصرة ومعه عكرمة مولى ابن عباس، متعاقبين على بعير فكان [ سلمة ] يدعو إلى مذهب الإباضية وعكرمة يدعو إلى مذهب الصفرية، فسمعت [ سلمة ] يقول: وددت لو ظهر هذا الأمر، يعني مذهب الإباضية، يوما واحدا من أول النهار إلى آخره فلا آسف على (( الحياة بعده )).2 وكانت مهمة سلمة بن سعد في شمالي إفريقية تتوخى ثلاث غايات: 1- نشر عقيدة المذهب الإباضية. 2- اختيار أفراد بارزين من البلدان المقصودة و إرسالهم للتدريب في البصرة. 3- القيام بدراسة دقيقة لتلك البلدان وتقديم تقرير عنها للإمام الإباضي في البصرة. ونتيجة لرحلة سلمة بن سعد إلى شمالي إفريقية في 105 / 723 – 107 / 725 تقريبا، بعث حملة العلم إلى البصرة ودرسوا على أبي عبيدة مدة خمس سنوات.1 ثم إن العديد من الدعاة كانوا قد بعثوا إلى مختلف البلدان للأغراض ذاتها التي استهدفها سلمة بن سعد ؛ فتوجه حملة العلم إلى اليمن، وحضرموت، وخرسان، وعمان.2 وكانت نشاطات الحركة الإباضية في البصرة تجري كلها سرا ؛ وهي حالة خاصة في العقيدة الإباضية معروفة بحالة الكتمان.3 ولقد كان من شأن القمع الأموي للمعارضة أن أرغم الإباضيين على القيام بنشاطاتهم سرا للحفاظ على سلامتهم وسلامة الدعوة ؛ وقد تحقق لهم ذلك بإنشاء مجالس خاصة في أماكن سرية حيث كانوا يمارسون نشاطاتهم الدينية والثقافية. والظاهر أن فكرة المجالس السرية نشأت منذ أيام زياد بن أبي سفيان إذ يروي أن عروة بن أدية قبض عليه في (( سرب )) ( نفق سري ) كان يتعبد فيه.4 ولقد كانت هذه الملاجئ السرية تستخدم لاجتماعات أعضاء الحركة حيث يذكرون الله ويناقشون أمور الدعوة. وقد ذكر أبو بلال مرداس مثل هذه المجالس أيضا.5 والظاهر من المعلومات المتوفرة أنه كانت هنالك ثلاثة أنواع من المجالس: 1- مجالس الشيوخ، أو قادة الحركة. وفي هذه المجالس كان الشيوخ يبحثون مخططات التنظيم. ثم إن اجتماعات هذه المجالس كانت تحدث أثناء الليل عادة ؛ ولم يسمح للأعضاء الصغار في السن بحضور هذه الاجتماعات ما لم يكونوا موثوقا بهم كل الثقة. قال أبو سفيان محبوب ابن الرحيل: (( بلغنا ذات ليلة أن في منزل حاجب مجلسا للذكر، وكان المشايخ لا يحضرون معهم بالليل الفتيان، قال المليح فقلت لرجل من أهل عمان: انطلق بنا إلى منزل حاجب فلعلهم يأذنون لنا، قال فسرنا حتى جئنا المنزل، فأذن لنا، فوجدنا عنده المختار بن عوف ورجلين أو ثلاثة من المشايخ، قال، فقال لي حاجب: يا مليح اذهب أنت وهذا العماني إلى بلج بن عقبة فأخبره بمكاننا وقولا له يأتينا، قال فسرنا إليه فأعلمناه فجاء. قال المليح، فصلينا العتمة ثم أخذنا في المذاكرة، قال: ربما قام أحدهم قائما فيتكلم ما شاء الله ثم يجلس، فيقوم الآخر كذلك حتى أضاء الصبح، قال المليح: فما رأيت أحدا بعد تلك الليلة، ولا رأيت قبلها متكلما قائما في مجلس. قال: وكان شعيب بن عمر من أفاضل الفتيان يومئذ، وكانت أخته تحت حاجب، قال فجاءه تلك الليلة فأخذ به حاجب فقال: ردوه، قالوا له: يا أبا مودود سبحان الله جاء من السماح في هذه الساعة وترده ؟ فقال: ردوه، فردوه ؛ قال: وكان بين منزله ومنزل حاجب نحو ثلاثة أميال)).1 2- والنوع الثاني من المجالس هو المجالس العامة يأتون إليها لسماع خطابات الشيوخ حول الموضوعات الدينية بوجه عام. وليس لهذه المجالس أي برنامج خاص ؛ إذ يتوقف ذلك على الأشخاص المسئولين عهنا، وعلى قدراتهم وميولهم. (( وإذا ما شوهد شخص وعلى وجهه أثر الخشوع، فذلك يعني أنه قريب العهد بمجالس أبي سفيان قنبر، إذ إن مجالسه كانت ذكرا لله، وتلاوة للقرآن وتخويفا للناس من النار وعقاب الله.2 وفي بعض الأحيان يطلب منظم المجالس من المتكلمين أن يؤدوا على موضوع معين للفت انتباه أعضاء معينين إليه.3 وفي هذه الفترة عقدت مجالس كثيرة في البصرة ؛ ويذكر المؤرخون الإباضيون مجالس أبي الحر علي بن الحصين التي كانت تعقد أيام الاثنين والخميس،4 ومجالس أبي سفيان قنبر، ومجالس عبد الملك الطويل.1 وفي هذه المجالس كانت للنساء غرف خاصة ؛ كان يؤذن لهن بحضور هذا النوع من المجالس.2 ثم إن بعض النساء كن يقدمن منازلهن لعقد مثل هذه المجالس.3 3- والنوع الثالث من المجالس هو تلك التي كانت تعقد للطلبة العاديين الذين كانوا يريدون دراسة العقيدة الإباضية، أو التدرب على بث الدعوة. ويقال إن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة ألف تعليم طلابه في سرب سري ؛ وكان يقف حارس على المدخل لتحذيرهم إذا شاهد غريبا يأتي،بتحريك سلسلة حديدية كي يتوقف أبو عبيدة عن خطبته ويواصل عمله صنع القفاف، وهي العملية التي كان يتستر بها، ومنها نال لقب القفاف، أي صانع السلال.4 ويؤذن فقط لأعضاء الحركة بالانضمام إلى هذه المجالس، إلا أنهم كانوا يطردون منها إذا ما أبدوا أي انحراف.5 وخلال زمن جابر وأبي عبيدة كان الأفراد شديدي الحذر في نشاطاتهم ؛ وفي بعض المناسبات كانوا يحضرون هذا الاجتماعات مرتدين ملابس نسائية، أو متخفين كتجار وعمال بحيث لا ينتبه إليهم أحد من الخصوم.6 وفي عهد زياد وابنه، كانت المساكن التي تستخدم للمجالس تقتحم في مناسبات عديدة وكان الأفراد يعتقلون. على أن نشاطات الإباضيين كانت برغم هذه المصاعب كلها، تجري في هذه المجالس بالدرجة الأولى. 7 ويبدو أن فكرة المجالس نقلها الطلاب الإباضيون من البصرة إلى شمالي إفريقية. ويروي أن أبا خليل الدركلي، أول من أخذ عن (( حملة العلم )) قال لطلابه: ((سيروا إلى الحلقة واقصدوها حيثما كانت يا كسالى فإن رجلا قد سار من الجبل إلى فزان وإلى غدامس وإلى الساحل رغبة في الحلقة ))،1 ويقال إنه كان بذلك يقصد نفسه. على أن هذه المجالس نشأت خلال مرحلة الكتمان لضمان سلامة الإباضيين، ثم أصبحت بعد ذلك إحدى الضرورات الأساسية للجماعة الإباضية أثناء فترة الكتمان. ويمكن القول إن الحركة الإباضية بقيادة أبي عبيدة مسلم كانت حركة دينية وفكرية، وإن نشاطاتها في البصرة كانت ثقافية بالدرجة الأولى. وكان نهج أبي عبيدة أن يثقف الأعضاء وأن يعلمهم العقيدة الإباضية، وأن يكون له العدد الأكبر الممكن من مختلف أقاليم البلدان الإسلامية، لكي ينشيء إمامة عالمية شاملة كل العالم الإسلامي.2 ولكي يقوم بنشاطاته في البصرة، فقد انقطع أبو عبيدة كليا عن الحكام ( الولاة ) ليبقى سليما، وكانت سياسته في هذه الناحية مناقضة لسياسة سلفه جابر بن زيد. ولقد أوصى أتباعه بأن لا تكون لهم أية علاقة مع الحكام. وقد روى عبد الله بن عبد العزيز، أحد طلاب أبي عبيدة، أن أحد العمال (الحكام) قال لعضو إباضي: (( دعني أسجل اسمك في الديوان، واقتسم معك مرتبك. شقيقي سيكفيك مشكلة البيعة، وأنت تأخذ المال للحال )) هنا قال عبد الله: ذهبت إلى أبي عبيدة أسأله عن رأيه بهذا العرض، فقال: لا تذهب إليهم، ولا تكن قريبا منهم، لا خير لك ف يذلك )).3 وهنالك رواية أخرى مشابهة لها رواها الربيع بن حبيب، وهو طالب آخر لأبي عبيدة، جاء بعده قائدا للجماعة الإباضية في البصرة. قال: (( أراد فرد إباضي أن يرافق حاكما معينا منذ فترة وجيزة وأن يخرج معه. سألنا الرجل: من طلب منك أن ترافق هذا الحاكم ؟ فرد رجل آخر يقول إن أبا عبيدة سمح له بذلك، فقال الربيع: قصدت أبا عبيدة وسألته هل سمح لذلك الشخص بأن يرافق الحاكم ؟ فقال: (( لم اقل له شيئا من ذلك. لقد جاء في المثل: الثعلب يقول لدي تسع وتسعون خدعة ؛ ولكنه ليس بينها ما هو أنفع لي من أن لا يراني الكلب، وأن لا أراه )) والشيء ذاته هو بالنسبة للمسلم، لا شيء أفضل له من أن لا يراهم ( الحكام ) وأن لا يدعهم يرونه. وحق الله أنني أخشى على المؤذن أن لا يكون مأمونا في الدعوة لهم للصلاة فكيف بالآخرين )).1 مثل هذا الموقف الحاسم المتخذ من قبل أبي عبيدة نحو الحكام هو الميزة الرئيسة لسياسته، ولا استثناء لذلك غير عمر بن عبد العزيز الذي أرسل إليه وفد باسم الحركة الإباضية.2 وفي زمن جابر، ذكر أن مجموعة من الزعماء البارزين في فريق المحكمة، بمن فيهم عبد الله بن إباض، اتصلت بعبد الله بن الزبير وعرضت عليه المساعدة بأمل أن يوافق على آرائها.3 إلا أن أبا عبيدة نهج سياسة أخرى مناقضة. إذ كان يريد باستمرار حركة إباضية خالصة تتمكن من تحقيق أهدافها بدون أي ارتباك. ويقال إن عبد الله بن الحسن، حين أراد الخروج على بني أمية بعث إلى أبي عبيدة ومشايخ آخرين في المجموعة الإباضية في البصرة يطلب مناقشة مخططاته معهم، ووافق المشايخ على إيفاد صالح بن كثير إليه، غير أن أبا عبيدة رفض الموافقة على رأيهم، وقال: (( أترون رجلا يخاف على نفسه ويطلب الملك لا يعطيكم كل ما سألتموه، وإذا طاوعكم على ما تدعونه إليه قال: أنا مقر بدعوتكم ولكن الناس إلي أسرع وأنا أحق ؛ فما عسى تقول له يا صالح وقد صدق ؟ فإن أراد الدين كما يزعم فليلحق بصاحبنا بحضرموت عبد الله بن يحيى فليقاتل بين يديه حتى الموت.4 وهكذا فقد غيروا آراءهم بسبب أبي عبيدة. ومثل هذا الموقف الحازم لأبي عبيدة ضد أي اتصالات بمسلمين غير إباضيين كان شديد الوضوح ؛ كان يغطي نواحي أخرى في الحياة كالزواج5 بالإضافة إلى النشاطات السياسية والدينية. وقد تأكدت هذه السياسة مع مبدأ الولاية والبراءة ومع نظام المجالس. وفي البصرة حافظت الحركة الإباضية على سياسة الكتمان بقيادة أبي عبيدة. والظاهر أن جماعة الشيوخ في البصرة كانوا بمثابة اللجنة التنفيذية للحركة الإباضية. وكان أبو عبيدة هو القائد أو الإمام وهو المسؤول عن الشؤون الدينية وعن السياسة العامة للجماعة كلها، وكان يستشار من قبل الإباضيين في جميع البلدان الإسلامية بخصوص مشاكلهم ومخططاتهم. وفي اليمن، لم يعلن عبد الله بن يحيى الإمامة حتى نال موافقة أبي عبيدة.1 كذلك كانت إمامة أبي الخطاب في شمالي إفريقية مقررة من قبل أبي عبيدة.2 وكان هنالك عدد من الشيوخ البارزين الذين يلعبون دورا هاما إلى جانب أبي عبيدة في مهمته. وبين هؤلاء نذكر: ( 1 ) أباب مودود حاجب الطائي، ومن بني هلال، وهو مولى عمان ولد في البصرة ؛3 وانضم إلى الحركة الإباضية بعد موت جابر بن زيد،4 وأصبح اليد اليمنى لأبي عبيدة فكان مسؤولا عن الشؤون المالية والعسكرية؛5 وكان منزله أحد المراكز المهمة للحركة في البصرة، وكانت تقام فيه الصلاة في أثناء رمضان،6 وتعقد اجتماعات مهمة للشيوخ.7 وحين أعلن عبد الله بن يحيى الكندي، وأبو حمزة الإمامة، جمع حاجب مبلغا كبيرا من المال لمساعدتهما، واشترى الأسلحة لهما.8 وحين توفي ترك دينا بلغ خمسين ألف درهم ؛ وباع زميله الفضل بن جندب منزله في صحار لتسديد ذلك الدين.9 كذلك أرسل إلى مكة في أثناء الحج لعقد الصلح بين إباضيي حضرموت في عهد عبد الله بن سعيد.1 وكذلك اعتاد أن يشرف على نشاطات المنظمة في البصرة وأن يدعو إلى الاجتماعات العامة.2 وتوفي حاجب قبل أبي عبيدة في أثناء خلافة أبي جعفر المنصور.3 ( 2 ) وحيان الأعرج، وهو محدث مشهور، عاش في البصرة في نفس المنطقة التي عاش فيها معلمه جابر بن زيد.4 وكان أكبر سنا من أبي عبيدة،5 درس مع جابر بن زيد،6انتشار الإباضية في شمالي إفريقية ونقل الأحاديث عن جابر إلى الطلبة الإباضيين، حتى أولئك الذين كانوا يدرسون على يدي جابر، كأبي نوح صالح الدهان.7 ( 3 ) وأبا نوح صالح بن نوح الدهان ؛ وهو من البصرة، كان ينزل في طيء ( 295 ) ودرس على جابر بن زيد8 وشارك أبا عبيدة في تعليم العقيدة الإباضية. ويروي أن الربيع بن حبيب قال: أخذت الفقه عن ثلاثة رجال: (( أبي عبيدة، وضمام، وأبي نوح )).9 ومن الأعمال الباقية التي رويت عن أبي عبيدة وأبي نوح كتاب (( نكاح الشغار )) لعبد الله بن العزيز، وهو تمليذهما.10 ( 4 ) وضمام بن السائب، وهو في الأصل من الندب في عمان.11 ولد في البصرة، ودرس على جابر بن زيد، وروى الحديث عنه بالدرجة الأولى.1 ويروي ضمام أن أبا عبيدة نفسه أخذ الحديث عن جابر بن زيد والدور الأهم الذي لعبه ضمام هو تعليم العقيدة الإباضية والأحاديث وغالبيتها دونها أبو صفرة عن أبي عمرو الربيع بن حبيب. وسجن ضمام مع أبي عبيدة وشيخ إباضي آخر، يدعى أبو سالم، في عهد الحجاج بن يوسف، ثم أفرج عنه بعد وفاة الحجاج.2 وهنالك شيوخ آخرون كأبي الحر علي بن الحصين، وأبي حمزة المختار بن عوف، وبلج بن عقبة، وسواهم. ( 5 ) وبين صغار طلبة أبي عبيدة، ممن لعب دورا كبيرا في المنظمة الإباضية في البصرة في أثناء حياة أبي عبيدة ثم في وقت لاحق، نذكر أبا عمرو الربيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي، وكان ينزل الخريبة من البصرة.3 وغادر البصرة في وقت لاحق إلى عمان وسكن في غضفان في الباطنة4 وكان معاصرا لجابر بن زيد، ودرس على يديه، كما درس أيضا على ضمام بن السائب، وأبي عبيدة، وأبي نوح صالح بن نوح الدهان.5 وكان في زمن أبي عبيدة، إلى جانب أعضاء آخرين، مسؤولا عن المجالس؛6 ثم إن أبا عبيدة عينه مفتيا للإباضيين في أثناء حياته، ووصفه بأنه (( فقيهنا وإمامنا وتقينا )).7 وبمعونة هؤلاء الرجال استطاع أبو عبيدة أن ينفذ سياسته بنجاح، وتمكن من إنشاء دولتين إباضيتين كانتا خطرا حقيقيا على الأمويين ثم على العباسيين من بعدهم في شبه الجزيرة العربية وفي شمالي إفريقية. واضح أن البصرة كانت المركز الرئيسي للنشاطات الإباضية في العراق. على أن هنالك دليلا على وجود جماعات إباضية أخرى ناشطة في الكوفة، والموصل، ومكة، والمدينة وبعض أنحاء خرسان حيث برز عدد كبير من كبار العلماء وأسهموا في المذهب الإباضي. وعرضت آراء هؤلاء جنبن إلى جنب مع آراء جابر بن زيد، وأبي عبيدة مسلم، كما هو واضح في الأعمال الإباضية الأولى مثل (( مدونة )) أبي غانم، والديوان المعروض، (( وروايات )) ضمام. باستثناء هذه الحقيقة، فإن معلوماتنا قليلة جدا عن الجماعات وإسهامها في الحركة الإباضية من حيث النشاطات السياسية والثقافية.1 وعلى أي حال، لقد كان للقادة الإباضيين الأوائل سياسة واضحة قائمة على توجيه نشاطاتهم نحو الأصقاع النائية في الإمبراطورية الإسلامية بحيث لا يكون القضاء عليهم سهلا. كما تجنبوا بحذر محاولة أية ثورة علنية في العراق، وركزوا على جنوبي شبه الجزيرة العربية2 وشمالي إفريقية. وننوي في الصفحات التالية إلقاء الضوء على انتشار التعاليم الإباضية في شمالي إفريقية. انتشار الإباضية في شمالي إفريقية لسنا نعرف بالضبط متى بدأ المذهب الإباضي يكسب له أنصارا في شمالي إفريقية. وفي الوقت الذي ترسخ فيه المذهب الإباضي في البصرة أثناء النصف الثاني من القرن الأول الهجري، كان الإسلام نفسه قد ترسخ في شمالي إفريقية برغم ما لقيه في البداية من معارضة من قبل البربر. ويقول ليفتسكي، أن أهل جبل نفوسه طلوا متمسكين بالمسيحية بعد الفتح الإسلامي إلى أن اعتنقوا المذهب الإباضي مباشرة3 على أن هذا القول تناقضه مصادر أخرى زعمت أن أهل نفوسه اعتنقوا الإسلام بصورة جماعية من غير أي صراع على الإطلاق.1 وثمة حقيقة راسخة هي أن الإسلام انتشر حتى غدامس إلى الجنوب الغربي من جبل نفوسه، على يدي عقبة بن عمرو، قائد الجيش الذي وجهه عمرو بن العاص نحو الغرب وافتتح طرابلس سنة 23 / 643. ومن شأن ذلك أن يؤيد القول بأن بعض النفوسيين كانوا آنذاك قد اعتنقوا الإسلام، ثم تبنوا العقيدة الإباضية في وقت لاحق. وهنالك معلومات موثوقة تفيد أن عائلات مسيحية كانت لا تزال موجودة في جبل نفوسه بعد أن ترسخ المذهب الإباضي في الجبل.2 يضاف إلى ذلك أن هنالك إثباتا موثوقا على أن عائلات نفوسيه معينة بقيت مسلمة، عير إباضية، حتى فترة طويلة بعد أن ساد المذهب الإباضي في المنطقة، وبين هذه العائلات عائلة أبي منصور إلياس، من تندميرة، وهي إحدى العائلات المهمة في نفوسه3. على أنه بالمعلومات المتوفرة، وهي قليلة ومتناقضة، يصعب الوصول إلى نتيجة حاسمة حول هذا الموضوع. وثمة شخص يدعى سلمة بن سعد الحضرمي4 له صلة بالبصرة وبشمالي إفريقية ف ينشر تعاليم المذهب. لا يذكر تاريخ محدد لهذه المهمة ولا لوصول سلمة إلى شمالي إفريقية ؛ على أن قول مراجع إباضية موثوقة بأن سلمة جاء القيروان برفقة عكرمة، مولى ابن عباس5 يشير إلى أن هذه المهمة جرت قبل 105 / 723 – 107 / 725، وهو التاريخ الذي يذكر لوفاة عكرمة.6 وقد شبه العلماء الإباضيون دور سلمة بن سعد في المغرب بدور عبد الله بن إباض في المشرق .7 وربطوا انتشار المذهب الإباضي بزيارته إلى شمالي إفريقية، وهي التي أسفرت عن إيفاد الطلبة المعروفين في وقت لاحق بـ (( حملة العلم )) إلى البصرة لدراسة التعاليم الإباضية على يدي الإمام الثاني للمذهب الإباضي، أي أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة. والحقيقة التي ينبغي أن لا تنسى هي أنه عند قدوم سلمة بن سعد إلى شمالي إفريقية كانت هنالك مجموعات إباضية كبيرة موجودة من قبل في بعض المناطق الوسطى في شمالي إفريقية، أي في القسم الغربي من ليبيا. ولعل ذلك عائد إلى أن المبادئ الإباضية كسبت لها أولا أنصارا بين المفاتحين العرب الذين قدموا في مجموعات قبلية لاحتلال شمالي إفريقية، واستوطنوا بعد ذلك في البلاد الجديدة. ثم وجدت لها دعما بين قبائل نفوسة، وهوارة، ولواته، وزهانه، وزناته، المحلية التي رأت في المبادئ الإباضية تمثيلا حقيقيا لدين الإسلام لا يخضعها لأي حكم استبدادي، ويعطيها المبرر لنضالها من أجل الحكم الذاتي في إطار الدين الجديد على قدم المساواة مع العرب. ويعتقد أيضا أن السكان المحليين وجدوا في التعاليم الإباضية الحافز الديني لمقاومة الحكم الاستبدادي للأمويين والعباسيين. وواضح هنا أيضا أن الدور الأهم في الصراع الإباضي الأول في شمالي إفريقية لعبه العرب الذين كانوا من أصول حضرمية ويمنية. والظاهر أن مهمة سلمة بن سعد كانت تستهدف اختيار شخصيات محلية لإرسالها إلى البصرة لتدريبها بحيث تستطيع تحمل عبء القيادة الإباضية في شمالي إفريقية. ولمثل هذا التوجه أن يجعل السكان المحليين ينظرون إلى التعاليم الإباضية باعتبارها شيئا خاصا بهم، مما يؤمن دعم البربر الكامل للقضية الإباضية. ومن الطموحات الرئيسة لسلمة بن سعد رغبته في أن يرى إمامة الإباضية سائدة في شمالي إفريقية. ويروي عن الإمام عبد الرحمن بن رستم أنه قال: (( سمعت سلمة بن سعد يقول في القيروان )) وددت لو ظهر هذا الأمر، يعني مذهب الإباضية، يوما واحدا من أول النهار إلى آخره ثم لا آسف على الحياة بعده ))1 ولعل في هذه الكلمات إشارة محتملة إلى وجود مجموعة إباضية في شمالي إفريقية قبل مجيء سلمة بن سعد، لكنها لا تزال في حالة الكتمان، وإلى أنه لم تكن آنذاك قد جرت أية محاولة لترسيخ الإمامة الإباضية علنا. والمحاولة الأولى من قبل الإباضيين لإنشاء إمامتهم في شمالي إفريقية بدأت حين عين إلياس بن حبيب واليا على طرابلس بعد سنة 127 / 744. ويروي أن إلياس صرع عبد الله بن مسعود التجيبي، من أصل حضرمي، وهو أحد زعماء الجماعة الإباضية في طرابلس.1 ولا نعرف سبب مصرع هذا الزعيم الإباضي. ولكن علي معمر وإحسان عباس يوحيان بأن إلياس أراد بذلك تخويف الإباضيين،2 وهي حقيقة تشير إلى أن الإباضيين كانوا آنذاك قوة ذات أثر كبير في طرابلس وما جاورها. على أنني أعتقد أن هذا العمل ربما كان نتيجة مباشرة للثورات الناجحة التي قام بها إباضيو حضرموت واليمن في نحو ذلك الوقت في وجه بني أمية لإنشاء إمامة مستقلة. وطبيعي أن يكون بنو أمية حريصين على منع أي تكرار لهذه الثورات في أية معاقل أخرى للإباضية باتخاذ تدابير رادعة. والظاهر أن إلياس بن حبيب أساء تقدير قوة الإباضية، وكان من شأن عمله هذا، أن لم يكرههم على الرضوخ، بل أثار غضبهم ووفر السبب المباشر لثورتهم ؛ فانتخبوا الحارث بن تليد الحضرمي إماما ؛ وبمساعدة قاضيه عبد الجبار بن قيس المرادي، استطاع الحارث أن يستولي على طرابلس وأن يقتل شخصا يدعى قيس بن نصير بن راشد، مولى الأنصار، ثأرا لعبد الله بن مسعود التجيبي.3 وحكم الحارث كامل المنطقة الواقعة بين قابس وسرت، غير أن الحارث وعبد الجبار معا قتلا على يدي شعيب بن عثمان أحد القادة الذين عينهم عبد الرحمن بن حبيب لإخماد الثورة الإباضية.1 عند ذاك اختار الإباضيون أبا الزاخر إسماعيل بن زياد النفوسي قائدا لهم في صراعهم، واستطاع أن يسيطر على مناطق طرابلس.2 وقد جاء في المصادر الإباضية أن أبا الزاخر كان (( إمام دفاع ))3 وهي حقيقة تشير إلى أن هذه الفترة بقيادته كانت فترة كفاح عسكري متواصل ف يوجه أعدائه، وإلى أنه لم يستطع أن ينشيء دولة مستقرة. ولقد وقع هذا الصراع الأول من أجل الإمامة في شمالي إفريقية، في السنوات الواقعة بين 127 / 744 و 132 / 749. وعادت بعد ذلك الجماعة الإباضية إلى الكتمان طوال ثمانية أعوام. وفي سنة 140 / 757 انتخب أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري، أحد (( حملة العلم )) لمنصب الإمام في طرابلس، فحكم المنطقة الواقعة بين سرت والقيروان وزويلة ؛ غير أن هذه الإمامة الإباضية لم تتمكن من مقاومة جيش الخليفة العباسي الجديد. وفي سنة 144 / 761 قتل أبو الخطاب ونحو 14000 من أتباعه على أيدي القوات العباسية بقيادة محمد بن الأشعث، والي مصر من قبل أبي جعفر المنصور.4 حملة العلم نرى لزاما علينا هنا أن نقدم عرضا لدور (( حملة العلم )) في نشر العقيدة الإباضية في شمالي إفريقية. والظاهر أن نشاطاتهم الثقافية بدأت خلال العقود الأولى من القرن الثاني للهجرة. لقد سبق أن ذكرنا أن اتصالهم بعلماء الإباضية في البصرة كان بعد زيارة سلمة بن سعد إلى شمالي إفريقية. وقد جرى اختيارهم من مناطق مختلفة بحيث أن أ:ثر المراكز أهمية في شمالي إفريقية الأوسط كانت ممثلة لكي يكون بالتالي لكل منطقة زعيمها الديني من السكان الأصليين. وهؤلاء الطلبة هم: أبو دارا إسماعيل بن دار الغدامسي، من غدامس ؛ وعبد الرحمن بن رستم، وهو فارسي الأصل، من القيروان ؛ وعاصم السدراتي من سدراته. وأبو داود القبلي النفزاوي، من نفزاوة ( جنوبي تونس ) ثم انضم إليهم أبو الخطاب عبد الأعلى، اليمني الأصل، في البصرة1 حيث ميزه شيخهم أبو عبيدة مسلم بأنه الإمام الأول للإباضية المرتقبة في شمالي إفريقية. ومن شأن ذلك أن يبين أن القوة التي كانت لا تزال الأبرز بالنسبة لمسألة القيادة هي قوة المستوطنين العرب ؛ وقد أرسل أبو الخطاب إلى شمالي إفريقية لسد هذه الحاجة. ولم يكن بين أفراد هذه البعثة أي نفوسي لأن ممثل نفوسة في بعثة مماثلة، ابن مغطير الجناوني كان قد ذهب إلى البصرة ثم عاد في وقت باكر.2 وقام أبو عبيدة نفسه بتدريب هؤلاء الطلبة فقضوا معه خمس سنوات، وكان راضيا عن المستوى الذي بلغوه. وبالإضافة إلى كفاحهم السياسي الذي بدأ سنة 140 / 757 بقيادة أبي الخطاب، ثم استمر بقيادة زميله عبد الرحمن بن رستم الذي تمكن من الفرار إلى وسط الجزائر بعد وفاة أبي الخطاب حيث أنشأ الإمامة الرستمية سنة 160 / 776 ودامت حتى 296 / 980، وأدى (( حملة العلم )) دورا هاما في نقل التعاليم التي تلقوها في البصرة إلى رفاقهم الإباضيين في شمالي إفريقية. ولسنا نعرف هل أتوا بهذه التعاليم خطية، والواقع أن العمل الخطي الوحيد الذي ينسب إلى أحد (( حملة العلم )) هو (( تفسير )) عبد الرحمن بن رستم.3 ويروي أن العقيدة الإباضية بالشكل المكتوب من قبل أبي عبيدة مسلم كانت موجودة في فزان في ليبيا في منتصف القرن الثاني للهجرة. وفي رسالة إلى العالم الفزاني عبد القهار بن خلف، كتب جناو بن فتى المديوني، من قبيلة مديونة من البربر يرغبه في القدوم عليه لدراسة كتب أبي عبيدة (( لعل الله أن يحيى بك أهل هذه الدعوة، وأحب تعجيل ذلك لأني على آخر أيامي واقترب أجلي )).4 لسنا نعلم كيف انتقلت كتب أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة إلى يدي العالم الفزاني ؛ ولعله درس على أبي عبيدة في البصرة وعاد بها معه. والمسألة التي ينبغي أن نؤكد عليها هنا هي أن الشكل النهائي للعقيدة الإباضية ترسخ في البصرة، ونقل إلى شمالي إفريقية بواسطة الطلبة الدعاة وهم، على ما يبدو، أكثر من الخمسة الذين ذكرناهم فيما مضى ؛ وهم معروفون في المصادر الإباضية باسم (( حملة العلم )). والواضح أيضا أن الاتصالات بين مركز الحركة الإباضية في البصرة وشمالي إفريقية ترسخت في مرحلة باكرة من تاريخ هذه الأخيرة. ولا دليل على وجود علماء إباضيين بين البربر قبل عهد أبي عبيدة مسلم. وأول عالم إباضي من البربر ذكر في المصادر الإباضية هو ابن مغطير الجناوني الذي درس على أبي عبيدة في البصرة قبل أن يحدد هذا الأخير آراءه النهائية بشأن نظام الفقه الإباضي.1 ولقد كان ابن مغطير مفتي جبل نفوسة قبل عودة (( حملة العلم )) الخمسة. وتذكر المصادر الإباضية كذلك عمرو بن يمكتن بأنه أول عالم إباضي من نفوسة بدأ بتدريس القرآن في مسجد قريته إفاطمان. وصار بعد ذلك أحد القادة المهمين في نفوسة ن واشترك في حروب أبي الخطاب بوجه الجيش العباسي.2 وبناء على المعلومات المتوفرة يتضح أن إباضيي شمالي إفريقية كانوا على صلة راسخة بالبصرة لدراسة التعاليم الإباضية منذ البداية. كذلك من الثابت أيضا أن مثل هذه الاتصالات كانت قائمة حوالي نهاية القرن الأول للهجرة. وكان إباضيو شمالي إفريقية يعتمدون إلى حد كبير على علماء البصرة، لا سيما أبي عبيدة مسلم، في أية مشكلة يواجهونها في المسائل الشرعية والفقهية. ومن بين الأعمال الباقية مما كتبه أبو عبيدة إلى أهل المغرب (( رسالة عن الزكاة )) كتبها إلى شخص يدعى إسماعيل بن سليمان المغربي.3 كذلك روى الجيطالي أن أبا عبيدة وجه (( جوابات )) على مسائل فقهية لأهل المغرب1 لكن هذه الجوابات لا تزال مفقودة. والمفترض أن هذه الاتصالات كانت شديدة الفعالية في عهد أبي عبيدة قبل عودة الطلبة الخمسة (( حملة العلم )) إلى إفريقية وقد تحملوا عبء نشر التعاليم الإباضية وتعميق جذورها بين أهل المغرب. والقسم الأهم من هذه المهمة قام به أبو درار الغدامسي، وأبو داود القبلي وعبد الرحمن بن رستم. وأما الآخران، أي أبو الخطاب عبد الأعلى وعاصم السدراتي فوجها نشاطاتهما نحو الكفاح السياسي والعسكري، وتوفيا قبل أن يستطيعا الاستقرار للإسهام في النشاطات الثقافية. وتواصلت الاتصالات بين الجماعتين الإباضيتين في المشرق وفي المغرب طوال الوقت. وحين انتخب عبد الرحمن بن رستم لإمامة تاهرت، أرسل إباضيو المشرق وفدا خاصا لفحص مسلكه، حتى إذا ما اقتنع الوفد به، منحوه الدعم الكامل أدبيا وماليا. بعد ذلك كلما حدث أي نزاع بين إباضيي شمالي إفريقية سعى هؤلاء إلى احل لدى زملائهم في المشرق. وهنالك عدد من (( الرسائل )) كتبها علماء المشرق يعرضون فيها آراءهم حول القضايا الدينية والسياسية التي كانت تنشأ بين الإباضيين في المغرب.2 وكانت المؤلفات الإباضية التي يكتبها علماء المشرق تقدم إلى الإباضيين في المغرب.3 وطلب عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم في عهده كتبا من المشرق، ونسخ زملاؤه الإباضيون في المشرق حمولة أربعين جملا من المواد على ورق قيمته ألف دينار دفعها الإمام عبد الوهاب وأرسلوها إليه.4 وفي عهد عبد الوهاب أيضا ذهب أبو غانم بشر غانم الخرساني إلى تاهرت لعرض أعماله على الإمام. وظلت الاتصالات الثقافية بين الجماعتين قائمة مترسخة، وكان المؤتمر السنوي للإباضيين يعقد في أثناء الحد فكانوا يلتقون في مكة لتبادل الأخبار ومقارنة الملاحظات. وبوجه عام كان الدور الذي لعبه إباضيو شمالي إفريقية في تطوير الفكر الإباضي ضئيلا، لكنهم حافظوا عليه من الناحيتين النظرية والعملية. وبعد رجوع (( حملة العلم ))، برز عدد من العلماء الكبار بين إباضيي المغرب عرفوا بطلبة (( حملة العلم ))، ومنهم: عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، وعبد الخليل الدركلي، ومحمد بن يانس، وآخرون.1 وبعد تأسيس مدينة تاهرت، عاصمة الإمامة الإباضية، تحولت هذه المدينة إلى أحد أهم المراكز لبث التعاليم الإباضية. وكان الأئمة أنفسهم يؤدون دورا في التعليم وكتابة الكتب ؛ وكانت هنالك مراكز أخرى في نفوسة وفي أماكن أخرى في المغرب. وبعد انهيار إمامة تاهرت انتقلت نشاطات الإباضية الفكرية إلى وارجلان ووادي ريغ. كذلك أصبحت جزيرة جربة أحد المراكز الثقافية الرئيسة نتيجة نشاطات مجلس العزابة في المنطقة.2 ولعب جبل نفوسة، برغم ضعف اتصالاته بإمامة تاهرت بعد معركة مانوا بوجه الأغالبة سنة 283 / 896 دورا مستقلا تقريبا في الحفاظ على التعاليم الإباضية ؛ ونشأت مراكز ومدارس عديدة في مناطق مختلفة في الجبل لتعليم العقيدة الإباضية. ونشأ عدد كبير من العلماء الإباضيين الكبار بين الجماعات الثلاث في جبل نفوسة، وجزيرة جربة، ووسط شمالي إفريقية أي جنوبي تونس والجزائر، وأسهموا في الدراسات الإباضية إسهاما كبيرا. ولا تزال الغالبية من هذه الأعمال الهامة التي كتبها هؤلاء العلماء عبر القرون موجودة وهي تستحق اهتماما أكاديميا خاصا بها. الفصل الرابع الفقه الإباضي في العام 1903 كتب الأستاذ دنكان مكدونالد: (( إننا نعلم القليل نسبيا عن الفقه الإباضي. فالدراسة الشاملة للفقه الإباضي ذات أهمية قصوى، لأنه يعود في تسلسل نشأته إلى ما قبل تشكيل أي من المدارس الفقهية الأخرى )).1 على أن الدراسة الشاملة للفقه الإباضي لم تجر منذ ذلك الوقت كما كان هذا العالم البحاثة يأمل. وبدلا من ذلك فقد عومل الفقه الإباضي من قبل الذين درسوا الفقه الإسلامي بالقليل من الاهتمام وكان يشار إليه على الدوام بأقوال عامة قليلة القيمة. ومع أن شاخت كان يعي حقيقة أن مذهب الفقه الإباضي ينسب إلى التابعي جابر بن زيد،2 فإنه ختم ملاحظته بشأنه بالقول إن الإباضيين استمدوا فقههم من المذاهب الإسلامية القائمة.3 وخلافا لما يعلنه فإن المذهب الإباضي أخذ منذ البداية خطا منفصلا. لقد كانت له مرجعياته المستقلة الخاصة به، ومجموعاته الحديثية، وأعمال فقهائه. ويبدو أن شاخت أنساق إلى هذه النظرة للأسباب التالية: النقص في المعلومات بشأن المصادر الأساسية للفقه الإباضي ؛ والنظرة العامة القائلة بأن الإباضيين فئة من حركة الخوارج. وبما أن الإباضيين، كالسنة ن كانت لهم آراء مناقضة لآراء الخوارج حول نقاط معينة، فقد اعتقد أن الإباضيين استمدوا هذه الآراء من المذاهب السنية. وهو أخيرا، ينفي باتا حقيقة كون الخصائص المشتركة بين المذاهب الفقهية الإسلامية المختلفة هي أقدم من قيام هذه المذاهب.1 وفي هذا الفصل نأخذ على أنفسنا أن ندرس نشؤ مذهب الفقه الإباضي، وتأسيسه، وتطوره، ونقاط الاختلاف بين الإباضية والمذاهب الإسلامية الرئيسة الأخرى. يعد الفقه الإباضي أحد أقدم المذاهب الباقية بين مذاهب الفقه الإسلامي، إن لم نقل أقدمها. ويعود قيامه إلى التابعي جابر بن زيد الأزدي وزميله المعاصر له، وتلميذه، أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة. فقول مكدونالد (( بأن الفقه الإباضي لابد أنه جمع وصنف، إلى هذا الحد أو ذاك، على يدي عبد الله بن إباض ))2 غير صحيح. فقد دل البحث الدقيق بأن عبد الله بن إباض لم يقدم أي إسهام للفقه الإباضي، وإن دوره الرئيس انحصر في الكلام وفي العقيدة السياسية للإباضية. والرجل الذي كان مسؤولا فعليا عن تأسيس مدرسة للفقه الإباضي هو جابر بن زيد. وهو محدث، وفقيه ؛ وبسبب معرفته الواسعة بالقرآن وبأحاديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم )، فقد كان قادرا أن ينشيء مذهبا مستقلا، وأن يجذب إليه عددا من المتعلمين. وفي وقت لاحق راح هؤلاء يطورون آراء وينشرونها. واتخذ الفقه الإباضي شكله النهائي على يدي تلميذه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة في سنواته الأخيرة، وعلى يدي الربيع بن حبيب، تلميذ جابر بن زيد وأبي عبيدة معا. غير أن جابر بن زيد يظل الشخصية ذات الأهمية الكبرى في تأسيس هذا المذهب. وبالإضافة إلى مهارته مفتيا صرف معظم حياته لإصدار الأحكام الشرعية وضبط آرائه باستشارة صحابة الرسول الأحياء، والتابعين البارزين، وكان كذلك صلة الوصل الأساسية يبن أتباع مذهبه وأولئك الصحابة الذين لعبوا الدور الرئيس في صياغة الآراء حول الشؤون الدينية والشرعية ونشرها. والدور الطليعي الذي لعبه جابر في تأسيس المذهب الإباضي معترف له به بوضوح من قبل الإمام الثاني للإباضية، أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة. كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال. ولولا أن الله من علينا بجابر بن زيد لضللنا.1 وحقيقة كون جابر صاحب مذهب فقهي مستقل أمر اعترفت له به المرجعيات السنية أيضا. يقول أبو زكريا النووي ( ت 676 / 1277 ) في كتابه (( تهذيب الأسماء )) بعد الحديث عن جابر بن زيد، ومدرسيه، وتلاميذه (( اتفقوا على توثيقه وجلالته وهو معدود في أئمة التابعين وفقهائهم وله مذهب يتفرد به )).2 لقد سبق أن ذكرت قصة حياة جابر ونشاطاته مفتيا.3 أما هنا فإننا بالدرجة الأولى معنيون بإسهامه وبمقاربته فقهيا. وقد سجلت فتاويه أو أحكامه الشرعية من قبل كلابه الإباضيين وهي تشكل جزءا هاما من أساس المذهب الإباضي في الفقه. وقد كانت مصادر الأحكام الشرعية المعروفة لدى جابر والتي استخدمها هي القرآن والسنة، وآراء الصحابة ( الآثار )، ثم رأيه الخاص. بالنسبة للقرآن، كان جابر يملك معرفة تامة بتفسيره من شيخه ابن عباس الذي يعتبر خير مرجع في تفسير القرآن. والثقتان اللذان نقل عنهما القسم الأكبر من المعلومات في التفسير، أي مجاهد وقتادة، كانا على صلة وثيقة بجابر. والواقع أن قتادة كان أحد تلامذة جابر.4 ومن الطريف أن نؤكد هنا أنه لم توجد أية أعمال إباضية خاصة بالتفسير خلال المائة والخمسين سنة الأولى من الهجرة. ولقد ذكرت المصادر الإباضية تفسير عبد الرحمن بن رستم1 أحد تلامذة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة، وأول إمام في إمامة تاهرت الإباضية. والتفسير الثاني الكامل هو لهود بن محكم الهواري الذي وضع خلال القرن الثالث للهجرة.2 وأهم وأكبر تفسير وضعه مؤلف إباضي هو تفسير أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني ( ت. 570 / 1174 ).3 على أن هذا العمل لا يزال مفقودا ؛ والعثور على هذا الكتاب يشكل قيمة كبيرة للدراسات الإسلامية والإباضية. وتفسير الآيات القرآنية التي تتناول القضايا الفقهية والدينية موجود في تلك الأعمال التي تضم الفتاوى والروايات المنقولة عن جابر وأبي عبيدة. أما الآيات التي تتناول المسائل الشعرية فمعالجة في عمل خاص للشيخ أبي المؤثر الصلت بن خميس وهو أعمى. ( ت: 278 هـ ). وعنوان مؤلفه (( تفسير آيات الأحكام )) أو (( تفسير الخمسمائة آية )).4 وأما بالنسبة لدراسات جابر بن زيد، فقد اكتسب معرفته بالإسلام ونظامه الديني والفقهي عبر عدد من الصحابة، لا سيما ابن عباس، وابن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وعائشة. ثم إن الإمام الإباضي أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة يزعم أنه تتلمذ في المذهب الإباضي على الصحابة عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام ووصفهم بأنهم (( راسخون في العلم )). ثم أضاف قائلا: (( لقد اقتفينا خطاهم، وتبعنا أقوالهم، واعتمدنا على تصرفهم وقلدنا أساليبهم )).1 وقد سبق أن ذكرنا أن المصادر الأساسية التي استخدمها جابر بن زيد لتكوين الأحكام الشرعية هي القرآن، والسنة، والآثار، والرأي. والسنة، وهي أقوال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وأعماله، وموافقته على أعمال وأقوال معينة من قبل صحابته، ومعروفة لدى الثقات الإباضية الأولين بأوسع معانيها. وفي ذلك قال شاخت: (( أول دليل موثوق بالطبع، على استعمال عبارة (( سنة الرسول )) بالإشارة إلى استعمالها السياسي الأصلي الذي مثل رابطة عقائدية بين (( سنة الرسول )) وسنة أبي بكر، وعمر، والقرآن، وردت في رسالة وجهها عبد الله بن إباض إلى عبد الملك بن مروان نحو 76 / 695.2 على أن المراجع الإباضية استعملت هذه العبارة بمعناها التقني منذ الفترة الباكرة لتأسيس مذهبهم. وقد استعمل جابر بن زيد هذه العبارة في رسالتين من رسائله. وفي رسالة إلى عثمان بن ياسر، كتب جابر: ( فأما الذي كتبت تسألني عنه من المملوك هل يصلي ولم يختتن، فإن الختان من المسلمين سنة واجبة لا ينبغي تركها، ويكره أن تتركوا لكم مملوكا غير مختون، ولا يصلي حتى يختتن )).3 وفي رسالة أخرى للحارث بن عمرو، كتب جابر مرة أخرى: (( وأما ما ذكرت من رجل يصلي المغرب والعشاء والصبح لم يقرأ فيهن بشيء من القرآن، فإنه أحب إلي أن يعيد صلاته فيقرأ منها، فإنه قد ترك سنة فيها، إلا أن يكون رجلا أميا لا يقرآ واغتم، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها )).4 كذلك ذكر جابر كلمة (( السنة )) في رسالته إلى طريف بن خليد بالقول التالي: (( وأما الذي ذكرت من أن إماما يؤم الناس في الصلاة الواجبة، ولكنه ترك فيها الركوع وتبعه في ذلك المأمومون، فالأفضل لهم إعادة صلاتهم تلك لأنهم بذلك قد خالفوا السنة )).1 ثم إن هذين الخبرين الأخيرين مذكوران في كتاب جابر بن زيد كما رواه حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد.2 وعند مناقشة الخوارج المتطرفين، قال سالم بن ذكوان، وهو معاصر لجابر بن زيد: (( لسنا ممن يزعم أنه أفاد اليوم علما في القرآن والسنة حتى غلبهم )).3 إن دور السنة كمصدر ثان للفقه الإباضي ذكره بصراحة أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة، خليفة جابر بن زيد، في عدد من الأقوال: ( 1 ) إن إمام المسلم هو القرآن، ودليله هو سنة رسول الله، يحب فقط ما يحبه الله ورسوله.4 ( 2 ) بالنسبة لحكم الإمام: هل يمكن لعلماء الأمة أن يغيروه أم لا، قال أبو عبيدة مسلم: إذا كان حكمه معارضا لما في الكتاب والسنة، وكان الحكم على هذه القضية معروفا في القرآن وفي السنة، فإن عليهم أن يغروا ما هو مناقض للكتاب وللسنة.5 ( 3 ) الخير فيما اختار الله ورسوله، والضرر في معارضتهما ؛ لا يمكن لأحد أن يكون مصيبا إلا إذا كان موافقا لهما.6 وتمسك تلامذة أبي عبيدة بهذا النهج نفسه، وقد ذهب بعضهم إلى حد رفض أحكام المراجع الإباضية الأولى كجابر بن زيد، وأبي عبيدة، حين نقلت أحاديث موثوقة بالنسبة لقضية معينة، حتى من قبل مراجع غير إباضية.1 وبالنسبة لمسألة (( الحيازة )) قيل إن جابر بن زيد، أضاف، على سبيل الاحتياط، عشر سنوات أخرى على السنوات العشر التي حددها الرسول كمدة قصوى للاستيلاء على حق حيازة الأرض أو الممتلكات، إذا لم يتقدم المالك الأصلي بدعاء ملكيته خلال تلك السنوات العشرين. غير أن عبد الله بن عبد العزيز، تلميذ أبي عبيدة، رفض رأي جابر على أساس حديث الرسول كما روته المراجع المدنية والكوفية معا وهو أنه حدد مدة الحيازة بعشر سنوات فقط.2 وختم قوله بما يلي: (( إن ما قاله الرسول هو وحده الحقيقة. والسنة أولا، شرط أن تكون سنة موثوقة عن الرسول. أما القياس، ولو كان قديما، فلا يمكن له أن يحل محل السنة )).3 الإسهام الإباضي في حقل الحديث لقد تمثل توق المراجع الإباضية الأولى إلى إتباع سنة الرسول بإسهامهم في ميدان الحديث واعتبر الإباضية أنفسهم التابعين الحقيقين للسنة ؛ واستعمال عبارة (( السنة )) للتعبير عن المذاهب الإسلامية الفقهية السنية الأربعة مرفوض بصورة عامة من قبل الإباضيين على أساس أنهم هم أيضا، إن لم يكونوا وحدهم، التابعون الحقيقيون للسنة.4 وأسهموا في ميدان الحديث بأن حفظوا ودونوا مجموعاتهم الخاصة بهم من الحديث. إن جميع العلماء الأوائل الذين أسسوا المذهب الإباضي كانوا محدثين بارزين أمثال جابر بن زيد، وأبي نوح صالح بن نوح الدهان، وحيان بن الأعرج وأسماءهم معروفة جيدا في مجموعات الحديث الإسلامية، وهم معتبرون من قبل المحدثين (( ثقاة )).1 أما بالنسبة للعلماء الآخرين أمثال أبي سفيان محبوب بن الرحيل، فقد كانوا محدثين أيضا، ونظر إليهم المحدثون السنة بأنهم (( ثقاة )) ولو أنهم لم يكونوا معروفين إلى الحد الذي عرف به المذكورون سابقا.2 وبالإضافة إلى نقل أحاديث الرسول، فإن جابر بن زيد أسهم في تدوين أحاديث الرسول بكتابة الأحاديث نقلا عن زملائه3 وبالسماح لطلابه بأن يسجلوا الأحاديث بناء على مصداقيته.4 ثم كررت المصادر الإباضية المعلومات التي ذكرها أبو زكريا الوارجلاني في (( سيرة )) عن ديوان جابر ب زيد، والذي كان موجودا في مكتبة الخليفة العباسي هارون الرشيد.5 كذلك ذكر حاجي خليفة ديوان جابر بن زيد6 لكنه لم يذكر أية معلومات إضافية عن الديوان أو عن مصدر معلوماته عنه. وبما أنه لم يذكر أية مصادر إباضية في كتابه، فمن المحتمل أنه استمد معلوماته عن الإباضية عن الديوان ويعطينا أملا باحتمال اكتشاف أحد أقدم الأعمال عن الحديث، في المستقبل.7 ويجب أخذ المعلومة التالية بعين الاعتبار لدعم القول بأن جابر بن زيد دون الأحاديث وأنواعا أخرى من الأحكام الشرعية نقلا عن الصحابة وبعض زملائه: قال أبو عمرو عثمان بن خليفة السوفي، عن الشيخ يخلفتن بن أيوب، عن أبي محمد: إن ديوان جابر كان في عهدة أبي عبيدة، ثم في عهدة الربيع بن حبيب، ثم في عهدة أبي سفيان محبوب، ثم في عهدة ابنه محمد بن محبوب، وهنه نسخت ( كتب أو مجلدات الديوان ) في مكة. 1 ولعله جدير بالذكر هنا أن كلمة ديوان تستعمل في أماكن كثيرة في الأخبار الإباضية بمعنى أنها مجموعة كتب، لا مجرد كتاب معين بالذات. 2 وحفظت المصادر الإباضية الأولى عددا من الملاحظات بخصوص أصول سرد الأحاديث وتدوينها. وقال أبو عبيدة: لا يؤثر تغيير موقع كلمات في أحاديث الرسول أو الآثار، بأن نقدمها أو نؤخرها إذا بقي المعنى واحدا. ثم سئل: (( ماذا بشأن إضافة أو حذف حروف كالواو أو الألف المهموزة إذا لم يغير ذلك المعنى ؟ )) فقال: (( أرجو أن لا حرج في ذلك )).3 وفي كلام له عمن يؤخذ الدين، قال أبو عبيدة: (( لا ينبغي أن تأخذ العلم من مبتدع لأنه يدعو إلى بدعته، ولا من سفيه يدعو إلى سفهه، ولا ممن يكذب وإن كان يصدق في فتواه، ولا ممن يفرز مذهبه من مذهب غيره )).4 والظاهر أن معرفة الأحاديث ليست ضرورية للعلماء لتدريس العلم، أي الفقه، أو معرفة الأحكام الشرعية. وقد سئل أبو عبيدة عن الشخص الذي لا يحفظ أحاديث الرسول: هل هو ثقة، هل يستطيع أن يدرس العلم ؟ فقال: ( سبحان الله، أكل الناس يحفظون الحديث ؟ بل يؤخذ العلم عن الثقات، وإن كانوا لا يعلمون حديثا واحدا )).5 وبالنسبة لاعتماد الأحاديث، هنالك قولان: الأول يرد في مسائل أبي عبيدة. وقد سئل: هل على السائل أن يتبع فتوى الشخص الموثوق إذا كان قد بناها على حديث منقول عن صحابي ؟ فقال: (( إذا عرفت الحق كان عليك أن تتبعه، وإلا فلا )). ثم أضاف: (( ينبغي أن لا تصغي لرجل يروي لك كل ما سمعه ؛ إنما يجب عليك أن تميز الأحكام الموثوقة، وأن تسأل عمن هو أعلم منه.1 أما بالنسبة للعودة إلى الكتب لإصدار الأحكام الفقهية، فقد سئل أبو عبيدة عن تلك الحالة التي قال فيها رجل عالم لرجل آخر: هذا هو كتابي، خذه وانشره ؛ وأصدر الفتاوى معتمدا ما فيه. فقال: لا يحق للرجل أن يفتي إلا بما كان قد سمعه من الرجل العالم، أو قال إنه رآه في كتاب كذا وكذا.2 وذكر عبد الله بن عبد العزيز أن الأحاديث التي كانت مشهورة بين الصحابة و (( التابعين )) هي التي يجب أن تعتمد، أما الشواذ فينبغي ألا تؤخذ بعين الاعتبار.3 على أي حال، ظهرت في وقت لاحق أصول أخرى تتعلق بالحديث في عمل لأبي يعقوب الوارجلاني هو (( العدل والإنصاف ))، وغالبية تلك الأصول معروفة في كتب السنة عن علم الحديث. ولعل أبا يعقوب جمع بعضها من مدرسية السنة في قرطبة، أو لعل عددا من تلك الأصول انتقل إليه من مراجع إباضية تعود إلى عهود سابقة، أمثال محمد بن محبوب، ووالده أبي سفيان، إذ يقال أن كتبهما وقعت في يديه.4 ولعله من الأهمية بمكان هنا أن نذكر الأصول التي وضعها الإباضيون لتدوين ونسخ كتب الأحكام الفقهية التي منها يمكن إصدار الأحكام الشرعية. والأصول هي أن الناسخ ينبغي أن يكون وليا، وأن الرجل الذي يملي عليه ينبغي كذلك أن يكون وليا. ثم إنه ينبغي لوليين أن يراقبا الإملاء، فيما يراقب وليان آخران الكتابة.5 الجامع الصحيح إن العمل الذي يضم المجوعة الإباضية للأحاديث، بالمعنى الدقيق للكلمة، هو الجامع الصحيح، أو مسند الربيع بن حبيب ؛ والنص الأصلي للكتاب كما وضعه الربيع بن حبيب، ليس بشائع الاستعمال ؛ أما النسخة الشائعة فهي التي أعاد أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني تنظيمها بعنوان (( ترتيب المسند )).1 وفي هذه النسخة الأخيرة روايات إباضية زادها أبو يعقوب وهي تحتل القسمين الثالث والرابع من الطبقات الحالية وتضم روايات الربيع في المسائل الفقهية، وهي كلها في القسم الثالث. أما في القسم الرابع هنالك راويات أبي سفيان محبوب بم الرحيل عن الربيع، وروايات الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم عن أبي غانم الخراساني، مراسيل جابر بن زيد. وفي هذه المراسيل لا يذكر حلقات السند بين جابر والرسول. وأما بالنسبة للقسمين الأولين من المسند، فإنهما يضمان الأحاديث التي تتناول القضايا الشرعية والدينية، مرتبة وفق مجموعات السنة للحديث. والإسناد بين القسمين الأولين هو كما يلي: الربيع بن حبيب – أبو عبيدة – جابر بن زيد – صحابي – الرسول. والصحابة هم بالدرجة الأولى ابن عباس، أبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعائشة وآخرون، ووفقا للربيع، فإن الأحاديث المنقولة عن: عائشة 68 ابن عباس 150 أنس بن مالك 40 أبي سعيد الخدري 60 أبي هريرة 72 أما الأحاديث (( المراسيل )) عن جابر بن زيد فهي 180، وتلك التي عن أبي عبيدة هي 88. وترد الأحاديث عبر الأسانيد التالية: أ- الربيع – أبو أيوب الأنصاري – الرسول. ب- الربيع – عبادة بن الصامت – الرسول. ج- الربيع – ابن مسعود – الرسول، وعددها 92. وبقية الأحاديث التي أضافها أبو يعقوب في القسمين الثالث والرابع هي 261.1 أما مجموعة الأحاديث الإباضية فهي أقل بكثير من مجموعات الأحاديث السنية. وقد أكد الربيع نفسه القول الشهير حول مجموع الأحاديث الموثوقة المنقولة عن الرسول بأنها 4000، منها 900 حول الأصول، والباقي حول الآداب والأخبار.2 أما المجموعة الإباضية بما في ذلك إضافات أبي يعقوب فتضم 1005 أحاديث. ومواد مسند الربيع بن حبيب هي المواد المذكورة في مجموعات السنة نفسها ؛ وغالبية الأحاديث التي رواها الربيع بن حبيب مذكورة في المراجع السنية الأخرى بالنص نفسه، أو بفروق طفيفة. وفي التعليق على المسند أبرز السالمي الأحاديث المذكورة بشكل فريد غير الشكل الوارد في المجموعات السنية، إلا أن هنالك أحاديث أخرى مماثلة تعبر عن الآراء نفسها، تمسى اصطلاحا بالشواهد. على أن هنالك، من ناحية أخرى، في المجموعة الإباضية عددا من الأحاديث المنقولة بإسناد السنية، إذ وصف بعضها بأنه موضوع. والأمر نفسه يقال بالنسبة لعدد من الأحاديث التي تعتبرها المراجع السنية موثوقة، لكنها بالنسبة للمراجع الإباضية ليست أكثر من كذب صريح أو (( بدع )).3 ولم يعتمد الفقه الإباضي خلال تاريخه الطويل إلا على مواد إباضية مروية من قبل علماء إباضيين. أما مجموعات الأحاديث السنية الأخرى فلم تستخدم في أية مرحلة. والواقع أن أول عالم إباضي في شمالي إفريقية ذكر بعض مجموعات الأحاديث السنية في أعماله هو أبو يعقوب الوارجلاني من القرن السادس للهجرة.1 وحتى زمن البرادي كان الإباضيون لا يزالون يثبطون استخدام مجموعات الأحاديث السنية. ونصح البرادي في رسالته (( الحقائق )) الطلبة الإباضيين أن يمتنعوا عن قراءتها ما أمكن2 وهكذا فإن النظام الفقهي الإباضي كان قائما على مواد ترويها المصادر الإباضية فقط. وتطور، خلال تاريخه، في إطار هذه المواد. ولا يمكن فهم طبيعة التشريع الإباضي إلا بدراسة مواده ومراجعه الأصلية، والظروف التي أدت إلى تأسيس الحركة الإباضية ووجهت نموها وتطورها. ونظر الإباضيون إلى الفترة الأولى في عهد الخليفتين الأولين بإعتبارها العصر المثالي الذي بعده أخذت البدع والشهوات الدنيوية تسبب في فساد المجتمع الإسلامي من حيث الحياة الدينية والسياسية ؛ فهدفهم هو التمسك بالمثال الذي سنة الرسول، وخليفتاه والصحابة المستقيمون، وإعادة ترسيخ المجتمع على نفس أسس المجتمع الإسلامي أول. ولذلك اختار الإباضيون مصادرهم من الصحابة و التابعين الذين عاصروهم ورووا الأحاديث والآثار عن أولئك الذين اعتبروهم من وجهة نظرهم، مسلمين حقيقيين. وقد جرح الإباضية عددا من الصحابة ؛ والحجة الإباضية لهذا الموقف مذكورة في (( العدل والإنصاف )) للوارجلاني3 وهنالك عمل آخر خاص بهذا الموضوع، هو (( كتاب التخصيص )) للعلامة العماني أحمد بن عبد الله النزوي ( ت 557 / 1161 ). وبالنسبة للتابعين ولتابعيهم، حتى زمن قيام المذاهب الشرعية المختلفة، فقد كانوا جميعا متأثرين بالفتنة الأولى، وكانوا إما شيعة لعلي أو مؤيدين لمعاوية وسلالة بني أمية، أو مناصرين لفئة المحكمة ؛ وكان كل فريق يرعى مجموعة خاصة به، ويتجنب الآخرين 1. هكذا صنف الإباضيون المجتمع الإسلامي واختاروا بعناية مراجعهم التي تلقوا منها المعلومات عن سنة الرسول وآثار الصحابة، وعليها بنوا فقههم. والمادة الأصلية للفقه الإباضي محفوظة في الأعمال التالية: 1- الجامع الصحيح، للربيع بن حبيب. 2- المدونة لأبي غانم بشر بن غانم الخراساني. 3- الديوان المعروض على علماء الإباضية. 4- روايات ضمام.2 ألفه صفرة عبد الملك بن صفرة. 5- فتيا الربيع بن حبيب.-3 6- كتاب نكاح الشغار لعبد الله بن عبد العزيز. 7- كتب ورسائل الإمامين الأولين للمذهب الإباضي، جابر بن زيد، وأبي عبيدة مسلم.4 وجميع الأعمال الإباضية التالية جاءت – إلى حد ما – مبنية بالدرجة الأولى على المواد المحفوظة في الأعمال المذكورة أعلاه. ورغم أن مخطوطاتها لا تزال موجودة فإنها لم تخضع لدراسة أكاديمية حتى الآن. إن نشرة علمية دقيقة وأكاديمية لهذه الأعمال ستكون ذات قيمة كبيرة. ولعله من المفيد أن نقدم هنا ملاحظات موجزة عن بعضها، على أمل أني صار في وقت لاحق إلى دراية تفصيلية لها. 1- المدونة لأبي غانم بشر بن غانم الخراساني: ثمة دليل على أن الآراء الإباضية وصلت منطقة خراسان في الأيام الأولى للحركة الإباضية .1وفي القرن الثاني للهجرة برز عدد من العلماء الإباضيين الذين لقبوا بالخراسانيين، إما بالولادة، أو بالإقامة، وأسهموا بحفظ العقيدة الإباضية وتدوينها عن أبي عبيدة مسلم2. وبين هؤلاء عالم متأخر من حيث الزمن، هو أبو غانم مؤلف (( المدونة )) ؛ عاش في الفترة الواقعة بين بداية النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة والعقود الأولى من القرن الهجري الثالث ( نحو 148 / 765 – 205 / 820 ) درس في البصرة على أيدي طلاب أبي عبيدة، وألف (( المدونة )) نحو نهاية القرن الثاني للهجرة. رحل إلى تاهرت يحمل نسخة من (( المدونة )) وقدمها للإمام الرستمي الثاني، عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ( ت 190 / 805 ).3 وقد جرت هذه الرحلة إلى شمالي إفريقية نحو نهاية القرن الثاني للهجرة، في أثناء عهد عبد الوهاب. محتويات المدونة:4 تحتوي المدونة على آراء العلماء الإباضيين التالية أسماؤهم ورواياتهم: الربيع بن حبيب ؛ أبو المهاجر هاشم بن المهاجر ؛ أبو المؤرخ عمرو بن محمد ؛ أبو سعيد عبد الله بن عبد العزيز ؛ أبو غسان مخلد بن العمرد ؛ أبو أيوب وائل بن أيوب ؛ حاتم بن منصور ؛ ابن بعاد المصري، وأبو سفيان محبوب بن الرحيل. وكان هؤلاء جميعا قد درسوا على يدي أبي عبيدة في البصرة ؛ وهم من أصول مختلفة ؛ ثم استقروا في وقت لاحق في أماكن مختلفة. كان أبو المؤرخ من قدام في اليمن ؛1وابوالمهاجرمن حضر موت , وقد استقر في الكوفة ,2 وأبو عباد المصري، مصري الأصل لكنه عاد، بعد إكمال دراساته في البصرة إلى مصر، واستقر فيها.3 وفي الطريق إلى تاهرت دون أبو غانم بعض الآراء التي تنسب إلى ابن عباد، عن الإباضيين في مصر، ثم ضمها في المدونة.4 وأبو أيوب وائل بن أيوب من حضرموت ؛5 شارك في حروب عبد الله بن يحيى الكندي في اليمن، وفي إقامة الإمامة الإباضية في حضرموت ؛ وكان عضوا في الوفد الذي أرسل إلى مكة باسم المجموعة الإباضية التي عارضت عبد الله بن سعيد، إمام حضرموت، للتفاوض بشأن الانشقاق بين المجموعتين الإباضيتين في حضرموت مع الأئمة الإباضيين في البصرة.6 واستقر في وقت لاحق في البصرة، ثم أصبح رئيس شيوخ الإباضيين في العراق، بعد أن ذهب الربيع بن حبيب إلى عمان.7 أما بالنسبة لحاتم بن منصور، وعبد الله بن عبد العزيز وأبي غسان مخلد بن العمرد، فلا يعرف شيء عن أصولهم، ولكنهم عاشوا في البصرة، ودرسوا على يدي أبي عبيدة وقدموا الكثير، ولا سيما عبد الله بن عبد العزيز منهم من أجل تطوير الفقه الإباضي. ودون أبو غانم المدونة عن العلماء المذكورة أسماؤهم أعلاه إما بسماع آرائهم مباشرة، أو بنقلها عمن قد سمعها عنهم.1 والمدونة مقسومة إلى اثنى عشر كتابا ؛2والمدونة مقسومة الي اثني عشر كتابا,3 وكل كتاب يحتوي على عدد من الأبواب. وفيما يلي جدول بكتب (( المدونة )): 1- كتاب الصلاة. 2- كتاب الزكاة. 3- كتاب الصوم. 4- كتاب النكاح. 5- كتاب الطلاق. 6- كتاب الهبة والهدية. 7- كتاب الوصايا. 8- كتاب الديات. 9- كتاب الأشربة والحدود. 10- كتاب الشهادات. 11- كتاب البيوع. 12- كتاب الأحكام والأقضية. والمخطوطة التي استخدمتها هنا لهذه الدراسة تضيف كتابا آخر عنوانه كتاب (( البيوع والأقضية )). وتغطي (( المدونة جميع الموضوعات التي عالجها العلماء الإباضيون في العصر الذهبي للفقه الإباضي.ولعله من الممتع بعض الشيء أن نذكر هنا أن في المدونة مادة قليلة عن موضوع الحج، وهو الذي يعطي عادة عناية كبيرة في أعمال من هذا النوع. على أي حال، قدمت المدونة آراء الإباضية حول الشؤون الدينية والشرعية، والفروق في الرأي، ووجهات نظر العلماء الإباضيين، وآراءهم التي تتعلق بالفروق المشهورة في آراء علماء السنة. كما تعطي عرضا واضحا لتطور الفقه الإباضي في أزمنته الأولى. ولقد أبدي علماء الإباضية اهتماما كبيرا بالمدونة. وكتبت عنها التعليقات باللغتين البربرية والعربية,1 وهنالك مصادر إباضية تذكر تعليقا لأبي القاسم بن ناجد أو ناصر.2 وكان محمد بن يوسف اطفيش آخر من علق على المدونة. فأعاد ترتيب مادة الكتاب، وأدخل إضافات على النص. ويذكر العالم العماني المعاصر، محمد بن عبد الله السالمي، أن عمل اطفيش هذا يعرف بأنه المدونة الكبرى فيما تميز المدونة الأصلية لأبي غانم باسم المدونة الصغرى ،3 ويشار إليها في المصادر الإباضية بالغانمية.4 2- الديوان المعروض على علماء الإباضية: خلال قيامي بالبحث في (( جربة )) اكتشفت نسختين من هذا العمل، وهنالك نسخة ثالثة منه في دار الكتب في القاهرة.5 ومصدر نسخة القاهرة أصلا من جربة. ويحتمل أن دار الكتب حصلت بطريقة ما على نسختها من المجموعة الإباضية لمخطوطة وكالة الجاموس، وهي وقف أنشيء للطلبة الإباضيين الذين يقصدون مصر للدارسة في الأزهر. ويضم هذا العمل عددا من الكتب المتعلقة بالمراجع الإباضية، كما أنه يضم روايات من مراجع مختلفة في البصرة، والكوفة، والمدينة، تتعلق بموضوعات فقهية متنوعة. ويرد عنوان هذا العمل في بعض أقسام المخطوطة كما ورد أعلاه. ومؤلف هذا العمل غير معروف، لكنه يظن أنه من تأليف أبي غانم مؤلف المدونة، لأن الكثير من الأعمال الواردة في هذه المخطوطة الكبيرة منقولة عن مصادر المدونة نفسها. جدول المحتويات: كتاب أقوال قتادة وهو في سبعة أقسام، ويحتوي الكتاب بالدرجة الأولى روايات عن (( التابعي )) قتادة بن دعامة السدوسي1 حول موضوعات متنوعة، فقهية ودينية. القسم الأول: روايات تتعلق بالدرجة الأولى بالوضوء، وبالصلاة. القسم الثاني: روايات تتعلق بالزكاة، والصوم، والشراب، وكذلك روايات عن الربيع بن حبيب تتعلق بالنكاح. القسم الثالث: النكاح والطلاق، وروايات عن الربيع بن حبيب حول موضوعات مختلفة. القسم الرابع: الشراب، والذبائح، والصيد، الخ.... القسم الخامس: روايات عن عمر بن هرم عن جابر بن زيد حول موضوع النكاح. القسم السادس: روايات قتادة التي تتناول البيوع، والنكاح والحج. كذلك يضم روايات عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد حول النكاح. القسم السابع: روايات عن قتادة في باب الوضوء. يتلو القسم السابع كتاب جابر بن زيد عن الصلاة، كما رواه حبيب بن أبي حبيب1 وفي بعض النسخ نجد كتاب جابر في القسم السابع من أقوال قتادة. ويختلف ترتيب الكتب بين هذه المخطوطات للديوان المعروض. وفيما يلي الأعمال الموجودة فيها، أو في بعضها، بصرف النظر عن ترتيبها في كل مخطوطة من المخطوطات. 1- القسم الأول من آثار الربيع، ( روايات ضمام ).2 2- القسم الثاني من فتيا الربيع بن حبيب.3 3- كتاب نكاح الشغار لعبد الله بن عبد العزيز ؛ أربعة أجزاء. 4- كتاب النكاح لجابر بن زيد.4 5- كتاب الصيام، وهو يبدأ بروايات أبي المؤرخ عن شيخه أبي عبيدة على شكل أسئلة وإجابات. وبعد العنوان التالي: (( باب اختلاف العلماء في الصيام )) ترد آراء مختلف العلماء حول الموضوع، منوهة بالآراء التي يعتمدها الأئمة الإباضيون، لاسيما أبو عبيدة. 6- (( كتاب الممتنعين من الحدود من الإمام )). وفي مخطوطة القاهرة (( كتاب العمال ومن يلي على الناس )). والكتاب يتناول بالدرجة الأولى موضوع الإدارة وواجبات الأئمة والحكام وعلاقاتهم برعيتهم. والظاهر أن هذا الكتاب هو جزء من كتاب الإمامة الذي يتناول موضوعات مماثلة، لكنه غير موجود في مخطوطة القاهرة، وهو غير كامل في مخطوطة البارونية. 7- كتاب كفارات الأيمان، أحكام تنسب للكوفيين. 8- كتاب الوصايا، روايات عن أبي عبيدة مسلم. 9- كتاب الديات. 10- كتاب القسمة وتفنين أصولها، أحكام تعزى إلى الكوفيين. 11- كتاب البيوع. 12- أبواب الحدود. 13- الأحكام. 14- كتاب الشفعة وتفنين أصولها. 15- كتاب الجعل والإجارات، آراء تعزى إلى أهل المدينة. 16- كتاب القضاء في القراض، أقوال تنسب إلى أهل المدينة. 17- كتاب القضاء في التفليس والعيوب. 18- كتاب الديات، آراء تعزى إلى الكوفيين. 19- كتاب الكفالات. 20- كتاب الودائع والعارية، أقوال تنسب إلى الكوفيين. 21- كتاب العارية. 22- كتاب الشهادات. وهناك أيضا رسالة أبي عبيدة مسلم بشأن الزكاة.1 و (( كتاب ذكر مسائل الحيض وتلخيصها )). ومؤلف هذا العمل الأخير غير معروف ؛ والظاهر أنه مؤلف في وقت لاحق بعد الأعمال السابقة. وباستثناء هذا الكتاب الأخير، فإن جميع المواد الموجودة في هذا المجموع الضخم منقولة عن مراجع إباضية قديمة وهي تغطي كل المسائل الدينية والفقهية التي نشأت خلال القرنين الأولين من الإسلام. كذلك يحتوي الكتاب على الروايات الشائعة عن موضوعات مختلفة من المراجع الكوفية والمدنية، مدروسة ومنقودة من قبل علماء الإباضية في البصرة. والقسم الكبير من مواد هذه الأعمال منقول عن المراجع ذاتها التي اعتمد عليها أبو غانم الخرساني في مدونته ؛ وتلك حقيقة تدعم القول بأن العمل الحالي الذي نناقشه هنا سجله أبو غانم أيضا. والخلاصة النهائية بشأن هذه القضية بحاجة إلى إثبات إضافي ؛ ويساعد اكتشاف مخطوطة كاملة بحالة جيدة لهذا العمل مساعدة كبيرة في هذا الإطار 3- كتاب نكاح الشغار لأبي سعيد عبد الله بن عبد العزيز: يشكل هذا الكتاب قسما من المخطوطة السابقة، ومن المحتمل أنه كان في الأصل قسما من الديوان المعروض. وبما أنه مروي عن عبد الله بن عبد العزيز، فقد نسب إليه كما في حالة (( كتاب أقوال قتادة )) والكتاب يتألف من أربعة أقسام، والقسم الثالث مفقود في نسخة مخطوطة القاهرة وفي نسخة إحدى مخطوطات البارونية. والكتاب يتناول موضوع الزواج والطلاق والمسائل الفقهية المتعلقة بهما معا. وهو ينتهي بالقول التالي: (( هذه نهاية كتاب النكاح من أقوال ابن عبد العزيز عن أبي نوح صالح الدهان وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة مع الآثار التي توجه بالقياس مما لا يترك أي شك في الأذهان، أو أي ريبة لدى أهل الفهم. وهو يسمى كتاب الشغار ؛ والشغار تعني أن الرجل يزوج ابنته لرجل آخر مقابل ابنة ذلك الآخر بدون تحديد أي مهر. وإذا كان الأمر كذلك، فهو محظور )).1 وألحق بهذا الكتاب في المخطوطة نفسها كتاب النكاح لجابر بن زيد، وفي العملين معا عرض للآراء الإباضية القديمة والأصلية حول موضوع الزواج، وهو الموضوع الذي وصف فيه ابن عباس جابر بن زيد، مؤسس المذهب الإباضي، بأنه (( المرجع الأفضل )).1 وتشكل هذه الأعمال المذكورة أعلاه العمود الفقري للفقه الإباضي في القرنين الأولين. وهي تحتوي عرضا واضحا ومفصلا للجهود التي بذلها العلماء الإباضيون الأوائل في تطوير مذهبهم. والدراسة الحالية لطبيعة مذهب الفقه الإباضي، وللوسائل التي اعتمدها مؤسسوه مبنية بالدرجة الأولى على تلك الأعمال؛ وهكذا فإنه يمكن إعطاء عرض واضح للآراء الإباضية الخالصة قبل احتمال وقوع أي اتصال مباشر بين المذهب الإباضي ومذاهب الفقه الإسلامية الأخرى التي تأسست في وقت لاحق. لقد تكلمنا عن دور السنة باعتبارها المصدر الثاني للفقه. أما الرأي فقد ذكره جابر بن زيد في مناسبات متعددة. وهنالك العديد من الإثباتات على أنه لجأ إلى الرأي في إصدار الأحكام الشرعية. وقد ذكر عدد من المصادر الإباضية والسنية قولا له يتعلق بتسجيل آرائه، هو كما يلي: (( إنا لله، يكتبون ما قد أرجع عنه غدا )).2 كذلك أنكر جابر على نفسه حق الرأي في مسألة سبق للصحابة أن أصدروا آرائهم فيها..3 وتدل هذه المقتطفات، على أي حال، أن جابرا لجأ إلى رأيه الخاص حين لم يرو عن الصحابة أي رأي. إن أسبقية الأحكام التي أصدرها الصحابة مبدأ معترف به بين المراجع الإباضية. وقد عبر جابر بن زيد عن هذا الرأي في إحدى رسائله كما يلي: (( ورأي من قبلنا أفضل من رأينا الذي نرى، لم يزل الآخر يعرف للأول فضله، وكانوا أحق بذلك المهاجرين مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والتابعين لهم بإحسان، فقد شهدوا وعلموا، فالحق علينا وطء أقدامهم وإتباع آثارهم.1 وهنالك المزيد من الإثباتات التي يمكن ذكرها هنا لتبرير هذا الموقف لجابر.2 وإذا ما اختلف الصحابة فيما بينهم، احتفظ جابر لنفسه بحق اختيار ما يفضله من أحكامهم. وفي مثل هذه الحالات يتبع عادة رأي شيخه ابن عباس.3 أما بالنسبة لأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة4 فقد سبق أن ذكرنا أنه عزا آراء مذهبه إلى الصحابة عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن سلام، وهؤلاء هم الذين وصفهم بأنهم (( الراسخون في العلم )). كذلك ذكر (( أن أولئك الذين يملكون الذكاء والفهم لا يهتمون بالآراء ووجهات النظر التي ظهرت بعد عهد الصحابة. هدف الذين في عبادتهم فقط أن يعنوا بما حدث بعد الصحابة )).5 ومع أن جابر بن زيد كره تسجيل أحكامه خشية أن يغيرها، فإنه لم يعارض استعمال الرأي لتكوين الحكم الشرعي حول قضايا لم يتناولها القرآن أو السنة. غير أن خلفه أبا عبيدة نهى عن استعمال الرأي في تكوين الأحكام الشرعية. وحين قيل له إن أهل عمان يصدرون أحكاما شرعية على أساس الرأي، قال معلقا: (( ما نجوا من الفروج والدماء )).6 و والطريفة المقبولة بين المراجع الإباضية الأولى بخصوص تكوين الأحكام الفقهية هي أن الحكم في أية مسألة شرعية يجب أن يكون مبنيا بالدرجة الأولى على القرآن. وإذا لم يكن هنالك حكم مستمد من القرآن، فالواجب العودة إلى السنة. وإذا لم تعالج السنة ذلك، فإنه يجب الرجوع إلى (( إجماع الصحابة )) ؛ أما إذا اختلف الصحابة فيما بينهم في أحكامهم، فيجب إذ ذاك ممارسة أقصى الحذر في اختيار أفضل أحكام الصحابة. وعلى أي حال، فحين لا يمكن أن يستمد أي حكم سابق حول القضية من القرآن، أو السنة، أو آراء الصحابة، فيجب إذ ذاك أن يستمد من آراء المراجع الأولى في المذهب الإباضي، ويجب إتباع الرأي الأفضل.1 وهنا يذكر أن الآراء السابقة للصحابة أو للمراجع الأولى لا يجوز أن تمهل.2 وقد مارست المراجع الإباضية الأولى اهتماما شديدا في إتباع الآراء السابقة حين تكون سليمة. وقد قال عبد الله بن عبد العزيز المعروف بولعه بالقياس وبالرأي، في مناسبات عدة أنه لن يلجأ إلى رأيه الخاص حيث يروي رأي سليم عن أسلافه.3 وبانقضاء ثلاثة عقود من القرن الثاني للهجرة كانت الآراء الإباضية بخصوص معظم المسائل الشرعية والدينية قد استقرت، وقد وقعت هذه المرحلة خلال السنوات الأخيرة لأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة. ويقال إن العمال النفوسي، ابن مغطير الجناوني الذي درس على يدي أبي مسلم في البصرة قبل (( حملة العلم )) الخمسة، امتنع عن إصدار الأحكام الشرعية عند وصول هؤلاء من البصرة. وسبب اتخاذه هذا الموقف هو أنه درس على أبي عبيدة قبل أن يحدد هذا الأخير رأيه النهائي بخصوص الآراء المختلفة التي درسه إياها، فيما كان (( حملة العلم )) قد درسوا على أبي عبيدة بعد أن حرر المختار عنده من الأقوال )).4 ومن طلاب أبي عبيدة، أبو المؤرخ وعبد الله بن عبد العزيز وقد دأبا على معارضة شيخهما في آرائه المؤسسة على القياس.5 وكان من شأن هذا الموقف من قبل العالمين الإباضيين أن أثار زملاءهما عليهما.1 وقبل انقسام المذهب الإباضي، كانت آراء الربيع بن حبيب هي التي تتبع ،2 عند اختلاف طلاب أبي عبيدة. أما في وقت لاحق فقد وجد عبد الله بن عبد العزيز وأبو المؤرخ أتباعا لهما في المجموعة النكارية التي تبنت وجهة نظرهما في الفقه.3 وبرغم الاختلاف بين المراجع الإباضية الأولى حول الرأي والقياس، فإن هذه المبادئ أصبحت جزاء من أساليب معترف بها في الفقه أو الإجراء الإباضي. وقاموا بقوة الاعتماد على التقليد، فعلى الذين يبلغون المستوى المطلوب من العلم أن يستخدموا الرأي. وبين أقدم الأعمال للإباضيين في شمال إفريقية حيث جمعت أصول الاجتهاد وبوبت، وكتاب (( التحف )) لأبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي.4 وفي كلام عن مسألة اجتهاد الرأي، قال أبو الربيع بعد الإشارة إلى وجهات النظر المختلفة الناشئة بسبب الرأي، إن الإباضيين يعتقدون أن هنالك رأيا واحدا فقط يمكن له أن يكون الصواب ؛ وإذا ما بذل المسلمون جهدهم للوصول إلى الحكم الصائب لكنهم أخفقوا، فإنهم يكافأون على جهودهم ولا يحاسبون على الحكم الخاطئ. والقضايا التي يسمح فيها بالرأي هي التي لم تعالج في القرآن أو السنة أو من قبل المراجع السابقة.5 والشخص الذي يسمح له باستخدام رأيه ينبغي له أن يكون عالما بالقرآن وبالسنة وبآراء المراجع السابقة. مثل هذا الشخص له الحق باستعمال الرأي وتكوين الأحكام الشرعية ومن ينكر عليه هذا الحق يكون كافرا. أما الشخص غير المؤهل فليس له أن يلجأ إلى الرأي ؛ والذي يبيح له مثل هذا الحق يكون (( كافر نعمة )) والشخص الذي يلجأ إلى رأيه في حالات تناولها القرآن أو السنة، أو إجماع المسلمين، وعارضها، فإنه ضال.1 وختم أبو الربيع سليمان بن يخلف ملاحظاته حول هذا الموضوع بالقول التالي: (( الرأي مسموح به لكل عالم في كل حين، ومحظور على مل جاهل في كل حين )).2 وأبواب الاجتهاد مفتوحة دائما عند الإباضية ؛ وهي لم توصد في أية مرحلة على أي شخص مؤهل. وبالنسبة للاختلاف حول الآراء نتيجة الرأي في حالات ذات صلة بالفروع، يرى الإباضيون، أن رأيا واحدا فقط يمكن له أن يكون صوابا، ومباح للمسلمين أن يتبنوا آراء أخرى إذا رأوها محقة، إلا أن ذلك، في الواقع غير مباح ما لم يبذلوا جهدهم لبلوغ الرأي الصحيح.3 مثل هذا المبدأ رواجه في وقت لاحق معارضة من قبل عالمين إباضيين أسسا مجموعتين خاصتين بهما: نفاث بن نصر مؤسس النفاثية وأحمد بن حسين مؤسس الحسينية.4 فهما يعتبران أن الرأي الصواب فقط هو الذي يجب أن يتبع، وأن أولئك الذين يتبعون أية آراء أخرى هم آثمون.5 هذه النظرة من قبل نفاث وابن الحسين مرفوضة من قبل بقية علماء الإباضية على أساس أن الخلاف في الرأي في حالات الفروع وقعت بين الصحابة، وقد اعتبروا أنه شرعي لكل واحد أن يحتفظ برأيه بصرف النظر عن كونه الرأي المصيب، أم لا ؛ ولم يختلف الصحابة فيما بينهم على ذلك.6 واحتل القياس مكانة باعتباره أسلوبا مسلما به بين المراجع الإباضية لإصدار الأحكام الشرعية منذ النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة. وقد مورس إلى حد كبير من قبل طلبة أبي عبيدة، لا سيما من قبل عبد الله بن عبد العزيز وأبي المؤرخ. ومع أن الربيع بن حبيب وفئته عارضوا القياس وعرفوا بتمسكهم الشديد بالآثار,1 فإن أسلوب القياس اعترف به في وقت لاحق من قبل جميع الإباضيين واعتمد بصورة واسعة. وذكر الوارجلاني أن علماء الإباضية كانوا عارفين بمختلف أنواع القياس، بما فيها الاستحسان الذي مارسته المراجع الإباضية في عدد من الحالات.2 وأشار الوارجلاني إلى أهمية الرأي والقياس في المذهب الإباضي في (( العدل والإنصاف )).3 ولقد كان مبدأ مسلما به بين الإباضيين. وقد ظهر تطبيق هذا المبدأ في الأصول والشرائع التي وضعها المراجع الإباضية لمسلك الكتمان في مجتمعهم.4 وعلى أساس القياس كان الإباضيون ينظرون إلى مسلك الكتمان في حركتهم باعتباره مماثلا للمرحلة الموازية في حياة الرسول والمجتمع الإسلامي أثناء الفترة المكية، ولذلك علقوا جميع الحدود وحصروا تنفيذها بسلطة إمام (( الدولة القائمة ))5. وكذلك علقت صلاة يوم الجمعة في غير (( الأمصار السبعة )).6 وهنالك خلاف في الرأي حول الجهاد إذ سمح به البعض وحظره آخرون.1 وكانت عقوبة الموت بغير الرجم صحيحة أثناء مرحلتي الكتمان والظهور.وكانت هذه العقوبة تشمل: ( 1 ) المرتد ( 2) والطاعن في الدين ( 3 )والجناة ( 4 ) وأولئك الذين يرفضون سلطان الشريعة ومانعي الحق أو الذين يرفضون للآخرين استعادة حقوقهم. هؤلاء جميعا يجب قتلهم بالجلد أو بالسلاح، باستثناء سافكي الدماء، وكان لولي الجاني الأقرب ( ولي الدم ) أن يقرر كيف يجب تنفيذ العقوبة. ثم إن الزعم غير المثبت بأن الزوجة زانية ( اللعان )، وإنكار الزوج لأبوة الطفل الذي تلده امرأة متهمة باللعان بسبب اللعان معلق لا يعمل به أثناء فترة الكتمان. وبالنسبة لواجب الولاية، فقد كانت ولاية الأشخاص وولاية البيضة ( أي عاصمة الحكم ) معلقين أثناء مرحلة الكتمان. وجميع هذه الأصول والأحكام التي كانت توقف تنفيذ تشريعات كثيرة مستمدة من القرآن والسنة، كانت تستند إلى الرأي والقياس فقط.2 ووفقا للوارجلاني فـ (( إن جميع أو غالبية أحكام الكتمان مبنية على الاستحسان )).3 وبعض الأمثلة على الفوارق بين المذهب الإباضي والمذاهب الإسلامية الأخرى في الأحكام الفقهية: ذكر الأستاذ شاخت (( أن الفروق المعترف بها في الشرع الإسلامي من قبل الفرق الإسلامية السابقة، كالخوارج، والشيعة، لا تختلف عن عقيدة مدارس الفقه والسنة بأكثر مما تختلف هي فيما بينها )).4 كذلك لحظ أن (( النتيجة المترتبة على عقائد الخوارج الأول لم تكن، على ما هو واضح، جزءا من النظام الشرعي المعترف به من قبل الإباضيين... ))1 ثم أضاف: (( وفيما يعود التاريخ السياسي للإباضيين إلى منتصف القرن الأول للهجرة، فإن فقههم مستمد من المذاهب السنية في وقت لاحق بعد ذلك بزمن طويل )).2 لا ريب أن الاستنتاج الأخير متسرع فالإباضيون لم يتبنوا عقيدة الخوارج الأولى لكنهم طوروا عقيدتهم الخاصة بهم بعيد عن مجموعات الخوارج التي انفصلت عن الأصل نفسه لفئة المحكمة القديمة. كذلك لم يستمد الإباضيون شرعهم من المذاهب السنية لأن شرعهم كان قد ترسخ قبل أن تظهر المذاهب السنية إلة الوجود. وحين توفي جابر بن زيد مؤسس المذهب الإباضي، كان مالك بن أنس، صاحب المذهب المالكي في نحو الثالثة من العمر.3وكان ابو حنيفة صاحب المذهب الحنفي في نحو الثانية عشرة من العمر .4 ويعود التشابه في الآراء بين جميع المذاهب الإسلامية إلى أصلها الواحد الذي استمدت منه أنظمتها الشرعية: القرآن والسنة، والإجماع. وأشار كولسون إلى أن فقه الخوارج نظام متماسك بروحيته وطابعه.5 ثم وافق على وجهة نظر شاخت بما يتعلق بالفروق بين النظامين الفقهيين السني والإباضي، قائلا إن (( القسم الأكبر من فقه الخوارج ( بما في ذلك الإباضية ) وعقائده الأساسية بالطبع، يمكن أن يجد دعما وافيا له بين فقهاء السنة )).6 ولما كان الإباضيون قد استمدوا نظامهم الفقهي من المصادر ذاتها للمذاهب الأخرى، أي من القرآن، والسنة، والإجماع، استعملوا نفس الأساليب تقريبا للاجتهاد في تكوين الأحكام التي لم تناولها المصادر السابقة ؛ فإن الفروق التي ظهرت بين نظامهم الفقهي وأنظمة المذاهب الإسلامية الأخرى محصورة في الفروع. وقد نشأت هذه الفروق في حالات كانت فيها للإباضيين أحاديث ورتها مراجعهم ولم توافق في الرأي في تفسير المصدرين الرئيسين، القرآن والسنة. الخصائص البارزة في الفقه الإباضي ونقدم في الصفحات التالية عرضا موجزا لعدد من الخصائص البارزة في الفقه الإباضي لكي نمثل لطبيعة الخلاف ومداه. 1- المسح على الخفين كجزء من الوضوء: أ- المسح على الخفين ( بدلا من غسل القدمين كجزء من الوضوء ). هذه المسألة ناقشها شاخت بتفصيل كنقطة خلاف مميزة بين الشيعة الذين يرفضونها والسنة الذين أجازوها.1 رفض الإباضيون بالإجماع المسح على الخفين. وقد قال جابر بن زيد بالنسبة لهذه القضية: (( كيف يمسح الرجل على خفيه والله تعالى يخاطبنا في كتابه بنفس الوضوء )).2 وفي رأي المراجع الإباضية أن الحديث الذي يتعلق بالمسح على الخفين أبطل بآية الوضوء في سورة المائدة: ( يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ).3 وبين الصحابة الذين يروي الإباضيون عنهم أنهم رووا الحديث الذي يقر بصحة المسح لكنهم قالوا أبطل، علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس و بلال، وأبو هريرة، وعائشة.1 ويقال أيضا أن سعيد بن جبير الذي قال للحجاج بأن يعتمد المسح تخلى عن رأيه وزعم أنه قال ذلك لخوفه من الحجاج.2 ومن ناحية أخرى روى الإباضيون عددا من الآثار ترفض المسح على الخفين. 1- أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس: (( ما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مسح على خفه قط )).3 2- أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة أنها قالت: (( ما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مسح على خفه قط، وإني وددت أن يقطع الرجل رجليه من الكعبين أو يقطع الخفين من أن يمسح عليهما ))4 3- أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة أنها قالت: (( لأن أحمل السكين على قدمي أحب إلي من أن أمسح على الخفين )).5 4- أبو عبيدة عن جابر بن زيد قال: (( أدركت جماعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألتهم هل يمسح رسول الله عليه السلام، على خفيه، فقالوا: لا ؛ قال جابر: كيف يمسح الرجل على خفيه والله تعالى يخاطبنا في كتبه بنفس الوضوء ؛ والله أعلم بما يرويه مخالفونا في أحاديثهم ؟ )).6 ورأي الإباضيون بخصوص مسألة المسح على الخفين، مختلف كل الاختلاف عن رأي السنة الذين أجازوا المسح، أثناء السفر عند البعض، وأثناء الإقامة والسفر عند البعض الآخر. وقد تبنى المذهب الشيعي... رأي الإباضيين حول هذه المسألة..1 2- الصلاة : نقاط الاختلاف الرئيسة حول هذا الموضوع ثلاث: 1- تتعلق النقطة الأولى بقراءة القرآن في صلاة الظهر والعصر. وفي فقه الإباضية أن سورة (( الفاتحة )) هي التي يجب أن تقرأ في الركعتين الأوليين معا، وفي الركعتين التاليتين، وهو رأي يعزى إلى جابر بن زيد.2 وهذا الموقف مدعوم بحقيقة أنه في جميع الركعات السرية من الصلوات الأخرى كالركعة الثالثة من صلاة المغرب، وفي الركعتين التاليتين من صلاة العشاء، لا تقرأ غير سورة الفاتحة فقط، وأن كل صلاة أو ركعة من صلاة لا تقرأ فيه غير سورة الفاتحة تقرأ بصمت سواء كانت الصلاة في الليل أو في النهار ؛ أما في صلاة الجمعة والعيد فإن القراءة فيهما، برغم أنها في النهار، يجب أن تكون جهرية بسبب قراءة السور الأخرى فيها إلى جانب الفاتحة. وبما أن صلوات العصر والظهر سرية فإن الأصول ذاتها هي التي يجب أن تطبق. وهكذا فقد اتبع الإباضيون رأي الذين رفضوا قراءة السورة إلى جانب الفاتحة في صلوات الظهر والعصر.3 2- ونقطة الخلاف الثانية هي القنوت ( أي لعن الخصوم السياسيين أثناء الصلوات ).4 وتقر مذاهب السنة والشيعة بصحة ذلك. أما الإباضيون فإنهم يرفضون القنوت ويرون أن الصلاة مع الأئمة الذين يمارسون القنوت لا تصح وأن تلك الصلاة ينبغي لها أن تعاد.5 ويروي عن عمرو بن هرم أنه قال: (( سئل جابر بن زيد عن القنوت في صلاة الفجر والوتر فقال: إنها بدعة ابتدعها الناس، إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يقنت قط في صلاته ولا الخليفتين بعده.1 3- ونقطة الخلاف الثالثة هي بشأن صلاة السفر. هنالك عدد من النقاط التي يختلف فيها الإباضيون عن بعض مذاهب السنة أو عن كلها. أ- يعتبر قصر الصلاة أثناء السفر فرضا من قبل الإباضية، وعتمدا الكوفيون والحنفية هذه النظرة نفسها، وعد المالكية القصر في السفر سنة. على أن هنالك رأيين آخرين حول هذه المسألة: الأول هو أن القصر رخصة، والمفضل أن تكون الصلاة كاملة تامة. والثاني هو أن القصر الصلاة في السفر مسألة اختيارية. وكل الصلاة نظر مما ذكر أعلاه مبنية على أحاديث منسوبة إلى الرسول عليه السلام.2 ب- المسافة التي يبدأ بها تنفيذ القصر. قال الإباضيون وبعض الكوفيين والظاهرية بأنها فرسخان، أي نحو ستة أميال. ويستند هذا الرأي إلى حديث يرويه أنس بن مالك عن الرسول ؛ ثم إن الصحابيين علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس قالا بهذا الرأي أيضا. أما مالك والشافعي وأهل المدينة فقالوا إن المسافة ينبغي أن لا تنقص عن أربع رحلات، أي ما يعادل مسيرة يوم، ف يحين أن بعض الكوفيين وأبا حنيفة قالوا بأن السفر ينبغي أن لا يقل عن ثلاثة أيام، ونسبوا رأيهم هذا إلى ابن مسعود.3 ج- الوقت الذي بعده ينبغي (( للمسافر )) أن يصلي الصلاة التامة. في رأي الإباضيون أن (( المسافر )) ينبغي أن يواصل قصر صلاته حتى ولو بقي إلى الأبد في المكان الذي سافر إليه، ما لم يتخذه وطنا له، أو ما لم يملك – كما قال ا[و عبيدة مسلم بن أبي كريمة – منزلا له فيه. غير أن المالكية والشافعية ارتأوا أن على (( المسافر )) أن يكمل صلاته إذا قرر المقام أربعة أيام أو أكثر ؛ أما أبو حنيفة وسفيان الثوري فقالا إنه عليه أن يكمل صلاته إذا قرر البقاء مدة خمسة عشرة يوما. وحكم الإباضيين مبني على ممارسة عدد من الصحابة، كابن عمر الذي يروي عنه أنه بقي في أذربيجان ستة أشهر، أو بناء على رواية أخرى، سبعة عشر شهرا، وهو يقصر في صلاته. ويروي أيضا عن إبراهيم النخعي أن علقمة بن قيس، صاحب ابن مسعود، بقي في خوارزم سنتين وهو يقصر في صلاته، وأن الصحابي سعد بن أبي وقاص وعددا من صحابة الرسول بقوا في القادسية مدة طويلة وهم يقصرون. وفي رأي الجيطالي أن الفرق في هذه القضية يعود إلى أن الرسول لم يحدد وقتا معينا لذلك.1 3- الصوم: نقطة الخلاف الرئيسة حول هذا الموضوع تتعلق بغسل الجنابة بالنسبة للصوم. يرى الإباضية أن التطهر من الجنابة ضروري للصوم كما هو ضروري للصلاة. وموفقهم هذا مبني على أحاديث تروى عن أبي هريرة والفضل بن عباس معا بأن النبي قال: (( من أصبح جنبنا أصبح مفطرا )).2 ويقول الإباضيون إن أسلافهم في هذا الموقف هم أبو هريرة، وطاووس، وعروة بن الزبير، وإبراهيم النخعي. أما المذاهب الإسلامية الأخرى كلها فقالت إن الغسل من الجنابة ليس ضروريا في حالة الصوم وإن إهمال ذلك حتى الصباح ولا يضر بالصوم. وموقفهم هذا مبني على أحاديث تروى عن عائشة وأم سلمة، وهي أن الرسول استيقظ في الصباح جنبنا من جماع غير احتلام في رمضان ثم صام.3 وبناء على ذلك فإنهم قالوا بأن إهمال الغسل من الجنابة خلال رمضان حتى صلاة الظهر لا يؤثر في الصوم، إذ إنه ضروري للصلاة فقط لا للصوم. ويقول الإباضية، دعما لوجهة نظرهم، إن أقوال الرسول تنقض أعماله. وبالنسبة للأحاديث المنقولة عن عائشة وأم سلمة بخصوص عمله في هذه الحالة فلعل ذلك كان عملا خاصا بالرسول، أو لعله قد نسي، أو كان نائما. غير أن الأحاديث المروية عنه عن طريق أبي هريرة والفضل بن عباس، تشير إلى قرار واضح، ولا تترك مجالا لأي تكهن.1 والنقطة الأخرى التي تميز المذهب الإباضي في قضية الصوم هي تأثير الذنوب المعنوية على الصوم. ورأيهم أن جميع الذنوب الكبيرة تبطل الصوم. وهذه النظرة معتمدة على القياس بناء على حديث الرسول بأن الغيبة تفطر الصائم وتنقض الوضوء.2 وبناء على ذلك، إن رواية الكذب، والنميمة، والحنث باليمين والذنوب المماثلة تبطل الصوم.3 وهنا يمكن أن نضيف نقطة أخرى في الفرق بين الإباضية والمذاهب الإسلامية الأخرى ؛ وهي تتعلق بقضاء الأيام التي لم يصمها المرء في رمضان السابق. وقد قال الإباضيون إنه لابد من قضاء الصوم بصورة متوالية أياما بدلا عن الأيام التي لم تصم خلال رمضان ؛ ولكن المذاهب الإسلامية الأخرى قالت إن التتابع ليس ضروريا في مثل هذه الحالة ؛ على المرء أن يصوم العدد المطلوب من الأيام بصرف النظر عن تتابعها أو عدمه.4 4- الزكاة: بالنسبة للزكاة هنالك نقطتان: 1- اعتبر الإباضيون الغنم كالإبل. فحد النصاب الأدنى للزكاة هو نفسه للغنم والإبل.1 في خمس بقرات، شاة واحدة ؛ في عشر، شاتان في خمس عشرة، ثلاث شياه ؛ في عشرين، أربع شياه ؛ في خمس وعشرين، بقرة عمرها سنة واحدة. في ست وثلاثين، بقرة عمرها سنتان ( ثنية ) ؛ في ست وأربعين، بقرة واحدة عمرها خمس سنوات ( رباعية ) في إحدى وستين، بقرة واحدة عمرها ست سنوات الخ... وبالنسبة لمذاهب السنة، فقد رأت أن النصاب الأدنى للماشية هو: في ثلاثين بقرة، عجل عمره سنة واحدة ؛ وفي أربعين، بقرة عمرها سنتان الخ.... وهذا الرأي الأخير مبني على عدد من أحاديث تروى عن الرسول تتعلق بالحد الأدنى من النصاب للماشية.2 وسأل أبو غانم أبا المؤرخ عن حديث لمعاذ ترويه مراجع السنة دعما لوجهة نظرها.وكان جوابه: (( الأثر عند فقهائنا الذين نأخذ عنهم ونعتمد عليهم أن السنة في زكاة البقر كالسنة في زكاة الإبل، فيؤخذ منها ما يؤخذ من الإبل، ويعمل فيها ما يعمل في الإبل، وليس بينهم اختلاف.... وأما حديث معاذ عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فالله أعلم به، ولو نعلم أن ذلك عن معاذ عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأخذنا به واعتمدنا عليه، غير أن أصحابنا وأبيا عبيدة وجابر بن زيد لم يأخذوا به، وقد بلغهم قول من وصفت )).3 وفي محاولة لشرح سبب الفرق والدليل الإباضي على موقفهم، قال الجيطالي: (( وأظن أنهم قاسوا ذلك على نصاب الإبل، أو صح عندهم فيه حديث لم أقف أنا عليه )).4 على أن هنالك مجموعات سنية للأحاديث تروى أحاديث يبدو أنها أساس الرأي ( الإباضي ).5 2- والنقطة الثانية تتعلق بالأشخاص الذين ينبغي أن تعطي الزكاة لهم. الإباضيون يشترطون أن يكون هذا الشخص في حالة (( ولاية )). وبناء على ذلك وينبغي للزكاة أن لا تعطى إلا لأهل الولاية. وإذا لم يكن هنالك فقراء بين هؤلاء فإنه يجب أن تعطي لفقراء الإباضية حتى ولو لم يكونوا من أهل (( الولاية )). وإذا لم يوجد مثل هؤلاء عندئذ تعطى للمسلمين الضعاف الفقراء من غير الإباضية ممن لا يخشى أن يسببوا أذى للإباضية .1 5- النكاح: تتناول نقطة الخلاف هنا حالة الطرفين اللذين يرتكبان فاحشة الزنى. قال الإباضيون إن مثل هذه العلاقة تشكل عائقا دائما يمنع الزواج بين هذين الطرفين المذنبين. ويروي ابن خلفون أن سائر فقهاء الإباضية مجمعون على هذه النقطة وأسلافهم في هذا الموقف هم الصحابة: عبد الله بن مسعود، وعائشة، والبراء بن عازب، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وكان عالما البصرة الحسن بن أبي الحسن ومحمد بن سيرين على هذا الرأي أيضا.2 وكذلك قال به الشيعة الإثناء عشرية.3 أما مذاهب السنة الأخرى فقالت إنه يجوز للطرفين اللذين ارتكبا فاحشة الزنى أن يتزوج أحدهما الآخر، إنما اشترط البعض عليهما التوبة والحياة الصالحة فيما لم يضع البعض الآخر أي شرط. وقدم ابن خلفون في رسالته عرضا مفصلا لهذه القضية ولحجج سائر الأطراف.4 6- الإرث: بالنسبة للمولى، قال علماء الإباضية – باستثناء أبي نوح الدهان – إن أموال المولى الذي لا أنسباء له يرثها أهله لا مولاه.5 وإذا كان للمولى المتوفى أقرباء، فإن أمواله يجب أن تعطى لهم ؛ وأما إذا لم يكن هنالك وريث له ينتسب إلى قبيلته فالأموال يجب أن تعطى لأبناء جنسه الحاضرين في بلاده يوم وفاته، على أن يتساوى نصيب الأنثى والذكر. وإذا كان والداه من عرقين مختلفين فإن بعض علماء الإباضية قالوا بإعطاء أمواله لأهل والده. وبناء على ما قاله أبو الحوارني، فإن أمواله يجب أن تقسم ثلاثة أنصبة، ثلثين لأهل والده، وثلث لأهل والدته. وقال شيوخ جبل نفوسة أن من حضر أولا من أهل المتوفى فهو أحق بالميراث.1 وقالت المذاهب الإسلامية الأخرى أنه إذا لم تكن للمولى (( عصبة ))، فإن مولاه الذي كان قد أعتقه هو وريثه. وإذا لم يكن مولاه حيا، فإن (( عصبته )) ينبغي لها أن ترث أملاك المولى. وعند عدم وجود أحد من هؤلاء، فإن أموال المولى تؤول إلى بيت المال.2 7- الحدود والقصاص: إن الخاصة الرئيسة المميزة للمذهب الإباضي في هذا المجال هي التعطيل المؤقت للحدود باستثناء عقوبة الإعدام ( ما عدا الرجم ) خلال فترة الكتمان.3 وبالإضافة إلى هذه الخاصة، يمكن لنا هنا أن نذكر نقطتين أخريين: 1- بين المذاهب الإسلامية كلها، كان الإباضيون وحدهم هم الذين حددوا الإجراءات التي بموجبها ينبغي أن تدفع مبالغ محددة تعويضا عن إنزال الأضرار الجسدية، دون الدامية خطورة، في حين أنه لم يحدد لذلك أي مبلغ من قبل السنة. لقد تركت المذاهب الإسلامية الأخرى مثل هذه الحالات لقرار (( الحكومة )) التي تقدر العقوبة، أي مقدار ما يخفضه الضرر المشار إليه بقيمة الرقيق، وهو ما يحدد نسبة الدية التي تدفع.4 وقد وضع علماء الإباضية، بغية اجتناب القرارات غير العادلة من قبل الحكومة، مقياسا لتقدير الأضرار وتحديد المبلغ الذي يجب أن يدفع تعويضا عنها. ووحده تقدير الأضرار هي (( الراجبة ))، أو عقدة الطرف في الإبهام، أي ما يقرب من بوصة واحدة.1 2- وفي القصاص، إذا كان ينبغي قتل الرجل عقوبة له لقتله امرأة متعمدا، فإنه يجب على ولي المرأة أن يعيد نصف دية الرجل إلى أقارب الرجل.2 وهذا هو الموقف نفسه الذي اتخذه الإثناء عشرية.3 وباستثناء الأمثلة التي ذكرناها أعلاه، قد يختلف الإباضيون أو يتفقون في نواح عديدة من نظامهم الفقهي مع هذا المذهب الإسلامي أو ذاك. وما عدا ذلك فلا فارق كبيرا بين الفقه الإباضي والفقه السني بوجه عام. وإذا كان الإباضيون يرون نفس الرأي كالشيعة الإثنى عشرية في بعض المسائل، فإنهم يختلفون عنهم أيضا في نقاط أخرى. ونكاح المتعة، على سبيل المثال، هي إحدى المسائل التي يرى فيها الإباضيون رأي السنة والفرع الزيدي، لكن الشيعة الاثنى عشرية يعتبرونها شرعية.4 على أي حال، فقد نوقش بعض هذه المسائل في وقت باكر من قبل المصادر الإباضية كمدونة أبي غانم. وفي عدد من الحالات واجه أبو غانم شيوخه برأي العلماء غير الإباضيين، لكن ردهم كان عادة (( لا شيء فيما يقولونه ؛ هم رووا الأكاذيب و أخطأوا في الرواية ؛ إننا لا نتبع هذا الخبر. فقهاؤنا لا يعترفون بهذه الرواية الخ... ،1 من غير إيراد أي حجج دعما لهذه الادعاءات. وفي حالات معينة، كحالة أن الولد، وحالة المكاتب عرضوا حججهم وبراهينهم بالتفصيل.2 والعلماء المسلمون الآخرون يشار إليهم بعبارة (( فقهاء قومنا. وعند سماع أبي المؤرخ شخصيا بأن أبا عبيدة قال: (( وكل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فقلت ( أبو غانم ) له حينئذ: يا أبا المؤرخ إن هذا قول قومنا، قال: قومك يقولون حقا كثيرا لم يخالفهم المسلمون فيما أصابوا، ولكن إنما خالفوهم فيما أخطأوا فيه وكذبوا )).3 كان الإباضيون ينظرون إلى أنفسهم باستمرار بأنهم المسلمون الحقيقيون ؛ وبأن شرعهم هو الدين الإسلامي الصحيح معتبرين أن مذهبهم هو الممثل الحث للسنة الصحيحة والمتفوق على المذاهب الإسلامية الأخرى. وقد عبر الشيخ الإباضي محمد يوسف اطفيش في العصر الحديث عن هذا الرأي بالكلمات التالية: (( قولنا صواب ويحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب )).4 على أن هذه النظرة الإباضية إلى المذاهب الفقهية غير الإباضية لم تمنع أحد علمائهم البارزين من إدخال مبدأ جديد على الفقه الإباضي بقوله أنه مسموح للمفتين الإباضيين أن يستعينوا بآراء المذاهب غير الإباضية إذا لم يوجد لعلماء الإباضية آراء في تلك المسائل.5 الفصل الخامس علم الكلام الإباضي خلافا للفقه الإباضي، فإن علم الكلام الإباضي جذب إليه انتباه البحاثة الأوروبيين، واهتم ماسكيراي بدراسة علم الكلام الإباضي في ملاحظاته على الترجمة التي قام بها لـ (( سير )) أبي زكريا الوارجلاني ،1 وقدم آ. دي سيه موتيلنسكي ترجمة فرنسية للعقيدة الإباضية من وضع عمرو بن جميع إلى المؤتمر الرابع عشر للمستشرقين في الجزائر سنة 1905.2 ولحظ العلامتان غولدزيهر ونلينو التشابه في المواقف والآراء بين الإباضيين والمعتزلة حول قضايا محددة، وردا هذا التشابه إلى تأثير المعتزلة على علم الكلام الإباضي.3 وعند مناقشة بعض هذه القضايا أشار وليم تومسون وهو محق في ذلك، إلى أنها كانت قد أثارت أوساط الخوارج في فترة باكرة نسبيا، وإلى أنها لم تكن معتزلة في الأصل، كما أشار إلى أن احتمال ظهورها بين الخوارج ( بما في ذلك الإباضية ) هو أمر طبيعي.4 ثم جاء نشر المصادر الإباضية الأصلية بمطبعة البارونية الحجرية ليقدم مادة جديدة حول الموضوع ويشجع على إسهامات إضافية. وفي سنة 1936 قام آي. إس. علوش بترجمة فصلين من (( كتاب الدليل والبرهان )) للوارجلاني إلى الفرنسية. وفي سنة 1949، حاول ماريو مورينو أن يقدم عرضا أكثر وضوحا لعلم الكلام الإباضي مستندا بالدرجة الأولى إلى أعمال العلامة عبد الله بن حميد السالمي العماني ( ت 1332 هـ ) وإلى أعمال أخرى نشرتها المطبعة البارونية1 ومنذ ست سنوات ظهرت دراسة مقارنة للعقيدة الإباضية عند أبي زكريا الجناوني وعلاقتها بالعقائد السنية الأخرى موفقة بترجمة إلى الإيطالية (( العقيدة )) أبي زكريا.2 ولتقييم الآراء التي تكونت لدى العلماء الأوروبيين حول علم الكلام الإباضي، لا سيما آراء الباحثين غولدزيهر ونلينو، ينبغي للمرء أن يبدأ بدراسة علم الكلام الإباضي من المرحلة الأولى للحركة، ثم أن يتتبع تطور أصوله لكي يحدد وجهة نظر المذهب الإباضي ويميزها بالنسبة للفرق الأخرى. وفي الصفحات التالية سأتناول بالدراسة تطور علم الكلام الإباضي بدءا من مراحله الأولى، مقدما عرضا واضحا للمشاكل التي نشأت آنذاك، ثم يتبع ذلك بدراسة للانقسامات الفرعية التي نشأت في الحركة الإباضية نتيجة لفروق قامت على أسس كلامية، ثم بمراجعة عامة للأعمال الإباضية حول الكلام، وأخيرا يصار إلى تقديم دراسة موجزة لوجهات النظر الكلامية الإباضية بالمقارنة مع وجهات نظر الفرق الإسلامية الأخرى حول قضايا أساسية. القرآن هو المصدر الأساسي لعلم الكلام الإباضي.3 والصحابة الذين نصبوا أنفسهم مدرسين للقرآن ولتفسيره للمسلمين يمكن اعتبارهم الفئة الأولى من علماء الكلام المسلمين. ولقد كانت مناقشتهم للمشاكل الكلامية التي عالجها القرآن أو نشأت عن التعابير القرآنية، مبنية بالدرجة الأولى على أحاديث سمعوها من الرسول، أو نقلت عن مراجع موثوقة تعود بسندها إلى الرسول. وبالنسبة للإباضية، فإن إمامهم الأول، مؤسس مذهبهم، جابر بن زيد حمل وجهات نزره عن عدد كبير من الصحابة، لا سيما ابن عباس، الصحابي الذي روى عنه القسم الأكبر من المعلومات بشأن التفسير.1 ومن شأن هذه الحقيقة الكبيرة الأهمية أن تكون دليلا على صحة وجهة نظر الإباضيين في ما يتعلق بالمسائل الكلامية التي تصل بالقرآن. وقد دونت غالبية هذه الآراء في المجموعة الإباضية للحديث بعنوان (( مسند الربيع بن حبيب )).2 وهنالك حقيقة أخرى هي أن الحركة الإباضية انطلقت كحركة فكرية، ومكنت نشاطاتها التي كانت تجري بالسر، قادتها الذين راقبوا عن كثب وبعناية تطور المجتمع الإسلامي دينيا وسياسيا، من أن يطوروا، بصورة طبيعية، وجهات نظرهم حول موضوعات مختلفة. يمكن أن تصنف المسائل الكلامية التي ظهرت في المصادر الإباضية في وقت باكر في ثلاث مجموعات: 1- مسائل تتعلق بالخالق. 2- مسائل تتعلق بالعلاقات بين الإنسان والخالق. 3- مسائل تتعلق بين الإنسان والإنسان. 1- تحت العنوان الأول تأتي مسألة التشبيه، التي نشأت عن العبارات القرآنية التي تتناول التجسيم .3 ودرست هذه المسألة في وقت لاحق كبند في إطار مبدأ التوحيد في العقيدة الإباضية. غير أن المراجع الإباضية الأولى نقلت تفسير عبارات من هذا النوع عن الصحابة، وحافظت عليها كما هي. وفيما يلي بعض الأمثلة من التأويلات المورية عن هذه الآيات: القبضة وهي التي ترد في الآية التالية: ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ).1 فتفسير القبضة هنا هو أنها القدرة والملك، وقال جابر بن زيد أن ابن عباس أعلن أن الذين يعتقدون بأن القبضة هي شيء غير الملك والقدرة هم مشركون. ولقد قال الله تعالى: ( والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) 2قاصدا بذلك أنه يعطي ويمنع. ثم قال كذلك في آية الظل: ( ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ).3 بعد ذلك أورد ابن عباس أمثلة على قبضة يعني بها الحيازة والحماية في اللغة العربية.4 واليد تفسير كذلك بأنها قدرة الله وملكه في قوله تعالى: ( قل إن الفضل بيد الله ) ( آل عمران: 73 )5 ويد الله تفسير بالرزق6 في قوله تعالى: ( وقالت اليهود يد الله مغلولة ). وفي قوله تعالى: ( يد الله فوق أيديهم ) تفسير اليد بأنها المكافأة والهبة من الخالق.7 مثل هذا الأسلوب طبق على عبارات أخرى مشابهة وردت في القرآن، أمثال: أ- العين في قوله تعالى: ( ولتصنع على عيني ) ( طه: 39 ). وهي تعني العلم والحفظ.8 ب- النور في قوله تعالى: ( الله نور السموات والأرض ) ( النور: 35 ). يعني أن الخالق هو العدل في السموات وعلى الأرض، وهادي من في السموات والأرض.1 ج- وجه الخالق يعني الخالق وحده.2 د- الساق يعني الأمر الشديد.3 هـ- النفس التي تنسب إلى الخالق تعني العلم.4 و – مجيء الخالق مع ملائكته في يوم القيامة فسر باعتباره مجيء ملكه.5 ز – استواء الله على العرش يعني أمره وقدرته على الكون.6 الرؤية: تحت المجموعة الأولى من المسائل الكلامية التي ظهرت في المرحلة الأولى لعلم الكلام الإباضي، تقع مسألة الرؤية وهي الصلة بالتشبيه. قال الإباضيون إن الخالق لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة. وهنالك حديثان للرسول رويا في مسند الربيع يؤكدان على هذه النظرة. الحديث الأول يروى بطريق مسروق عن عائشة أنها قالت: (( من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية )).7 والحديث الثاني يروى عن محمد الشيباني، وهو أن رسول الله سئل: (( هل ترى ربك ؟ فقال: سبحان الله وأنى أراه )).8 أما بالنسبة للآيات القرآنية التي توحي بأن الخالق سوف يرى، فقد لجأ الإباضيون إلى التأويل وفسروها بطريقة لا تتناقض مع وجهة نظرهم. وكلمة (( ناظرة )) في سورة الإنسان الآية(23) فسرت بأنها انتظار الإذن من الخالق لدخول الجنة. وقد نقل هذا التفسير عن الصحابيين علي بن أبي طالب وابن عباس معا.1 ثم إن مسألة الرؤية مناقشة بصورة كاملة في مسند الربيع بن حبيب.2 والآثار التي تورى في المجموعة الإباضية للأحاديث تبين بوضوح أن التشبيه كان مرفوضا بقوة من قبل الصحابة. ويروي أن ابن مسعود وعبد الله بن عمر ارتعدا فرقا حين سمعا أن المسلمين في الشام يقولون بأن الخالق صعد إلى السماء من بيت المقدس ؛ ووضع قدمه على الصخرة.3 ورأى أن اليهود كانوا وراء هذه الآراء التشبيهية ؛4 قال ابن مسعود: (( لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ؛ فلن يهدوكم وقد ضلوا )).5 وتحت عنوان (( السنة في تعظيم الله عز وجل ))6 يروى عدد كبير من الأحاديث والآثار، وهي كلها تعبر عن وجهات نظر تنفي التشبيه عن الخالق. ومن الصحابة الذي رويت عنهم هذه الأحاديث يذكر عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر. وبين التابعين هنالك، باستثناء جابر بن زيد الإمام الإباضي، مجاهد، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، والضحاك، وسواهم. وقد اعتمد المعتزلة أيضا التفسير التأويلي لعبارات التشبيه الواردة في القرآن، على أنه من الواضح أن هذه الطريقة مبنية على أحاديث الرسول وطبيعة اللغة العربية التي تتيح مثل هذه التفسيرات. وهنالك حالات كثيرة استشهد فيها بآيات أخرى من القرآن لمعارضة التفسيرات التشبيهية في إطار القرآن حيث إن التعابير المعنية نجدها مستعملة في معان واضحة لا لبس فيها تأييدا للتفسيرات التي وضعها العلماء الإباضيون. وفي ما يتعلق بمسألة وجود الله أو عدم وجوده في مكان ما، أي على العرش ؛ أو قادما مع الملائكة يوم القيامة الخ.... فقد نقل جابر بن زيد عن ابن عباس نقاشا مفصلا حول هذه المسألة رافضا جميع أشكال التشبيه المبنية على عدد من الآيات القرآنية.1 وختم ابن عباس عرضه بالقول التالي: (( لقد أخبر ( القرآن ) عنه أنه تعالى لا يخلو منه مكان في السموات العلى والأرضين السفلى ولا يجوز أن يأخذوا ببعض القرآن دون بعض لأنه يصدق بعضه بعضا، وهو على العرش استوى وهو على مل شيء شهيد، وهو بكل شيء محيط بلا تكيف ولا تحديد، ولا تمثيل ولا تشبيه ولا توهيم )).2 ومن المشاكل الأولى التي تتعلق بمسألة التشبيه مسألة ولاية الخالق للمسلمين. وبما أن هذه العقيدة تتعلق بمسلك المسلم الذي لا يستحق ولاية الله ما لم يكن مسلما صالحا، فإن بعض علماء الإباضية رأوا أ، ولاية الخالق تتغير وفقا لحالة الشخص؛ على أن غالبية علماء الإباضية قالوا إن ولاية الخالق ثابتة لا تتغير.3 ونتيجة معارضتهم لأي نوع من التشبيه، فقد أصر الإباضيون على أن الصفات التي تنسب إلى الله هي عين ذاته.4 إن هذه الطريقة التأويلية التي استخدمت لتفسير التعابير التشبيهية في القرآن استخدمت كذلك لمسائل تتعلق باليوم الآخر، كالميزان والصراط.1 2- مسائل تتعلق بالعلاقة بين الله والإنسان: تقع تحت هذه المجموعة الثانية مسألتان: مسألة القدر ومسألة حرية الإدارة والقضاء والقدر. هنا أيضا كانت الأحاديث المروية عن الرسول أساس الموقف الإباضي من المسائل. وفي ما يلي بعض الأحاديث الواردة في المجموعة الإباضية للأحاديث مما يتعلق بالقدر. 1 ) قال رسول الله عليه السلام: (( أبرأ إلى الله من القدرية، أبرأ من المرجئة، برئ الله منهما ورسوله )).2 2 ) (( القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تصلوا عليهم )).3 3 ) (( صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي يوم القيامة، لعنهم الله على لسان سبعين نبيا قبلي، قيل: فمن هم يا رسول الله ؟ قال القدرية والمرجئة، قيل: فمن المرجئة ؟ قال: الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل، والقدرية الذين يعملون بالمعاصي ويقولون هن من الله إجبار أما لو شاء اله ما أشركنا ولا عصينا )).4 4 ) (( ما كان كفر إلا مفتاحه تكذيبا بالقدر )).5 5 ) (( أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فقال: يا رب وما أكتب، قال: اكتب القدر فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة )).6 6 ) (( إذا وقعت النطفة في الرحم أوصى الله إلى ملك الأرحام أن يكتب، فيقول: يا رب وما أكتب ؟ فيقول: اكتبه سعيدا أو شقيا بعمله، واكتب أثره وعمله وأجله ورزقه )).1 7 ) قال جابر بن زيد: سئل ابن عباس عمن قال: إنه يستطيع أن يعمل بما أمر الله به ويكف عما نهاه الله عنه من غير أن يخلق الله فعله، فقال: سأل سراقة بن جشعم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال: ما العمل يا رسول الله في أمر مبتدأ مستأنف أم في شيء قد فرغ منه ؟ فقال: بل في شيء قد فرغ منه ثم قال: ففيم العمل إذا يا رسول الله ؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له.2 ان الاحاديث السنة الاولى مروية بصيغتها المرسلة. وهي كلها عن جابر بن زيد عن الرسول . فلا ذكر هنا للصحابي في الاسناد في المجموعة الاباضية . غير ان هذه الاحاديث مروية في مجموعات السنة باسنادها الكامل.3 وبعد نقل هذه الاحاديث قال الربيع بن معلقا : ( فهذه الروايات تدل على ان الله خلق فعل العبد وان العبد لم يفعله دون الله اذا قدره وعلمه وعلم ما هو صائر اليه ).4 وكان القول بأن الإنسان يخلق أعماله قد ظهر في البصرة. وكان شخص يدعى معبد الجهني أول من استهل النقاش حول القدر هنا.5 ثم إن هذا الرأي نشره تلميذه غيلان الدمشقي. والظاهر أن هذا الرأي وجد سبيله إلى الأوساط الإباضية في البصرة وسواها من الأمكنة. ويروى أنه جرى مناقشات حول هذه المسألة بين غيلان والإمام الإباضي الثاني، أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة.6 على أن بعض الإباضيين اعتمدوا وجهة نظر القدرية لكن أبا عبيدة كان معارضا لهم بقوة. وبين الذين اعتمدوا وجهات نظر القدرية ذكرت المصادر الإباضية حمزة الكوفي، والحارث الإباضي وعطية وهو من خراسان. ورفض أبو عبيدة وجهة نظرهم وقال لحمزة: (( يا حمزة على هذا القول فارقت غيلان )) وعمد الإباضيون إلى هجر حمزة وزملائه، وطردوهم من المجالس الإباضية ولم يقربهم أحد )).1 وكانت مسألة القدر إحدى المسائل الأساسية التي جرى الجدال والنقاش حولها بين الإباضية وخصومهم، القدرية أولا، ثم المعتزلة من بعدهم. ولقد كانت هذه النقاشات قائمة قبل أبي عبيدة. وقال أبن سفيان محبوب بن الرحيل إن صحار العبدي، شيخ أبي عبيدة، كان يقول: كلموهم ( القدرية ) في العلم، فإن أقروا به نقضوا أقوالهم وإن أنكروه كفروا )).2 وكان أبو عبيدة نفسه قد اعتاد مناقشة مسألة القدر، متبعا الأسلوب نفسه الذي استنه أستاذه صحار. ويقال إن رجلا جاء أبا عبيدة وتكلم إليه في القرد، فقال له أبو عبيدة: (( هل علم الله ما العباد عاملون، وإلى ما هو إليه صائرون قبل أن يخلقهم ؟ فقال الرجل: ما أسرع ما استعنت بالعلم يا أبا عبيدة، وإنما هذه مسائل الضعفاء. فقال له: أجب هذا الضعيف )) فلم يجبه فافترقا.3 ويروى أيضا أن معتزليا يدعى ابن الشيخ البصري، فيما كان يقوم بالسعي وهو في الحج في مكة، سأل أبا عبيدة: (( أأنت الذي يزعم أن الله يعصى بزعم إرادته )).4 والظاهر أن المراجع الإباضية الأولى نظرت إلى مسألة القدر باعتبارها أقل أهمية بالمقارنة مع مواقف الخوارج الذين جاؤوا ببدع جديدة خطيرة بخصوص علاقاتهم بالمجتمع الإسلامي، وبالحكام الطغاة الذين ينفذون شرائع غير ما أنزله الله. وقال المرجع الإباضي، أبو سفيان محبوب أن: (( أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة كان يضعف من أمر القدر ويقول: (( والله ما فيه نكاح ذات بعل، ولا انتحال هجرة، ولا حكم بغير ما أنزل الله، إنما هو رأي أحدثه الناس فيما بينهم، فمن أقر بأن الله علم الأشياء قبل أن تكون فقد أقر بالقدر )).1 والمسألة الأخرى هي مسألة الجبر والاختيار. وقد حفظت المصادر الإباضية وجهات نظر تعزى إلى أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة متعلقة بهذه المسألة. ولم يكن موقفه إقرارا واضحا بالإدارة الحرة ولا بالجبر. قال أبو سفيان: التقى أبو عبيدة وابن الشيخ البصري في منى ؛ فسأل ابن الشيخ أبا عبيدة: يا أبا عبيدة هل جبر الله أحدا على طاعته أو معصيته ؟ قال: ما أعلم أن الله جبر العباد على طاعته أو معصيته، ولو كنت قائلا أن الله جبر أحدا لقلت: جبر أهل التقوى على التقوى لعظم تخويفه لهم وشدة ترغيبهم به إياه، قال: يا أبا عبيدة، فالعلم هو الذي قاد العباد إلى ما عملوا ؟ قال: لا لكن سولت لهم أنفسهم وزين لهم الشيطان أعمالهم، وكان منهم ما علم الله )).2 ويروى أيضا أن أبا عبيدة سئل: ((لا يستطيع الكافر الإيمان ؟ فقال: لا أقول إن من يستطيع أن يأتي بحزمة حطب من حل إلى حرم3 لا يستطيع أن يصلي ركعتين، ولا أقول إنه يستطيع ذلك إلا أن يوفقه الله تعالى )).4 ويعبر أبو عبيدة عن رأيه بشأن حرية الإرادة كما يلي: (( الله أمر الناس بالطاعة. لقد أحب الله ذلك وزينه. ومن يفعل وفقا لذلك فهو بعلم الله، وهو ينظر إليه بعين العطف )).5 وكان هذا الرأي لأبي عبيدة أساس نظرة الإباضية للاكتساب، أي أن الأعمال هي من الله خلق، ومن العبد اكتساب.1 والظاهر أن رأي العلماء الإباضيين الأوائل حول هذه المسألة لم يكن واضحا ومحددا بما فيه الكفاية بسبب النزاع في الرأي حول هذه القضية بين إباضيي جبل نفوسة وإباضيي إفريقيا أي تونس والجزائر. فهؤلاء قالوا إن الإنسان حر (( في اكتساب أعماله )).2 بينما اعتقد النفوسيون بـ (( الجبل ))، أي بأنهم خلقوا بميل طبيعي لتنفيذ ما يعلمه الله من عمل الإنسان.3 على أن إباضيي شمالي إفريقيا كلهم أقروا بالاكتساب واستثنوا مسألتي (( الجبل )) , (( الاختيار )). وحاول الجيطالي في (( شرح النونية )) تفسير كلمة (( جبل )) بطريقة تميزها عن الجبر وهي تعني الإكراه ولا تترك وجها مفتوحا للاكتساب.4 ووفقا للعلماء النفوسيين، لم ترو أية آراء حول هذه المسألة عن الأئمة الإباضيين الأوائل في البصرة، ولا عن تلامذتهم، (( حملة العلم ))، ولا عن الأئمة الرستميين.5 غير أن فكرة (( الجبل )) اختفت في الكتابات الإباضية في نفوسة منذ وقت أبي ساكن عامر بن علي الشماخي، المعاصر للجيطالي الذي عبر في عقيدته (( الديانات )) عن أن الناس يكتسبون أعمالهم ويقومون بها وهم غير مرغمين عليها.6 3- مسائل تتعلق بالعلاقة بين الإنسان والإنسان: إن العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين محددة في القرآن. وقد ذكر القرآن ثلاث مجموعات مختلفة من الناس هي: المشركون، وأهل الكتاب، والمنافقون. وبالنسبة للمجموعتين الأوليين أوضح القرآن علاقة المسلمين بكل مجموعة منهما في الحرب والسلم، وتمسك الرسول بذلك. ثم إن الحروب الأهلية بين المسلمين سببت مشاكل جديدة للمجتمع الإسلامي. وقد بدأت هذه الحروب حين قتل عثمان بن عفان على أيدي رفاقه المسلمين، ثم استمرت بين علي، الخليفة الرابع من ناحية، وطلحة والزبير من ناحية أخرى، ثم بين علي ومعاوية، فبين علي وأهل النهر كذلك. وكانت كل مجموعة في هذه الفتن تدعى ما يبرر لها محاربة المجموعة الأخرى على أسس دينية ؛ وكان لكل مجموعة حججها وبراهينها. المعلومات عن هذه الفترة شديدة الاضطراب وقد يكون الكثير منها صيغ في وقت لاحق لدعم مزاعم كل مجموعة من المجموعات المتصارعة. ثم إن المراجع الإباضية روت خمسة مواقف مختلفة للصحابة في ما يتعلق بمسألة عثمان: أ ) أولئك الذين ارتأوا أن عثمان استحق أن يقتله المسلمون لما أتى به من بدع. وعلى مدى ست سنوات ظل المسمون يحاولون حمله على تغييرها والسير على نهج أسلافه، أو أ، يستقيل. وحين رفض أن يقبل بذلك، قتلوه. فسفك دمه مشروع لأنه كان جائزا وفظا، ووصفوه بالجائر وبالفاسق والظالم، والكافر كفر نعمة. ومن هؤلاء الصحابة عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري، وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن محمد بن مسلمة، وزيد بن ثابت وغالبية الأنصار. ب ) أولئك الذين اعتبروا مسألة الفتنة بين الصحابة هي قضية اجتهاد شخصية ؛ والمحق ينبغي له أن يكافأ، والمخطئ يجب أن يسامح. حتى إن هنالك من يقول إ، الجانبين كانا على حق ؛ وهذا الرأي الأخير ينسب إلى علي بن أبي طالب. ج ) أولئك الذين يقولون إن عثمان تاب عن بدعه، وأنه قتل بعد توبته، وبذلك يكون خصومه مخطئين. وهذا هو رأي الصحابة طلحة والزبير وعائشة. د ) أولئك الذين احتفظوا لأنفسهم برأيهم حول الفتنة واعتزلوهم، كانوا في ريبة من الوضع برمته ؛ وبين هؤلاء سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وآخرون. هـ ) وأخيرا هنالك موقف معاوية وعمرو بن العاص اللذين قالا بأن عثمان محق كل الحق وطالبا بالثأر لمقتله1. على أن الحروب الأهلية تركت أثرها على تاريخ الإسلام حتى زمننا الحالي. وتلونت حياة المسلمين السياسية والعقلية والدينية بتلك الآراء الأولى التي تكونت لدى المجموعات والمراجع المختلفة. وباستثناء شيعة علي التي أصبحت المذهب الشيعي، وأنصار معاوية، هنالك فريق ثالث رفض قيادة الاثنين وأبيد بالكامل من قبل الاثنين معا، قي النهروان من قبل علي، ثم في النخيلة من قبل معاوية.كان هؤلاء في جيش علي لكنهم انشقوا عنه حين قبل بالتحكيم لأنه تخلى عن حكم القرآن لصالح حكم البشر. وبما أن إمامهم السابق علي بن أبي طالب تخلى عن حقه بالإمامة بقبوله التحكيم، فقد قرروا مبايعة إمام جديد، ولأول مرة بويع زعيم من غير قريش أميرا للمؤمنين، هو الصحابي الأزدي عبد الله بن وهب الراسبي، فقاد رجاله في المعركة بوجه علي بن أبي طالب ؛ فأبيد أفرا جيش عبد الله بن وهب، وهو أكثر نم ألفي مسلم أتقياء من (( أهل الصلاة والصوم )) عن بكرة أبيهم على يد جيش علي في معركة النهروان. وقد عرفت هذه المجموعة بأسماء أربعة مختلفة: المحكمة ؛ وأهل النهر ؛ والحرورة ؛ والخوارج. والاسم الأول منشق من شعارهم (( لا حكم إلا لله )). وبالنسبة للاسمين الآخرين، فإن اسم الحرورية منشق من موقع حوراء حيث احتشد بعضهم بجوار الكوفة، والاسم الآخر، أهل النهر، مرده إلى اسم ساحة المعركة – النهروان. أما بالنسبة للاسم الأخير، الخوارج، فهنالك من يقول أن الاسم مشتق من كلمة (( خرج ))، عن الأمة، كما يحب خصومهم أن يفسروا هذا الاسم، أو من منازلهم كمهاجرين إلى الله كما يحب المتعاطفون معهم أن يفسروا هذا الاسم على أساس الآية القرآنية: ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله.... ) ( النساء: 100 ). ويشار أيضا إلى أن هذا الاسم استخدام لهذه المجموعة من قبل خصومهم كإشارة إلى الكلمة الأولى من حديث معروف للرسول يصف فيه مجموعة من الناس تظهر في الأمة الإسلامية: (( إنه يخرج من ضئضيء هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود )).1 وأدى هذا الموقف السياسي إلى نشوء عدة مسائل ظهرت حولها آراء متناقضة. ومن هذه المسائل موقف المسلمين من الطغيان، أو الحكام الجائرين الذي لا يتبعون الشريعة. قال الخوارج بوجه عام بأن خصومهم (( مشركون )) ثم اختلفوا بشأن مبدأ التقية الدينية. فقال الأزارقة، أتباع نافع بن الأزرق إن الخروج أو الهجرة إلى صفوفهم واجب إلزامي ونظروا إلى بلاد خصومهم باعتبارها دار الحرب. ومن ناحية أخرى، رفض الإباضيون أن ينظروا إلى أهل (( القبلة )) ( المسلمين ) كمشركين، ودعوهم بالموحدين، أو كفار النعمة، ورأوا أن العيش بين ظهرانيهم على أساس التسامح المتبادل أمر مشروع.2 وعبر عبد الله بن إباض بوضوح عن هذه العقيدة، ولذلك عارضه زعماء الخوارج.3 فقد أعلن عبد الله بن إباض البراءة من نافع بن الأزرق فهو مرتد عن الإسلام مشرك لأنه قتل نساء وأطفالا مسلمين واستولى على أمولهم غنيمة.4 واتخذ جابر بن زيد نفس موقف عبد الله بن إباض، وراح يناقش الخوارج ويرفض وجهة نظرهم فيما يتعلق بموقفهم من خصومهم المسلمين,5 ويروي أن جابر بن زيد عرف بأن زيد بن الأعشم الذي كان يعتقد أنه مسلم صالح، كان ينظر إلى خصومه المسلمين كمشركين. فأرسل إليه جابر وسأله رأيه في (( الهدي )) التي يضحي بها المسلمون الخصوم. وجاء رده: (( اذبحها وآكل أكبادها وسنامها ؛ لا هدي لهم )). ومعنى هذا القول الموجز أن زيد بن الأعشم كان يرفض أن يعتبر الأضاحي التي يضحي بها المسلمون الخصوم للخوارج تضحية لله لأنه يعتبر هؤلاء مشركين، ويرى أن ذبحها شرعي إذا ما وقعت في يده، بحرية، لأنه ليست مما أهل به الله، والأكباد والسنام هي أفضل لحم الجمال ؛ فرفضه جابر وشجبه.1 ولم يتخل الإباضية عن هذا المبدأ خلال تاريخهم، فلم يقتلوا نساء خصومهم ولا أطفالهم، ولا أجهزوا على الجرحى، ولا تعقبوا عدوا لهم مهزوما، ولا غنموا أموالهم.2 ومن أشهر الأمثلة على هذا الموقف عمل مشهور لأبي منصور إلياس، حاكم جبل نفوسة باسم الإمام الرستمي الرابع محمد بن افلح. فقد قام أبو منصور إلياس بمحاربة العباس بن طولون الذي هاجم طرابلس سنة 267 هـ، وانتظر عليه، لكنه ترك في أرض المعركة ستين حملا من الذهب لم يأخذ منها قطعة واحدة.3 ويقول العلامة الإباضي أبو يعقوب الوارجلاني في تعليق له على هذا الحدث: (( يا هلا من خسارة كبيرة ! )).4 والمسألة الأخرى هي: من هم المسلمون الحقيقيون بين الفرق المتنازعة ؟ وماذا كان الآخرون ؟ هل هم مسلمون أيضا أم أنهم كفار ؟ لا إنكار في أن هذه المجموعات كلها تؤمن بالله ربا وبالرسول نبيا ؛ فالمسألة تتعلق إذا بتطبيق الدين ؛ وكان حل الإباضيين لهذه المشكلة قائما على تحديدهم للخطيئة ؛ وللذنب، وللكبائر، أي الخطايا الخطيرة، وهي تنقسم إلى مجموعتين:5 أ ) الخطايا الكبيرة ( الكبائر ) التي تقع في إطار الشرك ( كبائر الشرك ) وهي تشمل: 1- إنكار ما لا يسع جهله من أمور الدين كوحدانية الله، ومعرفة الله، والأنبياء والملائكة. 2- تحليل ما حرمه القرآن كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، وقتل النفس بغير حق، والتعامل بالربا الخ... إن أولئك الذين يرتكبون هذه الكبائر يعدون مشركين. ب ) كبائر النفاق، وهي تتألف من: 1- استحلال ما حرمه الله عن طريق التأويل الخاطئ ( الاستحلال بتأويل الخطأ ). 2- ارتكاب ما هدد الله بالمعاقبة عليه في هذه الدنيا وبالتأديب له في الآخرة أو ما عاقب الله عليه أمما سابقة. فمرتكب ذنب من هذا النوع ليس (( مؤمنا )) ولا (( مشركا )) لكنه (( منافق )) و (( كافر كفر نعمة))1 وقد استعمل هذا التعبير لتمييز هذا النوع من المعاصي عن المشركين الذين تستعمل لهم كلمة كافر أيضا. وتتكلم المصادر الإباضية عن نوعين من الكفر ( 1 ) كفر جحود أو كفر مساواة وهو يعني عدم الإيمان بالله أو مساواة الله بغيره. وبهذا المعنى يكون تعبير الكافر معادلا للمشرك.2 ( 2 ) كفر نعمة وهو إنكار نعم الله، وهو تعبير الكافر معادلا المسلمين الذين يقترفون كبائر نفاق خطيرة والذين يعتنقون الإسلام لكنهم لا يطبقونه.3 والكلمات نفاق، وكفر نفاق وكفر نعمة تستخدم بالمعنى نفسه لأن الإباضيين اعتقدوا أن النفاق هو في الأعمال لا في الإيمان.4 وأورد الربيع بن حبيب في مجموعته الحديثية، 25 دعما للعقيدة الإباضية التي تطبق كلمة الكفر على المسلمين. 5والاستعمال الإباضي لهذه العبارة بهذا المعنى مبني على استعمالها في القرآن والأحاديث6 ويستند هذا التمييز بالعبارات ( الأسماء ) إلى وجهة النظر الإباضية في الإيمان الذي يجمع بين الإيمان بالكلام وممارسة الواجبات المطلوبة. وأولئك الذين يوفون بالتزامات الإيمان بالكلام والممارسة معا هم مسلمون أو مؤمنون ( مسلمون موفون أو مؤمنون موفون ). ثم إن العقائد الإباضية تذكر مادتين لشرح عقائدها بالنسبة لحالة (( الموحدين )) الآخرين. أ – المنزلة بين المنزلتين أي حالة النفاق بين الإيمان الشرك. ب – لا منزلة بين المنزلتين ؛ أي لا حالة بين الإيمان والكفر.1 وهذا الموقف الأخير موجه إلى المعتزلة الذين قالوا بأن الذي يرتكب إحدى الكبائر هو في منزلة متوسطة ؛ لا هو مؤمن ولا هو مشرك، ولكنه فاسق ورفضوا نعته بالكافر، أما الفسق والكفر في العقيدة الإباضية فشيء واحد. وبالعودة إلى وجهة النظر الإباضية حول العلاقة بين جماعتهم وبقية الأمة الإسلامية، فقد قالوا إن المسلمين الحقيقية هم الذين يتممون واجبات الإيمان قولا وعملا. هؤلاء هم المسلمون الموفون، وهم الذين يشكلون (( جماعة المسلمين )) أو أهل الدعوة، أي الأمة الإباضية. وتقسم بقية الأمة الإسلامية إلى ثلاث فئات: الطغاة، و أهل البدع، وهيئة المسلمين عامة. هؤلاء كلهم عدوا كفار نعمة ولذلك يمكن للإباضيين أن يختلطوا بهم ويعيشوا تحت حكمهم على أساس التقية الدينية2 في حالة الكتمان. أما تغيير حكم الجور، أ, الدعوة إلى الصلاح ومنع الشر فينصح به في ظل أصول معينة.3 ووافق الإباضيون على المبدأ الذي يقول بأنه (( لا هجرة بعد الفتح )) ؛ وهو موجه ضد الأزارقة وسواهم من الخوارج الذين قالوا إن مكان إقامتهم فقط هو دار الإسلام وإن القعدة الذين لا يقومون بعمل ولا يقومون بالهجرة إلى معسكرهم هم خطاة وغير مؤمنين.1 وفي موعظة له في المدينة، قال أبو حمزة المختار بن عوف: (( الناس منا ونحن منهم، إلا مشركا عابد وثن، أو كافر من أهل الكتاب، أو إماما جائرا، أو مبتدعا يدعو الناس إلى بدعته )).2 وفي زمن الربيع بن حبيب حاول زعماء فرع النكار من الحركة الإباضية أن يقنعوا الربيع بأن ينظر إلة خصومهم المسلمين المخالفين باعتبارهم مشركين بسبب آرائهم التشبيهية غير أن الربيع رفض الاتفاق معهم مشيرا إلى أ، مثل هذه الآراء لا يؤمن بها إلا الجهلة، لا المتعلمون المخلصون.3 وروى مثل هذا الموقف عن سلفه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة. ويروى أنه قيل له إن مقاتل يقول: (( إن الله خلق آدم على مثاله فرد أبو عبيدة قائلا: (( كذب مقاتل ))، لكنه لم يعتبره مشركا.4 والمسألة الأخرى تتعلق بالمسلمين العصاة مرتكبي الكبائر، وبعقوبتهم في اليوم الآخر ورأى الإباضيون أن على مرتكب الكبيرة أن يتوب ليتمتع بحق الشفاعة، ولينجو من العقوبة على الكبيرة، وهي الخلود في جهنم إلى الأبد.5 وإذا كانت المعصية تتصل بالتزامات نحو الله، فالتوبة وحدها كافية، لكنها إذا كانت تؤثر على حقوق الآخرين، فعلى العاصي أن يعيد لأولئك الناس حقوقهم لتكتمل توبته.6 وكان هذا الموقف، في الواقع، أساس العقيدة الإباضية في الوعد والوعيد وهي الموجهة ضد المرجئة الذين قالوا بأن اعتناق الإسلام ( الشهادة ) هو كل ما مطلوب من المؤمن لكي يدخل الجنة. إن الأحاديث المروية عن الرسول حددت المرجئة بأنهم أولئك الذين يقولون إن الإيمان هو بالقول فقط لا بالعمل.1 ويقال إن جابر بن زيد قال: (( المرجئة هم يهود أهل القبلة لأنهم يعدون أهل المعصية بالجنة وقالوا: (( لمن تمسنا النار إلا أياما معدودة كما قالت اليهود والنصارى )).2 ووضع نظام الولاية والبراءة في مرحلة باكرة من الحركة الإباضية لتنظيم العلاقات بين المؤمنين و العصاة، بحيث يصار إلى تذكير المسلمين باستمرار بأن ممارسة التعاليم الإسلامية فقط هي التي تستحق المحبة والتآلف من خلال الممارسة الكاملة للتعاليم الإسلامية، وأن الذين يهملون واجباتهم الدينية ويصرون على العصيان ينبغي هجرهم وإقصاؤهم إلى أن يتوبوا. وكانت عقيدة الولاية والبراءة من الموضوعات الرئيسة في العقيدة الإباضية. وضعت قواعدها في زمن جابر بن زيد مؤسس الحركة الإباضية. وبالإضافة إلى العدد الكبير من الآيات القرآنية التي بنيت عليها هذه العقيدة، هنالك أيضا عدد كبير من الأحاديث التي اعتبرت كتوجيهات في هذا النظام. ووفقا للربيع بن حبيب، فإن أي حديث يشير إلى شخص بعبارة (( ليس منا )) فذلك يعني أن هذا الشخص ينبغي أ، يعتبر في حالة (( براءة )).3 وقد شرحنا عقيدة الولاية والبراءة بتفصيل في فصل خاص في هذا الكتاب.4 ونذكرها هنا للدلالة على أنها كانت إحدى العقائد الأولى التي ظهرت في الفقه الإباضي. القرآن: من المسائل الرئيسة التي أثارت خلافا كبيرا في علم الكلام الإسلامي بوجه عام، مسائل خلق القرآن، وكلام الله. وتشير الروايات عن بدايات علم الكلام الإباضي إلى أن هذه المسألة نوقشت بطريقة محدودة. والخبر الوحيد عن هذه القضية يتصل بمسألة الزيادة على القرآن أو الحذف منه. وقد قال جابر بن زيد: (( سئل ابن عباس عن القرآن: أيزاد فيه أو ينقص منه ؟ فقال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): لعن الله الزائد في كتاب الله، قال: ومن كفر بحرف فقد كفر بالقرآن أجمع )).1 كذلك روى جابر أن عقبة بن عامر الجهني قال: (( صلى بنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )، صلاة الغداة فقرأ بالمعوذتين فقال: يا عقبة إن هاتين أفضل سورة في القرآن والزبور والإنجيل والتوراة، وقد قال قوم: إنهما ليستا من القرآن فقد كذبوا وأثموا )).2 ويروى أيضا أن ابن عباس قال: (( لو أن أحدا زاد فيه أو نقص منه كان عند الأمة كافرا... وهو كلامه وحجته على عبده وإمام عباده الذي يكون يوم القيامة عليهم شهيدا )).3 ولا ذكر لمسألة خلق القرآن أو أزليته ؛ وقد وصفه ابن عباس بأنه كلام الله، والحجة والإمام. وقد عولجت مسألة الزيادة في القرآن أو الحذف منه لترسيخ موقف الإباضية المعارض لفرع الميمونية الخارجي، أنصار ميمون بن عمران، الذي قال أن سورة يوسف ليست من القرآن، وأنكر أن تكون قصة حب جزءا من كتاب الله.4 وبالنسبة لسورتي (( الفلق )) و (( الناس )) يقال إن الصحابي المعروف عبد الله بن مسعود رفض لبعض الوقت أن يضمهما في جمعه للقرآن، لكنه عاد بعد ذلك فأدخلهما فيه.5 ومن ناحية أخرى يقال إن أبي بن كعب قال إن الدعاء الذي يتلى بعد صلاة الوتر هو جزء من القرآن.1 ومن المحتمل أن بعض الناس ممن تأثروا بموقف ابن مسعود قالوا إن السورتين الأخيرتين في القرآن ليستا إلا دعاء. ولتجنب أي ارتباك يحصل عن الآراء التي تنسب إلى ابن مسعود وأبي بن كعب، فقد جمعت المراجع الإباضية تلك الأحاديث التي تروى عن ابن عباس وعقبة بن عامر للحسم في القضية. أما بالنسبة لمسألة خلق القرآن، فليس معروفا أن الربيع بن حبيب أو خليفته وائل بن أيوب، قد خلصا إلى رأي حولها. وبالنسبة لعبد الله بن يزيد الفزاري، الفقيه النكاري، فقد قارب الموضوع بنفس طريقة جابر بن زيد وناقش فقط مسألة الإضافة للقرآن أو الحذف منه.2 وجرت مناقشة خلق القرآن لأول مرة في الأوساط الإباضية في عمان في العقود الأولى من القرن الهجري الثالث. ولقد قال الفضل بن الحواري ( ت 278 / 891 ) إن شيوخ الإباضية ومنهم الوضاح بن عقبة، وسعيد بن محرز، ومحمد بن هاشم، ومحمد بن محبوب وآخرون، التقوا في منزل في ( دما ) في عمان وتناقشوا في القرآن. محمد بن محبوب قال: (( إنني أقول أن القرآن مخلوق )) ؛ فغضب محمد بن هاشم وقال: (( سأترك عمان ولن أبقى فيها أبدا ))، وظن ابن محبوب أن ابن هاشم يشير إليه فقال: (( أنا أولى بالخروج من عمان ؛ فأنا غريب عنها )).3 وعلى أي حال يروى أن هؤلاء الشيوخ أنفسهم اجتمعوا ثانية، ورجع محمد بن وحبوب عن موقفه السابق لتجنب الانشقاق.4 ويرى أبو يعقوب الوارجلاني أن مسألة خلق القرآن أثارها أبو ساكن الديصاني وهو من أصل فارسي جاء البصرة بغية إفساد المجتمع الإسلامي. وهو الذي أثرا هذه المسألة.1 وقد تكون هذه القصة التي يرويها الوارجلاني غير صحيحة لكنها تبين أن مثل هذه المناقشات التي تؤدي إلى النزاع لم تكن محببة، ولم تكن متوقعة من المسلمين. وللإباضية وجهات نظر مختلفة حول هذه المسألة. وفي عمان كانت هنالك ثلاث وجهات نزر يقول بها كبار علماء القرن الثالث للهجرة: أ – من قال بأن القرآن هو كلمة الله ؛ هو ليس صفة له، ولا لذاته ولا لعلمه. هذه وجهة نظر قال بها أبو علي موسى بن علي ( ت 230 / 844 ) وآخرون. ب – من لم يتوصل إلى أي موقف حاسم من المسألة، كلنهم قالوا بأن القرآن هو كلمة الله ووحيه إلى الرسول، وقالوا بأنها قضية قد يبقى المسلمون جاهلين لها، منقسمين حولها ( مما يسع جهله ). هذا هو موقف محمد بن محبوب. ج – ومن رفض وجهة النظر القائلة بأن القرآن مخلوق واتخذوا موقف (( الوقوف )) ( التحفظ ) بالنسبة للذين قالوا بأن القرآن مخلوق. هذا هو موقف سليمان بن الحكم، والوضاح بن عقبة، ومحمد بن هاشم، وسواهم.2 وبقيت هذه القضية مسألة قام حولها الخلاف بين إباضيي (( الشرق )) حتى وقت لاحق وقال أبو يعقوب الوارجلاني ( ت 750 هـ ) أنه سأل أحمد الحضرمي في مكة عن القرآن، فرد عليه: (( إن أهل عمان يقولون أنه غير مخلوق، فيما يقول أهل شرق أباض إنه مخلوق. أما بالنسبة لنا، أهل حضرموت، فإننا بين بين، لا مع هؤلاء ولا مع الآخرين )).3 على أ، هذه الآراء كانت تعتبر نتيجة الرأي الشخصي الذي يسمح بالخلاف من غير أن يؤثر على الإيمان4. أما بالنسبة للإباضية في شمالي إفريقيا فكانوا جميعا على رأي واحد يقولون إن القرآن مخلوق. وأقدم وثيقة تعالج هذه المسألة هي رسالة ألفها الإمام الرستمي، أبو اليقظان محمد بن أفلح ( ت 281 ) ناقش المسألة بتفصيل مقدما حججا قوية لدعم عقيدة خلق القرآن.1 وكانت الأعمال اللاحقة لمؤلفين من إفريقيا الشمالية تتبنى الموقف نفسه كالإمام محمد بن أفلح. كيف حدث أن الإباضية في شمالي إفريقيا تبنوا وجهة نظر واحدة واضحة حول هذه المسألة فيما كان إباضيو الشرق مرتبكين بهذا الخصوص ؟ هل كان ذلك بسبب تأثير المعتزلة، كما يقول بعض العلماء الأوروبيين ؟ وإذا صح ذلك فلماذا كان النفوذ في شمالي إفريقيا بالغ الفعالية فيما هو أقل فعالية في الشرق ؟ ودعما لوجهة نظر نلينو القائلة بأن الإباضية في شمالي إفريقيا تأثروا بالمعتزلة بالنسبة لعقيدة خلق القرآن، فالمرجح أن هذا التأثير وجد طريقة إلى علم الكلام الإباضي في شمالي إفريقيا بواسطة محمد بن أفلح، الإمام الرستمي الذي وضع أول عمل حول هذه المسألة. والمحتمل نه اقتنع بهذه العقيدة أثناء سجنه في بغداد في عهد أحد الخلفاء العباسيين.2 ولما لم يكن أحد من الأئمة الإباضيين قبله في شمالي إفريقيا قد ناقش هذه المسألة فقد استطاع أبو اليقظان أن يدخل وجهة نظره لأول مرة ؛ ولكونه إمام الدولة الإباضية كلها في شمالي إفريقيا فإن أنصاره ارتضوا وجهة نظهر بالإجماع. ومن ناحية ثانية يحتمل أن تكون عقيدة خلق القرآن قد تطورت، بصورة طبيعية ومستقلة، على أيدي علماء الإباضيين على أساس نظريتهم في ذات الله وصفاته. على أنه برغم ذلك فإن الإباضية في مرحلتهم الأولى لم يعالجوا هذه المسألة من هذه الناحية ؛ وحين عالجوها كانت وجهة نظر المعتزلة حول خلق القرآن قد انتشرت في أوساطهم انتشارا واسعا. الإمامة: كانت مسألة الإمامة من الموضوعات التي عولجت في المرحلة الأولى من تطور علم الكلام الإباضي. والأحاديث التي رواها جابر بن زيد حول هذه المسألة قليلة جدا ؛ وحكم القرشيين مذكور في أحدها كما يلي: (( لا يزال الأمر – يعني الولاية – في قريش ما دام رجلان – وأشار بإصبعيه – ولكن الويل لمن افتتن بالملك )).1 غير أن هذا الحديث لا يذكر أن للقرشيين حقا خاصا بالإمامة. ومن ناحية أخرى هنالك عدد من الأحاديث تتعلق بواجب الطاعة للحكام، وهي تذكر بوضوح أن طاعة أولي الأمر من أمر الله ورسوله .2 ومن ناحية العملة، لم يعترف الإباضيون بإمامة أي شخص آخر غير أئمتهم، مستثنين إمامة عمر الثاني فقط. وقد قامت حركتهم على حافز العودة إلى الخلافة الإسلامية كما كانت في عهد الخليفتين الراشدين الأولين، أبي بكر الصديق وعمر. ووجهوا نشاطاتهم منذ البداية نحو هذا الهدف، وأنشأوا أصولا خاصة لمثل هذه النشاطات. ونقشت هذه الأصول في باب خاص بمراحل المجتمع الإسلامي – مسالك الدين .3 من الآراء الأولى التي تكونت على أساس أحاديث الرسول هنالك رأيان إضافيان يجب أن نذكرهما هنا: 1 – الشفاعة: وقد روى جابر بن زيد أن الرسول قال: (( ما منكم أحد يدخل الجنة إلا بعمل صالح، وبرحمة الله وشفاعتي )).4 ووفقا لأحاديث أخرى رواها جابر بن زيد، لم تكن الشفاعة تحق لمن راتكبوا الكبائر. وروى أن الرسول قال: (( ليست الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي )).1 عند ذاك يحلف جابر أن ليس لأهل الكبائر شفاعة لأن الله قد أوعد أهل الكبائر في كتابه وإن جاء الحديث عن أنس بن مالك أن الشفاعة لأهل الكبائر، فو الله ما عنى القتل والزنى والسحر وما أوعد الله عليه النار، وذكر أ، أنس بن مالك يقول: (( إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر ما كنا نعدها على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )، إلا من الكبائر )).2 وهنالك حديثان آخران يؤيدان هذا الرأي: أ – الرسول قال: (( لا تنال شفاعتي سلطانا غشوما للناس ورجلا لا يراقب الله في اليتيم )).3 ب – (( لا ينال شفاعتي الغالي في الدين ولا الجافي عنه )).4 وهنالك حديث طويل يصف الطريقة التي بها تتم الشفاعة يوم القيامة، مذكورة في المجموعة الإباضية للحديث: إن أهل الإيمان يحبسون في الموقف بعدما بشروا عند الموت وبعدما أجابوا عند المحنة في القبور أن الله ربهم قد غفر لهم وأخذ كتبهم بإيمانهم وابيضت وجوههم ونقلت موازينهم وأراد الله أ، يدخلهم الجنة بالشفاعة، والشفاعة مخزنة لا يصل إليها نبي ولا ملك حتى يفتحها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )، قال: والأنبياء ومن اتبعهم محبوسون والأولون والآخرون، قال: فبينما هم كذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من هذا المقام، فيقول بعضهم لبعض: ( عليكم بآدم )5.... ثم يأتون نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجميعهم يردونهم لذنب اقترفوه وحياء من لقاء ربهم، فيأتون محمدا ( صلى الله عليه وسلم )، (( عبدا قد غفر به ما تقدم من ذنبه وما تأخر ))... حتى يفتح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )، الشفاعة... (( وكذلك شاء الله أن يدخل المؤمنون الجنة بالشفاعة حتى بلغنا أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته إذا كانوا مؤمنين متقين )).1 ب ) والحديث الثاني هو في عذاب القبر. ويشير عدد من الأحاديث التي رواها جابر بن زيد إلى عذاب القبر.2 ويعلق أبو عبيدة قائلا: كان جابر ممن يثبت عذاب القبر )).3 وهذا الموقف أقره الإباضيون بوجه الإجمال، لكن بعض البحاثة الإباضيين أنكروه على أساس المنطق.4 ويمكننا هنا أن نذكر أيضا استنطاق الأموات من قبل المكلين: منكر ونكير حسبما ورد في حديث رواه جابر بن زيد.5 وضع العقيدة الإباضية بالنسبة للفرق الإسلامية الكبرى لاحظ غولدزيهر أن عقيدة عمرو بن جميع الإباضي تشتمل على وجهات نظر ذات طبيعة معتزلية واضحة. وبين وجهات النظر هذه ذكر ما يلي: أ – خلق القرآن. ب – استحالة رؤية الله في الآخرة. ج – تطبيق أسلوب التأويل على التعابير التشبيهية في القرآن، لا سيما بما يتعلق بالاستواء على العرش، وبقضايا معينة تتصل بيوم القيامة، كالصراط والميزان.6 وفي وقت لاحق أشار نلينو إلى أن هنالك نقاطا أخرى اتخذ فيها الإباضية وجهات نظر المعتزلة ذاتها وهي: أ – الله لا يغفر الكبائر ما لم يتب الخاطئ قبل أن يموت. ب – دوام القصاص للمسلمين الذي يواصلون ارتكاب الكبائر ولا تنالهم الشفاعة إلا إذا كانوا قد تابوا قبل مماتهم. ج – صفات الله ليست زائدة على الذات.1 أي أن الصفات هي عين الذات. الظاهر أن الباحثين الأوروبيين الذين ناقشوا هذا الموضوع متفقون على أن كل وجهات النظر هذه في الكلام الإباضي هي من أصل معتزلي ؛ ولن السؤال الذي لم يجيبوا عليه هو: متى وأين ظهر هذا التأثير.2 ومع أن وليم تومسون ارتأى نهجا جديدا في مناقشة هذه المسألة، بقوله بإمكانية نشوء بعض هذه الآراء بين الإباضية بصورة طبيعية ،3 فإن الباحثين اللاحقين لم يواصلوا هذا النمط من التحقيق. وبما أنه أصبح بالإمكان أن نعود إلى عدد كبير من المصادر الإباضية التي لم تكن متوفرة من قبل، فإنه يمكن لنا الآن أن نعرض، بصورة أكثر وضوحا، تطور علم الكلام الإباضي وطبيعة علاقته بالفرق الإسلامية الأخرى على وجه أفضل. من الصعب أن تقرر بالنسبة لوجهات نظر معينة: هل جاءت نتيجة تطور طبيعي داخل الفرقة بالذات، أم نتيجة تأثير خارجي. إن غالبية المناقشات الأولى للمسائل الكلامية من قبل العلماء المسلمين كانت مبنية بطريقة أو بأخرى على أساس القرآن وسنة الرسول، وعلى تفسير هذا المصدر أو ذاك، وعلى درجة المنطق الذي استخدمه هؤلاء الفقهاء في تفسيرهم. هنالك فارق أساسي بين الإباضية والمعتزلة هو أن المعتزلة معروفون باستخدام الأساليب العقلانية في الكلام1 وبقلة مراعاة الحديث2 في حين أن الإباضية لم يأخذوا بالمنطق عند توفر الحديث الموثوق. أما بالنسبة للنشأة فإن غالبية وجهات النظر الإباضية كانت قد استقرت وقت طويل من وجهات نظر المعتزلة. وإذا أخذنا هاتين النقطتين بعين الاعتبار، بقي احتمال بقاء نقطة واحدة فقط من النقاط الست المذكورة أعلاه خاضعة لتأثير المعتزلة على الكلام الإباضي، وهي خلق القرآن. إن جميع النقاط الأخرى كانت المراجع الإباضية قد حددتها في مرحلة باكرة. والواقع أنها كانت قد تحددت من قبل الصحابة على أساس أحاديث منقولة عن الرسول بتسلسل الإسناد. ولم يكن دور المرجع الإباضية غير سرد هذه الآراء واعتمادها. وقد سبق أن ذكرنا أن عددا كبيرا من الأحاديث المدونة في المجموعات الإباضية للأحاديث تذكر بوضوح استحالة رؤية الخالق في اليوم الآخر وترفض جميع أشكال التشبيه أما بالنسبة لكون صفات الله غير إضافية، فإن هذا الموقف اتخذ للتأكيد على وحدانية الله وهي أساس في العقيدة الإسلامية. وبالنسبة للمسألتين الأخريين اللتين تتعلقان بدوام العقوبة للمسلمين الذين يرتكبون الكبائر، بالشفاعة وغفران الله لأولئك الذين اقترفوا الكبائر، فقد عالجهما جابر بن زيد أول إمام للمذهب الإباضي، على أساس الآيات القرآنية وأحاديث الرسول. لقد نشأت المسألة من الآية التالية: ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ).3 ووفقا لابن عباس أن ارتكاب ما ينهون عنه في القرآن هو إحدى الكبائر، وارتكاب ما تنهى عنه السنة يعتبر معصية. والغفران المذكور في الآية السابقة متعلق بالسيئات فقط، أي بالمعاصي، وبذلك تبقى جميع الكبائر سببا للوعيد.1 وهنالك آيات أخرى تتناول هذه المسألة: 1 – ( إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم ).2 2 – ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ).3 3 – ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ).4 4 – ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ).5 في الآية الأولى لم يحدد الله شرطا للغفران، وفي الآية الرابعة لم يشترط أي شرط للعقوبة الدائمة للذين يعصون الله ورسوله، وهكذا فإن الآيتين هما بمثابة قول عام حول المسألة. أما في الآية الثانية وفي الآية الثالثة فقد فرض التوبة شرطا لغفرانه ؛ ولقد قال أيضا: ( وإني لغفار لمن تاب ).6 ونشأ الخلاف في الرأي حول هذه المسألة بالنسبة لإرادة الله في ما يتعلق بغفران الذنوب التي هي دون الشرك. وكان رأي جابر بن زيد أن (( الله أبلغنا مشيئته بالنسبة للمغفرة. إذ قال أنه يريد أن يغفر على التوبة.( وإني لغفار لمن تاب ).7 وبما أن القرآن يذكر أن الذين يعصون الخالق ورسوله يخلدون في نار جهنم إلى الأبد، فلا مبرر لعدم تنفيذ ذلك إلا إذا تابوا، كما هو مبين في القرآن فالتوبة فقط هي التي تنقذهم من الخلود في النار. وبالنسبة للشفاعة فقد روى جابر بن زيد عددا من الأحاديث عن الرسول بخصوص أولئك الذين يستحقون الشفاعة. وقد ذكر جابر بوضوح أن الشفاعة ليست للخاطئين الذين لم يتوبوا قبل أن يموتوا .1 أما بالنسبة لخلق القرآن، فقد كانت للإباضية كما سبق أن شرحنا، ثلاثة آراء مختلفة، أحدها أن القرآن مخلوق. ولقد نظروا إلى هذه المسألة كواحدة من تلك المسائل التي يمكنهم أن يختلفوا حولها بناء على حكم شخصي أو اجتهاد. وهي لذلك ليست من العقائد الأساسية التي ينبغي اتخاذ نظرة معينة بشأنها، كما هي الحال بالنسبة للمعتزلة. إن احتمال تأثير المعتزلة في هذه القضية ذكر من قبل. والظاهر أن هذا الاحتمال لا يمكن إنكاره لأن الإباضية لم يناقشوا المسألة من هذه الزاوية قبل أن أثارها المعتزلة. ومع أن الإباضية والمعتزلة اعتمدوا وجهات النظر نفسها حول هذه العقائد المذكورة أعلاه، فالحقيقة هي أ، الإباضية كانوا قد صاغوا وجهات نظرهم حول هذه المسائل في مرحلة سابقة ؛ وقد كانت قائمة على أحاديث مروية عن الرسول أو على آراء بعض الصحابة بالنسبة لتفسير آيات قرآنية معينة عالجت بعض تلك العقائد. ومن ناحية أخرى، عارض الإباضية بقوة بعض وجهات نظر المعتزلة الأساسية، حول القدر، والإرادة الإلهية والمنزلة بين المنزلتين. وبالنسبة للمسألتين الأوليين، أي القدر والإرادة الإلهية، قال الإباضية إن الله هو خالق الإنسان وأعماله، وأن الإنسان هو الذي يقوم بعمله. وبالنسبة للإرادة الإلهية، قال الإباضية إن كل شيء يحدث في هذا العالم، سواء كان صالحا أم سيئا، هو بإرادة الله، ثم إن هذين الرأيين تبناهما الأشاعرة. وطور المعتزلة بين المنزلتين للحالة التي تقع بين الإيمان والشرك ؛ ورفضوا أن يعتبروا مرتكب الكبيرة، مؤمنا كما فعل المرجئة، وكذلك رفضوا أ، يعتبروه كافرا كفر نعمة، وعتبروه فاسقا في منزلة بين المنزلتين، قاصدين بذلك أنه لا هو بمؤمن ولا هو بكافر. وميز الإباضية موقفهم حيال هذه المسألة بالمبدأين التاليين: 1 ) إن المنزلة بين المنزلتين تفترض منزلة نفاق بين الإيمان والشرك. وهو موقف معارض للمرجئة الذين رفضوا النظر إلى مرتكب الكبيرة بأنه غير مؤمن ؛ وهو معارض للخوارج الذين نظروا إلى كل من يرتكب الكبائر أنه مشرك. 2 ) لا منزلة بين المنزلتين، أي أنه لا منزلة بين الإيمان والكفر. وعندهم أن أولئك الذين لا يمارسون تعاليم الدين هم (( كفار النعم )). وهو موقف موجه ضد نظرة المعتزلة إلى هذه القضية. وبالنسبة للإباضية إن عبارات الفسق والنفاق وكفر النعمة واحدة وهي تعني نفاقا. إن الذي يقع في هذه الفئة لا هو بمؤمن ولا هو بمشرك لكنه كافر نعمة، أو منافق كالمنافقين في زمن الرسول عليه السلام. فروع المذهب الإباضي نخصص الصفحات التالية لدراسة تطور المناقشات الكلامية في المذهب الإباضي، ووجهات النظر المختلفة التي ظهرت بالتالي، ثم الانقسامات التي تفرعت بالتالي عن المذهب. كان البحاثة البولوني تاديوش ليفتسكي أول بحاثة عالج هذا الموضوع باعتماد معلومات من مصادر إباضية وجاءت مقالته عن (( الانقسامات الإباضية الفرعية ))1 خير دراسة عن المجموعات الإباضية الفقهية. وفي هذا العمل نأمل أن نقدم دراسة لهذا الموضوع أكثر تفصيلا. نحن لا ننوي أن نتناول الانقسامات الفرعية عن الإباضية في (( الشرق )) إلا حين تكون ذات صلة بالانقسامات الإباضية الفرعية في شمالي إفريقيا. إن المصادر التي تتوفر لنا تحتوي على مقدار محدود جدا من المعلومات حول المناقشات الكلامية الأولى التي جرت في مرحلة الأولى بين علماء الإباضية في زمن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة. ويذكر الإباضية شخصا باسم صالح بن كثير ( أو كثير ) أثار مسائل جعلت الإباضية يتجنبونه.2 لسنا نعرف ماذا كانت هذه المسائل، ولكن نسبتها إلى متكلم تشير إلى أنها ربما كانت ذات طبيعة كلامية. والظاهر أن وجهات نظره لم تكن ذات أهمية كبيرة، وأنها لم تكن تحمل محملا جديا، لا من قبله ولا من قبل معاصري الإباضية، إذ إنه ظل موقرا إلى حد كاف لاختياره لمفاوضة عبد الله بن الحسن باسم الإباضية3 وبرغم أن المفاوضات لم تجر، فإن ذلك دليل على أن (( صالح )) كان لا يزال مقبولا في المجتمع الإباضي. وكانت مسألة القدر تربك بعض الباحثين الإباضية، وتبنى البعض منهم وجهات نظر القدرية. وبين هؤلاء حمزة الكوفي، والحارث بن مزيد الإباضي، وعالم آخر يدعى عطية من خراسان.4 لقد كانوا جميعا متأثرين بوجهة نظر القدرية بشأن خلق الأعمال، أي أن الإنسان هو خالق أعماله، لا الله ؛ وعارضهم أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة بقوة، ومن ثم نبذهم الإباضية.5 والمسألة الثانية التي ظهرت حولها الخلافات بين الإباضية في هذه المرحلة هي عقيدة الولاية والبراءة. ويروى أن شابا إباضيا يدعى عبد الرحمن بن المؤسر قال إن جميع الناس هم أهل ولاية، إلا من ظهر لي منه ما أبر به منه. وحاول والده وعلماء آخرون أن يحملوه على تغيير آرائه وتصحيحها، لكنه رفض تغييرها. فخلعوه وبرؤا منه وأعملوا الناس أنه ليس منهم.1 وهنالك حادثة أخرى ذات طبيعة مماثلة جرت خلال هذه المرحلة. فقد وجد الحارث بن تليد إمام طرابلس الإباضي، وقاضيه عبد الجبار بن قيس المرادي قتيلين، وسيف كل واحد منهم مغروس في جسم الآخر ؛ لم يعلم أحد هل كان أحدهما هو الذي قتل الآخر ؛ وإذا كان الأمر كذلك، فمن المخطئ منهما ؟ وكانت المسألة: هل يبقيان في حالة الولاية أم ينقلان إلى حالتي الوقوف أو البراءة.2 ونشأت بالتالي آراء متناقضة حول الموضوع بين الإباضية في شمالي إفريقيا ثم عرضت القضية على أبي عبيدة في البصرة للحسم فيها. 3 وهنالك مسألة أخرى يورى أنها نشأت خلال النقاش في المجتمع الإباضي حول مسألة ثبوت الحجة. ولقد دار النقاش فيها حول قضية افتراضية عن مسيحي لم يكن قد سمع بنبي الإسلام، وهدى مجوسيا إلى اعتناق المسيحية. وجاء عدد من الشبان الإباضيين إلى أبي عبيدة برأي غريب هو أن المسيحي مسلم لأنه لم يكن قد سمع بالنبي محمد، وأن المجوسي كافر برغم اعتناقه المسيحية. ولكن أبا عبيدة رفض وجهة نظرهم هذه وبرئ منهم.4 وهذه النظرة أثيرت من قبل الفرقة الحسينية في وقت لاحق.5 بعد وفاة أبي عبيدة نشأ مجال نزاع واختلاف في الرأي ؛ إذ فقدت الحركة الإباضية بموته قيادة قوية حافظت على وحدة الحركة وأمنت قرارات حاسمة حول المسائل التي كانت تنشأ بين الحين والآخر. وتوسعت الحركة، ولكن الربيع بن حبيب الذي خلف أبا عبيدة بصفته قائدها الديني، أخفق في كسب الدعم له والقبول به من قبل جميع معاصريه. وفي هذه الفترة بدأ ظهور الفئات الإباضية المنشقة. سنعالج هنا أولا الحركة الأصلية أو التيار الأساسي في المذهب الإباضي، وهو الذي عرف بالوهبية. وبعد عرض وجهات نظرهم الأساسية يمكن بالتالي فهم طبيعة الخلاف بين المجموعات الإباضية. 1- الوهبية: تميز التيار الأساسي في الحركة الإباضية في شمالي إفريقيا باسم الوهبية، وهنالك آراء متعددة حول نشأة هذه التسمية. ويقول ابن الدقيق إنها سميت بذلك على اسم عبد الوهاب، الإمام الرستمي الثاني1 وهذا الرأي نفسه رواه ابن الصغير على أنه أنكر المعرفة بمصدره.2 واستعمل القلهاتي في كتابه (( الكشف والبيان )) اسم الوهبية للإباضيين بوجه عام وذكر أن التسمية هي على اسم عبد الله بن وهب الراسبي.3 واعتمد الباحثان الإباضيان المعاصران في شمالي إفريقيا، محمد يوسف اطفيش وعبد الله الباروني، هذا الرأي نفسه وقالا بأن الوهبية هي على اسم عبد الله بن وهب لا عبد الوهاب. وحجة اطفيش أن التسمية لو كانت على اسم عبد الوهاب، لكان يجب أن تكون وهابية لا وهبية.1 ولكن هذا الرأي يستند إلى قواعد اللغة العربية فقط. يجدر بنا أن نذكر هنا أن الاسم استعمل بالدرجة الأولى من قبل البربر في شمالي إفريقيا، ومن الممكن أن الشكل الصحيح للاسم حور لتسهيله على النطق البربري، فأصبح الوهبية بدلا من الشكل الصحيح وهو الوهابية. والحقيقة الأخرى التي تدعم القول بأن اسم الوهبية مشتق من عبد الوهاب هو أن الاسم لم يظهر قبل معارضة النكار لإمامة عبد الوهاب، وهي المعارضة التي شقت الأمة الإباضية في شمالي إفريقيا إلى فريقين، أتباع يزيد بن فندين الذين سموا بالنكار وأتباع عبد الوهاب الذين كان يجب أن يسموا بالوهابية، على اسمه، كما أشير من قبل، ولكن الاسم عدل فأصبح الوهبية. وتمثل الوهبية التيار الرئيس للإباضية في شمالي إفريقيا. وقد لعبت الدور الأهم في الميدانين السياسي والفكري، وهي المجموعة الوحيدة التي تمكنت من أن تستمر بوجودها حتى الآونة الحاضرة. نحن مدينون إلى هذه المجموعة وإلى أدبها بخصوص كل المعلومات هن المجتمعات الإباضية ونشاطاتها في الماضي. وبما أن هذا الفصل معني بالدرجة الأولى بالفروق الكلامية بين المجموعات الإباضية المختلفة، فإنه من المفيد أن نقدم هنا ترجمة (( للعقيدة )) الوهبية كما كتبها أبو ساكن عامر بن علي الشماخي ( ت 592 هـ ). وللمزيد من التفاصيل عن الآراء الكلامية للوهبية وعقائدها تتوفر دراسات اختصاصية للإطلاع عليها باللغتين الفرنسية والإيطالية.2 الديانات ( العقيدة الإباضية الوهبية ) بقلم: عامر بن علي الشماخي (( وإنما جاء اختلاف الناس من قبل تسعة أصول، وهي: التوحيد، والعدل، والقدر، والولاية والعداوة، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، وأن لا منزلة بين المنزلتين، والأسماء1 والأحكام. 1 – التوحيد: ندين بأن الله واحد ليس كمثله شيء في صفة ولا في ذات، وفي فعل. وندين بأنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة: ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ).2 وندين بأن استوى على العرش، وعلى كل شيء استواء غير معقول. والاستواء صفة له، لم يزل ربنا موصوفا بها. وندين بأنه في كل مكان بالحفظ والقدرة، وبكونه في الأشياء ومع الأشياء بالإحاطة لها وبالزيادة وبالنقصان، ولا على الحلول والتمكن والإجنان. وندين بأن أسماءه هو، وبأن صفته هو، وندين بأنه ليس ثم شيء غيره، لا يجري عليه العد والتغاير والاختلاف. 2 – العدل: ندين بأن الله عدل لا ينسب إليه الجور في حكم ولا في فصل، وندين بتصويب أهل النهر الذين أنكروا على علي تحكيم الحكمين بعد حكم الله تعالى في الفئة الباغية حين قال: ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله.1 وندين بأن الله ( لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) ،2 ومعناه لا يؤاخذهم بغير ما اكتسبوه، ولا يعذبهم بغير ما اجترموه. وندين بأن أفعال العباد اكتسبوها وعملوها، ولم يجبروا عليها، ولم يضطروا إليها. ( ورد في أصل البحث بالإنكليزية كلمة SERVANTS وتعني العباد. وقد أشار إليها في الهامش.3 3 – القدر: وندين بأن الله خالق كل شيء وعالم بكل شيء، ومريد كل شيء. وندين بأن القدر خيره وشره من الله. وندين بأن الله خالق أفعال العباد ومحدثها ومريدها. وندين بأن الله كلامه ووحيه ومحدثه وجاعله ومنزله. 4 – الولاية والعداوة: ندين بأن الله وال لأوليائه ومعاد لأعدائه. وندين بأن ولاية الله وعداوته لا تتغيران بتغير الأزمان ولا تتقلبان بتقلب الأحوال. وندين بولاية المسلمين كافة، وبراءة الكافرين كافة. وندين بولاية الذين ذكرهم الله في كتابه أنهم من أهل الجنة. وندين ببراءة الذين ذكرهم الله في كتابه أنهم من أهل النار. وندين بولاية المخصوص الموفي بدين الله، وببراءة المخصوص المرتكب للكبائر. وندين ببراءة المخالفين النافين لما في أيدينا مما ندين به من دين ربنا. وندين بأن الولاية لا يزيحها إلا البراءة، والبراءة لا يزيحها إلا الولاية. وندين بأن الوقوف عند الذي لم يعرف منه إيمان ولا كفر. 5 – الأمر والنهي: ندين بأن الله أمر بطاعته ونهى عن معصيته. وندين بأن طاعة الله كلها إيمان. وليست معصيته كلها كفرا. وندين بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب في كل زمان على قدر الطاقة. وندين بأن الإمامة واجبة على الناس إذا قدروا عليها. 6 – الوعد والوعيد: ندين بأن الله صادق في وعده ووعيده. وندين بتخليد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. وندين بأن ثوابه لأوليائه في الآخرة وعقابه لأعدائه في الآخرة لا يشبه ثوابه وعقابه في الدار الدنيا. 7 – المنزلة بين المنزلتين: ندين بأن منزلة النفاق بين منزلة الإيمان ونزلة الشرك. وندين بأن المنافقين ليسوا بمؤمنين ولا بمشركين. وندين بأن المشركين ليسوا بمؤمنين ولا بمنافقين. وندين بأن المؤمنين ليسوا بمنافقين ولا بمشركين. ومن سمى كل واحد منهم باسم الآخر فقد كفر.1 8- لا منزلة بين المنزلتين: وندين بأن لا منزلة بين منزلة الإيمان ومنزلة الكفر. وندين بتكفير من زعم أن طاعة الله كلها توحيد، وأن معصية الله كلها شرك. وندين بتكفير من زعم أن الإيمان كله توحيد، والكفر كله شرك. وندين بأن الله يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر. ولا يغفر الكبائر إلا بالتوبة. وندين بتكفير المرأة الفاسقة التي تؤتي فيما دون فرجها. وندين بتكفير أهل التأويل المخطئين في تأويلهم. 9 – الأسماء والأحكام: وندين بأن الأسماء تابعة للأحكام. وندين بأن أحكام الموحدين ليست كأحكام المشركين، وأحكام المشركين ليست كأحكام الموحدين. وندين بأن أحكام الموحدين بينهم واحدة إلا في الولاية والتسمية بالإيمان فإنها لا يستحقها إلا المؤمن الموفي بدينه. وندين بأن أهل الكتاب اليهود والنصارى والصابئين ليسوا بمؤمنين ولكنهم مشركون. وندين بتكفير من بدل أحكام الله وأحكام رسوله. وندين بتكفير من أنكر الرأي والسنة. وندين بأن حجة الله على عباده الكتب والرسل. وندين بأن لا هجرة بعد فتح مكة. وندين بأن معرفة الله لا تنال بالتكفير ولا بالاضطراب، وإنما تنال بالكتاب والتعليم. وذلك يصح بعد مخبر منبه على ذلك. 2 – النكار: تعود بذور مجموعة النكار المنشقة إلى زمن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة وهم عدد من تلامذته الفكريين الذين امتلكوا أو طوروا جهات نظر معينة حول المسائل العقدية والفقهية وهم عبد الله بن عبد العزيز، وأبو المعروف شعيب، وأبو المؤرخ عمرو بن محمد، وحاتم بن منصور، وعبد الله بن يزيد الفزاري. لقد عبر هؤلاء عن بعض أفكارهم أثناء حياة أبي عبيدة، لكنه أنركها عليهم وطردهم من المجالس.1 ويقال إنهم ندموا وتابوا، وسمح لهم بالعودة إلى مجالس الإباضية والإسهام في نشاطات المجموعة الإباضية في البصرة.2 لكنهم عادوا بعد وفاة أبي عبيدة فأكدوا على وجهات نظرهم. وترك الأمر للربيع بن حبيب، خليفة أبي عبيدة، كي يرفض وجهات نظرهم ويشجبهم.3 هؤلاء أنفسهم هم الذين أسسوا أهم مجموعة إباضية إلى جانب المذهب الإباضي الأصلي والرئيس، أي الوهبية. وقد بدأ أساس حركتهم كمعارضة سياسية للوهبية في شمالي إفريقيا، لكن الجانب الفكري للحركة بدأ وتطور على أيدي هؤلاء العلماء في البصرة. عرفت هذه المجموعة المنشقة بالنكار لإنكارهم إمامة عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم.4 وعرفوا كذلك بأسماء أخرى: الناكثة، أو النكاثة، أو النكاث، من كلمة (( نكث )) أي (( نكر )) لأنهم نكثوا اليمين التي قطعوها لعبد الوهاب ؛1 أو بالنجوية من كلمة نجوى، أي الخديعة السرية التي عرفت عنهم عند مناقشة مسألة الإمامة بعد وفاة الإمام الرستمي الأول واختيار ابنه عبد الوهاب.2 وكذلك أطلق عليهم اسم الملحدة لأنهم الحدوا بالنسبة لأسماء الله ؛3 أو باليزيدية على اسم فقيههم عبد الله بن يزيد الفزاري، أو ربما على اسم زعيمهم السياسي في تاهرت، يزيد بن فندين ؛4 أو بالشغبية بسبب الشغب الذي أحدثوه ،5 وبالمستاوة نسبة إلى اسم إحدى قبائل البربر الرئيسة المؤيدة لهم.6 والواقع أن فرع النكار في المذهب الإباضي كان حركة متكاملة متماسكة، حاولت أن تكون مستقلة عن حركة الإباضية الأم. لقد طوروا آراءهم العقدية واتبعوا رأي أئمتهم الخاصة في الفقه. ووفقا للمؤرخين الإباضيين، فقد كان النكار يتبعون عبد الله بن عبد العزيز، وأبا المؤرخ، وحاتم بن منصور في الفقه، وعبد الله بن يزيد الفزاري في الكلام.7 كان عبد الله بن يزيد الذي وضع الأسس الكلامية للمجوعة الإباضية يعيش في الكوفة ( القرن الثاني – القرن الثالث للهجرة ). ويقول المسعودي أنه كان (( جرازا )) أي صانع أحذية، اختصاصيا في صناعة الجلد، كما كان شريكا تجاريا للحكم بن هشام. وكان أتباعه يأتون إليه في محله في الكوفة ليتعلموا منه ،8 وكتب عددا من الكتب في الكلام. ونسب ابن النديم إليه المؤلفات التالية: كتاب التوحيد ؛ كتاب الرد على المعتزلة ؛ كتاب الرد على الرافضة ؛ وكتاب الاستطاعة.1 وحين كنت أبحث في مجموعات خاصة من المخطوطات الإباضية في شمالي إفريقيا، عثرت على أحد الكتب المنسوبة إلى عبد الله بن يزيد عنوانه: كتاب الردود.2 وهذا الكتاب، على ما هو معلوم حتى الآن، هو العمل الوحيد الباقي لفقيه نكاري، غير أن هنالك أملا كبيرا باكتشاف المزيد من مخطوطات آدابهم في زواره ( ليبيا ) وجربة. لقد سبق أن ذكرنا أن الزعماء النكاريين بدأوا حركتهم بمعارضة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة حول بعض القضايا، ومنها أ، المسلمين الذين يؤمنون بآراء تشبيهية حول الخالق هم مشركون.3 كذلك قالوا أن ولاية الله تتغير وفقا لحالة الشخص ؛ فإذا ما قام بأعمال صالحة نال ولاية الله،وإذا ما ارتكب الذنوب فقد تلك الحالة .4 كذلك كان لهم رأي مغاير حول مسألة الحارث وعبد الجبار وأعلنوهما في حالة (( وقوف )).5 ولقد واجهوا معارضة قوية على هذه الآراء وعلى غيرها من الآراء الفقهية من قبل أبي عبيدة ثم خليفته الربيع بن حبيب. وعند وفاة الإمام الرستمي الأول في تاهرت واختيار ابنه عبد الوهاب خليفة له، تكشفت الأهداف السياسية للنكار، وقامت الاتصالات بين النكار في المغرب وأنصارهم في الشرق. وكان أبو قدامة يزيد بن فندين من بني يفرن، أحد فروع قبيلة زناية من البربر، وأحد القادة الإباضيين في شمالي إفريقيا وأحد الرجال الستة الذين منهم اختير إمام تاهرت الثاني عبد الوهاب، قد رفض أن يعلن ولاءه للإمام الجديد ما لم يوافق على شرط عدم اتخاذ أي قرار إلا بموافقة جماعة معينة.1 ورفض بقية قادة الإباضية في شمالي إفريقيا هذا الإنذار وأصبح عبد الوهاب الإمام الثاني للدولة الإباضية. وأنكر يزيد بن فندين وأنصاره إمامة عبد الوهاب، وحاول بعضهم اغتياله. وبسبب إخفاقهم اضطروا أن يقاوموه علنا خشية أن يعاقبهم على محاولتهم الفاشلة.2 وبعد فترة من القتال، اتفق الطرفان على الكتابة إلى العلماء الإباضيين في الشرق بخصوص نزاعهم وانتظار ردهم لتحديد المخطئ. وفي الطريق، قصد الموفدون أبا المعروف شعيب الذي كان في مصر آنذاك وشرحوا له الوضع في تاهرت، ثم قصدوا مكة حيث اجتمعوا بالربيع بن حبيب، ووائل بن أيوب، وأبي غسان مخلد بن العمرد، وسواهم. وقدم الوفد لهم الرسائل التي يحملونها من شمالي إفريقيا، وعرضوا لهم الوضع ثم عادوا بردهم.3 ويتبين من رد الشيوخ الإباضيين في الشرق، أي الربيع وزملائه، أن النزاع بين الإباضيين في شمالي إفريقيا قام على المسألتين التاليتين: 1 ) الشروط المفروضة على الإمام. 2 ) إمامة المفضول مع وجود الأفضل.4 وجاء حكم الربيع وزملائه حول هاتين المسألتين لصالح عبد الوهاب وفريقه. لقد تقرر أنه لا يجوز وضع شروط على الإمام، وأنه يمكن لكل شخص مناسب أن ينتخب إماما حتى ولو توفر آخرون متفوقون بصفاتهم عليه.5 أما شعيب بن المعروف فتوجه إلى تاهرت وانضم إلى المتمردين الذين كانوا يقاومون عبد الوهاب قبل وصول الرد من العلماء الإباضيين في (( الشرق )). وقتل يزيد بن فندين وهزم فريقه، وعاد شعيب إلى طرابلس حيث واصل معارضته الأدبية لعبد الوهاب.1 ولدى سماع النبأ بموقف شعيب ونشاطاته المعادية للإمام عبد الوهاب، عمد الربيع بن حبيب وزملاؤه إلى التنصل منه.2 وكان من شأن هذا الموقف الذي اتخذه الربيع أن يدفع بقية فريق ابن فندين إلى التعاطف مع خصوم الربيع بين العلماء الإباضيين في الشرق ومنهم شعيب بن المعروف ن وعبد الله بن عبد العزيز، وعبد الله بن يزيد وسواهم. هكذا وقع التلاحم بين طرفي الحركة النكارية، الشرقي والغربي. ونمت المجموعة النكارية في شمالي إفريقيا وكونت هيئاتها ومجالسها العزابة.3 ومع بداية القرن الرابع للهجرة حاولت إقامة إمامتها بقيادة أبي يزيد مخلد بن كيداد من بني يفرن، وهي نفس قبيلة البربر التي منها يزيد بن فندين مؤسس الحركة النكارية. وبين 316 – 336 هـ تغلب أبو يزيد على القسم الأكبر من وسط شمالي إفريقيا لكنه هزم وصرع على يدي الحاكم الفاطمي المنصور بن القاسم سنة 336 هـ.4 وانتشرت النكارية في مختلف أنحاء شمالي إفريقيا ثم وجدت طريقها إلى الأندلس أيضا حيث كانت قوية إلى حد كاف لتؤسس لها دولها الخاصة بها في بعض المدن.1 ووفقا لما قاله ابن حزم كان غالبية الخوارج في الأندلس ينتسبون إلى الفرع النكاري من الإباضية.2 إن أدب النكار المتوفر لنا محدود جدا ولا يمكن له أني غطي جميع نواحي وجهات نظرهم. ولذلك يجد المرء نفسه ملزما بدارسة وجهات نظرهم كما يقدمها لنا الإباضيون الوهبيون. إن وجهات نظرهم موجودة بالدرجة الأولى في عملين صغيرين مخصصين لموضوع الفرق الإسلامية. والعمل الأول رسالة صغيرة لأبي عمرو عثمان بن خليفة السوفي ( في النصف الأول من القرن السادس للهجرة ) عنوانها (( رسالة في بيان كل فرقة )) ،3 وهي تحتوي على عرض مفيد لآراء الفرق الإسلامية. والعمل الثاني هو قصيدة ( أرجوزة ) من111 بيتا من تأليف الشيخ صالح بن إبراهيم بن أبي صالح المصعبي4 وهي في نفس موضوع رسالة أبي عمرو. ثم إن شروح وجهات نظر النكار معروضة في الأعمال التاريخية العقدية للإباضية في شمالي إفريقيا. وقد قدم أبو يعقوب الوارجلاني العرض التالي للنكار: (( ليس في جميع المذاهب من هو أقرب إلينا، وهو في الوقت نفسه أيضا أبعد ما يكون عن السوء والكبرياء، والجهل، والنكد )).1 أما أبو عمرو عثمان بن خليفة فوصفهم كما يلي: (( هم فئة بعيدة جدا عن الحق، بطبيعة مريبة، وآراء ذميمة )).2 وعلى أية حال فقد اعتبر الإباضية الوهبية النكار كفار نعمة، وكانت العلاقة بين الفريقين ذات طبيعة عدائية. وفيما يلي معتقدات النكار التي اختلفوا بشأنها عن الإباضية الوهبية: 1 ) أسماء الله مخلوقة. 2 ) حجة الله ليست ملزمة. 3 ) ولاية الله للمسلمين متقلبة. 4 ) قالوا بالوقوف في مسألة الحارث وعبد الجبار. 5 ) اتخذوا موقف الوقوف بالنسبة لجميع الأطفال. 6 ) لا يلزم العلم بالفرائض عدا التوحيد. ولكن يلزم العمل بتلك الفرائض. 7 ) الله لم يأمر الناس بالنوافل. أو أن النوافل غير مأمور بها. 8 ) المسلمون الذين يؤمنون بالتشبيه في حق الله هم مشركون. 9 ) النساء اللواتي يؤتين بما دون الفرج، والرجال الذين يرتكبون فاحشة المفاخذة ليسوا كفارا. 10 ) إن الذي يسرق ما دون ربع دينار لا يعاقب ولا يعتبر كافرا لأنه لم يسرق المبلغ الذي يجعله معرضا للعقوبة الشرعية. 11 ) النظر بشهوة من النساء والرجال والقبلة ودخول الحمامات من غير إزار وإهانة الآخرين ؛ هذه كلها صغائر لا كبائر. 12 ) صلاة الجمعة في عهد الحاكم الجائر غير جائزة. 13 ) عطايا الحكام الجائرين غير جائزة. 14 ) الحرام المجهول مباح. 15 ) تناول الخمرة بسبب التقية مباح. 16 ) لا تجوز إمامة رجل إذا كان في المسلمين من هو أعلم منه. 17 ) الإمامة ليست واجبة. 18 ) يجب دعوة المشركين إلى الشهادة، وإعلان البراءة من أهل البدع. 19 ) المرأة المرتدة لا يجوز أن تقتل. 20 ) بالنسبة للقضايا التي تختلف فيها آراء الفقهاء، يكون الصواب مع واحد ويحظر على الناس أن يختلفوا معه.1 هذه هي غالبية نقاط الخلاف بين النكار والإباضية الوهبية كما يعرضها هؤلاء. ويتوقع لاكتشاف أعمال النكار أنفسهم ولأعمال وهبية أخرى أن يسهم في تكوين فكرة أوضح عن النكار وآرائهم. وإلى جانب النكار تذكر المصادر الإباضية ست مجموعات أخرى منشقة كانت لها آراء مختلفة عن آراء الوهبيين.... ثم إن اثنين منها تأسستا لأسباب سياسية هما الخلفية والنفاثية. 3 – الخلفية: الخلفية هم أتباع خلف بن السمح، حفيد أبي الخطاب عبد الأعلى المعافري، أول إمام للدولة الإباضية في شمالي إفريقيا.1 والسمح، والد خلف كان وزيرا لعبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم. وبناء على طلب أهل جبل نفوسة عينه عبد الوهاب حاكما على الجبل2 وبعد وفاة والده، حاول خلف أن ينشيء إمامة مستقلة في جبل نفوسة والمناطق المجاورة.3 ورأيه هو أن المسافة بين الجبل وعاصمة الإمامة في تاهرت طويلة جدا مفصولة بمناطق كبيرة يحكمها الأغالبة مما يجعل الإدارة غير فعالة.4 ووفقا لأبي عمرو عثمان بن خليفة، تلك كانت نقطة الخلاف الوحيدة بين الإباضية الخلفية والإباضية الوهبية: الخلفية كانت ترى أنه ينبغي أن يكون لكل حوزة إمام مستقل، وأنه ليس للأئمة الآخرين أن يتدخلوا في شؤونها5 وبدأ خلف حركته هذه في السنوات الأخيرة من إمامة عبد الوهاب ( نهاية القرن الثاني للهجرة )، وحكم القسم الشرقي من المنطقة الإباضية بين جادوا وطرابلس، وحظي بتأييد بني يفرن وزواغة معا.6 وخاض معركتين كبيرتين ضد أبي عبيدة عبد الحميد الجناوني، حاكم الجبل، وكانت ثانيهما في سنة 221 / 835.7 كذلك حارب العباس بن أيوب، خليفة أبي عبيدة.8 وبعد وفاته واصل أتباعه معارضتهم لحاكم الجبل ولإمامة تاهرت حتى قائد نفوسة القوي، أبو منصور إلياس وأجبرهم على الفرار إلى جزيرة جربة حيث طوق قواهم وأسر قائدهم الطيب بن خلف.1 ويقال إن الطيب تاب وقضى بقية حياته في الجبل.2 وتمسكت أقلية من أتباع خلف بوجهة نظرها فيما كانت تعيش مع مجموعات أخرى من النكار والحسينية في القسم الشرقي من جبل نفوسة في يفرن، وبابل، وتكبال وككلة.3 حتى زمن أبي يحيى زكريا بن إبراهيم الباروني ( النصف الثاني من القرن الخامس للهجرة )، وهو الذي استردها إلى المذهب الوهبي.4 النفاثية: والمجموعة الأخرى المنشقة التي ظهرت لأسباب ذات طبيعة سياسية هي الفناثية، أتباع نفاث5 بفرج بن نصر. وكان هؤلاء يدعون بالكتمانية أيضا.6 والنفاث نفوسي المنشأ، درس في تاهرت على أيدي الأئمة الرستميين وغيرهم من العلماء الإباضيين في تاهرت.7 ومن التلامذة المعاصرين له سعد بن أبي يونس، ابن حاكم قنطراره.8 قصدا تاهرت معا للدراسة، وبعد وفاة أبي يونس قرر ابنه سعد أن يعود إلى قنطراره، فيما عاد نفاث برفقته.9 وبما أن نفاثا كان قد نال مستوى عاليا من العلم فقد توقع أن يعينه الإمام أفلح حاكما على قنطراره وهو المنصب الذي شغر بوفاة أبي يونس. غير أن أفلح عين سعدا في مكان أبيه. ويقول المؤرخون الإباضيون أن ذلك هو السبب الذي حمل نفاثا على أن يحقد على الإمام أفلح، وأن يباشر بنشر الاتهامات في حقه.1 وتدل المراسلات بين أفلح وعماله بالنسبة لقضية نفاث أنه كان يحمل وجهات نظر تعتبر بدعة. وقد وصف بأنه شاب جاهل لا خبرة لديه. وأشير إلى إحدى بدعه في إحدى رسائل الإمام أفلح. وفي رسالته الأخيرة إلى نفاث، اتهمه أفلح بأنه أحد الذي اعتقدوا بأن عمال الدولة الرستمية الذي كانوا في حالة (( كتمان )) لم يكونوا غير أساقفة، ولذلك لا تجوز طاعتهم لأنهم لا يملكون قوة إدارية.2 وفيما يلي عرض لوجهة نظره كما ذكرها أبو عمرو السوفي: 1 – إن الله هو الدهر الدائم. حين سئل ما معنى ذلك أجاب: وجدته في (( الدفتر )). 2 _ الخطبة في صلاة الجمعة بدعة. 3 _ الإمام الذي يعجز عن أن يحمي رعيته من ظلم الحاكم الجائر، لا يحق له أن يجمع الزكاة منهم لأنه ضعيف غير قادر على القتال والدفاع عنهم. ويبدو أن ذلك موجه ضد الإمام أفلح. ويقال إن نفاثا قال: (( دفع الزكاة لأفلح هي كدفعها إلى نوبار ملك السودان )).3 ومن انتقاداته الأخرى لأفلح، ذكر نفاث أن افلح أصبح مولعا بالصيد وأهمل الاهتمام بمصالح المسلمين ؛ وعين ابنه في الإمامة وهو لا يزال على قيد الحياة ؛ واستخدم العمال لجمع الزكاة مع أن ذلك لم يكن من عادة رسول الله. وزعم نفاث أيضا أن افلح عمد إلى تزيين هيئته: فوجهه كان ذراعا ؛1 وعمامته كانت ذراعا ؛ وكذلك كانت لحيته ذراعا. وبالنسبة لآراء نفاث الفقهية هنالك ثلاثة آراء كان الوهبيون يعتبرونها زائفة وهي: 1 – ابن الأخ الشقيق أحق بالميراث من الأخ لأب.2 2 – ليس لمالك شيء ذي قيمة أن يبيعه بسبب الجوع، لأن الذي يملك شيئا ذا قيمة لا يمكن أن يكون في حالة اضطرار. 3 – افتراض موت الزوج الغائب أي الحكم بالفقد لا يصح إلا في حالات السفر إلى ما وراء البحار فقط.3 والظاهر أن الموقف الذي اتخذه نفاث وأربك إمام تاهرت وعماله أشد الإرباك هو رأيه الذي يتصل بالعلاقة بين الإباضية والولاة الإباضية أثناء حالة الكتمان ولعله بسبب هذا الموقف دعي نفاث وأتباعه بالكتمانية. ولا معلومات لدينا عن أن نفاث أو أن أيا من أتباعه وضعوا أية أعمال لعرض وجهات نظرهم. والعمل الوحيد الباقي المعروف لنفاث هو رسالة قصيرة مخطوطة، تحتوي على عدد من رسائل متبادلة بين المراجع الإباضية القديمة.4 وهذه الرسالة كتبها نفاث إلى أبي القاسم سدرات بن الحسن البغطوري ( 163 – 333 هـ ) أحد كبار العلماء في نفوسة.1 وهي تبين كيف تصور نفاث المجتمع الإباضي في نفوسة وقادته. وفيها يذكر نفاث أن معظم فتاوى الحكام لم تكن صادرة عن علم صحيح، لأنهم لا يخافون الله ؛ أما سائر العلماء فقد قمعوا بسبب غرور الحكام. ثم ختم رسالته بالكلمات التالية: (( نسأل الله أن يمنحنا الصبر الجميل ؛ فمن استطاع الصبر فليصبر، ومن لم يستطع فعليه أن يكتم إيمانه وأن يبتعد عن الناس وشؤونهم )). وحسب بعض العلماء2 فقد تخلى نفاث عن وجهات نظره وتاب بعد عودته من المشرق، غير أ،ه لا دليل يدعم هذا القول. ومع أ، نفاثا انطلق بمعارضته للدولة الإباضية من أسباب سياسية، كالنكار والخلفية تماما فإنه لم يتحول إلى العنف في معارضته. وآراؤه الفقهية والشرعية رفضت بقوة من قبل عمروس بن فتح وزميله مهدي الويغوي.3 ولقد تأسست هذه المجمعات الأخيرة في الأصل لأسباب سياسية. وواجهت الإمامة في تاهرت معارضة سياسية في مناسبات مختلفة، غير أن دراستنا هنا في هذا الفصل معنية فقط بتلك التي طورت آراءها الكلامية والفقهية. أما المجموعات التالية فكانت لها آراء كلامية وفقهية مغايرة آراء الحركة الإباضية الأصلية، غير أنها لم تتدخل في النشاطات السياسية. 5 – 6 – الحسينية والعميرية: الحسينية هم أتباع أحمد بن الحسين الأطرابلسي بن أبي زياد.4 ووفقا للشيخ محمد بن يوسف اطفيش – رحمه الله – فإن: ابن الحسين هو من طرابلس الشام إلا أ،ه لا دليل يؤيد هذا القول. هنالك من ناحية أخرى دليل قوي على أ، ابن الحين من طرابلس في ليبيا، لأن أتباعه كانوا هناك ؛ يضاف إلى ذلك أنه لم تكن في سوريا أية مجموعات إباضية في أي وقت. إن أقدم مصدر إباضي ذكر ابن الحسين هو كتاب ابن سلام ؛ وعند كلامه عن علماء الإباضية في المغرب قال ابن سلام: (( وفي مدينة طرابلس عمار وأخوه الحسن بن أحمد بن الحسين الأطرابلسي بن أبي زياد. لقيته في أجدابية بعد سنة ستين ومائتين منصرفا من الحج )). ثم أضاف بعد ذلك: (( وابن الحسين أحمد وشيعته وأصحابه يتناولون في مسائلهم القياس )).1 والواضح في هذه العبارة المقتطفة أن ابن الحسين هو من العلماء الإباضيين في طرابلس، ليبيا – وإنه عاش حتى نهاية القرن الثالث للهجرة. ووفقا للشماخي، فإن أحمد بن الحسين وابن عمار يأخذان مسائل القياس وأخذا بقول عيسى عمير في الكلام وبقول ابن علية في الفقه.2 وروى الشماخي أيضا أنه رأى عددا من الكتب مكتوبة من قبل ابن الحسين، وأضاف أن أفضلها جميعا هو (( كتاب المقالات )) في الكلام، و (( كتاب المختصر )) في الفقه.3 على أنه من سوء الحظ أن هذين الكتابين غير موجودين حاليا. وآخر مؤلف ذكر وجودهما هو الشماخي في العبارة المقتطفة أعلاه. ويورى أن كتب ابن الحسين كانت لا تزال موجودة في وارجلان في بداية القرن الهجرة الرابع.4 ومن المؤلفين الإباصيين في نفوسة، ممن نقلوا عن (( كتاب المقالات )) أبو طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي في كتابه (( قواعد الإسلام )).5 ويروى عن أحد أقدم علماء الإباضيين أنه قال: (( لولا عمروس بن فتح وأفلح بن عبد الوهاب اللذان رفضا آراء نفاث بن نصر وأحمد بن الحسين، لتبعتهم المذاهب )).1 إن غالبية المصادر التي تعالج هذا الموضوع تتناول الحسينية والعميرية معا. وقد نظر ابن الصغير المالكي إلى الحسينية باعتبارها استمرارية للعميرية، أتباع عيسى بن عمير.2 وهذا رأي يؤيده أبو عمرو عثمان بن خليفة السوفي الذي عرض آراء المجموعتين معا.3 كما يؤيده الشماخي الذي ذكر أن ابن الحسين تبنى نظرة ابن عمير الكلامية.4 ووفقا لأبي زكريا، فإن العميرية فئة مستقلة منذ البداية، ولا علاقة لها بالمذهب الإباضي، ولو أنهم يدعون أنهم إباضيون.5 كذلك ذكر أنهم كثيرا ما يسندون مذهبهم إلى عبد الله بن مسعود، أحد صحابة النبي عليه السلام.6 أما بالنسبة لعيسى بن عمير فلا نعرف عنه الكثير، وقد ذكر الشماخي أن خلافه مع شيوخ الإباصية وقع في زمن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة في زمن عبد الله بن يزيد.7 وفيما يلي وجهات النظر التي اختلفت فيها المجموعتان عن الحركة الإباضية في الأساس:8 1 – من أنكر ما سوى الله فليس بمشرك. 2 – يسع جهل معرفة محمد عليه السلام وليس على الناس إلا معرفة المعبر عنه هكذا ! 3 – المتأولون المخطئون مشركون. 4 – حجة الله تنال بالتفكر. 5 – لم يأمر الله المشركين بغير التوحيد، ولم يمنعهم عن أي شيء غير الشرك. فإذا ما آمنوا به لزمهم جميع الفرائض ونهوا عن جميع المعاصي. 6 – الحب، والرضا، والولاية، والبراءة والبغض والسخط هي أفعال لله، لا صفات. 7 – اليهود منافقون، والمسلمون المتأولون تأويلا خاطئا مشركون. 8 – كل رسول يبعث به الله بعلامة خاصة، يعرف بها ويميز بها عن الآخرين. 9 – الحرام المجهول العين معاقب عليه. 10 – الحرام المجهول العين مباح ما لم يثبت تحريمه بالفعل. 11 – يجوز الزنى وأخذ أموال الناس لمن أكره على ذلك تقية ثم يغرمها فيما بعد. وباستثناء النقاط المذكورة أعلاه، هنالك خمس نقاط أخرى طورها أحمد بن الحسين وقال بها: 1 ) الحسنة الكبرى بين الناس تقوم على الاستطاعة، وعلى القيام بالالتزامات الدينية فقط لا على الذكاء. 2 ) خوف الرسول من الله هو خوف إجلال لا خوف عقاب. 3 ) إن سكان الجنة يعيشون في خوف أبدي، ورجاء أبدي. 4 ) الأجسام الميتة تستهلكها الأرض، إلا العصعص، ومنه تخلق من جديد. 5 ) الولاية والبراءة شريطة التقيد بشروط معينة شرعيتان. وكانت مجموعة الحسينية موجودة في القسم الشرقي من جبل نفوسة ؛ ثم استمالهم أبو يحيى زكريا بن إبراهيم الباروني إلى المذهب الوهبي.1 7 – السكاكية: إن أتباع عبد الله السكاك، الصائغ، هم من البربر من قبيلة لواته.2 عاش في قنطرة في جنوبي تونس ؛ واختلف تفكيره عن بقية الإباضية حول سبع نقاط.3 1 – أبطل السنة ورأي المسلمين، وأن الله تعالى أغنى بكتابه أهل العقول عن غيره. 2 – الصلاة في الجماعة بدعة. 3 – الأذان بدعة. 4 – لا تجوز الصلاة بثوب فيه قمل. 5 – لا تجوز الصلاة بشيء من القرآن إلا ما عرف معناه وتفسيره. 6 – الحبوب إذا بالت فيها الدواب التي تدرس نجسه، والقمح لا يطهر إلا بالغسل، والخضار من بساتين يستعمل لها الروث نجسه. واجهت هذه المجموعة معارضة قوية من علماء الإباضية، كما أن أتباعها كانوا معتبرين مشركين. ويروى أن الإباضيين يدفنون موتى المسلمين غير الإباضيين على الطريقة الإسلامية، لكن هذه المجموعة تجرهم إلى الحفر جرا.4 على أن آراء هذه المجموعة لم تنتشر خارج قنطرة، ثم تلاشت كليا في نهاية القرن الخامس للهجرة.5 8 – الفرثية: وكالسكاكية، كان الخلاف بين هذه المجموعة والمذهب الوهبي حول النقاط الشرعية بالدرجة الأولى. وقد تأسست على يدي أبي ليسمان يعقوب بن محمد بن أفلح، ابن إمام تاهرت الإباضي. كان يعيش في وارجلان مع والده، وكان والده يحذر الإباضيين من ابنه ويقول لهم إنه درس من ديوان أحمد بن الحسين.1 وبعد موت والده، أخذ أبو سليمان الطريقة بإصدار الأحكام الشرعية وحدد نقاط معينة، كان فيها على خلاف مع المذهب الإباضي.2 1 – نجاسة ( الفرث ) والطعام الذي يعطي فيه الفرث نجس. وبسبب هذا الرأي نالت هذه المجموعة اسمها الفرثية. 2 - نجاسة الدماء في عروق الحيوان المذبوح حتى بعد غسل المذبح. وكذلك دم الأحشاء. 3 – نجاسة عرق المرأة وهي في الحيض، وعرق الجنب من الرجال والنساء. 4 – تحريم الجنين بعد ذبح أمه. 5 – الزكاة لا تدفع إلا للأقارب. وكانت هذه الفئة تواجه معارضة قوية من علماء الوهبية. وتوفي مؤسسها بعد أن بنى أتباعها المساجد في وارجلان وتالا.3 وفي أية حال، كانت هذه الفئة قد تلاشت كليا في نهاية القرن السادس للهجرة.4 يبدو من الدراسة السابقة أن المجموعة الإباصية الأهم بعد والوهبية هي النكار. والفئات الأخرى لم تدم طويلا، فيما بقيت فئة النكار موجودة حتى بداية القرن الحالي في جزيرة جربة وفي زواره في ليبيا. والعلاقة التاريخية بين الفئتين هي علاقة بغض وعداء، حتى أن الحروب كانت تقع بينهما، ولو أنهما حاولتا في بعض الحالات أن تعيشا معا في سلام. هذه هي الفئات الإباضية التي عرفها المؤلفون الإباضيون، ولكن مصادر غير إباضية تذكر فئات أخرى1 لم تكن معروفة للمصادر الإباضية الأولى في شمالي إفريقيا. والمحتمل أنها فئات تأسست في المرحلة الأولى من الحركة في الشرق ثم تلاشت في وقت باكر. كتابات الإباضية في علم العقيدة لقي علم العقيدة اهتمام كبيرا من الإباضية. ولئن وضع القليل من الأعمال في المراحل الأولى من الحركة فإن الأئمة الإباضيين الأولين لم يعارضوا هذا النوع من الدراسة. لم تكتب أية أعمال خاصة حول هذا الموضوع في زمن جابر بن زيد أو زمن أبي عبيدة مسلم. والوثائق الباقية عن القادة الإباضية الأولين كرسالة عبد الله بن إباض إلى عبد الملك بن مروان، و(( سيرة )) سالم بن ذكوان، كانت تتعلق بالدرجة الأولى بالتغيرات الاجتماعية والسياسية التي وقعت في المجتمع الإسلامي، وبمواقف الإباضية بالنسبة لها. غير أنها كانت تحتوي على بذور الكلام الإباضي حول بعض القضايا المحددة. ويروى أيضا أن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة كتب ردودا على مسائل كلامية كانت توجه إليه من الإباضية في شمالي إفريقيا ،2 غير أن هذه الأجوبة لم تكتشف حتى الآن من قبل العلماء المعاصرين. بدأت الأعمال الخاصة حول الكلام تظهر بعد وقوع نزاعات بين الإباضية حول قضايا محددة. وكان عبد الله بن يزيد الفزاري أول من تناول الموضوع بين إباضية المشرق ووضع عددا من الكتب للتعبير عن آرائه.1 وأقدم عمل كتبه إباضيو شمالي إفريقيا هو (( كتاب التوحيد الكبير )) لعيسى بن علقمة المصري. والمعلومات عن هذا الكتاب محدودة جدا لكنه يبدو مما يتوفر منها أنه كتب للرد على آراء عبد الله بن يزيد الفزاري.2 وعيسى بن علقمة وصفه أبو عمار عبد الكافي كأحد علماء الكلام الإباضية وأضاف أنه رفض بصورة مقنعة آراء القائلين بأن أسماء الله وصفاته مخلوقة.3 ومع أن إباضي شمالي إفريقيا واجهوا معارضة قوية من الفرق المنشقة المجاورة، أي المعتزلة أثناء إمامة عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ( 168 – 190 هـ ) إلى حد أن الإمام أرغم على طلب مساعدة من علماء جبل نفوسة لدحض آراء المعتزلة في تاهرت 4إلا أنه ليست لدينا معلومات عن أعمال خاصة كلامية مكتوبة من قبل إباضية شمالي إفريقيا في هذه الفترة. وفي أثناء إمامة أفلح بن عبد الوهاب ( 190 – 240 هـ ) نشأت بين الإباضية قضايا جدلية جديدة في هذا الميدان كانت بحاجة إلى حسم. خلال هذه الفترة نشأت مجموعات الخلفية والنفاثية والحسينية المذكورة آنفا، وكان لابد من الرد على حججها.5 وبما أن هذه الفرق المنشقة قد تكونت في مناطق حول جبل نفوسة، فإن الفقهاء النفوسيين أخذوا على عاتقهم عبء مناقشة ما قالته هذه الفرق وإثبات بطلانه.1 ومن الأعمال الباقية التي وضعت في هذه الفترة، رسالتان قصيرتان لعمروس بن فتح هما: ( 1 ) الدينونة الصافية، ( 2 ) والرد على الناكثة وأحمد بن الحسين.2 وهنالك عملان آخران كانا معروفين بصورة جيدة جدا في تلك الفترة وكلاهما حول الفقه، كتبها عبد الخالق الفزاني. على أنه مما يؤسف له أن العملين لا يزالان مفقودين.3 وبين فقهاء المجموعات الإباضية الأخرى، كان أحمد بن الحسين الوحيد الذي كتب كتابا حول الفقه عنوانه (( كتاب المقالات )).4 وفي أثناء إمامته ( 240 – 281 هـ ) كتب أبو اليقظان محمد بن أفلح رسالته عن خلق القرآن.5 ويروى أنه كان فقيها كبيرا، كتب أربعين كتابا في موضوع (( الاستطاعة )) فقط، بالإضافة إلى عدد من الرسائل والردود.6 ولا يعرف هل كتبت أعمال أخرى بعد هذه الفترة حتى زمن أبي خزر يغلي بن زلتاف ( ت 380 هـ ) الذي ألف كتابه المعروف (( بكتاب أبي خزر يغلي بن زلتاف )) ،7 ردا على أسئلة موجهة إليه من بعض علماء الإباضية بعد أن استقر في صر.8 وهنالك يخص معاصر وتلميذ لأبي خزر هو أبو نوح سعيد بن زنغيل قدم إسهامات في هذا الميدان وكتابه معروف في المصادر الإباضية (( بكتاب سعيد بن زنغيل )). إلا أن هذا الكتاب لا يزال مفقودا ؛1 على أنه من مقتطفات البرادي في تعليقه على قصيدة أبي بكر أحمد بن النظر العماني، (( شفاء الحائم في شرح بعض الدعائم ))، يبدو أن كتاب ابن زنغيل عالج المسائل الكلامية المركزية مثل (( ما لا يسع جهله من الدين ))، الرؤية، والاستطاعة، وخلق القرآن. و(( الكلام الله )) الخ.2وقد لعب العالمان أبو خزر وأبو نوح معا دورا فعالا في المحاولة الأخيرة لإحياء الإمامة الإباضية في شمالي إفريقيا.3 وفي فترات لاحقة جرت إسهامات إضافية في هذا الميدان. فقد بذل اهتمام كبير بالكلام التأملي وكتب في ذلك عدد ملحوظ من الأعمال الهامة، وذلك بتحريض من العالم الإباضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن بكر ( ت 440 هـ ) بالدرجة الأولى. وهو في الأصل من فرسطاء في جبل نفوسة. انتقل إلى أجلو في جنوبي الجزائر وشكل مجالس الحلقة والعزابة.4 ودأب على تشجيع طلابه لدارسة الكلام. ومع أنه لا وجود لمؤلفات كاملة تنسب إليه في الكلام، فإن بعض آرائه ترد في (( كتاب التحف )) لتمليذه سليمان بن يخلف. لقد بدأ أبو الربيع سليمان بن يخلف تعليم الكلام في جربة حيث كان يدرس الفقه مع أبي محمد وسلان. واجتمع حوله عدد كبير من الطلبة الإباضيين من أنحاء مختلفة من بلدان شمالي إفريقيا الإباضية، لدارسة الفقه. وبعد العام 450 هـ طلب منه تلامذته أن يكتب كتابا في الكلام. تردد في البداية لكنه عاد فوافق على رغبتهم وأذن لهم بتسجيل محاضراته التي عاد فنقحها في وقت لاحق ووافق عليها.1 واتخذ هذا العمل شكل كتاب مفصل من مجلدين، وعرف باسم (( كتاب التحف )).2 وبمقارنة هذا الكتاب بأعمال سابقة باقية، نجد أنه العمل الأكثر شمولا، وهو يحتوي على نقاش مفصل للموضوعات التالية: القسم الأول: ما لا يسع جهله من الدين ؛ الولاية والبراءة ؛ الأمر والنهي ؛ كلام الله ؛ الإيمان والكفر ؛ إباحة الطيبات وتحريم الخبائث ؛ العلم والجهل ؛ والنبوة والرسالة ؛ الحرام المجهول العين ؛ الرأي، ومتى يكون شرعيا ؛ براهين على وجود العالم الآخر ؛ مسالك الدين ؛ اعتبار المسلمين المعارضين مشركين و فساقا ؛ الخلود في جهنم ؛ الرؤية ؛ رأي الإباضيين في أهل النهر ؛ القدر ؛ أسماء الله وصفاته ؛ نصرة الله وعداوته ؛ المباشرة المحرمة في ما دون الفرج ؛ القضية غير المبتوتة بخصوص المسلمين المتهمين بقتل كل منهما للآخر ؛ الدليل على الله ؛ الإمامة ؛ صلاة الجمعة ؛ عطايا الحكام ؛ العون والعصمة ؛ مناقشة عقيدة ابن الحسين حول الأمر والنهي بالنسبة للمشركين. والموضوعات الإحدى عشرة الأخيرة هي المسائل التي اختلف الإباضية الوهبية عن بقية الفئات الإباضية. وفي القسم الثاني نوقشت الموضوعات التالية: وجوب التوبة ؛ الفرائض ؛ الهجرة ؛ الموقف من المرتد ؛ شهادة المسلمين المنشقين ؛ حكمة الله ؛ الجوهر والعرض ؛ المشاعر ؛ الصفات ؛ الحواس ؛ وأخيرا وحدانية الله ورفض التشبيه والمساواة بين الأشياء والله. وتدل محتويات الكتاب على أنه مصمم لتغطية جميع الموضوعات الكلامية المعروفة ومناقشة آراء المخالفين من المجموعات الأخرى كالقدرية، والمرجئة، والصفرية، والحشوية بالإضافة إلى آراء الفرق الإباضية الأخرى المنشقة. وفيما يلي لائحة بالأعمال التي أسهم بها طلاب أبي الربيع: 1 – (( مسائل التوحيد )) لأبي العباس أحمد بن محمد بن بكر ( ت 504 هـ ).1 2 – (( كتاب أصول الدين )) لتبغورين بن داود عيسى الملشوطي ( عاش في النصف الثاني من القرن الهجري الخامس ).2 3 – والعمل الثالث كتبه أيضا تبغورين بن داود بن عيسى وهو يعرف (( بكتاب الجهالات )). وفي هذا الكتاب يضع المؤلف الأسئلة عن مختلف المسائل الكلامية الخاضعة للنقاش ويجيب عنها تباعا. ويروى أن الأسئلة حول الإنسان، والتمييز بين الكفر والشرك، والدلائل، وأضيف إلى النص بواسطة أبي إسماعيل إبراهيم بن ملال ،3 أما مؤلف (( شرح الجهالات ))، أبو عمار عبد الكافي، فيقول أن الإضافات تنسب إلى عدد من الشيوخ، غير أنه ليس بواثق ممن أضافها بالفعل.4 بعد هذه المرحلة، راح علم الكلام المدرسي يجذب انتباه عدد من كبار العلماء الإباضيين في شمالي إفريقيا. وظهرت مجموعة من الفقهاء في مجتمع وارجلان الإباضي والمناطق المحيطة به وترك كل منهم أعمالا هامة. والواقع أن الأعمال التي وضعت في هذه الفترة بلغت درجة عالية لم يتجاوزها العلماء الإباضيون في شمالي إفريقيا في أي وقت آخر. وكان العالم الأبرز في هذه المجموعة هو أبو عمار عبد الكافي بن أبي يعقوب التناوتي ( النصف الأول من القرن السادس للهجرة ).1 درس الفقه والكلام الإباضيين على يدي مدرسة أبي يحيى زكريا بن أبي بكر في وارجلان، ثم قصد تونس حيث درس الأدب العربي وقواعد الصرف والنحو في جامع الزيتونه.2 كتب ثلاثة كتب عن الفقه: 1 ) شرح الجهالات. 2 ) كتاب الموجز. 3 ) كتاب الاستطاعة.3 ولا يزال الكتاب الأخير مفقودا. كذلك ألف كتابين آخرين مختصرين:(( مختصر في الفرائض ))؛و(( مختصر طبقات المشايخ )).4 ووضع بعض القواعد للحلقة.5 وهذا الفصل معنى فقط بأعماله العقدية. كتابه الأول (( شرح الجهالات )) تعليق على (( كتاب الجهالات )) للملشوطي وفي (( شرح الجهالات )) وسع أبو عمار الإجابات التي أعطاها تبعورين بن عيسى في (( الجهالات )) كمناقشات تفصيلية، ناسبا الآراء إلى مصادرها الأصلية ومدعما الآراء الإباضية بالمزيد من الإثباتات. ويمثل كتابه الثاني (( كتاب الموجز في تحصيل السؤال وتلخيص المقال في الرد على أهل الخلاف )) دراسة مفصلة للنظرة إلى العقائد الكلامية الإسلامية وغير الإسلامية. والكتاب مصمم للدفاع عن الآراء الإباضية ورفض ما عداها ؛ة وهو ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: يتناول آراء الملحدين بالدرجة الأولى وهو مرتب كما يلي: الجزء الأول ( 1 ) الدهرية الذين يقولون بأدبية الدهر وخلود المادة وهو مقسم إلى ثلاثة أبواب – المنجمين، والطبيعيين، والأرسطوطاليسيين. والجزء الثاني ( 2 ) عقيدة الثبوية التي تقول بأن النور والظلام هما المبدآن الخلافان المتساويان الخالدان.1 وهو كذلك مقسوم إلى ثلاثة أبواب – المانوية، والديصانية، والمزدكية. والجزء الثالث: الذين ينكرون رسالة الرسل، وهو يتناول البراهمة، والمجوس وأهل الكتاب. وقد شمل الكتاب هذه الفئة الأخيرة لإنكارها رسالة محمد ونبوته. والجزء الرابع: التشبيه ؛ ثم يقسم المؤلف أنصار هذه العقيدة إلى ثلاث مجموعات ويناقش كل مجموعة في فصل خاص: أ – أولئك الذين ينظرون إلى التشبيه كحقيقة طبيعية ويقولون أن الله جسم بالمعنى الحقيق الطبيعي بشكل بشري، ومن لحم ودم، الخ. ب – أولئك الذين يدعون للتشبيه من غير الحقيقة الطبيعية المباشرة، ويقولون بأن الله جسم ليس كالأجسام الأخرى، وهو نور لا يشبه النور المعروف الخ. ج – أولئك الذين يدخلون التفسيرات التشبيهية خطأ على العبارات القرآنية. والجزء الثاني من الكتاب مخصص لمناقشة عقيدة (( أهل القبلة أي المسلمين )). ويرفض المؤلف آراءهم الخاطئة أي الآراء المناقضة لآراء الإباضية، ويبرر موقف هؤلاء الأخيرين. ثم أن آراء القدرية، والمرجئة، والخوارج، والأزارقة، والصفرية، ولمعتزلة، والجبرية، والجهمية، والحشوية، بالإضافة إلى المجموعات الإباضية الأخرى المنشقة، تناقش في هذا الكتاب حيث تختلف عن آراء الإباضية الوهبية. وفي هذا القسم تناول الموضوعات التالية: ( 1 ) القدرية. ( 2 ) الإرادة الإلهية. ( 3 ) العدل. ( 4 ) الإيمان. ( 5 ) الوعد والوعيد. ( 6 ) التسمية لأهل الكبائر من أهل الملة. ( 7 ) خلق القرآن. ( 8 ) البرهان حجة الله على الخلق. ( 9 ) الديانات الأخرى غير الإسلام. ( 10 ) أسماء الله. ( 11 ) نصرة الله وعداوته. ( 12 ) المرأة المأتية فيما دون الفرج. ( 13 ) الإمامة. ( 14 ) نقض رأي المعتزلة في سفك دماء عثمان. ( 25 ) نقض وجهة نظر الزيدية حول مسألة التحكيم. ( 16 ) نقض قول النكار بشأن مسألة الإمام المفضول. ( 17 ) مشكلة الذين يؤمنون بالقرآن، لكنهم يخطئون التأويل. والعلامة الثاني في هذه المجموعة هو أبو عمرو بن عثمان بن خليفة السوفي، من واد سوف في جنوبي الجزائر. عاش في النصف الأول من القرن السادس للهجرة.1 وأهم عمل فقهي له هو (( كتاب السؤالات )).2 ووضع كذلك رسالة مختصرة حول الفرق الإسلامية، (( رسالة في بيان كل فرقة )). وفي هذا العمل الأخير عالج أبو عمرو الفرق الإباضية بالدرجة الأولى وقدم عرضا موجزا لآرائها، على أنه ذكر كذلك فرقا إسلامية أخرى. و (( كتاب السؤالات )) عمل كلامي كبير ؛ وهو خليط من تفسيرات أدبية لتعابير كلامية على أساس القرآن، والحديث، والشعر العربي القديم. وهو عمل غني بالمعطيات حول اللغة العربية بالإضافة إلى الآراء والعبارات الكلامية التي تستعمل في أوساط العلماء والطلاب الإباضيين. وهذا الكتاب الذي ينسب إليه هو في الواقع لردود على عدد كبير من الأسئلة رواها أبو عمرو عن طلاب أبي الربيع عن مدرسهم أبي الربيع سليمان بن يخلف. وقد أملاه أبو يعقوب يوسف بن محمد ودونه أبو عيسى بن عيسى النفوسي وراجعه طلاب أبي عمرو، وقوبل بالمراجع الإباضية والمصادر العربية الأصلية. بعد ذلك روجع مرتين بواسطة أبي محمد عبد الله بن سجميمان والعمز بن جنانون وأبي الفتوح أولا، ثم ورجع للمرة الأخيرة بواسطة أبي نوح صالح بن إبراهيم,1 ويحتوي الكتاب على أجوبة مفصلة ودقيقة لأكثر من تسعين سؤالا تغطي موضوعات منها وحدانية الله، وإظهار الإيمان، والولاية والبراءة، والأمر والنهي، وقضايا لا يسع جهلها، بالإضافة إلى أصول الدين، ومنها إبراز تسعة بنود في المذهب الإباضي.2 والعلامة الثالث في هذه المجموعة هو أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني ( ت 570 هـ ): درس في قرطبة في الأندلس وأصبح أحد العلماء البارزين في عدد من مختلف ميادين المعرفة.3 وفي الفقه المدرسي، كان إسهامه الرئيس كتابه المعروف باسم (( كتاب الدليل لأهل العقول ))4 وهو مؤلف م مدخل عام حول الفرق في المجتمع الإسلامي، ثم من ثلاثة أقسام كالتالي: في القسم الأول أورد المؤلف البراهين على صحة مذهبه، وناقش آراء الأشعري حول الصفات، والوعد والوعيد، وخلق القرآن. وفي هذا القسم أورد إجابات على سؤال موجه من عبد الوهاب الأنصاري إلى أبي عمار الكافي الذي توفي قبل أن يتمكن من الرد عليه. ويحتوي القسم الثاني على مناقشة موضوع (( ما لا يسع جهله )) في الدين. وبعد تفسير الآراء المروية حول هذا الموضوع عن أبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي، انتقل المؤلف إلى مناقشة الآراء المتمايزة حول قضايا متعددة كما ارتآها عشرة أئمة إباضيين، بالترتيب التالي: جابر بن زيد ؛ وعزان بن الصقر ؛ لواب بن سلام ؛ الربيع بن حبيب ؛ أفلح بن عبد الوهاب ؛ عمروس بن فتح ؛ أبو القاسم يزيد بن مخلد ؛ أبو خزر يغلي بن زلتاف ؛ محمد بن محبوب، ومصالة بن يحيى ؛ ثم ختم هذا القسم بدراسة موجزة عن المنطق، وببعض الملاحظات حول الحساب والهندسة. ويتألف القسم الثالث من ستة ردود طويلة على أسئلة طرحت على المؤلف. الرد الأول متعلق بالسؤال عن رضى الله وسخطه. 2 – قبول علي بالتحكيم ؛ هل هو عائد إلى حوافز دينية أو دنيوية ؟ 3 – سؤال عن وعد الله بالاستجابة للدعاء ؛ هل يتعلق ذلك بالمسلمين فقط أم ينطبق على الكفار أيضا؟ 4 – رد يتصل بحديث مروي في كتاب زهر العيون لابن قتيبة. 5 – رد على سؤال: هل الصوت جسم ؟ 6 – وأخيرا رد على أهل جبل نفوسة حول الموضوعات الثلاثة التالية: أ- الولاية والبراءة. ب- الطعن في إيمان الإباضية. ج- صفات الله. وبالإضافة إلى هذا الكتاب، دون المؤلف معلومات عن آراء ومحاجات فقهية في (( كتاب العدل والإنصاف في أصول الفقه والاختلاف )) له، في ثلاثة مجلدات.1 ومع أن هذا الكتاب مخصص بالدرجة الأولى لدراسة أصول الفقه، فإن المؤلف عالج كذلك بعض المسائل الكلامية. ولعل مرد ذلك إلى أن هذا الكتاب كتب قبل (( كتاب الدليل )) ؛ ثم إنه أراد أن يكون واضحا حول قضايا كلامية معينة، عرضت آراؤه حولها في القسمين الأول والثالث بالدرجة الأولى. وفي القسم الأول نقاش مفصل عن سؤال حول الدليل والدعوة لرسالة الله2 وعرض مفصل في نقض آراء الباطنية، غلاة الشيعة والقرامطة.3 وفي القسم الثالث عرض تفصيلي لآراء الإباضة حول الإيمان، والإسلام.4 والكفر، والنفاق، والشرك5 والخروج ،6 والبدع.7 تعليقات لاحقة: موجز المراجع في هذه المرحلة، في الفترة الواقعة بين نهاية القرن الخامس والقرن الثامن للهجرة، صاغ الفقهاء الإباضيون عددا من العقائد ؛ أربعا منها كتبها علماء من وسط شمالي إفريقيا، أي جنوبي الجزائر، وجنوبي تونس وجزيرة جربة. وقد سبق أن ذكرنا اثنين من هذه الأعمال – (( مسائل التوحيد )) لأبي العباس أحمد بن محمد بن بكر، و (( كتاب أصول الدين )) لتبغورين بن داود بن عيسى الملشوطي8 والثالث – العقيدة – كتبه الشيخ أبو سهل يحيى بن إبراهيم بن سليمان، من وارجلان ( القرن السادس للهجرة ) 1، والرابع هو ترجمة إلى العربية من البربرية بواسطة أبي حفص عمرو بن جميع ( القرن الثامن للهجرة ).2 ومع أن الترجمة تمت خلال القرن الثامن، فالمعتقد أن النص الأصلي بالبربرية كتب قبل ذلك، ربما حوالي نهاية القرن الخامس للهجرة. ويعتقد أنه موضوع من قبل بعض إفراد مجلس العزابة وهم الذين كتبوا أيضا الكتاب المشهور حول الفقه الإباضي، والمعروف باسمهم، (( ديوان العزابة )).3 على أن هذه العقيدة معروفة أيضا بعقيدة العزابة. إلا أن الوصول إلى قرار حاسم حول هذه النقطة مستحيل. وهنالك ثلاثة أعمال أخرى مشابهة لعلماء من جبل نفوسة: أولها كتبه أبو زكريا، يحيى بن الخير بن أبي الخير الجناوني ( القرن السادس للهجرة )، وهو يعرف (( بعقيدة نفوسة )).4 وثانيها شعر ألفه أبو نصر فتح بن نوح الملوشاتي من تملوشايت ،5 وتعرف (( بالقصيدة النونية في التوحيد )). وثالثها، وهو الأقصر، كتبه أبو ساكن عامر بن علي الشماخي ( ت 792 هـ )، ويعرف (( بالديانات )). ولقد كتبت هذه العقائد بلغة بسيطة ؛ إحداها باللغة البربرية ؛ وهي مختصرة بحيث يسهل حفظها وفهمها من قبل طلاب مبتدئين بدراساتهم، ومن قبل الناس العاديين أيضا. أما الأعمال التي أضافها علماء إباضيون آخرون في وقت لاحق فهي في الغالب تعليقات على بعض هذه العقائد. وأولها وأكثرها أهمية تعليق على قصيدة أبي نصر لأبي طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي بعنوان شرح النونية.1 وفي عملية الآخرين (( قواعد الإسلام )) و (( قناطر الخيرات ))، وأدخل الجيطالي فهمه الخاص به للآراء الكلامية الإباضية2 لكنه موجز إلى درجة كبيرة بالمقارنة مع تعليقه الطويل على النونية وهو الذي يتألف من ثلاثة مجلدات كبيرة تضم دراسة مفصلة في علم الكلام الإسلامي. وقب الانتقال إلى فترات لاحقة، هنالك مؤلف آخر ينبغي أن نذكره هنا، وإذا كان إسهامه في ميدان الفقه غير كبير، فإنه حفظ في أعماله آراء فقهية كثيرة، من مراجع سابقة لا يزال بعضها مفقودا. والمؤلف هو أبو الفضل أبو القاسم بن إبراهيم البرادي.3 ويحتوي اثنين من أعماله على مواد عن الكلام، أولهما (( شفاء الحائم بشرح بعض الدعائم )) في تعلقيه على أول خمس قصائد وعلى جزء من القصيدة السادسة في (( ديوان )) أبي بكر أحمد بن النظر العماني. وتتناول القصائد الأربع الأولى موضوعات الوحدانية ورفض التشبيه، والدليل على معرفة الله، وخلق الأعمال، وخلق القرآن. ثم أتم التعليق على القصيدة الخامسة حول الوضوء، وعلى ثلاثة عشر بيتا من القصيدة السادسة حول صلاة العيدين، لكنه لم يتعلق على ما تبقى من الديوان. أما عمله الآخر فرسالة مختصرة بقصد إعطاء تحديدات إباضية لعدد من المصطلحات المفيدة واسمها (( رسالة في الحقائق )).4 حوالي نهاية القرن الثامن للهجرة ترجم ابن جميع (( عقيدة التوحيد )) إلى العربية، وفي عام 904 هـ أكمل أبو العباس أحمد بن سعيد الشماخي ( ت 928 هـ ) تعليقه على العقيدة. وكتب التعليق الثاني عليه أبو سليمان داود بن إبراهيم التلاتي ( ت 967 هـ ).1 وبين الأعمال الكلامية المبنية على (( عقيدة )) ابن جميع هنالك (( اللؤلؤة في علم التوحيد )) وهي أرجوزة للقاسم بن سليمان بن محمد الشماخي ( ت 1275 هـ )،2 وهو الذي وضع أيضا تعليقا مطولا على هذه القضية 3 ثم إن الشيخ أبا ستة كتب تعليقا بالغ الضخامة باسم (( الحاشية )) على تعليق الشماخي السابق الذكر.4 وآخر تعليق على (( عقيدة التوحيد )) لابن جميع كتبه الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ( ت 1336 هـ ) وطبع طبعة حجرية في الجزائر سنة 1326 هـ. وبخصوص قصيدة النونية لأبي نصر، فقد كتب عدد من الشروح عليها بالإضافة إلى تعليق إسماعيل الجيطالي الذي سبق أن ذكرناه. الأول كتبه عمر الويراني ( قرن 10 – 11 هـ ). وعنوانه (( المصرح )) ؛ ثم كتب تلميذه يوسف المصعبي ( ت 1187 هـ )5 (( حاشية )) كبيرة على هذا التعليق ؛ وهنالك تعليق آخر على النونية كتبه أبو العباس عمر بن رمضان التلاتي، واختصره عبد العزيز بن إبراهيم المصعبي ( ت 1223 هـ / 1808 م ) باسم (( النور )).6 وكتب تعليقان على (( الديانات )) لأبي ساكن عامر الشماخي ؛ الأول بدأ به أبو محمد عبد الله بن سعيد السدويكشي ( ت 1056 هـ ) وأئمة يوسف المصعبي ؛7 والثاني كتبه عمر التلاتي سنة 1179 هـ وطبع بالمطيع الحجرية بالقاهرة سنة 1304 هـ. تغطي هذه التعليقات الإضافية المطولة في هذه الفترة الأخيرة أيضا بعض الأعمال الكبيرة الأولى. وبين هذه التعليقات الإضافية المطولة هالك تعليقان كتبهما محمد بن عمرو أبو ستة:1 أحدهما ( 1 ) حاشية على شرح الجهالات، ( 2 ) وحاشية على السؤالات. ثم أن هنالك إسهاما آخر في هذا المجال قدمه القطب محمد بن يوسف اطفيش في (( تفسيره )) للقرآن: (( هميان الزاد إلى دار المعاد )) و (( تيسير التفسير )) وفيهما يؤيد الآراء الإباضية ويدافع عن معتقداتهم.2 وهل إسهام في شرحه الكبير على (( ديوان )) أبي بكر أحمد بن النظر العماني.3 ومن هذا المسح السابق للأعمال الإباضية في ميدان الكلام في الفترة التي تبدأ بالنصف الأول من القرن الثامن حتى بداية القرن الحالي للهجرة، يتضح أن الأعمال الرئيسة التي كتبت في هذه الفترة كانت شروحا أو حواشي على الأعمال السابقة، والاستثناء الوحيد هو (( كتاب معالم الدين )) لعبد العزيز الثميني المصعبي وهو لا يندرج ضمن أي من الفئتين.4 وكان النهج الآخر الذي اتخذته الكتابات الإباضية اللاحقة في الكلام موجها للرد على هجمات السنة على المذهب الإباضي. واجه الإباضيون في مجتمعاتهم الثلاثة في شمالي إفريقيا، أي في مزاب، وجزيرة جربة، وجبل نفوسة، هجمات كتابية على مذهبهم ومعتقداتهم من قبل الخصوم السنة أثناء العهد العثماني. في ما يتعلق بجبل نفوسة، فقد كتبت ثلاثة ردود على اتهامات سنيين من غريان وغدامس وهجماتهم وتساؤلاتهم. الأول كتبه المؤرخ الإباضي الشهير أحمد بن سعيد الشماخي ردا على رسالة كتبها صولة بن إبراهيم الغدامسي1 وذكر صولة الغدامسي في مقدمة رسالته أنه كتبها ردا على أوراق معينة وصلته من إباضيين وهبيين تحتوي على آراء وجد نفسه مضطرا لرفضها.2 كذلك ذكر أن الكاتب الإباضي أشار إلى خمس عشرة نقطة يختلف حولها الإباضية مع السنة.3 غير أن صولة اختصر هذه النقاط في تسع وناقشها كلها معطيا آراء السنة في كل واحدة منها، ورفضها ما اعتبره آراء خاطئة من قبل الإباضية. وفيما يلي سرد النقاط التسع التي ناقشها صولة الغدامسي في رسالته: 1 – كون القرآن مخلوقا. 2 – الرؤية. 3 – التشبيه: استواء الله على العرش، وجهه، ويده. 4 – حقيقة الإيمان. 5 – عدم خلود مرتكبي الكبائر في النار. 6 – الرأي السني القائل بأن من مات على الكبائر سيدخل الجنة بعد دخوله النار. 7 – رأي السنة في احتمال الغفران للذين ارتكبوا الكبائر. 8 – مرتكب الكبيرة: هل يعتبر مؤمنا أم لا. 9 – الشفاعة. وفي نقده لرسالة دافع الشماخي عن الآراء الإباضية وناقش جميع تلك النقاط بتفصيل عارضا آراء جميع المذاهب الإسلامية المتعددة تقريبا لإثبات أن هنالك مذاهب كثيرة غير الإباضية تختلف عن المالكية في نظرتها. وهنالك أعمال أخرى مشابهة كتبها سنة 1210 هـ عيسى بن أبي القاسم الباروني ردا على رسالة لمؤلف مجهول من غدامس. والظاهر أن مؤلف هذه الرسالة الأخيرة كتبها ردا على رسالة أخرى كتبها إباضيون من لالوت ( نالوت ).1 ومع أن الرسالة تناولت بالدرجة الأولى اتهامات للإباضية ليست ذات طبيعة كلامية، متصلة بقضايا كصلاة الجمعة والذبيحة الخ، فإنها ضمت أيضا حججا كلامية، وعلى سبيل المثال، زعمت أن عددا من الإباضيين لا يؤمنون بالقيامة.2 وقبل رفض الاتهامات الموجهة من قبل المؤلف الغدامسي بدأ عيسى الباروني عمله بإيجاز العقيدة الإباضية.3 وكتب الجواب الثالث ردا على سؤال مرسل من غريان إلى علماء جبل نفوسة.4 وقد كتب أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجادوي. وهو من الناحية الكلامية، يتناول موضوعين فقط هما خلق القرآن والرؤية. وجاء العمل الرابع والأخير دحضا لفتوى أصدرها مفتي طرابلس، محمد بن مصطفى، وفيها اعتبر أهل جبل نفوسة من (( الجماعات الضالة )). وواضع هذا العمل هو سعيد التعاريتي من جربة وعنوانه: (( المسلك المحمود في معرفة الردود )).5 وبالنسبة لمزاب وجزيرة جربة، فإن أول عمل من طبيعة مماثلة هو جواب أبي مهدي عيسى بن إسماعيل المصعبي ( ت 971 هـ )1 الذي بالنيابة عن الميزابيين ردا على (( جواب )) للشيخ المالكي أبي علي بن أبي الحسن البهلولي. وفي جوابه دافع أبو مهدي عن الآراء الإباضية ورفض الاتهامات التي وجهها الشيخ المالكي للإباضية.2 وفي وقت لاحق قاد مهمة الدفاع عن الآراء الإباضية الشيخ محمد بن أبي القاسم المصعبي وابنه يوسف بن محمد ( ت 1187 هـ ).3 ووضع الأول عددا من الردود على هجمات السنة، وأحدها رد على أسئلة أثارها مؤلف سني مجهول وجدت في محراب جامع غرداية. ومن جواب المصعبي يبدو أن السائل اعتبر الإباضية معتزلة، وذكر الآراء الإباضية على مسألة (( الرؤية )) وخلود المسلمين – الذين لم يتوبوا عن كبائر ارتكبوها – في جهنم. وفي رده رفض المصعبي تصنيف الإباضيين كمعتزلة، وناقش نقطتين أخريين حول الرؤية والخلود في جهنم وأعطى أجوبته على الأسئلة اللغوية والصرفية والنحوية التي طرحها السائل.4 وكان الجواب الثاني على رسالة من مدينة الجزائر موجهة كذلك من سني لم يذكر اسمه. والظاهر أن الكاتب السني أشار إلى الإباضية، في رسالته، كمعتزلة حينا، وكمارقة حينا آخر، وكرافضة حينا ثالثا. واتهمهم بكره أبي بكر وعمر وعلي وزعم أنهم يسمون حيواناتهم التي يضحون بها بأسماء أبي بكر وعمر وعلي ثم يذبحونها. وهنا أيضا، وقبل أن يفند هذه الاتهامات، يوجز المصعبي العقيدة الإباضية. وكتب ابنه أبو يعقوب يوسف بن محمد المصعبي رسالة مطولة إلى أحمد باشا والي طرابلس ( 1123 – 1158 هـ )1 تتناول شهادة الإباضية. ويروى أن هذا الحدث وقع سنة 1155 هـ. وفي مقدمة رسالته ذكر المصعبي أن سبب كتابتها هو أن مجموعة من الإباضيين من جزيرة جربة أدلوا بشهادة في إحدى الحالات في بلاط أحمد باشا، لمن أحد العلماء قال له إن شهادتهم لا تقبل، مما أثار القلق والارتباك ولذلك عرض العقيدة الإباضية وناقش مسألة الشهادة معتمدا المصادر السنية والمالكية.2 والعقيدة كما وردت في جواب محمد المصعبي هي نفسها كما وردت في ردود ابنه يوسف بن محمد المصعبي. على أ،ه ليس معروفا هل محمد المصعبي هو كاتب هذه العقيدة أو أنها كتبت في وقت سابق ؛ إلا أنه من المؤكد أنها ليست إحدى العقائد المذكورة من قبل.3 ثم إن عددا من هذه الأعمال ذو طبيعة مشابهة كتب بواسطة محمد بن يوسف اطفيش وغيره من العلماء الإباضيين المتأخرين أمثال قاسم بن سعيد الشماخي، وعبد الله الباروني، وسعيد بن تعاريت الفصل السادس نظام الولاية والبراءة معنى الولاية والبراءة: إن الكلمات العربية المشتقة من الجذر (( ولي )) تفيد المعاني الآتية: 1 – ولي، أن يكون متوليا للأمور مسؤولا عنها. 2 – الولاية، الوصاية، والعون، الدعم، الحماية، الصلة، العلاقة. 3 – الولاء، التتابع ( الخلافة ). 4 – استولى، الحصول على ما هو يبد الغير. 5 – الوليه غطاء السرج الذي يلي ظهر الجمل، أو الجواد، أو البغل، أو الحمار. 6 – تولى – ذهب.1 والمعنى العام الذي تشترك فيه الصيغ الخمس الأولى هو القرب والولاية، وهي تعني في الكتابات الإباضية: أ ) وجوب الترحم والاستغفار للمسلمين.2 ب ) ( الود بالجنان والثناء باللسان ؛ الحب بالجنان والثناء باللسان ).1 ج ) المودة والمؤاخاة.2 د ) المودة الدينية.3 هـ ) المودة والمصافاة.4 و ) المودة والاستغفار.5 ز ) الميل بالقلب والجوارح إلى مطيع لطاعته.6 ح ) أن تحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك في هذه الدنيا وفي الآخرة.7 ط ) تولي القيام بحق الولي واعتقاد وده.8 وكلمة المودة هي التي تستعمل عادة لكلمة الولاية بالعربية، على أنني أعتقد أن كلمة المودة لا تعطي المعنى الكامل لكلمة الولاية كما تستعمل في الكتابات الإباضية ؛ فهي واجب ديني يسيطر على المشاعر البشرية من الحب والبغض بموجب تعاليم الإسلام. وعلى أساس هذا الواقع تستخدم عبارة الولاية في هذه الدراسة لتعني – الحب، الإخاء، الاتحاد بين المسلمين، والواجبات التي تتصل بذلك. أما الكلمة العربية الأخرى، البراءة فهي تعبير عن عكس الولاية أي الحرمان. وقد استعملت في الكتابات الإباضية للتعبير عما يلي: أ – وجوب الشتم و اللعنة للكافر.1 ب – المنابذة والعداوة.2 ج – البغض بالقلب والشتم باللسان.3 د – التبري من العدو وحدثه، واعتقاد بغضه.4 وقد استعمل علماء الإباضية هاتين الكلمتين، الولاية والبراءة للدلالة على موقف المؤمنين من إخوانهم المسلمين ومن الكفار. والعبارة الثالثة التي تتعلق بالولاية والبراءة هي (( الوقوف )) / ( التحفظ ). فإذا لم يكن المؤمن متيقنا بالنسبة لأعمال شخص ما أو إيمانه، كان عليه أن يمتنع عن إصدار حكم عليه إلى أن يصبح على يقين من أعماله وإيمانه حتى يصل إلى موقف محدد منه، فإما الولاية وإما البراءة.5 وعند بعض علماء الإباضية، تعني الولاية التوافق في الدين بين القول والعمل.6 والشخص الذي يستحق الولاية من المؤمنين هو ذاك الذي يكون مطيعا لله طاعة كاملة، ويتصف بجميع الصفات الصالحة ويتم جميع الواجبات الدينية، وبالامتناع عن المحرمات.7 على أن هنالك علماء آخرين يعتقدون أن التوافق اللفظي بين الشخص والمسلمين كاف له لاستحقاق الولاية. هذا هو الرأي الذي تقدم به السالمي على أساس الآية القرآنية التالية: ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله، إن الله غفور رحيم ) 1وحجة السالمي أن الله أمر نبيه أن يستغفر لهؤلاء النساء على أساس موافقتهن الشفهية فقط لما ورد أعلاه، وأنه ليس له أن ينتظر ليرى أعمالهن.2 ووفقا للمذهب الإباضي، فالعمل الذي ينسجم مع المفاهيم الثلاثة المذكورة أعلاه يشكل واجبا على الفرد ؛ وعليه أن يتصرف وفقا لتلك الأصول منذ أن يصل سن البلوغ ( أي سن الخامسة عشرة تقريبا عند الذكور، وسن الثانية عشرة عند الإناث ).3 ويشكل مفهوما الولاية والبراءة أحد أبرز أسس العقيدة الإباضية. وقد خصص علماء الإباضية اهتماما كبيرا لهذا الموضوع، كما أن العديد من الكتب كتبت حوله لشرح نظام الولاية والبراءة هذا.4 ولم تعالج الأدبيات الإباضية في شمالي إفريقيا هذين الموضوعين بتفصيل تام حتى نهاية الرابع للهجرة. وعلى وجه الدقة، فإن أول عمل عرض دراسة مستقلة لهذا الموضوع هو (( كتاب التحف المخزونة والجواهر المكنونة ))5 لأبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي ( ت 471 / 1078 ). على أن هنالك أحكاما صدرت حول هذا الموضوع في الأدبيات الإباضية قبل أبي الربيع، كما أن أعمال السير ضمت مواد موزعة حول هذا الموضوع في الآراء المدونة عن الأئمة الإباضيين والعلماء أثناء القرون الأربعة الأولى. قواعد الولاية: لنظام الولاية ناحيتان أساسيتان أولاهما تنسجم مع الاعتقاد بوحدانية الله ( التوحيد ) التي لا يمكن، عند الإباضية، أن تكون كاملة بدون الإيمان بالأسس التالية: أ – الولاية لله، أي طاعة أوامره ن وتجنب نواهيه.1 ب – الولاية لجميع المسلمين بوجه عام ( ولاية الجملة ). ج – الولاية للمعصومين وللمنصوص عليهم في القرآن بأنهم من أهل الجنة. ومن يتجاهل هذا الوجه من الولاية أو يهملها كان مشركا.2 والوجه الثاني هو أن الولاية تشكل جزءا من الحقوق المتبادلة بين المؤمنين.3 ويعد الذين يتجاهلون هذا الواجب الإلزامي أو يهملونه منافقين.4 وبالعودة إلى الوجه الأول، فإن غالبية المؤلفين الذين ناقشوا هذا الموضوع تناولوا القضايا الثلاث التالية: I – الولاية لله، أي طاعة أوامره وتجنب نواهيه. وهنالك من ناحية أخرى ولاية الله للمؤمنين وهي تفسير بأنها هداية لهم، ودعم من الله وحمايته لهم.5 وهي القضية التي نشأت حولها المسألة الفقهية: هل تتغير ولاية الله للمؤمنين بغير أعمالهم إلى الأفضل أو الأسوأ ؟ وقال الإباضيون الوهبيون بأن ولاية الله للمؤمنين وبراءته من الكفار ثابتة لا تتغير، لأن معرفته بأعمالهم مطلقة.1 II – الولاية لجميع المسلمين بوجه عام، الإنس، والجن الأسلاف والأبناء، إلى يوم القيامة، دون تخصيص شخص معين. وهذا يشمل جميع المؤمنين من الشعوب في كل العصور الماضية، والمؤمنين في الوقت الحاضر وفي المستقبل، سواء كانوا إنسا أم جنا. III – الولاية للمعصومين من الذنب ؛ وهم الملائكة، والأنبياء، ورسل الله، وأولياء الله الآخرون، المذكورين في القرآن بالاسم، أو بالوصف ،2 كما تشمل أولئك الذين شفع لهم رسول الله عليه السلام.3 و (( المعصومون من الذنب )) كما ذكرهم القرآن وأثنى الله عليهم، ووعدهم الجنة هم: 1 ) جميع الأنبياء ورسل الله بوجه عام، ولا سيما آدم ومحمد لجمعه بين النبوة والرسالة.4 2 ) الكهنة والرهبان المذكورون في آيات القرآن التالية:.... ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهابانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين. وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ).5 3 ) أصحاب الكهف ( السبعة النائمون في أفسس ) ؛ وقد ورد ذكرهم في الآية التالية: (... إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا )1. ثم ( نحن نقص عليك نبأهم بالحق أنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها ).2 4 ) أصحاب الأخدود الذين تكلم عنهم الله في سورة البروج، الآيات 4 – 11. 5 ) أهل يونس، وقد ورد ذكرهم في الآية التالية: (... إلا قوم يونس لما قالوا آمنا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) 3 6 ) سحرة فرعون الذين ذكروا في القرآن كما يلي ( وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون ).4 7 ) حبيب النجار الذي ورد ذكره في الآيات التالية: ( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال، يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إني إذا لفي ضلال مبين أني آمنت بربكم فاسمعون قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ).5 8 ) مؤمن آل فرعون، وقد وصف في القرآن بأنه (... وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ).6 والنساء المعصومات، واللواتي أوصى بهن الله في القرآن هن: 1 ) حواء أم البشر هي وآدم ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ).1 2 ) سارة امرأة إبراهيم. 3 ) رحمة امرأة أيوب. 4 ) حنة أم مريم. 5 ) منة أم يوحنا. 6 ) آسيه، امرأة فرعون. 7 ) زليخاء امرأة يوسف. 8 ) مريم بنت عمران وأم عيسى. 9 ) عائشة زوجة النبي محمد. والوجه الثاني من نظام الولاية هو المعروف بولاية الأشخاص أو ولاية المخصوصين ؛ وهي تعتبر جزءا من الحقوق المتبادلة بين المؤمنين2 والأحاديث التالية عن النبي، والآثار عن صحابته، بالإضافة إلى الآيات القرآنية التي تدعو المسلمين إلى اعتزال الأشرار3 هي الأدلة التي اعتمدها علماء الإباضية للقول بوجوب ولاية الأشخاص. 1 ) يروى أن النبي قال: (( من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان )) .4 2 ) وقال ( صلى الله عليه وسلم ): (( رحم الله أبا ذر، يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده )).1 3 ) يروى أن عمرا ابن الخطاب قال: (( من علمنا فيه خيرا قلنا فيه خيرا وظننا فيه خيرا وتوليناه ومن علمنا فيه شرا قلنا فيه شرا وظننا فيه شرا وتبرأنا منه )).2 4 ) ويروى أيضا أن عبد الله بن عمر قال: (( والله لم صمت النهار لا أفطره وأقمت الليل لا أنامه، وأنفقت مالي في سبيل الله، ومت يوم أموت وليس في قلبي حب لأهل طاعة الله، وبغض لأهل معصية الله، ما نفعني ذلك شيئا )).3 واعتمادا على هذه الأحاديث المذكورة، يقدم علماء الإباضية الدليل على أن ولاية الأشخاص واجب إلزامي.4 ويستحق المرء الولاية في الأحوال التالية وهي:5 أ – إذا تصرف وسلك – حتى بالنسبة لمظهره الخارجي – بطريقة تناسب المؤمنين. ب – لا تسمع عه إلا الأخبار المرضية بالنسبة لقيامه بواجباته الدينية. ج – المؤمن يحب أن يكون مقتنعا في قلبه بما يسمعه ويراه عن ذلك الشخص. د – أن تكون آراؤه منسجمة مع آراء المذهب الإباضي. إن الشخص يستحق الولاية من المؤمنين إذا لوحظ أنه: 1 ) عرف بالخبرة الشخصية بصورة مشهورة أنه على وفاق مع المسلمين ( الإباضية ) قولا وفعلا ؛ 2 ) إذا كان معروفا بصورة مشتهرة أنه يقوم بواجباته الدينية بإخلاص ؛ 3 ) إذا كان معروفا بأنه مخلص بقيامه بواجباته الدينية وفقا لشهادة شخصين عدلين ؛ 4 ) إذا كان معروفا أنه مخلص في القيام بواجباته الدينية بأن يشهد بذلك شخص عدل، حتى ولو كان هذا الشاهد امرأة أو رقيقا.1 وكل شخص يعرف عنه الوفاء بالشروط المذكورة أعلاه يستحق الولاية من المؤمنين. وهنالك أيضا أربعة أجزاء أخرى تنسجم مع هذا القسم من الولاية: أ – الولاية للأئمة وقادة الأمة الإباضية الذين ينشرون التعاليم الإسلامية الحقة ويرفضون التعاليم الزائفة. والولاية لهؤلاء إلزامية على أهل بلادهم، وعلى جميع المسلمين الآخرين الذين يسمعون بهم ؛ فهم يستحقون الولاية لأنهم معرفون على نطاق واسع بنشاطهم في نشر الدين الصحيح والدفاع عنه. مثل هذه الولاية لا يمكن تغييرها حتى إذا تكلم فيهم عدد كبير من الناس.2 ووفقا لأولئك العلماء الذين يقولون بأن أئمة (( مرحلة الظهور )) / ( مسلك الظهور )) ينبغي أن لا يظلوا مجهولين لدى المؤمنين، فيجب أن يقصدوا بالولاية أيضا.3 والمصادر الإباضية تذكر القائمة التالية من أئمة مسلك الظهور.4 1 – أبو بكر بن أبي قحافة التيمي، الخليفة الأول. 2 – عمر بن الخطاب من بني عدي، الخليفة الثاني. 3 – عبد الله بن يحيى الكندي، مؤسس أول دولة إباضية في جنوبي شبه الجزيرة العربية – اليمن وحضرموت. 4 – أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري، أول إمام للدولة الإباضية في شمالي إفريقيا ( ليبيا وتونس ). 5 – عبد الرحمن بن رستم الفارسي، مؤسس الدولة الإباضية في تاهرت، وخلفاؤه: 6 – ابنه عبد الوهاب. 7 – أفلح بن عبد الوهاب. 8 – محمد بن أفلح. 9 – يوسف بن محمد. ومن العلماء من يضيف الجلندي بن مسعود إمام الدولة الإباضية في عمان.1 ب – الولاية للإمام العادل، أو السلطان العادل. هذه الولاية يجب توجيهها إلى الولاة، والعمال الذين يساعدونهم على حكم البلاد، وإلى جميع المسلمين الخاضعين لهم. وهي تعرف في الكتابات الإباضية، بصورة تقنية، (( بولاية البيضة )) ( حيث تعني البيضة العاصمة ).2 ففي كل بلاد يحكمها أولئك الذين يسيرون وفق تعاليم القرآن، ويتبعون شرع النبي، ويوصون بممارسة السنة، ويرفضون البدع، ولا يتعصبون لأقاربهم، ولا ضد الأغراب، يجب أن يعتبروا أولياء ؛ ويجب أن تدعى بلادهم (( دار العدل والإحسان ))، وكل شخص في تلك البلاد يستحق الولاية.3 ج – الولاية للذين اعتنقوا الإسلام بعد أن كانوا مشركين ؛ هي حق لهم لقبولهم الإسلام والإيمان بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. ومن العلماء من يشترط على معتنق الإسلام أن يعلن براءته من الحكام الجائرين1 بصرف النظر عن أنه اعتنق الإسلام على يدي مسلم مخالف أو إباضي، إلا حين يوضح المسلم المعارض لمعتنق الإسلام أنه ( أي المسلم المخالف )، مخطئ، ومع ذلك فقد تبنى معتنق الإسلام الخطأ نفسه.2 د – الولاية للذين رجعوا عن آراءهم الخاطئة وأصبحوا إباضيين. وفي هذا القسم نوعان من الأفراد: أ ) أولئك الذين يتبعون العلماء في دينهم، أي مقلدون، أو عامة. والمطلوب من المقلدين أن يتوبوا وأن يقولوا: (( أنا واحد منكم وليكم هو وليي وعدوكم عدوي )) بذاك يصبح عضوا في المجتمع الإباضي.3 ب ) أولئك القادرون على اتخاذ أحكام مستقلة بخصوص قضايا شرعية أو فقهية، أي المجتهدون ؛ وعلى المجتهد أن يتوب من كل آرائه الخاطئة، وأن يعدها واحدا واحدا، معلنا تراجعه عنها، ومؤكدا على اعتناق العقائد الحقة.4 وعلى المبتدع، الذي نشر بدعة أن يتصل بأولئك الذين تبعوه في بدعة وأن يعلمهم بتوبته حيثما كانوا ؛ وبعد أن يفعل ذلك يقبل عضوا في المجتمع الإباضي ووليا.5 هـ ) والقسم الأخير في هذا الموضوع هو ولاية الأطفال: وترى هنا آراء متناقضة حول هذه القضية. فالمرجئة قالوا إن لجميع القاصرين الحق في الولاية، وهذا هو أيضا رأي الصحابي معاذ بن جبل.1 وقال الصفرية، وهم فرع من الخوارج، أن الأطفال يعاملون معاملة آبائهم. فأطفال الكفار هم كفار، وعلى المسلمين البراءة منهم ؛2 والرأي السائد لدى النكار وأحمد بن الحسين هو (( الوقوف )) بالنسبة للقاصرين ريثما يبلغوا سن الرشد. ورأي من تبقى من الإباضية هو ولاية القاصرين من أبناء المؤمنين و (( الوقوف )) بالنسبة لأطفال الكفار والمشركين3 والحجج والأدلة التي قدمها كل فريق بشأن هذه المسألة مشروحة في المصادر الإباضية.4 وتحق الولاية للقاصر من أبناء المؤمنين إذا:5 أ ) تأكدت أبوة الوالد، أي حين يعرف أنه ابن إباضي. ب ) أو قال الأب (( هذا ابني )) بحضور الولد ؛ ومن العلماء من يقول أن تأكيد الأب للأبوة غير كاف ؛ يجب دعم ذلك بشهادة من رجل عدل. ج ) أو كان معروفا أن الولد مولود (( لولي )) بشهادة أشخاص موثوقين. □ ولد امرأة تحت الولاية يرث الولاية نتيجة حالة والدته. وقد عارض بعض العلماء هذا الرأي وقالوا إن حالة لا تورث إلا من الوالد فقط. □ أن الأم التي تعتنق الإسلام من الشرك تدخل أولادها في الإسلام ؛ والأبناء يتبعون والدتهم في حقهم في الولاية. وينطبق الشيء ذاته على أبناء النساء الحرائر في حالة الولاية إذا تزوجن من الرقيق. □ إذا أعتنق ولد من قبل شخصين، ولي (( ومخالف ))، فللابن حق الولاية وفقا الحالة مالكه الإباضي. □ إذا كان أحد والدي الولد وليا، دون الآخر، فعلى المؤمنين أن يمتنعوا عن اتخاذ أي موقف منه قبل أن يبلغ سن الر شد. □ إذا كان الوالد وليا وارتد بعد ولادة ابنه، فإن حق الولد بالولاية لا يتأثر بذلك ؛ أما تحول الأب إلى منافق فموقف المؤمنين نحو أبنائه هو (( الكف )). □ حين يبلغ أبناء المسلمين المخالفين سن الرشد، يجب اعتبارهم في حالة (( الوقوف )) ؛ وإذا ما ثبت بعد ذلك أنهم مستقيمون فإنه تجب إعادتهم إلى حالة الولاية ؛ وإذا لم يثبت ذلك كان على المؤمنين أن يتنصلوا منهم. □ الشخص غير العاقل الذي يفقد عقله أثناء طفولته يبقى متمتعا بالولاية.1 قواعد البراءة: القول بأن البراءة إلزامية في الإسلام، كالولاية بالذات، هو جزء أصيل في صلب العقيدة الإباضية. وعلى المؤمنين أن يتصرفوا وفقا لأصول البراءة فور بلوغ سن الرشد.2 ولذلك وجهان رئيسان أيضا، أولهما يتفق مع الإيمان بوحدانيه الله، ويتألف من: I ) البراءة من الكافرين عموما، معروفين كانوا أم غير معروفين، أحياء، أو أموات، إنسا أو جنا. وهذا معروف في الكتابات الإباضية ببراءة الجملة.3 II ) براءة الحقيقة، أو براءة أهل الوعيد ،4 ومعنى هذه الأخيرة البراءة من أهل الوعيد الذين نص القرآن أن مصيرهم هو جهنم ؛ فعلى المؤمنين أن يتنصلوا من هؤلاء، معتقدين بأنهم من أهل جهنم.5 ونذكر فيما يلي المتبرئ منهم: 1 ) هامان، الذي أيد فرعون، وقد قال الله فيه: ( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ) 1و (... النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب... ).2 2 ) قارون الذي قال الله عنه: ( فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه، من دون الله وما كان من المنتصرين ).3 3 ) فرعون وقد قال الله عنه: ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ).4 4 ) النمرود وقد ورد ذكره في آيات القرآن التالية: ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيى ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ).5 5 ) زوجتا نوح ولوط، قال الله فيهما: ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا. وقيل أدخلا النار مع الداخلين ).6 لقد كانت هذه الشخصيات الواردة في القرآن هي المهددة ؛ وقد ميزها عمرو بن جميع في عقيدة التوحيد .7 ثم أضاف الشيخ محمد بن يوسف اطفيش أشخاصا آخرين.8 والوجه الثاني هو البراءة من الأفراد، براءة الأشخاص. وتتميز هنا أربع فئات: 1 – البراءة من كل شخص تشتهر أعماله السيئة لدى المؤمنين، وهؤلاء فئتان: أ ) مرتكبوا الكبائر. والكبيرة هي التي تعاقب بالحد في هذه الدنيا وبالعذاب في الآخرة. السرقة، والزنى، وشرب الخمر، والفرار أمام العدو، هي بعض الكبائر.1 ب ) البراءة من الذين يضرون على ارتكاب الصغائر من الذنوب كالمخادعة التي لا تؤذي نظر الشهوة إلى النساء الأجنبيات، وأخذ شيء من صديق بدون إذنه الخ.2 وفي رأي الإباضية في المغرب أن صغائر الذنوب غير محددة ولكن هنالك كبائر معروفة هي التي حددها القرآن والأحاديث. ولذلك ينبغي على المؤمنين أن ينتبهوا لكل ذنب لتجنب الكبائر.3 وصغائر الذنوب تصبح كبائر بتكرارها المتواصل ،4 وهذا ما يحتم على المؤمنين أن يعلونا البراءة من المذنب. والبراءة من الأشخاص تحدث في إحدى الحالات الآتية: أ ) حين يعترف الشخص أنه ارتكب كبيرة، أو أصر على ارتكاب صغيرة.5 وحين يعتبر الشخص أن آراءه الخاطئة هي دين الله الصحيح، معتبرا المسلمين الذين يخالفونه مشركين.6 ب ) حين يتولى المؤن شخصا يرتكب الكبيرة ؛ أو يصر على الذنوب الثانوية. ج ) شهادة شخصين عدلين على أ، شخصا ما يستحق البراءة تفرض على المؤمنين أن يعلنوا البراءة منه. هذا المبدأ قال به، ووضعه موضع التنفيذ جابر بن زيد، أول أئمة الإباضية.1 إن شهادة شخص واحد لا تكفي للبراءة من المؤمن ؛ يلي الأمر عكس ذلك، أي أنها تدعو المؤمنين إلى التنصل من ذلك الشاهد إذا لم يستطع تأييد اتهامه للمؤمن بشهادة شخص آخر عدل.2 هكذا فإذا ما قال ولي إن وليا آخر ارتكب كبيرة كان على المؤمنين أن يعلنوا البراءة من المتهم ( بكسر الهاء ). وكذلك الأمر مع المسلمين غير الإباضية، إذا ما أقدم شخص لا بل مجموعة منهم على نسبة ارتكاب كبيرة لولي، فإن على المؤمنين أن يرفضوا التهمة وأن يتنصلوا منهم.3 د ) على المؤمنين أن يعلنوا البراءة من أعمال المسيء.4 2 ) البراءة من السلطان الجائر: على المؤمنين أن يعلنوا البراءة منه ومن كل من يؤيدون حكمه. لكن ذلك لا ينبغي له أن يشمل جميع من هم تحت حكمه لأن المؤمنين قد يخضعون لحكم جائر من غير أن يعارضوه بسبب التقية. وأي بلاد يحكمها الجائرون والظالمون يجب أن تعلن دار جور وظلم. وبالإضافة إلى إعلان البراءة من هؤلاء الحكام ومن أتباعهم وليس للمؤمنين أن يتخذوا أيا منهم وليا.1 3 ) البراءة من المرتدين، لقوله تعالى: ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ).2 وقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ): (( من بدل دينه فاقتلوه ))3 والمجمع عليه بين العلماء المسلمين أن النبي في هذا الحديث يشير إلى المرتد.4 ووفقا لهذا الحديث آمن الإباضية بأن الشخص الذي يرتد عن الإسلام ويتبنى الشرك يستحق (( البراءة والسيف )).5 على أنه يروى أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أعطى المرتدين مهلة ثلاثة أيام للتوبة، فإذا ما رفضوها فقد وجب قتلهم وإلغاء حقوقهم كمسلمين من ولاية، وزواج، ودفن إسلامي، وإرث. 4 ) البراءة ممن يرتدون عن آرائهم الإباضية ويتبنون آراء مذاهب أخرى، ويتخذون من زعماء تلك المذاهب (( أولياء )) لهم ويعلنون (( البراءة )) من الأئمة الإباضية، فعلى المؤمنين أن يتبرؤوا من أمثال هؤلاء المرتدين إلى أن يتوبوا. والذين يتخلون عن الإباضية ويؤذون الإباضيين ينبغي أن يقتلوا أو أ، يصار إلى اغتيالهم بأية وسيلة ممكنة.6 والولي الذي يرتكب إحدى الكبائر، ينبغي للمؤمنين أن يطلبوا منه التوبة ؛ وإذا رفض ذلك، كان عليهم إعلان البراءة منه. ومن العلماء من يقول إن على المؤمنين أن يعلنوا البراءة منه أولا، ثم أن يطلبوا منه أني يتوب. وفي مثل هذه الحالات يمكن أن تطلب منه التوبة ثلاث مرات، بعد ذلك لا يعود لزاما على المؤمن أن يطلب من المذنب أن يتوب. ووفقا لإمام الإباضيين الثاني، أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة، ينبغي تنفيذ هذه القاعدة (( حتى يكون الشيطان هو الخاسر )).1 ثم إن هذا الرأي يروى أيضا عن علي بن أبي طالب. الوقوف: و (( الوقوف )) واجب آخر لازم، متصل بالولاية والبراءة. فإذا لم يكن الشخص يستحق الولاية أو البراءة فإن حالته ينبغي أن تكون حالة (( وقوف )) وهي حالة ضرورية طالما أن حالة الشخص غير واضحة. ومثل هذا الموقف يستند إلى الآيتين القرآنيتين التاليتين: 1 – ( ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا )).2 2 – ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أ، تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتهم نادمين ).3 ويستشهد بالأحاديث التالية لتعزيز هذا الرأي: يروى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال: 1 – (( إن الأمور ثلاثة، أمر بأن لكم رشده فاتبعوه، وأمر بأن لكم غيه فاجتنبوه، وأمر أشكل عليكم فكلوه إلى الله )).4 2 – قال النبي: ( المؤمن وقاف والمنافق وثاب )).5 وذكر السالمي خمسة أنواع في الوقوف:1 الأول هو (( وقوف الدين )) أ, كما يسميه آخرون (( وقوف السلامة )). وهو وقوف بالنسبة لشخص مكلف شرعا لكن حالته مجهولة عد المؤمنين. واتفق جميع العلماء الإباضيين بخصوص هذا القسم لكنهم لم يتفقوا بالنسبة للأقسام الأخرى. والثاني هو الوقوف بخصوص الولي الذي ينسب إليه عمل لم يكن المؤمنين مطلعين عليه إلى حد كاف يمكنهم من إصدار حكم بشأنه ومن العلماء من يقول إن موقف المؤمنين في هذه الحالة يجب أن يكون (( الوقوف )). والقسم الثالث من الوقوف هو وقوف السؤال وهو شبيه بالقسم الثاني إلا أنه يشترط فيه أن يسأل المؤمن العلماء بشأن الفعل المجهول.2 والقسم الرابع هو (( وقوف )) الإشكال بالنسبة للقضايا المشكوك فيها. وهو ينطبق على الوليين اللذين يلعن أحدهما الآخر أو يقتله، ويظل المسيء الفعلي غير معروف للمؤمنين. هنا تذكر المصادر الإباضية حالة الحارث وعبد الجبار وقد وجدا قتيلين وسيق كل منهما في جسد الآخر ؛ فكلاهما في حالة ولاية لكن موتهما ترك شكا في أذهان المؤمنين حول المسيء الحقيقي. من العلماء بمن فيهم النكار، من يقول بشرعية الوقوف منهما لكن آخرين ( علماء الوهبية في المغرب ) يرون أنه ينبغي إبقاؤهما في حالة الولاية السابقة.3 والقسم الخامس، كما يقول السالمي، هو (( وقوف الشك ))، أي الوقوف من جميع الناس، وعدم اتخاذ أولياء إلا ممن يتخذون مثل هذا الموقف. مثل هذا الوقوف يعتبر غير شرعي لأنه يهمل واجب الولاية لمن هم أهل لها. 4 منشأ نظام الولاية والبراءة : في الفترة السابقة للإسلام ( الجاهلية ) . كانت العائلة ( العشيرة ) والقبيلة أهم وحدتين في المجتمع الوثني في شبه الجزيرة العربية وفي هذا المجتمع كان الفرد العربي ينشأ بشعور الولاء الكامل لعائلته وقبيلته . هو ولاء ليس أكثر من (( إخلاص وفي لأقربائه ؛ وهو وثيق الصلة بفكرة القرابة . وكان الدفاع عن هؤلاء كأفراد وكمجموعات ، واجبا مقدسا )).1 كذلك كان مطلوبا من الرجل أن يؤيد أهله وذويه حتى ولو كانوا على خطأ . ولذلك اعتبر الشاعر العربي المودة والصداقة مع أقاربه قضية ذات أهمية كبرى : (( وما أنا إلا من غزية إن غوت =غويت وإن ترشد غزية أرشد )) . وجاءت تعاليم الإسلام فاعترفت بالنظام القبلي،2 كلنها هزت المبدأ العربي الوثني بخصوص الولاء العرقي للقبيلة والعائلة حتى الأعماق . فالولاء يجب أن يكون لله ولنبيه ؛ وواجباته هي التزامات دينيه لا واجبات تقليديه يتطلبها الشرف . (( الإسلام ، لا النسب القبلي ، هو المبدأ الجامع للمجتمع )) .3 لقد أقيم نظام الولاية والبراءة على هذه المبادئ الأساسية منذ البداية الأولى للمجتمع الإسلامي في مكة . ومن ناحية ثانية ، لم تكن القبيلة في بعض الأحيان تملك سيطرة كاملة على أفرادها الذين يتورطون في أعمال قد تثير مشاكل بين القبائل وبين العائلات مما يؤثر على القبيلة والعائلة كلها . ولتجنب المشاكل التي يسببها مثل هؤلاء الأفراد غير المسئولين كانت العائلة أو القبيلة تتخلى عنهم . والعادة في هذه الحالة ، كما يقول الزوزني ، هي أن الرجل يأتي بابنه إلى الاجتماعات القبيلة في أسواق ومراكز الحج ويعلن أنه أنكر ابنه . وبذلك لا يعود مسئولا عن أية جريمة يرتكبها ابنه الذي تبرأ منه ، كما أنه لن يطالب بالثأر إذا ما ارتكبت أية جريمة بحق هذا الابن.1 مثل هذا الشخص الذي جرى التبرؤ منه يعرف بالخليع أو اللعين ، أو الطريد.2 والصفتان الأوليان تردان في أشعار الشماخ بن ضرار وامرئ القيس 3ومن المساوئ التي تجعل القبيلة أو العائلة تتخلى عن أحد أفرادها هي الإدمان على الخمور ، والتبذير بالأموال ، كما هو مذكور في قصيدة لطرفة بن العبد.4 وما زال تشرابي الخمور ولذتي = وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي إلى أن تحامتني العشيرة كلها = وأفردت إفراد البعير المعبـد 2 وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبيعي وإنفاقي طريفي iiومتلدي إلى أن تحامتني العشيرة iiكلهـا وأفردت إفراد البعيـر iiالمعبـد مثل هذه المعاملة للعضو الآثم أو المجرم في القبيلة في الفترة السابقة للإسلام هي ، على ما يبدو ، حذر هذا النظام الذي أصبح يعرف بالبراءة فيما بعد . وقد لجأ القرشيون إلى هذا النوع من المعاملة مع بني هاشم وبني المطلب في مكة لأنهم حموا النبي . و (( الصحيفة )) التي كتبها المشركون لهذه الغاية تذكر أن الذين يتعاقدون على هذه الوثيقة (( .... على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ، ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعون منهم )) .5 ودامت هذه المقاطعة للمسلمين ولحمايتهم أكثر من سنتين أو ثلاث سنوات ؛ ثم جعل الإسلام من هذا النظام سلاحا مفيدا . وأول استعمال لهذا المبدأ جرى لخلق شعور بالتجانس بين أفراد المجتمع الإسلامي الجديد النشأة ، ولإبقائهم منعزلين عن المجتمعات المحيطة بهم من الوثنيين وأهل الكتاب . ثم جرى تعديل هذا النظام للتعاطي مع الذين لا ينفذون واجبات الدين الجديد والالتزامات نحو الأمة الجديدة . وأول حادثة في تنفيذ نظام البراءة كانت بحق بعض أفراد المجتمع الإسلامي برغم أمر النبي الواضح لهم ؛ ونزلت الآية التالية لإنهاء النقاش الذي نشأ بين المسلمين في المدينة في ما يتصل بزملائهم المسلمين الذي لم ينضموا إليهم بعد الهجرة1 ( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ).2 والحادثة الأخرى تتناول الرجال الثلاثة الذين امتنعوا عن المشاركة في غزوة تبوك أي كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أبي أمية ، فقد حظر النبي على جميع المسلمين أن يكلموهم ؛ ثم أمرهم بعد فترة أسبوعين أن يعتزلوا نساءهم . واستمر ذلك خمسين ليلة حتى أنزل الله كلمته بشأنهم ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ، ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا .... ).3 وهكذا أعيدوا إلى المجتمع الإسلامي.4 وليس غرض هذا الكتاب أن ندرس نظام الولاية والبراءة في حياة النبي ؛ بل أن نبين نشأة هذا النظام مما أدى إلى تأسيسه في العقيدة الإباضية في وقت لاحق . لقد درس الإباضية هذا النظام على أساس القرآن والسنة والإجماع . ولئن كانت هذه المصادر الأولية للشرع هي المتبعة من قبل المذاهب الإسلامية الأخرى ، فإن الإباضيين فقط هم الذين طوروا نظام الولاية والبراءة هذا وأعطوه أهمية كبيرة من الناحيتين النظرية والعملية . ومرد ذلك إلى طبيعة الحركة الإباضية والظروف التي تأسست فيها . لقد تأسست الحركة الإباضية في أوائل عهد بني أمية وكان عليها آنذاك أن ترسخ جذورها في البلدان الإسلامية وأن تتجنب قمع الولاة الأمويين .وكانت البصرة مركز هذه الحركة النامية مما جعل الإباضيين يواجهون محاكمات عديدة في ظل (( أقسى الولاة في زمانهم )) ، أي زياد بن أبيه ، وابنه عبيد الله ، والحجاج بن يوسف ؛ وكانت الحركة الإباضية آنذاك في مرحلة الكتمان ووفقا لحاجات هذه المرحلة ، قامت منظمة سرية لنشر تعاليم الإسلام الصحيحة بعيدا عن أنظار (( الطغاة )) . وأنشئت عدة مجالس لاجتماعات علماء الإباضية ، وللتعليم الديني لأعضاء هذه الفئة لتحقيق متطلبات المنظمة . وقدم نظام الولاية والبراءة خدمة جليلة في تأمين الحركة في الاتجاه الصحيح ، وكان أحد الأصول الأساسية للعضو الجديد الذي يريد الانضمام إلى الإباضيين أن يعلن براءته من أعداء الله والنبي ( أي خصوم الحركة الإباضية ) وأن يؤمن بالولاية لأولياء الله ونبيه ( أي الأعضاء الأمناء في المجتمع الإباضي ). ويروى أن الإباضيين دعوا بسطام أبي النظر الذي كان صفريا كي ينضم إلى حركتهم ، قال بسطام : حين دعوني قالوا : (( ندعوك إلى ولاية من قد علمته يقول بالحق ويعمل به ، وإلى براءة من قد علمته يقول بخلاف الحق ويعمل به ، والوقوف فيمن لا تعلم حتى تعلم )) . قال : (( هذا كان في عهد الكتمان )).1 والظاهر أن ذلك هو أحد المبادئ الأساسية في الحركة الإباضية ، لأن أول إمام للدولة الإباضية في اليمن عبد الله بن يحيى الكندي قال بعد فتح اليمن مخاطبا للناس : (( ندعو إلى توحيد الرب ... والولاية لأهل ولاية الله والعداوة لأعداء الله )).2 وكان الأعضاء الذين لم يتبعوا تعاليم الإسلام يعاملون بطرق مختلفة بالنسبة لخطورة أخطائهم وطبيعتها . ويروى عن جابر بن زيد أنه قال : (( إذا رأى أحدكم خطأ من وأخيه ، فقد وجب عليه أن يمنعه من تكراره ؛ أ، هذا يجب أن يتم بينهما فقط . وإذا رفض التخلي عن خطئه ، فإنه يجب عليه أن يطلب المعونة من عضو آخر ، إلى أن يكون لديه شاهدان على الواقع . فإذا ما امتنع المخطئ عن ارتكاب الخطيئة ، فإنه يجب إخفاء خطيئته . أما إذا أصر على ذنبه فعليهم أن يعلنوا البراءة منه )).1 وهنالك رأي مشابه ويروى عن حاجب الطائي ، أحد أوائل قادة الإباضيين.2 ويقسم حاجب هذه المخالفات إلى نوعين . ( أ ) ذاك الذي يتعلق بواجبات الإنسان نحو الله ؛ على المسلمين أن يخفوا هذه الأخطاء وأن يقدموا النصح لرفيقهم المؤمن ، وأن يسمحوا له بحضور مجالسهم لأن الله قد يتوب عليه ؛ ( ب ) أما إذا كانت المخالفة ذات صلة بالإيمان بالتمسك بآراء مناقضة لما يؤمن به الإباضيون ، فإن عليهم في مثل هذه الحالة أن يعلنوا البراءة منه وأن يمنعوه من حضور مجالسهم وأن يبلغوا جميع الأعضاء بذلك ليكونوا حذرين منه.3 ولشرح هذه العقيدة نذكر الحالات التالية : قال أبو سفيان محبوب بن الرحيل : (( جاء حمزة الكوفي إلى أبي عبيدة في منزله ليناقش معه قضية القدر ، فذهبا إلى نزل حاجب وتكلما كلاما كثيرا ، فكان آخر ما سمع من أبي عبيدة أن قال : يا حمزة على هذا القول فارقت غيلان ، فخرج أبو عبيدة ثم كلمه حاجب ، قال : (( إنما أخذت هذا الكلام من عند المسلمين ( الإباضية ) ، فقال له حاجب : لم تدرك أحدا إلا وقد أدركته ولقيته إلا جابرا ، فعن من أخذت هذا القول ؟ قال : منك أخذته . قال فقال له حاجب : فإني أرجع عنه ، فارجع عنه كما رجعت . قال فقال : أرفق بي يا أبا مودود وأقبل مني ما أقول لك . قال : هات . قال : أقول : (( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) فالحسنات من الله والسيئات من العباد )) . ولم يقبل حاجب ذلك منه ، فغادر حمزة المكان . وحين سئل حاجب عنه ، قال : (( عاملوا حمزة برفق )) بعد ذلك سمعوا أن حمزة اتصل بالنساء والرجال من ذوي المعرفة القليلة ليعلمهم آراءه . فأمر أبو عبيدة حاجب أن يدعو أعضاء الحركة إلى اجتماع عام لإطلاعهم على البدع التي جاء بها حمزة . وختم حاجب كلامه في ذلك اللقاء بأن قال : (( إن حمزة وعطية ، والحارث أتونا ببدع ، فمن آواهم ، أو استقبلهم أو جالسهم ، فليس بولي لنا )) . وأعلن أبو عبيدة البراءة منهم وأمر بأن يكونوا في حالة البراءة وطردوا من المجلس.1 واعتاد حمزة أن يزور هبيلة أم سعيد . وحين سمعت أن الإباضية تبرأوا منه ، رفضت أن تستقبله بعد ذلك . ولذلك غادر البصرة إلى الموصل . ثم راح أبو محفوظ يتبعه من قرية إلى أخرى لتحذير المسلمين منه.2 والحادثة الثانية في عهد أبي عبيدة هي الحادثة الفتيان الذين جاؤوا أبا عبيدة وسألوه عن حالة النصراني الذي لم يسمع بنبي الإسلام ، ودعا المجوسي إلى النصرانية ؛ فسألهم أبو عبيدة رأيهم وكان جوابهم أن المسيحي الذي لم يسمع بنبي الإسلام هو مسلم وأن المجوسي الذي وافق على الانصياع له كافر . ورفض أبو عبيدة فرادوه الكلام ، فبرئ منهم وجاء الفتيان إلى حاجب منكسرين (( فقالوا له أغثنا ، فإنه عجل علينا بالبراءة إنما أردنا أن نستفهمه ، قال : فركب إليه حاجب فأعلمه أنهم تائبون ... فقبل منهم وأمر بهم فدخلوا المجالس ) ).3 واتبعت هذه الأصول خلال تاريخ الإباضية إلى حد كبير بحيث أنه لم يكن يمكن لأية آراء مناقضة أن تنو في المجتمع الإباضي . إلا أنه حدث بعد ذلك أن انشق عدد من المؤيدين لهذه الفئة عن الحركة الأصلية وشكلوا مجموعاتهم الخاصة.4 وإذا كان هذا الانشقاق يعني الانفصال عن التنظيم والطعن في الآراء الإباضية أو إفشاء أسرارهم ، فإن الموقف من هؤلاء الأشخاص لم يكن يكتفي بالابتعاد عنهم فقط بل بالقضاء عليهم بأية وسيلة.1 ويقال إن شابا إباضيا جاء جابر بن زيد وسأله عن أفضل أشكال الجهاد ،ف رد جابر بأنه (( قتل خردلة )) . وطلب الشاب من رجل آخر أن يدله على خردلة وطعنه بخنجر مسموم داخل الجامع . ووفقا للجيطالي ، كان خردلة عضوا في الحركة الإباضية لكنه تركها وأفشى أسماء أفراد المجتمع الإباضي إلى خصومهم ، ودل على مواقعهم التي كان الإباضيون يعقدون فيها اجتماعاتهم.2 وحدد الإباضية مراحل المجتمع الإسلامي على الشكل الآتي :3 الكتمان ، والظهور ، والدفاع ، والشراء ( التضحية بالنفس ).4 يدل سير التاريخ الإسلامي كما يعرضه الإباضيون على أ، المجتمع الإسلامي الصحيح الذي مثلوه في نضالهم ، هو في واحد من المراحل الأربع المذكورة أعلاه . وسادت حالة الظهور في الإسلام ، كما أقامها النبي في المدينة خلال خلافة أبي بكر وعمر والسنوات الست الأولى من خلافة عثمان ، وفي ظل علي حتى رضي بالتحكيم . بعد ذلك انقسم المجتمع الإسلامي إلى ثلاث مجموعات رئيسة : (( صنف يزينون أمر عثمان ولا يفرطون في الإرجاء ، وصنف يزينون أمر علي ولا يفرطون في التشيع ، والمسلمون بعد على هوامهم وما رزقهم الله من العون والتوفيق وإصابة الحق )).5 وهب الإباضيون لإحياء (( دولة الظهور )) حين فشل المسلمون الراشدون في إحيائها ؛ وأبيدوا في معركة النهروان . وبدأوا بمنظمة سرية علموا فيها أعضاءها الدين الحقيق . وكان ضروريا لأعضاء الحركة أن يعرفوا الأخطاء التي أدت إلى إفساد تعاليم القرآن كما شرحها ومارسها النبي وخليفتاه الأولان . أما بالنسبة للذين كانوا مسئولين عن الأخطاء فأعلن الإباضيون البراءة منهم . وكان من شأن هذا المبدأ أن حرر الإباضيين من النفوذ الشخصي لصحابة النبي الذين لعبوا الدور الأهم في الحروب الأهلية بين المسلمين وحكموا عليهم وفقا لمقياس التقوى والصلاح كما هو معروض في القرآن والسنة ، وعرضت أخطاؤهم بوضوح في الكتابات الأولى للإباضية . وفي رسالته إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أشار عبد الله بن إباض إلى أخطاء عثمان التي تسببت في قيام المسلمين عليه.1 قال : (( فلما رأى المؤمنون الذي نزل به عثمان من معية الله تبرؤوا منه والمؤمنون شهداء الله )).2 ثم تابع معلقا : (( فمن يتولى عثمان ومن معه فإنا نشهد الله وملائكته بأنا منهم براء ولهم أعداء بأيدينا و ألسنتنا وقلوبنا ، ونعيش على ذلك ما عشنا ونموت عليه إذا متنا ونبعث عليه إذا بعثنا ونحاسب بذلك عند الله )).3 ومن الصحابة الذين عوموا وفقا لمبدأ البراءة طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام . استحقا البراءة لنقضهما العهد بالولاء والقتال ضد الخليفة الشرعي علي بن أبي طالب.4 أما عائشة زوجة النبي ، لأنها برغم القيام بدور في القتال وحضورها معركة الجمل ، لم يتبرأ منها لأنها استغفرت الله ورجعت عن فعلها وتولاها المسلمون.1 ويروى جابر بن زيد أول إمام للإباضية ، وأحد تلامذة عائشة أنها ، لعتابه لها ولعتاب صديقة أبي بلال مرداس لها على ما كان منها يوم الجمل ، تابت مما كانت قد دخلت فيه ورجت الغفران من الله.2 كذلك عومل علي بن أبي طالب بالبراءة لقبلوه بتحكيم الناس في قضية بت فيها القرآن . والقرآن يقول بوضوح : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ).3 ووفقا للإباضية فإن معاوية وأنصاره كانوا الفئة الباغية وكان على علي أن يقاتلهم حتى يعودوا إلى أمر الله ، أي ساء حكم الخليفة الشرعي . وقبول علي للتحكيم معناه إقالته من الخلافة ، وهذا شيء ساء مجموعة من المسلمين وفرض عليهم أن يختاروا إماما جديدا هو عبد الله بن وهب الراسبي . ويعتقد الإباضية إن عبد الله بن وهب وأهل النهروان على حق ، وأن عليا بن أبي طالب مخطئ لقبوله بالتحكيم بالدرجة الأولى ، ثم لمقاتلته أهل النهروان ثانيا.4 وبالنسبة لمعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص فقد عوملا بالبراءة باستمرار لتمردهما على علي ، (( الخليفة الشرعي )).5 ووصف عبد الله بن إباض معاوية بالكلمات التالية : (( ولا نعلم من الناس أحدا أترك للقسمة التي قسم الله ، ولا لحكم حكمه الله ، ولا أسفك لدم حرام مننه )).6 ولا حاجى بنا إلى القول إن براءة الإباضية من مثل هؤلاء الصحابة لم تكن تتناول غير نشاطاتهم والسياسية فقط لا علمهم بالدين . فآراؤهم الفقهية مقبولة من قبل الفقهاء الإباضية كما هو واضح من المصادر الإباضية التي تقدم لنا الآراء الدينية والفقهية لعلي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ، وسواهما ، حتى معاوية الذي يعارضه الإباضية بقوة كان أحد الأشخاص الذين روى عنهم جابر بن زيد أحاديث للنبي عليه السلام.1 وبالنسبة للصحابة الذين احتفظوا بآرائهم بشأن الفتنة ورفضوا أن يحاربوا إلى جانب علي ، كسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، ومحمد بن مسلم ، وزيد بن ثابت ، فقد كان للإباضية فيهم رأيان : أحدهما البراءة منهم والثاني (( الوقوف )) بشأنهم.2 وجميع الخلفاء وولاتهم بدءا من معاوية اعتبروا سلاطين جور وأعلن الإباضية البراءة منهم باستثناء عمر بن عبد العزيز ، الخليفة الأموي . ومن العلماء الإباضيين من يقول إنه كان إماما شرعيا بسبب إجماع الأمة عليه لقبوله إماما.3 ويقول علماء آخرون إن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة سأل الله أن يرحم عمر بن عبد العزيز ، مما يعني أن عمر كان يستحق الولاية.4 ويروي أيضا أن أبا عبيدة أرسل وفدا إلى عمر يدعوه لقبول العقيدة الإباضية . وبعد نقاش طويل وافقهم عمر على أكثر آرائهم ، غير أنه رفض الطعن بعثمان وقال : (( تلك دماء ظهر الله منها أيدينا ، فلنطهر منها ألسنتنا )) ،5 ورفضوا القبول برأيه ، وقال رئيس الوفد الإباضي ، أبو الحر علي بن الحصين لعمر : (( اعلم أنا لا نتولاك )).6 ولدى سماع هذا النقاش قال أبو عبيدة : (( كنت أتمنى لو أنهم قبلوا رأي عمر )).7 ويقال أيضا إن الفضل بن الحواري قال إن عمرا بن عبد العزيز وافق على العقيدة الإباضية ، والبراءة من الطغاة وقبل أن يتخذ الإباضية أولياء . وطلب منه الوفد أن يعلن ذلك ، إذ إن التقية الدينية ، وفقا للإباضية ، ليست واجبة على الحاكم العادل ؛ ولم يستطع عمر أن يوافقهم على ذلك ووعدهم بأن يحيي كل يوم سنة ويميت بدعة ، لكنهم رفضوا اقتراحه.1 واعتقد الإباضية في المغرب أن عمر بن عبد العزيز كان أقرب إلى البراءة . وسئل عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ، الإمام الثاني لدولة تاهرت الإباضية عن رأيه في عمر بن عبد العزيز ، فأجاب : (( هو ليس جديرا بالثناء بين المسلمين ( أي الإباضيين ) فهم لم يتخذوه وليا وهو أقرب إلى البراءة )).2 لقد بدأت المصادر الإباضية بمناقشة مشكلة الطغيان والطغاة بتفصيل ، والموقف الذي ينبغي أن يتخذه الإباضيون في ظلهم . وفيما يلي وصف الطغاة كما يقدمه لنا أبو يعقوب بن يوسف الوارجلاني : (( وأما السلاطين الجورة فهم الذين تغلبوا على الناس ، لا يراعون شرعا ولا يدعون إليه ، ولا يعملون به ، وعطلوا الزكاة والصدقات والعشور والخراجات ، ولا يهتمون بالأقضية والحكومات ، ولا بإقامة الحدود والقصاصات ، وشرعوا لأنفسهم طرقا في إقامة ملكهم ، خلاف طرائق الشرائع ، وشيدوا القصور وبنوا الدور ، وحصنوها بالحرس والأعوان ، ويغيرون على البلدان ، واستعملوا في جميع الأموال المغارم والقبالات ، واتخذوا الأعوان والكفاة ، وأظهروا شرب الخمور ولباس الحرير والمعازف والستور والجور في كل الأمور)).3 وتشير المراجع الإباضية ، على سبيل المثال ، إلى زياد بن ا[ي سفيان والحجاج بن يوسف كسلطاني جور . وهنالك لائحة بأسماء الطغاة الجائرين في المغرب والأندلس ذكرها أبو يعقوب الوارجلاني في كتابه (( الدليل والبرهان )) .4 وجميع علماء الإباضية متفقون على أن مثل هؤلاء الحكام لا حق لهم في الولاية ، فهم وأنصارهم يجب أن يكونوا في حالة البراءة . ويبدو أن مبدأ الولاية والبراءة كان معروفا لدى جميع المسلمين بوجه عام في النصف الأول من القرن الأول ، مارسه علي ومعاوية وأنصارهما . وتقول المصادر الإباضية إن المسلمين أعطوا عليا بن أبي طالب عهد الولاء الذي أعطوه لأبي بكر وعمر ، وأعلنوا البراءة من عثمان وفريقه.1 وروى الجاحظ أن معاوية جلس في الكوفة يتلقى يمين الولاء من الناس شريطة البراءة من علي بن أبي طالب ، فجاء رجل من بني تميم فأراده معاوية على ذلك ، فقال الرجل : (( يا أمير المؤمنين ، نطيع أحياءكم ولا نبرأ من موتاكم )).2 ويروى أيضا أن حجر بن عدي وأنصاره ( فريق علي ) كانوا يظهرون لعن معاوية والبراءة منه.3 وأمر معاوية باعتقالهم وبعث إليهم برسوله إلى السجن لإعلان البراءة من علي إذا أرادوا أن يطلق سراحهم . أما إذا رفضوا فإنهم سيقتلون . ورفض ثمانية من أربعة عشر ، بينهم حجر ، إعلان البراءة من علي ، فقتلوا.4 وكان الخوارج أيضا من الذين دعوا إلى مبدأ الولاية والبراءة.5 وفي رسالته إلى سماك بن عبيد ، كتب المستورد بن علاقة : (( ... وندعوك إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ونبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ، وولاية أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما ، والبراءة من عثمان وعلي لإحداثهما في الدين وتركهما حكم الكتاب )).6 ويورى أيضا أن زعماء المحكمة الذين انضموا إلى عبد الله بن الزبير للدفاع عن مكة من هجوم الجيش الأموي ، طلبوا من عبد الله بن الزبير أن يتبرأ من عثمان والزبير وطلحة.7 والشيء نفسه يروى عن عروة بن أدية الذي سأله عبيد الله بن زياد رأيه في عثمان وعلي فكان جوابه أنه تولى عثمان ست سنين من خلافته ثم شهد عليه بالكفر وفعل في أمر علي مثل ذلك إلى أ، حكم ثم شهد عليه بالكفر.1 وفي وقت لاحق ، اتبع الإباضية عقيدة الولاية والبراءة كالتزام ديني أكثر منه موقفا سياسيا . وظهرت الالتزامات في الشرع الإباضي منذ البدايات الأولى ، ثم مورست في المجتمع الإباضي كما شرحنا من قبل ، فيما لا نجد هذا المبدأ لدى المسلمين غير الإباضيين بالشكل نفسه الذي وجد فيه لدى الإباضية. أمثلة على تأثير نظام الولاية والبراءة على الفقه الإباضي بالإضافة إلى ما سبق، فإن نظام الولاية والبراءة أثر على الفقه الإباضي بطرق كثيرة، ونذكر الأمثلة التالية دليلا على هذا التأثير: I – بالنسبة للزكاة، يرى بعض علماء الإباضية أنها لا تعطى إلا لأهل الولاية فقط. وهو رأي يروى عن أفلح بن عبد الوهاب، الإمام الثالث للإمامة الرستمية.2 ووفقا لضمام بن السائب، يمكن للإباضي أن يعطي جزءا من زكاته لأقاربه حتى ولو كانوا مسلمين غير إباضيين.3 ورأي عبد الله بن عبد العزيز وشعيب أ، لجميع المسلمين، إباضيين وغير إباضيين، حقا في الزكاة.4 ويقول بعض العلماء الإباضيين إن الزكاة يجب أن تؤخذ من الأولياء فقط إذ أنها يجب أن لا تعطى إلا للأولياء.5 ورأى أبو عمرو الربيع بن حبيب وضمام بن السائب أنه: ((لا بأس في أخذها من أهل الخلاف إذا علموا خلافك )).6 وروى الربيع أن أبا عبيدة كره بشدة أخذ الزكاة من غير الإباضيين إذا لم يكونوا يعرفون أن الذي يعطونه زكاتهم يخالف آرائهم.1 وروى الجيطالي أن أبا عبيدة قال: (( لا تعطوهم شيئا ولا تأخذوها منهم )).2 ثم ينقل الجيطالي عن (( جوابات )) أبي المؤثر أنه قال: (( الفقير الفاسق من أهل دعوة المسلمين أحق بها من أهل الفضل والفقه من قومنا، لأنه لا يستوي من يدين بولاية المسلمين ومحبتهم والاعتراف بفضلهم ومقر بحرمة ما يرتكبه، ومن يدين بتضليل المسلمين والبراءة منهم. لا حق لهؤلاء في صدقات المسلمين )).3 (( وقال قوم إذا كانت دعوة المسلمين ظاهرة تدفع ثلث الزكاة إلى جميع الفقراء من أهل البلد، وإن كانت مقهورة لا تدفع إلا لأهل الموافقة، ولا تدفع إلى من يعلم أنه يتقوى بها على المعصية )).4 II – بخصوص القيام بالحج بالنيابة عن شخص آخر، يرى بعض علماء الإباضية أنه ليس للإباضي أن يقوم بالحج عن شخص آخر إلا إذا كان وليا. ولكن علماء آخرين اعتبروا ذلك مشروعا شريطة أن لا يدعو له.5 ويقال إن والدة أبي ميمون النفوسي سئلت قبل وفاتها عن رغبتها في من يقومون بالحج بدلا عنها، أشارت إلى ابنها ميمون وقالت: (( هذا الذي في المهد )). فلما بلغ أبو ميمون وأراد أن يحج عنها فسأل عن ولايتها فلم يجد من يتولاها إلا امرأة واحدة متقية. عند ذاك قرر جميع علماء نفوسة أنه لا يستطيع أن يقوم بالحج عن والدته، لأنها لم تكن تعتبر وليه بشهادة امرأة واحدة فقط. أما ابن عباد المصري فرخص له بالحج بالنيابة عنها وقال إن شهادة امرأة واحدة تقية في هذه الحالة كافية.6 وهنالك قصة أخرى مماثلة تروى عن عمروس بن فتح.7 III – بالنسبة لمسألة العدالة ( الاستقامة الدينية والأمانة الخلقية اللتين ينبغي للشاهد أن يتحلى بهما كي تكون شهادته مقبولة ) ،1 فالولي وحده هو العدل وشهادته مقبولة في جميع الحالات. والشخص الذي يكون في حالة البراءة ليس عدلا، وشهادته غير موثوقة. والشخص الذي يكون في حالة الوقوف يعتبر واحدا من المسلمين عامة، من أهل الجملة. وشهادة أفراد الحد، بحالات يعتقدون فيها أن الإباضيين كافرون ،2 وبحالات تتعلق بأموال المسلمين حين يعتقدون شرعية الاستيلاء عليها غنيمة أثناء الحرب بين المسلمين ؛3 ويروى عن أبي المؤثر أنه قال: (( إذا كانوا ( المسلمون غير الإباضيين ) في السلطة، فشهادتهم مقبولة، أما إذا كنا نحن في السلطة فلا تقبل شهادتهم )).4 IV – والمتفق عليه بين غالبية علماء المسلمين أن الشخص الذي يرى الهلال في أول رمضان وحده، عليه أن يصوم. أما إذا رأى هلال أول شوال وحده فإنه ليس له، على حد قول مالك بن أنس وأبي حنيفة أن يفطر. ويقول علماء الإباضية، والشافعي، وأبو بكر بن المنذر إنه يمكن له أن يفطر، ولكن الإباضية قالوا: له أن يفعل ذلك سرا كي لا يضطر المسلمون إلى إعلان البراءة منه.5 ويمكن للبحث الدقيق في الفقه الإباضي أن يكشف عن أمثلة أخرى في هذا المجال. الفصل السابع مسالك الدين ( مراحل المجتمع الإباضي ) يستعمل علماء الإباضية عبارة مسالك الدين، وهي تعني حرفيا طرق الدين، للتعبير عن مراحل مجتمعهم الذي يجب أن تنفذ قوانين الشريعة فيه. ولذلك يذكرون المراحل الأربع التالية: - الظهور. - الدفاع. - الشراء ( التضحية بالذات ). - الكتمان.1 ولكل مرحلة قواعدها وأنظمتها ؛ وقد خبرها الإباضيون كلها عبر تاريخهم، ويتفق علماء الإباضية على أنه لا مراحل أخرى غير هذه الأربع. ويروى أن أبا بكر الزواغي كان يقول في المجالس التي يعقدها: (( نحن لسنا في ظهور ولا في دفاع، ولا في كتمان، ولا في شراء ولكن زماننا سائب )).2 وعلق زميله أبو زكريا فصيل بن أبي مسور لدى سماع ذلك قائلا: (( أخبروه إن مسالك الدين أربعة فمن زاد فيها أو نقص منها فهو مخطئ )).1 ولقد حددت هذه المراحل ( المسالك )) في وقت باكر جدا من قبل العلماء الإباضيين. والتفسير الإباضي للتاريخ الإسلامي في سنواته الخمسين الأولى يظهر أن المجتمع الإسلامي مر خلال أربع مراحل، سواء في زمن الرسول أو بعده. ولقد اكتملت دورة هذه المراحل عندما تسلم الأمويون المجتمع الإسلامي وأخضعوه لحكمهم، ولم يكن في ظل الحكم الأموي ثمة مجال للمسلمين الحقيقيين لبث آرائهم أو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ إن أي محاولة من هذا النوع كانت تؤدي بشكل عام إلى السجن أو الموت. وكان البديل للمسلمين الحقيقيين هو ممارسة نشاطاتهم سرا، وكانت الحركة الإباضية تنوي إحياء الدين الحق ؛ فكان لابد أن تبدأ سرا كي تمر بالخبرة ذاتها التي مر بها المجتمع الإسلامي الأول قبل مرحلة الظهور. وفي الصفحات التالية نعرض دراسة موجزة لمراحل المجتمع الإسلامي ( مسالك الدين ). الظهور: يعني الظهور إعلان الإمامة المستقلة ؛ وفي أثناء مرحلة الظهور كان الإباضيون يختالون إمامهم الذي يجب أن يحكمهم وفقا للقرآن، والسنة، وسيرة الخلفاء الراشدين.2 وهذه هي المرحلة الرئيسة التي ينبغي أن يحافظ عليها المسلمون. وقد توفي النبي تاركا المسلمين في مرحلة الظهور3 فالواجب على المسلمين أن يحافظوا على هذه المرحلة لتنفيذ أوامر الله: إقامة الحدود ؛ وصلاة الجمعة ؛ وجمع الزكاة والجزية ؛ ومحاربة الأعداء كالمشركين والبغاة، وتوزيع الغنائم والزكاة توزيعا عادلا ولا يمكن القيام بأي التزام من هذه الالتزامات بدون سلطة الإمام.1 ويورد علماء الإباضية خلافتي أبي بكر وعمر كمثلين على مرحلة الظهور في أوائل الإسلام.2 وحين يحقق المسلمون ظروفا ملائمة من السلطة والثروة، والعلم بالدين، بحيث يستطيعون تنفيذ أوامر الله، وحينما يبلغ عددهم نحو نصف الأعداء من حولهم، ينبغي لهم أن يعلنوا الإمامة وينتخبوا إمامهم من بين رجالهم البارزين.3 وعلى الإمام أن ينفذ أوامر الله طالما أن أتباعه يعدون أكثر من أربعين، أما إذا صار عددهم دون ذلك فإنه يجب عليه أن يحل الإمامة.4 مرحلة الدفاع: يصبح الدفاع واجبا ضروريا في غياب مرحلة الظهور ؛5 وحين يتعرضون للهجوم، أو يشكون في احتمال هجوم ما، ينبغي على المسلمين أن يختاروا قائدا ليقودهم في قتال عدوهم. مثل هذا الإمام يعرف بإمام الدفاع ؛ وينبغي أن يكون عالما ذا مقدرة عسكرية رفيعة ؛6 له السلطة الكاملة ذاتها كإمام الظهور إلى أن تبلغ الحرب نهايتها ؛7 وبنهاية الحرب تنحل إمامته تلقائيا، بحيث لا يكون لدى المسلمين أية صعوبة في إزاحته من منصبه. بعد ذلك ينتخب المسلمون إمامهم الجديد كما هو بحسب طبيعة المرحلة – فإما الظهور أو الكتمان.1 وأول إمام دفاع ذكرته المصادر الإباضية هو عبد الله بن وهب الراسبي الذي اختير قبل معركة النهروان.2 ومن أئمة الدفاع الآخرين في شمالي إفريقية أبو حاتم الملزوزي الذي حاول إحياء إمامة الظهور التي أنشأها أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري ،3 وأبو خزر يغلي بن زلتاف الذي حاول إحياء الإمامة الرستمية وحارب الفاطميين لهذا الغرض.4 ويمكن اعتبار الدفاع ثورة عامة على حكم الطاغية الجائر أو على الأعداء الخارجيين. وإذا ما فشلت الثورة العامة في تحقيق هدفها، وقمعت، ودخل المجتمع الإسلامي مرحلة جديدة تعرف بمرحلة الكتمان. ويمكن للكتمان والشراء أن يوجدا في نفس الوقت. والشراء عمل تطوعي من التضحية بالنفس ؛ وتنفيذه يتم من قبل مجموعة لا تقل عن أربعين رجلا يضحون بحياتهم في سبيل الله لحث بقية الأمة على تغيير الحكم الجائر من أعداء الله.5 الشراء ( التضحية بالذات ): تعني كلمة الشراء، الشراء والبيع، وهي كلمة تستخدم في الكتابات الإباضية تعبيرا عن التضحية بحياة المرء في سبيل الله لبلوغ الجنة. والشراء ( بالجمع ) (( هم الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله )).6 وعبارة الشراء مشقته من الآيات القرآنية التالية: ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به... )1 و ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة، ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما... )2 والآية التالية: ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ).3 وكان أبو بلال مرداس بن حدير هو أول من مارس الشراء، وفكرة الشراء أو الخروج جاءته حين رأى الضرر الذي يسببه عبيد الله بن زياد للمسلمين4 فكان تعليقه على الوضع: (( إنه والله لا يسعنا المقام بين هؤلاء الظالمين... والله إن الصبر على هذا لعظيم... إننا للم نخرج لنفسد في الأرض، ولا لنروع أحدا، ولكن هربا من الظلم ولسنا نقاتل إلا من يقاتلنا.... )).5 واعتاد أبو بلال أن يختار من المسلمين أكثرهم ثقة وتفوقا (( في واجب الشراء )). وشرح شروط الشراء بالكلمات التالية التي اعتاد أن يخاطب بها كل من يود أن ينضم إليه: (( إنك تخرج جهادا في سبيل الله وابتغاء مرضاته لا تريد شيئا من أعراض الدنيا ولا لك في الدنيا حاجة ولا لك إليها رجعة، أنت الزاهد في الدنيا المبغض لها الراغب في الآخرة الجاهد في طلبها الخارج إلى القتال لا غيره، فاعلم أنك مقتول وأنك لا رجعة لك إلى الدنيا فارجع إلى ما وراءك فاقض من الدنيا حاجتك ولبانتك، وراقب دينك استر نفسك وجد في أمرك بالفراغ وودع أهلك وأعلمهم أنه لا رجعة لك إليهم، فإذا فرغت بايعتك )).6 ومن العلماء من يقول إن حالة الشراء هذه طبقت لأول مرة أثناء الفترة المكية من حياة النبي، فيرون أن النبي أعلن الإسلام حين بلغ عدد أتباعه الأربعين.1 هنا أوحي إليه أن يترك منزل الأرقم بن أبي الأرقم الذي (( كان مركز نشاطاته الدعوية )).2 وحين اجتاز مرحلة السرية أوحى الله إليه: ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ).3 ووفقا للشيخ محمد بن يوسف اطفيش، فقد نزلت هذه الآية في مكة، ثم أدخلت في وقت لاحق في سورة الأنفال التي نزلت في المدينة.4 على أنه من الصعب أن نوافق على هذا القول بأن تكون مرحلة الشراء في العقيدة الإباضية مستمدة من الحدث المذكور أعلاه في حياة النبي عليه السلام. ولئن كانت الظروف مشابهة، وهي غير متشابهة في الواقع، فإن هنالك فارقا كبيرا في أن توقيت هذه الأعمال في حياة النبي كان محددا مباشرة بالوحي. والشيء الثاني هو أن جميع المسلمين كان عليهم أن يتبعوا نهج النبي، لا سيما إذا كان منصوصا عليه في القرآن، غير أن الإباضيين لم يعتبروا الشراء التزاما فرديا ؛ إنه واجب اختياري فقط وكان ذلك أحد المبادئ الرئيسة التي اختلفوا فيها مع الأزارقة الذين اعتبروا الخروج واجبا فرديا.5 وفيما يلي توضيح نظام الشراء كما شرحه أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر: (( هم، أي الشراة، يوافقون على أنهم يبيعون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، ولا يبدون مطالبة بالحكم، بل بإنهاء الجور وإحياء الصواب ؛ وليس لهم أن يثوروا إذا كانوا دون الأربعين ؛ بوسعهم استكمال العدد بامرأة واحدة. وإذا كانوا ينوون أن لا يعودوا قبل القضاء على الباطل، فليس لهم أن، يعودوا إلى منازلهم قبل إنهاء الباطل أو قبل أن يموتوا. وإذا خرجوا على نية العودة إذا شاءوا فإنه يمكنهم أن يعودوا في أي وقت ؛ منازلهم سيوفهم ؛ فإذا ما عادوا إلى منازلهم الأصلية لأية غاية، فعليهم أن يصلوا صلاة سفر، وأن يصلوا صلاة الفجر في أثناء ثورتهم حتى ولو كانوا بعيدين عن منازلهم الأصلية )).1 والشراء هو النوع الأفضل من الجهاد في غياب إمام الظهور، والواقع فإن الإباضية استعملوا الشراء في بعض الحالات كجسر لإنشاء (( الإمامة الظاهرة )).2 وفيما يلي المبادئ الأساسية للشراء: ( 1 ) الشراء واجب اختياري بالنسبة للإباضية بوجه عام، وواجب على من ألزموا به أنفسهم. ( 2 ) ينبغي أن لا يقل عدد أهل الشراء عن أربعين رجلا. ( 3 ) عليهم أن يختاروا قائدهم منهم، وسلطته ملزمة لأتباعه فقط.3 ( 4 ) التقية الدينية غير ملائمة للشراء ؛ وعليهم أن يحاربوا حتى ينتهي الجور أو يقتلوا4 ويقول بعض العلماء إنه بوسعهم أن يعودوا إذا لم يبق منهم غير ثلاثة فقط.5 ( 5 ) لا منزل لهم إلا المكان الذي اجتمعوا فيه لمقابلة أعدائهم، وإذا عادوا إلى بيوتهم الأصلية للحصول على مؤونة، أو معلومات، أو لأية غاية أخرى، وجب عليهم أن يعتبروا أنفسهم مسافرين وأن يصلوا صلاة سفر وهم في منازلهم الأصلية. ( 6 ) وليس لهم أن يحاربوا أحدا إلا من يحاربهم ؛ أو أن يطاردوا المهزوم أو أن يقتلوا الجريح ؛ أو أ، يقتلوا المسنين، والنساء، ولأطفال، ولا أن يأخذوا غنائم أو ممتلكات إلا إذا كان لهم حق فيها.1 وعلى سبيل المثال قيل إن أبا بلال مرداس وأنصاره التقوا في ثورتهم بقافلة تحمل غنائم لحاكم البصرة عبيد الله بن زياد فأوقف أبو بلال القافلة وأخذ أعطياته وأعطيات من معه وترك الباقي وأعطى بيانا لقاء ذلك.2 مرحلة الكتمان: يعني (( الكتمان )) إخفاء الشخص لمعتقداته وفي هذه الحالة يحتفظ المؤمنون بمعتقداتهم سرا لتجنب القمع من قبل أعدائهم الذين لن يسمحوا للإباضيين بأن يعلنوا معتقداتهم إذا كشفوهم.3 وفي هذا المعنى يكون إخفاء المعتقدات أفضل طريقة للحفاظ عليها. وهكذا تصبح (( السرية )) لزاما في مثل هذه الحالة. لقد بدأ الإباضيون حركتهم سرا لتجنب القمع من قبل الحكام الأمويين. وعمل الزعيمان الإباضيان جابر بن زيد وخليفته أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة في مرحلة الكتمان. وكانت نشاطاتهم تجري بتكتم وخلال هذا الوقت كان التكتم مستحسنا في كل شيء. ويقال إن ضمام بن السائب، تلميذ جابر، وأحد كبار شيوخ المجتمع الإباضي في البصرة قال: (( ما بال أحدكم يصر ديناره ودرهمه ويدي دينه على كفيه ولعله يلقاه من يسلبه إياه )).4 ويقول علماء الإباضية إن مرحلة الكتمان في عقيدتهم مستمدة من حياة النبي ؛ لكنهم يختلفون في تحديد فترة التكتم في حياة النبي. ووفقا للشيخ محمد بن يوسف اطفيش، فإنها الفترة الواقعة بين بداية الوحي حتى وقت وصول عدد المسلمين أربعين، حين أعلن عمر بن الخطاب دخوله في الإسلام.1 ويعتبر أبو سليمان داود بن إبراهيم التلاتي أن الفترة التي سبقت هجرة النبي عليه السلام إلى المدينة هي كلها فترة كتمان2 أما أبو عمار عبد الكافي فيقول: (( إن النبي بقي متكتما في مكة بعض الوقت بعد نزول الوحي ))3 والظاهر أنه قصد بذلك فترة سنوات ثلاث من النبوة قبل نزول الآية التالية: ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ).4 وعلى أي حال ذلك كان الأساس الذي قدمه الإباضيون دليلا على الكتمان كواجب ديني في القرآن. وبعد انهيار الإمامة الرستمية في تاهرت سنة 296 هـ / 909 م حاول إباضيو شمالي إفريقية أن يحيوا إمامتهم بقيادة أبي خزر يغلي بن زلتاف. لكنهم خسروا معركة باغاي التي حاربوا فيها الفاطميين سنة 358 / 968.5 ثم دخل الإباضيون مرحلة السرية حتى وقتنا الحاضر ولم يحاولوا بعد ذلك إنشاء إمامة جديدة. وأنظمة مرحلة السرية كما شرحها أبو العباس أحمد بن بكر هي (( أن على الإباضية أن يجتمعوا ويعينوا قائدا يدفعون له زكاتهم وحقوقهم ،6 يجمعها من الأتقياء منهم ويوزعها بين الأتقياء، ينبغي لهم أن يزور بعضهم بعضا وأن يشكلوا المجالس لتعليم عقيدتهم وعبادة الله. كذلك ينبغي لهم أن يقيموا الصلاة الجماعية وأن ينفذوا كل ما يستطيعون منة واجب عمل الصالح والحيلولة دون الشر )).7 وفي أثناء عهد السرية تتحول المجتمعات الإباضية إلى منظمات سرية تعمل سرا للإبقاء على وحدة المجتمع وتعاليم المذهب الإباضي. وأدت مرحلة السرية التي بدأت في شمالي إفريقية بعد هزيمة الإباضيين في باغاي إلى إنشاء نظام العزابة وهو في كثير من نواحيه يشبه منظمة شيوخ البصرة في زمن جابر بن زيد وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة.1 ففي كل تجمع إباضي كانت تشكل هيئات عزابة للاهتمام بشؤون الناس وهي هيئات كان ينبغي أن تتشكل من خيرة الناس في المجتمع، من ذوي الصفات الخاصة ولمهمات خاصة. وخلال عهد الكتمان تمارس هيئات العزابة السلطة الكاملة التي للإمام في حكم المجتمع الإباضي في شؤونه الدينية والاجتماعية. وفي تزال هذه الهيئات منذ تأسيسها تعمل في واد مزاب ؛ أما في المجتمعين الإباضيين في جبل نفوسة وجزيرة جربة فقد حلت أثناء الحكم العثماني. ومن شأن دراسة تفصيلية لنظام العزابة، وأصوله وأنظمته، والدور الذي لعبه في المجتمعات الإباضية وحركة التعليم، أن تكون ممتعة، وذات قيمة كبيرة.2 وهدفنا في الصفحات التالية أن نبرز القوانين التي انبثقت عن الانقسام السابق لمراحل المجتمع الإباضي ( مسالك الدين ) في الشرع الإباضي. ليس لنا الكثير مما نقوله هنا حول مرحلتي الدفاع والظهور، غير أن التقية الدينية لا تتلاءم مع أئمة الدفاع والظهور ؛3 مثل هذه القاعدة تنطبق على الشراء أيضا.4 وبين علماء الإباضية في العصر الحديث، يعترض الشيخ محمد بن يوسف اطفيش على هذا الرأي الذي يتعلق بإمام الظهور لأنه، كما يقول: (( إذا كانت التقية شرعية للأفراد لإنقاذ حياتهم فإن مسألة الإمامة لا بد أنها أكثر أهمية )).5 وبالنسبة لمرحلة الدفاع فقد سبق أن ذكرنا أن إمامة الدفاع تنحل تلقائيا بعد انتهاء الحرب، غير أن بعض العلماء يقولون إن إمامة الدفاع يمكن لها أ، تستمر بعد انتهاء الحرب.1 وبالنسبة لمرحلة الشراء، فقد سبق أن ذكرنا أنها واجب اختياري لأكثر من أربعين شخصا وأن عليهم أن يصلوا صلاتهم حاضرة خلال الثورة ولو كانوا بعيدين عن بيوتهم الأصلية. وإذا شاء الشراة أن يتسلموا الأمور خلال إمامة الدفاع، فإن لهم كل الحق في ذلك لأن إمام الشراء، بما له من نية التضحية بحياته من أجل المجتمع الإباضي، أحق بالقيادة من إمام الدفاع.2 وباستثناء ذلك، فإن جميع أصول الشراة هي نفسها كأصول المجتمع الإباضي في عهد الكتمان.3 وبين المراحل الأربع كانت مرحلة الكتمان عظيمة التأثير على الفقه الإباضي في شمالي إفريقية. وقد ناقش أبو يعقوب الوارجلاني بالتفصيل أحكام الكتمان في كتابيه (( الدليل )) و (( العدل والإنصاف )) ؛ والناحية الأهم هي تعليق العمل بعقوبة الحد في أثناء فترة الكتمان. ووفقا للوارجلاني، فقد نظر الإباضية إلى مرحلة الكتمان في مجتمعهم على أنها مشابهة للمرحلة التي قضاها النبي في مكة قبل الهجرة حين لم يكن الوحي قد نزل بأية عقوبات للحد.4 وعلى أي حال فإن بعض علماء الإباضية تصرفوا خلافا لهذه القاعدة في مناسبات معينة على أساس أن السرية ( الكتمان ) أخذ أحكام الظهور كلما كان ذلك ممكنا، ولو أنه ليس للظهور أن يأخذ أحكام الكتمان.5 والاستثناء الوحيد لحكم تعليق تنفيذ الحدود هو قتل الذين يطعنون في الإباضية فمثل هؤلاء الناس ينبغي أن يقتلوا بأية وسيلة في أي وقت في أثناء المراحل الأربع.6 وفي عهد الكتمان يكون على الإباضية أن يعيشوا في ظل الطغاة. وقد وضعت لذلك أصول معينة للإباضية بشأن علاقتهم بالطغاة في عهد الكتمان. والمبدأ الرئيس هو أ، الإباضية لا ينبغي لهم أ، يقدموا أي معونة للطغاة، في حكمهم ؛ ولا يجوز لهم استلام أي مناصب في عهدهم.1 والاستثناء لهذه القاعدة هو أن أعضاء المجتمع الإباضي المعروفين بمعارضتهم للطغاة إذا كان بوسعهم أ، يأمروهم بالمعروف وأن ينهوهم عن المنكر، كان لهم أن يتسلموا المناصب ف يظل الطغاة ؛ ولهم أن يقودوا القوات في الجهاد، وأن يكونوا مسؤولين عن الغنائم والقضاء، أو الفتيا. وفي هذا الموقف يتبع الإباضية... مثل ابن عباس، وجابر بن زيد، والحسن البصري، وشريح القاضي، فهؤلاء العلماء الكبار جميعا عرفوا بمعارضتهم لحكم الطغاة ولكنهم تسلموا المناصب في ظلهم. ويشترط في مثل هذا الموقف أن تدار هذه المناصب وفقا للشريعة، وعدم الخشية من أحد في ممارسة العدالة.2 وإذا لم يكن الأعضاء يتحلون بنفس الصفات التي سبق ذكرها، فليس لهم أ، يتسلموا أي منصب يتصل بالمصلحة العامة لأنهم قد يسيئون إلى الناس، كالمسؤولية عن السوق، أو الشرط، أو الحسبة الخ. على أن هنالك وظائف معينة يمكن لهم أ، يقوموا بها كالأذان وإمامة الصلاة، والخطبة في المساجد والتعليم في المدارس.3 وهنالك حالات محددة يعمد فيها الطغاة إلى إكراه الإباضية على الكلام أو التصرف بعكس معتقداتهم، ففي مثل هذه الظروف يسمح المذهب الإباضي لأتباعه أن يستخدموا (( رخصة )) خاصة في ظل مبدأ التقية الدينية لتجنب عقوبة الموت. وعلى سبيل المثال، بوسعهم أن يقولوا أن، هنالك أكثر من إله واحد، أو , أن يدعوا الولاية لأعداء الله، والبراءة من المؤمنين الحقيقيين، أو أن يدلوا بشهادة زائفة، أو أن يرووا الكذب، وذلك كله باللسان فقط دون الإيمان به. وبوسعهم أيضا أ، يأكلوا في النهار خلال رمضان، أ, أن يأكلوا الميتة،و الدم، ولحم الخنزير، وذلك لتجنب عقوبة الموت. وإذا كانت العقوبة، مثلا سجنا، وهم يعرفون أنهم لن يموتوا في السجن من الجوع أو العطش، أ, أي عقوبة أخرى قاسية، فليس لهم أ، يستفيدوا من هذه (( الرخصة )) الخاصة لتجنب السجن لأنها شرعية فقط في حال تجنب الموت.1 على أ، هنالك في كل حال أعمالا معينة لا يجوز لهم أ، يعملوها حتى ولو انتهى بهم ذلك إلى فقد حياتهم، كقتل البريء، أو الاستيلاء على أملاك الناس، أو هدرها، أو تسليم أسلحتهم لأعدائهم، أو شرب الخمر، أو ارتكاب الزنى، أو أكل وشرب ما هو نجس.2 ومع أن الإباضية اعتبروا العيش في ظل الطغاة ف يعهد الكتمان مشروعا، فإن الموقف المفضل لأعضاء المجتمع الإباضي هو الابتعاد عن الطغاة وعدم تقديم أي معونة لهم.3 ومن ناحية أخرى على الإباضية أن يقيموا صلاة الجمعة مع الطغاة، وأن ينضموا إليهم في الصلوات اليومية للمحافظة على الصلوات الجماعية.4 كذلك يجوز شرعا للإباضية أن يتلقوا الهبات من الطغاة إذا ما هم أعطوهم إياها، لكنه لا يجوز لهم طلبها منهم.5 أما النكار فاعترضوا على ذلك ؛ وكان هذا هو أحد الموضوعات التي اختلفوا فيها عن علماء الإباضية الآخرين.1 وإلى جانب ذلك، يجب على الإباضية ولو كانوا يعيشون في ظل الطغاة، أن تكون لهم منظماتهم الخاصة للاهتمام بشؤونهم، وللتخطيط لسلامة مجتمعهم وللحفاظ على تعاليم مذهبهم. وبكلام آخر، لمنع الإباضية من الذوبان في مجموعة خصومهم الكبيرة، ولقصد الاستعداد لمرحلة الظهور. الخلاصة مر الدين الإسلامي خلال تاريخه عبر مراحل متعددة تركت أثرها بشكل أو بآخر على بنية الدين وشرائعه وحضارته. والخصائص الأولى للدين كما ظهر لأول مرة في المجتمع الإسلامي الأول مرت بتغيرات معينة ( بطرق مختلفة ) أثرت على شكله الأولي. غير أن ذلك لا ينطبق على أي حال على سائر النواحي. إذا هنالك حالات قليلة من المجتمعات الإسلامية لا تزال قائمة حتى الآن، وثيقة القرب من شكل الإسلام الأول وقد كافحت بكد واجتهاد خلال التاريخ للحفاظ على الطابع الأول المميز. وهذا واضح في إحدى أقدم الفرق الإسلامية، أي الإباضية. وخلافا لما يعتقد بوجه عام، لم يكن الإباضية فرعا من حركة الخوارج، المعتدلة أو غير المعتدلة، بل هم، كما يظهر لي من دراسة السنة والمذاهب الإسلامية، كانوا على ما يبدو، يمثلون الروح النقية الأصلية لدين الإسلام، في مواجهة التغيرات السياسية، والاجتماعية بفعل التوسع السريع للإمبراطورية الإسلامية. لقد حتم بنا الإمبراطورية الجديدة أن يحتل دور السلطة في أشكالها المادية المكانة الأولى، ثم أخذت الإجراءات السابقة للإسلام للوصول إلى السلطة تعود إلى الظهور وتحل محل القيم التي أتى بها دين الإسلام الجديد. وفي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، شق بنو أمية طريقهم إلى المنصب الهام في الحكم. إذ أعيد مروان بن الحكم الذي نفاه النبي وبقي في المنفى طوال خلافتي أبي بكر وعمر، إلى المدينة بواسطة عثمان، وأصبح إحدى أقرب الشخصيات وأكثرها نفوذا في بلاطه. كذلك أصبح عبد الله بن سعد بن أبي سرح – الذي كان النبي قد أمر بإعدامه يوم فتح مكة، لكنه حظي بحماية عثمان وإيوائه له – واليه على مصر. وكان من شأن هذه الطريقة في السيطرة على شؤون الدولة خلال السنوات الست الأخيرة من عهد عثمان أن وضعت المزيد من السلطة في أيدي أقاربه، وأثارت، إلى حد ما غضب وحقد المسلمين في أماكن متعددة، فتجمعوا من أقاصي الإمبراطورية وأتوا المدينة ن عاصمة الخلافة آنذاك لتغيير ما رأوا فيه سياسة خاطئة. على أن هذه الخطوة أدت إلى مقتل عثمان وسرعان ما بويع علي بن أبي طالب كخليفة رابع في المدينة ؛ فبدأت الحروب الأهلية التي لم تنته بين المسلمين. ومع أن الأطراف التي هبت فور مقتل عثمان حاولت تبرير صراعها على السلطة بحجج دينية، فإنه سرعان ما أتضح أن المسألة كانت صرعا مباشرا على منصب الخلافة باعتبارها المنصب الأعلى في الإمبراطورية الجديدة، أو كما قال مالك بن أنس في عبارته الساخرة: (( والله ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر )) ( ثريد ملون بالزعفران ).1 وبعد أن صفى علي حسابه مع طلحة والزبير، وجد نفسه أمام معاوية بن أبي سفيان الذي كان يطالب الثأر لمقتل عثمان. وفي البداية بدأ لمؤيدي علي أن مطالبة معاوية ليست سوى عذر لمعارضة الخليفة الجديد، فكان على علي أن يحارب معاوية ومؤيديه حتى يرضخوا لسلطته. و حين قبل علي بالتحكيم تخلى عنه عدد كبير من مؤيديه وبايعوا أميرا جديدا هو عبد الله بن وهب الراسبي، وتبرأوا من علي كخليفة. على أن هؤلاء الناس الذين قتل معظمهم في النهروان وعرفوا باسم أهل النهر أو المحكمة، كانوا أول فريق يحاول أن يؤسس دورا قياديا في المجتمع الإسلامي الجديد خارج قريش الذين كانوا يعتبرون من قبل بقية القبائل العربية قبل الإسلام حماة للبيت الحرام في مكة، ثم احتفظوا بعد الإسلام بوسيلة السلطة في أيديهم. وبعد موت علي كان ابنه الحسن على استعداد للتفاهم على تسوية مع بني أمية بعد أن تلقى تأكيدا بأنه سيكون الخليفة بعد وفاة معاوية، ورسخ الأمويون حكمهم القوي على العالم الإسلامي واستطاعوا قمع المعارضة القرشية بقيادة الشيعة أي حزب علي، أو بقيادة ابن الزبير. وانحصر الصراع على السلطة بين قريش في بيتي بني أمية وبني هاشم. وحين ضعفت سلطة الأمويين في الإمبراطورية الآخذة في الاتساع الهائل، تسلم العباسيون السلطة، ثم استمر الصراع على السلطة بأقل ما يكون من التقيد بمبادئ الإسلام، و باستخدام جميع الوسائل للوصول إلى السلطة. كان المحكمة أ,ل مثال عملي لغير القرشيين كي يأخذوا دورهم في الصراع من اجل قيم الإٍسلام الجديدة ولتنفيذها في الحياة السياسية. ولما ثبت معاوية سيطرته الراسخة على المناطق الإسلامية بواسطة قادة أقوياء، استحال شن أي هجوم ناجح يمكن له تغيير الوضع بمجمله. وجرت تحركات عسكرية كردة فعل على أحدث معاصرة، وأخذت شكل حروب خاضها الخوارج بالدرجة الأولى. في هذه الأثناء تأسست الحركة الإباضية في البصرة ومرت في مرحلة تخطيط دقيق وواع لتقليد سياسة النبي في مكة وهو محاط بأعداء أقوياء بهدف استعادة الإمامة الإسلامية العادلة وإعادة بناء المجتمع الإسلامي الحق على أساس ديني. هذه الحركة أسسها جابر بن زيد، التابعي البارز الذي درس على أيدي عدد كبير من صحابة النبي المشهورين. وبذلك كان المجتمع الإباضي نتيجة حركة فكرية ثقافية كان عليها أن تعمق جذورها وأن تحصل على الدعم في العالم الإسلامي آنذاك، عبر تدريب مبني على تبن دقيق للتعاليم الإسلامية كما حفظها قادة الحركة نظريا وعمليا. مثل هذا الموقف الإباضي لم يمكن الإباضية، من تكوين رأي واضح للوضع السياسي الديني في أوائل الإسلام فقط، بل مكنهم من معارضة ما اعتبروه آراء خاطئة للخوارج، وأن يقاوموهم في بداية حركتهم. وهكذا فقد استمر الإباضية يحتفظون بالشكل العلمي الأقرب للإسلام في المجتمع الحي. ولأسباب متعددة كسب الإباضية تأييدا واسعا بين الأزد والقبائل العربية في حضرموت واليمن وبين بعض قبائل البربر الكبيرة في شمالي إفريقية. وفي العقود الأولى من القرن الثاني للهجرة تمكن الإباضية من إنشاء دولهم في جنوبي شيبه الجزيرة العربية وفي شمالي إفريقية. وبعد وفاة جابر بن زيد سنة 93 انسحب الإباضية من بين السكان الذين يحيطون بهم في منطقة سرية راحت تتطور وتحتفظ بعقيدتها. ومنذ ذلك الوقت احتفظ المذهب الإباضي بخصائصه المستقلة التي تعرض التعاليم الإسلامية في الأحاديث والآثار التي رواها تابعون عن صحابة النبي عليه السلام. وقال الأستاذ سرجنت في حديثه عن الزيدية إن: (( الزيدية، على ما يبدو، يمثلون في المراحل الأولى من تطورهم شكلا من الإسلام أقرب ما يكون إلى الشكل التيوقراطي البدائي للإيمان )).1 ولكن هذا الوصف أكثر انطباعا على الإباضية منه على الزيديين لأن نظامهم التشريعي وعقائدهم وضعت في فترة سابقة. ثم إن المراجع الإباضية تؤيد هذا الرأي وتعترف بأن الزيدية، بين المذاهب الإسلامية، هي الأقرب إليها. ويشير أبو عمار عبد الكافي إلى ثلاثة فروق فقط بين المذهبين، هي قولهم بمسألة الإمامة ؛ والموافقة على قبول علي للتحكيم، واعتبارهم القائلين بأن الله سوف يرى في اليوم الآخر مشركين.2 إن تأسيس المدرسة الإباضية على يد جابر بن زيد، المحدث البارز، وتطورها بفضل جهود أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ورفاقه، كمؤسسة ثقافية، حال دون وقوع قيادتها إلا في يدي من هم الأكثر استقامة وعلما، سواء في عهد السرية أم في هد الظهور. ثم إن الفقه الإباضي الذي بني على حصيلة مواد روتها المراجع الإباضية فقط، استخدم الأساليب نفسها كبقية المدارس الإسلامية في تكوين الآراء. على أنه يسهل تمييز المدرسة الإباضية من حيث إن نظامها التشريعي، شديد الاهتمام بتصرف أتباعها الخلقي ؛ أو بكلام آخر، من حيث التقييد بروح الشرع وبحرفيته. والمثال على ذلك، يظهر في الأفعال التي تنقض الصيام والوضوء، وهي التي يتفرد الإباضية فيها باعتبار جميع الأفعال المنافية للأخلاق كالكذب، والقذف وما أشبه، والإصغاء للقذف أو الموسيقى، الخ، والنظر إلى منازل الآخرين، أو النظر إلى النساء الأجنبيات الخ. وفي هذا المجال كان نظام الولاية والبراءة الذي طوره الإباضية مبنيا على التقيد التام بالالتزامات الدينية ليتخذ الرجل وليا وبالتالي جميع الحقوق التي يستحقها من إخوانه الإباضية. ومثل هذا الموقف بالنسبة للسلوك الخلقي للشخص كان يغطي نواحي أخرى من الإيمان كاستثناء مرتكبي الكبائر من حق شفاعة النبي في اليوم الآخر، والاعتقاد بأن مرتكبي الكبائر خالدون في جهنم ما لم يتوبوا قبل الموت. وهنالك أيضا مميزات خاصة أخرى للمذهب الإباضي كتعطيل عقوبات الحد في أثناء مرحلة الكتمان، ثم القوانين الموضوعة لهذه المرحلة السياسية الدينية. وفي المنظومة التشريعية والدينية هنالك عدد من النقاط التي تختلف فيها المدرسة الإباضية عن بقية المدارس الفقهية الإسلامية أو عن بعضها، مرد هذا إلى النصوص التي تستند إليها النقاط. وهنالك حالات أخرى كانت المواد المعتمدة من قبل الإباضية غير معروفة للسنة أو للمراجع الشيعية، والعكس صحيح. والخاصة الأساسية الأخرى هي أن الإباضية فهموا أن الدين وحدة واحدة في نواحيه السياسية، والروحية، والفقهية يجب تنفيذها في الحياة في وقت واحد. وحين يصار إلى تعطيل إحدى هذه النواحي في مرحلة معينة من المجتمع الإباضي، فليس ذلك عن إهمال، ولكن كعمل مقصود تتطلبه المرحلة الحالية التي يمر فيها المجتمع تشبها بحياة النبي العملية وهي التي يجب أن تؤدي إلى الخطوة التالية في تنفيذ جميع تعاليم الدين في ظروف مناسبة. والظاهر أن ذلك هو السبب الذي من أجله، على سبيل المثال، لم يقبل الإباضيون بالصوفية، لأنها توجه نشاطات المسلمين بصورة رئيسة إلى الجانب الروحي ولا تعني كثيرا بنواحي الدين الأخرى. ومن أولى التعليقات على هذه المسألة ما قاله محمد بن محبوب ( ت. 262 هـ ) في سيرته إلى الإباضيين في حضرموت: (( عرفنا أن هنالك أناسا في بلادكم يتعبدون بلباس الصوف في الصيف ويتشككون في قتال أهل البغي بالسيف.1 وبما أن الإباضية كانوا باستمرار يعيشون في مجتمعات بسيطة نائية، فإن تشريعاتهم لم تتأثر بتغيرات البنية أو الزمن، وبقيت في شكلها الأصلي. لقد حاول الإباضية باستمرار أن يعيشوا وفقا للشرع الإلهي، وأن يكيفوه حيث هم في كل الأوقات. وفي مرحلة باكرة وضعت أصول خاصة للمراحل المختلفة من الأوضاع السياسية والدينية، وبموجبها كان على المجتمع الإباضي أن يحافظ على وجوده. على أنه يبقى الشيء الكثير لا بد منه لتكوين صورة أ:ثر وضوحا للمجتمعات الإباضية ولتطورها في مختلف ميادين النشاطات. ولا يعرف غير القليل عن الوضع الحالي في البلدان الإباضية المتعددة ؛ وهي مجتمعات إباضية بحاجة إلى دراسة دقيقة. ثم إن هنالك كم هائل من الأعمال الإباضية الأصلية في الحديث، والكلام، والفقه، والتاريخ أو غير ذلك من ميادين العلم التي تحاج إلى اهتمام ؛ وهنالك قدر كبير جدا من المواد الجديدة بانتظار البحث المتأني والنظر العميق بحيث تحقق نظرة أكثر اكتمالا للمدرسة الإباضية. البيبليوغرافيا (المراجع) المخطوطات * ابن بركه، أبو محمد عبد الله بن محمد، كتاب الجامع، خمسة أجزاء، ( مجموعتي ) – كتاب الموازنة، ( جزء من مخطوطة ذات محتويات متعددة ). * ابن بكر، أبو العباس أحمد بن محمد،كتاب الألواح، أيوب محمد، جناون، جادو. – كتاب الجامع ( أبو مسألة ) ( مجموعتي ). - كتاب تبيين أفعال العباد، 3 مجلدات، ( سالم بن يعقوب ). - كتاب أصول الأرضيين، ( مرساوني، رحيبات، ماليو، جادو ). - كتاب أصول القسمة، ( مرساوني، رحيبات، بارونية ) - كتاب مسائل الأموات، ( البارونية، جربة ). - كتاب مسائل التوحيد ( تحقيق كاتب الكتاب ). * ابن بيان، علي، شرح النونية، 26 ورقه ( أمحمد الباروني، جادو ). * ابن عبد الحكم، فتوح إفريقية والأندلس، النص العربي بترجمة فرنسية ( ألبرت غاتو، ط 2 ) الجزائر، 1947. * ابن مداد محمد بن عبد الله، صفة نسب العلماء ونموتهم وبلدانهم ( مجموعتي ). * ابن سلام بن عمرو بن تومطنين اللواتي، بدء الإسلام وشرائع الدين ( سالم بن يعقوب، جربة ). * أبو جعفر محمد بن جعفر، الجامع، مجلدان، ( ق. يني يزفن وبكلي عبد الرحمن، بريان مزاب. ونسخة غير كاملة. البارونية، جربة ؛ النسخة غير الكاملة مؤلفة من: باب في الديات والحدود، 77 ص ؛ ومرساوني، رحيبات ). * أبو خزر يغلي بن زلتاف، كتاب الرد على جامع المخالفين. انظر J. S. S، 15، 1، 82. * أبو الربيع سليمان بن يخلف، سير سليمان بن يخلف. * أبو زكريا ؛ سير أبو زكريا، يحيى بن أبي بكر، السيرة وأخبار الأئمة، ( دار الكتب، القاهرة ). * أبو ستة، عمرو بن محمد، شرح ترتيب المسند، 321 ورقة ( المقصي، جادو ). - حاشية البيوع، 148 ورقة ( مرساوني، رحيبات ). - حاشية الوضع، 179 ورقة ( مرساوني، رحيبات ). * أبو ستة، محمد بن عمرو، حاشية على كتاب الشفعة والهبة والوصايا، ( أمحمد الباروني، جادو ). * أبو سليمان داود بن أبي يوسف الجامع ( نسخة غير كاملة ؛ 120 صفحة في حوزة مسعود الدبلي، وانزيرف، الرحيبات ). * أبو صفرة عبد الملك بن صفرة، روايات ضمام، ( بارونية، جربة، دار الكتب، القاهرة ). * أبو طاهر، إسماعيل بن موسى – الجيطالي. * أبو عبيدة، مسلم بن أبي كريمة، مسائل أبي عبيدة 38 ص. ( غير كاملة، في حوزة الشيخ يوسف العطفاوي، العطف، مزاب ). - رسالة في الزكاة ولمن تعطى ( البارونية، جربة، أعد كاتب هذه الدراسة نسخة محققة منها ). * أبو قحطان خالد بن قحطان الهاجري، سيرة ( جزء من مخطوطة متعددة المحتويات من عمان ). * أبو نصر، فتح بن نوح الملوشائي: ديوان أبي نصر. ( مجموعة أشعار أبي نصر في حوزة علي ميلود المرساوني، رحيبات ). * أبو اليقظان، إبراهيم بن عيسى. قصيدة في العزابة ( مجموعتي ). * أبو عمار عبد الكافي بن أبي يعقوب التناوتي: شرح الجهالات، 106 ص. ( أمحمد الباروني، جادو ؛ وهنالك نسخ أخرى في حوزة سالم بن يعقوب، جربة ؛ البارونية، جربة، مرساوي، رحيبات ؛ وفي مزاب أيضا ). - الموجز في تحصيل السؤال وتلخيص المقال، 11 جزءا، ( محفوظ علي الباروني، جربة، أيوب محمد، جنوان، جادو ). - مختصر طبقات المشايخ، ( الباروني، كاباو ). - سيرة الحلقة، ( البارونية، جربة ). * أبو غانم بشر بن غانم الخراساني، المدونة، 495 ص. ( مجموعة السالمي ؛ وأنا أملك نسخة مصورة من هذه المخطوطة ). - المدونة الكبرى، مجلدان، ترتيب محمد بن يوسف اطفيش ( في مجموعتي نسخة منها ). - الديوان المعروض على علماء الإباضية ( البارونية، جربة، دار الكتب، القاهرة ). * الأشياخ، ديوان الأشياخ، 24 جزءا ( جربة، البارونية وجبل نفوسة ). * أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، جوابات الإمام أفلح، 3 مجموعات، ( البارونية، جربة ). * أبو المؤثر، الصلت بن خميس، سيرة ( جزء من مخطوطة مختلفة المحتويات من عمان ). * الباروني، أو عزيز بن إبراهيم بن يحيى: اللقط ؛ ( باروني، كاباو ). * الباروني، عيسى بن أبي القاسم، جواب لبعض فقهاء بلاد غدامس ( جزء من مخطوطة متعددة المحتويات، الورقات 77 ب – 23 أ، الباروني، كاباو ). * الباروني، محمد بن زكريا، كتاب طبقات العلماء، وتاريخهم ( سالم بن يعقوب، جربة ). * البرادي، أبو القاسم بن إبراهيم: البحث الصادق والاستكشاف عن معاني كتاب العدل والإنصاف، 3 مجلدات ( الباروني، كاباو، البارونية، جربة )، جوابات ( جوابان، كجزء من جوابات مشايخ جربة ). - الجواهر المنتقاة في ما أخل به الكتاب الطبقات ( مجموعتي ). - رسالة الحقائق، ( عدد من النسخ من جربة وجبل نفوسة ). - شفاء الحائم في شرح بعض الدعائم ( عدد من المخطوطات في البارونية، جربة ؛ مزاب، وجبل نفوسة ). * البسياني، أبو الحسن علي بن محمد، الجامع، 139 ورقة، نسخة غير كاملة ( الباروني، كاباو ). * سيرة، حجة على من يبطل الواقع بعمان ( سالم بني يعقوب، جربة ). * سيرة البسياني ؟ 426 ص. هذه المخطوطة أرسلت إلي من عمان، وهي غير كاملة، واسم المؤلف غير ظاهر عليها. غير أن صديقي الذي أرسها إلي يؤكد أنها (( السيرة الكبيرة )) للبسياني. وهي في أية حال تحتوي على عدد مفيد من السير لعلماء عمانيين في وقت باكر كانت ذات أهمية لدراسة العقيدة الأولى للمذهب الإباضي. وعند النقل عنها في هذا العمل، أشرت إلى السيرة ومؤلفها، لا إلى البسياني. * البغطوري، محمد بن مقران، سير مشايخ نفوسة ( البغطور، جربا، سالم بن يعقوب، جربة ) كتبت اسمه في مكان آخر محمد بن مقرن، لكن الشكل الصحيح هو مقران أو مقران، من كلمة بربرية تعني العظيم الكبير، الحسن. بلفظ مقران، أو مقران. * التلاتي، أبو سليمان بن داود، شرح عقيدة التوحيد، في مقدمة التوحيد وشروحها تحقيق أبي إسحاق، القاهرة، 1353. * التلاتي، عمرو بن رمضان، شرح الديانات، طبعة حجرية، القاهرة، 1304. - الأزهار الرياضية على المنظومة الراثية ( بارونية، جربة ). - اللآلي المنظومة في عقود الديانات ( أم حمد، البارونية، جادو، بارونية، جربة ). - اللآلي الميمونية على المنظومة النونية ( بارونية، جربة ) - النخبة المتين من أصول تبغورين ( باروني، كاباو ). * الثميني، عبد العزيز بن إبراهيم، كتاب النيل ( 3 مجلدات، ط 2، تحقيق بكلي عبد الرحمن بن عمر، الجزائر 1969 / 1389. - عقد الجواهر من بحر القناطر، جزءان ( شيخ محمد الثميني، تونس ). - معالم الدين جزء 1 ( البارونية، جربة ). - الأسرار النورانية على المنظومة الرائية، طبعة حجرية، القاهرة، 1306. - النور، شرح القصيدة النونية، طبعة حجرية ن القاهرة، 1306. - التكميل لما أخل به كتاب النيل، تونس، 1925 / 1344. - الورد البسام في رياض الأحكام، تونس، 1315، وارجلاني، أبو يعقوب، يوسف بن إبراهيم، الدليل والبرهان، طبعة حجرية، القاهرة، 1306. - ترتيب المسند، طبعات متعددة، انظر الربيع بن حبيب. * جابر بن زيد، كتاب الصلاة ( البارونية، جربة، دار الكتب، القاهرة ) - كتاب النكاح ( البارونية، جربة ). - جوابات جابر بن زيد ( البارونية ن جربة ). * الجادوي، أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب، جواب سؤال لبعض المالكية من غريان، 18 ص. ( الباروني، كاباو ). * الجادوي، صالح، القصيدة الجادوية ( مجموعتي ). * الجنواني، أبو زكريا بن يحيى بن الخير، كتاب النكاح ( مجموعتي ). - كتاب الأحكام، ( مجموعتي وأيضا: أيوب محمد جنوان، جادو ). - كتاب الصوم ( مجموعتي ). * الجناوني، أبو يحيى توفيق: شرح مسائل الطهارات ( الشماخي، يفرن ). * الجيطالي، أبو طاهر إسماعيل بن موسى، كتاب قواعد الإسلام ( مجموعتي ). - كتاب الفرائض ( الباروني، كاباو ؛ عمر ميلو، جادو ). - شرح القصيدة النونية، 3 مجلدات ( البارونية، جربة، سالم بن يعقوب، جربة، والقطب، مزاب ). - قصائد ورسائل ( مجموعتي ). - قناطر الخيرات ( وكالة الجاموس، القاهرة، في حوزتي حاليا ). - مناسك الحج ( البارونية، جربة ). * الجيلاتي، أبو الربيع، مقتطفات من الأخبار والأحداث ( سالم بن يعقوب، جربة ). * الخروصي، جاعد بن خميس: تفسير فاتحة الكتاب ( سالم بن يعقوب، جربة ). * الدرجيني، أبو العباس أحمد بن سعيد، طبقات المشايخ. ( إنني أستخدم صورة لمخطوطة أرسلها إلي الشيخ أبو اليقظان من القرارة، مزاب ). * الربيع بن حبيب، الجامع الصحيح، ط 3 ؛ القدس، 1381. * الرستاقي، خميس بن سعيد بن علي، كتاب المنهاج، الجزء 15، عن الزواج، 89 ورقة. ( الباروني، كاباو )، أجزاء أخرى في البارونية، جربة، وقد اطلعت عليها. ( الكتاب كله من 21 مجلدا ). * الرقيشي، أحمد بن عبد الله، مصباح الظلام على دعائم ( القطعة الخامسة ) تحتوي تعليقا على اللامية لابن النظر، دار الكتب القاهرة ). * السالمي، عبد الله بن حميد، بهجة الأنوار، على حواشي (( طلعة الشمس ))، 1، القاهرة، لات. - الحجج المقنعة في أحكام صلاة الجمعة، على حواشي (( طلعة الشمس ))، 11. - جوهر النظام، القاهرة. - اللمعة المرضية من الشيعة الإباضية، تونس، لات، مع أعمال أخرى. - مدارج الكمال في نظام مختصر الخصال، زنجبار، 1316. - مشارق أنوار العقول، القاهرة، 1314. - شرح الجامع الصحيح، 3 مجلدات، 1، 2، القاهرة 1326 ط 3. تحقيق عز الدين التنوخي، دمشق، 1963. - طلعة الشمس، مجلدان، القاهرة، لات. - تلقين الصبيان، ط 2، دمشق 1966. - محفة الأعيان بسيرة أهل عمان، مجلدان، ط2، تحقيق أبي إسحق، القاهرة، 1950. * السالمي، محمد بن عبد الله، نهضة الأعيان بحرية عمان، القاهرة، لات. - وناجي عساف: عمان تاريخ يتكلم، دمشق، 1963. * السدويكشي، أبو محمد عبد الله بن سعيد، جواب حول صلاة الجمعة، ( جزء من مخطوطة مختلفة المحتويات، الباروني، كاباو ). - حاشية الديانات ( عدة نسخ ). - حواشي على السفر الأول من الإيضاح، 77 ورقة، ( مرساوني، رحيبات ). * السعدي، جميل بن خميس، كتاب قاموس الشريعة، مجلدات 1 – 10، زنجبار، 1880 – 84، ( المتحف البريطاني، 14516. C 4 ). * سعيد بن تعاريت، المسلك المحمود في معرفة الردود، طبعة حجرية، تونس، 1331. * سعيد بن تعاريت، تاريخ علماء الجزيرة، ( سالم بن يعقوب، جربا ). * سليمان بن يخلف، أبو الربيع، السير، طبعة حجرية، تونس، 1321.- التحف المخزونة والجواهر المكنونة ( الباروني كاباو، بارونية، جربة ). * الوسفي، أبو عمرو عثمان بن خليفة، رسالة في بيان كل فرقة، لات. مع أعمال أخرى في ( مجموعتي ). - السؤالات 354 ص ( مرساوي، رحيبات ). * صولة بن إبراهيم الغدامسي، جواب، ( باروني، كاباو ). * شبيب بن عطية العماني، سيرة ( جزء من مخطوطة مختلفة المحتويات من عمان ). * الشماخي، أبو العباس أحمد بن سعيد، جوابات، ( الباروني ن كاباو ). - جواب لصولة الغدامسي ( الباروني، كاباو، البارونية، جربة ). - إعراب مشكل الدعائم ( البارونية، جربة ). - تحقيق الاسم والمسمى ( باروني، كاباو، مرساوني، رحيبات ). - شرح مختصر العدل والإنصاف ( البارونية، جربة ). * الشماخي، أبو عامر موسى بن عامر، اللقط، 165 ورقة. ( نسخة غير كاملة، الباروني، كاباو ). * الشماخي، أبو ساكن عامر بن علي. - إيضاح. إيضاح أدلة أبواب الفقه، 4، ( مرساوني، رحيبات ). - الديانات ( مجموعتي ). - مسائل البغطور، ( جربة ). * الشماخي، أحمد بن سعيد، السير، طبعة حجرية، القاهرة، 1301. - شرح عقيدة التوحيد في مقدمة التوحيد وشروحها، تحقيق أبي إسحق، القاهرة، 1353. * الشماخي، عامر بن علي: كتاب الإيضاح، 4 مجلدات، طبعة حجرية، القاهرة، ط 2، جزء 1، بيروت، 1390 / 1970. * الشماخي، قاسم بن سعيد بن قاسم: القول المتين في الرد على المخالفين، القاهرة، 1324. - شرح أرجوزة اللؤلؤ في علم التوحيد 464 ص ( سالم بن يعقوب، جربة ). * الصائغي، سالم بن سعيد، كنز الأديب وسلافة اللبيب ( مكتبة جامعة كمبريدج رقم 02896 ). * عبد الله بن عبد العزيز، كتاب نكاح الشغار، 4 ج. ( البارونية، جربة، دار الكتب، القاهرة ). * عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، جوابات ( البارونية، جربة ) انظر مقالا لي في J. S. S، 15، 1، 1970، 69 – 70. * عمرو بن فتح المساكني، أبو حفص، أصول الدينونة الصافية ( البارونية، جربة، بابانو، مزاب ). - الرد على الناكثة وأحمد بن الحسين، ( بغطوري، جربة، عزابي، جناون، جادو ). * الفزاري، عبد الله بن يزيد، كتاب الردود، 40 ص غير كاملة ( عياد العزابي، زواره ). * الفزاني، بكار بن محمد، جوابات، ( البارونية، جربة ). * قتادة بن دعامة السدوسي، أقوال قتادة، سبعة أجزاء ( جزء من مخطوطة الديوان المعروض. انظر أبو غانم ). * القطب، محمد بن يوسف اطفيش، جوابات وفتاوى ( مكتبة القطب، بني يزفن، مزاب، صورة في مجموعتي ). - شرح تبغورين ( القطب بن يزفن، مزاب ). - شرح لامية ابن النظر، ( البارونية، جربة ). - شرح النيل ( عدة مجلدات، الباروني، كاباو، مرساوني، رحيبات ). * القطب محمد بن يوسف اطفيش، الذهب الخالص، تحقيق أبي إسحق، 1343. - إزالة الاعتراض عن محقي آل إباض، زنجبار، 1316. - إزهاق الباطل بالعلم الهاطل، طبعة حجرية، الجزائر، 1347. - جامع الشمل في حديث خير الرسل، طبعة حجرية، لات، البارونية، القاهرة. - جامع الوضع والحاشية، طبعة حجرية، القاهرة، 1306. - جواب أهل زوارة، طبعة حجرية، الجزائر، 1325. - الرد على العقبي، طبعة حجرية، تونس، 1321، مع أعمال أخرى. - الرسالة الشافعية في بعض التواريخ، طبعة حجرية، الجزائر، 1299. - شرح عقيدة التوحيد، طبعة حجرية، الجزائر، 1326. - شرح النيل، 10 مجلدات، القاهرة ؛ ( نسخة كاملة بحوزة علي معمر، نالوت ليبيا ). - شرح الدعائم، مجلدان، طبعة حجرية، الجزائر، 1326. - تفقيه الغامر بترتيب لقط موسى بن عامر، طبعة حجرية، الجزائر، 1319. - تيسير التفسير، 6 مجلدات، طبعة حجرية، الجزائر، 1326. - ترتيب المعلقات في أخبار أهل الدعوة، طبعة حجرية، البارونية، القاهرة، لات. * القلهاتي: أبو عبد الله محمد بن سعيد الأزدي، كتاب الكشف والبيان، 11 مجلدا ؛ ( المتحف البريطاني OR / 2606 مجلدة معا ). أمحمد الباروني، جادو، المجلد 1 فقط. * الكدمي، أبو سعيد محمد بن سعيد: كتاب الاستقامة. ( مجموعة الشيخ محمد السالمي، تلطف بإعارتي هذه النسخة التي استعملتها لهذه الدراسة ). * المندي، أبو بكر أحمد بن عبد الله بن موسى، كتاب التخصيص ( مجموعتي ). - المصنف ( عدة مجلدات، البارونية، جربة )، كله 41 مجلدا. * الكندي، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سليمان: كناب بيان الشرع ( عدة مجلدات، البارونية، جربة ؛ في حوزتي المجلد 3 وهو يحتوي على مادة مفيدة لدراسة الولاية والبراءة. الكتاب مله في 73 مجلدا ). * اللالوتي، أبو سهل، جوابات أبي سهل. ( البارونية، جربة ). * مجهول: جوابات مشايخ جربة، 160 ص. ( إجابات شيوخ إباضيين في جربة على مسائل شرعية وفقهية. بحوزة علي الباروني، جربة ). - أجوبة علماء فزان ( جزء من مخطوطة مختلفة المحتويات، البارونية، جربة ). - كتاب فيه بعض ما اجتمعت عليه الأمة، 22 ص، في مجموعة البغطور، والغ، جربة، ( سالم بن يعقوب، جربة). - مجموع أجوبة ومسائل ( البارونية، جربة، نسخ عبد الله بن يحيى الباروني ). - نوازل نفوسة، 222 ورقة ( البارونية، جربة ). * المحروقي، درويش بن جمعه بن عمر، كتاب الدلائل والوسائل. ( المتحف البريطاني OR / 2085 ). * المصعبي، محمد بن أبي القاسم، رسالة في بيان عقيدتنا والجواب على ما قدح به المخالف، لات. مع أعمال أخرى. * المعصبي، يوسف بن محمد، رسالة إلى أحمد باشا، لات. مع أعمال أخرى. * المصعبي، أبو يعقوب يوسف بن محمد، حاشية على رسالة تبغورين، ( البارونية، جربة ). - حاشية على المصرح، 160 ورقة ( الباروني، كاباو ). - رسالة إلى أحمد باشا ( جزء من مخطوطة مختلفة المحتويات، الورقات 149 ب – 159 أ. الباروني، كاباو ). * المصعبي، محمد بن أبي القاسم، جوابات لبعض المخالفين 4 مجموعات ؛ ( جزء من مخطوطة مختلفة المحتويات، الورقات 123 أ – 149 أ. الباروني، كاباو ). * المصعبي، صالح بن إبراهيم بن أبي صالح: أرجوزة فيما اختصت به كل فرقة. ( مجموعتي ). * معمر، علي بت يحيى، أحكام السفر في الإسلام، بيروت، 1966. - أجوبة وفتاوى، نالوت، 1970. - الإباضية في موكب التاريخ. ( أ ) نشأة الإباضية، القاهرة، 1964 / 1384. ( ب ) الإباضية في ليبيا، مجلدان، القاهرة، 1964 / 1384. ( ج ) الإباضية في تونس، بيروت، 1964 / 1384. - سمرة أسرة مسلمة بيروت، 1966 / 1385. * الملشوطي، تبغورين بن داود بن عيسى، الجهالات ( سالم بن يعقوب، جربة ؛ أمحمد الباروني، جادو ). - أصول الدين ( عدد من المخطوطات ). * كنير بن النير الجعلاني، سيرة ؛ كتب قبل 192 هـ. ( جزء من مخطوطة مختلفة المحتويات، من عمان ). * الوارجلاني، أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم: - كتاب الدليل والبرهان لأهل العقول، ( المتحف البريطاني، رقم 6564 ). - العدل والإنصاف في أصول الفقه والاختلاف 3 أجزاء، 770 ص. ( مجموعتي ؛ نسخة أخرى في مجموعة بابانو، مزاب ). - القصيدة الحجازية ( مجموعتي ). * الوارجلاني، أبو زكريا يحيى بن أبي بكر = أبو زكريا. * الوسياني، أبو الربيع سليمان بن عبد السلام، السير ( محفوظ الباروني، جربة. أود هنا أن أسجل شكري للدكتور بينون س S.O.S وهو الذي زودني بنسخة من هذا الكتاب الذي كان بحوزة الأستاذ ليفسكي). 2-مقالات: * بكري شيخ، Le Kharijisme berbere. A.I.E.O 15 ( 1957 ) 55 – 108. * النامي، أ. ك – وصف مخطوطات إباضية جديدة من شمالي إفريقيا. Journal of Semitic Studies Vol 151 , 1970 , 63 – 67. * كفافي، محمد، The rise of Kharijism according to Alm Said Muhammad b. Said al Azdi al Qalhati , The bulletin of the Faculty of Arts , Cairo , XIV , I , 1952 , 29 – 48. * النعيمي، سليم " ظهور الخوارج، مجلة المجمع العلمي العراقي، 15، 1967 / 1387، 10 – 35. LIST OF ARTICLES - Allauche , I.S. ‘Deux epitres de theolgite ‘. Hesp. 22 ( 1936 ) 57 – 88. - Basset , R. Les sanctuaires du Dlebel Nefousa , Journal Asiatique , mil – juin , 1899 , 423 – 470 and juillet – aout , 1899 , 88 – 120. - Bekri , Chaikh ‘ Le Kharijisme berbere ‘.A.I.O.N. , N.S. 5 ( 1953 ) , 123 – 139. - Ennami , A.K ‘ Description of New Ibadi Mss. from North Africa. Journal of semitic Studies. , Vol. 15 , I, 1970 , 63 – 87. - Gabrieli, F. ‘ Sulle Origini del Movimento Harigita ‘. Rend. Accad. Lincei, ser. 7 , 3 ( 1941 ) , 110 – 117. - Goichon , A.M. ‘Le vie feminine au Mzab ‘. Revue du monde Musulmane., Vol. 62 , 1925. - Heggoy , Willy N. ‚ The Mozabites of Algeria ‚ Muslim World , Vol. XXXVII , 192 – 207. - Kubiak , Wladyslaw ‘. al – arabiyah fi Bulunia ‘ Majallat Ma’had al –Makhtutat al- ‘ Arabiyah., Vol. V , I ( Cairo 1959 ) , 17 – 22. - Kubiak Wladyslaw ‘. al – Makhtutat al – arabiyah fi Bulunia.’ Majallat Ma’had al- Makhtutat al- ‘ Arabiyah., Vol. V , I ( Cairo 1959 ) , 17 – 22. - Kafali , Muh , ‘The rise of Kharijisme according to abu Sa’id Muhammad b. Sa’id al – Azdi al- Qalhati’. The bulletin of the Faculty of Arts. Cairo , XIV. 1 , 1952 , 29 – 48. - Kumar , Ravinder , ‘ British attiude towards the Ibadiyya revivalist movement in East Africa ‘. Int. Stud., 3 , ( 1962 ) , 443 – 450. - Lewicki, T. ‘ Note sur la chronique ibadite d’ad-Dargini’. Rocznik Orientalistyesm, t XI , 1936 , 146 – 172. - “Une chronique ibadite ‘Kitab al-Siyar d’Abu’l-Abbas Ahmad as-Sammahi “. Revue etud. Ist., 1934, 59 – 78. - “Les subdivisions de I’Ibadiyya”. Studia Islamica., IX, ( 1958 ) , 71 – 82. - “ Les historiens, biographes et traditionistes ibadites – wahbites de I’Afrique du Nord du VIII’ au XVI’ siecles“. Folia Or., 3 ( 1961 ) , 1 – 134. -„La repartiion geographique des groupements ibadites dans I’Afrique du Nord au moyen – age „. Rocznik Or., 21 ( 1957 ) , 301 – 343. - „Les ibadites en Tunisie au moyen-age „. Conference tenue a la Bibliotheque de I’Academie Polonaise de Rome , 17 Fed. 1958. -“Quelques texts inedits en vieux berbere provenant d’une chroique ibadite anonyme”. Revue etud. Isl., 1934 , III, 1935 , 257 – 296. - “Melanges berbere- ibadbtes”. Revue etud. Isl., 1936 , 267 – 285. -„Quelques extrais inedits relatpfs aux voyages des commercants et des missionaries ibadites nord-africains au paus du Soudan occidental et central au Moyen Age”. Folia Or.m, 2 ( 1960 ) , 1 – 27. - Un docment ibadite inedit sur I ‘emigration des Nafusa du Gabal ‘ Note supplementaire ‘. Folia Or.,2 ( 1960 ) , 214 – 216. - “Les Ibaditse dans I’Arabie du sud au moyen age „. Folia Or., 1, ( 1959 ) , 3 – 17 , Also 24 Int, Cong Or., 362 – 364. - “Al-Ibadiyya”. E.L., 2 nedition. -“Al-Nukkar”. E.L., supplement, 172 – 173. - Marcy, G. “Le Dieu des Abadites et des Bargwata”. Hesp., 22 ( 1963 ) , 33 – 56. - Milliot, L. “Recuil de deliberation des djema’a du Mzad”. Rev. Etud. Ist., Vol. XXI, 1939 , 17 – 230. - Al-Na’imi, Salim. “Zuhur al-khawarij”. Majma’ al-ilmi al-Iraqi., XV, 1967 / 1387 , 10 – 35. - Nallino, C.A. “Rabborti fra la dogmatica Mu’tazilita e quella dagli Ibaditi dell’Africa Settentrionale”. R.S.O., Vol. VII, Roma, 1916 – 18 , 455 – 460. - Rubinacci, R. “Notizia di alcuni manoscrtti ibaditi presso 1’Instiuto Universitario Orientale di Napoli”.A.I.O.N., N.S.3 ( 1949 ) , 431-438. -“Il “Kitad al-Gawahir’ di al-Barradi.” A.I.O.N., N.S.4 ( 1952 ) , 95-110. -La purita rituale secondo gli Ibaditi”. A.I.O.N., N.S. 6 ( 1954 – 6 ) , 1-41. - “La professione di fede di al-Gannawuni”. A.I.O.N., XIV , ( 1964 ) , 552-592. “The Ibadis. “in Religion in the Middle East., General aditor: A.J. Arberry , Cambridge , 1969, II, 302-317. - “Il califfo ‘ Abd al-Malik b. Marwan degli Ibaditi”. A.I.O.N., also , “Un antico documento … “Vol. X, 37-78. - Sachau, E. “Uber die Reliksen Anschauungsn der Ibaditischen Muhammedaner in Oman und Ostafrika“. Mitthelungen der Seminars fur Orientaische Sprachen., VI. II, 1899 , 97-82. -„Uber eine Arabische Chronik aus Zanzibar „ .M.S.O.S., Vol.I. 1898. - Schacht ‚ J. „Bibliotheques et manuscrits abadits „. Rev. Africaine , 100 ( 1956 ) , 375-398. - Notes mombites al Andalus 22 ( 1957 ) , 1-20. - Shinar ‚ Pessah. „ Ibadiyya and orthodox reformism in modern Algeria „. Studies in Isl. his , and civilization, Scripta Hierosolymitsm.,IX, 1961 , 97-120. - Smogorzewski, Z. „Essai de Bio-bibliographie Ibadite-Wahbite. Avant-propos „. Rocznik Or., V, 1982, 45-47. -„Un poeme abadite sur certaines divergences entre les Malikites et les Abadites „. Rocznik Or., V. II, 260-268. - Strothmann, R. „Berber und Ibaditen „. Der Islam, XVII, 1928 , 258-279. - Thomson, W. „ Kharilism and Kharijites „. The Macdonald Presentation Volume., Princeton, 1933,373-389. - Veccia Valieri, L. “ L’Imamato ibadita dell’ ‘Oman”. A.I.O.N., N.S. 3 ( 1949 ) 245-282. المطبوعات أ – كنب الإباضية: * أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر، الجامع ( أبو مسألة ) زنجبار، 1318. * أبو عمار عبد الكافي، كتاب اختصار الفرائض، لا تاريخ، وأعمال أخرى. * أبن بكر أحمد بن النظر العماني، كتاب الدعائم، ط 2، دمشق 1966. * أبو مهدي عيسى بن إسماعيل المصعبي، جواب لأبي علي البهلولي، طبعة حجر، تونس 1321، وأعمال أخرى. * أبو مصر، فتح بن نوح الملوشاتي، القصيدة النونية، الجزائر، 1352 / 1933 وأيضا كتاب الدعائم لأبي بكر بن النظر ؛ ودمشق 1966 ص 193 – 203. - المنظومة الرائية في الصلاة، وأيضا في كتاب الدعائم ص 203 – 211. * أبو راس، محمد بن مؤنس الأحبة في أخبار جربة، تحري محمد المرزوتي، تونس، 1960. * أبو ستة، محمد بن عمرو، حاشية القواعد،طبعة حجرية، القاهرة 1297 هـ. - حاشية كتاب النكاح للجناوني، طبعة حجرية القاهرة، 1343. - حاشية على الأجزاء 3 و 4 من كتاب الإيضاح للشماخي، طبعة حجرية، القاهرة، 1309. - جوابات، طبعة حجرية، القاهرة، 1315. - شرح ترتيب المسند، 3 أجزاء، زنجبار، 1304، مجهول. ذكر أسماء يعض شيوخ الوهبية، طبعة حجرية مع سير الشماخي. * الأشياخ ديوان: أ – كتاب الصوم، طبعة حجرية، القاهرة، 1315. ب – كتاب الطهارات، طبعة حجرية، القاهرة، 1315. * البرادي، أبو الفضل، أبو القاسم بن إبراهيم، الجواهر المنتقاة فيما أخل به الكتاب الطبقات، طبعة حجرية، القاهرة، 1302. * الباروني، عبد الله بن يحيى، سلم العامة والمبتدئين لمعرفة أئمة الدين، القاهرة، 1324. * الباروني، أبو الربيع سليمان، مختصر تاريخ الإباضية، تونس، 1938 / 1357. * الباروني، محمد بن زكريا، نسبة دين المسلمين، طبعة حجرية مع سير الشماخي، القاهرة، 1301. * الباروني، سليمان باشا، الأزهار الرياضية في تاريخ أئمة وملوك الإباضية، القاهرة، لات. ( نحو 1324 – 1326 هـ ) جـ 2 فقط. * الحناوني، أبو زكريا يحيى بن الخير، عقيدة التوحيد، طبعة حجرية، الجزائر، 1325. - كتاب النكاح، طبعة حجرية، القاهرة، 1343، مع (( حاشية )) أبي ستة. - كتاب الصوم، طبعة حجرية، القاهرة، 1320، تحضر حاليا طبعة جديدة لهذا الكتاب. - كتاب الوضع، تحقيق أبي إسحق إبراهيم اطفيش، القاهرة، لات. * الجيطالي، أبو طاهر إسماعيل بن موسى. - كتاب قواعد الإسلام، طبعة حجرية، القاهرة، 1297، مع (( حاشية )) أبي ستة. - كتاب الفرائض والمقاييس: الجروح، طبعة حجرية، القاهرة لات. - كتاب قناطر الخيرات، 3 مجلدات، طبعة حجرية، القاهرة، 1307 ؛ الجزء الأول من هذا الكتاب، تحقيق كاتب هذه الدراسة، طبع في القاهرة، 1964. * دبوز، محمد علي، تاريخ المغرب الكبير، 3 أجزاء القاهرة، 1963. * ثورة الجزائر ونهضتها المباركة 3 أجزاء، القاهرة، 1965. * الحضرمي، إبراهيم بن قيس: ( أ ) كتاب مختصر الخصال، جزءان، طبعة حجرية، 1310 / 1893. ( ب ) ديوان السيف النقاد، ط 2 دمشق لات. * الحارثي، عيسى بن صالح، خلاصة الوسائل في ترتيب المسائل، جزءان، تحرير عز الدين التنوخي، دمشق، لات. * الحارثي، صالح بن علي، عين المصالح في جوابات الشيخ صالح، تحرير عز الدين التنوخي، دمشق. ب – مصادر عامة باللغة العربية: * أبن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن، الجرح والتعديل، مقدمة 8 مجلدات، حيدر أباد، 1360 – 1373. * ابن الأثير علي بن محمد، أسد الغابة، 5 مجلدات ن القاهرة، 1285 – 7. * ابن الأثير، مبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث، 4 مجلدات، القاهرة، 1311 / 1893. * ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، صفة الصفوة، حيدر أباد، 1356. * ابن حبان البستي، محمد، مشاهير علماء الأمصار، تحقيق مانفريد فلايشهامر، القاهرة، 1959 / 1379 هـ. * ابن حجر، أحمد بن علي. ( أ ) الإصابة في تمييز الصحابة، 4 مجلدات، القاهرة، 1358 / 1939. ( ب ) لسان الميزان، 6 مجلدات، حيدر أباد، 1325 – 27 هـ. ( ج ) تهذيب التهذيب، 12 مجلدا، حيدر أباد، 1325 – 27 هـ. ( د ) تقريب التهذيب، مجلدان، تحقيق عبد اللطيف، القاهرة، 1960. * ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد. ( أ ) جمهرة أنساب العرب، تحقيق ليفي بروفنسال، القاهرة، 1948. ( ب ) ملخص إبطال الرأي والقياس والاستحسان والتقليد والتعليل، تحقيق سعيد الأفغاني، دمشق، 1379 – 1960. ( ج ) كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل، القاهرة، 1321، 5 مجلدات. ( د ) الإحكام في أصول الأحكام، 5 مجلدات، القاهرة، 1345 – 48. ( و ) المحلى، 11 مجلدا، القاهرة، 1347 – 52 هـ. * ابن حنبل، أحمد بن محمد، ( أ ) العلل ومعرفة الرجال، تحقيق طلعة كوسيجيت، أنقرة 1963. ( ب ) المسند، 6 مجلدات، القاهرة، 1313. * ابن حوقل، أبو القاسم النصيبي، كتاب صورة الأرض، تحقيق ج. هـ. كرايمرز، لابدن، 1939. - كتاب المسالك والممالك، تحقيق م. ج. دي غوبي، ليدن، 1872. * ابن خرداذبة، العبر وديوان المبتدأ والخبر، 7 مجلدات، تحقيق داغر، بيروت، 1956 – 61. * ابن خلكان، أحمد بن محمد، وفيات الأعيان، تحقيق ف. وستنفيلد، غوتنغن، 1835. * ابن رزيق، حميد الفتح المبين، ترجمة جورج بي بادجر، لندن، 1871. * ابن سعد، محمد، كتاب الطبقات الكبير، تحقيق ادوارد ساخو، ليدن، 1904 – 1940، وبيروت، 1958 / 1377. * ابن سلام، القاسم بن سلام، كتاب الأموال، تحقيق محمد خليل هراس، القاهرة، 1389 / 1969. * ابن عبد البر، ( أ ) الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 4 مجلدات، القاهرة. كذلك حيدر أباد، 1319 هـ، 2 جزءان. ( ب ) جامع بيان العلم، مجلدان، المدينة، 1969. * ابن عبد الحكم، فتوح إفريقية والأندلس، النص العربي مع ترجمة فرنسية ومقدمة لألبرت غاتو، ط 2، الجزائر، 1947. * ابن عبد ربه، أحمد بن محمد، العقد الفريد، تحقيق أحمد أمين وآخرين، القاهرة، 1359 / 1940. * ابن عذاري المراكشي، كتاب البيان المغرب، تحقيق ج. س. كولين وإي. ليفي بروفنسال، ليدن، 1948. * ابن العماد، عبد الحي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، القاهرة، 1350. * ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، المعارف، تحقيق محمد الصاوي، القاهرة، 1934. * ابن القيسراني، محمد بن طاهر، الجامع بين رجال الصحيحين، حيدر أباد، 1323. * ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، 4 مجلدات، القاهرة، لات. * ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، 14 مجلدا، القاهرة، 1932. * ابن ماجة، محمد بن يزيد، سنن، مجلدان، تحقيق م. ف. عبد الباقي، القاهرة، 1373 / 1954. * ابن مسكوية، تجارب الأمم، تحقيق ل. كايتاني، 1909. * ابن منظور، محمد بن مكرم لسان العرب، 20 مجلدا، بولاق، 1300 – 8. * ابن النديم، الفهرست، تحقيق ج. فلوغيل، ليبزيغ، 1871 ؛ والقاهرة، 1348. * ابن هشام، محمد السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وآخرين، القاهرة، 1955. * أبو داود، سنن، 4 مجلدات، تحقيق م. م. عبد الحميد، القاهرة، 1369 / 1950. * أبو زهرة، محمد – مالك، ط 2، القاهرة، 1952. - أبو حنيفة، ط 2، القاهرة، 1955. - الشافعي، القاهرة، 1364 / 1954. * أبو زهرة، محمد، الحديث والمحدثون، القاهرة، 1958. * أبو عوانة، يعقوب بن إسحق، مسند، حيدر أباد، 1362 هـ. * أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين، كتاب الأغاني ن 24 مجلدا، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، بيروت، 1380 / 1961. * أبو الفضل عبد الرحمن بن الحسين العراقي، المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار مع (( إحياء علوم الدين )) للغزالي، القاهرة، 1353 / 1939. * أبو نعيم، أحمد بن عبد الله الأصبهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، 10 مجلدات، القاهرة، 1932. * الإسفراييني، أبو المظفر طاهر بن محمد، التبصير في الدين القاهرة، 1940. * الأشعري، علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، تحقيق هيلموت ريتر، اسطنبول، 1929. * الإصطخري إبراهيم بن محمد، مسالك الممالك، ليدن، 1870. * الألوسي، محمد شكري، بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب، ط 2، القاهرة، 1942. * البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، طبقات متعددة. - التاريخ الكبير، 4 مجلدات، حيدر أباد، 1361. * البرهانفوري، علي المتقي المهندي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، 8 مجلدات، حيدر أباد، 1312 – 14. * البصري، محمد بن علي، المعتمد في أصول الفقه، مجلدان، تحقيق حميد الله وآخرين، دمشق، 5 / 1348 / 1964 – 65. * البلاذري، أحمد بن يحيى، فتوح البلدان، تحقيق المنجد، القاهرة، 1956. * البغدادي، أبو منصور، عبد القادر بن طاهر: الفرق بين الفرق، تحقيق زاهد الكوثري، القاهرة، 1948 ؛ ترجمة إنكليزية مع مقدمة وملاحظات بقلم إبراهام س. هالكين، 1935. * الترمذي، محمد بن عيسى، السنن ( الجامع الصحيح )، تحقيق أحمد حمد شاكر، المجلدان 1 و 2. المجلد الثالث، تحقيق محمد ف. عبد الباقي، القاهرة 1356 / 1937. * صحيح الترمذي مع تعليق ابن العربي المالكي، 13 مجلدا، القاهرة، 1350 – 52 / 1931 – 34. * الطيالسي، سليمان بن داود، مسند، حيدر أباد ن 1321. * الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، البيان والتبيين، 4 مجلدات، تحقيق محمد عبد السلام هارون، القاهرة، 1948 – 1950 / 1367 – 1369. - رسائل الجاحظ ن تحقيق هارون، القاهرة، 1384 / 1965. - العثمانية، تحقيق هارون، القاهرة، 1955 / 1374 هـ. * الحاكم، محمد بن عبد الله، معرفة علماء الحديث، تحقيق المعظم حسين، القاهرة، 1937. - المستدرك، 4 مجلدات، حيدر أباد. * حاجي، خليفة، مصطفى بن عبد الله، كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون , طهران، 1378 / 1957. * الحموي، ياقوت، معجم البلدان، القاهرة، 1096. * حميد الله، محمد، الوثائق السياسية، ط 2 ؛ القاهرة، 1965. * الخزرجي، أحمد بن عبد الله، خلاصة تهذيب الكمال، القاهرة، 1322. * الخطيب البغدادي، تقييد العلم، تحقيق ي. عشي. دمشق، 1949. * الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن، سنن، تحقيق عبد الله هاشم اليمامي، المدينة، 1386 / 1960. * الذهبي، محمد بن أحمد. ( أ ) ميزان الاعتدال، 4 مجلدات، تحقيق البجاوي، القاهرة، 1382 / 1963. ( ب ) المشتبه، تحقيق البجاوي، القاهرة، 1962. ( ج ) تذكرة الحفاظ 4 مجلدات، حيدر أباد، لات. ( د ) تاريخ الإسلام، 1 – 4، القاهرة 1367 / 1948. (هـ ) سير أعلام النبلاء، 1 -3 مجلدات، تحقيق المنجد وآخرين، القاهرة، 1956. ( و ) لسان الميزان، حيدر أباد، 1330 هـ. * الذهبي، محمد حسين، التفسير والمفسرون، 3 مجلدات، القاهرة، 1381 / 1961. * الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس، 10 مجلدات، القاهرة، 1306. * الزمخشري، جار الله محمد بن عمر، الكاشف، 3 مجلدات، بولاق، 1318 – 1319. - الفائق في غريب الحديث، حيدر أباد، 1324 / 1906. * الزوزني، شرح المعلقات السبع، تحقيق محمد علي حمد الله، دمشق، 1963. * زيد بن علي، مسند الإمام زيد، بيروت، 1966. * الزيلعي، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف، نصب الراية لأحاديث الهداية، 4 مجلدات، القاهرة، 1357 / 1938. * السباعي، مصطفى، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، القاهرة، 1380 / 1961. * سحنون، المدونة الكبرى، 16 مجلدا، القاهرة، 1323 – 24. * السرخسي، المبسوط، 30 مجلدا، القاهرة، 1324 – 31. * السمعاني، عبد الكريم محمد بن منصور، الأنساب، 6 مجلدات، تحقيق اليماني، حيدر أباد، 1963 – 1966. * السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير، مجلدان، القاهرة، لات. - تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك، مجلدان، القاهرة، 1348. * الشافعي، محمد بن إدريس، الأم، 7 مجلدات، القاهرة، 1321 – 5. * الشوكاني، محمد بن علي، نيل الأوطار، 8 مجلدات، القاهرة، 1357. * الشيباني، محمد بن الحسن، الجامع الصغير. * الصالح، صبحي، علوم الحديث، ط 3، بيروت، 1384 / 1965. * الطبري، محمد بن جرير، التفسير، تحقيق شاكر، 15 مجلدا، القاهرة. - تاريخ الرسل والملوك، تحقيق أبي الفضل إبراهيم، 10 مجلدات، 1960 – 69، القاهرة. * عجاج الخطيب، السنة قبل التدوين، القاهرة، 1963 / 1383. * علي حسن عبد القادر، نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي، القاهرة، 1361 / 1942. * الفتني، محمد طاهر بن علي، تذكرة الموضوعات وقانون الموضوعات والضعفاء، بيروت، 1968. * فؤاد عبد الباقي، مفاتيح كنوز السنة، القاهرة، 1352 / 1933. - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، القاهرة، 1378. - تيسير المنفعة، القاهرة، 1935 هـ. * الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، 4 مجلدات، القاهرة، 1952 / 1371 هـ. * القاسمي، محمد جمال الدين، قواعد التحديث، تحقيق محمد بهجة البيطار، ط 2، القاهرة، 1380 / 1961. * القرطبي، ابن حيان، المقتبس في أخبار الأندلس، تحقيق عبد الرحمن الحجي، بيروت، 1965. * القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، 20 مجلدا، تحقيق دار الكتب القاهرة، 1933 – 50 / 1351 – 1369 هـ. * القزويني، زكريا بن محمد، كتاب آثار البلاد وأخبار العباد، تحقيق وستنفلد، غوتنغن، 1848. * القيرواني، الرقيق، تاريخ إفريقية والمغرب، تحقيق المنجي الكعبي، تونس، 1968. * الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، 8 مجلدات، طهران، 1381. * مالك بن أنس، الموطأ مع شرح السيوطي، القاهرة، 1348. - المدونة، رواية سحنون، القاهرة، 1323 – 24، 16 مجلدا. * المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد الكامل، 3 مجلدات، تحقيق أحمد شاكر وزكي مبارك، القاهرة، 1302 هـ. * محمد بن الحسن، الجامع الصغير، القاهرة، 1302 هـ. * المسعودي، علي بن الحسن، مروج الذهب، مجلدان، القاهرة، 1283 / 1867. * مسلم بن الحجاج القشيري، الصحيح، عدة طبعات. * المقدسي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، تحقيق م. ج دي غويي، ليدن، 1877. * الملطي، أبو الحسن محمد بن أحمد، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، تحقيق الكوثري، القاهرة، 1949 / 1368. * المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، القاهرة، 1365 هـ. * النسائي، أحمد بن شعيب، السنن تعليق من السيوطي، القاهرة، لات. * النووي، محي الدين بن شرف، تهذيب الأسماء، تحقيق ر. دزوي، القاهرة، لات، وأيضا غوتنغن، 1842. * الهمذاني، صفة جزيرة العرب. * الهمذاني، أبو بكر أحمد بن محمد، كتاب البلدان، ليدن، 1302. * اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن واضح، كتاب البلدان، تحقيق م. ج. دي غويي، ليدن، 1892. === مصادر عامة باللغة الأجنبية * Arberry , A.J. The Koran Interpreted, Oford UnIversity Press, 1964. ( General Editor , Religion in the Middl East , 2 vols., Cambridge, 1969. * آربري، أية. ج. تفسير القرآن، مطبعة جامعة أوكسفورد، 1964. - ( محرر عام ) الدين في الشرق الأوسط، مجلدان، كمبريدج، 1969. * Azmi, M.M. Studies in Early Hadith Literature, Beirut, 1968. * عزمي، م. م. دراسات في أدب الحديث القديم، بيروت، 1968. * Bosworth, C.E., The Islamic Dynasties, Edinburgh, 1967. * بوزورث، سي، إي. السلالات الإسلامية، أدنبرة، 1967. * Brockelman, C. Geschichte der Aradischen Litteratur ( Brill reprint 1943, 1949. Supplement band I, II, and III, Leiden, 1947-1942 ) 3 parts of the Arabic translation by al-Najjar were published in Cairo , 1959. * بروكلمان ج. تاريخ الأدب العربي، ( طبع بريل، 1934، 1949 ؛ الملحق 1، 2، 3، لايدن، 1937 – 1942 ) نشرت أجزاء من الترجمة العربية بقلم النجار في القاهرة، 1959. * Coulson, N.J. A History of Islamic Law., Edinburgh, 1964. * كولسون، ن. ج. تاريخ الشريعة الإسلامية، ادنبره، 1964. * Cowan , J.M. A Dictionary of Modern Written Arabic, Wieslbaden, 1966. * كوان، ج. م. قاموس اللغة العربية الحديثة المكتوبة، وايزبادن، 1966. * Despois, Jean. Le Djebel Nefousa., ( Etude geographique ) , Paris, 1935. * ديوان، جان حبل نفوسة، ( دراسة جغرافية ) باريس، 1935. * Fyzee, A.A.A. A Shiite Creed., atranslation of Risalat al-I’tiqad. of Muhammad b. ‘Ali b. Babawayhi al-Qummi. Oxford University Press, 1942. * فيزي أية. أية. أيو. عقيدة شيعية، ترجمة رسالة الاعتدال، لمحمد بن علي بن بابوية القمي، مطبعة جامعة أوكسفورد، 1942. * Gibb, H.A.R. Mohammedanism., 2nd ed. London, 1964. * جب، هـ. أية. ر. الإسلام، ط 2، لندن، 1964. * Goldziher , Ignaz, Muslim Studies., English translation by C.R. Berber and S.M. Stern. Volume One, London, 1967. * غولدزيهر، إينياز، دراسات إسلامية، ترجمة إنكليزية لـ سي. ر. بربر، وس. م. ستيرن، مجلد 1، لندن 1967. - La Ioi et le dogme dans l;Islam. - القانون والعقيدة في الإسلام، ترجمة عربية لمحمد يوسف موسى، القاهرة، 1946. * Guillaum, A. The life of Muhammad., the translation of the Sirah of Ibn Ishap., Oxford University Press, 1967. * غيوم، أية. حياة النبي محمد عليه السلام، ترجمة سيرة ابن إسحق، مطبعة جامعة أوكسفورد، 1967. - The Traditions of Islam, Oxford , 1924. * Lane, E.W. Arabic English Lexicon, 8 vols , Edinburgh, 1867. * لاين، أي، دبليو: قاموس عربي إنكليزي، 8 مجلدات، ادنبره، 1867. * Lewicki, T. Etudes Ibadites Nord- Africaines, I, Warsaw, 1955. * ليفتسكي، تي. دراسات إباضية في شمالي إفريقية، 1، فرصوفيا، 1955. * Macdonald, Duncan B. Development of Muslim theology, jurisprudence and constiturional theory., Beirut , 1965. * مكدونالد، دنكان، بي: تطور الفقه والشرع والنظرية الدستورية في الإسلام، بيروت، 1965. * Masrgoliouth, D.S. The Early Development of Muhammedanism, London, 1914. * مرغوليوث، د. س. تطور الإسلام في عهوده الأولى، لندن، 1914. * Masqueray, Chronique d’Abou Zakaria, Paris- Algiers, 1878. * ماسكيراي، سير أبي زكريا، باريس – الجزائر، 1878. * McCarthy, Richard J. The theology of al-Ash’ari’s K. al-Luma’ and Risalat “istihsan al-Khawd fi al-Kalam, with briefiy annotated translation.) Beirut, 1953. * ماكارثي، ريتشارد ج. فقه الأشعري، النصوص العربية لكتاب اللمع ورسالة استحسان الخوض في الكلام، مع ترجمة بتعليقات مختصرة، بيروت، 1953. * Mothylinski, A. de C. “L” “Aqida des Abadhitse”., Recueil de Memoires et Textes publies en l’honneur du XIV Congres des Orientalistes, Algiers, 1905. * موتيلنسكي أية. إية. سي. (( العقيدة الإباضية ))، Recueil de memoires et de Tetes publies en I’honneur du XIV Congres des Orientalistes، الجزائر، 1905. - Le Djebel Nefosa, Paris, 1899. - جبل نفوسة، باريس، 1899. * Nicholson, R.A. A Literart History of the Arabs., Cambridge, 1962. * نيكولسون، ر. أية. تاريخ الأدب العربي، كمريدج، 1962. * Pearson, J.D. Index Islamicus, ( 1906 – 1965 ) , III vols., Combridge, 1985-1967. * بيرسون، ج. د. فهرس الإسلاميات ( 1906 – 1967 )، 3 مجلدات، كمريدج، 1985 – 1967. * Pickthal, Mohammed Marmaduke, The Meaning of the Glorius Koran, 1956. * بكثال، محمد مرمدوك، معنى القرآن المجيد، 1956. * Ramadan, Said: Islamic law, its scope and aquity., 2nd edition, 1970. * رمضان، سعيد، القانون الإسلامي، مداه وعدالته، ط 2، 1970. * Rodwell, J.M. Rodwell’s Translaion of the Koarn, Everyman’s Library , 1968. رودويل، ج. م. ترجمة رودويل للقرآن، مكتبة إفري مان، 1968. * Salem, Elie Adib. Political theory and instiutions of the Khawarij, Baltimore, 1956. * سالم ـ تيلي أديب، النظرية والمؤسسات السياسية عند الخوارج، بلتيمور، 1956. * Schact, J.a ) An Introduction to Islamic law, Oxford, 1961. b) The Origins of Muhammadan Jurisprudence., 4th imp. Oxford, 1967. * شاخت، ج: ( أ ) تمهيد للقانون الإسلامي، أكسفورد، 1964. ( ب ) أصول الشرع الإسلامي، ط4، أكسفورد، 1967. * Sweetman, J. Windrow, Islam and Christian Theology, London, 1947. * سويتمان، ج. وندرو، الإسلام واللاهوت المسيحي، لندن، 1947. * Twitton, A.S. Muslim Theology, London, 1947. * تريتون، أية. إس. الفقه الإسلامي، لندن، 1947. * Watt, W. Montgomery: Muhammad, Prophet and Statesman, Oxford, 1967. - Islamic Philosophy and Theologt, Edlinburgh, 1967. - Free Will and Predestination in Early Islam, London, 1918. * وات، و. مونتغومري: محمد نبي ورجل سياسة، أكسفورد، 1967. - الفلسفة والفقه في الإسلام، أدنبره، 1967. - حرية الإدارة والخبرية في بداية الإسلام، لندن، 1918. * Wellhausen, Julius, Die religios-politischen oppositionsparteien im alten Islam I. Die Chavarig. II, Dis Shi’a., Arabic translation by ‚Abd al-Rahman Badawi, Cairo, 1958. * ولهاوسن، يوليوس، Islam I. Die Chavarig. II. Die Shi’a Die religos – poloitisichen oppositionspartecien im alten. - الترجمة إلى العربية لعبد الرحمن بدوي، القاهرة، 1958. * Wensinck, A.J. a ) Concordance et indices de la Tradition Muslmane. - A Handbook of Early Muhammadan Tradition, Leiden, 1927. - The Muslim Greed., London, 1965. * ونسنك، أية. ج. – ( أ ) Concordance et indices de la Tradition Musulmane. - دليل للحديث الإسلامي الأول، لايدن، 1927. - العقيدة الإسلامية، لندن، 1965. * De Zambaur, E. Manuel de genealogie et de chronologie pour l’histoire de * l’Islam., 1955. * دي زمباور، إي. دليل الأسر الحاكمة وأخبار تاريخ الإسلام، 1955.