12 /محتى نهاية القرن 6 دراسة آثارية معمارية ١٤٣٥غمي ـ ٢٠١٤م لا يجوز نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب في أي شكل من الأشكال أو بأية وسيلة من الوسائل ـ سواء التصويرية أو الالكترونية، بما في ذلك النسخ الفوتوغرافي أو سواه وحفظ المعلومات واسترجاعها ـ إلا بإذن خطي من الناشر. o````jó`≤`J الفقه الحضاري في سياق م تسق من التنظير، وت م تناول كثيرينتظم الفقهية التي تعقدها وزارة الأوقافمن أبعاده في ندوات تطور العلوم مزيدا من التجديدوالشؤون الدينية بشكلسنوي، لإكساب الفقه وتأثيرا. والحيوية، وجعله في المسار الإنساني العام، تفاعلا قائم على التفاعل الإنساني، والحاجةوباعتبار أن موضوع العمران كبيرا من مفردات التنافس والتدافع، فإنعددا إلى الاستقرار، ويتضمن الفقه المرتبط به واسع وجوانبه كثيرة، على الرغم من قلة الكتب التي تناولته بشكل مفرد، أو عالجت أبعاده الإنسانية بالتفصيل. ثم يأتي جزء من مشروع موسوعي حول فقهالكتاب الذي بين أيدينا الآن ـ وهو ليقدم رؤية جيدة لهذا الجانب الحضاري من خلالالعمارة والعمران ـ الإباضية في المشرق والمغرب، ليخدم بذلك جانبينمؤلفات المدرسة تفرق في بطون تلك المؤلفات في حيزوم واحد، وربطمهمين :جمع ما الجانب العمراني بالجوانب الحضارية الأخرى، وهذا العمل بلا ريب  يمد المكتبة العربية بثراء معرفي لواحد من أهم المجالات الحضارية، خصوصا والبيئة المحيطة به على وجه العموم،المرتبطة بالإنسان كالعمارة والآثار والتاريخ وغيرها. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٦ إن المعرفة المتكونة من الإلمام بجوانب العمارة والعمران في الوعي العالمي يسهم بشكلجادفي فهم طبائع المجتمعات، ومعرفة ثقافاتها، فضلا عن معرفة الجوانب الاقتصادية والمادية التي بلغت إليها، ويسهم هذا كذلك في تبديد الصور النمطية السلبية التي تحملها الأذهان عن بلد ما أو ثقافة ما، ويؤدي هذا إلى تعزيز قيم التفاهم والتعايش بين جميعا تجاه المجتمعات والأفراد، والإسهام في تعميق مسؤولية البشر الأرض والبيئة والكون بأسره حف ظا وصو نا وجمالا. والمتخصص على المصادر الأصيلة فيلقد اعتمد المؤ لف الخبير الفقه الإباضي علىفقه العمران في الكتب الفقهية العامة، وفي كتب وجه الخصوص. وقد جاءت الحصيلة بالغة الإنارة والنفع والفائدة. ولذا فإنني أشكر للمؤ لف جهده الكبير، وأرجو أن تع م الفائدة بمؤ لفه الجذاب وحسب؛ بل وفي فقه العيشوالممتع ليس في فقه العمارة والعمران الإنساني بأبعاده الشاسعة والحميمة. داعين االله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والتيسير؛ عامة الرخاء والرفاه والاستقرار، إنهويديم على بلادنا وبلاد المسلمين تعالى ولي كل نعمة. ∞``dDƒadG o`jó≤J تهتم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان بالتراث الفقهي الإسلامي، وانعكس هذا الاهتمام بوضوح في الندوة الدورية التي تعقدها الوزارة، والتي عرضت لجوانب مهمة من جوانب التراث الفقهي الإسلامي برؤى متعمقة واعية لأهمية هذا التراث الذي يجسد الحضارة الإسلامية في عصورها المتعاقبة، ويمهد لإحياء هذه الحضارة في المستقبل القريب إن شاء االله. وقد خصصت إحدى هذه الندوات لموضوع العمران باعتبار أهميته الحضارية التي أبرزت الحضارة الإسلامية، وباعتبار أهمية العمران في تحقيق استعمار الأرض لصالح الأمة الإسلامية، ولتحسين سبل صيانتها وروحيا، فإذا كان االله قد خلق الإنسان لعبادته في والارتقاء بالإنسان ماد يا إطار ما ورد في الآية الكريمة ﴿ ﴾ H G F E D C سببا في عمارة الأرض]الذاريات. [٥٦ :فإن هذا الإنسان نفسه جعله االله تعالى في إطار قوله تعالى] ﴾ Ò Ñ ﴿ :هود.[٦١ : العماني بدراسة التراث الفقهي الإسلامي معوتلاقى هذا الاهتمام رؤية بحثية رأيت أهميتها في دراسة الآثار الإسلامية بصفة عامة والعمارة الإسلامية بصفة خاصة، باعتبار تخصصي في الآثار الإسلامية. وهي الرؤية التي أدركت أهمية المصادر الفقهية الإسلامية التي تعالج موضوعات فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٨ العمران والعمارة في دراسة العمارة الإسلامية، تلك العمارة التي وسمت بصفة »الإسلامية« في إطار تطبيق مبادئ وأحكام الدين الإسلامي في صياغتها؛ فقد شكلت الرؤية الإسلامية هذه العمارة، وكانت من العوامل المؤثرة في صياغتها بجانب العوامل البيئية والاجتماعية الأخرى. ولا أدعي أنني أول من أدرك هذا البعد المهم في دراسة العمارة الإسلامية، فقد سبقني إليه »روبرت برونشيج« عندما أشار في النصف الأول من القرن العشرين إلى أهمية دراسة المذاهب الفقهية الإسلامية والاستفادة من أحكامها في دراسة العمارة والمدن الإسلامية، ومنذ ذلك الحين وربما قبله تصدر الدراسات والبحوث التي تهتم بالمصادر الفقهية الإسلامية التي تعالج العمران. ونشرا واتجه البحث في مصادر التراث الفقهي الإسلامي تحقيقا ودراسة اتجاها قو يا في النصف الثاني من القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين، وفي خضم هذا التيار البحثي نالت المصادر الفقهية التي تناقش واضحا ليس فقط من جانب المتخصصين في الفقهاهتماما قضايا العمران أيضا من جانب المتخصصين في العمارة والآثار والتاريخالإسلامي، ولكن وغيرهم، كل في إطار توجهه البحثي. وفي مجال الآثار الإسلامية اهتم الآثاريون بدراسة مصادر التراث الفقهي العمراني من منظور أثري، يخدم الدراسات الآثارية بصفة عامة والدراسات في مجال العمارة الإسلامية على وجه خاص. ويحق لي أن أشير إلى كتاب »الإعلان بأحكام البنيان لابن الرامي دراسة آثارية معمارية« كان أول دراسة تبرز هذا التوجه البحثي، والذي أتبعه باحثون آخرون بدراسات وبحوث عن فقه العمارة الإسلامية بصفة عامة، ودراسات حالة لبعض المدن والآثار المعمارية من منظور معماري أثري. ٩تقديـم المؤلف وفي إطار هذا التوجه كان اهتمامي بعد دراسة كتاب الإعلان بأحكام البنيان لابن الرامي ودراسته دراسة آثارية معمارية، أن أتناول كتاب القسمة وأصول الأرضين بذات الرؤية والمنهج بعدما قرأت أصله المنشور في عمان سنة ١٩٩٣م، ثم حفزني على إتمام هذه الدراسة دعوتي إلى ندوة تطور العلوم الفقهية :النظرية الفقهية والنظام الفقهي ٢٠١٢م التي عقدت بسلطنة عمان العمانية، والتي أتاحت لي فرصةتحت رعاية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية قيمة لإبراز هذا الاتجاه البحثي. وفي أثناء انعقاد هذه الندوة شرفت بمقابلة الرحمن السالمي، الذي تطرق في حديثي معه إلى ذاتٰالأستاذ الدكتور عبد ودعما لدراسة الفكرة وإخراجها إلى حيز تشجيعا الموضوع، ووجدت منه الوجود، واستمر التواصل بيننا بعد عودتي إلى مصر، وطرحت على الوزارة من خلاله خطة دراسة كتاب القسمة وأصول الأرضين في إطار تصور محدد لكنه برؤية أكثر شمولية واتسا عا، رأى أن توسع الدراسة لتشمل مصادر فقه العمران الإباضي المشرقي والمغربي في إطار متكامل، وبنهج ذات الخطة التي طرحتها لدراسة كتاب القسمة، والتي تشمل الدراسة الآثارية المعمارية العامة، ثم دراسة المصطلحات الفقهية المعمارية، ثم دراسة تطبيقية للبعد الفقهي وأثره على تشكيل العمارة الإباضية. وفي إطار تداول الطروحات ومناقشتها ثم بلورة الرؤية الجديدة لتشمل دراسة أهم المصادر الفقهية التي تناولت العمران والعمارة الإباضية بتركيز الدراسة على مصادر فقهية عمانية بعينها؛ ككتاب الجامع لابن جعفر، وبيان الشرع للكندي، والمصنف للكندي، بالإضافة إلى دراسة كتاب الفرسطائي، الذي يختص بدراسة العمران ومظاهره كمصدر متخصص في العمران. وانتهى التصور إلى أن تكون الدراسة بهيئة »موسوعة التراث الفقهي العمراني الإباضي«، تشتمل على ثلاثة مجلدات، أولها يخصص للدراسة العمرانية والمعمارية في ضوء الأحكام الفقهية الواردة في هذه المصادر، وثانيها يعرض للمصطلحات المعمارية الفقهية التي تزيد فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٠ أيضا للدراسة في المجلدووضوحا بمتن المجلد الأول، وتمهد القارئ معرفة الثالث، والذي يتناول في إطار دراسة تطبيقية نماذج من العمارة التراثية التقليدية الباقية في عمان ووادي ميزاب بالجزائر. وقد أوضحت المرحلة الأولى من الدراسة أن الإطار الزمني لهذه المصادر ينتهي مع القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي، ووضح من الدراسة أن هذه المصادر تشتمل على الأحكام الفقهية التي تعالج العمران أساسا اعتمد عليه في مصادر لاحقةوالعمارة في هذه الفترة، كما أنها تمثل استمر تأليفها حتى العصر الحديث. وبالرغم من ذلك، فإن المنهج العلمي يحتم أن يحدد الإطار الزمني كما حدد المصادر التي هي موضوع الدراسة والإطار المكاني في عمان والجزائر. ومن ثم فإن عنوان الدراسة حق أن يكون »فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م دراسة آثارية معمارية«، وهو العنوان الذي يحكم أطر هذه الدراسة ومصادرها في إطار خطة الدراسة التي سبقت الإشارة إليها. وأرجو من االله العلي القدير أن يتواصل إتمام هذه الدراسة في مجلداتها الثلاثة، وأن تلقى قبول القارئ وأن يكون فيها إفادة إن شاء االله. ولا يفوتني أن أشكر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية على معاونتها لي الرحمن ٰفي الحصول على بعض المراجع، كما أشكر الأستاذ الدكتور عبد السالمي دعمه المستمر لإنجاز هذا العمل. واالله الموفق. محمد عبد الستار عثمان مصر ـ سوهاج ديسمبر ٢٠١٣م á````eó`≤`e يتناول هذا المجلد الأول من موسوعة فقه العمران والعمارة الإباضية حتى القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي دراسة أهم المصادر الفقهية الإباضية التي تناولت جوانب العمران والعمارة، وهي كتاب القسمة وأصول الأرضين للفرسطائي، والذي تخصص في الجوانب الفقهية العمرانية والمعمارية، ويعتبر من أهم المصادر الفقهية الإباضية في مجال العمران والعمارة على الإطلاق، باعتبار تخصص موضوعه، وباعتبار قيمة وقامة مؤلفه، تلك القيمة التي تعكس معرفة عميقة متراكمة في شتى فروع الفقه وفي مجال العمران على وجه خاص، وهو مجال تزداد فيه جوانب المعرفة والخبرة والمعايشة والإدراك لجوانب حياة المجتمع، ومنها ما يتصل مباشرة بجانب العمران والعمارة موضوع الكتاب، كما يتناول هذا المجلد دراسة عمرانية ومعمارية لما ورد من أحكام فقهية في موسوعة ابن جعفر في كتابه الجامع، وموسوعة الكندي بيان الشرع، وموسوعة أبوابا تعالج بعض الموضوعات العمرانية، وركزتالمصنف والتي تضمنت هذه المصادر فيما ركزت على أهم المنشآت المعمارية التي تتميز بها عمان كالأفلاج والسواقي، بجانب العمارة النوعية الأخرى كالمساجد والدور، وكذلك ما عرضت له بتفصيل في موضوع شبكات الطرق وأنواعها وقياساتها، وطرق استخدامها وملكيتها، وغير ذلك من الموضوعات المعمارية الأخرى. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٢ وهذه الدراسة التي نضعها بين يدي القارئ تركز على إبراز الجانب العمراني والمعماري، الذي يهم المتخصصين في الدراسات الآثارية لهدف أساسي بجانب بعض الأهداف الأخرى التي تفيد المتخصصين في الفقه باعتبار أن ما تقدمه هذه الدراسة يمكن أن يسهل فهم الأحكام، وإدراك بعدها الحضاري المادي متمثلا في العمارة، كما تفيد المتخصصين في الهندسة المعمارية باعتبار أنها تقدم نماذج تاريخية أثرية في التخطيط والتصميم يمكن أن تكون مصدر إلهام لهم، كما تمكنهم من توظيف ما يناسب منها حياتنا المعاصرة. كذلك فإن هذه الدراسة لها أبعاد اجتماعية مهمة تخص المتخصصين في مجال الاجتماع السياسي المدركين لأهمية حركة المجتمع وتنظيماته المختلفة في إطار التطور التاريخي والحضاري، ومجموع هذه الأهداف يخدم بلا شك توثيق ما بقي من تراث عمراني ومعماري إباضي سواء في عمان أو في أفريقيا في المناطق ذات الانتشار الإباضي الواسع، والذي تزخر مدنه وقراه بتراث معماري تقليدي إباضي لم ينل من الدراسة ما يستحقه. وتعين هذه الدراسة على تحقيق توثيق صحيح لهذا التراث يمكن أن يساعد في الاستفادة منه، وتوظيفه في المجالات الثقافية والسياحية، كما يساعد على الحفاظ عليه وترميمه كتراث إنساني مهم. تمهيدا يعرض للسياسةواستوجب منهج الدراسة وخطتها أن يشمل الشرعية والفقه والعلاقة بينهما في إطار الحضارة الإسلامية؛ حيث إن هذه العلاقة لها صلتها المباشرة بمجال العمران والعمارة في المفهوم العام، وأيضا في إطار التخصص الدقيق والمسؤوليات المحددة للحكام والقضاة والفقهاء ومعاونيهم من القسامين والأمناء والبنائين وغيرهم، ويسهل هذا الإطار النظري فهم وإدراك ما يرد في بعض الأحكام التي تبرز علاقة الإمام ١٣مـقـدمة العمانية، وكذلك دور الشيوخ والفقهاء بالقضاة والفقهاء في الدولة الإباضية والقضاة في إدارة شؤون المجتمع الإباضي في الشمال الإفريقي بعد سقوط الدولة الرستمية أول دولة إباضية في هذه المنطقة، وهي الإدارة التي تمثل إرهاصة إسلامية لما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني، التي تطورت حتى أصبحت قادرة على إدارة حياة المجتمع الإباضي إدارة ناجحة ساعدت على بقائه بمقوماته وثقافته وهويته حتى الآن. وقد عرضت الدراسة العمرانية والمعمارية في القسم الأول منها للأحكام الفقهية الواردة في المصادر التي سبقت الإشارة إليها في إطار شامل يشمل ابتداء من شبكات طرق، وتتفرع تفصيلا إلىتخطيط المستقر السكني مكونات نسيجه العمراني من قصور ودور وبيوت وآبار وسواقي وأفلاج ومنشآت دينية تضم المساجد الجامعة والمساجد والمصليات وغيرها. وقد نظم هذا التناول خطة البحث في هذا المجلد الذي عرض في القسم الأول منه لكتاب القسمة وأصول الأرضين باعتبار تخصصه في مجال العمران والعمارة، وشموله على مادة علمية غزيرة في هذا المجال، وفي إطار تناول متكامل سهل إلى حد كبير دراسة القسم الثاني الذي يشمل ما ورد في جامع ابن جعفر وبيان الشرع للكندي والمصنف للكندي من أبواب تخص العمران والعمارة، وساعد على فهمها وإدراك أحكامها، وكشف ما كان بين علماء وفقهاء الإباضية في المغرب والمشرق من تواصل علمي فقهي واضح باعتبار ثقافة المذهب الإباضي، التي انتشرت في عمان في بلاد الشمال الإفريقي في العصور الوسطى، والتي استمرت حتى العصر الحديث محتفظة بمقوماتها العلمية والفقهية والمجتمعية. ويركز التناول في كلا القسمين على البعد العمراني والمعماري من منظور أثري؛ حيث إن الدراسة تهدف في المقام الأول إلى إبراز الأهمية فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٤ الأثرية العمرانية والمعمارية للأحكام الفقهية الواردة في هذه المصادر، وإن كانت تتطرق في بعض الحالات للبعد الحضاري والمعرفي الذي يخص تخصصات أخرى تتصل بفقه العمران والعمارة. أبعادا مهمة منها أهمية الأحكام في التوثيقوالبعد الأثري يشمل العمراني والمعماري والتأريخ الأثري، وتأصيل الظواهر العمرانية والمعمارية والكشف عن الجوانب التقنية والمعرفية التي سادت ثقافة من أصدر هذه الأحكام في إطارها الزمني وبعدها الجغرافي. كما ركزت الدراسة على تراجم مؤلفي المصادر موضوع الدراسة لما لها من أهمية في فهم الأحكام ومعرفة البيئة الثقافية التي صدرت فيها ومقومات هذه البيئة الطبيعية والحضارية، وأسهبت إلى حد ما في دراسة ترجمة الفرسطائي دراسة تربط بين البعد الفقهي العمراني والمعماري لكتابه القسمة وأصول الأرضين، وبين ثقافته وخبراته المكتسبة في إطار نشأته ومراحل حياته، وانتقاله من منطقة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر. وهذه الدراسة أتصور أنها تضيف إلى ما ورد من دراسات عن ترجمته، وبخاصة ما ورد في بعمان سنة ١٩٩٣م،التحقيق الذي صدر لهذا الكتاب سواء في طبعته الأولى أو في طبعته الثانية بالجزائر ١٩٩٧م، والإضافة جاءت في إطار تخصص الباحث الذي عرض لهذه الترجمة في إطار موضوع الكتاب وهدف الدراسة، العمانيين الذين أسهبتولم تغفل الدراسة الإشارة إلى تراجم المؤلفين دراسات سابقة التعريف بهم باعتبارهم من أصحاب الموسوعات الفقهية العمانية المشهورة، وعرضت الدراسة لأحكامهم في مجال العمران والعمارة في إطار مصادرهم الموسوعية، التي شملت كل أبواب الفقه التي تشمل العبادات والمعاملات. وجاء العرض بنفس المنهجية التي تناولت موضوعات كتاب القسمة وأصول الأرضين المتخصص في مجال العمران. ١٥مـقـدمة ومهدت الدراسة لكل موضوع من موضوعات العمران والعمارة موجزا يساعد القارئ على متابعة الموضوع المطروح سواء كان فيتمهيدا مجال تخطيط الطرق أو المنشآت السكنية أو المنشآت الدينية أو المنشآت المائية أو الحربية وغيرها. وفي نهاية عرض كل موضوع أو حكم توجز الدراسة في خلاصة ما عرضت له الأحكام، وأهمية ذلك بالنسبة للدراسات الآثارية المعمارية. ومن المهم الإشارة إلى أن هناك تراب طا عضو يا بين ما ورد في هذا المجلد من دراسة عمرانية ومعمارية للأحكام الفقهية وبين ما يرد في المجلد الثاني عن المصطلحات المعمارية الواردة في المصادر موضوع البحث، وكذلك ما يرد في المجلد الثالث الذي يعرض بالدراسة التطبيقية بعمان وفي وادي ميزابلنماذج من التراث العمراني المعماري الإباضي بالجزائر لتأكيد تطبيق الأحكام، وتأكيد أهمية استخدام المصطلح المعماري في التوثيق. وأرجو من االله العلي القدير أن تتكامل رؤى المجلدات الثلاثة لتقدم للقارئ والباحث معرفة مهمة بالتراث الفقهي الإباضي العمراني والمعماري وتطبيقاته فيما تبقى من تراث عمراني ومعماري أثري وتقليدي ينتشر في عمان وفي وادي ميزاب بالجزائر ليكون معي نا على فهم التراث العمراني والمعماري الإباضي المنتشر في مناطق عديدة من عالمنا مهما من قطاعات العمارة الإسلامي، والذي يمثل بلا شك قطا عا الإسلامية لم ينل حظه من الدراسة والبحث مثل تلك الطرز المعمارية في بقية بلدان العالم الإسلامي. ó`«```¡`aJ أشار القرآن الكريم إلى استخلاف الإنسان في الأرض لتعميرها؛ قال االله تعالىÁ À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ﴿ : ] ﴾Ä Ã Âالأعراف. [١٢٩ :وقال تعالى@ ? > = < ﴿ : JIHGFEDCBA X W VU T S R Q P O N M L K ] ﴾ c b a ` _ ^ ] \[ Z Yالنور.[٥٥ : وأسس الرسول ژ الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وكانت بيده السلطات الدينية والسياسية بمفهومها الواسع الذي يشمل جميع طوائف حياة المجتمع الإسلامي. وخلف الرسول ژ الخلفاء الراشدين من بعده باعتبارهم خلفاء له في إدارة شؤون الدولة الإسلامية، وبعد انتهاء الصراع السياسي بين علي ومعاوية، ظهرت سلطات حاكمة تنوعت بين الخلافة والإمامة في إطار التنوع السياسي والديني لمفهوم الحكم، فكانت الخلافة والإمامة وإمارة المؤمنين من المسميات التي جرت العادة بإطلاقها على السلطات الحاكمة في إطار تنوع واختلاف مذاهبها الدينية والسياسية. وعلى الرغم من تنوع النظم السياسية الحاكمة في العالم الإسلامي في عصوره التاريخية المختلفة ابتداء من العصر الأموي وحتى العصر فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٨ العثماني، فإنه يأتي على رأس السلطة الحاكمة الخليفة أو الإمام أو السلطان باعتباره رأس الدولة، ويعاونه في الحكم طبقات من العلماء والفقهاء والقضاة، ويستمد قوته من الجيوش بقوادها وجنودها، التي تقوم بمهمة الدفاع عن دار الإسلام من جانب أعدائها، وترسخ نفوذ سلطانه في إدارة المجتمع الإسلامي، والتي تصاغ وتتشكل تحت إشرافه من جانب المتخصصين من العلماء والفقهاء والقضاة وغيرهم ممن يشكلون الكيان الإداري للدولة. وفي إطار ما سبق، كانت الخلافة أو الإمامة هي »الزعامة العظمى، وهي الولاية العامة على كافة الأمة والقيام بأمورها والنهوض بأعبائها«).(١ وإذا كانت المهمة الرئيسة للحاكم الإسلامي هي نشر الدين الإسلامي والدعوة إلى عبادة الواحد الأحد، فإن مهمته الأساسية الثانية هي عمران الأرض بمشاركة المجتمع الإسلامي الذي يحكمه في إطار قوله تعالى: ﴿ 3⁄4 ¿ Î Í ÌË Ê É È Ç Æ Å Ä Ã ÂÁ À ] ﴾ Û Ú Ù Ø ×Ö Õ Ô Ó Ò Ñ Ð Ïهود.[٦١ : وعمران الأرض يحقق مقاصد الشريعة الأساسية، وهي الحفاظ على الدين والنفس والمال والنسل. تمثل مصادر التراث الإسلامي في مجال السياسة الشرعية والفقه الإسلامي أهمية كبرى؛ حيث إنها تجسد وضوح نظم الحكم الإسلامي، وعلاقة هذه النظم بالوظيفة الأساسية للإنسان على الأرض، وهي عبادة االله، واستعمار الأرض الذي يمثل عصب الحياة المادية للبقاء. ) (١القلقشندي :مآثر الإنافة في معالم الخلافة، تحقيق :عبد الستار فراج، عالم الكتب، بيروت، ج /١ص ص. ٩ - ٨ ١٩تمـهيـد ومن خلال هذه المصادر نستطيع أن نستوضح مستويات مؤسسات السلطة الحاكمة في المستويات العليا، والتي تدير الدولة، وتحافظ على سلامتها من خطر الأعداء، والمستويات التي تليها، والتي تمثل عصب الإدارة المحلية ممثلة في القضاء والفقه اللذين ينظمان حياة المجتمع، ويحلان مشاكله في إطار الشريعة الإسلامية، وتحت رعاية المستويات الحاكمة، وعلى رأسها الخليفة أو السلطان باعتباره الحاكم الشرعي).(١ وتأسست على هذه الرؤية علاقة مهمة وأساسية بين الملك أو الإمام أو السلطان أو الخليفة، وبين العلماء في كل ولاية إقليمية، وكان السلطان يقود العسكريين، ويستخلص الفائض الضريبي، وكان العلماء يعلمون الدين، ويصدرون أحكام الشريعة، وقد عاشت سلالة بعد أخرى من خلال نظام للعلماء أساسه الشريعة في العشائر والقرى وأحياء البلدان، ولا يزال هذا مستمرا في كثير من البلدان الإسلامية إلى يومنا هذا).(٢ وقد كان مركز الإسلام هو شريعته، وكان التعايش مع شريعة االله جوهر عموما. وقد ذكر الدين، وكان الشرع في أغلب الأحيان يستخدم بمعنى الدين الغزالي أن تأسيس هذا الدين )الدين الإسلامي( هو علم التشريع، وكانت صحة فقهيا يعني تفسير الشريعة، وكانت الشريعة المفسرة بإجماعمفهوما العقيدة المشرعين الأوائل )الفقهاء( هي التجسيد الكامل والنهائي للعدالة، وقد جرى ) (١بلاك )أنتوني( :الغرب والإسلام. الدين والفكر السياسي في التاريخ العالمي، ترجمة :فؤاد عبد المطلب، سلسلة عالم المعرفي، المجلس الوطني للثقافة والفنون، دولة الكويت، العدد )٢٠١٢، (٣٩٤م، ص. ٩٣ ) (٢بلاك :الغرب والإسلام، ص. ٧٣لكن ذلك الأمر تبدل في بعض البلدان الإسلامية بعد تأثرا بالثقافة الغربية، وهذا سقوط الخلافة العثمانية، والاتجاه نحو القانون الوضعي التوجه أثبت بعده عن الشريعة؛ مما دعا بعض الجماعات للدعوة إلى تطبيق الشريعة مرة أخرى، والعودة إلى النظام الإسلامي. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٠ تثبيت ذلك بشكل نهائي، ولا يمكن إعادة تفسيره، ونجم النشاط السياسي عن واجب جميع المسلمين بأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر).(١ ولم تكن لدى الخلفاء والحكام المسلمين كل مفاتيح المعرفة، واستعانوا في ذلك بالمفكرين من أهل العلم والمعرفة، والذين يمثلون مع السلطان أو الحاكم أو الخليفة الحلقة العليا من حلقات السلطة والإدارة. وتشير المصادر مبكرا في التاريخ الإسلامي، وتذكر أن الخليفةإلى أن هذا التوجه بدأ محبا للاطلاع على أخبار الملوك وسياسياتهم،معاوية بن أبي سفيان كان ومن المعروف أن استدعى عبيد بن شريه الجرهمي أحد رواة اليمن وأمره بأن يدون رواياته في كتاب، كما أنه اطلع على مدونات أخرى غير عربية ترجمت له. وتذكر المصادر بعض المعلومات المهمة عن برنامج معاوية الخاص في كل ليلة، فكان يدخل لينام ثلث الليل، ثم يقوم فيقعد، ويحضر الدفاتر التي بها سياسة الملوك وأخبارها والحروب والمعايير، فتمر بسمعه كل ليلة جملة من الأخبار والسير والآثار وأنواع السياسات، ومن قائل أن تلك الكتب كانت باللغتين اليونانية واللاتينية، وفيها أخبار اليونان والرومان كالإسكندر ويوليوس قيصر وهانيبال، وكان العلماء يفسرونها له بالعربية).(٢ وإذا كانت الروايات السابقة تشير إلى الاستفادة من التراث الغربي اليوناني والروماني، فإن هناك من الروايات ما يشير إلى أن المسلمين أيضا التعرف على التراث الشرقي القديموبخاصة في العصر العباسي بدأوا في هذا المجال، وبخاصة تراث الحكام الذين تمت الإشادة بسياساتهم. ومن هذا المنطلق بدأت تتبلور الرؤية الإسلامية في التأليف في مجال السياسة الشرعية مستفيدة من التراث اليوناني والروماني والفارسي القديم، مع ) (١بلاك :الغرب والإسلام، ص. ٦٠ ) (٢بلاك :الغرب والإسلام، ص. ٢٢ ٢١تمـهيـد صياغته بالصياغة الإسلامية التي تستمد أصولها ومبادئها وأحكامها من والسنة. الشريعة الإسلامية، وبخاصة مصدراها الأساسيان القرآن وبرز الفكر الإسلامي في هذا الاتجاه من خلال ثلاثة محاور مهمة أولها محور نصيحة الملوك، والذي تبناه المفكرون المسلمون الذين يكونون في الغالب على مقربة من السلطان الحاكم، أو في بلاطه، أو المعتبرين في عصره، والمحور الثاني يمثل »التشريع الديني« الذي يصوغ حياة المجتمعات الإسلامية في أحكام )قوانين( تنظمها، كما تصوغ وتفسر ما يتصل بالعبادات من أحكام. أما المحور الثالث فهو الفلسفة الإسلامية؛ حيث ظهر إلى عالم الوجود ما يعرف بالفلسفة الإسلامية وعلم الكلام، وقد تأثر هذا الاتجاه حسبما يرى المتخصصون بالأسلوب الأفلاطوني مع استثناءات تتمثل في إنتاج بعض الفلاسفة كابن رشد، ونصير الدين الطوسي، وابن خلدون).(١ ويهمنا في مجال العمران أن نتابع نتاج المفكرين في مجال السياسة غالبا نصيحة هؤلاء المفكرين المسلمينالشرعية، وهو النتاج الذي كان يمثل للحكام المسلمين؛ حيث إن المصادر التي وصلت إلينا في هذا المجال تؤكد على السياسات العمرانية التي يجب أن يتبعها الحكام المسلمون، كما أنها تتميز بالاستمرارية في فترات التاريخ الإسلامي، ووضح ذلك فيما وصل إلينا من مصادر ترجع إلى العصر العباسي المبكر، وتستمر حتى العصر العثماني بما يؤكد أهمية هذا التوجه في صياغة فكر الحكام وسياساتهم المعتمدة على نصيحة المفكرين المسلمين).(٢ ) (١بلاك :الغرب والإسلام، ص. ٥٤ ) (٢عثمان )محمد عبد الستار( :نصائح المسلمين في مجال العمران وتخطيط المدن في ضوء المصادر العربية والإسلامية لتاريخ الاجتماع السياسي، كتاب مؤتمر النصيحة المنطلقات والأبعاد١٤٣٤ /١/٢٨ - ٢٧، هـ )٢٠١٢/١٢/١٢ - ١١م(، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، ص ص. ٢٦٥٤ - ٢٦٥١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٢ ومن المهم أن نشير إلى بعض الأمثلة التراثية الباقية والمنشورة من تراث نصيحة الملوك التي تعكس مدى ازدهار الحضارة الإسلامية من جهة، وتتواكب من النتاج الفقهي الإسلامي الذي يمثل الحلقة الثانية في سياسة المجتمع الإسلامي وعمرانه. وهذه المصادر عنت بشؤون السياسة التي توجه حياة المجتمع كلها، وأمثلة هذه النوعية من المصادر يلاحظ تتابعها الزمني الذي يوجه تأصيل واستمرار فكرة اعتماد الحكام على المفكرين في صياغة سياساتهم، ومن أهم هذه المصادر كتاب »سلوك المالك في تدبير الممالك« لشهاب الدين أحمد بن أبي الربيع الذي ألفه للخليفة المعتصم العباسي). (١وهذا الكتاب في غاية الأهمية في موضوعاته المختلفة، وبخاصة مهما لاختيار مواقعأساسا نظر يا ما ورد منها بشأن العمران؛ فقد وضع أيضا رؤية أكثر أهمية لتخطيط موضعالمدن صاغها في ستة شروط، ووضع المدينة صاغها في ثمانية شروط، تؤكد على البعد العمراني المادي، كما تبرز أهمية البعد الاجتماعي والاقتصادي في تخطيط المدن أكبر أنماط إسلاميا مصدرا فكر يا المستقرات العمرانية، وهذه الرؤية في التخطيط تمثل استفادت منه الثقافة العربية الإسلامية، واستفاد منه بصورة أو بأخرى كل من تعرض لموضوع العمران، وعلى رأسهم الفقهاء الذين تخصصوا في هذا المجال، وكتبوا فيه مؤلفات مهمة، وتتبنى هذه الدراسة بعضها. أيضا في القرن الثالث الهجري كتاب الدينوريومن المؤلفات المهمة »عيون الأخبار« )ت٢٧٦ :هـ(، والذي يعرض لآداب السياسة بصفة أساسية، ثم يعرض لآداب الحروب وغيرها).(٢ ) (١حقق هذا الكتاب :حامد عبد االله ربيع، مطابع دار الشعب، القاهرة١٩٨٠، م، ثم حققه تحقيقا آخر :عارف أحمد عبد الغني، دار كنانة، د.ت. ) (٢الدينوري )محمد بن عبد االله بن مسلم بن قتيبة، ت٢٧٦ :هـ( :كتاب عيون الأخبار، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، د.ت. ٢٣تمـهيـد ومن مؤلفات القرن الرابع الهجري مجموعة في السياسة لأبي نصر الفراياني) (١وغيره، ويمكن أن يدرج كتاب »صناعة الكتاب والخراج«، لقدامة بن جعفر) (٢ضمن مؤلفات القرن الرابع الهجري في هذا المجال. ومن المصادر التي ترجع إلى القرن الخامس الهجري ما كتبه أبو القاسم المغربي )ت٤١٨ :هـ(، والشيخ الرئيس ابن سينا )ت٤٢٨ :هـ( ضمن مجموع في السياسة الذي سبقت الإشارة إليه، ومن أشهر علماء هذا القرن الماوردي بمؤلفاته الشهيرة ومنها »كتاب نصيحة الملوك«)، (٣والنخبة الملوكية في الآداب السياسية)، (٤وأدب الوزير المعروف بقوانين الوزارة وسياسة الملك).(٥ والأحكام السلطانية والولايات الدينية)، (٦وغيرها).(٧ ومن المصادر المهمة التي ألفت في هذا المجال في القرن الخامس أيضا كتاب الطرطوسي »سراج الملوك«، وهو لمؤلفالسادس الهجري أندلسي يمثل الفكر المغربي الإسلامي في هذا المجال )٥٢٠ - ٤٥١هـ().(٨ ) (١قام بتحقيق هذا المتن الذي ألفه الفارابي )٣٣٩هـ( وأبو القاسم المغربي )٤١٨هـ(، والشيخ الرئيس ابن سينا )٤٠٨هـ(، فؤاد عبد المنعم أحمد، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية١٩٨٤، م. ) (٢قدامة بن جعفر )ت٣٢٩ :هـ( :الخراج وصناعة الكتابة، شرح وتعليق :محمد حسن الزبيدي، العراق :دار الرشيد للنشر١٩٨١، م. ) (٣الماوردي )أبو الحسن علي محمد بن حبيب، ت٤٥٠ :هـ(، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، ٢٠٠٧م. ) (٤هذا الكتاب حققه فؤاد عبد المنعم، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية١٩٧٧، م. ) (٥هذا الكتاب حققه حسن الهادي حسين، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة١٩٢٩، م. ) (٦راجع نشر هذا الكتاب محمد فهمي السرجاني، ونشرته المكتبة التوفيقية، القاهرة، د.ت. كتابا آخر له اسمه النخبة في الآداب السلطانية، ولكنه يذكر أنه لم) (٧يذكر فؤاد عبد المنعم نهائيا. يتحقق من نسبته إليه ) (٨قام بإعداد وتقديم هذا الكتاب للنشر عبد الحميد حمدان، ونشر في سلسلة زبدة التراث، الكتاب رقم ، ١٤مطبعة آمون، القاهرة. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٤ ومن المصادر المهمة في هذا المجال في هذه الفترة كتاب »التبر المسبوك في نصيحة الملوك« للإمام الغزالي، الذي عاش في القرن الخامس الهجري وبداية القرن السادس الهجري)) (١ت٥٠٥ :هـ(. ومن مصادر القرن السادس الهجري كتاب »الشفاء في مواعظ الملوك والخلفاء« لابن الجوزي )ت٥٩٧ :هـ().(٢ ويستمر العلماء في تأليف المؤلفات التي تهتم بنصيحة الملوك والحكام والأئمة، ومن مصادرهم في القرن السابع الهجري التي تؤكد ذلك كتاب »نصح الإمام«. وفي القرن السابع تأتي بعض المصادر المهمة؛ مثل رسالة ابن تيمية )٧٢٨ - ٦٦١هـ(، وقد ألفها بطلب من الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، الذي سعى للاستفادة من رؤية ابن تيمية في إدارة وإصلاح شؤون البلاد التي عانت من تقلب هذا السلطان في الحكم، وما حدث في عهده من أحداث).(٣ ومن مؤلفات القرن الثامن الهجري كتاب ابن جماعة )ت٧٢٣ :هـ( تحرير الأختام في تدبير أهل الإسلام، وكتاب ابن رضوان »الشهب اللامعة في السياسة النافعة«). (٤وكتاب الطرسوسي »تحفة الترك فيما يجب أن يعمل في الملك«).(٥ ) (١نشر هذا الكتاب الذي عربه إلى العربية أحد تلامذته، مكتبة الكليات الأزهرية١٩٦٨، م. ) (٢قام بتحقيق هذا الكتاب فؤاد عبد المنعم أحمد، نشر مؤسسة شباب الجامعة١٩٧٨، م. ) (٣كتاب ابن تيمية )تقي الدين أحمد٧٢٨ - ٦٦١، هـ(، نشره قصي محب الدين الخطيب١٣٨٧، هـ. ) (٤كتاب ابن رضوان المالقي هذا حققه علي سامي النشار، ونشرته دار الثقافة، الدار البيضاء، مهما. مغربيا ١٩٨٤م، وهو يمثل مصدر ) (٥هذا الكتاب تأليف الطرسوسي )نجم الدين إبراهيم بن علي(، تحقيق رضوان السيد، دار الطليعة، بيروت١٩٩٢، م. ٢٥تمـهيـد ومن المصادر المهمة في القرن التاسع وأوائل العاشر الهجري مقدمة ابن خلدون)، (١وكتاب »بدائع السلك في طبائع الملك« لابن الأزرق)،(٢ وكتاب »المقدمة السلطانية في السياسة الشرعية« لطوغان شيخ المحمدي)،(٣ وكتاب إيضاح طرق الاستقامة في بيان أحكام الولاية والإمامة لجمال الدين أبي المحاسن بن عبد الهادي الحنبلي الشهير بابن المبرد )٩٠٩ - ٨٤٠هـ(). (٤وكتاب النصائح المهمة للملوك والأئمة للإمام علي بن عطية الهيني الحموي).(٥ ومن مصادر القرن العاشر الهجري كتاب لابن الأعرج بعنوان تحرير السلوك في تدبير الملوك).(٦ إسلاميا في علم السياسة الشرعية وفيفكرا وهذه المصادر وغيرها تمثل علم الاجتماع السياسي، استفاد منه الملوك والحكام في وضع سياساتهم، ومنها ما يتصل بمجال العمران. فقد عدت هذه المصادر »تكثير العمارة« من أركان الملك، بل إن بعضها أشار إلى أنه الركن الخامس بعد نصب الوزارة، الرحمن بن خلدون( :مقدمة ابن خلدون كتاب العبر وديوان المبتدا ٰ) (١ابن خلدون )عبد والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، نشر مكتبة عبد السلام بن محمد بن شقرون، القاهرة. ) (٢ابن الأزرق )أبو عبد االله، ت٨٩٦ :هـ( :بدائع السلك في طبائع الملك، نشر سلسلة التراث، مكتبة الأسرة، القاهرة٢٠٠٧، م. ) (٣كتاب المحمدي )طوغان شيخ الحنفي الأشرفي(، حققه عبد االله محمد عبد االله، نشر مكتبة الزهراء للطبع والتوزيع والنشر، القاهرة١٩٩٧، م. ) (٤هذا الكتاب للمبرد، ضبطه وعلق عليه عبد االله محمد الكندري، نشر غراس للنشر والتوزيع والدعاية والإعلان٢٠٠٦، م. ) (٥هذا الكتاب حققه نشوة العلواني، ونشرته دار لبنى، دمشق٢٠٠٠، م. ) (٦كتاب ابن الأعرج )أبو الفضل محمد، ت٩٢٥ :هـ( :قام بتحقيق فؤاد عبد المنعم، ونشرته مؤسسة شباب الجامعة. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٦ وإقامة الشريعة، وإعداد الجند، وحفظ المال). (١وأشارت إلى أهمية العمارة باعتبارها من مظاهر عظمة الملك وواجباته، ووجهت الحكام إلى ذلك، بل اعتبرت تكثير العمارة من معاني الملك وشروط الاجتماع الإنساني، وقال ابن حزم» :يأخذ السلطان الناس بالتجارة وكثرة الغراس، ويقطعهم الإقطاعات في الأرض الموات، ويعيش الناس والحيوان، ويعظم الأمر، ويكثر الأغنياء، وما تجب فيه الزكاة«). (٢وهو قول يكشف عن نظرة واعية متكاملة لفكر يدعو إلى تكثير العمارة، وتسهيل أسبابها من جانب الحاكم، بوضعه السبيل وتهيئته لذلك، والهدف المرام هو رخاء العيش، وكثرة الأغنياء كثرة مصادر الزكاة التي هي حق الفقراء، فيحدث النفع للجميع، وتتحقق العدالة الاجتماعية).(٣ وأكدت هذه المصادر على أن العمارة سبيل الملك، بما تدره من الأموال، عندما اعتبرت أن »الملك بالجند، والمال بالعمارة«، وهذا يشير بوضوح إلى أن العمارة هي المحرك الأساس للاقتصاد، وقد وجد هذا التوجيه صدى لدى الحكام؛ كالخليفة المعتصم الذي قال» :إن العمارة فيها أمور محمودة، أولها عمران الأرض التي يحيا بها العالم، وعليها يربو الخراج، وتكثر الأموال، وتعيش البهائم، وترخص الأسعار، ويتسع المعاش، موضعا أنفقت فيه عشرة دراهم جاء أحدوكان يقول لوزيره» :إذا وجدت درهما، فلا تؤامرني«).(٤ عشر ) (١المسعودي :مروج الذهب، بيروت١٩٦٥، م، ج /٤ص ص ٣٤٥ - ٣٤٤؛ عثمان :نصائح الحكام المسلمين، ص. ٢٦٥٤ ) (٢ابن الأزرق :بدائع السلك في طبائع الملك، تحقيق ونشر :محمد عبد الكريم، نشر الدار العربية للكتاب١٩٧٧، م، ج /١ص ص. ١٣١ - ١٢٣ ) (٣عثمان :نصيحة الحكام المسلمين، ص. ٢٤٥٤ ) (٤ابن رضوان :الشهب اللامعة في السياسة النافعة، تحقيق :سامي النشار، نشر دار الثقافة، الدار البيضاء١٩٨٤، م، ص ٢٣٢؛ ابن الأزرق :بدائع السلك، ج /١ص ٢٢٣؛ عثمان :نصيحة الحكام المسلمين، ص ص. ٢٦٥٥ - ٢٦٥٤ ٢٧تمـهيـد وفي نظرة شاملة أخرى يذكر ابن خلدون أن الدولة والملك والعمران بمنزلة الآخر غير ممكن على ما قررته الحكمة، فالدولة دون العمران، والعمران دونها متعذر، كما تقدم، وحينئذ فاختلال أحدهما مستلزم لاختلال الآخر، كما أن عدمه مؤثر في عدمه«).(١ أيضا إلى العلاقة الوثيقة بين زيادة العمرانوأشارت هذه المصادر والرخاء والترف، وبين قلتها والضيق وتدرج الحال من الرخاء إلى الشدة حسب درجة العمران، ويضرب ابن الأزرق لذلك مثالا بحال فاس المزدهرة بالعمران، وتلمسان الأقل شأ نا، وحال إفريقية وطرابلس وبرقة التي تناقص عمرانها، فتلاشت أحوال أهلها، وانتهوا إلى الفقر والخصامة، ثم يخلص إلى أن الأمصار الصغيرة التي لا تفي أعمالها بضرورتها، نجد كذلك أهلها ضعفاء متقاربين في الفقر والخصامة إلا في النادر؛ إذ لا فضل لهم يتأثلون كسبا).(٢ به وركز الناصحون من المفكرين المسلمين على الأسباب التي تؤدي إلى العمران وحفظه؛ كالعدل، فقالوا» :لا جباية إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل، وفي السياسة بالعدل عمرت الأرض وقامت الممالك«).(٣ والاهتمام بالعمران وبكل تفاصيله انعكست تطبيقا في أحكام الفقهاء، والتي حرصت على استمرار القائم منه، وزيادته كلما أمكن، ومنعت حدوث أي ضرر به انطلاقا من هذا الفكر الواسع للمفكرين المسلمين الذين وظفوا فكرهم لمساندة الحكام في وضع سياسات العمران. ) (١ابن خلدون :المقدمة، ص ٨١٤ - ٨١٣؛ ابن الأزرق :بدائع السلك، ج /١ص ٢٢٣؛ عثمان )محمد عبد الستار( :المدينة الإسلامية، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ١٩٨٩، ص. ٢٥ ) (٢ابن الأزرق :بدائع السلك، ج /١ص. ٢٢٥ ) (٣للاستزادة، راجع :عثمان، المدينة الإسلامية، ص ص. ٤٩ - ٢٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٨ ويكفي أن نشير في هذا المقام إلى رؤية ابن الربيع أحد مفكري القرن الثالث الهجري )التاسع الميلادي(، والذي استعان به الخليفة المعتصم؛ حيث إن هذه الرؤية كانت موضع تطبيق الفقهاء والقضاء من خلال أحكامهم، التي نظمت حركة العمران الإسلامي في كل العصور التالية، وهذه الرؤية لعمارة البلدان رؤية شاملة، وتنقسم إلى نوعين رئيسين، النوع الأول يتعلق بالمزارع، والنوع الثاني يتعلق بالأمصار، وهما المكونان الرئيسان لمناطق العمران في العصور الوسطى، فيذكر أن المزارع »أصول المواد التي يقوم بها أود الخلق، ويلزمه فيها حقوق ثلاثة هي القيام بمصالح المياه لينتفع بها القريب والبعيد، وكف الأذى عنهم لكي لا يشتغلوا بغير الزراعة، وتقدير ما يؤخذ منهم بحكم الشرع والعدل، حتى لا ينالهم حيف ولا عسف، فإن حيف عليهم في شأن من ذلك أو عسف بهم انعكس الصلاح إلى ضده«).(١ ولم تكن المدن والمستقرات السكنية الأخرى كالبلدان والقرى يقوم عمرانها إلا بظهير زراعي يؤمن لسلطانها مصادر الغذاء الأولية، وكثير من المواد الأخرى التي تقوم عليها بعض الصناعات، ويترتب على ذلك نشاط تجاري. وأثبت تاريخ العمران أن المدن والمستقرات السكنية التي توفر لها محكوما بتوسع ظهير زراعي استمرت واتسع عمرانها، وكان اتساع عمرانها هذا الظهير وازدهاره، ومن أمثلة ذلك المدن الإسلامية الكبيرة، مثل بغداد والقاهرة. وهذه الرؤية مهمة لعمران المدن الناشئة في العصر الحديث، حيث مقوما إن توفر ظهير زراعي لها يدعم عمرانها، ويدعم إلى رخائها، ويكون من مقومات نجاح عمرانها. أما المدن التي لا يتوفر لها مثل هذا الظهير، وتعتمد في غذائها على ما ينقل إليها من مناطق بعيدة، فإنها تبقى تحت ) (١ابن الربيع :سلوك الممالك في تدبير الممالك، ص. ١٨ ٢٩تمـهيـد تأثير ارتفاع الأسعار، وخطر توقف ورود المنتجات الغذائية الزراعية لأسباب طارئة قد تحدث؛ مثل الحروب وانعدام الأمن).(١ والاهتمام بالزراعة يستوجب الاهتمام »بمصالح المياه لينتفع بها القريب واضحا، انعكاسا والبعيد«، وقد انعكس هذا التوجيه في التطبيق الميداني وتزخر مصادر فقه العمران، وكتب النوازل بالأحكام والمعالجات والتوجيهات التي تكفل ذلك، وتحدثت في أبواب خاصة عن موضوع قسمة الماء، ومنشآته المختلفة باختلاف البيئات كالأفلاج في عمان، والسواقي والمماصل والمواجل في بلاد جبل نفوسة، ووادي ميزاب التي تمثل أهم المناطق الإباضية التي ينصب عليها البحث في هذه الدراسة، كما عنت الأحكام بأساليب حفرها وبنائها وصيانتها أو إعادة بنائها إذا لزم الأمر؛ حتى يستمر ورود الماء لأفراد المجتمع سواء في مزارعهم أو في مناطق سكناهم. وقد أبدع ابن الربيع عندما ذكر البعد الثاني المرتبط بالنشاط الزراعي، وهو البعد المتصل بالاستقرار والأمن الذي يتحقق بكف الأذى عن المزارعين؛ لكي لا يشتغلوا بغير الزراعة. وكف الأذى هذا يتمثل في وجوه التطبيق بمنع رفع المكوس والضرائب والاغتصاب والمصادرة، وحل المشكلات التي تنشأ بين أفراد المجتمع أثناء ممارسة النشاط الزراعي بكل صوره، وهو ما عنت به مصادر الفقه ونفذته أحكام القضاء، كما أن تقدير ما يؤخذ من المزارعين من مكوس وغيرها لا يكون إلا بحكم الشرع؛ حتى لا ينال المزارعين حيف ولا عسف، فإن حيف عليهم من شأن من ذلك أو عسف بهم انعكس الصلاح إلى ضده«)، (٢وتحقيق هذه الرؤية مسؤولية مشتركة بين السلطة العليا ممثلة في الحكام ومعاونيهم، وبين الحلقة الثانية ) (١عثمان :نصيحة الحكام، ص. ٢٦٥٧ ) (٢ابن الربيع :سلوك الممالك، ص. ١٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٠ من الحكم والإدارة المحلية متمثلة في القضاة والفقهاء الذين ينظمون النشاط العمراني من خلال أحكامهم التي تنتهي إلى تحقيق العدل وهدف الشريعة الواضح. متكررا في مصادر السياسةوتأكيدا على هذا المفهوم وتلك الرؤية نراه الشرعية وعلم الاجتماع السياسي، فقد أكدت المصادر من خلال توجهاتها بالإحسان إلى المزارعين ودعمهم، وحذرت من إضعافهم لأنهم إذا ضعفوا »عجزوا عن عمارة الأرضين، فيتركوها فتخرب الأرض، ويهرب الزراع، فتضعف العمارة، ويضعف الخراج، وينتج من ذلك ضعف الأجناد، وإذا ضعف الجند طمع العدو«).(١ ووجه الفكر العمراني الإسلامي لابن الأزرق إلى عوامل أخرى تساعد على زيادة العمران، ومنها »تقليل الوظائف على المعتمرين ما أمكن، فذلك منشط النفوس إليه، ليقينها إدراك المنفعة من ذلك غاية التوازن الدافعة إلى أيضا إلى أن الظلمكثرة الإنتاج، فيزدهر العمران أكثر وأكثر ، وأشار الفكر )(٢ يؤدي خراب العمار، فإذا كان الظلم بتوجيه الأموال إلى غير مستحقيها، أدى ذلك إلى ترك العمارة، وانتظر في العواقب وما يصلح الضياع، ووقع الحيف على من بقي من أرباب الخراج، وعمار الضياع، يخلو عن ضياعهم، ودخلوا ديارهم وآووا إلى بعد.. فقلت العمارة، وخربت الضياع، وقلت الأموال، وهلكت الجنود والرعية).(٣ واقعا على الناس وأموالهم، فإنهم يقعدون عن المعاش،وإذا كان الظلم وتقبض أيديهم عن المكاسب، فتكسد أسواق العمران، ويجف سائره ومظهره ) (١عثمان :المدينة الإسلامية، ص. ٢٧ ) (٢ابن رضوان :الشهب اللامعة، ص ص. ٢٣٢ - ٢٣١ ) (٣ابن الأزرق :بدائع السلك، ص. ٢٤٢ ٣١تمـهيـد فرارا من تحصيل الرزق في غير إيالته، فتخرب أمصاره، وتفقر دياره، وتختل باختلاله الدولة والسلطان).(١ ضررا لالتزام المكان بالعدلوما ذكره ابن الأزرق يحقق منفعة، ويمنع وتوجيه السياسات إلى ما تحقق النفع، كما يحققه ما يصدر عن الفقهاء في المستوى الثاني من الإدارة المحلية من أحكام تحقق العدل ويمنع الجور، وهكذا يتكامل دور السلطة العليا ورؤيتها مع أحكام الفقهاء والقضاء، وكأنهما دائرة واحدة. أما النوع الثاني من أنواع العمران فهو الأمصار، وكلمة الأمصار مفردها صر«)، (٢والمصر هو الموضع المتصل بالعمران بالمنشآت والسكان،»م ويتمثل في أمنع أشكاله في المدن، ويتفق هذا مع ما ذكره ابن الربيع من أن الأمصار »هي الأوطان الجامعة والمقصود بها خمسة أمور، أن يستوطنها طلبا للسعة والسكون، ويكون فيها حفظ الأموال من الاستهلاك،أهلها وصيانة الحريم والخدم من الانتهاك، والتماس ما تدعو إليه الحاجة من متاع أو غيره، ولا يتعرض للكشف وغيره، فإن عدم فيها أحد هذه الأمور فليست من مواطن الاستقرار«).(٣ أمصارا إلا بتوفر هذه وتكشف رؤية ابن الربيع للأمصار التي لا تعتبر الشروط الأساسية عن أن البعد الاجتماعي كان في بؤرة روايته، فلا بد أن تتوفر في المدينة أو المصر مقومات الحياة الآمنة الطامحة إلى الزيادة والسعة، ) (١ابن الأزرق :بدائع السلك، ص. ٢٨ ) (٢هناك تعريفات أخرى للمصر، ولكنها لا تصل إلى شمولية تعريف ابن الربيع. راجع: السالمي )نور الدين عبد االله حميد( :الحجج المقنعة في أحكام صلاة الجمعة، نشر فضية الإمام نور السالمي، مسقط، الطبعة الأولى، ص ص. ٤٥ - ٤٤ ) (٣ابن الربيع :سلوك الممالك، ص. ١١٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٢ كما أنه يركز على البعد الاقتصادي المرتبط بهذا متمثلا في أهمية حفظ الأموال من الاستهلاك، لأن في ذلك مدعاة لازدهار الاقتصاد، كما تستطرد الشروط لتؤكد على صيانة الحريم والخدم من الانتهاك، وهو في هذا الشرط يؤكد على صيانة العرض، ويؤكد على حقوق المرأة والخدم، وهما قطاعان تأثيرا من قطاعات السكان، يمثلان نسبة مهمة من السكان تؤثر في بقيتهم مباشرا ومتداخلا ومتفاعلا، ويحقق توافر هذا الشرط السلام الاجتماعي تحقيقا ضرور يا يرتبط بما سبقه من شروط، والخلاصة من رؤية ابن الربيع في هذا المقام تنطلق من المقاصد الرئيسة للشريعة الإسلامية، وهي »حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال«، وهي المقاصد التي يؤسس عليها الفقهاء أحكامهم الشرعية، ومنها الأحكام المتعلقة بالعمارة والعمران. ويستكمل ابن الربيع شروطه في دعوته إلى »التماس ما تدعو إليه الحاجة من متاع وغيره، وترك حرية الكسب وغيره دون تعرض«، وفي ذلك دعوة أكيدة لتوفير الاحتياجات المطلوبة، وتوفير أسباب العمل بكل حرية، بعيدا عن جوروهي رؤية تعكس المنظور الإسلامي الاجتماعي للاقتصاد واضحا في تطبيقاتالأنظمة الاشتراكية أو الرأسمالية وعيوبها). (١ونرى ذلك القضاء وأحكام الفقهاء، ومن بينها الفقه الإباضي الذي ضمن في كل مفاهيمه وأحكامه كل هذه المعايير ـ كما ستوضح الدراسة. وانتقل ابن الربيع بعد طرح هذه الرؤية الشاملة للعمران بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية الحاكمة إلى إنشاء المدن باعتبارها أكثر أنماط ضخامة وشمولا، وبدأ بتحديد شروط أساسية لاختيارالمستقرات السكنية موقع المدينة عددها في ستة شروط أساسية، وهي :سعة المياه المستعذبة، وإمكان الميرة المستمدة، واعتدال المكان وجودة الهواء، والقرب من ) (١عثمان :نصائح الحكام، ص. ٢٦٦٠ ٣٣تمـهيـد والذعار، وأن يحيط بهاالمرعى والاحتطاب، وتحصين منازلها من الأعداء سواد) (١يعين أهلها). (٢كما حدد ابن الربيع شرو طا ثمانية لتخطيط موضع المدينة، وهذه الشروط هي» :أن يسوق إليها الماء العذب ليشرب تناوله من غير عسف، وأن يقدر طرقها وشوارعها حتى تتناسب ولا تضيق، وأن يبني جامعا للصلاة ليقرب على جميع أهلها، وأن يقدر أسواقها لينال سكانهافيها حوائجهم عن قرب، وأن يميز بين قبائل ساكنيها بألا يجمع أضداد مختلفة متباينة، وإن أراد سكناها فليسكن أفسح أطرافها، وأن يجعل خواص محاطين به من سائر حماتها، وأن يحيطها بسور مخافة اغتيال الأعداء؛ لأنها بجملتها دار واحدة، وأن ينقل إليها من أهل الصنائع والحرف بقدر الحاجة إلى سكانها حتى يكتفوا بهم عن الخروج إلى غيرها«).(٣ وهذه الرؤية تمثل سياسات عامة لاختيار مواقع المدن والمستقرات السكنية، وتحدد رؤية تخطيط مواضعها في إطار البعد المادي المعماري والعمراني، وفي إطار الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأخرى، وهي رؤية يلاحظ أنها تنصب على نوعيات المدن أو المستقرات السكانية التي ينشأ عمرانها وعمارتها مرة واحدة. لكن مفاهيم اختيار الموقع ورؤية أيضا للمدن والمستقرات التي تنشأ بسيطة، وتمرالتخطيط لا تزال حاكمة بمراحل تطور عمراني بمرور الزمن سيما وأن سمات التخطيط الإسلامي كفلت مرونته الأحكام المنظمة للعمران. ) (١السواد :الأرض الزراعية والقرى المأهولة. وقد رأى محقق كتاب ابن الربيع أحمد عبد الغني أن الكلمة قد تكون مصحفة وهي »سور«، ابن الربيع :سلوك الممالك، ص ١٠٦ هامش ولكن الشرط الخامس المتصل بالتحصين والذي ذكره ابن الربيع، وما ذكره ابن الربيع عن أنماط العمارة يرجحان القراءة »سواد« بالدال غير المعجمة. ) (٢ابن الربيع :سلوك الممالك، ص. ١١٨ ) (٣ابن الربيع :سلوك الممالك، ص. ١٠٨ - ١٠٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٤ ومن الجدير بالذكر أن كتاب الفرسطائي »القسمة وأصول الأرضين« قد تضمن الأحكام والرؤى التي يشمل كل من النوعيتين من المدن والمستقرات السكنية سواء التي تنشأ مرة واحدة، أو التي تمر بمراحل تطور تبدأ من نموذج عمراني بسيط ويتطور عمرانها ويزدهر بمرور الزمن. ويلاحظ أن تماما مع الفكر الذي طرحه ابن الربيع في القرن الثالث الهجري متواصل أحكاما في مجال العمرانفكر الفرسطائي وغيره من الفقهاء الذين أصدروا والعمارة تزخر بها المصادر الفقهية التي عالجت هذه القضايا. وهذا أمر منطقي سيما وأن القضاة والفقهاء يمثلون الحلقة التالية التي تتابع التنفيذ الميداني وتحل مشكلاته وتعالج نوازله. ويذكر بلاك أن »العدالة في الإسلام والتي يقوم على تحقيقها القضاة والفقهاء عرفها الإسلام بأنها القانون المنزل من االله، وبالنسبة للمسلمين كان العيش وف قا لشريعة الإسلام جوهر الدين، وكان الشرع يستخدم في غالب عموما، وكانت الشريعة هي التجسيد الكامل والنهائيالأحيان بمعنى الدين للعدالة، ويكمن خلف وجهة النظر الإسلامية حول الوحدة المطلقة بين الدين والسياسية تلك الوحدة التي تتطلع إلى تحقيق مجتمع عادل فعلا على الأرض، وذلك وفقا للشريعة، وبالنسبة للمسلمين كانت الشريعة توجد حيث تلتقي المصالح الدينية والدنيوية، وكانت الشريعة من ناحية أخرى تستند إلهيا والمفسرة بالإجماع، وقد جرى تفسيرها وتطبيقهاإلى النصوص المنزلة كلمةبواسطة العلماء، ولم يكن بإمكان الخليفة أي خليفة أو سلطان أن يغير منها. بل كان الحاكم يسعى إلى طاعة االله القدير والقانون، وهو الذي يضمن القوة لتطبيق القانون، ولم يكن للحاكم أن ينجح إلا من خلال الناس، والناس لن ينجحوا إلا من خلال الثروة، ولا يوجد طريق للثروة إلا بزراعة الأرض، ولا يوجد طريق إلى ازدهار الأرض إلا من خلال إقامة العدالة، ٣٥تمـهيـد والعدالة هي المعيار الذي رسخه االله بين الناس ووضعه في رعاية الملوك، وتحقيق العدالة يكون بالشريعة التي هي مؤسسة على أوامر وموانع محددة وليس على المبادئ العامة فقط«).(١ وكان الفقهاء والقضاة هم المسؤولون عن تحديد هذه الأوامر والنواهي فيما أصدروه من أحكام تضمنتها كتب الفقه والنوازل تنظم حياة المجتمع، ومن هنا برز دور الشريعة باعتبارها أفضل الأنظمة القانونية الممكنة، وكانت متفوقة ليس لأنها تقمع الفوضى فقط، ولكن لأنها توجه الناس إلى االله، وقد اتفق أن الحقيقة المتعلقة باالله هي أفضل ضمان للسلم الاجتماعي، فالقوانين البشرية العادية غير كافية لردع الجريمة، والمطلوب هو قانون يصدر بناء عن الحكم الإلهي المنزل عبر رسول أو نبي، مع تهديد بعقاب أبدي، وبالطبع إلهيا، ولها فوائدها الاجتماعية بالتأكيد،كان ينظر إلى الشريعة على أنها منزلة دورا مركز يا في المحافظة علىوبنظر العلماء النظريين المسلمين كان لها الانضباط الاجتماعي، وهو عكس ما كان يحدث في المجتمعات الغربية التي كانت تسند هذا الدور إلى الدولة«).(٢ وهذا التوضيح الذي عرض له بلاك باعتبار ثقافته الغربية يبرز دور الشريعة الإسلامية ودور الفقهاء المسلمين القائمين على صياغة أحكامهم من أوامر أو موانع، ومدى توافق هذا الدور مع السلطة العليا الحاكمة التي تضمن تنفيذ هذه الأحكام فتكتمل المنظومة).(٣ ) (١بلاك :الغرب والإسلام، ص ص. ١٧٨ - ١٣٦ ) (٢بلاك :الغرب والإسلام، ص. ٩٨ ) (٣بلاك :الإسلام والغرب، ص ١٠٩؛ الرشيد )صالح المحمد الخالد( :أبو الوفاء ابن عقيل واختياراته الفقهية، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة، جامعة الأزهر١٩٧٩، م، ص ٧٠؛ عزب )خالد( :فقه العمران والعمارة والمجتمع والدولة في الحضارة الإسلامية، الدار المصرية اللبنانية، د.ت، ص ، ١٢خالد عزب :فقه العمران، ص. ١٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٦ ومن المهم الإشارة إلى الربط الوثيق بين السياسة والشرع؛ فقد ذكر بعض الفقهاء أن »لا سياسة إلا ما وافق الشرع«، وقال غيرهم بأن »السياسة ما كان من الأفعال ما كان أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد«، ويتضح من هذه الأقوال أن السياسة تقوم على فقه المصالح، فيما لا نص فيه، فإن أساس السياسة هي المصلحة المتغيرة، وهي فاعلية حركية تستهدف التوافق مع مضمون الشرع، والسياسة إذن تخضع لرؤية الحاكم لمصلحة الأمة المرتبطة بضوابط شرعية لدور الحاكم في المجال العمراني).(١ وإذا كانت الدراسات الاجتماعية والتاريخية تؤكد أن الإنسان لا يستطيع العيش بمفرده، وأنه مدني في طبعه كما ذكر ابن خلدون في مقدمته). (٢وهو ميال إلى لقاء الناس والاجتماع بهم والتأنس معهم، وكل ذلك يتم في إطار المجتمع المتكون من مجموعة من بشر مختلفين في الطباع والأخلاق، وهذا الاجتماع من شأنه أن يؤدي أحيا نا إلى الصراعات بفعل الاحتكام وتضارب المصالح والحريات، فعندئذ يكون المجتمع في حاجة إلى قضاة يفصلون في المنازعات والخلافات)، (٣وفقهاء يصدرون الأحكام الفقهية التي تنظم التعامل، ويستند إليها القضاة في أحكامهم. السياسة الشرعية هي التدابير والأحكام المتفقة مع روح الشريعة وأصولها الكلية المحققة لمقاصدها وأغراضها الاجتماعية، وهذه السياسة الشرعية يعرفها الإمام أبو الوفاء بن عقيل البغدادي )٥١٣ - ٤٣١هـ١١١٩ - ١٠٤٠/م( ) (١عزب :فقه العمران، ص. ١٣ ) (٢ابن خلدون :المقدمة، ص. ٤٨ ) (٣البغطوري )مقرين بن محمد( :سيرة مشايخ نفوسة، تحقيق :توفيق عياد الشقروني، نشر مؤسسة تاوالت الثقافية٢٠٠٩، م. ومن المهم الإشارة إلى أن الوالي كان يمكن أن يتولى القضاء، كما حدث في جبل نفوسة في بعض الحالات. البغطوري، ص. ١٦٣ ٣٧تمـهيـد بأنها الأفعال والتدابير التي يكون معها الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد«). (١وإن لم يضعها الرسول ژ ولا نزل بها الوحي، فإن السياسة والسنة الشرعية التي قام عليها الحكم المتبني لهذه السياسة يتخذ من القرآن مصدرين مهمين لإصدار الأحكام التي تناسب حياة كل مجتمع، وتتواءم مع أيضا من أعراف،ما يحدث من تغير في حياة المجتمع، وترتبط بما يحكمه فإن هذا كله يبرز دور الفقهاء في إصدار الأحكام التي تجسد الجانب التطبيقي في حياة المجتمع، والتي تضمن الحكومة تنفيذها بما لديها من سلطات وقوة. ومن المهم أن نشير إلى أن المتخصصين من العلماء في العصر الحديث قد أفادوا بأن كلمة »سياسة« عربية وليست معربة ولا منقولة، معناها في الاصطلاح أنواع السياسة ـ إجمال النسبة بين السياسة الشرعية والفقه الإسلامي. فكلمة سياسة في لغة العرب مصدر لساس يسوس، وتطلق بإطلاقات كثيرة، ومعناها في جميع إطلاقاتها يدور على تدبير الشيء والتصرف فيه بما يصلحه، وساس الأمر سياسة عالجه وقام فيها بالأمر والنهي، وتصرف في شؤونها بما يصلحها، ومن ذلك ما ورد في حديث »كان بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم«، أي يتولون أمورهم كما يصنع الأمراء والولاة بالرعية. والسياسة في الاصطلاح اسم للأحكام والتصرفات التي تدير بها شؤون الأمة في حكومتها وتشريعاتها وقضائها وفي جميع سلطاتها التنفيذية والإدارية وفي علاقاتها الخارجية التي تربطها بغيرها من الأمم. والسياسة التشريعية تتعلق بسن القوانين وإنشاء الأحكام التي تتبعها السلطات المختلفة في تصريف شؤون الأمة والسياسة القضائية تختص بتطبيق تلك القوانين، والأحكام على الحوادث والقضايا وبالطريقة التي ) (١ولكنسون :الأفلاج، ص ص. ٨٨ - ٨٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٨ يسار عليها في هذا التطبيق). (١والسياسة التشريعية والقضائية هي ما يهم هذه تحديدا باعتبار أنها تعرض لفقه العمران الإباضي حتى القرنالدراسة السادس الهجري من خلال أهم مصادره في هذه الفترة، والتي تتضمن الأحكام الفقهية الخاصة بالعمران والعمارة التي كان يصدرها الفقهاء لتنظيم حياة المجتمع الإباضي في الفترة في مجال العمران والعمارة، والتي يطبقها القضاء ويضمن تنفيذ أحكامه الحكام. أيضا أنوحتى يتضح مدى ارتباط السياسة الشرعية بالفقه، فمن المهم نشير إلى أن الفقه يعرف بأن »الأحكام الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية، ثم يقول العلماء في التعريف بموضوعه :إن هو أعمال المكلفين يبحث فيها لتثبت لها أحكام جزئية تستقي من هذه الأدلة، ويعنون بالأدلة التفصيلية ما ورد في الكتاب، وما وضح في السنة من الآيات والأحاديث والسنة هما المصدران الأساسيانالخاصة بتلك الأحكام العملية، فالكتاب أيضا للشريعة، وقد ألحق بهما مصدران آخران هما الإجماع والقياس، فلهما قوة إثبات الأحكام من حيث إنهما يستندان في باطن الأمر إلى حالة التشريع في الصدر الأول والبحث في المصادر التي يرجع إليها المجتهدون عندما كانت تعرض حادثة يريدون الحكم فيها يبين أنهم كانوا ينظرون أولا في حكما كتاب االله، وفيما صح من سنة رسول االله ژ ، فإن لم يجدوا للمسألة منها، عملوا بقياسها على نظيرها، وإن كان لهم نظير اجتهدوا رأيهم، ولم يقفوا عاجزين عن الحكم فيها بما يقر العدالة، وتتحقق به المصلحة، وما يرونه أشبه بحكم االله ورسوله، ولم ينكر ذلك أحد منهم، ولم يعتبر شي ئا خارجا عن شريعة الإسلام، بل إن الرسول قد أقره وشجع عليه، وارتضاه من الرحمن( :السياسة الشرعية والفقه الإسلامي، تقديم وتعليق :محمد عمارة، كتاب ٰ) (١تاج )عبد مجلة الأزهر، جمادى الآخرة ١٤٣٤هـ ، ص ص ٢٦ - ٢٥؛ عطوة )عبد العال أحمد(: المدخل إلى السياسة الشرعية، كتاب مجلة الأزهر، شوال ١٤٣٤هـ ، ص. ٢٥ - ٢٤، ١٣ ٣٩تمـهيـد »معاذ« حينما سأله عما يحكم به فيما ليس فيه كتاب ولا سنة، وحمد االله أن وفقه لوجه الصواب لما أجاب بقوله» :أجتهد رأيي«، ولا شك أن الاجتهاد أثرا).(١ بالرأي أعم من القياس، وأوسع دائرة وأعظم وأحكام التراث الفقهي في ضوء ما وصل إلى أيدينا من مصادر فقهية منها ما هو ثابت لا يتغير ولا يتبدل، ولا تختلف فيه المصلحة باختلاف الأحوال والأزمان، ومنها ما يطلق عليه الأحكام الجزئية روعيت فيها مصالح الناس وعرفهم في الوقت الذي استنبط فيه، وإذا كانت المصالح تختلف باختلاف الظروف والأحوال، وكان عرف الناس في زمن قد يخالف عرفهم في زمن غيره، وعرف أنه قد يغاير عرف غيرها في الزمن الواحد، وجب القول بأن الأحكام الجزئية التي راعى فيها الفقهاء في عصر ما تطلبته دائما وشريعة ثابتة مصلحة الأمة ارتضى به عرفها لا يصح أن يؤخذ قانو نا تطبق حتى مع اختلاف وجه المصلحة لغير العرف). (٢وهذا التوضيح مهم لإدراك تنوع واختلاف الأحكام الفقهية في مسألة ما بين منطقة وأخرى من مناطق العالم الإسلامي أو من عصر وآخر، وينعكس بوضوح في كثير من الأحكام الجزئية، ولذلك فإن اختلاف البيئات والثقافات والأعراف ينعكس بوضوح في هذه الأحكام لكنها في جميع الأحوال مؤسسة على مصادر التشريع التي سبقت الإشارة إليها. ومن المهم الإشارة إلى أن المجتهدين المتقدمين يفرقون بين أحكام هذين النوعين من الأحكام الثابتة والأحكام الجزئية حتى ظهرت كلمة »السياسة« في محيط فقهاء الإسلام يستعملها أصحابها في بعض هذه الأحكام، فما هي إذن هذه السياسة؟ وما مجالها؟ وما نسبتها إلى الفقه؟ والإجابة عن ) (١تاج :السياسة الشرعية، ص ص. ٤٢ - ٤١ ) (٢تاج :السياسة الشرعية، ص. ٤٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٠ هذه الأسئلة تشير إلى أن »أحكام السياسة كلها داخلة تحت كلمة فقه، حيث يمكن القول بأن السياسة الشرعية كل ما تصرف به شؤون الأمة وتدير به مرافقها من القوانين والأحكام دخل في »السياسة« كل ما يطلق عليه الفقه. أيضا إلى أن المتأخرين من الفقهاء لا يكادونومن المهم الإشارة يستعملون كلمة »سياسة« في غير باب الحدود والتعازير، وهم يريدون بهذه الكلمة ما يلجأ إليه الولاة والحكام من العقوبات القاسية، يقصدون بها الردع والزجر وسد أبواب الفتن والشرور، فمثلا يقول صاحب »معين الحكام«: اعلم أن السياسة شرع مغلظ، وحصر مفهوم السياسة في هذا الأمر في دائرة ضيقة، في حين أن مجالها أوسع، والمواطن التي تتجلى فيها آثارها أفسح وأرحب، فهي تدخل في جميع أعمال السلطات، وتستخدم في كل المرافق العامة، تدخل في مجا السلطة التشريعية وأثرها فيه لا يصح إغفاله أو التهوين من أمره، فإنه ما دامت شريعة الإسلام قائمة على رعاية المصلحة ورفع دائما إلى العدالة،الحرج، وما دامت مبادئها الكلية وقواعدها الأساسية ترمي وتقصد إلى جلب المنافع ودفع المضار لتستقيم بالأمة في جادة الاعتدال، فإن ذلك النوع من الأحكام هو ما نسميه السياسة الشرعية، هو الذي يفي بهذه الأغراض، ويحقق تلك المقاصد).(١ وهذا الرأي صحيح، ويؤكد ما ورد في مصادر السياسة الشرعية التي سبقت الإشارة إليها. وفي هذا ما يؤكد العلاقة الوثيقة بين السياسة الشرعية والفقه، والعلاقة بينهما في إطار منظومة الدولة علاقة شمول. ولذلك فإن دراسة مصادر الفقه الإسلامي لا تنفصل عن دراسة مصادر السياسة الشرعية، بل تتكامل معها، وتساعد البحث في كل منهما في تحقيق رؤية شاملة وواضحة لكل منهما. ) (١تاج :السياسة الشرعية، ص ص. ٤٩ - ٤٨ ٤١تمـهيـد :¿Gôa©dG ∫Éée »a ogQhOh á«°VÉHE’G IÉ°†≤dGh AÉ¡≤ØdG يمثل الفقهاء والقضاة الإباضية الحلقة الثانية في هرم الحكم والإدارة بعد السلطان والمفكرين من أهل السياسة الشرعية، الذين سبقت الإشارة، إلى جهودهم في رسم السياسات العامة للعمران، والتي يتبناها الحكام، ولكن الواقع التنفيذي في المجتمعات المحلية تقع مسؤوليته على الفقهاء والقضاة في المقام الأول. تاريخيا ـ في عمان قد ومن المهم الإشارة إلى أن المجتمع الإباضي ـ تميز بوجود دولة إباضية لها أئمتها الذين يقفون على قمة الهرم الإداري في إدارة الدولة، يعاونهم في ذلك الفقهاء والقضاة، ويعاون هؤلاء الأخيرين أيضا طبقات أخرى من الخبراء وأهل البصر في مستوى ميداني آخر يساعد على ضبط الأحكام الفقهية والقضائية بكل دقة في إطار الشرع الشريف. وإذا كان الأمر كذلك في عمان باعتبار استقلالها واستقرارها، كدولة إباضية توالت الإمامة فيها فترات طويلة من التاريخ الإسلامي، وانقطع اتصالها لفترات محدودة، فإن ظروف المجتمع الإباضي في بلاد الشمال الإفريقي كانت مختلفة، فبعد أن قامت أول دولة إباضية، وهي الدولة الرستمية )٢٩٦ - ١٦٠هـ٩٠٨ - ٧٧٦/م(، وأسست لانتشار المذهب الإباضي في بلاد الشمال الإفريقي، ومنها امتد إلى الأندلس وغرب أفريقية، تعرض الإباضيون لأذى الفاطميين وغيرهم من الدول التي حكمت بلاد الشمال الإفريقي بعد سقوط الدولة الرستمية، واستطاع الإباضيون أن يديروا ـ رغم هذه الظروف ـ مجتمعاتهم إدارة محلية تعتمد على ما يصدره فقهاؤهم وقضاتهم من أحكام تنظم العمران وغيره، ونشأت نظم إدارية محلية راسخة لها إطارها الفقهي والديني من أهمها نظام »العزابة«، واستطاعت هذه النظم الاستمرار حتى العصر الحديث، وكان للعوامل الدينية والتاريخية والجغرافية أثرها الواضح فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٢ في استمرار المجتمع الإباضي بمذهبه وثقافته وثرائه أن يبقى في ظل هذه العوامل المختلفة التي تكفل استمراره، وهي تجربة إسلامية فريدة تستحق الاعتبار الذي يؤكد على مدى تأثير فعالية النظم الإدارية المحلية).(١ وفقه العمران الإباضي حتى القرن ٦هـ١٢/م يمثل مرحلة مهمة وأساسية في تاريخ الفقه الإباضي بصفة عامة وفقه العمران على وجه خاص. وهذه الدراسة تعرض لثلاثة من المصادر الفقهية الإباضية التي تناولت فقه العمران الإباضي التي تجسد سمات ورؤية هذا الفقه في هذه الفترة من التاريخ الإسلامي. ثلاثة منها تمثل الفقه الإباضي في المشرق العربي وهي جامع ابن جعفر وموسوعتان كبيرتان أساسيتان في الفقه الإباضي بصفة عامة، وهما كتاب »بيان الشرع« وهو من تأليف أبو عبد االله محمد بن إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد االله بن المقداد الكندي، وبعد وفاته سنة ٥٠٨هـ قام الشيخ أبو بكر أحمد بن عبد االله بن موسى الكندي صاحب كتاب المصنف بجمعه وترتيبه؛ حيث كان في هيئة أوراق متفرقة. أما الكتاب الثاني فهو »المصنف«، ومؤلفه ـ كما سبقت الإشارة ـ أبو بكر أحمد بن عبد االله بن موسى الكندي. وتتضمن هذه المصادر الثلاثة فصولا مهمة عن فقه العمران بجانب وزمنيا تاريخيا الموضوعات الفقهية الأخرى). (٢أما المصدر الثالث فهو أقدم من المصدرين اللذين سبقت الإشارة إليهما، كما أنه يختص بدراسة أحكام ”Othman (Mohammed Abdusattar): Build Environment in Ibadi Law “Ibdi Juris Prudence)(١ conference which had been held in Krakow May 27th to May, 29th 2013, p. 3. ) (٢هناك مصادر أخرى ككتاب »الجامع لابن جعفر«، وكتاب »الحجج المقنعة في أحكام صلاة الجمعة« للشيخ نور الدين عبد االله بن حميد السالمي وغيرها لا يسعها الإطار الزمني لهذه الدراسة. ٤٣تمـهيـد فقه العمران والعمارة، وهو لمؤلف تنحدر أسرته من قرية فرسطا بجبل نفوسة بليبيا، ولكنه انتقل إلى وادي ميزاب بالجزائر، وعاش ببلده أريغ، فجمع بين ثقافة أهل جبل نفوسة، وثقافة أهل وادي ميزاب، وأنتج هذا المصدر الرائع في فقه العمران، والذي يعرف بعنوان »قسمة الأرض وأصول الأرضين«، ومؤلفه »الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن بكر الفرسطائي النفوسي )ت٥٠٤ :هـ١١١٠/م(. وإذا كانت هذه المصادر الفقهية الأربعة تمثل المحور الأساس لدراسة أيضا تتواكب وفترة مهمة فقه العمران الإباضي حتى القرن ٦هـ١٢/م، فإنها واضحا بين من فترات ازدهار الحضارة الإسلامية، كما أنها تعكس تواصلا فقهاء الإباضية في المشرق والمغرب الإسلاميين. وهذا التواصل بالإضافة إلى المنهجية المرتبطة بالتراتب الزمني وكذلك التخصص في معالجة أحكام فقه العمران ـ موضوع الدراسة ـ كلها أسباب تجعل ترتيب تناول هذه المصادر باد ئا بقسمة الأرض وأصول الأرضين ثم جامع ابن جعفر فبيان الشرع و»المصنف«. وتعرض الدراسة في القسم الأول لكتاب قسمة الأرضين وأصول الأرضين للفرسطائي، ثم تعرض في القسم الثاني للمصادر الفقهية العمانية، وهي جامع ابن جعفر وبيان الشرع والمصنف في إطار رؤية تركز على البعد العمراني والمعماري من منظور أثري. القسم الأول فقه العمران في المغرب العربي الباب الأول كتاب القسمة وأصول الأرضين للفرسطائي دراسة آثارية معمارية الفصل الأول أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٨ من المهم أن نعرض لترجمة الفرسطائي كمدخل مهم لدراسة كتابه القسمة وأصول الأرضين؛ حيث إن هذه الترجمة تساعد بلا شك على معرفة تفاصيل مهمة تتصل بالبيئة التي عاش فيها، وبمعرفته التراكمية في مجال أيضا عن خبراته الحياتية التي مكنته من أن يعرضالعلم المختلفة، وتكشف لمسائل في العمران لم يعرض لها غيره بهذه الرؤية الواسعة والفكر الناضج. ينحدر الفرسطائي من أسرة نفوسية). (١لها شأن كبير في العلم والثقافة، وهي أسرة بكر الفرسطائي، وترجع أصول هذه الأسرة إلى قرية فرسطا).(٢ التي نسب إليها، كما نسب إلى جبل نفوسة، فعرف بالشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن بكر الفرسطائي النفوسي. واختارت هذه الأسرة الرحيل والهجرة من الجبل على ما يبدو في أوائل القرن الرابع الهجري /العاشر الميلادي، وكان ذلك في إطار حركة دائمة للفقهاء والعلماء في جميع بلاد جبل نفوسة لنشر العلم والفقه الإباضي، واتسعت هذه الحركة لتشمل الصحراء الجزائرية بوادي ميزاب، بل إنها عبرت إلى بلاد المجاورة للجنوب والغرب الجزائر إلى بلدان أفريقية أخرى انتشر فيها المذهب الإباضي بفضل العمانيين العابرة من عمان إلى الشرق الإفريقيهؤلاء العلماء، وبفضل تجارة ومنه إلى شمال أفريقية عبر الصحراء. حاليا. ) (١نسبة إلى جبل نفوسة الذي يمتد من غرب ليبيا إلى تونس ) (٢الكوردي )محمود حسين( :الحياة العلمية في جبل نفوسة وتأثيراتها على بلاد السودان الغربي في القرن ٨ - ٢هـ١٤ - ٨/م، منشورات مؤسسة تاولت، سلسلة دراسات تاريخية، ٢٠٠٣م، ص ص. ٩٠ - ٨٩ ٤٩الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين وهاجرت أسرة أبي بكر إلى الجنوب التونسي ومنه إلى الجنوب الجزائري حيث »بلاد أريغ«، ومن أفراد تلك العائلة جدهم بكر بن أبي بكر الفرسطائي النفوسي )ق ٤هـ١٠/م( الذي تلقى تعليمه أولا في جبل نفوسة على يد الشيخ سليمان بن ماطوس الشروسي، ثم رحل من الجبل واستقر في أريغ بين فقهائها وأعلامها الكبار، ويذكر أبو الربيع الوسياني أن للشيخ أبي بكر عدة مسائل فقهية، وله حكم وفتاوى المصلحين والمفكرين تحويها ولدا أصبح من أقطاب العلماء وأبرز المصلحينبطون الكتب، وأنجب والمفكرين وهو الشيخ أبو عبد االله محمد الفرسطائي).(١ وقد ولد أبو عبد االله محمد بن أبي بكر الفرسطائي ٣٤٥هـ٩٥٦/م بقرية فرسطا قبل رحيله مع والده من هذه القرية إلى الجبل، وأخذ يتنقل ويرتحل طالبا العلم، وانتقل إلى جربة فالجامة، وفي كلمع والده في القرى والمدن مركز حضاري أقام فيه نهل منه ما يروي عطشه الثقافي والفكري، وتعلم عازما الأخذ عن الشيخعلوم العربية والشريعة، ثم سافر إلى قصطيلية أبي زكريا موسى بن زكريا، إلا أن أحد الوفود القادمة من طربة أقنعة بضرورة التفرغ إلى نظام العزابة)، (٢وهي نظام تربوي ديني اجتماعي، وجاء تأسيسه بناء على طلب من شيخه أبي زكرياء فصيل بن مسور. وأسس أبو عبد االله محمد بالفعل هذا النظام الذي يسير وفق قوانين وأنظمة صارمة، وقد كان ذلك من الأسباب التي دفعته إلى كثير من الأسفار والتنقل في بلاد المغرب غربا، ومن المناطق التي استقر بهامن جبال نفوسة شرقا إلى وادي ميزاب لتعليم الناس أمور دينهم ونشر الثقافة والمعارف في جبل نفوسة وطرابلس، ) (١الكوردي :الحياة العلمية في جبل نفوسة، ص. ٩٠ ) (٢العزابة :نظام تربوي ديني اجتماعي، وأصل العزابة من العزوب عن الدنيا والإقبال على الآخرة. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٠ ماية، جربة، تين بسلى، قطابه، تفالجت، وادي أريغ، غلافة، وقنطرارة، وأرجلان، بادية بني مصعب، ولهذا عرف بين العامة بسيدي محمد السايح).(١ مسجدا في فرسطا). (٢وهووقد أنشأ أبو عبد االله محمد بن أبي بكر ما يشير إلى أن جهوده لم تتوقف على العلم، ولكن اتسعت إلى عمارة المساجد. وصاحبنا أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر هو الابن الأشهر لعبد االله محمد بن أبي بكر هذا الفقيه المربى مؤسس نظام العزابة، فهو أحمد بن محمد بن أبي بكر الفرسطائي النفوسي، الذي نشأ في أحضان هذه الأسرة التي اشتهرت بالعلم والعلماء، فجده وأبوه ـ كما سبقت الإشارة ـ من أشهر علماء المذهب الإباضي بجبل نفوسة والشمال الإفريقي. ولم يعرف على وجه التحديد تاريخ مولده، أو مكان ولادته، فلم تتضمن كتب التراجم التي بين أيدينا ما يفيد في هذا الأمر، ولكن الدراسات ترجح أنه عاش في المدة من سنة ٤٢٠هـ إلى ٥٠٤هـ ، وهناك من يعزى ندرة المعلومات عن مكان ولادته). (٣وتاريخ نشأته الأولى لكثرة تنقلاته مع والده في هذه المرحلة، ولكن المصادر تتفق على أنه قضى فترة شبابه في تمولست التي تقع بين الحامة ومطماطة في الجنوب التونسي؛ حيث تتلمذ على يد شيخه أبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي). (٤الذي تخرج في حلقته عديد من علماء الإباضية، وكان من أشهر علماء عصره).(٥ ) (١كوردي الحياة العلمية في جبل نفوسة، ص ص. ٩١ - ٩٠ ) (٢كوردي الحياة العلمية في جبل نفوسة، ص. ٩١ ) (٣الفرسطائي :القسمة وأصول الأرضين، مقدمة المحقق، ص. ٢٥ ) (٤للاستزادة، راجع :الفرسطائي :القسمة، الطبعة الثانية، مقدمة المؤلف، هامش، ٢ص. ٢٦ ) (٥الفرسطائي :القسمة، الطبعة الثانية، مقدمة المؤلف، ص. ٢٧ ٥١الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين وقد توفرت لأبي بكر أحمد بن محمد الفرسطائي كل عوامل النبوغ وأبا، وتنقل بين جدا والتألق، فقد عاش في بيئة علمية قوامها شيوخ وعلماء ومتلاقيا مع شيوخها وعلمائها زائرا مكتباتها بلاد جبل نفوسة في رحلة العلم الذين شهدوا له بالنبوغ منذ صغره. فقد تملك علامات النبوغ ومقومات الرغبة في التعلم حتى إن شيخه أبا الربيع قال ذات مرة أثناء حضوره حلقة العلم »إن كنت أعقل وأتفرس، فإن هذا الفتى )يقصد أحمد ابن أبي بكر( يحي دين االله«).(١ حيا سنة ٥٥٧هـ١١٦١/م إلى وجود مكتبةويشير الوسياني الذي كان بالجبل كانت من المكتبات الكبيرة، وتحتوي على عدد هائل من المؤلفات، وتشير المصادر إلى أن أبا بكر أحمد بن محمد بن أبي بكر ـ صاحبنا ـ اجتهد في قراءة كتب هذه المكتبة بنفسه في أربعة أشهر، لم ينم خلالها سوى ساعات بسيطة، ويقدر عدد الكتب التي رآها بثلاثة وثلاثين ألف كتاب«).(٢ وقد ساعدت نشأة الفرسطائي في بيئة علمية، وكذلك ما تمتع به من صفات الذكاء والقدرة على التحصيل من خلال قراءاته الواسعة في مكتبات علميا، ذلك النضوج الذي انعكس في مؤلفاتهبلاد جبل نفوسة على نضوجه العلمية الدينية، تلك المؤلفات التي كتبها في أواخر سني حياته؛ حيث ذكرت المصادر أنه »لما دنت وفاته أودع علومه الكتب، فصنف تصنيفات وكتابا آخر تركه في الألواح )أي مسوده(، وهو كذلككتابا، خمسة وعشرين حتى يومنا هذا«).(٣ ) (١الفرسطائي :القسمة، الطبعة الثانية، مقدمة المؤلف، ص ٢٧عن الفرسيائي )أبو الربيع سليمان بن عبد السلام )مخطوط(. ) (٢الكوردي :الحياة العلمية في جبل نفوسة، ص. ٧٦ ) (٣الدرجيني )أبو العباس أحمد بن سعيد( :طبقات المشايخ بالمغرب، تحقيق :إبراهيم بن = فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٢ كانت مشاركته في تأليف ديوان العزابة »من بواكير تأليفه). (١وهذا الديوان موسوعة في الفقه الإباضي، وشارك فيه أحمد بن محمد بن أبي بكر ـ صاحبنا ـ بتأليف كتاب »الحيض«، ثم تتابعت مؤلفاته التي عرضت الدراسات لها، وعثر على بعض منها مخطو طا، وتم نشر بعضه الآخر، ومن أهم هذه المؤلفات كتاب فيه مسائل التوحيد مما لا يسع الإنسان جهله، وغيره وذلك من مسائل الكلام، وكتاب سيرة الدماء، الذي يبحث مسائل القصاص، وكتاب الديات، وكتاب في الفتنة، والذي يعرض للفتنة بسبب العصبية على غير سبيل الحق، وكتاب تبيين أفعال العباد الذي يبحث في الأخلاق والسلوك الإسلامي إلى الآخر حتى إنه عد من أوائل المصادر التي تعني بهذا الاتجاه التربوي في بلاد المغرب العربي، وكتاب الجامع أو »الجامع في الفروع«، ويتناول فقه العبادات، وكتاب تلخيص القسمة، الذي يبحث ما يتعلق بالقسمة من أحكام في الشريعة الإسلامية. ويذكر أحد الباحثين في إشارة لهذا الكتاب أنه »يوجد في أغلب النسخ مرتب طا بمخطوط أصول الأرضين«). (٢ويقال إن له كتابين آخرين هما كتاب الجنائز ومسائل الأموات، وقد ذكر أحد الباحثين أنه رأى مخطوطة بعنوان الأموات منسوبة لأبي العباس أحمد، ولكن »كتاب الجنائز« لم يعثر له على أثر حتى الآن. محمد طلاي، مطبعة البعث، قسنطينة، ج ، ٢ص. ٤٤٣باجو )مصطفى بن صالح( :فقه= العمارة في كتاب القسمة وأصول الأرضين، ندوة تطور العلوم الفقهية النظرية الفقهية في الفترة ١٨ - ١٥جمادى الأولى ١٤٣٣هـ ١٠ - ٧ /أبريل ٢٠١٢عمان، ص. ١٢اللوردي اليغطوري )مقرين بن محمد( سيرة مشايخ نفوسة، تحقيق :عياد الشعروني جربة، ١٣٩٣هـ ، ص. ١٧٠ ) (١الإشارة إلى أن هذا المخطوط يتضمن سير بعض العلماء ربما يكون له صلة بما ورد عن المخطوط الذي لدى مسكراي ».«Mosqueray ) (٢الفرسطائي :القسمة، الطبعة الثانية، مقدمة المحقق، ص. ٥٢ ٥٣الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين كتابا في سير مشايخ الإباضية).(١وذكر مسكراي أن أبا العباس ألف وقال إنه يملك نسخة من هذا المخطوط). (٢وكان آخر كتبه هو ما يعرف بمخطوطة »الألواح«، وهي تتناول مواضيع في الفقه، كما تهتم بالترجمة لعدد من العلماء وسيرهم العلمية والثقافية، وهذا المخطوط تركه الفرسطائي في الألواح )أي مسوده(، وهو كذلك حتى يومنا هذا).(٣ وهذه المؤلفات بجانب كتاب »أصول الأرضين« ككتاب مستقل أو مجموع مع كتاب القسمة تشكل النتاج العلمي لهذا الفقيه الكبير، وهذا الحصر البحثي للنتاج العلمي للمؤلف لا يمكن الجزم بأنه الحصر النهائي، ومن المهم أن نشير إلى أن هذا النتاج بالإضافة إلى أنه يجسد سعة علم أحمد بن محمد بن أبي بكر الفرسطائي ومساهمته العلمية الكبيرة في ثقافة المجتمع الإباضي، وبخاصة شمال إفريقية، فإن نظرة رابطة بين عناوين مؤلفاته تعكس رؤية علمية شاملة لهذا الفقيه، الذي اهتم بالبعد الشامل لحياة الإنسان عباد ة ومعاملات، وما يمر بحياته من مراحل تستوجب الإعداد التربوي الحسن، كما يلاحظ أنه عرض لما يهدد هذه الحياة من فتن، وما يساعد على تجنيب حياته الأخطار، فكان تركيزه على القصاص والديات باعتبار ارتباطهما بحياة الإنسان والمحافظة عليها في إطار الشريعة الإسلامية، وركز في مجال إعمار الأرض، وهي المهمة الثانية في حياة الإنسان، فعرض لما يعرض لهذا العمران في كتابين مهمين هما القسمة وأصول الأرضين، جمعا في كثير من المخطوطات في كتاب واحد عرف بالقسمة وأصول عنMosqueray, E.: Chromiqu d'Abou Zakaria, p. 148 :)(١ ) (٢الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، ص ص. ٥٣ - ٤١ ) (٣باجو، فقه العمارة في كتاب القسمة، ص. ١٢كوردي )محمود حسين( :الحياة العلمية في جبل نفوسة وتأثيراتها على بلاد السودان الغربي في القرن ٨ - ٢هـ١٤ - ٨/م، منشورات مؤسسة تاولت الثقافية، وسلسة دراسات تاريخية، ٢٠٠٣، ص. ٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٤ الأرضين، وناقش فيهما كل ما يتصل بحياة الإنسان المادية في مجال العمران في ترتيب منهجي واضح يساعد على تفسير ما أثير حول محتوى هذا المخطوط، وما أثاره بعضهم ـ دون وجه حق) (١ـ من وجود خلل في محتوى الكتاب يكشف عن نقص في بعض أبوابه. ولم يغفل الفرسطائي في هذه الرؤية نهاية الإنسان، وما يتصل بجنازته وموته من قضايا فقهية، وهو ما انعكس في كتابي الجنائز والأموات. وهكذا يمكن القول إن هناك تراب طا بين محتوى كتب ومؤلفات الفرسطائي، وأن هذا الترابط يغطي كل جوانب حياة المسلم في مراحلها المختلفة، وكأنه رأي أن يعطي النسق الصحيح الذي يساعد على صلاح الإنسان في حياته الدنيا باعتبارها دار ممر إلى حياته الآخرة كدار مقر. وهذه الشمولية في المعرفة تتطابق والتسمية التي أطلقها عليه الدرجيني »بيت العلم«، حيث حيا ومي تا،قال» :رحم االله أحمد بن محمد، فقد كان رحمة لأهل مذهبنا وذلك أنه في حياته »بيت العلم«).(٢ وإذا كان الفرسطائي بهذا الإنتاج العلمي قد قيد علمه بكتابته في أواخر أيام حياته، فإن هذه المخطوطات التي وصلتنا وظلت تنسخ على مستوى العالم الإسلامي حتى القرن الرابع عشر، ويتتابع نشرها الآن وفي المستقبل، فإن ذلك يعني ماد يا استفادة الأجيال من علمه استفادة متجددة بتجدد الأجيال. ولم يقتصر جهد الفرسطائي العلمي على مجال التأليف، ولكن كانت له حلقاته العلمية اتي يدرس فيها لطلابه هذه العلوم بنفسه، فقد كان الطلاب يأتونه من كل فج، فقد كان محط الرحال، ومقصد الرجال من كل مكان، ) (١الفرسطائي :القسمة، الطبعة الثانية، مقدمة المؤلف، ص. ٣٨ ) (٢عن الدرجيني :طبقات، ج /٢ص ٤٤٣؛ الفرسطائي :القسمة، الطبعة الثانية، مقدمة المؤلف، ص. ٥٤ ٥٥الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين عظيما، كما نستنج ذلك من خبر ساقهمما جعل حلقته العلمية تبلغ مبلغا الوسياني في سيره حيث يقول» :وذكر أبو عمرو أن أول من أطعم في أفريقية )تونس( سبعمائة في حلقة أبو العباس أحمد بن أبي عبد االله حلقة الزوار حلقة أبي عبد االله وحلقته«).(١ ومما يدل على مكانته العلمية باعتباره من ثقاة العلماء من شيوخ المذهب الإباضي وجود اسمه في سلسلة الإسناد في مؤلفات بعض العلماء تنتهي إلى رسول االله ژ ، فقد كان الشيخ أبو عمرو 5في إسناده يقول أخذ الدين »أبو عمرو عن أبي العباس عن أبي الربيع سليمان بن يخلف بن أبي عبد االله محمد بن أبي بكر عن أبي نوح سعيد بن زنغيل عن أبي خزر عن سحنون بن أيوب عن سعيد بن يونس عن وسيم بن نصر عن الإمام الرحمن بن رستم عن أبي عبيدٰأفلح عن والده عبد الوهاب عن الإمام عبد مسلم بن أبي كريمة عن جابر بن زيد عن عائشة عن رسول االله ژ «).(٢ وإذا كانت المصادر والدراسات والتحقيقات قد عرضت تفصيلا لمؤلفات الفرسطائي ومكانته العلمية، فإن تحقيق ونشر مخطوط »القسمة وأصول الأرضين« ونشره). (٣أكد على هذه المكانة من خلال الدراسات الفقهية البحتة التي تنظر للأحكام وأصولها ومقاصدها. فإن الدراسة العمرانية ) (١الفرسطائي :القسمة، الطبعة الثانية، مقدمة المحقق، ص ، ٣٨عن الوسياني :سير )مخطوط(، /٢ص. ١٣٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، الطبعة الثانية، مقدمة المحقق، ص ، ٣٤عن الوسياني :سير مخطوط، /٢ص. ١٤ ) (٣نشر هذا الكتاب محققا مرتين بمعرفة الشيخ بكير بن محمد الشيخ بلحاج والدكتور صالح ناصر، وكانت النشرة الثانية أكثر تدقيقا مع إضافات مهمة. والنشرة الأولى بمعرفة مكتبة التراث، القرارة، غردان الجزائر١٩٩٧، م. أما النشرة الثانية فهي نشرة حمصة ـ مسقط١٩٩٣، م. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٦ والمعمارية والآثارية لهذا الكتاب تكشف هي الأخرى عن جانب مهم من جوانب سيرة الفرسطائي العلمية. :á«a∏©dG ¬Jô«°Sh »FÉ£°SôØ∏d ájQÉa©adGh á«fGôa©dG ájDhôdG يكشف كتاب »القسمة وأصول الأرضين« عن جوانب مهمة في التكوين جليا العلمي للفرسطائي تثري المعرفة بسيرته الذاتية والعلمية، ويتضح ذلك من منهجيته في عرض موضوع الكتاب، وفي تضمين كل باب من أبواب كتابه التي تغطي كل جوانب الموضوع الذي يعرض له، ومن الأبواب الجديدة التي تميز كتابه مثل الحديث عن »القصور« باعتبارها عمارة نوعية ميزت بيئته. كذلك يتضح تكوينه العلمي من خلال مناقشته للمسائل الفقهية مع طلابه، وتحري الدقة في طرح هذه المسائل، كما أن مناقشته لبعض المسائل المتصلة بتخطيط المدن كشف عن رؤيته العمرانية في هذا التخطيط، والتي تنم عن ثقافة هندسية عمرانية معمارية عميقة، تأكدت أيضا في حديثه عن سبل التعرف على التخطيط الأصلي للدور،ملامحها وكشف جدران المتهدم منها، وكيفية إعادة المنشآت وفق رؤى معمارية وشروط محددة، وكلها مسائل توضح إلى أي مدى وصلت خبرة الفرسطائي في مجال الهندسة العمرانية والمعمارية والإنشائية، وهو جانب مهم تزيل بعض الأحكام الواردة في الكتاب اللثام عنه. ومن المهم أن نشير بشيء من التفصيل لأمثلة من المسائل والقضايا التي وردت في كتاب القسمة لنبين هذا البعد في سيرته الذاتية والعلمية من خلال هذا الكتاب. القسم الأول من الكتاب المجموع »قسمة الأرض وأصول الأرضين« يغطي موضوع »القسمة«، وهو موضوع قائم بذاته، وقد كتب كما يبدو في ٥٧الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين كتاب مستقل ـ كما سبقت الإشارة ـ عرف بـ »تلخيص القسمة«). (١لكنه جمع مع كتاب أصول الأرضين في مجموع واحد، وعرف المجموع بكتاب القسمة وأصول الأرضين، ولعل في هذا الجمع ما يفسر ما أثير من مشكلة حول ترتيب أجزاء الكتاب بعد هذا الجمع ذلك الترتيب الذي جعل كتاب الأصول باد ئا بالجزء الثالث. وكتاب القسمة كان الهدف منه كما يبدو من أسلوب كتابته الذي اتبع غالبا من تدوين الطلاب لهذانمط الحوار بين الشيخ وطلابه، والذي كان الحوار الذي جرى بلغة يتفهمها هؤلاء الطلاب الذين أتوا الشيخ ليتعرفوا على المعرفة والتدريب اللازمين لتكون القسامين الذي يشاركون في حياة مجتمعهم العمرانية والمعمارية في إطار ما اكتسبوه من معرفة وعلم على يد شيخهم الفرسطائي، وليس هناك شك في أن مجتمعهم كان في حاجة إلى من يخدم في هذا المجال باعتبار بيئتهم الجديدة في صحراء وادي ميزاب كثيرا من القبائل الإباضية بعد العنت والظلم والاضطهاد منالتي ضمت جانب الدولة الفاطمية التي أزاحت دولتهم الأولى في الشمال الإفريقي. وإذا كانت المسائل التي عرض لها الفرسطائي في كتاب القسمة شاملة لكل جوانبها، فإن أحكامه المتصلة بطرق قسمة الماء تكشف عن إلمامه أولا ثانيا من خلال نقده لطريقةبالطرق التي استخدمت لقسمة الماء، وتكشف قسمة الماء بالقواديس التي كانت متبعة في المناطق الحضارية الساحلية ببلاد الشمال الإفريقي). (٢عن خبرته الواسعة ورؤيته الشاملة التي وضعت في الاعتبار أثر حركة الماء وأثر مستويات الانحدار واختلاف كثافة كميات الماء وجريانه من وقت إلى آخر في الحسبان. وهو أمر ينم عن خبرة ميدانية مهمة ) (١الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، الطبعة الثانية، ص. ٥٢ ) (٢ابن الرامي :الإعلان بأحكام البنيان، ص ص. ٥١١ - ٥١٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٨ ساعدت على تفضيله لطريقة الوقت في قسمة الماء، كما يكشف تصنيفه لأنواع الماء ومصادره وأماكن تخزينه عن خبرة كبيرة بكل هذه الجوانب التي يتضح معها الثقافة العمرانية والمعمارية لهذا الفقيه. وفي إطار هذا يتضح أن الفرسطائي أعد للمجتمع الإباضي أجيالا من القسامين الذين شاركوا في النهضة العمرانية والمعمارية لمجتمعهم من خلال حل المسائل المتعلقة بالقسمة بصفة عامة وقسمة الماء على وجه خاص. وإذا كان الفقه الإباضي المشرقي في عمان على اتصال معرفي بالفقه العمانيينالإباضي المغربي في شمال إفريقية، وهو ما يؤكده استفادة الفقهاء مما ذكره فقهاء المغرب من أحكام، وبخاصة أحمد بن أبي بكر الفرسطائي العمانية كبيان الشرع والمصنف، فإنكما هو واضح في المصادر الفقهية نطاق تأثير الفرسطائي يتسع ليشمل المعرفة الفقهية الإباضية في عمان في مجال العمران والعمارة؛ حيث كان مرجعية علمية معتبرة لهم. وهذا يعني بصورة أخرى امتداد تأثيره العلمي في مجال العمران والعمارة إلى مناطق أخرى من مناطق العالم الإسلامي. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن كتاب القسمة وأصول الأرضين استمر نسخه في القرون التالية لتأليفه، وقد عثر على نسخ ترجع إلى القرن الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر الهجري متناثرة في المناطق الإسلامية المختلفة، ومن أقدمها نسخة نسخت في وكالة الجاموس بالقاهرة بمصر نسخت ١١٩٢هـ١٧٧٥/م). (١فإن لذلك دلالته التي تعني تداول الكتاب ليس فقط في المناطق الإباضية المذهب، ولكن في مناطق تتبع مذاهب سنية أخرى؛ كالمذهب الحنفي وغيره من المذاهب السنية لعظيم الاستفادة منه؛ ) (١الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، الطبعة الثانية، ص. ٢٣ - ١٧ ٥٩الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين حيث إنه يناقش مسائل القسمة والعمران والعمارة في إطار مصادر الشريعة بعيدا عن الخلافات المذهبية التي تمس النواحيوالسنة، الأساسية القرآن التاريخية، ومن ثم كانت لهذا الكتاب أهميته المعرفية في هذا المجال، حيث إن أحكامه تتطابق إلى حد بعيد مع الأحكام المماثلة في المصادر الفقهية السنية التي ناقشت موضوع القسمة ككتاب »رياض القاسمين« للأدرنوي).(١ ونظرا لأهمية هذا المصدر المهم »كتاب القسمة وأصول الأرضين« كثيرا من العلماء اهتموا بعرضه على الأجيال المعاصرة لهمنجد أن مختصرا شأنه شأن كثير من الكتبوالتالية من خلال تقديم الكتاب المهمة التي وضع لها العلماء المختصرات. فقد قام الشيخ عبد العزيز الثميني بوضع مختصر مهم لهذا الكتاب بعنوان التكميل لبعض ما أخل به كتاب النيل ١٢٢٣هـ١٨٠٨/م).(٢ أساسيا في تأليف اعتمادا كما أن هناك من اعتمد على هذا الكتاب مؤلف يناقش بعض قضايا العمران، ويناسب العصر الحديث مثل الشيخ محمد بن يوسف بن أطفيش. أيضا بهذا المصدر المهم، الذي جاء ضمنواهتم المستشرقون ببليوغرافيا ميزاب. أو كتب المذهب الإباضي، وهو جهد مشكور قام به المستشرق البولوينان )تاديوس لفنسكي(). (٣كما تحدث عنه بيارل كوبرلي ) (١الأدرنوي )كامي محمد بن أحمد بن إبراهيم الأدرنوي الحنفي أفندي( ١١٣٦ - ١٠٥٩هـ/ ١٧٢٣ - ١٦٤٩م :رياض القاسمين، دراسة وتحقيق :مصطفى أحمد حموش، نشر دار البشائر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سورية٢٠٠٠، م، ص ص. ١٠٢ - ٣١ ) (٢الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، ص ص. ١٤ - ١٣ )Motylinski A. de. C. Bilbliographie de M’zab Bulletin de correspondence Atricaine, vol. 3, (٣ 1885, p. 26. عن الفرسطائي :قسمة الأرض، مقدمة المحقق، ص. ١٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٦٠ من خلال بحثين مهمين عن العمارة بوادي ميزاب). (١والعمارة والحياة الاجتماعية في القرن الحادي عشر الهجري من خلال كتاب لم ينشر هو »تلخيص القسمة وأصول الأرضين«. ومع تطور الدراسات تناولت البحوث هذا الكتاب بالدراسة والبحث في المجالات الفقهية البحتة بجانب الرؤية العمرانية والمعمارية التي يرجع الفضل في ريادتها إلى كوبرلي، وتعتبر هذه الموسوعة التي نضعها بين يدي القارئ جهدا يضاف إلى هذه الجهود السابقة، تتبعها دراسات أخرى في إطار البحث. ومنهجية الفرسطائي في عرض الموضوعات العمرانية والمعمارية في إطار ترتيب يشمل البعد الزمني المرتبط بنشأة المستقر السكني التي تبدأ بإنشاء الطرق، ثم تعرض للمنازل، فالقصور، ثم الدور السكنية والمنشآت المائية تكشف هي الأخرى عن ثقافة عمرانية ومعمارية منطقية وموضوعية مرتبطة بنشأة العمران ومراحل تطوره، وحل كل المشكلات الناشئة عن الحركة العمرانية المستمرة. ويكشف المتفحص لهذه المنهجية في إطار هذه التراتب بسهولة خطأ ما أثير من مشكلة حول عمارة القصور وتناولها في آخر صفحات الجزء الثالث الخاص بالمنازل، باعتبار أن القصور نوعية من المنشآت التي تنشأ بالمنازل )المستقرات السكنية( ثم عاد في الجزء الرابع خاصة في الجزء الذي يشتمل على المفردات المعماريةليفرد لها تناولا للمستقرات السكنية، ومن أهمها بالطبع القصور والدور). (٢وربما يكون سبب هذا اللبس أن من عرضوا لهذه القضية). (٣لم يدركوا المفهوم المعماري Cuperly P. Un document ancient sur L’urbanisme au M’zab in I. B. L. A No. 148, pp. 303 - 305)(١ عن الفرسطائي :قسمة الأرض، مقدمة المحقق، الطبعة الثانية، ص. ١٥ ) (٢الفرسطائي :القسمة وأصول الأرضين، الطبعة الثانية، ص ص. ٢٦٦ - ١٩٩ ) (٣الفرسطائي :القسمة وأصول الأرضين، الطبعة الثانية، ص ص. ٥٥، ٢٢ - ٢١ ٦١الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين للقصر في إطار ما عرض له الفرسطائي، والذي يعني أنه نوعية من المنشآت التحصينية ضمن النسيج العمراني للمستقر السكني. وهو مفهوم تختلف دلالته عن الدلالة الأخرى للقصر التي تعني أنه نوعية من نوعيات المستقرات السكنية كالمنازل والقرى والمدن، ولكن يغلب عليها سمة التحصين. وكذلك تكشف بعض النصوص التي وردت في كتاب أصول الأرضين عن جانب مهم من جوانب الثقافة والخبرة بالمجالات العمرانية للفرسطائي، وهو جانب »تخطيط المدن«؛ حيث يعرض لنماذج مهمة من تخطيط شبكات الطرق بالمستقر السكني سواء كان مدينة أو غيرها. وطرح هذه الرؤى التخطيطية لشبكة الطرق في مستقر سكني ينشأ بتخطيط متكامل دفعة واحدة لا يكون إلا من خبير عمراني له دراية بالتخطيط العمراني والهندسة المعمارية، وهذه الرؤية مع ما ورد في ثنايا حديثه عن الجوانب المعمارية للمنشآت وكشف أساسات جدرانها، وإعادة بنائها بذات المواد والمقاييس أمر مهم يكشف عن رؤية »فقيه خبير بالعمران والبناء، تناظر خبرة المهندس المتخصص في هذه المجالات«). (١ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الشيخ فرج بن نصر النفوسي المعروف بنفاث كان باعه طويلا في العلم والثقافة ودرايته بالهندسة والبناء). (٢وهو ما يعني أن ثقافة الفقهاء والشيوخ كانت تتسع للمعرفة بالنواحي العمرانية والمعمارية، وهو ما تؤكده خبرة الفرسطائي التي انعكست في أحكامه الفقهية المرتبطة بتخطيط الطرق وإنشاء المنشآت. 6th Centuries A. H. (11th - 12thـ Osman (M. A.): Built Environment in Ibadi Law in 5th)(١ 29th May 2013. Krakow, pp. 6 - 7.ـ A. D.). The International Conference, May 27th ) (٢كوردي )محمود حسين( :الحياة العلمية في جبل نفوسة وتأثيراتها في السودان الغربي خلال القرن ٨ - ٢هـ١٤ - ٨/م، ص. ٧٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٦٢ أيضا لا ينكر أحد تأثير البيئة في تكوين الرؤية العلمية، وواضح هذا التأثير وتحديدا من خلال ما عرض منفي الرؤية العمرانية والمعمارية للفرسطائي، أحكام تتعلق بالقصور، وهي الأحكام التي تميز كتابه أصول الأرضين، ولم ترد بهذا التميز والتفصيل في أي من المصادر الفقهية التي تحدثت عن العمران والعمارة سواء في بلاد الشمال الإفريقي أو غيرها فيما نعلم من هذه المصادر. ومحاولة تفسير هذا التوجه تبدو ميسورة في إطار ما ورد في المصادر من غالبا كان لها التأثير الواضح في ذلك. فقد أشارت المصادر إلى ما كانأحداث يحدث من حروب في وادي ميزاب، ومنها الفتنة بين القبائل التي وقعت ٤٧١هـ بين قبيلة خيران وتاغمارت، وهي أول فتنة وقعت بين وهيبة أريغ).(١ ومن أحداث الفتن والقلاقل ما عايشه الفرسطائي بنفسه؛ حيث يذكر الشماخي حادثة وقعت سنة ٥٠٢هـ أي قبيل وفاة أبي العباس بسنتين اثنتين، قاد فيها حملة دفاعية ضد غاز يدعى »عتان بن ديلم الطرفي«، فقد نزل هذا الأخير بأريغ فحشد عليه أبو العباس قبيلة مغراوة فردوه، ثم نزل ثانية فحشدهم فردوه وهزموه، وقد قتل من بني »يطوفت« ستين رجلا، وحمل رؤوسها، فلما هزمهم استنقذ الرءوس ودفنها، وأكثر من معه »بنو ورتيزلن« عظيما، وأراد غدر الشيخ وتبييته،جمعأ أيضا قيل إنه قرب ألف، وجمع وأخفى سيره، فلم يشعر بهم الشيخ حتى قربوا فوقع إليه الخبر مع جساس، وأسرى ليلة، وقصد أبا العباس فلم يجده، وهدم قصره، وجمع عليه أبو العباس »بني ورتيزلين«، وأهل رأس الوادي، فقال له »فلفل بن فلنار« »هذا رجل غدار، فإياك أن تخرج إليه إذا طلب رؤيتك، فطلب عنان رؤية أبي العباس، ومنعه الناس أن يخرج إليه، قال الشيخ أبو عبد االله» :إن أبى الرجوع فاقتلوه، لأن قتل واحد خير من قتل الجميع«، وأفسد عنان النخيل، ) (١الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، الطبعة الثانية، ص. ٣٣ - ٣٢ ٦٣الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين وأفسد الغابة وذلك في عام اثنين وخمسمائة، ثم لحقه بعد أن ارتحل ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا من بني »ورينزلين« ومعهم غيرهم، فهرسوه، ونهبوا ما قدروا، وقتلوا ما قتلوا«). (١وهذه القصة كانت وراء تلقيبه بإمام دفاع).(٢ وهذه الحوادث تشير إلى المناخ العام من القلاقل والفتن التي سادت عصر الفرسطائي طبعت حياة الناس بالخوف والتوجس). (٣وهو الشعور الذي يبدو معه الحاجة لإنشاء القصور التي ركز الفرسطائي على أحكام إنشائها وعمارتها وصيانتها وسكناها في موضعين أحدهما عندما عرض للمستقرات السكنية المنازل باعتبار أن هذه القصور من أهم مفردات نسيجها العمراني، وفي الجزء الرابع الذي خصصه للدور والقصور في عرض تفصيلي لأحكام القصور ثم الدور. وقد ورد في سياق الموقعة التي كان طرفها الشيخ أبو العباس أحمد الفرسطائي، ورد ما يشير إلى أنه هو نفسه كان له قصر خاص به هدمه خصمه أثناء هذه الحادثة، وهو ما يؤكد معايشة الفرسطائي وخبرته بهذه متميزا من إفرادا النوعية من العمارة التي أفرد لها في كتابه أصول الأرضين واقع خبرته ومعايشته. ومن المهم الإشارة إلى أن الفرسطائي أقام في تمولست بعد وفاة والده مصاحبا شيخه أبا الربيع سليمان بن يخلف، وظل بها حتى ٤٧١هـ ، ثم ارتحل منها بعد وفاة شيخه، وأخيه أبي يعقوب يوسف بن محمد، وكانت رحلته الأخيرة من تمولست إلى قرية »أجلو الغربي« التي بقي فيها إلى أن ) (١الشماخي )أبو العباس أحمد بن سعيد( :سير المشايخ، الطبعة الأولى، ص ٤٢٥؛ الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، الطبعة الثانية، ص. ٣٣ - ٣٢ ) (٢الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، الطبعة الثانية، ص. ٣٢ ) (٣الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، الطبعة الثانية، ص. ٣٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٦٤ وافته المنية سنة ٥٠٤هـ ، كما ورد في المصادر، ويذكر الشيخ أبو اليقضان أنه دفن في »تنين اسلي«) (١إلى جانب والده، وما يزال قبراهما موجودين إلى يومنا هذا«).(٢ á«fGôaY ájDhQ ∫ÓN øe zø«°VQC’G ∫ƒ°UCGh áa°ù≤dG{ ÜÉàc iƒàëe ájôKCG ájQÉa©eh تركز هذه الدراسة على البعد العمراني والمعماري والأثري باعتبار أهمية هذا المصدر في دراسة العمارة الإباضية سواء ما بقي منها على سطح الأرض، أو ما تعرض للاندثار، ويمكن الكشف عن بقاياه في أي وقت، وفي أي موضع يتبع ثقافة المذهب الإباضي بصفة خاصة. وكتاب القسمة وأصول الأرضين يمكن أن يكون مجموع يضم كتابين جمعا في مجموع واحد،أولهما تلخيص القسمة، والثاني أصول الأرضين أيضا وتابع النساخون نسخه في إطار ترابط الموضوعين، كما أنه من الممكن واحدا يتناول فيه مؤلفه موضوع القسمة كمدخل أساس ومهمأن يكونا مؤلفا لموضوع أصول الأرضين. وقد نحا مثل هذا النحو الأدرنوي في كتابه »رياض القاسمين«، الذي سبقت الإشارة إليه في حياة المؤلف التي تمتد من )١١٣٦ - ١٠٥٩هـ١٧٢٣ - ١٦٤٩/م(، وتاريخ معاصر لبعض فترات نسخ كتاب القسمة وأصول الأرضين، وهو ما يعني أن ثقافة العصر العثماني كانت مدركة للجمع بين الموضوعين في كتاب واحد، وهي ثقافة تختلف عن ثقافة العصور قائما بذاته. الإسلامية المبكرة، التي اعتبرت أحيا نا »القسمة« موضو عا للتأليف ) (١تين اسلي :تعرف اليوم بـ »بليدة أعمر« وهي غير بعيدة عن تقرت جنوب الجزائر. الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، الطبعة الثانية، ص. ٣٣ ) (٢الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، الطبعة الثانية، ص. ٣٣ ٦٥الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين وقد فصل الفرسطائي في كتاب القسمة كل ما يتصل بهذا الموضوع في عرض مركز يتفق وما وصف في المصادر من أنه تلخيص للقسمة، فعرض في باب مهم للشركة وبيانها، وأتبعه بيان في شركة المنافع وتصحيح القسمة، ثم باب ثالث عرض فيه لما تجوز فيه القسمة، وما لا تجوز، ثم في باب رابع عرض القسمة ما يوزن ويكال، وفي باب خامس عرض في باب يناقش فيه ما يدخل في قسمة المواريث من الخطأ والعمد، ثم ختم بباب قسمة الماء. وهذا الباب الأخير من الأهمية بمكان للدراسة العمرانية والمعمارية والأثرية؛ حيث إنه يتضمن الأسس التي تقوم عليها عملية عارضا لأماكن تخزينه والمنشآت المائية الأخرى التيالقسمة بأنواعها، تنقله من مصادره إلى حيث مناطق استخدامه، وهذا الباب أساس مهم لفهم بعدا القضايا والمشكلات والنوازل التي تتعلق بقسمة الماء، ويعكس مهما في هذا المجال.حضار يا وفي الكتاب الخاص بالأصول، يلاحظ منهجية الفرسطائي في تناول القضايا العمرانية الرئيسة، اتي تحدد نشأة المستقر العمراني، وتطوره من خلال شبكة الطرق التي تمثل روابط النسيج العمراني، فعرض للطرق ومسالكها واختلاف قياساتها وأسباب تحويلها، ثم عرض لقضية إثبات الطرق ثم في إطار هذا العرض وفي تتبع تفاصيله عرض للقناطر التي تنشأ على الطرق باعتبار أنها منشآت معمارية ترتبط ارتبا طا عضو يا بالطرق، ثم عرض في باب منفرد للطرق التي تربط المناطق السكنية وأهمها الدور، وفي عرض تفصيلي لهذا النوع ناقش زقاق الشارع والتمانع في الطرق بين الدور. من خلال مسائل متصلة بها الموضوع، كالميزاب، الذي هو عنصر معماري يرتبط في الغالب ارتبا طا عضو يا بالطرق التي يصب ماءه فيها، وعرض أيضا لقضية المرور وحركته، وبخاصة في الطرق الضيقة. وفي نهاية هذا الجزء من فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٦٦ الكتاب أشار إلى القصور باعتبارها مكو نا معمار يا من مكونات المستقرات السكنية سواء كانت قرى أو مدن أو منازل، وهذا العرض تسبب في لبس لدى بعض الباحثين الذين رأوا فيها خللا تسبب فيه النساخون، سيما وأن الجزء الرابع يناقش تفصيلا موضوع القصور). (١ولكن المراجعة المعمارية تكشف عن أن الفرسطائي عرض في الجزء الثالث لموضوع الإنشاء المعماري للقصور، فقد جاء الحديث عنه بعنوان »باب في إنشاء القصر وبنيانه«، وفي الجزء الرابع ناقش القضايا والنوازل المتعلقة بما يتمانع فيه أهل القصرين لمضرة، وعرض لكل المسائل المتصلة بهذا الموضوع، ثم تلا أيضا منذلك المشكلات المتعلقة بالدور والبيوت والبساتين باعتبار أنها مكونات المستقرات السكنية، وباعتبار ما يحدث بين ملاكها وساكنيها من خلافات تتطلب الحل من خلال ما يصدر بشأنها من أحكام. والباب الأخير من الجزء الثالث عرض في صدر الجزء الثالث منه لنوازل ومسائل تتعلق بعمارة القصور بمستخدميها وملاكها وحراستها له أهمية بالغة بالنسبة للدراسات المتصلة بتاريخ العمارة من منظور تاريخي ووظيفي وأثري حيث إن ما ورد فيه من أحكام يكشف عن معلومات مهمة إنشاء ووظيفة في عصر إنشائها. وهذه المعلوماتتتصل بعمارة القصور نقصا في المصادر الأخرى لدراسة تاريخ العمارة من منظور أثريتكمل وتساعد على تفسير ما يكشف من مبانأثرية أو ما بقي منها دراسة أكثر عمقا وتحليلا، وهو ما يبرز أهمية كتاب الفرسطائي للدراسات العمرانية والمعمارية والأثرية التي تضيف إلى المعرفة في هذا المجال، كما تساعد في وسياحيا. وثقافيا مشروعات توثيق وترميم هذه العمائر وتوظيفها أثر يا ) (١الفرسطائي :القسمة وأصول الأرضين، مقدمة المحقق، ص. ٥٩ ٦٧الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين أما في الجزء الخامس من كتاب الأصول، فيركز على جانب آخر من بابا لعمارة الأرض والمطر جوانب العمران وهو العمران الزراعي، ويتضمن وبابا فيما يجوز للرجل من مساقي وما لا يجوز له،وبابا في المصارف، وباب في حرث الأرض، ويستكمل هذا الموضوع في الجزء السادس برؤية مشابهة للرؤية التي ربط بها المؤلف بين الجزأين الثالث والرابع. وفي الجزء السابع عرض لقضايا نزع المضرات التي تحدث نتيجة التفاعل والاختلاف على الملكية، ويعرض كل ما يتعلق بهذا الموضوع من مهما في الحريم بكل أنواعه سواء حريمبابا مسائل، ويتضمن هذا الجزء عروق الشجر أو حريم الطرق أو حريم الساقية، أو حريم العيون أو الآبار، أو حريم الوادي أو البحر أو المدينة. وفي إطار هذا الموضوع يعرض لمسألة حفر الغيران والآبار والمواجل، ومسألة حريم الغار. وفي الجزء الثامن من كتاب الأصول ناقش الفرسطائي مسائل الغراس باعتباره نوعية من أنواع العمران الزراعي ابتداء، فعرض لعملية الإنشاء متمثلة في عملية غرس الأرض بالأشجار، وما يتصل بها من مشكلات أيضا في تتصل بالأرض المغروسة، وطبيعة ملكيتها، وفي هذا الجزء عرض إطار تواصل الموضوعات للأرض المشاع وما يتصل بها من مسائل. وفي هذه الأجزاء من الجزء الخامس إلى الثامن تتضمن المسائل المعروضة مناقشة لمنشآت معمارية مهمة كالسواقي والعيون والآبار والغيران وغيرها تكمل التصور العمراني والمعماري الذي ورد في الأجزاء السابقة عليها من الكتاب، وتضيف المعلومات الواردة في هذه الأجزاء معلومات مهمة لدراسة العمارة الإسلامية الإباضية في القرن ٦ - ٥هـ١٢ - ١١/م. وفي إطار ما سبق يتضح للمتخصصين في الفقه أن كتاب »القسمة وأصول الأرضين« يمثل رؤية مهمة في التنظير للعمران من الزاوية الفقهية فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٦٨ تحديدا لأنواع النشاط الإنساني، وتفعيلا لأحكام الفقه في مختلف وجوه النشاط، فهو يتضمن نظرة شاملة دقيقة لكل صورة العمارة البشرية بناء على واقع معيش، مما يقدم صورةلا انطلاقا من تصور افتراضي، بل أمينة لدور الفقيه التي تمتزج بالواقع في أدق تفاصيله، ويحرص على صبغه بالشرع، وتحقيق رسالة الشريعة، وهي إقامة العدل، وضمان الحقوق، ورفع الضرر الحاصل«).(١ أيضا أن القواعد الشرعية التي تأسست عليها الأحكاموهناك من يرى التي عرضها الفرسطائي، وهذه القواعد هي لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، والضرر يزال، ودفع المضار مقدم على جلب المصلحة، ومصلحة الجماعة تقدم عى مصلحة الفرد عند التعارض، ومبدأ سد الذريعة، والوسائل تأخذ حكم المقاصد، وصحيح أنه لم يصرح بهذه الأصول إلا أنها ظاهرة لمن أراد أن يستنطق النص).(٢ وتكشف الدراسة التحليلية للأحكام عن قواعد مهمة خاصة بالمنشآت المعمارية، فمن هذه القواعد والمعايير احترام التصميم المعماري الأصلي عند الإصلاح أو إعادة البناء أو الترميم. وهو ما يعني إعادة الأثر المعماري إلى حالته الأولى، ولا تحدث أي إضافة إلا إذا كان فيها الصلاح وبموافقة أصحاب المصلحة. كما أن من أهم هذه المعايير المرجعية الأساسية في الشؤون المعمارية والعمرانية هم أهل النظر والصلاح، والاستفادة من خبراتهم في معالجة المنشآت المعمارية أو إنشائها من الأصل. ) (١باجو :فقه العمارة في كتاب القسمة، ص ص. ٢٢ - ٢١ ) (٢الفرسطائي :القسمة وأصول الأرضين، من تقديم فهمي بن عمر التيواجني، الطبعة الثانية، ص. ٩ ٦٩الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين وكذلك يستشف من بعض الأحكام أن الاتفاق بين أصحاب المشكلة ومقدما على كل اعتبار في كثير من الحالات التي تتطلبأساسيا أمرا كان كثيرا هذا الاتفاق، وهذه الرؤية المجتمعية لاحترام التوافق والأخذ به يجنب من المشكلات الخاصة بالمشروعات المعمارية الناشئة الجديدة، ويساعد أيضا على إصلاح أو تعديل ما تم إنشاؤه لغرض ما، وهذا مبدأ مهم ساعد على تجاوز كثير من المشكلات، ويمكن أن يصاغ في حياتنا المعاصرة استلهاما من تراث الأجداد والفقهاء كالفرسطائي وغيره. وهناك معيار ديني متكرر ورد في بعض الأحكام، وهذا المعيار هو الحرمة في اتخاذ قرار من فرد بينه وبين االله). (١وهذا المعيار يرجع بعض التصرفات إلى الأفراد أنفسهم في بعض المسائل من خلال هذا التصور الديني القائم على أن الأعمال بالنيات، وأن لكل امرئ ما نوى، وأن النيات في النهاية محكومة بمعرفة االله خالق البشر، وتأسيس القرار على بعيدا عن تدخلالعلاقة بين العبد وربه في إطار نواياه والرضا بهذا القرار الفقيه أو القاضي وهي رؤية كانت معالجة لبعض المسائل التي تقضي ومستندا إلى واردا أمورها من خلال هذا المعيار. أما إذا كان الحكم قواعد الشريعة، فإن معيار الاستناد إلى حكم الفقيه أو القاضي يكون هو المسار الأساسي. وإذا كان ما ورد في كتاب الفرسطائي من أحكام له أهميته من الناحية الفقهية النظرية البحتة، ومن الناحية التطبيقية المباشرة، ومن الناحية العمرانية والمعمارية والأثرية التي تعرض لها تفصيلا في الدراسة في الفصل التالي. فإن هذا المصدر له أهمية خاصة في إطار البعد اللغوي. وقضية اللغة في هذا الكتاب كانت مثار جدل من بعض الباحثين الذين لفت انتباههم ركاكة اللغة ) (١الفرسطائي :القسمة، ص ١٠١؛ ص ص. ٤٥٢ - ٤٥١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٧٠ التي كتب بها هذا الكتاب، وقد سبقت الإشارة إلى أسباب ذلك، تلك الأسباب التي ترجح أن الكتاب إما أنه من تدوين الطلاب في إطار المحاورات التي يجريها الشيخ الفرسطائي معهم، أو أنه تضمن هذه المفردات التي تناسب طبيعة الكتاب الذي يمثل الرسالة وطبيعة المتلقين للرسالة إذا ما اعتبرنا أن الكتاب كان من أهم وسائل الاتصال في العصور، فالمرسل وهو المؤلف صاغ رسالته وهي الكتاب بمفردات تناسب المستقبل وهم الطلاب). (١ويؤكد هذه الحقيقة كتب أخرى من نفس المرسل، وهو الفرسطائي، ولكن الرسالة أرسلت إلى مستقبل من نوعية أخرى غير نوعية الطلاب، الذين كانت غالبيتهم من البربر، ويلحظ ذلك في كتاب الألواح ردا من الفرسطائي إلىوكتاب أبي مسألة وهذا الكتاب الأخير يتضمن أبي عبد االله محمد النفوسي الذي كان الدافع وراء تأليفه كتابه هذا إذا كتب إليه من »أبديلان« يرغب إليه في مختصر يشتمل على مسائل في الفروع كتب »أما بعد أرشدك االله إلى الدين، وأمدك بعونه وتمكينه، فإنك كتبت إلينا بعضا من أصول مجمل الفتيا، مما يتأتى لناكتابا، فذكرت فيه أن أشرح لك علمه، ويتيسر لنا جمعه، فألفيتنا ـ رحمك االله ـ والقلب متحير، والعقل متخمر، والأحداث حائلة، والمحن متوالية، لكن التزمت ذلك لإفادتك، إذ الواجب حقك علينا، اللازم برك لدينا، وإن لم يكن طبق المراد بقلة علمنا، ويسير فهمنا، إذ لم نلحق بدرجة من قبلنا، ممن كان لذلك أهلا من الأئمة المتقدمة النافذة عقولهم في العلم والأدب والآثار من مشايخ المسلمين).(٢ هذا هو مستوى الرسالة المتمثلة في هذا الكتاب إلى المستقبل الذي طلب الكتاب، وهو مستوى أرقى بكثير من الناحية اللغوية من مستوى طلاب من ) (١الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، الطبعة الثانية، ص ص. ٦٣ - ٦١ ) (٢الفرسطائي :القسمة، مقدمة المحقق، الطبعة الانية، ص ، ٦٣عن كتاب أبي مسألة، إعداد محمد صدقي إبراهيم، مطبعة البعث، قسنطينة، الجزائر١٤٠٤، هـ١٩٨٤/م. ٧١الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين البربر سجلوا محاوراتهم مع الفرسطائي بلغتهم، كما تشير إلى ذلك مواضع كثيرة من الكتاب).(١ وإذا كانت لغة الكتاب في كثير من المواضع تتجه إلى مستوى لغة العامة وليس اللغة العربية الفصيحة، فإنه يشكل مادة علمية مهمة للمتخصصين في اللغويات والمهتمين باللغة العامية، وهي اللغة التي وردت في كثير من المصادر، ويعتقد أنها ظهرت بوضوح منذ القرن العاشر مبكرا من مصدرا الهجري، ووضوح هذه الظاهرة في كتاب القسمة يوجد أيضا المصادر العربية الإسلامية التراثية التي تجسد هذه الظاهرة، ويشمل مفردات لغوية محلية لمنطقة صحراوية غالبية سكانها من البربر مما يعطيها خاصا. تميزا وفي إطار البعد اللغوي من المهم الإشارة إلى أن كتاب القسمة وأصول كبيرا من الألفاظ والمصطلحات المعمارية تشكلعددا الأرضين يتضمن مهما بالنسبة لدراسة معجما معمار يا أثر يا دراستها من خلال هذا البعد المصطلحات الأثرية المعمارية التي تختلف دلالتها من فترة إلى أخرى، ومن منطقة جغرافية إلى منطقة أخرى، ومن بيئة إلى بيئة أخرى، ورصد هذه المصطلحات في المجلد الثاني من هذه الدراسة يهدف إلى تحقيق هذا البعد أيضا على فهم الأحكام الفقهية،اللغوي في الدراسة، والذي يساعد بدوره ويفيد في دراستها من الناحية الفقهية، بالإضافة إلى الناحية العمرانية والمعمارية، كما أنه يساعد على توثيق العمارة الإباضية الباقية باستخدام مصطلحاتها في التوثيق، وهذه غاية من غايات الدراسات المعمارية والتحليلية لهذه النوعية من العمارة الإسلامية. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٦، ١٧٢، ١٤٦ الفصل الثاني القسمة الفصل الثاني :القسـمة فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٧٤ {:zø«°VQC’G ∫ƒ°UCGh áa°ù≤dG ájQÉa©e ájQÉKBG á°SGQO :ó«¡aJ تمثل القسمة القسم الأول من كتاب الفرسطائي، فقد استهل به باعتبار أنها الأساس في التصرفات التي تحدث في الأصول، ويعتبر كتاب الفرسطائي القسمة وأصول الأرضين من أوائل كتب التراث التي وصلتنا، والذي يتخصص في القسمة وأصول الأرضين، باعتبار أهمية هذا المبحث في مجال العمران. ويبدو أن هذا المبحث كان من المباحث التي استمر التأليف في مجالها باعتبار أهميتها، ولا أدل على ذلك من كتاب كامي محمد بن أحمد بن إبراهيم الأدرنوي الحنفي )١١٣٦ - ١٠٥٩هـ/ أيضا في هذا المجال هو »رياضمهما مصدرا ١٧٢٣ - ١٦٤٩م( الذي ألف القاسمين«). (١واتبع فيه نفس منهجية الفرسطائي؛ حيث خصص القسم الأول من الكتاب وأسماه القسمة، ثم عرض بعد ذلك لأصول الأرضين، وما يتصل بها من عمارة ومن تصرفات. ) (١الأدرنوي )كامي محمد بن أحمد( :رياض القاسمين، دراسة وتحقيق مصطفى أحمد بن حموش، دار البشائر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق٢٠٠٠، م. ويلاحظ أن المحقق طرح اسما آخر بعد العنوان الأساس سماه رياض القاسمين أو »فقه العمران الإسلامي«، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة؛ لأن هذا يخالف أصول التحقيق العلمي. ٧٥الفصل الثاني :القسـمة أيضا من الأبواب المهمة في كتب الفقهولا شك أن القسمة كانت العامة، كما أن كتب رسوم القضاة وآدابهم عرضت لوظيفة »القسام« الذي يقوم بالقسمة، وهي وظيفة مهمة من بين الوظائف المعاونة) (١للقضاة، والتي يستفيد منها العامة في حالات قسمة الأصول والأموال التي يعايشها المجتمع في كل العصور. قساما من وتشير مصادر أدب القضاة إلى أن القاضي ينبغي »أن يتخذ أهل الفقه والأمانة حتى لا يميل بأخذ الرشوة إلى البعض، ويجب أن يكون عالما بالقسمة، كما يجب أن يكون القاسم عدلا مأمو ناالقاسم عدلا أمي نا عالما بالقسمة؛ لأنه من جنس عمل القضاء، ولأنه لا بد له من القدرة وهي بالعلم، ومن الاعتماد على قوله وهو بالأمانة).(٢ أيضا دوره في مجال الشهادة أمام القضاة، فيذكر الأسديوكان للقسام ما يشير إلى أن شهادة القسام أولى من غيره في مسائل القسمة من غيره أيضا العرفاء).(٣ بشرط أن تكون له المعرفة بأحوال البناء التي يدركها وكان القسام يقوم أحيا نا بعملية القسمة، ويتم توثيقها فيما يعرف بكتاب القسمة الذي يستند إليه القضاة في حسم أية خلافات لاحقة تتعلق بها).(٤ أيضا الأمين، والعريف، والبناء الخبير؛ كابن الرامي، الذين كانوا ) (١من هذه الوظائف يعاونون القضاة كخبراء في مجال العمارة؛ لحسم بعض المشكلات الفنية المتصلة بالمباني موضع النزاع، كما كانوا يساعدون العامة في حل ما يطرأ بينهم من مشكلات أو تصرفات تتعلق بالمباني. ) (٢الأدرنوي :رياض القاسمين، ص. ٣٢ ) (٣الأسدي )أبو الإصبع عيسى بن سهيل بن عبد االله الأسدي، ت٤٨٦ :هـ( :الإعلام بنوازل الأحكام المعروف بالأحكام الكبرى، تحقيق :نورة محمد عبد العزيز التويجري١٩٩٥، م، جزء ، ١ص. ٤٨٩ - ٤٨٨ ) (٤الأسدي :الإعلام بنوازل الأحكام، ج /١ص ٦٦٨؛ الأدرنوي :رياض القاسمين، ص. ٣٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٧٦ وفي إطار ما سبق تتضح أهمية المعرفة بفقه القسمة وارتباطه بأصول الأرضين، باعتبار أن وظيفة »القسمة« من جنس عمل القضاة كما قال وتأسيسا على ذلك تظهر أهمية الدور التعليمي والمعرفي لكتابالأدرنوي. الفرسطائي لإعداد قسامين يتولون عمل القسمة في المجتمع الإباضي، مستندين إلى معرفة وعلم وفقه يؤهلهم للقيام بهذا الدور. وهو ذات الدور الذي يقوم به مثل هذا الكتاب للعرفاء الذين يتولون النظر في مسائل عمران أصول الأرضين، وهو دور مهم متخصص استحق أن تفرد له المؤلفات مهما من فروع فقه العمران، بجانب ما كانتالخاصة به، باعتباره فر عا تشتمل عليه كتب الفقه العامة من أبواب تختص بالقسمة، وهذا الإفراد معرفيا بهذا الفرع من فروع فقه العمران، ويمثل لبنة مهمة مننضجا يعكس لبنات البناء المعرفي التراكمي فيه. ووظيفة القسام عرفت منذ عهد مبكر من التاريخ الإسلامي؛ فقد »ذكر عن علي بن أبي طالب ƒأن عبد االله بن يحيى كان يقسم لعلي الدور والأرضين، أجرا«).(١ ويأخذ على ذلك أيضا وهذه الرواية تحتمل أن القسام كان يأخذ أجره من علي، وتحتمل صحيحا، ففي هذاأنه كان يأخذ أجره من الناس. فإذا كان الاحتمال الأول دليل على جواز إعطاء الأجر للقسام من بيت المال، وإن كان الاحتمال صحيحا، فإن أجر القسام يأخذه من الناس. الثاني وفي سياق ما عرض من آراء حول أحقية القسام في الأجر من بيت المال، يشير الأدرنوي إلى أن القوم إذا طلبوا من القاضي القسمة، يجب عليه القسمة كما لو طلبوا من القاضي القضاء وأجر القاضي من بيت المال ) (١الأدرنوي :رياض القاسمين، ص. ٣٣ ٧٧الفصل الثاني :القسـمة هكذا أجر أعوانه، فصار القاسم بمنزلة الكاتب، وأجره من بيت المال وكذا أجر القاسم«).(١ وكان القاضي ينصب القسام ليقسم بين الناس بغير أجر؛ لأن القسمة من عمل القضاء من حيث إنه يتم به قطع المنازعة فأشبه رزق القاضي، غرما ولأن منفعة نصب القاسم تعم العامة، فيكون لكفايته من مالهم بالغنم«). (٢وهذا يعني أن أجرة القاضي القاسم يمكن أن تكون من مال المقسمين، وقد اختلفت الآراء في تحديدها فقال أبو الحسن الكرخي وشمس الأئمة محمد بن سهل، والفقيه أبو الليث للقاضي ربع العشر«).(٣ وفي هذا السياق يشير الأدرنوي إلى أنه لا ينبغي للقاضي أن يجبر الناس على أن يتاجروا باسمه، لأنه لو فعل ذلك لحكم القاسم على الناس، فإن اصطلحوا ـ يعني الشركاء ـ على قسمة غيره، ولم يرجعوا إلى القاضي، فذلك جائز لهم؛ لأن في القسمة معنى المعاوضة، وتميز الملك، فيثبت بالتراضي كسائر المعاوضات«).(٤ ولا يقتصر دور القسام على التقسيم، ولكن يحدث أحيا نا أن يختلف المقتسمون من الورثة أو المشتركين، فإن أنكر بعضهم استيفاء نصيبه فشهد القاسمان أن استوفى نصيبه تقبل شهادتهما«. ويشير هذا النص إلى أن القسمة كان يتولاها أحيا نا قاسمان. وكان القسام يتمتع بخبرات ومهارات خاصة يعكسها ما تسجله المصادر من إجراءات كان يقوم بها لعمل القسمة، فيذكر الأدرنوي ثقافة عصره، فيذكر ) (١الأدرنوي :رياض القاسمين، ص. ٣٣ ) (٢الأدرنوي :رياض القاسمين، ص. ٣٣ ) (٣الأدرنوي :رياض القاسمين، ص ص. ٣٤ - ٣٣ ) (٤الأدرنوي :رياض القاسمين، ص. ٣٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٧٨ أن علي القاسم »أن يصور ما يقسم أي ينبغي للقاسم أن يصور ما يقسمه على القرطاس؛ ليمكنه حفظه أو يعدله أو يسويه على مهام القسمة، ويذرعه ليعرف قدره، ويقوم بناءه؛ إذ ربما يحتاج إليه بالأجر، ويفرز كل قسم، أي يميزه عن الباقي بطريقة وشربه لئلا يكون لنصيب بعضهم تعلق بنصيب الآخر، فيتحقق منه التمييز والإفراز على الكمال«).(١ وإذا كان الأدرنوي قد سجل هذا الأمر فإن ما ورد من أحكام للفرسطائي تعكس بصورة غير مباشرة اتباع مثل هذه الإجراءات).(٢ ومن المهم الإشارة إلى أن القسام الذي لا يمتلك قدرة تقويم البناء، كان له أن يستعين أحيا نا بالبناء لتقويم البناء؛ »لأن القسمة لتعديل الأنصباء، ولا يحصل التعديل إلا بتقويم البناء، لأن قيمته أكثر من قيمة المساحة، ويقوم البناء أولا؛ لأنه يحتاج على ذلك حال القسمة؛ لأن تقسيم المساحة بالذراع والبناء بالقيمة، ويفرز كل نصيب عن الآخر حتى تنقطع المنازعة على التمام، فيقول هذا لك، وهذا له، وهذا للآخر«).(٣ ومن المهم الإشارة هنا إلى أن كتاب الفرسطائي القسمة وأصول الأرضين عرض في كثير من الأحكام إلى نقاط معرفية مهمة تتصل بالتخطيط والإنشاء المعماري، تزود تلاميذه بالمعرفة اللازمة التي تعينهم على إجراء القسمة، وهو ما يكشف عن أنه كان سابقا إلى تحقيق هذه المعرفة لطلابه الذين يعدهم للعمل في هذا المجال، وهو ما يبين الربط العضوي بين »كتاب القسمة« وكتاب »أصول الأرضين« تمثل في مجموع جامعا لهما. واحد أو مؤلف واحد ) (١الأدرنوي :رياض القاسمين، ص. ٣٦ ) (٢سنعود لتوضيح ذلك بأمثلة عند دراسة القسم الثاني من الكتاب المتعلق بأصول الأرضين. ) (٣الأدرنوي :رياض القاسمين، ص. ٣٦ ٧٩الفصل الثاني :القسـمة وكانت كتابة السجلات والمحاضر التي توثق للقسمة ـ كما سبقت الإشارة ـ من الإجراءات المهمة التي يقوم بها القسامون سواء أكانوا من القضاة أنفسهم أو من غيرهم من القسامين، وتشير المصادر إلى أنه إن كان يمكن للقسام أن يقوم بهذه العملية بنفسه أو يتولاها الصكاكون) (١أو الكتاب، وذلك نظير أجر، وحددت بعض المصادر قيمة هذا الأجر ارتبا طا بقيمة المال أو الأصل المقسوم).(٢ وقد أشارت أحكام الفرسطائي التي تتعلق بأدلة الملكية وثبوتها إلى ما كان يكتب من وثائق تدل على ذلك، وهو ما يشير ضم نا إلى أن المجتمع متبعا في بقية المجتمعاتمسايرا لما كان الإباضي كان في هذا الأمر الإسلامية. وما ورد في هذه الأحكام لا يقف فقط عند كونه دليلا من أدلة إثبات الملكية، بل هذه الأحكام تشير إلى أهمية الوعي بقيمة الوثائق المكتوبة التي تسجل الملكية بصور تصرفاتها المختلفة؛ كالقسمة وغيرها. :ájQÉa©adGh á«fGôa©dG É¡àd’Oh áa°ù≤dG ΩÉμMCG كثيرا من تضمنت أفكار الفرسطائي وآراؤه وأحكامه الخاصة بالقسمة الإشارات والدلالات العمرانية والمعمارية التي تهم الدراسات الآثارية والمعمارية، وسنعرض لهذا في إطار هدف هذه الدراسة. :ácô°ûdG بدأ الفرسطائي في حديثه في كتاب القسمة عن »الشركة«، وما يتصل بها من مسائل وما يوجبها وما يجوز فيه، وما يقع به الفصل والقسمة ممن ) (١الصكاكون :نسبة إلى »الصك«، وهو ورقة تثبت الحقوق المالية، ومنها اشتقت كلمة حاليا في البنوك. »شيك« المستخدمة ) (٢للاستزادة، راجع :الأدرنوي، رياض القاسمين، ص. ٣٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٨٠ وجبت بينهم الشركة. فذكر أن »الشركة تقع على وجوه متفاوتة، منها ما تكون فيه الشركة بالتمليك، وتكون الشركة في المنافع دون التمليك، أيضا في الأموال وغير الأموال).(١وتكون ويعرض الفرسطائي لما كانت تقع فيه الشركة بغير فعل الشركاء، وتصل إليهم عن طريق الميراث أو الوصايا بأنواعها، وكذلك جميع الممتزج إذا امتزج ببعضهم أو بفعل غيرهم، والمختلط من الأموال شبه الحبوب فيما بينهم، وجميع ما يكال أو يوزن، ويفصل في ذلك). (٢ثم يعود إلى شركة المنافع دون التمليك، فيذكر أن »ذلك مثل ما روي عن النبي ژ أنه قال: »الناس يشتركون في ثلاث :الماء، والكلأ، والحطب والنار«). (٣وهذا الاشتراك في المنافع دون التمليك ما لم يقبضوا ذلك كله على التمليك، فإذا دخلت يدهم في التمليك صار لهم، ويكون فيها اشتراك العين بعد قبضه، فيزول منها اشتراك المنافع، وكذلك جميع ما استوى إليه الناس من المجازات بأصنافها إذا كانت بقعة تلك المجازات ليست لهم، فإنما يكون اشتراكهم في المنافع دون التمليك«).(٤ وهذا النص يبين أن هناك بعض العمارات والأصول يمكن أن تكون جميعا؛ كالعيون والطرق والمجازات. وهناكمشتركة في المنافع بين المسلمين ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٥٥ويرى البعض أن الأموال تضم الأرض والعقارات وغيرها من الحيوان والمعادن وغير ذلك. لكن الفرسطائي يشير إلى أنه يقصد بالأموال النشاط التجاري وأرباحه والغنائم بأصنافها. القسمة، ص. ٥٦ - ٥٥ ) (٢سنعرض حالات تطبيقية لذلك في الدراسة العمرانية والمعمارية لكتب الأصول التي عرضها الفرسطائي. وللاستزادة راجع :الفرسطائي، القسمة، ص ص. ٥٩ - ٥٦ ) (٣رواه كل من أحمد، وابن ماجه بلفظ» :المسلمون شركاء في ثلاث :في الماء والكلأ والنار«، ورواه أبو داود في كتاب البيوع، ولكن بتقديم الكلأ على الماء. أما لفظة الحطب الواردة في الكتاب فلا وجود لها في الحديث. الفرسطائي :القسمة، هامش ، ٣ص. ٥٩ ) (٤الفرسطائي، القسمة، ص. ٥٩ ٨١الفصل الثاني :القسـمة بعضها الآخر يؤول إلى ملاك بعينهم فيزول الاشتراك في المنافع لغيرهم. وفي إطار هذا يمكن تنميط هذه النوعية من العمارات في إطار التصنيف للشركة. :TMaÉæadG ácô°T بابا للشركة في المنافع، وكرر تعريفه بشيء من خصص الفرسطائي التفصيل لشركة المنافع، فذكر أن »شركة المنافع مثل ما ذكرنا مما استوى إليه الناس من المجازات والمياه، والمروج، والمراعي، وجميع المساكن في الفحوص التي استووا إليها ويحتاجون إليها لمواشيهم وغير هذا من يشبهه«. ثم يعرض أحكامه المنظمة للانتفاع بهذه النوعية من العمارات، فيذكر أن »السابق إلى هذه المعاني أولى من غيره، فإن لم يتسابقوا أو جاءوا إليها جميعا المنافع بعامتهم فليتفقوا كلما معا؛ حيث يستوفي إليها، فإن أمكنهم بعضا على هذا الحال، وإن كان أمكنهم، ولا يجوز لبعضهم أن يمنع لا يمكنهم الانتفاع لعامتهم، فليتفقوا فيما بينهم على من سبقهم في ذلك كله، وإن تسامحوا أو تشاجروا، فيقسمون المنافع، وتلك القسمة أن يقرعوا على من سبق منهم، وعلى من يليه، وكذلك إلى آخرهم، فإن فعلوا هذا فمن وقعت قرعته منهم على معنى معلوم فيكون هو أولى به من غيره، ويكون من عانده على ذلك ومنعه يجوز له منعه ومقاتلته على بغيه في ذلك الوقت، وأما تباعة المال فلا تكون على هذا الممنوع له المنافع«). (١وهذا الحكم يساعد بلا شك على الانتفاع بهذه النوعية من العمارات المشتركة المنافع في إطار ما طرحه الفرسطائي من حلول تساعد على ذلك آخرها القسمة باستخدام القرعة. وهذا التنظيم للانتفاع في إطار هذا الحكم لا شك أنه يحقق المنفعة، ويدفع المضرة، ويساعد على ازدهار العمران. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٦٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٨٢ ويذكر الفرسطائي أن »الشركاء إنما يتداركون القسمة في جنس واحد معا في ذلك الجنس مثل النخل بأصنافها والزيتونلا في أجناس مختلفة بأصنافها، وكذلك العنب على اختلافها، وكذلك الحيطان فيما بينهم، والأرضون إذا كانت بيضاء ليس فيها شيء جنس واحد.. ثم يذكر من العلماء من يقول الأصل كله جنس واحد، والأرض وما اتصل بها جنس واحد، والغيران والآبار والجب صنف واحد، وقيل في الأرض وما اتصل بها أن واحدا. (١)«... جنسا تكون وهذا التوصيف المحدد لما يشترك الشركاء في قسمته له دلالته المعمارية واحدا جنسا التي تربط بين المنشآت والأرض التي تبنى فوقها باعتبارهما يخضع للقسمة بين الشركاء، وكذلك الغيران والآبار والجباب التي اعتبرها واحدا. وهذا التجنيس والتصنيف يساعد بلا شك على إجراءالعلماء صنفا القسمة دون ضرر، وفي إطار رؤية عمرانية ومعمارية خالصة لا تؤدي إلى مضرة للمنشآت على الأرض، بل تؤدي إلى استمرار الانتفاع بها دون الفصل بين الأرض وما يعلوها من منشآت، كما أن تصنيف الآبار والجباب والغيران كصنف واحد واضح أنه يقوم على أساس معماري يرتبط بكونها منشآت تنشأ في باطن الأرض وتتشابه في هيئتها المعمارية من هذا الوجه. :π°UC’G áa°ùb عرض الفرسطائي في مسألة قسمة الأصل إلى موضوع مهم يتصل بهذه القسمة، وهو الحدود التي تحد سهم كل واحد من الأصل المقسوم. وفي هذا الأمر يذكر أنه »لا تصح قسمة الأصل وما يتصل به إلا بالحدود، وتلك الحدود مثل جميع ما يتصل بين الشركاء، ويبين سهم كل واحد منهم على ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٦٢ ٨٣الفصل الثاني :القسـمة حدة، ولا يصح ذلك الحد إلا متصلا من الطرف إلى الطرف مثل الخطة والجسر والحائط والزروب، إذا كانت من طرف إلى طرف، وبذلك يتبين نصيب كل واحد منهم، وأما الحدود المنقطعة فلا تصح بها القسمة لأن بعض المشترك قد امتزج ولم ينفصل«).(١ وهذا النص غاية في الأهمية؛ حيث إنه يؤكد على تحديد حدود لهم كل واحد من الشركاء، وهو ما يعني إنشاء حدود واضحة بين الشركاء. وقد أشار الفرسطائي إلى أن المساحات التي تشغلها هذه الحدود لا تدخل في القسمة، فقد ذكر أن »الحدود كلها لا تدخل في القسمة، سواء أكانت الحدود للشركاء أو لغيرهم من الناس، ولكن إذا كانت هذه الحدود لغيرهم من الناس، حدا بإذنهم فلا يصيب نزعها بعد ذلك، لأن ذلك يخلط علىوجعلوا الشركاء أنصبائهم«).(٢ وأهمية هذا الحكم أنه يخرج الحدود من الأرض أو العمارة المشتركة، فلا يقع غبن على أحد من المقتسمين، فقد يحدث أن تطول الحدود لسهم صغير، وتقصر في سهم أكبر بسبب هيئة مساحة السهم نفسه، كما أن إخراج الحدود عن سهم كل واحد لا يتسبب في التشاحن على ملكية هذه دائما بهيئتها، فتكون مرجعية لحل أي نزاع يتصل الحدود، ويجعلها ثابتة بقسمة الأصل المشترك. كما أن تكرار التقسيم لسهم كل واحد بسبب جديدا بين الورثة، مشتركا التوريث أو غيره يطبق عليه وأن الحكم باعتباره فتكون الحدود القديمة قائمة كعلاقات ثابتة تحدد الحدود الخارجية لهذا أيضا دون السهم. وتشترك كحدود خارجية لأسهم التقسيم الجديد، وتثبت مساس بها. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٦٨ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٦٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٨٤ وتستفيد الدراسات الأثرية من المعرفة بهذا الحكم في دراسة المراحل المتتابعة لملكية موقع ما. ثم يعرض الفرسطائي لملاحظة مهمة تتصل بالحدود، فيذكر أن الحدود المنقطعة لا تصح بها القسمة؛ لأن بعض المشترك قد امتزج، ومنهم من حدا مثل الكدية والحجارة والخشب إنيقول القسمة يجوز بجميع ما يكون انقطعت أو اتصلت«).(١ والمقارنة بين رؤية الفرسطائي بضرورة وجود حدود متصلة للأرض المشتركة حتى يمكن تقسيمها وبين رؤية غيره من الفقهاء الذين يرون جواز حدا مثل الكدية). (٢والحجارة والخشب أنالقسمة بجميع ما يكون له انقطعت أو اتصلت«. ورأى الفقهاء المشار إليهم يعني أن الأرض المشتركة يمكن أن تكون حدودها محددة في زواياها بعلامات كالحجارة أو الخشب، هذه المقارنة تكشف دقة حكم الفرسطائي الذي لا يترك فرصة لامتزاج الأرض في موضع ما. ويثبت الحدود ولا يجعل هناك فرصة للتشاحن بين واقعا ماد يا ثاب تا الشركاء حولها. وتجعل من الحدود المادية المتصلة لا يختلف عليه. أما رؤية غيره من العلماء التي تجيز الاعتماد على العلامات آخرا تصورا المتصلة أو المنفصلة، فإنها تخلو من كل هذه المميزات. وتطرح أيضا، وهذا الأمر يعني من وجهة النظر الآثاريةللحدود وعلاماتها كان يتبع إمكان وجود الحالتين، وتطبيق أي الحكم ينعكس بلا شك في الأثر، فيمكن استنادا عليه تحديد تطبيق أيهما. للآثاري ويشير الفرسطائي إلى حالة أخرى من الحدود، وهي أن تكون هذه ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٦٨ ) (٢الكدية :الأرض المرتفعة، والكدية :صلابة تكون في الأرض، والكدية :قطعة أرض غليظة لا يعمل فيها الفأس. ابن منظور :لسان العرب، ج ، ٣ص. ٣٦ ٨٥الفصل الثاني :القسـمة حدا بإذنهم فلا يصيب نزعها بعدالحدود لغير الشركاء من الناس، وجعلوها ذلك؛ لأن ذلك يخلط على الشركاء أنصبائهم، واختلفوا في هذه الحدود بعدما اقتسم بها الشركاء، منهم من يقول يمسكها صاحبها في تلك الأرض، ولا يدرك نزعها، ولا يدرك على الشركاء قيمتها، ومنهم من يقول يدرك الشركاء قيمتها حين لم يدرك نزوعها«).(١ ويوضح هذا الحكم أن حدود أرض مشتركة بين قوم أرادوا تقسيمها يمكن أن يكون منها ما هو خارج عن ملكيتهم لهذه الأرض، وتقع في ملكية ناس آخرين يجاورونهم وأذنوا لهم في عمل هذه الحدود. وإذا كان الحال كذلك، فإن الفرسطائي يرى أن صاحب الأرض الذي أذن بعمل هذه الحدود، ولا يدرك نزعها؛ لأن نزعها يتسبب في خلط الأرض. ويشير إلى أن العلماء اختلفوا في هذه الحدود، فمنهم من يقول إن صاحب الأرض لا يدرك نزعها، ولا يدرك قيمتها، بينما يرى آخرون أن يقوم الشركاء بدفع ثمنها). (٢وسواء طبق هذا الرأي أو ذاك، فإن الحدود تبقى كما هي، ولا تنزع مما يجعل القسمة قائمة بحدودها الثابتة، فلا يحدث أي خلط في القسمة. ويذكر الفرسطائي حالة ثالثة من حالات الحدود ترتبط بالشكل، فيذكر أن »إن جعل الشركاء حدود ما بينهم من الأرض المشتركة مثل الخطة جسرا يخطونها في تلك الأرض، وجعلوها حد ما بينهم، أو رفعوا فيها حدا، واقتسموا على تلك الحالة، فإن هذه الحدود لمن يليها منفجعلوها الشركاء دون غيرهم، إلا من كان من الشركاء طرفا وقع في طرف المشترك، فيأخذ الحد الذي رده إلى الطرف وحده«).(٣ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٦٨ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٦٨ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ٦٩ - ٦٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٨٦ ولهذا الحكم دلالته المعمارية التي تعني أن الحدود يمكن أن تكون جسرا، وهذا وارد في الحالات التي تتطلب ذلك للوصول إلىخطة أو أسهم الشركاء عبرها، ويستطرد الحكم ليحكم بأن هذه الحدود تكون لمن يليها، وهذا أمر منطقي ودقيق؛ حيث إنه يثبت الحدود، ويوضح وضوحا لا لبس فيه أن هذه الحدود لمن يليها؛ لأنه تحد أرضه أو هي حد أرضه. وإذا كانت الحدود المتروكة بين أسهم الشركاء تحد أسهمهم فإن ملكية هذه الحدود أو نصيب كل من الشركاء في هذه الحدود كان في اعتبار الفرسطائي الذي قال :إن »اختلفوا في الحد الذي جعل الشركاء بينهم قال بعضهم إنما يكون الحد بينهم أنصافا، شكل )، (١سواء في ذلك من له سهم واحد، أو من له أسهم كثيرة، ومنهم من يقول يكون لهم ذلك الحد على قد ما لهم في المشترك«)). (١شكل. (٢ وهذا الاختلاف بين الرأيين يتجنبه رأي الفرسطائي الذي سبقت الإشارة إليه، والذي يقضي بألا تدخل الحدود في القسمة، وتقسم الأرض بدون مساحة الحدود على قد أسهم الشركاء. وهو ما يشير إلى أن حكم الفرسطائي قائم على تصور بعيد المدى يستوعب هذا الاختلاف، ولا يتسبب في غبن للشريكين قدر الإمكان حال المقارنة مع تطبيق أي من الحكمين اللذين قال بهما غيره، والتي سبقت الإشارة إليهما. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٦٩ ٨٧الفصل الثاني :القسـمة : ́É°ûadG áa°ùb شاع انتشر وتفرق، والمشاع الشائع المنتشر، وسهم المشاع وشائع أي حصة من شيء غير مقسوم، وحصة منتشرة في كل جزء من جزئيات الشيء، حصة مقدرة غير معينة ولا مفرزة).(١ وتعريف الفرسطائي ما يقصد بالمشاع إنما يكون في الأرض وما اتصل بها من الدور والغيران والأشجار والعيون وأشباه ذلك... وهو ما اختلط بين قوم حتى لا يصلوا إلى فرز ما لكل واحد منهم، وإنما يكون في شيء تلف) (٢لهم فيه الميراث، ولا يصلون إلى معرفة جميع الورثة، ولا يوجد عند أحد من العلماء معرفة سهم كل واحد منهم، فإنما يكون مشا عا بينهم على هذا المعنى«).(٣ وفي قسمة المشاع يقول الفرسطائي» :يجوز لأهل المشاع أن يقسموا منافع مشاعهم مثل قسمة الأرض للحرث والبيوت للسكنى، وما أشبه ذلك البلغ من أصحابه دون الأطفال والنساء،من المنافع، فإنما يقسم هذا المشاع ويدخل معهم في القسمة المولى واللقيط، ويقسمونها )المنافع( كل سنة، ولا يتركونها على ما مضت قسمتهم في السنة الماضية«). (٤وهذا التقسيم واضح أنه للغلة أو الريع الذي تدره الأرض المشاع وما يتصل بها. أما إذا كانت قسمة أرض المشاع للحرث»، فإن كانت القسمة في تلك الأرض قبل ذلك، فإنهم يقسمونها على خلاف تلك القسمة، وينتظرون من يجيء من أصحاب المشاع سبعة أيام من حيث روت الأرض، ومنهم من ) (١ابن منظور :لسان العرب، ج /٨ص ١٦٢؛ الفرسطائي :القسمة، هامش )، (١ص. ٨٥ ) (٢قوله :تلف لهم فيه الميراث، يعني :أشكل عليهم بحيث لا يعرف الورثة ما يستحقه كل وارث. الفرسطائي :القسمة، هامش )، (٢ص. ٨٥ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ٨٥ ) (٤الفرسطائي :القسمة، ص. ٨٦ - ٨٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٨٨ يقول إنما ينتظرون ثلاثة أيام، فإن تمت هذه المدة فلا يشتغلون بمن بقي منهم بعد ذلك، ويقسمونها على رؤوس من حضر منهم للقسمة، ومنهم من يقول على السكك والمصابيح، وإذا كانت القسمة على هذا المعنى، فمن وقعت قرعته منهم على شيء أخذه، ولا يصيبون نقض تلك القسمة بعد ما صحت بينهم، وكل من جاء من أصحاب المشاع بعدما اقتسم فإنه يدخل معهم في كل ما لم يرموا فيه الزريعة). (١ويقسم الأولون البقية مع من جاء منهم إلا من استفرغ نصيبه منهم بالحرث، فلا يدخل معهم في القسمة، فإنه يمسك ولا يدخل معهم، وقيل فيمن جاء بعد القسمة ألا يصيب شي ئا كانت فيه القسمة، واالله أعلم«).(٢ وهكذا تنظم الأحكام الفقهية الاستفادة من أرض المشاع بين ملاكها سواء كان الانتفاع بالريع أو الحرث. وهذا التنظيم يساعد على زيادة العمران، وتحقيق المنفعة لكل أصحاب الأرض المشاع. ويتابع الفرسطائي حالات إعمار الأرض المشاع، فيذكر أنه إذا اقتسم أصحاب الأرض المشاع هذه الأرض فغرسوا فيها الأشجار، وبنوا فيها الدور والبيوت، فإنه يرجع ذلك للمشاع، ويكون بينهم كالمشاع. ومن العلماء من يقول في الغرس والبناء أن يكون لهم ما غرسوا من الأشجار، وما بنوا من الحيطان، ولكن بقعة الأرض تبقى مشا عا بينهم، ومن العلماء من يقول في أصحاب المشاع إذا اقتسموا للحرث والسكنى بعد لا يعيدون القسمة كل سنة ما لم يتموا مدة القعود«).(٣ ) (١الزريعة :بتخفيف الراء :الحب الذي يزرع، ولا نقل زريعة بتشديد الراء، فإنه خطأ. ابن منظور: لسان العرب، ج /٧ص. ٢٦ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٨٦ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ٨٦ ٨٩الفصل الثاني :القسـمة ولهذا الحكم أثره العمراني والمعماري؛ حيث إنه يسمح بإنشاء الدور، وغرس الأشجار في الأرض المشاع للسكنى في إطار ما يتفق عليه أصحاب المشاع من القسمة، ويكون ذلك بينهم كالمشاع، وهذا الرأي للفرسطائي وآراء غيره من العلماء تمثل حلولا عملية للاستفادة من أرض المشاع وبناء. والدلالة المعمارية المهمة في هذه الأحكام تعني أن غرسا بعمرانها الأرض المشاع يمكن البناء عليها، وأن هذه الأرض المبني عليها يمكن أن تبقى ملكيتها مشا عا بين أصحابها رغم انتفاع أصحابها بالبناء الذي يمكن أن يكون ملك ا لهم حسب بعض هذه الآراء، وتكشف هذه الأحكام عن تيسير البناء على الأرض المشاع رغم عدم تعيين ملكيتها لأحد من أصحابها في بعض الآراء. وهو ما يفسر حالات الدور التي يذكر أن أرضها مشا عا والبناء لأصحابها. :AÉadG áa°ùb ÜÉH مهمة تتعلق بقسمة جميع أنواعأحكاما عرض الفرسطائي في هذا الباب المياه، سواء كانت جارية أو راكدة أو مياه المطر، وتضمنت الأحكام ما يشير إلى اعتماد الإباضيين في بلاد الشمال الإفريقي على النظام الزمني في العمانيون في تقسيم مياه الأفلاج، ولم تقسيم الماء الجاري، مثل ما يفعل يجيزوا تقسيمه بالقواديس والأحواض وغير ذلك من الأواني، كما تضمنت الأحكام ما يشير إلى شبكة الري من المساقي التي يجري فيها الماء إلى العمارة والزروع، وتنوع هذه الشبكات بين مساقي رئيسة تنتهي بمقاسم للمياه، ومنها مباشرة إلى أحواض الزراعة أو مساقي فرعية تأخذ من المسقى الرئيس، وتوصل الماء إلى الأحواض، وهذه الأحكام غاية في الأهمية المعمارية والآثارية بالإضافة إلى أهميتها الحضارية الأخرى المتصلة بتنظيم الري والزراعة في إطار الشريعة. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٩٠ ورصد هذه الجوانب العمرانية والمعمارية المتصلة بأحكام قسمة الماء يجسد صورة واضحة لما كان يجري في المجتمع الإباضي بشمال إفريقية، أيضا أحكام المذهب الإباضي لتقسيموهذه الصورة يضاف إليها ما جسدته الماء عند إباضية المشرق، فتنجلي الصورة الحضارية للفقه الإباضي بصفة عامة فيما يخص قسمة الماء من أحكام. وتدعم المقارنة بين أحكام الفقه الإباضي لقسمة الماء بصفة عامة وفي بلاد الشمال الإفريقي على وجه خاص وبين أحكام الفقه المالكي ببلاد الشمال الإفريقي المتصلة بذات الموضوع وضوح الصورة التي إسلاميا يعكس كيفية مسايرة الأحكام الشرعيةفقهيا بعدا حضار يا تعكس لحياة الناس ونشاطاتهم الاقتصادية، وبخاصة الزراعية منها. وتفسر للمتخصصين في العمارة والآثار الظواهر المادية التي كانت أدوات هذه النظم وأوعيتها المادية. ويبدأ الفرسطائي حديثه عن قسمة الماء بتحديد نوعيات الماء الذي يتحدث عن قسمته، فيذكر أن »القسمة جائزة في جميع المياه، وسواء في ذلك الماء الجاري أو ماء المطر، وكذلك الرواكد من المياه مثل الآبار والعيون والمواجل، وكذلك الأوعية كلها تجوز فيها القسمة، وكذلك الماء يكون في الجب على هذا الحال، والشركاء يتداركون القسمة فيما اشتركوا فيه من هذه الوجود التي ذكرنا سواء فيه المتصل أو المنفصل على قدر ما يكون فيه من المنافع، ويجبرون عليها على قدر نظر الحاكم أو الجماعة مما لا يضر بنباتهم سواء في ذلك الزوارع. والأشجار، وإنما يقسمون على سهما).(١ أقلهم ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٨٦ ٩١الفصل الثاني :القسـمة وهذا الحكم يكشف من الناحية الوظيفية المعمارية أن هناك مواجل وآبار وأحواض وعيون وجباب يشترك في ملكيتها نفر من الناس على قدر أسهم. كما يكشف عن أن تقسيم الماء كان يتولى الإشراف عليه والنظر فيه »الحاكم أو الجماعة« الذي يمثلون سلطة محلية معتبرة تتولى هذا الأمر في إطار الأحكام الشرعية التي تنظم ذلك. كما تضمن الحكم إلى أن التقسيم كان وفق نظام الأسهم، وأن تحديد سهما. وهذا التصور الحسابيعدد الأسهم كان يتم في إطار أقل الشركاء الأخير لتقسيم الأسهم يتخفف من الطريقة التقليدية التي وردت الإشارة إليها في المصادر والوثائق والتي ما زالت قائمة حتى الآن، وهي تقسيم قسما قيرا طا، وكل قيراط يقسم إلى أربعة الأرض إلى أربعة وعشرين سهما).(١ وعشرين ويحدد النظام الذي يطرحه الفرسطائي »السهم« كقيمة بقيمة أقل الشركاء نصيبا في الماء. وهذا النظام الحسابي لا يلجئ إلى تقسيم »السهم« كنصيب؛ محكوما لأنه يعتبر الوحدة القياسية الأدنى، وبهذا يكون سقف الحد الأقصى بهذا الحد الأدنى دون اللجوء إلى تجزئة قيمة السهم التي تحدث في النظام التقليدي الذي سبقت الإشارة إليه. سهما يرتبط بالنظام الحسابي وحساب القسمة المبني على أقل الشركاء متبعا في العصور الوسطى، والذي أشارت إليه بعض المصادرالذي كان المتخصصة في القسمة، والتي أوردت تفاصيل مهمة عنه ككتاب رياض القاسمين للأدرنوي الذي ضمن هذا النظام في كتابه، فبعد أن أشار إلى منازل ) (١أوضح مثال لهذا النظام هو المتبع في السواقي التي ترفع الماء من الترع إلى الأرض الزراعية في مصر. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٩٢ الأعداد أحادها وعشراتها ومئاتها وآلافها، وذكر أساس فكرة ضرب الأعداد في بعضها، ذكر أنه إذا كان في المسألة الحسابية »نصف ونصف أو نصف ما بقي فأصلها من اثنين، وإذا كان ثلث وما بقي أو ثلثان فأصلها من ثلاثة، وإذا كان ربع وما بقي أو ربع ونصف من ثمانية، وإذا كان نصف وثلثان أو سدس فأصلها من ستة، وتحول إلى سبعة وثمانية وتسعة وعشرة، وإذا كان من الربع ثلث أو سدس، فأصلها من اثنتا عشر وتعول إلى ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر، وإذا كان مع الثمن ثلثان أو سدس، فأصلها في أربعة وعشرين، فتقول إلى سبعة وعشرين، ولا خلاف في هذه الجملة إلا في العول، فإنه روي عن ابن ) ƒ (....(١)...أنه قال :لا تغيير في الفرائض، ولا يدخل النقص على من يصير عصبة في حالة، والصحيح ما مكنا عملا بنص الأنصباء في القرآن، وليس البعض أولى من البعض، فالحاصل أن أصول الفرائض ستة نصف وربع وثمن وعلى التصنيف والتضعيف ثلثان وثلث وسدس وكذا فمتى اختلط النصف فالثلثين مسألة من ستة، وما اختلط الربع فالمسألة من ضعفها وهو اثنا عشر، ومتى اختلط الثمن فالمسألة من أربعة وعشرين. وإذا أردت معرفة ذلك انظر مخرج كل واحد من الفرضين على حدة، ثم انظر هل بينهما من موافقة أو لا، فإذا كان بينهما موافقة فاضرب وفق أحدهما في جميع الآخر، وإن لم يكن بينهما موافقة فجميع أحدهما في جميع الآخر، فالمبلغ مخرج الفرضين، ثم إذا اختلط النصف والسدس موافقته بالنصف، فإذا ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر بلغ ستة، وإذا اختلط بالثلث أو الثلثين فلا موافقة بين المخرجين، فاضرب أحدهما في أيضا ستة ) (....فكذا البواقي«).(٢ الآخر يبلغ ) (١سقط في نص الكتاب. ) (٢الأدرنوي :رياض القاسمين، ص ص. ١١٨ - ١١٧ ٩٣الفصل الثاني :القسـمة سهما له الربع ولتوضيح هذا النص نفرض أن ثلاثة شركاء في بئر أقلها مقسما إلى: والآخر الربع وللثالث النصف، فيكون البئر =١١+١+١ ٢٤٤ بضرب المقامات يكون حساب الوحدة الصحيحة المقسوم عليها: قسما. ٣٢ = ٢ × ٤ × ٤ قسما. قسمة الربع الأول = ٨ قسما. قسمة الربع الثاني = ٨ قسما قسمة النصف = ١٦ قسما.المجموع = ٣٢ وأحيا نا تكون الأنصبة أجزاء من الثمن، فيقال إن نصيب فلان ثمن ثمن ثمن العين، وهذا يعني أن هذا النصيب: ١١١١ = ٥١٢٨×٨×٨ قسما، وثمن قسما، فيكون الثمن ٦٤أي أن العين تقسم على ٥١٢ الثمن ، ٨وثمن الثمن الأخير. ١ وهكذا يكون الحساب الذي قصده الفرسطائي عندما أرجع التقسيم إلى سهما. من يكون نصيبه أقل وهذا الحساب لا يختلف عن التقسيم إلى أربعة وعشرين قيرا طا، ثم سهما، ثم تحديد النصيب بأجزاء منتقسيم القيراط إلى أربعة وعشرين سهما(؛ حيثالأقسام التي تشتمل على حساب الأربعة وعشرين )قيرا طا أو يؤدي الحساب إلى نفس النتيجة. ولكن الفرسطائي فضل الطريقة المباشرة فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٩٤ المختصرة، والتي تناسب بصورة مباشرة اختلاف حالات ملكية الشركاء، حسابيا اختلاف عدد الأقسام التي تقوم عليهاوهو الاختلاف الذي يعني حساب الأنصبة من حالة إلى أخرى. وقد أشار الفرسطائي تفصيلا إلى أن القسمة لا تكون في المياه المرهونة أو المرتبطة بوصية ما. وهذه الأحكام تشير إلى ما يعتري حالات التملك في المياه من معاملات مالية تمنع من قسمتها، وتجميد القسمة إلى حين الانتهاء من المعاملات التي تعوقها فيه ما يحافظ على فاعلية هذه التعاملات التي كانت تحدث في إطار المعاملات التي تتصل بحل مشكلات معينة كالضائقات المالية التي تحدث للبعض فيضطرون لرهن ما يملكون نظير مال معين لحين رده، ورجوع أصل الملكية لحالها، ومن هذه الممتلكات المياه المملوكة موضوع القسمة. ثم يحدد الفرسطائي النظام المتبع في قسمة الماء في المجتمع الإباضي، فيقول» :وإذا أراد الشركاء أن يقسموا الماء الجاري، فإنما يقسمونه على الساعات والأوقات والليالي والأيام، ولا تجوز قسمته بالقواديس ولا بالأحواض لأن ذلك مجهول ولا يصل إلى معرفته؛ لأنه ربما يجيء ذلك المقدار في القواديس والأحواض في يوم في بعض الأحايين، وتارة يجيء يوم أو اثنان أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، فلما لم يكن لإتيانه مقدار من الساعات والأوقات صح أن ذلك مجهول عندهم، وقيل تجوز قسمتهم فيما ذكرنا من القواديس والأحواض وجميع ما يفصلون به ما بينهم مثل الأيام والقواديس، وجميع ذلك فيما روى أبو محمد عبد االله بن زرزتن لا تجوز قسمة الماء الجاري على تداول النوب على التخلاف والتعاقب وكذلك الساعات والأوقات والتسميات من الأيام والليالي، لا تجوز القسمة على شيء مما ذكرنا، وإذا خافوا الغبن فيما بينهم في قسمة الأيام والليالي ٩٥الفصل الثاني :القسـمة فليقسموا بالقيمة يجعلون لليوم قيمة والليل قيمة على قدر تفاضلهم عندهم، ومنهم من يجوز القسمة على حسب هذا من الاعتقاب، ويتداركون العين في قسمة الماء كما يتداركون الأصل).(١ وفي النص السابق أكثر من رأى، فالفرسطائي يرى قسمة الماء على الأيام والليالي، ويرى غيره تحقيقا للعدل، ومنع الغبن اللجوء إلى تحديد قيمة للماء باليوم وبالليل يمكن على أساسها التقسيم، ومنهم من يرى اللجوء إلى القواديس والأحواض كنظام يمكن الأخذ به. وهذا يعني أن تطبيق هذه الأحكام ينعكس معمار يا في عمارة السواقي التي تجري فيها الماء المقسوم أيضا في استخدام القواديس والأحواضمحسوبا بالحساب الزمني، وينعكس في إطار الحساب الكمي لما يخزنه من الماء في الأحواض ويتم تقسيمه، وهذه الطرق تتطلب إنشاء المنشآت المائية التي تكفل تطبيق هذه الأحكام تبعا للتطبيق الفعلي لكل منها.ووجودها في حالة الكشف الأثري محددا وإذا كان الفرسطائي يرى قسمة الماء على الأساس الزمني بالساعات في الأيام واليالي، فإنه أشار إلى طريقة أخرى، وهي طريقة القواديس، وهذه الطريقة قال بها غيره، كما ورد في نص الحكم. ومن المهم أيضا في بلاد الشمال الإفريقي،أن نشير تفصيلا إلى هذه الطريقة التي عرفت ولكن في المناطق الساحلية المالكية. وقد أشار إلى ذلك ابن الرامي الذي قال» :في المدونة قال القاسم :ولا يقسم أصل العيون والآبار، ولكن يقسم شربها بالقدر، ولا يقسم مجرى الماء، وما علمت من أحد أجاز«). (٢وبعد ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٠ ) (٢هو أحد علماء جنوب تونس، عاش في القرن الخامس الهجري في الفترة من )، (٤٥٠ - ٤٠٠وكان له فضل في إقامة نظام العزابة مع أبي عبد االله محمد بن بكر والد الفرسطائي. القسمة، ص ، ١٠٩هامش ).(٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٩٦ هذا الحكم العام ينتقل إلى عرض طريقة تفسيم الماء بالقواديس، فيذكر أنه في الواضحة قال ابن حبيب :وتفسير قسمة الماء بالقدر أن تحاكموا فيه واجتمعوا على قسمته أن يأمر الإمام رجلين مأمونين، أو يجتمع قدرا من فخار أو شبهه، فيثقبان منالورثة على الرضى بهما فيأخذان أسفله بمثقب يسكانه عندهما، ثم يعلقانه، ويجعلان تحته قصرية، ويعدان الماء في جرار، ثم إذا انصدع الفجر صب الماء في القدر، فسال الماء من الثقب، فمهما فرغ الماء صب حتى يكون سيل الماء من الثقب معتدلا النهار كله، والليل كله إلى انصداع الفجر ثم ينحيانه، ويقسمان سهما كيلا أو وز نا، ثم يجعلان لكلما اجتمع من الماء على أقلهم قدرا يحمل سهمه من الماء، ويثقبان على كل قدر منهما بالمثقبوارث الذ تثقب به القدر الأولى، فإذا أراد أحدهم السقع علق قدره بمائه، وصرف الماء كله إلى أرضه، فسقى ما سال الماء من قدره، ثم كذلك يقسم، ثم إن تشاحوا في التبدية استهموا فيه«).(١ قدرا ثم يستطرد ابن الرامي ليذكر أن ابن يونس قال :يجعل لكل وارث يحمل سهمه، وإنما يصح ذلك إذا تساوت أنصباؤهم، وأما إذا اختلفت كان صاحب الكثير مغبو نا؛ لأن القدر كلما ثقلت أو كبرت ثقل فيها الماء وقوي جريه من الثقب حتى يكون مثلي ما يجري من الثقب الصغيرة، أو أكثر؛ لأن أحدهم قد يكون له عشرة أسهم وللآخر سهم، فإذا أخذ سهمه من الماء فوضعه في قدره خف ج ر ي الماء، وأخذ أكثر من حظه، والذي أرى أن يقسم قدرا، ويأخذ الآخر عشرةسهما، فيأخذ صاحب السهم الماء بقدر أقلهم قدور، وهذا بين، وباالله التوفيق«).(٢ ) (١ابن الرامي :الإعلان، ص. ٥١١ - ٥١٠ ) (٢ابن الرامي :الإعلان، ص. ٥١٢ ٩٧الفصل الثاني :القسـمة ويبين هذا الرأي الأخير أحد مثالب التقسيم بالقدر في حالة اختلاف مستخدما، ويتم التوزيع الأنصبة، ويعرض خلالها بأن يكون نفس القدر بضرب ذات السهم أي تكراره في التوزيع حتى لا يتم الغبن. ومن الجدير بالذكر أن الأسلوب الذي رجحه فقهاء الإباضية كان هو الأسلوب والطريقة التي سادت مناطق عمرانهم، سواء في بلاد الشمال الإفريقي، أو في عمان التي ما زالت تعتمد إلى التقسيم على أساس الزمن، وتقسيم الليل محليا بـ »الأثر« و»الآدة«).(١ والنهار إلى ساعات في وحدات عرفت ويعرض الفرسطائي لحالة أخرى من حالات ملكية مصادر المياه بين الشركاء وطريقة قسمتها، فيذكر أن من »أرادوا أن يقسموا ما كان لهم في أماكن شيء من الماء الجاري، فإنهم يقسمون ماء كل عين على الانفراد، ولا يجمعونها القسمة مع غيرها، وعلى ذلك يجبرون«. وهذا الحكم يعني أن قسمة ماء العين يرتبط بقسمة عيون أخرى يمتلكها الشركاء أنفسهم. وهذا يعني معمار يا وأثر يا أهمية الربط بين العين الواحدة وتقسيم مائها في السواقي، بأنماط وأساليب التقسيم التي سبقت الإشارة إليها. وهناك من العوامل الأخرى التي تحدد أساليب قسمة الماء، فإذا كان مختلفا »منه العذب والمالح والضعيفالماء الذي أراد الشركاء قسمته الجري والقوي، فإنما يقسمونه بالقيمة على قدر قيمة ما لكل واحد منهم«).(٢ وتشير أحكام قسمة الماء إلى الالتزام بالنظام الذي جرت به العادة في التقسيم بين المشتركين فيه. أما إذا »تشاححوا ولم يتفقوا، جعل لهم القاضي قدرا يقتسمون عليه علىأو جماعة المسلمين، أو من ينتهون إليه بأمورهم ) (١ولكنسون :الأفلاج، ص ص. ٦٤ - ٦٣ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٩١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٩٨ قدر ما رأوا أنه أصلح للخاص والعام، ويجبرون عليه، ولا يجددون نقض نظرهم في ذلك«).(١ وهذه الأحكام التي سبقت الإشارة إليها والخاصة بالماء الجاري تنطبق على الماء الراكد من العيون والآبار والغدران نسقا بنسق، ويكرر الفرسطائي أن قسمة هذا الماء لا تجوز بالدلاء والقلل وما أشبهها، ولكن يتم قسمتها كما أشار في قسمة الماء الجاري بالأيام والليالي والساعات). (٢وفي هذا التكرار تأكيد على حكمة هذا الذي يختلف مع غيره من الفقهاء الذين أجازوا أساليب أخرى. ثم ينتقل الفرسطائي إلى قسمة ماء المطر، فيذكر أنه إذا كانت الشركة أيضا بين قوم في ماء المطر، فأردوا قسمته فإنهم يقسمونه ويجبرون عليها في الحكم، فإنما يقسمونه على قدر أرضهم، وذلك على وجهين :أحدهما قسمته بالمساقي صب الماء، والآخر أن يجمعوه في مستقى واحد حتى ينتهوا به إلى عمارتهم، فيقسمون بالمقاسم على قدر ما ذكرنا مما لكل واحد منهم من الأرض والعمارات«).(٣ وهذا الحكم يشير إلى القاعدة الأساسية التي يستند إليها في تقسيم ماء المطر، وهي قدر الأرض الذي يمتلكه كل واحد منهم، أما من الناحية المعمارية والأثرية، فإن النص يشير إلى أسلوبين في التعامل مع ماء المطر الأسلوب الأول يتم فيه توجيه الماء عند سقوطه على الأرض إلى مساقي تجر الماء إلى مصبه في الأرض التي يروي بها. وهذا يعني تعدد المساقي التي يتم بها اصطياد ماء المطر لينتهي إلى الأرض التي تروى ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٠ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٩١ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص ص. ٩٢ - ٩١ ٩٩الفصل الثاني :القسـمة به. أما الأسلوب الآخر فيتمثل في جر الماء بعد سقوطه على الأرض إلى مسقى رئيسة واحدة تنتهي إلى تقسيم يقسم الماء على الأرض التي تزرع وتروى به حسب ملكية كل من الشركاء من هذه الأرض). (١وهذان الأسلوبان انعكسا في أحكام الفرسطائي عن أحكام منشآت الري وبخاصة المساقي).(٢ كثيرا ولا تجمعه الساقية، ويشير الفرسطائي إلى أن الماء الجاري إذا كان فأرادوا قسمته فإن قسمته تكون بأسلوب المساقي الذي سبقت الإشارة إليه. وهكذا فإن أحكام قسمة الماء تعكس الهيئة المعمارية للساقية الرئيسة ومقاسمها، أو للمساقي المتعددة التي تصيب الماء مباشرة في الأرض التي تروى به، وتنوع المساقي بين النمطين من الأهمية بمكان للآثاري الذي يكشف عن هذه النوعيات من المساقي. ويرصد الفرسطائي ملاحظة مهمة تتعلق بالهيئة المعمارية للمقاسم، فيذكر أن قسمة الماء في نمط المسقى الرئيس الذي يتجمع فيها الماء والذي ينتهي بالمقاسم يشير إلى أن هذه المقاسم يجعلوها أصحاب الماء المشترك »على مستوى الأرض ولا يجعلونها على منحدر أرض بعضهم دون بعض لئلا يكون الغبن بينهم في ذلك«). (٣حيث إن الغبن كما يتضح من السياق يكون سبب سرعة جريان الماء إلى الأرض المنحدرة إذا أنشئ عليها المقسم الذي يحدد نصيب من ينحدر الماء إلى مقسمه فتزداد كمية الماء بسبب الانحدار، ويكشف هذا الحكم عن الأساس الهندسي الذي يجب أن يصمم ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٢ ) (٢راجع :المنشآت المائية في ضوء الأحكام الفقهية التي سنعرض لها في دراسة كتب أصول الأرضين. ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٠٠ وتحديدا باختيار الموضع المستوي للمقسم، وليس المنحدر،عليه المقسم، ويمكن للآثاري في إطار هذه المعرفة أن يفحص ما يكشف عن مقاسم للماء في هذه النوعية من السوقي الرئيسة. خاصا بتقسيم مائه،نظاما أما ماء الوادي الجاري في هيئة فحل، فإن له ويذكر الفرسطائي أن »الوادي إذا كان فحلا بين قوم، فإن من أراد أن يرفع منه الماء إلى أرضه، فإنه يرفع من ثمن ذلك الوادي، ويرفع من كان تحته ثم البقية، وكذلك إلى آخرهم، وأما إن كان اثنان أو ثلاثة في موضع واحد أو متقابلين من الناحيتين فإنما يرفعون الثمن ولا يجاوزونه، ومنهم من يقول يرفع كل واحد منهم ثم نا، واختلفوا في الثمن الذي يرفعونه، وقال بعضهم في الأرض، وقال بعضهم هو ثمن في الماء، واختلفوا على قدر هذا الفحل، فقال بعضهم الوادي الذي جاوزهم، وانصب إلى موضع لا ينتفع به، ومنه من يقول الفحل إذا كان مساقي المروج كانوا إليها سواء. وقيل إذا وقف رجل في مسقاه، ووقف آخر في مجراه، ووقف الآخر فيما بينهما، فصاح كل واحد منهم إلى صاحبه فلم يسمعه، فإذا كان على هذه الصفة كان فحلا يجوز لهم فيه ما ذكرناه«).(١ ويتضمن هذا النص معلومات مهمة تحدد مواصفات الفحل، وكيفية قسمة مائه، والأحكام التي تنظم هذه القسمة. وهو أمر لا شك أن مقصده يحقق الاستفادة من الماء الذي يجري في الوديان بعد سقوط المطر في ري هباء، ويصب في موضع لا ينتفع به، وهوالأرض التي تزرع حتى لا يضيع أمر يؤدي إلى زيادة العمران باستغلال هذه النوعية من الماء دون إهدارها في هذه المناطق الصحراوية التي تحتاج إلى كل قطرة ماء. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٣ - ٩٢ ١٠١الفصل الثاني :القسـمة وفي نهاية أحكامه عن قسمة الماء يعرض الفرسطائي لأحكام قسمة الماء الذي يجمع في الأوعية، وذكر أن الشركاء فيه »يقسمونه بالكيل أو الوزن إذا كان متفقا أي كان من نوع واحد في العذوبة أو الملوحة، أما إذا مختلفا فإنهم يقسمونه بالقيمة، وكذلك الجب إذا كان فيه الماء على هذاكان الحال، وقيل يقسمون الماء في الجب بالأذرع والأشبار والأيام«).(١ وهذه الأحكام التي سبق عرضها والخاصة بقسمة الماء تبرز إلى أي مدى كانت الأحكام الفقهية معالجة لكل ما يتصل بها من نوعيات، وكميات، ومنشآت مائية بطريقة دقيقة ساعدت على توظيف الماء في مجال العمران سيما وأن الماء أساس كل شيء حي، وهو المصدر الأساس لحياة المجتمعات واستمرار العمران من هذا الاعتبار. وقد اتضح من عرض هذه الأحكام الخاصة بتقسيم الماء الرؤية الحضارية للمجتمع الإباضي في شمال إفريقية الذي وضع فقهاؤه هذه الأحكام التي تناسب طبيعة بيئتهم وثقافتهم وتتفق في المقام الأول مع الشرع. كذلك أوضحت أحكام قسمة الماء ما يتضح بها من نظم حسابية في التقسيم، ومنشآت مائية ساعدت على هذا التقسيم وإتمامه بدقة تمنع ضرر الغبن، أو جريان الماء إلى مواضع لا ينتفع بها، وهذا الأمر في غاية الأهمية للدراسات الأثرية المعمارية. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٣ الفصل الثالث الطرق الفصل الثالث :الطـرق فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٠٤ دراسة طرق المستقر السكني من الناحيتين الأثرية والعمرانية تمثل مهما في الدراسات الآثارية والعمرانية والمعمارية، وقد برزت الطرقمحورا كمحور رئيس في التخطيط العمراني منذ فجر التاريخ، ونماء وتطور تخطيط المستقرات السكنية والتي تمثل المدن نموذجها الناضج بنمو وتطور الحضارات وارتقائها. وعكس تخطيط الطرق المستوى الحضاري الذي ساد مراحل التاريخ الإنساني المتعاقبة، وتنوعت تخطيطات المستقرات السكنية بتنوع واختلاف المظاهر الحضارية من عصر إلى آخر، وأصبح تخطيط شبكات الطرق في المستقر السكني بصفة عامة، والمدينة على وجه خاص من بين الأسس التي تصنف عليها نوعيات التخطيط قديمها وحديثها).(١ أيضا من حيث إنها تمثل نواة المستقروتبرز أهمية دراسة الطرق السكني الذي ينشأ تحت مظلة تشريعية يتفق عليها من يتولون إنشاءه والإقامة به، ومع نمو المستقر السكني تتمدد شبكات طرق، وتتصل وتتشابك فيتكون النسيج العمراني للمستقر السكني من هذه الطرق وبين المنشآت والأموال التي تطل عليها. وتكشف المصادر الفقهية الإسلامية التي تناولت قضايا العمران القواعد الحاكمة لنشأة الطرق وتخطيطها، وتصنيفها في إطار الملكية والبعد الوظيفي ) (١حماد )محمد مصطفى( :تخطيط المدن وتاريخه، الطبعة الأولى، القاهرة١٩٦٥، م، ص ص ٢٦ - ٢٣؛ عثمان )محمد عبد الستار( :في شوارع المدينة الإسلامية وطرقاتها، مجلة العصور، دار المريخ للنشر، لندن، المجلد الثاني، الجزء الثاني، يوليو١٩٨٧، م، ص. ١٨٩ ١٠٥الفصل الثالث :الطـرق المرتبط في الأساس بحق المرور فيها، ونوعية وضمان سلامته. وهذا البعد العمراني الاجتماعي والديني في تأسيس الأحكام الفقهية المتعلقة بالطرق تكشف عن رؤى مهمة وأبعاد غائبة في الدراسات الآثارية والعمرانية والمعمارية للطرق في المستقرات السكنية الإسلامية بصفة خاصة، والإنسانية بصفة عامة. وفي إطار الملكية الحاكمة لتصنيف الشوارع، والتي تتنوع ما بين ملكية عامة وملكية خاصة، تحدد التصنيف الذي يربط بين هذه الملكية وحق المرور والمنفعة بهذه الطرق. كما أن عدد الأموال أو الدور التي تطل على مهما في التصنيف العام، الذي يصنف الطرق بين طريقمعيارا الطريق كانت جائزة يزيد فها عدد معين من الأموال والدور، ويبرز هذا أهمية إدراك بعد الملكية وحجمها في دراسة التصنيفات الشرعية للطرق بالمستقرات السكنية. كما تكشف الأحكام الفقهية الإسلامية المعالجة لمشكلات الطرق أثر البعد الإنساني في صياغة تخطيط الطرق واستخدامها وتوظيفها في أغراضها المختلفة سواء المتعلقة بحركة المرور وسلامته، أو المرتبطة بعلاقة الأموال والدور بالطرق التي تطل عليها. وفي كل الأحوال يبقى البعد الإنساني واضحا كل الوضوح، وهو بعد غاب في تخطيط المدن الحديثة والمعاصرة التي لم تعد واضعة في اعتبارها هذا البعد الذي يتعامل في الطرق كوعاء ماشيا في هذه الطرق. لحركة الإنسان الذي يسير وتوثق الأحكام الفقهية لمراحل النشأة والتحول لقطاعات شبكات تتابعا الطرق داخل المستقر السكني أو حتى خارجه، ومن ثم توفر للباحث مهما لكل المراحل، ومن ثم تتيح للباحثين فرصة للمتابعة غير محكومة بالحالة النهائية لشبكة الطرق في مستقر سكني مر بمراحل متتابعة من العمران. وتتضح أهمية هذا البحث من مراجعة بعض الدراسات على سبيل فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٠٦ المثال للمفهوم العمراني والمعماري للحارة في المدن والبلاد الإسلامية، ودراستها في إطار الهيئة المعمارية أو البيئة الاجتماعية أو التوزيع السكاني أو البعد الزمني). (١وهو ما يكشف عن أن مراجعة هذه الدراسات في إطار مهما للغاية لتكون الدراسات مؤسسة علىالبعد الفقهي العمراني أمر بات فهم دقيق. والعلاقة الوظيفية بين شبكات الطرق في المستقر السكني وتكويناته المعمارية الرئيسة منها والثانوية علاقة مهمة، تناولتها الأحكام الفقهية برؤية إسلامية مميزة، وربما يكشف عن كثير من الحقائق التي تتعلق بتخطيط هذه الطرق، وما يعكسه من مظاهر حضارية مهمة، وكذلك تفسير كثير من المسائل والحقائق الأثرية والمعمارية المتصلة بالتكوينات المعمارية المطلة عليها. كما تشير الدراسات المعمارية والاجتماعية والجغرافية والآثارية إلى أهمية الطرق بصفة عامة، وتفسر بعض الدراسات الآثارية والمعمارية لتخطيط المدن أن نشأة المدينة كان لامتداد التعاون والتفاهم من داخل القرية الواحدة إلى القرى القريبة والمجاورة لها، فتنشأ طرق القوافل للتبادل التجاري، وإذا تقاطعت الطرق صارت نقطة مهمة تجذب إليها الناس بعضهم جاء للتبادل التجاري، وبعضهم جاء للثراء، وبعضهم الآخر يتخذها مقره الدائم، ويعتمد في معيشته على خدمات المسافرين، أو على حرف يدوية وإنتاج، فتتكون عند مقاطع الطرق Cross Roadsمراكز للتبادل التجاري أعدادا أكبر من الناس،، Trading Postsوإذا كبرت أو اشتهرت جذبت إليها فينتمون إلى بلد Townوإلى مدينة ، Cityوفي هذه البلدان تتكون العلاقات ) (١الرباط )ناصر( :الحارة دراسة نظرية ومنهج بحث، بحث بكتاب ثقافة البناء وبناء الثقافة، بحوث ومقالات ٢٠٠٠ - ١٩٨٥م، نشر :رياض الريس للكتب والنشر٢٠٠٢، م، ص ص. ٢١٧ - ١٩٧ ١٠٧الفصل الثالث :الطـرق وتتشابك، وتوضع أصول المعاملة، ويتكون المجتمع ، Societyوتحاط المدينة بالأسوار من أجل الدفاع، وكلما كبر وازداد النشاط والرخاء، جذبت أعدادا أكبر من الناس، فتتضخم وتكتظ، وتتلاصق المباني على طولإليها الطرقات، وهي التي كانت في الأصل طريق القوافل).(١ ويشير علماء الاجتماع إلى أهمية النقل والاتصالات في إحداث التفاعل البشري، الذي يؤدي إلى نمو المستقر السكني، فالسبب الرئيس لنمو المركز الحضري واتساعه وامتداده يتمثل في سهولة الاتصالات الدائرة بين الأفراد، وفي يسر الانتقال النسبي من مكان إلى آخر، بل إنهم يذكرون أن هيكل الاتصال أفضل الأسس لتقويم ثقافة مدينة).(٢ ومن الناحية الأثرية، فإن بداية ظهور »الشارع« الذي تصطف على جانبيه المنازل، كان له دلالته الاجتماعية والسياسية المهمة، فقد برزت أهمية كشف طريق مرمدة بني سلامة بمصر والتي ترجع إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، لما أعطاه من دلالات اجتماعية وسياسية؛ حيث مترا، وعرضه خمسة أمتار، تصطف علىإن الطريق يبلغ طوله ثمانين جانبيه المساكن).(٣ وتمثل شبكة الطرق الهيكل الأساسي الذي يحدد تكوينات المستقر السكني أو المدينة، ويعكس ذلك بصورة واضحة في الرمز الكتابي في اللغة المصرية القديمة الذي يدل على المدينة، وهو رمز عبارة على دائرة يقطعها شارعان متعامدان )شكل. (٣ ) (١سامي )عرفان( :نظريات العمارة، القاهرة :دار المعارف، ص. ٢٨ ) (٢رشوان )حسن( :المدينة، دراسة في علم الاجتماع الحضري، الإسكندرية :المكتب الجامعي الحديث١٩٩٢، م، ص ٨٩؛ عثمان :في شوارع المدينة، ص. ١٩٠ ) (٣حماد :تخطيط المدن وتاريخه، ص ص. ٥٨ - ٥٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٠٨ وبرزت في المدن المصرية القديمة فكرة تخطيط الطرق المستقيمة أيضا، ومثال ذلك مدينةالمنتظمة، التي تقطعها شوارع وطرق عرضية عمال أهرام خنت كاوس ٢٤٨١ق.م. ومدينة العمال بتل العمارنة أيضا )١٣٤٥ - ١٣٧٥ق.م(، كما أن المدن الإغريقية القديمة كان لها دور في إعطاء نماذج من تخطيط شبكات الطرق، ومن أبرز أمثلة هذه المدن مدينة الإسكندرية التي خططها دينوكراتس ، Dinocratesالذي يقال إنه استعمل أفكار ونظريات التخطيط التي نشرها هيبوداموس من ميلتوس في القرن الخامس قبل الميلاد، والتي تنعكس في التخطيط الشبكي القائم على شوارع تخترق المدينة من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب تقسمها إلى مربعات مما يجعلها أشبه بلوحة الشطرنج). (١وهكذا يبدو أن التخطيط الهيبودامي مؤسس مع التخطيط المصري القديم، ولكنه تبلور وتطور ليربط أجزاء المدينة، ويجعلها وحدة واحدة حول السوق مركزا للتجارة، وتحقق ذلك من خلال شبكة الطرق المستقيمةالذي جعل الواسعة التي تتعامد عى شبكة الطرق اعرضية).(٢ وفي العصر الروماني اعتبرت المدينة العادية المنظمة التي تخطط على هيئة مربع أو مستطيل يخترقه طريقان عموديان، ويتجه أحد هذين الطريقين الرئيسين من الشمال إلى الجنوب، وهو يسمى كاردو ، Cardoوالطريق الثاني من الشرق إلى الغرب ويسمى ديكومانوس ، Decumanusوكان الشارع الرئيس عريضا على جانبيه وكان بأعمدة كورنثية، عرض كل منها ستة أمتار، وفي نقطة تقاطع الشارعين الرئيسين كان ينشأ قوس محمول على أعمدة سامقة). (٣وبعد ) (١حماد :تخطيط المدن، ص. ٧١ ) (٢عثمان :في شوارع المدينة، ص. ١٩١ )Alex Bothias & J. B. Ward “Etruscan and Roman Architecture”, The Belincan History of (٣ Art, 1970, pp. 56 - 75. ١٠٩الفصل الثالث :الطـرق ذلك التخطيط الرئيس لشارعي المدينة كان يكفي أن تخطط طرقه قانوية على شكل المربعات، وتعتبر مدينة تمجاد Temgadبالجزائر مثالا حيا لهذه المدينة، ومن هنا يظهر الارتباط الوثيق بين تخطيط الطرق ومظاهر الحياة فيها والنظم المنيعة في هذا العصر أو ذاك. وتكشف دراسة المصادر الفقهية العمرانية الإسلامية عن رؤى تخطيطية لشبكة الطرق في المستقرات السكنية تعكس ثقافة المجتمع بعيدا الإسلامي بوضوح، ولا يمكن تفسير صياغة هذا التخطيط أو ذاك عن القواعد الحاكمة له، ممثلة في الأحكام الفقهية الإسلامية التي تنظم أساسيا في محورا حركة العمران، ومن أهمها شبكة الطرق التي تمثل تخطيط المستقرات السكنية، والذي يعني بتنسيق النظام الطبيعي للمستقر الذي تمثله كتلتها المبنية وارتباطها بتجمعها السكني ومرافقها وخدماتها في انسجام تام مع الحاجات الاجتماعية والاقتصادية لسكانها، وإذا كان تخطيط المستقر السكني يتأثر بصفة عامة بمساحة رقعة الأرض التي يقوم عليها وتمتد، أو بمعنى آخر خطة المستقر السكني ومظهره الخارجي المنعكس في موضع هذه الرقعة من حيث انخفاضه أو ارتفاعه، ووجود المجاري المائية فيه أو عدمه، ووظيفتها والظروف التي تنشأ فيها، فإن المستقر السكني الإسلامي يتأثر بالإضافة إلى ذلك بالقيم الإسلامية التي واضحا في هذا التخطيط).(١أثرا تترك وفي إطار هذه الرؤية يتضح أهمية الأحكام التي عرضها الفرسطائي في كتابه القسمة وأصول الأرضين من حيث إنه يعرض للطرق من حيث نشأتها ونموها وتطورها مع إطار اعتبار المعايير الوظيفية الأساسية المرتبطة بحركة المرور فيها وسلامته، وضمان ذلك في إطار استخدامات أخرى ثانوية. ) (١عثمان :في شوارع المدينة، ص. ١٩٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١١٠ كما تبرز أهمية المرونة في التخطيط التي تضمن النمو المستقبلي لشبكة الطرق دون تعارض مع القديم منها، كما أن تعديل هذه الطرق أو تحويلها جاء أيضا في إطار رؤية مرنة تحكمها في الأصل تحقيق المنفعة ومنع الضرر. وشملت هذه الأحكام الطرق بكل أنواعها، سواء المتمثلة في الشبكة الداخلية للمستقر السكني، أو التي تربطه بما جاورها من مناطق زراعية أو مستقرات سكنية مجاورة، كما شملت الطرق الفرعية والثانوية الناشئة في الأملاك الخاصة، أو التي هي في الأصل حريم للسواقي والأفلاج، وتستخدم كمجازات، كما عرضت لما ينشأ من طرق للمساجد أو المقابر خارج المستقر السكني. وجمعت هذه الأحكام كل صور الطرق التي يمكن أن تنشأ سواء كانت في مستقر سكني تخطط دفعة واحدة، أو مستقر سكني ينشأ على مراحل، ويتكون من بؤر سكنية متناثرة، تتجمع مع النمو في مستقر واحد يجمعها جميعا، وكذلك الطرق التي تنشأ في المناطق العمرانية التي تستغل أحيا نا في السكنى لبعض الوقت كالبساتين والجنان وغيرها. وعرضت الأحكام الفقهية لعلاقة الطرق بما جاورها من منشآت معمارية عرضا يرتبط بالبعد الوظيفي القائم على كالدور والبيوت والمساجد والمقابر تحقيق المنفعة في الأساس، ومنع أي ضرر سواء كان هذا الضرر مرتب طا بحركة المرور أو استغلال الطريق في منافع أخرى، أو منع ضرر الكشف. وكشفت الأحكام التي عرضها الفرسطائي عن رؤية تخطيطية مهمة لتخطيط الطرق بالمستقرات السكنية، منها ما يعكس تراكم معرفي ثقافي من حضارات سابقة صيغ وفق الصياغة الإسلامية، ومنها ما كان إبدا عا في إطار تكيف مع طبيعة الموقع ومناخه وحاجات السكان وطبيعة حياتهم المعيشية القائمة على النشاط الزراعي في الأساس مع بعض الأنشطة الاقتصادية المحدودة الأخرى. ١١١الفصل الثالث :الطـرق وفي إطار ما سبق، نعرض لأحكام الفرسطائي المتعلقة بالطرق، والتي تناقش كل هذه القضايا، وتضع أمام الباحثين رؤية جديدة مهمة لدراسة العمران الإسلامي، وبخاصة في مجال التخطيط العمراني وتمديدات شبكات الطرق في المستقرات السكنية. :É¡H ¥ÉØJQ’G ΩÉμMCGh ¥ô£dG ICÉ°ûf يعرض الفرسطائي لأحكام الفقه الإباضي المتعلقة بالطرق باعتبار أن الطرق هي أساس العمراني في أي أرض كان، وهي تمثل شبكة الاتصال الأساسية التي تربط بين أنماط العمران والعمارة المتنوعة، وتيسر حركة الناس فيه. ويلاحظ أن الفرسطائي قد بدأ في حديثه عن الأصول بالحديث عن الطرق انطلاقا من هذه الأهمية، فجاءت أولوياته في مواضعها حيث إنها تأسيسا يحقق تسبق تخطي طا كل مظاهر العمران الأخرى وتؤسس لها الاتصال، ويحدد أحيا نا تقسيم الأرض لكل شكل من أشكال عمرانها. وبدأ الفرسطائي حديثه عن الطرق بالآية الكريمة التي تؤسس للحديث عن الطرق، فقد قال تعالى< ; : 9 8 7 6 5 4 ﴿ : = > ?@ ] ﴾ B Aالملك.[١٥ : ويحدد الفرسطائي النظرية التي كانت تحكم فكرة تأسيس شبكة الطرق غالبا بإحياء الموات مناطق العمران المختلفة؛ حيث إن إنشاء الطرق ارتبط من الأرض، والذي تحكمه أحكام معينة تتيح للمسلم أن يعمر ما استطاع بعيدا عن تدخل السلطات تعميره من الأرض دون أن يتسبب في ضرر ما، الحاكمة في تخطيط الطرق في منطقة ما قبل تعميرها، وتتنامى الطرق وتتشابك مع زيادة العمران في منطقة ما، وتنظم الأحكام الفقهية إنشاء هذه فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١١٢ الطرق بما يحقق النفع للجميع، ويمنع حدوث أي ضرر. وهذه النظرية التي تكشف عن مرونة واضحة تساعد على حركة العمران وفق المنظور الإسلامي، وتبقى تنظيم وتنامي الطرق وتشابكها في إطار الأحكام الفقهية التي تنظم ذلك، وتبدو هذه الأحكام آنية في تعاصر واضح ومستمر مع تنامي العمران. وهذه الرؤية في إنشاء شبكة الطرق في مناطق العمران المختلفة لا تمنع من رؤية سابقة للتخطيط في المناطق السكنية بأنماطها الحضرية المتقدمة كالمدن. ويلاحظ أن النمو الطبيعي لأنماط المناطق الحضرية الأخرى غير المدن الذي يوضع لها تخطيط سابق متكامل، تتبلور رؤية تنظيم شبكة طرقها كلما زادت حركة عمرانها من خلال الأحكام الفقهية المتعلقة بالطرق. ويقرر الفرسطائي هذه النظرية بتفسيره للآية القرآنية السابقة الداعية إلى عمران الأرض والمشي في مناكبها، أي في »طرقها وفجاجها، ويذكر أنه جائز للرجل أن يجوز في الأرض القفار التي لا تنسب إلى أحد بنفسه وجميع مواشيه سواء أثر الطريق فيها أو لم يؤثر، ويكون له إن أراد دون غيره من الناس«).(١ وهذا الحكم يحدد نقطة البداية في إنشاء طريق ما يتخذه أحد المسلمين مارا في الأرض القفار ـ التي لا يملكها أحد ـ بنفسه وبمواشيه ليصل إلى منطقة عمرانه. قفارا لكنها »تنسب لأحد من الناس وهي قفار لا عمارةوإذا كانت الأرض أيضا بطريقه لنفسه ومواشيه، أثر الطريق أو لم يؤثر، فيها، فإنه يجوز فيها ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٥ ١١٣الفصل الثالث :الطـرق ولا يستغل بمنع أربابها ولكن لا يدعيه بمروره أو جوازه«). (١ويكشف هذا الحكم الذي يجيز لأحد من الناس أن يمر بأرض قفار أن تنسب لغيره بشرط ألا يدعي الطريق بمروره أو جوازه«. وهذا الحكم يدفع بلا شك إلى مزيد من التعمير حيث إنه يعطي أولوية لعمران منطقة ما يعمرها أحد من الناس بالمرور في أرض قفار منسوبة لغيره بشرط ألا يدعي هذه الأخيرة بمروره أو داعما لعمران هذه الأرض بأنماط جوازه، بل ربما يكون هذا الطريق مستقبلا العمران المناسبة لها. وينتقل الفرسطائي إلى طرح حالة أخرى من حالات إنشاء الطرق تتمثل في الأرض التي تكون قريبة من مناطق العمران، ولكنها غير معمورة، فإنه يؤثر يجوز لمن احتاج من الناس »أن يسلك فيها بنفسه ومواشيه، ولكن لا الطريق فيها، ولا يشتغل بحجر صاحبها ومنعه«) (٢ـ أي لا يهتم بمنع صاحب الأرض، ولا يمتنع من الجواز فيها ولو منعه).(٣ وفي هذا الحكم ما يدفع إلى تعمير المناطق المتاخمة لمناطق عمرانية حيث يسمح لمن أراد المرور فيها بنفسه أو بمواشيه أن يمر سببا في تعمير مناطق وينشأ بذلك طريق للمرور عبر هذه الأراضي يكون أخرى، وكذلك في تعمير الأرض المتاخمة لمناطق عمرانية، حتى ولو كانت منسوبة لأربابها. ويستطرد الحكم ليحدد حالة أخرى ترتبط بهذا المرور وهي أنه إذا كان فسادا، فإنه على المار أن يصلح ما يسببه من المرور عبر هذه الأرض يسبب فساد. وهذا الطرح يعالج أي ضرر قد يحدث لأصحاب الأرض المتاخمة ) (١الفرسطائي :قسمة الأرض، ص. ٩٥ ) (٢الفرسطائي :قسمة الأرض، ص. ٩٦ - ٩٥ ) (٣الفرسطائي :قسمة الأرض، هامش )، (١ص. ٩٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١١٤ للمناطق العمرانية سواء كانت خالية من العمران أو مستعمرة بالزراعة. وهكذا تتحقق المنفعة للجميع مع إصلاح أي فساد قد يحدث. صورا من صور نشأة الطرق سواء في الأرض القفاروهذه الأحكام تبين أو في الأرض المتاخمة للمناطق العمرانية وصولا إلى أراضيمكن عمرانها جديدا للمناطق المعمورة، وهذه الآلية التي حددتها هذه الأحكاموتضيف لنشأة الطريق وصولا إلى مناطق عمرانية جديدة تحقق زيادة العمران، وتنظم إنشاء طرق جديدة سواء في الأرض القفار التي لا يملكها أحد، أو التي يملكها أحد، والأرض المتاخمة للمناطق المعمورة. وهكذا يمكن قراءة كيفية نشأة الطرق بوضوح تام. وهذه النشأة لهذه النماذج من الطرق التي تربط بين مناطق العمراني القديمة والناشئة تؤسس لعلاقات اتصال بينها وبين الطرق الخاصة التي تتصل بها. ويطرح الفرسطائي بعض جوانب هذا الاتصال من خلال حديث عن بعض أحكام استخدام الطريق الخاص الذي يمكن في بعض الحالات أن يكون مسلك ا لمناطق عمرانية جديدة، فيذكر أنه »لا يجوز لأحد من الناس أن يسلك في طريقه الخاص لعمارة أرضه، ويجوز له السلوك فيها لغير ذلك من منافعه وقضاء حوائجه، فإذا منعه صاحب الطريق المخصوص أهله، لا يجوز فيه على المنع والحجر).(١ تحديدا معي نا للارتفاق بالطريق الخاص من جانبوهذا الطرح يعني أحد الناس وصولا إلى عمارة أرضه؛ فقد منع الحاكم هذا الجواز وهذا المنع يتوافق وحركة العمراني التي تهتم بحقوق الملكية الخاصة والمحافظة ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٦ ١١٥الفصل الثالث :الطـرق عليها، ولكنه مع ذلك تجوز حالات معينة من الارتفاق له، ويحدد الجواز هذا الارتفاق للوصول إلى »منافعه وقضاء حوائجه« فقط. ونظمت الأحكام الفقهية للفرسطائي الارتفاق بالطرق العامة بين مناطق العمران للوصول إلى مناطق عمرانية جديدة، وسمحت بالارتفاق بها إذا كان ضررا للأملاك الخاصة على جانبي الطريق، أما إذا تسبب في أيالمار لا يسبب ضرر فإنه يمنع في هذه الحالة ارتفاقه الضار، ولأصحاب هذه الأملاك في هذه الحالة منعه بسبب هذا الضرر، وحثت الأحكام على المتسبب في الضرر أن يمنع ضرره حتى إذا لم يمنعه أصحاب الأملاك المجاورة للطريق العامة من المرور. وهذه الرؤية الواضحة لأحكام الطرق بين مناطق العمران سواء المتعلقة بنشأتها أو بالارتفاق بها يكشف عن رؤية صائبة ومرنة تهدف إلى استمرار العمران مع المحافظة على حقوق الملكية الخاصة للأراضي التي تتخللها الطرق وصولا إلى المحافظة على عمران قائم وإنشاء عمران جديد، وهو ما يحقق معادلة مزيدا من الرخاء الاقتصاديعمرانية مهمة تنتهي إلى مزيد من العمران يحقق وتنامي حركته، وهذه الرؤية في إطار الاستمرار يخدم مقاصد الشريعة الأساسية. ثم يتحدث الفرسطائي عن الطرق الخاصة بالمنزل). (١فيذكر أن أهل المنزل بعد أن يتفقوا على عمارته سواء كان بصورة فردية أو جماعية »يجعلون له طرقه ومجازاته ومنافعه على ما اتفقوا عليه من سعة طرقه، وذلك كله باتفاقهم كلهم منهم العام والخاص، أو ما رأى لهم أهل النظر منهم أو من غيرهم بما اتفقوا عليه من البنيان والأحداث«).(٢ ) (١المنزل :هو مكان النزول والإقامة، وتأتي بمفهومين، المفهوم الأول :المنزل الخاص، ويعني منشأة واحدة بعينها، وتستخدم في الإقامة للخواص، والمفهوم الأعم والأشمل، والذي يعني مجموعة من المنازل تشكل مجموعة من المنازل. راجع مصطلح »منزل«. ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١١٦ ويكشف هذا الحكم عن الطريقة التي كان يتم بها تخطيط شبكة الطرق في المستوطن الإباضي عند إنشائه لأول مرة؛ حيث كان يتم الاتفاق بين أهله، فيجعلون له طرقه ومجازاته ومرافقه، ويكشف هذا عن أن تخطيط شبكة الطرق والمستوطن كان يتم بالاتفاق أولا على تخطيطها بما تشتمل عليه من طرق ومجازات تربط بين التكوينات المعمارية في المستوطن ومرافقه. وهذا الأمر يعني ضم نا تحديد مواضع التكوينات المعمارية للمستوطن ومرافقه التي توصل إليها أو تربط بينها شبكة الطرق. ويتسع إطار التخطيط إلى تحديد قياسات الطرق في إطار هذا الاتفاق، وهذه القياسات هو ما وصف بلفظ »سعة الطرق«، وهذه السعة في إطار الرؤية العمرانية تختلف من موضع إلى آخر، وتربط في الأساس بمعيار كثافة ونوعية المرور في هذه الطرق أو تلك. ومن المهم أن نشير إلى أن الحكم ترك لأهل المنزل الاتفاق على ذلك إذا اتفقوا عليه، وهو ما يعني أن تخطيط شبكة الطرق ارتبط بشرط الاتفاق على تحديد سعة الطرق بمعرفة أهل المنزل الذين يستخدمونها، وتحقق لهم منفعة الانتقال براحة ويسر. ويعرض الفرسطائي أن لأهل المنزل أن يستعينوا بالمتخصصين في تخطيط الطرق وتحديد سعتها سواء كان هؤلاء المتخصصين من أهل المنزل أو من غيرهم، وقد نص الفرسطائي على ذلك بوضوح، فبعد عرضه لصيغة الاتفاق بين أهل المنزل على تخطيط شبكة الطرق، أشار إلى أن هذا التخطيط يمكن أن يكون من خلال ما يراه لهم »أهل النظر«). (١ويكشف هذا الخيار الثاني عن أن تخطيط شبكة الطرق كان يمكن أن يتولاه في المنازل ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٧ ١١٧الفصل الثالث :الطـرق الإباضية ذوي المعرفة والخبرة في مجال العمارة. ولا شك أن توجيه الحكم إيجابيا في انعكاسا إلى إمكانية الاستفادة من أهل الخبرة يمكن أن ينعكس سلامة تخطيط شبكة الطرق عما لو كان تخطيطها بمعرفة أهل المنزل من غير المتخصصين في العمارة. وعلى أية حال فإن اعتبار المنهجين في معيارا تخطيط شبكة الطرق في المنازل الإباضية أمر قائم، ويمكن اعتباره مهما في دراسة شبكة الطرق في المنازل الإباضية دراسة تحليلية معمارية. كما أن التوجيه إلى الاعتماد على »أهل النظر« يأتي في إطار إعلاء قيمة الخبرة والمعرفة والعلم، وفي هذا توجه إسلامي أصيل له أساسه في القرآن الكريم) (١وأحاديث النبي ژ. وطرح الفرسطائي لتولي أهل المنزل تخطيط شبكة الطرق إذا رأوا ذلك واتفقوا عليه طرح مهم جدير بالمناقشة؛ حيث إنه يطرح فكرة مهمة تتمثل في إمكان أن يخطط أهل المنزل طرقه، ويحددوا مجازاته وسعتها وفق رؤيتهم الخاصة المؤسسة على وظيفية Functionismهذه الطرق بأنماطها المختلفة المرتبطة بكثافة المرور فيها، وهي كثافة يدرك طبيعتها مستخدموها، وبخاصة الطرق غير النافذة التي يحكم تخطيطها ونظم الارتفاق بها من لهم دور تطل عليها. ومن ثم يمكن أن يكون لهم دور واضح في تحديد قياستها. وهكذا تتضح إلى أي مدى كان ما ذكره الفرسطائي من حكم يتعلق بتخطيط شبكة الطرق في المنزل مر نا ليشمل رؤية المجتمع الذي ينشأ له هذا المنزل أو ذاك في تخطيط شبكة طرقه ومجازاته، وإمكان توليه تنفيذ هذه الرؤية في إطار أبعادها المختلفة التي سبقت الإشارة إليها، أو إسناد هذه المهمة لأهل النظر من المتخصصين في العمارة والعارفين بأمورها، ومن بينها تخطيط شبكة الطرق والمجازات. ) (١قرآن كريم، سورة الزمر، الآية رقم ).(٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١١٨ وإذا كانت النظريات الحديثة في مجال العمارة تسعى إلى معرفة رغبات الراغبين في إنشاء منازل جديدة لهم وميولهم من جانب المعماريين، وهي المعرفة التي تدعو إلى معايشة المعماريين لهم معايشة تهدف إلى التعرف الدقيق على هذه الرغبات والميول وإعداد التصميم المعماري المتوافق وذلك)، (١فإن ما طرحه الفرسطائي بالنسبة لمن يسند إليه تخطيط شبكة الطرق والمجازات سواء المنتفعين أنفسهم من أهل المنزل أو الاستعانة بأهل النظر يمثل إرهاصة مبكرة لهذه الرؤية للفرسطائي الذي تضمنها حكمه السابق. وينتقل الفرسطائي إلى مرحلة أخرى تتعلق بشبكة الطرق والمجازات، وهذه المرحلة تتمثل في المحافظة على هذه الشبكة بالتخطيط الذي تم تنفيذه، والذي تم بالاتفاق بين أصحاب المنزل عليه، وقد قرر ذلك بقوله: »فإن بنوا أو عمروا أو أحدثوا، فلا يصيب من أراد منهم نقض ذلك ولا نزوعه سواء في ذلك عامتهم وخاصتهم وغيرهم من الناس، فلا يجدون زواله عما كان عليه«).(٢ ويعرض الفرسطائي في هذا السياق لأحكام أخرى تعرض لحالات العمران التي ترتبط بالتغيير أو التعديل للنمو العمراني الذي يحدث مع مضي الزمن، والتي يمكن أن تؤثر على النسيج العمراني الأصلي الذي عرض له الحكم السابق، وفي هذا السياق نرى أن هناك من يقول »إنهم إذا اتفقوا على نزوعه، فإنهم ينزعونه إذا كانوا خواص«). (٣بمعنى أنه يسمح بعضا للخواص بهذا العمل العمراني، كما أن هناك من يرخص إن أخذوا ) (١كابلان )راشتيل(، كابلان )ستيفن(، إل ريان )روبرت( :الأخذ بآراء الناس واحتياجاتهم تصميم وإدارة الطبيعة المجاورة لحياتنا اليومية، ترجمة :عمر بن سالم بن عمر باهمام، نشر جامعة الملك سعود٢٠٠٤، م، ص ص. ٤٧ - ١٨ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٧ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٧ ١١٩الفصل الثالث :الطـرق بعضا، فبدا لهم، فلهم ذلك، ولا يجدون نزوع ما حدثبعضا وبنواوعمروا بعضا، فلا يجدون إلا أنمن ذلك البعض، ومنهم من يقول :إن عمروا يعمروه كلهم، ومنهم من يقول :إن اتفقوا على حدوثه وعمارته فإنهم يتواخذون عليه)، (١ومنهم من يقول :يتواخذون عليه، ولو لم يتفقوا عليه إن كان ذلك أصلح لهم ولم يستغنوا عنه). (٢وفي هذه الأحكام ما يحقق مرونة التعديل والتغيير العمراني المسبب للمنفعة التي لا غنى عنها. :¥ô£dGh́QGƒ°ûdG §«£îJ يعرض الفرسطائي لرؤية تخطيطية مهمة تبين مدى خبرته في مجال التخطيط العمراني لموضع منزل أحدثه قوم في أرضهم، وكان بحذاء هذا الموضع أرض غيرهم يطرح الفرسطائي تصوره العمراني والمعماري لتخطيط هذا المنزل فيقول في مثل هذه الحالة أنه ما »ينبغي لهم أن يفعلوه في هيئة المنزل أن يجعلوا له أربعة أبواب، ويجعلوا فيه شارعين الشرقي والغربي شارع، ومن القبلة إلى الشمال شارع، وينفذون طريق الدور إلى الشارع من غير مضرة لأحد على جاره، وهذا فيما حوالي المنزل« )شكل. (٤ ثم يطرح الفرسطائي تصوره العمراني لما يجب أن يكون عليه تخطيط الشوارع في المنازل بصفة عامة فيقول» :والذي يجب للمنازل من الطرق أربعة قبلي وشرقي وجبلي وغربي«)). (٣شكل. (٥ ) (١عبارة يتواخذون عليه قال :في القاموس آخذه بذنبه مؤاخذة، ولا تقل واخذه، ويقال: بعضا. الفرسطائي :القسمة، هامش )، (٢ص. ٩٧ائتخذوا بهمزتين، أخذ بعضهم ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٧٦ ) (٣قوله :وجبلي، يفهم من السياق أنه الشمالي. الفرسطائي، هامش )، (١ص. ٩٨ويبدو أن جبلا كان في المنطقة الشمالية في المنطقة العمرانية التي كان يعيش فيها، ويدل على ذلك ما ورد في حديثه بعد ذلك عن الرؤى الأخرى التي لتخطيط الشوارع. الفرسطائي، ص. ٩٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٢٠ ثم يطرح رؤية أخرى في التخطيط فيذكر أن هناك من يقول :يجعلون له الصبا والدبور والجنوب والشمال))، (١شكل. (٦وهذا القول يكشف أن فكر تخطيط الشوارع يرتبط كما في هذا القول باتجاه الرياح للاستفادة منها في معالجة حرارة المنطقة الصحراوية التي ترتبط بها في المقام الأول أحكام الفرسطائي الخاصة بالعمران. ثم يطرح الفرسطائي رؤية ثالثة في تخطيط شوارع المنزل قال بها آخرون؛ أيضا أن منهم »من يقول يجعلون له طريقا إلى الفحص لمراعيهم،حيث يذكر وطريقا إلى الجبل وطريقا إلى الماء، وآخر إلى السوق )شكل ، (٧وإن أمكنهم أن يجمعوا هذا كله عن طريق واحد إن رجعت لهم هذه المعاني هذه المعاني كلها إلى ناحية واحدة فلهم ذلك )شكل ، (٨وإن افترقت الطرق بعد اجتماعهم أيضا أن يحدثوا طريقا إلى هذه المعاني كلها، وإن افترقت الطرق بعدفلهم أيضا أن يحدثوا طريقا إلى هذه المعاني، وإن اجتمعوا إلىاجتماعهم فلهم طريقين أو ثلاثة، ثم احتاجوا افتراقها على ما ذكرنا أولا فلهم ذلك، وإن احتاجوا إلى خمسة من الطرق أو أكثر فيما لا غناء لهم عنه ولا بد لهم منه، فلهم ذلك كله سواء في هذه المعاني أرجعت لهم إلى ناحية واحدة أو افترقت).(٢ ويسجل هذا العرض للفرسطائي عن ثلاثة تصورات تخطيطية للشوارع في المنزل. التصور التخطيطي الأول الذي طرحه الفرسطائي يفهم منه أن الشوارع تكون أربعة في الجهات الأربعة للمنزل، وهذه الشوارع بهيئة تخطيطية تمكن المار بها أن يدور حول المشترك كله. وهو أمر يشبه في العمارة الحديثة فكرة الطريق الدائري حول مدينة ما)). (٣شكل (٥حيث ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٨ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٨ ) (٣انظر :شكل رقم ).(٣ ١٢١الفصل الثالث :الطـرق تتصل أطراف الشوارع الأربعة اتصالا يتوافق وتسمية كل منها، فطرفا كل شارع يتصل بطرفين للشارعين اللذين يتصلان به، وفكرة الطريق الدائري الذي يتفرع منه الطرق الجانبية الداخلة إلى عمق المنزل، وبخاصة النافذ منها لها مميزاتها المرتبطة بحركة المرور وسهولة التوصل إلى أي من قطاعات المنزل دون الحاجة إلى الدخول إلى الطرق الداخلية بهذه الحركة كلها، وهذه الفكرة الدائرية في التخطيط وجدت في مدينة بغداد كمثال واضح. أما التصور الثاني للتخطيط وهو التصور الذي نقله الفرسطائي عن من قال به فيتمثل في تخطيط الشوارع على هيئة متقاطعة تقطع موضع المنزل من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، فهناك شارع يبدأ من الشرق »الصبا« إلى الغرب »الدبور« وشارع الشمال إلى الجنوب )شكل ، (٦وهذا غالبا التصور التخطيطي قديم وجد في المدن الرومانية حيث يتقاطع الشارعان مناخيا؛ حيث يساعد على جذب في وسط المنزل. وهذا التخطيط يحقق هدفا رياح الصبا إلى داخل النسيج العمراني للمنزل، وتتحقق معالجة مناخية مهمة لحرارة المنطقة الصحراوية. هذا بالإضافة إلى ما تحققه من معالجة لحركة المرور الرئيسة بتقريب المسافات للوصول إلى أي قطاع في المنزل. أما التصور التخطيطي الثالث فله هدف عمراني مباشر يتصل بالمنشآت والمرافق العمرانية في المنزل والتي توجد عاد ة في مثل هذه المناطق العمرانية كالفحص موضع المرعى والاحتطاب، ومورد الماء الذي هو مصدر الحياة، ولا غنى عليه، والسوق والجبل إذا ما أرادوا الذهاب إليه لغرض أو لآخر )شكل. (٧فإذا كان من الممكن أن يضمن الوصول إلى هذه المواضع والمنشآت العامة طريق واحد فلا بأس بذلك )شكل ، (٨وإذا دعت الحاجة إلى إنشاء أكثر من طريق فلا بأس حتى ولو وصل عدد هذه الطرق إلى خمسة فأكثر. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٢٢ وتبدو المرونة واضحة في هذا التصور الثالث؛ حيث إنه لا يلتزم تعددا يرتبط بشكل تخطيطي محدد، ولكن هذا التصور تعدد أنماطه خارجا عن بمواضع الفحص والسوق والماء والجبل والمسجد إذا كان موضع المنزل، وتجيز الأحكام إنشاء الطريق إليه في أراضي غير أهل المنزل ومواضع هذه المرافق والمنشآت العامة يحكم بعضها انسحاب الطبيعة كموضع الماء والفحص، ويحكم بعضها الأخرى الرؤية التخطيطية كالسوق والمسجد. حريصا على البعدومن المهم الإشارة إلى أن هذا التصور كان حرصا يتمثل في إبراز أهمية التوصل السهل إلى المنشآتالاقتصادي والمرافق العامة، وإلى تفصيل إنشاء طريق واحد إذا كان من الممكن من خلال التوصل إلى هذه المرافق والمنشآت؛ لأن إنشاء طريق واحد يحقق اقتصادا بالطبع من إنشاء أكثر من طريق. لكن هذه الرؤيةهذا الغرض أكثر الاقتصادية في العمارة لم تكن مانعة من إنشاء أكثر من طريق إذا كان توزيع مواضع المنشآت والمرافق يحتم ذلك؛ حتى لا تتأثر حياة المجتمع بعدم سهولة التوصل إليها. وإذا كان التصور التخطيطي الأول والثاني نمطيين، فإن مرونة التصور الثالث قائمة، وداعية إلى تنوع أنماط التخطيط العام للمنزل، الذي يرتبط بأحادية الطريق أو تعددها. وهذه التصورات التخطيطية لأنماط الشوارع في المنازل الإباضية كما طرحها الفرسطائي، بالإضافة إلى أنها تكشف عن الإدراك العميق للفرسطائي بأساليب تخطيط الشوارع التي أدرك بعضها غيره، وتبناها الفرسطائي بجانب تصوره. وهذا كله يقدم للباحثين تصورات فقهاء الإباضية في مجال التخطيط العمراني، وبخاصة تخطيط الشوارع والتي تفيد المعماريين والآثاريين لفهم التراث العمراني والمعماري ١٢٣الفصل الثالث :الطـرق الإباضي، ويمكن أن تكون مصدر إلهام لمن يستفيد منها في العمارة المعاصرة. كما أنها تطرح كرؤى تخطيطية مهمة للشوارع في البلاد الإسلامية تبنتها الحضارة الإسلامية في إطار معالجات مهمة لحركة المرور، والمناخ، والتوصل الميسر لكل المنشآت والمرافق العامة. وتكشف الأحكام التي عرضها الفرسطائي عن أن موضع المسجد يمكن أن يكون خارج عمران المنزل، ومن ثم يحتاج أهل المنزل الوصول إليه من خلال طريق خارجي يربط بين المنزل والمسجد. وهذا الطريق الخارجي الموصل إلى المسجد له أحكام تنظم إنشاءه، ومن هذه الأحكام ما يتصل بعرض حالة مهمة تكون فيها الأرض المحيطة بالمنزل مملوكة لغير أهله، ويحتاج فيها أصحابه إلى طريق يربط بين منزلهم، والمسجد خارج منزلهم، فإذا أنشأوا هذا الطريق ولم يمنعهم أصحاب الأرض أن ينشأ الطريق، وكذلك يمكنهم إنشاءه إذا أذن لهم أصحاب الأرض المملوكة لغيرهم بإنشائه. ويثبت وضع هذا الطريق والطرق المماثلة. أما إذا منع ملاك الأرض أصحاب المنزل من إنشاء الطريق قبل إنشائه كان لهم حق هذا المنع).(١ ويكشف هذا الحكم عن الاحترام الكامل للملكية الخاصة، كما أنه يكشف عن التوافق الاجتماعي بين أفراد المجتمع يمكن أن يتسبب في إنشاء هذه النوعية من الطرق. وتنم هذه الأحكام الفقهية الإباضية التي قال بها الفرسطائي عن صور أخرى من صور التخطيط العمراني المرتبط بنوعية ملكية الأرض التي ينشأ عليها المنزل بكل عناصر تخطيطه العمراني ومن بينها الطرق. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٢٤ ومن هذه الصور إنشاء مستقر سكني أو منزل في وسط أرض غير أصحابه، وبالتالي فإن المستقر السكني أو المنزل يحتاج إلى طرق توصل إليه عبر هذه الأراضي المملوكة لغيرهم بما فيها من عمائر سبق إنشاؤها إنشاء هذا المستقر أو المنزل. يقرر الحكم إنشاء هذه الطرق إذا كان ذلك ممك نا، ولا يتسبب في ضرر. وفي هذه الحالة يمكن أن تخدم هذه الطرق أيضا زيادة العمران في الأرض المملوكيةأصحاب المستقر أو المنزل وتخدم لغيرهم، والتي تخترقها هذه الطرق. وهذا يعني زيادة العمران بإنشاء المستقر أو المنزل الجديد في وسط أرض غير أصحابه، وزيادة العمران في أرض غير أصحاب المنزل، وهذه الزيادة تثبت المقصد الإيجابي الدافع لمزيد من العمران يجلب المنفعة للجميع. ضررا لعمارة أصحابأما إذا كان الرأي أن إنشاء هذه الطرق يسبب أرضا غير مملوكة لأصحابه، فإنالأرض المحيطة بالمنزل، الذي يتوسط إنشاء مثل هذه الطرق يمنع؛ لأنه يتسبب بالضرر للعمارة في هذه الأرض مثل الحيطان والعيون والآبار والبيوت كلها والأشجار وما يشبهها).(١ ويتضمن الحكم حلا معمار يا يتعلق بإمكانية عمل طرق ومجازات أرضا لغير أصحابه بطريقة معينة،توصل إلى المنزل أو المدينة التي تتوسط وبتخطيط معين وإنشاء عناصر معمارية معينة يجنب الضرر كاتخاذ الطريق مسارا يبعد قدر الإمكان عن العمارة التي تتضرر بمرور مسار الطريق خلالها أو فوقها، أو بإنشاء عناصر معمارية تكمل هذا التوجه حال الضرورة لمنع مثل هذا الضرر؛ كالقناطر التي يمكن أن تنشأ لتمنع الضرر عن المماصل والسواقي وغيرها. ) (١الفرسطائي :قسمة الأرض، ص. ٩٩ ١٢٥الفصل الثالث :الطـرق وهذا الحل المعماري يكشف عن صورة مهمة من الطرق التي يؤثر على تخطيطها هذا الوضع الخاص لإنشاء منزل وسط أرض مملوكة لغير أصحابه، ومن الناحية الأثرية فإن هذا الحل يمكن أن يكون دالا على تأريخ مثل هذا الطريق الذي يتضمن إنشاء قناطر تنشأ فوق السواقي والمماصل لمنع الضرر عنها. حيث إن هذه القناطر تكون دليلا على إنشاء هذا الطريق في فترة لاحقة لعمارة الأرض المملوكة لغير أصحاب المنزل، وتكون دليلا على أن أصحاب هذه الأرض وأصحاب المنزل توافقوا على تطبيق هذا الحل المعماري الذي تضمنه هذا الحكم. زراعية مملوكة لغيرهم،أرضا وإذا كانت الأرض التي يتوسطها المنزل فإن الحكم القضائي يطرح حلا آخر يتمثل في أنه إذا كان بالإمكان عمل هذا الطريق دون التسبب في الضرر فإنه لأصحاب الأرض أن »يجعلوا لهم ذلك«). (١وإذا لم يكن ذلك ممك نا فإن أصحاب الأرض »يخرجون لهم طريقهم، ويضمنون لهم قيمة ما أفسدوا من النبات الحاضر«). (٢وهذا الحل تعويضا لأصحاب الأرض نظير ما يفسده من نبات بسببالذي يضمن أيضا من الحلول التي تساعد علىإخراج هذا الطريق لأصحاب المنزل يعتبر إنشاء طريق آخر فيتيسر طريق الاتصال الخارجي للمنزل في أرض مملوكة لغير أصحابه، وفي هذا منفعة أكيدة لأصحاب المنزل، والتعويض المادي لمن أنشئ في أرضهم الطريق بمعرفتهم وتوافقهم مع أهل مثل هذا المنزل. ويستمر الفرسطائي في عرض صور الطرق التي تنشأ للتوصل إلى منزل وسط أرض مملوكة لغير أصحاب. وهذه الصورة تتمثل في طريق »ثبت لقوم في أرض قوم آخرين، فاستمسكوا بهم على طريقهم، فاختلفوا ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٢٦ في دوران الطريق ومقصده، فلا يصيبون أصحاب الأرض إلا أن يجعلوا قاصدا، فإن عمرت أرضهم قبل ذلك وأرادوا أن يجعلوالهم طريق ا أيضا الدوران في ذلك الطريق، كما لا يضر بعمارتهم، ولم يضر ذلك بأصحاب الطريق، فلهم ذلك، وإن كان ذلك مما يضر بأصحاب الطريق فلا يجدون ذلك«).(١ وهذا الحكم يوثق لصورة أخرى من الطرق التي توصل إلى منزل وسط أرض مملوكة لغير أصحابه، وهذا الطريق أنشئ وثبت لأصحاب المنزل، وأراد أصحاب الأرض المحيطة به أن يعدلوا مسار هذا الطريق تعديلا لا يضر بعمارتهم، ولا يضر بأصحاب الطريق، فإن الحكم يقر ذلك. وهذا يعني ضم نا إمكانية تعديل مسار طريق قائم. وإذا كان أصحاب الأرض المحيطة بالمنزل عمرت قبل إنشاء المنزل، ورأى أصحاب الأرض إنشاء الطريق في مسار يتسم بالدوران حتى لا يفسده عمارة أرضهم، وكان إنشاء مثل هذا الطريق بدورانه لا يتسبب في ضرر لأصحاب المنزل، يمكن تنفيذ هذا التصور التخطيطي. أما إذا كان الطريق الدائر يضر بأصحابه، وهم أهل المنزل، فلا ينفذ مثل هذا الطريق. ثم يعرض الفرسطائي لتصور عكسي يتمثل في أنه »إذا أراد أصحاب قاصدا أي يؤدي إلى منزلهم دون دوران، ولم يوافقالأرض أن يجعلوا طريقا أصحاب المنزل على هذا الطريق كبديل لطريقهم الثابت»، فالقول قول من دعا إلى قصده إلى أن ظهرت في ذلك مضرة مثل الصعوبة والوعر وما أشبه ذلك مما يمنع لهم المجاز«). (٢وهو ما يعني إمكانية إنشاء هذا الطريق إلا في حالة إذا كان الطريق البديل به عوائق ويتسبب في مشقة لسالكيه. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٨ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٩٩ ١٢٧الفصل الثالث :الطـرق والحالتان السابقتان لتعديل مسار طريق تكشفان عن أن صالح العمران إذا تطلب هذا التعديل دون التسبب في الضرر يوافق عليه، ويمنع حال تسبب في ضرر. ويعني من ناحية التخطيط العمراني والبعد الأثري وجود مثل هذه الحلول العمرانية التخطيطية التي تدفع إلى مزيد من العمران النافع، وتمنع أي ضرر له، وهذه الأمثلة من التراث المعماري والعمراني الذي صيغ في إطار الأحكام الفقهية الإباضية الخاصة بالعمران يمكن أن توظف أو يستفاد منها في صياغات عمرانية معاصرة لمناطق العمران الجديدة. وينتقل الفرسطائي لعرض صورة أخرى من الصورة التي تتصل بعمارة الطريق الذي ينشأ لقوم بأرض وسط أرض مملوكة لغيرهم، وثبت هذا الطريق لأصحاب المنزل، فتركوه ولم يعمروه حتى عمر جيرانهم أرضهم بالغرس والبنيان، ومكثوا كذلك حتى ثبت لهم بالحيازة، فإن كان ذلك الطريق للعامة فلا يجدون بطانة لعمارتهم سواء كانوا أصحاب تلك العمارة عامة أو خواص«). (١وهذا الحكم له مضمون عمراني مهم؛ حيث إنه يثبت الطريق لأصحاب الأرض بالحيازة حال تعميرهم له، مع إهمال أصحاب المنزل؛ حيث إن ذلك يشجع على تعمير ما أهمل من الطرق، ويدعم حقا لمن يعمرها، وهذا الحكم ينطبق على الطرق العامة والطرق الخاصة. ويعرض الفرسطائي الصورة الثانية، والتي تتصل بمن يثبت له الطريق تحديدا، وأهمل هؤلاء الطريق، ولم يمنعوا أصحاب الأرض منمن الخاصة عمارته، فإنهم لا يدركون عليهم بعد ذلك شي ئا. والهدف النهائي من هذا داعما لعمران مثل هذه الطرق. الحكم كهدف سابقه ) (١الفرسطائي :القسمة، ص ص. ١٠٠ - ٩٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٢٨ ويعرض الفرسطائي لمنزل تحيط به أرض موقوفة على المسجد أو المقبرة أو المساكن، أو مملوكة لليتامي أو ال غ ياب أو المجانين أو ما أشبه ذلك. ويقرر أن لأهل المنزل إخراج طريقهم، ولا يبطل ذلك أن تكون هذه الأرض المحيطة مخصصة للأغراض والأفراد الذين وردت الإشارة إليهم. ويرى أن عمل هذا الطريق لا يصح إذا كانت بهذه الأرض عمارة يمكن أن يفسدها إنشاء مثل هذا الطريق كبناء مسجد أو جعل مقبرة أو غرس. وإذا كان من الممكن في هذه الحالة أن يجد أصحاب المنزل مجازات بين المسجد والقبور والأشجار، ولا يتسبب في هذا ضرر لها، فإن في مثل هذه الحال يسمح بالمرور من هذه المجازات).(١ وهذا الحكم يعالج مشكلة إنشاء طريق في أرض موقوفة أو مملوكة للأيتام أو ال غ ياب أو المجانين، وهذا الحكم يقرر إنشاء الطريق في حالة عدم الضرر، ويمنعه في حال التسبب فيه، ويطرح في حالة منع المرور في مجازات أو طرق فرعية صغيرة تتخلل العمارة في هذه الأرض دون ضرر. وهذا يعني أن الحكم يطرح بديلا للطريق بمجازات تسمح بها ظروف المنشآت أو العمارة في هذه الأرض دون ضرر. وفي هذا مرونة واضحة، كما أنه يطرح المجازات الفرعية كبديل لطريق رئيس، وهو بهذا يوثق لهذه النوعية التي تمكن المعرفة بها من تفسير شبكة الطرق والمجازات التي تربط بين المنازل. ويعرض الفرسطائي لحالة أخرى ثبت فيها »أن الطريق لقوم على جيرانهم، ثم خرجت أرضهم التي عمروها بتلك الطرق، فأراد جيرانهم أن ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠٠ ١٢٩الفصل الثالث :الطـرق يعمروا تلك الأرض، فهل يجوز لهم ذلك؟ ويجيب الفرسطائي عن هذا السؤال ويرى أنه إذا لم يكن في تلك العمارة ما يضر بأصحاب الطريق فلهم ذلك فيما بينهم وبين االله، وإن أضر ذلك بأصحاب الطريق أو لم يكن في ذلك شيء، فلا يجدون ذلك في الحكم. أما إذا منعهم أصحاب الطريق من إحداث العمارة، فإن أصحاب الأرض المحيطة »لا يحدثون شي ئا، ولا يثبت عليهم ذلك«).(١ ويذكر الفرسطائي أمر ا آخر يتصل بهذا الحال، فيذكر أنه »إذا لم يمنعوهم وأرادوا بعد ذلك أن يعمروا أرضهم، فإنهم يدركون طرقهم )طرق أهل المنزل( كلها، ولا يستقلون بالعمارة سواء أكانوا عامة أو خواص).(٢ ويعرض الفرسطائي لذات الحالة، ولكن في حالة إذا كان أصحاب الطريق غيابا أو عامة، فلا يثبت عليهم عمارة هؤلاء الذين عمروا مثل عمارتها، أما إن كانوا خصائص وهم حضر فإنهم يثبت عليهم إلا إن منعوهم).(٣ ثم ينتقل الفرسطائي إلى حالة أخرى تتعلق بتكثير الطرق للمنزل الذي كان له طريق واحد في أرض مملوكة لغير أصحابه؛ حيث إن تطور العمران يتطلب احتياجات لطرق أخرى، فإنه في هذه الحالة يسمح بإنشاء هذه الطرق عبر الأرض المحيطة بمنزل طالما أن الاحتياج لها كلها قائم). (٤وهذا يعني من الناحية الأثرية اختلاف تأريخ الطرق، وتتابع مراحله المرتبطة بحاجة العمران. وهذا الحكم يتوافق وزيادة العمران التي تستدعي إنشاء طرق أخرى، ويدفع إلى زيادة العمران. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠٠ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠٠ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠٠ ) (٤الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٣٠ ثم يذكر الفرسطائي أنه إذا بطلت عمارة هذا المنزل الذي أنشئت له هذه الطرق الإضافية، ولم يكن من الممكن إعادة عمارته، فأراد أصحاب الأرض المجاورة أن يعمروا هذه الطرق فمنعهم أصحاب المنزل من ذلك، فما هو الحكم في هذه الحالة؟ يقرر الفرسطائي أن ينظر في أصل الملكية، فإن كانت الأرض التي يشغلها الطريق لأصحاب المنزل فإن لهم أن يمنعوهم، وإن كان لأصحاب المنزل حق المجاز فقط فلا يشتغل بمنعهم لهم. لكن أيضا في منعهم من إبطالهناك من يقول إنهم كان لهم المجاز فلهم الحق هذا الطريق. وتبقى أو يثبت للمنزل طرقه كلها سواء كانت للعامة أو للخاصة أو لرجل واحد). (١وهذا الحكم في غاية الأهمية؛ حيث إنه يبقى للمنزل طرقه حتى ولو بطلت عمارته وتوقف العمران فيه. وهو ما يعني المحافظة على شبكة الطرق بين المنازل، وهي محافظة تنتهي في النهاية إلى تيسير إيجابا على العمران، ثم إنه يعطي فرصة فيسبل الانتقال، وتنعكس المستقبل حال تغير ظروف المنزل لاستعادة عمرانه. حكما آخر يتعلق بصاحب أرض وسط أرض غيره،ويقرر الفرسطائي فإن كان يجوز له أن يعمرها، وهو لا يجد لها طريقا إلا في أرض غيره، ولم يثبت له قبل ذلك، قال :لا يجوز له ذلك فيما بينه وبين االله، وإن عمر كذلك فإنه يدرك على جاره في الحكم).(٢ ثم يعرض الفرسطائي لحالة أخرى من حالات الطرق تتعلق بمنزل ورثه قوم في وسط أرض غيرهم، أو تملكوه بطريقة أخرى غير الميراث، ولم يعرف هؤلاء القوم لهذا المنزل طريقا، وقد كانت له الطريق قبل ذلك، ولم يعرفوها، قال :إن كانت آثار الطريق بينة، ولم يعرفوا موضعها، فلا يدركون ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠١ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠١ ١٣١الفصل الثالث :الطـرق عليهم إلا ما أثبتوا بالبينة، وإن لم تكن لهم البينة، فلا يدركون عليهم شي ئا، وهذا الحكم ينسحب على العمارات كلها من البنيان والأصول والسواقي والمماصل وما أشبهه على هذا الحال).(١ ويكشف هذا الحكم عن أن بعض المنازل يمكن أن تندثر الطرق المؤدية إليها، ويبقى أثرها، فإن بقي، يمكن تحديد هذا الأثر وإثباته، وينحسر اتساع الطريق فيما بقى من أثر فقط. أما إذا انتهى كل أثر للطريق، فإنه لا يدرك هذا المنزل، أو من آل الطريق إليه. وهذا يعني أثر يا إمكان كشف نوعيات من هذه المنازل التي درست طرقها، أو بقيت بعض آثارها. كما أن انسحاب هذا الحكم على المنشآت الأخرى كالمباني والأصول والسواقي والمماصل يجعل هذا الحكم شاملا في إطار قياس واحد يقوم على أساس أن الأساس فيها هو إثبات الملكية بالأثر، فإن ثبتت فلا يحكم بثبوتها. ويطرح الفرسطائي حالة أخرى تتعلق بعمران الأرض، والحرص على هذا العمران، فمن كانت له أرض في وسط أرض غيره، وقد عمرت قبل ذلك، ولم يعرف طرقها، وأراد أن يعمرها، قال :يجعل له الطريق يعمر منه تلك الأرض إلى منزله، أو منزلا يعمر منه تلك الأرض. ومنهم من يقول :كل من لم يكن له طريق على صاحبه قبل ذلك في هذه العمارات كلها، فلا يدرك عليه شي ئا فيما بينه وبين االله ولا في الحكم سواء في ذلك أعمرت أرض جاره أو لم تعمر). (٢وهذان الحكمان أحدهما يجيز عمل الطريق لهذه الأرض، والحكم الآخر لا يرى ذلك. وتطبيق هذين الحكمين يعني وجود صورتين لإحداهما طريق عبر أرض الجار، وأخرى ليس لها طريق، وهو أمر مهم للآثاريين الذين يمكنهم كشف مواقع بها مثل هاتين الصورتين، وإدراك تفسيرهما. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠١ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٣٢ والشواهد المعمارية كبناء رجل لبيت في أرض أو حفر بئر فيها، أو غار يمكن أن تكون لها دلالة في إثبات طريق لهذه الأرض بدلالة عمرانها بهذه المنشآت، وتكون من الشواهد الدالة على طريق ما لهذه الأرض، وتثبت الطريق لصاحبها. وهذه الشواهد المعمارية استندت لعلاقات فيها دالة على العمران كالعتبة للبناء، أو ظهور الماء في البئر، أو الغار من دخله أو الجب أو المطمورة أو جر الماء في الساقية، أو خرج الماء في الممصل، ومنهم من يقول حتى يتمها، ومنهم من يقول حتى ينتفع بماء ولو مرة واحدة، ومنهم من يقول حتى ينتفع بالماء ثلاث سنين، ومنهم من يقول حتى تتم مدة الحيازة، ومنهم من يقول لا يدرك عليه شيء من هذا كله).(١ وهذا يعني أن هذه الشواهد المعمارية تثبت حالة العمران التي تحق إنشاء طريق لهذه الأرض بعد إنشاء المنشآت الدالة على عمرانها. وعلى جدية هذا العمران، وهذا الحكم يدعو إلى عمران أرض ليس لها طريق، لكنها تصلح للزراعة وتتوفر فيها مقومات العمران البشري. :¥ô£dG ΩGóîà°SG بعد أن عرض الفرسطائي لحالات إنشاء الطرق وأساليب تخطيطها، ينتقل إلى ما يعرض من مسائل تتعلق باستخدام الطرق والأحكام المنظمة لهذا الاستخدام، وما قد يتعرض له هذا الاستخدام بالمنع، أو بالتحويل. وفيما يتعلق بمنع استخدام الطريق عرض الفرسطائي لأمثلة توضح ذلك، ومنها أنه: من كان له طريق من منزله إلى منزل آخر، وأراد أن يمنع من يسلكه من الناس، وكان هذا الطريق له كله فإنه يمنع من أراد سلوكه من الناس، وهذا ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠١ ١٣٣الفصل الثالث :الطـرق المنزل يرتبط بحالة رغبة قبل السلوك، أما إذا سلكه بعض الناس بالفعل فليس من حقه منع السالكين بالفعل إلى ذلك المنزل سائرين إليه أو راجعين منه، سواء كان نوعية السائرين إليه من العامة أو الخاصة. وإن أخرج قوم من منزلهم طريقا إلى منزل آخر لا يجوز لهم منع من أراد سلوكه من الناس سواء في ذلك الوارد منهم أو الصادر. وإذا التقى أصحاب الطريق مع غيرهم في ذلك الطريق مع غيرهم في جميعا الجواز فيه، فتصبح الأولوية ذلك الطريق الذي هولهم ولا يمكن لهم في المرور لأصحاب الطريق بالجواز عن غيرهم، سواء في ذلك تتابعوا أي كان المارة في اتجاه واحد، أو تقابلوا. وهذا الحكم يرتبط بمدى سعة الطريق المحدد التي لا تسمح بمرور كثير من السالكين، فيتم تنظيم المرور في مثل هذه النوعية من الطرق وفق هذا الحكم. وفي حالة إذا ما كان جميع السالكين من القوم الذين لهم الطريق فإنه جميعا شركاء فيه في هذه الحال، وتبقى أولوية المرورلا أولوية لأحد، فهم بعضا لمن سبق، فهو أولى بالجواز عليه، وإن لم يتسابقوا بعضهم ولا يتقاتلون).(١ كذلك نظمت الأحكام الفقهية نوعية الارتفاق بالطريق، فإذا كان الطريق في الأصل أنشئ لمرور الناس، وأراد بعضهم أن يرتفق في مرور ماشيته أيضا فمن حق أصحاب الطريق أن يمنعوه سواء كان منهم أو من غيرهم. ويربط هذا الحكم بين وظيفة الطريق التي أنشئ من أجلها وبين نوعيات الارتفاق التي تخالف هذه الوظيفة رب طا يحدد أهمية نوعيات الطرق ووظائفها المحددة التي أنشئت من أجلها، ومنع أي ارتفاق آخر يخالف ) (١الفرسطائي :القسمة، ص ص. ١٠٢ - ١٠١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٣٤ ذلك. ولهذا الحكم دلالته التي تعكس دقة في تحديد نوعية الارتفاق. وهو أمر يمكن حال تطبيقه في العمران المعاصر أن يساعد على الحفاظ على الطرق، وييسر استخدامها وفق الغرض الذي أنشئت من أجله. وهذا الحكم بهذه الرؤية يرى الفرسطائي انسحابه على كل الطرق، وهو أمر منطقي يحفظ لكل نوعيات الطرق سلامة الارتفاق بها من جهة، والمحافظة عليها من جهة أخرى. ويعني من الناحية الأثرية والمعمارية أن أيضا قياسات الطرق اتسا عا ترتبط بنوعية حركة المرور بها، وهو ما حدده الفرسطائي، وسنعرض له. ولكن القصد هنا هو الربط بين اتساعات الطرق وحركة المرور النوعي المحدد لها. وتبقى مرونة الأحكام فرصة لمن أراد الارتفاق بطريق لم يخصص لهذه النوعية من المارين أو الماشية أو غيرها، ولكن المرور لا يسبب أذى. ولأصحاب الطريق في هذه الحالة أن يمنعوا غيرهم من ذلك المرور، ويبيحوا ذلك لأنفسهم باعتبار ملكيتهم لهذا الطريق. أما »إذا أدركوا ذلك الطريق في المنزل، ولم يعلموا أنه جعل لشيء دون شيء، وقد تجوز فيه مواشيهم أو يعمرون منه أصولهم، فأراد بعضهم أن يجوز فيه غير ذلك المعنى، فلا يمنعونه، وأما غيرهم من الناس فإنهم يمنعونه إذا علموا أن ذلك الطريق لهم دون غيرهم من الناس، وأما إن لم يعلموا فلا يمنع بعضهم بعضا، ولا يمنعون غيرهم«).(١ ويلاحظ أن تحديد الارتفاق بمثل هذا الطريق يرتبط في المقام الأول بمعرفة طبيعة الارتفاق المحددة في الأصل لهذا الطريق. وهو أمر يؤكد الدقة البالغة في تحديد وظيفة الطريق ونوعية الارتفاق به في إطار المحافظة عليه ) (١الفرسطائي، ص. ١٠٣ ١٣٥الفصل الثالث :الطـرق عمرانيا فكرا راقيا، ويطرح بعدا حضار يا ومنع الضرر، وهذا الحكم يعكس متقدما يمكن أن يوظف في العمران المعاصر. ثم يعرض الفرسطائي للارتفاق بنوعية أخرى من تلك الطرق التي تربط بين القرى وأراد أهل قرية أن يجوزوا عبر هذا الطريق إلى بلد آخر، ورأي الحكم الفقهي أن يسمح الناس بعضهم لبعض باختيار هذه النوعية من خارجا عن المنزل، أما إن شق الطريق المنزل الطرق بشرط أن يكون الطريق ولم يعلم لهم الجواز في ذلك الطريق قبل ذلك فلأصحاب هذا المنزل أن يمنعوهم إن أرادوا، عرف لهم الاختيار قبل ذلك«. وهذه المسائل التي عرض لها الفرسطائي عن الارتفاق بالطريق، ومتى يكون المنع، ومتى يكون الجواز يكشف عن رؤية حضارية متقدمة تحدد تحديدا دقيقا، وتطرح الحلول حال الاختلاف في إطار معرفة مهمة السلوك بنوعية الطريق وملكيته. :¥ô£dG πjƒëJ من الأمور المتعلقة بالطريق، الظروف التي قد تدفع إلى تحويله، وقد حرص الفرسطائي على أن يعرض لتحويل الطرق في إطار الحالات التي قد تدفع لذلك. وأولى الحالات التي عرضها هي »جعل قوم طريقا لمنزل في أرض آخرين، فاشترط أهل الأرض عليهم أن ينزعوه إلى مدة معلومة، أو اشترطوا أن ينزعوه وقت أرادوا فلهم ذلك«. وهذا يعني أنه يمكن أن ينزع الطريق ممن جعل لهم في أرض غيرهم بعد مدة محددة، أو وقتما يريد أصحاب الأرض، كذلك فإن تحديد أرض الطريق في مثل هذه الحالة السابقة أمر مهم، فإن جعل طريق لأهل منزل في أرض غيرهم، فإن بينوا موضعه، واختلفوا أصحاب المنزل فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٣٦ وأصحاب الأرض في موضع الطريق، فمن يحدد موضعه؟ يشير الحكم الفقهي أنه لأصحاب الأرض تحديد موضعه إلا إذا كان هذا التجديد يضر بأصحاب جميعا يرجعون إلى أهل النظرالطريق. وإذا لم يتفقوا على موضعه فإنهم والصلاح). (١وأهل النظر والصلاح يتولون النظر في الأمر. وهذا الحكم يكشف عن إمكانية تحويل نوعية من الطرق، وما يرتبط بهذا التحويل من اختلاف قد ينشأ نتيجة هذا التحويل، ويمنع الضرر الذي يسببه التحويل لأهل الطريق، ويحيل الأمر إلى أهل النظر في حالة عدم حل مشكلة تعيين موضع الطريق إلى أهل النظر والإصلاح الذين يستطيعون بخبرتهم إنهاء ما يتعلق بهذه المشكلات المتصلة بتحويل الطريق لمنزل يحيط به أرض آخرين، ويمر الطريق بأرضهم. واللجوء إلى أهل الخبرة كمرحلة نهائية في حسم الخلاف بعد إعطاء فرصة للتوافق على التحويل في إطار ما يمنع الضرر. يوضح أن الأولوية في الحل تركت لأصحاب المصلحة في إطار قاعدة عامة تتصل بجلب المنفعة ومنع الضرر. وهذا التصدير في إعطاء الأولوية للمختلفين له دلالته التي تعكس أولوية الاتفاق بين المختلفين، ثم أرجع الحكم إلى أهل النظر والصلاح الذين يمكنهم إنهاء الخلاف من خلال خبرتهم واتسامهم بالصلاح، وهما أمران يضمنان رضاء المختلفين بما يرى الخبراء، وهذا التصرف في التعامل مع الاختلاف يعكس رؤية حضارية مهمة، كما أن إحالة الأمر حال مخرجا لحسم الخلاف يقوماستمرار الخلاف إلى أهل النظر والصلاح يطرح على أساس الخبرة والمعرفة التي لا يختلف عليها أصحاب المشكلة، وهذا متقدما. وهذا النسق في الحالتين وطدأيضا يعكس مستوى حضار ياالنسق لرؤية حكيمة في التعامل لحل المشكلات يمكن أن يوظف في إدارة أزمات العمران المتشابهة في العصر الحالي في إطار القياس لمرحلتي حل المشكلة. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠٤ ١٣٧الفصل الثالث :الطـرق »وإذا جعلوا الطريق في موضع معلوم، وأرادوا أن يحولوه إلى موضع آخر، فهل يجوز لهم ذلك؟ قال :إن لم يجعلوا لهم في ذلك الموضع إلا الجواز، فإنهم يجدون تحويله، ومنهم من يقول إنه لا يجوز«. وهذه الحالة تعني فقط تحديد موضع الطريق، ولكن ليجوزوا منه فقط، فإن لأصحاب الأرض تحويله، أما إذا كان أصحاب الأرض »أعطوا لهم البقعة التي جوزوا فيها طريقهم، فلا يجدون تحويله« وهذا الحكم منسحب خواصا). (١ونفس هذا التوجيه ينطبق على الطريقعلى من جعله عامة أو التي حكم بها الحاكم. ويكشف هذا الحكم عن أن الاتفاق الأساس الذي تم عليه جعل الجواز فقط أو إعطاء منفعة الطريق الذي يترتب عليه الحكم، وكذلك الحال إذا أيضا اتباع نفسحكم الحاكم بحكم يرتضي تحويل الطريق، وهو ما يعني فقهيا، والأكثر خبر ة بيان النسق السابق؛ حيث يتولى الحاكم باعتباره الأعلم إعطاء حق الجواز، أو إعطاء بقعة الطريق من خلال حكمه. ثم ينتقل الفرسطائي لبيان الحكم في حالة إذا تبين للجواز موضع معلوم، فإن تحويل الطريق في هذه الحالة جائز شرط ألا يضر بأصحاب الطريق. ثم يعرض لحالة أخرى تتمثل في أنه إذا أراد أصحاب أرض أن يجعل لأصحاب منزل طريقا في أرضه فكيف يجوز ذلك؟ قال :يعطي لهم بقعته أو الجواز فيها سواء في ذلك بين الجواز أو لم يبينه، فأما البقعة فإنه يبينها لهم، وبعد تسمية معلومة سواء في هذا للخاص جعل ذلك أو للعامة، وكذلك البيع والوصية على هذا الحال، وكذلك إن جعله لوجوه الأجر على أيضا«).(٢ هذا الحال ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٣٨ وهذا الحكم يكشف عن المنهجية التي يجعل من خلال مالك أرض لأصحاب منزل في وسطها الطريق، وهذه المنهجية تبدأ بتحديد موضع الطريق، ويبينها لهم، وهذا التحديد يمكن أن يكون للعامة وللخواص. وهذا الطريق يمكن أن يكون لأهل المنزل بطرق مختلفة؛ كالبيع، أو الوصية، أو يجعله لهم بدون قيمة، كعمل من أعمال الخير. ثم يعرض الفرسطائي لآخر صور التحويل، فيذكر أنه »إذا رأى أهل منزل له طرق كثيرة وهم عامة، ورغبوا في أن ينقصوا منه لمصالح، أو يزيدوا فإنه لا يجدون ذلك«). (١وهذا الحكم يحافظ على الطرق كما استقر عليه حالها وقت إنشائها؛ حيث يمنع النقصان فيها أو الزيادة. أما إذا كان هذا الطريق لخاصة فإن الحكم يجيز لهم النقصان أو الزيادة باتفاقهم). (٢ويكشف هذا عن أن اختلاف نوعية الطريق بين عام وخاص يترتب عليه اختلاف التصرف في الطرق بالزيادة والنقصان، فمنع الحكم النقصان والزيادة في الطرق العامة، وأجازه في الطرق الخاصة باتفاقهم. وأشار الفرسطائي إلى أن هناك من أجاز النقصان أو الزيادة في الطرق العامة كما الحال في الطرق الخاصة، وهو ما يعني إمكانية تنفيذ ذلك على كل من النوعيتين من الطرق العامة أو الخاصة. :É¡eGóîà°SÉH ∂dP ábÓYh ¥ô£dG äÉÑK √ƒLh يذكر الفرسطائي أن الطرق على ثلاثة أوجه، فأما إحداها، فالطريق المعروف ثابت عرف من ثبت له، أو لم يعرف، والثاني الطريق الذي لم يعرف أنه ثبت أم لم يثبت، والطريق الثالث الذي عرف أنه لم يثبت أصلا«. وهذا ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠٥ - ١٠٤ ١٣٩الفصل الثالث :الطـرق التصنيف يقوم في الأساس على تحديد طبيعة هذا الطريق من حيث الثبوت والمعرفة من عدمه؛ لأنه يترتب على ذلك أحكام تتعلق باستخدام هذا الطريق. فالطريق الأول المعروف أنه ثابت، وهذا الطريق يمكن أن يسلكه من أراد سلوكه، أي أنه مسموح لكل الناس أن يمروا به دون أن يمنعهم أحد لسبب أو لآخر. أما الطريق الذي »لم يعرف أنه ثبت أو لم يثبت، فمن أراد أن يسلكه فله ذلك من غير أن يدعي شي ئا، إلا إن منع من ذلك«).(١ وهذا يعني أن النوع الثاني من الطريق حسب وضعه القانوني المشار إليه من أراد أن يسلكه فليسلكه من غير أن يدعي فيه شي ئا، ولكن إذا منع فله أن يدعي. أما النوع الثالث من الطرق والذي »لم يثبت فهو على وجهين :فالذي عرف أنه محجور عليه فلا يجوز لمن يسلكه، ولا يمر عليه على حال، حجرا، منعا ولا والوجه الآخر إذا عرف أنه لم يثبت، ولكن لم يسمع عليه فجائز أن يمر عليه إن لم يستر به«. ويلاحظ من هذا الحكم أن هذا النوع من الطرق يتحدد وفق معرفة من محجورا أو ممنوع المرور فيه فلا يريد أو يسلك فيه عن طبيعته، فإن كان يمرون، أما إذا لم يصل إلى معرفتهم هذا الحجر أو المنع، فإنه يجوز له المرور فيه إن لم يستر به. وهذا التصنيف للطرق ينسحب تطبيقه على كل أنواع هذه الطرق، سواء كانت في الفحوص، أو في الشبكة الداخلية لطرق المنازل والقرى والمدن. أو الطرق التي تربط بينها. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٠٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٤٠ ويعكس هذا التصنيف أهمية توثيق طبيعتها القانونية، وهو التوثيق الذي يعرف المارة بحركة المرو فيه دون قيود أو بقيود معينة ترتبط بأصحابه الذين لهم حق المنع أو التحجر، وهذه المعرفة قد تغيب عن بعض الناس، الحجر أو المنع في طرقويدركون ذلك من خلال ما يحدث من حالات معينة. وهذا النسق في استخدام الطرق ربما يدعو إلى الادعاء لإثبات الوضع القانونية لطريق ما. ومن ثم تتضح أهمية المعرفة بالوضع القانوني لكل نوع من أنواع الحجر، أو المنع، وهذه المعرفة تتطلب معرفةالطرق من حيث المرور، أو بأحكام الطرق. وهي الأحكام التي فصلها الفرسطائي وصدر بها حديثه عن الطرق، وسبقت الإشارة إليها قبل عرضه لوجوه الطرق. :¿Gôa©dG øe á«dÉîdG »aÉ«ØdGh QÉØ≤dG hCG ¢VQC’G »a ¥ô£dG الأرض الخالية من العمارة يمكن أن تكون مملوكة لأحد الناس، ويمكن أن تكون غير مملوكة لأحد. فإذا كانت مملوكة وأراد أن يتخذ أحد فيها طريق ا لنفسه ولمواشيه جاز له ذلك إلا إذا ما منعه صاحب الأرض، فإذا منعه يترك اتخاذ الطريق في هذه الأرض إلى الفيافي والقفار التي كان الناس إليها سواء حتى ليس لأحد منعهم من ذلك، وإذا لم يمنعهم أصحاب الأرض جاز لهم الجواز دون أن يتخذوا منها طريق ا بي نا ومحددا. ملوما أي أما إذا كانت تلك الأرض لا تنسب لأحد، فلا بأس لمن يتخذ فيها بئرا مثل ما يجوز في الفيافي والقفار، ويعمرون فيهاطريق ا، ويحفر فيها ويتخذون فيها طريق ا، وأن يدعوا ذلك كله لأنفسهم، وما عمروا ولم يدعوه لأنفسهم فالناس إليه سواء، وهذا في الطرق والآبار والعيون ١٤١الفصل الثالث :الطـرق والمواجل وما أشبه ذلك، وكذلك ما بنوا من الدور والبيوت يكونون أولى بذلك من غيرهم«).(١ وهذا الحكم الذي يتعلق في جزئه الثاني المرتبط بالأرض الخالية من العمارة لا شك أنه يدفع إلى مزيد من العمران، كما أنه من الناحية الأثرية والمعمارية يكشف عن أن بعض المنشآت والعمارة التي ينشئها الناس في هذه الأرض ومنها الطرق والدور والبيوت والعيون والآبار وغيرها يتملكها من أنشأها، وهو أمر عادي، ويمكن أن يتركوها للاستخدام العام لكل الناس الذين يمرون أو يستقرون بهذه الأرض. ولا شك أن هذا التصرف الأخير حافزا على زيادة العمران وتكثيره.يكون :ogô«Z ¢VQCG »a äGQÉa©dG ÜÉë°UC’ ¥ô£dG äÉÑKEG تحت هذا العنوان تحدث الفرسطائي عن شكل آخر من أشكال شبكات الطرق التي كانت تربط منزلا ما بأراضي أصحاب هذا المنزل المقابلة لدورهم بالمنزل عبر أراضي مملوكة لآخرين. وهو ما يعني وجود شبكة من الطرق تبدأ من الدور أصحاب المنزل المقابلة لأراضيهم حتى يستطيعوا عمارتها. وإذا تصورنا هذا الوضع كما في التخطيط التصوري رقم )شكل (٩ فإنه تكون هذه الطرق في حالة امتلاك جميع أصحاب المنزل لأراض مقابلة لدورهم في المنزل في هيئة إشعاعية تبدأ من حدود دورهم في المنزل إلى أراضيهم التي تلي أراضمملوكة لغيرهم. وكانت دائرة أرضهم التي تليهم أوسع من دائرة الأرض التي بينهم وبين دورهم فإن هيئة هذه الشبكة من الشوارع تأخذ بالتالي هذه الهيئة الإشعاعية، والتي كانت نتيجة مباشرة للأحكام الفقهية العمرانية التي أرست في غالب الأحيان إمكانية إنشاء هذه ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٤٢ الطرق لتحقيق المنفعة مع منع أي ضرر حيث إن هذه الأحكام قضت بإنشاء هذه الطرق طالما كانت أراضي أصحابها مقابلة لدورهم في المنزل. وهذا يعني أن وضع الأرض التي يملكها أصحاب المنزل مقابلة لدورهم هو العامل الحاكم في الأساس، وهذه الأحكام كما يبدو التي استندت إلى وضع مقابلة الأراضي للمنازل التي كانت تقصد إلى منفعة تتمثل في تيسير سبل توصل أصحاب المنزل إلى دورهم وتحقيق قربهم منها لرعايتها، وضمن ذلك أحكام الفقهاء في هذه النوعية من الطرق التي تمر بأرض مملوكة لغيره مقابل دورهم مباشرة. وعالجت هذه الأحكام حقوق من تمر الطرق بأرضهم معالجات تؤكد على جواز المرور قبل أن تؤكد على الوضع القانوني لهذا الطريق من كون أنه ثابت ومعروف أو غير ذلك).(١ ومن المهم الإشارة إلى أن الربط بين الدار الواحدة لأحد أصحاب دارا أو المنزل وأرضه المقابلة كان يطبق على أي وحدة سكنية سواء كانت بي تا، ويتضح ذلك من قول الفرسطائي بقوله» :فمن كانت له بيوت شتى في منزل واحد، وله عمارة يعمرها في موضع واحد، أو في مواضع شتى، كيف يجعلون له طريقه إلى عمارته؟ قال :إنما ينظر في ذلك إلى البيت الذي يسكنه، فيجعلون له طريقا منه إلى عمارته«).(٢ ثم يعرض الفرسطائي لأحكام غيره في هذا الموضوع، فيقول :منهم من يقول لا يصيب إلا طريق بيت واحد وإن سكن تلك البيوت كلها، فليجعلوا له طريقه من البيت الذي يلي تلك العمارة، وإن كانت البيوت كلها سواء إلى العمارة، فليجعلوا له طريقه من عمارته إلى بيوته كلها. ومنهم من يقول :إنما ينظر إلى الطريق من خارج المنزل، فينظر أي طريق أقرب إلى ) (١للاستزادة، راجع :الفرسطائي :القسمة، ص. ١١٠ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١١٠ ١٤٣الفصل الثالث :الطـرق عمارته فيسلكه، ومنهم من يقول :لا ينظر إلى البيوت في الطريق، وإنما ينظر إلى موضع يقصدونه، ولا يستغنون عنه مثل القصر والحصن وموضع خزينهم وودائعهم«).(١ والآراء الأخرى التي عرضها الفرسطائي وإن اختلفت في تفصيلات تتصل بحالة البيوت ومواضعها فإنها لا تختلف في المنظور العام مع رأي الفرسطائي. وعرضت أحكام الفرسطائي لنوعيات أخرى من الطرق كالتي تربط بين أصحاب المنازل وجنانهم وعماراتهم خارجها، والطرق التي تنشأ في عمارة غصبا، أو للطرق التي تنشأ في أرض موقوفة على المساكينأخذت أرضها أو أرض الأجر للأجر، والطرق إلى المقابر، وهذه الأخيرة فصل في قياساتها وحدده اتساعها بخمسة أذرع، كما عرض لإعدادها ووجودها قبل إنشاء المقبرة وبعد إنشائها في إطار أحكام تنظم ذلك، وتدفع إلى زيادة العمران وسهولة الاتصال باستخدام كل نوعيات الطرق).(٢ كما عرض الفرسطائي إلى الطرق التي أنشئت لعمارات تربط بينها وبين المنازل، وهجرت هذه المنازل وهذه الأحكام تخلص إلى المحافظة على هذه الطرق وكل ما يتصل بهذه العمارة والمنازل من عناصر العمران الأخرى؛ كالسواقي والمماصل. ولم تقتصر الأحكام على ذلك، بل إن منها ما يهدف إلى إصلاح عمارتها إن أمكن، أو إنشاء طرق بديلة أعلاها وأسفلها حتى يمكن الاستفادة منها في العمران الذي يحدث، وعرض في إطار ذلك للعمارة الموقوفة على المساكين أو المسجد أو المقبرة. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١١٠ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص ص. ١١٣، ١١٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٤٤ وعرضت أحكام الفرسطائي لإصلاح الطرق التي تعلو السواقي والمماصل التي يمكن الجواز فوقها بمعرفة أصحاب هذه العناصر المعمارية حتى يمكن العبور فوقها، مما يكفل استمرار الطريق في وظيفته والسواقي والمماصل في وظيفتها. أيضا محل اعتبارواضحا أن المحافظة على طرق المنازل كانت ويبدو الأحكام الفقهية، فإذا انتقلت ملكية منازل بالشراء أو الهبة أو بمعنى من معاني دخول الملك، فوجدوا فيه أن الطريق والسواقي والمماصل والمجازات كلها منها ما اندرس ومنها ما لم يندرس، ولم يجدوا على شهودا يبينون لهم ذلك، فأراد أحدهم منع عمارة تلك الآثار وقطعذلك طرقها فلا يجدون تغيير ما وجدوه من تلك العمارات، ويجوز لهم سلوك تلك الطريق والعمارة عليهم سواء طرق المنزل إلى العمارة أو طرقها إلى غير ذلك، وتلك العمارة أو طرقه إلى النواحي كلها، فلا يمنع إلا إذا أتت البينة على بعض تلك الطرق أنه كان على المنع أو الحجر أو العارية، وما أشبه ذلك مما لا يثبت به«).(١ وهذه الرؤية الحضارية للأحكام التي تدعو إلى المحافظة على الطرق وترميمها وعدم تغييرها حتى في حالة الاندراس طالما ثبتت تكشف عن فكر يساعد على استمرار عمران الطرق بكافة أنماطها. كذلك عرضت الأحكام الفقهية ما يتصل بما يمكن أن يحدث من إجراءات تتصل بالحجر على المارة من أن يسلكوا طريقا في أرض من يحق لهم الحجر. وتنظم هذه الأحكام صور هذا الإجراء في إطار يحفظ حقوق الملكية، وبين الحالات يمكن فيها المرور في إطار توافق مع ) (١الفرسطائي :القسمة، ص ص. ١١٦ - ١١٥ ١٤٥الفصل الثالث :الطـرق أصحاب الأرض، وما يرتبط بتلك الإجراءات من صحة طرق وعدم صحة غيرها وفق ما يتفق وكل حالة).(١ ويتسع نطاق هذه الأحكام ليشمل حجر الطرق في أرض اليتامى والأطفال والشركاء بما يشير إلى تغطية أحكام الفرسطائي لجميع الطرق بملكيات جميع الفئات التي يمكن أن يمر طريق بأملاكهم. وهذه التغطية تكشف عن دقة وشمول في الأحكام التي يعلمها الفرسطائي لتلاميذه؛ حتى يستطيعوا تطبيق ونشر هذه الأحكام في البلاد، وهو تطبيق ونشر يكفل صياغات شرعية عمرانية لكل أنماط الطرق في كل أنماط الملكيات، وكذلك في الأرض غير المملوكة لأحد بما يدفع إلى عمران نامومستمر في إطار وفاق مجتمعي وإطار شرعي واضح يشمل كل شيء بالتفصيل. :¥ô£dG äÉ°SÉ«b إذا كان الحديث السابق عن الطرق قد عرض لكيفية نشأتها، وملامح وأنماط تخطيطها، وأساليب الارتفاق بها، فسواء كان ذلك في المنازل أو بينها أو بين جميع النواحي الأخرى. وعرض كذلك لأهمية المحافظة عليها وترميمها، فإن تحديد قياسات هذه الطرق من الأهمية بمكان. ويلاحظ أن الفرسطائي قد أجل الحديث عن هذا الموضوع وأدرجه في إطار عرضه لحريمات المنشآت التي تحتاج إلى حريم. وعرض ذلك تحت عنوان »مسألة في حريم الطريق«، وفي إطار التوضيح ذكر أن »حريم الطريق هو الطريق نفسه لا غير على اختلاف صفاته«). (٢ثم عرض لقياسات الطرق في إطار تصنيف مرتبط في الأساس بنوعية المرور في هذه الطرق. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص ص. ١٢٠ - ١١٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٤٦ فذكر أن أولها »طريق الرجالة«). (١وحريمه ثلاثة أذرع )١٣٨,٦سم()، (٢ثم يليه طريق وحريمه السقاية). (٣وهو خمسة أذرع ) ٢,٥١متر( ثم الحطابة) (٤خمسة مثلها )٢,٥١متر(، ومنهم من يقول للسقاية والحطابة ستة أذرع )٢٧٧,٢سم(، ومنهم من يقول الحطابة ستة أذرع، والسقاية خمسة أذرع. وطريق محامل أيضا على هذا الحال، وكذلك الحمير والبغال وأحمال الحطب وشباك الحمير طريق الحمير كلها على اختلاف يحمل عليها سبعة أذرع )٣١٣,٤سم(، وكذلك البغال والخيل والبقر مثل الحمير، وطريق الجمال كلها على اختلاف ما يحمل عليها اثني عشر ذرا عا )٥٥٤,٤سم( ما خلا طريق الجوائز) (٥والمحامل فلها أربعة وعشرون ذرا عا ١١١٨,٨سم. أما طريق المواشي كلها ١٨٤٨سم أو )١٨,٤٨مترا( إلى الماء والمرعى. وكذلك طريق قوافل الحجاج أربعون ذرا عا، والطريق الذي تختلط من هذه الأصناف فإنهم يأخذون بالأكثر منها«. )(٦ وهذا التحديد لقياسات أنواع الطرق المرتبط تصنيفها بنوعية المرور فيها وكيفيته يكشف عن أن المعيار الأساس الذي يحكم هذا القياس هو هذه النوعية، والكيفية، وهو أمر منطقي يوفق بين اتساع الطريق وحالة المرور فيها نو عا، وكيفية حتى لا تهدر أرض في طريق لا تحتاج إلى اتساع، وحتى أيضا يتوفر الاتساع المناسب لحركة المرور).(٧ ) (١الرجالة :هم المشاة على الأرجل. الفرسطائي :القسمة، هامش )، (١ص. ٤٤٣ ) (٢الذراع الشرعي ٤٦,٢سم. عثمان )محمد عبد الستار( :الإعلان بأحكام البنيان، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر٢٠٠٢، م، ص. ١٧٥ - ١٧٣ومصطلح ذراع في المجلد الثاني من هذه الدراسة. ) (٣السقاية عامية، وهي جمع سقاي. والتلاليس :الغرائز. الفرسطائي :القسمة، هامش )، (٢ص. ٤٤٣ ) (٤الحطابة :عامية، جامعي الحطب. الفرسطائي :القسمة، هامش )، (٣ص. ٤٤٣ ) (٥لعله القافلة الكبرى. الفرسطائي :القسمة، هامش )، (٤ص. ٤٤٣ ) (٦الفرسطائي :القسمة، ص ص. ٤٤٤ - ٤٤٣ ) (٧تختلف المصادر الفقهية الإباضية والسنية في تحديدها لقياسات الطرق). راجع :الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ١٤٨؛ ابن الرامي :الإعلان بأحكام البنيان، ص ٥٣٨ - ٥٣٣؛ الأدرنوي: رياض القاسمين، ص ص. (٢٣٥ - ٢٣٤ ١٤٧الفصل الثالث :الطـرق ويلاحظ أن تحديد قياسات الطرق وفق ما رآه الفرسطائي تختلف إلى حد ما مع ما رآه غيره من الفقهاء الإباضية في أحكامهم مثل ابن جعفر والكندي. وهو اختلاف يرجع إلى ارتباط القياسات بظروف كل بلد وكل عصر، ولكن الذي يتميز به الفرسطائي هو ربطه واستناده إلى معيار واضح قائم على اعتبار نوعية وكيفية حركة المرور في هذا الطريق أو ذاك. :á°UÓîdG برزت أهمية الرؤية العمرانية للفرسطائي في تخطيط الطرق، وكشفت هذه الرؤية عن محاور مهمة للدراسات الآثارية والمعمارية منها. توجيها أولا ـ التوجيه إلى تخطيط شبكة الطرق الداخلية في المنازل معي نا لكل منها مميزاته وأهدافه. ثانيا ـ طرح التصور العمراني لشبكات الطرق الخارجية التي تربط بين المنازل والنواحي الأخرى، وتخطيطها في إطار ارتباطها بظروف الموضع. ثالثا ـ المرونة في تخطيط شبكات الطرق بأنواعها المختلفة في إطار اعتبار الملكية الخاصة بما يحقق زيادة ونماء مستمر في العمران. رابعا ـ بيان كيفية نشأة الطرق وكيفية زيادة ارتبا طا بزيادة العمران، وعلاقة كل نوع منها سواء كانت عامة أو عامة، وما يرتبط بذلك من الثبوت أو عدمه. خامسا ـ بيان كيفية ما قد يحدث على بعض أنماط الطرق من تغيير أو تعديل أو تحويل والظروف والأحكام الحاكمة لذلك. سادسا ـ تابعت الأحكام الفقهية كيفية نشأة الطرق وتطورها في المناطق قديما، والتي تستجد عمارتها، وكيف تربط شبكات الطرق بينهاالمعمورة فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٤٨ ارتبا طا يخدم العمران. وهو أمر يعكس حالة العمران في الفترة التي عاش فيها الفرسطائي، والتي يبدو أنها استدعت التعريف بهذه الأحكام الفقهية التي توضح كل ما يتعلق بذلك استجابة لهذه الحاجة العمرانية، وهو ما يوثق لفترة مهمة عاشها الإباضية بعد سقوط الدولة الرستيمة وانتقالهم إلى بعيدا عن نفوذ السلطة والحكام الذين حكمواالمناطق الداخلية الصحراوية في بلاد الشمال الإفريقي، وتعرضوا بالأذى والاضطهاد لهم. سابعا ـ البعد التعليمي أمر واضح حيث إن تعليم الفرسطائي علم تلاميذه في إطار ما يلقيه عليهم من أحكام كل هذه المعارف العلمية المتصلة بالعمران، وتحديدا شبكة الطرق. وهذا النسق من التعليم له أهمية في تأريخ التعليم في مجال العمران والعمارة، وهو مجال بحث اهتمام من جانب الآثاريين والمعماريين، وهذه الممارسة التعليمية للفرسطائي التي وثقت في كتابة القسمة مهما على مجالات التعليم في مجال العمرانوأصول الأرضين تعتبر مثالا والعمارة تعضده أمثلة أخرى من كتب التراث الفقهي في مجال العمارة والعمران. تكشف هذه المعرفة في مجال العمران عن أن العمارة الإسلامية المستندة إلى الأحكام الفقهية الشريعة في تخطيطها وإنشائها يميز هذه العمارة المستندة إلى الأحكام الشرعية، ومن ثم فإن العاملين فيها من مهندسين وبنائين والمتابعين لها من القضاة والعرفاء وأهل البصر أو أهل النظر، لا بد وأن تتوفر لهم هذه المعرفة. ومن ثم اتسع مجال التعليم العمراني والمعماري ليشمل هذه الفئات التي تتصل مجالات عملها بالعمارة منذ إنشائها، وحتى مراحل استخدامها والمحافظة عليها. ثام نا ـ يكشف تنوع الأحكام المتصلة بالعمران والعمارة والتي تختلف من منطقة إلى أخرى، وكذلك من عصر إلى آخر عن مرونة الصياغات العمرانية والمعمارية في التراث المعماري الإسلامي، فلم تتقيد بقوالب ١٤٩الفصل الثالث :الطـرق جامدة مثل ما هو في العمارة في العصور السابقة على الإسلام، والتي تقيدت بأنماط وطرز وقوالب محددة ارتبطت بمدرسية هذه العمارة فجاء نتاجها نسخ ا مكررة جامدة، بينما تنوعت صياغات العمران والعمارة الإسلامية، ويعكس هذا بوضوح في مجال الطرق تنوع أنماط تخطيطها تنو عا يعكس هذه المرونة، ويتوافق والأحكام الشرعية الإسلامية. تاسعا ـ ما رصده العرض السابق من ملامح عمرانية ومعمارية يتصل بالطرق وما قد يحدث عليها من تعديلات أو تغييرات لأسباب مختلفة، وطبيعة استخدامها، وأساليب المحافظة عليها وصيانتها، وتحديد مقاييسها من الأهمية بمكان للآثاري الذي يهتم بدراسة عمران المناطق التراثية الإباضية الباقية والمواقع الأثرية التي يكشف عنها من خلال تنقيبات أثرية في مناطق الاستيطان الإباضي، وبخاصة في شمال إفريقية. عاشرا ـ يلاحظ أن معالجة الفرسطائي تتصل بأصول الطرق باعتبار أن كتابه ينصب على القسمة وأصول الأراضي، وهي معالجة تعتبر الأساس في دراسة عمران الطرق وعمارتها في التراث العمراني الإباضي، وقد بدأ الفرسطائي بدراستها باعتبارها أولويتها وأهمية هذه الأولوية في التخطيط العمراني. وتحدث عن أصولها، وهذا الحديث يتضمن معرفة بذلك المستوى، تابعته مصادر أخرى خصت حديثها عن جوانب أخرى تتعلق بالطرق الداخلية في المدن والبلاد والقرى، وعلاقتها بالتكوينات المعمارية المطلة عليها؛ مثل معالجة الكندي التي وردت في بيان الشرع).(١ ) (١سنعرض بالتفصيل لرؤية الكندي في بيان الشرع للطرق في دراسة كتاب الشرع باعتباره أيضا من المصادر المهمة في فقه العمران الإباضي. وستتضح الرؤية التفصيلية في إطار علاقة تخطيط الطرق في داخل المنزل أو المدينة أو القرية بمبانيها، وهي مهمة في التعامل الرأسي مع الطرق لها أهميتها لاستكمال التصور العمراني والمعماري للطرق. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٥٠ :(1)ø«JÉ°ùÑdGh áæLC’G IQÉaY ¥ôW اشتهرت بلاد الشمال الإفريقي بالجنان والبساتين التي تزرع بها الأشجار المثمرة وغيرها، وكان ينشأ بهذه الجنان والبساتين بعض المنشآت المعمارية التي تستخدم كأماكن مؤقتة للإقامة بها، وبعض الأبراج، وغيرها التي تؤمن غرض الحراسة لها).(٢ بابا يتحدث فيه عن أحكام طرقهاويفرد الفرسطائي للجنان والبساتين باعتبار نوعية مميزة من نوعيات العمران التي انتشرت في بيئته، وهو بذلك يوثق لهذا النمط من العمارة انتشر في مناطق العمران الإباضي في الشمال الإفريقي. ويبدأ حديثه عن نشأة هذه النوعية من العمران، فيذكر أنه إذا كان لقوم أرضا معلومة، أو كانت لهم ساقية أو نهر،عين ماء، فاتفقوا أن يعمروا بها واتفقوا على طرقها وسواقيها، وهكذا جملة فكل ما اتفقوا أن يعمروا به، فلا يجد أحد منع شيء من ذلك، ويعمرون بذلك كيفما تمكن لهم على نظر ذوي النظر منهم، ولا يقعد بعضهم لبعض في تلك الطرق والسواقي بالعمارة، ولا بغيرها فيما عمروا من الأرض، ولا فيما لم يعمر، ولا يمنع بعضا من مصالح عمارتهم مثل الحيطان والزروب وأشباه ذلك، إلابعضهم من باع منهم، فجازه أو وهبه لغيره، فلا يدرك هو بعد ذلك شي ئا، وقد بطل له قبل ذلك«).(٣ ويكشف هذا الحكم عن أن إنشاء وتعمير منطقة تعمير الجنان والبساتين كان يتم بالاتفاق بين أصحاب الأرض التي يتوفر فيها مصدر ماء كالعين أو ) (١راجع :مصطلح جنة وبستان في معجم المصطلحات، المجلد الثاني. ) (٢عثمان :الإعلان بأحكام البنيان لابن الرامي دراسة آثارية معمارية، ص. ١٥٧ - ١٥٤ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٢٣ ١٥١الفصل الثالث :الطـرق النهر أو الساقية، وتوفر هذا المصدر يضمن استمرار هذه العمارة وتوسعها، كافيا لذلك، ويكشف هذا الحكم عن أن المشاركين في هذهطالما كان الماء النوعية من العمارة يحددون شبكة الطرق بها، وكذلك شبكة المياه ممثلة في السواقي، ويكون ذلك من خلال الخبرات التي تتوفر لهم من أصحاب النظر أي العارفين بذلك. ويوضح هذا الإسناد إلى أن النظر إلى أن هؤلاء يمثلون المقومات البشرية المتخصصة، ومعرفة هؤلاء تكون معرفة شاملة بالعمران والطرق من منظور التخطيط العام، وكذلك من منظور أحكام الشريعة التي هي الأساس في كل شيء، وهو أمر يبرز أهمية نشر الثقافة الشرعية من خلال الفقهاء وما يضعونه من أحكام العمران التي تكون أهل النظر تكوي نا معرفيا يساعد على تطبيق هذه الأحكام. ويوجه الحكم إلى أن المشاركين في هذه النوعية من العمارة لا يمنع بعضا في عمارة الطرق والسواقي باعتبارها المرافق الأساسيةبعضهم للعمارة، والتي تؤسس لعمران الأرض دفعة واحدة وعلى مراحل. ويذكر الفرسطائي حالة عمران أخرى تتصل بسابقتها، وهي أن »من أراد أرضا غير التي اتفقوا عليها من تلك الطرق والمجازات، فلا يجدأن يعمر ذلك إذا منعوه، وإذا أذنوا له أن يعمر فعمر فلا يمنعوه بعد ذلك«).(١ وهذا الحكم على وجهين، الأول أن لأصحاب العمارة أن يمنعوه من أرضا، ويمكن أن يحدث ذلكأن يستخدم طرق عمارتهم حتى يعمر لأسباب يراها أصحاب الأرض بطرقها ومجازاتها، ويمكن أن يأذنوا له باستخدام هذه الطرق والمجازات حتى يصل إلى الأرض الجديدة التي يعمرها، وهو ما يزيد العمران، ومحافظة على هذا العمران أقر الحكم بأنه ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٢٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٥٢ ليس لهم منعه بعد أن يعمر ما عمر من الأرض، وهذا يعني المحافظة على استمرار هذا العمران الجديد، وهذا الأمر يمنع أي ضرر قد يحدث لعمران هذه الأرض الجديدة. ويفصل الفرسطائي في الأحكام التي تتعلق بالطرق والمجازات التي بالبساتين، والتي يمكن أن تستخدم في مناطق عمرانية أخرى مجاورة لها، ويحدد متى يكون المنع، ومتى يكون السماح في إطار واضح مرتبط برأي أصحاب البستان، كما تعرض هذه الأحكام لنوعية وكيفية استخدام هذه الطرق حيث إنها تتعرض لاستخدامها في نقل الحجارة أو السماد، فإنها تحدد حالات الاستخدام وحالات منعه، ويلاحظ أن حالات السماح دائما في صالح زيادة العمران ونموه، وحالات المنع تكون فيتكون إطار منع الضرر ويكون كل ذلك في إطار التوافق بين أصحاب البستان وطرقه وبين من يريد أن يستخدمها لإضافة عمران أرض جديدة. ثم يعرض الفرسطائي لما يحدث من تغير في الملكية يدعو إلى القسمة، وما ينتج عن ذلك، أو ما يرتبط به من استخدام الطرق التي كانت في أرض لها بستان أو دار. فيذكر أنه »إذا اشترك قوم في أرض لها طريق أو بستان أو دار فاقتسموا، ولم يذكروا الطريق، فإن طريقهم يكون على ما كان عليه أولا«). (١ويضمن هذا الحكم استمرار عمران الأرض بعد قسمتها. ويلاحظ حريصا على ذكر ما يحدث من غبن على من تمر الطريقأن الفرسطائي كان في نصيبه. ويذكر الفرسطائي حالة أخرى تتصل بقسمة هذه الأرض؛ حيث بعضا من الطريق على أن يكون طريقيذكر أنهم إذا »اقتسموا فبرأ بعضهم خارجا فتكون طرقهم على ما اشترطوها«). (٢وهذا الحكمكل واحد منهم ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٢٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٢٥، ١٢٤ ١٥٣الفصل الثالث :الطـرق يعني من الناحية العمرانية أن ينشأ لكل واحد ممن اقتسموا طريقا، وهذا يعني من الناحية التخطيطية العمرانية تكثير الطرق نتيجة القسمة التي يتفق فيها على إنشاء طريق لكل منهم. ويعرض الفرسطائي لحالة أخرى من حالات إنشاء الطرق مرتبطة بقسمة الأرض السابقة، وهذه الحالة تقرر استخدام بعضهم للطريق الأول، وعمل طرق أخرى لبعضهم الآخر توصل إلى أرضهم). (١وهو حل يرتبط في الغالب بهيئة الأرض بعد التقسيم، وتسهيل الوصول إليها في إطار عدم الرغبة في فقد مساحات تشغلها طرق جديدة لكل نصيب كما في الحالة السابقة. وهذا يكشف عن صورة أخرى من التخطيط تكشف عن رؤية اقتصادية في العمران بإنشاء ما يلزم وما تدعو إليه الحاجة فقط. ومن الملاحظ أن الفرسطائي يشير إلى أنه إذا نتج عن القسمة قطاع من الأرض لا يتوصل إليه بطريق، فإن مثل هذه القسمة غير جائز، وهذا يعني أن القسمة الجائزة تشترط وجود طرق توصل إلى كل قسم حتى لا تبطل عمارته).(٢ ويعرض الفرسطائي رأي غيره ممن يجوز القسمة في حال عدم وجود طريق يوصل إلى قسم من أقسام الأرض المقتسمة. ومقارنة بين رأي الفرسطائي وهذا الرأي الأخير تكشف عن رجحان رأيه من منظور استمرار عمران الأرض بعد القسمة، وهو ما بين كفاءة الفرسطائي، وهي أساسيا في كتابه موضوع قسما هنا تتعلق بالقسمة التي خصص لها البحث. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٢٥ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٢٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٥٤ ومما يدل على مدى الحرص على عمران البساتين من خلال الطرق الموصلة إليها ما يذكر الفرسطائي من أنه »من اشترى نخلة من بستان أو حوضا فاشترط على البائع طريقه إليها، فإنه يدركه عليه كما اشترط«).(١ وأجاز الحكم وصول المشتري للنخلة الوصول إلى نخلته حتى ولو لم يشترط ذلك عند شرائها. ويستند الحكم في ذلك إلى أن هذه النخلة تحتاج إلى رعاية من مشتريها بنقل السماد إليها على سبيل المثال، وهذه الرعاية تكفل استمرار هذه النخلة في غلتها، وهذا الحكم يعني استمرار عمران البستان بأشجاره، كما يتيح فرصة التصرف بالبيع أو وجوه التصرفات الأخرى التي تحدث في إطار المعاملات بين البشر. ثم يعرض الفرسطائي لكل ما يتصل بحالات التوصل إلى هذه النخلة، وما قد يحدث من حالات الاختلاف بين الأطراف ذوي الصلة، وتنتهي إلى تحقيق المنفعة للمشتري دون حدوث ضرر على البائع أو أصحاب الطريق الأول المؤدي إلى البستان. وينتقل الفرسطائي إلى حالة أخرى ترتبط بهذه الأشجار أو النخيل، فيذكر أنه إذا ماتت فإن لصاحبها أن يغرس في مكانها، ويكون له طريق الغروس وكذلك السواقي ما دامت في ملكه، وهذا يعني الاستمرار في عمران البساتين في مثل هذه الحالة. وتحدث الفرسطائي عما قد يحدث بين صاحب الأرض التي بها جنان ولأحدهم شجر في هذه الجنان، ويستشف من أحكامه أنه يمكن تعديل الطريق عمرانيا إذا كان في ذلك منع ضرر قد يحلق بصاحب الأرض. وهو ما يعنى ومعمار يا وجود هذا الملمح العمراني. كما تشير الأحكام إلى أنه يمكن أن يمر ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٢٥ ١٥٥الفصل الثالث :الطـرق صاحب الأشجار على طريق يحدده صاحب الأرض يمر على السواقي أو المماصل، ويقوم بعمل قناطر) (١فوقها حتى يسهل المرور دون النظر لأي منهما. وينشأ عن تطبيق هذا الحكم وجود طرق تمر على السواقي والمماصل بواسطة قناطر تعلوها، وهذا التطبيق مهم للآثاريين الذين يمكن أن يعملوا في مناطق بها تراث معماري إباضي جرى فيه تطبيق هذا الحكم في هذا العصر. ثم يرصد الفرسطائي الأحكام المتعلقة باستخدام هذه الطرق في إطار ثبوتها من عدمه، وجميع هذه الأحكام تنتهي إلى تحقيق حق المرور الذي أيضا عن صاحب ينفع صاحب بعض الأشجار في جنان غيره، ويمنع الضرر الجنان والأرض التي تقع فيها).(٢ ثم ينتقل الفرسطائي لعرض حالة أخرى تكون فيها الأرض التي بها الأشجار »بيضاء« أي خالية من الزرع أو الغرس، ويحدد كيفية استطراق صاحب الأشجار إلى أشجار عبر هذه الأرض، ويذكر أن صاحب الشجر أن يمر من حيث شاء إلى أشجاره، ولكن في حالة إذا ما قام صاحب الأرض بعمارة أرضه وأراد أن ينشأ بها حيطا نا أو زروب فليس لصاحب الأشجار منعه، ويكون له الحق فقط في وجود طريق أو مجاز إلى شجر لا يضر بصاحب الأرض). (٣وهذه الأحكام الإيجابية لصالح الطرفين لا شك أنها تحافظ على عمران سابق وعمران لاحق بما يدفع في النهاية إلى نمو العمران. ثم يذكر الفرسطائي في حالة أخرى تجسد عمران صاحب الأرض الذي بابا يكون في هيئة زرب يثبتها صاحب الأرض حول أرضه، ويعمل لها ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٢٨ - ١٢٧ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٢٩ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٠، ١٢٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٥٦ وقفلا؛ حتى يحكم حماية أرضه وصاحب الأشجار أو مغاليق السواقي التي بابا آخر«، كما أن صاحبفي هذه الأرض »لا يدرك عليه أن يجعل له الأرض أن »يجعل في بابه ما يضر صاحب الأشجار أو المغاليق، ويوفر له إمكانية المرور دون مضرة«. ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الفرسطائي يستند إلى هيئة الباب المعمارية في تقرير حكم يتعلق بهذا الوضع، يذكر أنه »إما أن ذلك الجنان مزربا من قبل ذلك، وله باب معلوم، فلا يجد صاحب الشجرة أن يحدث له فيها ما لم يكن قبل ذلك، ولو كان في الباب ما يضره، وكذلك الباب إن لم يكن عتبة من قبل ذلك، فأراد صاحب الجنان أن يجعل له عتبة فلا يجد ذلك، وأما إن كانت له عتبة وباب فلا يدرك صاحب الشجرة شي ئا من زوال ومفتاحا وكانا قبل ما كان قبله، وكذلك إذا أراد أن يحدث لذلك الباب قفلا ذلك ما يستمسك به صاحب الشجرة أو البقعة التي كانت في الجنان في إمساك المفتاح فلا يدرك عليه، ولكن يجعل له الحاكم أوقا تا يدخل إلى شجرته أو إلى أرضه لكل ما يحتاج إليه من المصالح، ويحجر على صاحب الجنان ألا يمنعه منها في تلك الأوقات، فإن منعه فليخرج منه الحق، أو يجعل الحاكم أمي نا يكون عنده المفتاح، أو يأمرهما أن يجعلا مفتاحين إن لم يكن في ذلك ضرر لصاحب الجنان«).(١ وهذا الحكم يكشف عن وجود نوعية من الأبواب للجنان أولهما أن يكون للباب عتبة أي باب كامل العناصر يعلو فتحته عتب يساعد على إحكام غلق الباب. كما توجد أبواب أخرى بغير أعتاب فتكون فتحة الباب مجرد فتحة في الحيطان أو الزرب. ويلاحظ أن الحكم ينع صاحب الجنان من عمل عتبة لباب حقه لم يكن لبابها عتبة. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٠ ١٥٧الفصل الثالث :الطـرق ثم يعرض الحكم لتفاصيل أخرى تتصل بالباب مثل عمل قفل له يمكن من غلق ومنع الدخول إليه إلا بالحصول على مفتاح هذا القفل. صورا تساعد صاحب الشجرة في الجنان أن يدخلوقد وضح الحكم إلى شجره بالتنسيق مع صاحب الجنان حيث إن صاحب الشجر أو البقعة التي كانت في الجنان إذا تمسك بوجود المفتاح معه فلا يدرك ذلك، لكن بالتنسيق من خلال الحاكم يمكن تحديد أوقات لدخوله، أو أن يكون المفتاح لدى أمين، ويستخدمه صاحب الشجر وقتما يريد الدخول، أو أن يجعل للباب مفتاحين أحدهما لصاحب الجنان والآخر لصاحب الشجر فيه. ويكشف هذا الحكم بتفاصيله مدى تتبع الفرسطائي لكل ما يتصل بهذا الأمر الذي يسهل لصاحب الشجر الوصول إلى شجره دون أن يضر بصاحب الجنان، وطرح الحلول الثلاثة الخاصة بفتح الباب وغلقه بالقفل تدل دلالة واضحة على دور الحاكم والأمين في حل المشكلات، وعلى دقة الفرسطائي في حلول أخرى موضوعية ومنطقية في إطار رؤيته الواسعة. ويعرض الفرسطائي لحالة أخرى من حالات عمران الجنان تحدث أرضا إلى جنانه، أو أراد تتمثل في أن صاحب الجنان أراد أن يزيد جنا نا أو بابا غير بابه الأول، فإنه يجوز له أن يحدث ذلك فيما بينه وبينأن يجعل له االله. إذا لم تكن فيه مضرة، وإذا كانت فيه مضرة فلا يجوز له فيما بينه وبين االله. ويعرض الفرسطائي الآراء الأخرى التي تتعلق بهذه الحالة، فيذكر أن منهم من يقول ليس له أن يحدث شي ئا«). (١ومقارنة بين حكم الفرسطائي ورؤية غيره التي سبقت الإشارة إليها تشير إلى أن حكم الفرسطائي يقصد إلى زيادة العمران طالما أنه ليس في هذه الزيادة ضرر. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣١ - ١٣٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٥٨ أيضا بزيادة الماء في الساقية التي ترويوسمح حكم الفرسطائي جنانه، أو إصلاح الطرق فيها، أو إنشاء أي بناء فيه في إطار الحكم السابق طالما أنه لا يضر بغيره ممن له شجر فيها). (١وهو ما يعضد الرؤية السابقة لنمو العمران بوجوهه المختلفة سواء كانت غرفا أو مرافق تخدم الجنان كالطرق أو الأبنية الأخرى. ويعرض الفرسطائي لحكم آخر يتعلق بوجود ثلمة أي فتحة نتيجة تهدم في حائط جنان أو زربها فهل يجوز لأحدهم أن يمر عبر الجنة؟ فأشار الفرسطائي إلى أنه إذا كانت هناك ثلمة أخرى يخرج منها جاز ولكن هذا في حالة عدم عمران الجنة، ويذكر أن هناك من الفقهاء من جوز المرور حتى ولو لم تكن هناك إلا ثلمة واحدة يدخل منها ويخرج منها، أما إذا كانت الجنة عامرة فإن الجواز عبر الجنة لا يكون إلا بإذن من سكن فيها). (٢وفي هذا ما يحقق الخصوصية لأصحاب الجنة. ويستطرد الفرسطائي ليذكر حالة معمارية تتصل بالطريق الذي يجوز فيه الماء داخل الجنة، وهذه الحالة يرصدها الفرسطائي فيذكر» :وكذلك إن أخذ الطريق )مار بالجنة المعمورة( حتى عارضه حائط فجاز الطريق عليه أو سقف فجاز عليه، فإنه يتبع الطريق حيث سلك أخذه ولم يطلعه إلا بالسلم أو لم ينزل إلا به«). (٣وهذه الصورة المعمارية ما زالت باقية في بعض قرى جبل نفوسة وفي بعض قرى منطقة الأوراس حيث يمر الطريق على حائط أو سقف في المناطق الوعرة المنحدرة). (٤ويشمل هذا الحكم القناطر على هذه الحال يجز عليها ويخوض النهر أو الساقية، ولا يمنعه الماء من الجواز إذا لم يفسد الساقية ولا يحذر ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣١ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٢ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٢ ) (٤الفرسطائي :القسمة، هامش )، (٤ص. ١٣٢ ١٥٩الفصل الثالث :الطـرق هذا إلا ما يمنع الماء عن جريه أو يفسد تراب الساقية شي ئا بمروره وجوازه عرضها أو طولها«).(١ وعرض الفرسطائي لنوعية أخرى من الطرق تلك التي تمر بالمقبرة، فيذكر أنه »يجوز أن يشق الطريق الذي مر على المقبرة مر بالقبور أو لم يمر عليها إلا إذا تبين له أن القبور سبقت الطريق فلا يسبقه حينئذ«). (٢وهذا الحكم يجيز المرور بالطريق المار بالمقبرة من خارجها أو من خلال القبور إذا كان الطريق سابقا لإنشاء المقابر. وهذا الحكم يسوغ استخدام الطرق المارة بالمقابر، فيضاف إلى شبكة الطرق التي يجوز المرور فيها، وهو ما تحقق به مصلحة المارين. ثم يعرض الفرسطائي لأحكام الجواز في الطرق التي كانت قائمة في الجنان حال التصرف فيها بالبيع أو الهبة أو غير ذلك من معاني انتقال الملكية، وتنتهي هذه الأحكام إلى جواز المرور بهذه الطريق مثلما كان عليه الحال زمن المالك الأصلي سواء ثبت هذه الطرق في وثائق انتقال الملكية أو لم يثبت. وهذا يضمن استمرار هذه الطرق في أداء وظائفها بالرغم من تغير مالكيها لسبب أو لآخر، وينسحب هذا الحكم على حائط تلك الجنان وزربها، وتترك الأحكام الحرية للبائع في أن يبيع الطرق والزروب والحوائط والسواقي »ويكون له الجواز فيها بعد ذلك ولا يمنع منه« كما أنه له الحق في أن يبيع الجنان ويستثني طرقها وسواقيها«). (٣وهذا الحكم يضمن بقاء عمارة الجنان كما كانت عليه دون تغير في أي أثر يمنع استغلالها كما كانت قبل ذلك، وهو ما يحقق منفعة العمران باستمرار. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٢ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٣ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٦٠ :¥ô£dG ìÓ°UEG يرى الفرسطائي أن إصلاح الطرق أمر مهم، وعرض لعملية الإصلاح من خلال حكم يختص بحالة معينة، وتكشف عملية الإصلاح عن جوانب معمارية مهمة تتصل بهذا الإصلاح وتوضحه. وهذا الحكم يعرض لحالة كان فيها طريق بجانب أرض رأى صاحبها إعمارها حتى وصل هذا الإعمار للطريق، فقال» :إن كانوا يعملون ذلك الطريق عمارة تصلح له، ولا تصلح للعمارة، أو عمارة تصلح للعمارة ولا تصلح للطريق، أو عمارة تصلح لهما جميعا، فإنهم يعملون هذا الإصلاح. ويوضحجميعا، أو لا تصلح لهما الفرسطائي بعض هذه الأعمال المعمارية التي تتصل بالطريق كدفنه بالتراب أو الحجارة أو غير ذلك، أو نزع التراب عنه أثناء نزعهم التراب لعمارة أرضهم، ويذكر الفرسطائي أن هذه الأفعال إن كانت تسبب في إصلاح الطريق يسمح بها حتى ولو لم يكن في ذلك منفعة لهم، وإن كان ذلك الأمر غير مناسب لإصلاح الطريق فيمتنعون عن ذلك. وسحب الفرسطائي هذا الحكم على الطرق والمجازات كلها. ثم ختم حكمه بأنه »إذا كان الطريق للعامة فإنهم يعملون له كل ما يصلح له وللعامة كان لهم فيه نفع أو لم يكن«).(١ وهذا الحكم المتعلق بالطرق العامة مقصده النفع العام والمحافظة على شبكة الطرق العامة. أما الطريق الخاص فله حكمه الخاص به حيث يعمل أصحابه ما يصلح الطريق ويصلح لأصحابه، ولا يعملون له ما يصلح الطريق ولا يصلح لأصحابه، أي أن المنفعة الخاصة بأصحاب الطريق حاكمة في هذه الطرق الخاصة، التي يشترط في إصلاحها أن تكون في الإصلاح منفعة لأصحابه. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٦ ١٦١الفصل الثالث :الطـرق تطبيقيا لهذه الحالة ترتبط بنزع التراب عن الطريق من أيضا مثالا ويضرب عدمه، فإذا كان أصحاب الطريق يحتاجون لوضع التراب فيه فإنه في هذه الحالة لا ينزعون التراب بالرغم من أن ذلك فيه إصلاح للطريق، ويجوز تطبيق هذا الحكم حتى لو أراد بعض أصحاب الطريق نزع التراب ممن يرخص له في مقدار سهمه، ولكن إنما يفعلون من ذلك أن يقتسموه لمنافعهم كما لا يضرون بالطريق«).(١ ويعرض الفرسطائي لحالة أخرى لا تحقق صلاحية الطريق، مثل تلك الحال التي يكون فيها الطريق العامة أو الخاصة، على جانبيه أرض معمورة لمالك واحد، وأراد أن يجعل مجاز الماء والطريق من العمارة إلى الأخرى. وقد ذكر الفرسطائي أن هذا المالك »لا يفعل ذلك سواء كان الطريق للعام أو الخاص«). (٢وهذا الحكم يحقق صلاحية الطرق العامة أو الخاصة بعدم قطعها بمجاز للماء بعرض الطريق، ويعرض الفرسطائي أن غيره يحكم بأن لهذا المالك يمكن أن يفعل ذلك بينه وبين االله، أما في الحكم فلا يدرك عليهم ذلك، فإن فعله فإنهم ينزعونه. وهذا الرأي بالرغم من أنه يشير إلى أن أحد الملاك يمكن أن يفعل ذلك، وفق ضميره وليس بحكم، لكن في حالة إذا رأى المارة نزع ذلك، فلهم الحق في نزعه. ويلاحظ أن رأي الفرسطائي قاطع في المنع بالحكم، ولا يترك فرصة لأن يقوم أحد بقطع الطريق بمجاز المالك في إطار آخر، كان يكون الفعل بينه وبين نفسه ليس في إطار الحكم، ومقارنة بين الحكمين تشير إلى أن صلاحية الطريق ومنع قطعه بهذا المجاز كانت هي مقصد حكمه الذي يحقق النفع التام ويمنع أي ضرر. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٦ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٦٢ ويذكر الفرسطائي حالة خاصة تتعلق بهذا الأمر كأن يكون الطريق لأحدهم ويسمح بذلك لمن أراد مجاز الماء فيه ففي هذه الحال لا بأس بعمل المجاز. أما إذا كانت بقعة الطريق لغيرهم فلا يجوز لهم ذلك. ويكشف هذا الحكم عن مرونة في التصرف في إطار حقوق الملكية الخاصة. ويفصل الفرسطائي كعادته، فيذكر أنه إذا كانت بقعة الطريق لشركاء وأراد مالك أن يقطعه بمجاز للماء، فإن هذه الطريق الخاصة المملوكة لهؤلاء الشركاء يمكن أن يعمل فيها مجاز للماء بشرط موافقة الشركاء على ذلك. وفي إطار أدق يعرض الفرسطائي لحالة يتولى فيها ولي الأمر السماح بعمل هذا المجاز المال في حالة إذا ما كانت الطريق له أو لابنه أو لابن أبيه. باعتباره ولي أمرهم، وفي هذا الحكم ما ييسر التصرفات في إطار هذا البعد العائلي. وإذا رأى أصحاب الطريق العامة الجواز لمن يريد أن ينقل مجاز للماء جميعا على ذلك. ويذكرعبر هذه الطريق فإنه يجوز لهم ذلك بشرط أن يقفوا حكما آخر يرى أن الإجازة بعمل مجاز الماء يمكن أن تحدث إذاالفرسطائي وافق بعضهم وليس جميعهم، أما إذا رفض من لم يوافقوا ونهوه عن ذلك فلينته، وهذا إذا كان لعامة مقصودة). (١فأما إن لم تكن مقصودة فلا يفعل ذلك، ولو أنه أذن له. ومن الأحكام ذات الدلالة المعمارية والأثرية ذلك الحكم الذي أورده الفرسطائي بقوله» :أما من أعطى لرجل مجاز الماء أو العمارة أن يجوز في داره ) (١يرى محقق كتاب القسمة أن كلمة »مقصودة« في السياق غامضة، فهل لفظة »مقصودة« نعت لعامة، حينئذ لا تكون عامة، وإنما تصبح خاصة بقصدها أعني بتنعيتها، أم أن لفظة مقصودة نعت للطريق، والطريق يؤنث أو يذكر، وحينئذ يكون المعنى، إذا كانت الطريق العامة وعينتها له، فإنه يفعل له فيه، وإن لم يكن طريقا معي نا فلا يفعل. واالله أعلم. )الفرسطائي :القسمة، ص ، ١٣٨هامش. (١ ١٦٣الفصل الثالث :الطـرق أو بستانه أو أرضه أو باعه إياه، ولا يمكن جواز الساقية أو الطريق في الدار أو البستان إلا بفساده، فإنه يجوز له ذلك كله ولو كان الفساد فيما يجوز«).(١ مارا ببستان أو دار رجلوهذا الحكم يعني إمكان وجود مجاز للماء أعطى هذا الحق لرجل آخر. ثم تحدد الأحكام المسؤولة عن إصلاح الطريق فتذكر أنه من »جعل لرجل في أرضه طريق، وفسد هذا الطريق فإنه يكون عليه مسؤولية إصلاح هذا الطريق، أما إن وهب له بقعة الطريق فالإصلاح على الموهوب«). (٢وهذا واضحا يساعد على إصلاح الطرقتحديدا الحكم بتحديد مسؤولية الإصلاح واستمرارها في أداء وظيفتها. كذلك قررت الأحكام على الموهوب أن يقوم بإصلاح باقي الطريق من الوعر حتى ينتفع بالطريق الموهوب له. :¥ô£dG ≈∏Y ôWÉæ≤dG تشكل القناطر عناصر معمارية مهمة تنشأ فوق الطرق في مستوى أعلى من مستوى الأرض أسفلها، والتي يمر فيها الماء، أو يوجد بها عناصر معمارية تعترض الطريق فتنشأ القناطر لتحافظ على سلامة هذه العناصر والمرافق، ويستمر الطريق فوقها من خلال هذه القناطر. وقد أجازت الأحكام الفقهية إنشاء مثل هذه القناطر التي تحقق هذا الغرض؛ لأن في ذلك تحقيق المنفعة، وتحدد الأحكام الفقهية المسؤول عن إنشاء هذه القنطرة بالمستفيد منها، كما يلتزم بإصلاحها إذا ضعفت، ويكون ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٨ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٦٤ أيضا مسؤولين عن هذا الإصلاح، وبذلك يضمن الحكم استمرارورثته القنطرة في أداء وظيفتها المساعدة على استخدام الطريق بسهولة ويسر دون أي ضرر، وفي ذلك منفعة تدفع إلى مزيد من العمران، ويعرض الفرسطائي أحكاما تفصيلية تتعلق بهذه الحالة، والتي تتصل بالتصرفات، وتصب كلها في ذات الهدف).(١ وتضمن الأحكام في كل الأحوال إصلاح القناطر وتحدد مسؤولية إصلاحها على المستفيد منها، ولكنها إذا لم يكن من الممكن معرفة من أنشأ هذه القنطرة، فإن مسؤولية الإصلاح تقع على صاحب الأرض الذي أنشئت هذه القنطرة في أرض فوق المماصل والسواقي التي ينتفع بها. ومن المحالات التي تتعلق بإنشاء القناطر تلك القنطرة التي تنشأ على ساقية العامة حتى يمر الطريق فوقها، فإذا تهدمت قنطرة على مثل هذا الحال »فيؤخذ بإصلاحها صاحب الطريق، إلا أن عرف أنه إنما يصلحها قبل ذلك العامة، ومن المهم أن الحكم يحدد أن يعاد بناء القنطرة بالشكل الذي كانت عليه أولا. وإذا بنيت بشكل مغاير تهدم، ويحدد الحكم أن الشكل الذي يبنى لا بد وأن يكون بنفس المواصفات المعمارية دون نقصان أو زيادة، ويتم نزع الزيادة إن حدثت). (٢وهذا يعني من الناحية الأثرية إعادة بناء القناطر يكون بنفس هيئتها القديمة. وتشير الأحكام المتعلقة بالقناطر إلى بعد اقتصادي مهم يتمثل في حالة إذا ما انخرقت السواقي أو المماصل التي أنشئت القنطرة في الأصل لتمر فوقها للمحافظة عليها، فإذا تهدمت القنطرة فلا يكون هناك داع لإنشائها، ويقر غرضا، الحكم الفقهي هذه الرؤية؛ لأن إنشاءها في هذه الحالة لا يحقق ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٣٩ ) (٢للاستزادة، راجع :الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤١ - ١٤٠ ١٦٥الفصل الثالث :الطـرق ويتسبب في تكلفة دون داع. وهذا الأمر مهم للعمل الأثري الذي يكشف مثل هذه الحالة. كما يكشف عن تحقيق البعد الاقتصادي في العمارة بصفة عامة. وإنشاء قنطرة جديدة أراد أصحاب الطريق أن ينشؤوها فوق ساقية أو ممصل، فلا يتمكنون من إنشائها إلا بإذن من صاحب الساقية والممصل. ويذكر الفرسطائي أن غيره يرى أن لهم الحق في ذلك بغير إذن صاحب الساقية، فيما بينهم وبين االله، ويمنعهم صاحب الساقية في الحكم، ومنهم من يقول :إن لم تكن مضرة في عملها لا يمنعهم ولو في الحكم، ومنهم من يقول :إن لم يكن الجواز إلا بالقنطرة فإنهم يجعلونها ضر ذلك بالساقية، أو لم يضر بها إن كان ينتفع بالساقية أو الممصل ولا يبطلونها أصلا«).(١ وهذه الأحكام التي تتعلق بإنشاء قنطرة مع اختلاف توجهاتها إلا أنها جميعا تهدف إلى تقديم أولوية منفعة الطريق، وتقدم أكثر من حل وفق حكم الفقيه. وإذا قارنا بين الأحكام نجد أن لكل منها مقصده إلى المنفعة وإن اختلفت السبل. وتنظم الأحكام إزالة قنطرة ما أراد أصحاب الطريق نزعها دون أن يحدث ضرر لصاحب الساقية أو الممصل التي تمر أسفلها. أما إذا منعهم ضررا ما ويحق له أن يأخذهم بعملها.صاحب الساقية إذا كان ذلك يسبب له وإذا تهدمت القنطرة ولم تب ن فإنه يجوز لأصحاب الطريق أن يجوزوا إلا إذا تسبب هذا الجواز في المضرة. وهناك حكم مهم يتضمن الإشارة إلى مواد البناء التي تتبادلها القناطر كالخشب والحجارة).(٢ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٢ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٦٦ وهذا يكشف عن أن القناطر كانت تنشأ في الغالب من الخشب والحجارة، واستخدام هاتين المادتين في إطار التصور الإنشائي للقنطرة يعني أن كتفيها كان بناؤهما من الحجر، أما الأرضية التي ترتكز على الكتفين فكانت من قبوا الخشب، وهذا يعني أن القناطر التي أنشئت بهذه الهيئة لم تكن معقودة كما هو الشكل المعماري الآخر لبناء أرضية القنطرة التي يكون من أسفل على هيئة قبو سطحه من أعلى مسطح مستوي يناسب المرور فوقه. :QhódG ¥ôW تصنيفا يتأسس على هيئتها، وعلى ملكيتها،يصنف الفرسطائي طرق الدور وكذلك على نوعية المرور بها. حيث يقول» :والأزقة على ثلاثة أوجه، منها الشارع الذي يسلكه العامة، ومنها السكة النافذة تكون لقوم مخصوصين، ومنها سكة غير نافذة تكون للعامة وتكون للخواص ثم يعرف بالشارع«)، (١فيقول :فهذا الشارع من كانت له فيه دار فيكون له الجواز على ذلك الشارع بنفسه وعياله ومواشيه وجميع مسافرا كان أو من أهل المنزل يجوز لهمنافعه، وكذلك من لم يكن له فيه دار، بعضا منالسلوك فيه بجميع ما لا يضر به أهل الدور، ولا يمنع بعضهم الجواز فيه، ولو كانت فيه مضرة مما لا بد لهم إليه مثل نقل الحجارة أو أبوابا لم تكن قبلالماء، وما أشبه ذلك للعمارة، ويجوز لهم أن يحدثوا إليه ذلك، ويقلعوا أبوابها الأولى أرادوا، وهذا إن لم يقابلوا بأبوابها المحدثة أبواب الدور القديمة من الناحية الأخرى من الشارع أو ما لا يستغنون عنه من أيضا سواء كانت تلك الأبواب قديمة لا محدثة إذا سبقوهمالمنافع يستقبلونه فلا يجدون أن يحدثوا عليهم شي ئا من ذلك. ومنهم من يقول يمنعونهم إلا ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٣ ١٦٧الفصل الثالث :الطـرق إنما كانت أبوابها غير محدثة، ومنهم من يقول :لا يمنعونهم من تحويل أبوابهم قديمة كانت أبوابهم أو محدثة).(١ يتضمن هذا النص جل ما يتصل بالشارع من خصائص عمرانية ومعمارية تتصل بهيئة أو بعلاقة المباني المطلة عليه، أو بكيفية المرور فيه، وهي خصائص تميز الشارع عن غيره من نوعيات الطرق في مناطق الاستيطان كالقرى والبلاد والمدن وغيرها. ومن المهم تأمل هذه الخصائص حتى يمكن مقارنتها بخصائص النوعيات الأخرى من الطرق. وهذا الأمر في غاية الأهمية لدراسة الطرق في المدن والبلاد والقرى التراثية، ودراسة ما يطل عليها من منشآت أثرية. وأول هذه الخصائص أن الشارع يمر فيه من كانت له دار به أو غيره من الناس من أهل المنزل أو الغرباء من المسافرين، بمعنى أن المرور مسموح به لكل فئات المارة، فهو للعامة بجميع فئاتهم، وأهل الدور المطلة عليه حقهم في المرور فيه مثل حق غيرهم. وهذا يجعل الشارع النوعية الرئيسة من المدن التي تصب فيها النوعيات الأخرى من الشوارع، وهذه النوعية من الطرق هي التي سبقت الإشارة إليها في تخطيط شوارع المنازل أو القرى أو المدن، والتي أشار إليها الفرسطائي عند حديثه عن تخطيط الشوارع، وهذه الوظيفة المتصلة بحركة المرور تعني كثافة المرور فيها، ومن ثم فإن الشوارع تكون أكثر اتسا عا عن بقية نوعيات الطرق حتى تتسع لحركة المرور وكثافتها. وإزاء هذه الحركة المرورية المفتوحة لكل الفئات أكد الفرسطائي على ألا يضر المارة بأصحاب الدور المطلة على الشارع. وهو تأكيد يمنع ما قد يحدث من تشاحنات بين أصحاب الدور في الشارع وغيرهم من المارة، يمنع الضرر عن أصحاب الدور فيه. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٤ - ١٤٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٦٨ أما البعد الثالث في حكم الفرسطائي الذي يخص »الشارع« وهو ألا بعضا من المرور في الشارع، ولو كان في هذايمنع المارة وأصحابه بعضهم المرور مضرة مما لا بد لهم إليه مثل نقل الحجارة أو الماء وما أشبه ذلك للعمارة، وهذا البعد يعرض لحالة معينة من المرور في الشارع، وهي حالة استخدام الشارع في نقل الحجارة أو الماء أو غير ذلك من المواد التي تستخدم في العمارة، حتى ولو تسبب هذا في حدوث ضرر ما. وهذا الأمر يتكامل مع أحكام أخرى تتصل بهذه الحالة في بقية أنواع الطرق. وهو ما يساعد على تلبية حاجات ضرورية تساعد على زيادة العمارة والعمران ومنافعها أكبر من مضارها، وضرورياتها تبيح محذوراتها. ثم يعرض الفرسطائي لعلاقة الدور بالشارع من خلال أبوابها، فيذكر أنه في الشارع يجوز فتح أبواب جديدة على الشارع لم تكن قائمة قبل ذلك. وهذا الأمر له شروط معينة في نوعيات الطرق الأخرى، لكن جوازه مطلق في الشارع. وهذا يعني سهولة فتح أبواب جدية على الشارع مباشرة لهذه الدور إذا كان حالها يتطلب فتح أبواب جديدة لها في إطار ما يحدث من تعديل لأسباب مختلفة كالتوريث أو البيع أو غير ذلك من المعاملات. أيضا وإذا كانت فتح باب جديد قد جوزه الحكم فإن لأصحاب الدور »قلع أبوابها الأولى إن أرادوا وهذه يعني إمكانية تعديل الأبواب القديمة بإلغائها سيما وأن الحكم يسمح بإنشاء أبواب جديدة. وهذا الأمر لا يحدث في نوعيات الطرق الأخرى إلا بشروط معينة، ويشترط الحكم على من أراد فتح باب جديد إلا يقابلوا بأبوابها المحدثة أبواب الدور القديمة من الناحية الأخرى من الشارع«). (١وهذا الحكم يعتبر من الشروط الأساسية لفتح ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٢ ١٦٩الفصل الثالث :الطـرق الأبواب على الطرق بكل نوعياتها؛ لمنع ضرر الكشف). (١حيث إن وضع الأبواب في هيئة متقابلة أو على محور واحد يمكن من يكون في باب دار أن يكشف من في باب الدار المقابلة أو دهليزها. وتنكيب الأبواب ظاهرة معمارية تخطيطية انتشرت في كل البلاد والمدن واضحا، الإسلامية، وكشفت الدراسة الميدانية عن تطبيق هذا الحكم تطبيقا وتبين من الحالات الاستثنائية أن الدارين ذاتا البابين المتقابلين على طريق كانتا ملك ا لشخص واحد). (٢ومن الناحية الأثرية يوجه هذا الحكم إلى أن تنكيب الأبواب إذا كان يمكن الاستناد إليه في تأريخ الدور الأقدم فالأحدث في إطار الدار الأسبق في الإنشاء تحكم موضع باب الدار المقابلة، فإن أيضا أن فتح هذهالسماح بإنشاء أبواب جديدة تلتزم بهذه القاعدة يعني الأبواب يفترض حالة أخرى يكون فيها تنكيب الأبواب غير دال مباشرة على هذا المنهج والتاريخ، ويبقى البحث عن موضع الباب القديم هو المؤشر الحاكم في هذا الأمر. :IòaÉædG áμ°ùdG يعرف الكندي في بيان الشرع الطريق النافذ فيقول» :والطريق إذا كانت جائزا، ولو لم يكن عليه شيء منتنفذ من طريق جائز إلى أن تلقى طريقا الأموال فهو طريق جائز، وإن كان من طريق غير جائز إلى أن تلقى طريقا أيضا طريق نافذ غير مقطوع لا يجوز قطعه إذا كان نافذا علىجائزا فهو الطريق الجائز ويدع بحاله«).(٣ ) (١عثمان :الإعلان بأحكام البنيان، ص. ٤٨ - ٤٦ ) (٢عثمان )محمد عبد الستار( :عمارة سدوس التقليدية دراسة أثرية معمارية دراسة حالة، دار الوفاء لدنيا النشر والطباعة، الإسكندرية١٩٩٩، م، ص. ٢٦٨ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٧٠ وهذا التعريف الدقيق يبين أن الطريق النافذ هو ما يتصل بطريق آخر جائز بما يعني أنه مفتوح من الطرفين. وهو يمثل النوعية من الطرق بعد الشارع، وقد رتبه الفرسطائي في المرتبة الثانية، وهو ترتيب مهم لأن الطرق النافذة كنوعية من الطرق تتمثل في الطرق الجانبية التي تنقل حركة المرور إلى الشوارع، كما أن تنقل هذه الحركة إلى الطرق غير النافذة التي يأتي الحديث عنها، وهي بذلك تمثل نوعية من الطرق لها أهميتها في شبكة الطرق بالمنازل أو القرى أو البلاد، أن المدن وغيرها من المستوطنات السكنية. وتوضح أحكام الفرسطائي المتعلقة بهذه النوعية من الطرق بعض الخصائص المهمة بالمستقرات السكنية الإباضية، حيث يذكر أن »السكة النافذة التي للخواص فليس يجد أحد منهم أن يحدث على أصحابه شي ئا مما لم يتفقوا عليه قبل ذلك؛ لأن هذه السكة بينهم مشتركة، فمن أحدث فيها ما لم يكن قبل ذلك، ولم يتفقوا عليه فلهم أن يمنعوه، ومن أحدث فيهم أيضا من قابله منالمضرة فإنه يمنعه من اشترك معه في الحائط، ويمنعه السكة ومن لم يقابله سواء كان فوقه، ومن كان تحته ممن له الجواز، وأما من لم يكن عليه الجواز فلا يمنعه، وهذا إن كانت أرض السكة لهم، وهي بينهم مشتركة، وكذلك إن كانت لغيرهم، وقد ثبت لهم فيها الجواز، فإنه بعضا مما ذكرنا، وأما إن كانت السكة لغيرهم، وقد أذن لهميمنع بعضهم بعضا مما أراد أن يحدثه«).(١ فيها صاحبها، فلا يمنع بعضهم ويكشف هذا الحكم عن بعض المعلومات المهمة بالنسبة لهذه النوعية من الطرق النافذة. فهذه الطرق تكون للخواص أي لمجموعة معينة من السكان يقومون بإنشائها في ملكهم عند إنشاء دورهم، أو تكون لغيرهم. ويتفق هؤلاء على معايير معينة في أسلوب الارتفاق بها باعتبارها ملكية ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٤ ١٧١الفصل الثالث :الطـرق مشتركة بينهم، وفي هذه الحالة يمكنهم منع أحدهم ممن يحاول إحداث شيء فيها لم يتفقوا عليه. وتفصيل الحكم؛ أن يمنع من يحدث مضرة في هذا الطريق وهذه المضرة تكون من أحدهم بما يحدث لغيره ممن لهم دور بذات الطريق، ويفصل الحكم في ذلك حيث يحدد الحكم من له حق المنع، ويتمثل هذا التحديد في جاري ضررا يحق لجاره أن يمنعه، وكذلك الجارالجنب إذا أحدث أحدهما ما يسبب المقابل، وكذلك من كان له فوقه، أي قبله، ومن كان تحته )أي بعده( ممن له الجواز بهذه الطريق، أما من لم يكن عليه الجواز فلا يمنعه، وهذا يعني أن حالات المنافع مرتبطة بكيفية مرور الخاصة في هذا الطريق باعتبار اشتراكهم في هذا النوع من الطرق. أما من كان من غيرهم فلا يحق لهم المنع، ويكشف هذا عن أن حركة المرور في هذه النوعية من الطرق تكون في الأصل من أصحاب هذا الطريق حتى وإن جاز فيه غيرهم ممن ليس لهم حق في الجواز فيه، وهذا يعني أن حركة المرور الأساسية في هذه النوعية من الطرق تكون في غالبها خاصة بأصحاب الدور المطلة عليه بالرغم من أنها مفتوحة الطرفين، ويمكن الجواز منها إلى الشوارع ذات الطبيعة المفتوحة في حركة المرور فيها لكل الفئات. ولهذا التحديد أهميته حيث يوزع حركة المرور في كل نوعيات الشوارع بما يتوافق وهيئتها ونوعيتها من حيث فئات مستخدميها عامة أو خاصة. ومن الأمور الحاكمة في تنظيم استغلال هذه النوعية من الطرق أنها إن بعضا كانت ملكيتها »لغيرهم وقد أذن لهم فيها صاحبها فلا يمنع بعضهم مما أراد أن يحدث فيه«). (١حيث إن مبررات المنع المستندة إلى الملكية المشتركة في هذه الحالة غير قائمة).(٢ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٧٢ وهذا الحكم الأخير يعني أن بعض الطرق النافذة يمكن أن تكون من تخطيط أناس غير الذين لهم الدور مطلة عليها، وأنها تكون بالتالي تخطي طا عمرانيا وأثر يا أن هذه الدار سابقة لإنشاء هذهوملكية لغيرهم، وهذا يعني الدور التي أنشئت لتطل على هذا الطرق النافذة السابقة. :IòaÉædG ô«Z áμ°ùdG السكة غير النافذة التي لها تتصل بالطريق النافذ من طرف واحد، أما طرفها الآخر فينتهي إلى دار أو مبنى يضطر المار في هذه النوعية من الطرق إلى العودة إلى الطريق النافذة التي دخل منها إلى هذه الطريق حتى يخرج إلى شبكة الطرق النافذة والشوارع. وتكشف أحكام الفرسطائي المتصلة بهذه النوعية من الطرق على أنها نوعان: ١ـ طرق غير نافذة عامة. ٢ـ طرق غير نافذة خاصة. ويذكر الفرسطائي أن الطرق غير النافذة إن كانت للخواص فإنه يمنع بعضا من إحداث ما لم يكن قبل ذلك كباب دار لم يكن قبل ذلك،بعضهم ويمنع من كان منهم على باب السكة من كان في آخرها، ويمنع من كان في آخرها من كان على بابها«). (١بمعنى أن حق المنع قائم لجميع أصحاب الدور في هذه السكة. أما إذا كانت الطريق غير النافذة للعامة فهي مثل الشوارع، أي يطبق عليها ما يطبق على الشوارع في أحداث الأبواب. وهذا تفصيل مهم من الناحية الأثرية؛ حيث إن دراسة وضع الأبواب القديمة والحديثة يستفيد من هذا الحكم في تحديد نوعيتها إن كانت طريقا نافذة للخاصة أو كانت طريقا نافذة للعامة. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص ص. ١٤٥ - ١٤٤ ١٧٣الفصل الثالث :الطـرق ويذكر الفرسطائي أن ما يطبق في الطريق النافذة من تصرفات تتصل بالمرور وغيره تطبق على الطريق غير النافذة التي للخاصة. ويشير الفرسطائي إلى ظاهرة معمارية أخرى تتعلق بالطرق، وتتمثل هذه الظاهرة في إنشاء »الساباطات« يمكن إنشاؤها فوق الطرق بنوعياتها المختلفة، وهي ظاهرة انتشرت في المدن والمستقرات السكنية الإسلامية الأخرى في إطار الاستفادة من مساحات يمكن إضافتها للدور من هذه بيئيا في التخفيف من درجة الحرارة والتعرضالطرق. وفي إطار توظيفها للشمس وتحسين التهوية في المناطق الحارة).(١ حيث يذكر أن أصحاب الدور في كل نوعية من نوعيات الطرق التي سبقت الإشارة إليها »يمنعون من أراد تسقيفها، فيحدث فيها غرفة أو غير ذلك مما يضرهم سواء في ذلك الشارع أو غيره من السكك، وسواء كان للعامة أو للخاصة إلا ما اتفق عليه الخواص أن يحدثوه في سكنهم، أو ما أدركوه مما كان قد كان قبل ذلك«).(٢ دائما أن إنشاء أي ساباط فوق أي نوعية من الطرقوهذا الحكم يعني دائما اتفاق أصحاب الدور في هذا الطريق أو ذاك على هذا الإنشاء،يعني قديما، ومنها ما يكون محدثا. وهوأيضا أن من الساباطات ما يكونويعني أمر يعني الآثاريين الذين يدرسون الساباطات فوق الطرق ويحاولون تأريخ إنشائها في إطار ملامحها المعمارية وبخاصة ما يتصل بما قد يكون به نوافذ في الجانبين المطلين على الطريق، وكذلك دراسة وظيفتها. ) (١عثمان :الإعلان، ص ١٨٩، ١٨٨؛ ويلاحظ أن الفرسطائي لم يستخدم مصطلح ساباط، واكتفى بوصف عمارته التي على الطريق، مما تشير إلى عدم شيوع هذا المصطلح في المناطق الإباضية في شمال إفريقية. ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٧٤ :É¡«ÑfÉL ≈∏Y IQÉa©dÉH ≥jô£dG ábÓY تشير الأحكام إلى نوعيات من العمارة غير الدور كانت تنشأ مع جانبي الطريق مثل الجنات أو المستراح أو فوقها، مثل الغرف )الساباطات(، وتمنع الأحكام إحداث أو إنشاء هذه النوعيات من المنشآت بعد إنشاء الطريق، أما إن كانت منشأة قبل ذلك، وتهدمت أو خربت أو كان هناك من يريد إحداثها، ولم تكن قبل ذلك منع ذلك. وهذا الحكم يحافظ على وجود نوعيات المنشآت التي كانت قائمة لكن يمنع إحداث جديدة من هذه المنشآت حتى يحفظ للطريق هيئتها التي تم الاتفاق عليها وقت إنشائها. وفي ذلك محافظة قائما بهذا الأداء المعماري المرتبط بهذا الحكم، ويساعدعلى عمارة ما كان هذا على دراسة تأريخ مثل هذه النوعية من المنشآت. ومنعت الأحكام ربط الدواب في نهر الطريق، وأجازت وقوف الدواب بها أثناء تحميلها، أو حط ما تحمله من أحمال عنها؛ لأن ذلك أمر ضروري، وهذه الأحكام تكفل استمرار منفعة الطرق، ومنع أي ضرر يحدث لها. ويعرض الحكم) (١للرحبات التي تكون في الطرق، وهذه الرحبات تكون مناطق متسعة في مسار الطريق تسمح بمرور الدواب المتقابلة المحملة فيها، حتى تسهل المرور بالطريق الذي لا يتسع لدابتين متقابلين محملتين، وإشارة الحكم الفقهي لهذه الرحبات يعني وجودها كعناصر مهمة في طرق المستقرات السكنية الإسلامية باعتبار وظيفتها التي سبقت الإشارة إليها. مهما من عناصر شبكة الطرق بالمستقراتعنصرا وباعتبار أن الرحبات تمثل السكنية ومن بينها المستقرات الإباضية، فإن الفرسطائي عرض لعلاقتها بالمنشآت المطلة عليها؛ حيث ذكر أن »إحداث الأبواب بها جائز لاتساعها، ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٦ ١٧٥الفصل الثالث :الطـرق وكذلك إحداث العمارة بها إلا ما ظهرت مضرة جيرانه«. وهذه الأحداث مشروطة بشرط الملكية وهو أن تكون أرض الطريق أو الرحبة له).(١ ثم تنتقل الأحكام لارتفاعات الدور والمنشآت على جانبي الطريق، وقد بعضا، رأى الحكم الفقهي تطويل الحيطان لأهل السكك، فلا يمنع بعضهم إلا ما كان فيها ميلان على جيرانه، أو يتخوف وقوعه، أو جعل عليهم الظل، فإنهم يمنعونه«). (٢وهذا الحكم يعني السماح بالعمران الرأسي الذي يجعل الدار أو المبنى أكثر من طابق، والارتفاع الرأسي بالمنشآت له فوائده؛ حيث بعيدا عن فكرة الامتدادإنه يكثر المساحة المتاحة للسكنى، بتعدد الطوابق الأفقي التي لا تتوفر لها مساحة بعد شغل العمران لجانبي الطريق، كما أن هذا العمران الرأسي يلبي حاجات اجتماعية ترتبط بنمو الأسرة النووية إلى أسرة ممتدة، وبزيادة أعداد أفراد الأسرة الواحدة. وقد سمحت الأحكام بهذا الارتفاع في إطار شروط إنشائية مهمة تقوم إنشائيا، وعدم ميلانها على الجار، أو في الأساس على سلامة الحيطان الخوف من وقوعها. وهذا الأمر يكشف عن خبرة إنشائية مهمة تردد صداها في هذا الحكم. مهما آخر سببا والملفت للانتباه أن حكم منع الارتفاع بالحيطان شمل لا يرتبط بالإنشاء ومتانة البناء، ولكن ترتبط بنتيجة مهمة تحدث بسبب هذا الارتفاع وهي الظل الناتج عنها، الذي يقع على الجار بسبب ارتفاعها. ويكشف هذا السبب عن معرفة عميقة بحركة الشمس الظاهرية التي تتسبب في حدوث الظل، وهي المعرفة التي يمكن من خلالها منع ارتفاع الحيطان ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٦ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٧٦ التي تسبب وقوع الظل على الجدران. كما يكشف هذا الحكم إلى أي مدى مهما عدم التسبب في حدوث أي ضرر، واعتبر الحكم الظل من أنواعكان الضرر، وهو أمر يكشف عن الظل قد يتسبب في ضرر ما بحجب الشمس عن دار الجار في أوقات لا بد أن الحاجة إليها فيها ضرورة، ومنعها بالظل ضرر). (١وهو نوع من الضرر أدركه الفرسطائي في إطار إدراكه بمعرفة الأحوال المناخية في المنطقة التي يعيش فيها، وأصدر أحكامه لصالح عمرانها. ويواصل الفرسطائي أحكامه المتعلقة بحيطان العمارة على جانبي الطريق، ومنها ما يتعلق بما قد يحدث من خلال حالات الهدم، فيذكر أنه »إن انهدم حائط من حيطان تلك الزنقة) (٢فتقدموا إلى صاحبه أن يبنيه فأبى، قال يجبر على ذلك، أما إن رجعت الزنقة كلها إلى رجل واحد فإنه يفعل ما شاء«).(٣ وهذا الحكم يعني تحرير الطريق مما يحدث بنتيجة الهدم من مخلفات تعوق حركة المرور في الطريق سيما وأنه ضيق بطبيعته. ويلاحظ أن هذا الحكم ذيله الفرسطائي بأنه إذا كانت الزنقة لواحد فإنه يفعل ما يشاء باعتبار الملكية الخاصة، وباعتبار أن الضرر إذا وقع يقع على صاحبها في هذه الحال. وتستكمل أحكام الفرسطائي حلقاتها بإعادة ما انهدم من حيطان الدور أو المنشآت المطلة على الطريق، وتفصل هذه الأحكام حالاتها وكيفية إعادة بعضا على بنيان ما انهدم منبنائها، فيذكر أن أصحاب الزنقة »يأخذ بعضهم بعضا على حيطانهم، وكذلك إذا انهدمت حيطانهم كلها، فإنه يأخذ بعضهم بنيانها، وإن اشتركوا في الحيطان فإنهم يأخذون أن يبنوها كما اشتركوا، وأما إن لم يشتركوا فإن كل واحد منهم يؤخذ على بنيان حائطه، وإن انهدمت ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٦ ) (٢الزنقة :هي الطريق الضيقة. الفرسطائي :القسمة، هامش )، (٢ص. ١٤٦ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٦ ١٧٧الفصل الثالث :الطـرق حيطانهم كلها واندرست حتى لا تفرز دورهم، ولا ما كان لكل واحد منهم، فلا يبنون إلا باتفاقهم، وكذلك كل من اختطت دورهم على هذا الحال«).(١ رصدا يعكس ما كان يوجد من حالاتويرصد هذا الحكم كل الحالات الهدم الجزئي أو الكلي، وكذلك حالات الدور المشتركة في حوائطها أو أيضا للحالات التي يتعثر فيها فرز الدور المنفصلة جدرانها، ويعرض المتهدمة عن بعضها. وهو رصد يكشف عن الخبرة المعمارية الكبيرة للفرسطائي، وهي الخبرة التي تكشف أحكامه الفقهية عن تراكمها سواء في مجالات التخطيط أو الإنشاء أو المادة ما انهدم من المباني أو صيانتها. :äBÉ°ûæe øe É¡«∏Y π£j ÉaH IòaÉædG ô«Z á≤fõdG ábÓY نسبيا، وشاع الزنقة :نوعية من أنواع الطرق بالمستقرات السكنية ضيقة استخدام هذا المصطلح في بلاد المغرب العربي). (٢وقد عرض الفرسطائي للعناصر المعمارية المرتبطة بها، مثل الأبواب وغيرها. أولا ـ الأبواب: من الأحكام المتعلقة بالزنقة غير النافذة ما ينظم فتح أبواب الدور بابا لدراه ويغلق بابه الأول فلا يجد المحدثة عليها، فمن »أراد أن يحدث بابا آخر لداره ويغلق بابه الأول فلا يجد ذلك، وإنذلك، وإن أراد أن يحدث بابا آخر لداره فيدخل منه ويخرج من الزنقة أو يدخل منأراد أن يحدث الزنقة فيخرج من الباب، قال :فإن كان يقصد في ذلك دخول داره فلا يمنع من ذلك، وأما إن كان أن يتخذ من ذلك طريقا إلى الزنقة فإنه يمنع من ذلك«).(٣ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٧ ) (٢عثمان :الإعلان، ص ص. ١٨٧ - ١٨٦ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٨ - ١٤٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٧٨ ومقارنة هذه الأحكام التي تتعلق بالزنقة غير النافذة بالأحكام التي تنظم فتح الأبواب في غيرها من نوعيات الطرق يوضح أن لكل نوعية من الطرق أحكامها المرتبطة بنوعيتها وكيفية المرور فيها، ويلاحظ أن أحكام منع فتح أبواب محدثة في الزنقة غير النافذة أو حتى تعديلها يرتبط ارتبا طا وثيقا بحركة ونوعية المرور فيها وفق قواعد معينة تمنع الضرر. والمنشآت المعمارية التي تضاف إلى المنشآت القائمة في الطريق غير النافذة منها أنه »من أراد منهم أن يزيد بي تا إلى آخر إلى داره فلا يمنعوه من أيضاذلك، ولكن يمنعون من الجواز من سكنهم إلى ذلك البيت، ويمنعون من الجواز من بيته المالكة«).(١ معتادا حيث إن نمو الدار معمار ياسلوكا معمار يا وهذا الحكم يعالج يتطلب أحيا نا إضافة بيت) (٢لها أو أكثر، وقد سمح الحاكم توافقا مع هذه الحاجة بإضافة بيت إلى الدار، ولكن الحكم يمنع فتح باب لهذا البيت إلى الزنقة بمعنى أن التوصل إلى هذا البيت يكون من داخل الدار، رغم أن بناءه مطل على الطريق. ويستمر الفرسطائي في عرض الأحكام التي تتعلق بالطرق غير النافذة، ومن هذه الأحكام المهمة أن يمنع على من له دار في طريق غير نافذة أن حماما أو معصرة،»يجعلها فندقا للمسافرين، أو يجعلها حوانيت أو رحى أو وكذلك كل ما يكون فيه مجمع الناس في تلك الدار«). (٣وهذا الحكم في التراث الفقهي العمراني الإباضي يماثل نظيره في الفقه المالكي السني، ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٨ ) (٢البيت حيز فراغي تحيط به جدران أربعة ويعلوه سقف. عثمان :الإعلان، ص. ١٤٤ الرحمن ٰ) (٣ابن الرامي )إبراهيم اللخمي( :الإعلان بأحكام البنيان، تحقيق :صالح بن عبد الأطرم، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود١٤٠٣، هـ ، ص. ١٧٥ - ١٧٤ ١٧٩الفصل الثالث :الطـرق حيث تمنع الأحكام الفقهية المالكية إنشاء منشآت يستخدمها العامة في طريق غير نافذة. وهو أمر طبيعي يتوافق وطبيعة الطريق غير النافذة، ويمنع ضرر الكشف في المقام الأول).(١ ويتضمن هذا الحكم إشارة مهمة لنوعيات من المنشآت العامة التي جرت العادة ـ فيما يبدو ـ بإنشائها بدلالة سياق النص »كالفندق« الذي يطلق عليه لفظ أو مصطلح الخان في بلاد المشرق. ودلالة مصطلح الفندق في سياق نص الفرسطائي تختلف عن دلالته في مصر والتي تعني منشآت تخصص للأجانب في المدن المصرية الساحلية للأجانب من التجار غير المسلمين، ومنها الحوانيت أو الرحى بمعنى الطواحين، والحمامات، والمعاصر. كذلك أشار الفرسطائي إلى منع أن يتخذ أحد أصحاب الدور في الزنقة غير النافذة »مكا نا يجلس فيه قدام داره أو مكا نا يرقد فيه في السكة«. وكذلك منعت الأحكام وضع التراب أو الحجارة والطين والغلال في السكة غير النافذة إلا في وقت حاجتهم، وكذلك منع كل ما يسبب ضرر بالارتفاق بهذه النوعية من الطرق، ويظهر أثر هذا الضر بسبب ضيقها. ثم يعرض الفرسطائي لحالة مهمة قد تحدث في الدور المطلة على الطريق غير النافذ، وتتمثل في ذلك المثال الذي يريد فيه من كان له دار بالزنقة غير النافذة أن يهدم داره فإن الحكم الفقهي يمنع ذلك حتى لا تصل المضرة إلى السكة. ويعرض الفرسطائي لحالة سكنى الدور من عدمه بالسكة وتركها دون أن يعمرها »فاستمسك به أهل السكة أن يعمر داره لئلا تصل إليهم المضرة من تلك الدار مثل السراق أو خافوا أن تنهدم حيطانها من أجل الخراب، فلا ) (١عثمان :الإعلان، ص. ٥٠ - ٤٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٨٠ يدركون عليه عمارتها، وإن نزع بابها وتركها مفتوحة فلا يدركون عليه رد الباب إلا إن دخلت عليهم وتركها مفتوحة فلا يدركون عليه رد الباب إلا إن دخلت على أصحاب هذه الزنقة إليهم منها المضرة. كما يعرض الفرسطائي لحالة أخرى يبدو أنها كانت تحدث، فيذكر أن »إن خرجت في دار أحدهم )أحد أصحاب الدور في الزنقة غير النافذة( عين أو بئر، فأراد أن يعمر عليها، فلا يصيب لهما العمارة من السكة، وأما أن يعمرها من غير السكة فلا بأس، وهذا إذا كانت العين أو البئر محدثة، وأما إن كانت قديمة فليعمرها من الموضع الذي يعمر بها قبل ذلك«).(١ وهذا الحكم يعني من الناحية المعمارية والعمرانية حدوث العين أو البئر المحدثة إنشاء طرق أو مجازات لها غير هذه السكة غير النافذة، وهو ما يعني أن الدور التي يحدث بها ذلك ينشأ لها مجازان توصل إليها، ولا يكون ذلك إلا من ظاهر هذه الدور. ومن الملامح العمرانية والمعمارية الملفتة للانتباه والتي تتصل بتغيير وظيفة الدار في السكة غير النافذة حالة يرصدها الفرسطائي تتمثل فيمن »أراد أن يتخذ داره مقبرة، فإن كان إنما أعطاها للعامة أن يتخذوها مقبرة فلا يجدون أن يتخذوا لها طريق ا من تلك السكة، وإن وجدوا موضعا يتخذون منه الطريق من غير تلك السكة فليفعلوا، وإن لم يجدوا صارت معطلة، وإن اتخذها لنفسه مقبرة فلا بأس، وكذلك إن أعطاها للخواص أن يتخذوها مقبرة، فإنهم يقبرون فيها، ولا يدخلون فيها بالجنازة من تلك السكة«).(٢ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٤٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٠ ١٨١الفصل الثالث :الطـرق ويشير هذا الحكم إلى إمكان تحويل استخدام الدار بدلا من السكنى لتكون مقبرة. واتخاذ الدار مقبرة أو جزء منها حال عمرانية ومعمارية وجدت في العمارة الإسلامية). (١لكنها تكون مقبرة لصاحب الدار، وليست مقبرة عامة. وحكم الفرسطائي يعني إمكان استخدام الدار كمقبرة للعامة بشرط ألا يجتاز العامة إليها من السكة التي بها هذه الدار التي حولت إلى مقبرة للعامة، وإنما ينشأ لها في هذه الحال طريق آخر، بنفس التصور العمراني الذي سبقت الإشارة إليه والمتعلق بإحداث العين أو البئر. ويشير الفرسطائي إلى تصرف آخر قد يحدث في الدور التي تطل على الطريق غير النافذة، ويتمثل هذا التصرف في أن يعطي صاحب الدار داره »للمساكين أو للمسجد أو لوجه من وجوه الأجر، فليجز إليها المساكين، أو قائم المسجد، أو من يصلي فيه، كما لا يضر بأهل السكة«). (٢وهذا معتادا في الحكم يكشف عن سلوك خيري كان ـ فيما يبدو ـ من النص المجتمع الإباضي، يمكن أن يخصص صاحب الدار داره لسكنى المساكين أو لخدمة المسجد ليسكن فيها قائم المسجد، أو من يصلي فيه، كفعل من طلبا للأجر.أفعال الخير ) (١الطبري )محمد بن جرير، ت٣١٠ :هـ( :تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، ج /٥ص ١٥١؛ اليعقوبي )أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح( :تاريخ اليعقوبي، دار صادر، بيروت، ج /٢ص ، ٤٧٨المراغي )محمد بن محمد بن حامد، ت١٣٦١ :هـ( :أضواء الطالع السعيد الجامع لأسماء نجباء الصعيد المسمى تعطير النواحي والأرجاء بذكر من اشتهر من علماء وأعيان مدينة الصعيد جرجا، تحقيق ودراسة :أحمد حسين النمكي، مكتبة الدباح، جرجا، ج /٣ص ٥١؛ عبد الباقي )أحمد( :سامرا ء عاصمة الدولة العربية في عهد العباسيين، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ص ص. ١٥، ٨ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٨٢ :(1) ́QÉ°ûdG ¥ÉbR زقاق الشارع مضاف ومضاف إليه، وفي إطار هذا التحديد اللغوي يكون زقاق الشارع نوعية من الشوارع، تتسم بالضيق مقارنة بالشوارع المتسعة، وكلاهما شارع وزقاق الشارع يسلكهما جميع الناس. وتمثلان نوعية مهمة من نوعيات شبكة الطرق بالمنزل أو القرية أو المدينة التي تندرج فيها اتساعات الطرق من شوارع رئيسة كبيرة إلى شوارع فرعية ثانوية، إلى أزقة الشوارع، وهي كلها تمثل نوعية من الطرق يسلكها كافة الناس، وهي غير الطرق غير النافذة التي لها شروط معينة تحدد نوعية المستخدمين لها، أو الذين يحق لهم استخدامها دون غيرهم. ويعرض الفرسطائي لبعض الأحكام التي تتعلق بهذه النوعية من الطرق سواء من ناحية الاستخدام أو نزع المضرة، أو شغل الطريق لمدة معينة بمعرفة أهل المنزل وأصحاب الدور فيه، كما عرض لما يمكن أن تحدثه العمارة على جانبي الطريق من أثر يضر به كزرع الأشجار أو نشع الماء، وكيفية إزالة الضرر، ومن يقوم به، ومن يتحمل تكلفته ويوضح الأحكام الفارق بين طريق العامة وطريق الخواص في هذه التعاملات. ثم ينتقل الفرسطائي إلى حالة عمرانية مهمة تتصل بهذه النوعية من الطرق »زقاق الشارع« تتمثل في إنشاء طريق تتفرع من زقاق الشارع، الذي يكون في المناطق العمرانية السكنية أو في منطقة يتمثل عمرانها في بساتين، ويبين الأحكام التي تميز إنشاء هذه الطرق في المناطق السكنية، والتي ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٠ويذكر المحقق أن آفاق الشارع قد يكون معناه بالجمع من معنى الكلمتين »الطريق الضيق الذي يسلكه جميع الناس«. الفرسطائي :القسمة، ص، ١٥٠ هامش ).(٥ ١٨٣الفصل الثالث :الطـرق تمنعها في حالة عمران البساتين، وتفصل الأحكام هذا التعامل في إطار إثبات ملكية الطريق).(١ نموا يرتبط بمظاهرولا شك أن لهذه الأحكام أثرها في نمو شبكات الطرق عمرانية جديدة، وتدفع إلى نموها، وهو مقصد أسمى تحققه هذه الأحكام. :¥ô£dG »a TMfÉaàdG ÜÉH يعالج الفرسطائي في هذا الباب حالات التغير أو التعديل التي تحدث في العمارة المطلة على الطريق حال تهدمها، ومحاولة إعادة عمارتها، وهو أمر أساسيا أن يكون في إعادة البناء وارد الحدوث بطبيعة الحال. ويشترط شر طا نفع. ومن المهم أن نعرض لحالات إعادة البناء كما هو أو تغيير هيئته لأهمية ذلك للدراسات الأثرية العمرانية والمعمارية، ويمكن أن نوجز ذلك فيما يلي: ١ـ إن إعادة البناء جائزة في إطار الشرط السابق طرق العامة وطرق زروبا. الخواص. سواء كانت المنشآت التي يعاد بناؤها حيطا نا أو زروبا لا يجدون ذلك، ٢ـ إذا كانت المنشآت حيطا نا وأراد أصحابها جعلها زروبا وأراد أهلها جعل حيطانها فلهم ذلك. وهناك من يقول:وإذا كانت »إنهم لا يردون فيه إلا ما كان أولا«. ويلاحظ أن حكم الفرسطائي في هذا الموضوع أكثر مرونة، ويدفع إلى إنشائيا، المستوى الأفضل من العمارة، فالحيطان أفضل من الزروب، وأقوى إحكاما. ومقارنة حكمة بحكم من لا يرى إحداث تعديل في هيئةوأكثر البناء يؤكد بعد نظر في الفرسطائي، طالما أن ذلك كله في إطار تحقيق المنفعة المقصد الرئيس. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٨٤ ويعرض الفرسطائي للعمارة التي تنشأ على جانبي الطريق، ويؤسس أحكامه فيها على ملكية الطريق باعتبارها الأساس، فيذكر أنه »من كان طريق في أرضه، فأراد أن يبني حائ طا في جانب الطريق، فله ذلك، إن لم يضر بالطريق، وكذلك إن كان في غير أرضه لجوازه إلى أرضه، فله أن يبني في أرضه، ما لم يضر بالطريق. وأما من أراد أن يحفر في جانب الطريق ساقية أو ممصلا، فلا يجد ذلك سواء كان ذلك الطريق في أرضه أو في أرض غيره، وأما إن أراد أن يغرس في أرضه التي فيها الطريق فليس له إلا ما كان للطريق من الأذرع، وأما إن كان الطريق في أرض غيره، بجانب أرضه فأراد أن يعمرها، فلا يجد ذلك حتى يترك حريم تلك العمارة إلى الطريق«).(١ وهذه الأحكام تنظم علاقة العمارة اللاحقة بالطريق، وتحدد مواصفات معمارية لها، وتمنع ما يضر منها، وتسمح بما فيه المنفعة دون إحداث ضرر بالطريق. ومن المهم هنا تلك الإشارة إلى منع حفر السواقي والمماصل بجانب الطريق عادة، وهو أمر مهم لمعرفة الآثاريين الذين يستفيدون منه في تحديد معالم المواقع الأثرية الإباضية، ولا يقل عن ذلك أهمية ذلك الحكم الذي ينظم غرس الأشجار على جانب الطريق، وتحديد معيار مهم حال تنفيذ ذلك، وهذا المعيار يرتبط بنفس قياس الطريق. وكذلك جعل حريم للعمارة التي تم بمعرفة من كان الطريق في غير أرضه بجانب أرضه).(٢ ويذكر الفرسطائي أن إنشاء طريق بجانب الساقية أو الممصل غير جائز، وهو حكم يذكر بمنع إنشاء ساقية أو ممصل بجانب الطريق ـ الذي سبقت ) (١الفرسطائي :القسمة، ص ص. ١٥٥ - ١٥٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٥ ١٨٥الفصل الثالث :الطـرق الإشارة إليه ـ وهذان الحكمان يشيران إلى المعرفة العميقة بالعمارة لدى الفرسطائي، تلك المعرفة التي تمنع الضرر الذي يمكن أن يحدث كل منهما للآخر، وهي معرفة تبدو قيمتها في إطار قول :من أجاز إنشاء الساقية أو الممصل بجانب الطريق إلا إذا كان فيه مضرة«).(١ وتكشف المقارنة بين الحكمين عن مدى معرفة الفرسطائي السابقة بأن حدوث المضرة يأتي في إطار الموضوعية أو الواقع. ولكن تطبيق أي من الحكمين أمر وارد، وتفسير تطبيق أي منهما يرتبط بما يكشف في الموقع الأثري حال كشف حالة التطبيق. ثم ينتقل الفرسطائي إلى عملية إصلاح الطريق، ويميز الإصلاح بزيادة التراب فيه أي بتعلية الطريق بالتراب بما يصلحه، وهو أمر ييسر تفسير طبقات الطرق التي حدث لها مثل هذا الإصلاح. ويمكن أن يكون إصلاح أيضا بنقصان التراب فيه، أي بقطع التراب منه). (٢وهو ما يشير ضم ناالطريق إلى أن مستوى الطريق يمكن أن يرفع أو أن يخفض في إطار تحقيق منفعة أو منع ضرر. كذلك عرض الفرسطائي إلى ما كان يحدث من إضافات كشغل جانب من الطريق، فذكر أنه »إن أراد أصحاب الحيطان أن يردوا إلى حيطانهم التي ترابا أو بنيا نا، وقد أضر ذلك بالطريق، فإن أصحابه يمنعونهبجانب الطريق ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٥ ) (٢قطع الطريق لخفض مستواها الذي يرتفع بمرور الزمن أمر كان يحدث في المدن والقرى في العصور الوسطى؛ لأن ارتفاع الطريق عن العمارة التي بجانبيه أو فوقه كالساباط والبوابات والدروب. للاستزادة، راجع :المقدسي )أبو حامد( :كتاب الفوائد الباهرة في بيان حكم شوارع القاهرة في مذاهب الأئمة الأربعة الزاهرة، تحقيق :علي إبراهيم النملة، مجلة العصور، دار المريخ للنشر، لندن، المجلد الثالث، الجزء الثاني، يوليو ، ١٩٨٨ص. ٣١٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٨٦ من ذلك، وكذلك أصحاب الطريق إذا أرادوا أن ينزعوا التراب من جوانب الطرق تحت الحيطان، فإن أصحاب الحيطان يمنعونهم من ذلك«). (١وهذا الحكم يحافظ على سلامة الطريق، وحفظه وسلامة العمارة عن جانبه. وهذا الحكم يوثق لحالة من الحالات التي كانت تحدث، وحدوث هذه الحالة في عدم إحداثها للضرر، وعدم حدوثها يجسد في كلا الأمرين هيئة الطريق وعلاقته بما على جانبيه من عمارة. ثم ينتقل الفرسطائي إلى أحكام تتعلق بنوعية الطرق التي تربط بين منزل وآخر، ويميز في هذه الأحكام بين نوعيتين :النوعية الأولى التي فيها يصل »الطريق بين منزل وآخر»، فكان الطريق مقابل ذلك الطريق من المنزل التالي إلى عمارة المنزل الأول )شكل. (١٠فأرادوا أن يعمروها من ذلك الطريق، فمنعهم أصحاب المنزل الثاني من ذلك، فلهم منعهم، وأما إن جاز خارجا منه وقابله طريق آخر حتى انتهى إلىذلك الطريق إلى ذلك المنزل تلك العمارة فلا يمنعوه«)). (٢شكل. (١١ وهذا الحكم يبين أن الطرق التي تربط بين منزلين منها ما يكون موصلا خارجا عن نطاق عمارته. وفي الحالةإلى الطريق داخل المنزل، ومنها ما يكون الأولى يمنع من عمارة الطريق، وفي الحالة الثانية يسمح الحكم بالعمارة. وفي هذا الحكم تمييز بين نوعيتين من الطرق التي تربط بين المنازل لكل منهما أحكامه التي تساعد على معرفة مساره قبل العمارة على جانبه. ثم يعرض الفرسطائي لمجموعة من الأحكام تتعلق بإنشاء الطرق وعمارتها في الأرض المشاع، سواء كانت مملوكة لمن ينشئ هذه الطريق ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٥ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٦ - ١٥٥ ١٨٧الفصل الثالث :الطـرق ويعمرها، أو كانت مملوكة لغيرهم، وتفصل هذه الأحكام ما يتعلق بكل حالة. وهذه الأحكام تيسر إنشاء الطرق في إطار مرتبط بحق الملكية وقدرها. وهذه الأحكام تيسر عمران هذه النوعية من الأراضي بإنشاء الطرق فيها وعمارة الأرض التي تنشأ بها).(١ ويستمر الفرسطائي في عرض الأحكام التي تتعلق بالمخاصمات التي تحدث بسبب نوعية الطرق التي تنشأ في الأرض، وتبين ما يتصل بجواز هذه الطرق، أو منع الجواز فيها، في إطار يستند إلى طبيعة الملكية، وثبات الطريق من عدمه، وتيسر هذه الأحكام حل كل ما يتصل باستخدام هذه الطريق في إطار الحفاظ على الملكية الخاصة والتصرف فيها).(٢ كما يعرض لحالات الأرض التي تمر بها طرق، وما يتصل بها في حالات تغير الملكية بسبب البيع أو الهبة أو الوقف أو الصداق في إطار ييسر لأصحاب الملكية الجدد استخدام هذه الطرق وعمارتها بمزيد من العمران).(٣ :IQhÉéadG QhódGh ¥ô£dGh ÖjRÉ«adG الميازيب عناصر معمارية تساعد على تصريف مياه الأمطار التي تسقط على سطوح المنشآت إلى الطرق وغيرها. ويعرض الفرسطائي لعلاقة الميازيب بالطرق، وهي علاقة مهمة حيث ضبطها بمنع الضرر بالماء والجار). (٤وقد عرض الفرسطائي للأحكام التي تنظم إنشاء الميزاب، واستغلال الماء الذي يهرق منها، وتبدو هذه الأحكام في غاية الأهمية من ) (١للاستزادة، راجع :الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٦ ) (٢للاستزادة، راجع :الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٦ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٧ ) (٤عثمان :الإعلان، ص ٢٣٠ - ٢٢٩؛ انظر المجلد الثاني من هذه الدراسة، مصطلح ميزاب. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٨٨ الناحية العمرانية والمعمارية بجانب أهميتها الفقهية البحتة. ويمكن رصد الملامح العمرانية والمعمارية للميازيب في بيئة وعصر الفرسطائي، ويمكن أن نبين ذلك فيما يلي: أولا ـ تعكس الميازيب تطور الحالة العمرانية والمعمارية السكنية التي تنشأ في منشآتها لتصريف المطر؛ حيث إن إنشاءها في المراحل جائزا، وهي المراحل التي يكون فيها إنشاء هذهالأولى من العمران يكون الميازيب غير ضار بالمار أو الجار. ومعنى هذا إن إنشاء الميازيب قائما، وهذه النوعيةلتصريف المطر في هذه المراحل وفق هذا الإطار كان من الميازيب تبقى على حالها، ويعاد تجديدها إذا ما تطلب الأمر ذلك في حالة عدم إحداث المضرة. ثانيا ـ يمنع إحداث الميازيب بعد تكامل عمران المنطق السكنية، ويمتد المنع إلى تغيير مواضع القديم منها، سواء من موضع إلى آخر، أو رفعه من مستوى إلى آخر، ويمنع أن يقوم صاحب الميزاب من أن يوسعه بعد ضيقه، وهذا يعني اعتبار الميزاب من العناصر التي يمكن توظيفها في تأريخ المنشآت على جانبي الطريق. ثالثا ـ تكشف الأحكام عن أن الميازيب كانت توجه إلى مواضع أخرى غير الطرق، ومنها »دار رجل«، وهذا الأمر يعني ضم نا إمكان أن يصرف صاحب الدار ماء ميزابه إلى دار مجاوره، طالما أن ذلك لا يحدث مضرة. ويمكن أن يحدث ذلك في حالتين، أولاهما أن يكون توجيه الميزاب إلى أرض الدار المجاورة كان سابقا لإنشائها، أو إن إنشاء الميزاب كان في إطار اتفاق بين الجارين طالما أن توجيه الميزاب إلى دار الجار غير مضر، وفي حالة إذا ما رغب صاحب الدار أن يبني بي تا في الموضع الذي يصب فيه الميزاب ماءه فإن الميزاب يمنع في هذه الحالة. ١٨٩الفصل الثالث :الطـرق رابعا ـ يمكن أن يكون إهراق ماء الميزاب إلى دار الجار جاء في إطار استفادة هذا الجار بماء المطر الذي يهرق من الميزاب؛ حيث يستفيد منه غروسا، أو بتخزينه في ماجل في داره، أو يحرث عليه بقولا أو يغرس عليه غير ذلك من وجوه الانتفاع. وهذا الأمر يفسر للآثاري سبب توجيه الميزاب إلى دار الجار، وأن هذا السبب فيه منفعة للجار. وفي إطار هذه الرؤية التي توظف استخدام المطر دون إهدار، فإنها تكتمل بأن تحفظ لصاحب الدار استمرار إهراق الماء من الميزاب إلى دار، ويمنع صاحب الميزاب من قطع ضررا لجاره. وهو ما يعني حفظ العمارة التي ماء الميزاب حتى لا يسبب ترتبت على توجيه ماء الميزاب إلى دار الجار. وهكذا يتضح إلى أي مدى حققت أحكام الميزاب المنافع، ومنعت المضار، ودفعت إلى زيادة العمران. :iôNCG ¢VGôZCG »a É¡dÓ ̈à°SG á«Ø«ch ¥ô£dÉH QhôadG o«¶æJ ويفصل الفرسطائي الأحكام التي تنظم حالة المرور في الطرق ومن له الأولوية في المرور بالطريق الضيق الذي لا يتسع إلا لمرور شخص واحد، ويعرض لحالات المارة فيميز بين الذي يحمل شي ئا والذي لا يحمل، ويجعل الأولوية للذي يحمل. ويعرض كذلك لاستخدامات أصحاب الشارع لقارعة الطريق في وضع بعض الأشياء كالحجارة أو الخشب أو التراب فترة مؤقتة، وكذلك استخدام الطرق في القعود فيه، أو بناء كنيف فيه، وقد منعت الأحكام كل ما يضر من هذه الإشغالات، وهو ما يساعد على أداء الطريق لوظائفه الأصلية).(١ ) (١للاستزادة، راجع :الفرسطائي :ص. ١٦٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٩٠ ويعرض الفرسطائي لبعض الأحكام التي تتعلق بإنشاءات معمارية أو إزالتها من تلك التي تتصل بالطريق. وأجازت هذه الأحكام تضييق الطريق وتسقيفه وقت الخوف، أما في الحالات العادية فإن ذلك يمنع، ومعنى حدوث هذا في أي موقع أثري يكشف عن هذا السبب. كذلك أجازت الأحكام إنشاء حانوت أو بيت في بعض المناطق التي يتسع فيها الطريق، ولا يعرقل إنشاؤها المرور فيها، ولكن هذا الأمر مشروط بأن تكون البقعة لمن ينشئ هذا الحانوت أو البيت. أما إن كانت لغيره فلا يفعل إلا بإذن صاحبها). (١وهذا الحكم يفسر للآثاريين سبب إنشاء مثل هذه الوحدات المعمارية في الطريق. ومعرفة الحدود الأصلية للطريق في المناطق التي تنشأ فيها مثل هذه الوحدات. ومن الوحدات المعمارية التي يمكن أن تنشأ على الطرق أو تحتها ضررا، وكذلك يمكن أن يمر الطريق فوق»الساقية« طالما أنها لا تسبب الساقية الأقدم بإنشاء القنطرة فوقها كجزء من الطريق طالما أن ذلك يسبب المنفعة بالطريق الحادث، وعدم إحداث ضرر بالساقية، ويبدو من خلال هذه الأحكام أنها حالة جرت العادة بها، وهذا الأمر مرتبط بتطور حالة العمران. ومن ثم فإن تتبع دراسة القناطر على الطرق يمكن أن يكون من مؤشرات التأريخ ومن مؤشرات تطور العمران في اتجاه معين. ومن الأحكام المتصلة بالطرق ولها دلالتها المعمارية المهمة تلك التي تعرض لطريق في دار لأحد الناس إلى دار أو بيت لآخر. وهذه تقسيما يتيح فرصة للبيت أو الدارالحالة مهمة، وترتبط بتقسيم الأرض الداخلية المرور عبر الأرض التي تشغلها الدار الخارجية، أو بتقسيم دار ) (١الفرسطائي :قسمة الأرض، ص. ١٦١ - ١٦٠ ١٩١الفصل الثالث :الطـرق واحدة إلى قسمين أو أكثر في إطار التصرفات التي يحدث بالبيع أو الميراث أو غير ذلك. ويتطلب الأمر في هذه الحالة إنشاء مثل هذه الطريق بالقسم المطل على الطريق بما يتيح حق المرور للأقسام التي لا تطل على الطريق مباشرة. وتنظم الأحكام التي عرضها الفرسطائي هذا الأمر من حيث تحديد موضع الطريق أو المجاز، وما يتصل بذلك من العمارة وقسمة هذا الطريق).(١ وترصد أحكام الفرسطائي حالة مهمة من حالات التصرف بالبيع المتعلقة بوحدة معمارية في دار، وكيفية الوصول إليها. فيذكر أن »من باع غرفة في داره أو في دار غيره فله إليها طريقها الذي كان يجوز إليها صاحبها من داره أو من غيرها، فيكون طريقها على حالها الأول، وإن كان إنما يطلعها بالسلم، أو بالخشبة، أو بالدرج، أو بالحبل أو بغير ذلك، فلا يحدث عليه المشتري غير ما كان البائع يفعله، إلا إن اشترط عليه أول مرة، وإن عرفت لتلك الغرفة تلك المجازات كلها فللمشتري أن يفعل منها ما شاء، ويترك ما شاء، وإن لم يعرف لها طريق ا فليعطل أيضا، ومنهم من يقول :يجعل لهاأمرها؛ حتى يتبين ولا ينفسخ البيع طريق ا مما يقابل الغرفة بحيث لا يضر بصاحب الدار، فإن كانت عليه علامات الدرج والسلم ولكنها زالت، فليس في ذلك ما يثبت له الطريق، وكذلك علامات الطريق كلها على هذا الحال، ومنهم من يقول :إن كان عليها شيء من هذه العلامات فإن الطريق يثبت لها«).(٢ ولهذا الحكم دلالاته المعمارية المهمة منها: ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٢ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٩٢ ١ـ أن الصعود إلى بعض الغرف في الدور كان من خلال درج، أو سلم خشبي، أو الخشبة أو الحبل، وهذا التصنيف المتصل بعناصر الاتصال والحركة في الدار الإباضية بوادي ميزاب له أهميته الأثرية، وإذا كان الدرج أو السلم الخشبي من العناصر المعروفة لدى الآثاريين، فإن الخشبة والحبل ليسا كذلك، والخشبة التي يصعد من عليها إلى الغرفة، عنصر اتصال وحركة عرف في العمارة الإسلامية منذ عصر الرسول ژ ؛ حيث أشارت المصادر إلى أن الصعود إلى المشربة التي أقام فيها الرسول فترة هجره لزوجاته كان يصعد إليها عن طريق خشبة) (١وليس سلم أو درج. والخشبة توضع بهيئة مائلة ميلا يناسب الصعود عليها دون حدوث خطر السقوط من عليها، وليست بهيئة شبه عمودية. ويفضل أن أيضا تكون بها بروزات كالتي في فلق النخل، أما الحبل فقد استخدم في الصعود، ويكون على هيئة سلم، ولكن من الحبال، ومعرفة هذه النوعيات من عناصر الاتصال وبخاصة السلم الخشبي المنتقل، والخشبة والحبل تساعد على تيسير الوصول إلى غرفة لا يتوفر لها درج. ٢ـ يمكن أن يتوافر للغرفة عنصر واحد من عناصر الانتقال، ويمكن أن يتوفر لها كل هذه العناصر أو بعضها، بمعنى أن يكون الاتصال إليها أيضا مهم في تفسير ما قد يعثر عليه من وثائقبأكثر من عنصر، وهذا تسجل حالة من هذه الحالات. ٣ـ يمكن أن تنسب حالة البيع في تعديل أي عنصر من عناصر الاتصال بالوحدة في إطار التفاهم بين البائع والمشتري على طريق التوصل إلى هذه الغرفة. ) (١عثمان )محمد عبد الستار( :عمارة مسجد الرسول ژ وبيوت أمهات المؤمنين، سلسلة روافد، الكويت٢٠١٣، م، ص ص. ١٦٤ - ١٦٣ الفصل الرابع عمارة القصر فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٩٤ أحكاما مهمة تتعلقيتضمن كتاب القسمة وأصول الأرضين للفرسطائي بنوعية مميزة من نوعيات المنشآت السكنية في وادي ميزاب. وتتمثل هذه النوعية في القصور التي تختلف عن المنازل والدور بطابعها التحصيني باعتبارها مبانسكنية توفر ملجأ آم نا يمكن لسكانه الدفاع عن أنفسهم من هجوم الأعداء عليهم، وتسجل هذه الأحكام من خلال نصوصها التصميم المعماري للقصر زمن الفرسطائي، وهو تصميم لا شك أنه تطور بمرور الزمن، وتغيرت بعض ملامحه بتغير الزمن وبعوامل التطور واستتباب الأمن في العصور الحديثة. ومن ثم فإن التصميم المعماري للقصر الذي يمكن تصوره من خلال أحكام الفرسطائي وغيره المتعلقة بعمارة القصور من الأهمية بمكان في تاريخ العمارة الإسلامية بصفة عامة والعمارة الإباضية في وادي ميزاب على وجه خاص. كما أن الوظيفة التي يؤديها هذا النمط المعماري تعكس الظروف التي عايشها المجتمع الإباضي في وادي ميزاب، وما كان يحدث له من أخطار تهدد سلامته وأمنه، وكان إنشاؤها رد فعل إيجابي لتوقي هذه الأخطار وتقليل خسائرها قدر الإمكان. كما أن شيوع إنشائها في منطقة وادي ميزاب على مستوى الأفراد والخاصة والعامة يجسد بصورة واضحة هذا المناخ. وتعكس الأحكام الفقهية الخاصة مراحل إنشاء هذه القصور ابتداء من اختيار الأرض التي تبنى عليها ونوعية ملكيتها إلى وضع تصميمها وإنشائها، واستمرارا مع عمرانها بسكانها الذين يلجئون إليها، والمحافظة عليها وصيانتها وترميمها أو تعديل بعض عناصرها معمار يا لتحقيق نفع أكثر، ومنع حدوث ١٩٥الفصل الرابع :عمارة القصر أي ضرر وتكشف عن رؤية معمارية متكاملة لهذا النمط المعماري المميز الذي بلورته الخبرة والحياة المعاشة بكل ظروفها. وقام على رعايته أحكام شرعية يصدرها الفقهاء تنظم إنشاءها، وتحقق الغرض منها دون حدوث أي أطرا للسلوك المجتمعي المرتبط وجلبا للمنفعة منها، كما تضع ضرر، باستغلالها وصيانتها، وحل ما لعله ينشأ من مشكلات تنشأ عن هذا الأمر. وقراءة هذه الأحكام معمار يا من الأهمية بمكان للمهتمين بالعمارة الإسلامية بصفة عامة، والإباضية على وجه خاص سواء كانوا من المعماريين أو الآثاريين أو الجغرافيين البلدانيين أو المؤرخين أو غيرهم ممن تتصل العمارة بمجال تخصصهم العلمي أو اهتمامهم المعرفي. سيما وأن أحكام نصوصا الفرسطائي وغيره ممن أشار إليهم والمتعلقة بعمارة القصر تعتبر فريدة وأصيلة تكشف عن عمارة القصور في القرنين الخامس والسادس الهجريين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين. وتنظم أحكام الفرسطائي منهجية تناول هذه القصور من الناحية المعمارية باعتبارها المادة العلمية الأصيلة، كما تنظمها الرؤية المعمارية للدراسات الآثارية المعمارية التي تمثل توجه هذا البحث الذي يهدف في المقام الأول للكشف عن التصور المعماري للقصور وقت إنشائها زمن الفرسطائي باعتبار وظيفتها وتصميمها، ثم بعد ذلك يعرج البحث على الأصول المعمارية لهذه الأنماط في تاريخ العمارة مع عقد المقارنة اللازمة التي تبرز ملامح القصور الإباضية زمن الفرسطائي مقارنة بغيرها من الأنماط المشابهة شكلا ووظيفة في إطار المفهوم أو النظرية التي تقول الشكل يتبع الوظيفة. Form follow Function فمن المعروف أن الوظيفة تشكل الشكل المادي للمبنى الذي يمثل وعاءها، فالتعليم على سبيل المثال سبق إنشاء المدارس والجامعات، ووظيفة فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٩٦ العلاج سبقت إنشاء البيمارستانات أو المستشفيات، ومع تبلور الوظيفية وتحديد معالمها يتبلور شكل المبنى، وبمرور الزمن يتطور كل منهما. وفي إطار هذه المعرفة التي صيغت معمار يا في إطار النظرية المعمارية الأساسية المعروفة الناطقة بأن الشكل يتبع الوظيفة ، Form Follow Functionوالتي تطورت فيما بعد في نظرية أخرى أكثر عمقا عرفت بأن الشكل هو الوظيفة Form is Functionيصبح من المهم أن يكون منهج دراسة هذه القصور في مهما تقوم عليهأساسا أيضا، فيصبح عرض وظيفة القصر إطار هذه المعرفة نقاط البحث الأخرى المتعلقة بالتصميم المعماري ومواد الإنشاء والحفاظ والصيانة والترميم، وحل ما يطرأ من مشكلات بين أفراد المجتمع تتصل بعمارة هذه القصور. :ô°ü≤dG á«Ø«Xh ` ’k hCG اتبع الفرسطائي منهجية معينة في ترتيب أبواب كتابه المتعلقة بالأصول، وتتفق هذه المنهجية والمنطق العمراني والمعماري، وهذه المنطقية في التناول المرتبطة بالمنطق العمراني والمعماري من ناحية النشأة والتطور بذاتها تتبناها هذه الدراسة، ومن هنا جاءت دراسة القصور بعد دراسة شبكة الطرق والمنازل. والقصر منشأة معمارية محصنة تختلف من حيث الحجم المرتبط بالطبع بنوعية الملكية ما بين قصر للعامة وقصر للخاصة وقصر للأفراد).(١ ذكر الفرسطائي في حديثه عن أحكامه المرتبطة بأرض القصر، ونزع ما بهذه الأرض مما قد يضر بقصرهم إشارة واضحة على أن هذه الأحكام ) (١الفرسطائي :القسمة، ص ، ١٦٣ص. ١٨٧ ١٩٧الفصل الرابع :عمارة القصر تسري على كل هذه النوعيات من القصور، سواء كانت لواحد منهم أو لعامتهم أو للخواص منهم).(١ وتنعكس هذه النوعية من الملكية على حجم القصر، فالقصر الذي ينشأ لفرد وأسرته، غير ذلك الذي يكون لقبيلة بعينها تتعدد الأسر التي تنتمي إليها، غير قصر العامة الذي يجمع قبائل وأشتا تا مختلفة من الناس، ويبدو ظاهر يا في هيئة مستقر سكني كالمنزل الذي يجمع العامة والخواص والأفراد).(٢ ويبدو أن هذه النوعية الأخرى الخاصة بقصور العامة والتي تطورت سببا في تعريف بعضهمفي العصور اللاحقة أصبح تشابهها مع المنازل للقصر بأنه »كما هو في العرف عبارة عن قرية، أو كما فسره ناسخو كتاب القسمة بالمنزل، ولكن الهيئة المعمارية للقصر كما ستوضح الدراسة في زمن الفرسطائي تكشف عن هوية خاصة لعمارة القصر وإن اختلفت نوعية ملكيته وحجمه. ومن الناحية الوظيفية تكشف ثنايا أحكام الفرسطائي عن البعد الوظيفي للقصر الذي يختلف عن المنازل والدور، فقد ذكر الفرسطائي أنه المنشأة التي يأوي إليها أصحابها وقت الخطر). (٣وفي موضع آخر في حديثه عن أهمية إصلاح ما ا نهدم من القصر أو إعادة بنائه وضرورة أن تكون هذه الإعادة للبناء بالصورة التي »تمنعهم من العدو«، وتحثهم على ذلك ليتآخذوا عليه حتى يمنعهم كما كان قبل ذلك).(٤ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٧ ) (٢راجع :الفرسطائي :القسمة، هامش )، (١ص. ١٧٧ - ١٧٦، ١٦٣ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٢ ) (٤الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م١٩٨ وفي الأحكام المتعلقة بالمحافظة على القصور حتى تبقى عمارتها مؤدية لوظيفتها، يذكر الفرسطائي فيما يتصل بالأشجار التي تكون جوار بناء خطرا على أداء وظيفته، فيذكر أن هذه الأشجار »إذاالقصر، ويمكن أن تمثل كانت حول القصر وخاف أصحاب القصر ممن يقطع تلك الأشجار فتقع على قصرهم، أو خافوا من يطلعها فيرميهم من فوقها، أو يدخل إليهم قصرهم منها سواء. (١)«...وفي هذا السياق ما يشير ضم نا إلى ما كان يحدث من مهاجمة القصر الذي يلجأ إليه الناس وقت الخطر. غصبا، وفي موضع آخر يتحدث فيه الفرسطائي عن القصر الذي أخذ فيذكر أن »من ألجأته الضرورة إلى قصر غصب من أصحابه، فلا يدخله ولا ينتفع به، ومنهم من يقول إن خاف على نفسه وماله أن يلتجئ إلى هذا القصر من غير أن يفسد منه شي ئا«).(٢ وتكشف الأحكام المتصلة بتنظيم الدخول إلى القصر، ومنه من يكون سائدا فيسببا في تسهيل الهجوم على القصر من ذلك المناخ الذي كان عصر الفرسطائي الذي يذكر أن أصحاب القصر لهم الحق في أن يمنعوا »من أراد أن يدخله بالجماعات، وكذلك من خافوا أن يغدر بهم أو يدل على عوراتهم، وهذا كله من غير أصحاب القصر، وأما إن كان من أصحاب القصر من يخافون من يغدر بهم أو يدل على عوراتهم، فإنهم يحجرون عليه، فإن كسر الحجر حبسوه، ومنهم من قال :إن خافوا أن يغدر بهم ويهلكوا على يديه فليخرجوه من قصرهم«).(٣ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٣ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٣ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٣ ١٩٩الفصل الرابع :عمارة القصر ويبين الحكم المتصل بأصحاب القصر الغادرين مدى التكامل في الرؤية التي تحقق الأمن لأصحاب القصر سواء من غيرهم أو ممن هو منهم من الغادرين. وفي إطار تكامل التأمين يأتي نظام حراسة القصور وأحكامه التفصيلية التي عرضها الفرسطائي في سياق إجابته على أسئلة طلابه، حيث يطرح أحدهم سؤالا عن نظام الحراسة على أستاذه الفرسطائي قائلا :أرأيت قوما حارسا )؟(« فأجابه الفرسطائي بقوله» :إن قصرا فأرادوا أن يجعلوا لهبنوا اتفقوا على ذلك فجائز، وإن أبى بعضهم من ذلك فإن ألجأهم إلى ذلك الخوف من عدوهم في الأموال والأنفس، فالقول من دعا إلى الحارس واحدا، أو اتفقوا عليه سواء على ما اتفقوا عليه من عدد الحرس، إن كانوا أكان منهم أو من غيرهم، وكذلك اتفقوا أن يحرسوه بالدول). (١على الشهور أو على الأيام أو على أقل من ذلك أو أكثر جائز، ويجدون من أبى من ذلك، ويحجرون عليه، فمن كسر حجرهم أخرجوا منه الحق بالسجن أو بالضرب«).(٢ ويستكمل الفرسطائي رؤيته بالنسبة للحراسة، فيذكر حالة أخرى »لقوم قصرا، فقد تفاضلوا فيه فأرادوان أن يحرسوه بأجمعهم بالسوية، ولا ينظربنوا إلى تفاضلهم في القصر، سواء في ذلك حرسوه بأجمعهم أو حرسوه بالدول على قدر قبائلهم، أو حرسوه بالتسمية أربا عا أو أثلاثا أو أقل من ذلك أو أكثر سواء أكان التفاضل في التسمية أو لم يكن، فكل ما اتفقوا عليه فهو جائز، ويجعلون الحرس من غيرهم بأجرة أو بغير أجرة، لكن إذا أرادوا أن يجعلوا له الأجرة فليقصدوا إلى وقت يستأجرونه فيه فيحطوا له نصيبه من ) (١أي :بالتناوب. ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٠٠ القصر، ويحرسه بعضهم دون بعض، ويعطوا عليه الأجرة من أموالهم على أنفسهم وعلى غيرهم إن لم يحضروه. (١)«... وقد ورد في ثنايا أحكام الفرسطائي المتعلقة بالمنازل أو القصور ما يشير ضم نا إلى أن القصور كانت من المنشآت التي تشكل النسيج العمراني للمناطق السكنية العادية، سواء تناثر بعضها في هذه المناطق أو تجاور. فقد ذكر الفرسطائي في حديثه عن المنازل ما يشير إلى أن القصر من المنشآت المكونة للنسيج العمراني للمنزل).(٢ وفي موضع آخر عن حديثه عن حراسة القصر ذكر ما يتصل بالقصر الذي يكون ضمن النسيج العمراني للمنزل، فقال» :إن كان في ذلك المنزل من لم يكن له في القصر شيء فحرسوا قصرهم مخافة ما يخرجهم من منزلهم، فليعط الأجرة أصحاب القصر على قصرهم، ويدخل معهم أهل المنزل برؤوسهم، وإن خافوا على رءوسهم كلهم، ويحاسبون أهل القصر بقيمة قصرهم«).(٣ وتؤكد العناصر المعمارية للقصر عن هويته ووظيفته، فالقصر منشأة محصنة، ومن عناصر تحصينه المهمة التي تكسبه هذه السمة الخندق والمنقاص والسور والفيصل، وأبوابه المحدودة التي تتمثل في باب واحد وفي بعض النماذج بابين، يحكم غلقها حتى لا تشكل نقاط ضعف يسهل على الأعداء المهاجمين الدخول منها. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩١ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٨، ١٨٤، ١٦٣ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٤ ٢٠١الفصل الرابع :عمارة القصر كذلك فإن الوحدات السكنية في القصور تتمثل في بيوت الدور الأرضي، يعلوها غرف في طابق ثان أو أكثر حتى تتيح الفرصة لإيواء أكبر غالبا عدد من الأسرة في القصر ذي المساحة المحدودة، والذي يتحكم تكلفة التحصين. وهذه النوعية من الوحدات تكشف عن طبيعة الإقامة في القصر تلك التي تختلف عن طبيعة الإقامة في الدور بما يشتمل عليه من وحدات سكنية للنوم والمعيشة وللحيوانات، وما يرتبط بذلك من مرافق ومنافع أخرى. وفي هذا السياق الذي يرتبط التكوين المعماري للقصر يأتي حريم القصر الذي يؤمن الدفاع عنه، ويكون ما بين الخندق والسور، أو ما بين المنقاص والسور. ومن المهم الإشارة إلى أن هذه العناصر تمثل العناصر المعمارية التي تشكل الهيئة المعمارية النموذجية للقصر وبخاصة قصر العامة أو قصر الخاصة. ولكن لا نستطيع أن نقر وجوب اشتمال كل حصن عليها، وبخاصة الخندق الذي هو في الغالب عنصر معماري دفاعي للقصور الكبيرة التي يلجأ إليها العامة أو القبائل الكبيرة إن كانت لخواص بعينهم. أما بقية العناصر كحريم القصر والسور والبيوت والغرف والساحة فهي عناصر أساسية في كل قصر. والتعريف بهذه العناصر يستوجب دراستها تفصيلا في ضوء ما ورد من أحكام للفرسطائي وغيره ممن أوردوا أحكامهم بخصوص عمارة القصر. وسنعرض لهذه العناصر في إطار تراتب مراحل إنشاء القصر ابتداء من اختيار موضعه، ووصولا إلى اكتمال عمارته ومتابعة لأداء وظيفته وصيانته وحفظه وترميمه أو إعادة بنائه حال تهدمه. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٠٢ :ô°ü≤dG AÉæH ¢VQCG `` ’k hCG يشير الفرسطائي إلى أن الأرض التي يبنى عليها القصر تتنوع من أرضاحيث الملكية، فهي إما تكون مملوكة لأصحاب القصر، أو تكون مشا عا، أو تكون أرض غيرهم الذين سمحوا لهم ببناء القصر عليها. وحالات الملكية هذه كلها حالات شرعية لها أثرها فيما يتصل بأحكام أيضا إلى حالات يمكن أنبناء القصور وعمارتها. وقد أشار الفرسطائي تكون فيها أرض القصر أو حتى بناء القصر كله فيها جاء بالغصب، فانتزعها الغاصبون من أصحابها. ولهذه النوعية من القصور التي أنشئت على الأرض المغتصبة أو التي اغتصبها آخرون من أصحابها بعد بنائهاأحكام خاصة ترتبط بظروف استخدامها).(١ واختيار الموضع الذي يبنى عليه القصر، إما أن يكون من اختيار أصحاب القصر أنفسهم، وقد يكون تحديد الموضع بمعرفة »أهل العلم«).(٢ وهو أمر يكشف عن مستوى الثقافة العمرانية والمعمارية للمجتمع الإباضي الذي يمكن لأفراده تحديد الموضع المناسب لإنشاء القصر، وهو أمر في الغالب يرتبط بمقومات أخرى يدركها أصحاب القصر، وبخاصة ما يرتبط منها بطبيعة العمران والعمارة المتمثلة في الدور والطرق والمزارع وغيرها. أيضا كذلك فإن اللجوء إلى أهل العلم اختيار آخر له أهميته التي تكشف على أن المجتمع الإباضي كان يستفيد من أهل النظر والخبرة والدراية أيضا بإنشاء القصور، وهو ما يعني وجود هؤلاء المختصين في مجال العمارة كفئة فنية معروفة. ) (١للاستزادة، راجع :الفرسطائي، ص. ١٨٩، ١٨٨، ١٨٧، ١٦٥ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٦ ٢٠٣الفصل الرابع :عمارة القصر وفي بعض الحالات تكون الأرض التي تم اختيارها وتحديدها كموضع لإنشاء القصر مجاورة لأرض آخرين، وفيها ما يضر بعمارة القصر، وتناول الفرسطائي مثل هذه الحالات بتفاصيلها الدقيقة، فذكر أنه إذا اتفق قوم على قصرا في أرضهم وفي قربها أصل لغيرهم، فاتفقوا معه على أن»أن يبنوا ينزع جميع ما يضرهم من ذلك؟ قال :ينزعون كل ما يضرهم من ذلك، سواء لواحد منهم أو لعامتهم، أو الخواص منهم، وإن اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم هذه مضرة، وقال الآخرون ليس فيه مضرة فليرفعوا ذلك إلى ذوي النظر منهم أو من غيرهم، فما قالوا أنه مضرة نزعوه).(١ ويكشف هذا الحكم عن ما كان يعطى لبناء القصور من أولوية لما تحققه من حفظ للأنفس والأموال، وهو ما يفوق بالطبع ضرر الإزالة لأصحاب الأرض المجاورة للقصر، واستكمالا للرؤية عرض الفرسطائي لأحكام التعويض لما تم إزالته في تفصيل دقيق. ثم يعود الفرسطائي لعرض حالات التنازع التي تتصل بتوقيت إزالة عناصر الضرر في الأصل المجاور للأرض التي تحددت لإنشاء القصر. قصرا في موضع معلوم على أن ينزعوافيذكر أنه »إن اتفق قوم على أن يبنوا ما يضر بقصرهم من الأشجار وغيرها، فقال لهم أصحاب القصر :انزعوا مضرتكم عن موضع قصرنا، وقال لهم أصحاب المضرات :ابنوا قصركم فننزع مضرتنا، فإنهم يدركون عليهم نزع تلك المضرة، ولم لم يبنوا«).(٢ ويكشف هذا الحكم مرة ثانية عن ما كان يعطى من أولوية لعمارة القصور، وما يؤمن لها أداء وظيفتها دونما أي ضرر. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٧ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٠٤ :ô°ü≤∏d... QÉa©adG o«a°üàdG بعد اختيار الأرض تبدأ عملية تخطيط الأرض التي ينشأ عليها القصر، وتشمل عناصر التخطيط تحديد موضع خندق القصر، وحريمه، ثم موضع الأسوار التي تحيط بالعناصر المعمارية الداخلية للقصر كالبيوت والغرف، وما يتصل بذلك من عناصر الاتصال؛ كالأبواب والمجازات والساحات الداخلية وغيرها. ثم يلي ذلك عملية الإنشاء وفق التصميم المعماري الذي يتفق عليه أصحاب القصر أو ما يحدده لهم أهل النظر. ومنهجية عرض العناصر المعمارية للقصر تبدأ بعرض العناصر الدفاعية عن القصر في إطار ارتباط تتابعها من خارج بناء أسوار القصر، ثم تعرض للأسوار التي تحدد المساحة التي تنشأ عليها عناصر القصر الداخلية. :¥óæîdG `` ’k hCG الخندق هو المحور الرئيس الذي يحكم بناء المدن المحصنة بنوعياتها أساسا على المختلفة وغيرها من الحصون والقلاع والآطام والقصور، ويقوم »تنظيم العراقيل بين المهاجمين والمدافعين لمنع المهاجمين من المضي في سبيلهم ولوقاية المدافعين من شر مقذوفاتهم، وتمكين المدافعين في الوقت نفسه من أن يمطروا المهاجمين وابلا من مقذوفاتهم«. وبناء على ذلك أقيمت الحصون الأولى، ويعتبر الخندق والسور من أقدم العناصر المعمارية الدفاعية التي يتحقق بها المفهوم الذي سبقت الإشارة إليه. وبدأ التحصين بحفر الخندق حول المدينة المحصنة أو غيرها من المنشآت الدفاعية، وفكرة الخندق تقوم على محورين مهمين، أولهما توفير حالة إيجابية للمدافعين بأن يكونوا في موضع أعلى من مستوى قاع الخندق الذي يضطر العدو إلى اجتيازه حتى يصل إلى الأسوار الخط الدفاعي الثاني، ٢٠٥الفصل الرابع :عمارة القصر وحالة سلبية للعدو الذي يضطر إلى النزول إلى الخندق والصعود إلى الجنب الآخر، وكلما زاد عمق الخندق واتساعه زادت كفاءته في عرقلة العدو وتكبيده خسائر أكبر قبل أن يصل إلى السور أو المنقاص ثم السور في بعض المدن والمنشآت الدفاعية المحصنة التي يوجد بها منقاص كخط دفاعي متقدم عن السور. في إطار تبلور فكرة الإعاقة هذه جاءت الأسوار مرتبطة بفكرة الخندق؛ حيث إنه في العصور القديمة انتهى الفكر إلى إمكانية استخدام ناتج حفر الخندق كعائق تال للخندق يحقق ذات الفكرة في هيئة مانع ترابي يقف فوقه المدافعون من الرماة، فيسهل عليهم اصطياد الأعداء من خلف دراوي حجرية »شرفات« تمثل نقاط دفاعية أساسية متعددة ومتقاربة).(١ والتمعن في الهدف الأساسي من السور الذي يوفر الموقع الأعلى للمدافعين لضرب المهاجمين في الموقع الأسفل يوضح أن فكرته هي ذاتها الفكرة المتمثلة في الخندق؛ حيث إن كلا من الخندق والسور يوفران الحالة الإيجابية للمدافعين، يجعلهم في موقع أعلى يركب موقع العدو المهاجم. ويلاحظ أن فكرة تعدد الأسوار في بعض المدن أو إنشاء السور مستقل عن الكتلة العمرانية بالداخل يكرر هذه المنظومة من خلال الفياصل التي تتمثل في الفضاء بين الأسوار أو السور والمباني الداخلية التي يحيط بها في المدينة أو القصر أو غيرها. والخندق بجانب أنه يوفر للمدافعين فرص مهاجمة العدو من مواقع أعلى، تكون ضرباته مؤثرة، ويصعب على العدو من المستوى المنخفض إصابة المدافعين، تكبد العدو مشقة الهبوط والصعود من الخندق، بجانب ) (١عثمان :العمارة الحربية الإسلامية بين النظرية والتطبيق، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، الرياض، العدد السابع، السنة الثانية١٤٠٥، هـ ، ص. ١٦٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٠٦ أنه يشغل المهاجمين بالهبوط والصعود بما يعطي للمدافعين فرصة ضربهم وهم في هذه الحال التي ينشغل بها المهاجمون بهذه العملية، ولا تكون لهم فرصة توجيه مقذوفاتهم في فترة عبورهم الخندق بأسلحتهم وما يحملون من أدوات الهجوم الأخرى التي يستخدمونها في مهاجمة الأسوار الخط الدفاعي التالي للخندق. وتزداد إعاقة المهاجمين عند عبور الخندق حال ملئه بالماء وتغطية سطح الماء بالتبن أو القش أو غيره، للتمويه على الخندق فيسير المهاجمون غير مدركين لهذه الحال التي يكون عليها الخندق، فيغرق من يغرق ويسقط من يسقط منهم في الخندق فجأة. وزيادة في عرقلة المهاجمين أثناء عبورهم الخندق كان يبنى جانب الخندق الداخلي في هيئة مسناة بالآجر أو بالحجر بهيئة عمودية يصعب متسعا وعميقا. معها صعود المهاجمين، وتزداد الصعوبة كلما كان الخندق وتطبيق فكرة الخندق في العمارة الإسلامية بدأ في عهد الرسول ژ، وكان إنشاء خندق شمال المدينة المنورة بمشورة من سلمان الفارسي؛ لوقف زحف المشركين من الأحزاب عن مهاجمة المدينة، وكان ذلك وفق رأي سلمان الفارسي الذي تراكمت عنده المعرفة بهذا العنصر المعماري في إطار نشأته في بلاد فارس التي عرفت هذا العنصر المعماري الحربي. وأشرف الرسول ژ على حفر الخندق وأدار عملية الحفر إدارة ساعدت على إنجازه في فترة زمنية محدودة، وإنشاء خندق المدينة يعتبر من السنة الفعلية التي اتبعها المسلمون في العصور الإسلامية التالية وفي جميع البلاد الإسلامية).(١ ) (١عثمان :المدينة الإسلامية، ص ص. ٦٠ - ٥٩ ٢٠٧الفصل الرابع :عمارة القصر وتكشف أحكام الفرسطائي وغيره من الفقهاء الإباضيين عن إنشاء الخندق للقصر كعنصر دفاعي مهم؛ حيث وردت الإشارة إلى إنشائه ومواصفاته وسبل المحافظة عليه واستمراره في أداء وظائفه، وما يتعلق به من مشكلات قد تحدث بين أفراد المجتمع الإباضي عرضت لحلها في إطار الشريعة أحكام هؤلاء الفقهاء. ولا نستطيع أن نعتبر إنشاء الخندق حول القصر كان ظاهرة في كل القصور، ذلك أن بعضها وبخاصة الصغير منها كقصور الأفراد أو بعض أرضا ومالا لمن قصور الخاصة محدودي العدد قد يكون من المكلف لا يقدر على إنشاء خنادق حولها، أما قصور العامة الكبيرة فإن أحكام الدفاع عنها يتطلب في الغالب إنشاء الخندق. وقد أشار الفرسطائي إلى بعض قصور العامة التي أنشئ لها خنادق).(١ كما وردت الإشارة الضمنية لإنشاء خنادق القصور الخاصة والأفراد، وقد وردت هذه الأشارة ضمن أحكام كنس التراب من هذه الخنادق).(٢ وقد أنشئت لبعض القصور خنادق). (٣ويبدو أن إنشاء الخندق للقصر أيضا محل جدل بين أصحاب القصر، فمنهم من يرغب في إنشائه،كان ومنهم من يأبى ذلك، وقد أفاد الحكم الفقهي بأن حفر الخندق يكون وفق رؤية من رغب في حفره إذا لم يكن في ذلك مضرة. ونظمت الأحكام كيفية تعاون أهل القصر في حفره»، فإن أرادوا أن يحفروه للكل أو لسهامهم دون غيرهم«). (٤وهناك حكم آخر يشير إلى أنه إذا أراد قوم »أن يجعلوا لقصرهم ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ - ١٧٨ ) (٤الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٠٨ منقاصا، واحتاجوا إلى ذلك، قال :يبنون على قدر قيمة أنصبتهم في القصر، وكذلك الفيصل والخندق مثل ذلك«).(١ وهذه الأحكام التي تمثلت في المصطلح الحديث »الإدارة الشرعية لإنشاء الخندق« لا شك أنها تسهل إنشاء الخنادق للقصور كعناصر مهمة للدفاع عنها. وتتواصل الأحكام الفقهية التي تتابع مراحل حفر الخندق وما قد يحدث أثناء حفرها، ومن هذا ما أشار إليه الفرسطائي عندما ذكر أنه »إن خرج لهم بئر أو عين في الخندق فإنه يكون لهم كما اشتركوا في بقعة الخندق، أيضا مما يحدثون على تلك البئر أو العين من العمارات كلها،ويتمانعون ولو كان ما ينتفعون به لشربهم وغسل ثيابهم، وما أشبه ذلك من المنافع إلا أن اتفقوا على ذلك، وكذلك استسقاء ماء الخندق يتمانعون فيه إذا ضر بالخندق، وما لم يضر بهم فليس عليهم شيء«).(٢ ويشير أحد الأحكام إلى أنه كان هناك بعض الخنادق لم يتم أصحابها حفرها لسبب أو لآخر، وتابع الفرسطائي هذه الحالة فذكر أنه »إن كان فيه )الخندق( موضع لم يحفروه، فأرادوا أن يحفروه فلا بأس عليهم«).(٣ وفي حكم آخر يشير الفرسطائي إلى فكرة ملء الخندق بالماء لزيادة إعاقته للعدو، وهي الفكرة التي سبقت الإشارة إليها. فقد أجاب الفرسطائي على سؤال فحواه» :إن أراد أصحاب القصر وقد خافوا من العدو فهل يجوز لهم أن يكسروا العين إلى الخندق؟ فقال :إن أذن لهم أصحاب تلك النوبة ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٧ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٠ ٢٠٩الفصل الرابع :عمارة القصر إلى كسر مائه فإنهم يفعلون ذلك، وإن لم يأذن فلا يفعلوا إلا إن أدرك أوائلهم يفعلون ذلك، فليفعلوا ويعطوا ما أتلفوا له من الماء، كانوا يفعلونه قبل ذلك، وإن لم يدركوا من كان قبلهم يفعل ذلك فليس عليهم شيء، وإن أزال عليهم الخوف، فليتآخذوا على نزع الماء إن لم يضر ذلك بالحيطان«). (١ويشير هذا الحكم إلى أن ملء الخندق بالماء جرت العادة به حال الضرورة للخوف، وأنه كان يملأ من ماء عين قريبة يستغلها أصحابها في إطار التناوب المعروف في تقسيم الماء. وأن من أخذت نوبته من الماء لملء الخندق كان يعوض عنها، كما يشير الحكم إلى أن الماء الذي في الخندق كان يمكن أن ينزع بعد زوال الخوف. وكانت تنشأ على الخندق القناطر ليعبر من فوقه أصحاب القصر والداخلين إليه، ويسهل الاتصال بينه وبين المحيط العمراني حوله، وهذه القناطر كانت تصمم بطريقة معينة يسهل معها رفعها وقت خطر هجوم الأعداء. وقد ورد في أحكام الفرسطائي إشارات مهمة تتعلق بوجود هذه القناطر فوق خنادق القصور، فقد ذكر أن أصحاب القصر »يجعلون عليه القناطر إن أرادوا، وينزعون ما كان عليه من القناطر قبل ذلك«. وهذا الحكم لا يشير أيضا إلى إمكان نزعها وفق إرادتهم. ويشير فقط إلى إنشائها، ولكن يشير هذا النص إلى إمكانية وجود أكثر من قنطرة على الخندق كما يتضح من الجمع في كلمة »القناطر«. ولم يقتصر الحال إمكانية تعديل بعض العناصر المعمارية المرتبطة بالخندق كالقناطر، ولكن هناك من الأحكام ما يشير إلى إمكانية أن يقوم أصحاب القصر »إن أرادوا أن يزيدوا في عمق الخندق فلا بأس عليهم، ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢١٠ ويتآخذون عليه، وإن أرادوا أن يوسعوه، فإن كانت الأرض التي أرادوا أن يزيدوا منها في سعتهم فلا بأس، وإن لم تكن لهم في تلك الأرض شيء فلا يزيدون فيه إلا أذن لهم صاحب الأرض، وإن أرادوا أن يضيقوه على حاله الأول، فلا يجدون ذلك إلا إن كان أصلح لهم«).(١ وهذا الحكم يجيز توسعة الخندق أو تعميقه حال إرادة أصحابه ذلك بشرط أن يكون ذلك في أرضهم أو في أرض غيرهم إذا سمح لهم أصحاب الأرض بذلك. وتوسعة وتعميق الخندق يزيد من كفاءته في عرقلة العدو باعتباره خط الدفاع الأول ـ كما سبقت الإشارة. ويلاحظ أن الحكم يمنع الحالة العكسية متمثلة في إرادة أصحاب القصر أن يضيقوه، إلا إذا كان ذلك أصلح لهم، ولم يشر الحكم إلى تفاصيل وجه الصلاحية في تضييق الخندق. ويلاحظ أن هذا الحكم يدفع إلى تحسين كفاءة الخندق بتوسعته وتعميقه، كما يحافظ على قياساته التي أنشئ إليها، ويمنع التضييق إلا إذا كان ذلك أصلح لأصحابه، وفي ذلك ما يؤكد على إدراك أهمية وظيفة الخندق في الدفاع عن القصر باعتباره منشأة محصنة في الأصل. ومن المعروف أن الخندق يحتاج كل فترة إلى نزع التراب الذي يتراكم في الخندق حتى يبقى بقياساته الأصلية التي أنشئ بها، وهي قياسات مهمة لتحقيق الغرض من إنشائه. ولم تكتف هذه الأحكام بإجازة نزع التراب من الخنادق، ولكنها في إطار منهجية الفرسطائي إلى ذكر تفاصيل التفاصيل لمعالجة كل جوانب المشكلة وتوابعها، ومن ذلك حكم الفرسطائي الذي يذكر أن أصحاب القصر ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ ٢١١الفصل الرابع :عمارة القصر موضعا يضعون فيه تراب كنس الخندق »فليجعلوه بين الخندقإن لم يعرفوا والقصر، وإن لم يجدوا أين يضعونه في ذلك فليضعوه حيث تيسر لهم«).(١ ويحدد الفرسطائي كيفية حفر الخندق الذي تراكم فيه التراب، فيذكر أن حفر الخندق يكون »على ما كانوا يحفرونه قبل ذلك، وإن كان إنما يحفره أصحاب الخندق قبل ذلك فليتآخذوا على حفره، وكذلك كنسه إن دفن على هذا الحال«). (٢ويحفظ هذا الحكم على الأقل للخندق المستوى الأصلي للعمق الذي حفر به. ونال التراب الذي يتراكم في الخندق اهتمام الفرسطائي، فتناولت أحكامه التصرف في تراب خندق قصور الخاصة والأفراد، فذكر أنه »إن كانت بقعة الخندق لرجل واحد أو الخواص من الناس، فكل ما طلع منه من التراب فهو لأصحاب تلك البقعة، ويمنعون من أراد أن يرقعه«).(٣ أحكاما متصلة بما كان يحدث وفي حدود هذا الإطار يعرض الفرسطائي من استغلال الخنادق في الحصول على أحجار منها، أو في استغلال تربتها لضرب الطوب أو أشبه ذلك من حفر التراب منه، ويذكر أنه »إن كانوا يفعلونه قبل ذلك فلا يمنعونه، وإن لم يفعلوا فليمنعوه، ويرفع من ذلك التراب إن كان يصلح رفعه الخندق، ولا يمنعه أصحاب الخندق، وإن لم أيضا«).(٤ يصلح ذلك للخندق فلا يرفعه ويمنعونه ويشير الفرسطائي إلى أن من الخنادق ما كان ينبت فيه نباتات معينة كالسمار والقصب العربي، وهي نباتات كانت تستخدم في صناعة بعض ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٠ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ ) (٤الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢١٢ المصنوعات كالسمار الذي يصنع فيه السلال والحصر والأطباق وغيرها. أو يستخدم بعضها الآخر كالقصب العربي في المنشآت المعمارية كالأخصاص أو التسقيف بها في السقوف الخفيفة. وهو ما يمثل منفعة، وذكر أنه »إن نبت سمارا أو غير ذلك مما يكون الناس فيه سواء، فلا بأسالخندق »قصب أو على من يأخذه إلا إن كانوا يحوطونه ويمنعوه«). (١وإن »نبت فيه قصب عربي أو أشجار، أو خرجت فيه عين ماء، فالجواب على ما تقدم ذكره«).(٢ وتتابع أحكام الفرسطائي المتعلقة بالخنادق حالات أخرى تتصل بعمارته، ومن هذه الحالات تلك الحالة التي يصل فيها الخندق إلى الانخراق الذي يصل إلى حد الفساد. وهذه الحالة تستدعي إصلاح الخندق، ويقرر الحكم بشأنها :أن أصحاب القصر الذي يصل خندقه إلى هذه الحال »يتواخذون على إصلاحه بما قدروا عليه من البناين بالحجر أو الخشب أو أشبه ذلك«. ويشير نص هذا الحكم إشارة مهمة إلى المواد الإنشائية التي تستخدم في إصلاح انخراق الخندق، ومن بينها الحجر والخشب. ولذلك دلالته الأثرية والمعمارية حال كشف خندق تعرض لهذه الحالة من الإصلاح. وعرض الفرسطائي لأحكام أخرى تتعلق بالخندق يستشف منها أن أصحاب القصر يمكنهم »أن يزيلوا الخندق من مكانه ويحدثوه في موضع آخر« بشرط أن يكون القصر لخواص، أما العامة فلا يجدون ذلك«).(٣ ولا يحدثوا في خندق قصرهم شي ئا، ولا يبيعونه ولا يهبونه، ومنهم من يقول يحدثون فيه ما أرادوا من ذلك، ويعطونه ويبيعونه ويدفعون ثمنه لمصالح ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٠ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٠ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٨ ٢١٣الفصل الرابع :عمارة القصر قصورهم«). (١ومقارنة بين حكم الفرسطائي بشأن هذه الحالة وحكم غيره يكشف عن إدراك الفرسطائي لأهمية المحافظة على خندق قصر العامة؛ لأنها تحقق وظيفة القصر التحصينية الأساسية، وهي رؤية أوسع إذا ما قورنت برأي غيره الذي يجيز بيعه حتى وإن كان ثمنه يصب في صالح قصورهم. وفي هذا السياق يأتي حكم الفرسطائي الذي لا يمكن العامة من أن يدفنوا خندق قصرهم إذا أرادوا ذلك«).(٢ داعما لإنشاء وهكذا كان حرص الفقه الإباضي في مجال عمارة الخندق الخنادق باعتبارها من العناصر الدفاعية المهمة لدعم تحصين القصر باعتبار أهميته وبخاصة في وقت الخوف من اغتيال الأعداء، في حالة وقوع الهجوم الفعلي للأعداء. :¥óæîdG ojôM يلي الخندق في اتجاه بنيان القصر مساحة خالية من البناء تعرف بحريم القصر، ويستوجب التخطيط المتكامل للقصر وجود هذا الحريم، حيث إنه يعطي فرصة للمدافعين أن يقذفوا مقذوفاتهم على الأعداء قبل الوصول إلى سور القصر في ساحة تسمح زاوية الرمي من أعلى سور القصر إذا كان منفصلا عن بناء البيوت والغرف، أو القصر نفسه حال عدم وجود فيصل يلي السور قبل أن يصل الأعداء إلى الزاوية الميتة في المنطقة الملاصقة للسور. وهذا الأمر يستوجب وجود علاقة بين ارتفاع سور القصر، واتساع الحريم المجاور له، ويحكم هذه العلاقة في الأساس توفير فرصة للمدافعين لضرب عدوهم قبل أن يصلوا إلى الزاوية الميتة في المنطقة الملاصقة للسور. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٠، ١٧٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢١٤ وبناء على ما سبق فإن تحديد اتساع الحريم وفق القياسات التي تضمنتها مترا(، يأتي في إطار قياس منطقيأحكام الفرسطائي بأربعين ذرا عا ) ١٨,٤٨ لارتفاع بنيان القصر الذي قد يصل إلى ثلاث مستويات أو أربع). (١وقياسات أكثر كفاءة لما بني من القصور بارتفاع مستويين يتمثلان في البيوت في الدور الأرضي، والغرف فوقها في دور ثان باعتبار أن هذا الارتفاع الطابق مترا(. لا يقل في المتوسط عن ستة أذرع ) ٣,٣٣٤ وفي إطار هذا التفسير المرتبط بالبعد الوظيفي الدفاعي للقصر يمكن فهم حكم الفرسطائي الذي يذكر فيه أنه »إن اتفق قوم على أن يبنوا قصرين في أرض استووا إليها، فإنهم يحصلون فيما بينهم ثمانين ذرا عا لحريمها، لكل واحد أربعون ذرا عا«). (٢وهذا الحكم في غاية الدقة ليس فقط في أيضا على أن يكون لكل قصرحسابات مسافات الرمي، ولكن في تأكيده أربعون ذرا عا فتكون المسافة المتروكة بينهما ثمانين ذرا عا أربعون لخدمة الغرض الوظيفي لكل قصر حتى يؤدي وظيفة الرمي بكفاءة تتناسب مع ارتفاع بناء السور أو القصر المتعارف عليه في زمنه. وهذه الحسابات الخاصة بالرمي لا تتناسب مع قول غير الفرسطائي الذين أشار إليهم بقوله» :ومنهم من يقول يجعلونه خمسة أذرع )٢,٤١٠متر(، وهو حريم ضيق إلى حد بعيد، لا يتوافق بأدنى ارتفاع بناء القصر، والذي مترا(. وهكذا تتضحيتكون من مستويين )أي حوالي ١٤ذرا عا( ) ٦,٤٦٨ خبرة الفرسطائي المعمارية وأثرها في إصدار الأحكام. ) (١يأتي التعرف على ارتفاع بناء القصر. راجع :إنشاء القصر في الصفحات التالية، وهناك بعض الإشارات إلى أن بعض القصور لم يكن بها إلا البيوت، ولا توجد بها غرف، وهو ما يعني أن القصر من مستوى واحد. الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٨ ٢١٥الفصل الرابع :عمارة القصر ومن المهم أن نشير إلى حكم آخر يعرض لنوعية من القصور التي يبنيها أصحابها في أرضهم متجاورة، فقد ذكر أنه »إن كانت لهم الأرض فاتفقوا على أن يبنوا فيها القصور، فلا يتركوا لكل قصر إلا خمسة أذرع لحريمه، ومنهم من يقول يتركون لكل واحد أربعين ذرا عا«). (١ويلاحظ أن هذا الحكم يعرض لحالة معينة من القصور المتجاورة، وهذا التجاور يفسر توفيرا السبب الذي كان وراء تقليل الفرسطائي لمساحة الحريم بين القصور للأرض، ويبين أنه لا تعارض في حكمه هذا مع حكمه السابق الذي قرر فيه أن يكون الحريم أربعين ذرا عا؛ لأن الحريم في الحكم الأول لقصر ليس له نفس ظروف الحالة الثانية التي كانت فيها الأرض لأصحاب القصور وبنوا قصورهم متجاورة في ذات الوقت، وتقليل مساحة الحريم في بعدا اقتصاد يا يتصل بمساحة الأرض التي بنيتهذه الحالة الأخيرة يحقق عليها القصور. وهي رؤية لم تلتفت إليها أحكام غيره الذين حددوا قياس الحريم بأربعين ذرا عا حتى في حالة التجاور وملكية الأرض الواحدة لأصحاب هذه القصور المتجاورة. وهذا يعني أن الفرسطائي كان يعالج كل حالة بظروفها وفي إطار معطياتها. ويعرض الفرسطائي لحالة ثالثة ترتبط بحالة النمو العمراني الخاص بالقصور وتجاور بنائها الذي لا يتم في وقت واحد، ولكن منها ما يسبق إنشائيا. فيذكر أنه إذا »سبق أحدهم بنيان قصره فلا يترك إلا خمسةالآخر قصرا آخر بالقرب منه فليترك أربعين ذرا عا إلى أذرع، وإن أراد أن يبني قصرا بعد القصر الأول. وهذا الحكم يعالج الإنشاءات المرحلية للقصور آخر. ويتضمن الرؤية الاقتصادية في توفير الأرض طالما لم يجاور القصر قصرا آخر، وكانت الأرض المجاورة فضاء، أما القصر اللاحق المقابل فقرر ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢١٦ الحكم أن يكون حريمه أربعين ذرا عا، وهذا القياس متوافق مع الحريم القياسي المؤدي لفرض الدفاع من أعلى سور القصر أو القصر نفسه. أيضا مرة أخرى على القياس المحددوذكر الفرسطائي حالة رابعة تؤكد قصرا في أرض،للحريم بأربعين ذرا عا فيذكر إذا أذن أحدهم لغيره أن يبنوا قصرا إلى جانبه فليترك لحريمه أربعين ذرا عا«). (١ويستطردفأراد هو أن يبني الفرسطائي ليذكر حالة خامسة تتصل بسابقتها فذكر أن هذه الأرض التي بنى حريما يبلغ أربعين ذرا عا وأذن لغيره أن »يبنواقصرا، وترك لهفيها صاحبها قصرا في أرضه، فليبنوا في أي موضع أرادوا قرب أو بعد ولا يحتاجون إلى الحريم). (٢ويبدو أن هذا الحكم تأسس على ما حدث من بناء لقصر صاحب الأرض بحريمه. وساعدت الأحكام الفقهية المتعلقة بحريم القصر من حيث ما يمكن أن يحدث من محاولات لاستغلاله في أغراض أخرى على أن يبقى الحريم صورا لما خاليا من العمارة، وتوثق أحكام الفرسطائي المتعلقة بهذا الأمر كان يحدث من اعتداءات على حريم القصر. ومن بين هذه الأحكام أنه »يمنع من أراد أن يحدث بجانب القصر بي تا خارجا من القصر داخلا فيه، وكذلك منقصرا ملتزقا سواء في فتحه كانأو غرسا فإنهم يمنعونه فيما دونبئرا أو يغرس دارا أو يحفر أراد أن يبني بقربه الأربعين ذرا عا. وهذا الحكم يطبق على كل أنماط القصور سواء كانت لأفراد أيضا على العناصر المعماريةأو لخاصة أو لعامة. وهذا الحكم ينسحب )(٣ الدفاعية الأخرى كالفيصل والخندق والمنقاص. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٨ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٩ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٨ ٢١٧الفصل الرابع :عمارة القصر كذلك منع الحكم الفقهي بناء الخصوص في حريم القصر، حيث يذكر الفرسطائي أنه »إن كانت بقعة حريم القصر لرجل واحد فأرادوا أن يبنوا من خصا، ويجعل منه ما يلجأ خصوصهم فمنعهم من ذلك أو أراد هو أن يبني إليه بمواشيه فمنعوه فجائز لهم«). (١ويكشف هذا الحكم عن مدى الحرص خاليا من البناء بغض النظر عن ملكية القصر لفرد وهي على بقاء الحريم أيضا من بناء هذه الملكية التي لم يمنع المستفيدين من القصر صاحب بقعة الخصوص. كذلك منعت الأحكام من أراد »أن يتخذ طريقا تحت القصر فيما بينه وبين الخندق«).(٢ وعالجت الأحكام الفقهية ما كان يحدث من حالات العمارة في الحريم لظروف معينة، وارتبطت هذه الأحكام بنوعية القصر سواء كان للخاصة أو العامة، كما ارتبطت بملكية الأرض وغيرها من الأمور. وهذه الأحكام تشير إلى بعض المنشآت التي أنشئت بالفعل في حريم القصور، كالمساجد والبيوت التي أبقت الأحكام عليها. وهذا يعني من الناحية الأثرية وجود بقايا هذه المنشآت في حريم القصر. ويفسر وجودها في حريم القصر في ضوء هذه الأحكام).(٣ :ô°ü≤dG Qƒ°S يلي حريم القصر مباشرة سور القصر إذا لم يبنأصحاب القصر لقصرهم متقدما بناء السور من الخارج منقاصا. والمنقاص سور قليل الارتفاع يبنى ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢١٨ بمسافة معينة، ويعتبر من العناصر المعمارية الدفاعية التي تعرقل تقدم العدو إلى سور المدينة أو القلعة أو القصر. وقد ورد في أحكام الفرسطائي ما يشير إلى أن المنقاص كان من بين العناصر المعمارية التي كانت تنشأ لتدعيم تحصين بعض القصور سواء عند بنائها الأول أو في مرحلة لاحقة).(١ وكانت الأسوار من العناصر المعمارية الدفاعية الأساسية في بناء القصر، وكانت الأسوار على نوعين، النوع الأول ينفصل فيه بناء السور عما بداخل القصر من منشآت، ويكون هناك فيصلا بين المنشآت الداخلية للقصر والسور، والنوع الثاني يتصل فيه بناء السور بالمباني الداخلية للقصر، خارجيا لها).(٢ ويصبح كما لو كان حائ طا ووردت الإشارة إلى وجود أسوار تعلوها شرفات. والشرفات في الأصل من العناصر المعمارية الدفاعية المهمة من عمارة الأسوار؛ حيث إنه تكون بمثابة دراوي للمدافعين الذين يرمون العدو المهاجم، ويستترون خلفها وقاية من رمي العدو، وتكون المسافة بين الشرفة والتي تليها هي الموضع الذي يرمي منه المدافعون سهامهم، وتتخذ الهيئة التي تمكن من ذلك. وذكر الفرسطائي في أحد أحكامه المتعلقة بالشرفات أنه إذا اختلف أصحاب القصر »في شرفاته، فقال بعضهم نجعلها، وأبى بعضهم على ذلك، فإن كان للقصر قبل ذلك له شرفاته، فإنهم يتآخذون على بنيانها، وإن لم تكن قبل ذلك فلا يتآخذون عليها، إلا إن رأوا أن ذلك أصلح«).(٣ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٨ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٠، ١٦٤، ١٦٣ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٦ - ١٦٥ ٢١٩الفصل الرابع :عمارة القصر قصورا أنشئت لها شرفات، وهناك ويتضح من هذا الحكم أن هناك قصور أخرى لم تكن لها شرفات. ومن المهم أن نشير إلى أن الأسوار التي تعلوها شرفات تكون في أعلاها ممر أعلى السور خلف الشرفات يتحرك فيه المدافعون. وعلى الحافة الخارجية للسور من أعلى تبنى الشرفات للغرض الوظيفي الذي سبقت الإشارة إليه. وهذا يعني ضم نا أن بناء السور يكون بالسمك الذي يسمح بوجود هذا الممر وبناء الشرفات. أما القصور الذي لا يبنى لأسوارها شرفات فإنها في الغالب تكون بسمك لا يسمح بإنشاء الشرفات، وتكون في هذه الحالة من نوع الأسوار مانعا من سلبي الأداء؛ حي تتوقف وظيفة السور في هذه الحالة على كونه دخول الأعداء، وغير قادر على أداء وظيفة مهاجمة الأعداء من فوقه. وما ذكره الفرسطائي من إشارة إلى أن الأسوار التي ليس عليها شرفات ولم تكن لها قبل ذلك يتآخذ أصحاب القصر على بنائها إذا رأوا ذلك أصلح«). (١وهذا يعني ضم نا أن هناك من الأسوار ما كان ينشأ بالسمك الذي يسمح بإنشاء الشرفات، ولكن لم تبن لها شرفات. وهناك علاقة إنشائية وثيقة طردية بين سمك السور وارتفاعه، فكلما زاد ارتفاع بناء السور دعت الضرورة الإنشائية إلى زيادة سمكه. وهذا التفسير تبعا أن أسوار القصور التي لها شرفات كانت في الغالب الإنشائي يعني واضحا. ولكن هذا لا يمنع من أن تكون بعض الأسوارمرتفعة ارتفا عا أيضا؛ لتزيد من حصانة القصر؛ حيث إن هذا السمكنسبيا سميكة المنخفضة يزيد من صعوبة نقبه من جانب المهاجمين. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٦ - ١٦٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٢٠ :Qƒ°ùdG AÉæH OGƒe أشارت أحكام الفرسطائي المتعلقة بأسوار القصر إلى نوعية مواد البناء، ونوعيات مواد البناء لها علاقة وثيقة بقياسات السور سمك ا وارتفا عا. ومن المواد التي وردت الإشارة إليها في بناء أسوار القصر الحجر). (١والجبس والطين. وكذلك أعاد الإباضيون استخدام مواد بناء من آثار الأولين وجودها في أرضهم التي بنوا عليها قصورهم).(٢ ومن المهم الإشارة هنا إلى أن تحديد نوعية مواد البناء التي يبنى به القصر كان يتم الاتفاق عليه بين أصحاب القصر قبل بنائه لأول مرة، وإذا تهدم القصر ورأوا إعادة بنائه، فإنهم يلتزمون باستخدام نفس نوعية مواد البناء التي استخدمت في بنائه الأول، فإن كان بالجبس بالجبس، وإن كان بالطين بالطين، أو بغيره على هذا الحال، وإن لم يعرفوا ما بني به أول مرة فلينظر في ذلك أهل النظر منهم، ويؤخذون على ذلك، وليتآخذوا عليه، وأما إن أرادوا أن يحدثوا بنيانه فعلى قدر ما اتقوا عليه، من ذلك، وإن لم يتفقوا على شيء فليبنوه بما بنى عليه أهل ذلك البلد، أو ما رأى أهل الصلاح، ويرجع ذلك إلى رأي اله النظر كله في طول البنيان وقصره وسعة أساسه أو جنس ما يبنون به«).(٣ ويكشف هذا الحكم بوضوح تام عن الخطوات التي كانت تتبع لتحديد »عرضا وطولا«، أي سمك ا وارتفا عا، وإسناد الأمرمواد بناء القصر وقياساته في ذلك لأهل النظر باعتبار خطورة عملية الإنشاء التي تحتاج إلى أهل ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٨ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٨ ٢٢١الفصل الرابع :عمارة القصر الخبرة الذين يحددون المواد المناسبة للقياسات المطلوبة التي يتفق عليها أصحاب القصر).(١ :ô°ü≤dG Qƒ°S AÉæH äÉ°SÉ«b ارتفاع بناء أسوار القصر وكذلك ما بداخله من عناصر معمارية متصلة محكوما باتفاق أصحاب القصر على تحديده،كالبيوت والغرف كان ويذكر الفرسطائي في هذا الإطار أن أحدهم )أصحاب القصر( لا يصيب أن يطول أو يقصر دون ما اتفقوا عليه«). (٢وهذا الشرط يفسر ضرورة الاتفاق المبدئي على تحديد ارتفاع بناء القصر بأسواره وغرفه الخارجية ومنشآته الداخلية، كما أنه ضروري في النوعية الثانية من الأسوار التي يتصل بناؤها بالبيوت والغرف. إنشائيا بارتفاعه، ويذكر الفرسطائي أن أصحاب وسمك السور يرتبط القصر إن »اختلفوا في سعة أساس قصورهم فليجعلوا له ما يحمل الذي يتآخذون عليه من البنيان«). (٣ويكشف هذا الحكم إلى أي مدى كانت خبرة الفرسطائي المعمارية تلك الخبرة التي تربط بين سمك أساسات السور وما تحمله من بناء السور الذي يرتفع فوقها، وهو ما يسمى حديثا الحمل الميت. Dead Load والمعيار الأساس الذي يحدد ارتفاع السور هو أن يمنعهم السور »من عدوهم، ولا يصلون إليهم بالطعن على القصر«). (٤وهذه المعايير في ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٣ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٥ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٥ ) (٤الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٢، ١٦٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٢٢ إنشاء السور هي بعينها التي كانت تتبع في إعادة بناء ما تهدم من أسوار القصور).(١ وارتفاع بناء الأسوار مع زيادة متانتها ربما استوجب إنشاء دعامات ساندة سواء في أسوار القصور التي تنشأ لأول مرة، أو في إعادة بناء الأسوار التي تهدمت، وهذه الدعامات الساندة Butrecessهي التي أشار إليها الفرسطائي بمصطلح »رفادة«، حيث ذكر أن أصحاب القصر »إن أرادوا أن يبنوا ليه رفادة تقويه فليبنوها على قدر سهامهم في الحائط، قلت :فهذه المعاني إن أرادوا أن يحدثوها ولم تكن قبل ذلك، فهل يجوز أن يأخذ بعضا عليها؟ قال :لا، وأما ما كان قبل ذلك فإنهم يتآخذون علىبعضهم رده، ومنهم من يقول :يتآخذون فيهم على إحداث هذه المعاني، ولو لم تكن قبل ذلك إن رأوا ذلك أصلح لهم، ولم يستغنوا عنه«).(٢ ومقارنة بين حكم الفرسطائي الذي ينتهي إلى عدم إحداث إنشاء رفادة لسور بعد بنائه وبين غيره ممن أجاز ذلك إذا كان أصلح لهم، ربما تكشف عن إدراك الفرسطائي أثر إنشاء الرفادة لدعم سور لم ينشأ له رفادة ولم توضع سببا في التأثير على إنشائهفي الحسابات الإنشائية للقصر، فربما تكون إنشائيا محسوبا الأصلي. ولإدراكه بأن إنشاء السور الأصلي بدون رفادة كان وفق هذا التصور، وهو تصور لم يكن لغيره من الذين سمحوا بإنشائها، ولكنهم في إطار التحرز اشترطوا أن يكون إضافة الرفادة أصلح لهم، وهذا قائما في حالات، ولا يكون في حالات أخرى.الصلاح يمكن أن يكون وتضمنت الأحكام الفقهية الخاصة بأسوار القصر ما يتصل بالأسوار التي تتصل ببيوت القصر وغرفه؛ حيث إن السور في هذه الحالة يكون بمثابة ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٢ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٧ ٢٢٣الفصل الرابع :عمارة القصر الجدار الخارجي للبيوت والغرف، وهو ما يؤدي بأصحابها إلى الاستفادة بصورة أو بأخرى من السور كجدار خارجي للبيت أو الغرفة، وهو ما قد ضررا. وقد سأل يؤثر على سلامة السور إذا كان الاستغلال مما يسبب التلميذ شيخه الفرسطائي سؤالا يتصل بمثل هذه الحالة، فقال له» :فرجل أراد أن يحدث في السور ما يقابل بيته، ما يضعف به حائط السور قبل أن يضرب الأوتاد، أو يحدث فيه مخز نا أو كوة، سواء نفذت منه أو لم تنفذ، أو خشبا فيما يليه؟ فأجابه الفرسطائي أن »لا يفعل شي ئا من ذلك إلا إذايجعل جميعا«). (١ويحقق هذا الحكم صيانة للسور المتصلاتفقوا »أصحاب القصر« بالبيوت، والغرف تساعد على أداء وظيفته واستمرارها. :ô°ü≤dG ÜÉH وغالبا ما كان يؤدي إلى القصر بابيتضمن بناء السور باب القصر، واحد، ولكن وردت إشارات ضمن الأحكام التي عرضت لأبواب القصور إلى أن لبعض القصور بابين).(٢ وفصل الفرسطائي في أحكام أبواب القصور فذكر أنه إن »أراد أهل القصر أن يجعلوا باب القصر في موضع آخر وذلك باتفاقهم هل يجوز أم لا؟ إن كانوا خواص فلهم ذلك، وإن كانوا عامة فلا يجوز، ومنهم من يقول إن أرادوا ذلك أصلح للعامة فإنهم يحولونه، وكذلك إن أرادوا أن يرفعونه فوق موضعه الأول أو أن ينزلوه عن موضعه الأول، والجواب كالتي في قبلها، وكذلك إن أرادوا أن يوسعوه أو يضيقوه«).(٣ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٠ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١، ١٧٦، ١٧٤، ١٦٥ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٢٤ وهذه الأحكام تكشف معمار يا عن حالات تعديل تحدث لأبواب القصر منها أن يحول موضع الباب من مكانه الأصلي إلى مكان آخر، وهو ما يعني سد الباب الأصلي وفتح باب آخر في السور في موضع آخر، وقد أجاز الفرسطائي لأصحاب القصر الخاص أن يفعلوا ذلك لكنه رأى أنه لا يجوز أيضا إذا في قصر العامة، بينما رأى غيره إمكان تعديل الباب في قصر العامة كان ذلك أصلح لهم. كما يشير الحكم إلى إمكانية توسيع فتحة الباب أو تضييقها في إطار التعديلات التي يمكن إحداثها في الأبواب ونفس الشيء برفعها عن موضعها الأول أو إنزاله. وهذه حالات تحدث بسبب اختلاف منسوب الأرض أو لأسباب أخرى تتصل بتسهيل حركة المرور به، ومنها ما يتصل بالتحصين لفتحة الباب وذلك فيما يتصل بتضييق فتحة الباب. وتوثيق الأحكام لهذه الحالات يفيد في مجال الدراسات الآثارية في فحص ودراسات وفتحات أبواب القصور. كما تكشف أحكام الأبواب عن حالة أخرى مهمة تتعلق بالقصور، والتي يفتح بأسوارها بابان، فقد سأل أحد الطلاب شيخه الفرسطائي قائلا» :فالقصر إن لم يكن له إلا باب واحد، فأراد أصحابه أن يجعلوا له بابين فهل يجوز ذلك؟ قال :لا، إلا أن كان لخواص اتفقوا على ذلك، وكذلك إن كان له بابان، وأرادوا أن يردوه إلى باب واحد، وهذا إن كانوا عامة، أما الخواص فكل ما اتفقوا عليه يجعلونه، ومنهم من يقول إن العامة يفعلون ما اتفقوا عليه من ذلك مما هو أصلح«).(١ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٦ ٢٢٥الفصل الرابع :عمارة القصر ويتضح من أحكام الفرسطائي أن إضافة باب لقصر الخاص جائز، وإذا واحدا ويكتفوا بباب واحد فهو جائز كان لقصرهم بابان وأرادوا أن يسدوا أيضا، ولكن هذا الجواز في الحالتين في رأي الفرسطائي غير جائز في قصور العامة، ويرى غيره أن هذا الأمر جائز في قصور العامة والخاصة. ويمكن للآثاري أن يتعرف على الحكم الذي طبق سواء ما قال به الفرسطائي أو غيره في مثل هذه الحالة فيما يكشف من قصور تتحدد نوعيتها للخاصة أو للعامة. ووجود باب واحد في أسوار القصر لا شك أنه يؤكد تحصينه سيما وأن الباب يمثل هدفا يحاول الأعداء دخول القصر منه، ويمثل نقطة ضعف في السور باعتبار فتحته، ولذلك كانت القاعدة هو فتح باب واحد، والاستثناء فتح بابين للقصر. وقد أكدت الأحكام الفقهية في إطار هذا التوجه في تحصين القصر منع فتح أصحاب القصر الأبواب من خلال بيوتهم في السور، وهذا بالطبع في غالبا في السور المتصل بالبيوت والغرف، ويمنع أصحابالأمر يكون القصر من أراد أن يفعل ذلك).(١ وكان لفتحات الأبواب أبواب تغلق عليه، ويزيد إحكام غلقها بالقفول التي يصنع لها مفاتيح يستخدم في فتحها وقت زوال خطر الأعداء، ويشترك أصحاب القصر في تكلفتها). (٢وبغلق الأبواب بهذه مانعا قو يا يمنع الأعداء من دخول القصر الأدوات يصبح السور بأبوابه حال اعتدائهم عليه. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٢٦ :ô°ü≤∏d »∏NGódG... QÉa©adG o«a°üàdG تضمنت الأحكام الفقهية للفرسطائي وغيره ممن أشار إليهم بعض الملامح المعمارية المهمة التي يشتمل عليها القصر من الداخل. ومن هذه العناصر الساحة التي تتوسط القصر من الداخل، وتطل عليها البيوت في الدور الأرضي والغرف التي تعلوها، كما أشارت الأحكام إلى أن بعض القصور كان بها سقيفة تطل على ساحة القصر. وكان في بعض القصور فيصل يفصل ما بين السور والبيوت والغرف، وهذا الفيصل يعتبر من العناصر المعمارية الحربية التي تزيد من كفاءة السور، وتوفر نو عا من الوقاية أكبر للقصور التي يكون بها مثل هذا الفيصل مقارنة بالقصور التي لا يوجد بها فيصل، وتتصل بيوتها وغرفها مباشرة بالسور. وقد أشارت هذه الأحكام إلى عناصر معمارية أخرى كانت تنشأ لسبب أو لآخر في ساحة القصر كالسوق والبئر والقبر والبيت، ولكنها عناصر يحدث إضافتها، ولم تكن أساسية في بناء القصور).(١ والقراءة المعمارية للعناصر المعمارية الداخلية للقصر تمكن من تصور التصميم المعماري له. ويحسن أن نعرض لهذه العناصر بالتفصيل. أولا ـ ساحة القصر الداخلية: كانت الساحة تتوسط العناصر المعمارية للقصر من الداخل). (٢وحافظت الأحكام الفقهية على عدم استغلال أحد من أصحاب القصر للساحة ببناء أو غيره، فقد ذكر الفرسطائي أن مثل ذلك يمنع فذكر أن »من أراد منهم )أصحاب القصر( أن يزيد في بيته من الساحة التي في وسط القصر، أو أراد ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٤ - ١٦٥ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص ، ١٦٥ص. ١٦٧ ٢٢٧الفصل الرابع :عمارة القصر أن يبني فيها شي ئا فإنه يمنع، كما يمنع كل ما يحدث في تلك الساحة مما يضر بالقصر«).(١ والحرص الشديد على بقاء الساحة خالية من أي بناء يمكن تفسيره في إطار اعتبارين مهمين، أولهما أن هذه الساحة كانت بمثابة ساحة التوزيع الرئيسة في وسط القصر، والتي يتوصل منها إلى البيوت أو الدرج الذي يؤدي إلى الغرف التي تعلو البيوت، ومن ثم فهي تمثل أهم عناصر الاتصال والحركة في القصر. كما أن هذه الساحة التي تفتح عليها البيوت في الدور الأرضي يبدو أنها أيضا مصدر الهواء والضوء للبيوت والغرف التي تعلوها، سيما وأن فتحكانت متاحا في القصور التي تتصل نوافذ لهذه البيوت والغرف إلى الخارج لم يكن فيها البيوت بالسور، وهذا يعني ضم نا أن ساحة القصر الداخلية لعبت نفس الدور الذي لعبه الفناء الداخلي في المنشآت الإسلامية المدنية السكنية والتجارية وكذلك الدينية. ولما كانت المنقطة الصحراوية التي أنشئت فيها هذه صيفا، فإن هذه الساحة في وسط القصر كانت تقومالقصور شديدة الحرارة بدور المنظم الحراري للتخفيف من الحرارة الشديدة في فصل الصيف على وجه خاص. وهكذا يضاف القصر في العمارة الإباضية ذو الساحة الوسطية إلى المنشآت الإسلامية التي اتبعت التخطيط المفتوح إلى الداخل، وهو ما يؤكد على أن هذه الساحة كانت العنصر الأساس في التهوية والإضاءة إلى جانب كونها العنصر الرئيس في عناصر الاتصال والحركة في التصميم الداخلي للقصر. وأدت الساحة وظائف ثانوية أخرى لكنها مؤقتة حيث كان من الممكن أن يستغل لوضع مواد البناء فيها مدة بناء أحد أصحاب القصر لبيته أو غرفته).(٢ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٠ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٢٨ وفي بعض الحالات كان يمكن أن يكون بالساحة بئر لأحد من أصحاب القصر لظروف خاصة). (١وهذه البئر لا تؤثر على الوظيفة الأساسية للساحة. وتشير الأحكام إلى إمكانية استغلال الساحة كسوق، فقد ذكر الفرسطائي أنه إن »أراد أهل القصر أن يجعلوا في قصرهم سوقا، واتفقوا على ذلك كلهم، فلهم ذلك، وإن اختلفوا، فالقول قول من أبى منهم ذلك«).(٢ وفي إطار هذه الأهمية للساحة فإن الأحكام الفقهية أكدت على بقاء أرض الساحة بحالة جيدة، وإذا احتاجت إلى إصلاح لسبب ما فيتم هذا الإصلاح. وتفصل الأحكام الفقهية ذلك، فقد ذكرت الأحكام إشارة لمنع كل بئرا، أو يتخذضررا بساحة القصر»، مثل من أراد أن يحفر فيها ما يحدث موضعا يجمع فيه الكناسة أوفيها معد نا للحجر أو الطين أو مرب طا لدابته، أو مرحاضا«).(٣ المزبلة، أو يجعل فيها وحفزت الأحكام الفقهية على إصلاح أرضية الساحة »إذا انخفضت على حالها الأول، فليتواخذوا على دفنها وإصلاحها حتى ترجع كما كانت).(٤ وفي بعض الحالات الخاصة المرتبطة بظروف ملكية أرض القصر بئرا أو ينشأ فيها بيت أووظروف نشأته، يمكن أن يكون بساحة القصر قصر). (٥ولكن وجود هذه العناصر استثنائي كما أن وجودها في حالة الكشف عن أمثلة لها في المواقع الأثرية يمكن تفسيره في إطار ذلك. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٥ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٣ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٧ ) (٤الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٦ ) (٥الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٢ ٢٢٩الفصل الرابع :عمارة القصر وقد بلور الفرسطائي تصوره المعماري لساحة القصر في ضوء هذه الوظائف التي كانت تؤديها الساحة في تصميم القصر، فاعتبرها من »منافعه« التي يستوي في الاستفادة منها جميع أصحاب القصر). (١وهي كذلك باعتبار أنها في إطار التفسير المعماري عنصر اتصال وحركة، وعنصر تهوية وإضاءة، كما أن استغلالها الإضافي كسوق ينتفع به جميع أصحاب القصر. :π°ü«ØdG عنصر معماري يخدم الغرض التحصيني للقصور، وهو عبارة عن مساحة خالية من البناء تفصل بين سور القصر وبيوته وغرفه. ومن المنطقي أن يتوصل إليه من باب أو بابي القصر؛ حيث إن الداخل من هذا الباب إذا يسارا يصل إلى الفيصل الذي يدور بدوران سور القصر أو انعطف يمي نا أو حائطه من الداخل، حتى يتحقق الفصل التام بين سور القصر وبيوته وغرفه، فراغيا حيزا أو يكون في جانب واحد أو أكثر. ويكون الفيصل بهذه الصورة بين السور من الخارج والبيوت والغرف من الداخل، وهو بهذه الهيئة يحقق مهما؛ حيث يكون لمن أعلى السور والغرف من أصحابدفاعيا غرضا القصر كما لو كان خندقا يمكن إصابة الأعداء حال نجاحهم في الدخول إلى القصر سواء من بابه أو عن طريق نقبات في السور، وهكذا يوفر الفيصل فرصة أكيدة في ضرب أعدائهم الذين ينجحون في الوصول إلى فيصل القصر. هذا بالإضافة إلى أن يكون بمثابة موضع عرقلة أخرى أمام المهاجمين للوصول إلى البيوت والغرف فوقها. وقد ورد في أحد أحكام الفرسطائي إشارة مهمة إلى أن ضرب العدو من فوق السور أو من فوق غرف القصر كان بالحجارة وغيرها فقد أجاب ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٣٠ على سؤال لأحد تلاميذه عندما سأله »فإن كان المسجد في حريم القصر، وقد تخوفوا لما يدخل عليهم من المضرة من قبل المسجد من عدوهم فهل يهدمونه؟ قال :لا، وأما ما أفسدوه في وقت قتالهم برمي الحجارة وأشباه ذلك فليس عليهم شيء، فإن حضر أهل القصر فإنهم يطلعون على الغرف التي كانت فيه، فيقاتلوا عدوهم سواء في ذلك أصحاب الغرف أو غيرهم، وإن لم يكن فيه غرف فإنهم يجعلون فيه سقف يطلعون عليها، وما أفسدوا عليها، وما أفسدوا في ذلك الوقت فنالهم عليهم من شيء، ولا يأخذون من حجارة ذلك القصر، ولا تلك الغرف شي ئا ليقاتلوا به، ومنهم من يرخص، وأما إن كان موضو عا في تلك الأماكن التي يقعدون فيها من الحجارة للمقاتلة فليس عليهم من شيء«). (١ونص هذا الحكم يشير إلى أن إلقاء الحجارة على العدو كان من خلال السور أو من سطح الغرف، أو من سطح البيوت إذا لم يكن بالقصر غرف، كما يشير إلى أن هناك مواضع محددة في السور أو الغرف توضع بها الحجارة المستخدمة في ضرب العدو. مهما يتعلق بالفيصل، فذكر أن أصحاب القصرحكما وذكر الفرسطائي إذا أرادوا »تحويله أو أرادوا أن يدفنوا الخندق أو يجعلوه في غير موضعه الأول، فلا يجدوا ذلك، وكذلك الزيادة في المعاني التي ذكرنا لا يأخذ بعضا عليها إلا إذا رأوا أن ذلك أصلح«).(٢ بعضهم ويشير هذا الحكم إلى أن التوجه العام كان عدم تحويل الفيصل عن موضعه، إلا إاذ كان ذلك أصلح لأصحاب القصر. وهذا يعني ضم نا إمكان تحويل الفيصل إذا رأى أصحاب القصر ذلك أنفع لهم. وتقدير النفع هنا ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٨ ٢٣١الفصل الرابع :عمارة القصر مرتبط بظروف عمارة هذا القصر أو غيره، والتحويل في سياق الحكم غير مؤثرا على محدد، ولكن سياق الحكم يفيد تغيير ما بالفيصل ربما يكون وظيفته الأصلية الدفاعية، أو استغلال مساحته في عمارة ما. :ô°ü©dG áØ«≤°S تشير أحكام الفرسطائي إلى أن بعض القصور كان يطل على ساحتها سقيفة، فقد أجاب سؤال تلميذه فقال» :من أراد أن يبني على سقيفة القصر غرفة؟ فأجاب» :يمنعون من ذلك، إلا إن كانت له السقيفة من أول حدوث القصر، فإنه يدخل منها ما يشاء مما لا يضر به القصر«). (١وهذه الإشارة إلى تفسيرا لهيئتها المعمارية ولوظيفتها. ويتضمن أحد أحكام السقيفة تتطلب السقيفة بعض الإشارات إلى ذلك، فقد ذكر الفرسطائي أن أصحاب القصر »لا يحدثون في تلك السقيفة حوانيت ولا غيرها مما يضر بمن يمر من موضعا للجماعة، أو يربط بها بالليل الناس، ويمنعون من أراد أن يتخذ فيها والنهار، وكذلك الصناع كلهم من الجزارين والخرازين وغيرهم يمنعون من القعود في تلك السقيفة ونصب صنائعهم فيها«).(٢ وهكذا يتضح أن السقيفة تبنى متقدمة البيوت التي تطل على الساحة محمولة على أعمدة أو دعامات يستخدمها أهل القصر في المرور للساحة. وهذه الوظيفة المحددة التي منع الحكم الفقهي من تعطيلها يجرنا إلى السؤال عن السبب في بنائها طالما أن الساحة المكشوفة في الوسط تفي بحاجة المرور مباشرة. والإجابة عن هذا السؤال يمكن أن تكون في إطار ممرا به وقاية من الشمس أو المطرالتفسير الذي يقول بأن السقيفة توفر ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٢ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٣٢ أيضا استغلال سطحهالا تتوفر في الساحة المكشوفة، كما أن السقيفة يمكن كممر يؤدي إلى الغرف التي تعلو البيوت في الدور الأرضي. وهذا التخطيط المعماري للسقائف التي تتقدم الوحدات المعمارية في الدور الأرضي سواء كانت بيو تا أو حجرات أو حواصل أو حوانيت عرفت في المنشآت التجارية نموذجا آخر والسكنية لذات الغرض). (١ويعتبر وجودها في القصور الإباضية مهما يضاف إلى ما عرف من نماذج. :±ô ̈dGh 䃫ÑdG البيوت) (٢في الدور الأرضي للقصر، والغرف) (٣التي تعلوها تمثل عناصر المنفعة الأساسية بالقصر، وهي التي يقيم بها أصحاب القصر بأسرهم. وتختلف مساحات البيوت والغرف، فقد وردت الإشارة إلى أنها ليست بمساحات واحدة، فمنها كبير المساحة ومنها صغير) (٤المساحة، وتحكم مساحة البيوت في الغالب مساحة الغرف التي تعلوها؛ حيث تعلو جدران الغرف في الغالب جدران البيوت في الدور الأرضي إن لم يكن هناك تقسيم داخلي لمساحة الغرف التي تعلو الحجرات. ) (١عرف هذا التصميم منذ وقت مبكر في العمارة الإسلامية السقيفة في العصر العباسي أيضا كقصر الأخيضر بالعراق )الوحدات السكنية(، وفي دور الفسطاط في مصر، وعرف في المنشآت التجارية الملوكية كوكالة الغوري، وبعض الوكالات في العصر العثماني، كما وجدت في القصور بالعمارة التقليدية في نجد. ) (٢البيت هو كل حيز فراغي يحيط به أربعة جدران، ويعلوه سقف. للاستزادة، راجع :عثمان: الإعلان، ص ، ١٤٦ - ١٤٤المجلد الثاني من هذه الدراسة، مصطلح »بيت«. ) (٣الغرفة :هي الحيز الفراغي الذي يستخدم في الإقامة في الطوابق التي تعلو الدور الأرضي. للاستزادة، راجع :عثمان :الإعلان، ص ، ٢٠٧ - ٢٠٦ومصطلح »الغرفة« في المجلد الثاني من هذه الدراسة. ) (٤الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٤، ١٦٣ ٢٣٣الفصل الرابع :عمارة القصر وبناء البيوت والغرف يكون في القصور التي بها فيصل بين السور والبيوت والغرف، وفي القصور التي لا يوجد بها فيصل يتصل ببناء البيوت والغرف فوقها بالسور. وقد سبقت الإشارة إلى أن البيوت والغرف في القصور التي بها فيصل تكون أكثر وقاية من التي تتصل ببناء السور. ولكل بيت من البيوت التي تطل على ساحة القصر باب يؤدي إليه، وقد أشار الحكم الفقهي إلى أن أصحاب القصر »لا يحدثوا أبواب بيوتهم في غير مواضعها الأولى في الساحة، وكذلك الغرف على هذا الحال«). (١ويبدو أن الحكمة من وراء هذا المنع تأتي في إطار أمور تتصل بمتانة الإنشاء؛ حيث إن إحداث أبواب للبيوت يؤثر على إنشاء الجدران الذي يفتح فيه هذا الباب المحدث، وعلى ما يعلوه من بناء، كما يمكن أن تكون هناك أمور أخرى تتعلق بحقوق الملكية التي يتبعها أيضا حقوق المرور. أما الغرف فكان يتوصل إليها من درج يصعد إلى الدور الثاني ومنه إلى الأدوار التي تعلو ذلك إن وجدت. ويوضح ذلك ما ذكر الحكم فيها قصرا وبنوا فيه البيوت والغرف، ولم يجعلوا لتلك الفرسطائي أنه »إن أحدثوا درجا يرقى بها إليها، فإنهم يجعلوه الدرج بعد ذلك، كماالغرف والبيوت أمكنهم كلهم ولا يصيب أحد منهم من ذلك، ويجعلون لذلك الدرج بكيف لا يضر بصاحب البيت، ولا يمنع صاحب الغرفة من الطلوع إلى غرفته، وكذلك الغرفة الثانية والثالثة على هذا الحال«).(٢ وهذا الحكم بقدر ما يؤكد على أهمية إنشاء الدرج، فإنه يعرض لحالة تنشأ فيها بيوت وغرف القصر، ثم ينشأ لها درج في مرحلة لاحقة، ويضمن ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٣٤ حق إنشائها للصعود إلى الغرف في الدور الثاني والثالث والرابع إن وجدت، والتي تشتمل على الغرف. وفي هذا إشارة واضحة مهمة إلى إمكانية ارتفاع بيوت وغرف القصر إلى أربع مستويات، الدور الأول منها خاص بالبيوت، والأدوار العليا تشتمل على الغرف. ويمكن أن يطرح سؤال عن كيفية الصعود إلى الغرف واستخدامها مع عدم وجود درج؟ والإجابة عن هذا السؤال تكون باستخدام السلالم المتنقلة أو الخشبية أو الحبال أو غيرها كما سبقت الإشارة. ويشير هذا الحكم إلى أن التحسين المعماري للقصر بإضافة عناصر معمارية أفضل كالدرج الذي يحل محل وسائل الصعود الأخرى أمر قائم. وقد سبقت الإشارة إلى أن بناء السقيفة يوفر استطراقا يتقدم الغرف، ويتوصل إليه من الدرج، وبتوفر الدرج والمجاز أمام الغرف يصبح عملية التوصل إلى الغرف في الطوابق العليا سهلة وميسورة. ومن الأحكام المهمة التي ذكرها الفرسطائي أنه »إن كان له )أحد أصحاب القصر( مجاز في القصر، فأراد أن يجعل الخشب فوق ذلك المجاز، فيجعله غرفة، فلا يجد ذلك سواء أكانت له تلك الحيطان كلها أو لغيره، ولم يكن لها فيها شيء«). (١وهذا الحكم يعني وجود مجاز بين البيوت يمكن أن يسقف ليستغل كغرفة رفض الحكم إنشاءهما. ووجود مجاز بهذه الهيئة يعني معمار يا أن البيوت يمكن أن يكون هناك منها ما لا يطل على الساحة ويتوصل إليها من هذا المجاز، وهو ما يعني إمكان وجود بيوت ببعض القصور خلف البيوت التي تطل على الساحة. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٤ ٢٣٥الفصل الرابع :عمارة القصر :ô°ü≤∏d ájQÉa©adG äÉaÉ°VE’G يمكن أن يضاف للقصر بعد بنائه بعض العناصر المعمارية التي لم تكن فيه وقت إنشائه. وقد أجاز الحكم الفقهي ذلك، فقد ورد حكم الفرسطائي بأنه إذا »أرادوا )أصحاب القصر( أن يحدثوا فيه ما لم يكن منه قبل ذلك مما فيه إصلاح العامة، فإنه يكون عمله على العامة على قدر اتفاقهم«). (١وهذا الحكم يتصل بقصور العامة، وشرط الحكم الاتفاق على إحداث عناصر معمارية جديدة، كما شرط أن يكون فيها صلاح العامة. أما الإضافات المعمارية الفردية التي يمكن أن ينشئها بعض أصحاب القصر في بيوتهم أو غرفهم، فقد نظمت الأحكام إنشاءها. ومن مثل هذه الإضافات التنور أو الفرن. فقد ذكر الفرسطائي أنه إذا »اتخذ فيه )البيت( تنورا أو فر نا مما لم يكن قبل ذلك، فإنهم يمنعوه، وإن سكن في ذلك أحدا فلا الموضع، ولم يكن له غنى عن التنور أو الفرن، ولم يضر به بأس بأن يحدثه«).(٢ وهذا الحكم يشير إلى الرفض لإنشاء التنور والفرن كإضافة، لكنه يسمح في حالة »إن سكن في ذلك الموضع ولم يكن له غنى عن التنور أو الفرن ضررا لأحد. ويلاحظ أن السماح بالإنشاءيسمح له بالإنشاء دون أن يسبب بنى على حالة السكنى المستمرة في البيت«. ويومئ هذا إلى أن الإقامة بالقصر كانت في أيام الخوف من العدو للتحصن به، وأن السكنى الدائمة كانت في حالات خاصة. حكما آخر يشير إلى عنصر معماري آخر كأن تنشأ أمام ويذكر الفرسطائي ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٥ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٣٦ بيوت القصر وهو »الدكانة«). (١فقد ذكر أنه إذا »أراد أحد من أهل القصر أن يتخذ فيه دكا نا قدام بيته، ولم يكن قبل ذلك، فإنهم يمنعونه، وإن أخذه فليأخذوه بنزع ذلك«). (٢وهذا الحكم له دلالتان معماريتان، أولاهما أن بعض القصور كان بعض أصحابها ينشؤون أثناء إنشاء البيوت دكاكين أمام البيوت. أما الدلالة الثانية فهي منع إحداث إنشاء هذه الدكاكين، وإذا أنشئت تنزع. وحكم الفرسطائي قاطع في عملية النزع أو الإزالة. وهذا القطع يبدو أن مرجعه أن أحداث إنشاء هذه جزءا من الساحة أو السقيفة التي يمر منها أصحابالدكاكين أمام البيوت يشغل القصر، ولم تعمل حسابات شكل هذه الساحة والدكة عند تصميم القصر. وفي ذلك ما يشير إلى أن القصور التي أنشئت أمام بيوتها دكاكين وقت إنشائها كانت سقائفها وساحاتها متسعة اتسا عا يتوافق وإنشاء هذه الدكاكين. مهما يتعلق بحالة تعمير وإنشاء القصر، وأنحكما ويذكر الفرسطائي عمارة القصر يمكن أن تكون في فترة واحدة، ويمكن أن يؤجل أحد من أصحاب القصر بناء بقعته فيه. ونص هذا الحكم »أن من كانت له بقعة ولم يبن فيها شي ئا فهو على ذلك الحال«). (٣ويعني بالحال هنا مشاركته في بناء السور وما به من عناصر معمارية. وهذا النص يتضمن إشارة مهمة تعني أن بناء سور القصر كان يتم أولا ثم يتم إنشاء البيوت والغرف في وقت واحد أو في مراحل متتابعة حسب تماما القصور التي بها فيصل، ولا يمنعظروف كل منهم. وهذا الأمر يناسب أن تكون القصور التي تتصل فيها البيوت والغرف بالسور كذلك لكن هذا ) (١الدكانة :هي ما يعرف بالمسطبة التي تنشأ بجانب واجهات الدور المطلة على الطرق، ويجلس عليها أصحابها. للاستزادة، راجع :عثمان :الإعلان، مصطلح »دكانة«، ص، ١٦٧ ومصطلح »دكانة« في المجلد الثاني من هذه الدراسة. ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٤ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٥ ٢٣٧الفصل الرابع :عمارة القصر الاتصال لا يكون بوجود »قمط« أو »طرف رباط« يصل بناء الجدران العمودية للبيوت على السور مع بناء السور، ولكن تكون هذه الجدران ملاصقة »ملتزقة« بالسور، لكن متانة الإنشاء في هذه الحالة تقل عما لو كان بناء السور مرتب طا ارتبا طا عضو يا »بالقمط« أو طرف الرباط. ومن الأمور المهمة المرتبطة ببناء البيوت والغرف ما ورد من حكم يتصل ببناء سقف البيوت المتجاورة، فقد يكون لكل بيت جدرانه الخاصة به، وقد يشترك أصحاب البيوت المتجاورة في الجدران بينها، وقد يسمح للجار بأن يضع خشب سقف بيته أو غرفته على جدار جاره. والحالتان الثانية والثالثة تتوافق وضرورة توفير المساحة للاستفادة منها في توسيع الأحياز الفراغية للبيوت والغرف. لكن الحالة الثالثة أشار الفرسطائي إلى خشبا فلا يجوز له ذلك،أحكام تنفيذها فقال» :أما أن يجعل في حائط جاره إلا إن أذن له، ومنهم من يقول يمنعه«). (١وكلا الحكمين يتفق وتوجيه النبي ژ المسلمين إلى السماح للجار بوضع خشب سقف دار على جداره، وحثه ژ على ذلك؛ حيث قال ژ » :لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره«) (٢رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة).(٣ وتشير بعض الأحكام إلى مواد البناء التي استخدمت في بناء البيوت والغرف؛ حيث يذكر الفرسطائي أنه »إذا انهدم )القصر( حتى اختلط حجره وطوبه وطينه، وقد عرفوا موضع كل واحد منهم )أصحاب القصر( من الحجر والطوب به والقصر والبيوت فليتآخذوا على بنيانه«).(٤ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٤ ) (٢ابن الرامي )محمد بن إبراهيم اللخمي( :الإعلان بأحكام البنيان دراسة وتحقيق: الرحمن الأطرم، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود١٤٠٣، هـ ، ص. ٣١ٰعبد ) (٣ابن الرامي :المصدر السابق، هامش )، (١ص. ٣١ ) (٤الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٣٨ وهناك من الأحكام ما يتصل بالمحافظة على إنشاء حوائط البيوت والغرف المشتركة بين الجيران من أصحاب البيوت، فقد حكم الفرسطائي بمنع دق الأوتاد أو عمل كوي أو غير ذلك مما يؤثر على سلامة إنشاء الحوائط. وهذا الحكم يساعد على بقاء الحوائط على متانتها التي يؤثر فيها عمل هذه الأشياء حال المخالفة بعملها. أشار الفرسطائي إلى إنشاء وحدات معمارية أخرى قد تنشأ بالقصر، ومن هذه الوحدات المعمارية الأخصاص). (١فقد ذكر أن أصحاب القصر إن اختلفوا في بنيان خصوصهم في القصر فإنهم إنك كانوا لا يبنون فيه خصوصهم قبل ذلك فالقول قول من أبى منهم ذلك، وإن كانوا يسكنون فيه بخصوصهم قبل ذلك فلا يجدون منع من أراد أن يبنى فيه رخصة، وكذلك المواشي في إدخالها للقصر على هذا الحال، وإن ألجأهم الخوف إلى ما ذكرنا أولا من السوق أو بنيان الخصوص أو إدخال المواشي فليفعلوه إن لم يستغنوا عنه«). (٢وهذا الحكم يشير إلى إمكان إنشاء الخصوص والسوق وإدخال المواشي إلى القصر وقت حدوث الخطر. ومن الوحدات المعمارية الأخرى التي أجازت الأحكام الفقهية إنشاءها بالقصر المضمر. حيث ذكر الحكم أنهم »لا يجعلون في القصر مضمر إلا باتفاقهم، أو كان قبل ذلك«). (٣كذلك أجاز الحكم حفر البئر في القصر »إن احتاجوا إليهم، ولم يكن لهم غنى عن ذلك«).(٤ ويلاحظ أن هذه الوحدات المعمارية نالت الجواز بإنشائها في حالة بناء ) (١الأخصاص :وحدات معمارية يبنى بمواد خفيفة كالقصب. ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٣ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٣ ) (٤الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٣ ٢٣٩الفصل الرابع :عمارة القصر القصر لأول مرة، وهو ما يعني اتفاق أصحاب القصر على إنشائها. ويمكن أن تحدث بعد إنشاء القصر وإحداثها مشروط بأن يكون في إطار الضرورة التي تلجئ إلى ذلك. :ô°ü≤dG AÉæH ≈∏Y á¶aÉëadG اهتمت الأحكام الفقهية بصيانة القصور والمحافظة عليها، ومن الأحكام التي تحافظ على بنيان القصور ما يتصل بحالات تهديد قصر أوشك على السقوط لعمارة قصر آخر مجاور له. وهذه الحالة ذكرها الفرسطائي قائلا: »والقصران إن كانا في موضع واحد، ومال أحدهما على الآخر فإنه يأخذ بعضا بنزع تلك المضرة سواء كان للعامة أو كان واحد للعامة والآخربعضهم للخاصة«). (١وهذا الحكم له دلالتان معماريتان أولهما أن إزالة المضرة التي يسببها القصر ذو الحوائط المائلة تكون بمعالجة إنشاء هذه الحوائط أو بهدم القصر وإعادة بنائه، والدلالة الثانية تبرز أهمية حريم القصر، والتي أكد الفرسطائي على أن تكون أربعين ذرا عا، فإذا ما طبق هذا الحكم وفق هذا التأكيد فإن خطر سقوط بناء قصر لميلان جدرانه وتهديد القصر المجاور يزول؛ لأن مساحة الحريم بينهما تكون ثمانين ذرا عا، وهي مساحة كبيرة لا يحدث معه التهديد؛ لأن ارتفاع بناء أي من القصور لن يصل إلى قياس هذا الحريم. وهذا يعني أن حالة التهديد التي أشار إليها الحكم تكون في القصور المتجاورة التي يقل فيها الحريم، ويصل إلى خمسة أذرع، وهذا يعني بالتالي أن الحكم الذي ذكره الفرسطائي يتعلق بالقصور المتجاورة التي لا تلتزم بأربعين ذرا عا كحريم لكل منها، والتي يضيق منها الحريم ليكون خمسة أذرع فقط. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٤٠ وكانت الأشجار التي تكون مجاورة للقصر من بين الأسباب التي تعرضه أصحاب القصر وعمارته للخطر، وقد تساءل تلميذ الفرسطائي عن »الأشجار إذا كانت حول القصر وخاف أصحاب القصر ممن يقطع هذه الأشجار، فتقع على قصرهم، أو خافوا من يطلعها فيرميهم من فوقها، أو يدخل إليهم قصرهم منها سواء كانت الأشجار قبل أن يكون القصر أو بعد معا، أو لم يعلموا أيهما أسبق من الآخر؟ قال :هذا كله سواءوجوده، أو كانا لا يؤخذ بنزعه إذا ثبت إلا إن كان فيه ميلان على القصر، أو خافوا من وقوعه عليهم«).(١ ومن الأخطار التي كانت تهدد بناء القصور وجود عين ماء قديمة كانت في موضع القصر قبل إنشائه، وأصبحت تهدم مبانيه، ويذكر الفرسطائي حكما يعالج هذه الحالة، فيقول» :إن كان في ذلك القصر عين أولية، وجعلت تتساقط، وخافوا مما تفسد الدور والبنيان فإنهم يأخذون صاحب تلك العين أن يصلحها بما يؤمن من فساد من كان يقربها من الدور وغيرها، وإن أرادوا أن يحوطها ويجعل لها بي تا يمنعها من إسقاء الناس؛ لأنهم وحيطانهم فإنه إن يعرف أنهم يستسقون منها فلهم منعهم، وهذا إن ثبت عليهم، وأما إن لم تثبت عليهم فليتآخذوا بدفنها«). (٢وهذا الحكم يؤدي إلى صيانة مباني القصر، ويوضح سبل التعامل مع العين في إطار ما يثبت من حقوق ملكيتها واستخدامها كمصدر للماء. وصيانة عمارة القصور كانت من الأمور المهمة التي عرض لها الفرسطائي بإدراكه وحسه المعماري الذي يؤكد أهمية صيانة المبنى حتى يستطيع الاستمرار في أداء وظائفه، وحتى لا يتعرض للهدم والخراب. ومن ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٨، ١٨٧ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٦ ٢٤١الفصل الرابع :عمارة القصر الأحكام التي ذكرها الفرسطائي بهذا الخصوص أنه »إن كان في القصر انشقاق أو امتراش أو ميل فإنهم إن استووا إلى ذلك كله فليتآخذوا عليه، وإن كان لبعضهم دون بعض فليؤخذ من كان له ذلك بإصلاحه، وإن اختلفوا في نزع ذلك كله ثم يردوه أو يصلحوه، فإنه إن كان يمكن إصلاحه من غير نزعه، فالقول قول من قال إنه ينزع، وإن كان لا يمكن إصلاحه إلا بهدمه، فالقول قول من قال بهدمه، وإن لم يصلوا إلى هدمه إلا بفساد الأنفس من الحيوان، أو بني آدم، فلا يتآخذوا على هدمه على هذا الحال«).(١ وهذا الحكم يضع منهجية مهمة لترميم القصر إذا تشققت جدرانه أو مالت أو نزع منها شيء لسبب أو لآخر، وهذه المنهجية تحدد المسؤولية عن الصيانة والترميم وفق ملكية الأصل، وبعد هذا التحديد تعرض لحالة القصر المعمارية في إطار معاينة لما حدث من تشقق أو ميلان أو غيره، فإذا كان كليا هدما يصلح مع هذا ترميم فيكون الترميم. وأما إذا كان الوضع يتطلب فليكن الهدم. ومن المهم هنا ما أشار إليه الفرسطائي بخصوص الهدم؛ حيث إنه يقر بضرورة منع الهدم حال تسببه في فساد يضر بالإنسان والحيوان. وهذه الإشارة تعني أن عملية هدم بعض القصور قد تتسبب في ذلك، ومن ثم أشار الحكم إلى منع التدخل بالهدم إذا كان بسبب هذا الفساد. وخطورة حدوث فساد أثناء الهدم لمن يقومون بالهدم أو حيواناتهم أمر قائم في بعض الحالات أدركه الفرسطائي بخبرته المعمارية الكبيرة. وأشار الفرسطائي في إطار أحكامه المتعلقة بصيانة القصر المحافظة على هيئته المعمارية بعناصره المختلفة ما ذكره بشأن أرضية القصر، فقد ذكر أن أصحاب القصر إذا »بنوه حتى انتهى إلى الموضع الذي اتفقوا عليه، أو موضع جعله لهم أهل العلم، ثم نزل في الأرض حتى قصر عن حاله الأول، ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٧ - ١٦٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٤٢ فإنهم يتآخذون على رده سواء نزل مرة أو اثنتين أو ثلاثا فليتآخذوا على رده إلى حالته الأولى، كذلك ساحته إذا انخفضت عن حالها الأول فليتواخذوا على دفنها وإصلاحها حتى ترجع كما كانت«). (١والنزول هنا يمكن أن يفهم على أنه الصورة التي تحدث في المنشآت القديمة التي تبقى بمستوى أرضيتها، بينما ترتفع الطرق المحيطة حولها بمرور الزمن، فيختلف مستوى أرضية المبنى عن مستوى أرضية الشارع اختلافا يستوجب المعالجة، وتكون المعالجة إما بقطع الطرق)، (٢أو بمعالجة المبنى نفسه برفع أو صيانة. وهي الحالة التي ربما يقصدها الفرسطائي، وهذا الرفع له حلوله المعمارية التي منها رفع الأبواب، وردم الأرضية، وكانت في حسبان المصمم الذي يبني نسبيا إذا ما قورنت بارتفاع بناء الطوابق العليا.سقوف الدور الأرضي مرتفعة :É¡FÉæH IOÉYEGh Qƒ°ü≤dG Ωóg تنهدم بعض القصور لأسباب مختلفة، ويسعى بعض أصحابها لإعادة بنائها، وتابعت الأحكام الفقهية الإباضية تنظيم عملية إعادة عمارتها. وهذه العملية تنوعت حالاتها تنو عا ارتبط في الغالب بعدة أمور، منها ما يتصل بالملكية، ومنها ما يتصل بحالة التهدم التي يصل تأثير بعضها إلى عدم تحديدا دقيقا، ومنهاالتمكن من فرز أنقاض بيوتها، أو حتى تحديد أرضها ما ارتبط بتحديد أولوية إعادة بنائها إذا كانت متعددة ومملوكة لقبيلة بعينها، وغير ذلك من الحالات التي اهتم الفرسطائي بذكر الأحكام المنظمة لإعادة البناء بالصورة التي تحقق النفع، وتمنع من حدوث أية مضرة أو جور. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٦٦ ) (٢النملة )علي بن إبراهيم( :كتاب الفوائد الباهرة في بيان حكم شوارع القاهرة في مذاهب الأئمة الأربعة الزاهرة، لأبي حامد المقدسي، مجلة العصور، لندن، دار المريخ، المجلد الثالث، الجزء الثاني١٩٨٨، م، ص. ٣١٧ ٢٤٣الفصل الرابع :عمارة القصر وتتبع أحكام هذه الحالات المعمارية لإعادة بناء القصور المتهدمة يكشف عن كثير من المعلومات المعمارية المهمة لدراسة هذه القصور من الناحية الأثرية حال كشفها، كما أن هذه المعلومات تعكس في ذات الوقت متقدما في مجال العمران والعمارة. مستوى حضار يا يذكر الفرسطائي حالة من »تركوا قصرهم، ولا عمران فيه، ثم أردوا بعد ذلك أن يرجعوا إليه، فإنهم يتآخذون على عمرانه، وإصلاح ما انهدم منه سواء خرجوا منه باتفاقهم قبل ذلك، أو لم يتفقوا عامة كانوا أو خواص«).(١ وهذه الحالة تشير إلى أن هذه النوعية من القصور أصابها الإهمال والتهدم بسبب ترك القصر دون مراعاة عمارته، كما أنها تكشف عن أن ترك القصور إما أن يكون بالاتفاق بين أصحابه أو بدون اتفاق، ويشير الحكم على كل حال بضرورة أن يقوم أصحابه بعمارته حال رغبتهم في ذلك، وهو حكم يساعد بلا شك على إعادة عمارة مثل هذه النوعية من القصور التي تركها أصحابها. ويرتبط بهذه الحالة حالة أخرى يكون فيها للقوم »قصران فتركوا عمارتهما حتى خربا، ثم أرادوا أن يعمروهما، وسئل الفرسطائي عن هذه الحالة »إن اتفقوا على عمارتهما فلهم ذلك، إن قدروا عليه، وإن اتفقوا على أيضا، أما إن اختلفوا فقال بعضهم: عمارة واحد منهما دون الآخر، فلهم ذلك إنما نعمر هذا، وقال الآخرون :إنما نعمر غيره، قال :إنما ينظر في ذلك أيهما نفعا، فليعمروه وإن كانوا في هذا المعنى سواء، فليعمروا أصلح لهم، وأكثر ما رأى لهم أهل الصلاح«).(٢ وهذا الحكم يشير إلى بناء أكثر من قصر لقوم بعينهم، وهذا التعدد يبدو أن له أسبابه، وسواء كانت الأسباب متعلقة بتوفير أكثر من ملجأ يتسع ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٤٤ لأعدادهم، ويمكن أن يكون بناء القصر الثاني لمميزات يتمتع بها لا تتوافر في القصر الأول تتصل بعماراتهم في المنزل الذي يكونون فيه أو ما لعله يكون غير ذلك من الأسباب. ويشير الحكم إلى أن إعادة بناء القصرين يرتبط بالقدرة المادية لأصحابها، معا، وقد لا تتوفر القدرة إلا لبناء قصرفإنه قد تتوفر لهم القدرة على بنائهما سببا في إنشاء واحد. ويكشف هذا عن ارتفاع تكلفة بناء القصر، قد يكون أحدهما دون الآخر. وقد أجاز لهم الحكم ذلك إذا اتفقوا على بناء أحدهما، ولكن عاد ليذكر ما يحدث من حالات يختلف فيه أصحاب القصرين على الاتفاق على إعادة إعمار أحدهما دون الآخر. ووضع الفرسطائي في حكمه حل هذه المشكلة في إطار منهجية معينة تفضل إعادة بناء أيهما أصلح لهم نفعا، وإذا كان القصران متساويين في ذلك، فيلجئون إلى رأي أهلوأكثر الصلاح في تحديد ما يقومون بإصلاحه، ومراجعة هذا الحكم تؤكد مرة أخرى على منهجية أساسية في التعامل مع مثل هذه المشكلات التي تنشأ بين أصحاب القصر؛ حيث يكون الاتفاق هو المعيار الأول، أما إذا حدث الاختلاف فيكون المعيار الثاني المنفعة الأكبر، وإذا استمر الاختلاف يكون اللجوء إلى أهل الخبرة لتحديد الأنفع والأصلح. والرجوع إلى أهل الخبرة مهما تقديرا معيار نهائي في هذه الأمور يؤكد على تقدير أهمية المعرفة والعلم يساعد بلا شك على تحقيق المنفعة في إعمار القصور وغيرها. وقد يكون أحد القصرين اللذين يراد عمارتهما لقوم قديم والآخر حديث، ويراد إعمار أحدهما »فالقول قول من دعا إلى عمارة القديم، ومنهم من يقول إنما يعمرون ما كانوا فيه بالعمارة وقت خصومتهم إن لم يقدروا على عمارتهما«).(١ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٤ ٢٤٥الفصل الرابع :عمارة القصر ووجه نظر حكم الفرسطائي في هذه الحالة تستند إلى وجهة النظر المعمارية البحتة المتعلقة بمتانة الإنشاء، فالقصر القديم من المنطقي أنه أقل متانة من القصر الحديث. أما وجهة نظر غيره من الذين حكموا بأن يبدأ معمورا القصر الذي كانوا فيه وقت خصومتهم، فإنها تستند إلى من كان منها وقت الخصومة، وهي وجهة نظر لا تستند إلى البعد الإنساني بقدر ما تستند إلى حالة إعمار القصر بأصحابه. وتنظم الأحكام الفقهية من يقوم بالإعمار من أصحاب القصر، أو من قد يشارك في إعماره من غيرهم الذين يتولون الإعمار في إطار رغبة بعض أصحاب القصر أن يحلوا محلهم، ويساعد هذا على البدء في عمارة القصر دون تعثر يكون بسبب أصحاب القصر).(١ وتبدأ عملية إعادة بناء القصر التي نظمتها الأحكام القهية وتابعت مراحلها بدقة متابعة تؤدي في النهاية إلى إعادة الإعمار بالصورة التي كان عليها القصر قبل هدمه. وتبدأ هذه العملية بتحديد مواد البناء التي يعيدون تحديدا فيقول» :إن بها بناء القصر، فيذكر الفرسطائي ما يتصل بهذه العملية قصرا فاختلفوا فيما يبنونه، فإنه إن كان ذلك القصراتفق قوم على أن يبنوا قبل ذلك فليبنوه بما بني عليه أول مرة، فإن كان بالجبس فالجبس، وإن كان بالطين فبالطين، أو بغيره فبغيره، وإن لم يعرفوا ما بني به أول مرة فينظر في ذلك أهل النظر منهم، ويؤخذون على ذلك وليتآخذوا عليه«).(٢ واتساقا مع هذا المنهج في تحديد مواد البناء، كان التوجيه للحكم الفقهي بأن يعاد بناء العناصر المعمارية كباب القصر أو بيوته أو غرفه، بذات الهيئة التي كان عليها بناء القصر).(٣ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٤ - ١٨٣ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٨ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٤٦ وقد تكون حالة القصر شديدة التهدم حتى »اختلط حجره وطوبه وطينه، وقد عرفوا موضع كل واحد منهم من الحجر والطين من القصر والبيوت، فليتآخذوا على بنيانه، ويكون لكل واحد منهم من الحجر والطوب ما في بيته، أو ما قرب حائطه، وما تشاكل عليهم فلا يقربوه، ويقتدون بأساس حيطانهم، وإن لم يكن لهم أساس، وقد عرفوا ما لكل واحد منهم من عدد أيضا، وكذلك يقتدون بأمينين إن قالاالأقدام في تلك الأرض، فليقتدوا به لهما :هذا موضع كل واحد منكم، أو أمين واحد أو من صدقوه من الناس«. تماما ينظم عدة أمور منها فرزوهذا الحكم الذي يتعامل مع قصر متهدم مواد البناء الخاصة بكل بيت حتى يأخذ كل صاحب بيته ما نتج عن هدمه من مواد البناء؛ ليستفيد منها في إعادة البناء. ويكشف الحكم في هذا الخصوص عن مدى عمق معرفة الفرسطائي بما يحدث في مثل هذه الحالات، حيث تقع الأنقاض بداخل البيت أو بجانب حوائطه، أما إذا حدث اختلاط شديد بحيث لا يمكن فرز المواد فإن الحكم يدعوهم إلى الاقتداء بأساس الحيطان في تحديد الفرز، وفي حالة عدم وجود أساس للحيطان فإنهم يرجعون إلى تحديد المساحة التي تخص بيت كل منهم. والتي كانت تحسب »بالأقدام« وفق ذكر الفرسطائي، وإلى جانب ذلك وجه الحكم أصحاب البيوت إلى الاستعانة بأمينين يحددان لهم مواضع بيوتهم وفق المؤشرات السابقة، أو بأمين واحد أو بمن صدقوه من الناس«. وهذا المنهج يكشف عن عدة أمور فنية، منها أن بعض القصور قد تنشأ بدون أساس للحيطان من الحجر تقاوم عوامل التهدم، وأن بعضها الآخر كان كذلك، كما يكشف عن البيوت كانت ملكيتها موثقة، وأن تحديد مساحاتها بـ »الأقدام« كوحدة قياس، كما يكشف عن الاستعانة في تحديد مساحات البيوت بالأمناء الذين لهم بالطبع خبرة في هذا المجال، وحدد الفرسطائي ٢٤٧الفصل الرابع :عمارة القصر أمينين، ثم ذكر إمكان فعل ذلك بأمين واحد أو بمن يصدقه أصحاب البيوت من الناس، وهذا الأمر يتبنى التحديد والتصديق على ما يتم عمله. أيضا قد تهدم بالصورة التي تتطلب إعادة بنائه، فإن وإذا كان سور القصر أصحاب القصر يقومون بإعادة بنائه أولا؛ حيث يذكر الفرسطائي أنه »إن انهدم )القصر( فأخذوا في بنيانه، واختلفوا في مقدار البيوت والغرف، حتى يتفقوا عليها، وهذا إن اشتركوا في السور، أما إن لم يشتركوا فلا يتآخذون عليه، ومنهم من يقول يتآخذون عليه، ولو افترق ما لكل واحد منهم من السور أو البيوت، إنما يؤاخذ أصحاب البيوت أولا بنيانهم وما قابلهم من السور إلى المقدار الذي يتبين لهم، وما تشاكل عليهم، فليحلفونهم إن بقي واحدا إلى آخر ما تبين لهم واحدا لهم شيء، ثم يأخذون أصحاب الغرف من ذلك، وما تشاكل عليهم، فليحلفوا هم ما بقي لهم شيء، ومنهم من يقول :إنما يأخذونه على قدر أهل الصلاح والرأي منهم«).(١ ويكشف هذا الحكم عن مدى الحرص على إعادة بناء السور، وعلاقة ذلك ببناء البيوت والغرف وهذه العلاقة تكون أوثق معمار يا في حالة اتصال بناء البيوت والغرف بسور القصر. والملفت للانتباه في هذا الحكم هو الحرص على بناء البيوت والغرف بالارتفاع الذي كانت عليه، فلا ينقص أهل البيوت من ارتفاع بيوتهم والسور المقابلة شيء، وكذلك أصحاب الغرف، حتى يصل السور مع بناء البيوت والغرف إلى مستوى الارتفاع الذي يحقق لهم الأمان من عدوهم. أما قول الفقهاء الآخرين غير الفرسطائي فإنهم يرون أهل يكون الارتفاع بالبناء على قدر ما يحدده أهل النظر، وهذا الحكم أيضا يحقق الغرض بمعرفة أهل الخبرة. ولكن رأي الفرسطائي يعتمد في حكمه على أصحاب البيوت والغرف المكلفين بالبناء، ويدفعون تكلفته، وغيره من الفقهاء يستند إلى رأي أهل النظر بغض النظر عن أصحاب القصر. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٣، ١٦٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٤٨ وباب القصر عنصر مهم في بناء السور، واعتنى الفرسطائي بتهدم بناء الباب، ومن هنا كان حرص الفرسطائي على أن يشير إلى كيفية إعادة الباب في السور بالشكل الذي كان عليه قبل تهدم بناء القصر، ونص هذا الحكم يؤكد ذلك، فقد ذكر أنه »إن كان له باب قبل ذلك فيجعلوه له مثل ذلك الباب، وإن لم يكن له باب فليرجع ذلك إلى اتفاقهم فيما رأوا أنه أصلح«). (١ويتضمن القسم الأخير من النص إشارة مهمة إلى أن من القصور ما لم يكن له باب)؟().(٢ وإذا كان التهدم في البيوت والغرف فقط دون السور »فليأخذوا أصحاب البيوت أولا ببنيانهم، ثم يأخذون من يليهم من أصحاب الغرف ببنيانهم، ثم يأخذون من يليهم ثم كذلك إلى آخرهم، ويأخذ أصحاب الغرف أصحاب البيوت ببنيان بيوتهم، وإن لم يأخذهم أصحاب القصر، وليأخذ أصحاب الغرف فيما بينهم سواء من كان فوق ومن كان أسفل«).(٣ ويتوافق هذا الحكم ومنطق مراحل إنشاء البيوت التي يعلوها الغرف، حيث كانت جدران الغرف هي الامتداد الرأسي لجدران البيوت أسفلها، سواء كانت الغرف في مستوى واحد أو أكثر من مستوى، ويشير هذا الحكم أيضا إلى أن ملاك البيوت والغرف في القصر متنوعون فقد يكون البيت أيضا في مبنى محصن مساحتهلمالك والغرفة لمالك آخر. وهو أمر منطقي محدودة يشترك عدد كبير في بنائه وبخاصة قصور العامة أو قصور الخاصة لقبائل بعينهم. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨٨ ) (٢في بعض المباني المحصنة لا يفتح باب في المستوى الأرضي ويفتح فتحة في المستوى الثاني يصعد إليها بسلالم متنقلة ترفع بعض الصعود. مثل ما كان في بعض حصون الأديرة المسيحية في مصر، وغيرها من الحصون. ) (٣الفرسطائي :القصور، ص. ١٨٣ الفصل الخامس عمارة الدور والبيوت الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٥٠ :QhódG IQÉaY تمثل عمارة الدور السكنية النسبة الغالبة من المنشآت المعمارية في القرى والمدن، واهتمت الأحكام الفقهية بكثير من المسائل المتعلقة بالدور، سواء ما كان منها مرتب طا بالشكل المادي للدار، متمثلا في تصميمها المعماري ومواد بنائها، وعناصرها المعمارية، أو ما كان متصلا بعمارتها بواسطة ساكنيها أو ملاكها. وهذا البعد المتصل بحياة الناس داخل الدور له أهمية خاصة حيث إنه يأتي في إطار التفاعل الاجتماعي والاقتصادي بين أفراد مجتمع المستقر السكني أو حتى غيرهم من القادمين إليه زائرين أو مقيمين لمدة محدودة. وترتبط نوعية تصميم الدور السكنية ونظام الحياة فيها بالبيئة التي تنشأ غالبا ما تكون الدور في المجتمعاتفيها هذه الدور، فعلى سبيل المثال مركزا لنشاطات اقتصادية مختلفة متعلقة بالإنتاج الزراعي وتربيةالزراعية الحيوانات، كما أن العائلة في هذه المجتمعات هي وحدة الإنتاج الرئيسة، بعكس الدور أو المساكن في المجتمعات الصناعية؛ حيث تتم عملية الإنتاج خارج المساكن في أماكن معدة لذلك كالورشات والمصانع، لهذا فإن سمات الدار في المجتمعات الزراعية لا بد وأنها تتأثر بطبيعة النشاط الاقتصادي، الذي تقوم به العائلة التي تعيش في هذه الدار أو تلك، من حيث كونه نشا طا زراعيا، وبطبيعة الزراعة )مروية أو بعلية(، وبنوع المحاصيلزراعيا أو رعو يا ثمارا وفقا للتباين والتنوع في النشاطحبوبا أو المنتجة سواء كانت غالبا التباين من حيث وجود المرافقالاقتصادي ازراعي، ويتأسس على هذا ٢٥١الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت الاقتصادية المختلفة بها؛ كالحظائر والمخازن، أو عدم وجودها، ومن حيث وجود المساحات الفارغة، ونسبتها إلى البناء، ووجود الملحقات غير الدائمة مثل الأخصاص والأحضرة والعرائش، ونسبة هذه الملحقات لما هو دائم من الوحدات المعمارية).(١ أيضا تمثل مركزا للنشاط الاقتصادي فحسب، ولكنها والدار ليست الحيز الفراغي الذي تعيش فيه الأسرة لتنتج طعامها اليومي، ولتعيد إنتاج قوة العمل الضرورية لاستمرار الإنتاج والحياة. وفي إطار عملية الإنتاج الاجتماعي تمر العائلة بمراحل مختلفة، فقد تتحول الأسرة النووية إلى أسرة ممتدة بزواج أحد أفرادها، والإقامة مع الأسرة، وخاصة في حال بقاء الأسرة الممتدة وحدة إنتاج واحدة، وفيما بعد قد تنفصل الأسرتان عن بعضهما لسبب ما، وتكونان أسرتين نوويتين، ولا شك أن المراحل المختلفة من حياة أثرا على نمو عمارة الدار التي تعيش فيهاالأسرة Family Life Cycleقد تترك الأسرة بإضافة وحدات معمارية من الحجرات أو الغرف، وكذلك المرافق والمنافع الأخرى في المرحلة الثانية من حياتها، أو يقسم بناء الدار بشكل دائم أو مؤقت، فيحدث به تعديل معماري في المرحلة الثالثة، أو ترحل بعيدا عن الأخرى). (٢وهكذا تنعكس الحياة الاقتصاديةإحدى الأسرتين ونموا وتعديلا. إنشاء والاجتماعية في الهيئة المعمارية لدار وتؤثر العوامل البيئية في عمارة الدور من حيث مواد بنائها؛ حيث تبنى عادة الدور بما يتوفر من مواد بنائية تتوفر في البيئة التي تنشأ بها، سواء كانت من الحجر أو الخشب أو الطين أو غير ذلك من المواد، وفي الإطار ) (١مندي )مارثا( :القرية ما بين النمو والتخطيط، سلسلة دراسات في الآثار والأنثربولوجيا، نشر جامعة اليرموك، معهد الآثار والأنثروبولوجيا، إربد ـ الأردن١٩٩٠، م، ص. ١٢ ) (٢مندي :القرية ما بين النمو والتخطيط، ص. ١٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٥٢ المعماري تتحكم هذه المواد ومتانتها ومواصفاتها إلى حد ما في الشكل المعماري للدور، والمناخ، ومصادر المياه، ولا يتوقف هذا التأثير على الشكل المعماري للدور قط، ولكن يمتد إلى صياغة النسيج العمراني للمستقر السكني كله من حيث المساكن ونمط التخطيط، ولا أدل على ذلك من تفضيل النظام المتضام Compact Styleفي المنطقة العربية ذات المناخ الصحراوي القاري). (١كما أن مصادر المياه تؤثر أحيا نا في تخطيط المستقر السكني، ولا أدل على ذلك من المستقرات السكنية التي تنشأ على امتداد مجاري الأفلاج، فتأخذ الشكل الخطي. ومباشرا تأثيرا محور يا والتصميم المعماري للدار الإسلامية أثر فيه ما يعرف بالخصوصية، التي تمنع ضرر كشف الدور، وتعرض من بها من النساء لهذا الضرر، وإذا كانت الخصوصية بارزة في هذا المجال، فإن هناك عوامل أخرى مهمة تشير إليها الأحكام الفقهية المتعلقة بعمارة الدور؛ كالملكية المشتركة لبعض الدور، وهي الملكية التي تنشئ علاقة بين صاحب العلو وصاحب السفل، وتأتي في إطار الملكية المشتركة أيضا الجدار المشترك بين الجيران، وما يتصل به من منافع كالكوي والدرج والكنيف. وتعالج كثير من الأحكام الفقهية علاقة عمارة الدار بما تطل عليه من طرق، وبخاصة فيما يتعلق بفتح الأبواب والنوافذ والوحدات المعمارية التي تبنى فوق بعض ساحات الطرق )الساباطات(، والمساطب وغيرها. كذلك فإن استخدام أسطح الدور في النوم أو في بعض الأغراض ) (١عثمان )محمد عبد الستار( :دراسات في العمارة التقليدية في المنطقة العربية، نشر المصرية للتسويق والتوزيع )إمدكو(٢٠١٢، م، ص ص. ١٣ - ١٢ ٢٥٣الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت الأخرى كتجفيف الثمار أو الحبوب يتطلب مواصفات معمارية معينة تمنع ضرر الكشف كبناء السترات بارتفاعات معينة تحقق منع حدوث هذه النوعية من الضرر. وتعرض الأحكام لما يتصل بالسكنى في المبنى من حاجات للترميم والإصلاح والتعديل المعماري لسبب أو لآخر في إطار تغير الملكية بتصرفاتها المختلفة؛ كالتوريث والهبة والوصية وغيرها. وفي حدود هذا الإطار المتعلق بعمارة الدار بالبشر تأتي المسائل المتعلقة بالإيجار أو البيع أو الشراء أو البدل أو الوقف أو الوصية وغيرها من التصرفات المرتبطة باستغلال الدار. وهذا التفاعل الحياتي للسكان داخل مهما تصورا تنظيما دقيقا، يشكل في حد ذاته الدور نظمته الأحكام الفقهية لما يمكن أن نطلق عليه إدارة العمارة السكنية، ويمثل إرهاصات وحلول للتعاون في بناء مبانمشتركة، وقواعد شرعية تحكم حالات التعبير أو التعديل المعماري، وكذلك النمو المعماري في إطار شرعي واضح يمكن أن يطور ليناسب الحالات المماثلة في العصر الحديث. كذلك عرضت بعض الأحكام للمسائل المتعلقة بارتفاعات المباني ضررا بظلها، جنبا، أو مواجهة، وهي الارتفاعات اتي تحدثالمتجاورة وحجب الشمس عما جاورها، أو كشف الدور المجاورة، وفي ذلك ما يجسد مظهرا من مظاهر علاقة الدور المتجاورة. أيضا لنوعيات من المنشآت السكنية للإقامة المؤقتةويعرض الفرسطائي في البساتين والجنات، وما يتصل بما يعرض لبعضها من مسائل تتعلق بالإنشاء أو الكشف أو غير ذلك من مشكلات تطرأ في إطار الممارسة الفعلية بالإقامة في هذه النوعية من المساكن. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٥٤ وهذه الطروحات وغيرها التي تكشف عنها الأحكام الفقهية المتعلقة بعمارة الدور، والتي ناقشها الفرسطائي تطرح رؤى أوسع وأعمق مما تتناوله الدراسات الآثارية والمعمارية للتراث المعماري الإسلامي من المنشآت السكنية، وبخاصة الدور التي تمثل النوعية الغالبة من هذه المنشآت، والتي تشكل صلب النسيج العمراني للمستقر السكني مع غيرها من منشآت عامة أو خاصة تفي بحاجات الناس المادية والروحية الفردية والجماعية؛ كالمساجد والمساجد الجامعة والمنشآت المائية والمنشآت التجارية وغيرها. وتأسيسا على ما سبق عرضه، نعرض الأحكام المتعلقة بالدور في إطار ما ورد في كتاب القسمة للفرسطائي. وتمثل الدور والبيوت المنشآت السكنية العادية التقليدية في المستقرات خاصا؛ حيث بدأ بالمنازل كمستقرات ترتيبا السكنية، وقد رتبها الفرسطائي سكنية كبيرة وأساسية، ثم عرض لنوعيات المنشآت التي بالمنازل، فبدأ بالقصور، والتي يأوي إليها الناس وقت الخوف من اغتيال الأعداء، ثم انتهى إلى الدور والبيوت التي تعتبر أهم المنشآت السكنية العادية بالمنازل، والتي يمارس فيها الناس حياتهم المعيشية العادية وقت السلم. أولا ـ الدور: تناول الفرسطائي في أحكامه الدور ـ سواء من خلال عرضه العام لأحكامها أو من خلال المسائل التي تعرض عليه ويجيب عليها ـ في إطار منهجية واضحة بدأت بعرض الأحكام التي تتعلق بنوعية ملكية الأرض التي تنشأ عليها الدور لأهمية ذلك في التأسيس للأحكام التي ترتبط ارتبا طا عضو يا بنوعية الملكية، ثم عرض للأحكام التي تتعلق بالجدران وبخاصة الجدران المشتركة، وهو عرض يعكس الرؤية الكلية، ثم يعرض للمسائل ٢٥٥الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت المتعلقة بالجدران المشتركة في إطار ثقافة المجتمع الإباضي. ومقارنة بين أحكام الفرسطائي المتعلقة بالجدار المشترك وأحكام الثقفي في كتابه الحيطان، وابن الرامي في كتابه الإعلان بأحكام البنيان، تكشف عن حالات خاصة في الجدران المشتركة لم يتطرق إليها كل من الثقفي أو ابن الرامي. كما تكشف عن النظرية الكلية الشاملة للفرسطائي من خلال عرضه للقواعد العامة الأساسية التي تحكم بناء الجدار المشتركة، والتي تحتوي الأمثلة التي عرض لها كل من الثقفي وابن الرامي وتتسع لغيرها من الأمثلة التي ربما كانت في إطار ثقافة المجتمع الإباضي، وهو ما يتضح من خلال تناول هذه الأحكام. أيضا لعناصر المنفعة وعناصر الإنشاء وتعرض أحكام الفرسطائي وعناصر الوقاية وعناصر الاتصال والحركة بصورة غير مباشرة، وهذه العناصر تضيف إلى المعرفة بمكونات الدار الإباضية زمن الفرسطائي. كما تضمنت أحكام الجدران معلومات مهمة تتعلق بأساليب الإنشاء ومواده، والأساسات، وارتفاع بناء الدور وغير ذلك من العناصر المعمارية التي تضيف لمعرفة تصور عمارة الدار الإباضية في القرنين ٦/٥هـ ـ ١٢/١١م. وفي سياق عرض الفرسطائي للأحكام المتعلقة بصاحب »السفل وصاحب العلو« أو بصاحب البيت وصاحب الغرفة التي تعلوه حسب تعبيره، تتأكد مرة أخرى الرؤية الشاملة للأحكام الفقهية المتعلقة بملكية السقف بين صاحب البيت وصاحب الغرفة التي تعلوه، وهي الملكية التي تحكم العلاقة بينهما في مسائل كثيرة تتعلق بالبناء وإصلاحه وترميمه وتحديد تكلفة بناء السقف، وكيفية إعادة بنائه، إلى آخره من هذه المسائل. والمقارنة بين ما جاء في المصادر الفقهية المالكية في منطقة شمال إفريقية وبين ما أورده الفرسطائي في كتابه تبين مدى شمولية أحكام الفرسطائي فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٥٦ التي تتسع لتفاصيل مهمة، منها ما ارتبط بالثقافة العمرانية والمعمارية الإباضية في المنطقة الصحراوية التي لها سمات خاصة لا تتوافر في المناطق الحضارية الساحلية. ملكية أرض الدار: حدد الفرسطائي نوعيات ملكية أرض الدور أو البيوت، فذكر أنها في نوعيات: ١ـ أن تكون الأرض هي مملوكة لمن يريدون بناء الدار أو عرفوا فيها. ٢ـ أو تكون الأرض مملوكة لغيرهم، وأذن لهم صاحبها أن يعمروها. ٣ـ أو أن الأرض لم يعرفوها لأحد، ولم يدعها أحد، فتجوز لهم عمارتها. هذه هي الحالات التي حكم الفرسطائي بجواز بناء الدار عليها، أما في غير هذه الحالات فلا يجوز البناء على الأرض).(١ والنوع الأول من الأرض المملوكة لمن يريد بناء الدار، فإن لصاحبها أن يبني فيها كيف يشاء، ولا يحذر إلا ما يضر بجاره من الظل أو العلو على دار جاره، وما أشبه من المجازات، وما لا يستغنون عنه من الطريق لمن يدخلها، أو من يخرج منها، أو من يأوي إليها، والمقاعد التي يضر بها جاره«).(٢ أمورا يجب الحذر منها عند بناء الدارويكشف هذا الحكم عن أن هناك في الأرض المملوكة لصاحبها، من أهمها: ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٥ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٥ ٢٥٧الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت ١ـ ألا يضر بجاره في الظل والعلو. ٢ـ ألا يضر بالمجازات والطرق. ٣ـ ألا يبني مقاعد خارج داره تضر بجاره. وهذه الأمور واضح أنها تتعلق بمنع أي ضرر قد يحدث يتعلق بالظل والعلو. وضرر »الظل« يتمثل في الارتفاع بالمباني ارتفا عا يمنع وصول الشمس إلى الدار المقابلة أو المزارع المجاورة. أما ضرر العلو فيتمثل في أن ارتفاع الدار عن الدور المجاورة يتسبب في كشف هذه الدور. وهكذا يتضح أن هذا النوع من الضرر سببه ارتفاع بناء الدور، وهو الارتفاع الذي وصل كما ورد في ثنايا الأحكام إلى ثلاثة طوابق في الدور، وأربعة أو أكثر في الحصون، كما سبقت الإشارة. ولهذا الارتفاع دلالاته المعمارية المرتبطة بالخبرة المتقدمة في الإنشاء التي تمكن من الوصول إلى هذه الارتفاعات التي تعتبر أمثلة مهمة من أمثلة العمران الرأسي في العصور الوسطى، كما أنها تشير في الجانب الآخر إلى بعد اقتصادي معماري يرتبط باستغلال أرض البناء استغلالا جيدا مع تقليل تكلفة الإنشاء. ومنع أي ضرر قد يلحق بالطرق والمجازات أمر مهم يتصل بكفاءة شبكة الطرق حتى تستمر في أداء وظيفتها، كما أنها تحقق فائدة مهمة للدار ذاتها. أما منع بناء المقاعد التي تضر بالجار، فيكشف ضم نا عن أن المقاعد »المساطب« التي كانت تنشأ ملاصقة جدار الدار المطل على الطريق من الخارج كظاهرة وجدت في المنطقة العربية، وبخاصة بلاد الشمال الإفريقي، أيضا في المستقرات السكنية الإباضية، ولكن منع ما يتسبب منهاوجدت فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٥٨ أيضا تضرتحديدا، فهي بالإضافة إلى أنها تضر بالجار فهي في الضرر للجار سببا في إعاقة حركة المرور إذا كان الطريق ضيقا،المار؛ لأنها أحيا نا تكون وقد منعت الأحكام الفقهية الإباضية ذلك ـ كما سبقت الإشارة ـ لكن الفرسطائي في هذا الحكم يؤكد على منع ضررها بالنسبة للجار، وهذا جانب آخر مهم من جوانب الضرر الذي تسببه هذه المقاعد؛ حيث إن الجار يدخل ويخرج من باب داره، فيكون في مرمى البصر من الجالس على هذه المقاعد التي في الطريق، فيحدث ضرر الكشف بصورة أكيدة، ولذا كان الحكم بالتحذير من إنشاء ما يسبب هذا الضرر منها. وهكذا يتضح من الحكم السابق أن لصاحب الأرض أن يبني في أرض داره، ويصممها بالتصميم الذي يراه لكن عليه أن يتجنب ما يسبب الضرر لجاره في إطار المسببات التي تتصل بمنع الشمس أو تحدث ضرر الكشف أو يمنع الجواز والمرور في الطريق. البناء على الأرض المشتركة: من الحالات المهمة التي تتعلق ببناء الدور أن تكون الأرض التي يبنى أرضا مشتركة بينهم، وهذه النوعية من الأرض نظمتعليها أصحابها الأحكام الفقهية بناء الدور عليها حسب ظروف وإمكانات وقدرة أصحابها على البناء، وقد عرض الفرسطائي لحالات متنوعة تتعلق بهذا الأمر، منها: أولا ـ اتفقوا على أن يبنوا فيها )الأرض المشتركة( على قدر حصصهم، جميعا وكذلك منافعها كلها على حسب أنصبائهم«). (١وهذا يعني اشتراكهم في البناء. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٥ ٢٥٩الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت ثانيا ـ إذا أبى بعض الشركاء فالقول قول من أبى، وفي هذه الحال يوجه الحكم إلى قسمة الأرض، ويبني كل واحد في نصيبه. ثالثا ـ قد يحدث أن يبني واحد منهم مقدار سهمه أو أكثر منه في هذه الأرض بغير إذنهم سواء منعوه أو لم يمنعوه، ولم يختر أطايب الأرض، فلذلك وجوه، منهم من يقول من بنى فهو له، ويأخذ شركاؤه مثل ما بنى وعمر، ومنهم من يقول يشتركون فيتراددون من القيمة بما يكن فيه من القيمة والبناء فيما لم يكن فيه القيمة، ومنهم من يقول يبني هذا الشريك ويعمر مقدار ما بنى شريكه، ويكونان شريكين في هذا كله، ومنهم من يقول بأخذ الشريك شريكه ينزع ما حدث في المشترك، كما يؤخذ ما أحدث في أرض غيره من الناس مما أحدثه بالعمد على أنه لغيره«).(١ وتكشف هذه الأحكام من الناحية المعمارية عن نوعيات من الدور جميعا اشتركوا في بنائها، وتكلفةتكون مشتركة البناء بين أصحاب الأرض هذا البناء، وهو أمر أشبه ما يكون في العصر الحالي »باتحاد الملاك«)،(٢ ويكون في هذا النموذج من الدور إرهاصة لهذا النظام الحالي في إنشاء نوعيات من المباني السكنية. ويكشف الحكم الذي يرى أن الشريك يبني مثل ما بنى شريكه أولا، ويكونان شريكين فيما بناه الاثنان عن إمكانية تكرار نفس النموذج المعماري للدار. وهذا الأمر مهم في تفسير تشابه ما يمكن كشفه من الدور المتجاورة الذي ربما يكون في إطار تنفيذ هذا الحكم. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٥ حاليا في مصر يقوم بمقتضاه مجموعة من الأفراد ببناء )عمارة )» (٢نظام اتحاد الملاك الناشئ سكنية أو برج سكني( على أرض مشتركة، ويشاركون في تكلفة البناء حسب أسهمهم فيه ويتولى المشتركون إدارة المبنى وصيانته حسب نظام معين«. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٦٠ مباشرا بملكية الدور وتتصل أحكام البناء في الأرض المشتركة اتصالا تحديدا، حيث إن من سبق إلى البناء يبنيالتي تبنى وحوائطها الخارجية حوائط داره الخارجية كلها بنفسه، باعتبارها ضرورة لاكتمال البناء وتحقيق أمورا مهمة تتعلقالستر، ومنع الضرر عنه، ومن ثم تطرح هذه الأحكام بالجدران الخارجية من حيث ملكيتها، والانتفاع بمرافقها، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالجدار المشترك. ويعرض الفرسطائي لهذه الحالات التي تؤسس لأحكام ملكية الجدران الخارجية سواء بالملكية الخاصة أو بالاشتراك مع أصحاب الأرض مهما من أسباب وجود الجدران المشتركةسببا المجاورة. وهو بذلك يوضح غير السبب المعروف المتصل بتوفير المساحة والاقتصاد في تكلفة البناء. ومن الحالات التي يذكره الفرسطائي أنه إذا »أذن الشريك لشريكه أن يبني لنفسه في الأرض التي اشتركوها، فبنى مقدار سهمه، أو أكثر منه أو أقل منه فجائز، ويكون الحائط له، وإن لم يبن أقل منه، ولم يتبرأ الشريك من سهمه في ذلك، فإنه يعطي ما بنى، فتكون الدار وبقعتها لمن بناها، وله أن يعطي له مقدار ما بنى، فإن الحائط يكون لمن بناه، وتكون بقعة جميعا، ولا يمنع له شيء من منافعالدار مع باقي من الأرض بينهم داره، ويمنع صاحب الدار شريكه من منافع ما أحاط به الحيطان إلا ما كان من وجوه خروج الملك، فلا يمنعها منه، ويكون من ذلك ملكه بمنزلة صاحبه الأول«).(١ ويعرض الفرسطائي حالة أخرى تقول» :إذا أذن الشريك لشريكه أن يبني في الأرض التي اشتركا فيها على أن يكون ما بنى له فيه من الأرض، ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٦ ٢٦١الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت عوضا، فهذا جائز، فإن تم بناؤها صار ما بنى فيه منولا يعطي له في ذلك الأرض له، ولا يكون له فيه شيء. وكل ما بنى من ذلك وأحاطه مما يمكنه الانتفاع به فهو له، وما لا يمكن الانتفاع به فلا يكون له فيه شيء إلا أن قصد إليه فأعطاه بغير الشرط«).(١ ومقارنة بين الحالتين السابقتين يتضح أن الحالة الأولى التي لم يعط فيها الشريك شريكه عوض ماله في الأرض التي بنيت، أصبح الذي بنى له ملكية البناء فقط ومنافعه دون الأرض، وهو ما يشبه في الحالات المعاصرة »حق الانتفاع« دون الملكية. أما في الحالة الثانية التي أذن فيها الشريك بناء الأرض دون أي عوض أو شرط، صارت ملكية الأرض والبناء لمن بنى. وهذا الأمر يفسر ما يرد في ثنايا الأحكام من أن بناء بعض الدور لمالكها دون الأرض. ومن الحالات الأخرى التي تتعلق بالبناء على الأرض المشتركة تلك الحالة التي اتفق فيها الشريك على أن يبيع الأرض لشريكه ليبني عليها داره، فإذا ما أتم بنيان داره دفع الثمن، ثم حدث أن غير البائع رأيه لسبب ما في البيع لسبب ما بدا له فماذا يكون في التصرف في مثل هذه الحالة )؟( ذكر الفرسطائي أن من الفقهاء من يرى عدم صحة الرجوع في البيع، ومنهم من يرى إمكانية الرجوع ولو تم البنيان، ولكن لا يأخذ بهدم ما بني ويمسك ما بني من بقعته، ويعطي له عوض ذلك فيما اشتركا فيه أو من غيره«).(٢ وهذه الحالة يساعد الحكم الأول منها على زيادة العمران واستمراره في إطار الحسم بأحقية من اشترى في إتمام بنائه، ومنع الرجوع في البيع، أما الحكم الثاني فإنه يوقف البناء بالرغم من حصول من بنى على التعويض. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٦ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٦٢ تخطيط الدور وبناؤها: يختلف تخطيط الدور من دار إلى أخرى فيما يشتمل عليه من عناصر المنفعة أو الإنشاء والتهوية والإضاءة، والاتصال والحركة، وهذا الاختلاف له أسباب متعددة، منها ما يتعلق بالمساحة وملكية الأرض، وقدرة صاحب البناء على البناء بهيئة معمارية معينة ومواد إنشائية معينة، ولكن المفردات التي تشكل التكوين المعماري للدار تتكرر أمثلتها، وإن اختلفت الصياغات المعمارية لها. وقد ورد في أحكام الفرسطائي المتعلقة بالدور كثير من المعلومات المعمارية التي تشير إلى ثقافة بناء الدور في المجتمع الإباضي زمن الفرسطائي، ومن المهم أن نستشف من هذه الأحكام ما يتصل بالجوانب المعمارية والأثرية موضوع هذه الدراسة. وتتابع الدراسة هذا الأمر في إطار منهجية تبدأ مع التخطيط ثم البناء ثم الصياغة والإصلاح. وتبدأ هذه الأحكام بحكم مهم من الناحية التخطيطية والمعمارية، فقد ذكر الفرسطائي أن من »أراد أن يبني في أرضه التي لم يشترك فيها مع أحد، لا يبني في الحد الذي بينه وبين جاره، ولكن يترك بينه وبين جاره ما يجوز فيه المار إذا بنى شريكه، ومنهم من يقول يترك ما يجوز فيه يد البناء، ومنهم من يقول إن ترك شي ئا ولو أقل من ذلك كفاه«).(١ ولهذا الحكم دلالته الأثرية التي تعني أن ترك هذه المساحة التي تجاور الجدران الخارجية للدار دون بناء، فيه إشارة ـ حال الكشف عن حالة مماثلة في المواضع الأثرية ـ إلى أن هذه الدار بنيت قبل ما جاورها من الدور، وأن ملكية أرض الدار كانت ملكية غير مشتركة، ولكن المهم ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٨ ٢٦٣الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت من الناحية المعمارية هو أن التصميم الإنشائي أو المعماري لهذه الجدران المتعلق بمرافقها يختلف بالطبع عن الجدران المشتركة؛ حيث إن هذه الجدران ملكية خالصة لصاحب الدار، ويقدر المصمم أساساتها وارتفاعاتها وفق ما يراه. وترك المسافة بين حد أرضه مع جاره بمقدار ما يجوز المار، أو ما يجوز فيه يد البناء أو أقل من ذلك حسب الآراء المختلفة يحتاج إلى تفسير يوضح الحكمة من ترك هذه المساحة التي حددت هذا التحديد، سيما وأن الأحكام لم تبين السبب وراء ترك هذه المساحة. والتفسير المنطقي أن ترك هذه المساحة يتصل في المقام الأول بعملية البناء نفسها، وبخاصة الجدران الخارجية للدار، حيث إن هذه الجدران تكون في العادة أكثر سمك ا من بقية الجدران لتحقيق أغراض حمل السقف والوقاية ومتانة الإنشاء. وسمك الجدران قد يتطلب أثناء إنشاء أن يقوم به بناءان في وقت واحد أحدهما يتولى إحكام بناء الوجه الداخلي، والآخر يتولى إحكام بناء الوجه الخارجي سواء من ناحية تكميل البناء أو وزنه بالميزان الشاقولي حتى يتم ضبط سمت الجدران، وكذلك نصب الخيط الأفقي الذي يضبط استقامة الجدران، وترك هذه المساحة يساعد على بناء الجدران الخارجية محكما سواء في بنائها أول مرة أو إعادة بنائها في وقت لاحق لسبب أوبناء لآخر. كما أن ترك هذه المسافة يساعد على تمليط الجدران من الخارج وصيانتها كل فترة بإجراء هذا التمليط أو بغيره. والمساحة المتروكة التي يسمح بجواز المار أو ما يجوز فيه يد البناء تكفي لذلك، واستخدام تعبير »ما يجوز فيه يد البناء« له صلة وثيقة بهذا التفسير ويرجحه، كما أن هذه المساحة المتروكة يسقط فيها ما يسقط أثناء البناء من مواد البناء فلا يسبب ضررا للجار الذي قد تكون أرضه فيها عمارة ما كالزرع أو الغرس. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٦٤ مدركا لهذه وفي ضوء ما سبق يتضح إلى أي مدى كان الفرسطائي الأسباب، فكان رأيه أن يترك »مقدار ما يجوز فيه المار« لتحقق هذه الأغراض كلها، ومقارنة رأيه برأي غيره تكشف عن أن الآراء الأخرى لم تلم بكل المسببات التي تحدد المسافة المناسب تركها. الجدران المشتركة: الجدران المشتركة ظاهرة معمارية ظهرت في تاريخ العمارة الإسلامية في إطار توجيه الرسول ژ الذي دعا إلى التعاون بين المسلمين في بناء دورهم في إطار الظروف التي مرت بها يثرب بعد الهجرة؛ حيث هاجر عدد كبير من المسلمين، وباتت الحاجة ملحة لحركة عمرانية ومعمارية لبناء دور تستوعب المهاجرين، فأذن له الأنصار بأن يقطع المسلمون ما عفا من الأرض للمهاجرين يبنون عليها، فأقطعهم الأرض وتابع عملية الإنشاء، وانصبت توجيهاته ژ على استغلال الجدران التي تمثل الحدود الخارجية وتحديدا التي تجاور الجيران في التسقيف، وهو ما ساعد على تقليلللدور، تكلفة البناء، وتوفير مساحات من الأرض تضاف للحيز الفراغي لهذه الدور، وكان الجدار المشترك أحد هذه الحلول حيث يمثل نو عا من التعاون في البناء بين الجيران الذين يشتركون في بناء الجدران الفاصلة بينهم، فتقل تكلفة البناء، وتزداد المساحة بسبب احتساب التكلفة على المشتركين مناصفة، ويكون اشتراكهم في مساحة الجدار المشتركة مناصفة، أو بأي صورة من صور الاشتراك الناتج في إطار التصرفات المعروفة في الملكية. وكان الجدار المشترك من أهم الموضوعات المعمارية التي ناقشتها الأحكام الفقهية المعمارية في الفقه الإسلامي حتى إننا نجد مؤلفات بكاملها تعرض لمسائل الجدران المشتركة بشتى صورها، ويضع الفقهاء الذين قاموا بتأليفها من الأحكام ما يحل مشاكلها المتصلة بالبناء أو الملكية أو المنفعة، ٢٦٥الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت ومن هذه المصادر على سبيل المثال كتاب الحيطان للشيخ المرجي الثقفي).(١ وكتاب الجدار لعيسى بن موسى )ت٣٨٨ :هـ(). (٢والحيطان لابن مازه).(٣ والحيطان للدمغاني). (٤هذا بالإضافة إلى بعض الأبواب المهمة عن الجدران المشتركة في كتب الفقه العمراني الشاملة؛ مثل كتاب الإعلان بأحكام البنيان لابن الرامي). (٥وكتاب رياض القاسمين للقاضي كامي الأدرنوي).(٦ وتناول هؤلاء وغيرهم لمسائل الجدران وفق مذاهبهم الإسلامية تكشف عن ثراء معرفي فقهي معماري مهم يتصل بالجدار المشترك، كما يكشف عن مناهج متنوعة في تناول مسائل الجدار المشترك ترتبط بالقواعد العامة، أيضا ظروف وبيئات وثقافاتالتي يتأسس عليها الحكم الفقهي، وتعكس وتاريخيا التزم بالتعامل معها القضاة والفقهاء الذين جغرافيا متنوعة مختلفة التزاما يقوم على معالجة ما يقع في عصرهم أو بلدهمأصدروا هذه الأحكام من نوازل ربما يختلف في بعض التفاصيل عن عصور وبيئات غيرهم).(٧ ) (١الثقفي )المرجي( :كتاب الحيطان أحكام الطرق والسطوح وسبل المياه والحيطان في الفقه الإسلامي، تحقيق :محمد خير رمضان يوسف، دار الفكر العربي، بيروت، لبنان١٩٩٤، م. ) (٢محفوظ بدار الكتب التونسية، رقم. ١٥٢٢٧ ) (٣ابن مازه )حسام الدين بن عمر بن عبد العزيز( :الحيطان، مخطوط بدار الكتب الوطنية بتونس، رقم ، ٢٣٧وهو شرح لكتاب المرجي الثقافي. ) (٤الدمغاني )عبد االله( :الحيطان، مخطوط بدار الكتب التونسية رقم ، ٨٢٨٤وهناك رسائل أخرى عديدة في هذا الموضوع. ) (٥ابن الرامي :الإعلان، ص ص. ٩١ - ٧ ) (٦الأدرنوي )كامي محمد بن أحمد بن إبراهيم الحنفي )١١٣٦ - ١٠٥٩هـ( :رياض القاسمين أو فقه العمران الإسلامي، تحقيق :مصطفى أحمد بن حمرش، دار البشائر للطباعة والنشر، دمشق، سورية٢٠٠، هـ ، ص. ٢٠٢ - ١٣٥ ) (٧يستحق موضوع الجدار المشترك في هذه المصادر دراسة مقارنة تفصيلية خاصة ليس موضعها هنا، وسنعرض لها في دراسة أخرى مستقلة إن شاء االله. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٦٦ وللفرسطائي أحكامه المهمة التي تتصل بالجدار المشترك من المهم أن نعرض لها تفصيلا؛ حيث إنها جاءت موجزة ومدرجة تحت باب الدور، خاصا للجدار المشترك، فإن ما ورد عنبابا ورغم هذا الإيجاز وعدم إفراده الجدار المشترك من أحكام للفرسطائي وغيره من الفقهاء الذي أشار إليهم دون ذكر أسمائهم، يتفق مع موضوع كتابه القسمة وأصول الأرضين، فهو يعالج الجدار المشترك في هذا الإطار. وهو إطار مهم لأنه يبحث في المسائل والأطر التي تجمع كل صور الجدار المشترك وتتفرع منها المسائل الفرعية التي تناولتها بالتفصيل مؤلفات الفقهاء المتعلقة بالحيطان أو الجدار كموضوع مستقل. ومن هذا يتضح أهمية أحكام الفرسطائي التي تعالج الجدار المشترك وأهمية عرض البعد المعماري والأثري المتصل بها والذي يقع في إطار هذه الدراسة. غالبا في بناء الأرض المشتركة، فإن »اتفقيأتي بناء الجدار المشترك أصحاب الأرض )المشتركة( على أن يبنوا أرضهم، واتفقوا على أن يبنوا فيها بعضا على أن يبنوا ذلك الحائط بينهمبينهم حائ طا، فإنهم يأخذ بعضهم أنصافا، فإذا أذن أحدهم لصاحبه أن يبني ذلك فبناه فهو له دون صاحبه«).(١ وهذا الحكم يجسد الحالة التقليدية في بناء الجدار المشترك حيث يشترك الجاران في بناء الجدار مناصفة في التكلفة والأرض. لكن يلاحظ أن الحكم يتضمن في نهايته إشارة إلى حالة أخرى تتمثل في أنه يمكن أن يأذن الجار لجاره أن يبني وحده الجدار، وفي هذه الحالة يكون الجدار لمن بناه).(٢ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٨ ) (٢سنعود لدراسة هذه الحالة عند ورود أحكام أخرى تتصل بها لتوضيح جانب مهم يتعلق بملكية الجدار تتصل بمرافقه من الناحية الأثرية والمعمارية. ٢٦٧الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت وبعد أن يتم الاتفاق على المشاركة في بناء الجدار المشتركة مناصفة يعرض الفرسطائي الأحكام التي تتعلق بجانب آخر من الموضوع منها أنه بعضا على بنيان )الجدار المشترك( أين يبنون«). (١وهذا»إذا أخذ بعضهم التساؤل أجاب عليه الفرسطائي بقوله» :إن كان إنما بنوه للدور فليبنوه حتى يواري ما فيه إن لم يتفقوا أولا على قدر معلوم، وأما إن اتفقوا أولا على شيء فليبنوه على ما اتفقوا عليه، وإن لم يتفقوا فليبنوه حتى يمنع المضار ولا يشرف عليه شيء من الحيوان والناس، أما الحيطان التي بنوها للأجنة وما أشبه فإنهم يبنوها على قدر قامة«).(٢ ولهذا الحكم دلالاته المعمارية المهمة؛ حيث إنه يكشف عن أن الجارين كانا يتفقان على ارتفاع الجدار الفاصل بينهما، في حالات، وفي حالات الأخرى التي لم يتفقوا مسبقا على تحديد ارتفاع الجدار، كان الحكم بأن يرتفع بناء الجدار إلى المستوى الذي يمنع الضرر. وكذلك يمنع الجدار »ألا يشرف عليه )على الجار( شيء من الحيوان والناس«، ويعني هذا الحكم ضم نا أن يرتفع بناء الجدار إلى مستوى أعلى خط البصر للحيوان والناس، كما يعني أن هناك حالات من الدور يكون الجدار المشترك الفاصل بينها لا يعلوه سقف، وهذه الحالات بعينها هي التي قصدها هذا الحكم لأن إنشاء سقفا يمنع ضرر الكشف من الجار، وضرر إشرافالجدار الذي يحمل الحيوان والناس المشار إليه. وضرر الكشف من البشر معلوم وتحدثت عنه كل المصادر الفقهية التي عالجت هذا الموضوع، ولكن الملفت للانتباه هنا منع إشراف »الحيوان«، وهو أمر يشير إلى شمولية معالجة الفرسطائي للضرر الناتج ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٦٨ أيضا عن إشراف الحيوان، سيما وأن البيئة التي يصدر أحكامه بشأنها الفرسطائي كانت تربي الحيوانات، وتعتمد عليها في حياتها، ولها بالدار مواضعها المخصصة لها بالدور الأرضي، وهي المواضع التي يكون منها ما يجاور الدار. أيضا البيئة الزراعيةومن الأحكام التي تتصل بالجدار المشترك وتعكس التي يعيش فيها الفرسطائي أنه لم يغفل المقياس الذي يحدد لارتفاع بناء الحيطان التي تحيط بالأجنة التي تمثل نوعية مهمة من نوعيات العمارة المتصلة بالنشاط الزراعي، وحدد قياسها، فذكر أن »الحيطان التي بنوها للأجنة، وما أشبه ذلك، فإنهم يبنونها على قدر قامة«). (١والقامة وحدة قياس قليلا من طول الشخص المتوسط،يبلغ طولها ١٨٤سم). (٢وهو ارتفاع أطول ولا يمكن من كشف الجار لجاره سيما وأن الجنات كان محل نشاط أو إقامة بعض الأسر لبعض الوقت. ويكشف الحكمان السابقان عن أن منع ضر الكشف كان المعيار الأساس لتحديد ارتفاع الجدار المشترك الفاصل بين دارين. وكذلك الحيطان التي تحيط بالأجنة سواء كانت مشتركة أو غير مشتركة، وتحديد هذا المعيار والقياس المرتبط به في هذه النوعية من الجدران التي سقفا كانت صدى لبيئة الفرسطائي باعتبار تكرار حالات تواجدها،لا تحمل ولم تعالج بذات الرؤية من جانب فقهاء آخرين عرضوا تفصيلا لأحكام الجدار مثل ابن الرامي. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٩وفي موضع آخر حدد الارتفاع بقامة الرجل المتوسط، وقال بأن يكون الزرب في تلك القامة، ص. ٢١٤ومنهم من يقول :بقدر ما يمنع الأذى، ص. ٢١٤ ) (٢عثمان :الإعلان، ص. ٢١٤ ٢٦٩الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت ثم ينتقل الفرسطائي لحالة أخرى من الحالات التي تتعلق بالجدار المشترك، فيذكر أنه »إن بنى واحد من الجيران، ثم بنى إليه جاره، فالحائط جميعا فهو بينهما، وإن لم يعرف من بناه منهما الذي يليه لمن بناه، وإن بنوا فهما فيه سواء، ويقعد من عرف منهما فيه إن بنى قبل جاره، وإن كانوا فيه أيضا بعضا من الزيادة فيه أو النقصان منه، ويمنع سواء، فإنهم يمنع بعضهم مستراحا، ولا يصيب من يجعل فيه الأوتاد أو يجعل فيه الخشب أو يتخذ فيه أحدهما أن ينتفع به دون صاحبه إلا ما ثبت له من الانتفاع به قبل ذلك«).(١ ويتضمن هذا الحكم بالإضافة إلى بعد الملكية إشارات معمارية مهمة بعضا منللتدخل المعماري؛ حيث يمنع المشتركون في بناء الجدار بعضهم الإضافة إلى بنائه ارتفا عا أو بهدم جزء منه نقصا نا، كما يمنع الحكم دق مستراحا إلا ما كان قبل الأوتاد به، أو وضع الخشب عليه، أو أن يتخذ فيه ذلك، وهذه الإشارات تعني أن هذه العناصر كان يمكن وجودها في بعض الحالات في إطار الاتفاق عند البناء، كما يعني منعها أنها تمنع لما قد تسببه من ضرر لبناء الجدار، كما يكشف الحكم عن أن بناء المستراح لم يكن من المفضل إنشاؤه بجوار جدار الجار المشترك بينهما. أيضا لعملية إصلاح الجدار المشترك إذا ما احتاج إلىوعرض الفرسطائي إصلاح فذكر أنه »إصلاح ذلك الحائط لا يمنع منه إن أراده مثل تطيينه، وبناء ما انهدم منه وما أشبه ذلك«). (٢والترميم والإصلاح أمر ضروري لاستمرار البناء في أداء وظيفته، ومن هنا جاء الحكم الداعم لذلك، ويلاحظ أن الإصلاح قد عرض لبناء ما تهدم منه، أو لتطيينه من جانب أحد الجارين، وتطيين الجدار عملية كانت تتم كل مدة لإعادة ملاط الجدار إلى حالته، ولفظ تطيين هنا يشير ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٧٠ إشارة ضمنية إلى المادة الشائعة الاستخدام في تمليط الجدران وهي الطين. وهذا الحكم من الناحية الأثرية يفسر طبقات الملاط الطيني أو غيره التي ضوءا على تأريخيكتشفها الآثاري في المواقع الأثرية، والتي يمكن أن تلقي المبنى في إطار تعدد طبقات الملاط أو الطين التي طين بها الجدار. أما إذا كان الجدار قد وصل إلى حالة يتطلب منها هدمه، ثم إعادة بنائه، فإن هذه الحالة كانت في إطار أحكام الفرسطائي، فذكر أنه »إن مال ذلك أيضا الحائط )المشترك( فلينزعه من مال عليه، ولا يمنعه شريكه، ويأخذه بنزعه، ويأخذهما غيرهما إن مال عليه أن ينزعاه، وإن لم يمل ولكنه قد انشق وخافوا عليه أن ينهدم فإنهم يتآخذون على إصلاحه، وإن لم يمكن إصلاحه إلا بهدمه، فإنهم يتآخذون على ذلك«).(١ ويحدد هذا الحكم الحالة بكل صورها، فإذا مال الجدار ينزعه من مال عليه. وهذا يعني أنه يدرأ خطر سقوط الجدار ويبادر إلى منعه الذي يميل جهته الجدار المشترك، وهذا الحكم يعالج حالات قد يتأخر فيها الشريك عن نزع الجدار لسبب أو لآخر، ولا يمنعه ها الشريك عن نزع الجدار، ويفي هذا الحكم بأولوية منع خطر السقوط على الجار الذي مال ناحيته الجدار. ثم يتكامل الحكم فيوجه الشريكان لنزع الجدار سو يا، بل يشير إلى أنه من الحكمة أن يدفعهما إلى ذلك غيرهما حتى ينزعاه، فلا يحدث ضرر بسقوطه. وهذا الحث على هدم الجدار المائل الذي لا يرجى صلاحه يؤكد مقصد الحكم، وهو منع الضرر الذي يحدث بسقوط الجدار، فيتأذى الجار الذي مال عليه الجدار، وكذلك جاره لأن هدم الجدار يعني كشف كل منهما للآخر. وإجازة حث الآخرين على ذلك يبدو أنه كان منه في إطار ثقافة التواصل والتراحم الاجتماعي التي تميز بها المجتمع الإباضي. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٩ ٢٧١الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت وإذا كان السبب في ضرورة هدم الجدار تشقق الجدار تشققا لا يرجى معه إصلاحه، ويتطلب ضرورة هدمه يدفع الحكم أصحاب الجدار على أن يتآخذوا على ذلك حتى يمنعوا الضرر. وهكذا يوضح الحكم مظهرين أساسيين من المظاهر المعمارية التي يتأسس عليها هدم الجدار هما الميل والتشقق بدرجة لا يمكن معها إصلاحه. وقرار الهدم في إطار هذين المظهرين لا شك أنه يتطلب خبرة معمارية تحدد ذلك. وتكشف عن خبرة الفرسطائي ومعرفته بها معرفة أسس عليها حكمه. ويذكر الفرسطائي أنه »إن انهدم )الجدار المشترك( فبناه أحدهما، فإن بناه ولم يزد إليه إلا نقضه الأول فليدرك على شريكه عناءه، وإن زاد إليه غير نقضه الأول فليدرك عليه قيمه من النقض وعنائه«).(١ وهذا الحكم ينظم حالة إعادة بناء الجدار المشتركة من حيث التكلفة، وقيمة العناء المبذول في بناء من أحد الجارين، ويربط ذلك بكيفية إعادة البناء وما استخدم فيها من مواد بناء، فإذا تم بناء الجدار بنفس المواد الناتجة عن الهدم ولم يزد فيها الذي بنى الجدار شي ئا، لا يأخذ من جاره مزيدا من مواد البناء سوى قيمة عنائه في البناء، أما إذا تطلبت إعادة البناء غير المواد الناتجة عن نقضه فإن الجار يدفع لجاره نصيبه من ثمن هذه المواد المضافة. والمهم من الناحية المعمارية في هذا الحكم أنه يشير إلى بعد اقتصادي معماري مهم؛ حيث كانت عملية الهدم تتم بطريقة صحيحة تساعد على المحافظة على أنقاض البناء محافظة تمكن من إعادة استخدامها في بناء الجدار مرة أخرى، وإعادة استخدام الأنقاض في بناء ما يهم الآثاري الذي يحتاج إلى فرز هذه المواد عن المواد الجديدة التي تستخدم مع الأنقاض ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٩٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٧٢ فرز ا يفسر ما يتعلق بالمبنى الأثري المكتشف الذي تنطبق عليه هذه الحالة. وتميز هذه الحالة عن حالات أخرى تستخدم فيها أنقاض مبانأخرى في مبنى محدث لأول مرة. كما أن تمييز البناء بالأنقاض عن البناء بمواد جديدة في جدار واحد وتفسيره في إطار هذه الحالة التي جمعت بين حالة نوعية أنقاضا ومواد جديدة له مؤشراته الأثرية. من مواد البناء ومن الأمور المهمة التي أشارت إليها أحكام الفرسطائي فيما يتعلق بالجدار المشترك أن هدم الجدار وإعادة بنائه يمكن أن تكون لأسباب أخرى غير الميل أو التشقق، فذكرت الأحكام »إن لم يتهدم )الجدار المشترك( وأراد أحد الشركاء أن يهدمه ويبنيه أحسن من بنيانه الأول، فلا يجد ذلك ولو تكلف أن يبنيه دون شريكه، ومنهم من يقول :إن تكلف ببنيانه دون شريكه فيكون بينهما، كما اشتركا فيه أولا، فإنه يترك إلى ذلك، ولا يمنع منه، وإن هدمه فأبى أن يبنيه، فإنه يؤخذ ببنيانه على ما اشترطه على نفسه، ومنهم من يقول يجبر على رده، كما كان حين هدمه، ومنهم من يقول إنما يدرك عليه قيمة ما أفسد فيه، ويتآخذون على بنيانه«).(١ وهذه الآراء لها دلالتها المعمارية بجانب دلالاتها التنظيمية والتكليفية من هذه الدلالات المعمارية أن الجدار المشترك كان يمكن هدمه وإعادة بنائه بصورة أحسن مما كان عليه، والتحسين والجودة هنا اختلفت حولها الأحكام، فقد رفض الفرسطائي هذا التوجه، بينما أجازه غيره في إطار شروط معينة، ومعالجة لما قد يحدث بعد الهدم كعدم إعادة من هدم الجدار بناءه مرة أخرى، وأكدت الأحكام على إعادة بنائه، وطرحت لذلك حلولا تكفل إعادة البناء، وتنظم التكلفة وصور المشاركة فيه، وكلها أحكام تنتهي إلى إعادة البناء. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٠٠ ٢٧٣الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت ومن الدلالات المهمة من الناحية الأثرية والمعمارية فكرة إعادة البناء بطريقة أحسن كاستخدام مواد أفضل في إعدادها، أو البناء بطريقة أدق أو غير ذلك، وهو ما يعني في الواقع اختلاف بناء الجدار المحسن عن الجدران الأخرى التي تكون قد بنيت بنفس الطريقة، وهذا الاختلاف يقر حالة يفسرها هذا الحكم واضحا، ويمكن أن يكون الجار الذي بنى الجدار بصورة أحسن جاءتفسيرا بناؤه في إطار تجديد بناء داره، أو بناء دار مجاورة محدثة لدار جاره في أرض فضاء يملكها، وكلها أمور تهم الدراسات الآثارية حال كشف حالة مماثلة. وينتقل الفرسطائي لعرض أحكام أخرى تتعلق بما كان يحدث من صور معمارية تتصل باستخدام هذا الجدار المشترك استخدامات أخرى غير كونه جدارا فاصلا بين جارين، فقد ذكر أنه »يمنع من أراد منهم )الجارين أو الجيران(، أن يتخذ في ذلك الدرج إلا إن لم تلتصق تلك الدرج بذلك الحائط، وقد ترك بينهما المقدار الذي يجب أن يترك بين حائطه وحائط جاره، ولكن يمنعه صاحبه ألا يشرف عليه بتلك الدرج إلى جاره، وإن لم يمنعه ثبت عليه أو كانت في تلك الموضع قبل ذلك، فلا يؤخذ بنزعها، وإن أراد صاحب ذلك البيت أن يزيد شي ئا إلى ذلك البيت، وله تلك الدرج، فإنه يمنع من ذلك، ولو بنيت له تلك الدرج«).(١ ويوثق هذا الحكم لحالة من التصميم المعماري يمكن أن تنشأ فيها الدرج في أي من الدارين المتجاورين بجوار الحائط المشترك، فقد منع الحكم بناء الدرج ملتصقا بالجدار المشترك، وأشار إلى أنه في هذه الحالة مجاورا للجدار المشترك كانت تترك مسافة بين الجدارالتي يبنى فيها الدرج المشترك، والجدار الذي يعتمد عليه الدرج في إنشائه في أحد جانبيه، وهذا الحكم غايته ومقصدته المحافظة على بناء الجدار المشترك. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٠٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٧٤ كما يشير الحكم إلى حالة أخرى من حالات الضرر يسببها تجاور الدرج مع الجدار المشترك، وهو ضرر الكشف حيث يمكن للصاعد على هذا مجاورا للجدار الدرج إلى السطح أن يكشف دار جاره، فإذا كان بناء الدرج المشترك يتسبب في هذا فإنه يمنع بناء هذا الدرج. ويشير الحكم إلى وجود حالات تخالف هذا التوجه في المنع يكون فيها بناء الدرج قديم وسابق لحالة الضرر المشار إليه بأن الجار أنشأ الدرج وثبت حقه فيه لعدم اعتراض جاره، فإنه في هذه الحالة يبقى الدرج. وهكذا يمكن تطبيقيا للحالتين، ويمكن تفسيرهما في إطار هذا الحكم.واقعا أن نجد وفي نهاية الحكم أشار الفرسطائي إلى حالة معمارية أخرى ترتبط بدرج يجاور الحائط المشترك، ويؤدي إلى سطح بيت، وأراد صاحب البيت أن يرفع بناءه، وبالتالي يحتاج إلى إضافة درجات للدرج تمكن من الوصول إلى سطح هذا البيت. وقد أشار الحكم إلى منع هذا حتى ولو كان الدرج قديما أو ثبت لصاحبه. وهذا المنع يرتبط بالتأكيد بمنع ضرر الكشف الذي يحقق الخصوصية لأهل الدار في إطار التوجه الإسلامي المؤكد لتحقيق هذه الخصوصية. مهما يشير معمار يا إلى المنافع الأخرى التيحكما ويذكر الفرسطائي كانت للجدار المشترك، فيذكر أن »الحائط الذي كان بين الشريك وشريكه ولواحد منهما منافع ذلك الحائط من الدرج والأوتاد والخشب المنصوبة عليه أو الكوات أو المستراح فانهدم وبنوه، ولم يجعل فيه من هذه المعاني، ثم أراد صاحب تلك المنافع أن يردها، فهل يدرك ذلك أم لا؟ قال :نعم يدرك رد ذلك كله كما كان أولا، وإن مات واحد منهما فورثه ورثته أو باع واحد منهما سهمه أو وصية أو جعله لوجه من وجوه الأجر، فأراد صاحب هذه المعاني أن يردها أو وارثه فله ذلك، ولا يمنعه من ذلك من صار إليه ٢٧٥الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت ذلك الحائط إلا إن اشترط عليه صاحبه حين انهدم، وبنوه على ألا تكون تلك المنافع فله ذلك، وإن حولوا ذلك الحائط عن موضعه الأول فلا يدرك فيه صاحب المنافع شي ئا إلا إن اشترط منافعه في ذلك الحائط كما كانت له أولا، وكذلك جاره إن حول حائطه عن موضعه الأول فلا يدرك ما كان له من المنافع في الحائط الأول على جاره إلا إن اشترط عليه ذلك، ولكن يأخذه برد الحائط في موضعه الأول، فلينتفع به كما كان أول مرة سواء كان هذا الحائط بينه وبين شريكه، فكان له فيه حق الانتفاع أو كان كله لجاره، وله فيه منافعه، فالجواب فيهما واحد«).(١ وهذا الحكم له دلالته المعمارية المهمة، فهو إلى جانب أن يوثق للمنافع الأخرى المتصلة بالجدار، فإنه يشير إلى ما يتصل بإعادة هذه المنافع بعد هدم هذا الجدار وإعادة بنائه، أو عدم إعادتها. وعدم إعادتها تكون وفق اتفاق على ذلك، وعدم إعادتها يعني حدوث تعديل معماري في الدار التي كان صاحبها ينتفع ببعض هذه المنافع كوضع الخشب وبناء الدرج. وهذا الأمر مهم لتفسير ما لعله يكشف عن حالات تطبيق هذا الحكم وفق شرط عدم إعادة المنافع. كما يشير الحكم إلى احتمال تحويل موضع الجدار المشترك، بما يعني أيضا تعديل معماري فيبناؤه في غير موضعه، وهذا التحويل يتأسس عليه الدارين المشتركين في هذا الجدار، يستفيد منه الآثاري عند تفسير حالة طبق فيها هذا التحويل. وتتضمن نهاية الحكم فقرة مهمة تشير إلى أن الجدار المشترك تكون فيه المنافع للشريكين في الجدار، أو تكون لشريك واحد، ولذلك فإن الاعتماد ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٠٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٧٦ على بعض هذه المنافع في نسبة ملكية الجدار لأحد الجارين كوضع الخشب على الجدار في حالة اقتصار المنافع على جانب واحد لا يمكن الاعتداد به )الخشب( كدليل على نسبة ملكية الجدار لواحد منهما. وانتهى الفرسطائي في الحكم إلى ما يفيد إلى أن »الجدار يمكن أن يكون كله لجاره، وله حق منافعه«، وهو ما يعني أنه ليس بجدار مشترك حيث إنه كله لمالك دار من الدارين المتجاورين، لكنه صاحب الدار المجاورة الذي لا يملك شي ئا في هذا الجدار يمكن أن يكون له حق منافعه أيضا، وهو أمر يشير مرة ثانية إلى أن بعض المنافع لا يمكن الاعتداد بها نهائيا في نسبة ملكية الجدار لجارين اختلفا في تحديد ذلك. ومن أهمها وضع الخشب، وهذا التوضيح المهم الذي تضمنه حكم الفرسطائي يفيد في دراسة ما ذكره ابن الرامي بهذا الخصوص في إطار حديثه عن القرائن الدالة على ملكية الجدار لأحد الجارين دون الآخر، وهي العقد والكوي والباب يكون فيه وحمل الخشب والبناء على أعلى الحائط ووجه الحائط«). (١وفي حديثه عن وضع الخشب قبيل هيئة هذا الوضع فقال» :والخشب عندنا وضعا ليس يحفرتختلف فمنها ما يكون وضعها مبنية موضوعة على الحائط لها، وتزرق، فإذا كان الخشب على هذه الصورة كان الحائط لمن له عليه الخشب، وإن كانت الخشب غير موصلة في الحائط، وإنما وضعها بعد ما ثبت الحائط وثقب في الحائط، وجعلت في الأثقاب، فعلى هذا لا توجب ملك ا، وتكون على ما روى ابن حبيب عن مطرف«).(٢ وإذا كان في حكم الفرسطائي ما يجعل من المنافع بناء الدرج ملاصقا للجدار، ووضع الخشب عليه، ويشير إلى حالات فيها هذه المنافع في جدار ) (١ابن الرامي :الإعلان، ص. ٢٦ ) (٢ابن الرامي :الإعلان، ص. ٣٢ ٢٧٧الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت لا يملكه من ينتفع بهذه المنافع. وإنها يمكن أن تكون مع البناء نفسه ـ كما سبقت الإشارة ـ فإن هذا يعني وجود مثل هذه الحالات تعكس توافقا اجتماعيا أجاز وجود هذه الهيئة، فإن حكم الفرسطائي وتراحما وتواصلا يتسع لمثل هذه الحالات التي لا تثبت ملكية في إطار رؤية أوسع من رؤية ابن الرامي، ومن اعتمد عليه، والتي لم تدرك احتمال وجود مثل هذه الحالات. وإذا كانت الأحكام المتصلة بالجدران في المصادر الفقهية الأخرى التي سبقت الإشارة إليها لا تتضمن هذه الرؤية، فإن التفسير المقبول لذلك، والذي يمكن طرحه هو أن تكون هذه الحالة نتاج خاص بتعاملات سمحت بها روح التسامح والتآلف بعيدة المدى التي يتميز بها المجتمع الإباضي في ظل ظروف سياسية واقتصادية عانى منها هذا المجتمع في الفترة التي تلت سقوط الدولة الرستمية. كبيرا يصل إلى تهدما ويمكن أن يحدث أن يتهدم الجدار المشترك أساسه، فإن بقي بعض آثار هذا الأساس يمكن إعادة بنائه في موضعه استدلالا بهذا الأساس، أما إذا لم يعلم موضع الأساس فلا بد من بينة لمن يدعي موضعه، وإذا لم تتوفر البينة فلا يعاد بناؤه، وفي حالة اتفاق الجارين على تحديد موضعه دون وجود أساس أو بينة، وتم بناؤه يمكن تبين لهما موضعه الأول المؤكد فإنه يرد الجدار إلى ذلك الموضع الأول. وهذه التفاصيل المتعلقة بإعادة بناء الجدار المشترك في إطار ظروف عدم التحقق من موضعه)، (١تكشف عن احتمال بناء الجدار في موضع غير موضعه الأول، ومعرفة هذا مهم من الناحية الأثرية حال كشف بناء مثل هذا الجدار، وكشف أساسات جدار مجاور له بنفس المحاور والقياسات. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٠١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٧٨ وفي إطار منافع الجدار سئل الفرسطائي عن »رجل له حائط، وليس فيه كنيفا أو غير ذلك منلجاره إلا المنافع مما يليه، وأراد صاحبه أن يتخذ إليه المنافع فمنعه جاره من ذلك؟ فأجاب بأن »كل ما لا يمنع له منافعه التي تثبت له، ولا يضره، فلا يمنعه منه مثل أن يبني حائط إلى ذلك الحائط، أو خشبا أو ما أشبه ذلك، فلايجعل فيه الأوتاد التي لا تضره أو يجعل عليه يمنعه منه، وأما ما يضره به مثل المستراح أو التنور أو الدرج التي يشرف بها عليه، هذا وأشباهه يمنعه«).(١ ويوضح هذا الحكم إلى أي مدى حافظت الأحكام الفقهية على تحقيق منع الضرر فبالرغم من أن الجدار ليس لجاره فيه شيء، ويستفيد من منافعه التي أذن له بها صاحب الجدار، فإن الحكم الفقهي يجيز لصاحب الجدار هو الآخر أن يستفيد من منافع يمكن أن يستفيد منها من هذا الجدار كأن خشبا أو ما أشبه ذلك،يبنى إليه حائ طا، أو يجعل فيه الأوتاد، أو يجعل عليه وفي ذات الوقت يستطيع الجار الذي ليس له أية ملكية في الجدار أن يمنع صاحبه من إحداث ما يضر به؛ كالمستراح والتنور أو الدرج، الذي يعرضه لضرر الكشف. وبذلك تعادلت حقوق صاحب الجدار وجاره في تحقيق الاستفادة ومنع المضار، وهذا يعكس ما يمكن تصوره من حالات التواصل والتراحم الاجتماعي في مجتمع تنظمه عمارته مثل هذه الأحكام. ثم ينتقل الفرسطائي في إطار ما يعرض عليه من مسائل إلى الأحكام التي تتعلق ببناء الدور على أرض لم تعرف لأحد، فإن سبق إليها واحد فهي مناصفة، وإن سبق إليها ثلاثةله، وإن سبق إليه اثنان فيقسمونها بينهما يقسمونها أثلاثا. ثم تشير الأحكام إلى أن هذا البناء يمكن أن يكون في إطار الملكية، ويمكن أن يكون في إطار حق المنفعة التي في حال زوال العمارة ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٠١ ٢٧٩الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت لا يكون لهم في الأرض شيء، وتشير هذه الأحكام إلى أن العمارة فوق هذه الأرض تكون في إطار ما يتفقون عليه. وتنظم هذه الأحكام سبل قسمة هذه الأرض بينهم، وبناء الجدار المشتركة بينهم، وما يحدث من تعاملات بين الذين يشتركون في إعمار دور أو قصور أو بيوت في إطار تحقيق المنفعة أيضا للأحكام التي تتصل بأرض »ليست لأحد،ومنع الضرر. كما يعرض أشجارا«). (١وتنظم هذه الأحكام العمارة التي ولم يسبق إليها إذا كانت فيها في هذه النوعيات من الأرض تنظيمات يزيد من عمرانها، ويسمح بإنشاء المباني كالدور والبيوت وغيرها. ثم يعرض الفرسطائي لمجموعة من الأحكام التي تتعلق بنوعية من الدور آلت إلى أصحابها بالوراثة أو وهبت لهم وتهدمت، ورغب أصحابها في إعادة بنائها، وتشير هذه الأحكام إلى ضرورة معرفة حدودها طولا وعرضا، وكيفية إعادة بنائها ارتفا عا دون معرفة ارتفاعها الأصلي، والتي حكم الفرسطائي بأن يكون ارتفاعها بنفس مستوى ارتفاع الدور في البلد الذي تبنى فيه هذه الدور، بينما يرى غيره أن تبنى بأقل من ذلك، كما تعرض الأحكام إلى مواد البناء التي تستخدم في هذه الدور، فإن كانت الدور القديمة قد بنيت بالحجر والجير مما لا يقدر البناة الجدد على البناء به فإنهم يبنون بما قدروا عليه وأمكنهم. وتشير هذه الأحكام إلى بعض الوحدات المعمارية التي كانت تنشأ في الدار مثل الغار؛ حي يشير الفرسطائي إلى الغار إن »استطاعوا أن يبنوه كما كان أولا، فليبنوه، ومنهم من يقول إن كانوا ينتفعون به ولا يتخوفون من هدمه فليتركوه«). (٢وهذا الحكم الذي يتعلق بالغار يشير إلى أنه كان وحدة ) (١للاستزادة عن هذه الأحكام، راجع :الفرسطائي، ص. ٢٠٤، ٢٠٣ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٠٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٨٠ معمارية تقليدية في الدور الإباضية في عصر الفرسطائي كانت تبنى في الدور القديمة والدور المحدثة، وكان يحافظ عند إعادة بناء الدار على غارها صالحا للانتفاع. القديم إذا كان وأشارت أحكام الفرسطائي إلى مواد البناء التقليدية التي كان يبنى بها الغار، ومنها الحجارة أو اللبن أو القراميد أو الآجر، وهي نفس المواد التي تستخدم في إعادة البناء، ويمكن أن تستبدل مادة بغيرها في إطار قدر أصحاب الدار على ذلك. وعند إعادة بناء الغار يمكن يعيدوا بناءه وأن يتعدوا مساحته الأصلية، فيمكن لهم »أن يحفروا موضع أساسه، أو يدفنوه، خشبا يضعون عليها أساسه،أو يضيفوه من أساسه، أو يوسعوه، أو يجعلوا له فإنهم يصنعون ما يصلون به إلى بنيانهم«. ويتضمن هذا الحكم إشارة معمارية مهمة تتعلق بالأساس الذي يوضع عليه الخشب). (١وهذا النوع من الأساس الذي يوضع على الخشب في إطار ما ورد في هذا الحكم يسجل حالة مهمة من حالات بناء الأساس للآثاري موقعا أثر يا به مثل هذه الحالة. الذي يكشف مهما من عناصر الاتصال والحركة بالدور،ويمثل الباب عنصر ا معمار يا فهو يصل داخل الدار بالطريق أمامها، وعرضت أحكام الفرسطائي لباب الدار المتهدمة، والتي يرغب أصحابها في إعادة بنائها، ويكشف هذا العرض عن المهارات الآثارية التي اكتسبها الفرسطائي، والتي بدت في تعقب الأساسات ) (١لا نستطيع الجزم بالغرض من استخدام الخشب أسفل الأساس، وإن كان استخدام الخشب كطبالي تعلو تيجان الأعمدة في العمارة الإسلامية، يذكر المعماريون أنه للدونته يمنع من تشقق البناء فوقه حال حدوث أية حركة في الأرض أسفل الأعمدة. فهل كان استخدام الخشب في العمارة الإباضية أسفل أساس البناء يحقق ذات الغرض )؟( على مستوى امتداد الجدران كلها. ٢٨١الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت أيضا في كيفيةوالكشف عنها، ومواضع سقوط الجدران المائلة، والتي تتمثل تحديد موضع الباب وعناصره المعمارية التي فقدت. فيذكر أنه إذا »اشتروا دارا مهدمة، فإنهم يبنونها، وإن اختلفوا على موضع بابها، فلينظروا حتى يتبين لهم، وإن وجدوا علامة بابها فإنهم يقتدون به، وذلك الأثر مثل العتبات، أو وجدوا علامة أعمدة الباب)، (١ومنهم من يقول :إن لم يتبين أثر علامة الباب فلينظروا أي موضع أصلح لهم، فليجعلوه منه، وكذلك إن بعضا على بابها حتىبابا، فلا يأخذ بعضهم وجدوها مبنية، ولم يجدوا لها يتبين موضعها، ومنهم من يقول يجعلون لها الباب من حيث يصلح لها«).(٢ ويشير الفرسطائي إلى أن الدار الواحدة يمكن أن يكون لها أكثر من باب، أيضا في الأحكام التي تتصل بهذه النوعية من الدور، فيذكر أنه »إنويفصل دارا فوجدوا لها بابين أو أكثر من ذلك، فدعي أحدهم إلى نزع بعضاشتروا تلك الأبواب، وأبى ذلك الآخرون، فالقول قول من دعي إلى إثبات الأبواب دارا فوجدوا لها علامة بابين،التي كانت أول مرة على حالها، وإن اشتروا فإنهم يجعلون لها تلك الأبواب كلها، وأما إن كان لها باب معلوم، فوجدوا لها علامة باب آخر، فلا يحكم بتلك العلاقة، ولا يؤخذ بذلك الأثر، ولا يجعلون بابا لها إلا بابها المعلوم، ومنهم من يقول :يؤخذ بهذا الأثر، ويخرجون منه آخر، ويثبت له الطريق في الأرض التي خرج إليها ذلك الباب سواء كانت تلك الأرض لصاحب الدار، أو لغيره من الناس، سواء وسواء في هذا أكانت الدار للعامة أو للخاصة، أو كانت الأرض للعامة أو الخاصة«).(٣ ) (١من الملامح المعمارية للدور في العمارة التقليدية في المنطقة الصحراوية بشمال إفريقية وضع عمودين على جانبي فتحة الباب. ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٣٠٩ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ٢١٠ - ٢٠٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٨٢ وهذا الحكم يطرح أمثلة من الدور يمكن أن يحدث تعديل في أبوابها إذا طبق حكم الفرسطائي الذي يلغي الباب الذي له أثر حال كون وجود باب كامل المعالم للدار. كما يعني الالتزام بوضع الأبواب القديمة على حالها سواء كانت كاملة أو بقي من بعضها أثر. وهو ما يعني الالتزام بالتخطيط والتصميم القديم حال تطبيق الحكم الآخر الذي قال به غير الفرسطائي. وتشير بعض الأحكام المتعلقة بالدار المشتركة إلى كيفية بنائها بطرق مختلفة وفق ما يرى أصحابها ذلك، وتعرض الأحكام المتعلقة بإعادة بناء الدور إلى أمثلة من ذلك لها أهميتها من الناحية الأثرية والمعمارية. فقد وردت في الأحكام »أن الدار إذا كانت بين قوم وبعضها حيطان وبعضها بعضا على إصلاحها، قال:زروب فزال ذلك، فأرادوا أن يأخذ بعضهم يردونها على ما كانت عليه من البناء والزروب، وكذلك ما كان منها من الكوات نافذة أو غير نافذة، فإنهم يتآخذون على أن يردوها على الحال الذي كانت عليه أولا«).(١ وهذا الحكم يعني مباشرة أن هناك من الدور ما كان قطاع منها مبني »زروبا« بالقصب إنشائيا بجدران حاملة، وقسم منها لم يكن كذلك، بل كان والطين ووفق القياسات لا ترتفع بارتفاع الجدران، ولكن بقياسات الزروب سقفا فوقها، وهو ما يعني أنالتي تصل إلى ارتفاع »القامة«، ولا تحمل بعض الدور الإباضية كانت تضم مساحات مكشوفة يحيط بها زروب تستخدم للحيوانات أو غيرها من الاستخدامات. ويلاحظ أن هذا الحكم يؤكد على إعادة بناء الدار ليس فقط بنفس الهيئة الإنشائية، ولكن بنفس العناصر التي تكون بها كالكوات النافذة )النوافذ(، ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢١٠ ٢٨٣الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت والكوات غير النافذة )المشكاوات(، أو الدخلات المسدودة التي توجد بالجدران مرتفعة عن مستوى الأرض ارتفا عا يسمح باستخدامها في وضع الأشياء وأدوات الإضاءة وغيرها. والتأكيد على هذا الأمر يبدو أنه في إطار الالتزام بأمور أخرى تتعلق بالجوار والملكية وغيرها من المحددات والقواعد والأحكام التي بنيت لهذه الدار بعناصرها في الأصل وفقها، ومن ثم تكون إعادة البناء بنفس الهيئة وبنفس العناصر. وتفصل أحكام الفرسطائي ما يتعلق بحيطان الجنان وبخاصة فيما يتعلق بقياسات ارتفاعها، فقد ذكر أن ارتفاع هذا النوع من الحيطان يكون »على قدر قامة الرجل الأوسط، ويكون الزرب في تلك القامة، وما يكون على ذلك مما يمنع الدخول في ذلك الجنان من الحجارة وغيرها، ومنهم من يقول إنما يبنون على قدر ما يمنع الأذى«). (١وهذا القياس بالإضافة إلى أنه يمنع كشف ما بالجنان من الخارج ـ كما سبقت الإشارة ـ فإنه يمنع في أيضا الدخول، ويلاحظ أن هذا القياس لا يرتبط عاد ة بالبناء وهيئته،الأصل مبنيا باللبن أو الحجارة أو بالقصب. فهو واحد سواء كان الحائط كما أوضحت الأحكام كيفية اشتراك الشركاء في بنيان حائط لجنانهم، وبخاصة إذا لم يعرفوا لمن هو، حيث أشارت إلى أنه إذا كان الحال كذلك فهو بنفس قاعدة اشتراكهم في بناء حائط الدور، أي بالسوية بينهم كما سبقت الإشارة. أحكاما مهمة تتعلق بالقسمة وعلاقة الحوائط ويعرض الفرسطائي الخارجية بها، فيذكر أنه »إذا اقتسم قوم بقعة الجنان أو البيوت أو الدور، ولم يذكروا الحيطان، فذلك جائز، وتكون الحيطان بينهم، كما اشتركوا ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢١٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٨٤ فيها أولا، وإن ذكروها في وقت القسمة، فيكون لكل واحد منهم ما وقع في سهمه«).(١ وهذا الحكم يعني ضم نا أن قسمة الحيطان هذه كانت تقع في حالات، وتترك في حالات، ولم يشر الحكم إليها، ولكنه تحدث في المطلق الذي يوثق لوجود الحالتين، وهو أمر موضوعي حيث إن قسمة الحيطان في بعض الحالات قد تفسدها، وفي حالة أخرى يكون في عدم قسمتها بقاؤها على صلاحها. ثم يعرض الفرسطائي لكثير من الأحكام الفقهية التي تنظم بيع وشراء الدور وما يتصل بها من مشكلات، وتتضمن هذه الأحكام ملامح معمارية مهمة تتعلق بالعناصر والوحدات المعمارية المكونة للدار، كما تعرض للملامح العمرانية العامة المرتبطة بالدور، والقصور والجنان والحدائق، التي واضحا في هذه البيئة التي عاش فيها الفرسطائي.يرتبط عمرانها ارتبا طا وهذه الملامح لها بعد أثري ومعماري مهم للدراسات الأثرية والمعمارية؛ دارا وفيها بيت مفتوح إلى خارجوقد سئل الفرسطائي عن :من »اشترى خارجا من الدار، وبابه مفتوح إلى داخل الدار، فلمنالدار، أو كان بيت مفتوحا من خارج الدار فهو للبائع، وإنيكون ذلك البيت؟ قال :إن كان بابه فتح بابه إلى داخل الدار فهو للمشتري، إلا إن استثناها البائع، فتكون له على ما استثنى«).(٢ ويتضح من هذا الحكم من الناحية المعمارية أن بعض الدور الإباضية كان يمكن أن يكون من بين وحداتها »بيت« له باب مستقل يطل على ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢١٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٢١٥ ٢٨٥الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت الطريق، وليس به باب آخر يصل بينه وبين بقية وحدات الدار من الداخل. وبالرغم من هذا الاستقلال في الدخول والخروج، وعدم اتصاله بالدار من الداخل إلا أنه جزء منها. ومثل هذه البيوت وجدت في الدور في المستقرات السكنية بصفة عامة، وعاد ة ما يكون إنشاؤها لتوظيفها في نشاط اقتصادي معين كالحوانيت التي تلحق بالدور، ويكون منع اتصالها بداخل الدار في إطار ثقافة الخصوصية التي يتميز بها المجتمع الإسلامي، والمرتبطة في الأساس بمنع ضرر الكشف. وقد تكون لغرض وظيفي آخر ارتآه صاحب الدار، وتطلب عزل البيت عن بقية الدار. كما يسجل الحكم حالة أخرى من الدور يكون فيها بيت مطل على الطريق وله باب خاص يفتح على هذا الطريق، يدخل ويخرج منه، وله في ذات الوقت باب يصل بينه وبين بقية الدار، وهذا يعني ضم نا أن للدار بابين أحدهما يؤدي إلى الدار مباشرة، والآخر يؤدي إلى هذا البيت، ومن بابه الآخر إلى داخل الدار. ومثل هذا البيت يعني وجود ارتباط عضوي وظيفي بين البيت والدار، وتوجد أمثلة عديدة لمثل هذه البيوت في الدور الإسلامية في العمائر التقليدية الباقية، ويمكن أن يكون بمثابة حجرة استقبال للضيوف أو غير ذلك مما ييسر تواصل من بالدار بمن في هذا البيت دون أن يكون مسببا لضرر ما. ذلك ومن التكوينات المعمارية التي أشارت إليها الأحكام وجود جنان في وسطها حديقة مزربة، ويتصلان بباب بينهما، أو وجود حديقة خارجة عن الجنان ولها باب يربط بينهما، وكذلك وجود بيت أو قصر في وسط الجنان«). (١وكذلك وجود دار وبستان ومزرعة). (٢وهي أمثلة من التكوينات ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢١٥ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٢١٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٨٦ العمرانية التي تشتمل على أكثر من نوعية من نوعيات العمارة تتصل ببعضها. وهذا الأمر مهم للدراسات الآثارية التي تكشف عن وجود مثل هذه النوعيات من التكوينات العمرانية في العمارة الإباضية في شمال إفريقية. وتشير أحكام الفرسطائي الخاصة بالبيع والشراء في الدور إشارات مهمة إلى وحدة »الغار« باعتبارها وحدة معمارية مهمة انتشرت في الدور في العمارة الإباضية؛ حيث اتضح من هذه الأحكام أن »الغار« كوحدة معمارية كان ينشأ في باطن الأرض في تخوم الدار نفسها، أي في حدودها، كما يمكن أن نجد بعض الغيران تحفر في الدار، ويمتد إلى خارج حدودها، بمعنى أن الغار يكون جزء منه في داخل حدود الدار، وجزء آخر يخرج عن حدودها الواضحة على سطح الأرض).(١ وهذه النوعية الثانية من الغيران يمكن أن يكون لها الباب من داخل الدار، ويمكن أن يكون بابها من خارج حدود الدار. ولا شك أن معرفة هذه التفاصيل غاية في الأهمية لدراسة الدور الإباضية في شمال إفريقية، وبخاصة ما يكون بها من غيران. وتضمنت أحكام البيع والشراء المتعلقة بالدور الإباضية إشارات مهمة إلى وحدات معمارية أخرى تكون بالدار، وتكون في باطن الأرض كالبئر والجب والمطامر، والتي تشكل مع الغار وحدات معمارية مهمة انتشرت في الدور الإباضية كانت تنشأ في باطن الأرض، ومنها ما يكون في حدود الدار خارجا عنها، ومنها ما له الأبواب والمجازات من داخل الدار أو منأو خارجها، وكل ذلك له أهميته في دراسة حدود الدار وموضعها وتصميمها المعماري، وكذلك له أهميته الأثرية المرتبطة بذلك. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢١٥ ٢٨٧الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت :䃫ÑdG `` É«k fÉK عرض الفرسطائي للأحكام المتعلقة بالبيوت باعتبارها نوعية من نوعيات المنشآت السكنية، والبيوت وحدات معمارية يمكن أن تكون ضمن وحدات الدار، ويمكن أن تنشأ مستقلة، وقد عرض الفرسطائي في أحكامه للبيوت كمنشآت مستقلة عن الدور، ويلاحظ أن عرضه هذا جاء في إطار ما طرح عليه من مسائل عليه من جانب سائله الذي دون كتاب القسمة وأصول الأرضين. وهذه المسائل كلها تختص بالبيت، وبخاصة المشتركة منها بين شركاء). (١في كل ما يتصل به من أحكام معمارية بداية من الاتفاق على إنشائه وهيئته الإنشائية وعناصره المختلفة وترميمه أو إعادة بنائه، وما يتعلق من المعاملات المتصلة بملكيته سواء بالبيع أو غيره في إطار منهجية تناظر منهجية تناوله للدار، وسنعرض لهذه الأحكام وفق تسلسلها المنطقي في الإنشاء والتصميم المعماري، ثم بما كان يجري عليها من معاملات، وهو ذات التسلسل الذي جاء في كتاب الفرسطائي ـ موضوع البحث. أولا ـ كيفية بناء البيت وهيئته: سئل الفرسطائي عن قوم »اتفقوا على أن يبنوا بي تا في أرض اشتركوا فيها، أو أرض لأحدهم دون الآخر، أو لرجل آخر غيرهما بإذن صاحبها، أو موضع يجوز لهم أن يبنوا فيه؟ قال :إن اتفقوا على مقداره في العرض والطول وارتفاع البنيان، وسعة الأساس، وضيقه وما يبنون به، والموضع الذي يبنون فيه، فذلك جائز، ويتآخذون على بنيانه، وإن لم يبينوا هذه المعاني أو بينوا بعضها، ولم يبينوا بعضها، فلا يتآخذون على شيء منها، ومنهم من يرخص ولو لم يتفقوا على سعة الأساس ومقدار علو البنيان، وما ) (١هناك بيوت يملكها أفراد وغير مشتركة البناء. الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٨٨ يبنون به، ويرجعون في ذلك إلى عادة الناس فيما يبنون به، وسعة الأساس، وعلو البنيان، ومنهم من يقول إنما يجعلونه في العلو قدر قامة وبسطة، وهذا الذي ذكرنا إن أرادوا أن يحدثوه«).(١ في هذا الحكم يتحدث الفرسطائي عن البيت الذي ينشأ لأول مرة، ويشير الحكم إلى أن بناء البيت المشترك كان يتم في إطار توافق الشركاء على بناء وعرضا، وطريقة بناء أساسه، وارتفاعالبيت من حيث موضعه ومساحته طولا بنائه. وإذا ما اتفقوا على ذلك يبدءون في البناء وفق ما يرى الفرسطائي من ضرورة هذا الاتفاق، وهو رأي يختلف عن رأي غيره الذين يرون إمكانية بناء البيت المشترك دون شرط الاتفاق على المواصفات المعمارية التي سبقت الإشارة إليها، ويمكنهم البناء وفق التقليد المعماري المتبع في بناء البيوت في تحديدا البلد الذي يبنون فيه هذا البيت أو غيره. كذلك ورد رأي آخر يختص قياسا يجعلونه وهو »قدر قامة وبسطته«، أي قدربارتفاع بناء البيت، وحدد قامة الإنسان المتوسط الطول، والذي يرفع يديه إلى أعلى). (٢أي حوالي ) ١٨٤,٨القامة ٢,٣٠) ٢٣١,٠٠ = ٤٦,٢ +متر(). (٣وهذا الارتفاع مناسب جدا لحركة الإنسان في البيت، فتكون رأسه في مستوى أقل من مستوى السقف بمقدار ذراع شرعي )٤٦,٢سم(، فلا تصدم بالسقف. وهذا التحديد يمثل الارتفاع المتوافق معمار يا مع حركة الإنسان داخل البيت دون أن يحمل على رأسه شي ئا يصل إلى ارتفاع نحو ذراع، ولكن يمكن أن يكون البيت مرتفعا عن ذلك، ويرتبط ذلك بعوامل أخرى كالأساسات ومواد البناء. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢١٩ ) (٢الفرسطائي :القسمة، هامش )، (١ص. ٢١٩ ) (٣حدد هذا القياس على أساس أن طول القامة ١٨٤,٨سم، وارتفاع اليدين )بسطهما( يصل إلى نحو شبرين ٤٦,٢سم، فيكون المجموع ٢,٣١متر). راجع :عثمان :الإعلان، ص ، ١٩٤ص. (٢١٤ ٢٨٩الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت وإذا كان هذا هو التصور المعماري الخاص بارتفاع البناء، فإن قياسات طول وعرض البيت تحتاج هي الأخرى إلى تحديد تصورها. وقد أشارت المصادر والدراسات الآثارية إلى أن خشب النخيل كان هو غالبا في بناء السقف، وإذا كان خشب النخيل أو الأخشابالمستخدم المحلية الأخرى المستخدمة في التسقيف مناسبة لمتانة هذه السقوف تتراوح ما بين ٤ :٣متر فإن عرض هذه البيوت من الداخل لا يتجاوز في هذه الحال ٣,٥ - ٣متر في إطار أن طرفي الخشبة تكون فوق الجدران في كل جانب بما لا يقل عن ٢٠سم). (١وهذا يعني أن عرض البيت من الخارج حوالي ٤متر، ومن الداخل حوالي ثلاثة أمتار. ولما كان خشب حاكما لعرض البيت، أو الحيز الفراغي لأية وحدة معماريةالسقف تحديدا، وفي أخرى، فإن الرغبة في توسيع البيت تكون في زيادة الطول هذه الحالة يأخذ المسقط الأفقي للبيوت الشكل المستطيل الذي يكون عرضه محكوم القياس كما أشرنا، أو طوله، فيتوقف على الأرض ورغبة أصحابه في اتساعه. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا التصور لا يمنع من وجود بيوت عرضها أقل من ثلاثة أمتار، ويتوقف ذلك على المساحة إنشائيا مع ما يتوفر من المتاحة للبيت، سيما وأن هذا القياس لا يتعارض الخشب المحلي المستخدم في التسقيف. ويعرض الفرسطائي أحكامه المتعلقة بإعادة بناء بيت ما تهدم وأراد أصحابه إعادة بنائه، فيذكر أنه إاذ كان البيت بهذه الحال فإنه »يردوه كما كان أولا«. وأشار في إطار هذا الحديث إلى أن هذين الحكمين السابقين أيضا على الدار المشتركة والساقية، والممصل، والعين،يمكن تطبيقهما والبئر. ) (١عثمان )محمد عبد الستار( :دراسات في العمارة التقليدية في المنطقة العربية، ص. ١١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٩٠ تسقيف البيت: يشير الفرسطائي في إطار عملية الإنشاء إلى تسقيف البيت، فيذكر أنه إذا اتفق قوم على أن »يبنوا بي تا، وبينوا جميع معانيه، واختلفوا في تسقيفه، فإنهم يرجعون إلى عادة بلدهم، إن كانوا يسقفون بالخشب أو الحجارة والجير فليفعلوا فيما بينهم، وإن لم يتفقوا على شيء فلينظر لهم أهل الصلاح«).(١ وهذا الحكم يشير إلى استخدام الخشب والحجر والجير في بناء السقف، وفصل الفرسطائي في حكمه بين استخدام الخشب واستخدام جميعا، وهذا الأمر يرتبطالحجر والجير، ثم أشار إلى إمكان استخدامها خالصا، أي من عوارض خشبية منخشبا تفسيره بهيئة السقف، فإذا كان أفلاق النخل يعلوها الجريد والخوص والليف كمكون أساس للسقف يعلوه طبقة من الطين، فإن هذا ينطبق على ما ذكر الفرسطائي بقوله» :إن كانوا يسقفون بالخشب«، وإن كان السقف عبارة عن حجر فقط في ضوء وصف معقودا الفرسطائي من »الحجارة والجير«، فإنه يمكن أن يكون السقف بالحجر، وأما إن كان السقف من الخشب واستخدمت ألواح رقيقة من الحجر فوق الخشب، فإن هذا يتوافق مع قوله» :إن كانت )السقوف( من هذه المعاني كلها، أي من الخشب والحجر والجير، وفي ضوء ما سبق يتضح أن هناك أساليب ومواد مختلفة استخدمت في تسقيف البيوت، وهذه الأساليب والمواد لها علاقة بما ذكره الفرسطائي عن الاتفاق على شكل الأساسات. ومن المهم الإشارة التي ذكرها الفرسطائي المرتبطة بالاستفادة من أهل الخبرة حال عدم الاتفاق على هيئة بناء السقف ومواده. وهي إشارة وتوجيه متكرر من الفرسطائي إلى ضرورة اللجوء إلى أهل الخبرة حال عدم الاتفاق، أو حال رغبة المشتركين في البناء إلى ذلك. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص ص. ٢٢٠ - ٢١٩ ٢٩١الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت وفي موضع آخر) (١أشار الفرسطائي إلى إمكانية التسقيف بالقصب والحصر والطين. وهذا النوع من السقوف خفيف إلى حد ما، إذا ما قورن بالتسقيف بالخشب والحجارة التي سبقت الإشارة إليهما. وحماية لهذه السقوف من مياه الأمطار، كان يعمل للسقف ميازيب تساعد على تصريف هذه المياه التي سقطت على سطح البيت، فلا يصيبه بالضرر، أو تصيب من بداخل البيت حال اختراقها للسقف. منافع جدران البيت: يشير الفرسطائي إلى بعض هذه المواضع التي توجد في جدران البيت، وهي مرافق سبقت الإشارة إليها في الجدار المشترك، ومنها الكوات النافذات، أي النوافذ المفتوحة التي توفر للبيت تهوية وإضاءة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها. أما المرافق الأخرى التي يمكن الاستغناء عنها؛ كالرفوف والكوات غير النافذة وأهرائها والأوتاد ومواضع التخزين. وهذه العناصر تشير إلى استخدامات متنوعة للبيت، فالرفوف تنشأ لوضع الأواني أو بعض الأشياء الأخرى عليها كالكتب وغيرها، والكوات كذلك وإن كانت تستخدم في الغالب لوضع أدوات الإضاءة الصناعية، والأوتاد لتعليق بعض الأشياء أو الملابس عليها، وقد وردت الإشارة إلى التخزين بمعنى أنه يمكن أن ينشأ في الجدران بعض العناصر المعمارية التي تستخدم في التخزين. ومن الملفت للانتباه ما ذكره الفرسطائي أن أصحاب البيت إذا »كانوا مخرجا يعمرونه بالنار«، أي يوقدون فيه للنار للتدفئة أو غيرها »يجعلون له للدخان«، ومخرج الدخان في العمارة التقليدية في المجالس التي توقد فيها ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٩٢ النار يكون عاد ة عبارة عن فتحة في السقف؛ حيث يصعد الدخان إلى أعلى، ويكون خروجه من السقف أسرع وأسهل. وفي ضوء هذا يمكن أن يكون المخرج الذي أشار إليه الفرسطائي في سقف البيت، سيما وأن سقفه لا يعلوه بناء غرف. وقد أشار الفرسطائي في حديثه عن ما يجب عمله من إصلاحات معمارية في البيت إلى أن »الستر التي تبنى عليها )البيوت( فلا يتآخذون عليها، ويتآخذون على دفن قاعه وتمليسه«).(١ ويشير هذا النص ضم نا إلى أن بعض البيوت كان يعلو جدرانها الخارجية »ستر«، أي سترة، والسترة هي بناء جدار مرتفع على الحوائط الخارجية حول السطح العلوي للدار أو البيت، يمنع ضرر كشف أسطح الدور أو البيوت المجاورة ومنع الدور أو البيوت المجاورة من كشف سطح الدار أو البيت نفسه. وهذه الستر تكون في الدور أو البيوت التي يستعمل فيها السطح العلوي للنوم أو لبعض الأغراض الأخرى كتجفيف التمور غالبا وظيفة والحبوب والمغسول من الملابس. ووجودها في البيت ليس له أساسية ترتبط بالكشف؛ حيث لم ترد أية إشارة إلى استغلال سطح البيت في النوم، ويرجح ذلك حكم الفرسطائي الذي لم يجز الشركاء عن أن يتآخذوا على صيانتها، وأجاز الصالح من أعمال الترميم كرفع أرض البيت بالدفن، أو تمليط الجدران بالطين للمحافظة عليها. وقد وردت إشارة مهمة إلى إمكان استغلال سطح البيت في تجفيف التمور أو وضع الحطب، وهو أمر لا يتطلب بالضرورة عمل السترة؛ حيث يمكن للرجال أن يقوموا بهاذ الأمر؛ حيث ذكر أنه »إن أراد أحدهم )الشركاء ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢٠ ٢٩٣الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت في البيت( أن يضع على سقفها شي ئا من التمور أو الحطب، أو ما أشبه ذلك ومنعه صاحبه، فالقول قول من أبى ذلك«).(١ ومن الصور المعمارية المهمة لبعض البيوت ما ذكره الفرسطائي عن بعضها، يقوم صاحب البيت بإنشائه فوق غار أو مطمورة مملوكة لغيره، وهذه الصورة تعني وجود غار أو مطمورة تحت البيت في تخوم الأرض. كما هو الحال في بعض الدور. وهو ما يعني انتشار ظاهرة وجود الغار أو المطمورة كوحدات معمارية تبنى في باطن الأرض، ليس فقط في الدور، أيضا. وهو أمر مرتبط بعوامل تاريخية وجغرافية مناخية.ولكن في البيوت ويشير الفرسطائي في حكمه إلى ما يحدث من حالات معمارية ترتبط بهذه النوعية من البيوت، فيقول» :من بنى بي تا على غار أو مطمورة لغيره، فانهدم الغار أو المطمورة، فإن صاحب البيت يأخذ صاحب الغار أو المطمورة أن يسقف غاره أو مطمورته، ويرد بيته، وإن كان لا يصل إلى تسقيفه، فإن يأخذه بدفنه كي يبنى عليه، وإن دفن ذلك الغار أو تلك المطمورة، فبنى صاحب البيت بيته، وأراد صاحب الغار أن يسكنه ويسقفه، فإنه يأخذ صاحب البيت بهدم بيته، حتى يصل إلى غاره فيسقفه إن وجد كيف يسقف غاره من غير أن يأخذ صاحب البيت، يهدم بيته، فلا يأخذه بهدمه«).(٢ ويشير هذا الحكم إلى أن إنشاء البيت فوق غار لغيره، كانت له أمثلة، لكن المهم هنا من الناحية المعمارية أن الغار المتهدم كان يمكن دفنه لإتاحة الفرصة لصاحب البيت أن يبنى بيته، وكان يمكن لصاحب الغار أن يعيد بناء غاره حتى ولو تطلب ذلك هدم البيت وإعادة بنائه، والملفت للانتباه هنا أن إعادة حفر الغار وتسقيفه كان يمكن أن يتم دون هدم البيت. وهذا يعني ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢٠ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٩٤ وإنشائيا أن مساحة الغار في هذه الحالة كانت أقل من حدود بناءمعمار يا البيت التي تعلوها جدرانه. وهي حالة تختلف عن حالة البيت المساوية مساحته لمساحة الغار، أو الأقل منها، وهي الحالة التي تتطلب بالضرورة هدم البيت الذي يبنى فوق الغار وإعادة بنائه. ومن الوحدات والعناصر المعمارية الأخرى التي يمكن أن توجد في ضررا بعمارةالبيت البئر المطمورة، وقد تسبب هذه العناصر حال تهدمها البيت، ولذلك فإن الحكم الفقهي يعالج ذلك، فقد أشار الفرسطائي إلى أنه بئرا أو مطمورة مهدومة، فإنهم )أصحاب البيت(»إن كان فيه )البيت( يتآخذون على دفنها؛ حتى لا تضر بالبيت«).(١ الغرف التي تعلو البيوت المستقلة: تضمنت الأحكام الفقهية المتعلقة بالبيوت المستقلة إشارات مهمة تفيد بأن بعض هذه البيوت كان يعلوها غرف، كما أشارت إلى أن الغرف يمكن أن تكون ملكيتها لأفراد غير أصحاب البيوت. واختلاف الملكية على هذا النحو بالإضافة إلى أنه يشير إلى ملمح العمران الرأسي في بعض البيوت، فإنه يشير إلى أن هذا العمران تعددت صور ملكيته، فقد يكون البيت والغرفة التي تعلو ملك ا لشخص واحد، وهذا أمر طبيعي متعارف عليه، أو يختلف المالك فيكون ملكية البيت لشخص، وملكية الغرف لشخص آخر آلت إليه بأي صورة من صور التصرف في الملكيات، أو بالاتفاق بين صاحب السفل وصاحب العلو في إطار ملكية الأرض بينهما. وهذه التصرفات ساعدت مهما، بعدا اقتصاد يا أيضا بالإشارة على ازدهار عمارة البيوت، وحققت يتعلق بالأرض التي يبنى عليها أو بتكاليف الإنشاء. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢١ ٢٩٥الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت وتبرز في إطار عمارة هذه البيوت والغرف منازعات، وبخاصة فيما أحكاما تعالج يتعلق بالسقف وملكيته، وقد تناول الفرسطائي هذا الأمر وأقر هذه المنازعات، فذكر أنه إن »كان لرجل بيت وعليه غرفة لرجل آخر، فلمن جميعا، يكون منهما سقف ذلك البيت؟ قال :هو لمن بناه منهما، وإن بنياه فهو بينهما، وإن لم يعرف من بناه منهما، فلصاحب البيت ما كان داخلا في بيته مما يليه من الخشب والجريد وما أشبه ذلك، ويكون لصاحب الغرفة ما فوق ذلك من الطين والجص وغير ذلك«).(١ وهذا الحكم يشير إلى حالات بناء السقف التي يمكن تفسيرها في إطار البعد المعماري والأثري، فالحكم بأن »السقف لمن بناه منهما« يعني ضم نا احتمالين، الأول يكون الذي بناه هو صاحب البيت، حتى لا تكتمل عمارة البيت إلا ببناء هذا السقف، وهذا هو الأمر الطبيعي، والاحتمال الثاني أن يكون صاحب الغرفة هو الذي قام ببناء السقف ليقيم غرفته على البيت؛ حيث إن سطح السقف يمثل في الحقيقة أرضية غرفته، وهذا الاحتمال الثاني يمكن حدوثه في إطار اتفاق صاحب البيت مع صاحب الغرفة على بنائه، لأول مرة، أو إعادة بنائه ليبنى عليه غرفته، كامتداد رأسي للبيت. جميعا فهو بينهما«، فيعني مباشرة اشتراك صاحبأما النص» :إن بنياه أيضا في إطار اتفاق البيت وصاحب الغرفة في بناء السقف، ويكون ذلك بينهما. أما النص الذي يقول» :إن لم يعرف من بناه منهما، فلصاحب البيت ما كان داخلا في بيته مما يليه من الخشب والجريد وما أشبه ذلك، ويكون لصاحب الغرفة ما فوق ذلك من الطين والجبس«. وعدم معرفة من بنى السقف أمر وارد؛ حيث يمكن أن يكون البيت والغرفة قد آل إليهما بأي صورة من صور أيلولة الملك. وحكم الفرسطائي الذي يقر ملكية باطن ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٩٦ السقف إلى صاحب البيت، وظاهر السقف إلى صاحب الغرفة يعكس رؤية معمارية مهمة، فباطن السقف يتم بناء البيت، وظاهر السقف جزء أساس من الغرفة باعتباره يمثل أرضيتها. أيضا الرؤية المستقبليةوتفسير تأسيس الحكم في إطار هذه الرؤية يعني للانتفاع بهذا السقف وصيانته. ويؤكد هذا الحكم مرة أخرى الخبرة المعمارية للفرسطائي. وقد تضمن الحكم إشارة مهمة لمواد بناء السقف وطرق استخدامها في بناء السقف، كالخشب والجريد الذي يستخدم في الطبقات السفلى الأساسية من السقف، ثم الطين والجبس في الطبقات العليا منه. وهذا الحكم الخاص بملكية السقف حكم أساس ترتب عليه كل التعاملات الخاصة به سواء فيما يتعلق بالهدم وإعادة البناء، أو بالبيع وغيره من تصرفات الملكية. ولبعض هذه الأحكام وأهميتها المعمارية مثل الحكم بعضا من بيته، أو غرفته أو داره فلا يجوز بيعهالخاص بمن »أراد أن يبيع حتى يخط له في الحائط من داخل أو من خارج، ومنهم من يقول إن خط له أيضا من الوجهينمن وجه واحد في حيطانه أجزاه ذلك، ويخط له في سقفه جميعا، ومنهم من يقول من ناحية واحدة يجزيه«). (١ويشير هذا الحكم إلى تجديدا الطريقة التي كان يمكن بها تحديد المباع من الغرفة أو البيت أو الدار يترك أثره على الحيطان والسقف من الداخل والخارج، أو من جهة واحدة. وتشير بعض الأحكام المتعلقة ببناء البيت وما يعلوه من غرف إلى أن هناك بعض البيوت تعددت طوابقها، أو لم يقتصر على بيت وغرفة تعلوه، رأسيا لأكثر من ذلك. فقد ذكر الفرسطائي ما يشير لذلك مثل الحالةولكن امتد ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢٢ ٢٩٧الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت التي يقول فيها» :إن كان لرجل بيت، وعليه غرفة له، ولرجل آخر على تلك الغرفة غرفة أخرى، فانهدمت الغرفتان، فاستمسك صاحب الغرفة الفوقانية بصاحبه أن يرد غرفته ليبني عليها غرفته هو، وقال له صاحبه :ابنعلى بيتي غرفتك في موضع غرفتي، فلا يجد ذلك، ويدرك عليه أن يبني غرفته، وهو أيضا يبني غرفته«).(١ وهذا الحكم بالإضافة إلى أنه يشير إلى تعدد طوابق البيت وما فوق من غرفه في ملمح مهم يوثق لظاهرة العمران الرأسي في العمارة الإباضية، فإنه أيضا مدى التمسك بالحقوق لأصحابها، فلا شك أن الغرفة الفوقانيةيعكس التي تمثل الطابق الثالث لها مميزات تختلف عن مميزات الغرفة في المستوى الثاني، وهذه المميزات أقر بها الحكم الذي رفض اقتراح صاحب البيت والغرفة التي تعلوه في أن يعطي مكان غرفته لصاحب الغرفة الفوقانية أيضا، وأكد على أهمية إعادة البناء كما كان. وهذا الحكم يعنيالتي انهدمت أيضا عدم إحداث نقص في عمارة البيت عما بنى عليه في الأصل، وفي ذلك عدم فقدان لوحدات معمارية أنشئت في الأصل، وهو أمر يثري العمارة ويساعد على ازدهار العمران. وتعدد الطوابق في هيئة غرف فوق البيت يعني معمار يا وجود درج أو سلالم داخية أو خارجية تؤدي إلى هذه الطوابق، لكن الأحكام لم تتضمن أية إشارات لها في إطار التركيز على الوحدة الأساسية وهي البيت أو الغرف فوقه. ويفصل الفرسطائي في الأحكام التي تتعلق بحالات الهدم وإعادة البناء للبيوت والغرف). (٢أو ما قد يحدث من إضافات معمارية فوق الغرف، ومن ) (١الفرسطائي :القسمة، ص ص. ٢٢٣، ٢٢٢ ) (٢للاستزادة، راجع :الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٢٩٨ هذه الحالات »من كان له غرفة على بيت رجل، فأراد أن يحدث فيها من البينان والسكنى والمنافع ما لم يكن له قبل ذلك، فمنعه صاحب البيت، فله أيضا ما يحدث على سقفها من البنيان، وما يضع عليه، وسواءذلك، ويمنعه أيضا على ما كان له قبلما أراد أن يحدثه أو ما كان قبل ذلك، والزيادة ذلك«). (١وهذا الحكم له وجه معماري إنشائي مهم؛ حيث إن الزيادة في البناء على الغرف يمثل ثقلا مي تا Dead Loadيمكن ألا تتحمله الجدران الحاملة للبيت في المستوى الأرضي. ولذلك أجاز الحكم لصاحب البيت أن يمنعه، ويلاحظ أن الأمر لم يتوقف على الثقل الميت الناشئ عن البناء، ولكنه امتد إلى ما ينتج عن السكنى والمنافع من آثار تهدد إنشاء البيت بأكمله. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على رؤية الفرسطائي العميقة للبعد الإنشائي وأثره على سلامة المبنى مما يحقق المنفعة، ويمنع الضرر. ويؤكد هذه الرؤية المتعلقة بسلامة الإنشاء ما يعرض الفرسطائي من أحكام أخرى تتعلق بسلامة إنشاء السقف وحيطان البيت، فذكر أنه إ، أراد صاحب البيت »أن يعلق على خشب سقف بيته، أو يعلق على حيطانه ما يضر بها، ومنعه صاحب الغرفة، فإنه يدرك عليه ذلك إن خاف ما يضر بغرفته«). (٢وهكذا تتكامل الرؤية التي تؤكد على المحافظة على سلامة إنشاء البيت وما يعلوه من غرف في إطار ما يمنع ذلك، سواء بالنسبة لصاحب البيت، أو صاحب الغرفة التي تعلوه. وتستمر الأحكام لترصد حالات أخرى تتعلق بسلامة الإنشاء، فقد خطرا يهدديحدث أن يتعرض بناء الغرفة العليا للتشقق والضعف، وتصبح سلامة البيت الذي تعلوه، وقد أدرك الفرسطائي الحكم الذي يعالج هذه ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢٤ ٢٩٩الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت الحالة، وذكر أن هذه الحال تحال إلى أهل الصلاح للنظر فيها، فإن يثبت لهم وجود الخطر، فإنها تهدم ويعاد إصلاحها أو عمارتها).(١ مهما يفسر ملكية البيوت وما فوقها منحكما وقد أورد الفرسطائي غرف، فقد سئل الفرسطائي عن حالة رجل »باع لرجل بي تا في أرضه، فاختصما على ما فوق من الهواء، فلمن يكون؟ فأجاب :هو لصاحب البيت، وإن لم يشترط أولا أن يبني، فلا يجد ذلك، وإن استثنى أن يبني بعد ذلك تركه له، أو برأه منه، فلا يبني بعد ذلك، وإن اشترط أن يبني فباع ذلك الهواء لغيره أو وهبه له فجائز، ويكون للمشتري والموهوب له ما يكون له هو أولا، وكذلك ورثته من بعده، وإن باع صاحب البيت بيته فقد ثبت على المشتري ما يثبت عليه هو أولا، وإن باع صاحب الهواء من ذلك الهواء أذر عا معلومة فله ذلك، وما فوق ذلك فهو له، وإن بنى ذلك الذي باع له ما اشترى فلا يجد هو أن يبني عليه إلا ما اشترط ذلك أولا، وإن اشترط على المشتري أن أيضا يبني على بنيانه ولم يشتغل المشتري بالبنيان، فإنه يأخذه أن يبني هو إن أراد. وإن ترك شي ئا فإنه يؤخذ ببنيانه لئلا يمنع صاحبه. ومنهم من يقول: لا يجوز بيع الهواء ولا هبته، ولكن استثناؤه جائز على كل حال«).(٢ وهذا الحكم هو المعيار الأساس الذي أدى إلى ظاهرة العمران الرأسي في البيوت والغرف التي يتعدد ملاكها، حيث أجاز الفرسطائي بيع »هواء البيت« في إطار ما يتم من اتفاق بين صاحب البيت الأصلي والمشتري أو المشترين الذين يشترون هذا الهواء. ومن الملفت للانتباه في هذا الحكم أن بيع »هواء البيت«، يمكن أن يكون كله لمشتري واحد يتصرف فيه حسبما يشاء، فيبني غرفة واحدة أو أكثر من غرفة فوق بعضها، وقد يحدد صاحب ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٢٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٠٠ البيت ما يبيع من هواء بيته بالأذرع والقياس هنا يعنى به الارتفاع، فقد يبيعه ارتفاع غرفة واحدة، أو ارتفاع غرفتين. ثم تعود ملكية الهواء لصاحب البيت بعد هذا الارتفاع المحدد. وفي هذه الحال يؤكد الحكم على من اشترى محددا بالأذرع أن يبنى ما اشترى حتى يستطيع صاحبجزءا من الهواء البيت أن يستفيد من عمارة الهواء فوقه. وهذا الحكم له صداه المهم في تأكيد ظاهرة العمران الرأسي في هذه النوعية من البيوت. ولكن ذلك يرتبط معمار يا بطبيعة إنشاء البيت، ومتانة أساساته التي تتحمل بناء أكثر من مبكرا ينظم بيع فقهيا معمار يا فكرا مستوى من الغرف فوقه. كما أنه يمثل »المنشأة السكنية«، كالبيت والدار، كظاهرة معاصرة تتمثل في بيع »السطح«). (١من قبل مالك المنشأة السكنية لآخر يبني عليها طابقا. ويمكن تكرار بيع السطح في إطار تحديد ارتفاع معين من الهواء لهذا الطابق، ثم عودة صاحب البيت للبناء فوق سطح الطابق الذي باع هواءه، أو يبيع هذا السطح لغيره، وهكذا تتعدد ملكيات الطوابق لمنشأة واحدة، في إطار رؤية معمارية اقتصادية تتصل بقيمة الأرض، وتكلفة البناء. كما أن هذا الحكم لا شك أنه يساعد في إطار هذه الرؤية على الرواج المعماري والعمراني، ناهيك عن البعد الاجتماعي الذي يؤكد على الترابط الاجتماعي في إطار إيجابية التفاعل بين الملاك. وتكشف العلاقة بين حكم الفرسطائي وبين حكم آخرين غيره لا يجيزون بيع الهواء ولا هبته، يكشف إلى أي مدى كانت أحكام الفرسطائي إيجابية في صالح العمارة والعمراني. ) (١ما زالت مثل هذه التصرفات في بيع السطح قائمة ومستمرة في العصر الحالي؛ حيث إن ظاهرة بيع سطح المنشأة السكنية منتشرة في بعض البلاد المصرية، مثل جرجا في صعيد مصر. الفصل السادس المنشآت المائية الفصل السادس :المنشآت المائية فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٠٢ قال تعالى] ﴾ s r q p o n ﴿ :الأنبياء. [٣٠ :والماء أصل الحياة، وقال تعالى] ﴾ $ # " ! ﴿ :المؤمنون. [١٨ :وماء المطر هو المصدر الأساس للماء على البسيطة؛ حيث تتغذى منه الأنهار والآبار والعيون وغيرها. جاهدا الاستفادة مما يتوفر في بيئته من مصادر الماءوحاول الإنسان ومنشآته، سواء كانت الأمطار أو الأنهار أو العيون أو الآبار أو المواجل أو السدود أو المصارف وغيرها، فاستطاع أن يجري الماء من الجبال بمنظومة معمارية مائية مهمة، عرفت بالأفلاج في عمان، أو الفقارة في بلاد الشمال الإفريقي، وتتكون من بئر أم يحفر على عمق أكبر من مجموعة أخرى من الآبار يحفر حوله تغذية بمائها من خلال قنوات محفورة في مستوى قيعان هذه الآبار، ومن مستوى قاع البئر الأم تجر قناة تنحدر في اتجاه الأرض المنبسطة تتصل بفتحات رأسية »منارات« على مسافات معينة، تستخدم في تسهيل عملية حفرها وتنظيفها. وما أن يصل الفلج أو القناة إلى مستوى الأرض المنبسطة حتى يبدأ عمران المستوطن من الدور والمنازل والقصور والحصون والمساجد وغيرها في هيئة خطية تلتزم بمجرى الفلج، إلى أن يصل إلى المزارع والبساتين لريها. العمانية منذوهذه النوعية من المنشآت المائية ظهرت في شبه الجزيرة الألف الأول قبل الميلاد). (١واستمرت كما انتشرت في كثير من البلدان ) (١محمود مكي :مدريد العربية، ص ٦٦ - ٦٠؛ عثمان :المدينة الإسلامية، ص. ٢٧٣ ٣٠٣الفصل السادس :المنشآت المائية أيضا في فلسلطين، وانتقلت إلى بلادالعربية بالجزيرة العربية، ووجدت الشمال الإفريقي والأندلس، ومنها إلى بلدان القارة الأمريكية الجنوبية أثناء العمانيون في إنشائها في شبه الجزيرة احتلال الإسبان لها. وقد استمر العمانية في العصر الإسلامي، كما انتشرت الفكرة في الشمال الإفريقي. ويبدو أن انتشارها في بلاد الشمال الإفريقي والمحافظة عليها إلى الآن في بعض المناطق يرجع إلى جهود الإباضيين في مجال توظيف ما يتوفر من ماء في بيتهم لأغراضهم الحياتية. كذلك كان اصطياد ماء المطر عند سقوطه على الأرض أو المنشآت وتخزينه في برك أو مواجل أو جباب أو خزانات أو غيرها من المواضع التي يمكن جر ماء المطر بعد سقوطه على الأرض إلى هذه المواضع والمنشآت المائية لتخزينه واستغلاله في الأغراض الحياتية. كما أن سقوط المطر ينشأ عنه جريان الأنهار والغدران والسيول، واستطاع الإنسان أن يسيطر على مائها واستغلاله بإنشاء السدود، ومنشآت رفع الماء وقناطره، وغيرها من المنشآت التي يمكن من خلال استغلال هذا الماء بل ونقله من خلال بعض هذه المنشآت لتغذية مناطق العمران البعيدة عن هذه المصادر من الماء. وتتسرب كميات كبيرة من ماء المطر إلى باطن الأرض، وهذا الماء سعى الإنسان إلى استخراجه من خلال حفر الآبار التي تصل قيعانها إلى مستوى هذا الماء في باطن الأرض، ومن ثم عرفت الآبار كنوعية مهمة من نوعيات المنشآت التي يجلب من خلال الماء من باطن الأرض. تلقائيا إلى وفي بعض المناطق وبفعل عوامل جيولوجية يخرج الماء سطح الأرض، فينفجر عيو نا تفيض بالماء دون جهد بشرى، ويقوم الإنسان باستغلال هذه العيون واستغلال مائها في الأغراض الحياتية المختلفة في فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٠٤ مناطق عمرانه، ويتطلب ذلك إنشاءات معمارية تحافظ على ماء هذه العيون واستغلاله الاستغلال الأمثل. وفي البيئة الصحراوية التي عاش فيها الفرسطائي استخدم ماء المطر والعيون والآبار في الزراعة والأغراض الحياتية الأخرى، واستتبع ذلك إنشاء منشآت معمارية مهمة تساعد على جر الماء إلى المناطق الزراعية في إطار نظام دقيق يرتبط بكيفية قسمة الماء بين الأقوام الذين يشتركون فيه). (١لسقي مزروعاتهم وبساتينهم وجنانهم ومناطقهم العمرانية السكنية. وقد عرضت أحكام الفرسطائي لبعض الملامح المعمارية للمنشآت المائية التي وظفت لهذا الغرض، نعرض منها: :»bGƒ°ùdG `` ’k hCG السواقي هي القنوات السطحية التي تجر الماء من مصدره إلى المناطق الزراعية التي يرويها، وهذه القنوات تتكون من مجرى يحفر في الأرض له في الجانبين جسران، وهذان الجسران يمنعان تسرب الماء إلى الأرض أو وغالبا ما كانت الساقية محفورة بالتربة،العمارة المجاورة لمجرى الساقية، أو على سطحها وجسراها من التراب، ولكن هذا لا يمنع من وجود سواقي مبنية تسهل عملية كنسها وتنظيفها كلما احتاجت إلى ذلك. وعملية تنظيف الساقية من الرواسب التي تترسب فيها أو من الأعشاب التي تنبت بها أو غير ذلك، وكذلك عملية صيانتها تتطلب أن يكون للساقية حريما يساعد على ذلك، وهذا الحريم يكون من الجانبين، فقد ذكر الفرسطائي أن »حريم الساقية، غير الساقية، وهو ثلاثة أذرع )١٣٨,٢سم( من ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٤ ٣٠٥الفصل السادس :المنشآت المائية كل جانب، ومنهم من يقول :يجد مقدار موضع كنسها ولو أكثر من ثلاثة أذرع، ومنهم من يقول إن حريمها جميع ما يحتاج إليه لجميع منافعها من كنسها ومجازها وما أشبه ذلك، وحريم الممصل مثل حريم الساقية«).(١ ويشير هذا النص بوضوح إلى وظيفة حريم الساقية أو الممصل التي تتمثل في أمرين أولهما كموضع لما يستخرج من كنس القناة، وثانيهما أن الحريم يستخدم كمجاز لمراعاة صيانة الساقية أو الممصل، وهذا لا يمنع من أيضا في التوصل إلى الأحواض الزراعية على جانبي الساقية أواستغلاله الممصل. ولكن الوظيفة الأولى كانت فيما يبدو هي الأساس وراء إنشاء حريم الساقية؛ حيث قال الفرسطائي :أما »الساقية التي لا تحتاج إلى كنس، فلا تحتاج إلى الحريم إلا جواز من يمر عليها وقت الحاجة إليها«). (٢وهذا يعني إمكان وجود سواقي بدون حريم، وهذه النوعية من السواقي يكون إنشاؤها معمار يا بمواد بنائية غير التراب، ويتم تمليطها بالصهروج حتى لا تنبت فيها الحشائش، ولا تترسب فيها الرواسب كالقنوات الترابية. وقد فصلت أحكام الفرسطائي الصور التي يكون عليها حريم الساقية، فإذا كان إنشاء الساقية محدثا، فإنهم يراعون الأحكام التي سبقت الإشارة إليها في إنشاء حريم لها وفق القياس الذي حدده الفرسطائي، أو وفق رؤية الأحكام التي رآها غيره، وذكرها الفرسطائي، وهي أحكام ترتب قياس حريم ترتيبا تقدير يا يرتبط في الغالب بحجم الساقية نفسها، التي ترتبالساقية عليه تقدير ما يخرج من كنسها، فربما يزيد على ثلاثة أذرع وربما يقل. مهما أيضا وإنشاء حريم الساقية كما أنه مهم في السواقي المحدثة كان في السواقي القديمة التي لم يكن عليها العمارة التي لم يعرف لها حريم، ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٠٦ أما السواقي القديمة التي عليها العمارة فلا يحدثون عليها شي ئا). (١وهذا الحكم يعني كما سبقت الإشارة وجود سواقي بدون حريم. وتختلف السواقي في ملكياتها اختلافا يترتب عليه أحكام مهمة تتعلق بالساقية، فإن »لم يكن للرجل في الساقية إلا مجاز الماء، فلا يحسب لحريمها إلا من مجاز الماء، ويحسب جسورها في الحريم، وأما من له الساقية ومجازها، فلا يحسب جسورها في حريمها، وكذلك الممصل على هذا الحال«).(٢ ثم يعرض الفرسطائي في تفصيل معماري مهم إلى نوعية معينة من السواقي التي لا تحفر في الأرض، ولكن يكون إنشاؤها فوق سطح الأرض ـ كما سبقت الإشارة ـ فقد سئل الفرسطائي عن »الساقية إذا جازت في أرض قوم، وكانت على وجه الأرض، فرفعوا لها الجسور من تلك الأرض، فهل الجسور تثبت للساقية أو لأصحاب الأرض؟ قال :الجسور للساقية«). (٣وهذا الحكم بالإضافة إلى أنه يوثق لنوعية من السواقي تنشأ على مستوى الأرض غالبا بمستوى الأرض التي ترويها، فإنه يؤسس لتبعيةلظروف معينة تتعلق جسورها في هذه الحالة التي عرضها. ويستطرد الفرسطائي ليذكر النوعية الثانية من السواقي، وهي التي تحفر في الأرض، فيذكر أنه »إن كانت الساقية محفورة أسفل وعليها الجسور فإنه إن اتصلت إليها العمارة فالقاعد في الجسور صاحب الأرض، وإن لم تتصل بها العمارة فالقاعد في الجسور صاحب الساقية، وكذلك الممصل على هذا الحال«).(٤ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٤ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٥ - ٤٤٤ ) (٤الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٥ - ٤٤٤ ٣٠٧الفصل السادس :المنشآت المائية أيضاوهكذا يتضح أن الانتفاع بالساقية المحفورة في أرض قوم يؤسس لملكية جسورها سواء لأصحاب الأرض التي تمر بها الساقية، والتي عليها عمارة تستفيد من الساقية لأصحاب الساقية ذاتها، أما إذا كان الجميع يستفيدون منها »فالجسور بينهم«. وكانت جسور الساقية أو حريمها تمثل ـ كما سبقت الإشارة ـ مجاز ا يمكن أن يمر عليه من له حق المرور، وقد نظمت الأحكام الفقهية هذه أيضا، فقد سئل الفرسطائي عن هذا الأمر سؤالا نصه» :أما من عرفالوظيفة أنه يجوز على جسور الساقية حتى تثبت له الجواز عليها، فقد ثبت له ذلك، فإن زال من الجسور شيء، فليأخذ صاحب الساقية برده، وأما من أدرك الساقية يجوز عليها، ويجوز عليها ماؤه، ولم يعلم أن له في الساقية شيء أم لا، أو علم أنه ليس له في الساقية إلا جواز الماء وجواز نفسه فهل ينسبها إلى نفسه، ويقول :ساقيتي ومجازي وطريقي؟ قال :نعم).(١ ويشير هذا الحكم إلى رؤية عمرانية مهمة لا تتعلق بالساقية كمنشأة جزءا مائية، ولكن تتعلق باستغلال حريمها وجسورها كمجاز أو طريق يمثل من شرايين الاتصال، والمرور في المناطق التي تمر بها السواقي، فقد حافظ الحكم على استمرار هذه الوظيفة في إطار شروط معينة كثبات الحق أيضا من الناحية المعمارية على توظيفللمجتاز، ويؤكد هذا الحكم الجسر للمرور، فتصبح لها وظيفتان وظيفة أساسية تتمثل في حجز الماء ليستمر جريانه إلى المواضع التي تروي به، ووظيفة إضافية وهي استخدام أيضا بعده الاقتصادي فيجسورها أو حريمها كمجاز أو طريق. وهو أمر له مجال العمارة؛ حيث إن استغلال الأرض التي تنشأ عليها الساقية التي أرضا كان يمكنتؤدي جسورها وحريمها هاتين الوظيفتين، يوفر بلا شك ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٠٨ أن ينشأ عليها مجاز أو طريق غير المجاز الذي توفر بإنشاء الساقية بجسورها وحريمها. ومحافظة على السواقي في إطار تقاطعها مع الطرق أحيا نا، كانت تنشأ عليها القناطر بما يساعد على حمايتها واستمرارها في مجراها، واستمرار أيضا. كذلك نظمت الأحكام الفقهية أساليب كنسها، ومنعتالطريق ما يحدث من أضرار قد تسببها، ومنعت أي ضرر يقع عليها بما يساعد على استمرارها في أداء وظيفتها. والممصل كما اتضح يشبه الساقية، وتنطبق عليها أحكامها باعتباره في نسبيا باعتباره من تفريعاتها التي توصل الماء إلىهيئة الساقية، ولكنه أصغر غالبا المناطق النهائية للسواقي أو في تفريعاتأحواض الزراعة، والتي تكون جانبية لها. :ôÄÑ`dGh Ö`édG الجب :هي البئر الواسعة، وقيل :هي البئر التي لم تطو، وقيل :البئر جبا حتى تكون مما وجد لا مما حفر الناس،البعيدة القعر، وقيل :لا تكون وجمع جب جباب وأجباب وجببة). (١ويتضح من هذا التعريف أن الجب نوع من أنواع البئر يتسم بالاتساع، ولم يطو بالحجارة أو الآجر، كما أن وجوده في الأرض طبيعي، ولم يقم الإنسان بحفره، وهو مصدر مهم من مصادر المياه الجوفية سيما وأنه بعيد القعر. والبئر منشأة مائية تحفر في باطن الأرض إلى المستوى الذي يظهر فيه الماء بكميات وفيرة ومناسبة لاستخدامه في الأغراض الحياتية المختلفة ) (١ابن منظور :لسان العرب، ج /١ص ٢٥٠؛ عثمان :الإعلان، ص. ١٥٢ ٣٠٩الفصل السادس :المنشآت المائية سواء للزراعة أو غيرها. ويطوى البئر في كثير من الحالات بالحجر أو الآجر ليحافظ عليه من انهيار التربة المحيطة به، ويركب عليه آلات رفع الماء من قاعه إلى مستوى الأرض، وينشأ بجانبه بعض العناصر المعمارية لتخزين الماء أو استخدامه كالأحواض وغيرها. وتنشأ الآبار في المناطق الزراعية وفي المناطق السكنية، وكذلك في البوادي والصحاري. وتختلف حالات ملكيتها، فمنها ما هو ملكية خاصة، ومنها ما يكون ملكيته للعامة. وتحدد مواضع حفر الآبار في إطار معرفة سابقة بالمواضع التي يوجد فيها الماء في باطن الأرض، وكان لذلك شواهده وعلاماته التي يتخصص في معرفتها أهل النظر والخبرة في هذا المجال).(١ وقد عرض الفرسطائي لأحكام متنوعة تتعلق بالبئر، وهذه الأحكام تشير إلى كثير من ملامحها المعمارية وما يتصل بها من سياقات أخرى تتعلق بحفرها واستخدامها. بئرا، أو يعمل ماجلا إلاغارا أو ومن هذه الأحكام :أنه »لا يحفر الرجل في أرضه، أو أرض لا تنسب لأحد من الناس، ولا يحفره في أرضه حيث يضر به غيره من الناس بالتراب وغيره، ولا حيث يصل إليه بالحفر، أو لم يترك إليه الحريم من فوق أو من أسفل، أو يمر عليه بالطريق أو تلحقه من قبله النداوة، ولا يعمله حيث لا يستغني عن جميع منافعه من أرض غيره أو يضرها به فيما بينه وبين االله، ويجوز في الحكم ما لا يجوز بينه وبين االله، ويجوز له فيما بينه وبين االله ما يمنع منه في الحكم، وإنما يجوز له في غارا ولمن يمنعهالحكم، ولا يجوز له فيما بينه وبين االله مثل من حفر ) (١للاستزادة، راجع :ابن وحشية )أبو بكر( :كتاب الفلاحة النبطية، معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، في إطار معجم فرانكفورت، ألمانيا الاتحادية١٩٨٤، م، الجزء الأول، ص ص. ٤٨ - ٤٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣١٠ صاحبه حتى توارى الرجل فيه، فإنه يدرك طريقه على جاره في أرضه إن لم يكن له في أرض طريق يمر فيه، وكذلك البئر إن حفره في أرضه وليس له مجاز إلا في أرض غيره، أو الماجل إن عمله في أرضه وليس له مجاز إلا في أرض غيره، ولم يكن له ما تقف فيه المواشي حيث تسقى من ذلك البئر إلا في أرض غيره، فمكثت مقدار ما ثبت ذلك، فقد ثبت له في الحكم، ولا يجوز له فيما بينه وبين االله، ولا يدركه في الحكم«).(١ ويحدد هذا الحكم الأرض التي تنشأ عليها البئر، والشروط التي تجب مراعاتها عند إنشائه، وبخاصة فيما يتعلق منها بإحداث الضرر، وما يتصل بالبئر من منافع قد لا تتوفر في أرض صاحب البئر، ويستغل الأرض المجاورة لغيره لتحقيق هذه المنافع كالطريق إليها، أو الساحة المجاورة لها، التي تتسع للمواشي التي تشرب منها في حالة إن لم يكن للبئر حريمها جدا من الناحية المعمارية؛ حيثالذي يحقق هذه المنافع، وهي أمور مهمة تشير إلى وجود حريم للبئر من أسفل ومن أعلى، وحريم البئر من أسفل له علاقة بما جاوره من آبار أخرى قد ينزف ماؤها هذا البئر المحدث، وله علاقة مما قد يحدث من ضرر حفرها مجاورة لمنشآت سابقة. وحريمها من أعلى يحقق غاية الانتفاع بها من توفير المساحة المناسبة التي تتسع لحركة من يستخدمون البئر في السقي وغيره. مهما، فذكر أنوقد فصل الفرسطائي أحكامه عن حريم البئر تفصيلا »الآبار على ثلاثة أوجه» :القديمة والمحدثة وما لا يعرف أنها قديمة ولا محدثة، فالمحدثة ما لا يعرف أنها قديمة، أو محدثة فلا حريم لها، فأما القديمة فحريمها أربعون ذرا عا، وحريمها غيرها من كل جانب، وإنما يحسب له من كل جانب، ومنهم من يقول عشرون ذرا عا من كل جانب، ولا يحسبون ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٥٢ - ٤٥١ ٣١١الفصل السادس :المنشآت المائية البئر نفسها، ومنهم من يقول في البئر المحدثة إن كانت المواشي تسقى منه أن يكون حريمها أربعين ذرا عا من الناحية التي يسقون منها المواشي، وإن كان المواشي يسقون من نواحيها كلها فحريمها أربعون ذرا عا من كل ناحية، ومنهم من يقول عشرون ذرا عا، ومنهم من يقول :يكون له الحريم مقدار ما تقف فيه المواشي في الوقت الذي تسقى فيه قل ذلك، أو كثر، وكذلك العين التي يسقون منها المواشي، حيث ثبت ذلك عليها بكون حريمها مقدار ما تقف فيه المواشي في الوقت التي يسقونها، ولو كان أكثر من حريمها وإنما ينظر في ذلك إلى مواشي العامة، وكذلك مواشي الخاصة تثبت لذلك الخاصة، ولا تثبت لغيرهم«).(١ وهذا الحكم المتعلق بالحريم يشير إلى أن الآبار كمنشأة معمارية لجلب الماء كانت من المنشآت التي تزداد حركة إنشائها مع ازدياد حاجة العمران إليها. ولذلك تنوعت ما بين آبار قديمة وآبار محدثة، وذكر الفرسطائي أن الآبار المعروف أنها قديمة هي التي يكون لها الحريم، أما الآبار المحدثة أو التي لا يعرف أنها محدثة أو قديمة فلا حريم لها. وهذا الحكم له بعده العمراني المهم المتصل بالحاجة إلى إنشاء آبار محدثة في نطاق عمراني ازدادت فيه العمارة، وتطلب هذا إنشاء هذه الآبار المحدثة، والتي يمكن ألا تتوفر لها مساحات فضاء بجوارها لعمل حريم لها، ومن ثم جاء الحكم بما يتوافق وظروف إحداثها وإنشائها. أما الآبار القديمة، فقد حدد الفرسطائي حريمها بأربعين ذرا عا )١٨,٤٨ متر( من كل جانب، وأشار إلى أحكام غيره الذين حددوا الحريم بعشرين مترا( من الحدود ذرا عا من كل جانب، ولا يحسبون البئر نفسها )أي ٩,٢٤ : بناء فوهة البئر. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٥٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣١٢ أيضا عمل الحريم للبئر المحدثة التي تسقى منهاوقد أجاز غيره المواشي، وحددوا هذا الحريم بأربعين ذرا عا من الناحية التي تسقى منها المواشي، وإن كانت المواشي تسقى من جميع نواحيها، فيكون الحريم من جميع النواحي، بينما رأى غيرهم أن يكون تقدير مساحة الحريم في البئر أيضا في إطار عدد المواشي التي تسقى من هذه البئر، سواء قلتالمحدثة المساحة عن أربعين ذرا عا أو زادت عنها. وهذه الأحكام المرتبطة بحريم البئر وبخاصة التي تسقى منها المواشي تشير إلى أهمية حريم البئر في تأدية وظائفها، واختلاف مساحة الحريم مباشرا بالنظرية المعماريةباختلاف طبيعة الاستخدام. وهو ما يتصل اتصالا التي تربط الشكل بالوظيفة Form Follow Functionفحريم البئر مرتبط بوظيفته. وتنظم الأحكام الفقهية الأمور المتعلقة بالآبار وما يشابهها من منشآت أخرى تحفر في باطن الأرض كالمواجل أو الغيران، وما كان يحدث من حالات تتعلق بها في إطار الممارسة والرغبة في زيادة العمران، فقد ذكر بئرا غير البئر التي أنشأها،الفرسطائي أن »من أراد أن يزيد ماجلا آخر أو وكان طريقها من أرض جاره وثبت له، فلا يجوز له ذلك، ويمنعه جاره في الحكم، ولا يزيد في الماجل أو الغار أو البئر ليوسعها، فيرفع أكثر مما يحمله، وقبل ذلك من المياه والمنافع؛ لأن ذلك زاد على جاره المضرة في كثرة المجاز عليه، وكذلك كل ما يزيد الجواز في أرض جاره إلى منافع تلك العمارة، فإنه يمنعه جاره من ذلك، وأما النقصان إن أراد أن ينقص من المعاني التي ذكرناها فذلك جائز له، لأنه نقصان من المضرة لا يمنعه جاره من ذلك إن أراد صاحبه أو جيرانه، إلا إن كان منه نفع غير ذلك المكان«).(١ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٥٢ ٣١٣الفصل السادس :المنشآت المائية ويشير الحكم إلى حالات زيادة في عدد الآبار في موضع ما لسبب أو لآخر أو نقصان في منافعها قد يحدث في إطار الظروف التي قد تتطلب زيادة عدد الآبار المتجاورة في موضع ما، أو حتى نقصانها. ويلاحظ أن الحكم يجيز للجار أن يمنع صاحب البئر الذي يمر الطريق إليه في أرضه من هذه الزيادة، وذلك في منعا إطار منع الضرر بزيادة حركة المرور إلى البئر لحمل الماء، ولا يمنع ذلك مطلقا، سيما وأنه يجيز ذلك إلى ما كان فيه تحقق منفعة ما في إطار موافقة صاحب الأرض. وهذا التنظيم الذي يحرص على منع المضرة أو جلب المنفعة في إطار احترام الملكية الخاصة، يأتي في إطار القاعدة الأساسية الإسلامية التي تقوم على درء المضار، وجلب المنافع أيما كان السبيل إلى ذلك. وفي إطار هذا السياق يجيز الحكم لصاحب البئر أن يصلحه ويزيد كفاءته، بأن يزيده عم قا، بشرط ألا يزيد المجاز على جاره. وله أيضا أن يرمم بناء البئر أو المواجل). (١وهذا يساعد على استمرار الآبار في أداء وظائفها مما يدفع حركة العمران التي تخدمها. :π`LÉadG الماجل وحدة معمارية تبنى في تخوم الأرض في الدور وغيرها، يجتمع فيها ماء المطر في موسم سقوطه، ويخزن بها لاستخدامه في أغراض الحياة المختلفة، والمواجل إما أن تكون مكشوفة وإما أن تكون مهما لها فقال :إن العهد عندنا في بناء وصفا مغطاة، فقد ذكر ابن الرامي واسعا في المواجل أن يجعل لها بابان، باب يبنى منه، وينزل منه، يكون وسطه داموسة، وباب آخر يستقى منه يكون ضيق ا في جانب الماجل«).(٢ ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٥٣ - ٤٥٢ ) (٢ابن الرامي :الإعلان، ص ص. ٢٢٦ - ٢٢٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣١٤ والماجل بهذه الهيئة يناظر صهاريج الماء التي انتشرت في عديد من المدن والبلاد الإسلامية، وكشف عن نماذج منها في الربذة)، (١وتنيس والمهدية). (٢التي ذكر القزويني أن شرب أهلها من الصهريج البالغ عددها صهريجا بعدد أيام السنة يكفيهم كل يوم صهريج إلىثلثمائة وستون تمام السنة، ومجيء المطر في العام المقبل).(٣ والمواجل منها ما هو للخاصة، ومنها ما هو للعامة. ويشير ابن الرامي إلى انتشارها في تونس تحت الدور لتخزين مياه الأمطار؛ حيث كانت توجه إليها الميازيب التي تسقط الماء من سطح الدار إلى فتحة الماجل أسفل الدور الأرضي للدور). (٤وتشير أحكام الفرسطائي إلى أمثلة مشابهة من المواجل التي حفرت في باطن أرض غير بعض الدور لتخزين الماء).(٥ وتكشف أحكام الفرسطائي عن ملامح معمارية أخرى للمواجل في العمارة الإباضية، فيذكر أنه »إن قلت مساقيه )الماجل( فأراد )صاحبه( أن يزيد له مساقي أخرى فلا يجد ذلك إن لم يكن في الأرض التي جازت فيها تلك المساقي شيء، أو التي يجوز فيها ما فضل عن ذلك الماجل من الماء، ويزيد ذلك في الماجل مما لم يكن له قبل ذلك، فيزيد الجواز في أرض جاره، ويكثره من بعد قلته، فإن زاد هذا كله فتركه، ولم يمنعه حتى مكث مقدار ما يثبت فيه، فأراد أن يمنعه، فلا يجوز ذلك، وكذلك إن أراد غير صاحب الماجل أن يزيد إليه مساقي لم تكن له قبل هذا أو يرد إليه قناة جسره، فإنه ) (١الراشد )سعد( :الزبدة صورة من الحضارة الإسلامية المبكرة في المملكة العربية السعودية، نشر جامعة الملك سعود١٩٨٦، م، ص. ٢٤٤ ) (٢عثمان :المدينة الإسلامية، ص. ٢٧٦ - ٢٧٠ ) (٣القزويني )زكريا بن محمد بن محمود( :آثار البلاد وأخبار العباد، بيروت، د.ت، ص. ٢٧٦ ) (٤ابن الرامي :الإعلان، ص. ٣٦٨ - ٣٦٧، ٣٥٩ - ٣٥٦ ) (٥الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٥٤ ٣١٥الفصل السادس :المنشآت المائية يمنعه صاحب الماجل من ذلك«). (١وهذا الحكم بتفاصيله يشير في أكثر من موضع إلى وجود مساقي للماجل تجر إليه الماء. وواضح أن هذا في المواجل التي تكون في المناطق الخالية من المنشآت السكنية أو غيرها من المباني، ولكن يكون في المناطق الزراعية، وهو ما يشير إلى أن المواجل كانت بمثابة خزانات للمياه في المناطق الزراعية تستخدم في وقت الحاجة للري. ويحتاج الماجل كل مدة للإصلاح والترميم، وإلى كنس ما يترسب به من رواسب كل فترة، وقد أشارت الأحكام الفقهية إلى ذلك، فقد ذكر الفرسطائي أنه »يكون لصاحب الماجل موضع يضع فيها ما يكنس من ذلك الماجل من التراب، أو موضع يضع فيه ما يصلحه به من الجير والحجارة وغيرهما من جميع ما يصلحه به«). (٢وهذا الحكم يتضمن إشارتين معماريتين مهمتين، أولاهما أن يكون بجانب الماجل مساحة من الأرض تستوعب كناسته، أو يوضع بها الحجارة والجير اللذين يستخدمان في إصلاح ما لعله ينهدم من بنيان الماجل. والإشارة الثانية تتعلق بمواد البناء المستخدمة في إصلاح الماجل، وهي المستخدمة بالطبع في بنائه، وهي الحجارة والجير. فالحجارة مادة البناء الرئيسة، والجير يستخدم كمونة للبناء أو في تمليط الجدران من الداخل حتى يسهل تنظيفه، ولا يتسرب الماء بين المداميك الحجرية المشكلة لبناء جدران الماجل. ويشير الفرسطائي إلى عنصر معماري آخر مهم يتصل بالماجل يسمى »بقناة الماجل«، وهي القناة التي يصرف منها الماء إلى أغراض استخدامه، وقد اتضح ذلك مما ذكره الفرسطائي من أن »صاحب الماجل« إن أراد أن يحول قناة ماجله عن موضعها الأول، ليصرف بها ما يخرج من الماء عن ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٥٥، ٤٥٣ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٥٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣١٦ جاره، فيمنعه منه جاره أو يضيقه بعد سعته، أو يوسعه بعد ضيقه، فإنه يمنعه من ذلك كله«).(١ وقد نظمت الأحكام الفقهية ما يحدث من حالات اختلاف بين صاحب الماجل وأصحاب من جاوره من الأرض، بما يمنع الضرر ويحقق الفائدة. وتشير الأحكام إلى بعض مظاهر الضرر التي قد يسببها جيران صاحب الماجل مثل التراب والسماد الذي يوضع في مساقي الماجل فتغير الماء، وتفسده، أو منع الجار صاحب الماجل من صرف الماء من خلال القناة التي تمر من أرضه، وهو المنع الذي يعني عدم استخدام الماء لمدة طويلة، فيصبح آس نا، أو أن يعمر صاحب الأرض أرضه بعمارة تضر بعمارة الماجل سببا في إحداثكأن تلحق به النداوة، أو تزرع بجواره أشجار تكون عروقه ضرر بالماجل حين تنفذ إلى جدرانه، أو أن ينبش عليه طريق لم يكن قبل ذلك، ومنهم من يقول كل ما يضره لا يعمره بذلك، ولو أكثر من حريمه وهو خمسة أذرع من سعة أسفله، وليس في فمه يحسبون خمسة أذرع«).(٢ وهذا الحكم الذي يبين بعض أسباب الضرر التي تلحق ماجل من أصحاب الأرض التي تجاوره، وتضمن إشارة معمارية مهمة لحريم الماجل، فذكر أن هذا الحريم خمسة أذرع )٢,٣١متر(، وحدد قياس هذا الحريم، فذكر أنه ليس من مستوى »فم« الماجل، ولكل من مستوى القاع. وهذا التحديد يومئ إلى أن اتساع الماجل عند مستوى القاع عن اتساعه عن مستوى »فمه«، مهما يتصل بأحد عناصروصفيا مصطلحا معمار يا كما تضمن الحكم الماجل، والذي أطلق على فتحته حيث استخدم الفرسطائي لفظ »الفم«، ويومئ هذا اللفظ إلى أن هذا الماجل من النوع المغطى. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٥٤ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٥٤ ٣١٧الفصل السادس :المنشآت المائية أيضا إلى أن الماء الذي يصل إلى الماجل يمكن أنوقد أشارت الأحكام يكون من مساقي صاحبه، ويمكن أن يكون من مساقي غيره من الناس، فقد ذكر الفرسطائي أنه »إن كان الماجل لرجل معروف أو لقوم مخصوصين أو للأجر، فإنما يصل إليه الماء من مساقي غيره من الناس، وعلى ذلك أدركوه، ثم أرادوا بعد ذلك أن يمنعوا عنه الماء فلا يجدون ذلك، إلا إن كانوا قبل ذلك يمنعون عنه فضلته من الماء فليمنعوها سواء كانت تلك المساقي للعامة أو للخواص، أو المواجل للعامة أو للخواص، الجواب فيه واحد«).(١ ويشير هذا النص والنصوص السابقة المتعلقة بمساقي الماجل إلى أن هذه المساقي تجر الماء من مصدره كالعيون إلى الماجل بغية تخزينة في زائدا عن حاجة الري ليعاد استخدامه وقت الحاجة.فترة يكون فيها الماء ومن الأحكام المهمة المتصلة بالاستفادة من ماء الماجل ما ذكر أن ماء ماجل العامة لا يباع، ويستعمله العامة ويملئون منه زقاقهم)، (٢وأوعيتهم بدون ثمن، ولا يجوز لهم بيعه، أما ماء الماجل الخاص، فإنه يجوز لصاحبه بيعه).(٣ :ø`«`©`dG العين :عين الماء، والعين الذي يخرج منه الماء، والعين ينبوع الماء الذي ينبع من الأرض ويجري، أنثى، والجمع أعين وعيون، ويقال :غارت عين الماء، وعين الركية :تفجر ماؤها ومنبعها، وفي الحديث» :خير المال ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٥٥ ) (٢الزقاق :جمع زق، والزق :السقاء، وجمع القلة زقاق. ابن منظور )جمال الدين محمد بن مكرم( :لسان العرب، دار صادر، بيروت، ج /٧ص. ٤٢ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٥٦ - ٤٥٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣١٨ ونهارا).(١ عين ساهرة لعين نائمة«، أراد عين الماء التي تجري ولا تنقطع ليلا وتتفجر عيون الماء فينساب ماؤها على سطح الأرض، ويمكن أن تظهر العيون عند الحفر لسبب أو لآخر إلى مستوى ما في بطن الأرض فتظهر العيون. وانتشرت العيون في بلاد الشمال الإفريقي في منطقة الصحراء جنوب الجزائر وتونس وفي منطقة جبل نفوسة)(٢؛ حيث استغل ماؤها في الزراعة في المناطق الزراعية، فقد كانت الأرض تروى بمائها بجانب ماء المطر وماء الآبار). (٣في المنطقة الصحراوية التي استوطنها الإباضيون في بلاد الشمال الإفريقي. والاعتماد على ماء العيون في الزراعة كان أقل تكلفة من المصادر الأخرى التي تحتاج إلى آلات رفع الماء كالآبار. كذلك استخدم ماء العيون في الأغراض الحياتية الأخرى، وبخاصة في المناطق السكنية كالدور والقصور وغيرها. وكانت ملكية هذه العيون إما مشتركة بين العامة أو مملوكة للخاصة والأفراد، وينظم استخدامها وتقسيم مائها أحكام فقهية عديدة ـ سنعرض لنماذج منها ـ تبين إلى أي مدى كان للعيون أهميتها في حياة المجتمع الإباضي سواء في مناطق عمرانه الزراعي أو في المناطق السكنية المختلفة. وفي البداية نعرض للأحكام التي تتعلق بحريمها )حريم العيون(. أولا ـ حريم العيون: عالج الفرسطائي بعض المسائل المتعلقة بحريم عيون الماء، فذكر أن »العيون على ثلاثة أوجه منها عين أولية، والمحدثة والتي لا تعرف أنها ) (١ابن منظور :لسان العرب، ج /١٠ص. ٣٥٨ ) (٢الورفلي )محمد سالم المقيد( :بعض الآثار الإسلامية بجبل نفوسة في ليبيا، موقع تالوت الثقافي، ص. ٦٣ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ٣٥١ ٣١٩الفصل السادس :المنشآت المائية قديمة أو جديدة، وذكر أن المحدثة ليس لها حريم، والقديمة لها حريم، وحريمها مائة ذاع، ومنهم من يقول أربعون ذرا عا، ومنهم من يقول خمسون ذرا عا ) ٢٣,١٠متر(، ومنهم من يقول خمسة وعشرون ذرا عا )١١,٥٥م(، ومنهم من يقول عشرون ذرا عا )٩,٢٤متر(، وقيل حريمها حريم العمارات كلها، وهي خمسة أذرع ) ٢,٥١متر(. وأما التي لا تعرف أنها محدثة فحكمها حكم المحدثة، ومنهم من يقول إن حكمها حكم القديمة، وحريم العين غير العين، وإنما يحسب من الموضع الذي لا يزول منه ماؤها في وقت جريها دائما ينظر في ذلك إلى ما أدركوها عليه سواء في ذلك ازدادتإلى العمارة على مقدارها أو انتقصت منه، وكذلك إن غار ماؤها فلا يزول حريمها، ومنهم من يقول إن أيسوا منها ولم يطمعوا في انجبارها فإنه يزول حريمها، ويعمرون أرضهم، وإن كانت منها في أقل من حريم العين يجاوز الحريم العمارة، وكذلك كل عمارة ثبتت في أقل من حريم كل ما يكون له حريم، فلا يجاوز الحريم تلك العمارة).(١ ويتضمن هذا الحكم دلالات معمارية مهمة أولها أنه يحدد عدة قياسات لحريم العين، حسب آراء الفقهاء تتدرج من خمسين ذرا عا إلى أربعين إلى خمسة وعشرين إلى عشرين إلى خمسة أذرع. وهذا الاختلاف في تحديد قياس الحريم في آراء الفقهاء ربما يكون سببه اختلاف أساليب الارتفاق بماء العين، وبخاصة سقي المواشي التي تكثر أو تقل في إطار عدد المواشي التي تسقي منها. كما أشار الحكم إلى كيفية تحديد القياس من حدود الماء الدائم في العين وقت إنشائها؛ حيث إن حريم العين يحدد عند إنشائها، كما يشير الحكم إلى أن العيون قد يزداد ماؤها أو ينقص، وهذا الأمر يرتبط بعوامل جغرافية طبيعية وبشرية، كما أشار إلى أن بعض العيون يغور ماؤها وينضب، وإذا نضب ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٢٠ ولم يكن هناك ما يدل على عودة الماء إليها، فإنه يمكن عمارة الحريم وإنشاء المنشآت المعمارية أو غيرها في هذا الحريم للاستفادة من أرض الحريم. كما يشير الحكم إلى أنه من الممكن أن تظهر عين في منطقة توجد بالقرب منها عمارة مجالا يسمح بعمل الحريم لها وفق ما نصت عليه آراء الفقهاء، وفي هذه الحالة لا يجاوز الحريم تلك العمارة. وهذه الدلالات المعمارية لها أهميتها في كشف المواقع التي كانت بها عيون، أو التي تأسيسا على وجود حريمما زالت بها. وكذلك لها أهميتها في تأريخ ظهورها العين من عدمه، أو عدم تجاوزه العمارة القريبة من العين، فربما يقل عن خمسة أذرع، وهو أقل قياس ذكرته الأحكام لحريم العين).(١ وكان من المهم المحافظة على حريم العيون حتى وإن غار ماؤها أو تحسبا لعودة مائها في أي وقت. فقد ذكر الفرسطائي أنه إذا »اشتركنضبت أرضا وفيها عين أو بئر أو ماجل أو غار، فاقتسماها، وجعلا الماجل أورجلان الغار أو العين أو البئر حد ما بينهما، فإنه يدرك كل واحد منهما على صاحبه حريم ذلك البئر أو العين أو الماجل أو الغار، فإن دفنت البئر أو غارت العين أو انهار الغار أو انهدم الماجل، فأراد أحدهما أن يعمر في حريم ذلك مما يليه في أرضه، فمنعه صاحبه، فإن كان ذلك يرجى جبره، وكونه على حاله الأول فله ذلك، وإن كان لا يرجى رجوعه فلا يمنعه إلا من حريم العمارة، وإن كانت كل تلك المعاني لغيرهما والأرض لهما فلا يحدثان في حريمهما الأول شي ئا، ولو أنه لا يرجى جبره، ومنهم من يقول يجوز لهما أن يعمرا أرضهما كلها ويتركا حريم تلك العمارة إلى بقعة البئر أو العين أو الغار أو الجب«).(٢ ) (١يمكن أن يكون لحجم العين أثر في تحديد حريمها، فالعين الكبيرة التي يستخدمها عدد حريما عن عين محدود الماء. كثير من الناس وامواشي تتطلب بلا شك ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٠ ٣٢١الفصل السادس :المنشآت المائية ويشير هذا الحكم إلى المحافظة على حريم العين إن كان يرجى رجوع مائها. أما إذا تبين عدم رجوع مائها فإنه يحق لهما الاستفادة من حريم العين في العمارة إذا كانت أرض الحريم لهما، أما إن كانت لغيرهما فلا يحق لهما ذلك. وهذا الحريم يبين إلى أي مدى كان السعي في تحقيق منفعة العمران سواء كانت تلك المنفعة من العين أو حريمها بعد أن ينضب ماؤها. كما يشير ضم نا إلى أن بعض العيون كانت تنضب؛ مما يؤثر في طبيعة عمارتها، وكذلك عمارة الأرض التي تعتمد عليها في الري، وهو ما ينتج تعديلات عمرانية ومعمارية مرتبطة بهذا الأمر له دلالاته الأثرية والمعمارية. مواضع بعض عيون الماء وأثرها المعماري: ورد في ثنايا أحكام الفرسطائي ما يشير إلى مواضع مختلفة من عيون الماء.. فمن هذه العيون ما وجد في المناطق الأثرية للأولين، والتي هجرت لسبب أو لآخر، وعاود الإباضيون تعميرها، فتظهر أثناء عملية الإعمار بعض عيون الماء).(١ ومن العيون ما يظهر أثناء إجراء عمليات الحفر للعمارة كحفر الخندق).(٢ الذي يحيط بالقصر أو بالبلدة لها إن كانت محصنة سيما وأن الحفر كان يصل إلى أعماق تصل إلى حوالي ثمانية أمتار. وقد أشار الفرسطائي إلى الحكم الذي يتعلق بملكية مثل هذه العين واستغلالها، والتي تظهر في الخندق فقال» :إن خرج لهم بئر أو عين في الخندق، فإن ذلك يكون لهم كما اشتركوا في بقعة الخندق، ويتمانعون ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٤٤٠، ١٦٦ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١، ١٨٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٢٢ أيضا مما يحدثون على تلك البئر أو العين من العمارات كلها، ولو كان ما ينتفعون به لشربهم وغسل ثيابهم وما أشبه ذلك من المنافع، إلا إن اتفقوا على ذلك«).(١ كما كان في بعض الدور عيون، وهذه العيون كان استخدامها يطلب تحديد المجاز والطرق التي تؤدي إليها لاستغلال مائها، وبخاصة آخرون غير أصحاب الدار. وهذا النوع من العيون يكون سابق ا على إنشاء الدار، ثم تنشأ الدار محيطة به، وقد تكرر هذا في منشآت مائية أخرى كالبئر والجب، ووحدات سكنية كالغار؛ حيث تكون هذه الوحدات سابقة لإنشاء الدار، ثم تنشأ الدار محيطة بها فتصبح ضمن وحدات الدار. وهذه العناصر القديمة السابقة لإنشاء الدار والتي تكون في باطن أرض الدار وتصبح داخل حدودها أو تخومها، لها دلالتها الأثرية في التأريخ، وفي تأثيرها على تخطيط الدار. وأشار الفرسطائي إلى خروج بعض العيون القديمة التي وقعت في ساحة القصر، وكانت سابقة على إنشائها، وهذه العيون إن كانت تضر بعمارة القصر يقوم أصحابه بمنع ضررها).(٢ صيانة عيون الماء: تحتاج عيون الماء إلى صيانة دائمة تحافظ على استمرار فيض مائها، وعدم دفنها، ومن إجراءات الصيانة التي كانت تحقق ذلك كنسها) (٣مما قد يتراكم فيها من أتربة أو رمال تحملها الرياح. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٨١ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٧٢ ) (٣الفرسطائي :القسمة، ص. ٥١٥ ٣٢٣الفصل السادس :المنشآت المائية وكذلك كان التوجيه لإصلاح العيون أو إعادة ما دفن منها، فقد ذكر أرضا، أو ورثوها، أو وهبت لهم، فوجدوا فيهاالفرسطائي أنه »إن اشترى قوم دارا مهدومة، فأراد ساقية أو ممصلا مدفو نا، أو غارا مدفو نا أو عي نا أو بعضا على إصلاح ما انهدم من هذه المعاني فإنهم يدركونبعضهم أن يأخذ عليهم ذلك، وكذلك إن قصدوا إلى هذه المعاني التي ذكرناها من الدور والبيوت والعيون والسواقي والمماصل والغيران، فاشتروها وهي مهدمة، فإنهم يتآخذون على إصلاح ذلك«).(١ وهذا التوجيه لإعادة عمارة هذه المنشآت المعمارية ومن بينها العيون يشير إلى الاهتمام بترميم وإصلاح ما تهدم من منشآت طالما كان في الإصلاح منفعة. وهذا التوجيه يصب في الاتجاه إلى الاقتصاد المعماري الذي يعيد منشأة إلى وظيفتها بتكلفة أقل من تكلفة إنشائها. كما أنه يحافظ على زخم العمران المستمر بالمحافظة على القديم، وإنشاء الجديد، وهو ما يأتي في إطار مفاهيم التنمية المستدامة. ويأتي في إطار المحافظة على العيون ذلك الحكم الذي يمنع إنشاء طريق محدث بجانب العين).(٢ وفي ضوء ما سبق يتضح أن العيون من المنشآت المائية المهمة سواء في المناطق الزراعية أو في المناطق السكنية؛ فقد كانت بعض المناطق الزراعية تعتمد في نشأتها على هذه العين أو تلك، فقد ذكر الفرسطائي أنه أرضا معلومة، أو كانت »إذا كان لقوم عين ماء، فاتفقوا على أن يعمروا بها لهم ساقية أو نهر، واتفقوا على طرقها وسواقيها وهذا جملة، فكل ما اتفقوا أن يعمروا به، فلا يجد أحدهم منع شيء من ذلك، ويعمرون بذلك كيفما ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ٢٠٩، ٢٠٨ ) (٢الفرسطائي :القسمة، ص. ١٥٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٢٤ تمكن لهم على نظر ذوي النظر منهم، ولا يقعد بعضهم لبعض في تلك الطرق والسواقي بالعمارة ولا بغيرها فيما عمر في الأرض ولا فيما لم يعمر، بعضا من مصالح عمارتهم مثل الحيطان والزروب وأشباهولا يمنع بعضهم ذلك إلا من باع منهم أو وهبه لغيره، فلا يدرك هو بعد ذلك شي ئا، وقد بطل أرضا غير التي اتفقوا عليها منما كان له قبل ذلك، وأما من أراد أن يعمر تلك الطرق والمجازات، فلا يجد ذلك إن منعوه، وإن أذنوا له أن يعمر فعمر لا يمنعوه من ذلك«).(١ وهذا الحكم يجسد بصورة واضحة كيفية نشأة منطقة عمران زراعية اعتمادا على عين ماء كانت في أرضها؛ حيث يبين أن عين الماء هيمشتركة الأصل الذي يعتمد عليه العمران الزراعي باعتبار أهمية مائها في ذلك، ثم يعرض لكيفية تخطيطها في ضوء موضع هذه العين وما ينشأ بها من طرق ومجازات، وأن هذا التخطيط كان يقوم به المتخصصون من أهل النظر، كما يلاحظ أن الحكم وجه لمنع عرقلة أي من الشركاء لتنفيذ هذا التخطيط بعضا من إنشاء الحيطان والزروبأيضا بعضهم وتلك العمارة، ولا يمنع اللازمة لتحديد حماية أرضهم ومزروعاتهم. وطرح الحكم ما يتعلق بإمكانية تعمير أرض إضافية مجاورة لهذه الأرض التي اشتركوا فيها، ويوجه الحكم إلى أن ذلك ممكن إذا أذن له أصحاب الأرض التي بها العين بذلك، كما أيضا الحق في منعه. أوضح أن لهم واضحا لتعمير منطقة زراعية تقوم زراعتها على عيننموذجا ويمثل هذا ماء. وهذا النموذج يمكن تصوره في حالات عمران أرض زراعية أخرى تعتمد على مصدر ماء آخر كالسواقي والآبار. ) (١الفرسطائي :القسمة، ص. ١٢٣ ٣٢٥الفصل السادس :المنشآت المائية وفي ضوء ما سبق يتضح أن المنشآت المائية التي وردت في كتاب القسمة منها ما هو مصدر للماء كالسواقي والآبار والجباب والعيون، ومنها ما كان يستخدم في تخزين لسبب أو لآخر كالمواجل والأحواض، وهذه الأخيرة كانت تأخذ ماءها إما من الأمطار أو من الماء الفائض من جميعا ترتبط بمجاري السواقي والعيون، ويحتاج إلى تخزينه، وكانت وقنوات للماء، للتزويد أو الصرف، وكانت هناك شبكات فرعية من السواقي والمماصل توصل الماء إلى مواضع استخدامه سواء في الري أو في الأغراض الحياتية الأخرى. ومعرفة هذه المنشآت المعمارية المائية وما كان يتصل بإنشائها وتشكيلها وصيانتها وترميمها، واستمرار عمارتها من الأهمية بمكان للدراسات الآثارية المعمارية التي تستفيد بلا شك من كل المعلومات المعمارية والأثرية التي تضمنتها الأحكام، ولا شك أنها تفيد كل من يعمل في مجال الآثار أو في مجال تاريخ العمارة الإسلامية كشفا وتوثيق ا ودراسة وبحثا لجلاء الصورة الحضارية التي تجسدها العمارة الإباضية في العصور الوسطى. وهذه المنشآت وبخاصة التي تخدم المناطق الزراعية العمرانية والتي تعمل في إطار الأحكام المتصلة بمنظومة قسمة الماء بين المستفيدين به في هذه المناطق الصحراوية التي تعرفه قيمته تتصل بالبساتين والجنان، وما بها من أشجار مثمرة كالزيتون والنخيل، وكذلك المزروعات الأخرى من الحبوب كالشعير وغيره من الخضروات. وهي القيمة التي لها صلة وثيقة بالمحافظة على العمران الزراعي، تلك المحافظة التي تردد صداها في أيضا بالأرض المحروثة التي تحديدا. والمتعلقة الأحكام المتعلقة بالغروس عرضا مفصلا يحتاج إلى دراسةتزرع بالحبوب. والتي عرض لها الفرسطائي فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٢٦ متخصصة من جانب الفقهاء وغيرهم من المهتمين بالنشاط الزراعي).(١ ويتأسس على هذا النشاط الزراعي تربية الحيوانات والطيور التي تمد المجتمع الإباضي بما يحتاجه من منتجات حيوانية وداجنة توفر مع المنتجات الزراعية من زيت الزيتون والتمور مصدر الغذاء الرئيس في هذا المجتمع الصحراوي البسيط. ) (١تختص دراستنا بالنشاط العمراني المتصل بالتخطيط العمراني للمدن، والمنازل، والقرى، وعمارة ما بها من منشآت معمارية تخدم غرض السكنى والإقامة والعبادة والتحصين. وهو الهدف المباشر لهذه الدراسة. القسم الثاني فقه العمران الإباضي في عمان )بالمشرق العربي( الباب الثاني فقه العمران في عمان دراسة في »جامع ابن جعفر ـ بيان الشرع ـ المصنف« الفصل الأول مصادر فقه العمران الإباضي في عمان م حتى نهاية القرن 6هـ12/ الفصل الأول :مصادر فقه العمران الإباضي في عمان فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٣٠ »°VÉHE’G ¬≤ØdG äÉYƒ°Sƒe »a IQÉa©dGh ¿Gôa©dG ¬≤a ...ôé¡dG ¢SOÉ°ùdG ¿ô≤dG ≈àM واضحا في مجال التراث الفقهيإسهاما العمانيون الإباضيون أسهم الإسلامي متأسين بذلك بالإمام جابر بن زيد الذي كان له السبق في هذا المجال، حيث كان كتاب »ديوان الإمام جابر بن زيد أول كتاب ألف في الإسلام، ويقال :إنه كان في حجمه حمل بعير).(١ تأسيا العماني بموسوعاته الفقهيةوتميز التراث الفقهي الإباضي بالإمام جابر بن زيد، ومن هذه الموسوعات التي نعرض لها في هذا مصدرا من مصادر بيانالبحث كتاب الجامع لابن جعفر، الذي كان الشرع، وكذلك المصنف وهما موسوعتان فقهيتان مهمتان في هذا التراث، وتمثل هذه الموسوعات الثلاث نماذج مهمة من الموسوعات العمانية التي اهتمت بالعمران ضمن أبوابها، وخصصتالفقهية الإباضية أبوابا خاصة تعرض لأحكام الطرق والدور والمنازل والمقابرله والأفلاج والسواقي وغيرها من المنشآت المعمارية التي تميزت بها العمانية. البيئة وابن جعفر صاحب كتاب الجامع الشهير في عمان وغيرها بجامع ابن جعفر هو العلامة الفقيه أبو جابر محمد بن جعفر الإزكوي من بلدة ) (١ابن جعفر )أبو جابر محمد بن جعفر الأزلوي( :الجامع لابن جعفر، تحقيق :عبد المنعم عامر، وزارة التراث والثقافة، عمان، الطبعة الثانية٢٠١١، م، ج ، ١تقديم المحقق، ص. ٣٠ ٣٣١الفصل الأول :مصادر فقه العمران الإباضي في عمان ازكي). (١في داخلية عمان. وهو ينتمي إلى مدرسة الرستاق، وهي إحدى مدرستين كانتا تضمان علماء عمان في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي)، (٢ومدرسة نزوى هي التي ينتمي إليها ابن جعفر. وبالرغم من كثيرا ما يستشهد بآراء انتمائه إلى مدرسة الرستاق إلى أنه في كتابه الجامع وأحكام علماء مدرسة نزوى المحايدة. وقد عاش ابن جعفر في أواخر القرن الثالث الهجري وأوائل القرن الرابع امتدادا للرعيل الأول من العلماءالهجري )التاسع عشر الميلادي(. ويمثل ) (١أزكي :قاعدة ولاية أزكى التي يحدها من الشمال ولاية سمائل ومن الجنوب ولايتا آدم ومنح، ومن الشرق ولاية المضيبي، ومن الغرب ولاية نزوى، وهي في ملتقى الطرق العمانية، وتشتمل على عديد من البرية بسلطنة عمان، والقاعدة أزكى من أقدم المدن ممثلة في القلاع والحصون والأبراج والدور، كما تشتهر بأفلاجها، ومن أشهرهاالآثار العمانية، سلطنة عمان ومسيرة الخير، فلج الملكي يعزى لمالك بن فهم. وزارة الأعلام المنطقة الداخلية، ابن جعفر :الجامع، ص. ١٣٨ ) (٢انقسم العلماء إلى فئتين :فئة محايدة بالنسبة للأحداث التي وقعت في هذا القرن، والتي تمثلت في عقد الإمامة للإمام الصلت بن مالك الخروصي سنة ٢٣٢هـ٨٥١/م، الذي حكم بالحق والعدل حتى كبر وأسن وضعف عن الإمامة والإقامة، فسار موسى بن موسى بن معد حتى نزل بلدة فرق، وتخاذلت الرعية عن الصلت فعقد موسى الإمامة لراشد بن النظر في ذي الحجة ٢٧٣هـ٨٨٦/م، وخرج فهم بن وارث ومصعب بن سليمان علي راشد بن سليمان على راشد مظفر بن راشد، وكان الإمام قد مات في ١٥ذي الحجة ٢٧٥هـ٨٨٨/م. ثم إن موسى بريء من راشد بن النظر وفسقه وضلله، وصال عليه وعزله، ثم ولى عزان بن تميم الخروصي في صفر ٢٢٧هـ ، وكان ممن حضر البيعة عمر بن محمد بن سليمان، ولبث موسى وعزان وليين لبعضهما إلى ما شاء االله من الزمان حتى وقعت بينهما الإحن، فعزل عزان موسى عن القضاء، وتخوف عزان من موسى فعاجله بجيش، وسار إلى أزكى وطفق يقتل من فيها ويأسرون ويسلبون، وقتل موسى عند مسجد حجر من محلة جبور. وفي إطار هذه الفتنة والأحداث كان انقسام العلماء إلى فئتين كما سبقت الإشارة، صنفا في مدرستين :مدرسة نزوى وهي المحايدة في ضوء ما حدث، ومدرسة الرستاق، والتي رفضت إمامة راشد بن النظر. ابن جعفر :الجامع، تقديم المحقق، ص. ١٢ - ١٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٣٢ والفقهاء الإباضيين أمثال جابر بن زيد وعبد االله بن إباض، وأبي عبيد مسلم بن أبي كريمة التميمي والذين نالوا من علم فقهاء الطبقة الثانية أمثال محبوب بن الرحيل، ومنير بن النير الجعلاني وبشير بن المنذر النزواني وموسى بن أبي جابر الأزكوي، وكان لهم تأثير فمن جاء من بعدهم أمثال محمد بن عبد االله بن محمد بن بركة السليمي الشهير بابن بركة والشيخ أبي الحسن علي بن محمد، وسمير بن أبي بكر الأزكوي وأبي سعيد محمد بن سعيد الكدمي). (١وهكذا تتواصل حلقات العلماء الفقهاء الذين يتناقلون المعرفة والعلم جيلا بعد جيل، وكان لكل منهم دوره في الجمع والإضافة. وابن جعفر ـ كما تقر الدراسات ـ كانت له مكانته بين نظرائه، كما أنه أدى دوره كاملا في إيمان وتقى وفي أمانة ورضا، وأنه خلف من بعده منارا تشع فيه أنوار الفقه الإباضي في المشرق العربي وفيمصنفه الجامع بلاد المغرب العربي). (٢ويؤكد على ذلك اعتبار جامعه مرجعية مهمة في كثير من الأحكام الفقهية التي تعرض لها الموسوعات الفقهية الإباضية، وافيا، شرحا وقدمت له الشروح؛ حيث وضع له العالم الجليل ابن بركة وألف الشيخ أبو سعيد الكدمي كتابه المسمى المعتبر على حذو نصيب كبيرا حتى إن الدرجيني ذكر أنانتشارا جامع ابن جعفر). (٣كما انتشر كتابه عائدا من عمان كان معه»الحاج عيسى بن زكريا لما وصل إلى بلاد المغرب كتاب جامع ابن جعفر«). (٤ويأتي هذا الانتشار في إطار الاتصال الوثيق الذي والعمانيين ونظرائهم من فقهاء جبل نفوسةربط بين فقهاء وعلماء المشرق ووادي ميزاب في بلاد المغرب العربي. ) (١ابن جعفر :الجامع، تقديم المحقق، ص. ١٣ ) (٢ابن جعفر :الجامع، تقديم المحقق، ص. ١٣ ) (٣ابن جعفر :الجامع، تقديم المحقق، ص. ١٤ ) (٤ابن جعفر :الجامع، تقديم المحقق، ص. ١٤ ٣٣٣الفصل الأول :مصادر فقه العمران الإباضي في عمان وقد عرض ابن جعفر في جامعه لكثير من الأحكام المتصلة بالبعد العمراني الفقهي، فكانت له أحكامه المتعلقة بالطرق والأفلاج والمساجد وغيرها. واعتمد على هذه الأحكام في ذات الأبواب كل من صاحبي بيان الشرع والمصنف، كما سيتضح من دراسة هذه الأحكام. ويعتبر كتاب بيان الشرع الجامع للأصل والفرع من أهم المؤلفات الفقهية الإباضية المشرقية، فهو موسوعة فقهية شاملة، والراجح أنه واحد جزءا، ويقال أنه فقد منها جزآن أحدهما السابع والعشرونوسبعون »الكتاب في الزكاة«، وقد أبدله الشيخ مداد بن عبد االله بن مداد التابعي )ق ١٠ - ٩هـ١٦ - ١٥/م(، والثاني معهما الجزء الرابع والعشرون وهو في أحكام الحج، وقد أبدله الشيخ عبد االله بن عمر بن زياد الشفطي )ق١٠هـ١٦/م(. ومؤلف بيان الشرع أبو عبد االله محمد بن إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد االله بن المقداد الكندي من أهل سمد في نزوى )ت٥٠٨ :هـ(. وبعد وفاته قام الشيخ أبو بكر أحمد بن عبد االله بن موسى الكندي صاحب كتاب المصنف في جمع وترتيب كتاب بيان الشرع؛ حيث كان الكتاب مبعثرا في أوراق متفرقة، وغير مرتب على أجزاء وأبواب، فرتبه صاحب المصنف، وأصلح خلله، وأكمل النقص الذي في بعض أبوابه، وقدم له بمقدمة بليغة تدل على مكانة الكتاب).(١ أبوابا مهمة مفصلة في عمران وعمارة الأفلاجوتضمن كتاب بيان الشرع والسواقي، كما عرض للطرق والدور والمنازل والمقابر وغيرها من المنشآت ) (١للاستزادة، راجع :البادي )ناصر بن خلفان بن خميس( :أحكام المياه وتصاريفها الشرعية من خلال كتابي المصنف وبيان الشرع، ندوة الفقه الحضاري، فقه العمران ٦ - ٣أبريل سنة ٢٠١٠م، عمان، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ص ٦٠من البحث. ٨٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٣٤ أيضا صاحب المصنف فيأساسا اعتمد عليه المعمارية في تفصيل مهم كان مهما من مصادره. مصدرا كثير من المواضع، وتمثل أيضا من الموسوعات الفقهية الإباضية المهمة مؤلفهو»المصنف« أبو بكر أحمد بن عبد االله موسى الكندي )ت٥٥٧ :هـ١١٦٢/م(، ويتألف هذا جزءا، وحوى على أصول وفروع الشريعة، ويتميزالكتاب من واحد وأربعين بسعة العرض للموضوعات، وتفصيل المسائل، وتناولها من جوانب مختلفة، وإيراد أقوال العلماء من علماء غير المذهب، مع المقارنة والترجيح والمناقشة وطرح الرأي والتعليق).(١ وقد اعتمد في كتابه على كثير من أقوال وأحكام العلماء والفقهاء السابقين عليه، كما عرض رؤيته ومناقشته التي تمثل بلا شك إضافات مهمة. أحكاما فقهية تتعلق بعمارة المساجد وعناصرهاوتضمن المصنف المعمارية، وبخاصة الأعمدة، وحكم الصلاة بينها، وكيفية الصلاة في وجودها، وهي أحكام يمتد أثرها إلى تخطيط المسجد، وفي الجزء السابع عشر عرض الكندي بتفصيل مهم للطرق مبي نا أنواعها، وقياساتها، والأحكام المرتبطة بما لعله يصدر من مشكلات عن استخدامها، وارتباطها بالنسيج العمراني للقرى والبلاد والمدن، وعرضت هذه المشكلات في هيئة أسئلة أو مسائل، تتطلب إجابات عن حالات معمارية وعمرانية معينة، تعكس مشكلات اجتماعية معينة، تتصل في الأساس بموضوع الملكية، وكذلك موضوع استخدام الطرق للمرور أو غير ذلك من الاستخدامات الطارئة؛ كوضع مواد البناء أو المحاصيل. كما عرضت الأحكام لإصلاح الطرق وصيانتها وترميمها وتحويلها. ) (١البادي :أحكام المياه، ص. ٨٩ - ١٣ ٣٣٥الفصل الأول :مصادر فقه العمران الإباضي في عمان كما عرض صاحب المصنف للجدران المشتركة في الدور، وضرر الكشف الذي يتصل بها، وتوفير الخصوصية لأصحابها، كما تضمن المصنف أحكاما لحالات تهدم الدور لأسباب طارئة، كما ناقش بإسهاب موضوع حريم البحر والنهر والمسجد والطريق والقبر والساقية وغيرها، وهو موضوع في غاية الأهمية لدراسة النسيج العمراني للمستقرات السكنية الإباضية، كثيرا في أحكام الأفلاج؛ إنشاءها وتصريجها وإصلاحها وترميمهاوفصل وتقسيم مياهها، وما يرتبط بها من شبكات السواقي، وما يرتبط بهذه الأخيرة من مجازات مجاورة لها، أو قناطر تنشأ فوقها. وهذه الأبواب التي تعالج البعد العمراني والمعماري لها أهميتها الخاصة التي تعكس عمران المستقرات الإباضية وعمارتها حتى نهاية القرن السادس أيضا مرجعية لمصادر الفقه الهجري /الثاني عشر الميلادي، وهي أحكام كانت الإباضي في مجال العمران في القرون اللاحقة، وهو ما يبرز أهميتها ليس فقط في دراسة العمارة والعمران الإباضي حتى نهاية القرن السادس الهجري، أيضا أهميتها في دراسة هذا الفقه حتى العصر الحديث باعتبار تسلسلولكن أجيال العلماء الذين يؤسسون على من سبقهم، ويضيفون ما يستحق الإضافة التي تناسب نوازل عصرهم. الفصل الثاني الطرق الفصل الثاني :الطرق فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٣٨ سبقت الإشارة إلى أن الطريق يمثل أساس التخطيط العمراني للمستقرات السكنية، وقد أدركت أحكام الكندي أهمية الطرق ومهما في التخطيط العمرانيأساسيا محورا وأحكامها باعتبارها والمعماري بالمستقرات السكنية، وقد اعتمد فيما ذكر من أحكام تتعلق مهما يربطتصنيفا بالطرق على جامع ابن جعفر الذي صنف هذه الطرق طبيعة عمران المستقر السكني الذي نشأت فيه، وباعتبار وظيفتها. وهذا أيضا ما ورد من مسميات أو نعوت ميزتالتصنيف مهم لأنه يفسر تمييزا يرتبط ـ كما سبقت الإشارة ـ بطبيعة العمران،طريق عن آخر وبوظيفة الطريق. وهذه الدراسة التي تعرض لهذه الأحكام تتبع نفس المنهج الذي ورد في بيان الشرع في عرض الأحكام المتعلقة بالطرق في إطار اعتبارين مهمين، أولهما عضوية وتراتب الموضوعات المتعلقة بالطريق، وثانيهما أن تتاح للقارئ في إطار هذه الدراسة مراجعة النص الأصلي الذي ورد في كتاب بيان الشرع. وتبدأ الأحكام المتعلقة بالطرق بتحديد نطاقها العمراني، فتذكر أن هذه تحديدا والقرى من أصغر أنماط المستقراتالأحكام تتعلق بالطرق في القرى السكنية إذا ما قورنت بالمدن أكبرها أو بالبلاد أوسطها. وتعرضت الأحكام إلى أنماط هذه الطرق في إطار معايير محددة تتضح من تعريفها وأحكام نعرضها فيما يلي: ٣٣٩الفصل الثاني :الطرق :õFÉédG ≥jô£dG `` ’k hCG مهما يرتبط بعدد الأموال).(١ عمرانيا تعريفاعرفت الأحكام الطريق الجائز حدا أدنى قدره أربعة أموال، فإذا قلتالتي تطل عليه، وحددت لذلك الأموال عن ذلك فالطريق غير جائزة). (٢وهناك من يرى مثل أبو سعيد أن الطريق الجائزة هي التي تكون خمسة أموال والسادس الجائز، ثم عاد ليذكر أن هناك من قال »أربعة أموال والخامس جائز، وقال من قال ثلاثة أموال، والرابع جائز، وكل هذا يرجع القول فيه إلى إجماع القول فيما يثبت على جائزا في أحد الأقاويل، غير أنها تموت بعد ذلك في الأموالحكم أن يكون فتصير في حكم الأملاك«). (٣وهذه الأحكام لها دلالتها العمرانية التي تعني أن معيار الطريق الجائز أن يكون مطلا عليه كحد أدنى أربعة أموال، وأن هناك من جعل هذا الحد خمسة أموال، وهناك من جعلها ستة أموال. ثم يعرض الكندي لأحكام أخرى تبين أن الطريق الجائز يدخل تصنيفه طريق ليس عليها أموال، وهي نافذة بمعنى أنها تنفذ من طريق جائز إلى طريق آخر جائز. وهذه الحالة لهذه الطريق النافذ الذي يربط بين طريقين جائزين تدخل هذا الطريق في تصنيف الطريق الجائز برغم أنه لا توجد أموال تطل عليه. ويبدو أن هذا الحكم انسحب على مثل هذا الطريق باعتبار ربطها بين طريقين جائزين. ومن المهم أن نشير إلى أن الطريق الجائزة يمكن أن تكون نافذة بمعنى أنها تتصل من طرفيها أو تصب فيها طرق أخرى، كما يمكن أن تكون هذه ) (١يقصد بالأموال هنا أي نوع من الأموال المؤسسة على الأرض سواء كانت فضاء، أو مزروعة، أو فيها أي نوع من أنواع البنيان لأفراد أو لمجموعة من الناس. ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٨ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٤٠ الطريق الجائزة غير نافذة بمعنى أنها تصب في طريق نافذة من طرف واحد، وقد أوضحت المصادر الفقهية الأخرى بالرسم مثل هذه الحالة)). (١شكل. (١٢ وفي إطار الأحكام المتعلقة بالطريق الجائزة أورد الكندي ما ذكره أبو علي الحسن بن أحمد) (٢عما ورد عن هذه النوعية من الطريق؛ حيث ذكر »فيما أحسب وما تقول في طريق المقابر أهي طريق ثابت أم لا، وما يكون جائزا إلى كم من قبر، فأما الطريق إلىجائزا أو غير جائز، ومتى تصير طريقا المقابر التي تخرج من القرية إلى الظاهر فهي ثمانية أذرع، فأما جوازها فيعتبر أمرها إن كانت مما تموت في الأملاك، وأما بالتقدير فلم أعرف شي ئا، واالله أعلم، وكذلك من أراد أن يحيى موا تا قرب القبور عليه أن يفسح عنها أم لا، فإذا أراد أن يعمر حول القبور فسح عنها ما لا يصح بها إذا كانت حدا«).(٣ الأرض موا تا غير مربوبة ولم أعرف في ذلك وهذا الحكم بنصه يكشف عن أن الطريق الجائزة جاءت تسميتها بهذا قبورا، الاسم في إطار اعتبار المنشآت والأموال التي تخدمها حتى ولو كانت كما أن هذا النص يشير إلى أن الطريق الجائزة إلى القبر يمكن أن تنشأ على الأرض الموات، ويمكن أن تكون مملوكية لأصحاب الأموال التي تمر عليها. وهذا يكشف عن بعد آخر مهم يتعلق بملكية هذه النوعية من الطرق، ) (١عثمان :محمد عبد الستار :في شوارع المدينة الإسلامية وطرقاتها، مجلة العصور، المجلد الثاني، الجزء الثاني١٩٨٧، م، دار المريخ للنشر، لندن، شكل رقم ، ١٤عن سعيد عبد الغفار في كتابه السعيديات. ) (٢هو أبو علي الحسن بن أحمد بن محمد بن عثمان المقري النزوي، من علماء القرن ٦هـ، ومن أشهر علماء زمانه، كان مسكنه بالعقر في نزوى، وبنى فيها مدرسة على حسابه الخاص، قاضيا للإمام الخليل بن شاذانوهو شيخ محمد بن إبراهيم الكندي مؤلف بيان الشرع، وكان على اختلاف الروايات، توفي 5سنة ٥٧٦هـ ، واالله أعلم). ابن جعفر :الجامع، ج /٥ ص ٥٨هامش )، (١عن :إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان، ص. (٢٥٠ - ٢٤٨ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٥١ ٣٤١الفصل الثاني :الطرق وإمكان إنشائها على الأرض الموات إذا كانت تؤدي إلى القبور لجواز الناس فيها وصولا إلى هذه القبور. ومن المهم الإشارة الواردة عن قياس طريق المقابر؛ حيث حدد لها قياس ثمانية أذرع ) ٣٧٩,٨سم(، وبهذا تتسع للمارة الحاملين للجنازة. ومن أيضا إلى أن الأحكام الفقهية فصلت فيما يتعلق بقياسات هذاالمهم الإشارة النوع من الطرق في القرى، فقد ورد أن »الطريق الجائزة اختلفت في الأحكام في تحديد قياسه فهناك من حدد اتساعه بثمانية أذرع ) ٣٦٩,٦سم(، وهناك من ذكر أن اتساعه ستة أذرع ) ٢٧٧,٢سم(، وإن وجدت الطريق أوسع من ذلك فهو بحاله، وقال أبو سعيد) :(١وهذا إن صحت الطريق على أحد في ماله، ولم يعرف كم ذرعها بالبينة، فقد قيل هذا وقيل هذا، وإن اختلفت جعلت سبعة أذرع ) ٣٢٣,٤سم(، وفي ذلك خبر عن النبي ژ أنه قال :إذا اختلفوا جعلت سبعة أذرع على معنى قوله، وأما إذا أدركت فهي بحالها، ولو كانت أكثر من ثمانية أذرع، ولا نعلم في ذلك اختلافا. وعن أبي معاوية، وأما الحكم فإن الطريق الجائز تكون عرضها سبعة أذرع إلى ثمانية أذرع«).(٢ وهذه القياسات مهمة للدراسات العمرانية والآثارية حال الكشف عن أمثلة منها، كما أن هذه الأحكام يلاحظ أن مرجعيتها تستند إلى الأساس الذي حدده الرسول ژ حال الاختلاف في تقدير اتساعها بين أصحاب الأموال المطلة عليها. ويلاحظ أن القياسات التي حددتها الأحكام الفقهية ) (١هو العلامة أبو سعيد بن محمد بن سعيد بن محمد بن سعيد الناعبي الكدمي، من كدم من أعمال ولاية الحمراء، وهو من العلماء الكبار المحققين، ومن أئمة المذهب الإباضي الذين يقتدى بهم، وله كتاب الاستقامة وكتاب المعتبر، وتعقيبه على كتاب الأشراف لابن المنذر النيسابوري، والجامع المفيد وغيرهما). ابن جعفر :الجامع، ج ، ٤هامش )(١؛ إتحاف الأعيان في تاريخ بعض أهل عمان، ج /١ص. (٢١٧ - ٢١٥ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٤٢ الإباضية للطريق الجائزة في القرى تتراوح ما بين ستة إلى ثمانية أذرع ) ٢٧٧,٢سم إلى ٣٦٩,٦سم(. وإذا حدث اختلاف تكون المرجعية القياس الذي حدده الرسول ژ وهو سبعة أذرع )٣٢٣,٤سم(. ويلاحظ أن الأحكام حددت الحد الأدنى للاتساع أما إذا أنشئت طريق ا باتساع أكبر فإنها تبقى على قياسها، ذلك أن اتساع الطريق له منافعه ولا يتسبب في مضرة. :óFÉ≤dG ≥jôW الطريق القائد حسبما ورد في بيان الشرع هي الطريق التي لا تنقطع إلى مال من الأموال، ولا تستفرغ، وهي جائز إلى خراب من القرية).(١ وهذا التعريف يعني أنها تندرج تحت النمط السابق الذي سبقت الإشارة إليه، لكنها تتميز بأنها لا تنقطع إلى مال، أي لا تنتهي إلى مال، ولكنها تؤدي إلى مكان خراب خارج القرية. وهذا التعريف يشير إلى وجود مناطق خربة يمكن أن تكون مجاورة للقرى، وتؤدي إليها هذه النوعية من الطرق »أن تخرج من الخراب حتى تدخل العمار من البلد ثم تخرج إلى الخراب). (٢والاهتمام بهذه النوعية من الطرق يعكس رؤية عمرانية خاصة، فوجود مثل هذه النوعية من الطرق يساعد على تعمير هذه المناطق الخربة).(٣ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٩ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٩ ) (٣دعت الأحكام الفقهية إلى تعمير المناطق الخربة سواء بملاكها أو بغيرهم بعد توجيه السلطان لأصحابها بضرورة عمارتها، فإن لم يمكن فيمكن أن يسمح السلطان لغيرهم بعمرانها. مبلغي )آية االله أمجد( :القواعد الفقهية لفقه العمران، ندوة الفقه الحضاري، عمان٢٠١٠، م، الطبعة الأولى، ج /١٠ص. ٤٨ ٣٤٣الفصل الثاني :الطرق :∫RÉæadG ≥jôW ذكرت الأحكام المتعلقة بقياسات الطرق هذه النوعية من الطرق، وأشارت إلى أن »طريق المنازل أربعة أذرع«) ١٨٤,٨). (١سم(. ويلاحظ أن هذا القياس يميل إلى الضيق النسبي، وهو ما ينعكس بالتأكيد على علاقة المباني المطلة على طرق المنازل بهذه الطرق، وبخاصة فيما يتعلق بندرة الأخاريج حيث إن هذا الاتساع لا يمكن من إنشاء مثل هذه النوعية من الأخاريج كما هو في كثير من المدن الإسلامية التي يسمح اتساعها بإنشاء مثل هذه العناصر المعمارية. ويعكس التطبيق الميداني والعملي في المستقرات السكنية الإباضية في عمان هذه الحقيقة بوضوح).(٢ وهناك بعض الأحكام التي ربطت بين عدد المنازل واتساع الطريق إليها، فقد جاء في كتاب الضياء »البيت والبيتان والثلاثة والأربعة لها أربعة أذرع، فما زاد عن الأربعة بيوت لها ستة أذرع«).(٣ : ́ƒ£≤adG ≥jô£dG الطريق المقطوع في الأحكام الفقهية الإباضية هو الطريق الذي لا ينفذ إلى طريق جائز ولا إلى خراب من ظاهر واد أو شرجة، فهذا طريق مقطوع، جائزا إذا كان حكمه حكم الجائز التي تنفذ إليه، فإذا استحقتويكون الأموال كان الطريق مقطو عا يقطعه من استحقاق الأموال«). (٤وتوصيف الحكم لهذا الطريق أنه طريق جائز إذا كان حكمه حكم الجائز ـ وقد سبقت ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٨ ) (٢سنعود لدراسة نماذج من هذه العمارة في عمان في المجلد الثالث من هذه الدراسة. ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٥٣ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٤٤ الإشارة إليه ـ كما أنه لا ينفذ إلى طريق جائز ولا إلى خراب من ظاهر، مجاورا لها، كما أنهويقصد هناك بكلمة »ظاهر« ظاهر القرية، أي خارجها لا يؤدي إلى وادأو شرجة، والشرجة كما ذكر صاحب لسان العرب »سيل الماء من الحرة إلى السهل، والشرج جنس لها، وفي الحديث :إن أهل المدينة اقتتلوا وموالي معاوية على شرج من شرج الحرة«).(١ ومن خلال ما ذكر من أوصاف لهذا النوع من الطرق يتضح أنه »مقطوع«، أي غير متصل بطرق جائزة أخرى أو وديان أو خرابات أو شرج. وهو ما يشير إلى إمكانية وجود طريق من هذا النوع بهذا الشكل في القرى عمرانيا وآثار يا، ووجود طريقبعمان يجب اعتباره في دراسة طرقهاالإباضية أيضا ارتباطه بأموال أو منشآت تطل على جانبيه تبدو فيبهذه الهيئة يعني إطار ملامح هذه الطريق منفصلة عن النسيج العمراني للقرية الذي يلتحم من خلال اتصال شبكة طرق. ويفترض في هذا النمط من الطرق أن يكون مؤد يا إلى أموال أصحابه، ومنها يتوصلون إلى شبكة الطرق في القرية. : ́ƒaôadG ≥jô£dG عرف الطريق المرفوع بأنه »لمن كان له طريق ولورثته من بعده، ولا يزول بزوال المال، إلا أن يشترط في ذلك عند بيعه، والطريق تبع المال إلا أن يكون حملا نا على أحد من الناس في ماله«). (٢وهذا التعريف مرتبط بنوعية من الطرق يرتبط ثبات وجودها بحالة ملكيتها وعلاقتها بالأموال التي تؤدي إليها، وبما قد يشرط من شروط عند بيع المال. وهذا الحكم يعني إمكانية إلغاء طريق قائم، إذا اشترط ذلك عند بيعه. وهذا التغيير الذي يمكن ) (١ابن منظور :لسان العرب، ج /٨ص. ٤٩ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٩ ٣٤٥الفصل الثاني :الطرق أن يحدث في مثل هذه الحالة مهم للتفسير الآثاري والعمراني لموقع أثري وقعت فيه هذه الحالة. :óeÉ°ùdG ≥jô£dG قال أبو المؤثر» :طريق السامد ثلاثة أذرع الأرضين والنخل«). (١ويبدو أن هذا الاسم مشتق من عملية التسميد للأرض والنخل، والتي كانت تتم بنقل السماد إليها على الدواب أو غيرها. ويرجح أن هذا الطريق سمي بهذا الاسم في إطار هذه الوظيفة، فقد ورد في إحدى المسائل التي عرضها الكندي في موضع آخر مسألة» :ورجل له مسقى أرض ونخل على أرض، فطلب إليه طريقا لسماده، وحمل ثمرته على الحمير، هل له أكثر من ذراعين لطريقه )؟(. قال :ليس له إلا من طريق تابع، قلت له :كيف يصنع بسماده وثمرته. قال: يحمل على رؤوس العبيد حتى يحمل الثمرة، ويدخل السماد إلا أن يكون له عليه أكثر من طريق تابع فهو له«).(٢ :TMHÉàdG ≥jô£dG ورد في الأحكام الفقهية المتعلقة بهذه النوعية من الطرق أن »طريق التابع يجري حكمها على حكم المجاز لمنافع الأموال). (٣كما ورد في موضع آخر »ولقد قيل طريق التابع إلى الماء ذراعان). (٤وفي إحدى المسائل التي جاءت في هذا السياق مسألة :قال محمد بن سعيد الذي عرفنا أنه إذا كانت ساقية جائز أو غير جائز أن طريق التابع على جميع السواقي كانت ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٩ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٦١ - ١٦٠ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٥٠ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٥٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٤٦ جائزة أو غير جائزة ذراعان، وإن كانت على الساقية طريق معروف يسلكه التابع على الماء على أحد الوجينين). (١فالآخر تبع للأول فلا حجة لصاحب الوجين الثاني إلا أن تصبح عليهم حجة حق توجب عليهم طريقا ثاب تا، وإن لم يكن لهذه الساقية طريق تابع معروف كان الطريق لأصحاب الساقية بين جميعا بالحصص، وذلك إذا كانت فيها أجائيل،أصحاب الساقية على الوجينين ولم يكن فيها أجائل. (٢)«... وتتكرر النصوص ضمن الأحكام المتعلقة بالطريق التابع). (٣ويفهم من سياق هذه النصوص بوضوح أن الطريق التابع هو الطريق الذي ينشأ مع إنشاء الساقية على جانبيها اللذين يمكن استخدامهما أو أحدهما طريقا، وسمي بالطريق التابع؛ لأنه يتبع الساقية ويباشر منه صاحب المال ماءه في الساقية، وكذلك يصل إلى هذا المال من خلال هذا الطريق التابع لها. وفي إطار هذه الأحكام يتضح أن القياس المتعارف عليه لهذه الطريق ذراعان ) ٩٢,٤سم(. :iô≤dG êQÉN ¥ô£dG أيضا إلى الطرق التي تنشأ خارج القرى،أشارت الأحكام الفقهية وتربط بينها أو تؤدي إلى مناطق أخرى، وهذه النوعية تختلف قياساتها بالطبع عن الطرق التي سبقت الإشارة إليها سواء التي داخل القرى أو الطرق التابعة للسواقي أو التي تستخدم في التسميد وجمع الثمر لأرض وسط أملاك آخرين. ) (١أي جانبي الساقية. ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٦٥ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٧٢، ١٦٩ ٣٤٧الفصل الثاني :الطرق وقد وردت إشارات واضحة إلى قياسات هذه الطرق، فذكرت الأحكام أن هناك من يقول أنها »أربعون ذرا عا« ) ١٨,٤٨متر( من كل جانب، وقال قوم عشرون ذرا عا ) ٩,٢٤متر( من كل جانب، واالله أعلم). (١وهذا القياس يتناسب وحركة المرور على هذه الطرق وكثافتها. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنه وردت مسألة متصلة بنوعية الذراع المستعملة في القياس، فقد ذكر الكندي مسألة »وأورد في نصها الإشارة إلى أن ما ذكره الفقيه أبو بكر أحمد بن أبي بكر الفرسطائي من أن قياس الطريق يكون بذراع وسط«). (٢ويشير هذا النص بوضوح إلى الاتصال المعرفي بين الإباضية بالمشرق وفقهاء المغرب العربي، وبخاصة فقهاء جبل نفوسة ووادي ميزاب. فقد ذكر الكندي عن ابن جعفر إشارته إلى الذراع الذي يستخدم في تحديد قياس الطريق بأنه »ذراع وسط«، وذكر الكندي هذه الإشارة وأتبعها بقوله »واالله أعلم«؛ مما يفيد أن رأيه غير محدد في هذا الموضوع، فهل القياس بالذراع الشرعي، أم بذراع وسط من أنواع الأذرع التي كانت تستخدم في العمارة كذراع العمل أو ذراع البناء وغيرها، وهي أذرع كلها تزيد في قياساتها عن الذراع الشرعي)؟().(٣ :∫RÉæadÉH ≥jô£dG ábÓY تضمنت بعض الأحكام الفقهية في بيان الشرع ما يشير إلى العلاقة العمرانية والمعمارية بين الطريق والمنازل التي تطل عليه، والتي يتوصل ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٩ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٩ ) (٣القياسات التي حددها الباحث في المتن بمعادلة الذراع الشرعي بالقياس بوحدة المتر قائمة على أساس الذراع الشرعي تأسست على أنه عندما يذكر في النصوص »الذراع« دون غالبا ينصرف إلى الذراع الشرعي. للاستزادة، راجع :عثمان تحديد نوعيه، فإن المعنى )محمد عبد الستار( :الإعلان بأحكام البنيان، ص ص. ١٧٥ - ١٧٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٤٨ أبعادا متنوعة، نعرض في السياقإليها منه. وقد اتخذت هذه العلاقة التالي أمثلة منها. أولا ـ علاقة قياس الطريق بعدد المنازل المطلة عليه: أشارت الأحكام الفقهية ـ كما سبقت الإشارة ـ إلى أن قياس الطريق يرتبط بعدد المنازل المطلة عليه، فإذا كان عدد هذه البيوت أو الدور أربعة فأقل، فإن قياس الطريق يتحدد بأربعة أذرع، أما إذا زاد عدد الدور أو البيوت عن ذلك فإن قياس الطريق يكون في هذه الحالة ستة أذرع. ولهذا الحكم دلالته الآثارية والمعمارية؛ حيث إن قياس الطريق في هذه الحالة يكون دالا على عدد الدور أو البيوت التي كانت تطل عليه عند نشأة الطريق، كما أن عدد الدور والبيوت المكتشفة أو الباقية يكون بالمثل دالا على قياس الطريق. كما تؤكد هذه العلاقة مرة أخرى على أن قياس الطريق يقوم في الأساس على منطق موضوعي مرتبط بكثافة حركة المرور فيه، فحركة مرور أصحاب أربع دور أو أربعة بيوت فأقل بالتأكيد أقل من حركة مرور أكثر من أربع دور أو أربعة بيوت، وتحديد القياس لعدد الدور أو البيوت الأكثر من أربعة كاف لحركةبستة أذرع دون حد أقصى لعدد الدور يعني أن هذا الاتساع المرور حتى في حالة زيادة عدد الدور أو ابيوت زيادة كبيرة؛ لأنه مع الزيادة أيضا في إطار يمتد الطريق وتتوزع حركة المرور فيه، وهي حركة محسوبة نوعية ووسائل الانتقال المستخدمة وهي الدواب. ثانيا ـ فتح أبواب جديدة على الطريق: يحدث في بعض الأحيان تعديل معماري يتأسس على تغيير ملكية الدور أو الأموال المطلة على هذا الطريق، فمن جواب أبي سعيد محمد بن سعيد »في رجلين لهما منزل ولهما أرضان لكل واحد منهما باب ينفذان في ٣٤٩الفصل الثاني :الطرق طريق لهما تلقا الطريق الجائز وليس على طريقهما هذه إلا بابان لهما، وهي منفذ لهما، فباع أحدهما شي ئا من منزله هذا أو شي ئا من أرضه هذه التي هي طريقها في هذه الطريق، وهذه الأرض أو هذا المنزل المشترى، وأراد الطريق الجائز، أراد المشتري لنصف هذا المنزل أو نصف هذه الأرض التي طريقها مقيما في بابا إلى هذه الطريق، وثم في هذه الطريق أن يبني أرضه، ويجعل أرضا طريقهما في هذا الطريق، غير أن البائع لمهذه الطريق بأن اشترى يشترط له طريقا في هذه الطريق إلى هذه الأرض التي باعها، قلت :هل بابا ولم يشترط طريقا لها)؟(. معي أنه إذا يجوز له أن يفتح إلى هذه الطريق أرضا أو منزلا أو مالا ولم يشترط طريقا، وللمال طريق معروف أناشترى للمشتري أن يتطرق إلى حيث ثبت طريق المال على سبيل ما أدركت الطريق وثبت له ذلك، وقيل إنه لا يثبت له إلا ما اشترى حتى يشترط الطريق أو المسقى، فإن اختلفا في ذلك، وكان عليهما ضرر في إثبات البيع على قطع الطريق عن المشتري أو إثبات الطريق والمسقى على البائع، انتقض البيع إلا أن يتتاما على شيء فذلك لهما، فإن كنت أردت هذه المعنى، فعلى هذا يخرج عندي، وإذا كنت أردت أن يجعل الأرض منزلا وأراد أن يتطرق إلى منزله، فله عندي إذا ثبت له الطريق إلى الأرض أن يجعلها منزلا، ويتطرق فيها إلى منزله، ولا يزاد في الطريق على طريق الأموال لإحداث المنزل، قلت :وكذلك إن كان طريق هذين المنزلين في هذه الطريق، وليس على هذه الطريق إلا بابين والطريق لهما نصفان، فباع أحدهما نصف منزله لرجلين، فجعل كل واحد منهما باب ا إلى هذه الطريق، وصار فيهما أربعة أبواب بعد أن كانا منها بابان فمنعهم ذلك رب المنزل الآخر، وقال هذه الطريق إنما هي بابا ثالثا، وقد شرط لهما البائع الطريق أو لم تمر إلى بابين، فلا يفتح فيها يشترط )؟(. قلت :بم يحكم لهما وعليهما في هذا كان المشتري يقدر على طريق توصله إلى الطريق الجائز لم لا )؟(، فمعنى أنه قد قيل إذا كانت فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٥٠ بابا لم يكن إلا برأي أربابالطريق غير جائز لم يكن لأحد أن يفتح فيها الطريق. وإذا ثبت لهذا المشتري لهذا المنزل الطريق، ولم يثبت لهم فتح أبواب كان لهم أن يتطرقوا على سبيل ما كان يتطرق البائع، فإذا صار المال جائزا إذا بالمشترين خمسة أموال تقسم، فقد قيل إنه تصير الطريق بذلك ثبت لهم الطريق، وصار المال لهم على هذا الطريق خمسة أموال مشاعة«).(١ وهذه الحالة التي يعرضها هذا الحكم لها أهميتها التي تبين ما يمكن أن يحدث من تعديل في هيئة المنشآت التي تطل على الطريق، فيصير المنزل منزلين أو أكثر، ومن ثم تتطلب المنازل الجديدة التي حدثت نتيجة البيع أبوابا جديدة لها تصل بينها وبين الطريق.والتغير المعماري الناشئ عنه وهذا التعديل يلاحظ أنه محكوم بنوعية الطريق، فإذا كانت الطريق وعمرانيا أن طريقا جائزة جائزة يمكن فتح هذه الأبواب. وهذا يعني معمار يا بها أربعة دور واتساعها أربعة أذرع يمكن أن يزيد عدد المنازل فيها عن أربعة، ولا يمكن أن يزيد اتساع الطريق لثباته، فتنشأ حالة عمرانية تبدو ظاهر يا مخالفة للحكم الذي يحدد اتساع الطريق بستة أذرع إذا زاد عدد الدور عن أربعة. وهذه الحالة التي تبدو مخالفة يمكن تفسيرها في إطار هذا الحكم بأن بعض الدور التي في هذا الطريق الذي يبلغ اتساعه أربعة أذرع، وعدد الدور فيه أكثر من أربع نشأت نتيجة ما حدث من تصرفات بالبيع أو غيره، فزاد عدد الدور وبقي اتساع الطريق على حاله. أما الحالة المتفرعة الواردة في هذا الحكم والمتصلة بذات الموضوع، وهي فتح أبواب جديدة على الطريق، فهي حالة فتح أبواب في طريق غير جائزة، أي أن عدد المنازل فيها أقل من أربعة. فإن الحكم يمنع فتح هذه ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٥٥ - ١٥٤ ٣٥١الفصل الثاني :الطرق الأبواب، ويجعل التطرق إلى هذه الطرق كما كان يمكن الحال قبل البيع، وهذا يعني معمار يا أن التطرق من الجزء المباع من المنزل سيكون بالضرورة من خلال الجزء الباقي من المنزل. ومن الملفت للانتباه أن الحكم يعرض لصورة أخرى من صور البيع يجوز فيها فتح الأبواب في الطريق غير الجائزة، وهي أن يباع المال إلى أكثر من مشتري بحيث يصبح عدد الأموال بعد البيع خمسة أموال. وعند حدوث هذه الحالة يمكن أن تفتح لكل مال باب من هذه الطريق. ويتأسس هذا الحكم على الأساس الفقهي في حكم الطريق الجائز الذي تكون فيه الأموال خمسة فأكثر. وهو ما يعني بعبارة أخرى ـ أن الطريق تحولت نتيجة هذا البيع من طريق غير جائزة إلى طريق جائزة، وهذا الحكم يشير ضم نا إلى أهمية التصنيف الفقهي للطرق، والذي سبقت الإشارة إليه، والذي وضعه المؤلف في مقدمة حديثه عن الطرق باعتبار أنه أساس مهم لتفصيل ما يترتب عليه من أحكام. وقد منعت الأحكام الفقهية فتح الباب الجديد قبالة باب آخر دون أن يأخذ الذي يريد فتح هذا الباب موافقة أصحاب الباب المقابل). (١وهذا الحكم شائع في كل المذاهب الفقهية الإسلامية؛ لتجنب ضرر الكشف، فإذا أراد الجار المقابل فتح باب لداره فإنه ينكب عن باب الدار المقابلة، وهو ما يعرف معمار يا بظاهرة تنكيب الأبواب).(٢ ومن المهم أن نشير إلى أن ظاهرة تنكيب الأبواب رغم شيوعها في العمارة الإسلامية، إلا أن هناك حالات خاصة تظهر فيها أبواب الدور المطلة ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٥ ) (٢عثمان :الإعلان بأحكام البنيان، ص. ٥٥عثمان )محمد عبد الستار( :عمارة سدوس التقليدية دراسة أثرية معمارية دراسة حالة، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، ١٩٩٩م، شكل رقم /٢صأ. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٥٢ على الطريق متقابلة، وتفسير هذه الحالات النادرة أن يكون ملكية الدارين تبعا انتفاء ضرر الكشف، كما أن هناكالمتقابلتين لفرد واحد بعينه، وهذا يعني حالات أخرى يظهر سبب وجودها ما ورد في بيان الشرع من إمكان أن يوافق بابا بمنزله مقابل باب دراه).(١صاحب دار لصاحب الدار المقابلة أن يفتح وقد يحدث بعد فتح هذا الباب أن يتضرر الذي أذن بفتحه من وجود هذا الباب، ويطلب إزالته. وقد عرض الحكم الفقهي لهذه الحالة، فذكر أن »إن أذنوا له ثم طلبوا أن يزيله عنهم، هل لهم ذلك )؟( :قال يعني أنه إذا كان فتحه بإذنهم، ولم يكن لهم في الأصل ذلك أعجبني أن تكون لهم الرجعة ضررا أعجبنيفي ذلك إذا ثبت فيه معنى ضرر عليهم، وإن لم ير العدول فيه إن ثبت في الطريق الجائز إذا كان بإذنهم).(٢ ويكشف التطبيق العملي لهذا الحكم عن إمكانية وجود باب لدار مقابل باب دار أخرى، ويؤمر بإزالته، وتكون الإزالة بسد فتحة هذا الباب بالبناء، وهذا الأمر مهم من الناحيتين الأثرية والمعمارية لتفسير ما يكشف من حالات تثبت هذا التطبيق، كما أن الإزالة تؤكد الاهتمام بإزالة ضرر الكشف بعد ثبات وجوده من خلال التطبيق. ويستطرد صاحب بيان الشرع فيذكر أن بعض حالات فتح الأبواب مقابلة لأبواب الدور في الجانب الآخر من الطريق كان يمكن أن يحدث بدون إذن أصحاب الدور الأقدم المقابلة، فيقول» :إن كان فتح الباب بلا إذنهم غير أنه أدل عليهم في ذلك، قال هي إذا خرج ذلك معنى الدلالة ما يعقل ويعرف في ذلك كان عندي معنى الإذن«).(٣ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٥ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٥ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٥ ٣٥٣الفصل الثاني :الطرق ومن المشكلات التي تتعلق بالأبواب المتقابلة للدور، تلك المشكلة التي تتعلق برغبة مشتري الدار المقابلة الأحدث توسعة باب داره المقابل لباب الدار الأقدم. وقد أشار الحكم الفقهي أنه »ليس لصاحب الدار الحديثة أن »يزيد في هذا الباب شي ئا«). (١وهذا منطقي في إطار منع ضرر الكشف الذي يزيد في حالة توسعة الباب أو زيادة ارتفاعه. :ÖjRÉ«adGh ¥ô£dG الميازيب من العناصر المعمارية المهمة التي تساعد على تصريف ماء المطر من أعلى أسطح المنشآت المعمارية، وتوجيهه إلى الطريق أو غير ذلك من المواضع التي تمكن من الاستفادة به. والعلاقة بين الطرق والميازيب تأتي في هذا الإطار. وقد عرض صاحب بيان الشرع لعديد من الأحكام الفقهية التي تتعلق بالميازيب التي تصب ماء المطر تجاه الطريق. ومن هذه الأحكام ذلك الحكم الذي يتعلق بالميزاب »إذا كان على ميزابا أطول منه أو أقصر كان منزلا أو الطريق ثم عاب أيجوز أن يجعل مسجدا أو غيره«).(٢ مسجدا )؟( الذي عرفت أنه لا يجوز كان مبدئيا أن طول الميزاب أو وهذا الحكم له دلالته المعمارية التي تعني ضررا، ويكون قصره عند إنشائه لأول مرة يكون في إطار اعتبارات لا تسبب إنشاؤها في إطار توافق بين أصحاب الدور في هذا الطريق أو ذاك، وبخاصة ضررا للمار أيضا ألا تسبب الميازيبالدور المتقابلة، كما أنه من المفترض في الطريق أثناء خروج الماء منها إلى نهر الطريق).(٣ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٦ - ١٩٥ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٨ ) (٣عثمان :الإعلان، ص. ٢٢٧ - ٢٢٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٥٤ والحكم بإحلال ميزاب جديد في موضع الميزاب القديم لكونه أصبح معيبا، والالتزام بعمل الميزاب الجديد بنفس قياس الميزاب القديم سواء كان ذلك في دار أو في المسجد، وعدم جواز تطويله عن قياسه القديم أو تقصيره يعني ثبات قياس الميازيب في حالة عمل ميازيب جديدة بدلا من المعيبة، وهذا الثبات له أهميته المتصلة بالدراسات التحليلية الآثارية أيضا بقياسات اتساعالمعمارية للميازيب في إطار قياساتها التي ترتبط نوعيات الطرق. كذلك أشارت الأحكام الفقهية إلى أن الميازيب التي تصب ماءها في الطريق تبقى على الوضع الذي أنشئت عليه في الأصل، ويعتبر هذا أيضا ثبات التوجيه عند إعادة إصلاحها أو تجديدها. وهذا يعني )(١ مواضع الميازيب التي تصب ماءها في الطريق على الوضع الذي أنشئت عليه في الأصل حتى في حالات الرغبة لتجديدها لعيوب تطرأ عليها، أيضا بالمقياس الذي كان عليه الميزاب من حيثويلتزم عند التجديد الطول والقصر والعرض. من الأحكام المهمة المتعلقة بالميزاب على الطريق ما أورده الكندي ميزابا إلى الطريق؛ نقلا عن كتاب الضياء ذلك الحكم الذي يجيز لمن »أشرع أحدا من المارة«). (٢وهذا الحكم يؤكد أن القاعدة الأساسحيث لا يضر التي تحكم إنشاء الميازيب المطلة على الطريق هي »منع الضرر«. وهذا الحكم يعني إمكانية إنشاء ميازيب جديدة تصب ماءها في الطريق طالما أنها ضررا. كما أن هذا الحكم يعني عدم الإضرار بالمار والجار كمالا تسبب جاء في الحكم السابق. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٩ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢٠٠ ٣٥٥الفصل الثاني :الطرق ومن الأحكام المهمة التي تتعلق بالميازيب التي على الطريق أنه لا يجوز لصاحب ميزاب يصب ماءه في الطريق أن يجري إلى هذا الميزاب مجاري ماء منزل آخر«). (١وهذا الحكم يتأسس بالطبع على فكر معماري؛ حيث إن ضم ماء المطر الساقط على سطح دار إلى ماء المطر الذي يسقط على الدار التي بها الميزاب يعني بالضرورة زيادة الماء الذي يسيل من الميزاب عن القدر الذي أنشئ الميزاب من أجل الدار التي تبعا اندفاع الماء لكثرته اندفا عا يضر بالمار، ودار الجار بها، وهو ما يعني قاطعا. وهذا المنع يعني أن لكل منشأة المقابلة، ولذلك كان المنع تقديرا معي نا وفق اتساع مساحة سطوحها،ميازيبها الخاصة بها، والمقدرة وهذه الإشارة المعمارية لها أهميتها في دراسة ميازيب المنشآت الأثرية الباقية في إطار هذه الاعتبارات. ميزابا وبالمثل يجوز لصاحب الدار إذا أضاف غرفة في داره أن ينشئ لها يصب ماء المطر الساقط على سطحها في الطريق). (٢وهذا الحكم له دلالته الأثرية المعمارية؛ حيث إن وجود هذه الحالة في منشأة أثرية يعني أن بناءها وعلوا كان في وقت واحد. أما إذا كانت الغرفة بدون ميزاب ففي هذاسفلا مؤشر واضح على أن بناءها جاء في مرحلة لاحقة عن إنشاء الدار. كما أن ضررا للمار أو الجار، إنشاء ميزاب للغرفة المضافة يحمي سقفها، ولا يسبب حيث إن ماء المطر الساقط على سطح الغرفة اقتطع في الأصل من ماء السطح في الدار قبل إنشائها، وهو بذلك يكون أقل أو مساو لماء سطح الدار، فلا يحدث ضرر كالميزاب الأصلي. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢٠٣ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢٠٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٥٦ :çGóMCG øe É¡H çóëj Ée áédÉ©eh ¥ô£dG ΩGóîà°SG نظمت الأحكام الفقهية استخدام الطرق، وما قد يعرض بها من أحداث، وقد عرض الكندي لهذه الأحكام في بيان الشرع، ومن هذه الأحداث التي مبنيا في جدارا جرت العادة بها أن يقوم أحد بطرح السماد بها، أو أن يسقط عرض الطريق فيعوق المارة، وتحدد الأحكام المسؤولية التي تقع على من غائبا، وتنتهي إلى إزالة ما يعوقيفعل ذلك، أو من يكون وكيلا عنه إذا كان الطريق).(١ كذلك من المشكلات التي قد تحدث في الطرق أشارت الأحكام إلى من يقوم بالبناء على مساحة من نهر الطريق، وكذلك ما يتعلق بميل أغصان الأشجار على الطريق، فتسبب في إعاقته وتنتهي هذه الأحكام إلى إزالة كل ما يعوق الطريق). (٢كما وجهت هذه الأحكام المحتسب لمتابعة مثل هذه المشكلات حتى تستمر الطرق في أداء وظيفتها دون إعاقة).(٣ :É¡«∏Y á¶aÉëadGh ¥ô£dG ìÓ°UEG أشارت الأحكام الفقهية التي عرضها الكندي إلى أن مسؤولية إصلاح الطرق في بلد ما على أهل البلد مثلها مثل المسجد الجامع، ولا تكون على مجموعة بعينها من الناس). (٤وهذا الحكم الذي يحدد مسؤولية أهل البلد جميعا في إصلاح طرقها يعكس رؤية الفقه الإباضي للمسؤولية المجتمعية المساهمة في حل مشكلاته في إطار تضامن مجتمعي كامل. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٧٨ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٨٠ - ١٧٩ ) (٣للاستزادة، راجع :الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٨١ - ١٨٠ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٨٩ ٣٥٧الفصل الثاني :الطرق وإصلاح الطرق الخاصة تكون مسؤوليته على أرباب الأموال الذين تطل أموالهم على هذا الطريق. وتحدد بعض الأحكام الفقهية مسؤولية إصلاح الطرق في بعض واضحا، فعلى سبيل المثال »طريق وقعت فيها تحديدا الحالات الخاصة المضرة وهي على وجين ساقية قائد بينها وبين الطريق عاضد نخل لرجل فانهارت هذه الطريق ووقعت في الساقية، فمن يأخذ الحاكم بإصلاح هذا الطريق)؟( قال معي أنه إذا صارت الطريق في هذا المال أخذ رب المال بخراجها الذي قد صارت في ماله«. ومن هذه الحالات أيضا »إذا كانت)(١ الطريق على وجين الساقية القائدة وليس بينها وبين الساقية أرض لأحد ثم انهارت هذه الطريق مما يلي الساقية، ووقعت فيها المضرة، فمن يؤخذ بإصلاحها)؟( قال معي :إنه إذا لم يكن ينتهي إلى مال أحد فيلزمه إصلاحها بذلك، فقد قيل إن إصلاح الطريق على أهل البلد مما خرج مثل هذا، وقيل في بيت المال«).(٢ وفي إطار ما سبق عرضه من أحكام تتعلق بإصلاح الطريق تتحدد مسؤولية إصلاح كل نوع، وكل حالة من حالات المضرة التي تقع بها، جميعا، أو أرباب وتتحدد المسؤولية عن الإصلاح سواء كان أهل البلد الأموال التي تكتنف الطريق، أو من تسبب ماله في إفساد الطريق، أو من بيت مال المسلمين. وهكذا تضمن هذه الأحكام إصلاح ما لعله يحدث من مضرة للطرق، فيضمن المجتمع الإباضي إصلاح هذه الطرق في كل الأحوال. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٠ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٥٨ :≥jô£dG ojôM ≈∏Y á¶aÉëadG وفي إطار المحافظة على حريم الطريق، وردت بعض المسائل التي تنظم بناء أو أخرجحجرا وبنى فيه ذلك، فعن عزان بن الصقر :سألت عن رجل وضع من حائطه جز عا من صخرة شي ئا، أو أشرع شر عا من جناح أو غيره، أو ألقى من ذلك في الطريق، أيضمن ما أصاب ذلك من نفس أو مال. وعلى من يكون عليه أو على عاقلته، وهل يجوز له ميراث من ذلك؟ فإذا كان الطريق في غير ملكه، وقد فعل ما فعل، ذكرت فإن لكل ما تلف من نفس أو مال ضامن، وأما ما كان من مال فعليه في ماله، وأما ما كان من نفس أو جرح فعلى عاقلته، وله الميراث؛ لأنه ليس بقاتل. (١)«....ويشير هذا النص إلى صور معمارية مهمة، كان يمكن أن تحدث في الطريق؛ كالبناء في بعض الطريق، أو إخراج جذوع من الحائط إلى هواء الطريق، أو إخراج جناح. وهي صور معمارية متكررة أشار النص إلى إمكانية حدوثها، سواء كان الطريق في مال من قام بعمل ذلك، أو لم يكن. ويلاحظ أن الحكم مرتبط بالملكية من عدمه، فإذا لم يكن في ملكية من قام بذلك، فهو ضامن لما يحدث من أحداث تسبب الضرر للمارة. :¥ô£dG πjƒëJ من المشكلات التي تتصل بالطرق ما يحدث بتحويل الطرق من مواضعها إلى مواضع أخرى لسبب أو لآخر، وقد نظمت الأحكام الفقهية الإباضية عمليات التحويل في إطار يحقق المنفعة ويمنع المضرة، وتكشف الأحكام عن نماذج من هذه الحالات؛ فقد ذكر الكندي حالة »الطريق تكون على رجل في أرض، أو داره لرجل، أله أن يزيلها إلى ناحية من أرضه إذا كانت الطريق ) (١ابن جعفر )أبو جابر محمد بن جعفر الأزكوي( :الجامع لابن جعفر، الطبعة الثانية، مسقط، ٢٠١٠م، ج /٨ص. ٢٥٩ ٣٥٩الفصل الثاني :الطرق قائما يسلك، فليس له تحويله تضر به، قال :إذا كان طريقا معروفا موضعه ولا يزيله، ولا يحكم عليه بتحويله، وإن كان يعلم أن في أرضه طريقا أو في داره، والناس يمرون في الأرض ولا يعرف أين موضعه لعلة فجائز له أن ينقله حيث شاء، وإن كان من ماله معروفا، فليس له أن يحوله أو يزيله إلى غيره، قال :وقد كان بلغني عن أزهر وغيره يقول :تزيله في أرض حيث شاء«).(١ قائما بسلك«،»والحكم بعد تحويل الطريق إذا كان معروفا موضعه يختلف عن حكم الفرسطائي في مثل هذه الحالة؛ حيث أجاز تحويله بما ضررا عن ماله، وهو الحكم الذي أردفهلا يضر بمن يسلكه طالما أنه يمنع الكندي عن أزهر. والبعد العمراني والمعماري لهذا الحكم يتمثل في إمكان وجود طريق تمر عبر أرض مملوكة للغير، وكذلك الحال بالنسبة لطريق دار يمر عبر دار، وهو النمط من الطرق له أهمية في تفسير ما لعله يكشف في المواقع الأثرية الإباضية من تطبيق يجسد هذه الحالات. أيضا لمشكلة تحويل الطريق في الوادي؛ فقدوعرضت الأحكام الفقهية قال أبو الحسن بن سعيد بن قريش فيما أرجو أن الطريق إذا كان ثابتة في موضع واحد من الوادي لم يحول من مكانها، وإنما سمعت الإجازة في الطريق التي تنتقل في الوادي، ولا يثبت في موضع واحد«).(٢ وعرضت الأحكام إلى صورة أخرى من صور التحويل تتمثل في تعديل اتساع الطريق، وأجازت ذلك). (٣كما عرضت الأحكام إلى أن تحويل الطريق يجب أن يكون بالتوافق مع أصحاب الأموال التي تمر بها، كما تشير إلى ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٠ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩١ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٦٠ وجوب طلب نظر العدول في ذلك. وهذا التوجيه إلى اعتبار البعد الاجتماعي، وصون الملكية الخاصة توجيه مهم يساعد على حل المشكلات دون مشاحنات. :≥jô£dG øéÉØàf’G حالات الانتفاع من الطريق حالات مؤقتة بزمن معين؛ حيث يستخدم فضاء الطريق فترة من الزمن محددة بمعرفة أصحاب الأموال المطلة عليها عند وضع أحمال الدواب قبل نقلها إلى داخل الدار أو المنشأة، وكوضع السماد في الطريق بعد إخراجه من موضعه في الدار أو غيرها لمدة معين لحين نقله إلى المزارع. هذه الحالات من الانتفاع نظمتها الأحكام في إطار توجيه الرسول ژ في حديثه الذي قال فيه» :ملعون من أذى المسلمين في طرقاتهم«، فكل ما يثبت أنه يسبب في أذى يمنع. ترابا من الطريق لينتفع به،ومن وجوب الانتفاع أن يأخذ بعض الناس ضررا للطريق يمنع، أما إذا لم يكن يتسبب فيفإذا كان هذا الأمر يسبب ضرر فهو جائز).(١ وقد أشارت الأحكام إلى أن ما نبت من نخل في حريم الطريق مباح، وكذلك ما نبت في المحجة نفسها، لكنها شرطت أن »ما كان له مصالح جعل في مصالحه وإلا فهو للفقراء«). (٢وهذا الحكم يشير إلى إمكان حاليا الاستفادة مما يثبت في حريم الطريق أو نهره. وهو حكم نرى صداه فيما يزرع أو يغرس من نخيل على جانبي الطريق طالما أنها لا تعيق الطريق، نفعا بثمارها أو ظلها. بل تسبب ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٣ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٩٤ الفصل الثالث المنشآت الدينية ) المساجد الجامعة ـ المساجد ـ المصليات ( الفصل الثالث :المنشآت الدينية فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٦٢ óLÉ`°ùadG AÉ`æH مهما من العمارة الإسلامية، وتنوعتجانبا تمثل عمارة المساجد المساجد بين مساجد جامعة تقام فيها الصلوات الجامعة بالإضافة إلى الصلوت الخمس المفروضة، ومساجد الفروض أو مساجد الخمسة أو المساجد فقط التي تقام فيها الصلوات الخمس المفروضة، ولا تقام بها خطبة، ولا يوجد بالتالي بها منبر. وقد تناول الفقه الإباضي أحكام بناء المساجد ابتداء من كونها مشرو عا جزءا منوانتهاء بإنشائها وصيانتها، وكذلك ما يتعلق بها باعتبارهامعمار يا، النسيج العمراني للمستقر السكني، وتضمنت هذه الأحكام رؤى تخطيطية للمساجد الإباضية، وبعض المصطلحات المعمارية الخاصة بعناصرها المعمارية التخطيطية والإنشائية، وهو ما يزيد من أهمية هذه الأحكام في دراسة هذه الأحكام من الناحية المعمارية والعمرانية. أبوابا خاصة بعمارة المساجد، ويلاحظ أنأفرد ابن جعفر في جامعه ابن جعفر ركز في أحكامه الخاصة بالمنشآت الدينية على منشآت الصلاة وبخاصة المساجد، حيث إن بقية نوعيات المنشآت الدينية لم تكن قد تبلور وجودها في العمارة الإسلامية بصفة عامة حتى بدأت المدارس في الذيوع والانتشار في نهاية القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي، وكذلك الحال بالنسبة لمنشآت التصوف التي لم يرد في المصادر الإباضية ما يشير إلى وجودها، حيث إن التصوف في حد ذاته لم يكن في سياق المذهب ٣٦٣الفصل الثالث :المنشآت الدينية الإباضي بنفس ما كان عليه الحال في البلاد التي انتشرت فيها المذاهب السنية أو الشيعية. خاصا للمساجد تحت عنوان »باب في المساجد«،بابا وقد أفرد ابن جعفر بناء وتضمن هذا الباب إشارات معمارية وعمرانية مهمة تتعلق بالمساجد وعبادة. ومن المهم أن نبدأ بالرؤية العمرانية؛ فقد ذكر ابن جعفر أنه» :إذا لم يعرف للمسجد طريق حكم له بطريق بالثمن من أقرب المواضع إليه، قال: أيضا في مسجد وكان عندي أن الثمن يكون في بيت مال المسلمين، وقال ليس له طريق أن يخرج له طريق من أقرب الأموال إلى الطريق الجائز بالثمن، وإن كان للمسجد مال يباع ويعطى صاحب الأرض الذي أخذ من ماله الطريق، وإن لم يكن له مال يباع في ثمن الطريق، كان ثمن الطريق في عمرانيا عن أن بعض المساجد يمكن أنبيت المال«). (١وهذا الحكم يكشف تنشأ في موضع لا يتوصل إليها بطريق كان يقوم أحدهم بإنشاء مسجد في أرض مملوكة له تحيط به أراضأو أموال لغيره، وهذا الحكم ييسر طريقة إنشاء طريق يؤدي إلى هذا المسجد، ويربط بالطرق الجائزة. وفي هذا ما يشير إلى ملمح عمراني مهم يربط بين هذه النوعية من الطرق التي تنشأ للمسجد ولم تكن قائمة، وبين شبكة الطرق الجائزة الثابتة في إطار يبين صورة مهمة من صور اتصال شبكات الطرق بالمستقرات السكنية والمناطق العمرانية الإباضية. ويلاحظ أن الحكم قد تضمن كيفية تمويل إنشاء هذا الطريق سواء من بيت ما المسلمين أو من عائد بيع أموال المسجد إن كان له أموال، كما ) (١ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢١٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٦٤ يلاحظ أن الحكم سهل عمية إنشاء الطريق في الأرض أو الأموال المجاورة للمسجد، فلم يجز لأصحاب هذه الأرض أو الأموال منع إنشاء الطريق، أيضا البعد وحكم لهم بأخذ ثمن الأرض التي يشغلها إنشاء الطريق. ويلاحظ الاقتصادي المرتبط بإنشاء الطريق؛ حيث نص الحكم على أن تنشأ الطريق »من أقرب المواضع إليه«. حتى لا يشغل مساحة كبيرة من الأرض أو الأموال التي يمر بها، وتكون تكلفته في هذه الحال أعلى. أيضا عالجت الأحكام اتي عرضهاومن الناحية العمرانية والمعمارية ابن جعفر عملية إنشاء مسجد جديد في قرية بها مسجد آخر، ويخاف أن مسجدا لم بأسا أن يبني الرجليخرب الأول ويخربه بعض أهله. قال ما أرى يرد ضرر أهل ذلك المسجد، وبناء المسجد حسن«). (١وفي هذا الحكم ما يساعد على زيادة عمران المستقرات السكنية بتكثير المساجد بها في إطار أن تكون نية من ينشئ هذه المساجد خالصة لا تنطوي على ضرر بغيره من ضرارا. مسجدا المساجد، أي لا يكون وتطبيق هذا الحكم من الناحية المعمارية يعني إمكانية إضافة مساجد جديدة للنسيج العمراني للمستقر السكني لاحقة على إنشائه، وهو أمر يجب وضعه في اعتبار الباحثين والدارسين للعمارة الإسلامية عند دراسة توزيع المساجد على المخططات العمرانية للمستقرات التقليدية الإباضية. أيضا المحافظة على المساجد القديمة أو إعادة بنائها؛ويأتي في هذا الإطار لتكون بهيئة معمارية أفضل، فقد قال أحد الفقهاء» :لا أرى نقض المساجد وهي قائمة لتجدد أفضل مما كانت هي لأني لا آمن أن يحدث بها حدث من ذلك أو من نقضها من قبل تمامها، سألت أبو الحواري من هذه المسألة فقال: ) (١ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢٦٧ ٣٦٥الفصل الثالث :المنشآت الدينية لا بأس بنقضها لتجدد أفضل منها، قال غيره :وذلك عندي أخذها من ماله، ولم يكن من مال المسجد، واالله أعلم، فينظر في ذك إن شاء االله«).(١ وهذا الحكم لأبي الحواري الذي يسمح بإعادة بناء المساجد بهيئة معمارية أفضل من التي عليها، يعني معمار يا وأثر يا إعادة بناء بعض المساجد القديمة بهذه الصورة الجديدة التي تختلف معمار يا عن بنائها القديم، ويعني استمرار تجديد عمارة المساجد بهيئة معمارية كلما توفرت الإمكانات والرغبة في ذلك، مع الحرص على إتمام عمارتها بالهيئة الجديدة. وتضمن الحكم إشارة مهمة إلى إعادة البناء تكون من أموال من يفعل ذلك لا من أمول المسجد، وفي ذلك محافظة على أموال المسجد التي تصرف في مصالح بابا لاستغلال أخرى للمسجد غير نقضه، وإعادة بنائه بصورة أفضل. ولا تفتح مال المسجد في نقضه وإعادة بنائه بهيئة معمارية أفضل من هيئته القديمة التي كانت صالحة لأداء وظيفة المسجد، وفي هذا بعد اقتصادي معماري مهم. وقد تضمنت الأحكام الفقهية المؤسسة على ما ورد في مصادر الشريعة وبخاصة الحديث النبوي الشريف ما يتصل بتخطيط عمارة المسجد، فقد أكد ابن جعفر في حديثه عن المساجد على ذكر حديث رسول االله ژ : »جنبوا الصبيان والمجانين المساجد«). (٢والصبيان لا يتحرزون من النجاسات، ولذلك فإن إلحاق كتاتيب الأطفال بالمساجد حاول المعمار الإسلامي أن يبعدها في المساجد التي ألحقت بها هذه الكتاتيب عن أروقة الصلاة، وبخاصة في العمارة المملوكية).(٣ ) (١ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢٦٨ ) (٢ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢١٦ - ٢١٥راجع أحاديث آداب المسجد في كتاب المنتقى من أخبار المصطفى ژ /١، ص. ٣٤٢ - ٣٣٩ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص ، ٢١٦هامش ).(١ ) (٣عثمان :نظرية الوظيفية، ص. ٢٨٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٦٦ أما العمارة الإباضية فقد عكست التطبيق الدقيق لهذا الحديث بعدم شيوع إلحاق مكاتب للصبيان بالمساجد الإباضية في ضوء ما يعرف من أمثلة باقية أثرية من هذه المساجد في عمان. وهناك بعض الأحكام الفقهية التي تتصل مباشر ة بالعناصر المعمارية أيضا بصورة مباشرة في الهيئة المعماريةوالزخرفية في المساجد، وانعكست للمساجد الإباضية، ومن هذه النصوص ما أشار إليه ابن جعفر فيما نقل عن ابن عباس عن رسول االله ژ بقوله» :أمرنا أن نبني المساجد والمنازل شرفا الجم التي لا شرف لها، ومنه شاة جماء، أي لا قرن لها«). (١وهذا توجيه مباشر بعدم إنشاء شرفات تعلو واجهات المساجد كما هو شائع في كثير من البلاد الإسلامية).(٢ كذلك وردت الإشارة إلى أن المساجد »لا يبنى فيها بالتصاوير ولا بالقوارير«). (٣ويتوافق هذا الحكم والبساطة المعمارية التي كان عليها مسجد الرسول ژ عند بنائه وتوسعته في عهد الرسول ژ ، وكذلك عند توسعته في عهد الخليفة عمر الذي وجه إلى بساطة البناء، والبعد عن الزخرفة عندما قال» :إياك أن تحمر أو تصفر«). (٤ويتناقض هذا الحكم الإباضي مع توجهات مذهبية دينية أخرى، كتوجيهات الشيعة التي دعت إلى زخرفة ) (١ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢١٦ ) (٢انتشر بناء الشرفات أعلى واجهات المساجد، وبدأ ذلك في العمارة الإسلامية فيما يبدو منذ عصر مبكر؛ حيث تشير المصادر إلى أن المسجد الحرام في عهد ابن الزبير كان به شرفات. وشاعت هذه الظاهرة في العمارة الإسلامية وبخاصة في العصور الفاطمية والأيوبية والمملوكية في مصر وما يناظرها في العالم الإسلامي. ) (٣ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢١٥ ) (٤السمهودي )علي بن أحمد( وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، دار التراث العربي، بيروت، لبنان، ج /٢ص. ٥٩٦ ٣٦٧الفصل الثالث :المنشآت الدينية المساجد في إطار تأويل الآية الكريمة ﴿ ﴾ ( ' & % $ ]الأعراف، [٣١ :وهو التأويل الذي أدى بالشيعة وبخاصة الإسماعيلية منهم إلى زخرفة المساجد، وهو ما سجله ناصر خسرو في رحلته)، (١فأشار إلى اهتمامهم بزخرفة المساجد، وهو ما تصدقه عمارة المساجد الفاطمية الباقية في مصر، وبخاصة في القاهرة كالجامع الأزهر، وجامع الحاكم بأمر االله، والجامع الأقمر وغيرها من المنشآت الدينية كالمشاهد. ومن الملاحظ أن الحكم عطف عدم جواز البناء بالتصاوير كلمة »القوارير«، والقوارير في اللغة هي الزجاج، وفي هذا إشارة إلى عدم استخدام الزجاج في بناء المسجد، واستخدام الزجاج في إطار دراسة العمارة الإسلامية في ذلك الوقت يتجه إلى استخدامه في الشبابيك المعشقة بزجاج زخرفيا على عمارة المسجد، وإن صح هذا التفسير، فإنملون يضفي جمالا الحكم الذي جاء به ابن جعفر يعني معاصرته لاستخدام الشبابيك ذات الزجاج المعشق في عمارة المساجد، وعطف كلمة القوارير على كلمة منطقيا باعتبار أن التصاوير والقوارير يأتيان التصوير في هذه الحالة يكون في سياق واحد وهو الزخرفة والتجميل. وتضمنت بعض الأحكام التي ذكرها ابن جعفر إشارت أخرى غير مباشرة إلى الهيئة المعمارية التخطيطية للمساجد الإباضية، ومن هذه الإشارات ما ورد في الحكم بأنه »لا يجوز أن يدخل الموتى والج المسجد للصلاة ولا خارجه، واالله أعلم«). (٢وعن أبي هريرة ƒأن النبي ژ قال» :من صلى على جنازة في المسجد فلا صلاة له«). (٣وهذا الحكم يعني أن صلاة ) (١خسرو )ناصر المروزي( :سفرنامه، ص. ٣٨ ) (٢ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢١٨ ) (٣ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢١٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٦٨ منطقيا أن تقام صلاة الجنازةالجنازة غير جائزة في المسجد، وهو ما يعني غالبا في مصلى الأموات التي تنشأفي مكان آخر غير المسجد، وكان ذلك بجوار المقابر. ويتشابه هذا الحكم مع توجهات مذاهب أخرى كالمذهب الشيعي الإسماعيلي، والمذهب المالكي اللذين يكرهان إقامة الصلاة على الجنازة في المسجد في إطار أن جثمان الميت يمكن أن يتعرض للنجاسة بعد تغسيله لخروج بعض الفضلات من الجثمان بعد التغسيل، وانعكس هذا التوجه على عمارة المساجد الفاطمية التي تضمن بعضها وبخاصة التي في الطريق إلى المقابر سقيفة خارجة عن ساحة المسجد قيل إنها كانت تستخدم لصلاة الجنازة. أما في المساجد المالكية ببلاد الشمال الإفريقي فإن الحل المعماري كان بإلحاق مصلى للأموات خارج ساحة الصلاة مجاورة للمسجد غالبا من ناحية القبلة، ويتوصل إليها من خارج المسجد. وإذا ما قارنا هذه الحلول المعمارية الشيعية والمالكية بما قرره الحكم الإباضي نرى أن نص الحكم الإباضي لا يجيز الصلاة على الجنازة في المسجد أو خارجه، وهو ما انعكس في عمارة المساجد الإباضية التي لم مجاورا أو ملاصقا للمسجد كماموضعا مستقلا لصلاة الجنازة تتضمن حدث في المساجد الشيعية أو المساجد المالكية. وفي إطار الأحكام المنظمة للآداب المتعلقة بالمسجد ذكر ابن جعفر بعض الأحكام المتعلقة بالنوم في المسجد، فذكر أن »النوم في المسجد جائز، ويكره في وسطها وعلى ظهورها، وأجاز بعضهم للمسافر دون الحاضر«). (١وهذه الأحكام الواضحة المتعلقة بالنوم في المسجد تشير بوضوح إلى عدم اشتمال المساجد الإباضية على وحدات سكنية لإقامة الغرباء أو المسافرين بها، كما هو الحال في بعض المساجد اليمنية التي كان ) (١ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢١٨ - ٢١٧ ٣٦٩الفصل الثالث :المنشآت الدينية يلحق بها حجرات لسكن الغرباء في إطار اتفاق مجتمعي على إقامتهم في منعا لما قد يترتب عن تنافسهذه الوحدات السكنية الملحقة بالمساجد القبائل في استضافتهم).(١ اهتم ابن جعفر برصد الأحكام المتعلقة بآداب المساجد، وهذا الرصد يتضمن معنى التوجيه، كما يؤكد على معالجة ما لعله يوجد من ظواهر متصلة بآداب المسجد. فذكر حديث النبي ژ الذي قاله فيه» :المساجد بيوت االله في الأرض بنيت بالأمانة، وشرفت بالكرامة، لا ترفع فيها الأصوات، ولا ينشد فيها بالأشعار«). (٢ومن غيره قال أبو الحسن :روى أن عمر مر بحسان بن ثابت وهو ينشد في المساجد فلحظ إليه ونهاه فقال له: قد كنت أنشد فيه عند من هو خير منك يعني النبي ژ. وقيل إنه قال له لتأتيني بصحة ما قلت وإلا علوتك بالدرة، فاستشهدا جماعة من الصحابة فشهدوا بذلك، فأمسك عنه).(٣ ومن هذه الآداب عدم رفع الصوت في المسجد، فقد ورد عن النبي ژ أنه قال» :من أجاب دعوة االله وأحسن عمارة مساجد االله، لحقته بذلك الجنة«، قالوا :وما حسن عمارة مساجد االله يا رسول االله، قال» :لا يرفع فيها صوت، ولا يقال فيها رفث«).(٤ وهناك من العلماء من أباح الوضوء في المسجد، وهناك من كره ذلك، وانعكس ذلك في عمارة المسجد التي تضمتنت إنشاء مطاهر مجاورة للمسجد ) (١عثمان )محمد عبد الستار( :ظفار. أبوابا تتعلق بآداب المسجد سواء التي تخص الشعائر نفسها وصلاة المرأة، ) (٢أفرد ابن جعفر وملبس المصلى وغير ذلك من الأمور التي لا تتصل مباشرة بالعمارة. للاستزادة، راجع: ابن جعفر :الجامع، ص ص. ٢٧٥ - ٢٢٠ ) (٣ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢١٣ ) (٤أبو داود :سنن أبي داود، ج /١ص. ١٣١ - ١٢٢عن ابن جعفر :الجامع، ص ، ٢١٣هامش ).(٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٧٠ مباشرة تمكن من يريد التوضؤ من الوضوء والدخول إلى ساحة الصلاة، وكان ذلك بمثابة حل توفيقي لما ورد من اختلاف حول الوضوء في المسجد. تحديدا إلى وعرض كذلك لفضل بعض المساجد عن غيرها، وأشار فضل مسجد بيت المقدس الذي يأتي بعد المسجد الحرام ومسجد النبي ژ كثالث المساجد التي تتمتع بهذا الفضل. وذكر ما ورد عن »ميمونة مولاة النبي ژ التي قالت :قلت :يا رسول االله، أفتنا في بيت المقدس قال» :أرض المحشر والمنشر ايتوه فصلوا فيه، فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره«).(١ وعرض ابن جعفر في أكثر من موضع). (٢لوقف المسجد وقال» :من وقف مالا على مسجد فخرب فقيل لا يباع الأصل«). (٣وفي ذلك ما يحقق المحافظة على أصول المسجد فتستمر عمارته. :∞æ°üadGh́ô°ûdG ¿É«H »a óLÉ°ùadG IQÉaY ¬≤a وبعد هذا العرض لأحكام ابن جعفر في جامعه لعمارة المساجد، والتي غطت جوانب مهمة من عمارة المساجد، نعرض للأحكام الواردة بذات الموضوع في كل من بيان الشرع والمصنف. ذكر صاحب بيان الشرع »أن االله تبارك وتعالى ذكر المساجد في كتابه، فعظم شأنها، وبين فضلها، وحث على عمارتها، فقالØ × Ö Õ Ô ﴿ : ] ﴾ ! ❁á à ß Þ Ý Ü Û Ú Ùالنور.[٣٧، ٣٦ : وقال ] ﴾ q p o n m l k j i ﴿ : 8التوبة.[١٨ : ثم بين رسول االله ژ أن المساجد بعضها أفضل من بعض لقوله» :لا تشد ) (١ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢١٣ ) (٢ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ٢١٨ ) (٣ابن جعفر :الجامع، ج /٥ص. ٤٠٠ ٣٧١الفصل الثالث :المنشآت الدينية الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد :مسجدي هذا، والمسجد الحرام، ومسجد إيليا«، يعني بيت المقدس، وقال النبي ژ » :وصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام«. وميمونة مولاة النبي ژ قالت :قلت يا رسول االله، أفتنا في بيت المقدس، قال» :أرض المحشر والمنشر، ايتوه فصلوا فيه، فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره« قلت :ومن لم يطق أن يحتمل إليه؟ قال» :فليهد إليه زي تا يسرج فيه، فإن صلاة من أهدى كمن صلى فيه«، وقال ژ » :خير البقاع المساجد«).(١ وعرض الكندي قضية مهمة تتصل بمن يجب عليه بناء المسجد. وهي العماني والتي تتعلق قضية تثير من جديد النظم التي كانت سائدة في المجتمع بإنشاء المنشآت العامة كالمحصنة والمسجد وغيرها، والتي كان للمجتمع المدني الدور الرئيس في إنشائها، ومن ثم كانت الحاجة إلى هذه الأحكام التي تنظم هذه الأدوار وتضبطها في صالح المجتمع كله. حيث إن هذه الأحكام كانت ـ كما سبقت الإشارة ـ بمثابة القوانين الحاكمة للعمارة والعمران في العصور الوسطى على مستوى الدول الإسلامية والمذاهب الإسلامية كلها. مسجدا ومن المهم الإشارة إلى أن نوعية »المسجد« من حيث كونه جامعا أو مسجد فروض، لها أثرها الواضح في تأسيس الأحكام التي تعالج جوانبها المعمارية والعمرانية، فلكل طبيعته وأحكامه، وإن اشتركا في بعض أحكاما تخص المسجد الجامع ولا تنطبق على المسجد.الأحكام، فإن هناك جاء في بيان الشرع سؤال عن الجمعة أواجبة في بهلا وفي غيرها من بعمان مع الإمام بصحار،القرى؟ أم الجمعة الواجبة المفروضة، فإنما هي وأما سائر القرى فهي أربع ركعات، وهي سنة للمسلمين، لا أحب التقصير ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /١٠ص. ٥٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٧٢ فيها إلا من عذر، قال غيره :نعم كذلك، وقد قيل :لا تعطل المساجد، ولكن يصلي الأئمة في مساجدهم، وإمام المسجد مع من اجتمع إليه).(١ وفي جامع أبي محمد :ولا تجوز الجمعة إلا في مصر أو في موضع إقامة إمام، فأما المصر فلأجل أن عمر مصر الأمصار للجمعة فصار إلى ذلك الاتفاق، فلم يخالف عليه أحد في فعله، واختلفوا في غير الأمصار فالاتفاق حجة، والاختلاف فلا حاجة به).(٢ ومن جامع ابن جعفر» :صلاة الجمعة حق مع الأئمة، وحيث تقام الحدود بعمان إمام عدل أخذ الإمامة عن مشورة العلماءومن ـ الكتاب ـ وإذا كان وأعلام الدعوة، ولم يحدث حدثا يزيل عنه الإمامة، فالجمعة معه لازمة، والمعطل لها معطل للفريضة، وقيل :إذا كانت في أيدي الجبارة فلا بأس على من تركها«).(٣ وقد عرض السالمي) (٤في رسالة مستقلة للأحكام الفقهية المتعلقة بأحكام صلاة الجمعة التي تميز المسجد الجامع عن غيره من مساجد الفروض. ومن المهم الإشارة إلى بعض هذه الأحكام التي تتصل بعمارة المسجد الجامع الذي تقام فيه الصلوات الجامعة، ومنها صلاة الجمعة. وأول هذه الأحكام يتعلق بالموضع الذي تنشأ فيه المساجد الجامعة، وقد ورد في الأحكام أنها تنشأ في المصر. وكذلك أجازت الأحكام إنشاءها في القرى).(٥ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /١٥ص. ١٣ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /١٥ص. ١٣ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /١٥ص. ١٤ - ١٣ ) (٤السالمي )نور الدين عبد االله حميد( :الحجج المقنعة في أحكام صلاة الجمعة، نشر قضية الإمام نور الدين السالمي، مسقط، الطبعة الأولى. ) (٥السالمي :الحجج المقنعة، ص. ٤١ ٣٧٣الفصل الثالث :المنشآت الدينية وقد أشارت الأحكام المتصلة بالمكان الذي يتصل بالجمعة، أشارت النصوص إلى أن »محبوب بن الرحيل) ƒ (١قال :بلغنا أن أهل عمان كتبوا إلى جابر بن زيد 5يسألونه هل أتي الجمعة من لا يسمع النداء، فكتب يأت الجمعة إلا من سمع النداء لأقل االله أهلها تؤتي منإليهم جابر :لو لم رأس فرسخين) (٢وثلاثة ومن قدر أن يأتي إلى منزله فعليه الجمعة«). (٣وإذا كانت العمارات منقطعة والبلدان منفصلا بعضها عن بعض، فلا يجب حضور الجمعة إلا على من كان أهله دون الفرسخين؛ لأنه إن كان أبعد من ذلك مسافرا، ولا جمعة على المسافر«).(٤يكون في محل الجمعة وعرض السالمي إلى شروط صحة صلاة الجمعة في مبحث مستقل، وذكر أنه من بين تلك الشروط »المصر والإمام، وأذانه والجماعة والوقت والنداء والخطبة والإقامة«، ويستطرد ليقول إن مالك بن أنس والشافعي وابن حنبل يخالفون في بعض هذه الشروط، فلم يشترطوا المصر والإمام، فأجازوها في القرى، وإن لم يكن فيها أمير. (٥)«... فقهيا في إطار المذهب الإباضي،ثم عرض السالمي إلى تعريف المصر فذكر أن المصر »كل كورة يقسم فيها الفيء والصدقات، قال في الإيضاح: »قاله ابن فارس، وقال الأستاذ الحفني :والأبنية المجتمعة إذا كانت قليلة ) (١هو الإمام محبوب بن الرحيل بن سيف بن هبيرة المخزومي القرشي المعروف بكنيته الشائعة بأبي سفيان، وهو جد ثلاثة من العلماء تسلسلوا منه، وقد انتقل محبوب إلى عمان في آخر عمره، وجاء هو والربيع بن حبيب ونزلا صحار، وهي إذ ذاك موئل العلماء، وتفيض بأهل الهدى). ابن جعفر :الجامع، ج /١ص. (١٧٠ مترا. عثمان :الإعلان، ص. ٢٠٨) (٢الفرسخ :حققت الدراسات طوله فبلغ ٥٥٤٤ ) (٣السالمي :الحجج المقنعة، ص. ٢٢ ) (٤السالمي :الحجج المقنعة، ص. ٢٣ ) (٥السالمي :الحجج المقنعة، ص. ٤١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٧٤ مصرا، وإن كانت متوسطة سميتجدا سميت سميت قرية، وإن كانت كثيرة مدينة، ولهذا اضطربت أقوال الحنفية في حد المصر، فروى عن أبي سفيان أن المصر هو ما لا يسع أكبر مساجده أهله، وفي رواية عنه :كل موضع له أمير وقاضينفذ الأحكام ويقيم الحدود، وعن أبي حنيفة :كل بلدة لها سكك وأسواق وواللدفع المظالم، وعالم يرجع إليه في الحوادث«). (١ثم يذكر رأيه بأن المصر المشترط لصلاة الجمعة وصحتها هو المكان المستقل على أبنية كثيرة بها جمع من الخلق سواء كانت أبنية منفصلة بعضها ببعض مقسما قرى كثيرة«).(٢ كمكة شرفها االله تعالى، أو ثم أشار إلى قول الرسول ژ الذي يعتبر المرجعية في هذا الأمر: »لا جمعة إلا في مصر جامع«). (٣وحديثه ژ الذي رواه القسطلاني في شرح البخاري عنه ژ » :لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع«. ورواية البيهقي في المعرفة وعبد الرازق وابن أبي شيبة عن علي قال» :لا جمعة ولا تشريق أيضا إلىولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة«، ثم أشار حديث أخرجه البخاري في صحيحه وأبو داود في الصلاة عن عائشة زوج النبي ژ قالت» :كان الناس يتناوبون الجمع من منازلهم والعوالي ـ الحديث ـ قال القسطلاني :العوالي جمع عالية موضع وقرى شرقي المدينة وأدناها من المدينة على أربعة أميال) (٤أو ثلاثة وأبعدها ثمانية«، وقال الحسيني في شرح القاموس :وأدناها من المدينة على أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد على ثمانية).(٥ ) (١السالمي :الحجج المقنعة، ص. ٤٢ ) (٢السالمي :الحجج المقنعة، ص ص. ٤٣ - ٤٢ ) (٣السالمي :الحجج المقنعة، ص. ٤٣ مترا. عثمان :الإعلان، ص. ٢٢٨ ) (٤الميل :يقدر بـ ١٨٤٨ ) (٥السالمي :الحجج المقنعة، ص ص. ٤٥ - ٤٤ ٣٧٥الفصل الثالث :المنشآت الدينية وهذه الأحكام والأحاديث والروايات المتصلة ببعض المدن المقدسة كمكة والمدينة كانت سائدة في التطبيق في القرون الإسلامية الأولى؛ حيث لم يكن ينشأ في المصر أو المدينة إلا مسجد جامع واحد، وكانت تتم جليا في المساجدتوسعته كلما زاد عدد المصلين بمرور الزمن، ونلحظ ذلك الألفية الجامعة في كل الأمصار والمدن الإسلامية. لكن بعد أن زاد عدد السكان في الأمصار والمدن زيادة كبيرة تفوق الطاقة الاستيعابية للمصلين في المصر الواحد أو المدينة الواحدة كان الحكم الفقهي بتعدد الخطبة في المصر الواحد، وهو ما استتبع إنشاء أكثر من مسجد جامع في المدينة سائدا حتى الآن بالرغم من أن بعضالإسلامية الواحدة«). (١وظل هذا الأمر الأحكام الفقهية لم تجز ذلك).(٢ وأشار السالمي إلى إقامة الصلاة الجامعة بالإضافة إلى المصر في المدينة؛ لاشتمالها على ما يشتمل عليه المصر من أبنية، ولأنها تغني أهلها غالبا عن الاحتياج إلى غيرها في قضاء حوائجهم«).(٣ كما أشار إلى إجازة الصلوات الجامعة في مساجد جامعة تنشأ بالقرى في إطار حديثه عن العدد الذي تجاز به صلاة الجمعة).(٤ وفي إطار ما سبق يتضح أن هذه الأحكام في إطار تتابعها الزمني تكشف عن أن المسجد الجامع كان ينشأ للمصلين الذين يأتون لصلاة الجمعة من مترا(، وربما في بعض الحالاتعلى مسافة متوسطها فرسخان ) ١١٠٨٨ ) (١عثمان :نظرية الوظيفية في العمائر الدينية والمملوكية الباقية بمدينة القاهرة، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية٢٠٠٠، م، ص ٣٣؛ عثمان :المدينة الإسلامية، دار الميني للنشر، الطبعة الثالثة، ٢٠١٢، ص. ٢٣٧ - ٢٣٤ ) (٢السالمي :الحجج المقنعة، ص. ٥٤ ) (٣السالمي :الحجج المقنعة، ص. ٤٧ ) (٤السالمي :الحجج المقنعة، ص. ٧٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٧٦ العمرانية كانت أكثر من ذلك، وأنها كانت تنشأ أولا في الأمصار ثم المدن ثم اتسع نطاق إنشائها ليمتد إلى القرى الكبيرة التي تبعد عن الأمصار والمدن في إطار حدود عمرانها الذي سبقت الإشارة إليه. كما يتضح أن المسجد الجامع كانت تقام فيه الخطبة كشرط من شروط مصنعا مبنيا أو صلاة الجمعة، والخطبة تتطلب معمار يا إنشاء المنبر، سواء كان من الخشب أو الرخام أو الحجر، وسواء كان في إطاره شكله الملتزم بهيئة منبر رسول االله ژ الذي يتكون من ثلاث درجات وجلسة للخطيب)، (١كما هو الحال في معظم منابر المساجد في عمان، أو بالهيئة المطورة التي انتشرت في كثير من البلاد الإسلامية منذ بداية تطويره على يد معاوية، وحتى بلغ مبلغا كثيرا من الإبداع في العصور التالية وبخاصة العصران المملوكي والعثماني. وقد عرض الكندي لكثير من الأحكام المتعلقة بالمساجد الجامعة ومساجد الفروض، وتعكس هذه الأحكام رؤية عمرانية ومعمارية مهمة تتصل بعمارة المساجد الإباضية في عمان بصفة خاصة، وعمارة المساجد بصفة عامة، وقد ناقشت هذه الأحكام عدة قضايا مهمة تطرحها في إطار ترتيب موضوعي منطقي متصل بفكرة إنشاء المسجد الجامع أو المساجد في كل مراحلها. :¬FÉæH áØ∏μJh óé°ùadG AÉæH á«dhDƒ°ùe عرضت الأحكام الفقهية لقضايا مهمة تتصل بالمسؤولين عن بناء المسجد وتكاليف إنشائه، وأول هذه القضايا قضية عرضت لها هذه الأحكام تتصل بسؤال مهم، وهو :على من يجب بناء المسجد؟ ) (١عثمان )محمد عبد الستار( :عمارة مسجد رسول االله ژ وبيوت أمهات المؤمنين من سنة )٩ - ١هـ(. الكويت، سلسلة روافد، ٢٠١٤، ص ص. ٩٥ - ٨٧ ٣٧٧الفصل الثالث :المنشآت الدينية معتمدا على إجابة الحواري الذي عرض الكندي لإجابة هذا السؤال قال :على من تلزمه القسامة، قلت له :وتسقط عمن تسقط عنه القسامة؟ قال :نعم. قلت :وكل جامع القرى والجامع الذي تلزم الصلاة فيه ركعتين؟ قال :كل جامع من جوامع القرى الذي يجتمع فيه يوم الجمعة ويصلون فيه. قلت :ولا يكون سبيله سبيل حفر الأفلاج على أهل الأموال في التبكير وصلاة الجمعة لا تلزم جميع أهل البلد كذلك القسامة لا تلزم جميع من في البلد«).(١ مبدئيا معرفة ما هي القسامة؟ والقسامة كما ورد فيوهذا الحكم يتطلب رياض القاسمين للأدرنوي الذي يذكر أن القسامة هي أيمان تقسم على أهل المحلة الذي وجد فيهم قتيل مي تا، أو به جرح أو أثر ضرب أو خنق أو خروج دم من أذنه أو عينه، وجد في محلة أو أكثره ـ أي أكثر البدن ـ سواء كان معه رأس أو لا أو نصفه مع رأسه، لا يعلم قاتله وادعى وأن القتل على أهلها كلهم عمدا أو خط أ ولا بينة، حلف له خمسون رجلا من أهل المحلةأو بعضهم ما روي عن ابن عباس ƒأن النبي ژ كتب إلى أهل خيبر» :أن هذا قتيل وجد بين أظهركم، فما الذي يخرجه عنكم«، فكتبوا إليه أن مثل هذه الحادثة نبيا فاسأل أمرا، فإن كنت وقعت في بني إسرائيل فأنزل االله تعالى عليه السلام االله مثل ذلك، فكتب ژ إن االله تعالى أراني أن أختار معكم خمسين رجلا فيحلفون باالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، ثم يغرمون الدية«. وأشارت الروايات إلى أن »لا يدخل في القسامة صبي ولا مجنون ولا عبد ولا امرأة إلا أن يوجد القاتل في دارها في مصر ولا غيره لها فيه فإنه يكرر اليمين عليها، ثم تكون الدية على أقرب القبائل منها، «...وإن وجد ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٧؛ الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٢٨، ٢٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٧٨ القتيل في الجامع أو الشارع الأعظم فلا قسامة فيه، والدية على بيت المال لأنه للعامة ولا يختص الواحد«).(١ وفي إطار ما سبق يتضح ما ذكر الكندي عن أن أهل المحلة السكنية جميعا المشاركة في بناء المسجد فيما عدا من تسقط عنه الدية فيعليهم القسامة من الصبيان والمجانين والعبيد والنساء«، كما أن البناء يمكن أن يتولاه بيت مال المسلمين إذا لم يتوفر على من تحق عليهم القسامة ودفع الدية المقدرة عن البناء. العمانية المرتبطة بالأفلاج كان التساؤل الذي ورد فيوفي إطار الثقافة الحكم بشأن مناظرة حكم بناء المسجد الجامع وبانيه على حكم بناء عاما في بعض الحالات يشاركالأفلاج التي تمثل هي الأخرى عملا معمار يا فيه القوم في إطار نظم معينة ترتبط بمالكيه، وهي نظم تختلف عن نظم المشاركة في بناء المسجد. وفي موضع آخر وردت مسألة تفصل هذا الأمر ورد فيها» :قيل إن عمارة المسجد الجامع تجب على كل من تلزمه الجمعة، فالجماعة من أهل البلد من الرجال الأحرار البالغين، وهو حق عليهم، ومن كان عليه حق فأيسره االله أولى بعذره »فنظرة إلى ميسرة«). (٢أو قال من قال :إنما ذلك على الأغنياء دون الفقراء، واالله أعلم بالصواب، وذلك على الرجال الأحرار الذين لهم القدرة على ذلك بالغناء والفضل من أموالهم، واالله أعلم يعدل ذلك«).(٣ ) (١للاستزادة، راجع :الأدرنوي )كامي محمد بن أحمد بن إبراهيم الحنفي٦١٣ - ١٠٥٩، م/ ص ١٧٢٣ - ١٦٤٩م( :رياض القاسمين أو فقه العمران الإسلامي، تحقيق :مصطفى أحمد بن حموش، دار البشائر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سورية ٢٠٠٠، الطبعة الأولى، ص ص. ٥٦٠ - ٥٥٥ ) (٢قرآن كريم، سورة البقرة، من الآية ).(٢٨٠ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٨ ٣٧٩الفصل الثالث :المنشآت الدينية ويتضح من هذا الحكم تحديد الفئة التي تشارك في بناء المسجد الجامع أو من يجب عليها ذلك في إطار هذا الحكم وهم الرجال الأحرار القادرين على المشاركة في البناء، أما من لم تتوفر لديه القدرة فله العذر. وتحديدا، فقد ورد في ثم عرض الكندي مسألة أخرى تزيد الأمر تفصيلا خرابا مسألة عن المسجد الجامع من قال قاطعت عليه من يعمره، وكان بثماني مائة درهم يعدل على الناس، أو كيف يفرض عليهم على الأموال أم على الماء. فعلى ما وصفت فإن المسجد الجامع يفرض له على الرؤوس، وعلى من تجب عليهم الجمعة والجماعة، وكذلك لا يكلف أهل العدم الذين قد عذرهم االله ـ عما يجب عليهم من الديون ـ ومؤنة الأولاد، وإنما تكون الكلفة للمسجد الجامع على من يستطيع ذلك، وكذلك الأغياب الذين لهم في البلد مال، وهم لا يسكنون البلد لا يكلفون عمارة المسجد، قلت له: جامعا أو غير فالمسجد إذا لم يكن له مال على من يكون صلاحه وعمارته جامع. قال :أما الجامع فعمارته من بيت مال االله، وقيل على أهل البلد عامة الرجال دون النساء، وأما غير الجامع فبعض يقول» :إنه ليس بمنزلة الجامع، إنما هو على وجه الوسيلة، ولا يؤخذ به عمارة لأن الجماعة قائمة في الجامع، فإذا ثبتت الجماعة في البلد في مسجد واحد، قام بفرض الجماعة وسنتها فمن ها هنا لم تثبت في مساجد الحارات ما يثبت في المسجد بعضا يقول يؤخذ به عمارة كما يؤخذ أهل البلد عامةالجامع، ومعي أن بعمارة الجامع«).(١ وهذا الحكم بالإضافة إلى أنه يبين على من تكون تكلفة بناء تحديدا، فإنه يكشف عن الطريقةالمسجد الجامع من أهل القرية أو البلد التي كان يتم بها إعمار الجامع؛ حيث كان يتم الاتفاق على البناء أو ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٩ - ٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٨٠ إعادة الإعمار »مقاطعة« أي يقوم البناء بالبناء وفق اتفاق يشمل جميع التكلفة من مواد البناء وأجرة البناء وغير ذلك حتى يتم العمل المعماري كله. وتشير قيمة التكلفة الواردة في المسألة إلى أن بناء المساجد الإباضية كان بسي طا من الناحية المعمارية لا يتطلب تكلفة عالية بسبب البساطة في الإنشاء، واستخدام مواد بنائية بيئية كالطين والحجر والخشب وغيرها، ولم تستخدم فيها مواد بنائية ذات تكلفة عالية كالفسيفساء والقيشاني والرخام وغيرها. وورد في الحكم ما يشير إلى إمكانية أن يتولى بيت مال المسلمين مقصورا على أبناء القرية أو البلد منتحمل تكلفة الإنشاء، فليس الأمر أيضا. الرجال الأحرار المقيمين بها والذين يلزمهم إنشاء المسجد الجامع كذلك فرق الحكم بين المسجد الجامع والمساجد كمساجد الحارات، وإن كان حساب التكلفة في مساجد الحارات أشار قول إلى أنه يمكن قياسا على عمارة المساجد الجامعة، وتكون التكلفةإعمارها بنفس الرؤية في هذه الحالة على سكان الحارة في المقام الأول. ومن المهم الإشارة إلى أن الحكم قد أشار إلى فئة لا تلزم بالمشاركة في بناء المسجد الجامع، وهم »الأغياب« الذين لهم أموال في القرية أو البلد، ولكنهم لا يسكنون بالقرية. وهو ما يشير ضم نا إلى أن الإلزام بالمشاركة في تكلفة البناء كان أحد أسسه مرتب طا بمشاركة المستفيدين مباشرة دون غيرهم. ويكشف هذا عن بعد اجتماعي واقتصادي آخر وهو أنه يمكن أن تكون لبعض الناس أملاك في قرى ولا يسكنون بها، وأن ذلك كان فيما يبدو ظاهرة بدلالة تعرض الحكم لهم باعتبارهم »أغياب«، وقد العماني في إطارسبقت الإشارة إلى فئة »الأغياب« التي تميز بها المجتمع نشاطاته الاقتصادية المرتبطة بالبحر أو الخروج إلى البادية. وهذا لا يعني ٣٨١الفصل الثالث :المنشآت الدينية أن كل الأغياب عن القرية يمكن أن يكونوا من هؤلاء الذين يخرجون إلى البحر أو البادية بل يمكن أن يكون هناك من يقيم في قرية أو بلد أخرى وله أموال في هذه القرية أو تلك. وإذا كانت الأحكام الفقهية قد ألزمت أهل القرية من الرجال الأحرار المقيمين بها ذوي الميسرة ببناء المسجد الجامع لأول مرة، فإنها ألزمتهم أيضا بإصلاح عمارته كلما تعرض للخراب أو التهدم؛ حيث أشار الحكم إلى أنه »يؤخذ أهل البلد بعمل مسجدهم الجامع إذا خرب ومن غيره، قال: نعم، وقد قيل هو على الرجال دون النساء، وكل من يقيم الصلاة من الأحرار الذين تلزمهم الجماعة، فأما مساجد الحارات فقال :لا يؤخذون بذلك أهل المحلة، وقال من قال يؤخذون بذلك«).(١ وهذا الحكم بالإضافة إلى أنه يشير إلى إلزام أهل البلد بأعمار مسجدهم الجامع إذا حل به خراب، فإنه في جزئية منه يفرق بين المسجد الجامع ومسجد الحارة؛ حيث إن بعضهم لم يلزم أهل الحارة بإعمار مسجد الحارة، بينما رأى آخرون أنهم يؤخذون بذلك. ولا شك أن هذا الإلزام بالإعمار من شأنه المحافظة على عمارة المساجد وأيضا المسجد فيستمر في أداء وظيفته.الجامعة، والحكم الخاص بإنشاء الجديد من الجوامع وكذلك الخاص بإصلاح عمارتها بلا شك يساعد على تكثير عمارة المساجد وانتشارها في القرى العمانية، وجعل عمارة المسجد ظاهرة معمارية وعمرانيةوالبلاد والمدن مهمة في المستقرات السكنية، وهو ما يفسر كثرة المساجد في المستقرات السكنية الإباضية بصفة عامة. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١١ - ١٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٨٢ وقد اختلفت الأحكام في شأن مشاركة النساء في بناء المساجد الجامعة، فإذا كان بعضها ـ كما سبقت الإشارة ـ يعفيهن من المشاركة، فإن هناك من فرق بين المساجد والمساجد الجامعة من حيث مشاركة النساء، فقد قال: أبو عبد االله). (١ليس على النساء بناء المساجد التي في القرية، ولا يجبرون عليها ولو انهدمت لم يجبروا على بنائها إلا المساجد الجامعة مسجد القرية الجامع، فذلك يجبرون عليه«).(٢ وهكذا الحكم الذي يجبر النساء في القرية على المشاركة في بناء مسجدها الجامع، لا شك أنه يدعم المشاركة في البناء لمن يلتزم بتنفيذه دون الأحكام الأخرى التي لم تجبر النساء على مثل هذه المشاركة. ومن الأحكام ما عرض لخصوصية تتعلق بجيران المسجد، ومدى مشاركتهم في إعماره، فقد أورد الكندي مسألة :من الزيادة المضافة قال أبو سعيد : 5ومعي قيل أن على جيران المسجد الذين تلزمهم عمارة الصلاة فيه عمارة بنائه، ويلزمهم ذلك إذا كان عندهم فضل في قضاء دينهم الذي يلزمهم قضاءه وقوتهم وقوت من يلزمهم عوله بلا مضرة تلحقهم في ذلك رجع«).(٣ وهذا الحكم المتعلق بجيران المسجد والذي يلزم القادرين منهم على بنائه يؤكد على علاقة التجاور بين المسجد وجيرانه، وهي علاقة أكد عليها الشرع الشريف بوجوب صلاة الجيران في المسجد المجاور لهم مباشرة دون الصلاة في دورهم إلا لضرورة، وامتد الوجوب في إطار مهم يتصل ) (١هو أبو عبد االله محمد بن سليمان بن أحمد بن مفرج، واحد من علماء عمان الفقهاء الأفاضل. ابن جعفر :الجامع، ج /١ص ، ٣٠١ج /٤ص. ٥٧ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٠ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٠ ٣٨٣الفصل الثالث :المنشآت الدينية بـ »عمارة المسجد« التي تشمل الصلاة والبناء إلى وجوب المشاركة في البناء طالما توفرت القدرة على ذلك. وفي إطار المشاركة في البناء أشار صاحب المصنف إلى أنه »لا بأس بما أعان أهل الذمة وغيرهم من المجوس والصابئين في عمارة المسجد، ولا بأس بعمارته من مالهم«).(١ وقد ذكر الكندي أحكام إعمار المسجد إذا ما تعرض للهدم أو الخراب، ومسؤولية أهل المصر أو المدينة أو القرية في إعادة إعمار المسجد، وكان ذلك في إطار القواعد الحاكمة لإنشاء المساجد).(٢ وقد فصلت الأحكام الفقهية في الأحكام التي تتعلق بنوعيات جامعا أو مسجدا المساجد من حيث طبيعة نوعيتها سواء ما كان منها مسجد حارة أو مساجد متناثرة في المزارع، وقد أكدت هذه الأحكام على عمارة مسجد جامع واحد في المصر أو المدينة أو القرية، وهو المسجد الذي يجبر أهل المستقر السكني على إعماره، فمن جواب أبي الحواري) 5 (٣وعن المسجد الجامع وليس على أهل البلد أن يجبروا على عمارة مسجد إلا على عمارة مسجد الجامع منه أكثر خاصة ) (١الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٤١ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٩ ) (٣أبو الحواري محمد بن الحواري بن عثمان القرى، من علماء النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وربما أدرك القرن الرابع الهجري، اشتهر أنه من قرية تنوف بنزوى، ونشأ وعاش بنزوى، وأخذ العلم عن شيوخه محمد بن محبوب ومحمد بن جعفر الأزكوي صاحب الجامع ونبهان بن عثمان وأبو المؤثر الصلت بن خميس، وهو أخص شيوخه وأكثرهم ملازمة له. من مؤلفاته جامع أبي الحواري، وله زيادات على جامع ابن جعفر )تفسير آيات الأحكام(. قيل إنه توفي في القرن الرابع الهجري). ابن جعفر :الجامع، ج /٤ ص ، ١٧هامش ). (١عن إتحاف الأعيان(. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٨٤ دون غيره من المساجد، وليس على أهل البلد ألا يكون لهم إلا مسجد جامع واحد«).(١ ويتضمن هذا الحكم بالإضافة إلى واحدية المسجد الجامع في المستقر مصرا كان أو مدينة أو قرية أن الإجبار على المشاركة في إنشاءالسكني المسجد لا يكون إلا في حالة المسجد الجامع الواحد، أما غيره من المساجد فلا إجبار على المشاركة في إنشائه. ويأتي في هذا الإطار حكم آخر عرض في سياقه مسألة جاء فيها» :وقال أبو عبد االله ليس على النساء بناء المساجد التي في القرية ولا يجبرون عليها، ولو انهدمت لم يجبروا على بنائها إلا المساجد الجامعة مسجد القرية الجامع، فذلك يجبرون عليه«. ويبرز هذا الحكم إجبار النساء على المشاركة في بناء المسجد الجامع أو إعادة إعماره إذا انهدم. ولا شك أن هذا الحكم يبرز أهمية إعمار النوعية الرئيسة من المساجد، وهي المساجد الجامعة. وناقشت الأحكام الفقهية صلاة الجمعة في المسجد الجامع ورحابه، فذكرت أنه »اختلفوا في الصلاة في الرحاب المتصلة بالمسجد، فقالت طائفة :لا جمعة لمن لم يصلي في المسجد، كذلك قال أبو هريرة وقيس ابن عمار. وقالت طائفة :الصلاة خارج المسجد بصلاة الإمام جائزة. هكذا مذهب أنس بن مالك وعروة بن المغيرة وإبراهيم النخعي، وكان عروة بن الزبير والحسن البصري يرون الصلاة خارج المسجد بصلاة الإمام، وهو مذهب مالك والأوزاعي، ورخص في الصلاة في رحاب المسجد أحمد وإسحق بن راهويه، وهو قول الشافعي إذا كان متصلا بالمسجد«). (٢وفي ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص ١٠٩؛ الكندي :المصنف، ج /١٩ص، ٤٨، ٤٣، ٢٨، ٢٧ .٦٢، ٤٩ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /١٥ص. ١٥ ٣٨٥الفصل الثالث :المنشآت الدينية إطار هذا الأمر فإن توسعة المسجد كانت الحل المعماري الذي يحل مشكلة صلاة المصلين في رحابه. :äGQÉëdG óLÉ°ùe العمانية ومن نوعية المساجد التي انتشرت في المستقرات السكنية ما يعرف بمسجد الحارة، وهذه النوعية مرتبطة في الأصل بالتخطيط العمراني لهذه المستقرات التي تقوم في الأصل على الحارة التي تشتمل على دور القبيلة أو العشيرة مجتمعة في منطقة سكنية واحدة تعرف مجاورا لها، ويصليوغالبا ما ينشأ مسجد الحارة بالحارة لها بوابة مستقلة به أهل الحارة الصلوات الخمس المفروضة باعتباره من نوعية مساجد الخمسة أو مساجد الفروض، ولا يمنع هذا من أن يصلي فيه من هو من غير أهل الحارة باعتباره »بيت االله«، يحق لكل المسلمين الصلاة فيه، ولذلك اختير له موضع مجاور لبوابة الحارة حى يتحقق هذا دون ولوج الغرباء داخل الحارة. والحارة يشقها طريق رئيس يمكن أن تتفرع منه طرق فرعية ضيقة، وظهور دورها يشكل حدود الحارة سواء كانت خارجية لا يجاورها نسيج عمراني آخر، وفي هذه الحالة تكون هذه الظهور بمثابة السور الخارجي للحارة في حالة عدم وجود أسوار تحصين المستقر السكني. ويمكن أن تكون ظهور بعض الدور ملاصقة لظهور دور حارة أو حارات أخرى مجاورة وتشكل جميعها النسيج العمراني للمستقر السكني).(١ وهذا التخطيط العمراني قديم في عمان، ويميز المستقرات السكنية Alharthy (Sultan Hmoud): The Traditional Architecture of Oman. A Critical Perspective, A)(١ Master Report submitted to The Faculty of The College of Architecture. The University of Arizona, 1992, pp. 50 - 54. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٨٦ العمانية، وقد عرف في المدن الإسلامية الأخرى كمدينة القاهرة في فترات العمانية باستمرارية هذه الرؤية فيتاريخها المبكر، وتتميز العمارة التقليدية التخطيط في المستقرات السكنية التي تطبق النظام المتضام Compact Style تأثرا بالعوامل المناخية وعوامل الأمن وغيرها).(١ العمانيةوقد عالجت الأحكام الفقهية الإباضية في إطار هذه الثقافة العمرانية في تخطيط المستقرات السكنية مساجد الحارات، ومن هذه الأحكام ما يتصل بعمارة هذه النوعية من المساجد. فذكر الكندي أن »على أهل كل حارة عمارة مسجد حارتهم«). (٢وهناك بعض الأحكام قياسا جميعا على عمارة مسجد حارتهميشير إلى أهل الحارة لا يجبرون جميعا ببناء المسجد الجامع.على المكلفين من أهل المدينة أو القرية فقد ذكر الكندي أن »غير الجامع فبعض يقول إنه ليس بمنزلة المسجد الجامع وإنما هو على وجه الوسيلة ولا يؤخذ به عمارة لأن الجماعة قائمة في الجامع فإذا ثبتت الجماعة في البلد في مسجد واحد قام فرض الجماعة وسنتها فمن ها هنا لم تثبت في مساجد الحارات ما يثبت في أيضا يقول يؤخذ به عمارة كما يؤخذ أهل البلدالمسجد الجامع، ومعنى عامة بعمارة المسجد الجامع«).(٣ قياما ويتضمن هذا النص حكمين حكم لا يجيز أهل الحارة المكلفين بالمشاركة في عمارة المسجد الجامع بعمارة مسجد الحارة، والحكم الآخر يرى أنه يؤخذ أهل الحارة بعمارة مسجد حارتهم. ) (١عثمان )محمد عبد الستار عثمان( :دراسات في العمارة التقليدية في المنطقة العربية، المصرية للتسويق والتوزيع إميدكو٢٠١٢، م، ص ص. ٢٢ - ١٠ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٩ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٩ - ٨ ٣٨٧الفصل الثالث :المنشآت الدينية :QhódGh ø«JÉ°ùÑdG äÉ«∏°üeh óLÉ°ùe من نوعيات المساجد التي وردت الإشارة في سياق الأحكام الفقهية مساجد البساتين والدور وهذه النوعية من المساجد ما زالت باقية نماذجها العمانية الباقية كما هو حال المساجد التي تنتشر فيفي الآثار المعمارية المناطق الزراعية وفي كثير من الدور والقصور الباقية في كثير من المدن العمانية، ومن هذه الأحكام ما ذكره الكندي في سياق مسألة أوردوالبلاد فيها أنه »من عمل في بستان له أو في منزله مصلى يصلي فيه وأهل بيته ثم حول ذلك المصلى إلى موضع آخر من أرضه أو خربة يعمل غيره، هل له أن يخربه ويعمل غيره، قال معي أنه إذا كان ملك ا له، وإنما اتخذه لنفسه فقد قيل أنه له أن يخربه ويعمل غيره أو يخربه، ولا يعمل غيره، وهو ملكه يعمل فيه ما يشاء، قال أبو عبد االله بن إبراهيم حفظه االله، قيل إن عمل مصلى في بيته ثم أراد أن يعمل موضعه كنيفا أن ذلك له على معنى قوله«).(١ وذكر صاحب المصنف »أن من جعل مصلى في أرضه وأرض غيره، وكان يصلي فيه ويؤذن، وأراد قلعه وزراعته، فعن أبي محمد إن كان جعله مسجدا للجماعات فليس له ذلك«). (٢ويشير هذا الحكم إلى أن المصليات في المزارع منها ما كان يأخذ حكم المسجد، وهذا النوع لا يمكن تبديل وضعه ويبقى على حاله، أما إن بقي مصلى الصلاة غير راتبة فيه، ولم يوقفه صاحب كمسجد، فإن أمر التعديل قائم، ويشير هذا الحكم معمار يا وأثر يا إلى وجود مصليات من النوعيتين في المزارع. وتتحدث الأحكام الفقهية عند تخطيط نماذج من المساجد الملحقة بالدور، فقد ذكر الكندي أن أبا عبد االله محمد بن محبوب قال» :في رجل ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٧ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٣٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٨٨ أراد بناء مسجد في داره لحشمه وعياله ومن يصلي معه فأراد أن يترفق فوق ظهر المسجد بمرافق من البناء، قال إذا جعل المسجد جوف داره، وكان على المسجد والدار باب مغلق دون المسجد، ولم يكن المسجد مباحا لكل من أراد إلا من فتح باب الدارخارجا خلف باب الدار ولا فإنه صاحبه يؤمر أن لا يترفق به بلا أن يحكم عليه بذلك، فإن ترفق بظهر مسجده لم يمنع ولم يحكم عليه، وإذا بنى المسجد في حافة ماله وإخراجه من خلف باب داره فإنه يمنع أن يترفق على ظهره ويحكم عليه مسجدا أراد به المساجد إلا بأمر الصلاة، يترفق فيبذلك، قال إذا سماه المسجد فإنه ما جاز أن يترفق به في المسجد ترفق به على ظهر المسجد ما لم يضره«).(١ والأحكام الواردة في هذا النص لها أهميتها حيث تفرق بين المصلى الخاصة بأهل الدار، وبين المسجد بالمفهوم الفقهي للمسجد من حيث إنه بيت االله حق المسلمين فيه كحق بانيه، ولا يحق منع أحد من الصلاة فيه مسجدا والصلاة فيه راتبة«. باعتباره كما أن لها أهميتها حيث تشير إلى العلاقة المعمارية بين المسجد بالدار وبقية وحدات الدار من حيث الاتصال بهذه الوحدات أو البناء فوق المسجد باعتباره من وحدات الدار المعمارية. كذلك تضمن الحكم إشارة إلى نوعية من هذه المساحة تكون في حافة الدار، ولها اتصال بالمحيط العمراني خارجها يمكن من استخدامها في الصلاة من غير أهل الدار. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٥ - ١٤ ٣٨٩الفصل الثالث :المنشآت الدينية :óLÉ°ùadG TM°VGƒeh TMbGƒe عرض الكندي مجموعة مهمة من الأحكام الفقهية التي تعرض لمواقع المساجد في المستقر السكني بصفة عامة ومواضعها كمساحات محددة من الأرض، ولهذه الأحكام دلالاتها المعمارية والأثرية المهمة. العمانية توزعت فيها المساجد ومن المهم الإشارة إلى أن المدن والبلاد محكوما باعتبارات عدة يوثقها الواقع الأثري توزيعا الجامعة والمساجد العمانية الإباضية الباقية. وفي إطار من الملامح التي تتعلقلبعض المساجد بمواقع ومواضع المساجد. من المهم الإشارة إلى أن المسجد الجامع في بعض البلاد التي يغلب على سكانها المذهب الإباضي كان التوجه إلى جعل مجاورا لها، ويتوافق المسجد الجامع خارج نطاق النسيج العمراني للبلدة العمانية بما بها من هذا مع طبيعة التخطيط العمراني للمستقرات السكنية مساجد، وإمكان توجه المصلين من المقيمين بالمستقر السكني إلى المسجد الجامع، وتوجه غيرهم من سكان القرى المجاورة في إطار نطاق الحكم الفقهي الذي يشير إلى أن المسجد الجامع نطاقه العمراني يتسع إلى مسافة فرسخين وربما أكثر من ذلك، وهذا النطاق يعني صلاة الجماعة للمقيمين في هذا النطاق من خارج البلد في هذا المسجد ووضعه خارج المستقر السكني كان يجنب ولوج الغرباء إلى داخل القرية أو البلدة. كما جرت العادة بإنشاء مساجد للحارات كما سبقت الإشارة، وتحددت مواضعها في بداية الحارات المجاورة لبواباتها الخارجية. وقد عرض الكندي إلى مؤشر آخر يحدد المسافة بين المساجد في المستقر السكني عندما أجاب على سؤال تم طرحه وهو كم يفسح بين المساجد؟ قال :من حيث إذا سمع أذان المؤذن ثم أراق البول وتوضى ثم فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٩٠ ذهب إلى المسجد فلم يدرك معهم الصلاة، وهنالك يجوز لهم أن يبنوا مسجدا، وإن كان أقل من ذلك منعهم السلطان، ومن غيره قال، وقد قيل :إذ لم يتراء المسجدان وهما في القرية من العمارات، أو يخرب المسجد الأول بعمارة المسجد الآخر يتحول الناس إليه فلا بأس بذلك«).(١ وفي إطار توجيه التخطيط لإنشاء مساجد جديدة جاءت الأحكام التي مسجدا في قرية وفيهاتنظم ذلك، وقد أشار أحدها إلى أن »من أراد أن يبني بأسا أن مسجد غيره، ويخاف إن بناه خرب الأول أو خربه بعض أهله فلم أر يبني إن لم يرد ضرار أهل المسجد الآخر، وبناء المساجد حسن، وعن أبي عبد االله إن خاف أن يخرب الآخر فلا أرى أن يخرب«).(٢ وفي موضع آخر ذكر صاحب المصنف أنه »قيل إن مسجد الضرار إن كانا متقابلين أو إذا عمر هذا خرب هذا، قال أبو معاوية يفسح في المساجد بحيث إذا سمع الرجل أذان المؤذن ثم أراق البول وتوضأ ثم ذهب إلى مسجدا، فإذا المسجد فلم يدرك معهم الصلاة، فهنالك يجوز لهم أن يبنوا أراد أحد أن يبني دون هذا فللسلطان منعه، وما أحب أن يبني لأن المسلمين مسجدا لأنه ضعيف عن الوصول إلى المسجد الكبير،قد رخصوا لبشير فبنى قال غيره :ولم يتراءى المسجدان وهما في القرية في العمارات، ولم نعلم إنكارا لذلك، وقد عمر يحيى وأخوه ابنا القاسم بن زكريامن المسلمين مسجدا لعين، وكله فيالمسجد قرب الوادي، ثم بنوا مسجد الجناة ثم بنوا موضع واحد«). (٣وهذه الأحكام يمكن في ضوئها تفسير توزيع المساجد على المخطط العام للمستقرات السكنية والعوامل التي تحكمه. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ١٧؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٠ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٣٧ ) (٣الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٣٧ ٣٩١الفصل الثالث :المنشآت الدينية وتناولت الأحكام الفقهية التي ذكرها الكندي بعض الجوانب الأخرى التي تتعلق بأرض المسجد في إطار ما كان يحدث من تصرفات، وما لعله كان يقع من نوازل. ومن هذه الأحكام حكم يعرض لاستغلال أراضي المساجد الخربة، فقد ذكر الكندي أن »من زرع موضع مسجد قد خرب وموضعه معروف أيحل ذلك؟ فلا يحل إلا أن يترك لهذا المسجد مكا نا غيره، وهو قول محمد بن محبوب)، (١ومن غيره قال، وقد قيل :لا يبدل مكا نا غيره، ولا يحول، ولا يحل ذلك مخافة الدرك وزوال الحجة، وليس ذلك لأحد«).(٢ ولهذا الحكم أثره العمراني والمعماري الذي يحافظ على الأرض التي أنشئ عليها مساجد خربة، سواء كان ذلك في إطار عدم السماح بتحويل أرض المسجد، أو باستبدال أرضه بأرض بديلة. :áeÉ©dG äBÉ°ûæadG ¢†©H øe √QhÉL Éeh ¬bôWh óé°ùadG ojôM أشارت بعض الأحكام الفقهية إلى حريم المسجد، فمن منثورة الشيخ أبي محمد 5وسألته عن حريم المسجد :كم هو؟ قال :ذراعان«). (٣وذكر صاحب المصنف أن »طريق المسجد ثلاثة أذرع، وحريمه ثلاثة أذرع، وقيل مستقلا، ويساعد هذا الحريم علىذراعان«). (٤وهذا الحريم يجعل بناء المسجد ) (١محمد بن محبوب بن الرحيل بن سيف بن هبيرة القرشي، هو الشيخ العلامة شيخ المسلمين في زمانه، كان يعرف بالزهد والشجاعة في قول الحق، وهو شيخ زمانه ومرجعهم في الفتوى، نشأ في أيام الإمام غسان بن عبد االله، وعاصر الإمام مهنا بن جيفر ثم تألف في أيام الصلت بن مالك وبايعه ٢٣٧هـ ، وتقلد القضاء في صحار ٢٥٢هـ. ومن شيوخه :موسى بن علي الأزكوي). ابن جعفر :الجامع، ج /٤ص. (٤٤ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٥٨ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٥٨ ) (٤الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٢٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٩٢ صيانة جدران المسجد من الخارج كما يساعد على التحرز من وضع خشب سقوف المنشآت المجاورة للمسجد على جدران المسجد إلى حد بعيد. وفي إطار أحكام حريم المسجد، ورد الحكم الذي يشير إلى أنه لا يجوز حريما، وأما الأموال فمنأن يلزق رجل حائطه بحائط المسجد حتى يترك طلب طريق ماله فليس يحكم على أحد إلا عن تراض«).(١ كما عرضت الأحكام لبعض النوازل المتعلقة بالطرق المؤدية للمسجد، فقد عرض الكندي لحالات المسجد الذي لا يعرف له طريق، فقد ذكر أنه »إذا لم يعرف له طريق، قال على صاحب الأرض التي قربه أن يخرج له طريق بالثمن، وإن كان قرب جماعة، أخرج له من أقرب المواضع إلى الطريق بالثمن، ويكون الثمن من مال المسجد إذا كان له مال، وإلا ففي بيت المال«).(٢ وفي إطار النسيج العمراني المجاور للمسجد صدرت بعض الأحكام الفقهية التي تنظم ذلك، فقد ورد في مسألة» :ومما يوجد أنه جواب أبي عبد االله 5وعن طريق المسجد لا ينفذ عنه أراد جار المسجد أن يفتح جائزا فله أن بابا لداره هل له ذلك إذا كان الطريق ليس بجائز، وإن كانفيه بابا إن شاء، وإن طلب ذلك أحد للمسجد أجبر إلى منازعته«).(٣يفتح فيه ومن المهم الإشارة إلى أن الأحكام الفقهية عرضت لقياسات طريق المسجد، فذكر أنه »ثلاثة أذرع«)، (٤وهذا القياس يخص بالطبع عملية إنشاء طريق لمسجد ليس له في الأصل طريق، فينشأ له طريق بهذا القياس كحد أدنى. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٨ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٦، ٣٩، ٣٠ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٣١ ) (٤الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٢٨ ٣٩٣الفصل الثالث :المنشآت الدينية وإذا كانت هذه الأحكام تتعلق بالطرق الخارجية الموصلة للمسجد، فإن أيضا عالجت استغلال المسجد للاستطراق، فمنعت ذلكالأحكام الفقهية تأسيسا على نهي الرسول ژ »أن يمر الرجل في المسجد يتخذه طريقا حتى يصلي فيه ركعتين، فإن فعل ذلك حاجه المسجد يوم القيامة. قال أبو الحسن: إن صح ذلك فهو نهي تأديب وليس تحريم، قال :وأما الذين يمرون في المسجد إلى النهر وهم جنب، فقد ذكره لهم، ولا شيء عليهم، ولا ينجسونه، ولكن يكره أن يدخل المسجد جنب وإن مر فلا شيء عليه«).(١ وإذا يتسبب كنيف مجاور للمسجد بضرر رائحته للمسجد في إطار علاقة الجوار، فإن هذا الكنيف يفحص أمره، فإذا كان سابقا لإنشاء المسجد تعالج مشكلة الرائحة حتى لا تتسبب في أذى للمسجد، فقد ورد في مسألة »قال إذا دعي رجل واحتسب لمسجد واحتج أنه يوجد أذى كنيف ورائحته في المسجد وصح أمر صاحب الكنيف أن يعزله إلا أن يأتي بشاهدي عدل أن الكنيف كان قبل المسجد، ومن غيره قال نعم، وذلك في المسجد، وأما في الأموال فحتى يصح أنه أحدثه إلا أنه يصرف رائحته«).(٢ ومن المهم أن نشير إلى أن الكندي عرض لحكم مهم يتعلق بالمنشآت ضررا أو العامة التي تجاور المساجد وبخاص تلك التي يمكن أن تسبب أذى للمسجد. فقد ورد في سياق مسألة النهي عن أن »يكون في قبلة المسجد خان أو أن يكون في قبلته حمام. (٣)«...وهاتان النوعيتان من المنشآت العامة تتسببان في بعض الضرر، فالخان يتسبب عنه الضوضاء الحادثة عن التعامل عمرانيا النهي عن إنشاء الحمام والخان في قبلة بين أهله، ويحدد الحكم ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٦٣، ٢٩ - ٢٨ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٣١ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٩٤ تحديدا لاعتبار تأثير الضرر على المصلين من إمام ومأمومين. وهذاالمسجد التوجيه لا شك أنه مهم لدراسة التخطيط العمراني للمستقر السكني الإباضي بصفة عامة، ومهم بالنسبة لتوزيع هذه النوعية من المنشآت على تحديدا. مخطط المستقر غير ملاصقة للمسجد من جهة القبلة وإذا كانت الأحكام تمنع مجاورة الخان لقبلة المسجد فإنها نهت عن البيع في المساجد، فقد نهى الرسول ژ أن يباع في المسجد. قال أبو الحسن :هذا يصح لأنه قال لأعرابي :إنما جعلت المساجد لذكر االله، فعلى هذا لا يجوز البيع فيها«).(١ :óé°ùadG IQÉaY تضمنت الأحكام الفقهية التي أوردها الكندي الخاصة بعمارة المساجد ما يشير ضم نا إلى مفهوم عمارة المسجد سواء كان هذا المفهوم يتصل بعمارتها ماد يا، أو بعمارتها من خلال أداء المسلمين للصلاة فيها، وقد عبر الكندي عن هذا المفهوم بقوله» :القول عندنا هو في صلاح المسجد من بنائه وإقامته لا غير ذلك، وأما عمارة المسجد كلما عمر به المسجد فقد قالوا إن الحصر من عمارة المسجد، وما يحتاج إليه القوام بالمسجد وعماره، وأما الصلاح فقد أعلمتك أن البناء وإقامة المسجد، وقد روي بعض الفقهاء أن كل ما عمر به المسجد فإنما ذلك يقع لعمارة وليس للمسجد في نفسه نفع، واالله أعلم«).(٢ وفي إطار هذا المفهوم عرضت الأحكام الفقهية لبعض العناصر المعمارية الخاصة بالمسجد، كما عرضت لفرشه وإضاءته. ومن المهم أن نعرض لهذه الأحكام وبخاصة ما يتصل منها مباشر ة بالنواحي الإنشائية للمسجد. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٢ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٣٦ ٣٩٥الفصل الثالث :المنشآت الدينية ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المساجد الإباضية التقليدية في عمان في ضوء ما ورد من أحكام فقهية، وفي ضوء ما تبقى من بعض الأمثلة تتكون من ساحة الصلاة الرئيسة، والتي تسمى في المصطلح الفقهي »داخل المسجد«، والتي تتمثل في حيز فراغي يحيط به الجدران من الجوانب غالبا، الثلاثة، والجانب الرابع الموازي لجدار القبلة يتخلله فتحات معقودة تصل ما بين داخل المسجد و»الصرحة« التي تتقدمه. نسبيا يقسم بيت الصلاة إلىوفي بعض نماذج المساجد كبيرة المساحة بلاطات موازية أو عمودية على جدار القبلة بواسطة بائكات تتكون من غالبا سلسلة من العقود، وقدصفوف من الأعمدة أو الدعامات، تحمل فوقها يرتكز السقف مباشر ة على الأعمدة أو الدعامات. والصرحة مساحة مفتوحة مكشوفة أمام بيت الصلاة، يحيط بها سور، صيفا، وفي صلوات العصر والمغربوتستخدم للصلاة في أوقات الحر والعشاء. وهذا النمط من المساجد انتشر في عمان). (١كما وجدت أمثلة مشابهة له في المملكة العربية السعودية، وبصيغ معمارية متنوعة).(٢ العمانية في القرنومن المهم الإشارة إلى أن بعض المصادر الفقهية السادس الهجري قد عرضت للحكم الفقهي المرتبط بالعناصر المعمارية الإنشائية للمسجد، وفي سياق هذه الأحكام يتضح تفاصيل التخطيط للمسجد العماني الإباضي، والتي سبقت الإشارة إلى تكوينه من بيت للصلاة، أو داخل المسجد بالإضافة إلى »الصرحة« التي تتقدمه، واستخدام الدعامات أو ) (١عثمان )محمد عبد الستار( :مدينة ظفار بسلطنة عمان دراسة أثرية معمارية، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية١٩٩٩، م، ص. ١٣٢ - ١٣١ G. R. King: The Historical Mosques Saudi Arabia, Longman, London, New York, 1986, p. 146.)(٢ عثمان )محمد عبد الستار( :عمارة سدوس التقليدية، دراسة أثرية معمارية دراسة حالة، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية١٩٩٩، م، ص. ١١٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٩٦ الأعمدة )الأسطوانات( في حمل سقف المسجد، كما أشارت إلى المساند التي كانت تبنى في موضع الصف الأول للمصلين في المسجد ليستند عليها المسنون من المصلين أثناء تواجدهم لفترات طويلة بالمسجد بين الصلوات لقراءة القرآن الكريم. وأهم ما ركزت عليه هذه الأحكام ما يتعلق بالعناصر المعمارية التي تقطع الاتصال بين المصلين، كالأسطوانات والدعامات، وما لعله ينشأ من مساند في موضع الصف الأول، وأكدت هذه الأحكام على ضرورة توفر الاتصال المباشر بين صفوف المصلين حتى تكون صلاتهم جائزة، كما أشارت إلى أنه يكره أن يصلي الرجل وحده بين الأسطوانتين، وإن صلى لم يبلغ إلى فساد«). (١وهذا الحكم يبدو أنه أثر بصورة ما في تخطيط المسجد؛ حيث حصر المعمار على أن يظل عدد العناصر الحاملة للسقف مع الجدران الأربعة من صفوف الدعامات أو الأعمدة بقدر الإمكان، وبخاصة من يكون سترة الإمام )أي الذي يصلي خلفه مباشرة( وألا تحجب الدعامات الاتصال بين الإمام في المحراب وبين صفوف المصلين من خلفه، وضرورة اتصال الصف الاول بما تلاه من صفوف«).(٢ كما أشار الحكم الفقهي إلى تحبيذ أن يكون المسند الذي قد يصل ارتفاعه إلى ثلاثة أشبار )٦٩,٦سم( متحرك يمكن تحريكها عند إقامة الصلاة فذلك أفضل. وقد رأى بعض الفقهاء أن مثل هذا المسند يقطع الصلاة، وساند الكندي الرأي الذي يفضل أن تكون المساند متحركة، أي يمكن تحريكها عند إقامة الصلاة).(٣ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٥ص. ٢٥٢ - ٢٥١ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٥ص ٢٥١؛ الكندي :المصنف، ج /٥ص. ٢٥٢، ٢٥١ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٥ص. ٢٥١ ٣٩٧الفصل الثالث :المنشآت الدينية كما أكدت هذه الأحكام) (١على ضرورة الاتصال بين المصلين في الداخل )بيت الصلاة( وبين المصلين في الصرحة التي تتقدم، وذلك من خلال فتحات الأبواب التي تكون فيها أو العقود إذا كانت الفاصل بينهما على هيئة بائكة، وهذا يفسر تعدد الأبواب في الجدار الفاصل بين داخل المسجد والصرحة التي تتقدمه، أو إنشاء هذا الفاصل على هيئة بائكة في بعض النماذج التي تتقدمها صرحة مسقوفة. مهما يشير إلى نمط مميز من صرحات حكما وقد ذكر صاحب المصنف العمانية، فقد ورد أنه »إن كان حول المسجد موضع خراب، وفيهالمساجد دلائل بقايا عمارة تدل على أنه صرحة مدارة بالمسجد، هل يعمر من ماله، قال: إذا كان من المسجد ورأى القائم به الذي يلزم أنه أصلح، أو لزم عمارته فخرب فإنه يلزمه عمارته في جملة المسجد، وما لم يصح أنه من المسجد لم تصح عمارته، فعمارة ما أدرك عمارته أولى مما لم تصح عمارته، أو ما لم تصح منها، وإنما يراد به الزيادة فيه، فلا إلا أن يكون فيه أفضل عن ذلك كله، وكان ذلك أصلح كان ذلك عندي جائز، وإن كان في هذا الخراب أساس لا شك أنه المسجد أو من المسجد جاز ذلك عندي«). (٢وهذا الحكم يشير إلى نمط من أنماط صرحات المساجد تكون دائرة حول المسجد، وهي من أرض المسجد في بعض الأمثلة، وقد تكون مضافة إلى المسجد، وليست من أرضه في أمثلة أخرى. وقد حدد الحكم عملية إصلاح مثل هذه الصرحات سواء أكانت من عمارة المسجد في الأصل، وكانت خارجة عن أرضه، وأساساته الأصلية. وقد أشارت بعض الأحكام إلى أن إنشاء الصرحة في المسجد يمكن أن يكون لاحقا، وهو ما يعني معمار يا وجود نماذج من المساجد بدون صرحة، ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٥ص. ٢٥٢ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٤٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٣٩٨ فقد »قال أبو سعيد في مسجد بني له صرحة بقربه بائنة منه إلا أنها زيدت له، ويجوز أن يجعل في صلاح هذه الصرحة من ما المسجد إذا حدث المال بعد أن ثبتت له، وجعلت، وأما ما كان له من مال قبل أن تتخذ الصرحة، قال :لا يجوز أن تصلح من مال المسجد فيما قيل«).(١ وقد أشارت بعض الأحكام إلى ما قد يضاف من عناصر معمارية إلى صرحة المسجد، فقد قال أبو محمد» :لا يجوز أن تحفر بئر في أرض المسجد ولا يعرش للمسجد عريش ا في صرحته من مال المسجد إذا كان في ذلك صلاح للمسجد«). (٢وإنشاء عريش للصرحة يعني معمار يا أنها في الأصل تكون مكشوفة بدون سقف، وإن في بعض المساجد كانت تعرش، أي يعمل أيضا فيلها سقف خفيف. ومن التعديلات المعمارية التي كانت تحدث صرحة المسجد رفع بنائها، فقد ورد في الحكم أنه »جائز أن ترفع الصرحة«).(٣ والمحراب من العناصر المعمارية المهمة في المسجد، وقد عرضت بعض الأحكام الفقهية لما يتعلق بعمارته، فذكرت أنه »نهى عن أن يرتفع مقام الإمام في المسجد«). (٤وهذا يعني معمار يا أن مستوى أرضية المحراب بنفس مستوى أرضية المسجد غير مرتفعة عنها كما كان الحال في عهد رسول االله ژ في مسجده في المدينة المنورة، ويبدو أن هذا النهي جاء في إطار ثقافة انتشرت مع انتشار بناء المقاصير في المساجد يصلي فيها الأئمة والخلفاء، وكانت تتميز معمار يا عن بقية رواق القبلة سواء قصر مساحتها عن بقية الرواق بالبناء أو الخشب، أو في ارتفاع ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٣٤١ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٤٣ ) (٣الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٤٧ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٣ ٣٩٩الفصل الثالث :المنشآت الدينية مرتفعا بقية أرض المسجد أو حتى فيمستوى أرضيتها الذي كان ينشأ ارتفاع سقفها عن بقية سقف المسجد).(١ كذلك عرض الكندي لموضوع آخر يتعلق بالمحاريب ويختص بالكتابة عليها؛ حيث جرت العادة في معظم البلاد الإسلامية بزخرفة المحاريب وكتابة بعض النصوص القرآنية والأحاديث أو غيرها في حنية المحراب أو واجته بصفة عامة. فعندما طرح السؤال :هل يجوز أن يكتب في المحراب في الجدار؟ قال: نعم إذا كان في ذكر االله أو شيء من القرآن، أو ما يذكر من أمور الآخرة، أما سائر ذلك فلا أحب أن يكتب فيه عبث رجع«. وقد حدد هذا الحكم ما يفضل كتابته، وما لا يجوز لأنه من سبيل العبث. وقد انتشرت الكتابات في محاريب العمانية، ويلاحظ أن ما ورد فيها من كتابات يتفق وهذا الحكم).(٢المساجد حكما لأبي محمد قال فيهومن المهم الإشارة إلى أن صاحب المصنف أورد لا يجوز أن يكتب في قبلة المسجد شيء من الآي أو شيء من الموعظة«).(٣ تطبيقيا خلو بعض المحاريب التي تنفذ بها من الكتابات.وهذا الحكم يعني وإذا كانت الكتابات تزين المحاريب، وأقر الحكم الفقهي بكتابتها في المحاريب في إطار نصوص معينة تذكر باالله، أو تكون في هيئة اقتباسات من القرآن الكريم، فإن زخرفة المسجد وتزيينه لم تكن مقبولة في الإطار العام، ويعكس ذلك الحكم الفقهي الذي يحدد مصارف عملية الإنشاء أو الإصلاح بعيدا عن الزخرف والتزيين،في الغرض الإنشائي للمسجد، يساعد على متانته فعندما طرح السؤال» :هل يعطي في أجره تزيين بعمل فيه )المسجد(، قال: ) (١السمهودي )نور الدين أحمد بن علي( :وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، د.ت، ج /٢ص. ٥١٢ - ٥١٠ العمانية القديمة، نشر وزارة التراث والثقافة ) (٢بلد يسيرا )إيروس( :الكتابات في المساجد سلطنة عمان١٩٩٤، م، ص ص. ١١٨ - ٦١ ) (٣الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٣٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٠٠ إنما يوثق به ويجدده واالله أعلم«). (١وفي موضع آخر أشار الكندي إلى أن المساجد لا تبنى بالتصوير).(٢ جيدا وفي توجيه آخر قال الكندي» :وينبغي لمن بنى الله بي تا أن يكون واسعا للصلاة والذكر، ويكره له التزاويق بالخضرة والصفرة والنقوش بالسنادج والجص والشرف، وروي عن ابن عباس عن النبي ژ قال» :أمرت بتشييد المساجد«، قال له ابن عباس :أزخرفها كما زخرفها اليهود والنصارى؟ وروى عنه» :وما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم، وروى عن عثمان بن عفان أنه كان في المسجد برحة فقال :ألقوا عني هذه، فإنها تشغل المصلي. وروي عن علي بن أبي طالب أنه مر على مسجد مشرف فقال :هذا بيعة، ومر ابن عمر على مسجد مشرف بالجحفة فأمر بها فألقيت«).(٣ كما وجهت بعض الأحكام إلى عدم وجوب إنشاء بعض العناصر المعمارية التقليدية في المساجد كالمئذنة، فقد ذكر صاحب المصنف أظن عن أبي الحسن، قال» :لم أعلم أن المنارة من مصالح المسجد«). (٤وكذلك الحال بالنسبة للشرفات).(٥ وتعرضت الأحكام الفقهية بصورة مباشرة إلى فرش أرضية المسجد بالحصي، فقد أشارت إلى جواز ذلك، وقد حدث مثل هذا في عصر النبي ژ بالمسجد الحرام). (٦كما يعرض بعض الأحكام الأخرى لما نجسا يحدث فقد ذكر الكندي في مسألة» :وسألته عن الدهن إذا كان ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٤١ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٢ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /١٠ص. ٥٦ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /١٩ص. ٤١ ) (٥الكندي :بيان الشرع، ج /١٩ص. ٣٨ ) (٦الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٣٣ ٤٠١الفصل الثالث :المنشآت الدينية وانسفك في حصى المسجد وغسل بالماء، فيبقى الدهن زائك ا في الحصى، قلت :وما حكم ذلك الحصى، وقد طهر بذلك الغسل، أم هو فاسد ما دام هذا الدهن لم تزل عينه من الحصى، فالذي أحب إن كان هذا الدهن من الأدهان الطاهرة إلا أنه معارض له النجاسة إن يطهر الحصى، وإن كان نجسا ما بقي زهمه أصله في النجاسة أو ذاك الميتة ما يكون أصله وعينه«). (١وهذا الحكم يشير إلى فرش المسجد بالحصي، وهو أمر يبدو أنه في إطار اتباع ما حدث في فرش مسجد الرسول ژ بالحصي. وقد تضمن الحكم إشارة إلى ضرورة تطهير الحصي من نجاسة الدهن الذي يقع على أرضية المسجد المفروشة به إذا كان الدهن دخلت عليه النجاسة، أما إذا نجسا فإنه الحكم لا يحبذ أن تبقى الأرضية بهذا الوضع، وهوكان أصله ما يعني تفضيل تغييرها. ومن الأحكام المتعلقة بحصي المسجد الذي تفرش به أرضيته ما ورد »عن رجل يعلقه شيء من حصى المسجد في جبهته أو في ثيابه، ثم يعرق ويطرح به، سألت يرده بعينه فإن قدر عليه بعينه وإلا رد مثله. وقلت إن حول حصى المسجد من الموضع الغليظ إلى الموضع الرقيق، فلا بأس إذا كان ذلك في المسجد«). (٢ويشير هذا الحكم إلى مدى دقة الأحكام الفقهية الإباضية التي تساعد على المحافظة على الحصي المفروش بأرضية المسجد مناسبا لغرض فرش أرضية المسجد به. وبهيئته ليكون وكانت المساجد تفرش بالحصير فوق الحصي، وعرض الفقهاء لبعض المسائل المتعلقة بفرش المسجد بالحصير باعتبارها من عمارة المسجد ـ كما سبقت الإشارة ـ فقد ورد عن أبي الحواري »عن مسجد له بواري ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٩ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٣١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٠٢ )حصير( كثيرة يصلي عليها وفيها فضلة، ومسجد آخر في القرية في القرب منه ليس فيه بواري، إنما يصلي الناس فيه على التراب، هل يجوز أن يؤخذ من بواري المسجد الآخر ويجعل في المسجد الآخر الذي ليس فيه شيء. فعلى ما وصفت فالذي حفظنا من قول المسلمين أن البسط التي تكون في المسجد وغيرها إنما هي للعمار، وليس هي للمساجد، فإذا كانت للعمار لم يكن لأحد أن يأخذ منها شي ئا لعمار مسجد آخر ولا يجوز ذلك«). (١ويتضمن هذا الحكم إشارات عدة منها أن هناك من المساجد ما كانت أرضيته ترابية، وكان يصلي به المصلون فوق هذه الأرض الترابية، وهو ما يعني أن أرضيات العمانية الإباضية كان منها ما هو مفروش بالحصى ـ كما سبقتالمساجد الإشارة ـ كما أن منها ما كانت أرضه ترابية غير مفروشة بالحصى. وأن الحصير كان يفرش في أرضيات المساجد، وأن بعض المساجد توفر لها الحصير بما يكفي حاجتها ويفوق، وأن بعضها الآخر لم يتوفر له هذا الحصير ليفرش على أرضيته الترابية. وقد نظم الحكم استغلال الفضل من الحصير في المسجد، وأشار تحديدا إلى أنه لا يجوز استغلال الزيادة من الحصير في مسجد ما لفرش مسجد آخر قريب منه لا يوجد به حصير، في إطار قناعة الفقيه بأن الحصير للعمار وليس للمساجد. وذكر صاحب المصنف أنه »إذا كانت للمسجد غلة فلا يجوز أن يشتري منها دهن ولا حصير«). (٢حيث كانت توجه في الأصل إلى عملية إصلاح المسجد معمار يا، سيما وأن الحصير تعتبر لخدمة عمارة المسجد وليس لعمارة المسجد نفسه. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٣٢ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٦٢ ٤٠٣الفصل الثالث :المنشآت الدينية ومن الأحكام الفقهية التي تتعلق بالمساجد ما ورد عن عمل الأخشاب أو الحبال أو الأوتاد لتعليق أدوات الشرب، فقد ورد في سياق مسألة بهذا الخصوص أن طرح السؤال» :هل يجوز أن ينصب فيه )المسجد( خشبة يعلق فيها قربة يشرب منها الناس، كانت الخشبة صغيرة أو كبيرة، كان لها رسم في ذلك الموضع أو لم يكن لها رسم، فمعي إن كان ذلك مصلحة للعمار مما تقرب إلى عمارة المسجد ويعين عليها، ولم يكن ذلك مضرة للمسجد في النظر ولا حجر شيء فيه عن الصلاة مما يدخل فيه المضرة، فعندي أنه يجوز إن شاء االله تعالى على حسب هذا كان لها رسم أو لم يكن لها، قلت: وهل يجوز أن يجعل حبل ومحجن في جذوع المسجد كان ذلك من قبل فيه، أو لم يكن يعلق فيه القربة، فمعي أنه إن لم يكن ذلك مضرة أو لم يكف وكان فيه نفع لعمار مما يقرب إلى عمارة المسجد ويقوى عيها بحضور الجماعة والرباط لها، وكان ما يرجى من الفضل في ذلك عندي أكثر مما يخاف من الضرر، وإن كان إنما هو الانتفاع لغيره هذه المعاني وما أشبهها فلا يعجبني ذلك في المسجد، واالله أعلم«).(١ أيضا ما ورد من أحكام تتعلق بالأوتاد التي تدق فيويأتي في هذا الإطار جدران المسجد للانتفاع به في التعليق، فقد ورد في سياق مسألة السؤال» :هل وتدا أو ينفع به مالا به قال :لا، قلت له :فإن نزل فيه نازل يوتد فيه )المسجد( موتودا في الجدار، هل يجوز له أن ينتفع به، فأجاز ذلك«).(٢ وتدا ووجد فيه وتدا ليعلقوا به السراج. وفي ذات المسألة أجاز الفقيه أن »يزيدوا فيه )المسجد( وهذه الأحكام التي أشارت إلى الأخشاب أو الحبال أو الأوتاد التي تثبت في المسجد أو جدرانه لتعليق قرب الماء للشرب أو أدوات الإضاءة أو ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٩ - ١٨ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٠٤ غير ذلك، لكن المهم أن بعضها أشارت إلى استخدام »الجذوع« في عمارة المسجد، واستخدام لفظ الجذوع يتضمن دلالتين، الأولى أن سقف المسجد محمول على جذوع النخل كما كان احال في مسجد الرسول ژ في عهد الرسول وعهد الخليفة أبو بكر وعمر قبل أن يعاد بناؤه بالحجر في عهد الخليفة عثمان @ ويمكن أن يكون استخدام لفظ الجذوع دالا على جذوع النخل أو الأشجار في السقف، وفي ذلك إشارة واضحة لعناصر ومواد البناء في المساجد وقت صدور هذه الأحكام الفقهية. :êGô°ùdG hCG óLÉ°ùa∏d á«YÉæ°üdG IAÉ°VE’G تناولت بعض الأحكام الفقهية إشارات مهمة لعناصر الإضاءة الصناعية في المساجد الإباضية، وكيفية تنفيذها وتحويلها من أوقاف المسجد أو من أموال يوصى بها بعض الناس لهذا الغرض. ومن هذه الأحكام ما أشار إلى أنه كان ينشأ في جدران المساجد كوى لوضع أدوات الإضاءة في المسجد، ففي إحدى المسائل طرح السؤال» :هل يجوز أن يحفر فيه كوة للسراج إذا أراد عمارة أن يسرجوا فيه، قال :نعم، وتدا ليعلقوا فيه السراج؟ قال :نعم«). (١أوقلت :وكذلك لهم أن يزيدوا فيه يشير هذا الحكم إلى أن الكوى كانت مواضع وضع أدوات الإضاءة التي صناعيا في أوقات الليل، كما أنه أشار إلى إمكان تعليقتستخدم لإضاءته هذه الأدوات في أوتاد تدق في حوائط المسجد. صناعيا عملية مستمرة تحتاج بالإضاءة إلى أدواتوعملية إضاءة المسجد الإضاءة، ومواضع وضعها، وإلى الدهن الذي يستخدم في الإضاءة باستمرار، وهذا كله يتطلب تمويلا لاستمرار عملية سراج المسجد. وتتضمن أحكام ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٤ - ٢٣ ٤٠٥الفصل الثالث :المنشآت الدينية نصوصا وقف المسجد والوصايا التي يوصي أصحابها بتحويل هذه العملية متعددة تؤكد أن عملية إضاءة المسجد صناعية أو سراجه كانت في حسبان الوافقين والموصين الذين ضمنت أوقافهم ووصاياهم هذا الاستمرار).(١ وفي إطار توفير الحماية من البرد في فصل الشتاء، أجازت الأحكام الفقهية أن يجعل للمسجد »على أبوابه شر عا أو بوريا يستروه من البرد«).(٢ وهذه العناصر المعمارية المختلفة التي أجازت الأحكام الفقهية تضمينها عمارة المسجد أو إدخالها على هذه العمارة لا شك أن تكمل التصور المعماري لعمارة المسجد الإباضي في هذه الفترة التاريخية المبكرة. وكان ذلك متواز يا مع عمارة المساجد في البلاد الإسلامية العمانية الإباضية تتسم بالبساطة والزهدالأخرى، وإن كانت المساجد المعماري إلى حد بعيد. :É¡a«eôJh óLÉ°ùadG ìÓ°UEG عمرانيا إذا كانت الأحكام الفقهية السابقة قد عرضت لإنشاء المساجد ومعمار يا، فإن عملية إصلاح المساجد وترميمها تكمل هذا العمل وتساعد على استمرار المساجد في أداء وظائفها. وقد عرض الكندي إلى أحكام عدة تعالج هذه المسألة من المهم الإشارة إلى أبعادها العمرانية والمعمارية. وتختلف حالة المساجد التي تحتاج إلى الإصلاح والصيانة، فمنها ما يحتاج إلى إعادة بناء، وهذه العملية هي أكبر عمليات الإصلاح، ولهذه العملية شروطها التي تضمنتها بعض الأحكام، فقد عرضت لحالة »مسجد ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٣٩ - ٣٧ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٠٦ له في الأول بنية، ثم وهي أو تخوف عليه الخراب والعطال أيجوز لأحد أن يرفعه ويقصره عن بنيته الأولى، أو أن يكون مرفو عا بأساطين ولا يقدر عقودا بالطين الذي وجدت أن التوسع لصلاحه جائزعليها، فيجعل له والتضييق والنقض فلا يضيق«). (١وهذا الحكم يشير إلى حالة عمارة مسجد وهي وتخرب ورغب أحدهم في إعماره أو إعادة بنائه، وتعرض الحالة الشروط التي يجب عليه الالتزام بها عند إعادة البناء والشرط الأساس في ذلك كما هو واضح في خاتمة الحكم أن يعيد بناءه دون أن ينقص من مساحته شي ئا، ويمكن فقط أن يزيد في مساحته. وهذا الحكم مرتبط إلى حد بعيد بما ورد عن قدرات الذي تعرض لإعادة البناء والذي لا يمكن من استخدام الأساطين في حمل سقفه، ولكن هذه القدرات قبوا( بالطين. ومن المهم الإشارة إلى أنعقدا )أي تقف عند عقد سقفه استخدام العقد في التغطية وباستخدام الطين لا يمكن من تغطية مساحات نسبيا، ولكن تكون هذه الأحياز محدودة بحدودأحيازها الفراغية كبيرة إنشائيا، وهو ما يعني في المساجد التي تفوق أحيازها الحيزاتساع العقد إنشائيا الإنشائي للعقد )القبو(، فإن ذلك يعني تضييق المساحة لتتناسب مع العقد، وهذا هو ما لم يقبله الحكم الفقهي الذي أجاز إعادة البناء، واشترط عدم تضييق المساحة، بل إن سمح بالزيادة إن كان ذلك ممك نا حال توفرها. وهناك من الآراء الفقهية ما رأى عدم التضييق أو التوسعة في مثل هذه الحالة، فقد قال الشيخ أبو الحسن »إنه قد كان عرف أنه لا يضيق ولا يوسع«).(٢ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٥ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص ١٥؛ الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٤٧ ٤٠٧الفصل الثالث :المنشآت الدينية وقد عرض صاحب المصنف لأحكام متنوعة تتعلق بمساحة المسجد الأصلية عند إعادة بنائه، فقد ذكر أنه في الضياء). (١قال أبو الحسن لا تضيق المساجد بالنقص، أما أن وسع لإصلاحها فجائز، وقد كنت أعرف أنه لا يضيق المسجد ولا يوسع، ثم عرفت عن الشيخ أنه ما كان أصلح للمسجد فجائز، وقال إنه جائز أن يزاد فيه ما هو صلاح له). (٢ويتضح من هذا الحكم صلاحا. أنه يمكن تطوير الحكم وتعديله طالما أن في ذلك ومن الأمور المهمة المتعلقة بموضع المسجد أنه في بعض الحالات وغربا وشرقا عند إعادة بناء المسجد »جائز أن يحول المسجد يمي نا وشمالا في حدود المسجد إذا لم يخرج من حدود المسجد، رفع هذا عن الشيخ محمد بن عبد االله بن مداد عن أحمد بن مفرج رحمهم االله«). (٣وهذا الحكم ضم نا لم يشر إلى سبب التحويل الذي ربما يكون لتصحيح اتجاه القبلة أو لضم مساجد الحيز الفراغي للمسجد هي له في الأصل، ولم تكن له ضمن الحيز المعماري له. وعرضت بعض الأحكام لمواد البناء المستخدمة في إعادة البناء، معقودا واستكمالا للحالة السابقة استطرد في السؤال» :قلت أرأيت إن كان أربعا، وذلك أقوى بالجص فيعقده هو بالطين، أو يكون ثلاثا صفيف، فيجعلها للمسجد، أيتركه بحاله أو يفعل ذلك، فقال :إذا تركه بحاله كان أسلم، وإن فعل ذلك، وكان ذلك أصلح للمسجد، فأرجو أن ذلك جائز، واالله أعلم«).(٤ ) (١الضياء :كتاب مشهور ألفه سلمة بن مسلم المولى الصحاري، صاحب كتاب الأنساب، ولد العماني، وينتهي نسبه مهما من مصادر التاريخ مصدرا وعاش في صحار، ويعتبر صاحبه العمانية. ابن جعفر :الجامع، ج /٢ص. ٣ إلى قبيلة الأزد ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٤٧ ) (٣الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٤٧ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٠٨ وهذا السؤال يعرض لحالة مسجد عقد بالجص، وكان هناك توجه لإعادة إنشائيا أقوى من الطين، وعملية إعادة بنائهمعقودا بالطين والجص بنائه إنشائيا أن يعدل التخطيط ليشمل المسجد في تصميمهوعقده بالطين تتطلب الجديد على أربعة صفوف من الأعمدة تحمل الأقبية الطينية باعتبار أن متانة نسبيا عن تلك التي تنشأ بالجصالإنشاء بالطين تتطلب تضييق بحور الأقبية كما بناء أقوى. وإجابة الفقيه تكشف عن خبرة معمارية مهمة ودراية بطبيعة مواد البناء وعلاقتها بمتانة البناء، ويتضح ذلك في قول الفقيه» :إن تركه بحاله كان أسلم، وإن فعل ذلك وكان أصلح للمسجد، فأرجو أن ذلك جائز«، حيث كان معيار الفقيه »صلاح المسجد«، أي سلامته وبقاؤه متي نا يؤدي وظيفية، فإن كان البناء القديم المبني بالجص وفق تخطيطه الذي يشتمل صالحا فلا يهدم، ويبقى المسجد على حاله، وإنعلى ثلاثة صفوف يبقى كان غير صالح فيمكن إعادة بنائه بالطين، وتغيير التخطيط ليشتمل على أربعة صفوف من الأعمدة في إطار حكم الجواز. ومن أعمال الترميم والإصلاح تلك الأعمال الجزئية التي تتطلب إصلاح كليا، وقد عرضت الأحكام الفقهيةعمارة المسجد دون هدمه وإعادة بنائه لبعض هذه الحالات، ومن هذه الأحكام أنه »لا يجوز أن يعلي ظهر المسجد إلا لإصلاحه أو احتراز من عدو«).(١ وهذا الحكم في غاية الأهمية، حيث إن تعلية سطح المسجد لسبب أو كثيرا في العصور الوسطى ولأسباب مختلفة من أهمهالآخر أمر يحدث ارتفاع أرضية الطرق في المستقرات السكنية الإسلامية بصورة مستمرة؛ حيث إنها لم تكن مرصوفة في الغالب بالحجارة أو غيرها من المواد، وكان ترابية ترتفع أرضيتها بمرور السنين، ومن ثم تبدو الحاجة إلى رفع أرضيات ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٠ ٤٠٩الفصل الثالث :المنشآت الدينية تحديدا تستدعي رفع سقفه سيما وأن المساجدالمباني ورفع أرضية المساجد أيضا ارتفاع في الغالب لا يعلوها مستوى ثان من البناء. ومن الأسباب )(١ المباني المجاورة للمسجد فتبدو عمارته متطامنة بالنسبة لها، والتوجيه الففقهي يوجه إلى أن بناء المسجد من الأفضل أن يرتفع بمستوى لا يجعله متطام نا بالنسبة للمباني المجاورة، ومن ثم تبدو الحاجة إلى رفع سقف المساجد، وقد يكون رفع سقف المسجد لإضفاء نوع من الفخامة والضخامة على إنشائها كما حدث في الجامع الأزهر على يد الخليفة الحاكم بأمر االله. وقد عرض الحكم الفقهي الخاص بإصلاح المسجد برفع سقفه، وأجاز ذلك سواء كان الرفع للسقف لإصلاح المسجد، وهو ما سبقت سببا آخر، وهو الاحتراز منالإشارة إلى أسبابه، ولكن الحكم أضاف العدو، وهذا يعني أن السقف المنخفض للمسجد يمكن أن يعتليه الأعداء لمهاجمة ما جاوره من منشآت بسبب انخفاضه، ومن ثم كان الحكم شاملا للتأمين من هذا الخطر. ومن التعديلات المعمارية التي كانت تحدث بعمارة المسجد ما كان يحدث عاد ة من عمليات تتصل برفع بابه للارتفاع في مستوى أرض الطرق، وقد أشارت الأحكام إلى جواز ذلك، فقد ذكر صاحب المصنف» :إذا كان واسعا يضيق فكأنيقصيرا يجوز أن يكسر ويرفع، ويكونبابه )المسجد( قائما على ذلك أدركوه أن يترك بحاله من غير أن أضيق علىأحب إن كان إصلاحا إلا أن يكون بهذه الأبواب ضرر على أحد في منزله منأحد يريد ضيقها أو وسعها فتنزل بحالها، ولا تغير، وقد يزاد في بنائه ولا ينقص إلا أن صلاحا له، فذلك جائز، وأما إن كان من صلاح العمار وترفيهيكون ذك ) (١في المباني المدنية السكنية كان الدور الأرضي يرفع سقفه عن القياس المعتاد للأدوار التالية حتى يمكن رفع أرضيته دونما تأثير واضح على حيزها الفراغي. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤١٠ أنفسهم في ذلك، فيترك بحاله، وأما الزيادة فذلك أصلح جائز ولا تكون ضررا في المسجد فلا تزاد«).(١الزيادة إلا قوة إلا أن يكون وأشارت الأحكام الفقهية الخاصة بإصلاح عمارة المسجد إلى جزئيات أخرى جرت العادة بإصلاحها »فمن منثورة الشيخ أبي محمد 5وعن خشبة رثت من المسجد فأخلف مكانها خشبة يجوز لمن أخلف مكانها أن ينتفع بها، قال :نعم، وكذلك دريز المسجد ينكسر فينبى مكانه جدار طين يجوز له أن ينتفع بالخشب الذي رث، قال إذا كان الجدار يقوم مقام الخشب ويمنع ما يمنع الخشب فذلك جائز«). (٢وهذا الحكم يعني إمكان استبدال بعض خشب السقف أو غيره في المسجد عندما يرث خشبه القديم، كما يشير إلى إمكان بناء جدار بالطين موضع دريز من الخشب طالما أن ذلك يصلح عمارة المسجد. كذلك كان إصلاح الأرضيات الترابية أو المفروشة بالحصى من العناصر التي تحتاج إلى إصلاح من وقت لآخر، وقد سبقت الإشارة إلى الدهن النجس الذي يقع على حصي المسجد ويراد تطهير أرضيته منه، فإذا كانت النجاسة أصيلة في الدهن فإن التوجيه كان لتغيير أصلها). (٣وكذلك إذا احتاج المسجد إلى نقل حصي لإصلاح أرضيته، فإن الفقهاء حبذوا ذلك).(٤ »وكذلك جائز أن يعمل المسجد من ترابه، وكذلك الميزاب من مال المسجد أيضا كان من العناصر التيلأنه مما يصلح به«. ويشير هذا إلى أن الميزاب )(٥ تحتاج إلى إصلاح وترميم من وقت إلى آخر. ) (١الكندي :المصنف، ج /١٩ص ص. ٤٨ - ٤٧ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٢ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٩ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص ص. ٤٤، ٣٧ - ٣٦، ٣٤ ) (٥الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٣٦ ٤١١الفصل الثالث :المنشآت الدينية ومن العناصر المعمارية التي كانت تحتاج إلى إصلاح دوري سقف المسجد، فقد ورد أنه »إذا انسف غماء المسجد ووقع التراب فيه هل يحمل مهما أمرا من ماله قال معي :أنه يجوز ذلك«. وإصلاح سطح المسجد كان )(١ لاستخدامه في الصلاة وباعتبار أنه جزء مهم من عمارة المسجد المادية).(٢ وكانت جدران المسجد من العناصر الإنشائية التي تحتاج إلى إصلاح باعتبارها عناصر أساسية لصلاح عمارة المسجد وفي إطار أحكام الوصية المتعلقة بالمساجد ورد ما يؤكد أن »إصلاح جدرها وسقوفها« من إصلاح المسجد أما الحصر والسراج والماء فذلك منفعة الناس«، ولا يصرف منها على ما خصص لإصلاح عمارة المسجد).(٣ كثيرا من الموصين بأموالهم للمساجدومن المهم الإشارة هنا إلى أن حددوا مصارف هذه الأموال فمنهم من خصصها لإصلاح عمارة المسجد، ومنهم من خصصها لمنفعة المصلين، ومنهم من جمع بين الحالين، وأشار الفقهاء إلى الالتزام بصرف الموصي به في مصارفه التي حددها الموصون، بابا كاملا للأحكام التي تعرض لوقف المسجد والإقراروقد خصص الكندي والوصية ومما يجعل ذلك). (٤وهذه الأحكام تبين مدى دقة إدارة أموال المسجد من مصادرها المختلفة في المناحي التي خصصت لها، وهو ما يؤدي في النهاية إنشاء وعبادة. إلى استمرار المسجد في أدائه وظائفه، وسلامة عمارته أيضا إلى أن بعض أحكام الفقهاء المتصلة بإصلاحومن المهم الإشارة عمارة المسجد قد عرضت لإصلاح العناصر الإنشائية التي لها صلة بما جاور ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٣٦ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٩ص. ٤١ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٤٧ ) (٤للاستزادة، راجع :الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص ص. ٥٥، ٥١ - ٣٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤١٢ بناء المسجد من منشآت مجاورة له، وقد ورد ما يشير إلى ذلك في مسألة طرح فيها السؤال »عن مسجد بينه وبين صرحته جدار، والجدار عليه غماء لقوم هل يكون الجدار للمسجد، قال :الجدار لمن عليه الغماء، قلت :فهل يجوز أن يوزر من مال المسجد؟ قال :لا يجوز، ولكن يبنى ما يلي المسجد جدار يكون بقرب الجدار الذي للقوم، فإن لزق بجدار القوم قال لا بأس به«).(١ وهذا الحكم يشير إلى صورة معمارية لمسجد بينه وبين صرحته جدار، وهذا الجدار عليه غماء لقوم مجاورين للمسجد، وأشار الحكم إلى أن الجدار لمن له السقف، واستطرد السؤال :هل يمكن توزير هذا الجدار من مال المسجد في إطار عمليات إصلاح عمارته، فكان رأي الفقيه بعدم الجواز مع طرح الحل بأن يبنى للمسجد جدار خاص به مجاور أو ملاصق للجدار الذي رأى الحكم بتعيينه للقوم المجاورين للمسجد. وهذا الحكم بالإضافة إلى ما يسجل عن الصورة المعمارية التي سبقت الإشارة إليها، فإنه يشير إلى أي مدى كان الحرص على مال المسجد الذي يصلح فيما يخص المسجد من عناصر معمارية فقط. وقد عرضت الأحكام الفقهية الخاصة بإصلاح عمارة المساجد إلى قضية تمويل الإصلاح سواء من أموال المسجد الموقوفة أو الموصى بها ـ كما سبقت الإشارة ـ أو من مصادر أخرى آنية، فقد ورد أن »من طلب للمسجد حبا ليعمر به خرابه، وكانواوهو خراب من عند أناس من البلد دراهم أو يسلمون إليه فعمر منه ما عمر ولزمه فيما أخذ تبعه، وعجز عن وجودها والقيام بها ما يلزمه فعليه الاجتهاد في أداء ما ضمن من ذلك في صلاح المسجد وعمارته، فإن لم يقدر على ذلك بوجه مال أو احتيال أو مطلب حتى يحضره الموت، فليوصبه ويشهد على ذلك الثقاة، ويوصي إلى وصي ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٦ص. ٥٥ ٤١٣الفصل الثالث :المنشآت الدينية ثقة، فإن وجد له مال أنقذ ذلك عنه من ماله، وإن لم يوجد له مال فقد علم االله منه الاجتهاد في قضاء ذلك والخلاص منه، فإن لم يقدر فإن االله تبارك وتعالى يقضي عنه واالله غفور رحيم. (١)«...ويشير هذا الحكم إلى إحدى الوسائل التي كانت تتبع في توفير مصادر تمويل لإعادة صلاح عمارة المسجد كما أوضح الدقة في متابعة من جمع هذا المال، وما بقي منه، وكيفية الحصول على ما فاض فيه بعد الإصلاح إذا كان الذي تولى هذه المهمة قد تعثر لسبب أو لآخر. والحرص على أموال المسجد لا يقف فقط عند الأموال في حد ذاتها، أيضا إلى نواحأخرى منها ما يتصل بعملية بناء المسجد، أوولكنه ينصرف إصلاح عمارته، ويشير إلى ذلك قول أبي المؤثر الذي أحفظ أنه من استرفد لبناء مسجد ففضل منه شيء، فإنه يجعل في بناء مسجد آخر، وقال أبو المؤثر :من استرفد لحصن ففضل منه شيء من بناء الحصن أن يجعل في حصن آخر، قال :فإن لم يوجد حصن آخر، فوقفه على الحصن فذلك جائز«). (٢وهذا الحكم يساعد على الاستفادة من مواد البناء الباقية لمسجد أيضا على الحصن.عمارة مسجد آخر، وقاس الحكم ذلك أيضا إلى تفضيل توجيه الأموال إلى المسجد الجامعوقد أشارت الأحكام عن مساجد الفروض إذا كان من وقف، أو أوصى بالمال لم يحدد في وقفه أو مسجدا بعينه، فقد ورد أنه من »أوصى للمسجد ولم يبين لأي مسجدوصيته وفي البلد مساجد كثيرة لمن يكون ذلك، وإن كان للبلد مسجد جامع فأظنها تكون له، وإن لم يكن فيه مسجد جامع، فما أراها ثانية، واالله أعلم«).(٣ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص ص. ٦٥ - ٦٤ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٦٥ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٦٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤١٤ أيضا أن رجلا »حضرته الوفاة، فقال :هذه النخلة للمسجد، ولموورد يبين لأي المساجد، وفي المحلة مسجد واحد، أو مساجد كثيرة ما يكون هذا، وربما كانت بلاد متصلة كثيرة المساجد جامع وغيره، ما حكم ذلك؟ بعضا يرى أنها لمسجدالجواب :فقد يوجد أنها للمسجد الجامع، ولعل المحلة، وهذا يشبه عندي إلى ما تطمئن به النفوس أنه قصد إليه«).(١ :óé°ùadG á«Ø«Xh مهما لمعالجة وظيفية المسجد، وما يتصل بذلك منبابا أفرد الكندي الوظائف الأساسية للمسجد، وهي الصلاة والدرس، وما يتعلق بوظائف أخرى يمكن أن يؤديها المسجد في الظروف الطارئة، وما يجب تجنبه من سلوكيات لا يصح أن تمارس في المسجد باعتبارها خارجة عن نطاق وظائفه الأساسية، والإشارة إليها في إطار هذه الأحكام كان يعني منع ما قد يحدث فيها في المساجد، وتوجيه المسلمين إلى عدم اتباعها أثناء تواجدهم في المساجد. وقد عنون الكندي لهذا الباب الذي عرض فيه هذه الأحكام بعنوان »باب في الانتفاع بالمسجد وفيه«، وشمل هذا الباب كل ما يتصل بوظيفية المسجد، مما يجوز عمليه غير الصلاة) (٢والدرس، وما لا يجوز كما نصت هذه الأحكام بعض التصرفات التي تتصل بالعناصر المادية في المسجد لتحقيق الانتفاع الذي أشار إليه في عنوان بابه. ومن الوظائف الطارئة التي كان يمكن أن يؤديها المسجد في الظروف الطارئة هي استخدام المسجد كملجأ أثناء الحروب، وما يتصل بذلك من ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص ٦٥؛ الكندي :المصنف، ج /١٩ص ص. ٥٧، ٥٣، ٤١ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٤ ٤١٥الفصل الثالث :المنشآت الدينية أجراءات يتخذونها للدفاع عن أنفسهم، فقد قال أبو سعيد في أهل البلاد خافوا على أنفسهم من عدوهم، والتجئوا إلى المسجد، هل لهم أن ينقلوا إليه الجند ليحاربوا به عدوهم، فقال :لا يعجبني ذلك أن يجعل المسجد عرضة إذا قدروا على وضع غيره؛ لأن المسجد له حرمة، ويطهر على النجاسات، وعن رفع الأصوات، وإشهار السلاح، وأمور أسباب الدنيا كلها دون أسباب أمور الآخرة وعبادة االله إلا أن يضطروا إلى ذلك، فالاضطرار غير الاختيار، وقيل إن فعلوا شي ئا من ذلك أن التوبة تجزيهم ما لم يثبت عن فعلهم مضرة، فإن ثبت ذلك كان عليهم إزالة الضرر، قلت فإن فعل شي ئا من هذا الذي وصفته، هل يجزيه عن ذلك التوبة، قال :أرجو أن تجزيه التوبة من فعله مضرة، فإن ثبت ذلك كان عليه عندي إزالة المضرة«).(١ وهذا الحكم يشير إلى أن المسجد كان يمكن أن يستغل في اللجوء إليه وقت الخوف والحرب، وما يتصل بذلك من أعمال كنقل الحجارة إلى المسجد لاستخدامها في الدفاع عن أنفسهم، في إطار ما وضعه من محذورات، وإزالة ما أحدثه اللاجئون إليه من ضرر وطلب التوبة. وكذلك كان إدخال الدواب في المسجد للغيث من الأمور التي عرضت لها الأحكام الفقهية، فقد ورد أن جعلوا في المسجد دوابهم للغيث). (٢قال معي أن يجوز له على هذا الحال ما لم يكن ما ذكرنا على ذلك، قلت :فإن أفسدت الدواب في المسجد من نجاسة أو روث هل عليهم إخراج ذلك من حين ما يقدرون عليه أم حتى يحثوا على إخراج الدواب، قال معي أنه إن قدروا على ذلك لم يؤخروه«).(٣ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص ص. ٢٠، ١٣ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص ص. ٢٠ - ١٩ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤١٦ كذلك في حالات الطوارئ أشارت الأحكام إلى جواز وضع السنبل في المسجد ليكنه من المطر، وقد سئل عن »المساجد إذا كان مثل المطر أو غيره من الضرورات هل لأحد أن يكن فيه شي ئا من الأموال مثل سنبل أو غيره، يجعله فيه لئلا يفسد، أو مما يبقى في المسجد منه الأذى. قال لا يعجبني أن يمنع الناس عند الضرورات مثل هذا؛ لأن أموالهم مثل أنفسهم في معنى الضرورة، ولكن يعجبني إذا اضطروا إلى ذلك أن يجتهدوا في إزالة الضرر والأذى عن المسجد يكسحون حصاة، ثم يجعلون على ذلك غير حصي ويخرجون ما يبقى منه من الأذى إذا استغنوا عن ذلك. كذلك أشارت الأحكام إلى جواز استخدام سطح المسجد للنوم للغرباء، فقد ورد في مسألة »عمن يأكل وينام على ظهور المساجد، قال :لا تتخذوا ظهور المساجد مرافق، فإن كان مثل غريب لمبيت ليلة، فأرجو أن لا بأس بذلك إن شاء االله«). (١وهذا الحكم يطرح قضية مهمة تتصل باستخدام المساجد كأماكن لإقامة الضيوف الغرباء، وقد أشار ابن بطوطة إلى أن المساجد اليمنية كانت تشتمل على حجرات لتلبي هذا الغرض تلحق بالمسجد وتبنى ضمن عمارته مستقلة عن أروقة الصلاة، ومثل هذه المساجد التي ألحق بها حجرات للضيوف بعض المساجد في منطقة »ظفار« بسلطنة عمان في ضوء ما تم كشفه من آثار مساجد مدينة البليد أو ظفار القديمة).(٢ وقد أقام بعض المتصوفة في حجرات أقيمت على سطح جامع عمرو في الفسطاط كحالة استثنائية. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٠ ) (٢ابن بطوطة :تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، تحقيق :علي المنتصر الكتاني، نشر مؤسسة الرسالة، لبنان، بيروت١٩٨٥، م، ص ٢٨٧؛ عثمان )محمد عبد الستار( :مدينة ظفار بسلطنة عمان دراسة تاريخية أثرية معمارية، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية١٩٩٩، م، ص. ١٢٧ - ١٢٦ ٤١٧الفصل الثالث :المنشآت الدينية والحكم الذي عرضه الكندي يشير إلى جواز مبيت الغرباء على سطوح المساجد باعتبار أن ذلك ضرورة، والفارق بين هذا وبين المساجد اليمنية واضح؛ حيث إن المساجد اليمنية روعي في تصميمها إنشاء وحدات معمارية في الأصل فهذا الغرض، ولكن استخدام السطح في المبيت يعتبر حالة طارئة. وإلقاء الشعر بالمسجد كان من القضايا التي عرض لها الكندي، فذكر أنه في »من ينشد شعر أليس هو هدى في المسجد يجوز له ذلك أم لا. قد قيل إنه يكره ذلك في المسجد إذا لم يكن من الحكمة، وعرض الكندي مسألة :ومن الضياء ونهي النبي ژ أن ينشد الشعر فمن فعل ذلك تقولوا له فض االله فاك. قال أبو الحسن :روى أن عمرو 5أنه مر بحسان بن ثابت وهو ينشد في المسجد، فلحظ إليه أو نهاه فقال له :قد كنت أنشد فيه عند من هو خير منك، يعني النبي ژ ، وقيل :إنه قال :لتأتيني بصحة ما قلت، وإلا علوتك بالدرة، فاستشهد جماعة من الصحابة، فشهدوا له بذلك، فأمسك عنه).(١ أيضا أن »الاحتباء في المسجد بالثوب أو باليد ما عرفت وذكر الكندي ذلك كراهية«). (٢والاحتباء الجلوس بهيئة »مقرفصة«، تجمع الركبتين إلى الصدر، ويكون ضبط الجلسة بهذه الهيئة يمسك اليد للأخرى، أو بالثوب يحيط بالجسد كله كرباط، وما زال الجلوس احتباء بهذه الطريقة عادة باقية في مساجد منطقة ظفار بسلطنة عمان وفي اليمن بصفة عامة، والجلوس بهذه الهيئة يوفر مساحة عن الجلسة العادية للمصلين على أرض المسجد، وكانت من السمات التي ورد في الأثر أنها تميز العرب كالعمامة. وقد وردت ضعفا في ظهره).(٣ الإشارة إلى أن الاحتباء جائز لمن وجد ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٦ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٦ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤١٨ أما المحذورات السلوكية في المساجد، فقد أشارت الأحكام إليها في كتاب الضياء عن النبي ژ » :المساجد بيوت االله في الأرض، بنيت للأمانة، وشرفت بالكرامة، لا ترفع فيها الأصوات، ولا تنشد فيها الأشعار، ولا تقام فيها الحدود، ولا يعاقب فيها، ولا تسل فيها السيوف، ولا يشهر فيها السلاح، ولا يمر فيها بلحم، ولا تتخذ طري قا، ولا يحلف فيها باالله، ولا تبنى بالتصاوير ولا بالقوارير، ولا تتخذ سو قا، ولا ينفخ فيها بالمزامير، وإنما بنيت كما بنيت له، ولكن زينتها نظافتها، وتعظيمها بالذكر إن شاء االله«).(١ ومن السلوكيات المحذورة في المسجد رمي العجم في المسجد عند الأكل، وإطلاق الريح عن عمد). (٢والقوم في المسجد للمقيل أو المبيت).(٣ أيضا ما ينتفع به من المسجد كالتراب، الذيونظمت الأحكام الفقهية هو كساحة المسجد). (٤كما قيل إنه لا بأس أن يترب الكتاب من تراب المسجد إن كان يكتب في المسجد). (٥وقيل لا يؤخذ من تراب المسجد للاستبراء ولا من طفاله«. :óé°ùadG ¢VQCG عرضت الأحكام الفقهية لأرض المسجد وما يتصل بها من نوازل تتعلق بما يتصل بهذه الأرض باعتبارها أصل المسجد، وقد عرض الكندي لذلك في عدة مسائل، فذكر أنه »مما يوجد عن أبي عبد االله وعن قوم أرادوا التحول ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٤ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٦ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢١ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢٤ ) (٥الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٢١ ٤١٩الفصل الثالث :المنشآت الدينية من مسجد لهم إلى مسجد غيره، هل يزرعوا مكان المسجد الأول، فإنا لا نرى ذلك، وما كان أصله الله، فلا يعرض بشيء من متاع الدنيا«).(١ وفي مسألة أخرى طرح السؤال عن »من زرع موضع مسجد قد خرب وموضعه معروف أيحل ذلك؟ فلا يحل ذلك إلا أن يترك لهذا المسجد مكا نا غيره، وهو قول محمد بن محبوب، ومن غيره قال :وقد قيل لا يبدل مكا نا غيره، ولا يحول، ولا يحل ذلك مخافة الدرك وزوال الحجة، وليس ذلك لأحد«).(٢ وهذه الأحكام التي تتعلق باستغلال أرض المسجد بعد خرابه، أو استبدالها بأرض أخرى يلاحظ أن هناك من رفض ذلك، وأن من أباح الاستبدال وكلا الحكمين فيه محافظة على أرض المسجد، وإن كان الحكم الأول يؤكد على الأرض الأصلية دون الأرض البديلة. أيضا باستغلال أرض المسجد،ويعرض الكندي مسائل أخرى تتصل فقد قال »أبو سعيد في مسجد خرب قرب مال رجل أراد رجل أخذه، ويبني مسجدا آخر مثله هل له ذلك؟ قال معي أنه يوجد عن محمد بنمن ماله محبوب 5أو غيره أنه إذا كان مثله أو أفضل منه، وأراد بذلك لصلاح المسجد عمارته جاز له ذلك، وإن أراد بذلك لصلاح بذلك له هؤلاء بغير ذلك إلا صلاحه هو لم يحب له ذلك حتى يكون للمسجد فيه صلاح، ويريد بذلك هو في عمارته هو على معنى قوله قال، وبعض لم يجز ذلك خوف الأحداث والاستهلاك للأصل«).(٣ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٦٧ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٥٨ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص ص. ٥٧ - ٥٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٢٠ أيضا التي تطرح السؤال عن »رجل أراد أن يعمرومن هذه المسائل مسجدا في أرضه في موضع يرى الناس أن ذلك الموضع أنزه للمسجد وأقرب للماء، وأفضل من موضعه الذي هو فيه، ويجعل هو ذلك المسجد في ماله، هل يجوز له ذلك؟ قال :لا، قلت له :فإن قد فعل وهدم هذا المسجد ما يلزمه في ذلك؟ قال :يلزمه أن يعمر هذا المسجد الذي خربه، قلت :فله أن يهدم المسجد الآخر الذي بناه على هذه النية، قال :أما أنا فلا آمن بذلك إن ضرارا لم أر ضرارا، وأما إن هدمه وإن لم يكنلم يكن المسجد الذي بناه مسجدا في ماله من ذات نفسهبأسا إذا كان هذا السبيل. قلت :فلو بنىعليه مسجدا، وأراد خرابه، هل كان يقرب من ذلك؟ قال :إذا صلى فيوسماه مسجدا لم يقرب إلى ذلك«).(١ذلك المسجد وسماه ويتضمن هذا الحكم إشارات معمارية مهمة، منها أن موضع المسجد قريب إلى الماء كان من معايير التفضيل عن أرض بعيدة عن الماء، ويلاحظ أن الحكم لم يجز بناء مسجد جديد بديل عن المسجد الجديد، وإذا حدث ذلك بالفعل يعيد الرجل بناء المسجد القديم، ويبقى حكم المسجد الجديد ضرارا، أما إذا لم يكنمسجدا في إطار معايير أخرى منه أنه يهدم إذا كان كذلك فإن الحكم لم يوجه إلى هدمه، أما إذا رأى صاحبه هدمه فهو وشأنه. وفي إطار استطراد الأسئلة في ذات المسألة يعرض الحكم لمن بنى في مسجدا الله تعالى، وأراد هدمه بعدمسجدا، أي وقفه مسجدا وسماه ماله ذلك، فلا يحق له ذلك. ومن القضايا التي عرضت لها أحكام أرض المسجد ما يتصل بتوسعتها، فقد »سئل عن مسجد اجتمع من وقف عليه غلة كبيرة، وهو عامر أن يشتروا ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٥٧ ٤٢١الفصل الثالث :المنشآت الدينية أرضا بقرب المسجد، ويزيدوها في المسجد ليتسع، هل يجوزبتلك الغلة ذلك. قال :أما في الحكم فلا يجوز، وأما في معنى النظر فإن رأوا أن ذلك أصلح جاز ذلك عندي، قلت له :وكذلك يجوز لهم أن يشتروا له نخلة تجعل أيضا، ويصلح من غلته، قال :معي أن هذا مثل الأول إذا وقع النظروقفا عليه بينهم على أن ذلك أصلح«).(١ وهذا الحكم يضع معايير لشراء أرض لتوسعة المسجد، فإذا كانت التوسعة لمجرد توفير مال لشراء أرضها وتوسعة المسجد فقط، فإن ذلك لا يرى الحكم جوازه، وأما إذا رأى الذين اجتمعوا على ذلك أنه فيه صلاح للمسجد بمعنى أنه يفيد في عمارته بالمفهوم الشامل إنشاء وعبادة، فإن الحكم يجيز ذلك. وعلى نفس النهج كان الحكم بشراء ما يوقف على المسجد لزيادة غلته أو إصلاحها إذا ما احتاج إلى ذلك. ولا شك أن هذه الأحكام المتعلقة بشأن أرض المسجد كان من شأنها المحافظة على هذه الأرض بعد خراب المسجد، حتى يمكن إعادة بنائه وتعميره في أي وقت، حتى لو أنشئ غيره. وهذا من شأنه زيادة أعداد المساجد كمنشآت مهمة في النسيج العمراني للمستقر السكني، سواء كان مدينة أو قرية. كذلك فإن الأحكام المتعلقة بتوسعة المسجد وزيادة مساحته قامت على معيار مهم، وهو أن يكون في هذه الزيادة صلاح المسجد، أي أداء وظيفته بكفاءة بعيدا عن الزيادة لمجرد الزيادة، وتوفر الأموال التي تفي بذلك، وهو ما يشير إلى أن الفائدة المتأسسة عن عمارة المسجد وصلاحه فقط كانت هي المعيار الحاكم، وفي ذلك ما يؤكد على مفهوم الاقتصاد في العمارة، والذي يمثل أساسيا من شروطها، وهي المنفعة والمتانة والجمال والاقتصاد).(٢شر طا ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٥٠ ) (٢سامي )عرفان( نظريات الوظيفية في العمارة، دار المعارف١٩٧٠، م، ص. ٢١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٢٢ :¬dGƒeCGh óé°ùadG ±ÉbhCG عرض الكندي بتفصيل واضح لكثير من الأحكام التي تتصل بما يوقف من أوقاف على المسجد، وما يوصي به الموصون من أموال تستغل لصالح أشجارا توقف عليه، ومنهاأرضا زراعية أو عمارته، سواء كانت هذه الأموال تحديدا؛ حيث كانت أشجار النخيل من أهم الأموال التيأشجار النخيل توقف، أو يوصي بها للمسجد، ومن المعروف أن نخيل عمان يمتاز بجودة تمره، وكثرة إنتاجه).(١ ونظمت الأحكام كل ما يتعلق بالنخيل من فسل، أو أفعال متابعة لزيادة إنتاجه، كما عرضت الأحكام لبعض الأحكام التي تساعد على زيادة أموال أبوابا قائمة بذاتها،المساجد وغلتها. وقد خصص الكندي لهذه الأحكام منها باب »في مال المسجد«، وباب في »بيع أموال المسجد«). (٢وباب في الزراعة للمسجد وإصلاح ماله). (٣وهذه الأحكام من شأنها زيادة أموال المسجد التي يمكن بلا شك من إصلاح عمارته، أو توسعته، وتوفير ما يحتاجه من منافع كالحصير والسراج وغير ذلك من الأمور التي تساعد أيضا المسجد على أداء وظيفته، واستمراره في أداء هذه الوظيفة، وتساعد على تكثير عمارة المساجد. وفي إطار ما سبق يتضح إلى أي مدى نظمت الأحكام الفقهية عمارة المساجد كنوعية مهمة وأساسية من نوعيات المنشآت العامة التي تشكل ) (١ولكنسون )جي. ر. سي( :الأفلاج ووسائل الري في عمان، ترجمة :محمد أمين عبد االله، نشر وزارة التراث والثقافة بسلطنة عمان١٩٩٢، م، ص. ٢٤الكندي :المصنف، ج /١٩ ص ص. ٥٧، ٥٣، ٤١ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص ص. ٦٩ - ٥٥ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص ص. ٨١ - ٧٦ ٤٢٣الفصل الثالث :المنشآت الدينية النسيج العمراني للمستقرات السكنية، كما نظمت كل ما يتصل بعمارتها وإصلاحا معمار يا يساعد على أداء وظيفية الصلاة وإنشاء تصميما وتخطي طا أحد الفروض الخمسة للإسلام الحنيف. :ó«©dG äÉ«∏°üe مصليات العيد نوعية مهمة من منشآت الصلاة، وقد أنشأ الرسول ژ مصلى للعيد عبر مسجده الجامع بالمدينة المنورة، وجرت العادة بإنشائها في أطراف المدن خارج مناطقها السكنية بجوار المقابر في الغالب. وقد عرض الكندي في بيان الشرع للموضع الذي يصلى فيه العيدان، فقال» :قال أبو سعيد معي، أنه يخرج في معاني قول أصحابنا :إن صلاة العيد عند المكنة والأمان من العوائق وأذى الأمطار والرياح المؤذية، أنها تكون في الجبان أفضلها من المسجد، وبذلك يؤمرون لأنه بذلك ثبتت عن النبي ژ فعلا، وبذك أمر، فإن كان ثم عائق أو عذر بوجه من الوجوه فبعد الجبان استحب، ولعه قد قيل كذك في المسجد الجامع، فإن لم يكن فمسجد مغمور أحب إلي من البنيان في غير المساجد، وبذلك يؤمرون، فإن صلوا في غير مسجد في بيت أو غيره، حيث تجوز الصلاة، كان ذلك عندي جائز، والبيت إلي أحب من البراز في القرية في غير بيت ولا مسجد ولا مصلى، ومن جامع ابن جعفر، ويكون مطرا أو شيء يحول بينهم وبين البروز بروزهم إلى الجبان إلا أن يكون وصلوا حيث أمكن لهم في مسجد أو غيره، ومن جامع أبي الحسن وإن كان مطر صلوا في المسجد، وإن لم يتفقوا فالصلاة في الرحال).(١ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /١٥ص. ١٤٩ الفصل الرابع منشآت الدفاع والأمن »المحصنة ـ السجن« الفصل الرابع :منشآت الدفاع والأمن فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٢٦ تمثل المحصنة والسجن نوعيتين من نوعيات المنشآت العامة التي تحقق في النهاية الأمن والتأمين من الخوف الذي يطرأ على المجتمع في بعض الأوقات، في إطار قوله تعالى] ﴾ 4 3 2 ﴿ :قريش.[٤ : فالمحصنة تمكن أصحابها من الدفاع عن أنفسهم وقت خطر هجوم الأعداء، وإنشاء هذه المحصنة يهدئ من روع أفراد المجتمع الذي أنشأها باعتبار أن تحقيق هدفها يساعد على دفع العدوان، وإذا كانت المحصنة تساعد على دفع خطر يهدد أفراد المجتمع من قبل حشود الأعداء وجماعاتهم، فإن السجون هي الأخرى تؤمن أفراد المجتمع من خطر المسجونين الذين يرتكبون الجرائم، والمجانين، وغيرهم بالإضافة إلى أنها تكون راد عا لهؤلاء أثناء أدائهم فترة عقوبة السجن، وربما تكون سبيلا لتوبتهم فيعودوا إلى المجتمع بعد أداء فترة العقوبة أسوياء. وفي حدود هذا الإطار الشامل لكل من المحصنة والسجن نعرض لوظيفة كل منهما وملامحه المعمارية، وما ارتبط من أحكام وردت في العمانية كبيان الشرع والمصنف. المصادر الفقهية záæ°üëadG{ AÉæH `` ’k hCG اشتهرت عمان بتحصيناتها الحربية التي تنوعت ما بين القلاع الكبيرة والتي مركزا للإدارة والحكم، أو قلاعها الثغرية التي تحمي الثغوركانت بمثابة كالميراني والجلالي بمسقط. كما انتشرت في ربوع عمان الأبراج والحصون واضحا لفت نظر الباحثين. وهناك أسباب داخلية وخارجية أدتانتشارا الدفاعية ٤٢٧الفصل الرابع :منشآت الدفاع والأمن العمانية، فقد تعرضت عمان في العصر الحديث إلىإلى كثرة المنشآت الحربية هجوم البرتغاليين الذين حاولوا السيطرة على الخليج، وتقليص نفوذ الإمبراطورية كثيرا من الفتن والحروب الداخلية أيضا، كما شهدت أفريقيا العمانية في شرق بين القبائل والحكام أدت إلى الاهتمام بإنشاء المنشآت الحربية. وقد وردت بعض الأحكام الفقهية المتصلة ببناء المنشآت الحربية، والتي وردت تسميتها باسم »المحصنة«. فقد وردت »مسألة من الزيادة المضافة في كتاب التاج، افتنا رحمك االله في قوم اجتمع رأيهم على بناء محصنة، وهي مصلحة للجميع يتحصنون بها على حرب العدو، فلما عملوا بعضها رغب بعضهم أن لا يعمل فيها، فهل للوالي إجبارهم على ذلك؟ الجواب بعد أن أدخلوا في عملها، ويرضى الجميع فعليهم الإتمام وجبرهم على ما بذلوا من أنفسهم إذا اتفقوا على أمر معروف فالزموه أنفسهم، ودخلوا في العمل، واالله أعلم«). (١وذكر صاحب المصنف أنه رفع إليه »بعض أنه وجد أن أهل البلد لا يجبرون على عمل الحصون، ورفع أبو علي أن على الإمام أن يأمر بعمل الحصون«). (٢وقال غير المؤلف والمضيف وجدت في آثار المسلمين وعن بلد عليه حصن قد انهدم هل يلزمهم بناؤه إذا خافوا العدو ولم يخافوا، ويلزم بناؤه؟ ذكرانهم وإناثهم وغائبهم ويتيمهم أم لا؟ قال :لم أعلم أن عليهم ذلك، ولا يجبر بعضا على بنائه، واالله أعلم«). (٣وهل لجباة البلد أن يجبروا الناس إذابعضهم خافوا العدو على البلد على بناء الحصن، كان على البلد حصن متقدم أم لا؟ بعضا على بناء الحصون إلا أن يريد منهمقال :ليس لهم أن يجبر بعضهم ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٢ - ١١ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٢ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٢٨ بعضا على ذلكمن يريد أن يبني الحصون متبر عا منه، وما يجبرون بعضهم فلا«). (١وهذا الحكم يتضمن دلالات معمارية مهمة تتصل بـ »المحصنة«، أو قياسا، ومن هذه الدلالات:إنشاء المنشآت الحربية كلها ١ـ أنه قد جرت العادة ـ فيما يبدو ـ من النص بأن يتفق الأهالي أو قوم من الأقوام على إنشاء المحصنة. ٢ـ أن المحصنة كانت منشأة معمارية حربية الهدف من إنشائها يقوم في الأساس على محاربة العدو، والعدو في هذا السياق من الممكن أن عدوا في إطار صراع داخلي بين القبائل أوخارجيا أو عدوا يكون الحكام في الداخل. ٣ـ أن إنشاء المحصنة كان يتم في إطار اتفاق بين القوم الذين يقومون ببنائها سواء بالمشاركة المباشرة في البناء أو في قيمة البناء الذي يقوم به عنهم غيرهم. ٤ـ أن إدارة إنشاء المحصنة في الأصل عمل مدني يقوم بها المستفيدون بعيدا عن السلطة الحاكمة، التي تتدخل فقط بإلزامالمباشرون المشاركين في بناء المحصنة بإتمام بنائها طالما بدأوا البناء وفق اتفاق مسبق على كل شيء يتصل به. وهذه الدلالات تكشف عن إدارة حكيمة لإنشاء المحصنة تعتمد على جهد المجتمع المحلي الذي يعتزم إنشاءها لتحقيق مصلحة القوم في الدفاع عن أنفسهم. كما أنها ترسم دور السلطة في التدخل في الوقت المناسب مساعدا على إنجاز لإنجاز وإتمام البناء. وهذه الإدارة بلا شك كانت عاملا مثل هذه النوعية من المنشآت. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١٢ ٤٢٩الفصل الرابع :منشآت الدفاع والأمن واستطرادا للمسألة السابقة كان هناك تساؤل آخر فحواه» :إن كانت هذه المحصنة من أموال الناس، وهي جبل هل يجوز جبرهم، ويكون على الجميع أو على الرءوس. الجواب :على ما اتفقوا عليهم، واالله أعلم، وهل يجوز للوالي جبرهم على المحصنة إذا امتنعوا عن عملها، أو يجوز الدخول فيها في عمار الأموات. جائز جبرهم على الشرط الأول، وأما غير ذلك فلا أعلمه إلا من طريق النظر، غير أني وجدت والي حمص كتب إلى عمر بن عبد العزيز يستشيره في بناء حصنها، فرد إليه الجواب أن حصنها بالعدل، واالله أعلم«).(١ وإذا كانت هذه التساؤلات تشير مرة أخرى إلى كيفية تنظيم إنشاء المحصنة وحساب تكلفتها، ودور الوالي في ذلك، فإنها تتضمن الإشارة إلى أن بناء الحصون كان وفق هذا النسق الذي تضمنته الأحكام الإباضية في القرن ٦/٥هـ ـ ١٢/١١م؛ حيث اسشتهد في المسألة بمثال حصن حمص الذي أنشئ في العصر الأموي في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي وجه بضرورة اتباع العدل في حسابات التكلفة بين المشاركين في بناء الحصن. وفي إطار ما سبق تتضح المشاركة الفعالة للمجتمع المحلي من المستفيدين من بناء الحصون في إنشائها لحماية ممتلكاتهم وللدفاع عن أرضهم، وأن السلطة الحاكمة كان لها دورها الإشرافي المتابع للتنفيذ وفق ما يتم الاتفاق عليه بين المنشئين. ولم تتكفل هذه السلطة بالإنشاء كله من حاليا بـ »العمل الحكومي«، وهذه بدايته إلى نهايته في إطار ما يعرف المشاركة بلا شك كان لها دورها الواضح ليس فقط في الإنشاء بل في المحافظة على هذه المنشآت، والاهتمام بصلاحيتها لأداء وظيفتها، وهو ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٣٠ ما خلف لنا في كثير من البلاد الإسلامية بصفة عامة هذا الزخم من المنشآت العماني بصفة خاصة باعتبار رؤيته الفقهية التيالحربية، والتي تميز التراث نظمت هذا الأداء، وباعتبار حاجته إليها. وقد وردت مسألة أخرى في موضع آخر أوردها الكندي جاء فيها أنه »دفع إلى بعض أنه وجد أن أهل البلد لا يجبرون على عمل الحصن، ودفع أبو علي أن على الإمام أن يأمر بعمل الحصن رجع إلى كتاب بيان الشرع).(١ وهذا الحكم إذا كان فيه ما يشير إلى عدم إجبار أهل البلد بعمل الحصن، فإنه يشير إلى أن على الإمام أن يأمر بعمله، وفي ذلك ما يوكل إلى السلطة أمر الإنشاء في بعض الحالات اتي لا يلتزم بها أهل البلد بالأحكام السابقة. والأحكام السابقة الملزمة لأهل البلد بالمشاركة في بناء الحصن، أو هذا الحكم الذي يلزم الإمام ببنائه كلاهما يؤدي إلى نتيجة واحدة، وهي ضرورة إنشاء الحصن ليحقق المصلحة، وهذا هو المقصد الأساس الذي ساعد على كثيرة المنشآت الدفاعية في العمارة الإباضية بصفة عامة، والعمانية على وجه خاص. ومن الأحكام الفقهية المهمة المعالجة لأمور بناء الحصون ما ورد من قول »لأبي المؤثر من استرفد لحصن ففضل منه شيء من بناء الحصن أنه يجعل في حصن آخر، قال :فإن لم يوجد حصن آخر فوقفه على الحصن لإصلاحه فذلك جائز«). (٢وهذا الحكم يعالج قضية الاستفادة من مواد البناء التي تبقى من الانتهاء من بناء حصن جلبت لبنائه في بناء حصن آخر، فقد ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ١١الكندي :بيان الشرع، ج /٧٠ص. ٣٢٦ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٧ص. ٧٥ - ٧٤ ٤٣١الفصل الرابع :منشآت الدفاع والأمن أجاز الحكم هذه الاستفادة، ونفس الشيء قال به أبو المؤثر بالنسبة للمساجد في ذات المسألة التي عرض لها الكندي. لكن أبا المؤثر ذكر إضافة أخرى تتعلق بمواد البناء الباقية من بناء حصن، فذكر أنه إذا لم يوجد حصن آخر يمكن أن يستفاد من هذه المواد الباقية في بنائه، فإنه يمكن وقفها على الحصن لإصلاحه«. وهذا يعني مدى الاهتمام بالاستفادة من مواد البناء التي شارك في بنائه أهل المحلة السكنية المستفيدين منه في بناء حصن آخر. وإن لم يتوفر يوقف المسؤول عن بناء الحصن هذه المواد لإصلاحه، وهو أيضا عملية إصلاح وترميم الحصون كانت في اعتبار هذا الحكمما يعني الفقهي، ويؤكد مرة ثانية مدى الحرص والدقة في المحافظة على هذه المواد والاستفادة منها. وفي إطار موضوع التحصين عرض صاحب المصنف في باب خاص للمواضع التي يجوز الاحتصان فيها وفي المحاصن، فقال :أحسب عن أبي الحسن بن أحمد وعن الدور التي يكون للأيتام والأغياب إذا خافوا أهل البلد هل لهم أن يتحصنوا فيها، ويجعلوا فيها دوابهم في حال المحاربة أو قبل ذلك؟ فإن أرادوا أن يركبوا إليها الأبواب ويستروا عليها الستارات وكذلك المساجد إذا أرادوا أن ينقلوا عليها الجندل، وما يستترون به مثل الدعان وغير ذلك هل يسعهم ذلك؟ فأما احتصانهم فيها فجائز عند الضرورة وعليهم ما أحدثوا إذا كانوا أحدثوا شي ئا فيه مضرة، وكذلك المساجد يجوز في وقت الضرورة، وما أحدثوا كان عليهم واالله أعلم).(١ وهذه الإشارة إلى الاستفادة من دور الأغياب والأيتام والمساجد وزيادة تحصينها للجوء إليها عند حدوث خطر الأعداء، وأثناء محاربتهم أجازه الفقهاء ومن بين ما أجازوا تركيب الأبواب وإنشاء السترات عليها، كما أشار ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٧٠ص. ٣٢٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٣٢ الحكم إلى ضرورة إزالة أي ضرر يحدث فيها بعد انتهاء الخطر. وهذا الحكم يعكس ما كان يحدث من أحداث أثناء وقوع الفتن والحروب مباشرا في كثرة التحصينات في عمان.انعكاسا المتكررة التي انعكست øé°ùdG hCG ¢ùÑëdG :É«k fÉK الح بس: إذا كانت الحصون تساعد على الدفاع ضد الهجمات المعادية من جماعات معتدية سواء كانت قبائل أو جيوش، وتهدف في النهاية إلى توفير أيضا فرص جيدة للدفاع وتحقيق الأمن كغاية نهائية، فإن الحبس أو السجن نوعية من نوعيات العمارة تستخدم في حبس أو سجن المساجين الذين توقع عليهم عقوبات لارتكاب جرائم تهدد أمن المجتمع، وتكون كذلك بمثابة أداة تأديبية لمن ارتكب الجريمة، فيشعر بالندم ويسعى إلى التوبة؛ ليعيش سو يا مع أفراد المجتمع حال خروجه من الحبس أو السجن. وقد عرض صاحب المصنف للأحكام المرتبطة بالحبس ابتداء من أصله وصفته، أو نقبه والهرب منه، وما ينظم التعامل مع المسجونين حال اتهامهم والحكم عليهم لارتكابهم جرائم مختلفة كالقتل والزنا. وكيفية معاملتهم من قبل المشرفين على السجن، وكيفية إعاشتهم أثناء فترة سجنهم).(١ وفي إطار عرض الكندي لهذه الأحكام وفي إطار الحقيقة بأن الماهية تسبق الوجود، بمعنى أن الوظيفة والحبس أو السجن يسبق إنشاء السجون، فإن منهج دراسة السجون كمنشأة معمارية يستند إلى هذه الأطر لإبراز أهمية البعد المعماري لأحكام الحبس في التعرف على بعض الملامح المعمارية ) (١الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ١٧٠ - ٩٣ ٤٣٣الفصل الرابع :منشآت الدفاع والأمن للسجون ووحداتها، وهي الملامح التي يوثقها البعد المادي متمثلا فيما بقي العمانية التي كانت من بعض آثار الأحباس الملحقة ببعض القلاع والحصون مقرات للحكام. ويؤسس الكندي لفكرة إنشاء السجون في العمارة الإسلامية فيقول :قال عبد االله :قيل إن رسول االله ژ لم يكن له حبس، ولا لأبي بكر ƒمن بعده، ولا لعمر ƒغير أن عمر كان إذا صح معه على أحد حق أمر به، فربط بسارية المسجد. وفي الضياء :إلا ما روي أنه كان إذا أحدث حدثا، يجب عليه مثل ما يحبس الحاكم، قال :اربطوه إلى تلك السارية. وذلك الفساد كان قليلا، كلما كثر الفساد من بعد اتخذوا الحبس. وقيل إن أول من اتخذ عليا الحبس عثمان، وقيل علي بن أبي طالب، وعن الفضل بن الحواري أن نافعا، فكسر، وبنى سج نا آخر حبسا يحبس فيه وسماه لما ورد الكوفة اتخذ شعرا: وسماه مخيا، والمخيس المذل، وقال فيه مخيسا وبنيت بعد نـافعمكيسا كيسا ألم تراني مخيسا يحبس فيه).(١ وكان للحجاج حبس يسمى وبعد هذا التقرير عن نشأة الحبس في إطار ما ذكره صاحب المصنف عاد ليذكر أن »السجن عقوبة لقوله تعالى﴾ j i h g f e ﴿ : ]يوسف. [٢٥ :والعذاب القتل، وكان نظيره السجن، فلا يجوز السجن إلا في موضع ما يستحقه المسجون).(٢ فعملية السجن إذا هي الماهية التي تطلب تحقيقها إنشاء المبنى الذي يكون السجن فيه، وهو الحبس أو السجن. ويذكر الكندي أنه قيل» :لما كثر ) (١الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ٩٣ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ٩٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٣٤ الإسلام اتخذوا الحبوس في أيام الخلائف ومن بعدهم أئمة العدل، فاحتذى المسلمون حذاءهم، واقتفوا آثارهم لأنه عمل به أئمة العدل، ولم يغيره أثرا يتبع، وحجة لمن يأتي من بعدهم«).(١العلماء في عصورهم، فصار وفي ضوء ما ذكر يتضح أن عملية إنشاء السجون تم إقرارها من قبل الحكام أو السلطة كمنشآت لتحقيق العدل، وأقر العلماء ما عمل به الحكام من خلفاء وأئمة وغيرهم، فأصبحت السجون نوعية من المنشآت المعمارية التي جرت العادة بإنشائها لتنفيذ عقوبة السجن أو الحبس. وتعكس الأحكام التي عرضها الكندي بعض الملامح المعمارية للسجون في القرون المتتابعة، فقد ذكر أن صاحب الضياء قال» :ورأيناهم يجعلون الحبس مكشوفا للشمس والبرد، فمن أراد ستر على نفسه، لأن أستارا أستارا، ولو جعلوا لهمالحبس عقوبة، فمن أجل ذلك لم يجعلوا لهم واثقا، لتهاونوا في الحق، واجترأوا على معاصي االله«). (٢وهذا التقرير لصاحب الضياء الذي يسجل مشاهدة ومعاينة لعمارة سجن كان مكشوفا لا يحمي المسجونين فيه من الشمس أو البرد، ويقرر صاحب الضياء أن محاولة سترتهم من البرد والشمس تكون بمثابة تهاون في العقوبة. ثم يستطرد صاحب المصنف ويقول :وفي زيادة الجامع :قلت ما حد الحبس الذي يجوز أن يحبس فيه ويؤمن فيه الضرر؟ قال :ما يكفيهم من الحر أو البرد، قلت :فله أن يحبس في حبس لا طوى فيه ولا ماء؟ قال :هكذا عندي، إذا أمن عليهم الضرر من أنفسهم؛ لأنه لا ضرر ولا إضرار في الإسلام«). (٣ويشير هذا الحكم إلى رؤية أخرى تنعكس في عمارة السجن، ) (١الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ٩٤ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ٩٤ ) (٣الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ٩٤ ٤٣٥الفصل الرابع :منشآت الدفاع والأمن وتتمثل في أن يكون السجن مك نا للمسجونين من الحر والبرد، ولا يصيبهم ضرر ولا إضرار. وعرض هذا الحكم لفكرة إنشاء طوى أو بئر في السجن، لكنه أشار إلى إمكان عدم اشتمال السجن على مثل هذا البئر. ومن العناصر المعمارية المهمة التي ألحقت بالسجون إنشاء خلوة يختلي فيها المسجون بزوجته، وقد بقيت نماذج من مثل هذه السجون في بعض العمانية التي تشتمل على سجون، وكان إنشاء مثل هذهالقلاع والحصون الخلاوي في إطار ما أقر به الحكم الفقهي الذي أجاز ذلك، فقد ورد في مسألة أنه »في موضع ـ فيمن لزمه حبس التهمة، إن طلب دخول زوجته عليه، أو طلبت هي لمعنى الخلوة، قال :لا تمنع من ذلك، إلا أن يلحقه معاني التهمة، في دخولها في شيء لمعنى من المعاني، وإنما يمنع لمعنى ذلك«).(١ ويمكن أن يكون بالسجن بيوت خلاء فقد قرر الحكم أنه »ليس عليه أن يجعل لهم خلاء، إلا أن يقدروا على جعله، فيستروا على أنفسهم، وأن يجعل لهم خلاء؛ لأن ذلك ما لا بد منه«).(٢ وكذلك فإن إنشاء طوى أو بئر بالسجن يمكن أن يحدث، فيشتمل السجن على طوى أو بئر، ولكن »إذا لم يكن بالسجن طوى فليس على دلوا وحبلا، فإن كان فيه طوىبئرا، ولا عليه أن يحضر لهم الحاكم أن يحفر إلا أن يتطوع بذلك«. ويشير هذا الحكم ضم نا إلى وجود سجون بها آبار للشرب، وفي مثل هذه السجون التي تشتمل على آبار لا يكلف الحاكم بأن يزود المسجونين بدلو وحبل لرفع الماء إلا إذا تطوع هو بذلك. كما كان ) (١الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ١٠٥ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ١٠٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٣٦ هناك سجون أخرى تخلو من الآبار ولم يجبر الحكم الحاكم على إنشاء آبار لمثل هذه السجون. وعرضت الأحكام الفقهية لإعاشة المسجونين بالسجن، فأشارت ضم نا إلى أن المسجون ينفق على نفسه من ماله ومن »ليس عنده مال قال :ينفق عليه من بيت المال«، ورأى حكم آخر» :أنه لا نفقة لهم من بيت المال، ولكن يطلقون أسارى يسألون المسلمين«).(١ وكانت مواضع محكمة البناء، أشارت الأحكام إلى أنها في هيئة »بيوت«، أي وحدات معمارية ذات جدران أربعة يعلوها سقف، فقد ورد عن أحمد بن محمد بن خالد في الوالي إذا لم يقدر على بيت، هل له أن يحبس المستحقين للحبس في طوى محفورة ليس فيها ماء؟ قال :نعم. ويشير هذا الحكم إلى إمكان استخدام منشآت أخرى في الحبس، فقد العمانية من بين هذهكانت القطاعات السفلية في بعض أبراج القلاع المواضع، وأشار الحكم السابق إلى إمكان استخدام الآبار التي ليس بها ماء أيضا. في السجن وفي بعض السجون كان يمكن للحاكم أن يزود السجن ببعض البسط، لكن ذلك ليس بالضرورة أن يحدث، وحدوثه يكون تفضلا من جانب الحاكم، وبالمثل تزويد المسجونين بالماء للوضوء في أوقات الصلاة).(٢ وأشارت الأحكام إلى أنه »على الحاكم أن يتعاهد أهل الحبس ويرسل من ينظر حالهم، فإن كانوا يحتاجون إلى الطعام أطلقهم عند من يأتيهم حتى يسترفدوا طعام ينفقونه؟ قال :هكذا عني أن يكون فيه حديدة، أو شيء مما ) (١الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ١٠٨ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٣ص. ١٠٤ ٤٣٧الفصل الرابع :منشآت الدفاع والأمن يخاف منه، قال :هكذا عندي إذا أخيف منهم، لا يهمل ذلك لمصالح الإسلام. قلت :فيترك حامل الطعام أن يدخل عليهم بالطعام إلى الحبس؟ قال :يعجبني ذلك، إذا لم يخف منه شيء، يتولد على الإسلام من قبله. ويذكر صاحب المصنف في عرضه لمسألة أنه »كان المسلمون يجعلون في سجونهم في باب السجن فرجة، خللا من رز الباب بقدر ما يدخل الطعام، ورأوا ذلك راحة وغير ذلك أحزم للأمر). (١وهذا الحكم يمكن في ضوئه دراسة أشكال الأبواب التي تعتبر مثالا لتطبيق هذا الحكم في أبواب السجون. وعرضت الأحكام الفقهية لما كان يحدث من جانب بعض المسجونين؛ حيث يقوموا بنقب جدران السجن للهرب، ويمكن أن يكون النقب في الجدران الخارجية للسجن، فيهرب المسجونون، ويمكن أن تكون جدران السجن داخلية لا تؤدي إلى الخارج مباشرة، ولا يتمكن المسجون من الهرب، وعندئذ توقع عليه عقوبة أشد).(٢ وكان للسجون أمناء مسؤولون عنها، أو سجانون يتابعون حال المسجونين، ويفرجون عمن يأمر الحاكم بالإفراج عنه، فقد ورد» :أن للسجان أن يطلق من السجن إذا جاء الرسول بخاتم الحاكم، وذلك في الاطمئنان، وأما في الحكم فلا يجوز له«).(٣ وفي إطار ما سبق تتضح بعض الملامح المعمارية الخاصة بالسجون كنوعية من نوعيات العمارة النوعية التي أنشئت ضمن المنشآت العامة في ) (١الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ١٠٤ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ٩٨ ) (٣الكندي :المصنف، ج /١٢ص. ١٠٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٣٨ العمارة الإسلامية الإباضية، والتي بقيت بعض أمثلتها في بعض القلاع العمانية، التي كانت مقار للسلطة والإدارة. وهذه الملامح والحصون بالإضافة إلى الجانب الوصفي المرتبط بالسجون يكشف عن بعد حضاري مهم من أبعاد الحضارة الإسلامية بصفة عامة والإباضية على وجه خاص في إطار ما حددته الأحكام الفقهية. الفصل الخامس المنشآت المائية )الأفلاج ـ السواقي ـ الآبار( الفصل الخامس :المنشآت المائية فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٤٠ êÓ``aC’G يذكر ابن منظور في لسانه أن الفلج بالتحريك :النهر، وقيل :النهر الصغير، وقيل :هو الماء الجاري، قال عبيد: للـماء من تحـته قسيبأو فلج ببطن واد والجمع أفلاج، وذكر الجوهري أن »الفلج نهر صغير«، قال العجاج: روى وفلجا. قال :والفلج بالتحريك لغة فيه، وقال ابن بري:فصبحنا عينا روى وفلجا).(١ صواب إنشاده :تذكرا عي نا وتتنوع الأفلاج حسب هيئتها المعمارية، فهناك الأفلاج الغيلية، التي هي جزئيا، تبنى بالحجر أو تكون ترابية،بمثابة قناة مكشوفة، وربما تغطى سطحيا، أو تجمعا وتستمد مياهها من قيعان وديان تتجمع فيها مياه الأمطار من ينابيع يتفجر منها الماء، وتزداد مياه هذه الينابيع مع زيادة الأمطار. وهذه غالبا ما تكون أطوالها محدودة حيث يتراوح طولها بين مائة مترالأفلاج وألفي متر. أما النمط الآخر من الأفلاج فهي القنوات التي تحفر في باطن قبوا، وهذه القنواتوغالبا ما تبنى جوانبها بالحجر أو الآجر، وتقبى الأرض، تستمد ماءها من مجموعة من الآبار تحفر في الجبال التي يعرف أهل النظر بتواجد الماء بها، أحدها يعرف بالبئر الأم، ويتصل بمجموعة أخرى من الآبار يجري ماؤها إلى البئر الأم، التي تكون أكثر عمقا، وتجر القناة من البئر الأم إلى أن تنحدر إلى مستوى السهل، حيث مناطق العمران السكني ) (١ابن منظور :لسان العرب، ج /١١ص ص. ٢١٦ - ٢١٥ ٤٤١الفصل الخامس :المنشآت المائية أو الزراعي، وهذا النوع من الأفلاج يعرف بالأفلاج الداودية أو العدينة، وتمتد قنواتها في الغالب لمسافات طويلة باعتبار مصدرها، ولذلك فإن قنواتها تخللها فتحات على مسافات متقاربة تساعد في عملية حفرها عند الإنشاء، وعلى صيانتها وتنظيفها بعد ذلك، وهذه الفتحات تختلف مسمياتها من بلد إلى آخر، فتعرف في عمان بالفرضات، وفي مصر بالمناور، وهذه النوعية من الأفلاج هي الغالبة في عمان. وتتفرع من الأفلاج السواقي التي تستخدم في تزويد المستقرات السكنية بالماء للأغراض المختلفة، كما تنتهي إلى البساتين والمزارع لغرض الري في الأساس. العمانية بالأفلاج؛ حيث أخذتوقد تأثر تخطيط المستقرات السكنية هذه المستقرات السكنية الشكل الخطي لإنشاء المباني على جانبي الفلج بغرض الاستفادة من مائه، وتراتبت على جانبي الفلج الدور السكنية في غالبا يبدأ بالطبقة العليا التي تستفيد من المياه قبل إطار تصنيف اجتماعي مرورها ببقية المناطق السكنية التي يسكنها الطبقات الأولى. ولا يشترط أن قائما في كل المستقرات السكنية، لكن يمثل ظاهرةيكون هذا التصنيف أثرية معمارية مهمة. واستغلت قوة دفع الماء في الأفلاج في إدارة رحاء الماء، وقد كشف في صحار عن نماذج من هذه الرحاء التي يديرها الماء. وقد ثارت حول أصل هذا النوع من الأفلاج آراء متعددة، منها ما ينسبه إلى إيران، ومنها ما ينسبه إلى عمان. وقد كشفت عن نماذج أخرى من الأفلاج في الجزيرة العربية وفي فلسطين، وانتقلت ظاهرة انتشار الفقارات غالبا مع أو الكظامة أو الأفلاج إلى بلاد الشمال الإفريقي، وكان ذلك الفتوحات العربية الإسلامية، وتشتهر مراكش بأفلاجها، وكذلك مدريد فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٤٢ بأسبانيا التي جاء مسماها في إطارة كثرة قنواتها التي في تخوم الأرض؛ حيث إن كلمة مدريد أصلها مجريط، وهي مكونة من مقطعين مجري، يط وكلمة مجري :عربية بمعنى قناة، وكلمة يط إسبانية بمعنى كثير، ويكون المعنى الشامل للكلمة كثيرة القنوات. ومن أسبانيا انتقلت فكرة الأفلاج إلى أمريكا الجنوبية مع الأسبان الذين اكتشفوا هذه البلاد. العمانية إلى تصنيف تاريخي للأفلاج،وقد أشارت المصادر الفقهية فأشارت إلى أن هناك نوعين من الأفلاج الأقدم منها أنشئ قبل العصر الإسلامي، وعرف في المصادر بالأفلاج الجاهلية، والنوع الثاني عرف في المصادر بالفلج الإسلامي الذي أنشئ في العصر الإسلامي. وهذا التصنيف العمانيين في العصور الوسطى في التمييز بين كل منيكشف عن خبرة النوعيتين من خلال ملامحها المعمارية، ومن خلال السرد التاريخي في الغالب. متقدما في طرق تقسيم مياهه بينويعكس الفلج مستوى حضار يا الشركاء فيه، والمستفيدين من مائه، وقد عرضت الأحكام الفقهية لطرق تقسيم المياه، وحل ما يتعلق بها من نوازل ومشكلات، وهو ما سنعرض إليه كثيرا من الإشاراتفي إطار دراسة هذه الأحكام. كما تضمنت هذه الأحكام التي تتعلق بملامحها المعمارية، وطرق حفرها، وصيانتها وما يتعلق بها من مصطلحات معمارية مهمة تساعد على توثيقها، وهو ما يتضح من خلال دراسة هذه الأحكام).(١ ومن الملاحظ أن الأحكام الفقهية الخاصة بعمارة الأفلاج والتي وردت في كتاب بيان الشرع تكررت وبصياغة تكاد تكون متطابقة مع ما ورد من ) (١ستتناول هذه الدراسة في المجلد الثاني كل ما يتصل بالمصطلحات المعمارية للفلج، وظيفيا. وفي المجلد الثالث تعرض الدراسة المعمارية للأفلاجوالمصطلحات المتصلة به في عمان في تفصيل معمارية وأثري مهم. ٤٤٣الفصل الخامس :المنشآت المائية أحكام خاصة بالأفلاج وعمارتها في كتاب المصنف. وإزاء هذا التكرار الواضح فإن دراسة هذه الأحكام في الكتابين من الأوفق أن تكون مجتمعة متكاملة، ويشير توثيق هذه الأحكام إلى المصدر في كل حكم. وهذا التشابه في الأحكام له مغزاه الذي يعني تطابق رؤية الفقهاء، وهو تطابق قائم على وحدة المصادر التي اعتمد عليها كل مؤلف من المؤلفين، واتفاق صاحب تأسيسا المصنف مع رأي صاحب بيان الشرع فيما طرح من رأي أو حكم على وحدة المصادر والبيئة التي صدرت هذه الأحكام لتطبق فيها، وكذلك التقارب الزمني بين كل منهما. وفي الإطار المنهجي تتعرض دراسة هذه الأحكام من الناحية المعمارية تاريخيا، وإن كان للأحكام الواردة في كتاب بيان الشرع باعتباره الأسبق مصنفه ومعده هو صاحب المصنف، ثم توثق لذات الأحكام في كتاب المصنف باعتباره لاحقا لبيان الشرع. :êÓ`aC’G ô`ØM عرض صاحب بيان الشرع لبعض الأحكام المتعلقة بحفر الأفلاج من عدة وجوه، من أن أهل البلد يؤخذون بإصلاح أنهارهم التي لهم، ويحدث فيها الفساد، وأما ما يقترح فليس يحكم عليهم به إلا أن يتفقوا هم على ذلك). (١وقد ورد نفس الحكم عند صاحب المصنف بنفس الصيغة).(٢ وهذا الحكم يبرز أهمية إصلاح الأنهار). (٣وما تتعرض له من فساد، وفي هذا ما يشير إلى أن المحافظة على الأفلاج وإصلاح مجاريها كانت أساسية؛ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٣٢ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٣٠ أيضا للفلج. ) (٣النهر :هو الماء الجاري في مجرى من مصدر ما، ويستخدم الكلمة كمرادف فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٤٤ لأن المستوطن السكني والعمراني كله قائم على مياهه. ويلاحظ أن الحكم فصل بين ما هو قائم بالفعل وبين ما يقترح من إنشاءات جديدة تتعلق بالفلج كحفر مساقي جديدة أو غيره. فأخذ أصحاب الفلج القديم على إصلاحه، وترك أمر ما يستجد لاتفاق أصحاب الفلج).(١ وهذا الحكم من الناحية المعمارية يعني إثبات حالات ترميم وإصلاح فساد الفلج القديم، كما يعني إمكانية إضافة سواقي وعناصر معمارية جديدة أخرى حال اتفاق أصحاب الفلج على ذلك، وهو ما يعني من الناحية الأثرية المعمارية أن عمارة الفلج يمكن أن تكون على مراحل إذا تمت إضافات لاحقة إليه يتفق عليها أصحابه. يشير حكم آخر إلى ظروف عملية حفر الفلج، وبخاصة تلك الظروف الاجتماعية التي تتعلق بالمشاركة في عملية الحفر، وبخاصة في التكلفة والجهد، وذكر الحكم أن »الحفر على جميع أهل الأفلاج وعلى الأغياب واليتامى على كل بقدر صحته، قال أبو الحواري ليس على اليتامى قطع الصفا، وإنما عليهم حفر الطين، هكذا حفظت عن نبهان). (٢وهذا الحكم له أكثر من دلالة، أولها أن جميع أصحاب الفلج عليهم المشاركة في حفره، وهذا يعني بوضوح تحديد المسؤولين عن حفر الفلج، في إطار مشاركة جميع أصحابه، ويلاحظ أن هذا الحكم يعني مشاركة المجتمع المستفيد كله من جميعا، وهو أمر يتأسس بلا شك علىحفر الفلج باعتباره ملكية لهم جميعا بمائه. ويلاحظ أن المسؤولية الجماعية التي يبرزها هذااستفادتهم الحكم والتي تتعلق بحفر الفلج تكررت في إطار شروط أخرى في عمارة ) (١الكندي :بيان الشرع، ج ، ٣٩ص ، ٣٢ص ، ٣٣ص. ٣٥وقد ذكر صاحب المصنف نفس الحكم بنصه. الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص. ٣١، ٣٠ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٣٣ ٤٤٥الفصل الخامس :المنشآت المائية »المسجد«). (١و»الحصن«). (٢وهي منشآت تناظر الفلج باعتبارها منشآت يستفيد منها جميع أصحابها، أو من تقع في إطار حدود مستقرهم السكني. وهذا النمط من المشاركة الذي تؤسسه أحكام إنشاء الفلج والمسجد والحصن يمكن أن يمثل إرهاصة لنشاط المجتمع المدني في العصور الوسطى تأسست على أحكام شرعية واضحة، ويمكن استلهام مثل هذه الأحكام في العصر الحديث، وتوظيفها في مجال العمران المعاصر. والدلالة الثانية المرتبطة بهذا الحكم دلالة اجتماعية؛ حيث إن العماني، يمكن أن يكون لهماالحكم ركز عى فئتين من فئات المجتمع مشاركة في ملكية الفلج، أو أن تكون من بين أصحابه. وهما الأغياب ظاهرا في سببا والأيتام. فالأغياب تتنوع أسباب غيابهم، لكن هناك العماني، وهو عمل كثير من أهل عمان في البحر). (٣وهوالمجتمع ما يتسبب في غياب قطاع مهم من قطاع مجتمعاتهم عن الإقامة الدائمة بالمستقر السكني، ولكن غياب هذا القطاع للعمل في البحر لا يمنع من غالبا في الحالة بدفعمشاركتهم في حفر الفلج. وهذه المشاركة تكون قيمة الحفر حسب تصنيف مشاركتهم. والفئة الثانية هي فئة الأيتام، وهذه الفئة ضعاف لصغر سنهم، ومن ثم كان توجيه الحكم إلى تجنيبهم قطع الصفا، أي الحفر في المناطق الصخرية الصعبة التي تحتاج إلى قوة بدنية لا تتوفر لهم، وتكليفهم بالحفر في المناطق الطينية الرخوة التي تناسب قدراتهم الصحية والبدنية. وهذا التوجيه الخاص بالأيتام يرى له صدى أيضا في أحكام فقهية كثيرة في مسائل أخرى. وهو ما يكشف عن سمات ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٣٣؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص. ٣١ - ٣٠ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٣٣؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص. ٣١ - ٣٠ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٣٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٤٦ خلقية اهتم بتأكيدها الفقه الإباضي، وميزت المجتمع الإباضي بصفة عامة، وهي سمة التعاطف والشفقة بالضعيف. ولا شك أن لهذا الحكم صداه من الناحية المعمارية؛ حيث إنه يساعد على إنجاز الحفر دون أية عوائق، أو تأخر في إطار روح من المحبة والتعاطف. وفصل حكم آخر ما يتعلق بمشاركة الأغياب في حفر »الفلج«، ففي أيضا عن محمد بن محبوب رحمهما االله وعن قوم من خلف البحرجواب لهم أموال وماء في فلج من الأفلاج، فوقع في هذا الفلج خراب وفساد، فاجتمع أهل الفلج، واستأجروا له الحفار وطلبوا أن يأخذوا من مال الأغياب بقدر حصتهم من إجارة الحفار، فإن كان لهؤلاء الأغياب الذين خلف البحر وكلاء أمروا أن يؤدوا عنهم ما يلزمهم من حفر الفلج من أموال الأغياب، حيا إلىإسلاميا، وكانت تجرى عليه الأموال ولم يزل وذلك إذا كان الفلج أن وقع فساد وخراب من غير أن يقرحوه، وإن لم يكن لهم وكلاء، فلا أرى بأسا أن يقيم لهم الوالي وكلاء ثقاة يأمرهم أن يدخلوا في معرفة المقاضاة حتى يعرفوا ما هو أصلح للأغياب، ثم يعطي من ثمرة أموال الأغياب بقدر حصصهم، فإن لم يكن في الثمرة وفاء باعوا من الأصل برأي الوالي، وأعطوا عنهم ما يلزمهم بقدر حصصهم إن شاء االله، إلا أن يكون هذا الفلج يحتاج أموال الأغياب تباع في حصصهم من الحفر، فلا أقول أن تباع أموالهم في حصصهم من فلج قد هلك، ولا أدري أنه يرجع أم لا، واالله أعلم«).(١ وهذا الحكم يعكس عدة حقائق مهمة ترتبط بإدارة عملية حفر الفلج، ومنها أن حفر الفلج يمكن أن يتم بمعرفة أصحابه الذين يشاركون بأنفسهم في عملية الحفر، أو أن يستأجروا لذلك حفارين) (٢متخصصين في حفر الأفلاج ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٣٢؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص. ٣١ - ٣٠ ) (٢يمكن أن يشارك في الحفر عبيد من لهم حصة في الفلج. الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٣٧ ٤٤٧الفصل الخامس :المنشآت المائية نظير أجر. ويكشف هذا الأمر الأخير عن وجود الحفارين المتخصصين في حفر الأفلاج، وهذه الحرفة الإنشائية لا عجب في انتشارها في المجتمعات الإباضية التي تعتمد على الأفلاج كمصدر رئيس للماء، وحفرها وصيانتها وترميمها وزيادة مساقيها أمر حياتي مستمر، واستمراره يعني استمرار وجود هذه الحرفة وتوارثها، ومع زيادة العمران يزيد العاملون فيها. الحقيقة الغائبة التي يكشف عنها هذا الحكم هو أن الرؤية الإدارية لإنجاز حفر الفلج كانت مقصورة من جانب الفقهاء بجميع أحوالهم وصورها المتوقعة، فقد أشار الحكم إلى أن الأغياب يتولى مسؤولية مشاركتهم في الحفر الوكلاء الذين يتابعون أموالهم أثناء غيابهم، والذين يوكلهم الأغياب للقيام بهذه المهام التي تفرضها الأحكام الفقهية كحفر الفلج وغيره. وإذا لم يكن لهم وكلاء يتولى الوالي تعيين وكلاء ثقاة لهم، ويحدد الحكم لهؤلاء الوكلاء كيفية التصرف في دفع تكفة الحفر إما من ريع أموالهم، أو من أصلها، أو من أصل بعينهم في الفلج حسب الحالة. ولكن في حالة التصرف في بيع الأصل للمشاركة في حفر الفلج فإن الأمر يبقى مشرو طا بحالة الفلج الذي يرجى صلاحه، والذي قد هلك، ولا يدري أيرجع أم لا. وفي حدود هذا الإطار الذي وضعه هذا الحكم تتحدد الرؤية الإدارية التي تنظم العمل بين سلطات الدولة ممثلة في الوالي وبين المجتمع تأسيسا على ما يحقق النفع ويمنع الضرر.المحلي المدني وكان للسلطة الحاكمة دورها في أن تأخذ أصحاب الفلج في حفره، هذا مغصوبا لم يجز أن صحيحا، أما إذا كان »الفلج حفرا في حال إذا ما كان يحفر بأمر السلطان«).(١ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٣٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٤٨ ويمكن أن يتدخل أحد من أفراد المجتمع ويقهر الناس حتى يقوموا إلى إصلاح فلجهم، فقد ورد في مسألة أنه »سئل عن أهل فلج وقع في فلجهم فساد حتى قل الفلج وساق شي ئا من الأموال، وخيف على البلد الذهاب، وقام رجل من أهل البلد وليس هو بثقة، فقهر الناس وجبرهم، وحفروا قسرا منه لهم فعليه خلاص فيما فعل أم لا؟ قال هو:بأنفسهم وأموالهم مأجور في ذلك إذا قهرهم في مصالحهم بالعدل«).(١ وقد ورد في هذا الحكم ما يشير إلى أن ذهاب عمران البلد متأسس على ذهاب عمارة فلجه، واستمرار تغذيته بالماء لهذا البلد. ومن ثم كانت الدعوة إلى ضرورة إصلاح عمارة الفلج. لكن في بعض الحالات يكون ذهاب ماء واردا، وهو ما يعني في هذه الحال ذهاب »عمران البلد«، وهذهأمرا الفلج الحالة الواردة الوقوع لها أهميتها في تفسير عدم استمرارية عمران بعض العمانية منذ نشأتها وحتى العصر الحديث، فقد يحدث أن يجف ماءالبلاد الفلج، فيذهب ذلك بعمرانه، وينقطع هذا العمران بهجرة أهله إلى موضع آخر يتوفر فيه الماء، ثم يحدث أن يعود الماء إلى الفلج في البلد المهجور فتعود له الحياة مرة أخرى. وفي هذا ما يفسر هذه الظاهرة العمرانية في البيئة متمثلة في انقطاع عمران موقع أثري ما ثم عودته إلى العمران بعدالعمانية، فترة انقطاع، وهذه الحالة يصح أن تعرف بـ »العمران المنقطع«. وهناك سياقات إدارية أخرى تكفل حفر الأفلاج وإصلاحها، ففي مسألة: في حفر الأفلاج وما يجب للحاكم فعله، وعن حفر الأفلاج »إذا اختلف أهل جميعا، وقال كل واحد منهمالبلد وطلب كل واحد يتقدم فيه أو كرهوا ذلك لا أتقدم، ولو احتاج الفلج إلى الحفر، وطلب ذلك رجل من الناس، أو امرأة ما يجب على الحاكم أن يفعل؟ وكيف الرأي في ذلك؟ قال :إذا كان هذا ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٣٥ ٤٤٩الفصل الخامس :المنشآت المائية أجنبيا يلي ذلك، وإن لم يكنعلى وصفت كان على الحاكم أن يقيم عدلا ذلك بأجرة، قدم لهم ذك الرجل بالأجر المعلوم، وكان الأجر على أهل صبيا، مملوكا ولا الفلج، وإنما يقدم لهم رجلا ولا يقدم لهم امرأة، ولا عبدا وذلك إذا طلب ذلك إلى الحاكم جباة أهل الفلج نسخة البلد، وكذلك إذا فصاعدا، فإذا وصلوا إلى الحاكم طلب من غير الجباة صلاح الفلج من اثنين خصما لهم، ويحكم عليهم الحاكمأمرهم الحاكم أن يدعوا الجباة، ويكونوا بصلاح الفلج، إذا كان قد اعتقر وعجز عن سقيه مما حدث فيه من الطريق لعله أراد من الطين وغيره، وليس عليهم أن يقترحوه، وإنما عليهم أن يخرجوا ما حدث من الفساد، فإن اتفق أهل الفلج على رجل منهم، وإلا قدم الحاكم رجلا كما وصفت لك«).(١ وهناك من الأحكام ما ينظم علاقة الحافر بصاحب الفلج الذي يحفره له، وقد وردت الإشارة إلى بعض مظاهر العلاقة وأسسها فيما يطرح من مسائل تتعلق بهذه العلاقة، فقد ورد في مسألة» :ومن جواب أبي مروان) (٢وذكرت رحمك االله في رجل حافر رجلا على فلج بثلث أو نصف أو ربع وساح وخلاله سنون، ثم وقع في الفلج عوار من سيل أو سواه، فإن كان الحافر حفر الفلج وأحكمه وقبل منه المحافرة، ثم حدث فيه الذي ذكرته فما تقول واالله أعلم أن عليه حفر ما حدث، وذلك على عامة أهل الفلج؛ لأن الحافر إنما يحفر إلى أن يسيح الفلج، ثم يستحق الحصة التي سماها له، فإذا صار بتلك المنزلة فالحدث على العامة من أهل الفلج إن شاء االله، وانظر في ذلك واسأل أهل البصر، وذكرت وإن قال :المحافر احلف ما حافرتك فلجي هذا على أن ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ص. ٣٦ - ٣٥ ) (٢أبو مروان هو سليمان بن الحكم وأخوه المنذر بن الحكم من عقر نزوى، من علماء القرن الثالث الهجري، وأبو مروان ممن حضر بيعة الإمام الصلت ابن مالك. ابن جعفر :الجامع، ج /٥ص ٨٨عن إتحاف الأعيان، ج /١ص. ٣٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٥٠ لك من نصيبي كذا وكذا وعليك الحفر وشرطي عليك حتى أقيله منك، فقال الحافر احلف لك ما لك حق قبل هذا الحفارة، فقد يعلم أن الشروط تفسح بالقول والأحكام وعلى المحافر بينة على شروطه، فإذا أقام البينة، فعلى الحافر أن يخرج نفسه بالأحكام والقبول، فإذا عجز المحافر البينة فليس على الحافر إلا يمين االله يمين المسلمين مالك من قبل هذه الحفارة التي تطلبها حق بوجه من الوجوه، وقد برئت إليك من جميع شروطك علي«).(١ وهذه المسألة تبين جوانب مهمة من جوانب العلاقات التي ترتبط بعملية حفر الفلج، منها أن الحافر يمكن أن يحفر الفلج ويكون أجره عبارة عن حصة من الفلج يتفق عليها، كما تبين أن الأجر المستحق عن الفلج يكون وفق الشروط التي جرت العادة بها، وأهمها أن يسيح ماء الفلج. كما يتبين المسألة أنه بعد أن يتحقق للفلج الفرصة من إنشائه بتغذية مناطقه بالماء تبقى بعيدا عن مسؤولية حافره،مسألة الحفاظ عليه واستمراره في أداء وظيفته وتبقى المسؤولية في ذلك لأصحابه، ولا يكلف الحافر بشيء من ذلك. وتتابع الأحكام الفقهية عملية إصلاح الفلج إذا ما تعرض للهدم، فقد انهداما لا يطيق يبسه لهم بترك القرية تهلك،وردت »مسألة :في انهدام الفلج سهاما على قرح فلج في الموضع الذيوخير أهل الفلج إن كان أصلا أو انهدم إذا كان ذلك أهون من صلاح الأول«).(٢ سهاما، يبين ويبين هذا الحكم بالإضافة إلى أنماط تملك الفلج أصلا أو أنه إذا انهدم الفلج وكان من الصالح حفره في موضع ما منه بدلا من إصلاح القطاع الذي تهدم لأن الحفر أهون من إصلاح ما انهدم فإن الحكم يجيز ذلك. وهذا الحكم يعني أثر يا احتمال وجود قطاعين في فلج ما أحدهما ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٣٦ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٣٥ ٤٥١الفصل الخامس :المنشآت المائية متهدم قديم، والآخر أنشئ بدلا من ذلك القطاع المتهدم ومع وضوح سبب وجود هذه الحالة. وتشير بعض الأحكام إلى وجود حالات أخرى يلتقي فيها ماء فلج قديم مع ماء فلج أحدث قبل افتراق الماء في السواقي في إطار سنة متقدمة، وهذا الحكم يعني أثر يا ومعمار يا إمكان ذلك طالما كان ذلك سنة متبعة).(١ كذلك فإن بعض الأحكام أشارت إلى أفلاج قديمة تعطلت فترة من الزمن، ثم عاود أهل البلاد إصلاحها وحفرها، وقد ورد ما يشير إلى ذلك في مسألة تتعلق بفلج لأهل أزكى »الذي يجمعهم فلج محبوب قد خرب، وذهب في القديم فقاضى عليه موسى بن علي) (٢من معدنهم الذي يجمعهم، وأقام فيه العمال حتى أخرجوه وجرى، وبلغنا أنه اتفق على إخراجه نحو مائة ألف درهم، وهو منذ أن أخرجه خارج بعد إلى اليوم، وكان الصلاح فيما فعل رحمه االله ورضي عنه. ثم كان القضاء من بعده كلما وقع في هذا الفلج خراب وفساد استأجروا الحفر من ألفا ونحو ذلك«).(٣أيضا فربما كان يحفر بالعشرة آلاف وعسى بعشرين الرم ويشير ذلك ضم نا إلى مقدار تكلفة إعادة حفر هذا الفلج حتى جرى مرة ثانية وما كان يصرف على إصلاحه بإعادة حفره عندما يتعرض للفساد، وهو ما يشير إلى طول هذا الفلج الذي يتكلف كل هذه التكلفة في الحفر، ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٣٧ ) (٢هو العلامة الشيخ أبو علي موسى بن علي عزره الأزكوي، كان هو وأخوه محمد بن علي والأزهر بن علي من أجلة علماء زمانهم، ولد سنة ١٧٧هـ قبل وفاة جده لأمه موسى بن أبي جابر بنحو ثلاث سنين، أخذ العلم عن والده علي بن عزرة وعن الشيخ هاشم بن غيلان السيجاني. عاصر من الأئمة غسان بن عبد االله، وعبد الملك بن حميد والمهنا بن مرجعا للعلم والعلماء، توفي سنة ٢٣٠هـ ، وقيل٢٣١ :هـ، حيفر، ومات في زمانه، وكان وكان عمره ٥٣سنة )ابن جعفر :الجامع، ج /٤ص. (٦٧ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٣٨؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٣٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٥٢ بالإضافة إلى إقرار القضاة بضرورة استمرار صلاح الأفلاج بإعادة حفرها ورمها، وهو ما كان خير مساند لعمران البلاد. وتشير مسائل أخرى إلى أن بعض الأفلاج كانت تتعرض لحدوث تعديلات، وذلك في نماذج من الأفلاج يقوم بها فاسقون يتقصون بعض قطاعات من الأفلاج ويحولونها من مواضعها بالقوة). (١لكن الأحكام كانت تحث القوم على مقاومة هذا الاعتداء إذا كانت لهم القدرة على ذلك، ولا يسكتوا على هذا العدوان، حتى يردوا الفلج إلى حالته الأولى. ومن الحالات التي كانت تحدث والمتصلة بعملية حفر الأفلاج في فلجا لقوم أيضا ما ورد في إحدى المسائل عن »حفار يحفر ظروف طارئة فحفر بعض الفلج إذا وقع منه هدم أو سيل أو حدث فيه حدث من سوافي الرياح فكثر فيه، وقع هذا الحدث في شيء من الفلج قد حفر إلا أنه لم يفرغ من الفلج، وهو يحفر ويمضي، أيلزم الحفار أن يرجع فيما قد حفر، أيضا ما حدث من سوافي الرياح والسيل والانهدام، أم أن ذلك علىفيحفر أصحاب الفلج، قال :ليس ذلك على الحفار، قلت :فإن شرطوا عليه إن دخله سيل أو انهدم أو شيء من سوافي الرياح من قبل فراغك من حفرك فيما قد حفرت، أو فيما تحفر فعليك حفره أيثبت ذلك؟ قال :هذا مجهول لا يثبت، وقال :إذا كان عليه الرجعة فيه نسخه فهو عليه ما يسمح منه من الطين بأن السح من طينه، وإنما هو قوضي على إخراجه، وأما إن كان يحفره مرة واحدة فليس عليه ما أحدث السيل والرياح والانهدام فيما قعد عمل؛ لأنه إنما عليه ما قاضوه عليه فله ذلك، وكذلك في الانهدام وسوافي الرياح فيما لم يصل إليه حفره، وطلب الزيادة في الكرى فله ذلك«).(٢ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٤١ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٤٠ ٤٥٣الفصل الخامس :المنشآت المائية وهذه الأحكام تنظم التصرف فيما يحدث من مثل هذه الحالات من التهدم أثناء الحفر، وتبين ما على الحفار وما على أصحاب الفلج وفق الشروط التي اتفقوا عليها. وتميز الأحكام الفقهية بين الأفلاج التي حفرت في العصر الإسلامي وغيرها من الأفلاج القديمة، التي ترجع إلى العصر الجاهلي، فقد ورد في مسألة» :في الحفظ عن محمد بن محبوب قال :كل فلج سقي في الإسلام، وأعطاه مساند أهل الفلج والقوام بأمره بحفره جاز على الجميع، ولا يجوز على من لم يحفر فلج قريح ولا جاهلي«).(١ وفي هذا الحكم ما يشير إلى الأفلاج كمنشآت مائية أساسية في البيئة العمانية ترجع إلى عصور ما قبل الإسلام، وهذا أمر صحيح يتوافق والدراسات الأثرية التي كشفت عن أفلاج في دولة الإمارات العربية ترجع إلى ما قبل الميلاد بألف عام، ويعتبر من أقدم نماذج الأفلاج التي كشف عنها، وهو ما يرجح قدم بعض الأمثلة من الأفلاج التي أنشئت في شبه العمانية عن بعض الأمثلة المناظرة في إيران التي يرجح بعضالجزيرة الآثاريون أصالة هذا النمط من المنشآت فيها. وتكرار الإشارة إلى هذا التمييز بين الأفلاج الجاهلية والأفلاج الإسلامية في ثنايا أحكام بيان الشرع والمصنف تشير إلى معرفة الفقهاء والمجتمع العماني بكل من النوعيتين، وهذا التمييز يستند إلى خبرة ومعرفة بتاريخ الإنشاء تجعل هذا التمييز ممك نا. وقد يتعرض الفلج للإزالة التامة بسبب السيل، وقد حدث مثل هذا الأمر في فلج الخطيم الخاص بأهل منح، وعرض الأمر على الإمام ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٤١؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٣٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٥٤ غسان) (١الذي قضى بأن ينشأ فلج غيره في أرض غير أرض أصحابه بأملاك أهل نزوى، بعد أن يدفعوا ثمنها). (٢حتى ولو امتنع أهل الأرض عن قبول ذلك، وهذا الحكم يؤكد مدى اهتمام الإمام بتحقيق المصلحة الضرورية المرتبطة بتوفير الماء اللازم لحياة أهل منح. فلجا في ضرورة حفر ساقية إضافية لهذاوقد يتسبب السيل الذي يحتاج الفلج، فقد ورد في مسألة» :قلت له ولو اجتاح السيل شي ئا من الفلج، فاحتاج أن يستقرح له ساقية أيكون ذلك على العامة؟ قال :نعم، إذا لم يقم إلا بذلك إلا أنه ليس عليهم في هذا أن يقطعوا الصفا«).(٣ ويمكن أن تتعرض ساقية الفلج للتهدم والإزالة بسبب السيل، مما يضطر إلى إنشاء ساقية بديلة غيرها في أرض غير مملوكة لأصحاب الفلج. وقد أجاز الحكم الفقهي إنشاء مثل هذه الساقية في مثل هذه الحالة بشرط أن يدفع أصحاب الفلج ثمن الأرض التي تحفر فيها الساقية الجديدة. وهذا الحكم يتكامل مع الحكم الذي سبقت الإشارة إليها، والخاصة بأهل الفلج، وقبل أن يتوزع ماؤه على السواقي. وإنشاء الفلج أو سواقيه في أرض بديلة غير مملوكة لأصحاب الفلج بشرط أن يدفع أصحابه ثمن الأرض حل شرعي أقره الفقهاء لضرورة استمرار وصول ماء الفلج إلى الأموال لاستمرار العمران. وتيسيرا لعملية الحفر كانت الأحكام المنظمة لأجر الحفار، وقد ورد في بعض المسائل ما يكشف عن تسهيل الأحكام وتنظيمها لعملية تحصيل الأجر ) (١هو الإمام غسان بن عبد االله العجمي اليحمدي الأزدي، توفي ٢٠٧هـ. وطئ أثر المسلمين وعز الحق وأهله، وحمد الكفر، وهو أول من حمى السواحل بالشذاوة). ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص ٩٦عن :كشف الغمة، رقم. ٤٥٨ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٤٢ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٤٣ ٤٥٥الفصل الخامس :المنشآت المائية الذي يأخذه الحفار نظير عمله في حفر الفلج، فقد ورد في مسألة »عن قوم أعطوا فلجهم من يحفره من الطين قالوا لذلك علينا ألفي درهم على أن نعطيك الذرة ثلاثة أمداد) (١بدرهم والبر مدان بدرهم، والدراهم عن رأسه فأجابهم إلى هذا الشرط فعلى ما وصفت، فهذا بيع شرط باطل، ولا يجوز في الأصل، ويرجع إلى كراء مثله إما بدراهم أو بحب«). (٢ويشير الحكم في هذه المسألة إلى أن الأجر قرره الحكم إما بالدراهم كعملة متداولة أو بالحب، ولكن ما ورد في المسألة من شرط باطل. كذلك تشير بعض الأحكام إلى أن الأجر كان يقدر أحيا نا باستفادة الحفار بماء الفلج مدة معينة يتم الاتفاق عليها، فقد جاء في مسألة »قال بعض الفقهاء في حفار حفر لقوم فلجهم على أن له ماؤه عشر سنين، فعمل ما شرط عليه ووقع في الفلج هيام، فقال لهم :أخرجوه عني حتى يستوفي شرطي. فقال :إن ذلك للحفار عليهم أن يخرجوا عنه ما أفسده عليه إلى أن ينقضي شرطه. وهذا فلجا مبي نا ودفي نا فعليهم أن على أنه فلج مقترح أخرجه هو لهم، أو كان فلجا جار يا يخرجوا من الحفار ما انهدم فيه إلى أن ينقضي شرطه، وأما إذا كان فأخذه بحفر، وهو فلج جار فعليه هو صلاحه وحده ما دامت غالته له مثل فلج الرحى على المجوسي صلاحه ما دامت غالته له كما وصفت لك«).(٣ ويتضمن هذا الحكم إشارة معمارية مهمة إلى نوعية من الأفلاج كان يستغل قوة دفع الماء فيها لإدارة الرحى، وقد وجدت هذه النوعية من الأفلاج التي يدير ماءها الرحى للطحن). (٤ويشير هذا الحكم إلى أمثلة منها. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٤٤ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ص. ٤٤ - ٤٣ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٤٥ Costa (P.M) & Wilkinson (T. J): The Water Supply of Early Islamic Sohar. The Journal of)(٤ Oman Studies. Published by the Ministry of National Heritage and Culture. Sultanate of Oman, 1987, Vol. 9, p. 72. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٥٦ :êÓaC’G èjô°üJ تصريج الأفلاج عملية إنشائية تتم باستخدام الحجر و»الصهروج« في بناء مجاري مياه الفلج، وهذا لا يعني أن هناك أفلاج لا تتم بها هذه العملية؛ حيث يمكن أن تحفر مجاري مياه الفلج في الحجر أو الطين حسب نوع التربة دون أن تبنى جوانبها بأحجار أو تملط بالصهروج. بابا لأحكام استخدام الصهروج فيوقد أفرد الكندي في بيان الشرع الأفلاج أسماه »باب في الصاروج للأفلاج«، كما عرض صاحب المصنف أيضا لذات الموضوع في باب بعنوان »في تصريج سواقي الأفلاج، وفي كلا البابين عرض المؤلفان لمسائل متشابهة في كثير من الحالات، وتميز كل أيضا بمسائل لم يعرض لها الآخر.منهما مصرجا ثم غاب فليس علىورد في بيان الشرع أنه »إذا لم يكن الفلج عيبا لا يصلح إلا بالصاروج، فإني أرى فيالعامة أن يصرجوه إلا أن يعيب ذلك من المصالح، وأرى على العامة الصاروج على هذا لم يكن يصح إلا بالصاروج). (١وقد أكد صاحب المصنف على هذا الحكم فذكره بنصه).(٢ وفي مسألة أخرى ذكر الكندي ما نصه» :أحسب عن أبي الحسن بن أحمد 5في قوم لهم ساقية جائز أو غير جائز أراد أصحابها أن يصرجوها هل لهم ذلك، فليس لهم ذلك واالله أعلم«).(٣ ومراجعة ما ورد في الحكم والمسألة، يكشف عن أن تصريج الأفلاج كان يحدث في إطار معين يتطلبه حال الفلج بالضرورة، ولم يكن الأمر ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٤٧ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٤٩ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٤٧ ٤٥٧الفصل الخامس :المنشآت المائية مباحا على إطلاقه، ولما كانت عملية تصريج الفلج مكلفة اقتصاد يا، فإن الحكم أتاح تنفيذها عند الضرورة فقط، ولم يبحها طالما أن الفلج أو الساقية تؤدي وظيفتها دون تصريج. ويكشف هذا عن البعد الاقتصادي والحرص على توفير التكلفة طالما أن الفلج أو الساقية تؤدي وظيفتها. وتؤكد مسألة أخرى هذا البعد الاقتصادي، فقد ورد في مسألة» :سألت عن أهل بلد أرادوا صاروج فلجهم، ففرضوا الفريضة لذلك، وقاطعوا المصرج، وأخذ شي ئا من المقاطعة وأحرق الصاروج، ثم إن الفلج يبس، هل للقائمين بذلك أن يأمروا بتصريجه في حال يباس الفلج دون مشاورة من غاب من شركائهم أم لا؟ قال :معي أنه إذا لم يكن لأرباب الأموال الانتفاع للفلج في حيهم ذلك لم يجبروا على حفره وتصريجه، خوفا ألا يأتي منه شيء فيكونوا قد جبروا على شيء لم ينتفعوا به).(١ ويشير نص هذه المسألة إلى جوانب مهمة تتصل بعملية التصريج من حيث إدارتها وإعداد المواد اللازمة لها؛ حيث يتضح من سياق المسألة أن مبدئيا تكلفته، وكانوا يتفقون مع المصرجأصحاب الفلج كانوا يقدرون »مقاطعة« أي حساب تكلفة الأجر والمواد جملة واحدة على القيام بتصريج الفلج، كما يتضح أن المصرج كان يقوم »بحرق الصاروج«، أي حرق الحجر الجيري الذي يستخدم في تصريج الفلج لاستخدامه في تمليط جوانب مجاري الفلج، وفي بناء المجاري بالحجر بمونة جيرية. وتصريج الفلج أو الساقية يساعد بلا شك على سرعة جريان الماء، وهو ما يترتب عليه كثرة الماء الذي يروي به، وهذا الأمر كان له أثره في بعض الحالات التي عرضت لها بعض المسائل، فقد ورد السؤال للفقيه» :ما تقول ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ص. ٤٨ - ٤٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٥٨ رحمك االله في وادي في وسط قرية تشتمل عليه القرية من غربي وشرقي، وفي هذا الوادي أنهار لهذه القرية يسقي بعض هذه الأنهار الشرقي منها، وبعضها يسقي الغربي، وهذه الأنهار بعضها أسفل من بعض صاحب النهر الأعلى تصريجه بالحجارة والصاروج في عرض الوادي، وكره ذلك أصحاب الأفلاج السفلي، أيجوزهم أم لا؟ الذي عرفت إن كانت هذه الأنهار مرفوعة من الوادي من ماء واحد يتصل لم يجز لأصحاب الفلج الأعلى تصريجهم فلجهم إذا كان في ذلك مضرة على غيرهم، وأخذوا من الماء أكثر من عادتهم، وأنقصوا على الذين أسفل منهم ذلك إذا صح الضرر، وعلى غير هذا الوجه فذلك جائز«).(١ وتكشف المسألة عن نوعية من الأفلاج تشترك في مصدر ماء واحد، وتتابع ملكية أصحابها من أعلى الوادي إلى أسفله، كما تكشف عن تصور طبغرافي لبعض القرى التي شقها وادي به مجاري للأنهار تغذي الأفلاج من أعلى الوادي إلى أسفله، ولكل جانب من جانبي الوادي أنهاره التي تسقي أرضه، وتفي بحاجات سكانه. وإذا كانت نوعية الملكية قد تأسس عليها الحكم للمسألة السابقة، فإن هناك حالات أخرى من الملكية تتصل بذات الموضوع، فقد استطرد الكندي في المسألة، وأورد التساؤل أنه» :إن كان لأحد من أصحاب هذا الفلج الأسفل في الفلج العالي وفي الذي يليه ولم يرغب في تصريجه فأراد الباقون تصريجه، أيجوز ذلك أم لا؟ جائز ذلك فيما عرفت إذا كان في ذلك الصلاح، ولم تكن فيه مضرة لأحد من أهله الذين لم يرغبوا، واالله أعلم«). (٢وهكذا تبقى المصلحة العامة والمنفعة وعدم إحداث الضرر هو الأساس الحاكم في هذه الحالة. ) (١الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٥٣ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٥٣ ٤٥٩الفصل الخامس :المنشآت المائية ويتابع الكندي المسألة عينها فيذكر أن هذا الحكم ينطبق على التفرعات الجانبية التي تمتد إلى الأملاك والأموال، فذكر بالنص أن »هذه الأفلاج إذا خرجت من الوادي ودخلت في الأملاك والأموال، وأراد كل واحد منهم أن يحدث في ساقية ما أراد من قطع الساقية وخفقها وتصريجها إلى منتهى دخول الماء من الوادي إلى الساقية، أيجوز ذلك أم لا؟ قال جائز لهم فيما عرفت إذا لم يكن من منه مضرة على أحد، واالله أعلم«).(١ :è`∏ØdG o`jôM حريم الفلج هو المساحة من الأرض التي تكتنف مجرى الفلج من الجانبين، والتي تستخدم في مراقبة مجراه، وفي وضع ما يخرج من كناسته، أو مواد بناء تستخدم عند إصلاحه، كما أنها تستخدم أحيا نا كطريق جائز. بابا للحديث عن حريم الفلج لأهميته، فقد أورد أنوقد أورد الكندي »حريم الفلج بعد استفراغ مال الأصل ثلثمائة ذراع، وقال من قال :بقدر ما لا يضر به فهو حريمه، وقال من قال :خمسمائة ذراع«).(٢ ويلاحظ أن الأحكام تختلف في تحديد قياس لحريم الفلج، ولكن أحدها أشار إلى أن هذا الحريم بقدر ما لا يضر بالفلج، وترك التحديد بقياسات. وهذا يكشف عن أن الأفلاج تختلف ظروفها التي تفرض تحديد قياسات معينة. ونفس الحكم عرض لحريم النهر فقد ورد في مسألة عن أبي معاوية »قال يفسح النهر عن النهر قال من قال :خمسمائة ذراع، ومن غيره، وقال من قال ثلثمائة ذراع، وقال قوم كما يرى العدول المضرة، وقال من قال حتى ) (١الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص. ٥٤ - ٥٣ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٩؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٦٠ تصبح المضرة لشاهدي عدل أو على ما يرى العدول، ويقول قائلون ما لا يضر النهر بالنهر والبئر بالبئر.(١)«.. وفي مسألة أخرى سئل أبو معاوية) 5 (٢عن الأنهار كم يفسح بينها إذا أرادوا أن يحدثوا حفر فلج، من قال خمسمائة ذراع قلت فكم يفصح الأطوى عن النهر، فقال من قال ثلثمائة ذراع ومن غيره، وقال من قال أربعون ذرا عا، وقال من قال كما يرى العدول، وقال قوم حتى تصبح المضرة، وقلت :فكم يفصح عن الأطوى للمزارع، قال :أربعون ذرا عا، ويقول قائلون قدر ما لا يضر النهر بالنهر والبئر بالبئر، إذا كانت البئر إذا نزحت نقص النهر صرفت، وكذلك النهر، إذا حفر جنب نهر فنقص صرف عنهم. وأغراضا أخرى مفهوما ويكشف الحكم في هذه المسألة عن أن للحريم مهمة منها ما يتصل بعلاقة تأثير فلج على ماء فلج آخر سابق له في الإنشاء قائما بمنع حفر الفلج اللاحق، وهذا يفسر تلكلقربه منه، فإذا كان الضرر مترا( المساحة والقياسات التي حددتها بعض الأحكام بخمسمائة ذراع ) ٢٣١ مترا(. وكذلك تلك الأحكام التي انصب تأسيسهاأو ثلثمائة ذراع ) ١٣٨,٦ في تحديد الموضع للفلج المجاور على ما قد يحده من مضرة للفلج القديم. وفي ضوء هذه العلاقات الطبغرافية بين الأفلاج والآبار يمكن تفسير تفسيرا مرتب طا بهذه الأحكام التي حددت تلكمواضعها أثر يا ومعمار يا القياسات أو المواضع في إطار جلب المنفعة ومنع الضرر. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٨؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٣ ) (٢هو الشيخ الفقيه العلامة أبو معاوية غزان بن الصقر النزوي العقري مسكنه غليفقة من عقر أمة أزدي يحمدي وبني خروص من اليحمد، وكان في عصره أبو المؤثر الصلبت بن خميس الخروصي البهلوي. وللشيخ غزان آثار كبيرة، وتوفي قبل وقوع الفتنة في صحار سنة ٢٦٨هـ). ابن جعفر :الجامع، ج /٥ص ، ٢٢هامش ).(٢ ٤٦١الفصل الخامس :المنشآت المائية قريبا منه من كذلك حدد الحكم في هذه المسألة علاقة الفلج بما يحفر ضررا آبار، فإذا كان حفر هذه الآبار يؤثر على ماء الفلج، فإن في ذلك أيضا ينسحب على علاقة تجاور الآبار ببعضها. وفيلا يجيزها. وهو حكم ذلك ما يفسر علاقة الأفلاج بالآبار المجاورة لها، أو الآبار المتجاورة بعضها ببعض. قوما وقد وردت مسائل تفصيلية في الحكم في هذه العلاقة، فقد ورد أن من أهل السر تنازعوا إلى الأزهر بن علي) (١في فلج وركايا) (٢قريب منه فاحتج أهل الفلج أن هذه الركايا إذا زجرت نقص فلجهم، فرأى الأزهر بن علي أن كل بئر بينها وبين الفلج ثلثمائة ذراع، أو أكثر كانت بحالها ولا تزمع عن الزجر، وكل بئر بينها وبين الفلج أقل من ثلثمائة ذراع، وأما أبو موسى بن علي فرأى أن على أهل الفلج البينة أن ماء هذا الفلج ينقص من زجر هذه الركايا، قال أبو عبد اله حضرت موسى بن علي رحمهما االله، وقد تنازع إليه قوم في هذه القسمة في مثل هذه المسألة، فدعا أهل الفلج البينة أن ماء فلجهم نقص من زجر هذه البئر).(٣ ويبدو أن قياس الحريم كان له أثره في بعض الأحكام المتعلقة بعلاقة التجاور بين الأفلاج. فقد ورد في مسألة أن الشيخ أبو الحسن علي) (٤بن محمد بن علي الأصم ذكر »وقفت على ما تقول في فلجين في قرية أحدهما ) (١هو الأزهر بن علي بن عزة الأزكوي، أخو العلامة موسى بن علي، من فقهاء زمانه ومن علمائهم المشهورين). ابن جعفر :الجامع، ج /٥ص ، ٢٥٤عن إتحاف الأعيان :ج /١ص. (٢٢٤ ) (٢الركية :هي البئر. ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ١٠؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٦ ) (٤أبو علي الحسن بن أحمد بن محمد بن عثمان، من عقر نزوى، توفي سنة ٥٧٦هـ )ابن جعفر :الجامع، ج /٤ص ، ٣٦عن قاموس الشريعة الحادي طرق الوسيعة، ج /٨ ص ، ٢٦٢وسيرة عبد االله بن مداد، ص. (٢١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٦٢ أعلى من الآخر، فإذا شحبوا أصحاب الأعلى فلجهم نقص على أصحاب الأسفل ماؤه، فاحتكموا في ذلك ما ترى فيه؟ الجواب أنه إذا كان مخرجهما من موضع واحد، ومجراهما واحد لم يجز ذلك لأصحاب الأعلى أن يفعلوا، ويكون الماء بالقسمة، وإن لم يكن مخرجهما واحد ومجراهما واحد، وكان بينهما أكثر من ثلثمائة ذراع فجائز لأصحاب الأعلى والأسفل سحب فلجهم، وليس لأصحاب يقينيا أن يجذب ماء ذلك الأسفل بالبينة العادلة، وإنالأسفل منعهم، حتى يعلم كان بينهما أقل من ثلثمائة ذراع فقد اختلف الفقهاء في ذلك، فمنهم من قال لم يجز لهم ذلك فعلا، يضر بفلج جيرانهم من شحب فلج ولا حفر بئر، وقد أجاز تصورا معمار يا لفلجين مأخذهماذلك آخرون، واالله أعلم). (١ويعطي هذا النص واحد، وهو نمط معماري يحتمل الكشف عن أمثلته. :»bGƒ°ùdG IQÉaYh ¿GôaY تمثل السواقي شبكة القنوات التي تتفرع من الفلج لتوزع الماء على الأراضي الزراعية والبساتين). (٢وكذلك المناطق السكنية بأنواعها المختلفة، وتختلف نوعيات السواقي من حيث الحجم حيث إنها تتفرع من بعضها البعض حتى يصل الماء إلى كل الأموال. وهذه السواقي تختلف من حيث مواد بنائها، فهناك من السواقي ما بني وجينيها من الحجارة، وهناك السواقي الترابية. كذلك صنفت السواقي ـ مثل الطرق ـ إلى سواقي جائزة وغير جائزة، وقائدة إلى غير ذلك من التصنيفات الفقهية التي يتأسس عليها الأحكام المتعلقة بإنشاء هذه السواقي ووظيفتها وتحويلها، وغير ذلك من الأحكام التي تتعلق بعمارتها. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٢ ) (٢ولكنسون :الأفلاج، ص ص. ٦١ - ٦٠ ٤٦٣الفصل الخامس :المنشآت المائية أحكاما مهمة تتعلق بعمران وقد تضمن كتابا بيان الشرع والمصنف وعمارة السواقي تركز هذه الدراسة على عرض ما يتصل منها مباشر ة بهذا الجانب، ويساعد على تحقيق إفادة في المجالات الأثرية والعمرانية والمعمارية بصورة مباشرة تتفق وهدف هذه الدراسة دون التطرق إلى غير ذلك من الأحكام التي تتصل بالجوانب القضائية والفقهية التي تتصل بالسواقي لكنها لا تمس مباشر ة البعد المعماري كسقي النخيل، وإعارة السواقي وغير ذلك، وهذا لا يعني عرض بعض الأحكام التي تتصل بهذه القضايا وبخاصة التي لها اتصال مباشر بالشكل المعماري أو العمراني. أيضا إلى أن محمد بن إبراهيم الكندي صاحبومن المهم الإشارة تأسيسا استفاد منه كتاب بيان الشرع قد أسس لمناقشة أحكام السواقي صاحب المصنف، فعرض لكثير من القضايا التي عرضها صاحب بيان الشرع. وفي إطار الترتيب الزمني سنعرض للأحكام الواردة في بيان الشرع، والتي تناقش قضايا السواقي من الناحيتين العمرانية والمعمارية، وسنعقب أيضا في كتابعلى ما ورد من أحكام تناقش ذات القضايا جاء ذكرها المصنف في إطار يجمع ما ورد في المصدرين من أحكام ورد في ثناياها في كثير من المواضع إشارات إلى مرجعية الفرسطائي، تلك المرجعية التي تؤكد التواصل الفقهي بين فقهاء المغرب الإسلامي، وبخاصة في جبل نفوسة ووادي ميزاب بنظرائهم من علماء المشرق وبخاصة في عمان. :»bGƒ°ù∏d »fGôa©dG »¡≤ØdG ∞jô©àdG ذكر الكندي في باب معرفة السواقي الجوائز وغير الجوائز أنه »قيل اختلف في ثبوت الجوائز من السواقي، فقال من قال إذا كانت عليها خمسة أموال فهو جائز، وقال من قال أربعة أموال، وقال من قال ثلاثة، وقال من فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٦٤ الأموال والأجايل سواء. وقال من قال إنما ذلك في الأجايل لا الأموال، وأما الأموال على الساقية فلا يدخل حسابها في ذلك ينظر في ذلك«).(١ ولهذا النص أهميته المعمارية بجانب أهميته الفقهية؛ فهو يشير إلى أن الساقية الجائزة هي التي تسقي من ٥ - ٣أموال، وغير الجائزة تكون الأقل من ذلك. والجزء الأخير من النص يعزو الإحالة ليس إلى الأموال، ولكن إلى الأجايل وهي الفتحات التي تفتح في السواقي لتسقي الأموال، ومن ثم كان تعريف الساقية الجائزة بأنها تلك التي تشتمل على ٥ - ٣من الأجائل وليس الأموال. وهناك من رأى أن الأموال والأجائل سواء، وفي إطار هذه الآراء يمكن أن تكون الساقية الجائزة هي التي تسقي من ٥ - ٣ من الأموال أو التي بها من ٥ - ٣من الأجائل، أو من أي منهما. وكانت بعض السواقي الجوائز في إطار هذا التعريف يزيد عدد الأموال والأجائل بها عن هذا الحد الأدنى من الأموال والأجائل، وليس هناك حد أقصى من الأموال والأجائل، ومن ثم كانت السواقي في المزارع والبساتين والمناطق طا بما تغذيه من مناطقالسكنية يمكن أن تتفرع وتتعدد أجائلها ارتبا عمرانية زراعية أو سكنية. ومن المهم الإشارة إلى أن السواقي منها ما عرف بأنه »ساقية قائد«، وهذا التصنيف يبدو أنه مرتبط بذات التصنيف الذي سبقت الإشارة إليه في تصنيف الطرق في المستقرات السكنية الإباضية؛ »فالطريق القائد التي تخرج من الخراب وتدخل العمار من البلد، ثم تخرج منه إلى الخراب«، أو هي »التي لا تنقطع إلى مال من الأموال، ولا تتفرع وهي جائز إلى خراب من القرية«).(٢ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ١٠٣؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٤٧ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٤٩ ٤٦٥الفصل الخامس :المنشآت المائية فقهيا باسم »السواقي الحملان« فقد ورد وهناك من السواقي ما يعرف في »مسألة :من الحاشية :سمعت أن الساقية إذا كانت حملانا ثم رجعت جائزا فيها اختلاف، منهم من رآها على الأصل وأحكامها أحكام جائزا وأحكامها أحكام الجوائز، وإن كانت الحملان، ومنهم من رآها جائزا بلا اختلاف واالله أعلم«). (١والساقية جائزا ثم رجعت حملا نا كانت الحملان فيما يبدو تلك الساقية التي تنشأ في أرض أحدهم لتوصل الماء إلى أموال مجاورة لهذه الأرض، ويمكن أن تتحول إلى جائزة في إطار تغير ملكيات الأموال، ومثل هذه السواقي تزيد من تفرعات السواقي التي تتفرع منها. :»bGƒ°ù∏d á«fGôa©dGh ájQÉa©adG ôgɶadG تضمنت الأحكام الفقهية التي أوردها صاحب بيان الشرع والمصنف كثيرا من المظاهر المعمارية والعمرانية للسواقي، فقد عرضت هذه الأحكام من خلال أبواب محددة لهذه الظاهرة، فعرضت لقضية حريم السواقي وإخراج السواقي إلى الأموال والطرق، كما عرضت إلى قضية تغيير مسارات اصطلاحا بتحويل المساقي، ثم عرضت في أبواب السواقي فيما عرف محددة للأجائل وأحوالها سواء فتحها أو سدها، ومن الأحكام ما عالج قضية بناء القناطر على السواقي والتي تخترق الطرق ليتحقق حق الطريق والمنفعة القائمة من إنشاء الساقية، وفي باب مستقل عرضت لما قد يحدث من إصلاح لبعض السواقي يتطلب كبسها، كما أن منها ما عرض إلى تصريج السواقي وشحبها. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٠٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٦٦ :á«bÉ°ùdG ojôM قال القاضي ابن قريش حريم» :السواقي من مفترق الأفلاج من أسفل حيث يضرب الماء«). (١وفي مسألة عن »حريم الساقية التي بين الأموال وهي جائز قال :ذراع«).(٢ وعرضت الأحكام الفقهية لفسل النخيل على جانبي الساقية أو البناء فوقها في إطار استغلال حريمها للمنفعة، فقد ورد أن الساقية الجائز وغير الجائز إذا كانت في أرض رجل له أن يفسل على الوجهين). (٣حيث لا يضر بالماء ويترك للشحب بقدر ما يجزيه، وإنما لأصحاب الساقية جرى ماءهم لا غير ذلك«).(٤ وتعرض مسألة أخرى لساقية قائدة »بنيت في حريمها شجرة لها ثمر لمن تكون ذلك، قال :ما أراها إلا لأرباب النهر؛ لأن الحريم حق لهم، والأيدي عنه مصروفة، واالله أعلم«).(٥ وهذه الأحكام تعني إمكانية فسل النخيل أو زرع الشجر في حريم الساقية طالما أن ذلك لا يضر بمجرى الماء، ويمكن معه طرح ما يخرج من رواسب من الساقية على جانبيها. وفي ذلك استثمار لهذه الأرض، والتي تخصص كحريم للساقية يزيد العمران عمرا نا. والبناء على الساقية أمر أشارت إليه الأحكام الفقهية ونظمته، ويتنوع هذا البناء بتنوع مناطق العمران، ففي الساقية التي تمر بعرض الطريق يستوجب ) (١الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٤٥ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٤٥ مبنيا بالحجر. ترابيا أم ) (٣الوجين :هو أحد جانبي الساقية سواء كان ) (٤الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٤٥ ) (٥الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٤٦ ٤٦٧الفصل الخامس :المنشآت المائية الأمر إنشاء قنطرة عليها حتى يؤدي الطريق وظيفته، وكذلك الساقية دون مضرة، وفي السواقي التي تمر في المناطق السكنية يمكن أن يبني أصحاب المنشآت المعمارية منشآتهم فوق الساقية، كما أنه يمكن أن يسقفوا هذه السواقي دون إحداث مضرة بها. فقد ورد أنه »لو أراد أن يبني )أحدهم( عليها )الساقية( بناء يمر فيها، قلت له :فإن كانت هذه الساقية الأغلب في أوقاتها، بمعنى منها عين من هذا الفلج الذي يسقى به منها، وربما جمع الفلج كله فيها، ما يكون هذا الذي أراد أن يبني في ماله على هذه الساقية أن يسقف المسل على مقدار غير واحد، ولو كان يضر بالفلج إذا كان يضر إذا جمع كله فيها، أو يسقف المسل مقدار ما يسع الفلج كله إذا جمع، قال :معي أنه إذا كان الأغلب من أمور الناس أنهم يسقون في هذه الساقية ببعض الماء أو بشيء منه قد تعولم ذلك، وإنما جمع الفلج فيها خاص من الأمر لم يكن على صاحب البناء المضرة، بمعنى هذا الخاص، وكان له عندي سقف مسل على ما يمكن العامة من اعمل على معنى قوله. قال :وقد قيل تجيء السيول وتدخل السواقي وتبين معنى الضرر فيها إذا كانت المسالك ضيقة، قلت :فلو كان على الناس أن يسقفوا أموالهم ما يسع السيل لضاق ذلك على الناس، ولزمهم الضرر، ولكن تكون المجاري على ما عليه الأغلب من الأمور، وهذا المعنى من قوله«).(١ وهذا الحكم يشير إلى علاقة معيارية بين نوعية القناة وما يبنى عليها، وهذا المعيار يضمن في كل الأحوال سريان الماء بكمياته المتنوعة في الساقية دون إحداث ضرر مع جواز البناء فوق الساقية في إطار ذلك. وكذلك تسقيف الساقية. ويلاحظ من الحكم أن هذه السواقي المشار إليها في الحكم يمكن أن يدخل إليها ماء السيل عند حدوثه، فتضيق به، فهل هذا يلزم توسعة ) (١الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص ٤٧ - ٤٦؛ الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٦٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٦٨ واضحا بأن ذلك يلحقهذه السواقي لاحتمال وقوع السيل. كان الحكم الضرر، ويبقى قياس السواقي في إطار وظيفتها العادية كمجرى للماء الوارد من الفلج المتفرعة عنه. ويذكر صاحب بيان الشرع أمثلة للمنشآت التي تنشأ على السواقي، فقد سئل» :عن رجل يبني منزلا على الفلج في منزله، قال :جائز إذا كانت الأرض أرضه«). (١وهذا الحكم يشير إلى أن الفلج أو الساقية يمكن أن ينشأ عليها منزل، وتمر الساقية من تحته، وهذا الحكم يصدق تطبيقه ما نراه من مرور السواقي أو الأفلاج أسفل المنشآت المعمارية). انظر لوحة. (٤ وورد عن القاضي بن قريش وقال :يوجد بعض المسلمين أنه جائز لمن يبني على الساقية في أرضه بقدر مغسلة أو نحوها من الشيء اليسير، وأما أبو إبراهيم محمد بن سعيد بن أبي بكر فكان يجيز البناء على الساقية إذا كانا وجي نا للساقية لمن يبني بغير شيء محدود«). (٢وهذا الحكم بالإضافة إلى أنه يشير إلى جواز بناء مغسلة على الساقية، فإن أورد في نهايته يشير إلى أن الإجازة مشروطة بوجود وجين للساقية يشير إلى بعد إنشائي مهم؛ حيث إن الساقية التي يكون لها وجين مبني يمكن من البناء فوقها دون إحداث الضرر، ويحفظ لأساسات المباني سلامتها. وبناء القناطر التي تقع على السواقي مظهر آخر من مظهر البناء فوق بابا لمناقشة هذهالسواقي، وقد أفرد كل من صاحبي بيان الشرع والمصنف النوعية من المنشآت، ويلاحظ أن ما ورد عنهما في هذا الخصوص من أحكام يصل إلى حد التطابق. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٦٥ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٦٦ ٤٦٩الفصل الخامس :المنشآت المائية فقد ورد في بيان الشرع »عمن أراد أن يقنطر قنطرة فأراد أن يجعل قنطرة كبيرة هل له ذلك؟ فقد قال من قال :إنه ليس له أن يقنطر قنطرة ولا يفتح قنطرة، وقال من قال إنه له ذلك«). (١وأعدل ما عرفت أنه يقنطر بقدر ما يلتقي بالمسحتان للشحب«).(٢ وكانت السواقي التي تقطع الطريق تتطلب إنشاء القناطر عليها حتى يستمر الطريق في سيره، وتستمر الساقية أسفل القنطرة في سيرها. وهذا مثال متكرر في كل السواقي التي تقطع الطريق، والتي أجاز الفقهاء إنشاءها في إطار تحقيق المنفعة ودفع المضرة؛ لما كانت تنشأ أحيا نا فوق السواقي بين الأموال لتسهيل التوصل من مال إلى آخر، ولتسهيل استقلال حريم الساقية أيضا في استغلاله كطريق. :É¡ëàah πFÉLC’G ó°S الأجائل هي الفتحات التي توجد بالسواقي ليخرج منها الماء لري الأراضي والبساتين. وقد عرضت الأحكام الفقهية لما يتعلق بهذه الأجائل، وبصفة خاصة ما يتعلق بسدها أو فتحها. وخصص كل من صاحبي بيان خاصا لسدها، وآخر لفتحها، وهذه الأحكام منبابا الشرع والمصنف تصورا معمار يا للسواقي باعتبار الجائل الأهمية بمكان حيث إنها تعطي مهما فيها.عنصرا معمار يا ومن هذه الأحكام الفقهية المهمة المتعلقة بفتح الأجائل ما أورده صاحب بيان الشرع من جواب »عزان بن تميم) (٣عن أبي عبد االله، وقيل في ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٦٤؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٦٧ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٦٤ ) (٣عزان بن تميم الخروصي أحد أئمة عمان، تمت له البيعة لثلاث ليالخلون من شهر صفر = فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٧٠ رجل أراد أن يفتح في ملكه إجالة إلى ساقية جائز تضر تلك الإجالة بأهل تلك الساقية وتسرق ماءهم، وكان هو المحدث، وطلب أحد من أهل الساقية أن يسدها عنهم، فإنه يلزمه سد هذه الإجالة التي تضر بمائهم، وقد دفع ذلك إلى أبي عبد االله بنزوى، وحكم وأمر صاحب هذه الإجالة التي أحدثها أن يسدها فسدها، وقال :وأما إذا كانت الإجالة قديمة لم يحدثها وأحدثها غيره، وفي ملك غيره، ثم صارت إليه فليس عليه أن يسدها من غيره قال نعم قد قيل في هذا، وإنما له أن يحدث إجالة في ساقية جائز إذا أخرج الإجالة ولم يدخلها في ملكه بجدار وحضار، وليس له أن يدخل إجالة في ماله من حصته، ولو كانت على ساقية جائز، وكذلك الساقية السارقة معي إن أراد ليس له أن يفتحها في حضر ولا في غيره، والسارقة التي شق على أهلها سدها«).(١ وهذا الحكم بصوره المختلفة يشير إلى ما كان يحدث من فتح أجائل حديثة غير الأجائل القديمة التي تنشأ مع القناة، وكان منها ما يؤمر بسده في إطار ما رآه بعض الفقهاء كما حدث بنزوى، وهذا يسجل صورة من صورة الأجائل التي فتحت وسدت في إطار تطبيق هذا الحكم. كما أن هناك صورة أخرى لإجالة حديثة فتحت ولم تسد تطبيقا للحكم الذي يرى عدم سدها، مؤشرا للآثاري أن يفحص الأجائل ليميز بين ما هو قديم منهاوهذا يعطي مفتوحا، أو تم سده في إطار تطبيق صيغ الأحكام التيوما هو حادث وترك عرضت لذلك. = سنة ٢٧٧هـ. وحضر بيعته موسى بن موسى بن علي وعمر بن محمد القاضي ومحمد بن موسى بن علي وغيرهم، ووقعت في عصره فتن. وقتل في موقعة سمل الشأن في حربه محمد بن نور يوم الأربعاء لخمس ليالبقين من صفر سنة ٢٨٠هـ )ابن جعفر :الجامع، ج ، ٨هامش )، (٢ص. ٣٠٢ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٦٧؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٧١ ٤٧١الفصل الخامس :المنشآت المائية وفي مسألة طرح السؤال عن »الساقية إذا كانت حملا نا فليس هي جائز هل لصاحبها الذي هي حملان عليه في ماله أن يفتح منها إجالة غير التي كانت في ماله؟ قال :لا، قلت :فهل له أن يسد إجالته الأولى ليفتح إجالة غيرها؟ قال :نعم إذا لم يكن في ذلك ضرر على أصحاب الساقية الذين يمرون فيها«). (١وهذا الحكم من الناحية المعمارية يشير إلى نوع من السواقي يعرف بالسواقي الحملان، فقد سبقت الإشارة إلى أنها تنشأ لتروي أرض أحدهم، وتمر في أرض غيره. كما أشار إلى أن صاحب الأرض التي أنشئت فيها هذه الساقية الحملان لا يحق له أن يفتح فيها إجالة، وهو ما يعني أن هذا النوع من السواقي لا يفتح فيه أجائل في القطاع من الأرض غير المملوكة لصاحب الأرض التي تروى بهذه الساقية، والذي يمثل آخر تفريعة من السواقي قبل هذه الأرض، كما أشار الحكم إلى أن صاحب الأرض التي تمر بها هذه الساقية إذا أراد أن يفتح إجالة حديثة ويسد إجالته القديمة في القناة الجائزة له ذلك، وهو ما يعني إمكان وجود حالات معمارية طبقت هذا الحكم، وهذه الصورة تختلف عن الصورة التي سبقت الإشارة إليها في الحكم السابق، والذي أمر فيها الحكم بسد الإجالة إذا فتحت وكان لصاحبها إجالة قديمة؛ لأنه يعني إمكان سد إجالة قديمة لفتح أخرى حديثة بديلة. وهذه الصور من فتح وسد الأجائل تكشف عن حدود الأموال وتقسيم الأرض وعلاقته ببناء الساقية. وكانت ملكية الأموال دائمة التغير بفعل التصرفات المختلفة كالبيع والميراث والوصية والهبة وغيرها، وانعكس ذلك على فتح الأجائل في مباشرا؛ ففي مسألة »ومما يوجد على أبي المؤثر) (٢عنانعكاسا السواقي ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٦٨؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٧٢ ) (٢أبو المؤثر هو أبو الصلت بن خميس الخروصي البهلوي، من قرية بهلا، عالم مشهور = فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٧٢ الساقية إذا كانت في أرض رجل وهي له، وعليه منها إجالة لرجل، ثم بيعت تلك الأرض لأناس أو مات وتركها بين ورثته، فقسمت فأراد كل واحد أن يفتح إلى نصيبه إجالة هل لهم ذلك، قال ليس لهم ذلك إلا أن تكون الساقية جائزة، ولكن تكون إجالتهم واحدة ويسقي بعضهم على بعض ويكون القسم على ذلك«).(١ وإذا كان هذا الحكم قد أجاز فتح الأجائل في السواقي الجائزة، فإن ذلك يعني أن تكثير فتح الأجائل في السواقي الجائزة كان يحدث بمرور الزمن وتغير الملكيات وتعددها. أما الساقية غير الجائزة فما يحدث فيها ذلك تطبيق ا لهذا الحكم. أيضا ومنوعرض صاحبا بيان الشرع والمصنف لأحكام سد الأجايل صورا معمارية مهمة كما هو الحال في فتح الأجايلهذه الأحكام ما يعطي التي سبقت الإشارة إليه. ومن هذه الأحكام ما يتعلق بالطين أو الحجارة التي تستخدم في سد الإجالة بعد إتمام الري، فقد طرح السؤال :هل يجوز لمن يسد إجالة من ساقية أن يأخذ من طين الساقية ويسد به الإجالة، كان جائزا قريبأ منها، فمعنى أنه قد قيل ذلك إن كانتبعيدأ من الإجالة أو ذلك أو يأخذ من وسط الساقية فيما قيل ويعجبني أن يكون ذلك فيما قرب من الإجالة التي يسدها ولا يبتاعد، وإذا ثبت إجازة ذلك فلا يبعد عندي ذلك في القرب أو البعد«). (٢ويشير هذا الحكم إلى أن الطين الذي تسد به الإجالة والخاص بها ربما لا يكفي فيضطر إلى أخذ طين من الساقية نفسها، = بالعلم، وكان أعمى، له من الولد أبو محمد بن عبد االله أبي المؤثر، يعد من الطبقة الثالثة من علماء عمان، له تفسير آيات الأحكام، وقد نسب الكتاب إلى تلميذه أبي الحواري محمد بن الحواري). ابن جعفر :الجامع، ج /٤ص ١٤هامش ).(٣ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٦٨؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٧٢ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٧٢؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٧٥ ٤٧٣الفصل الخامس :المنشآت المائية وقد وجه الحكم إلى أخذ الطين من وسط الساقية، وفي هذا التوجيه ما يحافظ على جانبي الساقية الترابية، ويساعد على تقليل الرواسب بها فتستمر في أداء وظيفتها دون ضرر. ويشير هذا الحكم وغيره) (١الخاص بالطين والأحجار التي تسد به الإجالة سواء كان خاص بها أو من الساقية إلى مدى الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة التي لا شك أنها تساعد على الحفاظ على عمارة الساقية. :»bGƒ°ùdG »a ájQÉa©adG äÓjó©àdGh äÉMÓ°UE’G تشير الأحكام الفقهية التي أوردها صاحبا بيان الشرع والمصنف إلى ما يحدث من إصلاحات وتعديلات معمارية في السواقي، ومن أهم هذه الأعمال المعمارية عملية تصريج السواقي أي تمليط وجينها وربما قاعها بالصاروج. وتساعد عملية تصريج الساقية على سرعة جريان الماء مقارنة بالسواقي التي لم يتم تصريجها، وقد وردت الإشارات في الأحكام إلى هذا الأمر فقد سئل الفقيه عما »يقول في وادي وسط قرية تشتمل عليه القرية من غربي وشرقي، وفي هذا الوادي أنهار لهذه القرية يسقي بعض هذه الأنهار الشرقي منها وبعضها يسقي الغربي، وهذه الأنهار بعضها أسفل من بعض صاحب النهر الأعلى تصريجه بالحجارة، والصاروج في عرض الوادي، وكره ذلك أصحاب الأفلاج السفلي أيجوز أم لا؟ الذي عرفت إن كانت هذه الأنهار مرفوعة من الوادي في ماء واحد متصل لم يجز لأصحاب الفلج الأعلى تصريج فلجهم إذا كان في ذلك مضرة على غيرهم، وأخذوا من الماء أكثر من عادتهم، وأنقصوا على الذين أسفل منهم ذلك إذا صح الضرر وعلى غير هذا الوجه فذلك جائز، أرأيت إن كان لأحد ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٧٢؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٧٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٧٤ من أصحاب الفلج الأسفل في تصريجه أيجوز ذلك أم لا؟ جائز ذلك فيما عرفت إذا كان في ذلك الصلاح، ولم يكن فيه مضرة على أحد من أهله الذين لم يرغبوا، واالله أعلم«).(١ وإذا كان الحكم السابق يعرض لمسألة تصريج الأفلاج المتتابعة من أيضا أعلى وأسفل القرية فإن الطرح الفقهي استطرد لعرض ما يتصل بالسواقي الفرعية في موضوع التصريج، فقد طرح السؤال عن حالة أخرى »إذا خرجت )الأفلاج( من الوادي ودخلت في الأملاك والأموال أراد كل واحد منهم أن يحدث في ساقية ما أراد قطع الساقية وخفقها وتصريجها إلى منتهى دخول الماء من الوادي إلى الساقية أيجوز ذلك أم لا؟ قال :جائز لهم فيما عرفت إذا لم يكن فيه مضرة على أحد، واالله أعلم«. وفي إطار الحكمين السابقين يتضح أن تصريج الأفلاج أو السواقي كان جائزا إذا لم يتسبب ذلك في مضرة لأحد. :»bGƒ°ùdG ¢ùÑc وكبس السواقي كان من العمليات المعمارية التي تتم لإصلاح الساقية ضررا على الأرض التي تمر فيها، وفيالتي لم تعد صالحة للري وتسبب إطار توضيح مفهوم الكبس من المهم الإشارة إلى حكم لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر) (٢قال فيه» :فأما كبس السواقي والطرق بالتراب فجائز إذا كان في ذلك صلاح للطريق، فأما الحجارة فلا يجوز طرحها في الطرق والسواقي إلا أن يكون شيء في النظر بلا مضرة على الطريق فيه، ) (١الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٥٣ العماني الفقيه أبو بكر بن محمد بن أبي بكر من أهل نزوى )ابن جعفر: ) (٢هو العالم الجامع، ج /١ص. (٣٠٥ ٤٧٥الفصل الخامس :المنشآت المائية وكذلك السواقي، واالله أعلم«). (١وهذا الحكم يشير معمار يا إلى المواد التي تستخدم في كبس السواقي والطرق، وهي التراب أو الحجارة، وكان التراب أو الحجارة تستخدم في كبس السواقي والطرق لرفعها عما جاورها من الأرض لتسهيل أداء وظيفتها، أو إصلاح خراب بها أو تعطيل. وتوضح الأحكام الأخرى تفاصيل عملية الكبس هذه، فقد ذكر الكندي في بيان الشرع »أحسب عن أبي علي الحسن بن أحمد، وفي أرض تشرب من ساقية جائز ثم أنها عطلت سنين فارتفعت على الساقية هل لصاحب الأرض أن يكبس الساقية، وإن كره أصحاب الساقية ألهم منفعة؟ فليس له أن يكبس الساقية إذا كانت على حالتها إلا أن تكون الساقية قد انقطعت وخفقت عما كانت عليه كان له إصلحها على ما كانت عليه أولا، واالله أعلم«). (٢ويشير هذا الحكم إلى أن الساقية التي تحتاج إلى كبس هي التي تصل إلى حالة من الخراب تعطل وظيفتها، وأن عملية الإصلاح تهدف إلى رفع مستوى الساقية عن الأرض المجاورة لها حتى يسهل ري هذه الأرض منها بسهولة، سيما وأن الأرض الزراعية يرتفع مستواها بمرور الزمن في حين أن السواقي يمكن أن تتعرض للخفض تسبب ما يحدث فيها من شحب أو إزالة رواسب الطين منها مرة أو مرتين كل عام، كما كان يحدث بعمان).(٣ في بعض المناطق وطرح السؤال على الفقيه أحمد بن مفرج »عن سواقي الأفلاج في بلدة« ابتلى االله أهلها بالمحل وقلة الماء على الجميع، ولما كانت المياه كثيرة لم يكن فيها حاجة ولا مخاصمة، ولما ضعف وقل الماء على ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ١٠١ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ص. ١٠١ - ١٠٠ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ١٠٠؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٥٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٧٦ الجميع، وفي هذه السواقي فرايش) (١ومطاريح) (٢والناس أدرك الآخر الأول شحبا غير الشرعي بقطع الحشيش وعروقه من الطينعلى شحب السواقي في كل سنة مرة أو مرتين، فخفقت السواقي وارتفعت الأموال، وضعفت أيضا، المياه، واستضر أصحاب الصدور من الأموال وأصحاب الأطراف ضررا، فأراد أصحاب الصدور أن يكبسواوكان أصحاب الصدور أعظم السواقي على قدر المطاريح والفرايش، ويواسوا المجرى حتى ترتفع المجاري على أموالهم، وتستقيم بلا عيب في المجرى ولا ما ينقطع بعد أن يرتفع الفلج، ويكون في ذلك صلاح أصحاب الصدور ولا مضرة على أصحاب الأطراف، فامتنع أصحاب الأطراف، وقالوا سواقينا لا تحدث فيها كبس حادث، والأحداث لا تتم علينا، هل يتم هذا الكبس لمجرى على مصحة أهل الصدور ولا مضرة على أهل الأطراف؟ أم ليس على أهل الأطراف أن يكبس المجاري وإنما إرادتهم في مصلحتهم لما يعبأوا بها وقعدوا مياههم أهل الأطراف بتسيير قعادة، وذهبت أموال أهل الصدور، ولم تكن هذه الحادثة في فلج دون فلج، وإنما هي عادة بلدنا فلج الخطم والأصغرين والمنبك وفلج عمر وفلج مالك أراد صاحب كل صدر وبسط ومال مرتفع من كبس المجاري ومواساتها ليرتفع على أموالهم وهم الأكبر، وكل مال نازل خانق لم يقبلوا ولم ينعموا وليسوا براضين وهم الأقل، ) (١فرش داره بلطها، والفرش :الموضع الذي يكثر فيه النبات، والفراشة البقية تبقى في الحوض من الماء القليل التي ترى أرض الحوض من ورائه صفاءه، والفراشة منقع الماء في الصفاء. والفراش القاع والطين ما يبس بعد نضوب الماء من الطين على وجه الأرض. ابن منظور :لسان العرب، ج /١١ص ص. ١٥٧ - ١٥٦وتؤتي هذه المعاني والآلات أن الفرايش في النص ربما يقصد بها قاع الساقية المستوي. جدا، وطرح الشيء طوله، وقيل ونعر وأعلاه. ابن منظور :لسان) (٢طرح بناء نظري طوله العرب، ج /٩ص. ١٠٠وفي إطار سياق النص يمكن يان يكون المقصود بالطرايح جانبي الساقية من تراب أو بناء مرتفع. ٤٧٧الفصل الخامس :المنشآت المائية فعلى ما وصف الشيخ في هذه السواقي كبسهاجائز بلا مضرة على أحد مرتفعا يأتي على الجميع يكبس ويوثق بلا عيب على الخانق إذا كان الماء إذا أصلح بلا مضرة على الجميع«).(١ ويشير هذا الحكم مرة أخرى إلى أن كبس السواقي عملية ترميمها بالردم رفعا أعلى من مستوى الأرض التي ترويها حتى تكون صالحةلرفع بنائها للري. وينعكس ذلك أثر يا ومعمار يا فيما يكشف من سواقي يكون أثرها في أكثر من طبقة كل طبقة تعكس الساقية في فترة معينة، والسفلي بالطبع أقدم أيضا من الناحية العمرانية والمعمارية؛ أن من العليا. كما أن هذا الحكم يعني إصلاح السواقي المستمر يضمن انتظام الاستفادة منها في الري. ومن صور الإصلاح المعماري التي كانت تجري بالأفلاج والسواقي عمل فرش لما ليس له فرش، فمن جواب الفقيه أحمد بن مفرج 5 أيضا إلى الفقيه مداد بن محمد ، 5وعن أهل فلج أراد بعضهم أن يجعل له فرشا لم يكن من قبل، ويكبسوا مجرى هذا الفلج ليعلوا الماء كل أرض فرشا على فرش والماء يطرح على حاله في المجاريرفيعة، ولذلك يزيدون المكبوسة والفرش المحدثة، وكره آخرون هذه الأحداث التي لم تكن، واحتجوا أن المجاري تخفق بعد ذلك إذا لم يغب الماء عليهم، ولا فيه ضرر على الجميع، وهل تم عليهم رضوا أم كرهوا؛ لأن أهل هذا الزمان أحوالهم مختلفة غير مؤتلفة«).(٢ ومعرفة عمليات الفرش المتكررة مهمة لتفسير طبقات أرضية الساقية الأثرية. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ص. ١٠١ - ١٠٠ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ص. ١٠٢ - ١٠١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٧٨ :»bGƒ°ùdG πjƒëJ كانت عملية تحويل السواقي من مواضعها الأصلية إلى مواضع أخرى لتحقيق نفع لمن يرغب من ذلك من الأمور المطروحة، وقد صدر بشأنها أحكام متنوعة تختلف باختلاف حالات التحويل والملكية. وقد صدرت أحكام عامة بخصوص هذا التحويل، فقد »قيل يجوز تحويل السواقي والطريق الجوائز وغير الجوائز، وقيل يجوز تحويل غير الجوائز، وقيل كليا، لا يجوز تحويل الجوائز وغير الجوائز«. وهذه الأحكام منها ما يجيز )(١ جزئيا حسب نوعكليا أو جزئيا ومنها مالا يجيز، وما يجيز ومنها ما يجيز الساقية يعني إمكانية تطبيق هذه الأحكام، وإحداث التحويل. وعملية التحويل لها دلالاتها العمرانية والمعمارية؛ حيث إنها تسجل صورة من صور التعديل في القنوات، كما أن معرفة حالات التعديل تساعد على تفسير ما لعله يكشف من سواقي تمثل حالات تطبيق لعملية التحويل. وتجيز الأحكام تحويل السواقي التي تكون في الأملاك الخاصة بمعرفة أصحابها في أي وقت، فقد قيل في الطريق والسواقي أنه من كانت عيه طريق أو ساقية له أن يحولها حيث يشاء من ماله بلا مضرة على صاحب الطريق«).(٢ وهذا الحكم يضيف إلى حالات التحويل في الأملاك المشتركة حالات التحويل في الأملاك الخاصة، وهو ما يكثر نسبة ما يحول من مساقي. ومن طريف ما يذكر أن الصرم الذي كان يفسل على جانبي السواقي عندما يكبر ويصير نخلا يتسبب في إعاقة مجرى السواقي، ويدفع إلى تحويل الساقية في هذه المنطقة التي تقع فيها النخلة، وقد أورد الكندي حالة ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٥٥؛ ابن جعفر :الجامع، ج /٥ص. ٢١٤ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٥٥ ٤٧٩الفصل الخامس :المنشآت المائية لذلك، فذكر أن »رجلا فسل صرمة في ساقية وصارت نخلة، واستوت في وسط الساقية فطلب أصحاب الساقية إزالتها عن مجرى مائهم، فطلب أن يخرج لهم ساقية من جانبها. فقد عرفنا في ذلك اختلافا في تحويل السواقي والطريق، فقال من قال بتحويل ذلك كله كانت جوائز أو غير جوائز. وقال من قال :يحول غير الجوائز، والذي نحبه في هذه الفسلة أنها إذا قامت في ماله، وكان في تحويلها ضرر عليها، ولا ضرر عليهم في تحويل الساقية عن موضع النخلة، أخذنا ذلك بإزالة تحويلها عن كل حال يصرف الضرر عنه إذا لا ضرر عليهم. وإن كان عليهم في ذلك الضرر ولا ضرر عليه أخذنا بإزالة النخلة عن موضعها، وإن اتفق الضرر عليه وعليهم نظرنا فإذا كانت الساقية تحول دون الأربعين ذرا عا ففي ذلك اختلاف، وإن كانت أكثر من أربعين ذرا عا صرفت المضرة عنهم في ذلك؛ لأنه لا يجوز إلى أكثر من أربعين ذرا عا، فافهم ذلك، واالله أعلم«).(١ وهذا الحكم في حال تطبيق حكم الجواز يعني أثر يا ومعمار يا وجود ساقية قديمة حدث عليها تحويل لاحق في قطاع منها للحفاظ على النخلة، وهذا القطاع أشار الحكم إلى أن جوازه لا يتعدى أربعين ذرا عا ) ١٨,٤٨متر(، وتحديد قياس منطقة التحويل بأربعين ذرا عا أشارت إليه أحكام أخرى أشار إليها الكندي).(٢ وتسجل بعض أحكام التحويل حالات متنوعة، منها أن »من كان له مسقى معروف في مال رجل فهو على حاله في موضعه، وليس لصاحب المال أن يحوله إلى موضع آخر من أرضه، وقد ورد عن أبي نمي »الذي له المجرى على رجل إذا أزاله إلى موضع آخر من ذلك الموضع من ماله ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٩٥ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٥٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٨٠ مشيا لا يسرع فيهفيمشي الذي يأمره الحاكم، ويمشي معهم الذي له الماء ولا يبطئ، فإن سبقه الماء إلى ماله فليس له غير ذلك، وإن سبقه الماء إلى مال غيره رجع إلى طريقه الأول. قال أبو الحواري عن أبي المؤثر أن له أن يحولها إلى أربعين ذرا عا، ورأيت فيها من كتب بذلك بين قوم من كدم«).(١ ويؤكد الحكم بجواز تحويل ساقية لأحدهم هي في أرض غيره على النحو الذي يقبله الحكم إمكانية التحويل بالشرط الذي سبقت الإشارة إليها، وهو ألا تزيد منطقة التحويل عن أربعين ذرا عا. وقد يكون التحويل برغبة أن تكون الساقية في جانب من الأرض لا تشغلها، فقد جاء »عن رجل في قطعته مجرى ماء، والساقية تشق القطعة من ثلثها أو نصفها، أو أقل من ذلك أو أكثر عزلها صاحب القطعة إلى جانب آخر، وخلص قطعته ألا تقطعها الساقية، وصيرها في جانب من قطعته، فقد قال بعض الفقهاء أن لهذا أن يحول هذه الساقية إلى أربعين ذرا عا، ولو كره ذلك صاحب المجرى، فلهذا أن يحولها أربعين ذرا عا، وبهذا نأخذ«).(٢ وقد يتفق الشركاء على تحويل السواقي، فقد سئل أبو سعيد »عن رجلين بينهما مال فيه ساقية في جانب الماء تسقي شي ئا من أسفله فاتفقا جميعا على أن يحولاها إلى الجانب الآخر، فحولاها إلى جانبه الآخر ثم قسما، فوقع أسفل الماء لأحدهما، فطلب أن يحول الساقية حيث كانت أولا لمضرة وقعت عليه في احتباس الماء، أو لم تقع عليه مضرة، هل له ذلك على شريكه إذا امتنع؟ قال معي أنه إذا كان ذلك على اتفاق منهما أو طا، فلا يبين لي حجة لهعلى ذلك قسما مالهما ولم يشترطا في ذلك شر إلا أن يبين عليه في ذلك مضرة ما ينقص به القسم من غير العشر أوجه ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٥٥؛ ابن جعفر :الجامع، ج /٥ص ص. ٢١٥، ٢١٤ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٩٦ ٤٨١الفصل الخامس :المنشآت المائية من الوجوه الذي تدخل عليه أو يطلب أصحاب الساقية ويدركوه في الحكم لا بقوله هو«).(١ ومن الحالات المرتبطة بإنشاء سواقي بديلة هو خراب الفلج أو الساقية القديمة، وذهاب مجراها، وكان من الأصلح إنشاء فلج أو ساقية جديدة في موضع آخر، وقد أجاز الحكم الفقهي هذا التصرف). (٢وقد حدث تطبيق فعلي كمثال واضح على ذلك، فقد »قيل سنة غرق وراث بن كعب الإمام 5فإن السيل على فلج الخطم واجتاحه وذهب به أصلا، فلم يجدوا إلى إخراجه سبيلا فيما بلغنا، فبلغنا أن القاسم بن الأشعث انطلق حتى أتى الإمام غسان، لما دخل عليه القاسم بن الأشعث قال من الإمام غسان ذهب الخطم، وليس لنا سبيل إلى إخراجه إلا في أرض أهل نزوى، فبلغنا أن الإمام غسان قال للقاسم بن الأشعث أن يستر نفسه، فانصرف القاسم بن الأشعث، وبلغنا أن الإمام غسان أرسل إلى سليمان بن عثمان ، (٣) 5فلما أتى سليمان بن عثمان اى الإمام وقعده عنده. قال غسان لسليمان فيما بلغنا ما تقول يا أبا عثمان في فلج لقوم مثل فلج أهل نزوى بمعنى في أرض أهل سمد أتى عليه السيل فاجتاحه، فلم يقدروا على إخراجه إلا في أموال النساء فهل لهم ذلك؟ قال سليمان :نعم، قال له الإمام غسان يكون ذلك بالثمن أو بغير ثمن، فقال سليمان أن يكون بثمن، فقال له ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٩٨ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٤٨ ) (٣سليمان بن عثمان من عقر نزوى، وهو من علماء النصف الثاني من القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجري، وهو قاضي الإمام غسان بن عبد االله، وقد أخذ الإمام بفتواه في فلج الخطم من منع لإخراجه في أرض نزوى بالقيمة )كما يشير نص المتن، وقد أخذ الشيخ العلم عن العلامة موسى بن أبي جعفر الأزكوي). ابن جعفر :الجامع، ج /٥ص ، ٥٥عن إتحاف الأعيان، ص. (٤٢٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٨٢ الإمام غسان يكون ذلك بالثمن الذي بما قال أهل الأرض، أو بقيمة العدول، قال بقيمة العدول، فلما عرف الإمام غسان رأي سليمان بن عثمان في ذلك تمسك به، وأخذ به في حديث غيره، ولم يعلمه ما الذي يريد، فلما انصرف سليمان بن عثمان من عند الإمام، أرسل الإمام إلى القاسم بن الأشعث فيما بلغنا، فلما أتاه قال له الإمام :اذهب فادعو خصائمك، فانطلق القاسم بن الأشعث، فيما بلغنا إلى أهل نزوى، فأتى بهم إلى الإمام، فلما أحضروا طلب القاسم بن الأشعث مجرى لفلجهم، فقال الإمام فيما بلغنا اذهبوا فأخرجوا للقوم فلجهم، فقال أهل نزوى :ليس علينا ذلك، فقال لهم الإمام غسان فيما بلغنا هذا رأي سليمان بن عثمان، فانطلق أهل نزوى حتى أتوا سليمان بن عتاب، فأعلموه بقول غسان، وقالوا له إنه قال لهم هذا رأي سليمان بن عثمان، فقال لهم سليمان بن عثمان فيما بلغني غرني سليمان، فانطلق سليمان بن عثمان فيما بلغنا، فأتى الإمام غسان، فقال سليمان بن عثمان فيما بلغنا أنه قد رجع عن رأيه ذلك، فقال له الإمام فيما بلغنا فإني لم أملك، وتمسك بذلك الرأي، وقال الإمام غسان لأهل نزوى :اذهبوا فأخرجوا للقوم فلجهم بالثمن، فأبوا عن ذلك، وامتنعوا فقال الإمام غسان فيما بلغنا لأهل منع اذهبوا فأخرجوا فلجكم فإن طلبوا الحق بالثمن كان لهم ذلك برأي المسلمين، أو كما قال، فانطلق أهل منع فأخرجوا فلجهم في أرض لأهل نزى وهم كارهون ذلك فيما بلغنا، وهو فلج الخطم وهو قائم بعينه في أرض نزوى إلى يومه هذا ولعله إلى يوم لا يزال إلى يوم القيامة، ولم يحبس أهل نزوى حتى يأخذوا حقوقهم من أهل منع ويبرأوا منها«).(١ وهذه الحالة بالإضافة إلى أنها تبين إنشاء مجرى بديل لفلج الخطم الذي هدمه السيل، فإنه يوضح من جانب آخر مدى التواصل بين الإمام ) (١الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص. ٥٠ - ٤٩ ٤٨٣الفصل الخامس :المنشآت المائية وبين الفقهاء تلك العلاقة التي تؤكد استشارة الحاكم للفقهاء، وطلب حكمهم في نازلة طارئة، وتبين كيف أن سلطة الإمام كانت هي السبيل لتنفيذ الحكم وحل المشكلة في إطار الحكم الفقهي الذي صدر بشأنها في البداية دون أي مؤثر، وهكذا تعطي هذه النازلة مثالا لما سبقت الإشارة إليه من علاقة بين السياسة الشرعية والفقه. وفي ضوء ما سبق عرضه من أحكام يتضح أن شبكة السواقي في المناطق الزراعية والمناطق السكنية كانت شبكة معقدة من القنوات، منها ما هو مشترك، ومنها ما هو خاص، وأن هذه السواقي حكم توزيعها وتفرعاتها الأحكام الفقهية التي نظمت إنشاء عناصرها المعمارية وتوزيعها العمراني في إطار يحقق المنفعة بزيادة العمارة والعمران ودعم الاقتصاد الزراعي، وتسهيل الحياة في داخل المستقرات السكنية. وما ورد في هذه الأحكام من حيث الإنشاء والإصلاح والترميم والتحويل لا شك أنه مهم أيضا على يساعد على تفسير ما يكشف منها في المناطق الأثرية، ويساعد توثيق ما بقي منها ودراسته دراسة معمارية عمرانية ومعمارية من الناحية التاريخية والتأريخية والوظيفية، وبذلك تغطي المصادر الفقهية هذا الجانب المفتقد في المصادر الأدبية الأخرى. :ô`ÄÑdG IQÉ`aY تعد الآبار من المنشآت المائية المهمة التي يعتمد عليها في الري وفي الأغراض الحياتية الأخرى، التي تتطلب استخدام الماء في الشرب للإنسان والحيوان والتطهر والاغتسال والوضوء، بالإضافة إلى بعض الصناعات التي تحتاج إلى الماء. وكانت الآبار من المنشآت المائية المهمة في عمان بجانب الأفلاج والأنهار ومياه الأمطار. وفي المناطق التي أنشئت فيها الأفلاج فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٨٤ كمنشآت مائية أساسية لم يتم الاستغناء عن الآبار كمصدر للمياه سيما وأنها تؤمن الماء وقت الحروب). (١أو تعرض الأفلاج للهدم والتدمير بسبب السيول وغيرها. وقد عرضت الأحكام الفقهية للآبار سواء فيما يتعلق بتحديد مواضعها وعلاقتها بما جاورها من منشآت، أو بطريقة حفرها، أو طهارتها أو ملكيتها، مهما. عمرانيا ومعمار يا بعدا وغير ذلك من الأمور التي تعكس وتنوعت الآبار فمنها ما هو للعامة، ومنها ما هو للخاصة، كما أن منها ما يقع في البادية، ومنها ما يحفر في المناطق السكنية الحضرية لخدمة أغراض الحياة المختلفة. ومن الأمور التي عرضت لها الأحكام الفقهية تلك الأحكام التي تعالج قضية حريم البئر؛ فقد أورد أبو بكر بن عبد االله بن موسى الكندي صاحب المصنف بعض الأحكام التي تعالج هذه القضية فقال» :أخبرني محمد بن خالد) (٢عن عمر بن شهاب قال :قال ژ :حريم البئر العادية خمسون ذرا عا، وحريم البئر المحدثة خمسة وعشرون ذرا عا، وجدنا هذه المسألة في كتاب معروض على معاوية«). (٣وفي موضع آخر عرض مسألة من جامع ابن جعفر وحريم البئر أربعون ذرا عا، وحريم النهر ثلثمائة ذراع، ويوجد في الآبار ليس ) (١ولكنسون :الأج ووسائل الري في عمان، ص ص. ٥٧، ٤٦ ) (٢هو محمد بن خالد الخروصي البهلوي، شيخ وعالم وفقيه، قيل نسبه يتصل بالصلت بن مالك بالخليل بن شاذان، كان من قضاة زمانه، وظل في القضاء حتى مات، ويعتقد أنه من أيضا الشيخ أبو بكرعلماء القرن الثالث الهجري. ومن رجال العلم في ذلك الزمان أحمد بن محمد بن خالد، وهناك عالم آخر اسمه محمد بن خالد من علماء القرن ٥هـ في عصر الإمام راشد بن سعيد، ت٤٤٥ :هـ). ابن جعفر :الجامع، ج /٨ص. (٣٠٣ ) (٣الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٩ ٤٨٥الفصل الخامس :المنشآت المائية نهرا دون ذلك، وكذلك في حريم البئر، قال أبو المؤثر :أنالأحد أن يحفر آخذ بقول أبي علي 5في البئر خاصة«).(١ وفي مسألة أخرى طرح السؤال» :كم يفسح الأطوى عن النهر، فقال من قال ثلثمائة ذراع، ومن غيره :قال وقد قيل أربعون ذرا عا، وقال من قال :كما يرى العدول، وقال من قال :حتى تصبح المضرة وحريم البئر لا يحفر إليها نهر أربعون ذرا عا، قلت :فكم يفسح بين الأطوى للمزارع، قال :أربعون ذرا عا، ويقول قائلون قدر ما لا يضر البئر بالبئر والنهر بالنهر، إذا كانت البئر إذا نزحت نقص النهر صرفت، وكذلك إذا حفر إلى جنب النهر فنقص صرف منها«).(٢ وهذه الأحكام منها ما يحدد حريم ابئر بأربعين ذرا عا، ومنها ما يترك تحديد حريم البئر يتحدد في إطار معيار مهم، وهو عدم الضرر الذي قد يحدث نتيجة حفر بئر قريبة من بئر آخر أو بئر قريبة من نهر أو حتى نهر قريب من نهر آخر، وهذا المعيار يقوم في الأساس على مدى تأثر منسوب مجاورا له من بئر أخرى أو نهر. المياه في البئر أو النهر بما يحفر كذلك يلاحظ أن هذه الأحكام أشارت ضم نا إلى فرز مهم بين الآبار التي في المزارع وغيرها، وذكرت أن حريم البئر في المزارع أربعون ذرا عا، أو حسب ما يرى العدول وفق معيار التسبب في الضرر الذي سبقت الإشارة تحديدا لآبار المزارع يعكس مؤشرين مهمين أولهما أن آبارإليه، وهذا الفرز المزارع يرتفع استهلاك المياه فيها؛ حيث تستخدم للري الذي يتطلب كميات كبيرة من الماء. وبالتالي يمكن أن تتأثر الآبار المتجاورة بذلك، ومن ثم مبدئيا أربعين ذرا عا )حوالي مباشرا، وجعله تحديدا حدد الحكم حريمها ١٨,٥م(. ولم يعرض للآبار الأخرى في المستقرات السكنية، أو التي في ) (١الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص. ١٠ - ٩ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص. ١٠ - ٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٨٦ البادية، ولم يعرض لأنواعها وحريمها بذلك التفصيل الذي عرضه الفرسطائي، والذي سبقت الإشارة إليه، وهو تفصيل مهم يكمل التصور العمراني والمعماري لحريم الآبار وفق أنواعها. وعرضت أحكام أخرى للعلاقة العمرانية بين البئر وغيرها من عناصر النسيج العمراني. ومن ذلك علاقة البئر بالطريق المجاورة لها، فعن بئرا جنب الطريق، كم يفسح ثمأبي معاوية قلت :أرأيت إن حفر إنسان يحفر؟ قال :بقدر ما لا يضر، وتصل رطوبته من الماء من المستقين والمتوضين إلى الطريق، قلت له :بقدر عشرين ذرا عا؟ قال :ينظر في ذلك بقدر ما لا يكون على الطريق مضر«). (١ويشير هذا الحكم إلى وظيفتين مهمتين من وظائف البئر، وهي السقاية، والتوضؤ، وينتج عن هاتين الوظيفتين إهراق ماء على الأرض المجاورة للبئر، فإن كانت طريقا فإن الرطوبة تضر بالطريق، ومن ثم كان التوجه إلى الابتعاد عن الطريق بقدر معين حتى لا يحدث هذا الضرر، وعندما طرح السؤال :هل المسافة التي تفصل بين الطريق والبئر يمكن أن تكون عشرين ذرا عا لم يجب الفقيه إجابة مباشرة، وترك ذلك الأمر في إطار ما يحدث الضرر، فقد تكون الحاجة إلى مساحة أكبر، وقد تكون الحاجة إلى مساحة أقل ويتوقف ذلك بالطبع على كثافة الاستخدام الذي يحدث في الأصل هذا الضرر، ويكشف هذا عن مرونة في تحديد الحكم تتناسب وتغير الظروف من حالة إلى أخرى. ويؤكد صاحب المصنف تكرار هذا المظهر العمراني والمعماري المتمثل في إنشاء آبار على الطرق لخدمة المارة؛ فقد ذكر مسألة» :وقلت ماتقول في رجل أوصى في ماله بمائتي درهم يحفر بها طوى مورد على بعض طرق عمان، هل يجوز للوصي أن يجعلها في حفر طوى كانت قد حفرت من قبل، ) (١الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١١ ٤٨٧الفصل الخامس :المنشآت المائية أو إنما يحفر بها طوى تقرح؟ فإذا لم يوصباستقراح جاز أن يجعل في حفر طوى كانت محفورة، ثم خربت إذا نفذت فيها الدراهم كلها«). (١وفي إطار هذا الحكم يلاحظ أن الاولوية أعطيت لحفر بئر جديد، وإذا كان الاتجاه إلى حفر بئر خربة واستقراح مائها جاز ذلك، وهو ما يعني أن إمكانية إنشاء آبار جديدة على الطرق كانت قائمة، كما أن إصلاح ما خرب منها كان في أيضا، وهو أمر يساعد على كثرة واستمرار أداء الآبار التي تحفرالاعتبار لخدمة المارة على الطرق. أيضا عن حالات أخرى تتعلق بحفروعرض الكندي صاحب المصنف بئرا آخر فيالآبار متجاورة، منها أن »رجلا له بئر قديمة فجاء رجل آخر فحفر معلوما، حدا ولا وق تا حد تلك البئر، هل له في ذلك وقت؟ قال :لا نعرف لذلك فسحا«).(٢ ولا يمنع رجل أن يحفر في أرضه ما شاء، ولا نعلم في ذلك وقد تتسبب المنشآت المجاورة في نجاسة ماء البئر، وبخاصة في الحالات التي يجاور البئر فيها كنيفا أو بالوعة، ويبدو أن هذه الحالة كانت بابا لمناقشة ما يتصل حادثة حتى إن الكندي صاحب بيان الشرع خصص بذلك من أحكام تحت عنوان »باب في نجاسة البئر إذا كانت بقرب كنيف كنيفا وبالوعة عن الحد أو غيره«، فذكر أنه سئل »عن الطوى إذا كانت تحتها الذي تنجس منه الطوى إذا كانت مما يتنجس، قال :إذا كان الكنيف أو البالوعة فوق ستة أذرع )حوالي ٢٧٦,٢سم( إلى سبعة أذرع )حوالي ٣٢٣,٤سم(، فليس عليهم في ذلك فساد الطوى إن لم يتغير طعمها أو ريحها إلا أن يعلموا أن ذلك التغير من الكنيف من النجاسة، وأما إذا كانت دون ذلك فتغير عرفها أو طعمها فإنها تفسد إلا أن يعلموا أن ذلك التغير من ) (١الكندي :المصنف، ج /٢٨ص. ٢٢ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١١ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٨٨ غير ذلك من الطهارات مما لم يغير عرفها أو طعمها فليس منها بأس لو كانت قريبة من الكنيف. قلت له، وكذلك الطوى مسمود عذره فإذا سقي تغير طعم الطوى، أهو مثل هذا الكنيف؟ قال :إذا كان الماء إذا بقي منه العذرة وما يتنجس فهو بمنزل الكنيف، قال :والبعد على معنى قوله).(١ وهذا الحكم يلاحظ أنه يحدد مسافة ستة أو سبعة أذرع كقياس مبدئي من البئر والكنيف، ثم يعرض لحال تأثر الماء بالكنيف، فإذا تأثر وظهر ذلك في تغير طعمه ورائحته بسبب الكنيف يكون الفصل في الأمر وفقا لذلك. لكن الحكم يعكس خبرة أخرى تتعلق بإمكان تأثر المياه بسبب عوامل أخرى لا تكون من مصدر نجس كالكنيف، وهذا أمر وارد، كما أن الحكم يشير إلى أي المسافة المحددة بستة أو سبعة أذرع يمكن ألا تكون كافية أيضا أمر وارد لاختلاف نوعيةلمنع وصول نجاسة الكنيف إلى البئر، وهذا واعيا لإمكان حدوث ذلك.التربة من موضع إلى آخر، ولذلك كان الحكم ومن الحالات العمرانية والمعمارية المتصلة بموضوع النجاسة ما ورد في مسألة من الضياء جاء فيها »إذا تنجست بئر وأراد صاحبها حفر بئر إلى جانبها، فإذا دفن البئر النجسة، فليحفر بقربها حيث شاء، وإن لم يدفنها فليحفر على أقل ما يكون من النجاسة على عشرة أذرع، وقال أبو محمد: اختلف في مقدار المسافة بينهما، فقال قوم :يحفر منها ستة أذرع ما دارت، وقال آخرون من حفر من الشمال أو الجنوب فسح عنها ستة أذرع، وإن كان من أعالي الماء ترك أربعة أذرع، وإن حفر أسفل عند نزول الماء عنها بقدر ثماني أذرع؛ لأن جري الماء إلى المشرق، وقال بعض :يبعد عنها خمسة حدا، ولكنعشر ذرا عا من حيث حفر، وقال بعضهم :لا يجعل للمسافة عنها تغير بالقطران ربما تقوم مقامه مما يدل على اختلاط مائهما؛ مما يؤدي ) (١الكندي :المصنف، ج /١٧ص ٣٩؛ الكندي :بيان الشرع، ج /٧ص. ٣٩ ٤٨٩الفصل الخامس :المنشآت المائية طعمه في البئر الأخرى، فإن استدل بذلك على وصول الماء النجس أيضا نجسة، ويبعد عنها«).(١ واختلاطه بماء البئر الطاهرة، كانت هذه وهذا الحكم يتضمن إشارات معمارية وعمرانية مهمة أولها أن نجاسة البئر كانت تحدث ويضطر أصحاب البئر إلى حفر بئر مجاورة في إطار القياس المحدد أو في إطار اختبار النجاسة الذي ورد في نهاية الحكم بالقطران. وهذا التجاور في إطار ما يمكن أن يكشف عن آبار متجاورة بهذه الصورة، يمكن أن يفسر في إطار هذا المؤثر الذي يلجئ إلى حفر بئر أخرى مجاورة. العمانيين بحركة الماء التي تصل إلى ويكشف الحكم عن مدى خبرة البئر أسفل مستوى الأرض، وهي خبرة مهمة يعكسها هذا الحكم الذي يستفيد من ذلك في تحديد المسافة من الشمال أو الجنوب أو دائرة بمحيط البئر على أساس أن جري الماء إلى المشرق، وأن تحديد هذا الاتجاه يستفاد منه في تحديد موضع البئر الجديدة التي يفرتض حفرها كبديل للبئر التي نجست بفعل أثر الكنيف أو البالوعة أو غيرها من مصادر النجاسة. وعالجت بعض الأحكام الفقهية ما ينشأ من نزاع بين المشتركين في بئر واحدة، سواء كانوا اثنين أو أكثر، فقد ورد في مسألة »عن أبي الحواري »عن بئر بين نفسين، ثم أردت أن تستقي منها البئر بين منزلين يستقى منها فحرم عليك أحدهما وآخر لك الآخر هل يجوز أن تستقي منها، والبئر بين منزلين هذا من منزله يستقي، ويستقي هذا من منزله، أو كانت البئر في غير المنازل قال :فإذا لم تستقبدلو المحرم جاز ذلك أن تستقي من هذه البئر إذا أحل لك أحدهما حتى تستفرغ حصة المحل إذا كانت البئر مشا عا، وإن كانت البئر مقسومة لكل واحد منهما وقت وشرب معروف فلا يجوز لك أن ) (١الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص. ٤٠ - ٣٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٩٠ تستقي من وقت المحرم، ولا تستقي بدلو المحرم، ولا بدلو له فيه حصة، والحمد الله رب العالمين، وصلى االله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم«).(١ وهذا الحكم يتضمن صورة معمارية مهمة تتمثل في اشتراك منزلين في الاستفادة من بئر مملوكة لأصحاب المنزلين وتخدم الأغراض الحياتية لهما كمصدر للماء. وهذه الحالة العمرانية والمعمارية مهمة حيث إن كشف أمثلة لها في المواقع الأثرية أمر وارد، كما أن وجودها قائمة في المستقرات السكنية التقليدية الباقية يمكن تفسيره في إطار ما ورد في هذا الحكم. كما يتضمن الحكم إشارة إلى استقلال الماء في البئر على الشيوع، وكذلك أيضا يقسم إلى أنصبة حال إتمام قسمته. وكانتإشارة إلى أن ماء البئر كانت القسمة على الأساس الزمني. ونظمت الأحكام الفقهية ما يتصل بالعدة والآلة التي تستخدم في الآبار قوما »بينهم بئر مشتركة هلالمشتركة، فعن أبي الحسن بن أحمد ورد أن تلزم المغامرة في العدة مثل المنجور وغيره مما يكون على الجماعة في إخراجه المضرة، أو لا، فما حفظت في ذلك شي ئا، وأحب أن يكون عليهم جميعا على قدر الحصص؛ لأن في ذلك الضرر، فإذا كانوا يجيزون أن يكون عاملهم واحد إذا لم يقع له من الماء منا ينقطع له في حصته عامل جبروا أن يكون عاملهم واحد، واالله أعلم إذا لم ينقطع لكل واحد عمال في حصته، واالله أعلم«).(٢ كذلك نظمت الأحكام عملية إصلاح البئر المشتركة المتعطلة وحفرها حتى يصح استخدامها من جديد، فقد ورد في مسألة عن »شركاء بينهم طوى ) (١الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٢ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٢ ٤٩١الفصل الخامس :المنشآت المائية عورا). (١أو في منزل أو أرض تزرع، فرغب أحدهم إلى حفرها، وقال بعض الشركاء أنه لا يحتاج إليها، ولا ينتفع بها هل يلزمه أن يحفر عندهم، أو يكون سبيلها سبيل السواقي والمعاناة إذا رجع ينتفع، فما كان عليه رد ما يلزقه أم كيف الوجه في ذلك؟ فاالله أعلم، لم أقف على معنى ما أردت، وأما البئر، فلم أحفظ منها شي ئا، وأحب إن كانوا ينتفعون إلى أن وقع فيها عورا لم يعجبني إلزامهم«).(٢ الفساد، كان عليهم كلهم، وإن كان في الأصل :QÉ`¡fC’G ìÓ`°UEG دعت الأحكام الفقهية إلى إصلاح الأنهار، وحلت ما يتصل بهذه العملية من مشكلات، فقد ورد أنه مما يتنازع الناس فيه إصلاح الأنهار، فأما ما حدث فيها من الفساد من خراب) (٣أو هدم وتراب وطين وغيره، فإن الناس يجبرون على إصلاحه«، والإجبار على الإصلاح في إطار هذا الحكم يساعد عى استمرار صلاحية الأنهار والمحافظة عليها. وهذه الصلاحية يمكن أن تكون بتحسين الأداء من خلال تعميق حفرها، أو بنائها بجص أو بآجر، فقد ورد في الحكم أنه من أراد أن يزيد الأنهار قرحا أو بناء بجص وآجر لم تكن فيه، فليس يجبرون على ذلك إلا أن يتراضوا به بينهم عليه«).(٤ )» (١عورت عيون الماء إذا دفنتها وسددت، وعورت الركية إذا كبستها بالتراب حتى تفسد عيونها، وفلاة عوراء لا ماء بها، وعور عين الركية أفسدها حتى نضب الماء. ابن منظور: لسان العرب، ج /١٠ص. ٣٣١والعوار :البئر التي لا يستقي منها. وكل هذه المعاني تشير إلى أن البئر المقصودة في الحكم البئر التي لم يعد يستقى منها لسبب من الأسباب التي تؤدي إلى قلة الماء بها، أو نضوبه. ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٢ ) (٣ابن جعفر :الجامع، ج /٨ص. ٢٦٦ ) (٤ابن جعفر :الجامع، ج /٨ص. ٢٦٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٩٢ وإذا كان هذا الحكم لا يجبر الناس على هذا العمل، فإنه يجيز عمله إذا واستطرادا لتسهيل هذا التراضي عرضت الأحكام لكيفية تراضوا بينهم، المشاركة في هذا العمل، فذكر الحكم أنه »إن كان سهام، فعلى أصحاب السهام، وإن كان على الأموال فعليهم، وإن كان أصلا فعلى أهله«).(١ ) (١ابن جعفر :الجامع، ج /٨ص. ٢٦٦ الفصل السادس المنشآت السكنية )الجدر ـ الدور( الفصل السادس :المنشآت السكنية فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٩٤ á«æμ°ùdG äBÉ°ûæadGh QóédG :QóédG اعتمدت العمارة قبل اكتشاف الخرسانة المسلحة في العصر الحديث على الحوائط الحاملة كعناصر إنشائية أساسية تحمل سقوف الوحدات المعمارية. والحوائط الحاملة Bearing Wallsوبخاصة الخارجية منها كانت أيضا تمثل بالإضافة إلى كونها عناصر إنشائية رأسية Vertical Elementتعتبر من عناصر الوقاية، فهي التي تستر داخل المنشأة عن خارجها، وتحقق وقايتها من البشر والحيوان، كما أنها توفر وقاية من الحر أو البرد، أو الإشعاع مهما. صوتيا وحرار يا الضوئي، كما أنها تكون عازلا غالبا حدود المبنى، ومن ثموفي إطار الملكية، تمثل الجدر الخارجية تبدو أهميتها في تحديد هذه الحدود سواء التي تطل على الطرق أو التي تجاور الجيران، ومن ثم الجدران الخارجية يمكن أن تكون من الأدلة، أو القرائن الدالة على الملكية في بعض الحالات، وتستند عليها الأحكام التي تفصل في الخصومات المتعلقة بالملكية. وفي الحضارات القديمة قبل الحضارة الإسلامية كان للمنشأة جدرانها الخارجية المستقلة بذاتها، والتي تحدد حدودها في إطار ملكية أصحابها، ومن ثم تجاورت الجدران الخارجية للمنشآت المتجاورة، ولم تكن فكرة الجدار المشترك بين منشأتين متجاورتين قائمة ـ في ضوء ما نعلم ـ مثل ما هو الحال في العمارة الإسلامية التي تميزت بهذه ٤٩٥الفصل السادس :المنشآت السكنية ابتداء من عهد رسول االله ژ وحتى الآن؛ حيثواضحا تميزا الظاهرة ما زالت فكرة إنشاء الجدران المشتركة بين المنشآت المتجاورة قائمة في ريف مصر وغيرها. والجدار المشترك، واستغلال جدار الجار في وضع خشب سقف الدار دون الحاجة إلى بناء جدار آخر مجاور لجدار الجار بدأ في المدينة المنورة في عهد رسول االله ژ ، وفي إطار توجيهاته أثناء الفترة التي زاد فيها عدد المهاجرين إلى المدينة زيادة كبيرة، استتبعت الحاجة إلى إنشاء دور سكنية على الأرض الموات في المدينة؛ فقد ذكر ابن سلام أن الرسول ژ حين هاجر إلى يثرب التي أصبحت »المدينة« جعل له أهل المدينة »كل أرض لا يبلغها الماء يصنع بها ما يشاء«). (١فأقطعها الرسول ژ للقبائل المهاجرة، وقام المهاجرون بإنشاء دورهم بها بعد أن أقطعهم الرسول ژ). (٢ولا شك أن البعد الاقتصادي كان له أثره الواضح في تحديد تكلفة الإنشاء، وبخاصة كثيرا من المهاجرين تركوا أموالهم عندما قرروا الهجرة، وكانت الحالةوأن الاقتصادية لكثير منهم ضيقة. ويفسر هذا الأمر ذلك التوجه لإنشاء الدور بجدران مشتركة للاقتصاد في تكلفة الإنشاء، وتحقيق توفير أكبر في المساحة حيث إن الجدار المشترك يوفر تكلفة إنشاء جدار مثله مجاور له كما يوفر مساحة مساوية لمساحة هذا الجدار. وتأكيدا لهذا التوجه في التوفير كان نهي الرسول ژ للرجل أن يمنع جاره أن يترفق بجداره). (٣وهو المعنى الذي فصله حديث رسول االله ژ ) (١ابن سلام :كتاب الأموال، تحقيق :محمد خليل الهراس، نشر :مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة١٩٧٥، م، ص ص. ٣٥٨ - ٣٥٧ ) (٢عثمان )محمد عبد الستار( :المدينة الإسلامية، نشر :مكتبة المتنبي، الطبعة الثالثة٢٠١١، م، ص. ٤٧ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢٠٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٩٦ بقوله» :لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبه في حائطه«). (١والتطبيق الميداني لهذا التوجيه يمكن الجار من أن يستعمل جدار جاره في وضع خشب سقف داره فيوفر بذلك تكلفة إنشاء الجدار كما يوفر مساحته، وهذا الاقتصاد في الإنشاء يناسب الحالة الاقتصادية للمهاجرين. ومع تطور الحضارة الإسلامية واتساع عمران دولها وزخمه، أصبح مهما في إنشاء المنشآت المعمارية التي تستفيدمحورا الجدار المشترك يمثل من مميزاته الاقتصادية، وأصبح يمثل ظاهرة متكررة في كل البلدان وفي كل العصور حتى العصر الحديث. وبالمثل كان السماح للجار بوضع خشبة على جدار جاره يمثل ظاهرة مماثلة انتشرت نفس الانتشار، وحدث في التطبيق وآثاره المرتبة عليه كثير من المشكلات المتعلقة بتحديد الملكية، والرغبة في هدم الجدار المشترك، أو الجدار الذي يحمل خشب سقف الدار المجاور ويسترها. وعالجت الأحكام الفقهية هذه المشكلات معالجات متنوعة تختلف باختلاف العصر وطبيعة الأقاليم وأعرافها. أبوابا خاصة تعالج أحكامها مشكلاتوقد تضمنت الموسوعات الفقهية الجدار بصفة عامة، ومنها الجدران المشتركة، مثل كتاب بيان الشرع موضوع البحث وكتاب الإعلان بأحكام البنيان لابن الرامي. وهناك من الفقهاء من كتبا كاملة مستقلة تعالج هذا الموضوع مثل كتاب الحيطان لأبيأفردوا عبد االله الدمغاني، وكتاب الحيطان لصنع االله بن علي الحنفي، وكتاب الحيطان لابن مازه حسام الدين بن عمر بن عبد العزيز، وكتاب الجدار ) (١رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، ولفظ البخاري» :لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره«. واعلم أن العلماء قد اختلفوا في هذا الحديث، فمنهم من حمله على ظاهره، وجعل الأمر فيه للوجوب، والنهي للتحريم، ومنهم من حمل الأمر على الندب والنهي جمعا بينه وبين الأحاديث الدالة على تحريم مال المسلم إلا برضاه. الأطرم:عن التنزيه الإعلان، ص ، ٣١هامش. ٦ ٤٩٧الفصل السادس :المنشآت السكنية لابن عيسى، وتلخيص الكلام في الحائط المتهدم إذا تنازع شركاؤه في البنيان لمؤلف مجهول وغيرها).(١ خاصا بابا وقد عرض كل من صاحب بيان الشرع وصاحب المصنف أحكاما مهمة تعرض لكثير منبهذا الموضوع أسماه »باب الجدر«، تضمن بعمان. وهذهالصور المعمارية والإنشائية للجدر في العمارة الإباضية مهما إباضيا فكرا معمار ياالأحكام متنوعة الوجوه والمسائل، وتعكس متكاملا مع الرؤى والأحكام الفقهية في مذاهب إسلامية أخرى، ويتفرد احتراما لم نر مثله ـ في بأحكام تدلل على مدى احترام الملكية الخاصة ضوء ما بين أيدينا من مصادر فقهية ـ ويكفي أن ندلل على ذلك بحكم في أحد المسائل، فقد »قيل في رجل من أهل نزوى أنه دخل إلى الفضل بن الحواري في منزله، قال :فلما دخلت عبثت بلغطة من الأرض، فقال لي أبو الحواري لا تفعل هكذا في شيء مما كان للناس ومن قبلي أنا ليس عليك، ولكن أحذرك عن مثل هذا قبل غيري«. وطرح الكندي مسألة أخرى جاء فيها أن أبا معاوية كان لا يمشي في الطريق لا يعرف حدها إلا بقائد، وكان يضع إصبع يده بالحائط ثم يرى ما لصق بها من غبار، فيقول هذا مال. والمرء أحق بمنافع ماله من غيره، وإن قل إلا بإذن من صاحبه، وكان غيره يضع إصبعه في الجدار، ثم يرى ما يلصق بها من تراب، فيقول :هذا غبار لا بأس به، ويقول :إنه لا قيمة له بلا ضمان فيه، ويقول :إن من مكن كفه لم يتآخذ له«).(٢ ) (١للاستزادة، راجع :عثمان )محمد عبد الستار( :فقه العمارة الإسلامية بين البحث والتعليم، بحث في كتاب المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية، الرياض، ٢٠١٠م، ص. ٤ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢٠٦وقد عرض الكندي لأمثلة أخرى في حديثه في باب الانتفاع بالجدر، ص ٢٠٥؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٢٠٣ - ٢٠٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٤٩٨ وقد وردت هاتان المسألتان في عرض الكندي لأحكام الجدار، وهما يشيران إلى أي مدى وصل التحري في المحافظة على ملكية الآخرين، وحفظ جدارا. حقوق هذه الملكية حتى ولو كان أثر التراب على اليد التي تلمس ويبدأ الكندي) (١بعرض الأحكام الخاصة بتحديد ملكية الجدار، فيذكر جدارا بين منزلين غماء) (٢عليه لمن يكون هذا الجدار؟ لصاحبأنه »إذا كان الغماء أم يكون الجدار بين المنزلين لصاحبهما). (٣قال معي :إنه قيل إن الجدار إذا كان بين المنزلين، ولم يعرف لمن هو إنه لهما بالحكم، ومعي إنه قيل يترك بحاله حتى يصح عليه أحدهما بينة. وهذا الحكم يعكس صورة معمارية معينة يكون فيها جدار بين منزلين، وقد وضع سقف أحد المنزلين على الجدار دون الآخر، وهذه الحالة تعني أن هذا الجدار استخدم كساتر فقط للمنزل الذي لم يكن له سقف عليه، وأن هذا المنزل كانت الوحدة المعمارية المجاورة له غير مسقوفة. ويلاحظ أن الفقيه أشار إلى أنه إن »لم يعرف لمن هو أنه لهما بالحكم«. وعدم المعرفة التي أشار إليها الحكم يعني عدم إمكانية الاستدلال من خلال القرائن المعمارية لمن يكون الجدار، والتي تمثل مرافق الجدار المعمارية التي يستدل بها للفصل في تحديد الملكية). (٤وإذا لم يكن من ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢٠٣ ) (٢غماء في الغالب من الفعل غمى. يذكر ابن منظور جذر هذه الكلمة وفعلها فيقول :غمته غميا غطه فيه. وتومئ هذه الدلالة إلى أن »غماء« يعنيإذا غطاه، وغمته في الماء يغميه السقف الذي يرتكز على الجدار. ابن منظور :لسان العرب، ج /١١ص. ٨٠ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢٠٤ - ٢٠٣؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٩١ ) (٤ذكر ابن الرامي القرائن التي يمكن أن يستدل به على ملكية الجدار، فقال» :إذا تداعى رجلان في حائط بينهما ولا عقد لأحدهما فيه، حكم بينهما بمرافق الحائط، وهي خمس عدا العقد منها :الكوى، والباب يكون فيه، وحمل الخشب، والبناء على أعلا الحائط، ووجه الحائط على قول، وكذلك الخشب«. ابن الرامي :الإعلان بأحكام البنيان، ص. ٢٩ ٤٩٩الفصل السادس :المنشآت السكنية الممكن الاستدلال يترك الجدار بحاله، أي لا يهدمه أحدهما حتى يصح عليه أحدهما بينة. بناء في الأصل قد حدد القرائن التي تبينوإذا كان ابن الرامي باعتباره مرافق الجدار التي يمكن من خلالها الفصل في ملكية الجدار، فإن هذا يبين دور أهل البصر من الخبراء الذين يستعين بهم القضاة والفقهاء في الفصل متأخرا عن في قضية ما تتطلب رأي الخبراء أمثال ابن الرامي، الذي جاء الكندي بحوالي قرنين من الزمان. وقد أشار الكندي إلى أن الغماء قيل أنه على الجدار يقوم مقام اليد، وإذا ثبت معنى اليد لأحد الخصمين كان على الآخر البينة). (١وهذا الحكم الفقهي في ضوء ما ذكره ابن الرامي الذي أشار إلى أن وضع خشب السقف يمكن أن يكون قرينة دالة على الملكية في حالات، تعضدها بعض القرائن الأخرى، ويمكن ألا يكون قرينة نهائية دالة على الملكية). (٢إذا لم يعضدها بعض القرائن الأخرى في الإطار العام الذي يجوز للجار بوضع خشبه على جداره في إطار موافقته، ومن ثم يبقى الأمر معلقا حتى يأتي الآخر بالبينة كما قال الكندي. ومن المشكلات التي تتعلق بالجدار، وعرض لها الكندي، ما يتصل بحالات بيع أموال لها جدران، وقد يرد في عقد البيع ما يفيد بيع الجدران مع المال، وقد لا يرد، وهذه الحالة الأخيرة عرض الكندي لأمثلة لها؛ فقد قال »أبو سعيد في جدار بين مالين اشتراهما رجل، والمالان محدودان، ولم يدخل الجدار في البيع، فليس للمشتري عندي إلا ما اشترى من المحدود دون المال، والجدار بحاله لمن صح لأنه عمارة قائمة«).(٣ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢٠٤ ) (٢ابن الرامي :الإعلان بأحكام البنيان، ص. ٣٩ - ٣٥ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢٠٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٠٠ ويكشف هذا الحكم عن أهمية كتاب نص العقد، وتحديد حدود المباع، كما تدرك أهمية هذا في توثيق المنشآت في وثائق الوقف التي يهتم الموثق نصا يعكس إدراك ما يترتبفيها بتحديد الحدود بدقة بالغة، والنص عليها على ذلك. ويعرض الكندي مثالا آخر، فيذكر أنه »سئل عن رجل شهدت له البينة ببستان بحيط عليه الجدار أيكون له البستان والجدار أم البستان وحده؟ والجدار لا يكون إلا معه، قال معي أنه لا يثبت له في الحكم إلا ما شهدت به البينة وحدته، وهذا الحكم في البنيان إذا أنكر الخصوم ما يدعي عليهم المشهود به لمعنى الشهادة، لا يحكم الحاكم إلا بما حدت به البينة، وشهدت به، قلت له :فإن شهدت له البينة بما أحاط به هذا الجدار وحدته البينة، وكان داخله البستان، أيكون له الجدار والبستان أم البستان وحده؟ قال معي :إنه إنما يكون له ما دخل في الجدار ولا يكون له الجدار، قلت :فإن شهدت البينة أن ما أحاط به هذا الجدار، فهو لفلان والجدار على بستان، وضربوا بأيديهم على موضع الجدار من خلف البستان، ولم يجدوا الجدار كله، وهو جدار متصل، قال معي أنه لا يثبت له شيء إلا ما يحد من الجدار الذي يحيط بشيء وله ما أحاط به«).(١ وهذا الحكم له دلالته المعمارية التي تعني أن الجدار الذي يحيط امتدادا لأموال أخرى في بعض الحالات،ببستان يمكن أن يكون له وفي مثل هذه الحالات لا يدخل الامتداد ضمن حدود البستان الذي أحاط به، ولا يكون لصاحب البستان بعد ثبوت البينة إلا ما أحاط بحدود بستانه. وهنا تظهر مرة أخرى في هذا المثال أهمية ذكر الحدود في وثائق البيع وغيرها. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢٠٤؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٩٠ ٥٠١الفصل السادس :المنشآت السكنية عرض الكندي للأحكام التي تنظم الانتفاع بالجدر، ومن الصور الطريفة والدقيقة التي تتعرض لصور الانتفاع بالجدار أن يتكئ أحد بجدار الناس المطلة على الطريق، أو على جدران الدور التي بالأسواق أو جدران بأسا إلا إذا تسبب هذا الاتكاء في إحداثالمجالس. والحكم لا يرى بذلك ضرر بالجدر كالثلمات فإنه يضمن في مثل هذه الحالة إصلاحها. وفي إطار المحافظة على إنشاء الجدر من أي ضرر تتعرض له نتيجة أية أعمال عمرانية تنشأ مجاورة أو ملاصقة لها، ومن أمثلة ذلك ما ذكر عن قاضي بن قريش »في رجل له جدار وخلفه أرض، فأراد صاحبها أن يزرعها، كم يكون حريم الجدار، قال :الذي عرفت أن الجدار يحكم له بذراعين في الخراب، وأما في العمار فلا يحكم له بشيء ما لم يكن له حريم، واالله أعلم«). (١وترك الذراعين في الخراب يوفر للجدار الحماية التي تساعد على المحافظة حالته الإنشائية. كذلك عرضت الأحكام للحالات التي يمكن أن يزرع فيها بجوار الجدار، وأشارت الأحكام إلى أن »يفسح عن الجدار الغسل والماء والزراعة بقدر ما يرى العدول أنه لا مضرة عليها، قال غيره :يفسح صاحب الفسل عن الجدار ذرا عا، ثم يفسل في قول من لم ير الفسح، وإنما يترك بينها وبين الماء ما لا يمس الماء الجدار، وإن دخل أصل الشجرة في أرض غير صاحبها، فإن أضر أصلها بجدار رجل قطع حتى لا يضره ولا يحركه ولا يكسره، وإن شاء يقطع ما أخذ بجداره«).(٢ ويشير حكم آخر إلى أن حماية الجدار من أي ضرر بسبب زراعة أرض آخر مجاور له، كان من إجراءات حماية ترك مساحة مجاورة للجدار أطلق ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢٠٤؛ المصنف، ج /١٧ص. ١٩٠ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢٠٧ - ٢٠٦؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٩٠ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٠٢ عليها لفظ »عز« الجدار). (١وهذه المساحة تمنع وصول الماء أو أثره الضار إلى أساس الجدار، فيبقى قو يا. وكان هناك من يترك مساحة لتعزيز سلامة جداره، وفي بعض الحالات الأخرى لم يتبع هذا الإجراء. ومن مشكلات الجدار أن يكون بين بيتين، ويقوم صاحب أحدهما ضررا للجدار، بفسل نخلة أو شجرة قرب الجدار الذي بينهما، وهو ما يسبب ولذلك رأت الأحكام أن يترك حريم لهذه النخلة يبعد الجدار عن أي ضرر يسببه فسل هذه النخلة أو الشجرة، وقد حددت بعض الأحكام ذلك الحريم بثلاثة أذرع). (٢حتى لا تضر عروقها بالجدار، وهذا الحكم ينظم العلاقة بين الجدر ومظاهر العمران الأخرى كفسل النخل أو الشجر، ويمنع الضرر. ولهذا الحكم أهميته الأثرية في تفسير علاقة التجاور بين الجدر والأشجار أو النخل، وهو أمر شائع في عمان وغيرها من البلاد التي انتشر بها فسل النخيل وزراعة البساتين. :QGóédG AÉæH IOÉYEG الحاجة إلى إعادة بناء الجدار لسبب أو لآخر قائمة، ونشأت عن عملية الهدم وإعادة البناء كثير من المخاصمات بين الجيران، سواء كان الجدار فيها مشتركا، أو لكل منها جداره لكن هنا خطورة ما قد تحدث نتيجة هدم أحد الجدارين المتلاصقين. وتوثق المسائل التي عرضها الكندي بعض هذه الحالات، فقد قيل» :في الجدارين إذا كانا متلاصقين، فأراد من له أحدهما ) (١راجع :ابن منظور :لسان العرب، ص ص. ١٣٦ - ١٣٥ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ص. ٢٠٨ - ٢٠٧وقد اختلفت مساحة الحريم حسب نوع الشجر، فمثلا شجر القرظ يبلغ حريمه في ضوء الأحكام ستة أو تسعة أذرع. الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ص. ٢٠٩ - ٢٠٨واختلفت الأحكام في تحديد حريم النخل، فمنها ما جعل الحريم يصل إلى أربعة أذرع. الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢٠٩ ٥٠٣الفصل السادس :المنشآت السكنية أن ينسفه، واحتج صاحبه الآخر أن يضر بجداره أن له ذلك إلا أن يكونا أدركا كذلك ولم يكونا محدثين، وكذلك قيل إن استفرغ أحدهما حده، وأراد الآخر أن يبني فمنعه الذي يحاوره أن يلصق بجداره، أن له عليه أن يلصق بجداره، ولو كره إذا استفرغ الأول أرضه«).(١ وتكشف هذه الحالة عن وجود حالات جوار في الجدار تكون فيها الجدر الخارجية للمبنى التي تقع على حدوده متلاصقة، وهو ما يعني معمار يا أن الجارين لم يشتركا في بناء جدار واحد مشترك، ولهذا دلالاته أيضا من الناحية المختلفة التي تعني رغبة كل منهما في ذلك، وتعني المعمارية احتمال اختلاف تاريخ إنشاء كل من الجدارين، وأن أحدهما أنشئ سابقا لآخر، كما أن إنشاء الجدارين على حدود كل من ملكية أصحابهما حدا للمبنى، وهو أمر تؤكد أن الجدار الخارجي في بعض الحالات تمثل اعتبر في الفصل في بعض مشكلات الحدود. ومن حالات الجدر التي يراد هدمها لسبب أو لآخر تلك الحالة التي يكون فيها للجار »غماء«، أو سقف على جدار جاره، الذي يريد هدمه بما ضررا لصاحب الغماء، وقد رأى الحكم أن ليس لصاحب الجدار أنيسبب يدخل الضرر على جاره).(٢ وقد أشار حكم آخر إلى طريقة بناء الجدار وأثرها على متانته، فقد ذكر جدارا، وكان الجداران الكندي حالة قال فيها :إن بني كل واحد من الجارين »مصفوفين«). (٣فأراد أحدهما أن يطرح جداره، وإذا طرح جداره لحق جدار ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢٠٩؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٨٩ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢١٠؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ١٩٦ ) (٣الجدار المصفوف هو الجدار مستوي في صفوف مداميك، والراجح أن وصف هذا الجدار بهذه الصفة يومئ إلى أن الجدار كان بناؤه في هيئة صف الطوب في صفوف صفا دون = فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٠٤ جاره الضر، هل له أن يطرحه )؟( قال معنى أن له أن يطرح جداره ولو لحق جدار جاره الضرر، أما إذا أدركا هذان الجداران بحالهما، ولا يعرف كان أساسهما، لم يكن له عندي أن يزيله إذا كان في إزالته ضرر يلحق جدار جاره، وأما هذان فهما اللذان أحدثا الجدارين، فكل لواحد منهما أن يفعل في جداره ما أراد«).(١ ويلاحظ أن الحكم وجه إلى أن الجدارين إذا كانا قديمين سابقين لعهد صاحبيهما فلا يسمح بطرح أحدهما، أما إذا كانا محدثين في عهد صاحبيهما، فإن طرح أحدهما لجداره جائز، واحترام الوضع السابق القديم القائم قاعدة أساسية في أحكام العمارة وبخاصة إذا لم يتم التعرف على الظروف التي تم الإنشاء فيها حفا ظا على الحقوق والملكيات. أيضا باستخدام الجدر تلك المسألة المتصلةومن الأحكام المتصلة جدارا فغمى عليه فمات المعير، فهل له أن يغميبرجل »أعار رجلا آخر عليه مرة أخرى بغير رأي الورثة )؟( قال معي أن ليس له ذلك إلا برأيهم، حيا، هل له أن يغمي عليه بغير رأيه؟ قال معي أنقلت فإن كان المعير ليس له إلا برأيه«). (٢وهذا الحكم يشير إلى أن إعارة أحدهم لجداره لجار معتمدا عليه لا تمثل حالة أبدية، فإذا حدث وأن أزيللبناء سقف داره السقف، ثم رأى صاحبه أن يعيده، فإن الإعادة في هذه الحالة تكون بموافقة صاحب الدار أو ورثته. وحال الإعارة يختلف عن حالة الهبة). (٣التي يهب = استخدام رابط من المونة. وهذه الطريقة في إنشاء الجدار يجعل من الممكن أن يتأثر الجدارن بعضهما ببعض، فيكون في طرح أحدهما أثره على الآخر). راجع مادة صف، ابن منظور :لسان العرب، ج /٨ص ص. (٢٥٣ - ٢٥٢ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ص. ٢١١ - ٢١٠ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢١١ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢١١ ٥٠٥الفصل السادس :المنشآت السكنية فيها صاحب الجدار هذا الحق لجاره، حيث إن الهبة تعتبر عطية، وهي من تصرفات الملكية الشرعية. ويذكر الكندي مسألة أخرى من جواب الإمام عبد الملك بن حميد إلى) (١هاشم بن الجهم) (٢ترصد حالة إنشاء جدران متلاصقة، وتطرح المسألة عملية إنشاء جدار لأحدهم ملاصق لجدار جاره »بعد أن استفرغ كل منهما حقه فيما بين الجدارين«، أي بني كل منهما جداره على آخر حدود أرضه، وذكره الجار صاحبه الجدار الأقدم ذلك )؟( يرى الحكم أن للآخر أن يبني جداره ملاصقا لجدار جاره الأقدم. أما إذا كان صاحب الجدار الأقدم قد أبقى من حقه شي ئا بجوار جداره من الخارج، فإن الجار لا يتعدى على هذا الحريم، ويبني على حدود أرضه. وبذلك يظل الحريم محاف ظا عليه باعتباره من ملك جداره). (٣وهذا الحكم يعني من الناحية المعمارية وجود منشآت واضحا؛ حيث بنىمعمارية تتلاصق حدودها الخارجية مع حدودها تلاصقا حريما لجدرهم، ويمكن أن نجدالجيران على حدود أملاكهم دون أن يتركوا حريما مساحات بينية بين الجدران الخارجية وهذه الحالة تفسر أن هناك خارجيا لجدار أو الجدر إذا تناظر الجيران في ترك هذا الحريم للمحافظة على جدرهم ولملكيتهم الحريم من صيانة هذه الجدر. ومن المسائل التي ترصد مراحل عملية إنشاء الجدار هذا الحكم الذي جدارا بينه وبين رجل، والرجل محاضرطرحته مسألة »عن رجل جدر ) (١هو عبد الملك بن حميد بن سودة بن علي بن عمرو بن عامر ماء السماء الأزدي، تولى بعد الإمام غسان بن عبد االله الفجمي، وسار سيرة الحق والعدل. تولى لثماني ليالبقين عاما. ابن جعفر :الجامع، من شهر شوال سنة ٢٠٨هـ ، وتولى بعد أن حكم ثمانية عشر ج /٨ص ٣٤هامش ).(١ ) (٢هاشم بن الجهم أحد علماء عمان كان يقيم في نزوى. ابن جعفر :الجامع، ج /٥ص. ٦٥ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢١٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٠٦ لا ينكر، حتى إذا كان بعد ذلك، قال :أدخلت بعض أرضي، قال أبو عبيدة):(١ قال صحار) (٢لو وضعه على ظهره، وهو لا ينكر معنى عليه كان متعجب برأي صحار في ذلك«، فسأله قال أبو معاوية :نعم إذا دعاه والآخر حاضر ولا ينكر ولا يغير«). (٣وهذا الحكم معمار يا يرصد هذه الحالة، ويعني إمكان أن يبني أحد جداره على أرض آخر، ولم يعترض إلا بعد إنشاء الأساس أو الجزء السفلي من الجدار، والحكم باستمرار الإنشاء يعني ثبات الوضع. وتوثيق هذه الحالة يفيد التحري عن ملكية كل منهما إذا ما توفرت أسباب ذلك، وتفسر أحد الأسباب التي تؤدي إلى بناء جار على بعض أرض جاره جدارا مثل هذا، وتضاف إلى أسباب أخرى في هذا المقام. كذلك فإن الانتفاع بالجدار المشترك كان في إطار قواعد وأحكام فقهية تنظم هذا الانتفاع، فإذا بنى شريكان جداريهما فهما أن يتفقا على أوجه الانتفاع بهذا الجدار كوضع خشب السقف). (٤أما إذا بنى أحدهما الجدار ولم يبن الآخر معه شي ئا فيه، وهو بين منزليهما، فالذي بنى الجدار أن يجعل عليه ما شاء من الجذوع أو غير ذلك، وليس للذي لم يبن أن يضع على جميعا«). (٥وهذهالجدار شي ئا إلا أن يرد عليه ما غرم، فعند ذلك يضعان عليه تصورا معمار يا لجدار مشترك بناه أحد الشريكين، وله في إطارالحالة تطرح ) (١أبو عبيدة :هو مسلم بن كريمة كبير تلامذة جابر بن زيد ، 5وممن حسنت أخباره والمخابر، تعلم العلوم وعلمها، ورتب الأحاديث وأحكمها. ابن جعفر :الجامع، ج /٤ ص. ٢٥٢وينتسب إلى قبيلة عظيمة من نزار، توفي ولاية أبي جعفر. ابن جعفر: الجامع، ج /٥ص. ١٢٨ ) (٢صحار من الأئمة الأوائل مثل زيد بن حبيب. ابن جعفر :الجامع، ج /٩ص. ١٠١ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢١٢ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢١٤ ) (٥الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢١٤ ٥٠٧الفصل السادس :المنشآت السكنية الحكم أن ينتفع بوجوه الانتفاع، وليس لشريكه أن ينتفع إلا إذا دفع نصف التكلفة، وهذه الحالة تكشف عن صورة من الجدار المشترك تكون فيها مرافق الجدار كوضع الخشب أو لمحل الكوة أو غير ذلك في صالح أحد الشريكين دون الأخر بالرغم من أن الجدار مشترك، وهي حالة لم يرصدها ابن الرامي في حديثه الذي سبقت الإشارة عليه في الاعتماد على مرافق الجدار كقرائن في إثبات الملكية. :QóédG ôjRƒJ توزير الجدر ظاهرة معمارية في العمارة الإسلامية تتعلق بتدعيم أساسات الجدران عند مستوى سطح الأرض ببناء دعامة لها ملاصقة للجدران تمنع ماء المطر من أن يؤثر في الأساسات، كما يبعد الاحتكاك للمارة والدواب بالجدران مباشرة. وهذا التوزير كان له قواعده وأحكامه التي تحفظ حق الطريق، وتساعد في ذات الوقت على الحفاظ على متانة إنشاء الجدران، فليس من حق صاحب الجدار أن يوزر جدره على الطريق في غير ملكه معتد يا على الطريق، ويتأسس على ذلك حكم تجديد هذا التوزير).(١ ومن المشكلات التي تتعلق بالتوزير أن هناك من كان يرغب عند إعادة هدم جدران المنشأة القديمة وإعادة بنائها أن يدخل مساحة التوزير في المنشأة، ويدخلها في مساحة الجدار الجديد. لكن الأحكام الفقهية منعت محافظة على حق هواء الطريق، وقالت بإنشاء الجدار الجديد علىذلك أساس الجدار القديم).(٢ ) (١وتوزير الجدران في داخل المبنى أمر مختلف حيث يتم بكسوة سفل الجدران بالرخام للحماية من الماء أو الرطوبة، وكذلك بغرض الزخرفة. ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢١٥؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص. ١٩٤، ١٩٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٠٨ :IÉfÉÑadG بابا، والمباناة في إطار سياق الأحكام هي ما يجبأفرد الكندي للمباناة أن يتم بناؤه من جدر أو غيرها تستلزم الظروف إنشاءها لستر المنشآت المتجاورة، سواء كانت جديدة أو قديمة، ويتطلب الأمر هدمها وإعادة بنائها).(١ وقد تنوعت أحكام »المباناة«، فمنها ما يعالج موضوع المباناة في جميع حالات المنشآت، سواء كانت بها سكان أو خالية، بينما يشترط آخرون أن المباناة تكون في المنشآت المعمورة بالسكان فقط). (٢فقد ورد في كتاب من تأليف أبي قحطان، وإنما المباناة بين الناس فيما يكون فيه الإسكان من الدور والبساتين، فأما لا إسكان فيه فلا مباناة فيه، إلا من شأن أن يحصن على ماله وحده. وقد قال بعض حكام المسلمين أن البساتين المعمورة فيها المباناة إذا كان جميعين عامرين«).(٣ ومعظم المسائل التي عرض لها الكندي في هذا الباب تعالج مشكلات، وتحل خصومات تنشأ بين المتجاورين، وتتطلب إنشاء جدر بشكل فوري لتحقيق المنفعة متمثلة في عرض الستر، وضرورة الإنشاء للتحصين، وقد تسمح ظروف الشريكين أو الجارين بهذا الإنشاء، ويتم الاتفاق على ذلك، وقد لا تتوفر القدرة لأحدهما على المشاركة الفورية في الإنشاء. ومن ثم تعرض الأحكام لمعالجة هذه الحالات في إطار يحقق المنفعة، ويمنع الضرر. وهذه المعالجات لهذه الحالات وبخاصة الطارئ منها توضح رؤية عمرانية ومعمارية مهمة للفقهاء في العصور الوسطى عالجوا بها مثل هذه الحالات الطارئة. وهي مشكلات يحدث مناظرها في العصر الحديث، ) (١ابن منظور :لسان العرب، ج /٢ص ص. ١٦٠ - ١٥٩ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ص ٢١٨ - ٢١٧؛ الكندي :المصنف، ج /٢٧ص. ٢٠٦ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢٢٢؛ الكندي :المصنف، ج /٢٧ص ص. ٢٠٩ - ٢٠٧ ٥٠٩الفصل السادس :المنشآت السكنية ويمكن أن تكون هذه الأحكام مؤسسة لوضع المنظومات القانونية التي يمكن صياغتها لمعالجة المشكلات المعاصرة في إطار ثقافة هذا العصر. كذلك فإن ما طرح من حلول يمكن أن ينعكس ماد يا في الآثار المعمارية الباقية أو المكتشفة من الواقع والمدن الأثرية الإباضية، وبخاصة في سلطنة عمان، باعتبارها البيئة التي نشأت وصدرت بها هذه الأحكام بكل أبعادها الطبيعية والثقافية والاجتماعية. وقد عالجت هذه الأحكام قضايا عدة في هذا المجال، منها قضايا الجدار المشترك، وقضايا العلاقة بين صاحبي السفل والعلو في دار مشتركة متعددة الطوابق، ومنها ما يتعلق بسترة الدور، ومنها ضرر الكشف الناتج عن عدم بنائها، ومنها ما يتعلق بعناصر الكشف الأخرى للدور المجاورة. فمن قضايا الجدار المشترك ما ذكره الكندي من »جواب أبي سعيد وعن جدار بين منزلين وقع وانهدم وخرب ما بينهما، وعجز أحد رب المنزلين عن المباناة من جهة ضيق يده، وقال إنه يحضر في أرضه، وطلب الآخر بنيانه، قلت :هل يحكم عليه بذلك، على ضعفه وعجزه عن البناء، فمعي أنه قيل إذا كان هذان المنزلان يسكنان، وطلب الساكنان إلى بعضهما بعض المباناة، كان عليهما ألا يتساكنا إلا بالمباناة، إلا أن يكونا مما يجوز لهما المساكنة مع بعضهما بعض، وإن كانا كذلك، وكان أحدهما يعجز عن المباناة بغير ضرورة تقع على جاره فيما لا يسعه، وكان له الخيار إن شاء بنى ما لزم هذا دي نا عليه، إلى ميسوره، وإن شاء لم يبن، وإن طلب أحدهما أن لا يسكن، ولا يسكن منزله، فمعي أنه قد قيل :ليس عليه مباناة إلا بالمساكنة«).(١ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢١٧ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥١٠ ويلاحظ في هذا الحكم أن مؤداه يهدف في المقام الأول إلى تحقيق سترة الساكنين، إذا لم يكونوا ممن يمكن أن يسكن بعضهم مع بعض شر عا. أيضا ظروف عدم قدرة الشريك الفورية في المشاركة في إعادةوعالج الحكم البناء، فجوزت للآخر بناء الجدار على أن يسدد الشريك غير القادر ما عليه حين ميسرة. ويعرض الكندي لحالة أخرى سقط فيها جدار مشترك كان يفصل بين لمشتر، وطلب هذامنزل لأحدهم وأرض خراب لآخر، وباعها هذا الأخير المشتري من صاحب المنزل الذي ستر منزله بحضار أن يشاركه في إعادة بناء الجدار. ولم تكن لصاحب المنزل قدرة على البناء، فما الحكم في هذه الحالة )؟( قال الكندي :إن »هذا الأول سواء إذا كان بنى منزله وأراد سكنه والأول يسكن منزله، ومعي أن قد قيل ليس الحضار يستر مما يحكم به ويحكم بينهم بالمباناة، ويعجبني ذلك من حيث يكون الأغلب من أمور الناس أن الحصن معهم بالبناء، وإن كان الأغلب من أمورهم أن الحضران عن الحصون كان على ما هم عليه من سنتهم عندي، وفي نسخة كان على كل قوم ما يكون الأغلب مما عليه السند عندي«).(١ وهذا الحكم له دلالاته المعمارية التي تعني أنه في بعض الحالات كان ينشأ الحضار، وهو بناء ساتر من القصب لستره الدار بدلا من الجدار المتهدم، وأنه يبدو أن العادة قد جرت بذلك. وهو ما يبين أثر العرف في صياغة الأحكام الفقهية والعرف يختلف من منطقة إلى أخرى. وبالرغم من إقرار الكندي بما جرى به العرف من استخدام الحضار في الستر، إلا أنه يرى أفضلية السترة ببناء الجدران لأنه أكثر تحصي نا. ولذلك ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢١٨ ٥١١الفصل السادس :المنشآت السكنية كان الحكم ببناء الجدار المشترك في حالة قدرة الشريكين على البناء، واتفاقهما على ذلك، وبخاصة في الحالات التي تكون فيها سكنى الدارين المتجاورين اللتين يفصل بينهما هذا الجدار. ومن الحلول التي تشير الأحكام إلى اتباعها لحل مشكلة عدم قدرة الجار على المشاركة في بناء الجدار كله، أنه في بعض الحالات كان يتبرع أحد الشريكين ببناء نصف الجدار، وأن يشاركه الجار في بناء النصف الثاني، وقد أجازت الأحكام هذا الحل في إطار الاتفاق على ذلك).(١ وعالجت أحكام المباناة ما يتعلق بالعناصر المعمارية التي تسبب ضرر الكشف. فقد ذكرت أن »يؤخذ صاحب العلو في المنزل بستره حتى يستر القائم الطويل، ولا يشرف على من كان تحته من المنازل وبساتينها، ولو كانت محدثة، قال أبو المؤثر يستر القائم على السرير من غيره. قال :وقد قيل إن السترة بسطة، ويرفع يديه على رأسه، قال أبو سعيد :قد قال من قال بسطة، وقال من قال :قامة ومن غيره«).(٢ وهذا الحكم يعرض للسترة التي تنشأ حول سطح الدار بارتفاع يمنع من بالسطح من رؤية سطوح ما وجاوره من دور أو غيرها، ويلاحظ أن الأحكام اختلفت في قياس السترة، فمن يرى أن تكون بارتفاع قامة الإنسان الطويل، ومن يرى أن تكون بارتفاع قامة الإنسان الذي يقف فوق سرير، ومن قال رافعا يديه، أو باس طا يديه إلى أعلى)،(٣بارتفاع »قامة بسطة«، أي قامة شخص ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢١٨ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢٢١، ٢١٩؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص ص، ٢٠٦ - ٢٠٥ ص. ٢١٣ ) (٣تحدثت مصادر فقهية أخرى عن قياس محدد للسترة، وحددتها بتسعة أشبار، أي )١,٦١متر(. عثمان :الإعلان بأحكام البنيان، ص ص. ١٩٠ - ١٨٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥١٢ وكلها مقاييس تنتهي إلى منع كشف من بالسطح من رؤية سطوح الدور المجاورة وبساتينها، وهذا الحكم بالإضافة إلى أنه يؤكد على قياس السترة التي تحاط بسطح الدار التي يستغل سطحها، فإنها تمثل الحل المعماري المانع لكشف سطح دار للدور المجاورة مع اختلاف ارتفاعات الدور، ذلك أن إنشاء السترة بهذا القياس يحقق هذه الوظيفة. ومن الملاحظ أن سياق وصف سترة الدار أشار إلى أنه يمنع رؤية سطوح الدار وبساتينها، وهي السياق يعني أن بعض الدور في عمان كانت تحيط بها بساتين خاصة بها. وصون هذه البساتين من ضرر أيضا في ضوء وظيفيتها بالرغم من انخفاضالكشف تحقق السترة غالبا، وهو ما يؤكد سلامةمستواها، الذي هو بمستوى أرض البلدة وظيفية السترة، وتحقيقها لمنع ضرر الكشف في كل مستويات السطوح سواء سطح الأرض أو مستويات سطوح المنشآت المختلفة. وكانت السترة من العناصر المعمارية التي تساعد على استغلال السطح في النوم، وقد كرهت بعض الأحكام النوم على سطح ليس له سترة، وأجازته بعض الأحكام لأن الليل سترة).(١ وفي إطار هذا البعد الاقتصادي، فإن المنشآت أو الدور التي لم تتخذ مسك نا لا يكلف أصحابها بإنشاء سترة تحيط بسطحها، وفي حالة الاضطرار إلى استخدام السطح فقد نظمت الأحكام منهجية ذلك بأن يشرف على جاره ليعلمه بصعود السطح، أما الليل فجائز لأنه لباس. كذلك نظمت الأحكام العناصر المعمارية الأخرى كالممارق، فقد جاء في مسألة من الحاشية» :أما الحكم في المماريق في الغرفة، فقد عرفت من ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢١٩ ٥١٣الفصل السادس :المنشآت السكنية قول المسلمين إذا قام الرجل على قدميه ونظر من المماريق السائر في بيت جاره أو داخله صرفت المماريق، وإذا كان في الغرفة فقد عرفت من قول المسلمين إذا قام الرجل على قدميه ونظر من المماريق السائر في حايط بيت جاره أو داخله صرفت المماريق، وإذا كان لا ينظر إلى بيت جاره إلا إذا طلع فوق مرقاة أو سرير، وأدخل رأسه فلا تصرف المماريق ولا تزال، واالله أعلم«).(١ ويتضح من سياق هذا الحكم أن المماريق فتحات نافذة، لكنها بمستوى عال بهيئة »المنور الحائطي« في أعلا حائط الغرفة، ولا يستطيع صاحب الغرفة أن يرى نفسه بيت جاره، وهذه الممارق إذا انخفض مستواها وكان يمكن لشخص أن يرى منها، ويكشف دار جاره دون أن يقف على شيء مرتفع كالسرير أو أية مرقاة أخرى، فإن ذلك يمنع. ومن الحالات الطارئة التي تستوجب البناء، ما قد يحدث من تعرض أجزاء من المبنى للتهدم أو الخلل في بنائها بما تستوجب إعادة بنائها، وبخاصة في الدور التي تشترك فيها أكثر من مالك، فقد قيل في رجلين بينهما دار العلو لواحد والسفل لواحد، فانهدم السفل، وفي نسخة معي إنه أراد فانهدم السفل والعلو، فطلب صاحب العلو إلى صاحب السفل أن يبني ما كان له حتى يبني علوه على أن ذلك لازم، ويؤخذ به، فإن كان لا يقدر على ذلك، فأراد صاحب العلو أن يبنيه، وله غلته حتى يستوفي ما غرم، فذلك له، وكذلك إن كره أن يبني صاحب السفل بنى صاحب العلو، وله الغلة حتى يستوفي. قال أبو الحواري 5وإن رد صاحب السفل عليه ما غرم سلم إليه سفله).(٢ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢٢١ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ص. ٢٠٠ - ١٩٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥١٤ أيضا ذلك الحكم الذي يتعلق بحالة دار »قسمت، وكانومن أحكام المباناة لواحد على الآخر طريق لم يكن على من يمر في الطريق مباناة، فإن شاء المرور يمكن أن يستر نفسه، وإن شاء ترك، وكذلك الطريق ليس فيها مباناة، قال غيره، جميعا مباناة لأن هذا الطريق له خاصة، وليست بمنزلة الطريق.وقد قيل عليهما وهذه الأحكام الخاصة بالمباناة وغيرها تدلل على مدى متابعة الأحكام الفقهية الخاصة بالعمارة لكل الحالات التي تحدث سواء ما كان منها عاد يا أو طار ئا. وهو ما يكشف عن متابعة كاملة لكل الظروف العادية والطارئة في مجال العمارة، وهذه الأخيرة تبين إلى أي مدى كانت الأحكام الفقهية معالجة كل النوازل. ájõédG πgCG øe AÉæÑdGh øμ°ùdG »a ÜÉH يقصد بأهل الجزية غير المسلمين في دار الإسلام، الذين يقومون بدفع الجزية مقابل تولي الدولة الإسلامية تأمينهم والدفاع عنهم. وقد عالجت المصادر الفقهية الإسلامية ما يتصل بمنشآت ومساكن أهل الجزية في الأمصار الإسلامية، وكانت هذه المعالجات تركز عى المسائل المتعلقة تحديدا؛ كالمعابد، والكنيس، والصوامع، والبيع أوبإنشاء دور العبادة الكنائس وغيرها. وتركز كذلك عى ما يمنع الذمي من التصرف فيه).(١ بابا في السكن والبناء من أهل الجزية عالج فيهويلاحظ أن الكندي أفرد الموضوع من وجهة نظر مختلفة؛ حيث إنه يعرض لما يتعلق ببناء أحد ) (١ابن عابدين )محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد، ت :١٢٥٢ :رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت١٩٩٤، م، ج /٤ص ٣٨٨؛ الأدرنوي )كامي محمد بن أحمد بن إبراهيم الأدرنوي الحنفي أفندي(: رياض القاسمين أو فقه العمران الإسلامي، تحقيق :مصطفى أحمد بن حمدين، دار البشائر للطباعة والنشر والتوزيع٢٠٠٠، م، ص ص. ٥٥٠ - ٥٤٠ ٥١٥الفصل السادس :المنشآت السكنية المسلمين لدار في منطقة سكنى أهل الجزية. فقد ورد في أحكامه ما يتعلق بهذه القضية. فيذكر تساؤلا عن رجل نشأ في أرض أهل الجزية »فاشترى دارا يسكنها. قال :إني أكره البناء لرجل مسلم في أرض أهلبقعة وبنى فيها خرابا فيبنيها، الذمة، قلت :فإن رجلا فعل ذلك، قال له أن يشتري أرضا وليس له أن يملكها من أهلها، ولكن إذا شاءوا أخرجوه منها«).(١ ويشير هذا الحكم إلى وجود مناطق سكنية خاصة بأهل الجزية في عمان، وهذا ليس بمستغرب سيما وأن عمان كانت موانيها مثل صحار تستقبل تجارة الشرق وغيرهم، وكان يقيم بها من التجار من أهل الجزية وغيرهم، وهو ما يستوجب وجود مناطق سكنية خاصة بهم، ولا أدل على ذلك من تلك المقبرة الباقية لليهود في صحار، والتي ما زالت قائمة إلى الآن. والحكم الذي ورد في بيان الشرع يعالج فيه مشكلة مسلم أراد أن ينشئ دارا في منطقة سكنى أهل الجزية، ووجه الحكم إلى كراهية ذلك. ثملنفسه استطرد إلى القول بأنه إذا حدث ذلك فإن عليه أن »يشتري لهذه الدار بقعة وعمرانيا أن الدار في أرض خراب فيبنيها«). (٢وهذا الحكم يعني معمار يا التي ينشئها المسلم في منطقة سكنى أهل الجزية تكون خارج منطقتهم غالبا العمرانية، وتكون في أرض خراب، وهو ما يعني أن هذه الدار تكون في أطراف النسيج العمراني لمنطقة سكنى أهل الجزية، كما أشار الحكم أنه »ليس له أن يملكها على أهلها، ولكن إذا شاءوا أخرجوه منها«). (٣وهذا يعني أن ملكية المسلم لهذه الدار في منطقة سكنى أهل الجزية غير كاملة؛ حيث إنهم يمكن أن يخرجوه من منطقة سكناهم إذا شاءوا. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢٢٥؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٢١٢ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢٢٥؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٢١٢ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص ٢٢٥؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٢١٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥١٦ ويعكس هذا الحكم إلى أي مدى كانت مراعاة أهل الذمة في مناطق سكناهم لكي تبقى خالصة لهم، وهو ما لم تتناوله كثير من مصادر الفقه التي عالجت هذا الموضوع. ثم انتقل الكندي إلى الحالة الثانية، وهي التي يسكن فيها أهل الجزية في مناطق سكنى المسلمين، وهي الحالة التي وجدت في كثير من البلاد الإسلامية في إطار التوجيه العام للرسول ژ في قوله» :لهم ما لنا، وعليهم ما علينا«)، (١وذكر مسألة :عن أبي علي في أهل الذمة إذا بنوا وعلوا دورهم على دور أهل الصلاة، فما عندنا في ذلك أثر، وما يحال بين أهل الذمة ومرافقهم في رفع البناء إذا هم ستروا أو حصنوا بناءهم حتى لا يخاف من قبلهم خيانة بأبصارهم، قال غيره من الفقهاء، ليس لهم أن يشرفوا على أهل الصلاة بالغرق إلا أن يكون بناء قد سبق لهم«). (٢ويكشف هذا الحكم عن إمكانية وجود دور لأهل الجزية ضمن النسيج العمراني لمساكن المسلمين، وأن هذه الدور في رأي بعض الفقهاء حكمها مثل حكم دور المسلمين في مرافقها، وبخاصة رفع البناء، ولكن في حالة رفع البناء عليهم أن يستروا، أي يقوموا بإنشاء السترة على سطوح دورهم حتى لا يتسببوا في ضرر يكشف دور المسلمين التي تجاورهم. وهناك من قال ليس لهم أن يشرفوا نسخة يتشرفوا على أهل الصلاة بالغرق، إلا أن يكون قد سبق لهم. وهذا الحكم الأخير ورد في مصادر فقهية أخرى؛ فقد أشار الأدرنوي الحنفي إلى ذات أيضا الرأي الذي يجيز لهم الارتفاع ببناء دورهم عن الدورالحكم، وذكر ضررا). (٣ويلاحظ أن الحكم الذي يمنع منالمجاورة طالما أنهم لا يسببون الارتفاع بالبناء يستثني البناء القديم المرتفع الذي سبق لهم. ) (١الأدرنوي :رياض القاسمين، ص. ٥٥١ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /٣٩ص. ٢٢٥ ) (٣الأدرنوي :رياض القاسمين، ص. ٥٥٠ ٥١٧الفصل السادس :المنشآت السكنية ويلاحظ من خال سياق الأحكام أن الفقهاء الإباضية قد توافقت أحكامهم في هذا الشأن مع أحكام فقهاء المذهب الحنفي مثل الأدرنوي وغيره. وهذا الاتفاق يرجع في الأساس إلى حديث رسول االله ژ » :لهم ما لنا، وعليهم ما علينا«. وإذا كان ما ذكره الكندي مفصلا عن بناء المسلم في مناطق أهل الجزية مكروه، فإن ما ذكره يعني كما أشرنا أن أهل الجزية كانت لهم مناطق سكنية خاصة بهم. وإذا كان الكندي لم يشر إلى الأحكام التي وجهت إلى وجود مثل هذه المناطق، فإن مصادر فقهية أخرى تضمنت هذه الأحكام، فقد ذكرت بعض هذه الأحكام أنهم »يمنعون من أن يسكنوا بمحلات المسلمين، ويؤمرون بالاعتزال في أماكن منفردة عن المسلمين«).(١ وهذه الأحكام تشير إلى أن المناطق السكنية لأهل الجزية كانت في الغالب مستقلة بذاتها، منفصلة عن المناطق السكنية للمسلمين، وهذا يجنب كثيرا من المشكلات التي تأتي في إطار اختلاف القيم الدينية والاجتماعية والثقافية بين أصحاب الديانات المختلفة، ويعضد توجه إلى طائفة دينية وثقافيا. ويفسر هذا بوضوحواجتماعيا دينيا للسكنى في منطقة بعينها لتآلفهم التجمعات السكنية لأهل الجزية في مناطق بعينها في المدن الإسلامية؛ كحارة اليهود في القاهرة، والتي تجمع فيها اليهود، وسكنوا بها، وعرفت جليا منذ العصر الأيوبي، وما زالت تسمى بهذا الاسم حتىبهم. وظهر ذلك الآن). (٢ويفسر هذا ما نراه في كثير من مدننا المعاصرة؛ حيث يتجمع أهل الجزية حسب طوائفهم الدينية في مناطق معينة من هذه المدن. ) (١الأدرنوي :رياض القاسمين، ص. ٥٥١ - ٥٥٠ ) (٢للاستزادة، راجع :المقريزي )تقي الدين أحمد بن علي، ت ٨٤٥هـ( :المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، المطبعة الأميرية، ج /٢ص ٤٧١؛ مبارك )علي باشا( :الخطط التوفيقية الجديدة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ج /١ص. ٩٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥١٨ ومن المهم الإشارة إلى أن الأحكام الفقهية الإباضية ضيقت على سكنى سلاما المسلم في مناطق أهل الجزية تتوافق وهذا التوجه الذي يضمن اجتماعيا. وفي ذات الوقت لم تمنع أهل الجزية من السكنى في المناطق السكنية للمسلمين، وطبقت عليهم نفس الأحكام التي تطبق على المسلمين في إطار حديث المصطفى ژ » :لهم ما لنا، وعليهم ما علينا«. وهذه الرؤية تشير إلى مدى ما كانت تقصد إليه هذه الأحكام من سلام اجتماعي، ومحافظة على حقوق فئات المجتمع وطوائفه، سواء كانوا من المسلمين أو أهل الجزية. QhódG »a ∞°ûμdG Qô°V ΩÉμMCG عالجت الأحكام الفقهية ضرر كشف الدور، ومن هذه الأحكام ما يعرض لضرر كشف دار لدار مجاورة أخرى من خلال السطح. فقد ورد أنه »إن أحدث رجلا دار له جديدة، وله جار علو من غرف أوسط يشرف عليه داره، فعلى صاحب العلو أن يستر، وإن كان منزله قبل«).(١ وهذا الحكم في غاية الأهمية؛ حيث إنه يشير إلى أن بناء أحدهم لداره مجاورة لدار أقدم منها، وكانت الأخيرة مشرفة على داره تكشفها، فإن على صاحب الدار الأعلى المشرفة أن يستر بالرغم من أن داره أقدم إنشاء. وهذا الحكم من الناحية المعمارية يعني إنشاء سترات للدور الأقدم إذا كانت تشرف على الدور الأحدث. وهو ما يعني أن ضرر الكشف يعالج باستمرار في إطار ما يحدث من تغير معماري وعمراني في المستقر السكني نتيجة أحداث منشآت جديدة. ) (١ابن جعفر :الجامع، ج /٤ص ١٨٨؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٢٠٥ ٥١٩الفصل السادس :المنشآت السكنية وعرض ابن جعفر ما يتصل بموضوع الستر من أحكام، وهو السترة التي تنشأ لتحقيق غرض الستر، فذكر أن غيره قال» :السترة يكون بسطة ويرفع يده على المرسة، قال أبو سعيد :قال من قال :بسطة، وقال من قال :قامة الطويل«). (١وما ورد في هذه الأقوال يشير إلى أن السترة تكون بمقدار ارتفاع رافعا ذراعيه، وهذا الوضع هو ما يعبر عنه بكلمة »بسطة«. أما القولرجل الأخير الذي يشير إلى أن السترة تكون بقياس »الرجل الطويل«، فهو يأتي في إطار مدلول قوله تعالى ﴿ } ~ ے ¡ ﴾ ]البقرة.[٢٤٧ : أيضا الطول. وإذا كان الغرض من السترةوالبسطة في الجسم تعني فيما تعني هو أن تحجب من هو فوق السطح من كشف سطوح الدور المجاورة، فإن تحديد قياسها بالرجل الطويل، تحقق الغرض، كما أن ارتفاع رجل متوسط رافعا ذراعيه »بسطة« يتقارب إلى حد كبير مع ارتفاع »رجلالطول أو قصير طويل« مميز الطول، وهكذا تتقارب الأحكام في تحديد مقياس ارتفاع السترة، وهو الارتفاع الذي يحجب خط بصر من فوق السطح عن رؤية سطوح الدور المجاورة بما يمنع ضرر الكشف. وفي سياق هذه القياسات ورد في آداب الجوار أن »يأخذ صاحب العلو في المنزل سترة حتى يستر القائم الطويل، ويشرف على من كان تحته من المنازل، ولو كان محدثة، قال أبو المؤثر يستر القائم الطويل على السرير«).(٢ والتحديد في هذا النص أدق مما ورد في الأحكام السابقة؛ حيث إنه يؤكد على أن السترة تكون بارتفاع »يستر القائم الطويل«، وأكد ابن المؤثر بصيغة أدق؛ حيث ذكر أن السترة تكون بارتفاع »القائم الطويل على السرير«، وهذا القول يعني أن قياس السترة يكون بارتفاع قامة الرجل الطويل الذي يقف ) (١ابن جعفر :الجامع، ج /٤ص ١٨٩؛ الكندي :المصنف، ج /١٧ص. ٢٠٥ ) (٢ابن جعفر :الجامع، ج /٤ص. ١٨٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٢٠ فوق سرير. وهو قول يومئ إلى أنه متاثر إلى حد بعيد بحكم الخليفة عمر الذي نص على ذلك في منع ضرر الكشف، والتي تأسست على حادثة الرجل الذي كان يكشف سطح الدور المجاورة له من خلال كوة نافذة، فأمر بأن يكون ارتفاع الكوة بارتفاع رجل واقف فوق السرير. وهذا الارتفاع أكثر مما ورد في كل الأحكام السابقة، حيث إنه يضيف إلى ارتفاع قامة الرجل تماما. الطويل ارتفاع السرير تأكيد لتحقيق الستر ويستمر ابن جعفر في عرض الأحكام التي تتعلق بكشف سطوح الدور بعضها لبعض، فعرض لحالات الدور التي لم ينشأ بها سترة، ويريد أصحابها الصعود إلى السطح واستغلاله في بعض الأغراض الحياتية غير النوم في الليل الذي جرت به العادة في المنطقة العربية في الصيف لحرارة الجو. فقال» :وقد قيل ما لم يتخذه سك نا فلا نوم عليه، ولو نام في الليل، وقعد في حبا أمضاه، وانتفع بظهر بيته،تمرا أو النهار لبعض مصالح بيته، أو جعل فإن أشعر جيرانه عند صعوده في النهار فلا حصن عليه، واالله أعلم«).(١ ويشير هذا الحكم إلى أن السطح الذي يستر بسترة هو فقط الذي يمكن استغلاله في السكن بمفهومه الشامل، وفي هذه الحال يكون السطح بمثابة طابق سكني لا ينقصه سوى السقف. أما استغلال السطح غير المستور في أغراض أخرى دون السكن فإنه يكون في إطار ما لا يضر بالسطوح المجاور بكشفها، وبخاصة في فترات النهار التي تستوجب استئذا نا من الجيران حال الصعود إلى السطح لغرض من الأغراض التي أشار إليها الحكم؛ كتجفيف التمور والحبوب، وهو أمر يشير إلى مدى المواءمة بين هيئة السطح المعمارية واستغلاله في أغراض الحياة بتحقيق منفعة ما دون إحداث ضرر الكشف. ) (١ابن جعفر :الجامع، ج /٤ص. ١٨٩ ٥٢١الفصل السادس :المنشآت السكنية وقد أشارت بعض المصادر الفقهية الأخرى إلى أن الصعود إلى السطوح غير المستورة للأغراض الحياتية التي سبقت الإشارة إليها لا يكون من درج غير مستور، حتى لا يكشف الصاعد إلى السح أثناء صعوده ما جاور من غالبا من سلم خشبي نقال يضطر صاعده لأن يكونالدور، وكان الصعود وجهه إلى البناء الذي يصعد إلى سطحه؛ فلا يرى بوضوح سطوح الدور المجاورة؛ حيث كان يمنع إنشاء أو بناء الدرج العادي الذي يؤدي إلى سطح غير مستور لمنع الكشف، وتحرز ا منه. وهذه الأحكام الخاصة بمطالع أيضا أو منع بنائها للسطوح غير المستورة يأتي في إطارالسطوح وسترها استكمال الصورة المعمارية في الدور السكنية؛ حتى لا تكون سطوحها مصدر لضرر الكشف).(١ QGódG »a... ôa©dG يشير ابن جعفر في جامعه إلى حالة معينة من حالات استغلال الدار في اصطلاحا بـ »العمرى في الدار«، والعمرى في اللغة من عمرالسكنى، تعرف يعمر من باب تعب بفتح العين وضمها، طال عمره، فهو عامر، به سمي تفاؤلا، تعميرا، ويتعدى بالحركة والتضعيف، فيقال عمره االله يعمره من باب قتل، وعمره أي أطال عمره، وتدخل لام القسم على المصدر المفتوح، فتقول :لعمرك لأفعلن، ومنه اشتقال العمرى، وأعمرته الدار بالألف جعلته سكناها عمره. وفي الاصطلاح جاء في سهل المدارك تمليك منفعة مملوك حياة المعطي بغير عوض، فإذا قال المتبرع أعمرك داري هذه ثبت له ملك منفعة تلك الدار، فإذا مات المعمر رجعت ملك ا للمعمر، أو وارثه يوم موت الم عمر بالفتح«).(٢ ) (١عثمان :الإعلان، ص ص. ١٩٠ - ١٨٩ ) (٢ابن جعفر :الجامع، ج /٥هامش ، ١ص. ٢٦٢ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٢٢ ويذكر ابن جعفر إذا قال مالك الدار لأحدهم »هي لك عمرك صارت له، ولورثته من بعده، وإن قال أسكنتك هذه الدار ما عشت فإنما هي له سكنى الدار ما عاش، ثم ترجع إلى صاحبها، والرقبة إذا قال هذه الدار أو هذا العبد رقبة على فلان له غالته إلى كذا وكذا فذلك له، وإن قال هو عليه رقبة ولم يبين غير ذلك، فهذا ضعيف عندنا، وكذلك في العمري. «.. ويشير هذا الحكم إلى نوع من أنواع التصرفات في الدور متعلق بالسكنى التي قد يترتب عليه توريث في إطار النص الذي يذكر صاحب الدار والذي أشار إليه ابن جعفر بقوله» :أعمرتك«، وهو نص يختلف عن الاستفادة بالمنفعة فقط ولمدة عمر من سكن الدار إذا جاء النص »أسكنتك«. Qhó∏d ájQÉa©adG íeÓadG وفي إطار ما عرض الكندي في المصنف من أحكام تتعلق بالدور يتضح بعض الملامح المعمارية للدور في عصره، فقد أورد في بعض الأحكام ما يشير إلى اشتمال الدار على نخل وسدر وهو ما يعني وجود مساحات بالدار يغرس فيها هذا النخل، ويستمر بقاؤه في إطار الاستفادة من ثمره، وقد ورد ما يشير إلى ذلك في الأحكام في إطار عرض مسألة جاء فيها إن قيل إذا أقر فقال هذه الدار لفلان كان له الدار وما فيها من أصول ثابتة مثل النخل والسدر وغير ذلك من الأشجار. (١)«...وهو ما يعني أن نمط الدور الحدائقية وجد في عمان مثلما وجد في بلاد أخرى كبلاد الشمال الإفريقي. كما اشتملت بعض الدور على آبار مثال ذلك ما ورد في مسألة جاء منها »وقيل في رجل أقر لرجل بمنزل أو أوصى له به أو بايعه إياه وفيه بئر، ) (١الكندي :المصنف، ج /٢٧ص ، ١٢٦ص. ٢٢٧ ٥٢٣الفصل السادس :المنشآت السكنية إن البئر للمقر أو الموصي؟ إن كان أقر له بداره هذه أو بيته هذا، والدار تبعا للدار للموصى له والمقر له به، والطوى للموصي والمقر لا يكون البئر إلا أن يقر بالدار وما فيها، فإذا أقر له بذلك ثبت له جميع ما في الدار من أصل وغير ذلك. (١)«... العمانية كان ينشأ بها مصلى، وتشير بعض الأحكام إلى أن بعض الدور العمانية الكثيرة أمثلة لهذه المصليات وقد وجدت في أمثلة باقية من الدور مثل بيت النعمان، ويبدو أن هذا التقليد المعماري قديم بدلالة ما ذكر الكندي في مصنفه، فقد ذكر أنه »لم يجز للساكن أن يحدث في البيت مصلى ولا يصلح المصلى القديم، فإن كان قد غاب إلا برأي صاحب البيت«). (٢وفي إطار ما ذكر يتضح أن الدار التي أشار إليها الكندي صاحب المصنف كانت دار تؤجر. ويشير السياق إلى أنها لم تكن بالدار الفخمة، وهو ما يعني انتشار المصليات في نوعيات الدور المختلفة، سواء كانت فاخرة أو غير ذلك. ومن المهم الإشارة إلى أن المستوى المعماري للدور عكسته بعض الأحكام، فقد ذكر الكندي صاحب المصنف أن »قسمة المنازل من القرية الواحدة، من المال الواحد، قسمة واحدة إلا أن يكون منزل فاخر، ولا يكون في المنازل مثله، فإنه يقسم قسمة واحدة أن يقسم ذلك المنزل وحده، وسائر المنازل قسمة بالتأليف على ما يراه العدول«).(٣ وتكشف أحكام القسمة الأخرى عن بعض الملامح المعمارية للدور، فقد جاء أنه »إذا كان منزل بين نفر، وغماء واحد، ومجرى مائه والميزاب فيما يلي المغرب، فقسموه ثلاثة فوقع الغربي لواحد فأراد هدمه فكره عليه ) (١الكندي :المصنف، ج /٢٧ص ، ١٢٤ج /١٨ص. ٩٥ ) (٢الكندي :المصنف، ج /١٨ص ، ٩٦ج /٢٦ص. ٧٩ ) (٣الكندي :المصنف، ج /٢٦ص. ٧٨ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٢٤ الآخران، وقال مجرى مائنا بحاله، ولا تهدم بيته. (١)«...ويشير هذا النص إلى عناصر معمارية مهمة في الدار هي مجرى الماء، والميزاب وقسمة هذه العناصر حال قسمة الدار يفترض أنه لا تعطل الاستفادة منها، بل تكون في جميعا، وإذا كانت القسمة تفسد وظيفة الدار باعتبارهاصالح المقتسمين واحدا، بسبب صغر مساحتها أو غير ذلك، فإن الداركيا نا معمار يا عضو يا كانت تقوم ويأخذها أحد المقتسمين ويدفع الثمن لباقيهم).(٢ ومن الملامح المعمارية المهمة في بعض الدور الصالحة للقسمة أن ينشأ طريق داخلي يؤدي إلى بقية الأقسام غير القسم الذي يقع على الطريق. وهذا الطريق يمكن أن يتفق المقتسمون على أن يركب عليه مصراع خشبي لغلقه في بعض الأوقات التي تتطلب ذلك، ويمكن أن تترك فتحته بدون باب طالما اتفقوا على ذلك، وهذا يعني أن فم الطريق الداخلي الناشئ عن اقتسام دار ليتوصل منه إلى الأقسام الداخلية يمكن أن يركب عليه باب، ويمكن أن يكون بدون باب، وهذا الملمح المعماري مهم في التوثيق المعماري والدراسة الآثارية لأنماط مشابهة. وهذا المظهر المعماري موجود دارا ولم منذ عصر مبكر، فقد ورد في جامع ابن جعفر أنه إذا قسم الورثة يشترطوا القسم أن هذا المورد لمن وقع له في حصته، وكلهم محتاج إليه؟ فالقسم منتقض، وإن طلب أحدهم ذلك، ويخرجون لهذا المورد طريقا في جماعة هذه الأرض، ويخرج كل واحد من حصته إلى ذلك الطريق، وليستتر بابا على باب الدار التيكل واحد مما ولاه عنه، وليس عليهم أن يجعلوا جميعا إلا أن يتفقوا على ذلك).(٣ تجمعهم ) (١الكندي :المصنف، ج /٢٦ص. ٨٠ ) (٢الكندي :المصنف، ج /٢٦ص. ٧٦ ) (٣الكندي :المصنف، ج /٢٦ص. ٧٦ ٥٢٥الفصل السادس :المنشآت السكنية :OÓÑdGh iô≤dG »a ¿É£∏°ùdG ∫RÉæe هناك نوعيات أخرى من الدور غير تلك الدور التقليدية التي يسكنها أفراد المجتمع كانت تنشأ لظروف خاصة بمعرفة السلطان، فقد أشار الكندي في بيان الشرع إلى أن »السلطان يسير إلى القرى فيبني فيها منازل، ويعرش فيها عرشا فيسكن ما يشاء، ثم يرتحل عنها، ويدعها خالية كما هي، هل يجوز لأحد من الناس أن ينزلها من بعده أو يسكنها؟ فعلى ما وصف، فإن كان ذلك في أموال الناس فمن كان ذلك في ماله فهو أولى به، وللسلطان قيمة ما بناه، وإن أراد ذلك صاحب المال قال :للسلطان أن ينزع بناءه، فله ذلك، وإن أراد خرابا ولا حاجة أن يقلعه من أرضه ويخرجه منها، فله ذلك، فإن تركه السلطان بأسا إن شاء االله، وليس له أن لأهلها بها، واضطر إليها الساكن لم أر بذلك يتخذها سك نا إلا بإذن أهلها، وإنما يجوز مثل المبيت على الاضطرار، والمقيد والنزول على معنى المسافر، وإن كان ذلك البناء في غير أموال الناس، ثم بأسا خرابا، وأراد ساكن اني سكنها لم أر بذلك خرج السلطان وودعها رما فيمنعهإن شاء االله، ما لم يرجع إليها الذي بناها، فيمنعه منها، أو يكون أهل الرم، فلا يسعه أن يسكنها إلا برأي أهل الرم الجباه منهم، وإن لم يمنعه دارا يقيم فيها«).(١ أهل الرم فلا بأس بالسكن فيها ما لم يتخذها حجة أو وفي ضوء نص هذ الحكم يتضح ما يلي: ١ـ أن هناك من السلاطين ما كان يذهب إلى القرى بعض الوقت، وينشئ دورا لإقامته، ثم يتركها.فيها ٢ـ أن بعض هذه الدور كان يمكن أن تنشأ في أموال الناس وبعضها في غير أموالهم. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٥ص ص. ٢٦٧ - ٢٦٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٢٦ ٣ـ أن بعد هجر السلطان يمكن استغلال هذه الدور بمعرفة من بنيت في أموالهم، ويمكن لهم استعادة حقهم في بنائها في أموالهم في إطار هذه الحالة. ٤ـ أن الحكم وجه إلى إمكان استغلال هذه الدور للسكنى في إطار قواعد منظمة مرتبطة بظروف إنشائها، سواء على أموال الناس أو في مواضع أخرى. ٥ـ أن هذه الدور سمح في حالة إنشائها على أموال الناس بالسكن فيها في حالات الاضطرار لمن أراد أن يسكن بها، كما أنها كان يمكن أن تكون منزلا للمسافرين بعض الوقت. متكررا؛ حيثويبدو أن إنشاء مثل هذه المنازل بمعرفة السلاطين كان أورد الكندي في بيان الشرع مسألة أخرى ذكر فيها أنه »إذا خرج السلطان إلى بلد فابتنى فيها عريش ا ومنازل ثم خرج وترك ذلك البناء، وذلك في غير بأسا، لم يرجع إليهاأموال الناس، وأراد ساكن أن يسكنها، لم أر بذلك الذي بناها فيمنعه منها، أو يكون بنى في أرض أحد أو لا حده«).(١ ويشير هذا الحكم وكما ورد في الحكم السابق أن المنشآت متنوعة، منها ما هو منازل، ومنها ما هو بناء خفيف من القصب أو الخشب على هيئة عريش، يستغل في خدمة ركب السلطان. ومن الملفت للانتباه أن هذه المنشآت كان للسلطان حق متابعة أمرها والتصرف في سكناها لغيره إذا كان قد بناها في غير أموال الناس، ويمكن أن يسمح بسكناها لغيره، ويمكن أن يحتفظ بها لنفسه، وهذا الأمر الأخير يعني احتمال عودته لاستخدامها مرة أخرى، وهو ما يعني ضم نا إلى استمرار زيارات السلطان للقرى والبلاد ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٥ص. ٢٧١ ٥٢٧الفصل السادس :المنشآت السكنية قائما حتى متبعا في هذه العصور السابقة، وهو تقليد ما زال تقليدا كانت العصر الحديث حيث يقوم سلطان عمان في العصر الحالي بزايارت دورية سنوية لأقاليم السلطنة، يقابل فيها جموع الشعب ووجوه القوم في هذه البلاد، ويتتبع أحوال الناس، ويوجه إلى تحقيق مصالحهم ورعايتهم. وفي إطار ما سبق ومع اختلاف ظروف وأدوات الانتقال والمعيشة تبدو أهمية إنشاء هذه المنازل للسلاطين في القرى والبلاد لتحقيق هذه الغايات النبيلة. :¥Gƒ`°SC’G ±ô`Z أشارت بعض الأحكام الفقهية التي أوردها الكندي في بيان الشرع إلى نوعية من المنشآت في الأسواق عرفت بغرف الأسواق، كانت تستخدم كمواضع يأكل ويستريح فيها بعض الوقت الذين يأتون إلى هذه الأسواق من البلاد الأخرى للتعامل التجاري في سوق هذه البلد أو تلك. فقد ذكر الكندي أن »الغرف التي تكون في الأسواق يدخلها الناس بطعامهم يأكلون فيها، جائز دخولها من غير استئذان أهلها؛ لأنها كالمنازل المأذون للناس الدخول فيها، ولا يجوز دخولها ليلا بغير استئذان، والفرق بينهما أن النهار وقت لدخول الناس، وأذن من أهلها لهم، وليس في الليل تعراف لإجازتهم للناس للدخول إليهم، إلا أن تستوي إباحتهم للناس في الليل كإباحتهم في النهار، فيجوز الدخول إليهم في الليل، وإنما قلت :يجوز الدخول إليهم في الليل؛ لأنه ليس في ذلك تعارف ولا عادة«).(١ طعاما وأتى به غرفة،وفي حكم آخر ذكر الكندي »أن من اشترى وفيها قوم يأكلون لا يعرفهم، فأراد الدخول إلى هذه الغرفة، ويقال إنها ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٥ص. ٢٦٥ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٢٨ مباحا دخل بلا استئذان،للغرباء يأكلون فيها فهذا يعرف بالعادة إن كان ولا لم يجز إلا بأمر أهلها، لأن البيوت لا يجوز الدخول إليها إلا ما كان مباحا«).(١ ويكشف هذان الحكمان معمار يا عما يلي: ١ـ أن الأسواق كانت تنشأ بها غرف يستخدمها الغرباء من الناس ليأكلوا فيها، وكان استخدام هذه الغرف عاد ة بالنهار، ويجوز أن يسمح بالدخول إليها في الليل إذا أجاز أهلها ذلك. ٢ـ أن استخدام مصطلح »غرفة« يعني أنها وحدة معمارية في طابق علوي، وليست بالدور الأرضي لمبنى ما. وهذا يعني أن الأسواق كان بها وحدات معمارية في الدور الأرضي تعلوها هذه الغرف. ٣ـ أن استخدام هذه الغرف في الأغراض التي أنشئت من أجلها كان عاما يبيح الدخول إليها من الغرباء، سواء كانوا دفعةاستخداما واحدة أو دفعات متتالية يدخل بعضهم على بعض لغرض الأكل في هذه الغرف سواء بالنهار، كما جرت العادة أو بالليل في حالات الاستثناء. ٤ـ أن هذه الغرف كانت تؤدي خدمة للغرباء الذين يأتون من بلاد بعيدة، أو مجاورة للبلد التي بها السوق، وهو ما يعكس مستوى مهما في هذه الفترة يضاف إلى الخانات التي كانت تنشأحضار يا داخل البلاد والمدن لإقامة الغرباء من التجار وغيرهم، لكنها كانت في إطار وظيفة محددة أشارت إليها النصوص والأحكام التي سبقت الإشارة إليها. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٥ص. ٢٦٥ ٥٢٩الفصل السادس :المنشآت السكنية :z§FGƒëdG{ »a 䃫ÑdG غالبا بأشجار النخيل الحائط هو السور الذي ينشأ حول أرض تعرش أيضا، وقد أشارت بعض الأحكام الفقهية إلى ما كان ينشأ في بعضوتزرع هذه الحوائط من بنيان منها ما يستغل في السكن كالبيوت »فعن أبي معاوية وسألته عن أخوين بينهما سكن فيه بنيان أو حائط، ولك بيت من البيتين باب إلى الحائط، ومن الحائط باب إلى الطريق، وعند كل واحد، هل ينكر عليهما ذلك، أو يأمر أن يقطع بينهما بجدار أو بحضار، قال :نعم قلت فإن كرها يجبران؟ قال :يؤمر أن يستر بينهما، فإن لم يفعلا أمر أن يدخلا بإذن، فإن لم يفعلا شد عليهما في ذلك حتى يدخلا بإذن أو يسترا بينهما، قلت: وكذلك السكن الذين يسكنون بأجر؟ قال :نعم إلا أن يكونوا في سفر مثل مكة وغيرها، ولا يمكنهم إلا ذلك).(١ وهذا الحكم له دلالات معمارية وآثارية مهمة، نوجزها فيما يلي: ١ـ أن الحوائط أو ما جاورها من أموال كانت يمكن أن ينشأ فيها بيوت للسكنى، ويكون التوصل من هذه البيوت إلى الطريق عبر هذه الحوائط. تنظيما معي نا أشار ٢ـ أن سكنى هذه البيوت بساكنين بزوجاتهم يطلب الحكم إليه، فإما أن ينشأ جدار أو حضار ليفصل بين المارين إلى البيتين ليحقق الخصوصية ويمنع ضرر الكشف، أو يكون الدخول في أيضا ضرر الكشف.إطار استئذان منظم يمنع ٣ـ أن هذا الحكم ينطبق على كل نوعيات المساكن التي تؤجر ويشترك في سكناها أكثر من أسرة. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /٥ص ص. ٢٧٥ - ٢٧٤ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٣٠ ٤ـ أن هذا الحكم لا يطبق استثناء على بعض نوعيات من المنازل ينزل بها المسافرون في محطات سفرهم كمنازل الحج أو في مساكن الحجيج في مكة باعتبار ظروف سكنها الطارئ، وهو ما يشير ضم نا إلى أن هذه المتابعة المعمارية لتحقيق الخصوصية ومنع ضرر الكشف كان يطبق في المساكن الدائمة وفي الظروف العادية، ولم يكن ذلك قائما في المنازل التي ينزل بها الناس أثناء سفرهم لبعضبالضرورة البلاد، مثل مكة التي يأتيها الحجاج من كل فج عميق. الفصل السابع القبور الفصل السابع :القبور فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٣٢ بابا لأحكام القبور، وتضمنت هذه الأحكام معلومات مهمةأفرد الكندي عن أنواع القبور، وأشكالها، وأجزائها، سواء التي في تخوم الأرض أو التي يمكن أن تكون في مستوى سطح الأرض، أو ما يعلوها، وكذلك ما يتعلق بالبناء فوق القبر. كذلك تضمنت هذه الأحكام بعض المعلومات المهمة التي تتعلق بقياسات عمق القبر تحت مستوى سطح الأرض، وقياسات حفرته ولحده، وتحديد موضع بابه، وكذلك ما يتعلق بكل ما يتصل بعملية الدفن اتساقا مع عناصر القبر وقياساته، وحركة القابرين للميت أثناء دفنه. كما عرضت لأحكام القبور التي تنشأ في ظروف اضطرارية لدفن أكثر من شخص، والتي تنشأ لعدد كبير من القتلى في ظروف خاصة. وهذه الأحكام في غاية الأهمية للتعرف على القبور بأشكالها وأنواعها المختلفة، وعناصرها، كما أنها مهمة لتمييز القبور الإسلامية عن غيرها، وكذلك لها أهميتها الخاصة بالنسبة للدراسات الآثارية والمعمارية المتعلقة بالعمارة الجنائزية، ليس فقط على مستوى الفقه الإباضي والثقافة الإباضية، ولكن على المستوى العام. وفي إطار ما سبق تعرض الدراسة لهذه الأحكام من المنظور الآثاري المعماري في إطار التوجه العام المحدد لدراسة فقه العمران والعمارة الإباضية من وجهة النظر الآثارية والمعمارية. :ôÑ≤dG áÄ«¡H á°UÉîdG ΩÉμMC’G `` ’k hCG نصت الأحكام الفقهية الإباضية على الشكل العام للقبر الإسلامي، وأكدت على أن دفن الميت في اللحد كان هو القاعدة الصحيحة، وأن غير ٥٣٣الفصل السابع :القبور ذلك من حالات الدفن في »الشق« أو المقبرة الجماعية سواء كانت في هيئة »عويرا« أو »خبة« أو »طوى«) (١كان يمثل حالات استثنائية فرضتها الضرورة أو الظروف. و »اللحد :يتم إعداده بحفر القبر في هيئة حفرة مستطيلة بقياسات تتسع لحركة القابرين أو »اللحاد«، الذي يدفن الميت، وحركة الحاملين للجنازة عند إدخالها القبر، ويحفر في ضلعه الطويل المقابل لاتجاه القبلة في مستوى عمق معين الموضع الذي يوضع فيه جسد الميت على جانبه الأيمن ووجهه في اتجاه القبلة. أما الشق فهو عبارة عن حفرة من الأرض تحفر بعمق معين ويوضع فيها جسد الميت بنفس الهيئة السابقة، ثم يوارى الميت بالتراب. ومن المهم أن نشير إلى الأحكام الفقهية المتعلقة بالقبر الذي يتضمن لحدا للدفن. فقد أشارت الأحكام إلى أن دفن الميت من أهل القبلة لا بد أن يكون بقبره لحد طالما كان ذلك ممك نا). (٢كما تشير الأحكام إلى أن حفر القبر ذي اللحد كان يمكن أن يتم قبل أن يموت صاحبه، فقد وردت مسألة: محفورا، أنه لا يجوز أن يقبر فيه، قال :إلاقبرا قال أبو سعيد :في رجل وجد أن يظهر عليه علامات أنه متروك، وأن الذي حفره مستغن عنه، ولا يرجع إليه، فعندي أنه يسعه أن يقبر فيه على اطمئنان قلبه، إذ اطمأن قلبه إلى ذلك، قال :وأما في الحكم الظاهر فعندي أنه يسعه أن يقبر فيه حتى يعلم أصل ذلك، ويدخل على خلاف لا شك فيه. (٣)«.. ) (١مواضع كانت تستخدم كمدافن جماعية، ويتشف من المعاجم اللغوية أنها كانت مواضع تستخدم في ذلك سواء كان بهيئتها الطبيعية كالخبة، أو مبنية كالطوى، وهو البئر المطوي. ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ص. ٢٠٩، ٢٠٥ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢٠٩ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٣٤ وقد عرضت بعض الأحكام لقياسات عمق القبر، فقد »قال أبو بكر روينا عن عمر بن الخطاب ƒأن أوصي أن يعمق قبره قامة وبسطة«). (١أي يكون رافعا ذراعيه. وهذا القياس هو أكبرعمق القبر بارتفاع قامة إنسان متوسط القياسات التي أشارت إليها الروايات، فقد وردت إشارات أخرى، فقد ذكر »أبو سعيد :يخرج في معاني قول أصحابنا استحباب عمق القبر، وأحسب أنه في الرواية أنه لا يجاوز ثلاثة أذرع ١٣٨,٦سم حسب معنى القبر على اللحد. وما يروى عن النبي ژ أنه نهى عن عمق القبور فوق ثلاثة أذرع، واالله أعلم بما حكى عن عمر بن الخطاب ƒفي بسطة، والبسطة معناها أكثر من ثلاثة أذرع، وإن أوجب الرأي ذلك لمعنى خوف ضرر من ستر أو سبع. وفي رواية أخرى أنه روي عن »عمر بن عبد العزيز والنخعي أنهما قالا: قريبا جدا، ولا يحفر للميت إلى السرة. وقال مالك :أحب ألا يكون عميقا من أعلى الأرض، ولا يتغوط في أحد المقابر، فإنه مما يؤذي«). (٢وكان هذا أساسا من حفر القبر بالعمق المناسب وفق الروايات السابقة، وإنالهدف كان هناك من فضل عمقها؛ كالشافعي الذي قال» :أحب لي أن يعمق قدر بسطة، فلا يعرف على أحد أراد نبشه، ولا يظهر له ريح«).(٣ وإذا كان القبر ذو اللحد هو القبر الشرعي الأساسي، فإن تفضيله عن الشق وغيره لأنه »ساتر لكل ميت في موضعه«).(٤ وأشارت الأحكام الفقهية إلى عناصر أخرى من عناصر القبر، ومن أهمها »باب القبر«، فقد قيل لكل بيت باب، وباب القبر من ناحية الرجلين«. ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢١٢ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ص. ٢١٣، ٢١٢ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢١٢؛ الكندي :المصنف، ج ، ٣١ص ص، ٢٨٢ - ٢٨١ وص. ٣٠٢ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢١٧؛ الكندي :المصنف، ج /٣١ص. ٢٧٤ ٥٣٥الفصل السابع :القبور وفي موضع آخر وردت الإشارة إلى »باب القبر«، فقد ذكر أبو سعيد أن »باب القبر من عند الرجلين، فمن هنالك يدخل منه، ومنه يدخل من يدفن الميت، ومن يدخل اللبن، واالله أعلم«). (١وقال محمد بن المسبح :يستحب أن يكون دخوله القبر وخروجه منه مما يلي الرجلين، فإن دخل من عند الرأس خرج من عند الرجلين«).(٢ وهذه الأحكام لها أهميتها ليس فقط بالنسبة لإجراءات الدفن وترتيب أيضا مهمة في تفسير ما بقي من قبورحركتها باتجاهات محددة، ولكنها بنيت بهيئات معمارية مختلفة؛ كقبور أمراء وسلاطين المماليك التي بنيت فساقي الدفن بها في تخوم الأرض، وكان بابها والمنزل إليها في اتجاه رجل الميت في موضع دفن على جانبه الأيمن، ووجه في اتجاه القبلة).(٣ وقد تكرر هذا المثال عندما كشف عن فساقي الدفن في ضريح السلطان قلاوون وضريح ابنه الناصر محمد بن قلاوون في مدرسته بشارع المعز لدين االله، وفي ضريح تتار الحجازية. وهذا التطابق بين الحكم الفقهي في تحديد موضع باب القبر وبين ما كشف من آثار القبور كما في الأمثلة المذكورة يوضح أهمية التعرف على الأحكام الفقهية الخاصة بتحديد موضع باب القبر. وقد أشارت بعض الروايات إلى بعض الأمور الأخرى التي تتصل بعملية الدفن، وبخاصة وضع الميت في اللحد، فقد قال أبو بكر »واختلفوا في صفة لحد الميت عند إدخاله القبر، فقال قوم :يسل سلا من قبل رجل ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢١٢؛ الكندي :المصنف، ج /٣١ص. ٢٨٧ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢٢٣؛ الكندي :المصنف، ج /٣١ص. ٢٧٣ ) (٣من طريف ما يذكر أن سراق القبور لم يدركوا هذه الحقيقة، فنقبوا القبر ودخلوا إلى فسقية الدفن من مواضع أخرى؛ لأنهم لم يتعرفوا على موضع الباب الطبيعي الخاص بالقبر والمؤدي إلى منزله. وقد حدث هذا عند سرقة ضريح قلاوون. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٣٦ القبر، روينا هذا القول عن عمر وأنس بن مالك وعبد االله بن زيد الأنصاري وعابر الشعبي وإبراهيم النخعي والشافعي، وقال آخرون :يؤخذ من قبل معترضا. روى ذلك عن علي بن أبي طالب وابن الحنفية، وبه قالالقبلة إسحق بن راهويه، وقال مالك بن أنس :لا بأس أن يدخل الميت من نحو رأس القبر أو رجله أو وسطه، قال أبو بكر الأول أحب إلي«). (١وهذه الروايات تشير إلى اتجاهات وضع الميت في القبر ليستقر في لحد. وهذه لحودا، أما بقية الروايات ترتبط ارتبا طا عضو يا بنوعية القبور التي تتضمن أنواع القبور وبخاصة التي تتضمن فساقي للدفن في تخوم الأرض، فإن سل الميت سلا من قبل رجل القبر )أي بابه( الذي يكون في اتجاه رجل الميت فرضته ظروف إنشاء هذه النوعية من القبور، التي لا تسمح بدخول الميت معترضا. من قبل القبلة أعرابيا عند دفن النبي ژ كان معه قطعة منوتشير الروايات إلى أن قطيفة، فرغب أن توضع في لحد النبي ليوضع جسده الشريف عليها، وكان له ما أراد).(٢ موسرا، أن يوضعوورد في الحكم أنه »يستحب لمن وسع عليه االله وكان له تحته في قبره مضربة). (٣أو غيرها من شيء لين لما روى عن أن النبي ألقيت تحته قطيفة في قبره«).(٤ كما ورد في مسألة أن الميت إذا حف فلم تنل رأسه التراب أرجو أن حجرا«). (٥ثم بعد ذلك يوضع اللبن ليسد الجانب الخارجيلا بأس أن يوسد ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢٢٣ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢٠٧؛ الكندي :المصنف، ج /٣١ص ص. ٢٧٨، ٢٧٣ ) (٣المضربة :بساط لين من صوف أو قطن. ابن منظور :لسان العرب، ج /ص. ٢٩ - ٢٦ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢٠٨ ) (٥الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢١٥ ٥٣٧الفصل السابع :القبور للحد). (١ثم يهال التراب في بقية حفر القبر، وكان التوجيه بألا يزاد عن التراب الناتج من الحفر).(٢ وهناك من القبور ما أعد لدفن أكثر من واحد، وعالجت الأحكام الفقهية هذه الحالة معالجة ترتب بوضوح موضع كل منهم في القبر في إطار اعتبارات معينة، فقد ورد في الأحكام أنه »لا بأس أن يدفن الاثنين والثلاثة من النفر في قبر واحد، ويقدم أعلمهم بكتاب االله وسنة نبيه، فإذا استووا في ذلك، قدم أقدمهم س نا في الإسلام، ثم يشق للذي يليه في وسط القبر، ثم يشق للآخر، والعلم أن الرجل يقدم على المرأة في القبر«)». (٣وإذا دفن رجل وامرأة قدم الرجل، وكذلك إذا دفن صبي وامرأة في قبر واحد قدم الصبي في اللحد، وشق من ورائه للمرأة«. وفي موضع آخر أشار الحكم الفقهي إلى ترتيب دفن أكثر من فرد في قبر واحد، فقد قال أبو بكر» :روينا عن النبي ژ أنه قال» :احفروا ووسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة، وقدموا أكثرهم قرآ نا«).(٤ وقد عبرت شواهد القبور التي توضع فوق القبر عن المدفونين في القبر، العمانية إلى أنه »إذا كان المتوفىحيث تشير الدراسات المتعلقة بالمقابر رجلا يوضع حجران على كل طرف من طرفي القبر، أما قبور النساء فإنها إضافيا في الوسط، وإذا كانت المرأة قد توفيت أثناء الولادة، يضافبروز ا ذكرا، أما إذا كان المولود حجما إذا كان المولودحجران عموديان، أصغر أنثى تضاف عاد ة ثلاثة أحجار عمودية صغيرة«).(٥ ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢٢١ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢٢١ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢٠٧؛ الكندي :المصنف، ج /٣١ص ، ٢٧٥ص. ٢٧٧ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢١٤ ) (٥أو من )ج( :دراسة تمهيدية عن النقوش الإسلامية في صلالة بالمنطقة الجنوبية. بكتاب = فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٣٨ وقبل أن تترك الحديث عن أجزاء القبر التي في تخوم القبر، ومن أهمها اللحد ـ كما سبقت الإشارة ـ نذكر أن الأحكام قد أشارت إلى أن اللحد يناسب الأرض الشديدة ذات التربة المتماسكة، أما إذا كان »موضع أرض لا يمكن فيها اللحد لينة، أو رخوة تتهامى) (١فإن أمكن الحجارة يحتاج بذلك للحد، ويقضي به السنة، أو خشب بألواح فإنه يفعل ذلك أهل الأمصار فهو حسن عندي، ويقوم نفسا إلا وسعها. (٢)«... مقام اللحد، وإن لم يكن إلا الشق فلا يكلف االله ويشير هذا الحكم إلى إمكانية عمل لحد بالحجارة أو بألواح الخشب متبعا في بعض الأمصار، وفي ذلكفي الأرض الرخوة، وأن ذلك كان ما يفسر حالة وجوده مثل هذه النوعية من اللحود في المناطق التي تكون فيها الأرض رخوة. وبعد وضع الميت في اللحد يتم سده بالطوب اللبن أو الحصي أو ألواح الخشب، ثم تردم حفرة القبر بالتراب. والجزء العلوي من القبر في مستوى سطح الأرض أو ما يعلوه، أشارت الأحكام إلى ما يتصل بهيئته، فقد روي عن النبي ژ أنه قال :خير القبور ما درس معنى ذلك، واالله أعلم أن ما درس ما يساوي الأرض، ولا يشرف الرحمن بن ٰعليه بناء ولا غيره، وروى أن حذيفة بن اليمان مر على قبر عبد أبي بكر وأخته عائشة قد بنت عيه بناء، فسأل عنه لمن هذا القبر، فأخبر أنه الرحمن، وأن أخته بنت عليه. فقال :أبلغوا عائشة أنه إنما يظله عمله،ٰقبر عبد واالله أعلم. وروي أن النبي ژ قال» :خير القبور أواسطها«).(٣ العمانية«، البحوث والدراسات التي قدمت في الندوة، ذو الحجة»حصاد ندوة الدراسات = ١٤٠٠هـ ، نوفمبر ١٩٨٠م، نشر وزارة التراث القومي والثقافة. سلطنة عمان، ج /٨ص. ١٤ ) (١لعلها تتهاوى. ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ص. ٢١٥ - ٢١٤ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢٠٥؛ الكندي :المصنف، ج /٣١ص. ٢٧٣ ٥٣٩الفصل السابع :القبور وفي موضع آخر ذكرت ذات الرواية بصيغة أخرى مع اختلاف اسم الشاهد، فقد روي »أن عبد االله بن عمر مر بقبر قد بني عليه بناء، فسأل الرحمن بن أبي بكر، أحبت أخته عائشة أنٰعنه، فقيل له :هذا قبر عبد يجعل عليه ظلال، قال :فقولوا لها إنما يظله عمله، فلما بلغها ذلك قالت: صدق عبد االله«).(١ وتشير الأحكام في موضع آخر إلى أنه »يكره أن يزاد على القبور غير ترابها، وتطيين القبور، والألواح فأمر محدث). (٢فإن طين مخافة أن يدرس أو يخرب، أو وضعت الألواح ليعرف لا بأس، ويكره أن يوضع على القبر الآجر أو الخزف، وكل شيء مسته النار، ويكره صب الحصي على القبر من غير حفرته، أما صب الماء على القبر فهو سنة، ولا بأس بأن يطين القبر، وقال الفضل بن الحواري :ينبغي أن يمنع الناس من البناء على القبور).(٣ وفي موضع آخر وردت الإشارة إلى ما قال الشافعي عن بناء القبر، فقد قال» :يرفع القبر ويسطح، قال أبو حنيفة :يسنم، وري عنه أنه قال :سنمت قبر النبي ژ ، ووضعت عليه ثلاثة أحجار«).(٤ وورد في إحدى المسائل التي عرضها الكندي قوله» :ومما يوجد أنه معروض على بن أبي عبد االله، ومسألته :هل يزاد على القبر غير ترابه؟ وهل يكره التطيين ووضع الألواح عليها؟ قال :أما القبور، فيكره أن يزاد عليها غير ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢٢٦؛ الكندي :المصنف، ج /٣١ص. ٢٧٣ ) (٢أشار ابن شيبة إلى أن الألواح التي يعرف بها القبر سواء كانت منقوشة بكتابات »شاهد قبر« أو خالية عرفت في عهد النبي ژ. ابن شيبة )أبو زيد عمر بن شيبة النميري )ت٢٦٢ :هـ( :تاريخ المدينة المنورة )أخبار المدينة النبوية(، تحقيق :فهيم محمد شلتوت، نشر :حبيب محمد المدني، الطبعة الثاتنية، ج /١ص. ١٢٠ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢١٣ ) (٤الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢١٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٤٠ ترابها، وأما التطيين والألواح فليس عليه بأس، وقال أبو سفيان محبوب بن الرحيل» :يكره أن يضع على القبر الجص والخزف وكل شيء مسته النار«).(١ ووردت الإشارة إلى بعض ملامح قبر النبي ژ من الخارج في سياق عرضه أحكام البناء على القبر»، فقد قيل رفع قبر النبي ژ قدر شبر، وروت قوما اتخذوا قبور أنبيائهمعائشة #أن رسول االله ژ قال :لعن االله مساجد«). (٢وفي موضع آخر وردت الإشارة في سياق إحدى المسائل أنه »يكره أن يجصص القبر، أو أن يتخذ إلى جنبه مسجد يصى فيه، أو إن يبنى على القبر مما يرفع به قدر ما يعلم أنه قبر، فيتقى أن يمشى عليه، وأنه يكره أن يصلى بين ظهراني القبور وهي بين يديه«).(٣ وفي مسألة أخرى ورد عن أم سلمة زوج النبي ژ أن النبي ژ قال: »... ولا تجصصوا القبور، ولا تبنوها، ولا تخطوا، ولا تمشوا عليها، ولا تتخذوا عليها المساجد، ولا يصلى أحدكم والقبر أمامه، وأمر بتسوية القبور«. وفي ضوء ما سبق عرضه من أحاديث وروايات، أسست عليها أحكام الفقه الإباضي بشأن القبور سواء ما كان منها في تخوم الأرض؛ كاللحد أو على سطح الأرض من بناء وألواح شاهديه »تعرف بالمقبورين« يتضح أن الفقه ن اتجاهاتالإباضي تأسى بالسنة النبوية الشريفة في هذا المجال، ولم يتب أخرى في هذا المجال، وبخاصة فيما يتعلق بما يعلو القبر من بناء). (٤أو ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢١٣ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢٢٥؛ الكندي :المصنف، ج /٣١ص. ٣٠٠ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢٢٥؛ الكندي :المصنف، ج /٣١ص. ٣٠٠ ) (٤هناك اجتهادات فقهية أخرى في هذا المجال، وبخاصة فيما يتعلق بالبناء فوق القبر، ومن أمثلة ذلك كتاب »إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور لأبي الفيض السيد أحمد بن الإمام المجتهد أبي عبد االله السيد محمد الصديق، نشر: مطبعة التأليف، مصر. ٥٤١الفصل السابع :القبور ما يجاوره من منشآت كالمساجد أو المصليات. وقد انعكس هذا بوضوح في المقابر الإباضية في عمان، والتي تختلف عن مقابر غيرهم من أصحاب المذاهب الأخرى كالشيعة الذين تبنوا إنشاء بعض المنشآت الجنائزية كالقباب وغيرها، كما الحال في مقبرة باعلوي في صلالة«).(١ ومن المهم الإشارة إلى بعض الأحكام التي تتعلق بالقبر والتي كان لها صدى فيما يبدو بالبناء على القبور في مناطق إسلامية أخرى غير المناطق الإباضية، ومن هذه الأحكام ما ورد بشأن صب الماء على القبر، فقد ورد في إحدى المسائل التي عرضها الكندي، فسأل قال :وإن لم يحضر ماء يصب على القبور فلا بأس، فإن حضر ولو قدر صاع ماء رش ذلك حيث بلغ، وإن أمكن الماء صب عليه )القبر(، وعن جابر قال :رش على قبر النبي ژ ، وأبو هريرة قال :دفن رسول االله ژ ابنه إبراهيم، فأمر بقربة من ماء فرشت عليه«). (٢ويبدو أنه صب الماء على القبر بعد دفن الميت استمر كتقليد إسلامي في كثير من البلاد الإسلامية، ومنها مصر. ولكن الملفت للانتباه أن هناك من الأضرحة ما جعلت قبته مفتوحة من أعلى ليسقط ماء المطر من خلال فتحة خطها على قبر المدفون في القبر في تخوم أرض هذه القبة، فهل لذلك علاقة بما كان يتبع في السنة من رش الماء على القبر )؟(. كذلك ورد ضمن الأحكام الإباضية ما يؤكد على كراهية اتخاذ »السروج« استنادا إلى ما ذكره ابن عباس الذي قال» :لعن والمساجد على القبور، رسول االله زوارات القبور، والمتخذي عليها السروج والمساجد«). (٣وقد انعكس هذا الحكم في ثقافة الإباضية المتعلقة بهذا التوجيه، وهي عدم سرج المقابر، أو بناء المساجد عليها، وهي ثقافة تختلف عن ثقافة بعض المذاهب الدينية ) (١أومن :دراسة تمهيدية عن النقوش الإسلامية في صلالة، ص. ٢٢ ) (٢الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢١١؛ الكندي :المصنف، ج /٣١ص. ٢٨١ ) (٣الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص. ٢١٣ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٤٢ واضحا على ثقافةانعكاسا الأخرى، والتي أجازت ذلك، وهو ما انعكس هؤلاء الذين جرت عادتهم باتخاذ القناديل على قبورهم، أو إيقاد الشموع بها، حتى إن القناديل والسرج أصبحت من العناصر الزخرفية التي جرت العادة بنقشها على شواهد القبور في تأكيد لهذا البعد الثقافي. :»∏gÉédG ôÑ≤dG حكما يتعلق بالقبور الجاهلية، أي التي ترجع إلى ما قبلذكر الكندي ترابا وغيرهاالإسلام، فقال» :من أخرج حجارة من قبر جاهلي، وأخرج منه إسلاميا، فإذا جاهليا كان أو من الأبنية، فمعي أنه لا يجوز أن ينبش القبر فعل ذلك وصح أنه جاهلي فلا بأس مما يستخرج منه، وأخذه، ويعجبني له التوبة من نبش القبور، وإذا لم يجد فيه علامات الميت لم يكن عليه دفنه إذا جاهليا. وإذا أشكل عليه هذا القبر إسلامي أو جاهلي، فحكمه في أيامكان الإسلام إسلامي حتى يصح أنه جاهلي بما لا يشك فيه بحكم أو اطمئنانه، إسلاميا كان عليه دفنه، وما خرج منه كان بمنزلة اللقطة«). (١ولهذاوإذا كان تحديدا بالقبور الجاهلية التيالحكم دلالات أثرية مهمة، منها ما يتصل كانت تنبش ويؤخذ ما بها من كنوز أثرية أجاز الحكم الحصول عليها، كما أوضح الحكم ما يتعلق بما قد يعثر عليه من أشياء غير إسلامي بأنها تكون بمثابة اللقطة، وهذا الأمر سواء فيما يتعلق بالقبر الجاهلي أو القبر الإسلامي سلوكا يمكن حدوثه مع القبور التي يكشف عنها.ينظم ) (١الكندي :بيان الشرع، ج /١٦ص ٢٢٩؛ الكندي :المصنف، ج /٣١ص. ٣٠٦ á``aJÉ``îdG كشفت هذه الدراسة لبعض المصادر الفقهية الإباضية المهمة عن أهمية فقه العمران في دراسة العمارة الإسلامية؛ حيث إن ما ورد فيها من أحكام كان بمثابة القانون المنظم للعمران بصفة عامة، وللمنشآت المعمارية على وجه خاص. وظلت هذه الأحكام قائمة ومؤثرة في العمران والعمارة حتى العصر الحديث، الذي حلت فيه القوانين الحديثة الوضعية ـ في بعض البلاد ـ محل هذه الأحكام في إطار السير في نسق الدولة الحديثة، وهو ما أدى إلى تغريب العمارة في منطقتنا العربية الإسلامية، باعتبار أن معظم القوانين الحديثة في كثير من البلاد الإسلامية مشتقة من القوانين الأوربية، وبخاصة القانون الفرنسي الذي كان أحد أهم مصادره الأحكام الشرعية الإسلامية في كثير من المجالات. وهذا التغريب يستدعي استلهام تراثنا الفقهي العمراني، وتجديد لمسايرة حياة مجتمعاتنا الإسلامية في هذا المجال الحيوي العام. وفي هذا الإطار تبقى هذه الدراسة وغيرها كاشفة عن تجربة إسلامية رائعة في هذا المجال تبناها فقهاؤنا في العصور المختلفة، وفي واضحا إسهاما البلاد الإسلامية كلها بمذاهبها الفقهية المتعددة. وأسهم فيها فقهاء المذهب الإباضي، سواء بمصادر متخصصة في العمران، ككتاب القسمة للفرسطائي، أو من خلال مناقشة موضوعات العمران في أبواب الموسوعات الفقهية كبيان الشرع والمصنف. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٤٤ وكشفت الدراسة عن تواصل الفقهاء الإباضية في عمان مع فقهاء الإباضية في جبل نفوسة ووادي ميزاب بالجزائر، وهو تواصل حضاري روحا علمية وعملية واضحة في مجال العمران.وثيق، يعكس وأوضحت الدراسة ثراء المصادر الفقهية المتخصصة في مجال العمران في إطار ما تطرق من نظريات وآراء وأحكام تتعلق بالتخطيط العمراني بصفة عامة، والتخطيط العمراني للبلاد والقرى، وكذلك المنشآت المعمارية المتنوعة سواء كانت عامة أو خاصة، فردية أو جماعية، مادية أو روحية. كما كشفت عن سياسات واضحة في مجال العمران يطبقها الحكام في إطار المفهوم الشامل للسياسة الشرعية، ويساعد في تحديد قواعدها وأحكامها فقهاء وقضاة يمثلون طبقة العلماء الذين استعان بهم الحكام في هذا المجال، ويعاون في تنفيذها بناؤون وقسامون وعرفاء، وغيرهم من أهل البصرة والخبرة في مجال الإنشاء والعمارة. وما ورد من أحكام كشف عن الخبرة والعلم الذي يتمتع به بعض الفقهاء الذين كتبوا تحقيقا في هذا المجال كالفرسطائي الذي يمكن أن يطلق عليه لقب المهندس العمراني والمهندس المعماري في إطار ما انعكس في أحكامه من أدلة وإشارات وملامح معرفية تؤكد وتوثق لهذا التوظيف. كما كشفت الدراسة عن جوانب معمارية مهمة تبدأ من التعرف على نوعيات جديدة من العمارة، لها وظائف محددة مرتبطة بظروف العصر والبيئة؛ كالقصور في جبل نفوسة، ووادي ميزاب، والأفلاج والسواقي في عمان، هذا بالإضافة إلى نوعيات أخرى عديدة من المنشآت بملامحها المعمارية المهمة لدراسة ما بقي من آثارها معمار يا في إطار ما ورد من معلومات مهمة لم ترد في أي مصادر أخرى عن هذه المنشآت، من حيث تخطيطها وطرق إنشائها، ومواد بنائها، وسبل إصلاحها وترميمها، بل وتقاليد عمرانها بالسكان. ٥٤٥الخاتمة وتبرز كل هذه المعرفة الواردة في ثنايا هذه الدراسة أهمية هذه الدراسة في توثيق ودراسة وتطوير العمارة التقليدية الإباضية الباقية سواء في عمان وفي غيرها من البلاد التي انتشر فيها المذهب الإباضي، وبخاصة في شمال إفريقية. ولا شك أن هذه المعرفة تزداد في إطار دراسة مصادر أخرى في فترات لاحقة على القرن السادس الهجري )١٢م(، والذي يمثل الحد الزمني لهذه الدراسة. وتزداد قيمة هذه الدراسة باستكمال رؤيتها وتحقيق أهدافها من خلال ما يرد في دراسة المصادر المعمارية الواردة في هذه المصادر التي عرض لها هذا المجلد الأول من الدراسة، وهو ما يكون ـ إن شاء االله ـ في المجلد الثاني الذي يعرض للمصطلحات المعمارية الإباضية الواردة في المصادر التي تناولتها هذه الدراسة في إطار تفصيلي يشمل البعد اللغوي، والبعد الاصطلاحي، والبعد المعماري الخالص. كما أن المجلد الخاص بدراسة تطبيقية لهذه الأحكام المتصلة بالعمارة الإباضية الواردة في هذا المجلد على نماذج من العمارة التقليدية الباقية في وضوحا والحقائق ترسيخ ا سلطنة عمان ووادي ميزاب بالجزائر، تزيد الصورة وتوثيقا إن شاء االله. ٥٤٧ ∫É```μ°TC’G ¿É``«`H شكل ) : (١يبين الحد بين من له سهم ومن له سهمان والحد مناصفةـ بينهما. شكل ) : (٢يبين الحد بين من له سهم ومن له سهمان والحد بينهما بنسبةـ .٢ :١ شكل ) : (٣يبين الرمز في اللغة المصرية القديمة للمدينة والمؤسس علىـ تخطيط طرقها الرئيسة. شكل ) : (٤شكل تخطيطي تصوري يبين تخطيط الطرق في مستقر يجاوزـ أرض مملوكة للغير. شكل ) : (٥شكل تخطيطي تصوري لتخطيط طرق مستقر سكني بهيئة أربعـ طرق رئيسة )دائرية(. شكل ) : (٦شكل تخطيط تصوري لتخطيط طرق مستقر سكني عبارة عنـ طريقين متعامدين. شكل ) : (٧شكل تخطيط تصوري لطرق مستقر سكني تؤدي إلى المرافق.ـ شكل ) : (٨شكل تخطيطي تصوري لتخطيط طريق واحد بمستقر سكنيـ يؤدي إلى المرافق. شكل ) : (٩تخطيط تصوري يوضح طرق منزل أرض لغير أصحابه إلىـ أراضيهم. شكل ) : (١٠تخطيط تصوري لطريق خاص يربط بين المنازل من الخارج.ـ شكل ) : (١١تخطيط تصوري لطريق يربط بين منازل عبر إحداهاـ شكل ) : (١٢يبين رسم توضيحي للطرق الجائزة عن سعيد عبد الغفار.ـ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٤٨ ∫É```μ°TC’G شكل )(١ تخطيط تصوري يوضح الحد بين جارين مناصفة ٥٤٩الأشكال شكل )(٢ تخطيط تصوري يوضح الحد بين جارين مناصفة فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٥٠ شكل )(٣ يوضح رمز المدينة في اللغة المصرية القديمة ٥٥١الأشكال ٥ ٩٩ ٦٤ ١٩٨٩ ٧٣ ٩٩ ٢ ) (١أرض مجاورة للمنزل ) (٨ - ٥ - ٢بوابات رئيسية ) (٧ - ٦ - ٣طرق رئيسية ) (٩مناطق سكنية شكل )(٤ يبين تخطيط تصوري لطرق منزل يجاور أرض غير مملوكة لأصحابه فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٥٢ ٨٧ ١٣١٣١٣ ٩٢٦ ١٣٤٣١٣ ١٠١٥ ١٣١٣١٣ ١١١٢ ) (٤ - ١طرق رئيسية ) (١٢ - ٥بوابات رئيسية ) (١٣مناطق سكنية شكل )(٥ تخطيط تصوري لمنزل به أربعة طرق ٥٥٣الأشكال ßß Þ Ý ßß ) (٢ - ١طرق رئيسية ) (٣مناطق سكنية شكل )(٦ رسم تخطيطي تصوري يشتمل على طريقين رئيسيين )شرق غرب »صبا ـ دابور« وشمال وجنوب( فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٥٤ ã åå å áà Þ ä åå â ) ١ـ (٣طرق رئيسية ) (٤المسجد الجامع ) (٥عين ماء ) (٦السوق ) (٧الجبل ٧ ) (٨الفحص ) (٩مناطق سكنية شكل )(٧ تخطيط تصوري لمنزل به أربعة طرق تؤدي إلى الفحص وعين الماء والجبل والمسجد الجامع ٥٥٥الأشكال ٤ ٥ ١ ٢ ٦٦ ٣ ) (١طريق رئيس ) (٢المسجد الجامع ) (٣السوق ) (٤المرعى ) (٥المقبرة ) (٦مناطق سكنية شكل )(٨ تخطيط تصوري لطريق واحد يؤدي إلى المسجد الجامع ـ السوق ـ المرعى ـ المقبرة فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٥٦ à ßß àÞÞà ßÞÝÞß àÞà Þ ßß à ) (١المنزل )المستقر السكني( ) (٢أرض زراعية للغير ) (٣أرض زراعية لأصحاب المنزل ) (٤طرق شكل )(٩ تخطيط تصوري بين طرق تربط المنزل بأرض أصحابه عبر أرض غيرهم ٥٥٧الأشكال Þ à Ý ß ) (٣ - ١مناطق سكنية ) (٤طريق يوصل بين المستقرات السكنية يخترق أحدها شكل )(١٠ تخطيط تصوري لطريق خارجي يربط بين المنازل ويخترق أحدها )مرفوض من قبل الفقهاء( فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٥٨ Þ à Ý ß ) ١ـ (٣مناطق سكنية ) (٤طريق يوصل بين المستقرات السكنية من خارجها يتوافق مع الأحكام الفقهية شكل )(١١ تخطيط تصوري لطريق خارجي يربط بين المنازل ولا يخترق المنازل )يوافق عليه الفقهاء( ٥٥٩الأشكال شكل )(١٢ يبين نظام فتح الأبواب أو منعها حسب نوع الطريق عن :سعيد عبد الغفار »العسيديات« القاهرة ثبت بأهم المصادر والمراجع٥٦٣ثبت بأهم المصادر والمراجع • الأدرنوي )كامي محمد بن أحمد بن إبراهيم الحنفي( :رياض القاسمين أو فقه العمران الإسلامي، تحقيق :مصطفى أحمد بن حموش، دار البشائر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سورية٢٠٠٠، م الطبعة الأولى. • ابن الأزرق )أبو عبد االله، ت ٨٩٦ :هـ( :بدائع السلك في طبائع الملك، نشر سلسلة التراث، مكتبة الأسرة، القاهرة٢٠٠٧، م. • ابن الأزرق :بدائع السلك في طبائع الملك، تحقيق ونشر :محمد عبد الكريم، نشر الدار العربية للكتاب١٩٧٧، م. • الأسدي )أبو الإصبع عيسى بن سهيل بن عبد االله الأسدي، ت٤٨٦ :هـ(: الإعلام بنوازل الأحكام المعروف بالأحكام الكبرى، تحقيق :نورة محمد عبد العزيز التويجري١٩٩٥، م. • باجو )مصطفى بن صالح( :فقه العمارة في كتاب القسمة وأصول الأرضين، ندوة تطور العلوم الفقهية النظرية الفقهية في الفترة ١٨ - ١٥ جمادى الأولى ١٤٣٣هـ ١٠ - ٧ /أبريل ٢٠١٢م عمان. • البادي )ناصر بن خلفان بن خميس( :أحكام المياه وتصاريفها الشرعية من خلال كتابي المصنف وبيان الشرع، ندوة الفقه الحضاري، فقه العمران ٦ - ٣أبريل سنة ٢٠١٠م. • ابن بطوطة :تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، تحقيق: علي المنتصر الكتاني، نشر مؤسسة الرسالة، لبنان، بيروت١٩٨٥، م. • البغطوري )مقرين بن محمد( :سيرة مشايخ نفوسة، تحقيق :توفيق عياد الشقروني، نشر مؤسسة تاوالت الثقافية٢٠٠٩، م. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٦٤ • بلاك )أنتوني( :الغرب والإسلام. الدين والفكر السياسي في التاريخ العالمي، ترجمة :فؤاد عبد المطلب، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون، دولة الكويت، العدد )٢٠١٢، (٣٩٤م. • تاج )عبد الرحمن( :السياسة الشرعية والفقه الإسلامي، تقديم وتعليق: محمد عمارة، كتاب مجلة الأزهر، جمادى الآخرة ١٤٣٤هـ. • الثقفي )المرجي( :كتاب الحيطان »أحكام الطرق والسطوح وسبل المياه والحيطان في الفقه الإسلامي«، تحقيق :محمد خير رمضان يوسف، دار الفكر العربي، بيروت، لبنان١٩٩٤، م. • ابن جعفر )أبو جابر محمد بن جعفر الأزكوي( :الجامع لابن جعفر، تحقيق :عبد المنعم عامر، وزارة التراث والثقافة، عمان، الطبعة الثانية، ٢٠١١م. • ابن جعفر )أبو جابر محمد بن جعفر الأزكوي( :الجامع لابن جعفر )أجزاء(، نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان. • حماد )محمد مصطفى( :تخطيط المدن وتاريخه، الطبعة الأولى، القاهرة، ١٩٦٥م. • ابن خلدون )عبد الرحمن بن خلدون( :مقدمة ابن خلدون كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، نشر مكتبة عبد السلام بن محمد بن شقرون، القاهرة. • الدرجيني )أبو العباس أحمد بن سعيد( :طبقات المشايخ بالمغرب، تحقيق :إبراهيم بن محمد طلاي، مطبعة البعث، قسنطينة. • الدينوري )محمد بن عبد االله بن مسلم بن قتيبة، ت٢٧٦ :هـ( :كتاب عيون الأخبار، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، د.ت. ٥٦٥ثبت بأهم المصادر والمراجع • الراشد )سعد( :الزبدة صورة من الحضارة الإسلامية المبكرة في المملكة العربية السعودية، نشر جامعة الملك سعود١٩٨٦، م. • ابن الرامي )محمد بن إبراهيم اللخمي( :الإعلان بأحكام البنيان دراسة وتحقيق :عبد الرحمن الأطرم، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود١٤٠٣، هـ. • الرباط )ناصر( :الحارة دراسة نظرية ومنهج بحث، بحث بكتاب ثقافة البناء وبناء الثقافة، بحوث ومقالات ٢٠٠٠ - ١٩٨٥م، نشر :رياض الريس للكتب والنشر٢٠٠٢، م. • رشوان )حسن( :المدينة، دراسة في علم الاجتماع الحضري، الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث١٩٩٢، م، ص ٨٩؛ عثمان :في شوارع المدينة. • الرشيد )صالح المحمد الخالد( :أبو الوفاء ابن عقيل واختياراته الفقهية، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة، جامعة الأزهر١٩٧٩، م. • ابن رضوان )أبو القاسم بن رضوان المالقي، ت٧٨٣ :هـ( :الشهب اللامعة في السياسة النافعة، تحقيق :سامي النشار، نشر دار الثقافة، الدار البيضاء١٩٨٤، م. • السالمي )نور الدين عبد االله حميد( :الحجج المقنعة في أحكام صلاة الجمعة، نشر قضية الإمام نور الدين السالمي، مسقط، الطبعة الأولى. • سامي )عرفان( نظريات الوظيفية في العمارة، دار المعارف١٩٧٠، م. • ابن سلام :كتاب الأموال، تحقيق :محمد خليل الهراس، نشر :مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة١٩٧٥، م. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٦٦ • السمهودي )نور الدين أحمد بن علي( :وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، د.ت. • بالسيديرا )إيروس( :الكتابات في المساجد العمانية القديمة، نشر وزارة التراث والثقافة، سلطنة عمان١٩٩٤، م. • ابن شبة )أبو زيد عمر بن شبة النميري )ت٢٦٢ :هـ( :تاريخ المدينة المنورة )أخبار المدينة النبوية(، تحقيق :فهيم محمد شلتوت، نشر: حبيب محمد المدني، الطبعة الثانية. • ابن عابدين )محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد، ت١٢٥٢ :هـ : رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت١٩٩٤، م. • عبد الباقي )أحمد( :سامراء عاصمة الدولة العربية في عهد العباسيين، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد. • عثمان )محمد عبد الستار( :العمارة الحربية الإسلامية بين النظرية والتطبيق، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، الرياض، العدد السابع، السنة الثانية١٤٠٥، هـ. • :في شوارع المدينة الإسلامية وطرقاتها، مجلة العصور، دار المريخ للنشر، لندن، المجلد الثاني، الجزء الثاني، يوليو١٩٨٧، م. • :عمارة سدوس التقليدية دراسة أثرية معمارية :دراسة حالة. دار الوفاء لدنيا النشر والطباعة، الإسكندرية١٩٩٩، م. • :مدينة ظفار بسلطنة عمان دراسة أثرية معمارية، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية١٩٩٩، م. ٥٦٧ثبت بأهم المصادر والمراجع • :نظرية الوظيفية في العمائر الدينية والمملوكية الباقية بمدينة القاهرة، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية٢٠٠٠، م. • :الإعلان بأحكام البنيان، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، ٢٠٠٢م. • :فقه العمارة الإسلامية بين البحث والتعليم، بحث في كتاب المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية، الرياض، ٢٠١٠م. • :المدينة الإسلامية، نشر :مكتبة المتنبي، الطبعة الثالثة، ٢٠١١م. • :دراسات في العمارة التقليدية في المنطقة العربية، نشر المصرية للتسويق والتوزيع )إمدكو(٢٠١٢، م. :نصائح المسلمين في مجال العمران وتخطيط المدن في ضوء• المصادر العربية والإسلامية لتاريخ الاجتماع السياسي، كتاب مؤتمر النصيحة المنطلقات والأبعاد١٤٣٤/١/٢٨ - ٢٧، هـ )٢٠١٢/١٢/١٢ - ١١م(، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض. • :عمارة مسجد الرسول ژ وبيوت أمهات المؤمنين، سلسلة روافد، الكويت٢٠١٤، م. • عزب )خالد( :فقه العمران والعمارة والمجتمع والدولة في الحضارة الإسلامية، الدار المصرية اللبنانية، د.ت. • عطوة )عبد العال أحمد( :المدخل إلى السياسة الشرعية، كتاب مجلة الأزهر، شوال ١٤٣٤هـ. فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٦٨ • الفرسطائي )أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر( :القسمة وأصول الأرضين. كتاب في فقه العمارة الإسلامية. تحقيق :محمد صالح ناصر، بكر بن الشيخ بلحاج، نشر مكتبة الضامري للنشر والتوزيع، سلطنة عمان، الطبعة الأولى ١٩٩٢م، الطبعة الثانية، نشر جمعية التراث، القرارة، مرداية، الجزائر١٩٩٧، م. • قدامة بن جعفر )ت٣٢٩ :هـ( :الخراج وصناعة الكتابة، شرح وتعليق: محمد حسن الزبيدي، العراق :دار الرشيد للنشر١٩٨١، م. • القزويني )زكريا بن محمد بن محمود( :آثار البلاد وأخبار العباد، بيروت، د.ت. • القلقشندي :مآثر الإنافة في معالم الخلافة، تحقيق :عبد الستار فراج، عالم الكتب، بيروت. • كابلان )راشتيل(، كابلان )ستيفن(، إل ريان )روبرت( :الأخذ بآراء الناس واحتياجاتهم تصميم وإدارة الطبيعة المجاورة لحياتنا اليومية، ترجمة :عمر بن سالم بن عمر باهمام، نشر جامعة الملك سعود، ٢٠٠٤م. • الكندي )أحمد بن عبد االله بن موسى( :المصنف، نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان )أجزاء(. • الكندي )محمد بن إبراهيم( :بيان الشرع، نشر وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان )أجزاء(. • الكوردي )محمود حسين( :الحياة العلمية في جبل نفوسة وتأثيراتها على بلاد السودان الغربي في القرن ٨ - ٢هـ ١٤ - ٨ /م، منشورات مؤسسة تاولت، سلسلة دراسات تاريخية٢٠٠٣، م. ٥٦٩ثبت بأهم المصادر والمراجع • ابن مازه )حسام الدين بن عمر بن عبد العزيز( :الحيطان، مخطوط بدار الكتب الوطنية بتونس، رقم ، ٢٣٧وهو شرح لكتاب المرجي الثقافي. • مبارك )علي باشا( :الخطط التوفيقية الجديدة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثانية١٩٩٢، م. • مبلغي )آية االله أمجد( :القواعد الفقهية لفقه العمران، ندوة الفقه الحضاري، عمان٢٠١٠، م، الطبعة الأولى. • المراغي )محمد بن محمد بن حامد، ت١٣٦١ :هـ( :أضواء الطالع السعيد الجامع لأسماء نجباء الصعيد المسمى تعطير النواحي والأرجاء بذكر من اشتهر من علماء وأعيان مدينة الصعيد جرجا، تحقيق ودراسة: أحمد حسين النمكي، مكتبة الدباح، جرجا. المقدسي )أبو حامد( :كتاب الفوائد الباهرة في بيان حكم شوارع القاهرة في• مذاهب الأئمة الأربعة الزاهرة، تحقيق :علي إبراهيم النملة، مجلة العصور، دار المريخ لنشر، لندن، المجلد الثالث، الجزء الثاني، يوليو. ١٩٨٨ • المقريزي )تقي الدين أحمد بن علي، ت٨٤٥ :هـ( :المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، المطبعة الأميرية. • ابن وحشية )أبو بكر( :كتاب الفلاحة النبطية، معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، في إطار معجم فرانكفورت، ألمانيا الاتحادية١٩٨٤، م، الجزء الأول. • ولكنسون )جي ر سي( :الأفلاج ووسائل الري في عمان، ترجمة :محمد أمين عبد االله، نشر وزارة التراث الثقافة بسلطنة عمان١٩٩٢، م. • اليعقوبي )أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح( :تاريخ اليعقوبي، دار صادر، بيروت. م١٢/هـ٦ فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن٥٧٠ ●Alex Bothias & J. B. Ward "Etruscan and Roman Architecture", The Belincan History of Art, 1970. ●Alharthy (Sultan Hmoud): The Tradional Architecture of Oman, A Critical Perspective, A Master Report submitted to The Faculty of The College of Architecture. The University of Arizona, 1992. ●Costa (P. M.) & Wilkinson (T. J.): The Water Supply of Early Islamic Sohar. The Journal of Oman Studies Published by the Ministry of National Heritage and Culture. Sultanate of Oman, 1987. ●Cuperly P. Un document ancient sur L'urbanisme au M'zab in I. B. L. A No. 148. ●G. R. King: The Historical Mosques, Saudi Arabia, Longman, London, New York, 1986. ●Osman (M. A.): Built Environment in Ibadi Law in 5th - 6th Centuries A.H. (11th - 12th A.D.). The International Conference, May 27th - 29th May 2013. الفهرست٥٧٣الفهرست تقديم :معالي الوزير عبد االله بن محمد بن عبد االله السالمي ٥..... .......................................... تقديم :محمد عبد الستار عثمان ٧..... .......................................................................................... مقدمة ١١..... ................................................................................................................................... تمهيد ١٧..... ................................................................................................................................... »Hô©dG Üô ̈adG »a ¿Gôa©dG ¬≤a :∫hC’G o°ù≤dG »FÉ£°SôØ∏d ø«°VQC’G ∫ƒ°UCGh áa°ù≤dG ÜÉàc :∫hC’G ÜÉÑdG ٤٥..... ................................................................................................ ájQÉa©e ájQÉKBG á°SGQO الفصل الأول :أحمد بن أبي بكر الفرسطائي وكتابه قسمة الأرضين ٤٧..... ................ الفصل الثاني :القسمة ٧٣..... ............................................................................................... الفصل الثالث :الطرق ١٠٣..... ............................................................................................. الفصل الرابع :عمارة القصر ١٩٣..... .................................................................................. الفصل الخامس :عمارة الدور والبيوت ٢٤٩..... ............................................................... الفصل السادس :المنشآت المائية ٣٠١..... ......................................................................... ¿ÉaYo »a »°VÉHE’G ¿Gôa©dG ¬≤a :»fÉãdG o°ù≤dG )(»Hô©dG ¥ô°ûadÉH ¿ÉaYo »a ¿Gôa©dG ¬≤a :»fÉãdG ÜÉÑdG ٣٢٧..... ................................. z∞æ°üadG `́ô°ûdG ¿É«H ` ôØ©L øHG TMeÉL{ »a á°SGQO الفصل الأول :مصادر فقه العمران الإباضي في عمان حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م ٣٢٩..... فقه العمران الإباضي حتى نهاية القرن ٦هـ١٢/م٥٧٤ الفصل الثاني :الـطـرق ٣٣٧..... ........................................................................................... الفصل الثالث :المنشآت الدينية ) المساجد الجامعة ـ المساجد ـ المصليات ( ٣٦١..... ...... الفصل الرابع :منشآت الدفاع والأمن »المحصنة ـ السجن« ٤٢٥..... ............................. الفصل الخامس :المنشآت المائية )الأفلاج ـ السواقي ـ الآبار( ٤٣٩..... ...................... الفصل السادس :المنشآت السكنية )الجدر ـ الدور( ٤٩٣..... ......................................... الفصل السابع :الـقـبـور ٥٣١..... ........................................................................................ الخـاتمـة ٥٤٣..... ........................................................................................................................... بيان الأشكال ٥٤٧..... .................................................................................................................... الأشكال ٥٤٨..... ............................................................................................................................ ثبت بأهم المصادر والمراجع ٥٦١..... ........................................................................................