- ست ۱ اہ یہ یا ہ یہ یہ یہ یاو ہ وا ۸ یاو ۸ وار ۸ یار ۸ یا ‎A‏ ی ‎ES SA dh A di A dh A dh A‏ ۱ / ۱ 1 : : : : : : : ١ ۹ : : +۰ حصاد 4 الموافق ١۱-١۱ مایو ۱۹۹۸ م احتماء بذکری الشيخ ابن برکه ال من ١۱ - ۱۵ محرم ١۱۲۱ هھ 2 الڈولی ١١٤۱ هھ - ۲۰۰۱م \ أقامهاالمنتدی الادبى ي KT ^ ۴ ‏ت‎ 7 2 ۳ SSL aa EOE RES + | 9 N E RE N ‏س لے‎ 2 E ۹ ‏ا : 2 4 ان‎ ۱ ERR RE SS RRR 0 ۰ ۳ i 4 7 7 r ۹L ‏ا و ۹ س‎ ‏ی ~ ا جیپ‎ ‏ا‎ A 1 . 5 : 1 7 A 4 A 4d kA A 4 A 4 ۹ ‏ج ماس‎ . . 1 ۲ 6 2 ۲ ۳ 1 > E ai 1 e u 7 a ‏ےی و‎ 7. 3 . 271 #۳ r ‏س‎ ‎4 . NE Yr yy r ‏ں۷ ں۷ ۷ ۷ں ں۷ وپ وپ کپ ہپ کہ‎ ۷F FE حصاد التدوة التي أقامهاامنتدى الادبى احتفاء بذكرى الشيخ ابن بركة البهلوي من ١۱ - ۱۵ محرم ١١٤۱ هھ الموافق ١۱ - ١۱ مایو ۱۹۹۸ م الطيعة الولی ١١٤۱ هھ - ۲۰۰۱م ما ورد 2 هذا الكناب ¥ يمتثل بالصروره راي الأدبي حقوق الطبع محفوظة للمتتدى الاأدبي وزارة الترات القومى والثقافة هدذاالصدار الحمد لله الما ئل 2 محكم كنايه : ل إنما يخشی الله من عباده $ ونصلي ونسلم علي سيدنا محمد النبي الصادق الأمين. وارض اللهم عن صحايته الطاهرين ومن قام بهديه بإحسان إلى يوم الدين : وبعد : فقد أدرك علماء عمان امخلصون البررة على مر الحقب والأجيال بأن العلم إيمان وعمل وأن صدارة العلم لها مسئولياتها وتكاليفها . فتسلحوا - يرحمهم الله- بأسلحة العقيدة التي تمثلت بالعلم الذي نفد إلى أعماقهم وقوي 2 أفنئدة الدهماء متهم ورنا إليه الناس على طبقاتهم وأجناسهم. فأقبلوا عليه لينهلوا من معينه العذب ما استطاعواء فكانوا ك اتقطاعهم للعلم وطليه إنما يمتثلون لاوامر الله - سيحاته وتعالى - ورسوله الكريم - عليه أفضل الصلوات والتسليم-ء حيث توالت الاآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تترى تشيد بالعلم وتمجده؛ وترفع من شأن العلماء وتقرن شهادتهم بشهادة اللائكةء وتصفهم بأنهم أهل الخشيةء فانطلقوا - يدفعهم إيمان راسخ - إلى تحصيله وخدمة أهدافه التبيلة › لا فيه فلاح الاإنسانية قاطة ك الحال والآل . ويأتي هذا الإصدار حول فكر العلامة امحقق أيي محمد عبد الله بن محمد بن بركة السليمي البهلوي أحد أيرز أعلام الساحة الفكرية العماتية 2 أوائل القرن الرابع الهجري انطلاقا من اعتزاز السلطنة بيتراتهاء وحفاظها عليهء ورغية من وزارة التراث القومي والثقافة ممثلة ك المنتدى الأدبي ك إحياء ذكرى هؤلاء العلماء الكرام والتوقف ملي عند سيرتهم العطرةء ومسيرتهم العلمية الجادة ومتهجيتهم وأماتتهم › كما يسرها أن يكون هذا الاصدار ثمرة خيرة للندوة العلمية التي أقامها المنتدى ك الفترة من ١۱-١۱ محرم/ ۹٤اه الموافق ١۱۲-۱ مايو/۱۹۹۸ مجسدة للجهود الكبيرة التي بذلتها نخبه من العلماء المشاركين فيها . والله ولي التوفيق ہے ي ‎e‏ و سے ٿن ن 7 يسم للل لالرحين لالرحيع كلمة معالى الشيخ / عبد الله بن محمد السالي وزير الأوقاف والشؤون الدينية ... راعى الندوة الحمد لله رب العالمين › والصلاة والسلام على الهادي نبينا أصحاب العالي... أصحاب الفضيلة... أصحاب السعادة...طلية العلم أيها الأخوة الكرام : السلام عليكم ورحمة الله ويركاته . ويعد ان أمجاد الأمم لا تستميم إلا على تاريخ حاقل 4 وارثٹ حصاري وخیر موروث تتتاقله الأجيال ممثلة ك كتوز العلم والمعرقةء وذخائر الفكر والأدب»› فالاأمة التي تريد لبنيها العز والرفعة. لابد لها من أن تصلهم بماضيهاء وتهيى لهم وسائل ذلك حتى يأخذوا مته ما يبتي حاضرهم › ويشيد صروح حضارتهم ويمكتهم بين الاأمم ۔ وعمان - بلا مراء - محضن العلم ومئزر قتاريخها ملىئ بأولنك الذين تفجرت متهم يتابيع الحكمة وأخرجوا للعالم مكنونات العلم والمعرقة . وعالنا الذي اصطماه ادى الأدبي - ليكون موصوع هذه ؛ لهو يبحق واحكد ممن كانت لهم الريادة العلمية 2 عمان . خاصة ك وقت عاشت فيه عمان ازدهارأ علميا. امتد أثره لقرون تاليه . ومع كثرة القلاقل الداخلية التي عصمت بأهلها. 2 القرن الرابع الهجري فالعلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن بركة السليمي البهلوي برز ك النصف الأول من تلك المشترة مؤسسا لتهج فكري ومتظرا لمدرسة علمية سميت بالمدرسة الرستاقية . ۷ . كماتزعم مقابل ذلك العلامة الكبير أبو سعيد الكدمي لمدرسة أخرى سميت بامدرسة التزوانيه. وبروز عالنا - به - أكبر شاهد على رسوخ قدمه؛ وسعة معرفته. إذ لم يكن القرن الرابع الهجري فترة ركود علمي حتى نظن أنه توحد ك الساحة [لخلوها من غيره؛ كلا ؛ فهناك الامام أبو سعيد الكدمي والعلامة أبو مالك الصلاني والشيخ أيو محمد عيد الله بن محمد بن محبوب وابنه الاإمام سعيد بن عبد الله وغيرهم كتير . ولكننا مع ذلك كله جد تميزاً لابن بركة إذ يمكن أن يقال إنه الحرر الأول لعلم أصول الفقه 2 عمان وتكفي نظرة لمقدمة كتابه الشهير «جامع ابن بركة» للتأكيد على هده الأسبقية. ثم إن ابن بركة لم يكن بالعالم الذي لا يعتيه أمر أمته ولا يكترث بأحوال التاس من حوله وإلا لا أنشاً تلك المدرسة العلمية الكبيرة التي تخرج متها تخبة من علماء الدين من عمان ومن المغرب . والتي كان يتمق عليها من ماله الخاص بالاضافة إلى غيرها من الآثار العلمية والاتشائية . أيها الجمهور الكريم : إن شباينا بحاجة إلى ترسم سير السلف والسير على خطاهم؛ وهم ك الوقت مطالبون بالوفاء بحقوقهم بإظهار ما والعتاية به وتقتديمه الى الاس بالصورة العلمية السليمة . اكمالا للمسيرة وأداء لللأمانة . وما هذه العناية اليالقة من القيادة الحكيمة الا لأجل استهاص الهمم وبعتث روح الجد والاجتهاد وتاطير تلك الصور الرائعة لابناء هذا البلد تكريما لهم ووفاء لعطائهم امير لهذه المسيرة الانسانية . ختاما أتوجه بالشكر الجزيل إلى صاحب السمو السيد فيصل بن علي بن فيصل آل سعيد- وزير الترات القومي والتثقافقة على دعوته الكريمة لي برعاية هذه التدوة المياركة . وأسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما فيه الخير إنه سميع مجيب . كما أتمتى للاخوة الباحثين كل توفيق وسداد فعلى بركة الله والسلام عليكم ورحمة الله ويركاته › EEA EAA AIA al iii lie اللامام ابن بركه حياته وفکره ومدرسته الشيخ / أحمد بن سعود السيابي أمبن عام مكب سماحة ممتي عام السلطته AAAI] EAA AI | el بسع اللہ الرحين (الرحيع هو الإمام العلامة الجليل المجتهد المطلق أبو محمد عبد الله بن محمد بن بركة السليمي البهلوي -رحمه الله ورضي عنه- وهو من قبيلة بني سليمة بن مالك بن فهم الأزدي. وهذه القبيلة من القبائل العريقة في عمان وقد خرج منها العديد من الأئمة الاعلام والسادة الكرام والقادة العظام ناهيكم بالقائد الكبير والخطيب المصقع أبي حمزة الشاري المختار بن الأربعة الإسلامية الأولىء ويجاورهم فيها بنو عمومتهم من قبيلة فراهيد بن مالك بن فهم التي خرج منها الإمامان في اللغة والأدب الخليل بن أحمد وأبو يكر ابن دريد والإمام المحدث الفقيه الربيع بن حبيب -رضي الله عنه-. على أن قسما كبيرا من قبيلة بني سليمة كانوا يعيشون في إقليم كرمان بارض فارس وذلك نتيجة لجوء سليمة بن مالك إليها بعد فتله أباه الملك مالك بن فهم بطريقة الخطاً وتخوفه من أخوته وهناك تزوج وأنجب وعاش هناك حتى ماتء وتورد المصادر التاريخية العمانية قصة طريفة شيقة حول ذلك.. يقول العلامة العوتبي «وجمهور بني سليمة بأرض فارس وکرمان لهم بآس وشدة وعدد کثیرء وبعمان منهم الأقل» ۱ ولا ندري بالتحديد متى كان مولده ولعله لا يبعد أن يكون بين عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الثالث الهجريء وقد كان معاصرا وزميلا للإمام سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب -رضي الله-ء في التتلمذ وتلقى العلم على يد الشيخ أيي مالك غسان بن محمد بن الخضر الصلاني (١) العوتبيء الإنسابء ج ۲ء ص ۲۱۸ الصحاري -رحمه الله-ء حيث جاء في كتاب التعارف لابن بركة بعد أن ذكر أشياء تعارف الناس عليها وجرت بها العادة بينهم قال «ونحو هذا ما يعرفه الناس من جوازه في الخروس - أواني الماء - التي في الطريق على أبواب الدور ممن يستعملون المياه التي فيها للشرب والمسح وغسل البدنء وما يتقرب به صاحبه إلى اللهء ويعتقد ويتفضل بفعله لذلك. وإن لم يكن عليها مسح ولا مخبر بجواز ذلك وأباحة أهلهء ولا يجوز منه القليل في غير تلك الأمكنة لما يعلم بالقلب من اباحة أهلها في تلك المواضع وبينهم في مواضع أخرىء وهذا يعلمه الإنسان بشهادة قلبه وسكون نفسه إليهء وقد كان بيني وبين أبي القاسم سعيد بن عبد الله في مثل هذه مناظرةء فحكم له الشيخ أبو مالك -رحمة الله عليه-ء وكنت أحسب التوقيف عن ذلك حتى يعلم جوازه ”'. وجاء في كتاب التقييد لابن بركة نفسه في مسألة حكم أطفال المشركين والمنافقين في الدنيا والآخرة. قال بعد أن أورد الخلاف في ذلك «فلما كان القول فيهم ما يسع جهله وكانت الأخبار الواردة فيهم مختلفة أحكامها في الظاهرء رأينا الاعتصام بالسكوت عن حكمهم ورأينا الوقوف أسلم في أمرهمء وعلى هذا المذهب الأخير أدركنا أشياخنا -رحمهم الله-ء منهم أبو مالك وأبو مروانء ويو يحییء ومن کان في عصرهمء وممن هو في درجتهم -رحمهم الله- وغفر لهمء وکان الشيخ أيو مالك -رضي الله- عنه يعتذر بالوقوف عنهم للخيرين الموروثين عن النبي يي انه سئل النبي ييو -رضي الله عنها-ء سألته يَيْأةٍ عن أطفالها منهء فقالت يا رسول الله أين أطفالي منك؟ فقال في الجنةء فقالت أين أطفالي من غيرك الذين ماتوا قبل مجئ الإسلام؟ء فقال في النارء وان ` شئت أسمعتك ثغاءهم فيهاء فلما ورد هذا الخبران وجب أن نتوقف مع ماوجدنا من السعة من الله -جل ذكره- إن لم يتعبدنا أن ندين فيهم بحكم أهل الجنة وحكم أهل النار وكان الإمام سعيد بن عبد الله يناظرني في هذا القول وقد كنت أنا أختارهء وكان القول مني على سبيل التعجب منه ولم أقف على اعتقاده في ذلك» .. وفي هذين النصين اللذين أوردناهما دليل على المعاصرة والزمالة التي تربط بين ابن بركة (۱) اين يركةء التعارفء ص ٢٤۲. (۲) القلهاتي. الكشف والبيان؛ ج ۲ء ص ۳۱۸. ويين الإمام سعيد بن عبد الله وهكذا نجد الإمام ابن بركة تارة يذكر الإمام سعيد بن عبد الله مجردا من لقب الإمامة كما جاء في كتابه «التعارف» وتارة يذكره بلقب الإمامة كما جاء في كتابه «التقييد» ولعل تأليفه لكتاب «التعارف» کان قبل ان يکون سعید بن عبد الله اماما حاکما في عمانء وتأليفه لكتاب (التقييد) كان بعد إمامة المذكور أو أثناء إمامته التي كانت بين عامي ۲۰ - ۳۲۸ ھےہ حيائه: وقد عاش ابن بركة حياته في مدينة بهلاء تلك المدينة العريقة ذات الطبيعة الخلابة والتاريخ المجيدء ولكن هل كان أصله من بهلا أو أنه كان نزيلهاء فالأمر بحاجة إلى والذي يظهر لي أن الإمام ابن بركة لم يكن من بهلا على الأصالةء وإنما هو من صحارء وذلك لأن شيوخه الذين تلقى عنهم العلم ودرس على أيديهم إنما هم من صحار وفي مقدمتهم شيخه الكبير أبو مالك غسان بن محمد بن الخضر الصلاني الصحاري إذ ليس من المألوف إن لم يكن من المعقول أن يرحل ابن بركة من بهلا - داخلية عمان - ويتجه إلى صحار والمنطقة الداخلية من عمان بما فيها بهلا ونزوی وازکي كانت يومئد تزخر بالعلماء ومشايخ العلم كأبي الموّثر الصلت بن خميس الخروصي وأبي الحواري محمد بن الحواري القريء ونبهان بن عثمانء ومحمد بن روح الكندي وأبي جاير محمد بن جعفر الأزكوي وغيرهم من كبار -العلماء الأجلاء- عليهم الرحمة والرضوان كما أن قومه من قبيلة بني سليمة كما ذكرناء كانت منازلهم في صحار وما حولهاء وكانت لهم السيادة والعزة والمنعة عليها. ولعل انتقاله إلى بهلا كان في عهد إمامة صديقه وزميله وصنوه وتربه أبي القاسم سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب» وطاب له المقام بيهلا والقى بها عصا التسيار وأناخ بها رحال التجوالء وراقت له تلك المدينة الجميلة ببساتينها ذات الظلال الوارفةء ومقاصيرها دات البهجة والنضارة والخضرةء وتأثل بها الأموال والدور. ونظرا ما لبهلا من أهمية موقعا وطبيعةء فان أحمد بن هلال الذي عينه القائد العباسي محمد ابن بور بعد احتلاله لعمان وقضائه على دولة الإمامة فيها وبعد رجوعه إلى البحرين؛ فان أحمد ابن هلال هذا اتخذ من بهلا مقرا لاقامته قبل انتقاله إلى صحار. وأيضا فلعل هناك سببا آخر جعل ابن بركة يتخذ من بهلا مقرا لهء هو ماکانت تعیشه عمان من اضطراب سياسي آنذاك لاسيما في منطقة ساحل عمانء فقد شهدت عمان في ذلك الزمان احتلالا قرمطياً وآخر بويهياء وأحيانا تكون السيطرة لبعض العمال المحليين لبني العياس؛ وقد استمر الاضطراب السياسي الناتج من تلك الأوضاع الاحتلالية عقودا من السنين خاصة في منطقة الساحل من عمان أي منطقة الباطنة - أما في الداخل من عمان فهو أخف نسبياء نظرا كإمامة الإمامين/ سعيد بن عبد الله » وراش بن الوليد ٢۳۲۰-٢٢٤۳ ه_.. وليس ببعيد أن تكون تلك الأوضاع في مجملها دافعا قويا وسببا مباشرا لأن يترك الإمام اين بركة منطقة الساحلء ويتخذ من بهلا في منطقة الجوف من عمان وطنا لهء بعد أن تكون فكرا وعلما ومعرفة في صحار على أيدي علماء أجلاء منهم: أيو مالك غسان بن محمد الخضر الصلاني وهو أكبر شيوخه وأكثرهم عنده اشادة وذکراء وأبو مروان سلیمان بن وأبو یحیی مهنا بن یحیی . ولعل له شیوخا آخرینء على ان هؤلاء الثلاثة كانوا من مخرجات مدرسة ذلكم الإمام المحكم والعلامة المبجل محمد بن محبوب رضوان الله عليه. فكره ومدرسنه المكرية : بعد أن أخذ ابن بركة العلم عن أولئكم العلماء الأجلاء الذين ذكرناهم وغيرهم وتوسعت مداركه العلميةء صار نابغة زمانه ووحيد أقرانهء شدت إليه الرحالء ووفد إليه من طلبة العلم (١) السالميء تحفة الأعيانء ج ١ء ص. (۲) القلهاتي الكشف والبيان. أفواجء وتخرج على يديه للعلم أجيال وما من عالم أو طالب علم في المذهب شرقاً وغربا إلا وأخذ عنهء حتى إنه لايوجد كتاب من كتب المذهب يخلو من النقل عنه أو الرجوع إلى أقوالهء وصار كتابه القيم المفيد الموسوم بكتاب «الجامع» من أهم كتب المذهبء حتى صارت كلمته «الجامع» علماً على هذا الكتاب عند أهل المذهب لاسيما المشارقة منهم . يقول الشيخ العلامة إبراهيم بن سعيد العبري -رحمه الله «من أشهر مؤلفاته التي أطلعنا عليها هذا الجامع المعروف بجامع أبي محمدء وهو كتاب نفيس جداء أفرغ في تحرير مسائله وتحقيقها جهده وصدره بمقدمة عظيمة في ذكر أمهات ومهمات أصول الفقهء وبيان الأخبار والأحاديثء وقل أن يذكر مسألة الا وقد قرنها بالدليل من الكتاب أو السنةء وهذا الجامع يعرف في الأثر العماني «بالكتاب» فإِذا وجدت في شيء من كتب المشارقة كبيان الشرع والمصنف قولهمء ومن الكتابء قالمراد بذلك هذا الجامعء كما اشتهر اسم الكتاب عند النحاة «علما لكتاب سيبويه فإذا قالوا من شواهد الكتاب, فالمراد بذلك كتاب وعرف الإمام ابن بركة واشتهر عند الخاص والعام بأنه صاحب فكر متميز ومدرسة فكرية متميزة؛ فكر قائم على علامية متمكنة وييان أدبي لغوي رفيعء يقول عنه العلامة الموّرخ التسابه العوتبي «ومنهم - أي من بني سليمة - الشيخ أبو محمد عبد الله ين محمد اين بركةء العالمء -رحمه الله-ء وهو العالم المشهورء والبليغ المذكورء صاحب الكتاب الجامعء وكتب ومسائل أصول الدينء وغير ذلك من مسائل القروع الحرام والحلال» . ويقول في حقه الشيخ الدكتور/ محمد حسام الدين وكيل الأزهر الأسبق «الشيخ العلامة أيو الشافعي من بيان هذا الشيخ فهو كأنما ينظم الدر وينثر الحكمة» ونتيجة لتلك العلامية المتمكنةء ولذلك البيان الأدبي البليغْء ولذلك الفكر الصادق المتميز: (١) الجامعء ج ٢ ء مقدمة. (۲) العوتييء الأتسابء ج ۲ ص ۲۱۸. (۲) مجلة الأزهر. الجزء الثاني عشرء السنة الثالثة والستونء شهر ذي الحجة ١١٤٠ ه الموافق يونيو ١۱۹۹م. صارت له مدرسة فكرية متميزة لها وسائلها المعرفية وخطوطها المنهجيةء ومعالمها الفكرية. فمن حيث الوسائل المعرفية فهي تعتمد على أصول الفقه في تأصيل الأحكام حيث عرف ابن بركة بأنه من أئمة الأصول في الفقهء ومدرسته من المدارس التي عنيت بتأصيل الأحكام الفقهية واهتمت بعلوم أصول الفقه وقواعدهء ويبين ذلك الإمام ابن بركة ويوضحه بقوله «قالواجب على من أنعم الله عليه بالإسلامء وخصه بشريعة الإيمانء أن يبدا بتعليم الأصول قبل الفروعء وأن يثبت قواعد البنيان قبل أن يرفع شواهق الأركانء ومن عرف معاني الأصول عرف كيف يبني عليه الفروعء ومن لم يعرف حقيقة الأصول كان حريا أن تخفى عليه أحكام الفروع»”. ويقول أيضا «فالواجب عليه إذا أراد علم الفقه أن يتعرف أصول الفقه وأمهاته ليكون بناوه على أصول صحيحةء ليجعل كل حكم في موضعهء ويجريه على سننهء ويستدل على معرفة ذلك وليفرق بين معاني ذلك ليعلم افتراق حكم المفترق واتفاق لأني رأيت العوام من متفقهي أصحابنا ربما ذهب عليهم كثير من معرفة ماذكرنا وتكلم عند النظر ومحاجة الخصوم بما ينكره الخواص منهمء وأهل المعرفة بذلك. لأنهم ريما وضعوا اللفظة في غير موضعهاء ونقلوا الحجة على غير جهتها واستعملوها في غير أماكنها» لذلك نجد أن المنتمين إلى هذه المدرسة والتي عرفت بالمدرسة الرستاقية فيما بعدء اهتموا أي اهتمام بأصول الفقه وقواعدهء ويلاحظ ذلك بوضوح في موؤلفاتهم ومصنفاتهم. على أن الإمام ابن بركة يعتبر هو أول من ألف في أصول الفقه من أهل عمان فقد صدر كتابه الأصول مثبوته فيه عندما يربط الموّلف الفروع بالأصول. (۱) ابن بركةء التعارفء ص ٤. وقد أشار الإمام نور الدين السالمي إلى أولية قيام ابن بركة - بالتأليف في فن أصول الفقه حيث يقول «وعلى طريقة الصدر الأول من الصحابة والتابعين قد جرى جل سلفنا من أهل عمان فتراهم يحكمون بالخاص في موضع الخصوصء وبالعام في موضع العمومء وبالمطلق في موضع الاطلاق, وبالمقيد في موضع التقييدء وهكذا من غير أن يذكروا نفس العبارات التي اصطلح عليها أهل الفن وريما ذكرها بعضهم كابن بركة» ١). وتعتمد أيضا هذه المدرسة من حيث وسائل المعرفة على التوظيف اللغوي. فنجد أن الإمام ابن بركة قد وظف اللغة ومد لولاتها في الاستدلال على المعاني الشرعيةء عند عدم ورود النص الشرعي طبعا وذلك بنيط المعنى الشرعي على الاسم اللغوي, أو بتعبير آخر هو بناء الحكم الشرعي على اللفظ اللغويء وهو ما يعرف بدلالة الاسم على الحكم. ومما تقرر في هذا الباب عند أهل الأصول أن الأسماء التي لم تثبت لها معان شرعية يجب أن تحمل على المعنى اللغوي حتى يثبت لها معنى شرعيء أما الأسماء التي ثبتت لها معان شرعية فإنه يجب أن يكون الأمر فيها محمولاً على المعاني الشرعية. وها نحن نورد شیئا من کلام اللإمام ابن بركة فيما يتعلق بالتوظيف اللغوي للدلالة على الأحكام الشرعية حيث يقول «واختلفت أصحابنا في الصغيرة من الاماء فقال بعضهم تستبراً أريعين يوما قبل الوطء وقال بعضهم بخمسة وأربعين يوما قياساً على الحرة الصغيرة». إلى أن قال بعد أن ذكر الأقوال المختلفة حول هذه المسألة «والاستبراء في اللغة هو الاستكشاف للأمر المشكل. واي إشكال في الصغيرة» ”. فهو بهذا الاستدلال اللغوي يقرر عدم وجوب الاستبراء للأمة الصغيرة. وفي كلام آخر له حول مدلول صيغة الأمر يقول «قال الله تعالى فاقض ما انت قاض لم يكن أمرا منهم له بقتلهم فيكونوا قد أعانوا على قتل أنفسهمء ويستحق فرعون به مدحا إذ (۲) الجامع. ج ١ء ص ١٤ ۱. سارع إلى طاعتهمء بل كان هذا القول منهم تسليما للقضاء وقنوعا بما أعد الله لهم من الجزاءء ومثل هذا مشهور في كلام العرب وقال آبو سحر الحملي: فتيقني اني کلفت بكم ثم اصنعي ما شئت عن علمي ويقول في دلالة الركوع والسجود «ان العرب تسمي الركوع سجودا والسجود ركوعا وهو قال الله تعالى: داود انما فتناه فاستغفر ربه وخر راکعا وأناب 4 وكذلك قوله تعالى يا مریم اقنتي لريك واسجدي واركعي مع أي اسجدي مع الساجدين والله والعرب تقول للىشيخ إذا انحنى من الكبر سجدء وتقول للنخل إذا مالتء نخل سواجدء وسجد الجمل إذا خقض راسه اليس ورائي أن تراخت منيتي لزوم العصا تحنى عليها الأصابع اخبر اخبار القرون التي مضت دب کأني کلما قمت راکےع» ”" أما من حيث المنهجية فان المدرسة المذكورة نجدها تحرص كل الحرص على الاعتماد على الدليل من القرآن والسنة والاجماع والقياس وسائر الأدلة التشريعية الأخرى المعروفة عند أهل الأصول ولم تفرط في ذلك ولنتعرف على ذلك من خلال كتاب الجامع فقد جاء في باب الوضوء «قال الله تبارك وتعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى ففرض الطهارة بالماء من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه وٍ٠ فأما من الكتاب فقوله جل ذكره :إوأنزلنا من السماء ماء طهورا يعني مطهراء لأن الطهور في اللغة هو الفعول للطهارةء ومن السنة قول النبي ي أنه قال «الماء طهور لا ينجسه شيء» فكانت هذه الصفة منه عليه السلام مضارعة الآيةء وفي رواية أخرى عنه يي أنه قال «الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ماء غير لونه أو طعمه أو ريحه» ولا (١) الجامعء ج ١ء ص ١٤۱. أولى من أتباع الرأي الذي ليس بحجة, والماء الطاهر المطهر باتفاق الأمة: ماء السماءء وماء البئرء وماء العيونء وماء اليبحرء الا في قول عبد الله ابن عمرو بن العاص في ماء البحر وحدهء وأتباع السنة أولى من أتباع عبد الله بن عمرو ”. وتعتمد هذه المدرسة أيضا في منهجيتها على الأقوال المختلفة وإيرادها وترجيح الراجح منهاء وهو ما يعرف حاليا بالفقه المقارن. أي المقارنة بين الأقوال الفقهية - وكتاب الجامع لصاحب هذه المدرسة مملوء بهذا الأسلوب ولا نكون مبالغين إذا قلنا أنه أول من توسع في هذا الباب من علماء المذهب؛ وإن كان من سبقه من العلماء اعتمدوا هذا الأسلوب أيضا إلا أن الإمام ابن بركة أكثرهم توسعا في هذا الباب في نقل أقوال علماء المذهب وأقوال أئمة المذاهب الإسلامية الأخرى. أما المعالم الفكرية لمدرسة الإمام ابن بركةء هي البراءة من أهل الأحداث الخارحين على الامام الصلت بن مالك الخروصي «۲۷۳-۲۳۷ ه» وذلك أن العلماء الذين عاصروا تلك الفترة أو التي اعقبتها اختلفوا في أمر أصحاب تلك الأحداث إلى ثلاثة اراء: فریق كان يبرا من أولئکم الخارحينء وقد اشتهر على رأس هذا الفريق الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن بركة وفريق كان يرى أن الوقوف عن الولاية أو البراءة أسلم وعلى رأس هذا رأس هذا الفريق الإمام أيو جابر محمد بن جعفر الأزكوي ”'. وهذا الفريق قد انقرص رأيه بوفاة أصحابه ولم يستمر هذا الرأي القائل بالولايةء ولم يشكل بذلك وجود مدرسة فكرية كما هي الحال بالنسبة إلى الرأيين الأولين القائلين يالبراءة والوقوف: حيث أن هذين الرأيين تشكلت منهما الفرقتان الرستاقية والنزوية: - الفرقة الرستاقية أمامها أبو محمد ابن بركة. (١) الجامعء ج ١ء ص ٤٢٤۲. (۲) السالمي, تحفة الأعيانء ج ١ء ص ۱۹۷. الفرقة النزوية أمامها أبو سعيد الكدمي. وقد مثلت هاتان الفرقتان تطورا فكريا في سلسلة حلقات تطور الفكر الإسلامي في عمان: حیث صارتا تمثلان مدرستين فكريتين على مدى عدة قرون كل مدرسة لها معالمها ومنهجيتهاء على أنه يرجع فضل كبير إلى هاتين المدرستين الرستاقية والنزوية في تطور الفكر السياسي في المذهب وتكون ثروة فقهية كبيرة في الفقه السياسي أو السياسة الشرعيةء بصورة تكاد لا يوجد لها نظير لدى المذاهب الإسلامية الأاخرىء فهما قد بحثنا بشكل موسع ومفصل نظام الحكم في الإسلام من حيث علاقةه الحاكم بالمحكومء وكيفيه اختيار الحاكم وواجباته ومتی تجب طاعته ومتى لا تجبء وطبيعة وظيفة الولاة والقضاءء وغير ذلك من أمور الحكمء حتى أن القارئ يجد أجزاء يكاملها في المطولات الفقهية تعنى بنظام الحكم في الإسلام. اعمالة: فأن العظائم من الأمور لا تكون إلا من العظماء من الناس وتلك الأعمال تتمثل فيما يلي: ۱~ 1 وذلك أن الإمام ابن بركة نال حظاً واسعا من العلم وأخذ قسطا كبيرا من علوم الشريعة الإسلامية الغراء وعلوم العربية وآدابهاء واشتهر علمه شرقا وغرباء فكان لابد من أن يحمل رسالة التدريس وهي طريقه رجال الاصلاح في كل زمان ومکان. فانشاً مدرسته الشهيرة التي لا تزال اطلالها باقية حتى يومنا هذا بمحلة الضرح من بهلا. تلك المدرسة التي شدت إليها الرحالء وقصدها طلبة العلم من أنحاء القطر العماني ومن بلدان المغقرب العربي يفول الشيخ / محمد بن عيد الله السالمي «کانت لعمان في القديم مدارس للفقه وبقية العلوم منها: مدرسة الشيخ أبي محمد بن بركة في بهلاء وآثارها باقية إلى الآن تشتمل على كثير من الطلبة من البلاد ومن الخارجء وسمعت والدي - أي نور الدين السالمي - رحمه الله يذكر أنه تخرج منها ثمانون عالماً من أخواننا المغاربةء فلذلك ترى المغاربة يثنون على ابن بركة من علماء عمان أكثر من غيرهء وكان الشيخ من أغنياء أهل زمانه يحوط أمواله كل يوم من اول الصباح ثم يعود إلى التلامذة للتدريس» ”. وقد خرجت تلك المدرسة عدداً غير قليل من العلماء الاعلام الذي قدموا للعلم وللإسلام خدمات جليلة سجلها صفحات الأيامء وفي مقدمتهم العلامة الخبير والموّلف الشهير آبو الحسن علي بن محمد البسيوي رحمه الله صاحب الموّلفات العديدة. ۲- القسم الداخلي ”٩ : تكن تشغله عن القيام بالواجب في شأن الاصلاح انفاقا وارشادا وتدريسا. وكان ينفق من تلك الثروة على الطلبة الذين يلتحقون بمدرسته فهو يوُويهم تعليما واسكانا وتغذية ولعله بهذا يعتبر أول من أنشاً ما يعرف حاليا نظام الأقسام الداخلية. وهي نقطه يجب الوقوف عندها وتقييمها حضاريا ولعل إيواءه لطلية العلم بهذه الصورة هو الذي جذب إليه الطلاب المغارية. ۳ يناء المساحجحكد , للمسجد دور كبیر في الإسلامء فهو محور الحياة في الإسلامء وقد قام الاإمام ابن برکه بيناء العديد من المساحجد منها: - مسجد محلة الضرح وهي المحلة التي كان يقطنها في بهلاء وهو مسجده الذي لازم الصلاة فيه. — مسجد الخير في بهلاء. (١) الروض التضير ء ص ١۱۷. (۲) الجامعء ج ٢ ء مقدمة. (۳) تقس المصدر. - مسجد الوحيد. وهذه المساجد كلها في بهلاء. ٤- الوقف الخيري ”٩ : الرسول ييه : «إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع بهء أو صدقة جاريةء أو ولد صالح يدعو له» . وقد وقف الإمام ابن بركة أرضا واسعة من النخيل والأشجارء تسمى أرض المدانةء وقفها على أاندمجت من بعد ذلك بيت مال المسلمين. ٥۔ التأ لف 9 : اعتنى الإمام ابن بركة بالتأليف بجانب التدريس والافتاءء فقد ألف العديد من الكتب القيمة المفيدة ذات النفع الكبير وهي: ويعتبر من أهم الكتب التي تريط الفروع بالأصولء وهو من أمهات مصادر الفقه الاباضيء وقد تقدم القول على أهميته في ثنايا هذا البحث. - كتاب التقييدء وهو لايزال مخطوطاء وهو من الأهمية بمكانء قيد فيه المسائل التي سأل عنها (١) نقس المصدر. (۲) السالمي اللمعة المرضيةء ص ٢۲. وأجابه عليها شيخه أيو مالك غسان بن محمد بن الخضر الصلاني الصحاري. - كتاب الموازنة. کتاب ۱ لميتداً في خلق السماوات والأرض وما فيهن من الخلقء ويبدو أنه في التاريخ. - كتاب التعارفء وهو كتيب مهم جداء ذکر فيه ما تعارف عليه الناس وجری بینهم مجری العادةء وبيان الحكم الشرعي في ذلكء وهو مطبوع. - کتاب الأقليد. وقاكه : بعد حياة حافلة قضاها بين حلقات العلم وبعد أن ملا الدنيا علماء انتقل الإمام ابن بركة إلى الرفيق الأعلىء تاركا بعده من تلامذته علماء واصلوا السير في طرق التعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فكانوا هداة ودعاةء وأثارا علمية تضيء للناس طرق الخير والصلاح وتزدان بها رفوف المكتبات الإسلاميةء ومشاريع خيرية تدعو ذوي الغنى أن يحذوا حذوهء وينهجوا مؤّونة الحياة وتكاليف المعيشة. بقليل. 9 ‎ieee [E‏ ت ‎ ‎IEEE EAE EEA ‎ ‏اين برکه والحت العلمي ‏محاضرة سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ‏مفتي عام السلطنة ‎AIEEE PAA ‎ ‎ ‎eji ieee [E ‎ ‎ ‎ ‎ ‎ ‎ يسم الله لالرحين لالرحيع والحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على عبده ورسوله سيد العالمين وامام العارفين فقد اختير لي موضوع « ابن بركة والبحث العلمي»؛ ولا أريد أن اتحدث عن العلامة المحقق جامع المعقول والمنقول « أبي محمد عبد الله بن محمد ابن بركة السليمي البهلوي» فالحديث عنه استفقاض وعرف الجمعي منزلته العلمية ومكانته المعرفيةء وانما نخلص من ذلك كله إلي الحديث حول الموضوع نفسه. فاين -يركة كما علمتم- عالم محقق جمع المعقول والمنقولء فهو عالم مطلع لم يكن نطاقه ضيقا بحيث تنحصر معارفه الفقهية في إطار مذهبه فحسب. وإنما كان عالماً عالميا اطلع على المذاهب الإسلامية وعرف أقوال علمائها ومحصها تمحصياء كما أنه كان بجانب ذلك أديبا واسع المعارف اللغويةء وهذا التمكن في العلوم اللغوية جعله واسع الأفق في التحقيق والبحث في علم أصول الفقه ؛ فلذلك كانت ملكاته نابعة عن تمكنه في أصول الفقه في التحقيق الفقهي . فهو أول عالم فيما علمناه من علماء عمان في ذلك الوقت المبكر- يتحدث حول هذه القضايا الأصولية ويين ما هو الخاص وما هو العام وما هو المطلق وما هو المقيد وما هو المجمل وما هو المبين: وقد توسع تقريبا في كل مسألة من المسائل التي طرحها في كتابه (الجامع) حول هذه القضايا وتعرض للقياس وكان رأيه في القياس أنه لا يصح إلا على أصل متفق عليهء وهذا أمر نازعه من فيه من نازعه أهل العلم نظرا إلي ان العلماء يقيسون في المسائل المختلف فيها على أصول مختلف فيها فكل عالم يبني على أصله الذي اعتمدء وقد لوحظ عليه أنه بنفسه في مسألة غير الصبية قاس هذه المسألة على مسألة غير الأمة عندما تعتق . والأمة متفق أو مجمع على أن لها الغير عندما تكون تحت مملوك عندما يمن الله -تعالى- عليها بالعتق, أما عندما تكون تحت حي ففي هذه المسألة خلاف كما هو معلوم . ولا ريب في أن يوّصل ابن بركة أصلا ثم لا يفرع عليه فإن ذلك أمر معروفء فأصول توجد في مذاهب بعينها يفرع أصحاب تلك المذاهب على أصول أخرى لا توجد في مذهبهم فيقع الاختلاف في الأصول والفروع وكل منهم يبني على أصل ارتضاه غيره ولا يبني على أصله بنفسهء ولعل الندوة التي خصصت للامام نور الدين السالمي -رحمه الله- كان فيها بيان لشئ من هڏا. ومن التأصيلات التي اعتمدها ابن بركه وهي تأصيلات حقيقية أن يعتمد عليها «حمل المطلق على المقيد» فإن جمهور العلماء يحملون المطلق على المقيد والشاذ النادر الذي يجري المطلق في إطلاقه والمقيد في تقييده من غير أن يقدم أحدهما على الآخر مع اتحاد في الحكم والسبب إلا إننا نجد «ابن بركة» يتردد في مسألة ما من هذه المسائل الفرعية فيبتيها تارة على الأصل وتارة يقول قولا يفهم منه أنه ميني على أصل آخرء وهذه المسألة مسألة اشتراط السوم في زكاة الأنعامء فمع كونه قال في كتابه ان المطلق يحمل على المقيدء نجده تارة يقول ياشتراط السوم حملا على مقيد « في كل خمس شاه» وفي رواية «في الإبل في خمس شاه » على الحديث الآخر «في كل سائبة؛ إبل» وتارة لا يأخذ بهذا التقييد ويقول بأن السوم لا يشترط . وفي باب القیاس توسع «ابن برکه» کثیرا حتى انه وصل إلى القول بالقياس في الأسماء وهذا قول لم اعلم أحدا من علماء الأصول من مذهبنا يقوله وإنما هو قول وجد عند بعض العلماء الآأخرين ونظرتهم كما قلنا مبنية في المسائل الفقهية على التأصيلات عند علماء أصول الفقه وعلى دلالات اللغة العربيةء ومن حيث إن اللغة تدل ألفاظها على معاني متعددة ينتقل من معنى إلى آخر بسبب علاقة المعنيينء وذهب «ابن بركه» إلى إن كل وطء محرم لأجل سبب من الأسباب حكمه حكم الزنا لأن الزنا هو الدخول في المضيق كما يقول الشاعر: ولست بزان في مقضيق لأنني أحب وساع العيش الخلق الرحبا وبناء على هذا؛ قال قولا عجيبا ولا أستطيع أن أجزم أن هذا القول رأيه إن ذكره باقتضاب وهو أن من يطاً امرأته في وقت الحيض أو في غير موضع الوطء الطبيعي يعطي حكم الزاني من حيث وجود الحدء وهذا كلام فيه غرابةء ومن كلامه في ذلك هذا النص الذي نقلته أن الزنا الذى يوجب الحد من جانب الفرجء لقول النبي ييو : «العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان ويصدق ذلك ويكذبه الفرج وكل من دخل بفرجه في ضيق مضيق عليه فهو زان وکل من استحق اسم الزاني فالحد واجچب عليه» . وكان قد قال من قبل : «إن أهل اللغة يسمون الدخول في المضيق زناء فلما رآينا الوطء في الدبر والخلف داخلين في المضيق عليهما علمنا أنهما استحقا الزنيء. والزني يفرق بينه ويين زوجاته» وهو ينظر من خلال هذا الكلام الذي ذكره إلى قول الله -تبارك وتعالى- : $ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك 4 ومعنى ذلك إن كان متلبسا بالزنا فليس كفوًا بالعفيف غير المتلبس بهء وقد استدل فيما ذهب إليه في هذه المسألة بأثر ذكره عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والأثر أخرجه الإمام مالك في موطئه «عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن مسيب وسليمان ابن يسار أن طليحة الأسندية طلقت فتزوجها رشيد الثقفي قبل أن تنتهي عدتها ففرق عمر -رضي الله عنه- بينهما وقال أنه لا تحل له إلى الأبد ». والتص الموجود في موطاً الإمام مالك (عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: « أيما امرأة نكحت في ميتتها فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الزوج الأول ثم كان الآخر خاطبا من الخطابء وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان أبدا). ووجه الاستدلال أن عمر -رضي الله تعالى عنه- فرق بين هذه المرأًة وبين زوجها وحرمها عليه بناء على اجتهاده إلي الأبدء حرمها عليه لأنه تعجل شيئا قبل أوانه وکل من تعجل شيء قبل آوانه عوقب بحرمانهء واستدل «اين بركه» بهذا الذي ذهب إليه بحكم القاتل عندما يقتل موروثه انه يحرم مما كان يستحقه من الأرث يسبب انه تعجل ذلك قبل أوانه إلي آخر ما ناقشه في ذلك الشأن . من هذا كله يظهر أن «ابن برکه» کان يتبصر كثيرا في المقياس . ومن اجتهاداته في الأصول أنه كان يقول بأن الأمر المطلق للفورء ويستدل على ذلك بدليلين: ١ دلیيل نصي ۔ ۲ دليل تظري .۔ ‎O 1‏ . فالدليل النصي قوله تعالى : $ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرضك فكل أحد مأمور بأن يسارع إلى المغفرة والجنة وذلك بامتثال امر الله واجتناب نهيه ‏فالامتثال إذا يؤّمر الإنسان بأن يسارع إليه . ‏والدليل التظري هو أن الإنسان لا يدري متى ينتهي أجله فالذين قالوا بالتوسعة في كتابه الأمر المطلق إلى آخر حياة الإنسان يرون أنه عندما يحضره ريب المنون يصبح في حكم الضيق يعد أن كان في حكم السعة ولا يدري الانسان متى يحضرء ريب المنون فلا يجد أحدا في ساعته أن يتوجه إليه في أمر الشارع -سبحانه وتعالى- هل تلك الساعة هي الساعة الأخيرة من حياته أو الساعة المتوسطة من عمره وإن كانت ساعته قبل الأخيرة فكم بينها وبين الساعة الأخيرةء قمن هنا يجب على الحازم أن يسارع إلي الامتثال وأن لا يتردد في ذلكء وبنى على هذا أن الأمر بالحج أمر فوري وأن القادر على الحج أي المستطيع للحج ليس له أن يوّخر الحج من عام إلى عام آخر بل عليه أن يسارع إلى ذلك فرأيه في الأمر أنه يفيد الفور وهذا رأي الجمهورء ولكن قد تدل عبارته أن غير الواجب لا يصح مأمورا به إلا بطريقة المجاز ولعله يستدل لذلك بقول النبي يي : «لولا أن ‏أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة وعند كل وضوء ». ‏وهو في اجتهاداته ينظر إلي مناح متعددة في القضية التي يجتهد فيها وقد ينظر إلى دلالاتها الشرعية فينظر إلي الدليل من الكتاب والدليل من السنة وإلى موقف العلماء الذين أجمعوا من قبل على رأي وقد يكون ناظرا إلى وجه آخر من الوجوه وقد ينظر أحيانا إلى القضية أن أمرا ما عندما يكون معصية فتلك المعصية تفسد الطاعة التي تصاحبها وهذا الذي بنى عليه رأيه في ذبيحة الغاصب وذبيحة السارق حيث قال «فإن قال قائل الغاصب يكون عاصيا بالفعل بالسرقة ولا يكون عصيانه مبطلا لذبحه » قلت: إن سرقته معصيةء واستعماله في الذبح معصية أخرى كرجل سرق طعاما فهو عاص بالسرقة فإذا كان أكله حصلت له معصية أخرى بأكله. وكذلك الذابح لها عاص بإستعماله كعصيانه بسرقتها فإذا كان هكذا ثبت ما قلناه . وتحدث عن سرقة الآلة التي يذبح بها مثل السكين فقال : « فإن قال قائل : موضع من السكين مدي استعمال السكين قيل له : اجمع الناس جميعا أن ليس له أن يذبح بها فان قال قائل ليس ما يذبح بها يمنع من أكلها إذا ذبحت قلما منعت من أكلهاء قبل منع من أكلها بما تقدم إذ لم يأت بالزكاة الشرعية « ثم بعد ذلك يستدل على من قال بالجواز بأنه يلزمهم أن يقولوا بجواز أكل ما ذبح بالظفر والسن وهم أكثرهم لا يقولون بهذا الرأىء معنى هذا أن الذبح -حسبما يذهب إليه ابن بركه- أمر تعبدي فلذلك يفسد الطاعة لأن العبادة لابد أن تكون خالصة لوجه الله -سبحانه وتعالى-ء فكما أن المصلي عندما يمتثل بين يدي الله -سبحانه وتعالى- يجب أن لا يكون متلبسا بمعصية ومن تلبس يمعصية في صلاته كانت مفسدة لها كليسه الحرير ولبسه الذهب ولبسه الثوب المسروق والثوب المغصوب» وصلاته بالموضع المغصوب هذا على رأي طائفة كبيرة من أهل العلم كذلك التذكية لها هذا الحكمء وهذا بناه على اعتبارات في الأدلة الشرعية تدل على أن التذكية تدخل في باب التعبد وهو رأي وثيق وإستدلاله قوي . والله -سبحانه وتعالي- قال ما بين النحر والصلاة فصل لربك وانحر كما أنه -تعالى- قارن بينهما في قوله قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وكذلك نجد أن الله -سبحانه وتعالى- في محكم كتايه العزيز ينص على احكام تتعلق بالتذكية فهو يقول -سبحانه وتعالى- : $ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ويقول : ل فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ويقول : فاذكروا اسم الله عليها وغير ذلك من الآيات التي نصت على وجوب الذكر في التذكية. كما أن أحاديث الرسول يَِْةٍ ناصة على هذا المعنى ومن أدلها دلالة على هذا المعنى حديث علي -كرم الله وجهه- « أن الرسول عليه الصلاة والسلام- قال: « من ذبح لغير الله فعليه لعنة الله»ء هذا يعني أن الذيح يجب أن يكون لله -سبحانه وتعالى- وحده. وهناك طائفة من أهل العلم تقول إن الذبح هو من العادات ومن الأمور الشكلية كالمليس والماكل فلا يدخل عنصر العبادة فيه وهذا كلام مرجوع إلى أن الذبح إزهاق للروح وهو في الأصل ممنوع شرعاء وقد أباحه الله -سبحانه وتعالى- عندما يكون بالطريقة التي وجه العباد إليها ومن أجل ذلك نجد أن الذبح لا يجوز أن يكون إلا من مسلم أو كتابي فلا تحل ذبيحة المشرك الوثنيء مع أن المشرك الوثني من الممكن أن يذبح على الوجه الشرعي فيذكي الحيوان كما يذكي المسلم مع استيفائه جميع هذه الىشروط . ونجد أن الله -سبحانه وتعالى- حرم أنواعا من الحيوانات بسبب زهق أرواحها بغير الطريقة الشرعية فقد حرم الله -سبحانه وتعالى- الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبعء مع أنه لا فارق عندما ينظر الإنسان إلى أكيلة السبع والتي يصطادها الحيوان للإنسان مع استيفائها قي هذا الاصطياد لجميع الشروط الشرعيةء فما هو الفرق بين التي يمسكها السبع حتى تموت ثم يدركها الإنسان وبين التي يمسكها الحيوان الجارح بتوجيه من الإنسان إلا أن عنصر العيادة فقد في أكيلة السبع ولم يفقد هناء مع أن الشارع حدد بأن يكون الحيوان الممسك حيوانا واحدا قفي حديث الرسول ية في رواية علي ابن حاتم -رضي الله عنه- بيان أن ما أمسكه الحيوان إن وجده حیا فليذبحه وما قتله ولم یشارکه فيه غیره فليأکله ون شارکه فيه غيره فلا يأكلهء وهذ ا دليل على أن الذبح كما يذكره في باب العبادة فإن عنصر العبادة هو دليل يقتضي ذلك . كذلك الوقذ لماذا حرم فإن قيل انما التحريم كان مما في الوقذ من تعذيب للحيوان فالجواب أن الموقوذة لم تحرم علي الواقذ وحده فقد يتعدى أحد من الناس على حيوان يملكه غيره قيقذه ويأتي صاحبه بعد ما يفوت بالموت ولا يحل له أن يأكله فتحرم الموقوذة على غير الواقذ. كذلك نجد أن الله -سبحانه وتعالى- حرم المنخنقة وقد يكون هذا الإختناق ناتجا بسبب الحيوان نفسه فقد تتلوى الدابة بحبلها حتي تختنق أنفاسها وتموت ولا دخل لأحد بتعذييها ومع هذا كله فإنها تبقى حراما ما لم تتداركها الذكاة قبل الموت . وقد ذهب جماعة من علماء المذهب إلى هذا الرأي الذي ذهب إليه «ابن بركه» وهو رأي ابن حزم وقد استدل عليه بروايات عن رسول الله َي ومن بين هذه الروايات رواية أخرجها ايو داوّود أن النبي يَيْةٍ جاء إلى أصحابه وقد رجعوا من غزوة فوجد القدور تطفو من اللحم فأمر بتلك القدور بأن تراق وما فيها وأمر بأن تصب تلك القدور بالأرض . ولذلك لأنهم ذبحوا الأموال التي اغتنمت قبل اقتسامها فجعل النبي َي ذلك مما يحرمها. والذين ذهيوا إلى غير هذا الرأي قالوا بأن الرسول يَيِْهٍ فعل ذلك نكاية بأولئك الذين تصرقوا بما عرفوا به بغير إذنه عليه -أفضل الصلاة والسلام-ء وهذا ليس بشيء فإن النكاية بهم لا تقتضي إتلاف المال فتلك اللحوم كانت محللة في مال ممتلك ولا يجوز إتلافه وما كان لرسول الله كَل أن يتلفه إلا أنه عليه أفضل -الصلاة والسلام- أراد أن يثبت لهؤّلاء بأن هذا التصرف كان كالريا لا يحل لهم مع أن لهؤلاء جميعا حقا في تلك الغنائم ولكن بما أنها لم تقسم ولم يتميز حق كل واحد منهم أتلفها عليه أفضل الصلاة والسلامء وبناء على هذا الذي ذهب إليه «ابن بركه» من أن الذبح أمر تعيدي كان يرى أن ذبيحة السكران الذي فقد عقله وذبيحة المجنون وذبيحة الصبي لا تجوزء وهذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها العلماء . فالشافعية مثلا يقولون بجواز ذبح هولاء جميعا. والحنفية يقولون بجواز ذبيحة المجنون عندما يكون عنده شيء من الصحو ومثل ذلك والمالكية والحتابلة يقولون بالتحريمء ويقول هوؤلاء بجواز ذبيحة الصبي المميز . وابن حزم يرى أن هوّلاء جميعا لا تصح ذبيحتهم ويتفق في ذلك مع ابن برکه آخذا من اُن الخطاب لا يمكن أن يتوجه إليهم في قوله عز وجل : إلا ما إذ هم ليسوا بموٌهلين في الخطاب الشرعيء هكذا يرى ابن حزم وهو قريب في رأيه هذا من راي «ابن برکه» . ونحن نرى أن السكران الذي فقد عقله والمجنون الذي هو أيضا فاقد عقله لا تصح ذبيحتهما أما الصبي المميز فهو أهل لأن يذبح ولا يقال بأنه ليس أهلا بأن يتوجه خطاب الله إليه : كيف والنبي يَأ يأمر بأن يعلم الصبيان الصلاة وإن لم يكونوا مكلفين إلا أن العبادة تصح منهم وقد استدل ابن حزم إلى ما ذهب إليه من الرأي بما يتفق مع (ابن بركة) بأن الصبي لا تجوز إماماته ولا تزوجه ولا تزويجه ولا بيعه ولا شراوّه ولا قفةه ولا هبتهء وليس ذلك على إطلاقه فإمامته عندما يكون مميزا قادرا على أداء الصلاة تدل السنة التبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام على جوازها حيث ذكر عمر ابن عنبسة ما يدل على ذلك وهو موجود في الصحيحين؛ جاء فيه ان قومه أتوا الرسول يي فأمرهم بأن يصلي بهم من كان أكثرهم قرآنا فكان هو أكثرهم قرآنا فکان يصلي بهم الصلوات الخمس المفروضة ء وهذا مما يدل على أن الصبي ليس حكمه حكم المجنون إذا كان مميزا قادرا على أداء التعيد على النحو الشرعي . «فابن برکه» له آراء متعددة استقل بها من بین علماء مذهیهء من بین هذه الآراء أنه یری عدم اشتراط الولي في تزويج الثيب وهو متردد في ذكره بين المذهب الحنفي الذي لايشترط الولي ويين مذهب الظاهرية الذي يشترط الولي في البكر والثيبء وهو متردد بين هذين المذهبينء ويستدل على ذلك بأن الله -سبحانه وتعالى- أسند النكاح إلى النساء في قوله -عز وجل : $ ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن 4. ولم يقل فلا تمنعوا أن تنكحوهن ويرى أن الولي في مسألة التزويج حكمه كحكمه في مراقبة من يتولى أمرهء عندما يضع الشئ في غير مواضعه: فعندما تكون المرأة وضعت نفسها في الموضع اللائق بها أي عندما تتزوج بنفسها ليس لوليها أن يرفض زواجهاء أما إذا كانت بخلاف ذلك فيجب في هذه الحالة الرفضء كما أن السفيه يملي إقراره وليه ويتولى أمره وليه في بيعه وشرائه وهذا من باب توسعه في القياس بحيث قاس أمر النتكاح على أمر البيع والشراء في المعاملات التي تدور بين الناسء ومهما يكن من أمر فإننا نقدر اجتهاده هذاء وان كنا لا نوافقه علي رأيه لمخالفته الصحيح الثابت من حديث الرسول يَيِْةِء فالرسول عليه أفضل -الصلاة والسلام- يقول : «لا نكاح إلا يولي وصداق وبينة» ويقول عليه أفضل -الصلاة والسلام- : «أي امراً زوجت نفسها من غير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل » كما إن كتاب الله -تعالى- يدل على ذلك في قوله عز وجل : فلا إذ حديث الرسول ي يبين معاني الكتاب ويوضح هذه الآية الكريمة في حديث معقل بن يسار عندما نزلت من أجله حين أمر أخته أن تتزوج من طلقها بعد انقضاء عدتها منه فأنزل الله -تبارك وتعالى- في ذلك ما أنتزله من الحكم البائن في هذه الآية الكريمة فأمتثل إلى أمر الله ولقول نبيه يي وسارع إلى تزويجها ولم يجعلها تتزوجه ينفسها. غير أن المحقق «ابن بركه» دقيق النظر في الأدلة الشرعية وعندما ترد عليه قضية ما فله اجتهاداته التي يعتمد فيها على دقة نظره وسعة أفقه وله تحليله في كثير من المسائل التي لم يكد ککلام «اين بركة» فيها ء وهي مسألة صيام اليوم الذي نشك فيهء فإننا نجد نصوصا کثیره عن الرسول ييو تدل على النهي عن صيام ذلك اليوم . إذ يقول عليه أفضل الصلاة والسلام- :«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ويقول: « تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروا الهلال فإن غم عليكم فاكملوا عدة الثلاثين » وقد كان هذا من قول النبي يٍَِْ مع أننا نجد كثيرا من العلماء في جميع المذاهب الإسلامية في هذه المسألة يتساهلون ويسامحون في صيام ذلك اليوم قمنهم من قال صومه مندوب إليه ومنهم من قال يمسك في الغالب فإن لم يأت خير يسمر على صيامه ومنهم من قال يخير بين صيامه وإفطاره مع أن الأحاديث جازمة في هذه المسألة. والعجب من الحنابلة كيف يميلون إلى صيام هذا اليوم مع أنهم أثريون يعتمدون على الأثر دون النظر في المسائل الفقهية. فالإمام أحمد نفسه يروى عنه أنه استحب صيام هذا اليوم لا سيما في حال الغيم ونص على ذلك علماء المذهب الحنبلي من بينهم اين قدامة ولكن ابن القيم الذي كان أقرب إلى مخالفتهم قال بجواز صيامه وإفطاره مع ذكره طائفة من الأحاديث كحديث: «لا تتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين» وينص على هذه الأحاديث أنها صحيحة بل وانها أحاذيث مستفيضة لأنها رويت من طرق شتىء وانما يستند كل هوؤلاء على روايات موقوفة على بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- مثل عمر وعلي وعائشة وابن عمر وغيرهمء وهذه الروايات الموقوفة جاءت روايات تعارضها عن هؤلاء الصحابة أنفسهم فعمر -رضي الله عنه-ء روي عنه ما يعارض الرواية التي تدل على أنه كان يصوم هذا اليوم وكذلك سائر من روي عنهم من الصحابة بأنهم أجازوا صيامه. الله عنه قال : «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى ابا القاسم يَيْأٍْ » . وقد حرر «ابين برکه» هذه المسالة تحريرا جيیداء حيیث قال بيعل ما تمت الاراء بين المذاهب مجئ الخبر وأن صائمه عاص لربه مخالف لنبيه باتفاق الأمة علي قوله يي : «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤينه» وقوله عليه أفضل -الصلاة والسلام- ‎YJ»:‏ تتقدموا رمصان بيوم أو بیومین ». والدليل على أن صوم يوم الشك لا يجوز أنه لا يأكل وهذا كلام ابن بركهء أنه لا يأكل لانه إما أن يكون من شعبان أو من رمضان والأصل أنه من شعبانء لأن حکم شعبان جار علينا ما لم نعرف انقضاءه كما علمنا ابتداءه فإن كان يوم الشك من شعبان فقصامه الصائم على أنه من رمضان أخطاًء لأن صوم رمضان فرض وجب في الشهر بعينه ولا يجوز لأحد أن يصومه في غیرهء إلا بأمر الله تعالى وان كان من رمضان فصائمه لا يخلو إما أن يكون اعتقد آنه من رمضان فکان مؤّديا لفرضه أو أنه من شعبان فكان متطوعا به فإإن صامه معتقدا أنه من رمضان فقد صام معتقدا بأداء فرض وهو لا يعلم أن الفرض قد دخل وقته وان صام على أنه من شعبان فهو أحری أن لا يحسب له ولا يجوز أيضا صومه تطوعاء لنهي النبي َيه عن صومه وإن كان صامه على أنه ان کان من رمضان کان فرضا وان کان من شعبان کان تطوعا فهذا الرجل قدم عمله قبل ان ينوي والأعمال لا تتحقق حتى تتقدمها النيات لقول النبي يي : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوی » . وكذلك فإن أداء الفرائتض طاعة الله -جل ذكره- ومحال أن يكون عمل لله فيه طاعة لا يوصل إلى طاعته فيه إلا بمعصيةء وقد نهى النبي ية عن صوم يوم الشك والمخالف لرسول الله ية عاص لربه غير مؤّد لفرض الله عليهء وقد أصاب ابن حزم في هذه القضية فإنه مع ورود هذه الأحاديث الكثيرة واستفاضتها لا مجال للشك في أن حكم صيام هذا اليوم المنعء وهذا القول قد قاله من بعد ابن بركه جماعة من العلماءء ورأيهم فيما أرى في منتهى القوة لأن الروايات كثيرة عن النبي يَيٍَْ تدل على النهي عن صيام يوم الشك إلا أن يصادف صياماً كان يصومه من قبل مع نهي النبي يَْْةٍ عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين لا يبقى مجال للآخذ براي آخر في هده القضية . وقد كان ابن بركة في تأصيلاته كثيرا ما يذهب إلى الضبط والتقييد والتفريق ما بين النسخ والتخصيصء فمثلا يقول الله -تبارك وتعالى- : والمطلقات يتربصن بأنفسهم ثلاثة قروء لأنه جاء بیانه في آيات متعددة من الكتاب وليست تلك الآيات ناسخة لهذا الحكم وإنما هي بيان له ومن بينها قول الله -تبارك وتعالى- : ظ واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارنبنم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن4‰ وقوله -سبحانهە-: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن . فهذا ليس بنسخ لما جاء في الآية الكريمة وإنما هو مجرد تحديد بيان لما في الاية السابقة. ويقول ابن بركه : بأن النسخ إنما هو رفع الحكم بالكلية ومثل ذلك قال في قول الله -تبارك وتعالى- : لا جناح عليكم أن تأكلوا من بيوت آبائكم .. 4 إلى آخر الآية الكريمةء قال هو ليس نسخا لقول- الله تعالى - $ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل 4 وإنما هو مخصص لعمومه وهذا هوالواقع. فإن هناك فرقا بين التخصيص والنسخ ولكن كثيرا من علماء السلف يسمون التخصيص نسخا وقد جاء مثل ذلك في عبارة إمام المفسرين ابن جريرءو«ابن بركة» نفسه وفع في هذا الأمر أيضا فنجده في آيات الصوم يجعل بعضها ناسخا ليعضء وكذلك نجده قد توسع في كثير من الآيات فاعتبر هذا منسوخا فمن ذلك قول الله -تبارك وتعالى- :يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن» جعل قول الله -تبارك وتعالى- : تولا تعضلوهن لنذهبوا ببعض ما أتيتموهن 4 منسوخا بحكم النيي يَيةٍ في جميلة بنت عبد الله التي افتدت من زوجها ويغض النظر كون هذا الحديث صالحا لنسخ هذا الحكم في الآية الكريمة فنحن لا نجد ما يدل على أن هذا تسخ بحال من الأحوال فكل حكم جار في مجراهء أما الآية الكريمة فهي ناهية عن العضل ولي في الحديث الشريف ما يفيد النهي عن العضل ولو كان هناك نسخ لكان الأولى أن نقول بأن قول الله -تبارك وتعالى- : $ وإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به هو الناسخ لكن ليس ذلك نسخا لأن هذه الآية لها مجرى خاص تلك ناهيه عن العضل وتلك مبيحة للفدية مع عدم العضل مع إقامة حدود الله لا مع وجود التعنت من الزوج وحمل المرأة على العضل . ونجد أيضا من اجتهادات «اين بركه» التي انفرد فيها برأي ولعل بعض الذين جاءوا من بعده يتبعونه على رأيه ما ذهب اليه في اشتراط النية علي المعتدة ميتة كانت أو مطلقة وهو بنفسه نقل عن علماء المذهب أنهم لا يشترطون من عليه النية من أجل أنهم يرون أن العدة هي استبراء أريد بها كشف الرحم هل هذه المرأة حامل أو غير حامل فهم يرون أن العدة حكم معقول المعنى النية. ونحن نرى أن وجوب العدة على غير المدخول بها في حال موت زوجها عندما يموت عنها زوجها دليل على صحة ما يذهب إليه «ابن بركة» فإن كان هو رأيا مخالفا للجمهور لولا ما حكاه القرطبي من الإجماع على أن الحامل تنتهي عدتها بوضعها حملها ولو لم تعلم بوفاة (زوجها ويوقع الطلاق عليها منه) . فلو كان هذا الاإجماع ثابتا فالمختلف فيه يحمل على المجمع عليه ذلك لعدم القارق ما بين الأمرين في هذه القضية إذ لا فارق بين الحامل وغيرها إلا فارق بين الاعتداد بوضع الحمل وبين غيرهء كذلك نجد «ابن بركه من العلماء الذين قالوا ولعله أول ما قال بهذا الرأي من العلماء الذين قالوا بأن النفاس لا يمكن أن يجامع الحملء قمع عدم استيفاء المرأة وضع ما في رحمها لا تكون نفساء ولا تترك الصلاة حتى تضع كا ما في بطنها فان وضعت واحدا وكان الاخر لا يزال في الرحم نتستمر على صلاتهاء وتستمر على صيامها لأن النفاس يتنافى مع الحمل وفي هذه المسألة فيما أحسب لم يسبق إلى رأيه فيها أحد من علماء المذهب وإن قال من بعده من قال بمثل هذا الرآي الذي ذهب إليه وهناك الكثير من المسائل التي كان له فيها رأي ومن تأصيلاته التي كان له فيها رأي خاص أنه عند الاجتهاد لا يقارن به رأي الصحابي إلا إذا وجد من الصحابة من يخالف هذا الرأيء وذلك لمكانة الصحابة يسبب صحبتهم لرسول الله يَيْلٍْ ومعرفتهم لمواد الأحكام ولأن الله -تبارك وتعالى- اجتباهم إن قال -سيحانه وتعالى- : لإوكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا فجعلهم بمكانة الرسول يي من حيث الشهادة على الناس فكما أن الرسول يَيْوٍ شهيد عليهم يشهدون هم على الناسء وهذ دليل علي أن رأيهم لا يخرج عن دائرة الحق . ولئن قال أحد منهم برأي ولم يخالفه آخر فيجب عدم الخروج عن رأيهء ويعتبر ذلك رأي الجمعء واستدل على رأيه هذا أيضا بقول -الله تعالى- : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى وينبع غير سبيل المؤمنين نوله ما . وقال إنه لا يجوز أن يسكت سائر الصحابة على الخطاً عندما يخطئ أحدهم لأن اتفاقهم على الرأي مقصد لا يمكن أن يقع الخطاً عليه فهم باجتماعهم على أمر معصومون عن الخطاً وإلا ما كانت شهادتهم على الناس تعادل بشهادة الرسول ية عليهم . وهذا رأي خالفه فيه العلماء الذين جاءوا من بعده وناقشوه فيه كما ناقشوه في كثير من المسائل التي كان له فيها رأي منفردء كقوله بأن القياس يصح في الأمساء كما يصح في الأحكام فقد اعترض على رأيه هذا أن الأمر لو كان كذلك لزم من كان اسمه محمدا أن کون کل من کان اسمه محمداً نبياً رسولاً من عند الله -سبحانه وتعالى- من أجل قياسه على محمد رسول وهذا كلام لا يقوله أحدء ولعل العلماء الذين قالوا بتحريم القهوة البنية المعروفةء بنوا رأيهم هذا على الأصل الذي ذهب إليه «ابن بركه» فإن القهوة في الأصل هي الخمر فلعلهم قاسوا ما سمى اسم الخمر على الخمر هكذا يتضح لي ٠ ولم أجد أحدا من الناس نص على ذلك إذ كانت طائفة من العلماء عندنا في عمان تذهب إلي تحريم القهوة البنية وقد اطلعت فيما اطلعت عليه ان الدولة العثمانية كانت تقيم الحد على شارب هذه القهوة كما تقيم الحد على شارب الخمر في بداية الأمرء هكذا قرأت في يعض الصحف نقلا عن بعض المصادر التاريخيةء فلعل هؤّلاد الذين ذهبوا إلى هذا الرأي رأوا بأن المشروب إذا سمي باسم مشروب محرم يطلق عليه حكمه ويمنع استعماله كاستعمال أصله وهو ذلك المشروب المحرم والله -تعالى- أعلم بالصواب . ولا يفوتني أن أشكر وزارة التراث القومي والثقافة على إتاحة هذه الفرصة من أجل إحياء تراث هذه الشخصيات من خلال هذه الندوات وعلى رأس هذه الوزارة صاحب السمو السيد فيصل ابن علي بن فيصل آل سعید . واسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجزي خيرا كل من قام بالمساهمة في هذه الندوة كما أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتغمد بالرحمة جميع علمائنا العاملين وأن يسكنهم فسيح جناته وان يرزقنا الاقتداء بهم . والسلام عليكم ورحمة الله وبرکاته ‎TL‏ oe ej [E IEEE EEE EERE ابن برکه ودوره 2 أصول الفقه د/ مهنی الليواجني معهد العلوم الشرعية IAEA APIA AAAI E EEE el بسع للل الرحين الرحيع أبو محمد عبد الله بن محمد بن بركة السليمي علم بارز علي الساحة الفكرية العمانية في أوائل القرن الرابع الهجري ء تجاوزت مكانته الظرف المكاني والزماني ٠ في إطار الفكر الاباضي . فأثر فيمن جاء بعده سواء فى المشرق أو المغرب . وابن بركة هذا شخصية فذة » ومتعددة الجوانب لم يكشف البحث العلمي عنها بما يعطي الرجل حقه من التقدير والإحترام والوفاء لجهوده المتميزة . أملنا أن تسهم هذه الندوة فى إيراز تلك المكانة العلمية اللائقه به وأن تنزله المنزلة التي هو جدیر بها. سبق لي أن تعرفت على فكر ابن بركة ء في مناسبة سابقة ء وألممت إلماما سريعا بيعض آرائه الأصولية . وفي كل مرة أعود فيها إلى كتابه «الجامع اكتشف أن ما أجهله عن فكر الرجل أكثر مما عرفت . وتأتي هذه المناسبة لاتوسع أكثر من السابق في البحث والحديث عن دور ابن بركة فى أصول الفقه وغايتي من وراء ذلك إنما هي الوصول إلى معرفة مستوى الجهد الذي بذله الرجل في هذا الفن ء ومدى مساهمته فيه ء علي ضوء ما وصله علم أصول الفقه من تطور في النصف الأول من القرن الرابع لأن التقييم الموضوعي يحتم علينا أن نضع ما نسعي إلى تقييمه في ظرفه الزماني والمكاني حتي لا نجور في الحكم سلبا أو إيجابا . وسنحاول أن نصل الى هدفنا هذا باتباعنا خطه محددة تفرضها علينا طبيعة الموضوع والظروف المحيطة به . وسنعمل من خلال هذه الخطة . على الوصول الى تحديد معالم المنهج الأصولي عند ابن بركة من خلال كتابه «الجامع» خاصة الذي توزعت القضايا والمسائل الأصولية على جزئيه الأول والثاني . ومن هنا قامت خطتنا على قراءة متأنية لكتابه ثم تجريد الآراء والمباحث الأصولية ومن ثم ترتيبها وفق ما جرى به العمل عند الأصوليين ثم دراستها وتقييمها . وقد مهدت لهذا العمل بالحديث عن الوضع الأصولي حتى عصر ابن بركة , وأصول الفقه عند ابن بركة ومصادر الرجل التي استفاد منها في تحرير مباحثه؛ ثم عرضت تلك المياحث بالكلام عن النص قرانا وسنة ومسائلهما وموقف اين بركة من كل ذلك . وفي فصل آخر تحدثت عن أصول الاجتهاد فيما لا نص فيه من الإجماع والقياس ثم الأدلة التشريعية الثانوية من استحسان واستصحاب ... وتوسعت في ذلك بما سمحت به المادة العلمية ثم تعرضت لمبحث التقليد والإجتهاد وموقف ابن بركة منها ء. ثم أنهينا البحث بتقييم لجهود الرجل ٠ نرجو أن يحالفنا الصواب فى أكثرها والا نكون قد تجاوزنا الخطوط الخضراء في الوضع الأصولي حتي عصرابن بركه : يعتبر الكثيرون أن أصول الفقه هو النموذج الأعلى للفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية ويرجع هذا العلم فكرته إلى آيام النبي ية حين كانت تعرض عليه الوقائع فينتظر في شأنها الوحي ء فإن لم يأته جبريل -عليه السلام- بشئ علم أن ذلك إيذان من الله له بالإجتهاد. فيجتهد رأيه مستنيرا بما استفاده من الوحي ء مستلهما مقاصده وأبعاده . وريما ألحق المسألة بنظائرها وأشباهها . ولما توقف الوحي وجاء عصر الصحابة - رضوان الله عليهم- واحتاجوا إلى معرفة حكم الله -تعالى- فيما يجري من قضايا وهموم يومية ونحوها عولوا في ذلك على كتاب الله وسنه النبي يَيْْمٌ مستلهمين نصوصها شكلا وروحا ء مسترشدين بسليقتهم العربية الخالصة , في الفهم واللإستنياط وبدأت تظهر لديهم البوادر الأولى للأفكار الأصولية من قبيل الناسخ والمنسوخ: والخاص والعامء وظهرت فكرة القياس . عندما لاحظوا أن وقائع كثيرة لم تندرج في التصوص الثابتة فقاسوها بنظائرها المنصوص عليها. لم يدون في القرن الأول شئ من القواعد الأصولية وإنما بداً ذلك وبصورة بسيطة . فى القرن الثاني من خلال الرسائل التي كان يتبادلها العلماء والقتاوى التي كان يصدرها المجتهدون في قضايا الفقه وغيره . ومع تطور المجتمع الإسلامي مدنيا من القضايا الجديدة ما يحتاج معه إلى الإجتهاد في معرفة أحكام الشرع ء فكان من الضروري أن يكون للفقهاء . وقد بدأت تتميز اتجاهاتهم . مناهج تمكنهم من ذلك . فتطورت فكرة أصول الفقه . ويدأت الآراء الأصولية تتحدد وتتفرع والمناهج الإجتهادية تتبلور وشاعت المصطلحات الاصولية والقتها حلقات العلم ء ويداً التلاميذ يدونونها ضمن تقييداتهم عن مشائخهم وأئمتهم . والوثيقة الأصولية التي وصلتنا من ذلك العهد إنما هي الرسالة للإمام الشاقعي (٤٠۲ ه) التي أجاب بها عن أسئلة وردت عليه من يعض أهل العلم . ومما لا ريب أن الإمام الشافعي قد استفاد من جهود سابقيه ومعاصريه في تأليف رسالته الي جانب مواهبه الشخصية في تجميع الجزئيات فى قواعد كلية وترتيبها ترتيبا دقيقا ء مما دعا موّرخي علم الأصول إلى إعتبارها نقلة نوعية في تاريخ هذا العلمء ودافعا لتطوره وتوسعه من خلال ما كتب عليها من شروح ومعارضات ليعض قضاياها من علماء القرن الثالث والنصف الأول من القرن الرابع ٠ وهي الفترة التي عاش شيخنا ابن بركة المحتفى به اليوم ء في هذه القاعة . لقد حفظ لنا التاريخ أسماء لأصوليين كثيرين عاشوا قبل الشيخ ابن بركة أو عاصرهم وكتبوا رسائل أصولية في مسائل مستقلة من قبيل إبطال القياس وإثباته ٠ والتقليد . والخصوص والعموم ء واجتهاد الرأى وخبر الواحد ء والمفسر والمحمل ء وأصول الفتيا .. وريما أدرجوا الكثير من القضايا الأصولية ضمن المباحث الفقهية ٠ جيئ بها للإستدلال علي الحكم الشرعي أو الإاعتراض علي الخصوم . وعناوين تلك الرسائل تصور الي حد بعيد تباين الإتجاهات الأصوليه وتميزها عن بعضها . فظهرت للمعتزلة مواقفهم واراوّهم ٠ وللظاهرية اتجاههم ولغير هؤلاء وأولئك جهدهم المتميز ومنهجهم المختلف . وفي هذا الظرف الفكري الأصولي عاش ابن بركة وألف جامعه بجزأيه فجاء مصورا ء إلى حد بعيد تلك الحركة التشيطة للفقه وأصوله . اين بركه وأصول العمعه : بدا الشيخ اين بركة كتابه الجامع بالحديث عن أصول الفقه فعبر عنه بكونه قواعد الفقه وأصول دين الشريعة يبتداً بها لحاجة الفقيه اليه . وقلة استغنائه عن النظر فيه والإعتبار فيه والفقه ء عند اين بركة ء بناء لابد أن يقوم على قواعد وأسس متينة ء حتي يطمأن إليه . ومعرفة تلك القواعد والأأصول ضرورية ٠ وشرط لمن أراد أن يكون فقيها . قادرا علي استنباط أحکام الوقائع والأحداث فهو يقرر أنه لا يمكن أن يجتهد المجتهد حتي ينظر أولا في تلك القواعد والأصول لقد عبر ابن بركة عن هذه الفكرة بقوله :« فالواجب علي من أراد الفقه أن يتعرف علي أصول الفقه وأمهاته ليكون بناوّه علي أصول صحيحة ليجعل كل حكم في موضعه وتجريه على سننه...»(۲) . هكذا عبر ابن بركة علي تلك الفكرة التي كررها الأصوليون جميعا وهي أن أصول القققه علم عظيم قدره ٠ بين شرفه وفخره . لم ينس ابن بركة ء في سياق حديثه عن أصول الفقه ء أن يبرز الدواعي التي دفعت به إلى كتابة فصوله الأصولية . في كتابه الجامع ء والتي يمكن تلخيصها في ملاحظاته ما يقع فيه المنتسبون إلى الفقه من أهل زمانه من أخطاء لجهلهم بأصول الفقه ومناهج الإجتهاد . فكتب يقول : «لأني رأيت العوام من متفقهي أصحاينا ٠ ريما ذهب عليهم كثير من معرفة ما ذكرنا ء وتكلم عند النظر ومحتاجه الخصوم بما ينكره الخواص منهم . وأهل المعرفة بذلك . لأنهم ريما وضعوا اللفظة في غير موضعهاء ونقلوا الحجة على غير جهتهاء واستعملوها في غير أماكنها»(۳) . وابن بركة . بكلامه هذا إضافة إلى كونه بين أهمية الأصول وقيمته الكبيرة في استنباط الأحكام , فإنه يعبر عن نفس الفكرة التي صاغها بعض المتأخرين فجعلوا الأصول منطقا للفقهء وقانونا عاصما لذهن الفقيه من الخطاً في الإستدلال علي الأحكام ٠ كما ان المنطق الفلسفي قانون عاصم لذهن الفيلسوف من الخطاً في التفكير (٤) . إن وظيفة أصول الفقه عند ابن بركة يمكن تلخيصها فيما يلي : - الوصول إلى الحكم الصحيح المتعلق بالمسألة موضوع البحث والنظر بإجراء أحكام المسائل وفق قواعد البحث السليمة التي عبر عنها اين بركة بالسنن . - الوصول الى الدليل الصحيح المناسب للحكم لما يحققه ذلك من دقة في الحكم المستفاد. - التمييز بين المصطلحات الأصولية , وتجنب الخلط بينها حتي تكون النتائج القائمة عليها صحيحة وسليمة . يقيم إجتهاده على مقدمات خاطئة ينتهي الى نتائج خاطئة حتما. - اعطاء الصورة الصحيحة والمشرفة عن المذهب فقها وفقهاء . مصادر اين برکه 2 مياحته اللأصولية : لم يبخل علينا الشيخ ابن بركة بذكر عدد من مصادره التي استفاد منها في كتابه الجامع بما تضمنه من فصول أصولية . ويمكن أن تصنف هذه المصادرء بعد إحصائها على النحو التالي: مصادر ففشهية . كتب إختلاف الفقهاء ‏ أهل التفسير. أصحاب الحديث . كتب اللغة . لقد صرح اين بركة بيعض تلك المصادر فذكر منها جامع ابن جعقر والخزانه لأبى المنذر وكتاب خلق الإنسان لثعلب وكتاب الموضح لابن المغلس الظاهري الذي يبدو أنه كان ردا على كتاب المزني حسب ما ذكره الشيرازي والذي وصف الكتاب بأنه جليل (0) , إلا أن ابن بركةء فى أحيان كثيرة ء يذكر عن ذكر المصادر فيجمل الحديث عنها من ذلك قوله «وحکی داود فيما وجدت في كتبهء ووجدت في آثار أصحابنا ... ونحو ذلك من العبارات الدالة علي مطالعاته الواسعة . ويبدو أن صاحبنا ء حين كان يكتب مباحثه لم تكن المصادر بين يديه ء فسجل منها ما تذکره ء واعتمد في الباقي على حفظه ٠ وهي مما لا ريب فيه كثيرة لأن مستوى الكتاب شكلا ومضمونا يوحي بقراءات كثيرة في مراجع محلية وخارجية عديدة ومتنوعة الاتجاهات . ومما لا ريب فيه أن ابن بركة قد استفاد مما وصله من تلك الجهود سواء بطريق مباشرة أو بواسطة بحسب ما كانت تسمح به ظروف عصره . إن التنوع فى المصادر والمراجع التي اقيم عليها جامع اين بركة من حيث المواضيع والإتجاهات أمر ضروري للكتابات الأصولية . فأصول الفقه إنما هو خلاصة العلوم الشرعية والعربية لا محالة . فالمبادئ اللغوية والبلاغية أساسية في فهم التص الشرعي الذي يتعامل معه الأصولي سواء أكان ذلك النص قرآنا أو سنة . ومعرفة ما كتبه «أصحاب الحديث» يساعد في مباحث الخبر أو السنة ء وما كتبه «أهل التفسير» مفتاح لمعرفة ما يتعلق بالقرآن الكريم من معاني الآيات ء واختلاف القراءات وما أثمر من خلاف عند أهل الفقه ء وأن ما كتبه هؤّلاء الأخيرون هو الأكثر أهمية في بناء الجامع سواء فى جانبه الفقهي أو الأصولي ذلك أن العلفين » حتي عصر ابن بركة » لا يزالان متداخلين ء وأن مسألة استقلال الأصول عن الفقه ما زالت في خطواتها الأولى : فقد لاحظنا ء في مواضع كثيرة . محاولة ابن بركة استخلاص القاعدة الأصولية من الفروع الفقهية التي ينقلها عن الاخرين . ولعل هذا هو السيب الذي جعلنا نلاحظ عدم إيراد ابن بركة للمصادر الأصولية مما أنتجه علماء القرن الثالث , رغم كثرة العناوين التي وصلتنا ء إلا أن الشئ الأكيد أن الشيخ ابن بركة قد اطلع على الكثير منها سواء مباشرة أو من خلال المباحث الفقهية المشبعة بالآراء الأصولية ء وأن إيراده لأسماء كثيرة جدا لأئمه الفقهاء وأعلاما مشهورين في علم أصول الفقه والكلام من أصحاب الاتجاهات المختلفة لدليل علي ذلك. ولا ينبغي أن ننسي أن نتحدث عن شخصية كتيب في النصف الأول من القرن الرايع الهجري. ولكل عصر مناهجه وطرقه . وأن الأقوال الكثيرة التي سجلها الشيخ في المسائل الأصوليه كالنسخء والمواقف من القياس ء وآراء الواقفية في صيغ الألفاظ .... ونحو ذلك لدليل علي الإطلاع الواسع علي المصنفات الأصولية أو قل الرسائل الأصولية المتباينة الاتجاهات . الميباحتثت اللأصولية عند ابن بركه : ۱ - ئمىىك : انتهت بنا قراءتنا لكتاب الجامع ورسالة التعارف إلى أن ابن بركة لم يختلف عن غيره من جمهور الأصوليين في تحديد مصادر التشريع وأدلته كما لم يختلف عنهم في ترتيبها بحسب أولويتها . فجعل القرآن الكريم علي رأس القائمة ثم السنة فالإجماع فالقياس فصور الاستدلال الأخرى المختلف فيها . کتب این برکه . في سياق حديثه عن إحدى المسائل : «وليس لأحد من الأمة أن يضع حدا يوجب بوضعه في الشريعة حكما إلا أن يتولى وضع ذلك الحد كتاب ناطق أو سنة ينقلها صادق عن صادق أو يتفق علي ذلك علماء أمة محمد (1) ويقول : «والتقليد لا يجوز عند دخول الدليل الصحيح من الكتاب والسنة والإجماع أو حجة العقل» (۷) ومراده بحجة العقل القياس وما يلحق به من استحسان واستصحاب ومصالح مرسلة . ٢ - عرض ابن بركة للقرآن باعتباره المصدر الأول من مصادر التشريع : لم يعرف اين بركة القرآن الكريم ء على عادة أهل عصره ء إن هو عندهم أعرف من أن يعرفء وإنما انصب جهده على تحقيق القضايا التي جعلت القرآن يستحق المرتبة الأولي بين مصادر التشريع بالتأكيد على مصدره الرباني » وعلى كونه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وقد أسهم ابن بركة في الدفاع عن القرآن الكريم مما وجه إليه شكلاً ومضموناء من نقد وأباطيل تكفلت بترويجها الاتجاهات الشعوبية وحركة الزندقة والإلحاد التى عرفتها الساحة الفكرية بعد عهد التابعين . تعرض ابن بركة لمسألة جمع القرآن الكريم ودافع بحرارة علي الفكرة القائلة بأن النبي ت هو الذي فعل ذلك ء قبل وفاته ء وأنكر أن يكون ابو بكر هو الذي تولي ذلك . وحكم على الروايات الواردة في شأنها بالبطلان والطعن فيها . فتحققت سلامة القرآن من الزيادة والنقصان من خلال عناية الصحابة به حفظا وكتابة ودرسا . واتهم ابن بركة الروايات الواردة في شأن القراءات الشاذة . وقد سماها بالقراءات الفاحشه فكذب تلك الروايات ٠ ورقض ما ينسب إلى بن مسعود من مصاحف . ورد شبه الملحدين المتعلقه بظاهرة التكرار في القرآن » وكذا مسآلة المتشابه فبين المقاصد والحكم بما يقوي الايمان بالكتاب العزيز . ومن القضايا الهامة التي نالت نصيبا من جهد ابن بركة مسألة الإعجاز القراني التي اعتبرها خاصية الكتاب العزيز الذي قام علي التحدي لمن بعث فيهم النبي يَيةٍ ابتداء . وهم أمة العرب الذين يفاخرون بفصاحتهم الناشئون على الحمية . فتحدى القرآن من كذب به منهم أن يأتوا بمثله . واستفزهم إلى ذلك بتقبيح أديانهم ٠ وتسفيه أحلامهم . ومكنهم من البحث والقحص وأمهلهم . فلما عجزوا » وضعفت حيلتهم حاربوا من أنزل عليه ومن آمن به بالكلمة والسيف . فكان ذلك برهانا علي أنه كلام الله المنزل. ولم يغفل ابن يركة ء عند حديثه عن إعجاز القرآن أن يتعرض لآراء بعض الإسلاميين في المسألة ء فتكلم عن نظرية الصرفة ء وحاجج أهلها وعمل علي إبطالها ليقرر أن الإعجاز صفة ذاتية للقرآن ولازمة من لوازمة . ولما تحقق إعجاز النص القرآنء منع اين بركة مسألة ترجمته الى أى لغة أخرى لما يوّدى إليه ذلك من ذهاب سر الإعجاز الكامن في طبيعة اللغة التي نزل بهاء وفي التصرف الرياني في صياغة نظمه . وقد تكلم شيخنا في المسألة ء بصورة عرضية ء ومما جاء عنه : «فلو كان القرآن العربي يتهياً بنقل إلى لسان أعجمي لكان أيضا أعجميا فنقل الى لسان عربي ء ولكانت الحجة لا تكون به للنبي يَيْةٍ (كذا) علي أعدائه فيما أضافوه إليه مما قد برأه الله منه ...» (۸8) . والسؤال الذي يطرح نفسه , بعد هذا العرض المطول لإهتمامات ابن بركة بالقضايا القرانيةء لماذا تعرض ابن بركة باعتباره أاصوليا فقيها . لتلك المسائل القرانية ؟ وما علاقتها بعلم الاصول ؟ . إننا لا نخطئ الصواب إذا قلنا ان ابن بركة كان يعي تماما ما يكتب ء وأن له هدفا من وراء ذلك » حدده سلفا ء ويسعي الي تحقيقه يتمثل في تقرير وتأكيد المصدر الإلهي للقرآن الكريم: وتعزيز الثقة التامة فيه لأن ذلك هو الأساس ء والأصل الذي يجعل المسلم يؤّمن بأن القرآن هو «النظم المنزل علي النبي المنقول عنه بالتواتر المعجز لمن قصد معارضته في شئ من أحواله»(۹) الأمر الذي يبوئ الكتاب العزيز المرتبة الأولى على قائمة المصادر الشرعية وأدلتها بلا منازعء ومن ثم يسلم المرء القياد لأحكامه عن قناعة وإيمانء إن استعارة ابن بركة لهذه القضايا المتعلقه بعلوم القرآن لم تكن ترفا ولا رغبة فى الكشف عن سعة علمه . وإنما غايته توظيف كل ذلك من أجل غايته الأصولية أولا وأخرا . وقد اكتفي بالقليل من رصيده الثقافي المتعلق بهذا الجانب . وقد عبر عن هذا القليل فى أكثر من موضع بقوله : «وفي هذا المقدار كفاية». مباحث السنّه عند اين بركه : مرينا قريبا ء أن السنة عند ابن بركة , كما هي عند غيره ء تأتي في المرتبة الثانية بعد القران الكريم باعتبارها مصدرا من مصادر التشريع ء بحيث لا يتجاوزها المجتهد الي غيرها . قبل وأنه «لاحظ للنظر مع ورود الخبر» (١٠) . لقد بدا لي أنه من المفيد لدراسة السنة ء كما يراها ابن بركة . أن أقوم بتجميع ما توزع من مسائلها على جزأي الكتاب ء ثم إعادة توزيع ما أمكن تجميعه في نقاط محددة ء تيسر علينا إعطاء لا يختلف اين بركة عن غيره في كون السنة هي ما ثبتت نسبته الي النبي يَيِْةٍ من قول أو فعل أو تقرير . ومما لا ريب أن البحث في السنة النبوية يختلف عنه في القرآن الكريم في واحد من جوانب البحث الأصولي . ففي حين ثبت إجماع الناس علي تواتر القرآن الكريم ٠ ومن ثم وروده القطعي فإن الأمر مختلف مع السنة من هذه الزاوية ء ونتيجة لذلك ظهرت قضايا ومسائل شغلت بال الأصوليين هي : - أقسام السنة ومراتبها . دللالة السنتك وحجينها. - ظاهرة الوضع واهتزاز الثقة بالسنة . - التعامل مع ا لسنة . - وظيشة السنة . لقد تعرض ابن بركة لكل هذه المسائل وأبدى فيها رأيه ء وشرح مواقفه بما يكشف عن إطلاعه على ما كتبه أهل الحديث والأصوليون الذين سبقوه في موضوع السنة وكان من الضروري لابن بركه ء باعتباره أصوليا . أن يحدد الضوابط التي يتميز علي أساسها الكم الهائل من الأخبار المنسوبة الى النبي حتي يصح الإحتجاج بها ء وجعلها مصدرا من مصادر التشريع . وسواء متعلقت هذه الضوابط بالرواة (السند) أو المتن (نص الحديث) فإنه لا مفر لابين بركة - كبقية الأصوليين - من أن يستفيد من الجهود التي بذلها علماء الحديث دراية . في ضبط أقسام السنة وتعريفها وبيان أحوالها ء مع عرض تلك الجهود علي مقاييس الأصوليين ووجهات نظرهم . أولا : السنة التبوية : أقسامها ومراتيها : لا يخلو نقل الأخبار » عموما ء أن يكون متواترا أو أحاد . وهذا القسم الأخير قد ينتشر في الناس بعد الجيل الأول فيكون مستفيضا أو مشهورا كما يبقي أحاديا ينقله الواحد عن الواحد . لقد تعرض ابن بركة لهذه النقطة فتكلم عن أخبار الأحاد بقسميها ء ومثل لها إلا أنه لم يعطها يقيد معناها ويميزها عن غيرها ء ربما اقتناعا منه بأن المصطلح في حد ذاته معبر عن حقيقته ومضمونه ء إلا أن الأمر اللافت للإنتباه عند ابن بركه ء سكوته عن الحديث المتواتر إذ لم يشر إليه صراحة أو ضمنا . فهل يمكن أن يكون ابن بركة كبعض الأصوليين ينكر وقوع الحديث المتواتر : وإن لم يمتنع جوازه عقلا ء أو ريما لندرته . وقد قال بذلك جماعة من أهل الأصول . إننا لا نملك من الأدلة ما يمكننا من القطع بأحد الافتراضين »٠ ولعل المزيد من البحث في آثار ابن بركة التشريعية ما يعطي الجواب الشافي للمسألة . تحدث الشيخ ابن بركة عن تقسيم السنة النبوية من جهة اسنادها إتصالا وانقطاعا . وأشار الي اهم الأحوال العارضة على طريقة الأصوليين , فأشار الي المرسل والمنقطع والموقوف وخبر المتن وخبر الصحيفة . وأعطى لكل واحد منها تعريفا مبسطا يبين حقيقته ء حسب ما أداه اليه نظره . ويبدو ان ابن بركة لم يوفق كل التوفيق في التمييز بين تلك الأقسام كما هو الحال مثلا مع مصطلحي المرسل والمتن ونحن لا تستبعد أن يكون ذلك راجعا الى عمل النساع الأوائل لكتاب الجامع . إذ ليس من السهولة القبول بصدور ذلك عن رجل كاين بركة مع سعة اطلاعه وعمق معرفته . وإلى جانب تقسيم السنة . باعتبار عدد رواتها وطرق نقلها فإننا لاحظنا ابن بركة يصنف الأحاديث تصنيفا آخر قائما على مدي الإحتجاج بها فقسمها إلى : أ - ستة لم تتوفر فيها شروح الصحة › ومن ئم عدم الا بها . ب - سنة تتازع التاس ك العمل يها . ج ۔ سن أجمع الناس علي صحتها والعمل بها . ثاتياً : دلالة الستة وحجيتها عند ابن بركه : لما كانت السنة النبوية ثابتة في أغلبها بطريق الآحاد ء وسواء ما وصلنا منها بنقل الواحد عن الواحد أو ما استفاض منها بعد القرن الأول فإنها تبقى في مرتبة دون مرتبة التواتر المفيد عليه أهل الفن من شروط وضوابط . وهذا المعني هو الذي قرره ابن بركة في أكثر من موضع موافقا به جمهور علماء الأمة من الأصوليين خلافا لمن تفرد بشروط لقبول خبر الواحد والعمل به . وخلافا لمن زعم أنه ء إذا صح ء يفيد العلم والعمل . ومما جاء عن ابن بركة ء في هذه المسألة ء قوله : «وخبر العدل مقبول ويجب العمل به حكما ولا يوجب علما» (۱۳) ويضيف : «فإن قال قائل : ما الدليل على أن الله تعبد بقبول عدل واحد دون أن يكون معه ثان والله تعالي إنما أمر بقبول شهادة عدلين ؟ . قيل له : إن الله ء وله الحمدء قد تعبدنا بأشياء مختلفة فأما الاموال أمر فيها بقبول شهادة عدلين » وفي عمل الأبدان أمر أن يقبل فيها خبر عدل بقوله جل ذکره إن جاءكم فاسق بنباً فتبينوا (الحجرات ١٦) فلما أمر وفي موضع آخرء وفي نفس المسأله يقول : «وإذا ثبت الخبر عن النبي كَية فليس إلا اتباعه»(۳) و«الخبر إذا سلم طريقه » وصح نقله» دل علي معناه والمراد مته (١٠) . ويقول ابن بركة : «والخبر اذا نقله عدل عن مثله جاز القول به إذا لم يكن له معارض ولم نقم دلالة على فساده» (١۱). والسنة ٠ عند اين بركة كما هي عند جمهور الأصوليين ء مقدمة على القياس عند تعارضهما لأن القياس شكل من أشكال الإجتهاد بالرأي والقاعدة العامة عنده «لاحظ للنظر مع وجود الخبر» والمقصود الخبر الصحيح لا محالة . ثاثأ : ظاهرة الوضع واهتزاز الثقة بالسنة عند ابن بركة : نسبت إلى النبي يَيْْةٍ » ولأسباب وعوامل ليس هذا موضع طرحها ء أقوال وأفعال مزعومة لم تصدر عنه ء سميت هذه الظاهرة بمسألة الوضع في الحديث ء وقد أثارها علماء السنة وتوسعوا في طرحها وبيان أسبابها ء ونبه عليها الأصوليون ء وكان ابن بركة واحدا منهم . فعند حديثه عن إحدى المسائل الفقهية قال : «والذي عندي أن أبا عبيدة ضعف الخبرء وطعن علي بعض ناقليه . وقد طعن مالك بن أنس في الخبر» (۱۷) . وقال في موضع آخرء في سياق أحاديث معارضة لما استفاض من السنة : «ومثل هذه الأحاديث توكد في نفوسنا تكذيبا لهم في مثلها» (۱۸). وفي سياق استدلاله عن مسألة فقهية يسجل ابن بركة : «ان الناس قد تنازعوا في صحة هذه الرواية فأيطلها فريق . وطعن في نقلها فریق» (۱۹) . لقد أبرز اين بركة سببين من أسباب الوضع الكثيرة التعصب المذهبي والعامل السياسي والنفعي . ففي سياق حديثه عن شهادة المخالفين وتبرير الرأى الفقهي في شأنها قال بصيغة الإنكار : «ألا ترى أنهم يردون فى أحاديثٹهم عن النبي ية بنقل العدول منهم . والفقهاء فيهم أن النبي يَيٍْْ قال : إذا كان معك عشرة أسهم فأرم في الخوارج منها بتسعة وفي المشركين بسهم» فمن كان يعتقد في المسلمين هذا الاعتقاد » فكيف يجوز أن يكون عدلا (۲۰). وفي ما يتعلق بالعامل السياسي في المسأله ٠ يقول : «ومخالفون ينكرون منا أنا لا تقبل أحاديثهم ونقلدهم فيها ء وفيهم عبد الملك بن مروان وأعوانه » والمهلب بن أبى صفرة وأيو هارون العبدي وأمثالهم ...» (۲۱) . لقد دفعت ظاهرة الوضع باين بركة إلى أن يقف متحرزا من السنة ء بعد أن تبين له أن ليس كل ما ينسب إلى النبي صحيحا ء ومن ثم تولد لديه الشعور بالخوف من إقامة حكم الله على كل ما ادعى انه حديث قاله أو فعله أو أقر عليه النبي يَلٍِ أصحابه خشية أن يكون مكذويا عليه فيزيد على الشرع ما ليس منه فيبوء بالوزر والاثم . ونتيجة لهذا الموقف المتحترّز ظهرت في «الجامع» عبارات كثيره تدل على الشك والإرتياب وعدم الطمأنينه من قييل «والله أعلم بصحة الخبر» )٢۲( 1 وقوله : «وفقد تنازع الناس في صحه هذه الرواية» (۲۳) . و«هذا الخبر إن صح ...» (٢٤۲) . بل ذهب به الشك الى الارتياب فيما تثبت روایته عند الأصحاب فقد جاء عه : «وفي الخبر نظر وإن كان أصحابنا يقولون به ....» )0 ۲( . رايا : تعامل ابن بركه مع السنه : من المفيد . بعد أن بينا الأثر السلبي لمسألة الوضع ء علي موقف ابن بركة من هذا المصدر التشريعي ء أن نبرز موقفه السليم في التعامل معه ء وكيفية توظيفه في الاحتجاج لارائه الفقهيهء وينائها علي السنة . ومن خلال ما تجمع لدينا من أقوال في الموضوع ء وبعد أن تقرر لدينا رأي ابن بركة في وجوب العمل بالسنة وعدم تجاوزها الي غيرها عند ثبوتها ء فقد لاحظنا تتبعه الخطوات التالية : ١- التأكد من صحة الرواية والحديث ء بعد أن تبين عدم سلامة كل ما ينسب إليه . وطريقه الى ذلك هو النظر في السند والمتن ونقدهما . فبالنسبه للسند ينظر في عدالة الرواة فإن توفرت فيهم شروطها استحقوها واتصفوا بها وقبلت روايتهم . كتب اين بركة يقول ء في هذا الشأن :« والخبر إذا نقله عدل عن مثله جاز القول به» ومن علامات عدالة الراوي أن لا ينقل عن رسول الله ية ما فيه مخالفة لكتاب الله العزيز لذا نجد الشيخ يطالب بعرض ما ينسب الي النبي يَيْةٍ علي القرآن الكريم حيث يقول في سياق اعتراضه علي حديث تعذيب الميت ببكاء أهله «وهذا خبر غير موافق لكتاب الله ٠ ولا توجب صحته العقولء ولم يرد ورود الأخبار التي ينقطع العذر بصحتها» (٦۲) وهذا الكلام الأخير يوحي بل يصرح بوجوب توفر شروط في الأخبار المقبولة . ۲ - إستفاضه الخبر وإشتهارها أمارة من أمارات الصحة . يقول ابن بركة : «والخبر بذلك تفيض من أهل النقل والحديث» (۲۷) ويقول : «فثبوت هذا الخبر واستفاضته في أهل النقل يدل علي ما قلنا» (۲۸). وتثبت صحة الحديث باجماع الناس عليها . قفي تعقيبه علي خبر احتج به قال: «وقد اجمع الناس علي صحة الرواية عن النبي ييه بأن ‎aaa‏ )۹( والرواية الصحيحة ء عند ابن بركة مقبولة ممن جاء بها من أهل المذهب أو غيرهم والعبرة دائما هي توفر شروط صحة السند والمتن ٠ فيقرر هذا المعني بقوله : «ولسنا ننكر أخبار مخالفينا فيما تفردوا به دون أصحابنا من غير أن نعلم فسادها لأنا قد علمنا فساد بعضها . ويجوز أن يكون ما لم يعلم بفساده أن يكون صحيحا ء وإن لم ينقلها معهم أصحابنا لما يجوز أن يكون البعض من الصحابة علم بالخير أو بعض الأخبار ولم يستفقض في الكل علم ذلك الخبر ولم يشتهر بينهم . وقد تختلف الأخبار بيننا وبينهم لتأويلها أو الإتقطاع بعض الأخبار أو اتصالهاء وقلة حفظنا فيها . وقد كان بعض الصحابة يصل الى النبي يَيٍْ أو الرجل يصل الى الصحابي وقد ذكر يعض الخبر. ومنهم من ينسي من الخبر شيئًا فيغير معناه أو يزيده . والصحيح منها ما أيده العمل أو وقع عليه الإجماع لذلك ..» (۳۰). إذا ثبتت الرواية ٠ وتحققت فيها شروط الصحة ء ينظر في أمرها . فإذا كانت الرواية في الموضوع واحدة عمل بظاهرها إن أمكن ء وإذا تعذر ذلك ذهب الي تأويلها التأويل السليم . وإذا تعددت الروايات واتحد موضوعها كان ذلك التعدد في الغالب ء أمارة على صحتها . وإذا اختلقت أحكامها وتعارضت عول على الترجيح بينها حسب ما قرره الأصوليون من قواعد . وسيأتي تفصيل الكلام في المسألة عند الحديث علي موقف ابن بركة من النصوص وتعامله معها عموما. خامساً : وظيفة السنة عند اين يركة : لاحظ ابن بركة العلاقة القوية بين القرآن والسنة في باب الأحكام ء وأدرك أن السنة النبوية خادمة للكتاب العزيز ء إذا لا يخلو حالها من أن تكون مبينة لمجمله أو مخصصة لعامه أو ناسخة لبعض أحكامه ء إلى جانب كونها تستقل أحيانا بالتشريع . قفي موضوع البيان والتبيين يعنون ابن بركة لاحدى مسائل الكتاب بقوله : «ذكر ترتيب ما نزل من الأحكام في القرآن ٠ وكان محتاجا من الرسول الى بيان» (۳۱) . ثم يورد الصور التي تكون في حاجة الي ذلك ء مبرزا الأسباب الداعية الى حاجتنا الى البيان (۳۲) . وفي سياق رده على من أوجب الافطار علي المريض والمسافر بحجه قوله -تعالي- : أ من ايام (البقرة ١۸٠) قال ابن بركة : «قيل له : الآية محتمله ما تقول ومحتمله ما نقول أنه علي التخيير. ثم الرجوع الى السنة القاضية بين المختلفين . وقد كان النبي يي يصوم في السفر ويفطر فيه..»(۳۳). ومن صور البيان ما عبر عنه الشيخ بقوله :«والذى عندي , والله أعلمء أن الصلاة اقترضها الله في القرآن جملة ٠ ثم بين رسول الله هذه الجملة بالسنة ..» وأما في ما يتعلق بتخصيص السنة لعمومات القرآن فالأمثلة في الجامع أكثر من أن تحصي . ويالنسبة لاستقلال السنة بالتشريع فقد قرره ابن بركة في أكثر من موضع ."ففي سياق حديثه عن سنن الوضوء قال : «والذي يوجيه النظر عندي أن الطهارة لا تتم إلا به لقول النبي َة للقيط بن صبرة وقوله لغير لقيط : إذا توضأت فضع فى أنفك ماء ثم استنشق . والاستنشاق واجب بالسنة كوجوب سائر الأعضاء بالقرآن » . ومن صور استقلال السنة بالتشريع مسأآلة سجدتي السهو. جاء فى الجامع : « وسجدتا السهو واجبتان علي كل من سها بالسنة المنقولة عن النبي ي أنه فعل ذلك ...» وتقريرا من ابن بركة لفكرة الاستقلالية هذه نجده يعقب على مسألة وجوب الاستنشاق يايراده الآيات الدالة علي وجوب امتثال ما شرعه النبي ابتداء » من ذلك قول الله تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا (النساء 1)٠ وقوله : من يطع الرسول فقد أطاع الله (التساء ٠۸) وقوله: لإوما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحي (النجم ۳). وبقي لنا مسألة نسخ السنة للقرآن . وسيأتي التفصيل عنها في حينها. النص الشرعي عند ابن بركة : أهميته واحكامه : لا تخلو الأحكام الشرعية أن تكون مستفادة إما من التص مباشرة وإما من الاستدلال القائم علي النص ء ومن ثم » وجب على الأصولي أن يهتم بالنص بالنظر والدراسة » كما وجب عليه أن يجتهد فيما لا نص فيه من أجل الكشف عن الحكم الشرعي وإثباته ٠ إذا لا يكفي ٠ في اليحث الأصولي ء أن يتوصل إلى اثبات سلامة النص وصحته ء تأكيد لحجيته وتعزيز لثقة الناس به بل لابد من النظر في النص ودراسته دراسة لغوية أصولية تمكن من الوصول الى الكشف عن الحكم الشرعي السليم . وعندما نقول دراسة لغوية لا نقصد بها المباحث اللغوية النحوية وما شاكلها مما يضبط الألفاظ والمعاني الظاهرة للكلام العربي وإنما قصدنا المباحث التي يتوصل بها إلى ضبط المعاني الدقيقة بواسطة استقراء خاص يتبعه عالم الأصول من أجل غاية مختلفة عما يسعي الى تحقيقه النحوي مثلا من دراسته للغة (۳۷) . والمراد بالنص ء في كلامنا إنما هو معناه العام أي خطاب الشارع المتعلق بالأحكام سواء أكان آية أو حديثا . لفظا واحدا أو تركيبا » صيغة أو دلاله نعود إلي جهود اين بركة الأصولية لننظر في مدي اهتمام الرجل بالجانب اللغوي للنص التشريعي وكيف تعامل معه ء وما مدى الثروة التي انتجها ابن بركة في الموضوع . أنه في وسعنا ء بعد مسحنا للمباحث اللغوية الأصولية , في كتاب الجامع بجزأيه أن نؤكد أن ابن بركة يجعل من وقف الأصولي على أسرار اللغة العربية » من وجهة نظر أصولية طبعاء شرطا في فهم النص الشرعي وحسن استثماره في باب استنباط الأحكام . وابن بركة قد أعطي الموضوع حقه من العناية وتوسع فيه بمعايير عصره لا محالة » وخصص فصولا قد تطول ٠ وقد تقصر في بيان المبادئ اللغوية (۳۸) كما جاء بالبعض منها عرضا عند الاحتجاج على رأي فقهي أو وفي إطار بيانه لأهمية اللغة . بالنسبة للأصولي ء يقول ابن بركة : «فالواجب أن يعتبر كل خطاب بحسب المعروف في اللسان لأن منه ما يفترق ولا يتفق ومنه ما يتفق ولا يفترق ومنه ما يتفق لفظه ويختلف معناه . وكل ذلك معروف عند أهل اللسان» (۳۹) . واثر حديث مطول عن أقسام الكلام وصور الألفاظ يقول ابن بركة : «وكل ذلك معروف في لغه العرب . وعلى اختلاف هذه الضروب تختلف معاني أحكامهاء ولكل ضرب منها صورة تعرف بها وصيغة وضعت لها .. فمن عرف ذلك وضع الخطاب موضعه ء ولم يعدل به إلى غير جهته » ومن قصر علمه عن شئ من ذلك؛ التبس عليه ما قصر علمه عنه ...» (*٤). ابن بركة على ان البحث في النص للوصول الى المراد ليس بالأمر الهين › وأنه لا يقل صعوبة عن الإجتهاد فيما لا نص فيه , فلابد للفقيه من سلامة تأويل الخطاب وتوجيهه وفق مقاصد الشرع وضوابط اللغة فمما كتبه شيخنا أنه «إذا تعذر البيان الشرعي للمجمل عول على اللغة» (١٤). والمتعارف عليه من كلام العرب لأن «الله خاطبنا بما تعقل العرب في لغتها . والعرب تعقل بالمقيد ما لا تعقله بالمطلق . وتعقل بالمطلق ما لا تعقله بالمقيد» (£۲) . ما من شك أن ابن بركة قد لاحظ ء وهو يتتبع آيات القرآن الكريم وأحاديٹ النبي َي أن اللفظ فيهما أحوالا كثيرة ء تختلف بإختلافها المعاني والأحكام فتعرض لها بالشرح والبيان؛ مع ما يتناسب مع مستوى البحث الأصوله في عهده فجاءت مساهماته في صورة تفتقر الى العرض المنظم الذي ستعرفه المصنفات الأصولية اللاحقة , فقد جاءت تلك القضايا والمسائل موزعة علي جزآى الكتاب بحسب الدواعي والمناسبات ء من غير أن ينقص ذلك شيئا من أهميتها العلمية. ومن قيمة صاحبها . وليس علي دارس الفكر الأصولي ء عند ابن بركة , إلا أن يقوم بجمعها من مواضعها المتناثرة ثم ترتيبها وتبويبها بالشكل الذي يبرز جهود الشيخ ويزيدها ظهورا. لقد تيسر لنا حصر عدد لا بأس به ء من القضايا والمسائل اللغوية الأصولية ء مما يسمح لنا بتصنيف ألفاظ النص الشرعي ء حسب ما تعارف عليه الأصوليون من اعتبارات على النحو التالي: ١- باعتبار وضع اللفظ للمعني في اللغة . ينقسم الى عام وخاص . ويتنوع هذا الأخير إلى: أمر ونهي .٠ وإلى مطلق ومقید . ٢ب باعتبار ظهور المعني وخفائه . ينقسم اللفظ الى محكم ومتشابه ٠ والي مفسر ومجمل ويتفرع الاخير الي مشترك ومحتمل . ۳- ياعتبار استعمال اللفظ ينقسم الي حقيقة ومجاز . ٤- باعتبار كيفية دلالته علي المعني ٠ ينقسم اللفظ الي منطوق ومفهوم . وسمي ابن بركه هذا الاخير بالاشارة والتلويح . ثم الحق الشيخ بالاقسام السابقة للكلام والالفاظ بعض الأساليب البيانية من تعريض وإفصاح ٠ وإطالة وإيجاز وترادف وتكرير وحذف وتأكيد وترديد ثم ذيل سره لأقسام اللفظ بقوله:« غير أن العرب لسعة لغتها وكثرة معاني كلامها تعبر عن الخصوص بلفظ العموم . وعن العموم بلفظ الخصوص ء وعن الحقيقة بلفظ المجاز وعن المجاز بلفظ الحقيقه . وهذا معروف بينهم ومنسوب عندهم وعليه أدلة موضوعة ....» (٤٤). لم يهتم ابن بركة ء من حيث المبداً » بتعريف المصطلحات اللفظية الأصولية التي أوردها في كتابا ء تعربفا اصطلاحيا , إلا نادرا » وإنما كان يكتفي ببيان المعنى إجمالا . بضرب المثال أحيانا وبالتعويل على السليقة العربية ٠ وظهور معنى اللفظ في عرف اهل الفن ٠ وتحوله الي حقيقة عرفية مسلمة . وإذا وجدناه يفعل خلاف ذلك فهو الإستثناء الذي القاعدة . فقد عرف على سبيل المثال المجمل من القرآن بقوله : «إنه ما كان محتاجا من النبي ي إلى بيان»(£ ). ما الجانب المهم الذي ركز عليه ابن بركة في عرضه لمبحث الألفاظ إنما هو أحكام اللفظ وعلاقته بالناحية التشريعية . ومن المسائل اللفظية الأصولية التي تعرض لها أهل الأصول واختلفوا في بعض صورها مسألة الصيغة . فابن بركة كالجمهور يقرر أن لكل قسم من أقسام الكلام صيغة تميزه عن غيره حتى يعرف بها . فهو يقول : «وعلي اختلاف هذه الضروب تختلف معاني أحكامها ء ولكل ضرب منها صورة تعرف بها وصيغة وضعت لها يعرف السامع بذلك قصد المخاطب وغرض المتكلم»(٥٤) ويقول في موضع آخر : «فالخطاب إذا ورد فالعموم صيغة كما أن للخصوص صيغةء وللأمر صيغة وللنهي صيغة ء ولكل وجه من وجوه الخطاب صيغة يعرف بها حكمه ويدل المخاطب بها على معناه» . ويبدو أن ابن بركة يرد » من خلال هذا الكلام .٠ علي الذين ينكرون بعض الصيغ من الواقفية (۷) لا يخلو حال النص ء عند اين بركة ء أن يكون ظاهر المعني ء مبنيا علي أصله وحقيقته › وإما أن يكتنفه الاحتمال والاجمال . والقاعدة . عند الشيخ ء حمل التصوص على ظاهرهاء ولا يعدل عن ذلك إلا بدليل . والظاهر هو ما تفهمه العرب من لغتها ء بحسب وضعها ء وما تعورف عليه منها. ومما قاله في المسألة : «ونحن على ظاهر الآية إذا لم نجد دليلا يدل علي خلاف الظاهر»(۸٤). وفي حكم متروك التسمية ء كتب ابن بركة : «فترك الذكر بالعمد والنسيان لا يبيحها لعموم وفي مسألة جواز التيمم لعموم من لم يجد الماء من مسافر ومقيم يقول : «ونحن علي ظاهر الآية إذا لم نجد دليلا يدل علي خلاف الظاهر» (0٠) . تبين أن الأصل في التعامل مع النص الشرعي انما هو حمله علي ظاهر من عموم وخصوص أو حقيقه ومجاز ... إذ «الواجب أن يعتبر كل خطاب بحسب المعروف في اللسان» من غير تكلف . أما إذا تعذر العمل بما يدل عليه ظاهر النص وتطرق إليه الاحتمال والاجمال ترك الظاهر . ففي سياق بيان ابن بركة لحكم انتفاع السيد بأمته فيما يجوز الانتفاع به يقول :«ومن ذهب الي تحريم ذلك شذ عن الاجماع والتعلق بالخبر المروي عن رسول الله يَيْْةٍ بالنهي عن كسب الأمة وكسب الزمارة فقد غلط في تأويل الخبر . وليس لمن يتعلق بظاهر حجة مع مخالفة الاجماع في تأويلە»(۲ °) . وفي هذه الصورة التي يتحقق فيه الاجمال يتحتم علي المجتهد ترك الظاهر والبحث عن مبين يزيل الاجمال ويرفع الاحتمال حتي يفهم المراد من النتص فبيمناسبة حديث ابن بركة عن تمييز الولد بالعطيةء والتي جاء فيها النهي عن النبي ييو في حديثه المشهورء أورد شيخنا قول أصحابنا بصحة العطية وعصيان المعطي ثم عقب علي ذلك بقوله:«.. وفي جوازه مع ورود الخبر نظر لأن ظاهر نهي النبي يي يوجب رد الحكم . ولعل أصحاينا ذهبوا الي جوازه لرواية أخرى ء انه قال : «اشهد غيري» . فإن صح هذا الخبر فهو عندي يجري مجري التهدید» (۳٥) . و«تأخيره (البيان) يوجب اعتقاد غير ما ظهر لأنه إذا خاطب بظاهر الاطلاق والعموم ء وهو يريد من ذلك : ١- دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز . فُإذا تعذرت الحقيقه لمانع عمل بالمجاز للقرينة . وقد سجل ابن برکه أمثله عديدة من المجازات الواردهة في القران وبين من إطلاق اللفظ علي حقيقته ۲- اشتراك اللفظ في معاني كثيرة . وسواء أكان اللفظ إسما أو حرفا . ففي مسألة بداية وقت العشاء الذي حدد بمغيب الشفق . وقع الخلاف في المراد بالشفق لاشتراكه بين الأبيض والأحمر ثم قال :« ونحن نحتار قول من أوجب الفرض بالشفق الأول منهما. فإن قال قائل ما الذي دل على عدل هذا الرأي والفرض إذا كان يجب بالاسم وكل واحد من الشفقين اسم للشفق الذي يراد به القرض ء٠ وما ننكر أن يكون من صلي بالأول صلي بغير يقين؟ والفرائض لا توّدى إلا بيقين » قيل له : لما قال النبي َة : «إلى أن يغيب الشفق» فتركنا مع الاسم . فالاسم هو المطلوب . والتعلق بأوائل الأسماء جائز» وأما فيما يتعلق بالاجمال الوارد في الحروف بسبب اشتراكها في المعاني الكثيرة . ونيابتها عن بعضها يقول ابن بركة : «ومن ادعى أن الواو توجب التعقيب فغلط في ذلك ء ان الواو تقع في التخيير وتجب في التعقيب : وفي موضع الشك والمراعاة في ذلك عند وجوب الخطاب» (°۸) . وفي مسألة حق الوالد في مال ولده والخلاف في ذلك بناء اشتراك حرف اللام في قوله عليه السلام :«أنت ومالك لأبيك» قال ابن بركة: «إن هذه اللام ليست بلام تمليك ... قيل له : هذا خبر يجب أن يصرف إلى جهة لا يلحقها التناقض والكذب ...»(۹) . ويقول في موضع آخر : «وأما أدوات الخفض فإن بعضها ينوب عن بعص تحو....»( ۰ ٦( ۰ ۳ - الترادف وهو اشتراك المعني الواحد بين أكثر من لفظ . وهو موجود في لغة العرب ولكنه خلاف الأصل ٠ ويعمل به عند عدم الفائدة من التفريق إذ ليس التأسيس أولي من التأكيد. وإن أمكن التأسيس قدم علي التأكيد (١1) . ٤- من صور الاجمال والاحتمال التعارض بين النصوص كعام وخاص . ومطلق ومقید. ومبيح وحاظر ... وخير الواحد والخبر المستفيص .٠ وخبر وقياس .... لقد أرش ابن بركة الي جملة من طرق رفع الاجمال نذكر بعضها : ١- استعمال العرف اللغوي في تفسير مجمل النصوص (1۲) . ۲- تقديم المعني الشرعي عن المعنى اللغوي عند تعارضهما (1۳) . ۳- مراعاة قرائن الألفاظ والأحوال «إذ بها يعرف المراد منها . ويزول الشك عنها بالبيان بمقدمة أو بصفة أو إيماء أو إشارة أو دلالة يقع منه بيان المراد ويصح معه ٦). ٤- الوقوف علي المقاصد من الخطاب (1°) . ٥- الترجيح بين النتصوص .۾ ورفع التعارض . التعارص وموفف ابن برکه مله : التعارض هو تقابل دليلين علي سبيل الممانعة كورود نص مبيح لأمرء ونص آخر حاظر له لاحظ اين بركة هي الظاهرة ودعا الي التغلب عليها اعتقادا منه أن التعارض لا يمكن أن يصدر عن الشارع الحكيم . فالتعارض غير ممكن بين النصوص في نفس الأمر والواقع بحيث يراد معني التصين المتضادين في نفس الوقت . وقد أشار ابن بركة ء في كتابه الجامع ء إلى صور عديدة من صور التعارض وبتتبعنا ليبعض منها أمكننا من الوقوف على أسباب التعارض عند الشيخ منها: ١- تفاوت طرق النقل فی موضوع الاسناد. ٢- دوران النص بين أكثر من معني من عام وخاص. وأمر ونهي فيما يتعلق بالمتن. ۳- ورود الاباحة والحظر علي محل واحد فيما يتعلق بالحكم . ٤- تعارض حكم ثابت بنص مع حكم ثابت بقياس . مثل ابن بركة للقسم الأول بمسألة نكاح المحرم » ورجح رواية عثمان بن عفان علي رواية ابن عباس . ومثل للصورة الثانيه بما جاء أن النبي سها في صلاته فسجد قيل التسليم . وما المنسوخ...(1۷) . ومثال التعارض المتعلق بالحكم اشتراط القبض في بيع الذهب بالورق. قال ابن بركة :«وقد عارض خبر عمر سماك بن حرسة. وإذا تعارض الخبراه كان المرجوح (كذا) إلى كتاب الله» . يقرر ابن بركة أنه إذا ورد » على محل واحد » خبران متعارضان ء وثبتت صحتهما عند آهل العلم ء ولم يعلم المتقدم منهما من المتأخرء ولا الناسخ من المنسوخ ء فالواجب عنده استعمالهما إذا أمكن . ففي مسألة التنازع في غسل الرجلين ومسحهما يسيب اختلاف القراءات قال ابن يركة: «وأجمع الكل (الصحابة) على أن القراءتين صحيحتان فصارتا بمثابة الآيتين . والآيتان إذا وردتاء ولم يكن فى الأخذ بواحدة رفع للأخرى ء وأمكن استعمالهما وجب إتيان ما تضمنتاه....». وفي مسألة قطع صلاة المصلي ء يقول ابن بركة :«فإذا صح الخبران لم يكن أحدهما ناقضا للآخر فكأنما قال -عليه السلام- :«إن الصلاة لا يقطعها إلا ما أمرتكم بقتاله أو إصرافه (كذا)». فتخصيص العموم أولى من إهمال أحد النصين . وإذا تعذر الجمع . فإما أن يعرف المتقدم من المتأخر من النصين فيكون المتأخر منهما ناسخا للمتقدم . وقد مثل اين بركة له بأمثله عدة وان جهل التاريخ سقط الاحتجاج بالنصين معا. فقد جاء عنه - رحمه الله - أنه : «إذا تعارضت الأمارتان » ولم يمكن الترجيح أو الجمع تساقطتا» . مسألة النسخ عند ابن بركة : له ابن بركة باعتباره أصوليا وبين رآیه فيه » وما وقف فيه من خلاف بین علماء عصره. والنسخ ٠ في نظر ابن بركة ء واقع لا محالة في النتصوص الشرعية , إلا أنه أمر عارض إذ الأصل أنه «إذا رفع الصحابي خبرا عن الرسول بإيجاب فعل وجب العمل به على من بلغه من المكلفين الى أن يلقى خبرا غيره ينسخ ذلك الخبر وكان على من عمل بالخبر الأول الرجوع الي الثاني . وترك العمل بالأول» . والنسخ واقع حقيقة . والأدلة على ذلك ظاهرة . وفي النتصوص ناسخ ومنسوخ»( والدليل أيضا أن «الشرائع ناسخة لبعضهما ما عدا التوحيد» ء وليس للمنكرين ء عنده ء بعد ذلك حجة علي ما ذهبوا اليه من منم جواز النسخ عقلا ووقوعه سمعا . فإنكارهم مكابرة . فالتسخ ليس بداء ء والنسخ غير التخصيص ,ء فلكل حقيقة ومعنى . وكما عارض منكري النسخ فإنه أنكر على الذين أفرطوا في القول به حتى أجازوا على الله البداء » واعتبر ذلك تجاوزا للحق وإفراطا في القول . ويرى الشيخ ابن بركة أن للنسخ ء في اللغة ء معاني ثلاثة : فهو يعني انتساخ شيء من كتاب قبله الى كتاب آخر ء ويفيد التحويل والتبديل ويفيد معنى الاحصاء « والذي يفهمه الناس في القرآن والسنة» فهو المعنى الثاني . فحقيقة النسخ الشرعية « أن يرفع حكم المنسوخ بكليته» (خلافا للتخصيص الذي هو بيان . فإذا ثبت النسخ وجب العمل بالناسخ الثابت بالدليل ء ووجب «الايمان بالمنسوخ الذي نهينا عن العمل به بعد نسخه» إذا تعذر الجمع بينهما لتناقض حكميهماء وتأخر أحد النصين عن الآخر ء فإن «الآيتين اذا أوجبتا حكمين مختلفين ٠ وكانت إحداهما متقدمة للأخرى ء فالمتأخرة ناسخة للأولى » والنسخ عند ابن بركة لايقع إلا في الأوامر والنواهي المتعلقة بالفروع . أماما عداها من أقسام الكلام ء ومما يودي الى الكفر والشرك والكذب فلا يجري فيه النسخ . وفيما يڌ لو يبصو النسخ أشار إلى تسخ التلاوة دون اللفظء ونسخ اللفظ دون التلاوة ء وتسخا معا سواء إلى يدل أو الى غير بدل وإلى أخف أو أثقل . ومثل لكل ذلك ٠ ورد ما يتعارض مع رأيه من مواقف متباينه وفي حقيقة الناسخ وا لمنسوخ ء أجاز اين بركة نسخ القران بالسنة الصحيحة كما أجاز نسخ السنة بالقرآن . فبعد ان عرض أقوال الأصوليين المتباينةء في المسألة . اختار أن «الكتاب والسنة حكمان لله ينسخ أحدهما بالآخر» . العام والخاص وأحكامهما عند ابن ركه : ان من المباحث اللغوية الأصولية الهامة عند اهل الاصول موضوع العام والخاص . فألفاظ النص الشرعي قد تدل بحسب وضعها اللغوي للمعني علي شمولها واستغراقها لجميع افرادها من غير حصر. وهذا المعني هو المقصود بالعموم وقد يدل اللفظ علي فرد واحد بالشخص أو بالنوع أو علي أفراد محصورين فيسمي خاصا. تعرض ابن بركة كثيرا لهذه الفكرة ٠ وقال «والخبران يردان من طريق أو طريقين يکون أحدهما خاصاء والآخر عاما» . وهو وإن لم يعرفهما تعريفا اصوليا ء فقد مثل لهما في اكثر من موضع بصورة تفصح عن معناهما. فمن ذلك قوله : «وأما الخاص والعام من الأخبارء فتحو قول النبي يي : «حيث ما أدركتك الصلاة فصل» فهذا عموم يوجب جواز الصلاة في كل موضع . وروي عنه ي أنه نهى عن الصلاة في المقبرة » والمجزرة ء والمزيلة , والحمام ء وقارعة الطريق . ومعاطن الابل . وكان هذا خص بعض ما اشتمل عليه عموم الخبر الآخر . فالخاص يعترض على العامء ولا يعترض العام على الخاص» . والخصوص ء وعند الأصوليين : ١- مسألة الصيعة . ۲ ألفاظ العموم . ۳ دلالة العموم . ٤- تخصيص العام . ٥ حمل العام علي الخاص . ١ الياقي بعد التخصص. ۷- أقل الجمع . ۸- دخول الرجال والتساء فى عموم خطاب بعضهما اليعض . أثبت ابن بركة للعام صيغة تدل عليه . وهو رأى الجمهور ء خلافا لمن منع ذلك أو توقف من الأصوليين . فقب جاء عنه قوله . «فالخطاب إذا وردت فالعموم صيغة كما أن للخصوص صيغة». ومن ألفاظ العموم التي ذكر بعضها ابن بركة : - من الشرطية . قال عنها: «وهذا إسم يقع على الواحد والأكثر» حتى العبد «لأن الله لم يقرق بين العبد والحر ء والذكر والأنثي» . - اسم الجنس المعرف بالألف واللام كقوله تعالى :$ ولا تقربوا الزتى قال اين بركة «فهذا الاسم يستغرق الجنس ويستفرغه» . وكذا فهم معني العموم من قوله تعالى : ولاتقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا4 (الاسراء ٦۳). قال این بركة : «قعرف السمع والبصر والفؤاد بالألف واللام ٠ ولم يتقدم لشئ من ذلك ذكرء فاستدللنا على أنه إنما قصد بالتعريف الى الجنس فكان كل سمع وبصر وفؤاد . - اسم الجنس المعرف بالإضافة . من ذلك نهيه ي عن قطع شجر الحرم فقال : «ولا يختلي شد د» ففهم عمه العباس - وهو العربي بالسليقة - العموم . فطلب استثناء الاذخرء فاستجاب النبي َي وقال :« الا الاذخر» الاستثناء دليل الاستغراق . - اسح الموصول الدال علي الاستغراق دون العهد . جاء عن ابن بركة بعد قوله تعالى : ولا ‎r‏ ‏تأكلها مما لح يذکر اسح الله عليه (الانعام قوله :«فكان هذا الخطاب يوچب تحریم کل - الجمع المعرف بالألف واللام . ففي سياق تمثيل اين بركه للعموم والخصوص جاء عنه «فلما قال (جل ذكره) «إنه لا يحب الظالمين» . كان هذا القول دليلا على أن هذا الفعل محرم علي - النكرة في سياق النفي . كقول القائل : لا تزوجت نساء ولا كلمت رجالا . قال ابن بركة: هذا اسم نكره ء ويقع الحنث إذا فعل من ذلك ما يقع عليه أقل عدد الجمع , وهو ثلاثة . وفي ما يتعلق بدلالة العام » فإن صيغته موضوعة لاستغراق الأقراد على سبيل الحقيقة ما لم يدل على أنها تجوز بها عن وضعها الأصلي . ففي رده على من ينكر الاستغراق فإنه يستدل بقوله تعالي : وما تسقط من ورقة الا (الانعام وقوله : «وما من دابة الا علي الله رزقها» ( هود 1) ثم عقب علي ذلك بقوله :«لا يدخل في هذا الخصوص» . والصحيح عن ابن بركةء كما هو الحال عند الجمهور , خلافا للاحناف ء فان موجب العام ظني بمنزله القياس وخبر الواحدء خلافا للخاص الذي يوجب الحكم علي اليقين . تخصيص العام : ويقصد به صرف اللفظ عن عمومه . وإخراج بعض ما كان داخلاً فيه . وقصره علي بعض آفراده . أدركتك الصلاة فصل» نهيه عليه السلام عن الصلاة في بعض المواضع . وابن بركة ٠ وإن اعتبر الأصل فى الألفاظ والنصوص إجراءعلي عمومها فإنه لا ينكر أن التخصيص يطراً على العام فى أكثر صوره ء مما حدا ببعض الأصوليين الى تقرير أنه ما من عام إلا وله مخصص يخصصه . ورأي ابن بركة ء في المسألة » هو رأي الجمهور بحيث يكون التخصيص قصر العام على بعض أفراده ء سواء أكان الدليل المخصص مقارنا للعام ومستقلا عن جملته , أو غير مقارن أى متأخراء المتصل قصرا. ويناء على استقرائنا لصور التخصيص , في كتاب الجامع . وجدنا التخصيص عند أبن بركةء یکون بأحد آمرین اثنین : ١- يما هو من الكلام . ۲- یما لیس بکلام . ويتفرع القسم الأول الى كلام مستقل ومثاله عند ابن بركة ما عبر عنه بقوله : «وأما الخاص والعام فمثل قول النبي يي : الصلاة خير موضوع ء فمن شاء فليقللء ومن شاء فليكٹر. هذا عموم في كل وقت . والخاص المعترض عليه مثل قول النبي «لا صلاة بعد صلاة العصر حتي تغرب الشمس . ولا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس» . ويتفرع هذا القسم أيضا إلى ما هو كلام غير مستقل أى غير تام بنفسه . ويأتى في صورة الاستثناء والصفة والشرط والغاية . ومن هذا التخصيص عند ابن بركة ما اشترطه بعض فقهاء المذهب من القبض ء في بيع الذهب بالدراهم وحضور البدلين لما روي عن النبي يَيةٍ نهي عن بيع الذهب بالورق الا هاء وهاء . ومن ذلك أيضا تخصيص وجوب الزكاة بالغنم السائمة والعفو عن الزكاة في الفتوية .. . والمخصصات غير اللفظية الإجماع . فقد جاء علي لسان اين بركة أنه «قد يخص الإجماع بعض ما يشتمله الاسم فيكون حكمه قد خرج من جملة ما دخل تحت الاسم وليس بمنكر ذلك مع العلماء» . وفي مسألة تخصيص إقامة الحد بالإمام ء قال ابن بركة :«قيل له الأمر بإقامة الحد ليس بعام ء الدليل على ذلك إجماع الأمة أن الشاهد لا يقوم الحد إذا قدر عليه . بركة العموم بالعرف والعادة من ذلك تحريم التصرف في مال الغير إلا بإذته وجاز من ذلك ما تعارف عليه الناس . حمل العام على الخاص : إذا ورد نتصان في موضوع واحد وكان أحد النتصين عاما ء والآخر خاصا عمل بالدليلين إن امكن الأخذ يهما معا ء والدليل على ذلك ما جاء فى إباحة الحجامة للمحرم والصائم . وإذا تعذر ذلك حمل العام على الخاص لظنية الأول » وقطعية الآخرء مثاله الأمر بالصلاة في عموم الأمكنة ومقابل النهي عن الصلاة فى أماكن مخصوصة . والمراد من النبي يي الصلاة في كل مكان إلا الأماكن المنهي عن الصلاة فيها «فالخاص يعترض على العام ولا يعترض العام علي الخاص». مسائل أخرى متعلقة بالعموم والخصوص : تعرض الشيخ ابن بركة لمسائل أخرى ء غير التي فصلنا الحديث فيها نلخصها في ما يلي: ١ حكم العام يعد تخصيصة . ۲- دخول الرجال والنساء فى عموم بعضهما › عند انتفاء قرينة الخصوصية. ٢- عموم خطاب الواحد للجميع عند عدم التخصيص . ٤- أقل ما يفيد الجمع . مبحت الأمر والنهي عند ابن برکه : الأمر والنهي قسمان من أقسام الخطاب وربما كانا من أهمها من الناحية التشريعية لتعلق مباحث الحكم الشرعي بهما ء لذا كان الأمر والنهي من أهم مياحث علم الأصول . وقد أعطي ابن بركه الموضوع حقه من البحث : وعرض قضاياه ومسائله وتوابعه . فتکلم عن صیغه ء. ودلالاته لما كان الأمر قسما من أقسام الكلام وجب أن تكون له صيغة تميزه عن غيره فيعبر عنه بصيغة «أفعل» وهي الأكثر استعمالا . ولكنه يأتي بصيغة الفعل المضارع المحلي بلام الأمر أو بالخبر المفيد للانشاء «وليس بمنكر في اللغة أن يرد الخطاب ورود الخبر في الظاهر ء والمراد به الأمر الا ترى إلى قول الله تعالى : يتربصن بأنفسهم ثلاثة قرو (البقرة ۲۸)٠ فظاهر هذا خبر والمراد به الامر والالزام ثم يعقب ابن بركة علي كلامه هذا بقوله: «ومثل هذا في القراأن كثير» . وفي دلالة الأمر ء يذهب ابن بركة مذهب الجمهور ء في إفادته الوجوب ما لم توجد قرينه صارفة إذ نجده يقول :« صيغة الأمر إذا وردت معراة من القرائن والمقدمات والدلائل » ووردت مطلقة كانت على الايجاب . وقد ترد تلك الصيغة مع قرينة تنقلها الي الندب. ...» أو غير الندب مما لا امتثال فيه بحسب ما تفيده القرينة من التهديد والزجر والاهانة والرفع.... مع إيراده الأمثلة من القرآن الكريم . والأمر إما أن يرد مقيدا بوقت موسع وإما أن يرد مطلقا عن الوقت . فابن بركة يري ء بالنسبة للقسم الأول أن الأمر يوّدى ء على سبيل الوجوب ء في أى جزء من أجزاء الوقت ويعد المكلف ممتثلا. فإن لم يوْده في الوقت قضاه بعده والقضاء عنده ء لا يكون إلا بأمر ثان . واذا ورد الأمر بعد حظر دل علي الاطلاق والاباحةء وهو اختيار الجمهور ء ولم يقد الوجوب . أما الأمر المطلق عن قيد الوقت ء عند ابن بركة ء فهو علي الفورء لا يجوز تأخيره وليس هو لمجرد الطلب ء إن يقول :«الأمر على الفور ء وكذلك كل فرض مرسلا ولم يجعل آخره مؤٌجلا» . ويقول في موضع آخر «الأمر للفور ما لم تصرفه قرينة» . ومن حيث إفادة الأمر التكرار › فالامتثال وسقوط الأمرء في رأى الشيخ ء يتحقق بالمرة الواحدة . لما كان النهي نقيض الأمر ء من حيث أن أحدهما طلب فعل والآخر طلب ترك , كانت أحكامهما متشابهة في الجملة ء وإن اختلفت حقيقتاهما ء إذ لكل منهما صيغة خاصه به . وصيغة النهي هي «لا تفعل» . وقد يعبر عنه بغيرها من ذم على الفعل ء وتهديد عليه ونحو ذلك . ومن أهم مسائل النهي التي اهتم بها الأصوليون هي هل يفيد النهي فساد ا لمنهي عنه آم لا؟. ورأى اين بركة في المسألة أن النهي يدل على فساد المنهي عنه . فقد قال عند حديثه عن الصلاة في الثوب المغصوب ء وفي الأرض المغصوبة ولم يجز أن تكون الصلاة واقعة منهء وكانت الصلاة مأمورا بهاء منهيا عنها لأنها لا تقوم إلا بما نهي عنهء لم تجز أن تكون طاعة مأمورا بهاء(والطااعة والمعصية متنافيان) . وكذلك القول في مسألة الذبح بالسكين المغصويةء ومما قاله تعقيبا على الصلاة في الأرض المغصوبة : «فمحال أن تكون صلاة واحدة مأمورا بهاء منهيا عنها في حلل واحدة» )ء وكذلك نهي النبي أن يبيع حارض لباد يفيد فساد البيع للقاعدة . والنهي ء من حيث الحكم ء يدل على التحريم إلا لقرينة صارفة ء فيفيد حينئن التأديب . فالنهي عن صوم يوم الجمعة وحده ء عند ابن بركة ء ليس بنهي يوجد ء لمخالفته الفسق لأنه نهي أدب» ٠ وكذا نهي النبي يد أهل الأسواق أن يتبايعوا قبل طلوع الشمس ء إذ يقول «وهذا النهي عندي ء والله أعلم ء أنه نهي تأديب لترك النكير من المسلمين علي من باع في ذلك الوقت» ومن المعاني الأخرى للنهي , إلى جانب التحريم والكراهة . معنى التعزية والموّاساة . المطاق والمصيد : من أقسام اللفظ الخاص المطلق والمقيد . والأول هو اللفظ الدال على شائع في خمسة على سبيل البدل. أما المقيد فهو ما خرج من الشيوع بقيد من وصف ونحوه . وفي سياق حديث بن بركة عن أقسام اللفظ تعرض للمطلق والمقيد . وأشار إلى أن لمعاني اللغة صيغة تميزهما عن غيرهما ويناء على قاعدة العامة وهي العمل بالظاهر عند عدم المانع يرى ابن بركة أن «الخطاب إذا ورد مطلق » وظاهره خطاب معروف ء فهو علي إطلاقه ء وإذا ورد مقيدا فهو على المقيد...» . وفي مسألة حمل المطلق علي المقيد ء يقول ابن بركة في الرقبة المجزئة في الكفارة بعد عرضه لخلاف فقهاء المذهب فيها . قال :«والتظر يوجب عندي أن كفارة الظهار وقتل الخطاً واليمين لا يجزيء في ذلك غير موؤّمنة لأن الايتين إذا كانت احداهما مجملة والأخرى مفسرة كانت المفسرة حاكمة على المجملة ومبينة لحكم المجملة . فلما قال الله تعالى : «في كفارة الظهار «فتحرير رقبة» ولم يبين أي رقبة هي ء وكذلك في كفارة اليمين ء وبين في كفارة الخطاً أنها موّمنة , علمنا أن المراد ما ذكر نعته أنها مؤّمنة لأن الاخذ بالزيادة واجب وفائدة مقبولة» ويتبين من كلامه انه اذا اختلف سبب المطلق والمقيد واتفق حكمهما حمل المطلق على المقيد . ابن يرگهة وممهوم اإخالمه : لم يفصل اين بركة الحديث في أقسام اللفظ باعتبار كيفية دلالته علي معناه وانما تعرض له في مناسيات من كتايه عند حديثه عن بعض الفروع الفقهية مما ساعدنا على القول بان ظاهر كلامه يفيد احتجاجه بمفهوم المخالفة حتى في الصورة التي ردها الجمهورء وهي مفهوم اللقب. فقد قال في موضوع التيمم : «والذي يتيمم به المسافر عند عدم الماء هو الصعيد الذي ذكره الله في كتابه ء وهو التراب دون ما سواه لقول النبي : جعلت لي الارض مسجدا وترابها طهورا» . وفي معرض رده على من أجاز التيمم بغير التراب الخالص بحجة أن الصعيد مأخون مما تصاعد على الأرض وعلاها .. «يقال له : هذا اغفال منك إذ ليس اسم الصعيد مأخوذ من الصعيد. ولو كان كل ما ارتفع من الأرض وعلاها يسمي صعيدا لكان الحيوان وما کان في معناه یسمی صعيداء بل اسم الصعيد اسم علم ليس باشتقاق .» . مذهب الصحابي : اختلف الاصوليون في الاحتجاج بمذهب الصحابي . وظاهر قول ابن بركة في المسآلة جواز الأخذ بقول الصحابي في باب الأحكام وما كان طريقه السمع إذا لم ينكر عليه غيره قوله ذاك ء وإن علم له مخالف من الصحابة فلا . شرع من قبلتا : الاحتجاج بشرع من قبلنا من الأدلة المختلف فيها بين الأصوليين . وهي أقرب إلى النخص منها الى الرأى والاستدلال . وقد تعرض ابن بركة للمسألة في مناسبتين . فقد استدل بها على جواز الجهالة في صداق المرأة وصحة العقد عليها . وقد جاء عنه قوله :« وكذلك تزويج شعيب موسي عليهما السلام لابنته على خدمة ثماني سنين أو عشر سنين . فجعل الصداق في هذه الخدمة المجهولة التي هي ثمان أو عشرء والخدمة أيضا لا تعلم ما يقع منها في المستقبل ء فإن كان النكاح تصح فيه الجهالة من فعل الأنبياء كان الاقتداء بهم أولى من نظر يجب أن يتهم برأيه (كذا) ومن يجوز الخطاً عليه في أكثر إجتهاده» (1۸8) إلا أننا نجد ابن بركة » في موضع آخر؛ ینکر على من احتج بنقس الدليل السابق علي جواز الاجارة علي عمل مجهول واجرة مجهولة . فقد عقب على الاية (القصص ۲۷) بقوله :«قيل له: إنا لم نتعبد اليوم بشرائع الأنبياء المتقدمين . فنحن علي شريعة محمد ي ولسنا على شريعة شعيب . وشريعتنا ناسخة لكثير من شرائع الأنبياء صلوات الله عليهم» (1۹). فهل رد ابن بركة الاستدلال بشرع من قبلنا لتعارضه مع حديث في المسألة يمنع المزارعة بجزء مما يخرج من الأرض ؟ ربما كان ذلك صحيحا فيكون موقف ابن بركة الجواز عند عدم الدليل الأقوى ء وعدم اعتباره عند وجود ذلك الدليل . ولكن ظاهر كلامه يفهم منه المنع مطلقا لقوله :«إنا لم تتعبد اليوم بشرائع الأنبياء المتقدمين». أصول الاجتهاد فيما لا نص فيه : أولاً : اللإجماع : كل من تتبع الجامع بجزئيه يلاحظ كثرة ورود مصطلح الإجماع في طول الكتاب وعرضه مما يعني المكانة المعتبرة لهذا المصدر التشريعي عند اين بركة . فعندما يتعذر على المجتهد الوقوف على الحكم الشرعي من النتص بصورة مباشرة ء أو بإجتهاد في النص من قران أو سنة › حين يتعذر ذلك يأتي دور الإجماع . والشيخء وإن لم يقدم تعريفا للإجماع ولم يبين صوره أو يضبط شروطه فإن استقراء مواضع الإجماع يمكننا من تحديد تلك المعاني . وحقيقه الإجماع . عند ابن بركة لا تخرج عن حقيقته عند جمهور الأصوليين المثبتين لحجيته وجوازه عقلاء ووقوعه فعلا . فهو لا يخلو أن يكون إتفاق علماء الأمة على حكم مسألة ما . والمقصود بعلماء الأمة من أي مذهب كان . والإجماع ء عند ابن بركة حجة بل «وكفى به حجة» (٠۷) وهو مقدم على القياس ء لأن القياس نظر «ولاحظ للنظر مع الإجماع» (۷۱). ومن ثم كان الاجماع مقدما على القياس . جاء عن الشيخ قوله : «وقد أجمعت الأمة أنها (الزوجة) لا تحرم عليه (الزوج) ولا يحرم عليها زوجها ولعل المراد بلفظ «التوقيف» أن الإجماع قطعي الدلالة , لا يجوز نقضه . وقد عبر عن هذه الفكره في سياق حدیثه عن أحکام المستحاضةبقوله: «وأجمعوا أن المرأة مباحة لزوجها الا في حال حيضها . والإجماع لا يزیله رأى» (۷۳) لم يشر اين بركة الى صورتي الاجماع : الصريح والسكوتي . والذي يفهم من كلامه أن الاجماع الواقع هو السكوتي من غير أن يمنع ذلك وقوع الصريح . ويبدو أن الشيخ بخلاف البعض ولا يعتبره قادحا في الإجماع . إن نجده ينقل الإاجماع على تحريم كل أجزاء الخنزير » رغم مخالفة بعض المجتهدين في ذلك (٤۷) . ونجده أحيانا يتوسع في استعمال مصطلح الإجماع ٠ ويطلقه مجازا على إجماع علماء المذهب ء ولم يكن يرى حرجا في الخروج عنه ء وقد عبر عن ذلك في أكثر من موضع من «الجامع». وشرط الإجماع أن لا يخالف نصا من الكتاب أو السنة أو إجماعا سابقا من ذلك أنه إذا ترك المسلمون النكير على حكم امام حكمه في حادثة كان أثرا يعمل به ويعتمد عليه شريطه عدم مخالفته لكتاب أو سنة أو إجماع (٥۷). ثاتیا : : القياس طريق من طرق الإجتهاد فيما لا نص فيه ومصدر هام من مصادر التشريع عند جمهور الأصوليين خلافا للبعض ممن أنكر الإحتجاج به . وقد تحدث ابن بركة عن الموضوع وجاء حديثه موزعا علي جزئى الكتاب . حاولنا جمع آرائه وأقواله تلك ثم تنظيمها بما يساعد على عرض الموضوع عرضا يفي بالغرض . فالقياس عند ابن بركةء «هو أن يزد حكم المسكوت عنه إلى حكم المنطوق به بعلة تجمع بينهما» (٦۷). وعرفه في موضع آخر بقوله : «والقياس في نفسه تشبيه الىشء بغيره. والحكم به هو الحكم للفرع بحكم الأصلء إذا استوت علته وقع الحكم بسببه من أجله » (۷۷). لاحظ اين بركة أن الناس يقفون من الاحتجاج بالقياس أربعة مواقف متباينة تترواح بين هذين الطرفين من يعمل به في العقليات دون الفرعياتء ومن يعمل به في الفروع دون الأصول(۷۸)› ثم يعرب عن موقفه الشخصي: في المسألةء ويصرح بأنه واحد من أهل المذهب القائلين بالقياسء وهو الرأي الذي اختاره جمهور الأمةء وقد نبه اين بركة على أن يعض أصحابنا المتقدمين قد أنكروا العمل بالقياسء حسب ما يفهم من ظاهر قول بعضهم. ققد نسب إلى الشيخ هاشم بن غيلان (ق۲) القول بأن من أفطر رمضان متعمداء بغير جماع. أن عليه قضاء شهره والتوبة إلى الله من فعلهء ولم يوجب عليه كفارة ولا غيرهاء «ولعله كان ممن لا يقول بالقياس ولا يراه واجبا في باب الأحكام» (۷۹) ثم حاول أن يجد لهم مستندا فقال: «ولعلهم ذهبوا إلى ما يروى عن ابن عباس أنه قال: من حمل دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس ضالا من الدين قائلة غير الجميل» (* ۸). والظاهر أن الرواية عن ابن عباس لم تصح عند ابن بركة إن نجده في موضع آخر ينسب إليه القول «بجواز القياس والحكم بالنظر» (٠۸) بدليل أنه حكم بعدم صحة بيع عموم ما لم يقبض قياسا على النهي عن بيع الطعام قبل قبضه الثابت بحديث النبي من اشتري طعاما فلا يبعه حتى يقبضه» (۸۲) وعلى هذا الرأى الأخير استقر العمل في المذهب» وقرره ابن بركة. فمن خلال رده على من اعترض عليه في وجوب الجزاء على من قتل الصيد خطاً بقوله :«قيل له (المعترض): إن من شأننا القول بالقياس. وقد أوجب الله تعالى في قتل الخطاً في النفس كفارة . ومن أصل القائمين أن يردوا المسكوت عنه إلى المنطوق به (۸۳)ء والحكم عنه يثبت إما بأصل منصوص عليه وإما بفرع مقيس على أصل (٤۸) لم يكتف اين بركه بالقول بالقياس الشرعي وإنما تجاوزه فأجري القياس في اللغة وأثبتها به. وهو مذهب يعض اللغويين والأصوليين . فقد جاء عنه أن «الزنا هو الدخول في مضيق الفرجء فكل من دخل في المحظور يسمي زانيا ولزمه الحد الذي وجب بالكتاب والسنة ... فالواطئع للبهيمة ء والواطئ لذكر في والواطئ للمرأة في فرجها أو ديرها يسمى زانياء وعليه ما على الزاني بظاهر الأدلة » (٥۸) . ويرفض ابن برکه فكرة إنكار القياس ‘ ويول إن «المانع من القياس قد ترك المناصحة لنفسه» تعبيرا منه على أن ترك القايس نوع من المكايرة التي لا تليقء ثم عرض حجته عليهم من السنة وعمل الصحابة فالتبي َي قاس واجتهد في بعض الحوادث » واستشهد بحديث الخثعمية في الحجء وحديث عمر في قبلة الصائم (۸۷) ومن عمل الصحابة رأي السيدة عائشة في نقض الوضوء بالكلمة الخبيثة (۸۸) ثم قال: «وكثير من الصحابة قد قالوا بالقياس في الحوادث واجتهدوا وأراءهم فيها ..» (٩۸). ومن مسائل القياسء التي سمحت قراءتنا السريعة في الجامع بالوقوف عليها وبثه عليها ابن بركةء بعد بيان حقيقة القياس وحجيته والرد على منكريه؛ من تلك المسائل بيان أركان القياس وشروط صحتهء وشروط أصله مع بيان للعلة وأحكامها . أما أركان القياس فقد حددها بقوله: « والقياس في نفسه تشبيه الشئ بغيره والحكم به هو الحكم للفرع بحكم أصله إذا استوت علته» (٠) فالقياس يقوم على أصل وهو المسألة المقيس عليها المعلومة الحكمء وعلى فرع وهو المسأآلة المقيسة أو الحادثة (٠۹) المجهولة الحكم وحكم الأصل والعلة وهي العتصر الجامع بين الفرع وأصله . أما شروط صحة القياس فهي أن لا يرد في المسألة المقيسة نص أو إجماع لأن ذلك داخل في عموم قول الأصوليين : لاحظ للنظر مع ورود الاثر ويحسب تعبير ابن بركة لاحظ للنظر مع وجود النص (۹۲). ففي مسألة أثر الردة على نكاح المسلمين أو إسلام أحد الزوجين المشركين أو رد الشيخ : إن قال قائل أليس الكفر قد قطع بينهما فكيف جاز رجوعهما بغير نكاح؟ قيل له: الاقتداء برسول الله ية أولى بنا من القياس وقد رد النبي يَيْةٍ ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ما هاجرتء وهو بمكة كافرء على النكاح الأول» (۹۳) وفي ما يتعلق بالإجماعء قال ابن بركة انه لاحظ للنظر مع الإجماع (٤۹) وأنه لاحظ النظر مع الاتفاق ولا شك أن القياس داخل في عموم النظر. وقال في مسألة الزوجين يزنيان ويستران زناهما: «قيل له: قد أجمعت الأمة أنها لا تحرم عليه زوجته ولا يحرم عليها زوجها ... والاجماع منعنا من القياس إذ لاحظ القياس مع التوقيف » (٦۹). وفيما يتعلق بالأصل المقيس عليهء يجب أن يكون حكمه ثابتا بنص أو إجماع ومتفقا عليه بين المجتهدينء يقول ابن بركة : « ... وكل قد اجتهد وقاس وشبه الحادثه إذا وردت بأصل متفق عليه من الكتاب والسنة والاجماع » (۹۷) وفي سياق محاججته لبعض معارضيه في مسألة ماء قال: «قيل له: فما أنكرت أن يكون ذلك تأديبا قياسا على الاجماعء إن القياس من أصلك جائز»(۹۸). وفيما يتعلق بالاتفاق على الأصل جاء عنه في سياق اعتراضه على صورة من صور القياس: وكل منهم قد ذهب إلى تأويله بقوله واختيارهء والقياس لا يصح إلا على أصل متفق عليهء وليس في ذلك أصل متفق عليه» (۹۹) ويقول في نفس الموضوع: «والقياس لا يصح إلا على أصل مجتمع عليه فكل القياسيينء ومن تعاطي الحكم بالقياسء ورام الحكم به ورجع إلى أصل بقياسه: واستنباط علته. وما اختلف فيه فلا يكون أصل ولا يقاس علیه» (١١٠). ومن شروط المقيس عليه أن لا يكون حكمه ثابتا بقياس . قال الشيخ: «ولو كان الأصل مستخرجاء وحكم الفرع مستخرجا كان لا فرق بين الفرع وأصلهء وكان يكون (كذا) الفرع أصلاء والأصل فرعان» (١١٠). ويمتنع أن تكون الصورة المقيس عليها مخصوصة بذلك الحكم لأنها في هذه الحالة يكون الحكم خارجا عن سنن القياس لأنه «إن قال قائل: فإن القايسين لا يقيسون على المخصوصء قيل له: ومن وافقك أن الجمعة مخصوصةء وهي فرض باين بنفسهء قد أجمع المسلمون عليه؟!» (۲١۱). العلة ومسائاها: العلة ركن من أركان القياس لا يصح بدونها «من شأن القائسين أن لا يردوا شيئا إلى شئ إلالعلة تجمع بينهما» (۳٠٠). وميحث العلة من أدق مباحث القياس لأن أغلب العلل المعول عليها في القياس مستنبطة بالاجتهاد لذا ينبغي ألا يسلم بكل علة . قال ابن بركة : «القياس لا يجوز إلا على علةء ولا يجوز أن يقاس إلا على معلول. وهو أن يرد حكم المسكوت عنه إلى حكم المنطوق به بعلة تجمع بينهماء ولا يجب تسليم العلة لكل من ادعاهاء ولا تسلم إلا بديلء ولو جاز تسليمها بغير دليل لجاز لكل أحد أن يدعي ما ذلك ويعتل به» (١٤٠٠). وابن بكرةء وإن اعتبر الغالب في العلل الشرعية كونها مستنبطة فقد ذكر أن من العلل ما يكون منصوصا عليه» (١٠٠). أن القول بحجية القياس يستلزم . لا محالةء القول بالعلة والتعليل. وابن بركة يرى أن الأصل في الأحكام التعليلء وهو الأغلب من أحوالهاء وأن عدم التعليل هو خلاف الأصلء ويطلق على ما لا يعلل من الأحكام بأنها تعبدية. ولكن لا يعني هذا أن كل المسائل التي تقبل التعليل قابلة لأن يقاس عليها. فأحكام كثيرة قامت على العلةء وامتنع القياس عليها لأن العلة فيها قاصرة كما في مسألة التفريق بين الزوجين بالزنا المستترء فقد خاطب ابن بركة من اعترض عليها فيها بقوله: « قد عرفناك أن الإجماع قد منع من ذلك (القياس). وقد يخص الاجماع بعض ما يشتمله الاسم فيكون حكمه قد خرج من جملة ما دخل تحت الاسم وليس بمنكر ذلك مع العلماء » (١٠٠). ويسمي الأصوليون هذه الصورة بتخصيص العلةء وهي فارق مميز بين العلل الشرعية والعقليةء فهذه الأخيرة عند ابن بركة ثابته غير قابلة للانقلاب أما الشرعية فلا يمتنع معها التخلف, ولا يمتنع خلاف العلماء فيهاء إن نجده يقول: «وأما القائسون في باب الحلال والحرام فجائز عندهم أن يرد السمع بخلاقهء وإذا كان ذلك يجوز كأن علة طريق القائسين غير علة ما لا يجوز إنقلابه لأن العلة التي يوجبها العقل لا يختلف فيها العقلاء آلا ترى أنهم اختلفوا في العلل التي قد أثبتوها أصولا لهمء وتأويلا يرجعون إليه ومعقلا يفزعون عليه في استنباط الحكم عند الحوادث النازلة بهم التي لا نص عليها باسمها»(۷١۱). ومن شروط صحة علة القياس» عند ابن بركة أن تجري على معلولاتهاء ولا يمنع من جريانها نص. فإذا جرت في جميع معلولاتهاء ولم يكن هناك مانع عن جریانهاء دل على صحتها» (۱۰۸). والشرط الآأخر هو أن يوجد الحكم بوجودها ويرتفع بارتفاعها» (١٠٠). وهو ما يسميه أصوليون بالدوران والطرد والعكس ومن المسائل الواردةء في العلةء عند ابن بركة تحليل الحكم بأكثر من علةء فقد اعتبر ذلك التعدد علامة القوة إذ نجده يقول: « وإِذا كان القياس على أصلين أو ثلاثة أصول فهو أقوى من التعلق بأصل واحد. والسنة تؤيده؛ وحكم الشرعية يوجبه . كان الراجع بقياسه إلى أصلين أعم لعلته» وفيما يتعلق بقوادح العلة فقد ذكر منها اين بركة واحدا وهو الانكسار بمناسبة الرد على الذين عللوا تحريم استعمال أواني الذهب والفضة بالتكبر والخيلاء فقال: «وهذه علة عند أنها تنكسر عليناء وذلك أنهم أجمعوا مع مخالفيهم أن الشرب بقدح بلور تكون قيمته ألف درهم جائز وامتنعوا من قدح فضة قيمته عشرة دراهم ...» (١١۱۱). وقد رد ابن بركة علي نفاة القياس حين استغلوا مسألة القدح هذه وادعوا أن ذلك «يوّدى إلى أن لا يحكم بصحة العلة حتى يعلم بجميع الشريعةء ولا يشذ عنا خبر. وهذا ما لا يضبط لأنا لا نعلم صحتها إلا أن نعلم جريانها في كل المعلولات ولا نعلم جريانها في كل المعلومات إلا أن نعلم الشرع كله وأن لا تكون في الشريعة خبر يمنعها من جريانها في معلولاتها وذلك ما لا نعلمه إلا أن نعلم الاخبار كلهاء فإذا علمنا جميع المعلولات وجميع الأخبار حكمنا بصحتها. وهذا ما لا يضبط (١۱۱) ثم قال ابن بركة: «وهذا آقوی ما عارضوا به فیما علمناء وراموا الکسر به على القائسين. يقال كلهم: هذا إلزام فاسد؛ وذلك أنكم تقولون في الأخبار مثل هذا لأنكم تحكمون بالخبر وإن كنتم تجوزون لم تعلموه ( كذا) ء فإن لزمنا ألا نحكم بصحة العلة حتى نعلم الأخبار كلهاء لزمكم ألا تقولوا الخير (كذا) حتى تعلموا جميع الأخبار كلها وبالله نكتفي بهذا البعض مما جاء في موضوع القياس» عند ابن بركةء لأن المزيد منه يتطلب وقتا أطولء وصبرا على التنقيب أقوىء لا تسمح طبيعة عملنا هذا. قراءة سريعة 2 الأدلة اختاف فيها عند ابن برگه : جاء عن ابن بركه : « أن الحادثة إذا حدثت لا تخلو من حكم الله فيهاء إما أن يكون منصوصها عليها بأخص أسمائهاء أو تكون منصوصا عليها في الجملة مع غيرها» (١٤١٠) وتحت هذا القسم الأخير تندرج مصادر التشريع وأصوله غير الكتاب والسنة . ولما كان الإجماع والقياس مما وقع الاتفاق على العمل بها وأن لم يحصل في ذلك إجماع أتينا بهما بعد المجمع على حجيته وقبل ما اختلف في حجيته اختلافا بينا بين الأصوليين والاتجاهات الأصولية؛ مثل الاستصحاب والاستحسان والمصلحة أو الاستصلاح والعادة والعرف. ورغم أن ضيق الوقت منعنا من التوسع في عرض مواقف ابن بركة من قضايا هذه الأصول المختلف فيهاء فإن ذلك لم يمنعنا من تقديم عرض سريع وموجز الآراء ابن بركةء ومن خلال تعليقه علي فروع فقهيةء يظهر أنه إقامة على تلك الأدلةء ويظل ما سنأتي به من كلام في الموضوع مجرد أراء شخصية ء لا تلزم ابن بركة بشيء منهاء وأنها في حاجة إلى مزيد بحث وتدقيق ومراجعه . او ب : استصحاب حال الأصل : عرف الشيخ السالمي الاستصحاب بأنه عباررة عن إبقاء ما كان على أصوله التي كان عليها من وجود وعدم أو نحو ذلك ما لم يرد دليل ينقله عن حكم أصله إلى حكم آخر» (١٠۱). لا يخلو أن يكون من شعبانء أو من رمضان؛ والأصل انه من شعبان فنحن على حکم شعبان: ولسنا علي يقين من اننا قد خرجنا من شعبان ودخلنا في رمضان. فحکم شعبان جار علینا ما لم نعلم بانقضائه كما علمنا بابتدائه (١١۱). ١ بقاء املك لصاحبه ما لم يثبت أنه أخرجه. ففي مسألة المستعير يبيع ما استعاره بلا أذن من صاحب المبيعء أورد ابن بركة الخلاف الفقهي ثم قال بأن الصحيح عنده أن صاحب السلعة يسترد سلعته من المشتري . ولهذا الأخير أن يرجع على البائع بالدرك لأن «كل مالك فتكه محبوس عليه إلا أن يزيله عن نفسه ..» (۱۱۷). ۳ الأصل ك الانسان الحريةء أورد ابن بركة مسألة الطفل الصغير يتنازع فيه رجلان فيدعي أحدهما أن الولد ولده؛ ويدعي الآخر أنه عبده فتتساوي بيناتهما . قال ابن برکه يحکم الحاكم بالينوة لأن الحرية هي الأصل (۸١۱) . ٤ الأصل ك الماء الطهارة . الماد المتغير عند ابن بركةء باق على أصله من الطهارة حتى تثبت نجاسته (۱۱۹). ثاني : اللاستحسان : يعلم الجميع ما في حقيقة الاستحسان من خلافء فقد عجزت عبارة الأصوليين عن ضبط معناه وتقييدهء ونحن لسنا في صدد مناقشه تعاريف الاستحسان المتعددة. وانما الذي نريد هل أن ابن بركة كان يعول على هذا الدليل؟ الظاهر أنه كان يفعل ذلك باحتراز شدید. فقد لاحظنا عليه رفضه لبعض ما حكم به أبو حنيفة اعتمادا منه على ولكن ظهر أي ابن بركة نقسه حكم به في صور نادرة منها أنه عول على الحكم بالاستحسان في الوكيل يتجاوز ما ينص عليه عقد الوكالة لصالح الموكل. ففي الرجل وكل غيره بأن يشتري له جرابا من تمر السر ء وهما (الموكل والوكيل) من صحار. فاشترى الوكيل السلعة واستأجر لحملها إلي صحار بكراء. قال ابن بركة فالكراء غير لازم للأمر في الحكم لأنه لم يأذن له في حمله. وأما من طريق الاستحسان والعادة بين الناس فيجب عليه الكراء من حيث أنه مأمور بالتسليم: ولا يتحفقق إلا بالكراء. فصار الكراء كالمنطوق به. أما النظر فإنه يوجب الضمان على الوكيل المأمور فهل الاستحسان عند ابن بركة هو ترك ما يوجبه النصوص وغظواهر النتصوص إلى العرف؟. وكما سبق أن قلت فالمسأله لا تزال في حاجة إلى بحث وتمحيص . ومما أنكر ابن بركة من اعتماد أبي حنيفة على الاستحسان نكتفي للاختصار بذك مسألتين. ومن المعلوم أن أبا حنيفه قد نسب إليه القول بالاستحسان وبالغ خصومه في ذلك إلى حد التجني حسب ما جاء في المطولات الأصولية . ١- أنكر أبو محمد على أبي حنيفة قوله بصحة حج من طاف أربع أشواط نسيانا ثم رجع إلى بلده وتذكر استحسانا. قال ابن بركة : يستلزم كلامه هذا أن الذي صلى الظهر ثلاث ركعات ۲ أنكر ابن بركه علي ابي حنيفه وأبي يوسف قولهما ان المرأة إذا اغتسلت من حيض ويقي من بدنها أقل قليل لم يصله الماء نسيانا صح منها ذلكء وصحت صلاتها به. قالا بذلك استحسانا(۱۲۲) . المصلاحة أو اللاستصلاح : الظاهر من كلام ابن بركة أنه لا يمانع في مراعاة المصلحة عند الاجتهاد فيما لاتعارض فيه الأولاد « على طريق المصلحة والنظر إلى الرعية . وكان نهيه نهى أدب لا نهي العرف والعاده 3 العرف مصدر ثانوي من مصادر التشريع ء عند ابن بركة ء إذا لم تمكنا التصوص أو غيرها من الأدلة من معرفة الحكم الشرعيء في المسائل الحادثة. وقد كتب الشيخ رسالة التعارف ليوؤّصل حجية العرف ويبين أن ما تعارف عليه الناس من تصرفات. لم يلغها الشرع ينص ونحوه؛ فإنه يصح أن يعول عليهاء وأن يوّخذ بها. والشرعء في نظر ابن بركةء قد راعي مبداً العرف في خطاب الناسء ومما جاء عنه « أن الانسان يخاطب بعادته وعرفه. والله ورسوله خطا بهما خطاب للخلق ليس لقوم دون قوم والعيدء في ظاهر اللغة وغالبهاء هو الذكر دون الأنثىء وعلى هذا عرف العامة»( ٤ . والأيمان ... فكثيرا ما يعقب ابن بركة على أحكام القضايا بعبارات مثل « والذي قلناه أقوى في باب الحجةءء وأشبه يما يلزم من طريق العادة» . وقوله: «لأن أيمان الناس على عرفهم وعاداتهم» (١۱۲)ء وفي رسالة التعارف يقول ابن بركة: «ويدل أيضا أن الله تعالى تعبد عباده بما يتعارفون فيما بينهم؛ فيما جرت به عاداتهم ما لم يعلم على تحريمه (كذا) دليل من كتاب أو سنة أو إجماع من الأمة لأن جواز ذلك حسن في العقل» (۱۲۷). والمراد بالعبارة الأخيرة موافقة ذلك لروح الشريعة ومبادئها العامة. ومن الأمثلة التي يكون العرف فيها حجة الجلوس على الكرسى في بيت المضيف بلا إذن منه فانه لا يعد من التصرفات في مال الغير المتهي عنها بل هو ما جرت به العادةء وتعارف عليه الناسء إن لو جلس الضيف على الأرض أو ظل واقفا مع وجود الكرسي لم يعد صنيعه من الزهد والتعقف والورع. والعرف كغيره من الأدلة الثانوية إنما يفيد غلبة الظن الذي يحصل به سكون النفقس مما يدخل في علم الظاهر وهو القسم الثاني من أقسام العلوم إلى جانب العلم الضرورى الحاصل بالمشاهدة والتواتر مما يوجب القطع (۱۲۸) . الحكم الشرعي وما يتعلق به عند ابن بركة : لم يكتب ابن بركة في مسائل الحكم الشرعي كتابة مباشرةء كما فعل مع الكثير من القضايا الأصوليةء وإنما أشار إليها بصورة عرضيةء عندما تدعو المناسبة إلى ذلك فتحدث عن الأحكام الشرعية التكليفية الخمسة وعرف بعضهاء وميز بين البعض الآخرء وتعرض لأحكام الوضع ولكن من غير تصريح بالمصطلح وأشار إلى التكليف وعوارض الأهلية ولحق الله وحق العبد. ومن الطبيعي ألا يفصل ابن بركة الحديث في كل تلك المسائل لأن طبيعة الكتاب وموضوعه يمنعاته من التوسع والتعمق فهو لم يخصصه لأصول الفقه ٠ وإنما جعله للفروع الققهية المستندة إلى الدليل الشرعي (۱۲۹) . اللعليد والاجتهاد عند اين بركه : لقد جاء في رسالة التعارف أن ابن بركة كان ينوي تأليف كتاب في الاجتهاد يبين فيه حقيقته وشروطه والحاجة المستمرة إليه (۱۳۰). ومن الموّسف أننا لا ندري أن تمكن ابن بركة من تحقيق أمنيته أم لاء إن أننا لم نعصر على ذكر لهذا الكتاب عند من جاء بعد ابن بركةء يكفي أن تراود الفكرة صاحبها لنعلم موقفه من الاجتهاد والتقليد فعرض الفكرة في حد ذاتها دليل على أمرين : ١- ظهور فكرة التقليد من العلماء والفقهاء . في عصر ابن بركةء وهي ظاهرة سلبية وخطيرةء لا ينبغي لها أن توجد ء في رأي ابن بركة ما اضطره إلى أن يتصدی لهاء تعبيرا منه عن أن التقليد يعني الموت البطيء للفكر والابداع ؛ وأنه مدخل للتآكل الداخلي للفكرء وتحنيط لجهود السلفء ومن ثم التعصب وعدم التسامح. والتضييق على الرأي المشروع المخالف. وفي باب ذم التقليدء من كتاب الجامع؛ء تحذير منه واعتباره مخالفة لروح الإسلام؛ ون الانغلاق على ما أنتجه السابقون إتكالية وتواكل لا ينتهيان بنا إلى خير. ولم يجد ابن بركة قوی حجة من كتاب الله لإنكار فكرة التقليد ومحاريتهاء وكشف طبيعتها المخالفة للستن الإلهية في التطور والاستمرارية فجاء بالايات القرآنية التي وردت في تقريع المقلدينء وما ينتظرهم يوم الحساب من ندم على ما فرطوا(۱۳۱). ويعتبر ابن بركة التقليد علامة على عدم التوازن في عقلية المرءء وعجزه عن الموازنة بين تقدير جهود السلف والاستفادة من روح فكرهم وفلسفته القائمة علي الاجتهاد فقد كتب يقول : «ونحن نعونذ بالله من غلبة الأهواءء ومسامحة الآراء وتقليد الآباءء واياه نسأل أن يجعلنا من المتتعبين لكتابه الذابين عن دينه والقائمين بسنة نبيه محمد ق وس ومن خلال هذا الكلام كأني باين بركة يتساءل إن کان بالإمكان تحقيق شيء مما ذكر بالتقليدء في وقت تتجدد فيه وتتلون صور المكر ضد الإسلام عقيدة وشريعةء ومحاربة أصوله ومقومات وجوده. وقد سبق لنا أن عرضنا دفاع ابن بركة عن كتاب الله العزيز؛ ضد خصومه؛ عند الحديث عن المصدر الأول من مصادر التشريعء فهل يمكن أن يفعل مثل ذلك غير العقل المتحرر من قيود التقليدء وأغلال الجمود وشيخنا اين بركة فعل ذلك ونجح . وحق له أن يسجل في قائمة العلماء الأحرار . ونحن عندما قررنا أن ابن بركة لا يسمح بالتقليد انما نعني بذلك تقليد العلماء لا العامة لأن للاجتهاد شروطه وقوانينه التي لا يقدر عليها إلا من سعى إلى تحصيلها بل لا يجوز للعامة الذين نالوا نصيبا من المعرفة الشرعيةء وأصبحوا قادرين على التفرقة بين أعدل الأقاويل. كتب ابن بركة يقول : «ويجوز للعامة تقليد العلماء والإتباع لهم فيما لا دليل علي التفرقة بين أعدل أقاويلهم ء في باب الشرع ء ومن كان طريقه طريق الاجتهادء واستسلامهم للعلماء كاستسلامهم للحكام فيما يحكمون به لهم وعليمء فيما لا علم لهم بصوابه؛ وكذلك تقليد الجاهل لمن لا يتهم في دینه»(۱۳۳) . التقليد لأهل الاستدلال والبحث والأخبار في عصر غير الصحابة مع الاختلاف. ويجوز الاعتراض عليهم في أدلتهم؛ ولا يجوز الاعتراض على الصحابة لما ذكرنا» (١۱۳) . والاجتهاد هو منهج الصحابة فقد كانوا يجتهدون ويعملون بما أداهم إليه وغلبة ظنهم أنه الحقء من غير نكير . وقد يرجع الواحد منهم عن رآي رآه إِذا ظهر له خبر عن رسول یي وكذلك الناسخ والمنسوخ»(٦۱۳) . لذا فإن «التقليد لا يجوز عند وجود الدليل الصحيح من الكتاب والسنة والإجماع أو حجة العقل. وإنما يجب التقليد في حال يعدم فيها المقلد صحة الاستدلال من الجهات التي ذکرنا»(۱۳۷) . ولما كان الأمر كما وصفنا فإن ابن بركة یری » مع كثير غيرهء أن كل متجتهد في الفرعيات مصيب فلا يخطاً باجتهاده» . ولا ضمان عليه فيما أفتى به شريطة أن يكون من أهل الاجتهاد. وفي هذا من الدلالة على الأخذ به وترك التقليد لغير العباد والبلادء ولخير هذا الدين ما يشجع أهل العلم والمعرفة على العطاء والبذل . تقييم جهود ابن بركة 2 علم الأصول : إن تقييم جهود أي في أي مجال من مجالات الفكر يحتم علينا وضع الرجل وما أنتجه في إطاره الزماني والمكانيء حتى يتيسر تقييمه التقييم السليم بمقارنته مع ما كتبه معاصروهء وما وصل إليه هذ العالم أو ذاك من التطور والتوسع والتعمق أنهء ومع الأسف الشديد ء لم يصلنا من آثار القرن الثالث والتصف الأول من القرن الرابع الأصولية إلا القليل النادر؛ وأن ما بلغنا منه إنما هو نقول ورايات مجزأة ومبتورة عن إطارها العام من كتاب صاحبهاء نقلها لنا علماء القرن الخامس وما بعده. إلا أن هذا الأمر لا يمنعنا من التذكير بما سبق تقريره من أن عصر ابن بركة عرف أزدهارا في البحث الاصولي كما عرفته بقية مجالات الفكر العربي الإسلامي. ققد نقلت لنا كتب الفهارس وغيرها عناوين كثيرة في القضايا بالأصولية سواء في رسائل مستقلة تعالج المسألة والمسألتينء من حيث إثباتها أو ردها ونقضها مع حش الأدلة النقلية والعقلية علي ذلكء إضافة إلى ما يعقب به فقهاء ذلك العصر على فروعهم الفقهية من آراء أصولية بنوا عليها تلك الفروع. ويبدو أن ابن بركة قد اختار الأسلوب الأخير في عرض آرائه الأصوليةء دون أن يخصص كتابا مستقلا للتنظير الفهقي. ولعله كان يرى عدم الحاجة إلى الفصل بين الفقه وأصوله أو بين النظرية والتطبيق . وهذا تعبير منه عن مرحلة من مراحل هذا العلم قبل الاستقلال التام الذي سيعرفه النصف الثاني من القرن الرابع وما بعده. لقد صرح اين بركة بأنه لن يسهب في مباحث الأصولء وأنه سيأتي منها بما فيه الكفاية, بقدر ما يعين الفقيه على استنباط الأحكام من جهةء وما يساعد على فهم وإستخراج الأصول التي يقيم عليها غيره فقهه كي تتيسر مناظرته بالوقوف على قوتها وضعفها. فقد كتب ابن بركةء في آخر البحث الأول: «ونحن نذكر بعد هذاء في كتابنا هذا من هذه المعانيء ونبين من ذلك ما يرغب إلي الله في توفيقه لنا» . ويوحي هذا الكلام بمعرفة صاحبه معرفة واسعة بقضايا علم الأصول ومسائلهء والغاية التي دون من أجلها. ولما لم يكن كتاب «الجامع» مؤلفا اصولياء كان من الطبيعي أن تأتي مباحثه الأصولية موزعة على غير نظام وأن لا يأخذ بعضها برقاب بعض وإنما تبقى المناسبة الفقهية هي التي تحدد ورود المسألة الأصوليةء إضافة إلي ما حدث للكتاب من عبث النساخ : وصروف الزمان. وقد نتج عن السبب الأول اضطرار الموّلف إلي أن يقع في تكرار المسائل الأصولية لتكرر الفروع الفقهية القائمة على أصول متماثلة. وعمق السبب الثاني هذه الظاهرة التي يلاحظها كل من قرا الجامع . توصلناء بعد قراءتنا السريعة لكتاب الجامع ورسالة التعرف إلى أن ابن بركة قد تمكن من كتابة مباحثه الأصوليةء وتقرير آرائه وقواعدة من خلال إطلاعه الواسع على ما كتبه فقهاء المذهب وما قيدوه من أصول بنوا عليها فروعهم الفقهية سواء صرح بها أو فهمت ضمنا. والجانب الثانى من مصادر الشيخ إنما هو ما ألفه الأصوليون في عصرهء وفق مناهجهم واتجاهاتهم المختلفة . فقد ذكر منهم أهل الظاهر والمعتزلة والأحناف و...... والشاقعي وأصحابه وأهل أصحابه الحديثء وأهل الرأي. وقد استفاد ابن بركة من مستوى البحث اللغوي الذي جعل منه مدخلا لفهم النص الشرعيء وتوظيفه التوظيف السليم . وقد تبين لنا من خلال عرضنا للقضايا الأصولية المطروحة والموزعة على جزئي كتاب الجامع. وترتيبنا لهاء وفق ما تعارف عليه الأصوليون من مباحثء تبين لنا أن الشيخ ابن بركة واسع الاطلاع على علم الأصولء؛ ولو قدر له أن يصنف في هذا الفن تصنيفا مستقلا لجاء به في أحسن صورةء مستوعبة مسائله وقضاياه إلا أنه أختار منهجا مغايرا يجمع فيه بين الفروع والأصولء وهذا يمثل صورة من صور التأليف في إلي جانب الخطوات الأولى على طريق استقلال الأصول عن الفقه. وابن بركة بإختياره منهج الربط بين الفقه والأصول أراد أن يعبر على العلاقة الوثيقة بين العلمين , فلا قيمة لنظريات لاتثمر فائدة عملية ء كما أنه لا قيمة لفقه لم يقم على أصول قوية . وإلى جانب هذا فإن منهج ابن بركة يوحي بأن صاحبه أميل إلى منهج المتكلمين في التأليف الأصولى الذي سيغلب عليهء في زمن لاحقء طابع التنظير والاهتمام بتحقيق الآراء الأصولية وتنفيحها بعيدا عن الفروع الفقهيةء ولا عجب أن يكون ابن بركة أميل إلى هذا الاتجاهء فهو رجل متكلم وله مواقفه السياسية من أحداث عصرهء ولا شك أن علم الكلام والتنظير السياسي أقرب إلي التفكير الفلسفي المجردء بقطع النظر عما يكون عليه الواقع لأنهما يبحثان فيما يجب أن يكون عليه الواقعء لا ما هو كائن. ولكن لا يجب أن تذهب بنا هذه بعيدا . فرغم ما كتبه الشيخ ابن بركة عن مسألة تكليف الجن وثوابهم وعقابهم ومخاطبة الكفار بفروع الشريعة ومسألة التكليف بالمحال وأقسام العلوم ورغم كل ذلك فإن الطابع العام لما كتبه يظل بعيدا عن القضايا الافتراضية أو ما يسميه الأصوليون بالجواز العقليء دون الوقوع الفعلي. فالأصول عنده للاستنباط والعمل والاجتهادء وليس ترفا فكريا أو مجالا للحذلقة والرياضة العقلية . ومن الملاحظ ء أيضاء في كتابات ابن بركة الأصولية سلامتها من كل أثر لأي عنصر أجنبي عن الثقافة العربية الإسلاميةء إذ لم نجد أثرا للمنطق اليوناني الذي تسرب إلى علم الأصول الإاسلامي عامة في القرن الخامس مع الامام الجويني ثم توسع في استعماله تلميذه الغزالي. وقد زعم البعض تسلل المباحث المنطقية إلى الأصول منذ رسالة الامام الشافعي. أما ابن بركة فلم يهتم كثيرا بالتعاريف والحدود التي تعد من المباحث الأساسية في علم المنطقء ولا نجد فيما كتب ثرا للمصطلحات المنطقية من جزئي وكلي وجنس ونوع وفصل . وكذا مبحث القيامي جاء خاليا من كل أثر للقياس المنطقي .. وبالجملة فأن المباحث الأصوليةء في كتاب الجامعء جاءت إسلامية الطابع شكلا ومضمونا. المداخحلات المداخلة الأولى : جاء ت على شكل إضاءتين »٠ حول إجابة الباحث وأولاهما دارت حول التساوّل : « لماذا لم يدفع ابن بركة القائلين في القرآن الكريم؟ وذلك لانه أراد أن يدلل على قدسية القران الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفهء لكونه تنزيلا من حكيم حميد وسلاما. ويضيف : والذي أقوله ان منهج ابن بركة في هذا الموضوع إنما ينصب في تبيين تأصيل الأحكام الشرعية لكون القرآن الكريم هو أول المصادر وهذا منهج الآن يتبعه المعاصرون أو المحدثون الذين يهتمون بالتاريخ في العصور الفقهية لا سيما وأنهم الآن يفصلون بين موضوعي علم أصول الفقه؛ الأدلة ثم القواعد؛ عكس الذين يأتون بالقواعد ثم يدخلون عليها الكلام على الأدلة.. أما التاريخ المعاصر فإن هناك فصلا بين هذا العلم أو بين موضوعي هذا العلم أو بين طرفي هذا العلم من حيث الأدلة ومن حيث الوقائع يأخذون الأدلة ؛ يبدأون بالقرآن والسنة والقياس والعرف إلى آخر ذلك من الأدلة بعضها مختلف عليها بين المذاهب والاصوليين من حيث الأخذ بها أو عدم الأخذ بهاء وعندما يدخلون القرآن فعلا يستطردون في مثل هذه الأمور فعلى هذا لعله من المناسب أن نعتبر ابن بركة كان له فضل السبق في هذه المنهجية في تدوين أصول الفقه وليس فقط في تفصيل قدسية القرآن . ويواصل أضاءته : كما نلاحظ أن ابن بركة أنه كثيرا ما يعتمد على صحة السنة من حيث المسند والمتنء وأقول في الأحكام وعلى سبيل ذلك اختار قضية الحاكم والمحكوم وعدم وجود الحاكم مفترضا فيروى أنه يَيٍ مر على رجل يُحكم رجلا فسمعهما يغتابان رجلا آخر فقال: أخطاً الحاكم والمحكوم فدائما يعتمد علي سبر روح الحديث فيتيبين منه الحكم بجانب اعتماده على أما الثاتية فكاتت ٠ عن الإجماع ان ابن بركة يعبر عن الاتفاق بالإجماع لكنه يقيد ذلك فيقول مثلاً «اجمع اصحابنا» بمعنى اتفقوا و«اجمع مخالفونا دوننا» هذا فلا تناقض في منهجية ابن بركة فهناك استحسان المعاملة وهنا عدم استحسان في العبادة فمعلوم ان العبادات لا رأي فيها والاستحسان يدخل في ضمنهاء العبادة هي الوقوف مع النص الذي ورد بها واما ما ذكره من قواعد وتصرف فتلك معاملة والمعاملات يتسع فيها الرأي الذي هو الاستحسان يدخل ضمنه؛ فمن وجهة نظري لا تناقض بين استنتاجية اين بركة في الاستحسان وبين اباحته في المعاملة ورفضه له في العبادة . امداخلة الثانية كانت عبارة عن استفسار جاء فيه : ذكر الدكتور ان الشيخ ابن بركة حينما ينظر في يعض الأحاديث انما يفعل ذلك بدافع حرصه وتخوفه فيما إذا كان من الصحيح أم لا ولكني أرى انما يدل على أنه يريد أن يغرس في تلامذته ضرورة الاحتیاط ان کل حدیث یروی عن الرسول صحيح . رد امحاضر : اما بالنسبة للاستفسار الأول فانما قلت ان الشيخ ابن بركة قد درس أو عرض هذه القضايا بهدف الدفاع عن سلامة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وخلوه من كل عيب ونقص ليكون بحق المصدر الأول من مصادر التشريع . امسألة الثانية : ان ابن بركة في تخوفه من الأحاديث كان ينظر للملابسات والتوضيحات؛ وكلها موجودة في اليحث مشيرا إلى أن ضيق الوقت هو الذي حال بينه وبين الاسهاب في الشرح والتوضيح . وأضاف الدكتور الباحث : أما بالنسبة للتخوف من الحديث ريما كان التعبير غير سليم ولكن دون قصدي ان این برکة کان يأخذ احتياطه ويحترس كي لا ينسي احكامه الشرعية على أحاديث غير صحيحة لذلك نجده كثيرا ما يقول ان (صح ) ( وقد طعن البعض في هذا الحديث, منعنا من الكلام) فالأحاديث يأخذها كما يجب أن توٌخذ. الداخلة جاءت على شکل استفسارين ‎t‏ يستوضح المداخل فيهه اعما إذا کان لما قام بين المدرستين النزوانية والرستاقية أثر في هذا النهج الذي سار عليه ابن بركة في دراساته الأصولية سواء كان الأثر إيجابيا أو سلبيا؟ وفيما إذا استقى الإمام ابن بركة معلوماته الأصولية من كتب المذاهب الأخرى وهل سمی شيئًا من هذه الكتب ؟. رد المحاضر : لا أجد أثرا للنزاع بين المدرستين النزوانية والرستاقية (أو منشا سياسيا) إن لا أعتقد ان النزاعات السياسية لها اثر في المصادر الأصولية فهي نهج استنباط الأحكام الشرعية وقد أشار ابن بركة إلى كثير من المصادر الأصولية وذكر منها (جامع ابن جعفر ) ( الخزانة للبشير) وابن محبوب لما ذكر رواية عن ابن مالك وكذلك أحمد بن حنبلء وربما اطلع على كتب المعتزلة والشيعة والظاهرية أيضا. المداخلة الرابعة جاءت على شكل : استفسار حول قضية انكار القياس في المعاملات عند ابن بركة وهل كان يقصد من ينكر القياس عند الأباضية أم عند المذاهب الفقهية وإذا كان من المذاهب الفقهية فهناك الظاهرية والشافعية ينكرون القياس ولاحظ أن أحدا من الإباضية منذ القرن الأول الهجري لا ينكر القياس وانما ورد بعض عن الامام أبي عبيدة ان من قال بالقياس فقد كفر مع ان أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة كان يقول بالقياس في المعاملات وعندما يذكر القياس فإنه ينزله منزلة كذا وانما يقصد بهذه العبارة عندما يكون القياس مع عدم توفر الشروط أو بالقياس مع وجود النص فلا قياس مع وجود النص . رد المحاضر : أقراً عليك ما قاله ابن بركة « نسب إلى الشيخ هاشم بن هلال القول انه من أفطر رمضان متعمدا بغير جماع, أعليه قضاء شهره وصوم الواجب عليه ولم يجب عليه اقطار ولا غيرها؟ ولعله كان ممن لا يقول بالقياس ولا يرى واجبا في باب الأحكام » النص واضحا حيث ان ابن بركة يقول ان المذهب يجيز القياس وانا من القايسين . BD 3A) N/A AA) A/C AA) A / oA ۱۸) “AA WV) A / AN V\) A 31° AV) A / AVC LV) A / oA oV) \ ZAVA IN) \ oA AVA AC AVA / AC VEYA “۱)۱ / ۸ 7o٥‎ IY N/A E ° V)\ / o00 A)\/ 2307 IY N/A 3A o0) FS: FH r ‏چ ہہ کک )و‎ r os ‏ہہ‎ ‏)ل‎ 7/3-۰ 1)3 ۱ CD IAN 33 AA) A / ONA LAC ANNAN = A/V N\A) N LAA AN A3 vA / 3 VU) A / Vo AL) \/ VNC 1/۰ )ا1 oL) A/a A IL) N/V AL) NANAN VAC AL) 1/083 EVENS EN ‏٠ )ا‎ bo) A / oA Vo) A/V Ao) \/ ANO: Lo) LV o0) \ ZANA 30) A 10) 1/30 A0) A/ VAC o) N / AA s0) N / AoC No 1/3 ۱/A / AA 1/0 A/ 3A 1/00 AoA 5) NV) NANNA VV) \ JANN AVIN ANN = ANC LV) 7AN oV) A / oo: 3V) NNN AV) AJAL AV) A / LAA \V) A / NAA VA / o VA) A / AAC VAY / oo AM) \ / oo ١ )1۸ / 3 AVAN 2 AV) A / ASA — 3A AAV) A / LIA — AOAC AAV) AZA ZANA VA AVA / ANAC AA / AVC WUN) N oA — AVA VAN) A / oA ANV) A / AAA LA / VNC oI ITY A bA 3N o ANN) 7/3 AC ANNE: A/C N/A ۰/۰ Ve) ASN Nhe Le) /AANC oN) NAVA 3۰ A) / oo VAS — A3’ ۰/۰ ‏ل‎ ٥۲( ۳۳0/۲ . ١۱/۱)۳ . ۷ ) التعارف ١٠ . ۸) التعارف ۳۱ . ۱۳۹( ٠) التعارف ۸. ۱۳۹( ۱ ‎Yo /\ (N۳۲‏ ۱۳۳( ) الد ( ) الد ( ١۱۳ ۳۷ \ الجامع / ۳٤٥ . EATER E EAA EOI e] EEE الشيخ العلامة ابن بركة العماتي وكنايه : (اللعييد) د. ميارك بن عبد الله الراشدى عميد كلية الشريعة والقاتون JEEP EEE EEE EEN (a يسم (الرحين لالرحيع الحمد لله الذي شرف العلم والعلماء العاملين ووصفهم بخشيته لكونهم به عارفين: واشتق العلم من إسمه العليم وقبح الجهل لأن من اتصف به سقيم › والصلاة والسلام على سيدنا محمد أعظم العلماءء وخير خلق الله أجمعين؛ وعلى صحبيةه الكرام وأهل بيته المقربين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أمايعحد: فهنا بحث مختصر عن العلامة الجتهد أبى محمد عيد الله بن محمد بن بركه السليمي البهلوي وكتابه التقييد أوضحت فيه مكانه الشيخ العلمية من خلال هذا الكتاب لعل الله ينتفع به طلاب العلم › ولم يسعفني الوفت بالاطالة 2 ترجمة الشيخ وغزارة علمه . ولكن آثرت ذكر البعض وتركت البحث عن الكل لطلاب العلم الباحثين عن دقائق الأمور وحقائقها سانلا الله الكريم إن يغفر زلاتي وان يقيل عثراتي فما كان فيه من صواب فهو من الله وما كان من خطاً فمني ومن الشيطان والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ‏ الباحث العمسم الأول التعريف بالشيخ اسمة ونسية : هو عبد الله بن محمد بن بركة السليمي البهلوي ء نسبة إلى بهلا ء وهي إحدى المدن العمانيه وتقع بناحية الجوف من عمان ٠ وهي تبعد عن نزوى مسافة خمسة وثلاٹین كيلو مترا تقريبا ومنزل الشيخ منها بمنطقة الضرح وذكر الشيخ سيف بن حمود البطاشي انه سمع ان منزله ومسجده وأثار مدرسته لا تزال باقية ومعروفة إلى يومنا هذا ”'. ولم أعثر فيما قرأت من المراجع زيادة في نسبه عن اين بركة من أجداده وکنيته ايو محمد وعندما يقال فى الأثر المشرقي ابو محمد فلا يتصرف الذهن في هذا العصر الا إليه ء وإلا فهناك من يشابهه في هذه الكنية في تلك الفترة وهي القرن الرابع » ومنهم ابو محمد عبد الله بن محمد بن ابي الموْثر الذي عقد الإمامة علي الإمام سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب المنصوب في عام ۲ه حسبما اختار الامام نور الدين السالمي ”' وابو محمد عبد الله ين محمد بن شيخه الذي عقد الإمامة على الامام راش بن الوليد الكندي عام ٢۳۲۸ ه بعد الإمام سعيد قولا”". وهو سليمي نسبة إلى سليمة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث الأزدي الذى جاء إلى عمان من اليمن بعد إنهيار سد مارب وقصته مشهورة في كتاب الانساب ‏ . وهذه القبيلة من القبائل العريقة في عمان لكونها من ايناء مالك بن فهم . وقد خرج منها egy ١) أنظر إتحاف الأعيان ۱/٦۲۲ ط ١/۱۹۹۲. ۲) انظر السالمي - تحفة الأعيان ٠/٠۲۷ ط مكتبة الإستقامة - سلطنة عمان . )م ن ص ٢۲۷ ٤) انظر العوتبي - الاتساب ج ۲ ص ٢٠۲ ط وزارة التراث القومي والثقافة . عدد من علماء عمان المشهورين والقواد العظام ٠ وعلى الا > نهم الخطيد المشهور والقائد وكانت تقطن هذه القبيلة في منطقة صحار في القرون الإسلامية الأولي . كما كانت تقطن قبيلة فراهيد ين مالك بن فهم فيها ايضا والتي نسب اليها الامامان اللغويان الخليل بن احمد (۱). الفراهيدي وابو بكر محمد بن الحسن بن دريد والامام الفقيه المحدث الربيع بن حبيب وعيرهم ولادته ونشأته: لم يذكر أحد من الموّرخين ولادة الشيخ أبي محمد ولا أشار إلى ذلك أحد من الفقهاء فى مصنفاتهم حسب إطلاعنا والظاهر أنه كان من مواليد النصف الثاني من القرن الثالث الهجريء لأنه كان يناظر الإمام سعيد بن عبد الله بن محمد الرحيلي الذي سيق ذكره في بعض المسائل › ولا يمكن أن يناظر الإمام إلا إذا كان قد بلغ مبلغا من العلم من جهة ء وأن يكون معاصرا ومزاملا للإمام من جهة أخرى لأن المناظرة غالبا ما تكون في حلقات العلم . وقد اشتهر - كما سيأتي بيانه - ان الشيخ ابن بركهة تلقى العلم عن ابي مالك كالاإمام سعيد. وذكر اين بركة نفسه في كتايه «التعارف» ما نصه : (ونحو هذا ما يعرفه الناس من جوازه في الخروس التي بالطريق على أيواب الدور ء ممن يستعملون المياه التي فيها للشرب والمسح وغسل البدن » وما يتقرب به صاحبه الي الله ويعتقد ويتفضل بفعله لذلك ء وإن لم يكن عليها مسح ولا مخبر بجواز ذلك وإباحة أهله » ولا يجوز منه القليل في غير تلك الأمكنة , لما يعلم بالقلب من إباحة أهلها في تلك المواضع ء ويينهم في مواضع أخرى . وهذا يعلمه الإنسان بشهادة قلبه وسكون نفسه إليه ٠ وقد كان بيني وبين ابي القاسم سعيد بن عبد الله في مثل هذه مناظرة ء فحكم له الشيخ ابو مالك -رحمه الله عليه- وكنت احسب التوقيف على ذلك حتى يعلم جوازه . وجاء في كتاب التقييد لإبن بركة نفسه فى مسألة حكم أطفال المشركين والمنافقين فى الدنيا والآخرة . قال بعد ان ذكر الخلاف ء وكان اللإمام سعيد بن عبد الله يناظرني في هذا القول 0( انظر بحث الشيخ احمد بن سعود السيايي للمنتدى الادبي ص ١ . وقد كنت أنا اختاره ء وكان القول مني على سبيل التعجب منه ء ولم اقف علي اعتقاده في ذلك'". ويستدل بما ذكرناه أن الإمام كان قد تجاوز العقدين من عمره اثناء مناظرته للامام . اما نشأته : فيظهر أنه نشاً في بداية عهده في مدينة صحار أو ما حولها ء ولذا عندما كان يذكر الإمام سعيد كان يذكره أحيانا مجردا عن لقب الإمام كما في نقلنا عنه من كتاب التعارف حيث ذكکره بكنيته فقط ء ثم انتقل إلى بهلا بعدما بلغ مبلغا من العلم وخاصة بعد نصب الإمام ولعله كان قاضيا له على بهلا ء وكان يذكره في هذه الفترة بلقب الإمام . ومما يدل على ما قلناه أن شيوخه الذين ينتقل عنهم وقيد آثارهم في كتابه التقييد أكثرهم من صحار وهم أبو مالك وایو مروان سلیمان بن حبیبه ویو یحیی مهنا بن یحیی وغیرهم. ويقول الشيخ احمد بن سعود : (إذ ليس من المألوف إن لم يكن من المعقول أن يرحل ابن بركة من بهلا ويتجه إلى صحار والمنطقة الداخلية من عمان بما فيها بهلا ونزوى وازكي كانت يومئذ تزخر بالعلماء ومشايخ العلم ء كأبي الموّثر الصلت بن خميس الخروصي وأبي الحواري محمد بن الحواري القرى ونبهان بن عثمان ومحمد بن روح الكندي ء وأبى جابر محمد بن جعفر الازكوي وغيرهم من كبار العلماء الأجلاء عليهم الرحمة والرضوان ء كما أن قومهم من قبيلة بني سليمة كما ذكرنا كانت منازلهم في صحار وما حولها ء وكانت لهم السيادة والعزة والمنعة عليها) ”. شيوخه: صلان بصحار القديمه ولعله الان في ولاية اخری کصحم او شناص لان ذکر صبحار قدیما یطلق علي جميع المنطقه وهذا الشيخ هو الذي ينقل عنه كثيرا ويفتخر به في كتابه التقييد الذي نحن بصدد ذكره إن شاء الله تعالى في الجزء الثانى من هذا البحث . | ١) ابن بركة - التعارف ص ٢۲ ط وزارة التراث القرمي والثقافي . ۲) القلهاني - الكشف والبيان : ۳۱۸/۲ . 1 71 : ٠ الشو = الذين لا والثاني ابو مروان سلیمان بن حبیب وأبو یحیی مهنا بن یحیی ء غيرهم من 5 ع )۱( وذكر الشيخ سيف ين حمود البطاشي في ترجمة الشيخ ابن بركة أن من شيوخه الإمام سعيد وحسيما يظهر لي انه كان قرينا له وزميلا في الدراسة ولو کان أکبر منه سنا لانه کان یناظره ولم يؤثر عن اين بركة انه كان يناظر اشياخه ء بل كان يناظر ابا القاسم فيحقكمان الى ابي مالك كما نقلنا ذلك عنه من قبل . وجاء في كتاب التقييد ذكره لاشياخه الذين ذكرناهم ولم يرد فيهم ذكر الإمام سعيد ابي القاسمء حيث قال ما نصه : (فلما كان القول فيهم ” ما يسع جهله وكانت الأخبار الواردة فيهم مختلفة احكامها في الظاهر ء رأينا الإعتصام بالسكوت عن حكمهم . ورأينا الوقوف اسلم فى أمرهم ء وعلى هذا المذهب الأخير ادركنا اشياخنا رحمهم الله ء منهم أبو مالك وأبو مروان وابو يحیى ومن كان في عصرهم وممن هو في درجتهم -رحمهم الله وغفر لهم ”'. ويظهر من هذا النص أن الشيخ ابن بركة عاصر اناسا آخرين وأخذ عنهم وهم الذين يعنيهم بقوله ومن كان في عصرهم ء وممن هو في درجتهم ء إن كانوا لا يقلون شأنا عن اشياخه الثلاثة الذين ذكرهم بأسمائهم ء ثم إن لفظة اشياخنا تدل على انه اخذ عنهم لا مجرد المعاصرة. وعلاوة على ذلك فإِن الشيخ أشار إلي المذكورين بالتبعيض حيث صدر ذكرهم بلفظ (من): والحال يقتضي أن هناك اشياخا آخرين لم يصرح باسمائهم ء مما يدل على انه اخذ على كثيرين من اهل العلم في زمانه . ولقد احسن الشيخ -رحمه الله- عندما قيد في كتاب التقييد سماعه عن مشايخه الثلاثة الذين صرح باسمائهم . وإلا فاني لنا ان نعرف شيوخه ٠ كما اختفى علينا ذكر شيوخ لعلماء آأخرين في عصره وغير عصره ومن الجدير بالذكر ان نعلم غزاره العلم لدى هؤلاء الشيوخ الذين ١) ابن بركة - التعارف ص ٢۲ ط وزارة التراث القرمي والثقافي . ٢) القلهاني - الكشف والبيان : ۳۱۸/۲ . ۲( بحث مقدم للمنتدي الأديي بسلطنة عمان ص ۳ . ويروي الشيخ البطاشي أن الشيخ ابن بركة لما وفد الي ابي مالك كان يدفعه عن نفسه ليختبره فلما تأكدت له رغبته في طلب العلم قربه إليه واكرمه وبذل له من العلم ما عنده”. حياته الاجتماعية : لم نعثر فيما اطلعنا عليه من مراجع على ذكر لحالة الشيخ الإجتماعية من حيث معرفة أولاده وزوجاته وكيف يعيش معهم . سوى ما يؤثر من أن الشيخ كان ثريا؛ يقول الشيخ البطاشي: (قيل وإذا اراد ان يتفقد أمواله في البلد (بهلا) وهي البساتين من النخل والشجر يركب على فرسء لذلك كانت مدرسته تضم كثيرا من طلاب العلم من عمان ومن خارجها وهم بعض اصحابنا المغاربة الذين جاءوا لأخذ العلم عنه) '. ويظهر من هذا النص أن الشيخ كان لديه أموال تعينه على طلب العلم واستضافة الطلاب» ولعل الحياة الإقتصادية يومئذ كانت جيدة ٠ ومما يدل علي ذلك ذكره في كتاب (التعارف) ان الناس يضعون خروس الماء وهي الاوعية الكبار وتعرف بهذا اللقب عند العمانيين إلى اليوم ليوضع فيها الماء للشرب على الطرقات وهذا دليل ظهور الغنى في الناس يومئذ . صماته وموافمه : كان الشيخ ابن بركة من العلماء العاملين والفقهاء المجتهدين . وكان صلبا قوي العارضة لا يتنازل عن رأيه إذا كان لديه الدليل وعلى ذلك أمثال كثيرة فى كتبه كلها كالجامع والتعارف والموازنة والسيرة وغيرها . وقد اشتهر عندنا أن أول من ألف في أصول الفقه بقواعده المعروفة هو أيو محمد هذا وذلك من خلال كتابه المشهور «الجامع» وهذا لا ينكره أحد » وكان الشيخ يتعصب لمواقفه كثيرا ء فقد وقع خلاف كبير بينه وبين أبى سعيد الكدمي -رحمهما الله- في القضية التي كانت قبل ١) يعني أطفال المشركين . ۲) اتحاف الأعيان - ۱/٦۲۲ ط ١. وجودهما بزمن طويل وظهرت بسببها فرقتا النزوانية والرستاقية . وهي قضية الخروج على الإامام الصلت ابن مالك المتوفي عام٥۲۷ ه من لدن موسي بن موسي بن علي وراش بن النضر الازكويين حيث اعلنا خلع الامام فاختلف الناس في حكمهما وفي حكم الإمام فظهرت على أثر ذلك الفرقتان المشار اليهما ء وكان الشيخ ابو سعيد مع الفرقة النزاونية وأبى محمد يويد الفرقة الرستاقية التي تطالب الناس بوجوب البراءة من الخارجين على الامام الصلت , وقد ألفت في هذا الموضوع تأليف وسير كثيرة وكثير القيل والقال والرمي بالضلال , إلى أن آلف الإمام ابو سعيد الكدمي الذي يعاصر هذا الشيخ كتابه «الإستقامة» في مسألة الولاية والبراءة وأصولهما ونشر الكتاب فهدأت ثائرة الناس والحمد لله . وانقل للقارئغ نص ما كتبه الشيخ البطاشي في هذا السياق : ( وكان اين بركة وايو سعيد في عصر واحد ء وقد وقع خلاف کبیر بينهما . وشنع کل منهما علي الآخر وذلك في قضية موسى وراش والإمام الصلت ء وكانت قبل وجودهما بزمن طويل فقال فيها ابن بركة ء ان الصلت إمام بالإجماع والخارج عن الإمام بالإجماع باغ بالإجماع . والبراءة من الباغي بالإجماع واجبة ء بالإجماع ء فالزم الناس ما لم يلزمهم . وقال ابو سعيد ان هذا الفعل يجوز فيه الولاية والبراءة . والوقوف . كما يجوز فيه ولايه المتولي والمتبرئ والوقوف ء لأنها دعاو محتملة للحق والباطل ء وكل منهما قد اخذ برأى . ولكل راي ومخرج وأصل في الحق ء ودان بذلك ودان بتخطيئه من خالفه . وقال الامام تور الدين السالمي -رحمه الله- ولقد اطالوا في هذا المقام وبسطوا الإحتجاج فوق المرام وألفوا في ذلك تآليف وصنفوا فيه تصانيف ء من شاء معرفة ما هم عليه فليقف على كتاب الإستقامة لذلك الإمام . وكتاب الإهتداء للشيخ أبى بكر أحمد بن عبد الله الكندي وكتاب الموازنة للإمام أبي محمد بن بركة ألفه في موازنة أقوال من خالفه بأقوال من ضل من الأمم وكتاب الاحداث والصفات للإمام أبى الموّثر الصلت بن خميس ء مع رسائل عديدة وسير مفيده. قال ولاتساع الخلاف بينهما في تلك القضية وشدة الإحتجاج فيما بينهما فقد بلغ الحال بالعلامة ابن بركة فيما روي عنه من التحامل على أبي سعيد بقوله : (كنا ننكر على الكدمي كثرة بلادته وتظاهر جهالته . فأما الآن فما ننكر عليه إلا تواتر حماقته . وذلك ان بالتعليم والحمق مركب في الطباع لا يزول إلا بزوال صاحبه . وللشيخ عثمان الأصم تعليق مطول على هذا الكلام سيأتى في ترجمته إن شاء الله . وظل الحال بينهما هكذا إلى أن توفي ابو سعيد قبل ابن بركة » قيل وكان لا يقراً في کتب آبی سعيد ‏ ولما أطلع عليها بعد موت أبي سعيد وعرف ما فيها بكي والله أعلم . مسودة كتبها ابو سعيد في حياته فقرأها ابو محمد ثم قال : (ما رويح الكدمي) وهي كلمة عامية فيما أحسب ومعناها فيمن قيلت فيه ء لذلك الرجل شان أو أنه ليس بالرجل الهين) انتهي كلام الشيخ البطاشي ونقله ”٩ . يحسن بنا ان نورده للإستدلال » ونصه ان ESED ولم يسر بالجيش للصلت لكي واثرت فت نة 4 في الدين من أجلها أهل عمان افترقوا حزب ابي سعيد الموفق وحزيهم لم يبق منهەأحد إذ ليس تخلوالارض من محق ١) اتحاف الأعيان - ۱/٦۲۲ ط ١. ۲) انظر كتاب التقييد - مخطوط مسألة (حكم أطفال المشركين) . وروي انه لما توفي ابو سعيد -رحمه الله- سارا أبو محمد بن بركة للتعزية ووجد بالمجلس هذا ملخص ما جاء فى مسألة هذين الإمامين , ولا يحتاج الأمر الى مزيد من الايضاح . غير انه من باب الإستطراد نحب ان نقول ان المتأخرين من علماء عمان بل يصدق القول على من قبلهم أيدوا أبا سعيد الكدمي في هذه القضية وخاصة من عهد اليعاربة ومن بعدهم؛ حيث والده في ذاك حين طلعا يعزله عن امره من غير شئ فتقاغدافي الناس ذاشجون حزبين فاز بعضهم ووفقوا علي الهدى ومن بری منه شقي ذهابهم بالحق فينايشهد فيهايكون حجة في الحق تاصرنا المرشدللانام ومرشدا في الدين رشدا ظاهرا ۷٩ الجهل يداوٌى ومما يوّثر عن ابن بركة قوله : إن القائمين بعمان تركوا تلاثة أشياء لا ينبغي لهم تركها. الأول : الوزارة ء ينبغي ان يكون للإمام وزراء مأمونون تقاة يشيرون عليه بالامر فقد ترکوا ذلك. والثاني : المنبر ء لا ينبغي أن يرفع عليه إلا رجلا ثقه مأمونا يؤّمنون على دعائه فقد ترك ولعلهم يرفعون عليه غير ثقة ولا مأمون فيتكلم على الناس . والثالث : التعديل . فقد صار وراثة لا ينظرون له أهل الفضل والورع والصالحين فهذه الأشياء مما تركت بعمان ”٩ . وهذا يدل أن للشيخ نظرا في سياسة أولي الأمر بعمان , لأن هذه الأمور مما تخص القائمين بالأمر فهم الذين يختارون الوزراء » وخطباء المنابر والمعدلين من الناس ٠ وكان التعديل في وأما الوزارة فإنها ضرورية لبي الحكم ء إذ لا يمكن أن يستغني الإنسان برأآيه وكما هو الحال اليوم فإن لكل مصلحة من مصالح الناس وزيرا يرجع الناس إليه في رسم سياسة حوائج الناس فيها ء وأما المنابر فإن الخطباء فيها ينبغي أن يكونوا ممن يعول الناس إليهم في المعرفة والإاستقامة والعقل إذ لا يصح أن يخطب في الناس من يجهل هذه الأمور. ويذكر أحمد بن مسعود السيابي نقلا عن الشيخ إبراهيم بن سعيد العبرى أن الشيخ قد أوقف أراضي المدانة وهي بستان كبيرة ذات نخيل وأشجار » وهي من جملة أموال بيت المال ء ولعلها قد وقفت سايقا للمتعلمين ثم أدمجت فى أموال بيت مال المسلمين لأجل مصلحة الأمة في ذلك الزمان ”٩ . ١) أنظر إتحاف الأعيان ١/٦۲۲ . ۲) من و الصفحة. آثاره ووفاته : إن للشيغ آثارا جليلة وأعمالا صالحة كثيرة فقد أفنى حياته بين طلب العلم وبذله لطالييه ومن هذه الأعمال ما يلي : أول: مدرسته الشهيرة والتي بقيت آثارها إلى اليوم بمنطقة الضرح من بهلا وقد شت إليها الرحال » ووفد إليها طلبة العلم من كل حدب وصوب ء سواء من عمان أو من خارجها ء ویروی ان للشيخ طلبة مغاربة إطالوا المقام معه , فقربهم وأواهم ٠ يقول في ذلك الشيخ محمد السالمي ما نصه : (كانت لعمان في القديم مدارس للفقه ء وبقية العلوم منها مدرسة الشيخ ابي محمد بن بركة في بهلا واثارها باقية إلى الان » تشتمل على كثير من الطلبة . من البلاد ومن الخارج ٠ وسمعت والدي اي نور الدين السالمي - رحمه الله يذكر انه تخرج منها ثمانون عالما من إخواننا المغاربة ء فلذلك تري المغاربة يثنون على ابن بركة من علماء عمان اكثر من غيره وكان الشيخ من أغنياء أهل زمانه : يحوط أمواله كل يوم من أول الصباح ثم يعود إلى تلاميذه للتدريس)”. ومن تلاميذه المشهورين من عمان الشيخ ابو الحسن علي بن محمد بن علي البسيوي من بسيا من ولاية بهلا من عمان ٠ وهو الذي بلغنا أنه نبغ في العلم من تلاميذه ٠ ويقال ان الشيخ أيا الحسن كان ثقيل السمع ء حتى ان اليعض إذا اراد استفتاءه كتب له المسألة فى الأرض ء وللشيخ أبى الحسن عدة مؤّلفات . متها جامعه المعروف بجامع أبى الحسن البسيوي ء تناول فيه جل أبواب الفقه بعبارات سهلة وشيقة ٠ وغالبا ما يقرن المسألة بدليلها من الكتاب والسنة أو الاجماعء وهو مطبوع فى أربعة مجلدات ء وقد خرج أحاديثه على كتب الحديث الدكتور خلقان بن محمد بن خلفان المنذري المدرس للحديث في جامعة السلطان قايوس بسلطنة عمان › في كتاب يضم حوالي الف ومائتي صفحه . وله أيضا كتاب المختصر في المسائل الفقهية يعرف بمختصر البسيوي وله أهمية كبيرة عند اهل العلم , فقد حوى معظم أبواب الأصول والفقه . iE ١) اتحاف الأعيان ج ۱/٦۲۲۷-۲۲ . كما تخرج عنه كثيرون من الطلاب لم تصلنا أخبارهم مفصلة . وثاتياً : بناوّه لكثير من المساجد بيهلا ونعد منها - حسب علمنا - ما يلي : ١ مسجد الضرح وهي المحلة التي يقطن فيها هذا الشيخ في يهلا ء وكان ذلك المسجد منارة علم أيضا حيث كان هو الذي يصلي فيه بالناس . ۲ - مسجد الخير. ٢ - مسجد الشريعة . ٤ - مسجد القحال . ٥ - مسجد الوحيد وكلها في بهلا ء وإن دل هذا علي شئ فإنما يدل على اهتمام الشيخ ببيوت الله -تعالى- ء وتعاونه مع مجتمعه في بناء المساجد ليعبدوا الله -تعالى- فيهاء كما يدل على كما أنه أوقف الأموال لفقراء المسلمين والتي هي الآن من جملة أموال بيت المال وقد سيق ذكر ذلك. وثالثا : التأليف فقد اعتنى الشيخ بالتأليف بجانب التدريس والفتوى . وأولها: كتاب الجامع ء والذي يعتبر بحق كتابا نافعاً ومفيدا وهو في مجلدين ء وقد طبع عدة مرات ٠ ويعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب العمانيه . لكونه قد ربط الفروع بالأصول ء فهو من أمهات مصادر الفقه الإباضي ٠ وسمعت سماحة الشيخ احمد بن حمد الخليلي -مفتي عام السلطنة- يقول : (إن هذا الكتاب فيما يظهر كانه كان اكبر من هذا الحجم حيث تجد يعض الابواب مفقودة ويعضها مختصرا والكلام فيها مبتور ء وبعضها مطول) . الجامع . وثالثها: كتاب التقييد وهو مخطوط ايضا وهو الذي نحن بصدد الحديث عنه في آخر هذا البحث . ورابعها: كتاب الموازنة » وقد وازن فيه بين أقوال الفرقتين الرستاقية والنزاونيه. وخامسها: كتاب المبتداً وقد ذكر فيه خلق السموات والأرض وما فيهن من الخلق وما ينبغي أن يعلمه المكلف . وسادسها : كتاب التعارف وخصه الشيخ ببيان ما تعارف عليه الناس في أمور معاشهم مما وسابعها : كتاب الاقليد ويذكره الباحثون ولم أعثر عليه . المخطوطات ”' . وفاتةه: لم يذكر أحد ممن ترجم للشيخ ابن بركة تاريخا لوفاته مطلقا , إلا أنه باستقراء بعض الوقائع التاريخية يظهر أن وفاته كانت قبل سنة ٢٥۳ ه لأن تلميذه أبا الحسن البسيوي سئل عن حكم بيعة الإمام حفص بن راشد الذي بويع سنه ٢٥۳ ه ومن ضمن ما أجاب به قوله : وأما الشيخ فرأيته يوجب الضمان على من دخل مستحلا بغلط ء وقد كان الزمني ضمان ما کان یام راش بن الوليد ٩ . وهذا يدل على أن الشيخ ابن بركة كان حيا بعد انتهاء إمامة راشد بن الوليد سنه ٢٣٤۳ ه بدليل ذكر ابي الحسن انه سأله » وعبر بذلك بلفظ الشيخ . وعلى هذا فقد انتقل الشيخ ابن بركة إلى الرفيق الأعلى حوالي ٢٣۳ ه أو بعدها بقليل بعد حياة حافلة بالعلم والعطاء . تاركا وراءه ۲) البطاشي - اتحاف الأعيان - ۲۲۸-۲۲۷/۱ . تلاميذ يبينون علمه في الآفاق وتاليف يستفيد منها العلماء والباحثون في كل وقت وحين وأعمالا جليلة نفعت معاصريه ومن بعدهم إلى يوم الدين فرحم الله الشيخ وغفر له . العسم الثاني : كناب التمييد: أولا: تسية الكتاب ووصمقه 5 كتاب التقييد له اسمان: التقييدء والتقييدات فالمؤّلف أطلق على اسم التقييد حتى وكان ينقل عنه في كتابه «المسمي بالتعارف الذي نشرته وزارة التراث القومي والثقافة» كما جاء في مقدمة الكتاب عنوان له كما يلي: عن الشيخ أبى مالك غسان بن محمد الخضر -رحمه الله-ء بخط الشيخ عمر بن سعيد بن عبد الله وفي الصفحة الثالثة من الكتاب - بخط عبد الله بن عمر بن زياد بن أحمد جاء ما نصه: ثم إِني أضفت إليه الموجود من كتاب التقييد مما قيده الشيخ أيو محمد عن شيخه الإمام سعيد بن عبد الله بن محمد ين محبوب -رحمه الله- وعن شيخه أبى مالك غسان بن محمد بن الخضر -رحمه الله . محمد وسعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب -رحمه الله ورضى عنهما وغفر لهما- وضع عبد الله ين محمد بن بركه -رحمه الله . وهذا الموضع هو الذي فيه ابتداء كتاب التقييد. وعندما ذكره العوتبي الصحاري قال (التقييدات) وذلك في كتابه الأنساب كما تابعه ابن رزيق على هذه التسمية. وكنا سنقع في شك لولا ما أثلج صدورنا من إطلاق لقب التقييد على الكتاب من المؤْلف نفسه في كتاب التعارف فقد جاء فيه ما تصه «وسنذكر ما حفظناه عن الشية أبى مالك -رضي الله عنه- في هذا المعنى من التجارة والبيع والمعاملات مما رسمناه في كتاب التقييد ثم قال بعد ذلك «انقضى الذي من كتاب التقييد» (التعارف كما عد الشيخ نور الدين السالمي -رحمه الله كتاب التقييد من مؤّلقات ابن بركة في كتابه (اللمعة المرضية) ص ٢. فالكتاب نسبته إلى مؤّلفه العلامة المحتفى به نسية صحيحة كنسبة الضياء إلى الشمس وفي قول الناسخ: وضع عبد الله بن محمد بن بركة -رحمه الله- ما لا يدع مجالا للقدح فيه. أما وصف الكتاب : فإنه يقم ضمن مجموعة مخطوطة تضم بعض الأجوبة عن بعض العلماء بل إن أول تلك المجموعة أسئلة من الشيخ محمد بن زاهر' موجهة إلى الشيخ ابن بركة في التوحيد وتتضمن تلك المجموعة أيضا كتابه المبتداً فيما يجب على المكلف عند بلوغه الحلم وقد أضاف إليها كلها الشيخ عبد الله بن عمر بن زياد البهلوى وهو من علماء القرن العاشر الهجري ما وجده من كتاب التقييد الذي ذكره أنه نسخه من نسخة منقطعة من أولها ووسطها حيث قال في مقدمة هذه المجموعة ما نصه: «أل هذا الكتاب بالشراء للعبد الفقير إلى الله -تعالى- عبد الله بن عمر بن زياد بن أحمد بألفي دينار وأربعمائة دينار من غير مجلد عليه وعرضناه وقابلناه على نسخته التي نسخ منها وصح إن شاء الله تعالى». ولي وقفة عند هذا النص وذلك أنه لفت نظري اهتمام الشيخ عبد الله بن عمر بن زياد بن أحمد من جهتين: الأولى: أنه اشترى الكتاب بهذا المبلغ الضخم من المال مما يدل على اهتمامه وثرائه في المال وندرة الكتاب لأن هذا المبلغ كبير في ذلك الزمان وفي زماننا هذا فلو قدرنا اليوم أن الدينار يعادل ريالا واحدا فقط لكان المبلغ كبيرا جدا إذ لو عرض هذا الكتاب للبيع لم يوجد من يشتريه بهذا المبلغء كيف وإن هذا المبلغ يشتري حديقة بأكملها في ذلك الزمان وياترى كم يقدر هذا المبلغ بالريال في زماننا هذا نعم قد يقارب أربعة آلاف وثلاثمائة وعشرين ريالا عمانيا حسب iD ١( انظر بحث احمد بن سعود للمنتدی الأدبي بعمان . التقريب على حساب الزكاة لكن الشيخ عبد الله لم يؤْثر المال على العلم -رحمه الله-. الثانية: إنه لم يترك الكتاب على علاته بل قابله على نسخته التي نسخ منها وصححها وذاك مزيد اهتمام بالعلم وأهله وحاول أن يوصل العلم بأمانة إلى الأجيال وقد سمعنا من شيوخنا عمن سبقهم أن من ضياع العلم عدم مقابلة النسخة على أصلها بعد النسخ وذلك لأجل تلافي التصحيف من النساخ. كما قال الشيخ عبد الله بن عمر وكان التمام من ذلك في ليلة الأحد آخر ليلة في شهر المحرم من شهور سنة ثلاث وستين وتسعمائة على مهاجرها الصلاة والسلام كتبه عبد الله بن عمر بن زياد بيده وإني أضفت إليه الموجود من كتاب التقييد مما قيده الشيخ أيو محمد -رحمه الله- عن شيخه الإمام سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب -رحمه الله- وعن شيخه أيى مالك غسان بن محمد بن الخضر -رحمه الله- نسخته بخطي وجمعته إلى هذه المنثوة الحسنة من أثار المسلمين -رحمهم الله . وفد نا من هذا التنص أيبضا قاند تين : والثائية: إن كتاب التقييد الأصلي أكبر من هذا الحجم لأن الشيخ اين زياد أضاف الموجود منه فقط إلى تلك المجموعة وقد صرح في أول الفقرة أن النسخة التي نسخ منها منقطعة من أولها ووسطها وقوله «كتاب التقييد أيضا» يدل على ذلكء وبعد ست عشرة صفحة فقط قال: تم كتاب التقييد بعون اللهء ثم أتيعه بمسائل عن أبي محمد نفسه ثم عاد في ص ۲٣۳ إلى الكتاب وخاصة إلى ما نقله عن التقييد في كتاب التعارف وبالنص حيث قال: باب في التعارف وفي صفحة ۳۷۷ قال هذا ما قیده أبو عبد الله محمد بن زاهر عن أبي محمد بن عبد الله بن محمد بن بركة -رحمه الله . وفي ص ۳۹۱ قال «تم ویتلوه تقييد ثاني» وهکذا حتی آخر الكتاب. أما أين یوجد کتاب التقييد؟ فهو سوال يطرح نفسه بلا شك . والجواب إنني عندما جاءني خطاب طلب الان شتراك بالبحث في هذا الكتاب اتصلت بالقائمين على هذا المنتدى فوعدوني بالبحث عنه ثم أخبروني أ ن مكتبة التراث لا يوجد فيها إلا نسخة مصورة فطلبت نسخة منها وعندما اتصل بي الأستاذ محمد الصليبي أن النسخة التي وصلتهم غامضة انزعجت واتجهت بي الهمة وعدم تفويت الفرصة إلى أن أبحث عن نسخة من الأصل مباشرة فلما سألت قيل لي إن النسخة الوحيدة توجد في مكتبة نور الدين السالمي رحمه الله بمدينة المنتربء فطلبت من أحفاده أن يسعفوني بنسخة فلم يقصروا وأعانوني بالتصوير وأرسلوا إلى ما طلبت فجراهم الله عني خير الجزاء. ولهذا فان النسخة الوحيدة -حسب علمي- توجد في المكتبة المذكورة فقط والله ولكن للأسف الشديد لم يسعفني الوقت أن أكتب كل ما أتمناه عن هذا الكتاب . ولولا الرغبة في البحث العلمي لتزحزحت ولكن أبت نفسي بعد ما تمثلت بأنه يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. أما وصف المخطوطة الأصلية -كما ذكرت- فهي قديمة ومتآكلة وخطها جميل ولكنه دقيق جدا اضطررت أً ن أصوره من الصورة مرتين لأستطيع قراءة ما تيسر منه بسهولة كما أن حجم ورقه صغير يبلغ ١۱× ١۱ سم وعدد سطوره ٢۲ سطرا۔ ويبداً كتاب التقييد في هذه المجموعة من صفحة ٦۳۱ إلى ٤٤٤ فمجموع صفحاتها مائة وست عشرة صفحة فقط. أبواب الكتاب يشتمل كتاب التقييد على واب في العقيدة (الولاية والبراءة) وفي العبادات والمعاملات وليست الأبواب كلها موجوده بل يبتدئ الكتاب بالمسائل ولعل ذلك عائد إلى فقدان صدر الكتاب, بل لا نعرف الأبواب التي جاءت في الكتاب لعدم وجود فهارس آخر الكتاب ولعلها كانت في صدره وربما تجد بين ثناياه مسائل في الدماء والقصاص وفي أبواب أخرى من الفقه ولكنها قليلة جدا. ١۱ صاحب الكناب رفيعته : إن الشيخ أبا محمد يعرفه كل عالم وياحث ومتعلم في عمانء ولا ضير عليه بعدم معرفة العوام له فإنهم جهلوا من هو أشهر منه ولا تخفى الشمس إذا كانت في وضح النهار ويكفي الشيخ أيا محمد أنه أول من قعد الأصول الفقهية من العلماء العمانيين وإن كانت بداياته قبله ولكن مدرسته سبقت المدارس الأخرى في هذا الشأن وأظن إنه ورث ذلك من شيخه أبى مالك كما يكفيه أنه قرين لإمام المذهب الشيخ أبى سعيد الكدمي -رحمه الله ورضي عنهء فقد كانا كفرسي رهان. كما يكفيه أنه في وسط حلقة نسبة الدين إلى أصله وهو النبي يَيْةٍ (كما يذكر ذلك الفقهاء الأقدمون بعمان) ولكونه متقناً لأصول الفقه فلقد أحكم الرواية عن شيوخه الذين اشتهر أخذه عنهم وهم ء الشيخ العالم أبو مالك غسان ين محمد بن الخضر -رحمه الله والشيخ العالم أيو مروان سليمان بن محمد بن حبيب -رحمهم الله- وأبو يحيى مهنا بن يحيى أبو مالك في التراث ولا أيو مروان إلا برفيعة وتقييد أبى محمد عنهم ونحن عندما نعلم تثبت أبي محمد أبي محمد في الرواية لأجل تثبته في النقل بجانب ما يتمتع به أبو محمد من العلم والعدالة وحسن التميز بين الأصول والفروع يتوفر لنا عللم شبه يقيني إن روايته عن شيوخه الثلاثة مظبوطه كل الضبط ولأجل الاحتجاج لما أقول أود أن أورد لكم ما يلي: يقول ابن بركة: (قالواجب على من أنعم الله عليه بالإسلام وخصه بشريعة الإيمان أن يبداً بالأصول قبل القروعء وأن يثبت قواعد البنيانء قبل أن يرفع شواهق الأركان ومن عرف معاني الأصول: عرف كيف يبني الفروعء فالواجب على من آتاه الله حاسة العقلء وقطع بها عذرهء أن يناصح بها نفسه فيما كلفه من حاجة نفسهء ومكنه من الأسباب الموّدية إلى درك ما ندب إليه وخص بهء لأن أسباب العلوم ودلائل البنيان موقوفة على العقول ومعلومة بها دون غيرهاء فيزوالها يزول عنه الخطابء ويسقط عنه العتاب ويجب بصحته الثواب والعقاب ألخ . انتهی التعارف ص 0 وقال اأيضا: (وأضعف الناس عندي من ضعف عقله وساء اختياره لنفسه وتعاطى ما لا يبلغه وإلزامه نفسه غير ما وضعه الله عنه) التعارف ٠٤-١٤ نقلا عن التقييد. وقال في آخر كتاب التقييد ما نصه (قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد بن بركة رضي الله عنه- وأيده بتقواهء هذا الذي ضمنته هذا الكتاب مسائل كنت قيدتها عن شيخنا أبى مالك غسان بن محمد بن الخضر -رضي الله عنه- وحفظت جوابها من فتياه لي عنهاء وربما كان يسأله غيري بحضرتي فأحفظهاء وربما كنت أسأله عن مسائل كنت أجدها في الآثار فأعرضها عليه على ذلك أو يشرح لي فأقيده بحضرته أو في غيبتهء وربما كتبت الجواب وأعرضه عليه فيجوزهاء ومنها ما لم أكن أعرضها عليه إلا أي أرجو أن هذه الألفاظ وإن كانت ألفاظي فلم تخرج عن معنى الجواب» ولست آمن الغلط والزلل ولا يوؤّخذ منه إلا ما وافق الحق وإلى الله أرغب في السلامة والموافقة لما يرضيه إن شاء الله». المخطوطة ص ۳۱٤. وتصديقا لذلك أيضا جاء في النصوص قوله: «سألت أبا القاسم سألت الشيخ أبا مالك وقلت للشيخ أبى مالك وأحيانا يسأل الشيخ أبا مالك عن صحة فتوى أبي القاسم فيقول: فسألت أبا مالك عن قول أبى القاسمء ويقول: وسألت أبا مالك عن ذلك فقال هذا قول بعض المسلمين» ويقول: «سالت ايا مروان سليمان بن محمد بن حبیب رحمه الله» وهكذا... وتعقيبا على ما سبق يتبين للقارئ أن الشيخ أبا محمد يروي عن شيوخه بالسماع منهم وبحفظه والقاعدة عنده. أنه يروي ما سمع سواء بسؤاله هو فيجيبه الشيخ المسوّول أو أنه يسألهُ غيره بخيحفظ الجواب وسواء كانت المسألة التي يسأل عنها من بنات فكره أم أنه يسأل عن أثر من الآثار المكتوية عمن سبقها من العلماءء وأحيانا يقيد ابن بركة ما يشرحه له شيخه من الدروس اليومية في تلك الجلسة أو جلسة لاحقةء وفي بعض الأحيان يكتب جوابا على مسألة فيعرضه على شيخه فيجيزه في الجوابء وقد صرح ابن بركة أيضا أنه قد يروي الجواب بحروفه نصا كما سمعه وقد يرويه بالمعنى بما لا يخرج عن مقتضى الجواب. ۱۳ ويناء على ذلك فإن الشيخ لم يخرج عن مضمون السماع والحفظ ولم يدلس في الروايةء وما أشبه ذلك بسيرة أسلافه من التايعين عن الصحابة عن النيي عليه أفضل الصلاة والسلام. وهذه الطريقة العلمية هي التي أوصلت إلينا الدين خالصاً والأحكام مطابقة لما أخذت منه من الأدلةء وما أشبهها برواية أبى القاسم عبد الله بن القاسم في رواية المدونة عن مالك بن أنس أو رواية محمد بن الحسن وأبى يوسف عن أبي حنيفة في مجال الأحكام الفقهية وكأبي غانم في رواية المدونة عن تلاميذ أبى عبيدةء بل ما أشبهها برواية الحديث بالنص أو بالمعنى عند علماء هذا الفنء أضف إلى ذلك أن أبا مروان كثيرا ما يرفع الرواية بحفظه عن أبي معاوية عزان بن الصقر وأن أبا مالك يرفع الرواية إلى أبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب أو عن أبى محمد عبد وقد يسأل أبا مروان ثم يسأل أبا مالك عن قول أبي مروان في الجواب» وليس عرضه جواب أبي القاسم وأبي مروان على أبي مالك إلا لزيادة التثبتء والظاهر أنه كان أكثر ملازمه لهذا الشيخ من غيره فرفيعة أبى محمد عبد الله بن محمد بن بركة على هذا النحو رفيعة صحيحة رواها العدل الثقة الضابط غير المتهم بوهم أو تدليس عن مئله والثاني يرويها عمن سبقه وهكذا. فرفيعته ثابتة ومقبولة بدليل أن الفقهاء الذين جاءوا بعد أبى محمد أخذوا عنه ونقلوه إلى الأجيال ثابتا ما عدا بعض المسائل اختلف فيها مع الشيخ المجتهد أبى سعيد الكدمي -رحمه الله-ء وهي من المسائل الجائز فيها النظرء وكذلك من جاء بعد أبى سعيد كالشيخ العلامة جاعد بن خمیس أو نور الدين السالمي -رحمهم الله- جميعاء وکٹیرا ما یوید نور الدين بالحجة قول أيى سعيد الكدمي ويقدمه على قول أبى محمد في المسائل المختلف فيها وكل عالم له وجهة نظره في الاستدلال بالنظر إلى الدليل بما يودي به إلى الترجيح. والعالم أحوج إلى نظره في زمانه من الأثر المنقول إِذ كل زمان وله ظروفه في المسائل المتغيرة حسب الظروف والأحوالء ولا تتوقف هذه العجلة في دورانها فقد تستجد في عصرنا أمور تحتاج إلى فهم وإصدار حكم فيها قد يخالف ما جاء في الأثر من أجل المصلحة التي تقتضيها الأحوال فيبتلى بها فقهاء هذا العصر والله يوّتي فضله من يشاء ولله في خلقه شوون. ٤۱ وبعد هذا الاستطراد البسيط أحببت أن آتي ببعض النماذج النصية من الكتاب منها: سألت الإمام سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب - رحمه اللهء وعن الولى إذا واقع الكبيرة من الذنوب ما تكون منزلته؛ قال: يبرا منه ثم يستتاب فإن تاب رجع إلى ولايته وإن أصر على ذنبه تمت عليه البراءةء وقلت راينا به سواء كان الذنب مستحلا له أود اينابه أو محرما لهء قال؟ إذا كان الذنب الذي واقعه مستحلا له أود اينابه فإلا ستتابه له من ذلك الذنب وإنما يكون بالتوقيف فيقف على ذلك الذنبء وقال يقال: استغفر ربك وتب إليه مما قلت من كذا وكذا ومن ذلك الفعل فإذا قال: إني قد تبت منه؛ واستغفر ربه وأظهر الندم على ما كان من فعله قبلت منه توبته ورجعت إليه ولايتهء قال : وأما إن كان الذنب الذي واقعه محرما له فإذا قال استغفر الله من جميع ذنوبي قبل ذلك منه ورجع إلى ولايتهء قلت لم افترق معنى هذا قال لأن الذنب إذا كان مما يحرمه صاحبه على نفسه ويدين بتحريمه في الأصل فقال استغفر الله من جميع ذنوبي فقد دخل ذلك الذنب في التوية منه. وسألت الشيخ أبا مالك - رحمه الله - عن ذلك قال هو كما قال أيو القاسم الا إن محمد بن محبوب كان يقول إذا كان تاب المحرم من ذنبه الذي ارتكبه وهو كبير من الذنوب فإني لا رده إلى ولايته حتى استديمه واستبريه بعد التوبة لأن هذا حديث النية ولا آمن منه الرجوع إلى مثلها فإذا اطمأن قليي به وسكنت نفسي إلى صدقه فيما عاهدنا إليه ولم استرب منه في شئ من أفعاله توليته. قال وغير محمد بن محبوب كان إذا استتابه رده إلى ولايتهء قلت للشيخ أيى مالك -رضي الله عنه- مثل لي صفة المحرم والمستحل قال المجرم هو الذي يشرب نبيذ الجر ويعتقده حراما. المستحل الذي يعتقد تحليله ويدين بأن الله أباحه له وقد أجمع أهل الدعوة على تحريم نبيذ الجرء وما كان من الذنوب على نحو هذه الصفقة. وسألت أبا القاسم - رضي الله عنه - عن رجل له ولاية مع المسلمين أصاب ذنبا من صغاير الذأنوب ما تكون منزلتهء قال أصحابنا في هذا على قولين قال بعضهم: هو على ولايته إلى أن يصرا ويتوب من ذلك الذنب فإن أصر برئ منه فإن تاب فهو على حاله ومنزلته الأولى. وقال آخرون إذا أصاب الذنب الصغير وقع به الوقوف من غير مواقعة له إلى أن يتوب أو يصر فيكون له حكم الولاية والبراءة. وسألت الشيخ أبا مالك -رضي الله عنه- عن ذلك فقال: هو كما قال أبو القاسم؛ قلت: الذين ذهبوا إلى أنه على ولايته ما حجتهم في ذلك؟ قال قول الله -تعالى- : إن تجتنبوا كبائر ما والسيئات دون الكبائر فإذا لم يكن هذا من أهل الكبائر فإن صغائره مغفورة إذا كان تائبا منها وقد ضمن الله غفران الصغائر لمن اجتنب الكبائر. قلت فما حجة الذين أوجبوا الوقوف على من علم ذلك منه؟ قال قالوا إن الاصرار على الذنب الصغير يكون ذنبا كبيرا لأن الوعيد جاء في الاصرار مطلقا على الصغير والكبير. قال : ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون4ء ودخل تحت هذا القول كل ذنب فقال النبي يي «هلك المصرون قدما إلى النار» وإذا كان الذنب عندهم من الاصرار عليه والتوبة منه لزمه الوقوف عندهم إلى أن يتبين لهم حاله. فقلت فما صفة الذنب الصغير وما صفة الذنب الكبير؟ء قال أما الذنب الكبير فقد قال المسلمون ما جاء فيه وعيد في الآخرة أو حد في الدنياء وقال: وقد قال قوم ما قاد أهله إلى النار فهو كييرء قال وأما الصغير من الذنوب فلم يوقف عليه وليس هو إلا أنا نظن أنه ما کان دون الكبائر ولم يبح اللهء -تبارك وتعالى- شيئا من الذنوب بل حرمها وزجر عنها غاية الزجر. قلت فما قصد إليه الإنسان يفعله وتعمد مع علمه بتحريمه وهو ذاكر ذلك قل أو كثر؟ء قال: ليس هو عندي بصغيرء قلت فهل يبراً من غير ولي إذا أصاب ذنبا صغيرا؟ء قال: إذا علم أن ذلك من صغائر الذنوب فلا يلزم فاعله البراءة في حال مواقعته له. ١۱ اللعصيب : تلاحظ من النصوص السايقة ما يلي : ١ ابتداً التقييد في هذه النتصوص بسوؤاله للإمام أبي القاسم وهو أحد شيوخه وقيد اللقب هنا دون الكنية والظاهر أن سؤاله للإمام بعد أن تولى الإمامةء ومن المعلوم أنه تولى الإمامة عام ٠ه ثم بعد ذلك قام بعرض جواب الإمام على شيخه الأكبر أبي مالك -رحمه الله تعالى-. وفي هذا رد على ما كتبه يعض الباحثين عن ابن بركة أن أبا مالك توفي قبل تولي الاإمام سعيد بن عبد الله الحكم معللا ذلك إنه لم يكن حضر بيعته ولم يذكر عنه شيئ في ذلك كما أنه استنتج ذلك من عرض ابن بركة جواب أبي القاسم على أبي مالك؛ ولكن ذلك لا يدل بالنص على ما قال وإنما هو مجرد استنتاج من الوقائع يدحضها قول ابن بركة نفسه «سألت الإمام سعيد...ألخ». اللهم إلا أن يقال: إن سؤاله كان قبل تولى أبي القاسم الإمامة وعرضه كان قبل ذلك أيضا بحكم الملازمة ثم قيد الشيخ المسألة بعد ذلك لكن ما الذي يمنع من أن يكون قد سأل الإمام حال وجوده في نزوى ثم عرض الجواب على شيخه حين التقى به وذلك لأنه لا يعرف تاريخ محدد لوفاة أبي مالك. ۲- يستفاد من سوال شيخ من شيوخه وعرضه الجواب على الاخر شدة حرص ابن بركة على التثبت والتعرف على صحة الجواب مما يدلنا على الاطمئنان واليقين مما روى أيو محمد. ونحب أن ننقل هنا بعض النصوص . سألت أبا القاسم عن الإمام إذا ركب كبيرة من الذنوب مما ليس فيه من يلزمه ما يكون منزلته؟ قال: اختلف المسلمون في ذلك فقال بعضهم برئ منه ثم يستتاب من ذنبه فإن تاب رجع إلى ولايته وإمامته وإن أصر برئ منه وحورب إلى أن يعتزل من الإمامة أو تفنى روحه. وقال أخرون ليس الإمام بمنزلة الرعية ويستتاب قبل البراءة فإإن تاب وإلا برئ منه واتخلعت إمامتهء وسألت الشيخ أبا مالك فقال كما قال أبو القاسم. ۱۷ قال وإذا كان ذنب الإمام مما يلزمه حد من حدود الله انخلعت إمامته في حال مواقعته له وأقام المسلمون إماما غيره يقيم عليه الحد فْإذا أقام الإمام عليه الحد فتاب بعد ذلك فتويته مقبوله ولا يرجع إلى إمامته وقد ثبت الإمام الأخير وإن كان الذنب كبيرا ولم يكن شاهرا ولم تعلم الرعية وإنما علمه الخاص من المسلمين استتيب سرا ولم يظهر ذنبه ولا توبتهء وإن كان ذنبه شاهرا وقد استوى فيه الخاص والعام وعلموه كانت توبته ظاهرة, فإذا تاب قبلت توبته وهو على إمامته وولايتهء وإذا أصر وامتنع عن التوية برئ منه وحورب على ما يدعيه من إمامته أو تفنى روحهۀ. وسألت أيا القاسم عن الولاية والبراءة كم من وجه تعرف فقال من وجوه أربعةء قلت وما هذه الوجوه؟. قال أحدها الشهرة التي لا يكذب مثلها والشاهدين على الفعل . والمشاهدة للفعل المحرم من فاعله . والاقرار بالفعل الذي به تكون البراءة فهذه أربعة وجوه بها حكم البراءةء قلت الولاية من كم وجه تعرف؟ قال من وجوه ارد أحدها. الشهرة بالقول والفعل أو شهرة الولاية من السلمين أو شاهدي عدل من المسلمين وبالمشاهدة للفعل والقول وبالرفيعة وهو العدل الواحد من المسلمين بعدالة من يرفعه وفي الرفيعة الرخصة إن شاء تولى وإن شاء وقف عمن رفعت إليه وهذه وجوه أربعة. قال أبو مالك -رضى الله عنه-ء نعم كذلك أقول إلا أن يعض أهل خراسان من أصحابنا فانهم قالوا إن ولاة الإمام العد تجب لهم الولاية على رعية الإمام بولاية الإمام لهم والإمام لا يستعمل الا من كان وليا له؟ قال: لاء فإن بيننا أمرا تجب به البراءة منه قولى منه عليه وأما أصحابنا من أهل عمان لا يتولون ولاة الامام باستعمال الامام لهم إلا إن الإمام لا يستعمل إلا أولياءه وقالوا: لا يتولون إلا من يعرفونه أو يرفع لهم ولايته وأما على العمل فلا. ۱۱۸ اللععيب : أولا: نلاحظ من هذا النص سعة اطلاعه على فقه أهل خراسان من الأصحاب الذين كان يجمعهم القاسم المشترك في البصرة ومنهم الذين ذكروا في المدونة الكبرى من تلاميذ الإمام أيى عبيدة كأبي منصور حاتم بن منصور وأبي عيسى وأبي غانم وغيرهم وتلاميذهم هم الذين جاءوا بعدهم وهذا القول الذي قاله أهل خراسان من ولاية ولاة الإمام بولاية الإمام هو الذي أخذ به أهل المغرب والمتأخرون من اهل عمان لأن الإمام العدل لا يولي إلا التقاة وأما الأقدمون من آهل عمان قلم يرتضوا هذا القولء قال الامام نور الدين السالمي في اللامية التي نظم فيها عقيدة عمرو بن جميع المغربي: وكن موال إمام المسلمين ومن حوته طاعته إلا الذي انخذلا ثانيا: وفي ص ٢۳۲ جاء ما نصه: قلت فأي القولين تذهب إليه وتختارهء قال: هذا الأخير. ففي هذا النص يظهر حرص ابن بركة على معرفة الصحيح من الأقوال الذي يذهب إليه أبو مالك ليتوقف عندهء ولا يغيب عن ذهنه معرفة الأرجح من الأقوال بالدليل. ثالثا: سألت أبا مروان سليمان بن محمد بن حبيب -أيده الله- عن رجل يخالف المسلمين في دينهم ويضللهم مع ذلك ويسفه أحلامهم ما يلزمه مع المسلمين؟ قال: أما أبو الموّثر: فيوجب عليه القتلء قال: ويوجد عن أبي زياد أنه قال: يستتاب فإن تاب وإلا قتلء وسألت أبا مالك عن ذلك فقال: الذي رواه أبو مروان عن أبي الموّثر وأبي زياد صحيح. قلت فما تقول أنت؟ قال: أنا أقول بقول أيى عبد الله محمد بن محيوب -رحمه الله-ء أنه يودب الأدب الوجيع ويحبس ويبالغ في النکال منه ص ٢٦۳۲۷-۳۲. فالسوّال هنا لشيخه الثالث أبى مروان الذي هو من تلاميذ الشيخين أيبي محمد عبد الله بن محمد بن محبوب وأبى المنذر بشير بن محمد بن محبوب رحمهم الله وقد نقل ايو مروان عنهما أراءهم في عدة مسائل في الكتاب وجاء ذکره أيضا في الآثار الأخرى المأثورة عن غير ابن بركة المحتفى به ويستفاد من النص اطلاع أبي مالك على أثار من سبقه من الشيوخ أمثال أبي زياد وأبي المؤثر وأبي علي موسى بن علي وأبي عبد الله بن محمد بن محبوب وغيرهمء كما يستفاد حرص ابن بركة على عرض ما يطلع عليه من الأثر على شيخه أبي مالك ليعرف صحة النقل من عدمها. ۱۱۹ رایعاً : سألت ابا مروان سلیمان بن محمد بن حبيب - رحمه الله - عن رجل حلف على الحق لغيره عند الحاكم اقتطعه بيمينه كاذبا في ذلك ثم أراد التوية ما يلزمه؟ قال: عليه رد الحق مع التوبة وعليه كفارة يمين مرسلةء قلت: يوجد عن بعض الفقهاء في الآثار أن عليه كفارة يمين مغلظةء قال بلى: إلا إني حفظت هذا عن عبد الله بن محمد بن محبوب - رحمه الله - وسألته عن كفارة الايمان كيف تدفع إلى المساكين؟ وما صفة المساكين؟ قال: إن المساكين الذين يستحفون كفارة الأيمان دون غيرهم عن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة هم فقراء أهل الذمة وأن آهل الإسلام لا يجب أن يدفع إليهم منها شئ لقول الله -عز وجل- «وضربت عليهم الذلة والمسكنة». وأما قول غيره من الفقهاء من اشتدت حاجتهم وفاقتهم من الققراءء والمسكين بهذه الصغة من الفقر فجايز. ص ١١٤-١٤ من المخطوطة. في النص السابق تصريح من أبى مروان بسماعه وحفظه من شيخه عبد الله بن محمد بن محبوب - رحمه الله - وفي النص الثاني تصريح كذلك باطلاعه على أثار السلف الصالح من هذه الأمة كأبي عبيدة مسلم ولكنه جاء في نص آخر .. أنه لا يعجبه قول أيى عبيدة حيث قال: ولسنا نأخذ بقول أيي عبيدة في هذا. مما يدل أنه يدور مع الدليل حيث دارء ولا يعجبه التقليد بلا دليل: فلا ضير عنده يمخالفة الأثر مع وجود النص. خامسا: وسألته (يعنى أيا مالك) عمن جهل الربا فلم يعرفه من جملة البيع المياح هل له أن يشتري ويبيع؟ قال: الواجب عليه أن يشتري إلا ما يعلم أنه مياحء فإن الله -تبارك وتعالى- قد أذن في إجازته لهم قلت فإن اشترى فوافق المباح من البيوع بغير علم ما حاله؟ قال: يكون آثما. قلت أليس قد سلم من الريا ووافق المباح؟ قال: أقول إنه آثم بارتكابه ما لا يعلم أنه مباح مع علمه ما عليه يأن مثله قد يكون محظورا عليه قلت: فإن وافق الربا على غير علم ولا قصد منه له؟ قال: یکون هالکاء قلت لم ألزمته الهلاك مع جهله بما أصاب إن كان محظورا في الأصل عليه؟ قال جهله لا عذر له به. وقد قال الله -تبارك وتعالى- لين ضل سعيهم في المياة الدنيا وه يحسبون أنهم يحسنون صنعاه"' وقوله وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون وإذا قيل لهم أمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤّمن (١) آية ١٠٠ من سورة الكهف . كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون¶"" ونحو هذا من الآي التي في القرآن مما ذم الله تبارك وتعالى به قوما على أفعال جهلوها ولم يقصدوا إليها إلا على وجه التقرب إليه يهاء فلما كان هذا الراكب لما يعلم أنه مباحء وكان في الأصل محظورا متعبدا من جمله ما أو به مالم يكن له عذر باصابته لذلك وان جهلهء وأخبرني أيو يحيى عبد العزيز بن خالد نحوا من هذا عن محمد بن مهزم أنه قال له أبو المنذر بشير بن محمد بن محبوب - رحمه الله - لا تعمل بقدومك حتى تتعلم ما لا يسعك جهله. يظهر من هذا النص شدة أبى مالك في الاقدام على الأمور المباحة بأن لا يكون إلا يعلم مالا يسع جهله من الحلال والحرام ولو على وجه العمومء فإن الربا مثلا من جملة ما لا يعلم من الدين بالضرورة ولا يسع جهله في بلاد المسلمين وإن كان مما يعلم بالسماع إلا أن العلم بحرمته في حكم المشهور, أما الأحوال التي يكون فيها الربا فذلك أمر آخر. وقد شدد أيو مالك النكير على من أقدم على فعل الحرام ظانا أنه حلال مستدلا بالآيات الكريمة الدالة على حرمة الاقدام على العمل بغير علمء مع العلم بأن الجهل بالمحرم واسع ما لم يفعله المكلف فإذا فعله هلك وفي هذا المعنى يقول - رحمه الله - نور الدين السالمي العلامة ما نصه في أنوار العقول: أما الإمام أبو سعيد الكدمي - رحمه الله - فيقول: إن وافق حلالاً مع كونه ارتكب ما لا يعلم وواسع جهلك بالمحرم جميعه مالم عليهەتقدم كالدم والميتة والختزير إن قائم العين وكالخمور وكالنذي ينذبح للأوثان في أي ماكان من المكان وذا لدى المضطر قد أيبيحا والخلف في الخمرأتى صريحا والجهل بالأنساب أي تحريمها فواسع لجاهلي علومها ماتركوا ارتكابيها وضاق إن ارتكبوها جهلهم بها استبن ..ألخ. وحرم ارتكاب مالايعلم ومن يكن موافقالم يأئثم ١) الآيتان ١٠٠۲٠ من سورة البقرة ١۱۲ إلا إذا قصد الحرام فوافق الحلال فقد هلك بقصده. سادساً : عندما يرجع الأمر إلى القياس يقدم أبو مالك الأثر عند الفقهاء ويحاوره أين بركة بالقياس أو الدليل والمثال على ذلك: وسألت الشيخ أبا مالك - رحمه الله - عن مس الميتة رطبة أو يايسة يعاد منها الطهارة إذا مسها إنسان متطهر للصلاة؟ قال: نعمء قلت: أليس اليابس لا يعلق اليابس إذا لاقاه؟ قال: بلىء قلت: لم أوجبت على المتطهر للصلاة إعادة الصلاة بمس الميتة وهي جافة ويده جافة؟ قال: جاء الأثر بذلك ووجدت فقهاء أصحاينا على هذا القول والعمل به ولذلك وجب ترك القياس على اتباع الأثر. قلت: أليس قيل في مس الميت الولى أنه لا ينقض الوضوء؟ قال: قد قيل بهذا وليس عليه العمل. قال: وسألت أبا محمد عبد الله بن محمد ين محبوب - رحمه الله - عن مس الميت الوليء هل ينقض الطهارة؟ قال: نعمء قلت: الولي وغيره عندك سواء؟ قال: هو میت ولو کان وليا. فتراه قدم الأثر هنا على القياس وكأنه لم يصحح الخبر الدال على أن الميت لا ينجس حيا ولا ميتا. سابعا : وكما نقلت سابقا أنه يخالف أبا عبيدة - رحمه الله - في تفسير المساكين بأنهم أهل الذمة يخالف الربيع بن حبيب - رحمه الله - أيضا تبعا لشيخه أبى مالك. «قلت فما قولك فيما قال الربيع بن حبيب فيمن عزل زكاة زرعه فلم يدفعها إلى الفقراء حتى جاءت نار فأحرقتها أو سيل حملها أنه لا ضمان عليه في ذلك؟ قال: هذا قول الربيع فيما نقل إلينا عنه ولسنا نأخذ به والعدل عندنا خلافه لأن الواجبات لا تزول عن أهلها إلا بالخروج إليهم منهاء كما أن الفرائض لا تسقط عمن لزمته إلا بقضائها». وأيضا فإن الفقراء شركاء لأرباب الأموال بمقدار الزكاة التي تجب عليهم والشريك لا تخلص له شركته إلا أن يصل إلى شريكه حصته ثم يصح له الملك فيما في يده ويجوز له التصرف كسائر الأموال الخالصة. فمرتكز الخلاف للربيع على نقطتين: \ ۳۲ الأولى: أنه لم يخرج عن العهدة وذمته مشغولة بالزكاة حتى يخرج منها بيقين كالفرائض. والثانية : أنه يعتبر الزكاة شريكا في المال لا في الذمة. أما قول الربيع: فمبني على القول بأنها حق في الذمة لا في المال وطالما أنه أخرجها فجاءها أما نص خلاف أبى مالك لأبي عبيدة فكما يلي: « قلت فما تقول في رجل دفع زكاة الفطرة إلى مساكين أهل الذمةء قال: لا يجزيه إلا بأن لا يجد فقراء المسلمين». « قلت أليس من قولك عن عییده: أن كفارة الأيمان الذمةء وهي لهم دون فقراء وأنهم عندهم المساكين الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة؟». نأخذ به لعدم الدليل على صحته. والواقع أنه هنا خالف الإمام أبا عبيدة لعدم وجود ما يدل على صحة قولهء فالمرجع إلى الأصل وهو أن المقصود في المساكين هم من المسلمين لا من أهل الذمة. أما أسلوب الكتاب فهو سهل العبارة قوي التركيب سلس المعاني ليس فيه غموض ولا تعقيد. يميل في عبارته إلى الأسلوب التعليمي لأجل المناقشات التي تدور في ثناياه. لكن الكتاب يخلو من المنهجية في التبويب حاله حال الموّلفات القديمة في ذلك الزمنء وليس هو الوحيد من موّلفات اين بركةء فإننا إذا نظرنا إلى كتابه الجامع مثلا وجدناه مثل ذلك. وأما أهمية الكتاب العلمية: فهو كتاب مهم جدا وذلك لسببين: أولا : لأنه استقى مادته العلمية من المصادر العلمية الموثوقة فهو يروي كتابه عن شيوخه بالمصشافهة والحفظ سواء كان ذلك باللفظ أم بالمعنى وشيوخه يروون هذا العلم عمن سبقهم وهكذا فالمادة العلمية التي فيه نابعة من مصادرها الأولى. \ ۲۳ وعلى سبيل المثال لا الحصر: أنظر ما قرره الامام نور الدين السالمي في المسائل التي جاءت في «أولا» من هذه التصوص كما يلي: ١- 2 مرتكب الكبيرة إذا كان وليا: وراكب الكبير توبه فإن أبى إلى الله بيغضه فدن وقد اعتمد في ذلك على قول أبى القاسم وأبي مالك وابن محبوب - رحمهم الله -. ٢- ك توبة الحرم والمستحل: ومجمل توبية من يحرم والمستحل عكس هذايلزم ومن أتى شيئا على التحريم لم يجزه التوب بلا تغريم وإن يكن أتاه باستحلال بعكسه في أعدل الأقوال وإن يکن في يده ماقد كسب عليه أن يرده لمن سلب وحكمه محرم حين فعل حتى يصح أنه قد استحل ۳- و الإتيان للصغائر من الذنوب أو الاصرار عليها قال: والخلف في الاصرار للصغير هل إذا مضى ولم يتب من العمل أو أن يكن أتاه باستخفقفاف والثاني عندهم بلا خلاف والخلف في الولى إن أثاه فيعضهم في حکمه رآه ولم يتويه ويعض ذهبا إلى الوقوف قبل أن يتوبا وبعضهم أحسن ظنه به ويذا استتابه من ذنبه وهكذا في بقية المسائلء فقد اعتمد فقهاء عمان قاطبة على مرویات ابی محمد عن شیوخه ولولاه ما عرفنا عن أكثرهم شيئا فجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاءء كما اعتمدوا على غيره من والقارئ للفقه أو الأصول المأثورين عن علماء الأولين يجد فيها المتانة والرصانة في الأسلوبء لاعتمادها على التمحيص وسلامة اللفظ من الغموضء بجانب ما تعتمد عليه من أدلة التشريع الأصلية وهى كتاب الله وسنة رسوله يي واجماع المسلمين من هذه الأمةء ولا يلجاً الفقهاء إلى القياس أو الرأي إلا في أضيق الأحوال وذلك عندما لم يكن في المسألة نص من هذه الأدلة الشرعية. فالكتاب حري بالإخراج بعد تحقيقه والتعليق عليه لتعم فائدته جميع طلاب العلم الذين يبحثون عن كنوز التراث. والله ولي التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحيهةه وسلم. e ٥۲ \ المداخحلات حول ما جاء عن ابن بركة : بالنسبة لاختلاف التسميات بين التقييد والتقييدات عندما ذكر الواقعي كتب التقيدات نفس ما أشار اليه الباحث الكريم أن هناك تعبييرا عن أبي القاسم الإمام سعيد بن عبد الله وهناك تقييد عن اين مالك وهناك تقييد أبي مروان إلى غير ذلك فهذه طبعا تقييدات جاءت بالاختلاف في التسميات . بالرغم أن الباحث يوحي بأن الإمام سعيد بن عبد الله هو استاذ الإمام « اين بركة » ولكنه من خلال التحقيق عرفنا أنه من أكبر زملائه من الذين تتلمذوا على يد أبي مالك وغيرهء ولا غرو أن ينقل الزميل الصغير عن الزميل الكبير فكل شيخ له تلامذة من طبقات الصغار وطبقات الكبار كما هو معروف لتلاميذ الامام جاير وتلاميذ أبي عبيدة : وهناك طبقات أيي ربيعة طبقة صغرى وطبقات أبي المورج وابن عبد العلي الطبقة الصغرى وأحيانا يحصل شيء من التشاد بين الطبقتين لان الطبقة الصغرى قد تحسد الطبقة الكبرى فيحصل شيء من التشاد أو غير ذلك. ذكر الباحث إن الإمام ابن يركة صاحب مدرسة والشيخ سليمان بن عثمان هو أيرز قراء غسان بن عبد اللهء مشيرا ( المداخل) في هذه المقولة لانه كان متأخرا وذلك في القرن الخامس الهجري وهي مدرسة الحسن بن أحمد هذا ما أردت أن أطرحه في هذه المداخلة . ۹١۱۲ EEE El IEEE EEE E فضايا دلاليه ب كتاب الجامع لابن بركه البهلوي EEE al EEA AAA AAA OIA نتقاط البيحث : ١- المنهج العام فى كتاب الجامع . ٢ الدلالة فى كتاب الجامع . - ا ساسيات فهم النص القراني . - اساسيات فهم معنى الكلمة . - النظرة الحسية لمعنى الكلمة . \ ۲۷ بسع الله (الرحين لالرحيع الحمد لله رب العالمين ٠ والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحيه اجمعين . ويعد . إنها لسنة حسنة أن نذكر علماء وشيوخنا ء ونحتفي بهم إحتفاء لائقا بهم وبمكانتهم العلمية. وذلك من خلال مدارسة أفكارهم ومحاولة الإفادة منها فى واقعنا الحاضر . مع محاوله ونحن نحتفي هذه المرة بعالم جليل وشيخ واسع العلم والمعرفة . من خلال موؤلفه الشهير «الجامع» الذى كان يشير إليه بعض المؤّلفين باسم «الكتاب» قياسا على كتاب سيبويه فى النحو تعظيما وتشريفا . وهذا الموّلف يستحق هذا التشريف وهذا التكريم لأنه يرضي الخاصة بحسب هدفه كما يقول موّلفه تعليقا على خبر ساقه وهذا خبر له تأويل وشرح طويل ولن يخفي على خواص أصحابنا - إن شاء الله - لان الكتاب لهم جمعناه . وإياهم قصدنا به , لأنه المرجوع إليهم ٠ والمعول عليهم» . ٠/۸٠۲ كما يفيد العامة بسبب ما يحتويه من مسائل فى الأصول ٠ والعبادات والأحكام وقضايا الدين والدنيا . فهو يبدا مقدمته التى تستغرق صفحة) يعالج فيها قضايا . الأخبار . والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والرد على من يدعي الزيادة والنقصان في القران ٠ وتكرير القصص والألفاظ فى القرآن » وكيفية الخطاب فى القرآن والاضمار والكناية والخاص والعام: والزنا ٠ والدعاء لله » وشرح بعض أيات القران . ثم ينتقل إلى باب الصلاة ٠ فيبداً بالوضوء وأحكامهء والتيمم . وغسل الميت ٠ وما ينقض الطهارة . والنجاسات . والصلاة على الجنازة . والصلاة على القبر , ثم الآذان وأحكامه , ثم الصلاة وأحكامها من الفروض والسنة ٠ وصلاة الجمعة وصلاة السفر ء وصلاة الوترء وصلاة العيدين . .. إلخ . \Y۸ ثم ينتقل إلى باب الزكاة وأحكامها ء فيعرض لزكاة الفائدة وأحكامها . وما يتفرع عنها من مسائل ثم ينتقل إلى الصيام ٠ ومسائله وأحكامه » ويعرض لزكاة الفطر ء والإعتكاف . ثم ينتقل إلى باب الحج وأحكامه من فرائض وسنن . وبعد ذلك ينتقل إلى مسائل إيمانية . كبيان حقيقة الإيمان ء وكفارة الظهار والإيمان . والصيام والنذور. ثم ينتقل بعد ذلك إلى باب النكاحء وأحكامه .ومن لا يجد سبيلا إلى الزواج وكثيرا من المسائل المتعلقة به . ثم ينتقل إلى الطلاق وأحكامه ومسائل البيع والشراء . ثم باب الجهاد وأحكامه وما يتعلق به كالغنائم والقصاص والقور والديات ثم يعرض لباب ما يتعلق بالكلام » والحدود والأشربة والوصايا .... إلخ . والكتاب بهذا يعد كنزا لا غنى عنه لأي مكتبة خاصة كانت أو عامة ء حتى يتعرف الإنسان على أحكام دينه » ويعبد الله كما ينبغي أن تكون العبادة دون إخلال أو تفريط . وقد جاء منهج الكتاب واضحا منذ البداية فهو يعتمد الأسس التالية : ١ يبداً المسألة أو القضية التي هو بصددها . بأسلوب خبرى تقريرى كما في حديثه عن صلاة السكران يقول «ولا تجوز صلاة السكران › ولا المغلوب على عقله , لأن الفرض لا يجوز إلا بنية » ومن لم يقل بوجوب الفرض ء لم يجز فعله لأنه لم يعد إلى تأدية ما أمر به . وليس السكر بمسقط عنه فرض الصلاة التي خوطب بها فى وقتها» ١/٤٤٠ فقد عرض هنا للقضية بأسلوب خبری . وقد يعرض لها تجسد الآيات القرآنية, أو الأحاديث النبوية التى تشير إليها كما فى حديثه عن الصلاة بالسترة إذا كانت من شعر الميتة وصوفها ووبرها . لقول الله عر وجل $ ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً . ومتاعاً لكم إلى حين : وقول النبي - ي - في شاة مولاة لميمون إنما «حرم أكلها» ۳۹۲/۱. ۲- يقدم الآراء المتصلة بهذه القضية أو المسآلة ء التى يتفق معإلاوالتى لا يتفق معها ويمكن الإاستدلال على ذلك بقوله فى القياس وجواز إستخدامه يقول «لخقلفِ الناس في القياس على ED ١) النحل أية : ۸° . أربعة أضرب . فذهب بعضهم على إثباته فى التوحيد والأحكام جميعا وذهب آخرون إلى إثباته فى التوحيد ء ونفيه فى الاحكام وذهب آخرون إلى إثباته فى الحكم ونفيه فى التوحيد › وذهب آخرون إلى نفيه فى الحالين» ١/١٠٥٠ فهو يستقصى الآراء حول القضية مما ينم عن سعة إطلاع. وشمول إحاطة بما قيل فى القضية ء ويمكن أن ينسحب ذلك على قضايا كثيرة فى ثنايا يعد عرض الآراء واستقصائها لا يعدم أن يناقشها ويقدم هو رأيه الخاص به ء كأن يقول «والنظر يوجب» ١/٤٤ ء أو : «والنظر يوجب عندى» ١/ 9٤ء ۸۸ء۹۷ ء «والمحكم عندنا والله أعلم» ١/٠ و«إنى لأعجب ممن يقبل من المسلمين قول من يزعم والذي عليه جل فقهاء أصحابنا» ١/١٠ و «قد نظرنا فإذا هى» ١/١۱۲ و «عندي أنه يجب إذا» ۱۲۹/۱۰۱۲۹ أو «ولسنا لذهب الى ذلك» ٠١/٠۷ والأمثلة كثيرة ويمكن أن نستدل بقوله :«إذا کان عند رجل ماء واجتنب رجل » وطهرت امرأة من حيضهاء ومات إنسان كان بعض أصحابنا يذهب إلى أنه يجود به على من يشاء منهم . والنظر عندى يوجب أن يغسل به الميت ء أو يدفعه إلى من يغسل . لأن النبى َيه - قال «أغسلوا أمواتكم» وهو داخل فى الفرض بالامر ء ولم يخاطب فى الجنب والحائض .. » ۱ . ويقدم رأيه إما على جهة القطع - كما سبق - أو على جهة الشك كما فى قوله «وقد وجدت محمد بن جعفر يذكر فى الجامع أن من خاف موت الجنازة فى الحضرء ولم يكن الماء بحضرته » وهو محدث أنه يتيمم ويصلي ء والله أعلم ما وجه هذا القول ء ونحن نطلب الحجه لهذا القول الذى ذكره إن كان قولا من أقول أصحاينا -رضى الله عنهم » ١/۲۷۷ . ٤ يعتمد القياس فى صياغة الحكم فى قضية أو مسألة ويمكن أن نستدل على ذلك يقوله فيالتسليم على المصلي ٠ ورده السلام يقول : «روى عنه - يَيْأٍ - من طريق عبد الله بن عمر «أن رجلا مر به َة - وهو يريد البول ء أو فى حال أمر البول ء فسلم عليه . 4 فلم يرد عليه السلام . فينبغى لمن رغب فى الإقتداء برسول الله - ية - فى آدابه ألا يسلم على أحد وهی مشتغل يبول أو غائط ء ولا يرد البائل أيضا السلام .. وكذلك قالوا فى المصلي إذا سلم عليه الداخل إليه , أن عليه أن يرد عليه السلام إذا فرغ من صلاته ٠/۹٠۲ . فقد قاس المصلي على البائل فى الإنشغال عن u BO YEV YEW YEY CYAN AWC NN NPV NYA NW. ‏١) أنظر ج‎ رد السلام حتى يفرغ مما هو فيه . وأمثلة القياس كثيرة فى ثنايا الكتاب . ٥ يعلل لرأيه بطريقة مقنعة , مما ينم عن إلمامه بالآراء الأخرى وقدرته على التدقيق فيها مما يجعله أميل لرأي منهاء أو لرأي جديد » معتمدا على الحجة والبرهان ويمكن أن نستدل على ذلك بقوله : «إن الإنسان لو أصيح واشتغل عن الأكل والشرب والمنكح ء حتى غربت الشمس يستحق اسم صائم ولا يسمي مطيعا . لأنه معرّى عن الإمساك مع النية . وما أتاه فهو صورة الصوم ء ولو تقدم هذا اللإمساك بنية من الليل لسُمى مطيعا واستحق اسم صائم» ٠/٠٠٦۲ . ١ يعرض لكثير من مسائله عن طريق المحاجة ء. أى من خلال القول : «فإن قال قائل» ويصوع الرد بقوله :«قيل له» ويمكن أن نستشهد على هذا بحديٹه تحت مسألة إنكار المنكرات يقول: « فإن قال قائل : أليس الله تبارك وتعالى - قد ذم قوما تركوا الإنكار على أهل السبت . ومدح قوما أنكروا عليهم؟ فقال وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم . أو معذبهم عذاباً شديداً . قالوا معذرة إلى ربكم ٠ ولعلهم 4% . قيل له : أولئك تركوا النهي مع الرجاءء والدليل على ذلك قوله تعالى فيما أخبر عنهم أنهم قالوا: ‏ معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ¶ . فإن قال : أليس قد أنجى الناهي ء وعذب القاعدين ؟ قيل له : بل عذب الذين امتنعوا من القبول بقوله -تعالى -: $ وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون 4". فإن قال : أيجوز للموّمن أن يجالس أهل المنكر والسفه وهم يخوضون فى منكرهم وباطلهم؟ قيل له : لا يجوز ذلك . ١) الآية :١٤١٠ من سورة الأعراف . ۲) الآية ١٤٠ من سورة الأعراف . قيل له : بل يجب عليه الإعراض عنهم إلى أن يتركوا ذلك . فإن قال : فلم نهيتم الموّمن عن مجالسة الظالمين وأهل السفه فى حال متكرهم وخوضهم وياطلهم . قيل له : إن الله عر وجل قد نهى نبيه ‏ - عن مجالسهم بقوله -عرٌ وجل- وإذا رایت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتی يخوضوا فی حدیث غڅیره وإما ينسينّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين . وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ % بعد الإنتكار عليهم . والموعظة لهم .... ١/٠۱۸۱-۱۸ وانظر ما بعدها حتى ص ١۱۸ . وهذه طريقة فى العرض يستوفى الشيخ من خلالها كل التساؤّلات المحتملة فى آيّة قضية من القضايا . ويعرضها ء ويرد عليها على هذا النحو السلس الدقيق . ۷ يستخدم الاحالات ء وهذا يعنى أن خطة الكتاب واضحة فى ذهنه وضوحا شديدا ويعرق أين يقول هذا الكلام أو ذلك ٠ ومتى يعرض لهذه القضية أو تلك ٠ وكثيرا ما يشير إذا ورد ذكر لقضية من القضايا إلى أنه سيعرض لها فيما يأتى . ويمكن أن نستشهد على ذلك بقوله «فليس يخلو كلام العرب من فائدة ء فلمًا ذكر الطهر ثم ذكر التطهر علمنا أنه قد أفادناء وجعل لكل واحد منهما حكما ء وقد قال بعض أصحابنا بغير هذا التأويل ونحن نذكره بعد هذا الموضع إن شاء الله» ١/۲٢۲ . القضايا الدلالية فى كتاب الجامع : اللغة كيان معقد غاية فى التعقيد . يقوم على أصوات تتألف منها المقاطع التى تولف الكلمات التى بدورها تدخل عناصر بناء في الجملة . وكل دراسة للغة على أي من هذه المستويات «لايد أن يكون موضوعها الأول والأخير هو المعنى وكيفية ارتباطه بأشكال التعبير المختلفة . فالارتباط بين الشكل والوظيفة هو اللغة . وهو العرف . وهو صلة المبنى بالمعنى» اللغة العربية معناها ومیناها ص ۹. ١) الانعام الايتان : 14٦-1۹ . ۱۳۲ والنظرة الأولى فى كتاب الجامع لابن بركة تظهر لنا اهتماما كبيرا باللغة إلى جانب الإهتمام بالمسائل الفقهية , وقد ظهر هذا الإهتمام بصورة أوضح بالقضايا الدلالية . ويمكن رسم ملامح صورة هذا الإهتمام من خلال القضايا الأساسية التالية : - أساسيات فهم النص القرآنى . - أساسيات فهم معنى الكلمة . - علاقة الكلمة بغيرها من الكلمات . او ٹا : اساسيات فهم التنص : لقد أحتلت هذه القضية مكانا بارزا فى كتاب الجامع ء لدرجة أن أفرد الموّلف أبوابا خاصة فی مقدمته لعلاج هده القضية منها «المحكم والمتشابه» ‘ و«الاضمار والكنايهة «والتكریر» ومنها ما يمكن أن يلمح من خلال مناقشته للقضايا الفعقهية . ومسائل الفقه . «كالسياق» . «والحقيقه والمجان» «والإناية» . وستعرض لهذه القضايا على النحو التالى : - السياق - احكم والمتشايه . - اللاضمار والكناية . - اللكرير. - الإنابة . ١ السيان : إذا كان السياق هو الذي يفرض قيمة واحدة بعينها بالرغم من المعانى الواسعة التى تدل عليها «-كما يقول فيرث - فقد كانت هذه القضية نصب عينيه عند تناوله للنص القرآنى لإستنباط الأحكام منه . فهو يقول «من لم يعرف موضع الخطاب ء لم يعرف فائدة الكلام». لأن ۱۳۳ السياق يمدنا غالبا بمقدمة ء أوصفة ء أو إيماء , أو إشارة , أو دلالة يقع فيها بيان المراد» ويطبق ذلك على الجملة القائلة . لفلان يد فيقول : أحتمل : اليد الجارحة , أو المنة والنعمة , أو التصرف فى الملك لكنه إذا قال : كتب هذا الكتاب بيده : دل على الجارحة لفلان عن يد بيضاء دل على المنّة والنعمة هذه الدار في يد فلان دلت على التصرف والملك ونجد هذه النظرة سائدة فی کثیر من واب الکتاب ومسائله . احكم والمتشايه : يرى الشيخ أن من أساسيات فهم النص القرآنى معرفة المحكم فيه والمتشابه . ويعرفهما بأن المحكم هو: «ما كان حكمه معلقاً بظاهره ولا يحتمل وجهين مختلفين» كما فى قوله تعالى: لم يلد ولم يولد 4 . أما المتشابه فهو: «ما لا يعلم المراد به فى ظاهر تأويله» كما فى قوله تعالى: إن كانت إلا صيحة واحدة 4 . ويطرح هذا التساؤّل لماذا جاء فى القرآن المتشابه ولم يأت محكما مع قدرة الله على ذلك . ويرد الشيخ «لو كان القرآن كله محكما لا يحتمل التأويلء ولايمكن الإختلاف فيه لسقطت المحنة ء وتبلدت العقول . ويطل التفاضل والإجتهاد فى السبق إلى الفضل. واستوت منازل العباد» ١/٦٥۷-0٥٠ . فقد وجد هذا المتشابه لتعمل العقول وتتدبر ء فتصل إلى ما وفقها الله الوصول إليه . ۳ اللإضمار والكناية : فالإضمار هو: «تقليل الكلام من غير اخلال بالمعنى كما فى قوله تعالى : $ واسأل القرية الدى کنا فيها والعير أي أهل القريه وآهل العير . ويضرب الشيخ أمثلة على ذلك بقوله تعالى: حَرْمت عليكم أمهاتكم 4 أى تزوج امهاتكم. ٤۳\ أما الكناية «فهى اللفظ الدال على الشئ على غير الوضع الحقيقى» كاللمس للجماع . وقد مثل الشيخ للمعانى التي يتم التعبير عنها بألفاظ أخرى بالغائط , أو العذرة ‏ او النجو وهذه الأمثلة تدخل فى إطار المحظورات اللغوية وهى الموضوعات التي لا يستحب الحديث فيها ونشاً إهتمام الشيخ بهذه الموضوعات على أساس أنها تبنى عليها أحكام كما فى كلمة «لامس» فی أو لامستم 4 هل هذا اللمس ينقض الطهارة أو لا ينقضها فإذا كان اللمس بمعناه الحقيقى , فهو لا ينقض الطهارة . وإذا كان بمعنى الجماع فهو ينقض الطهارة . ٤ - اللكرير : وهو تكرار فى الكلام ء باللفظ ء أو بالمعنى كما فى ل فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر سرا وکما فی أم يحسبون أنا لا تسمع سرهم ونجواهم 4 وهو یأتی فی الكلام «توکیدا له. وتشييدا من أمره وإنما يفعل ذلك للدلالة على العناية بالشئ الذى كررت فيه كلامك» المثل السائر ۳ / ۸. يقول الشيخ «إن القرآن نزل بلسان القوم » وعلى مذهبهم ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإافهام» كما فى قوله تعالى: $ كلا سوف تعلمون . ثم كلا سوف تعلمون أو تكرار للمعنى بألفاظ مختلفة كما في «لا تجر عليه ولا تظلمه» . ٥ الحضمة والجاز : فالمجاز هو ما أفاد معنى غير مصطلح عليه فى الوضع الذى وقع فيه التخاطب كما فيفلان له . يقول الشيخ أنه يمكن «إستخدام المجاز في موضع الحقيقة من الكلام إذا كان الدليل عليه قائما كما فى ل إنى أراني أعصر ما سيكون $ فألقي السحرة ساجدين 4 بإعتبار ما كان . ١۳ والأمثلة على ذلك كثيرة متناثرة فى ثنايا الكتاب . 1 - اللإتاية : فحروف الجر ينوب د بعضها مناب يعض ء ويوّدي معناها . ويشير الشيخ إلى هذه القضية من خلال الأمثله كما فى قوله تعالى : $ قد نرى تقلب وجهك فى السماء 4 أي : إلى السماء . قناب حرف الجر «في» مناب حرف الجر «إلى» . وكذلك قوله تعالى : ¥ وإن منها لما يهبط من خشية الله 4 أى بخشية الله . والأمثلة أيضا كثيرة . ثانياً : أساسيات فهم معتى الكلمة : يظهر في كتاب «الجامع» أسس كثيرة تحكم نظرة الشيخ فى فهم معنى الكلمة المفردة نذكر منها. ١- ضبط الكلمة كما فى : رجلُ لعْنَة : إذا كان يلعنه الناس رجل لعنة : إذا كان هو الذى يلعن الناس وقس على ذلك : (الميل) : الذى هو خلقه . (والميل) , أى (التحامل) . والسبه : إذا كان يبسه الناس ء والسيَيَه إذا كان هو يسب الناس . وكذلك لإواذكر بعد أَمةَ ¶ أى (بعد حین )ء وأدكر بعد امه أي نسيان . ٢- المعتى المعجمى والمعتى السياقي : فالمعنى المعجمي «هو المعنى المتصل بالوحدة المعجمية حينما ترد في أقل سياق . أي حينما ترد متفردة» ويسمى المعنى الأساسي أو المعنى المنطقي . أما المعنى السياقي فهو المعنى الذى يفرضه السياق ويسمى بالمعنى الإنفعالي وقد ظهر تأثير هذا التفريق على نظرة الشيخ للمفردات التى يتعامل معهاء فقد يكتفي بالمعنى المعجمى - ۳۹ إذا كان يفي بالغرض كما فى : الغنيمة : ما غنمه المسلمون من أموال العدو وقد يبين أصل المعنى إذا كانت هناك ضرورة كما فى : النبيذ : المنبوذء فنقل إلى فعيل كما يقال مقتول وقتيل » ومجروح وجريح ». أو يبين أصل المعنى ويمثل له . كما فى قوله «والإعتكاف فى اللغة هو الإقامة على الىشئ؛ء وفيه يقال : عكف فلان بمكان كذاء وعكف فلان على فلان : إذا أقام معه » ومنه قوله -تعالى: وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفاً $ . أو يعرض للتأويلات المختلفة لتفسير معنى الكلمة كما فى قوله فى تفسير المحاقلة هي بيع الزرع بالحب , أو اكتراء الأرض بالحب ء أو المزارعة على الثلث أو الربع . أو يعلل عند ذكر بعض المعانى كما فى «وإشعار الهدي هو علامة ٠ وإنما سمى طعنها فى اللبة إشعارا أي : علامة ليعرف أن ذلك لله -عرٌ وجل- ء وكل شئ علمته بعلامة فقد أشعرته» . وقد جاء هذا اللإهتمام بتفسير المغفردات , أو بيان أصل المعنى , أو التمثيل للمعنى أو ذكر التأويلات المختلفة, أو التعليل للمعانى نظرا لما يترتب عليها من أحكام فقهية كما فى قوله : «اختلف أصحابنا فى الإعتكاف . هل هو جائز بغير صوم ؟ قال أكثرهم : لا يجوز إلا بصوم ۳ المكونات الدلالية : فالكلمات تكون مجموعات تشترك مع بعضها البعض في بعض الملامح الدلالية . وتختلف في بعضها الآخرء والشيخ مدرك لهذه الإختلافات في المكونات الدلالية بين المفردات ويمكن أن تسوق على ذلك مثالا هو الفرق بين اللقطة والضالة فيقول : «لم لا يساوي بين اللقطة والضالة , وهما مال , وهل الضالة إلا مال يلتقط , كالدراهم والدنانير مال يلتقط» قيل له : إن الضالة لا تكون إلا في الحيوان . والعرب لا تعرف الضالة فى الدراهم والدنانير. .فلا يقع عليها اسم الضالة والمتعارف من كلام العرب أن يقول قائلها ضلت إبلي » وضلت غنمي 4 ولا يقول : ضلت دراهمي: دنانيري» ٢/٢۲۳ . N۳۷ ومن ثم يمكن تصوير هذا الشكل على التحو النالى : مال حيوان الفعل ضل الضالة + + + اللقطه + لخ ٤- توسيع المعتى وتضييقه : والانتقال : عندما يتعادل المعنيان وهذه القضية من القضايا التى أولاها الشيخ اهتماما كبيرا ء فعندما نقول عن شخص «انه كافر» فكلمة كافر واسعة المعنى تشمل الله ء والطاغوت وأي شئ . ولكن الإستعمال اللغوى قد قصرها على الكفر بالله فقط ء وكذلك «موّمن» يالله والطاغوت 4 وأصبحت خاصةه يالله فقطء وكذلك في حلف اليمين عندما يحلف شخص ألا يأكل بيضاء فإذا أكل بيض السمك لم يحنث . فهنا قصر البيض على بيض الدجاج فقط . بالتراب › أو بالرمل › أو بالنورة أو بالزرنيخ . ثالث : التنظره الحسية لعتى الكلمة : والمقصود بالنظرة الحسية هى النظر إلى الكلمة بإعتبار علامتها بالكلمات الأخرى الموجودة فى اللغة كعلاقة الترادف وعلاقة الأضداد . وعلاقة المشترك باللفظي فقد استفاد الشيخ بعلاقة الترادف فى تفسير المفردات تفسيرا معجميا - لما في . \۳۸ الاشعار : التعليم بعلامه الوجاء : الحضاء الفحش : التميل .... الخ ومن المقرر أن هذا من قبيل الترادف الناقص ء وليس الترادف التام الذى تحل فيه الكلمتان محل بعضهما في كل السياقات . ٢- المشترك اللفظي : وهو أن تكون للكلمة أكثر من معنى ويمكن التمثيل على ذلك بكلمة «العهد» : التي قد تعني: الوصية ء أو الإيمان. أو اليمين , أو الموعد على اللقاء , أو الحياطة . ورعاية الحرمة . والسياق هو الذي يحدد معنى من هذه المعاني يكون مناسبا من خلال ء صفة أو إيماءة , أو أشارةء , أو دلالة يقع فيها بيان المراد . ۳ التصضاد : فإذا كان الضدان لا يجتمعان على الشئ الواحد فإذا إجتمعا فالتأثير للطارئ . فلا تجتمع طاعة ومعصية فى ذات الوقت , ولا طهارة ونجاسة ء ولا إيمان وكفرء ولا حل وحرمة . يقول الشيخ ملخصا ما سبق «وقد جعلوا للشئ الواحد أسما كثيرة كالأسد والسيف» .. وقد سموا بالإسم الواحد أشياء كثيرة ء وسَّموا بالإسم الواحد وضده ء وقد كنوا عن الشئ وبإسم غيره » وأشاروا إلى الشئ بإسم غيره وأستغنوا عن الشئ بالإشارة إلى العين . وإكتفوا بالإيماء عن الكلام» . كتاب يفيض علما ء ويأخذ من كل علم ما يفيد عرضه ء ویعین على أُدائه كما ینیغی . رحم الله شيخنا »ء وجعله فى ميزان حسناته امین ‎s.o‏ ۱۳۹ المداخحلات امداخلة الأولى : كانت عبارة عن استفسار فيما ورد في محاضرة الباحث من عبارات جاء فيها أن بعض العبارات ليست مجموعة أحكام من اللغة ولعل الباحث جزاه الله خيرا تجوز فالاحكام تستنبط من الأدلة الشرعية بواسطة معايير لغوية بين فهم المعنى من اللفظ . التقطة الثانية : فيما يتصل بالملامسة أو بخلاف العلماء في نقض الطهارة باللمس ليس ذلك امرا مينيا على خلاف فيما إذا كانت الملامسة مرادا بها الجماع أي الوقاع فيها أو إذا يراد يها الملامسة اللمس باليدء فيما نجد ان الإمام الشافعي قال : «ان الناقض للطهارة أي الوضوء هو مجرد اللمس » مجرد لمس الرجل المرأة فيما يتصل بتضييق المعنى في بعض الألفاظء كالبيضه فيما إذا كانت تصرف كما تصرف صاحب الكتاب وهي بيضة الدجاجة وفي البيت الذي هو موّلف أو مبني بالأحجار وما يتصل بذلك هل هذا مرده إلى العرف المتعارف عليه أم مرده إلى اللغة ما إذا كان هناك عرف خاص أو عرف عام فالالفاظ ربما يرجع في معانيها الى الوقف فهل هذا من حيث اللغة أم من حيث العرف ؟! . رد احاصر : بالنسبة لاستصدار الأحكام طبعا إستصدار الأحكام على لغة ولغة يفهم منها انما حكم أو يفهم منها ويبني عليها حكم آخر طبعا كلها مواقع لغة . بالنسبة للغة والأحكام › اللغة عرف بالنسبة لاشتقاق الأحكام من اللغة تستنبط دلائل لغوية وفي هذا النصء ورد في كتاب الشيخ د. حسين ص ١٤ يقول «واختلف أصحابنا في صوم هذا اليوم «قال أكثرهم» لا يجوز إلا بصومه واللغة توجب جوازا بغير صومهء هنا سنجد أنه حكم ويينى هذا الحكم على المعنى المعجمي لهذه الكلمة . طبعا اللغة عرف واللغة مأخوذة من هذا العرف والذين وضعوا المعاجم حينما بدأوا بوضعها أخذوا اللغة من ألسنة الناس ومن عرف الناس . ٤ EEE A el [AEE ‏الممهوم ال‎ ‏من خلال كناب التعارف‎ ‏لابن بركه البهلوي‎ د. مبارگ بن سیف بن سعيید الهاشمي الاستاذ المساعد بكلية التربية والعلوم الاسلامية iii iie ieee eli ei elel) ۱١ EEE al بسع الله الرحين الرحيع الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين: أما بعد: فإنه في عصرنا هذا وفي كل عصر يحتاج الناس إلى تجديد تصوراتهم ومناهجهم عن انفسهم وعن الحياة التي تجري من حولهم وخاصة فيما د يستجد من أمر وفيما تختلف فيه الآراء والأفكار. وتشتد هذه الحاجة في الأمم الكبرى صاحبة الرسالات العظيمة, كالأمة الإسلامية تتبواً هذه المكانة وتضطلع بهذه المهمة؟ الأمة الوسط التي جعل الله رسالتها ملبية للفطرة البشرية متوافقة مع النواميس والسنن التي بثها الله -عز وجل- في الكائنات والحياة والمجتمعاتء فكانت وقافة عند حد العدل من غير افراط ولا تفريط ولا غلو ولا تضييعء وكان منهجها تبعا لذلك هو المنهج القويم في الاعتقاد والعمل والسلوك والنظم والتشريعات وصدق الله العظيم إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا 4% ‹. وقال عز وجل: ظ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهیدا 4 ١ وإذا كان هذا شأن الأمة وطبيعة رسالتها فهي مطالبة أن تقوم ما يجد في الحياة من آراء وتصورات لتتبين الحق من الباطل, فالحياة تأتي كل يوم بالجديد وليس كل ما تأتي به حقاً خالصا ولا باطلا خالصا ففيه من كل بقدر؛ إذ هو ثمرة العقل اليشري الذي يجوز عليه الخطاً والصواب والهدى والضلال لأن العقل يتأثر بنوازع الهوى وضغوط البيئة والمجتمع واتحرافات الفكر والثقافة. ١) سورة الاسراء (۹) ۲) سورة البقرة ٤٤ ۱) 11 ومن هنا كان المسلم في حاجة إلى أن يقف من فترة لأخرى وقفة تأمل ودراسة ونقد وموازنة بين الاراء والأقوال التي تقيم نظرتها للإنسان والكون والحياة على نحو معين سواء منها ما يختلف مع الإسلام أو فيما بين وجهات النظر عند المسلمين. وهذه الوقفة ضرورية ولازمة لما أسلفنا من الحاجة إلى التبيين والرؤية الواضحةء ولما نلمس ونشاهد من التشابك والاحتكاك القكري والمذهبي الذي وصل إليه عالمنا المعاصرء وثمة وقفة أخرى نحن في حاجة للوقوف عليها ألا وهي الظروف التي اجتازتها الأمة الإسلامية وتعرضت فيها للغزو الحضاري والفكريء ولما واكب هذا الغزو من الضعف الفكري والنفسي والاجتماعي الذي ران على هذه الأمة مما جعل القابلية للأخذ والتقليد فكان ما رأيناه عند البعض من تبعية موؤّلمة لمنهج التفكير المادي وأساليبه وطرائقه بل وتبني أفكارهء وما رأيناه عند البعض الآخر من التأرجح والتردد بين المنهج الإسلامي وغيره مما دفعهم إلى التلفيق وعدم الوضوح ١. وحتى لا تضيع الحقيقة يسخر الله من يكشف تلك الزيوف وينير السبيل أمام السالكين إلى صراط رب العالمين. وهذه الندوة المباركة تسير بمشيئة الله -عز وجل- على هذا الطريق وكم من فضل لهذا المنتدى في احيائه لسير العظماء والعلماء والأدباء ويحث الباحثين وأهل العلم والفكر لكشف تاك الجهود المباركة. وشخصية هذه الندوة هو: الشيخ العالم أيو محمد عبد الله بن محمد بن بركة وموضوع المداخلة التي طلبت مني للمشاركة في هذا اللقاء العلمي المبارك هي عبارة عن بحث يعنوان «المفهوم الاجتماعي من خلال كتاب التعارف» ولم أجد بد من قبول المشاركة رغبة في التعلم والاستفادة والتعرف والبحث في أهل الفضل والعلم ممن يفخر بهم وطننا العزيز. ومن خلال معرفتي السابقة بهذا الكتاب وقراءتي العايرة له تساءلت؛ ما هي المناسية بين ED (۱) الاسلام ويناء المجتمع د / أحمد محمد العسال - دار القلم - الكويت ط ^/ ٥۵ مع ص ۷ وما بعدها بتصرف. المفهوم الاجتماعية وكتاب التعارف؟ لعل الاختيار وقع من خلال ظاهرة العنوان الذي يوحى بمعنى التعارف الدال على بعض المفاهيم الاجتماعيةء ووجدتها فرصة مناسبة أن أعيد القراءة الفاحصة والكاشفة عن هدف المؤّلف من الكتاب وهدف الندوة من هذا الاختيار ومحاولة الجمع بينهما فخرجت بهذه الورقة التي مهدتها بما أسلفت من بيان أهمية التجديد والتقويم لتراثنا الزاخر بالقيم والمبادئ والجهود العظيمة التي بذل فيها سلفنا الصالح جهده وعمره في سبيل اصلاح الحياة والمجتمع ليس لعصرهم فحسب وإنما لكل العصور التي تسعى وتبحث في صلاحها واصلاحها. والبحت عن الممهوم الاجتماعى من خلال كتاب التعارف قسمنه إلى قسمين : أولاً: التعريف بالكتاب - وتركت التعريف بالكاتب لأن له دراسة خاصة عن سيرته الذاتية أما كتاب التعارف فهو من تأليف الشيخ العالم أبي محمد عبد الله بن محمد بن بركة صاحب كتاب الجامع لاين بركه طبعة وزارة التراث القومى والثقافه - كتاب التعارف ضمن سلسله تراثنا على رسوله المصطفى من خلقه وعلى آله وسلم). وآخره (.... جاز لنا استعمال ما جرت به العادة). والكتاب المطبوع أخذ من مخطوطة نسخت بيد بدر بن سالم بن سعيد المنذري نسخها للاإمام نور الدين السالمي سنة ١۱۳۲ ه حيث جاء في آخر الكتاب المطبوع: (تم كتاب التعارف والحمد لله وحده وكان ذلك صباح يوم الخميس آخر يوم من شهر صفر من سنة ١۱۳۲ ه منذ الهجرة على يد الفقير لربه الأسير لذنيه خادم العلم وأهله أبي سالم بدر بن سالم بن سعيد المنذري بيده للشيخ عبد الله بن حميد بن سلوم السالمي -رحمه الله -ورزقنا وإياه حفظه والعمل به. . ١) كتاب التعارف لاإين بركة ص ٢٥٥ ٤ \ والسبب في تأليفه اسعافاً لطلب وإجابة لمسألة وصلته من بعض أهل عصره يطلب جانب الشيطان وعدم الوقوع في الظنون والشكوك فيما تعبدنا الله به. ويظهر أن كتاب التعارف ألفه الشيخ قبل كتاب الجامع حيث أشار في هذا الكتاب إلى أنه سيفرد كتابا خاصاً في المسائل التي تتعلق بالاجتهاد والرأي ويقتصر في هذا الكتاب على الاستدلال الظاهر وما يعلم بالقلب وسكون النفس فقط فقال: (قمن اجتهد من حيث يجب الاجتهاد واستدل من وجه الاستدلال أصاب ما كلفه وهذا يتعلق بباب اجتهاد الرأيء وما اختلف فيه العلماء وكيف جرى بين الصحابة من الاختلاف فيما تولى فيه بعضهم بعضاء وإن قدر الله سلامة ووسع فيه الأجلء أو فردنا له كتاباء وتبينا فيه وجه الصواب في ذلك وبالله توفيقنا)'. كما يظهرا أنه ألفه بعد كتاب (التقييد حيث نقل منه في آخر كتاب التعارف. من خلال هذا العنوان قد يتبادر إلى بعض الافهام أن الكتاب يعالج قضية اجتماعية مياشرة وهي مسألة التعارف بين الناس أي معرفة بعضهم لبعض ومن ذلك قول الله -عز وجل- : إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل . وما يتبع ذلك من معرفة العادات والتقاليد وما يميز به مجتمع عن أخر وغير ذلك مما تناول القضايا الاجتماعية بشكل جلي مباشر. ولكن حين الدخول في موضوع الكتاب يجد القارئ أنه يعالج أحكاما فقهية وأصولية تتعلق بمسائل الحلال والحرام وإن كان هذا له تعلق بالهموم الاجتماعية بشكل خفي غير مباشر لأنه من فمصطلح التعارف الذي يحمله عنوان الكتاب هو ما يعرف عند علماء الأصول بالعرف» ونقل الشيخ الدكتور إبراهيم الكندي في كتابه (العرف والعادة وأثرهما في الفقه الإسلامي) تعريفين ۲) سورة الحجرات آية ١۱. ٥۱ الأول: هو جعل العرف والعادة لفظين مترادفين وإلى هذا ذهب كثير من العلماء فقد عرفهما النسفي في كتابه المستصشى حيث قال: (العرف والعادة ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول) وقال ابن عابدين: العادة مأخوذة من المعاودة فهي ۳. الثاتي: وهم الذين قصروا العادة على نوع من العرف وإلى هذا ذهب الكمال بن الهمام حيث قال: (العادة هي الأمر المتكرر ولو من غير علاقة عقلية والمراد هنا العرف العلمي لقوم) ويكون تخصيص العادة بالفعل والعرف بالقول كما أوضح ذلك الفناري حيث قال: (حصر المشايخ قرينة المجاز في خمسة: ما بدلالة العرف قولا والعادة فعلا) ونحن إذا أمعنا النظر في هذين الاتجاهين نجد الخلاف لفظيا اصطلاحيا ولا مشاحة في الاصطلاح ”٩ . وموضوع الكتاب قد بينه الموؤّلف بشكل واضح حيث قال: وأما هذا - أي كتاب التعارف - فإنما قصدنا فيه إلى تبيين ما كلفنا علمه بالاستدلال والظاهر وما يعلم بالقلب وسكون النفس والعادة الجاريةء وقد سمى الله علم الظاهر لنا علماً لقوله عز وجل: ¥ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمتات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار فسمي ما يحكم به علماً لنا يظاهر ما يظهر من الإيمان وتسكن إليه نفوسناء وان كل علمه بايمانهن علم الحقيقة في قوله عز وجل $ الله أعلم . ويضرب مثالا آخر فيقول: ( الا ترى أنه قد حرم علينا نكاح المشركات وأجاز لنا نكاح الموؤّمنات وجعل الدلالات على ذلك الظاهرء وجعل دليل الظاهر علما يفرق بين المباح والمحظورء فمن استدل بالظاهر فعقد على مؤّمنة نكاحا صحيحا فقد أصاب بذلك الظاهر ما أباح الله لهء ١) العرف والعادة وأثرهما في الفقه الإسلامي د/ إبراهيم بن أحمد الكندي - دار البيان - القاهرة ١۱۹۹ م ص ١۱۳/۱. ۲) سورة الممتحنة أية ١٠. ١٤۱ فان علمها مشركة لم يكن مأزورا فيما تقدم من وطئه إياها وحرمت عليه فيما حدث له من العلم وعذر فيما أخطاً لأنه لم يعد دليل الظاهر) ”٩ . ويستدل على ذلك من السنة فيقول: (وقد كلف الله النبي الحكم بين أمته وافترض عليه أن يقضي بينهم وكان يحكم بما ظهر إليه من أمرهم لأنه ما كلف أن يعلم حقيقة أمرهم ويفضي إلى سرهم ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (انكم لتختصمون إلي ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من صاحبه وإنما اقضي بينكم بما ظهر إلي منكم فمن حکمت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذنه وإنما أقطع له قطعة من النار) فتبين يَيْهٍ أنه إنما يحكم بالظاهر'. ويأتي بمثال آخر فيقول (لو أن مسلما أراد الجهاد فرأى رجلا في صف العدو فقتله وهو يرى انه من أهل الحرب والمقتول عند الله مؤّمن لم يكن قاتله مأزورا إنما قصد عدو الله ولم يكلف علم الحقيقة فيهء وكذلك لو تزوج امرأة يحسبها أجنبية فإذا هی أخته) ٠ . ۴ ۰ ومع أن الله -تعالى- عظم أمر الدماء والفروج وأكد في تحريمها وتوعد لمن استباح مانص عليه منها بأش الوعيد إلا انه وضع عن عياده الخطاً فيما تعبدهم به إذا أخطأوا مع قصدهم الصواب وصحة نياتهم إذا اجتهدوا في طلب الحق. ثم يواصل بايراد الشواهد والأمثلة على ما ينطبق عليه هذا الحكم ويبداً كل مثال بقوله: (ومما يدل على ذلك) ويأتي بين الأمثلة تذكير قوله (ولا أقول أن كل حكم هذا طريقه لأن من الأحكام ماقد وقف الحكام عليها) . وجاءت إشارة في الكتاب على أن هذا النوع من الاستدلال على الأحكام بالظاهر وبما تسكن إليه النفس كما سمى عرفا يسمى حوزا فقال: (ويدل أيضا ان الله تعالى تعبد عباده بما يتعارفون E ١) المصدر السايق ص ۸. ۲) المصدر السايق ص ١٠. ۲) المصدر السايق ص ١٠. ٤) كتاب التعارف ص ١۱ . ۷٤ \ اجماع من الأمة) ويختم الشواهد والأمثلة بقوله (وفيما ذكرنا كفاية لمن أراد الله توفيقه ولو أردنا أن نكثر من هذا المعنى لطال به الكتاب ولمله قارئه) ”٩ . ثم ينقل في هذا الكتاب بما ذكره في كتاب (التقييد) الذي يدخل في موضوع كتاب التعارف محتوی الكتاب من المصطلحات ا2 جت اعية. واحتوى الكتاب على الكثير من المفردات الاجتماعية التي عمد الموّلف إلى بيان أحكامها وكيفية التعامل فيها وتبادل منافعها بين أفراد المجتمع وعلاقاتهم ببعضهم فمنها ما يخص الفرد ومنها ما يخص الأسرة والمجتمع ومنها في جانب المعاملات والعبادات وسائر أحوال الناس في مجتمعاتهم ومن أمثلة ذلك. الدينء والإسلامء والعلمء والجهلء والقرآنء والشريعةء والاجتهادء والزواج. والطلاقء والطهارةء والولايةء والبراءةء والنفقةء والمعروف» والعرف» والعادةء والهديةء والشهادةء والخيوط: والحبالء والدواب» والخطامء والإزارء والموازينء والمكاييل. والأكلء والشرب والخرس» والطريق: والنخيلء والقيظء والسعفء والتمرء والحطب» والعسقء والخطء والختمء والمراسلةء والعبيدء والتمار والنجارء والحجام؛ والخبازء والعطار. والنتساجء والبيعء والشراءء والبيتء والمأتمء» والعرس: والخراف» والجدادء والدينار والدرهم. إلى غير ذلك مما هو من اهتمام أفراد المجتمع والأسرة فيما يتصل بحياتهم وأعمالهم اليومية التي كشف ابن بركة عن أحكامها وأثرها في الفرد والمجتمع من أجل أن يتم التعامل يها ومعها ثانيا: المفهوم الاجتماعي من خلال كتاب التعارف : ١- نعود إلى كتاب التعارف لنتعرف على ما فيه مما يفيد الجانب الاجتماعي في حياتنا المعاصرة. إدراكاً منا ان لكل جهد في علم الاجتماع وظيفتين: ١) المصدر السابق ص ١٤٠ ۲) المصدر السايق ص ٠ . الأولى وظيفة علمية : وهي التي تتمثل في إرساء قواعد العلم والعمل على تنميته وتقدمهء وتوفير فهم موضوعي للواقع الاجتماعي. ومجتمعه والعالم والكون وترشيد تعامله معها”'. وهذا ما هو واضح في كتاب التعارف لابن بركة: فانه في الجانب العلمي فقد أرسى قواعد ما يعلم بالقلب وسكون النفس والعادة الجارية حيث قال: (فانما قصدنا فيه - أي في كتاب التعارف الجارية"". وفي الجانب الاجتماعي فقد أسهم الكاتب والكتاب في رفع وعي الإنسان بنقسه ومجتمعه: لأن تأليفه كان إجابة لسائل ضاق صدره من الشكوك المعترضة على نفسه وماله والوساوس الداخلية عليه في دنياه وأخرته فجاء الكتاب إسعافا لهذا الطلب حيث قال ابن بركة: (وانا مسعفك إلى مطلبك ومجيبك إلى مسألتك متقربا إلى الله فيك بذلك ويالله أستعين) ”' . اللأمن الاجتماعي: إن قضية الكتاب وسيب تأليفه تنقلنا إلى مسألة اجتماعية في غاية الأهمية في حياة المجتمعات والشعوب في العصر الحديث خاصة, ألا وهي مسألة الأمن الاجتماعي التي تحتل مكانا بارزا بين اهتمامات المسوّولين والمواطنين في المجتمعات المعاصرة لاتصاله المباشر بالحياة اليومية وإذا كانت التسمية تبدو مستحدثة إلا أن مضمونها قديم قدم المجتمع الإنساني. فلكل عصر همومه وتطلعاته ولكل جيل مشاكله واهتماماتهء فالعالم مجموعة متغيرات تتحكم به بصورة دائمة فتجعله دائم التغير والتطور هكذا في الماضي وهكذا في الحاضر. إن توفرالأمن الاجتماعي عامل أساسي في حفظ الإنسان ومجتمعه ولا يمكن أن يبقى مجتمع ١) نحو علم اجتماع عربي - سلسلة كتب المستقبل العريي (۷) - مركز دراسات الوحدة ط١ / ١۱۹۸م ص ١۱ ۲) كتاب التعارف ص ٩ متين البنية مزدهر النمو ومستقر الأوضاع إذا لم تتحقق له سبل الطمأنينة والرفقاهية والتغلب على الفقر والجهل والمرض» ولا يمكن أن يتحقق الأمن الاجتماعي إذا لم يحدث اقتراب علمي وواقعي من مقومات حياة الفرد والجماعةء فيحيط الباحث بدواخلها وقواها وتفاعلها ليخرج بتصور عام لكيفية تصحيحها أو دعمها أو إعادة بنيتها بصورة سليمة ومتينة. ولكي يقوم الفرد السليم بدوره لابد من تنشئته التنشئة الصحيحة والسليمة لأنه يبحاجة إليها فالإنسان يتعلم دوره في الحياة كما يتعلم على الحياة الاجتماعية إذ لو ترك على طبيعته لما جاوز المستوى الحيواني ”' . فقد أدرك هذا السائل لابن بركة زعزة الأمن في داخله واضطراب شخصيته وأن عدم الكشف عن حالته سيوّدي إلى عواقب خطيرة ومهالك عظيمة فمن أجل ذلك طلب توضيح معالم الطريق إلى الحق والخير والهداية من عالم بالمسالك وطرق الهداية الدال إلى الخير والمرش إلى الحق فقد كشف ابن بركة حالة الخوف والقلق عند السائل فقال (وصل كتابك تذكر فيه ما ضاق صدرك به من الشكوك المعترضة عليك في نفسك ومالك والوسواس والوساوس الداخلة عليك في ومما لاشك فيه أن الإنسان الذي يؤوّمن بالله واليوم الاخر ويجد حلاوة الإيمان في قلبه لا يجد في تعاليم هذا الدين ما يضيق به وما يشق على النفس لأن الله -عز وجل- لا يكلف نفساً إلا وسعها وليس في هذا الدين من حرج على أحد كما قال تعالى: ل وما جعل عليكم في الدين من حرج 4 . ١) الآأمن الإاجتماعي - مصطفى العوجي - ط١ ۱۹۸۳م موْسسة نوفل بيروت ص٩ وما بعدها بتصرف. ولكن فساد المفاهيم وتدخل الشياطين وأعوانهم وتلبيس إبليس وغلبة الأهواء وغير ذلك هو وراء وصول الإنسان إلى ذلك الحال من القلق والضيق وهذا ما عبر عنه ابن بركة بقوله (وان بناحيتك من يقوى ذلك في نفسك ويثقل عليك من البيوع والمعاملات والأخذ والعطاء) فإذا وصل الفرد إلى هذا المستوى وضاعت عنه معالم الطريق استنجد بأهل الاختصاص ليطلب الشفاء كما قال تعالى: ‏ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون 4% . وفعلا هذا ما فعله السائل بعدما ضاقت نفسه توجه إلى ابن بركة ليجد ضالته ويرسم له طرق الهداية ومعالم الصراط المستقيم حيث قال: (وانك أحببت أن أرسم لك فيما بليت به شيئا يودي إلى تسكين الدواعي التي في قلبك لتحتمي به من الشيطان وحزبه من رخص المسلمين وآثارهم فيما فيه سلامة لمن آخذ به) '. فإذا كانت هذه هي حاجة الجاهل من العالم فما هو موقف العالم من ذلك ؟ . يدرك العالم البصير أن المجتمع السليم لا يكون إلا بتماسك أفراده على مختلف مستوياتهم فيشعر كل واحد منهم بانتمائه إلى الوطن والفكر بحيث يؤوّلف معه وحدة عضوية حية تتفاعل معه فالانتماء ركن أساسي في الحياة الاجتماعية بحيث يشعر الفرد بأن الوطن له وانه مسوُول عن سلامته وصيانته واستقراره ومتى شعر الفرد بهذه الرابطة النفسية ينمو لديه الاحساس بانه جِزء من كل ويأن له دورا في مجتمعه يترتب عليه القيام به وشعور الإنسان بدور وظيفي في مجتمعه يضفي عليه إحساسا بالانتماء والانتساب إلى هذا المجتمع فتشتد الرابطة التي تربطه بأعضائه مما يوفر التماسك بينهم وبالتالي تماسك المجتمع كوحدة إنسانية ذات توجهات معينة على أرض محددة هي ملك لهذه الوحدة الإنسانية وهذا يولد بدوره الألفة الجامعة بين أفراد المجتمع الواحد ومن أجل ذلك كان جواب ابن بركة لذلك السائل بقوله: (انا مسعفك إلى مطلبك ومجيبك إلى مسألتك متقربا إلى الله فيك بذلك وبالله أستعين) . ١) كتاب التعارف ص۳ ۲) سورة النحل جزْء من آية ٣٤ ٢) كتاب التعارف ص۳ ٥٥۱0 وأول ما أسعفه به هو بيان يسر هذا الدين الإسلامي الحنيف الذي سهله الله على عباده ولم يضيق عليه فيما شرعه لهم وكل ما جاء في الإسلام من تشريع وتوحيد وإرشاد إنما يقصد به إعداد الإانسان الكامل الذي يدرك سر وجوده في الحياة وأن لخلقه غاية ورسالة ولحياته قيمة ومعنى وأنه ليس ذرة تافهة ولا مخلوقا سائباً فالدين هو الذي يعرف الإنسان بحقيقة نفسه من البداية إلى النهاية وحاجة الإنسان إلى الدين عامة وإلى الإسلام خاصة ليست حاجة طارئة أو هامشية إنها حاجة ضرورية ولازمة تتصل بجوهر الحياة وسر الوجود فالإنسان منذ نشأته تلح عليه أسئلة جائرة تبحث عن جواب لها مثل من أين أتيت؟ ولم أتيت؟ وإلى آين المصير؟. ومهما اشتغل الإنسان بمطالب الحياة وأسباب المعيشة فانه لابد من أن تدور هذه الأسئلة في نفسه وتطلب الجواب الشافي الذي يقبله العقل ويسكن إليه القلب ويوافق الفطرة السليمة ولا سبيل إلى ذلك إلا في الدين الصحيح النقي من الأوهام والأباطيل والخرافات وتدخلات البشر وتلبيس إيليس فالدين هو الذي يعرف الإنسان أنه لم يخرج من العدم إلى الوجود صدفة وإتما هو مخلوق لخالق عظيم هو ربه الذي خلقه فسواه فعدلهء ونفخ فيه من روحه وجعل له السمع والبصر والقواد وأمدد بنعم واسعة في نفسه وفي الكون وفي الوجود من حوله ويبين له أن كل ما في الحياة ليس غریبا عنه ولا عدوا له وانه مخلوق مثله کل شئ فيه بقدر وکل أمر فيه بحساب ومیزانء كل ذلك وغيره يجده في دين الله الذي ارتضاه لعباده قال ابن بركة في هذا المعنى: (فإني أعلمك أن الله -تبارك وتعالى- يسر هذا الدين على عياده وسهله عليهم ولم يكلفهم شططا من أمره ولم يقطع عذرهم إلا بعد أن أمكنهم من جميع ما يحتاجون إليه ولم يضيق عليهم في شئ من ذلك) ١ وإذا أردنا أن نربط هذا النص بالمفهوم الاجتماعي فإنه يبين دور الدين وأثره في إرساء قواعد بناء المجتمع الصالحء فقد شاء الله -تعالى- للإسلام أن يكون الرسالة العامة الخالدة فهو هداية الله للناس كافة من كل الآمم وكل الطبقات وكل الأفراد وكل الأجيالء والناس تختلف مواهبهم وطاقاتهم الروحية والعقلية والوجدانية وتتفاوت أمالهم والامهمء ولهذا كانت نظرة الاسلام جامعة ومحيطة ومستوعية كل ما في الوجود من أسرار الكون والحياة والإنسان. 1 فالتشريعات الإسلامية جاءت لضبط الحياة الفردية والجماعية والأسرية والدولية فهي أمتن القواعد وأعدل المبادئ بعيدا عن الإفراط أو التفريط أو الأهواء أو التناقضات. يقول ابن بركة في وجوب الاعتماد على أصول هذا الدين: (فالواجب على من أنعم الله عليه بالإسلام وخصه بشريعة الإيمان أن يبدأ يتعلم الأصول قبل الفروعء وأن يثبت قواعد الثبات قيل أن يرفع شواهق الأركانء ومن عرف معاني الأصول عرف كيف يتبنى عليه الفروع ومن لم يعرف حقيقة الأصول كان حربا أن تخفى عليه أحكام الفروع) ". وهذا توجيه من ابن بركة في وجوب صرف الناس إلى تعلم الأصول حتى تكون النفس البشرية المتمكنة من الأصول ثايتة وراسخة في هذا الدين لا تلعب بها الأهواء ولا تقلبها التيارات أو تتقاذفها الأفكار الهدامة هنا وهناك ولا سبييل إلى إدراك تلك الأصول إلا بالعلم والإسلام يدعو إلى العلم والتعلم بكل حيلة ووسيلة يستطيعها الإنسان ويحض العقل على التأمل والتفكر في أسرار الوجود والكون والحياة ويفرض على العالم إرشاد الضال والجاهل ومن أجل هذا المعنى الاجتماعي الهام في حياة الأمم والشعوب ابن بركة على وجود إعمال العقل في كل منافع البشر التي تحقق لهم السعادة المنشودة في الدنيا والآخرة فقال: (فالواجب من أتاه الله حماة العقل قطع بها عذره أن يناصح بها نفسه فيما كلفه من حاجة نفسه ومكنه من الأسباب الموّدية إلى درك ما ندب الله وخص به لأن أسباب العلوم ودلائل النيات موقوفة على العقول ومعلومه بها دون غيرهاء فبزوالها يزول عنه الخطاب ويسقط عنه العقاب ويجب بصحبته الثواب والعقاب) ”. ومما لاشك فيه أن العلم منذ أقدم العحصور هو غذاء العقول والأرواح وهو الداء الناجع لأمراض النفوس والجماعات ان استخدمه الإنسان في سبيل الخير وفق سنن الله في الكون والحياة وبالعلم تنفتح مغاليق المجهولات وتنكشف أسرار الحياة وبه تسعد البشرية ويبتسم الأمل للناس وهو على ۲) كتاب التعارف ص ° . \ o۳ كل حال محمود لا يذم ومحبوب لا يكره لأأنه خير في ذاته؛ وآثاره الخيرة لا تعد ولا تحصی. هكذا يوجه كتاب التعارف إلى جملة من المفاهيم الاجتماعية التي تدعو البشرية أقرادا وجماعات إلى وجوب يقظة العقل والفكر للنظر والتدبر في هذا الوجود ووجوب الاعتماد على أصول الدين وقواعده الراسخة في أعماق النفس الإتسانية والإقبال على التعايش في هذه الحياة وفق منهج الله -عز وجل- الذي لا يتعارض مع مطالب النفس والعقل والوجدان في الإنسانء ففي هذا الدين من السهولة واليسر ما يتوافق مع كل مستويات البشر وطبقاتهم وطاقاتهم وعلى مختلف الزمان والمكان فهو الدين الشامل الكامل والشافي الوافي الذي يصلح به أمر الدنيا والآخرة فيجب الاعتصام قال تعالى: $ وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم ”. صدق الله العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... والسلام عليكم ورحمةه الله.. ١) سورة الحج أية ۷۸. \ 0 المداخلات المداخالةك الأولى 1 هناك إصافنان : الأولى : ربط المحاضر بين التعارف والمعرفة بين الناس مستدلا بالآية الكريمة ‎ :‏ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفواء والتعارف بالمفهوم الفقهي ليس هو المعرفة بين الناس» وإنما ذلك معرفة الناس ببعضهم البعض من حيث المعرقة الاسمية والنسبية وغير ذلك وليس معنى ذلك الجواز الشرعي بما يتعارفه الناس فيما بينهم . الثاتية : إن المحاضر ربط التعارف بالعرف ء وموضوع العرف يناسبه موضوعان؛ أصولي وفقهيء والعرف عند الأصوليين هو ربط بعض الأحكام بالمسميات ويظهر هذا في الفقه أكثر مما يظهر في باب الكفارات والآيمان والنذور وغير ذلك أما التعارف فقط اصطلاح فقهي لانه راجع إلى سلوك الناسء وهو ما يعرف بالمصطلح الفقهي بالتعارف والكناية, الدلالة هو ما يقع بين شخصين أي شخص على شخص خر ويتجاسر عليه مما يعرف على راحة بال ذلك الشخص لانه دل عليهء كما ذكرت لنا القصص عن السلفء عندما كان الإمام الربيع يأتي إلى أصحابه ويتناول العشاء بنفسه ويأمر الجارية بغير اذن صاحب المنزل بما يعمل هذا ادلال وانما سمي المستد مصدرا ء ولم يقولوا من باب ان مضاعفة البضاعة الطاعة فأقيم الاسم على المصدر فالدلالة هي ما يقع من تجاسر بين شخصين أما التعارف فهو ما يقع من منظور جواب الأمر عند أهل قرية أو بلدة وأهل محلة اي بين مجموعة من الناس يتعارفون على جواز سلوك أمر ما ء فموضوع التعارف هو الذي تضمنه كتاب اين بركة وينصب في الإطار الفقهي المحض . نلاحظ أيضا ان الدكتور ربط بين قضية الأصول لأنه من باب الجواز الفقهي عندما ذكر الإمام ابن بركة - رحمة الله عليه - إنما كان يقصد الأصول الفقهية وليس أصول الدين . (00 رقم الصفحة أولا :هذا اللإصدار 0 ثانيا : كلمة معالي الشيخ عبد الله بن محمد السالي ۷ -وزير الأوقاف والشوُون الدينية - راعي الندوة ثالثا : الامام ابن بركة «حياته وفكره ومدرسته, : ۹ الشيخ أحمد بن سعود السيابي- أمين عام مكتب سماحة مفتي عام السلطنة - رايعاً : «ابن بركة والبحث العلمي» : ۳ محاضرة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي- مفتي عام السلطنة - خامسا : «ابن بركة ودوره 2 أصول الفقه : ۳۷ د . مهني التواجيني- معهد العلوم الشرعية - سادساً : ابن بركة وکتابه «التقییكد : ۹0 د. مبارك بن عبد الله الراشي -عميد كلية الشريعة والقانون - سابعاً : قضايا دلالية ك كتاب الجامع : د. إبراهيم الدسوقي ۱۷ ثامنا : الفهوم الاجتماعي من خلال كتاب التعارف لابن بركة البهلوي : ٤۱ د. ميارك ين سيف بن سعيد الهاشمي- الاستاذ المساعد بكلية التربية ي والعلوم الإسلامية - جامعة السلطان قابوس - \ oy