ådÉãdG ó∏``éŸG ١٤٣٤غمي ٢٠١٣م لا يجوز نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب في أي شكل من الأشكال أو بأية وسيلة من الوسائل سواء التصويرية أو الالكترونية ،بما في ذلك النسخ الفوتوغرافي أو سواه وحفظ المعلومات واسترجاعها إلا بإذن خطي من الناشر. ådÉãdG ó∏``éŸG5 åjó`ëdG øa »a áfÉeC’G AGOCÉH áfÉa°†dG AÉah ) ¢û«ØWCG ∞°Sƒj øH óaëeت ١٣٣٢ه١٩١٤/م( وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان١٤٠٢ ،ه١٩٨٢/م١٤٠٦ :ه١٩٨٦/م. ج ٣٨٧ :٢صفحةج ٣٩٠ :١صفحةعدد الصفحات: ج ٣٤٥ :٤صفحةج ٣٢٢ :٣صفحة ج ٣٣٦ :٦صفحةج ٣٣٥ :٥صفحة العالم، يضم هذا الكتاب أحاديثا رواها الصحابة @ مما له سند عند ويشتمل الكتاب على مقدمة وأربعين حديثا من كل فن .ومؤلف الكتاب هو: الإمام القطب 5معروف بتآليفه المتعددة في جميع فروع المعرفة الإسلامية. وله دراسات في التفسير تبين قدرته على الاستيعاب والشمول التي يعرض بها تفسير آيات كتاب االله الكريم ،هذا المؤلف هو »تيسير التفسير« ويظهر فيه تبحره في علوم القرآن ،وغزارة مادته ،ومقدرته على إظهار الحقائق. والمؤلف هو الشيخ محمد بن يوسف بن عيسى بن صالح بن عبد الرحمن بن عيسى بن إسماعيل ،الحفصي نسبة إلى أبي حفص كرس أيام حياته في حماية الدين بالنصح ،والأمر بالمعروف والنهيعمر 3 عن المنكر ،وفي خدمة العلم بكل ما أوتيه من قوة. أفاض االله عليه من مواهبه اللدنية ،وأشرقت في قلبه الأنوار العرفانية ،كان قدوة للسالكين ،يعز عليه أن يهزم شعب إسلامي وتسلب حريته ،كثير الدعاء بالنصر للأمة الإسلامية ،شديد الرغبة في وجود الجامعة الإسلامية ،يرى أن كل ما يلم بشعب إسلامي ،كائ نا من كان من الإرهاق ،فهو نكبة أصابت الأمة لما في ذلك الشعب من التوحيد والانتساب إلى الدين الإسلامي. مائة كتاب إباضي6 ومن نوادره أنه زاره بعض القساوسة وكبار الولاة من الأجانب فوقفوا معه في مستوى واحد من الأرض ،فارتفع إلى درجة تليه ،فقال أحدهم :هلا وقفت جبارا، معنا في هذا المكان ،فقال :الإسلام يعلو ولا ي ع لى عليه ،لا يهاب ولا يع ظم لديه خطر ،ومن يطالع كتبه إلى الملوك والأمراء والولاة يدرك علو نفسه ،وثقته بالباري جل شأنه. خصوصا؛ من أكبر الواجبات التيعموما والمذهب يرى خدمة الإسلام تحملها تصدى لنشر العلم والتأليف منذ الصغر ،يغذي النفوس ،لم يفتر في الأوقات التي تهجع النفوس فيها لأخذ الراحة ،لا شغلته الدنيا وزخارفها. نهضت به همته إلى إعادة ما كان للأمة من المجد والعظمة ،ومصادمة ما حل بها من الخمول والانحلال ،والخلود إلى نقائص الأعمال ،ولم يجد وسيلة أكبر من الانصراف الكلي إلى تنقيح العلوم ،وتجديد ما اندرس من الغراء ،فانكب على التأليف والتدريس بدون انقطاع.السيرة إن من طالع كتاب» :شامل الأصل والفرع« أدرك رسوخه في علوم الشريعة، أصلا وفر عا ،ناهيك بشرحه على »النيل« فإنه من أوفى الكتب الفقهية ،ومن أجال فكره في شرحه لمختصر »العدل والإنصاف« ،وقف على براعته في علم الأصول .أما إحصاء تأليفه فغير يسير ،وقد تجاوزت المئات ،أما أجوبته فلا تحصى ،وله عناية خاصة بالآداب الأندلسية ،ومن آثاره النهضة العلمية الآن التي قام بها تلاميذه بعده الذين يرون أنه لا سعادة للأمة إلا به. ولما كان يصعب إحصاء مؤلفاته ،فلا بأس أن نذكر الفنون التي كتب فيها: الأخلاق الأصول البلاغة :المعاني ،البيان ،البديع التفسير التجويد الس ير الطب التوحيد التاريخ الجبر الحديث الحساب الرسم  الصرف العروض والقافية الفقه الفلك الفلاحة الفرائض الفلسفة اللغة مصطلح الحديث المنطق النحو الوعظ. 7وفاء الضمانة بأداء الأمانة في فن الحديث وله قصائد طوال ،وأراجيز في الفنون والقراءات والعربية ،وبديعية في مدح الرسول ژ تبلغ مائتين وثمانين بي تا ،ومدائحه للنبي كثيرة. وله في النصائح والحكم درر في نهاية النفاسة ،ومن بديع ما قيل في النصح والإرشاد ،وهداية النفس إلى السداد ،والإسعاد في المعاش والمعاد قوله على سبيل التمثيل للدنيا: ومن ذا الذي يبني على الموج داره ومن ذا الذي يجني من الطلح أعنابا ومن أعماله الجليلة استماتته في سبيل الذود عن شرف الوطن عند دخول الحملة الفرنسية سنة ١٢٩٩ه لا بقوة الحراب ولكن بقوة الحجة والحق .وله عدة احتجاجات إلى رؤساء الحكومة الفرنسية ضد ما ارتكب من الظلم مع المسلمين بالقطر الجزائري. ير السلف وله حرص شديد على إقامة شعائر الدين والمحافظة على س الصالح ومقاومة الأمية .وقد رثاه كثير من العلماء والشعراء. وهذا الكتاب هو أحد الكتب النفيسة في الحديث النبوي الشريف .ويقدم السنة النبوية الشريفة في كثير من المسائل التي تهم المسلم في حياتهالأدلة من  التعبدية والاعتقادية والاجتماعية ،مما يجعله مطمئن القلب ،وهو يجد الدليل السنة الشريفة ينير له الطريق.من  ويقسم المؤلف كتابه إلى أبواب وفصول وموضوعات ،كل موضوع يدرج تحته المؤلف أربعين حديثا وردت في هذا الموضوع ،وهذه الموضوعات تكاد تهم المسلم في كل شئونه ،فلا يستغني المسلم عنه لمعرفة أصول دينه وفروعه السنة المشرفة. من المصدر الثاني للتشريع ،ألا وهو  وتشتمل المقدمة على فصلين يكونان فنو نا للسنن .الفصل الأول :في أنواع الحديث الصحيح ،وهو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله ،وسلم من شذوذ وعلة. مائة كتاب إباضي8 ويعني المؤلف بالمتصل ما لم يكن مقطو عا بأي وجه كان .وبالعدل من مصرا مجرحا وهو المؤتمن على الأمانات ،ولا يعرفظهرت عدالته ،ولم يكن على بعض الأحداث ،المسارع إلى الخيرات ،المجانب للشبهات ،المأمون على ما يحتمل من الشهادات ،وبالضابط من يكون حاف ظا متيق ظا ،وهو الثقة ،والثقة هو المأمون على ما حمل من الشهادة. وضعفا بحسب قوة شروطه وضعفها ،وأصحوتتفاوت درجات الصحيح قوة الأحاديث فيما يرى المؤلف ما رواه الربيع بن حبيب عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد ،عن الصحابي عن رسول االله ژ ،لمزيد ورع هذا السند وضبطه. ويضيف المؤلف إلى هذه الأحاديث الصحيحة ما جمعه البخاري ،ومسلم، وأعلى أقسام حديث قومه الصحيح ما اتفقا عليه ،ثم ما انفرد به البخاري ،ثم ما انفرد به مسلم ،ثم ما كان على شرطهما ،ثم على شرط البخاري ،ثم على شرط مسلم ،ثم ما صححه غيرهما. وقيل :الصحيح ما اتصل سنده بعدول ضابطين بلا شذوذ ،بأن لا يكون عددا ،مخالفة لا يمكن معها الجمع.الثقة خالف أرجح منه حف ظا أو والحسن :هو ما لا يكون في إسناده متهم ،ولا يكون شا ذا ،ويرى من غير أيضا ما عرف مخرجه واشتهر رجاله ،وعليه مدار أكثر الحديث.وجه .وهو وقال بعض المتأخرين :إن معرفة الحسن موقوفة على معرفة الصحيح والضعيف؛ لأنه واسطة بينهما .والفرق بين حدي الصحيح والحسن أن شرائط الصحيح معتبرة في حد الحسن ،لكن العدالة في الصحيح ينبغي أن تكون ظاهرة ،والإتقان كاملا ،وليس ذلك شر طا في الحسن. أما الضعيف :فهو الذي بعد عن مخرج الصحيح ،واحتمل الصدق والكذب، أو لا يحتمل الصدق أصلا كالموضوع ،وإنما سمي حس نا لحسن الظن براويه. 9وفاء الضمانة بأداء الأمانة في فن الحديث ويعني المؤلف بالسند :ما اتصل إسناده إلى منتهاه ،وبالثقة من جمع بين العدالة والضبط ،والحسن حجة كالصحيح ،ولذلك أدرج في الصحيح .ويرقى الحسن إلى الصحيح. ويعني بالترقي أنه لا يلحق في القوة بالصحيح ،لا أنه عينه ،وأما الضعيف فلا ينجبر ضعفه بتعدد طرقه ،لأنها كلها ضعيفة. والمتواتر :هو الذي يرويه عدد تحيل العادة تواطؤهم على الكذب من ابتدائه إلى انتهائه ،وينضاف إلى ذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه ،كحديث: علي متعمد ا« فإن النووي نقل أنه جاء عن مائتين من الصحابة. »من كذب والضعيف :ما لم يجتمع فيه شروط الصحيح أو الحسن أو الصالح، وتتفاوت درجاته في الضعف بحسب بعده من شروط الصحة والحسن ،ويجوز عند العلماء العمل به وروايته والوعظ به بلا بيان لضعفه؛ إلا في صفات االله تعالى وأحكام الحلال والحرام .فالضعيف ما قصر عن درجة الحسن ،وتتفاوت درجاته في الضعف بحسب بعده من شروط الصحة. والمضعف :ما لم يجتمع على ضعفه ،بل في متنه أو سنده تضعيف لبعضهم وتقوية للبعض الآخر ،وهو أعلى من الضعيف. رفعا إلى النبي ژ ،أو وقفا دونه.والمسند :ما اتصل سنده من راويه إلى منتهاه والمرفوع :ما أضيف إلى النبي ژ من قول أو فعل أو تقرير متصلا كان أو منقطعا ،ويدخل فيه المرسل ،ويشمل الضعيف ،فالمتصل قد يكون مرفو عا وقد يكون غير مرفوع ،والمنفصل يكون متصلا ،ويكون غير متصل. منقطعا، والموقوف :ما روي عن الصحابي من قول أو فعل متصلا كان أو وليس حجة على الأصح ،وقد يستعمل في غير الصحابي مقيدا نحو وقفه أبا عبيدة على جابر بن زيد. مائة كتاب إباضي10 ووقفا لا ما اتصلوالموصول :وسمي المتصل ،ما اتصل سنده وصلا للتابعي ،إلا أنه يفيد الوصل به ،مثل أن يقال :متصل إلى جابر ،أو إلى الحسن البصري ،فالموصول ما وصل سنده إلى النبي ژ أو إلى الصحابي. والمرسل :هو قول التابعي ،وهو المعروف في الفقه وأصول الفقه ،وأما المحدثون فالمرسل عندهم ما سقط فيه راو صحابي أو غير صحابي ،واختلف فيه هل هو حجة؟ قال الشافعي والجمهور :لا يح تج به ،وقال أبو حنيفة :هو حجة ،وهو قول مالك ،والمشهور عن أحمد. والمقطوع :ما جاء عن تابعي من قوله أو فعله موقوفا عليه ،وليس بحجة، والمنقطع ما سقط من رواته واحد من قبل الصحابي ،وكذا من مكانين وأكثر، بحيث لا يزيد ما سقط في كل مكان على راو واحد ،والغالب استعمال هذا الاسم ممن دون التابعي. والمعضل :ما سقط من رواته قبل الصحابي اثنان فأكثر على التوالي ،ولعدم التقييد باثنين ،وعدم التقييد بقبلية الصحابة. والمعنعن :هو ما يقال في سنده عن فلان عن فلان ،والصحيح أنه لا يقال معنعن إلا إن كان متصلا ،إذا أمن اللقاء مع البراءة من التدليس .أو أن المعنعن هو الذي قيل فيه عن فلان عن فلان من غير لفظ صريح بالسماع أو التحديث بعضا ولو مرة ،وعدم التدليسأو الإخبار .بشرط ثبوت لقاء المعنعنين بعضهم من المعنعن ،واختلف في شرط ثبوت اللقاء بينهما ،وكذا طول الصحبة، ومعرفة الرواية للمعنعن عن المعنعن عنه. والمعلق :ما حذف من أول إسناده لا وسطه ،فالحذف إما أن يكون من أوله وهو المعلق أو في وسطه وهو المنقطع ،أو في آخره وهو المرسل. والفرد :ما انفرد عن جميع الرواة ،أو من جهة نحو تفرد به أهل مكة، 11وفاء الضمانة بأداء الأمانة في فن الحديث فلا يضعف إلا أن يراد تفرد به واحد منهم ،والفرد يكون مطلقا بأن ينفرد الراوي الواحد من كل واحد من الثقات وغيرهم. والشاذ :ما خالف الراوي الثقة فيه جماعة الثقات ،بزيادة أو نقص ،فيظن أنه وهم .ويكون الشذوذ في السند ،ويكون في المتن .وعن الشافعي :أن الشاذ مخالفا لما رواه الناس.ما رواه الثقة والمنكر :هو ما رواه الثقة بزيادة لم يروها غيره ،ولم يخالف إلا بالزيادة، وهو غير ضابط بعيد عن درجة الضابط ،فهو منكر ،وهو من الشاذ ،وذلك هو الصحيح. والمضطرب :ما اختلفت أوجه روايته ،وتدافعت على التساوي في الاختلاف من راو واحد ،بأن رواه مرة واحدة على وجه ،وأخرى على آخر مخالف له ،أو رواه أكثر بأن يضرب فيه راويان فأكثر ،ويكون في سند رواته ثقات. والموضوع :هو المكذوب به عن رسول االله ژ ،ويسمى المختلف ،وتحرم روايته مع العلم به إلا مبي نا ،والعمل به مطلقا وسببه نسيان أو افتراء أو نحوهما ،ويعرف بإقرار واضعه أو قرينة في الراوي والمروي ،فقد وضعت أحاديث يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها. ضررا من انتسب إلى الزهد، والواضعون للحديث أصناف ،وأعظمهم احتسابا ،ووضعه الزنادقة جملا ،ثم نهض رجال الحديث بكشففوضع عوارها ،فذهبت الكرامية إلى جواز وضع الحديث في الترغيب والترهيب، ومن ذلك أحاديث :صلوات الأيام والليالي في رمضان ،وضعها بعض البغداديين لما رأى الناس في رمضان بلا شغل ،إذ كانوا يتركون القراءة للعلم، وكذا ثواب سور القرآن كلها سورة سورة ،وإنما صح عنه ژ بعضها وهو قليل. والمقلوب :نحو حديث مشهور عن سالم أبدل بواحد من الرواة نظيره في مائة كتاب إباضي12 الطبقة كنافع ليرغب فيه لقرابته ،أو قلب سند لمتن آخر مروي بسند آخر لقصد امتحان حفظ المحدث أو غير ذلك. والمركب :أخص من المقلوب ،إذ هو المبدل فيه راو آخر ،كسالم بنافع ،أو الذي ركب إسناده لمتن آخر ،أو متنه لإسناد آخر. والمنقلب :الذي ينقلب بعض لفظه على الراوي ،فيتغير معناه. والمديح : بالموحدة والجيم ما رواه المتقاربان في السن القرينان، أحدهما عن الآخر مع تقارب الإسناد كرواية أبي هريرة عن عائشة ،أو عائشة عن أبي هريرة. والمصحف :هو الذي يغير بنقط الحروف أو حركاتها أو سكناتها. والناسخ والمنسوخ :يعرف النسخ بنص الشارع ،أو بالتاريخ ،فإن لم يعرف إسنادا لكثرة الرواة وأمكن ترجيح أحدهما بوجه من وجوه الترجيح مت نا أو وصفاتهم تع ين المصير وإلا ،وأمكن الجمع بينهما. والمختلف :أن يوجد حديثان متضادان في المعنى بحسب الظاهر فيجمع ما ينافي القضاء. والغريب :كحديث الزهري ممن يجمع حديثه لعدالته عندهم ،وضبطه إذا تفرد عنهم بالحديث رجل ،وإن رواه منهم اثنان أو ثلاثة ،فهو العزيز ،وإن رواه أكثر فهو المشهور ،والغريب إما صحيح أو غير صحيح ،والغريب أيضا إما إسنادا لا مت نا ،كحديث إسنادا ومت نا ،وهو ما تفرد برواية متنه واحد أو غريب يعرف متنه عن جماعة من الصحابة إذا انفرد بروايته واحد عن صحابي آخر. والمع لل :ولا يقال المعلول ،وقيل :جائز لورود لفظ عليل هو الخبر الذي ظاهره السلامة لجمعه شروط الصحة ،وفيه علة خفية فيها غموض تظهر للنقاد أطباء الحديث ،الحاذقين بعلله عند جمع طرق الحديث .وهذا أغمض أنواع 13وفاء الضمانة بأداء الأمانة في فن الحديث علوم الحديث وأدقها ،ولا يقوم به إلا ذو فهم ثاقب ،وحفظ واسع ،ومعرفة تامة بمراتب الرواة ،وملكة قوية بالأسانيد والمتون ،وقد تقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة على دعواه. والمد لس : بفتح اللام مشددة ثلاثة: الأول :أن يسقط اسم شيخه ويرتقي إلى شيخ شيخه ،أو من فوقه فيستند ذلك عنه بلفظ لا يقتضي الاتصال ،بل بلفظ موهوم. ضعيفا بين شيخ شيخه الثقتين فيستويالثاني :تدليس التسوية بأن يسقط الإسناد كله ثقات ،وهو شر التدليس. الثالث :تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه الذي سمع منه بغير اسمه المعروف أو ينسبه أو يصفه بما لم يشتهر به تعمية كيلا يعرف. والمدرج :هو ما أدخل في الحديث من كلام بعض الرواة ،فيظن أنه من وآخرا، الحديث أو ذكر متنان فيه بإسنادين .والإدراج :يكون أولا ووس طا وهو الأكثر. والمشهور :ما شاع عند أهل الحديث خاصة بأن نقله رواة كثيرون ،أو اشتهر عندهم وعند غيرهم نحو» :إنما الأعمال بالنيات« ،أو عند غيرهم .وذكر البعض أن المشهور هو أول أقسام الآحاد ،وأنه هو ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين. والعالي :خمسة :المطلق وهو القرب من رسول االله ژ بعدد قليل بالنسبة إلى سند آخر ،يرد بذلك الحديث بعينه بعدد كثير ،أو بالنسبة لمطلق الأسانيد، والقربة من إمام من أئمة ذوي صفة عالية كالحفظ والضبط ،والقرب بالنسبة لرواية أصحاب كتب الحديث المعتبرة كالقرب من مسند الربيع ،ومسند البخاري ومسلم .والعلو بتقدم وفاة الراوي. مائة كتاب إباضي14 والنازل :كالعالي بالنسبة إلى ضد الأقسام العالية. والمسلسل :ما ورد بحالة واحدة في الرواة أو الرواية ،اتصل إلى رسول االله ژ أو انقطع دونه ،وهو ما تتابع فيه رجال الإسناد على حالة احدة. ويجمع أطفيش أربعين حديثا في توحيد االله 8؛ يعرض فيها أحاديث من كان على أديان أخرى قبل بعثة الرسول ژ ،ومن كان على أديان أخرى بعد بعثه ژ ،ثم يذكر أحاديث في أركان الإسلام والعبادات .ثم يورد حديثا عن معنى الإيمان ،وهو قوله ژ » :الإيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان«. وقد اختلفت الإباضية في معنى الإيمان عن فرقة المرجئة .فقد ذهبت المرجئة إلى أن الإيمان قول بلا عمل ،أما الإباضية فترى إدخال العمل كركن من أركان الإيمان .أما الاكتفاء بالقول دون العمل فليس من الإيمان في شيء. كما تضمن هذا الباب حديثا عن القدر ،فكان ژ يقول» :القدر نظام وحد االله وآمن بالقدر فقد استمسك بالعروة الوثقى« يعني :منالتوحيد ،فمن  قال :لا يعلم االله الشيء حتى يكون ،فقد نفى القدر عن االله ،ومن قال :الإنسان تكون من النورخالق لفعله ،فقد نفى القدر عن االله ج ل وعلا ،ومن قال :الخير  تكون من الظلمة ،فقد نفى القدر عن االله سبحانه ،ومن قال :االله خلقوالشر  الخير وإبليس خلق الشر ،فقد نفى القدر .وكذلك من نفى الإرادة من االله ،فقد مرادا الله. نفى القدر وكفر ،وكل واقع ثم يعرض المؤلف أربعين حديثا في الطهارة والنجس .وأربعين حديثا في الحاجة الإنسانية والاستنجاء ،ويذكر أن رسول االله ژ كان لا يدخل لقضاء الحاجة بخاتمه ،بل يضعه في مكان ثم يدخل ،وكان نقشه محمد رسول االله، وكذا لا يدخل أحد لحاجة الإنسان إلا بعد نزع ما عليه مما فيه اسم االله أو القرآن ،ورخص إذا ستر. 15وفاء الضمانة بأداء الأمانة في فن الحديث ويذكر المؤلف أربعين حديثا في الحيض والنفاس ،وأربعين حديثا في النية مطلوبة للوضوء ،فلا الجنابة والغسل ،وفي الوضوء .ويرى المؤلف أن النية ليست بفرض،بنية التقرب إلى االله ،ونقل عن أبي حنيفة :أن ثواب إلا والنية للوضوء عنده واجبة غير فريضة .وكان رسول االله ژ يغتسل ويتوضأ من الماء العذب والمالح وماء السماء .وكان يوالي ،ولكن كان يقر أصحابه على علي يرخص في غسل اليسار قبل اليمين ،ويقول :ما أبالي تفريق الوضوء ،كان  إذا تممت وضوئي بأي عضو بدأت. ثم يذكر المؤلف أربعين حديثا في مستحبات الوضوء ومكروهاته ،وأربعين حديثا في نواقض الطهور ،وفي الصلاة .قال ابن عباس :فرضت الصلاة قبل ليلة الإسراء صلاتين فقط ،صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة بعد غروبها، خمسا، وفرضت ليلة الإسراء بعد ذلك خمسين ،وما زالت تنقص حتى كانت وقبل الركعتين والإسراء كان الواجب قيام الليل كما في سورة المزمل ،و نسخ وبقي وجوبه عليه ژ . وتحت موضوع »الصلاة« ذكر المؤلف بعض الأحاديث عن :أوقات الصلاة، وفي قضاء الفوائت وغير الوقت ،وفي الأذان والإقامة ،وفي أحوال المسجد، وفي لباس الصلاة ومكانها والطهارة ،وفي آداب الصلاة وما لها ،وفي نواقض الصلاة ،والقول الواجب ،والوقوف والركوع والسجود والرفع والتحيات والتسليم وسجود السهو. ذاكرا في كل موضوعكما بحث المؤلف موضوعات أخرى في الصلاة أربعين حديثا ،مثل :السفر والجمع بين الصلاتين ،وصلاة الجماعة ،والإمام، والمأموم ،والسنن المؤكدات ،والسنن غير المؤكدة ،والصلاة والسلام على النبي. كما عرض المؤلف بعض الأحاديث الواردة في الموت وشأنه ،فقد كان رسول االله ژ يأمر بتغطية الميت إذا خرجت روحه ،ويرخص في تقبيله بعد مائة كتاب إباضي16 موته .ثم يذكر أحاديث في تجهيز الميت وتكفينه ،وفي الصلاة على الميت وفي القبر والدفن وزيارة القبور ،وكان ژ يأمر بتسوية القبور ،وأن لا ترفع رفعا قليلا كما كان قبره ژ .وكان ژ ينهى عن اتخاذ القبورولا تجصص إلا مساجد ،وإيقاد السرج فيها ،ويجوز زيارة القبور بقصد الخشوع. ويعرض المؤلف بعض الأحاديث في الزكاة وفي النصاب والوقت ،وعلى من تجب ولمن تعطى ،ثم عرض أربعين حديثا في صدقات التطوع ،ويذكر أن رسول االله ژ فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ،من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ،ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ،ومعنى فرضها تأكيد. وينتقل المؤلف إلى فريضة الصوم ،ويورد الموضوعات الداخلة فيه ،وفي كل موضوع يذكر أربعين حديثا ،فيما يصح به الصوم ،وفي الإفطار ،وفي الإطعام ،وفي صوم التطوع. كما يعرض المؤلف الأحاديث النبوية في الحج والعمرة .فيذكر ابن عباس أن النبي ژ لم يحج من المدينة غير حجة واحدة وهي الوداع ،وحج قبل الهجرة حجتين ،فتلك ثلاث حجج .وقال ژ » :الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن«. وتحدث عن الاستطاعة ،ورأى أنها الزاد والراحلة .ثم عرض أحاديث في الإحرام وفيما للمحرم وما ليس له ،وفي المواقيت والجزاء ،وفي دخول مكة والطواف والسعي ،وفي القران والتمتع والإفراد ،وفي الرمي والذبح والحلق والزيارة ،وفي الضحية والهدي ،وفي الذبائح والصيد والطعام. ثم يعرض المؤلف أحاديث في الآداب الواجب أن يتحلى بها الإنسان، ومنها آداب الأكل والشرب ،وآداب اللباس ،وآداب الإنسان في نفسه ،وحقوق الوالدين ،ووصل الأرحام والمسلمين ،والشفقة على خلق االله ،وقضاء الحوائج، ورعاية اليتيم والجار والمملوك. 17وفاء الضمانة بأداء الأمانة في فن الحديث ويتناول المؤلف من الآداب :الحلم والصبر وحسن الخلق ،ويذكر قول أنس :كان رسول االله ژ من أحسن الناس خلقا ،واالله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين ،ما علمته قال لشيء صنعته لم فعلت كذا ولا كذا ،ولا لشيء تركته هلا فعلت كذا وكذا. ويعرض المؤلف أحاديث في الإيمان .ويذكر قوله ژ » :من كان منكم حال فا فليحلف باالله أو ليصمت« فالحلف بغير االله منهي عنه إجما عا ،نهي تحريم على الصحيح في مذهب الإباضية ،وهو مشهور الحنابلة ،ومذهب الظاهرية ،ونهي كراهة وهو مشهور المالكية ،وراجح الشافعية ،وعن مالك يكفر؛ أي :يشرك الحالف بغير االله. ثم يتناول موضوع النكاح والترغيب فيه ،فيذكر حديثا للرسول ژ : »يا معشر الشباب ،من استطاع منكم الباءة فليتزوج ،فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ،ومن لم يستطع فعليه بالصوم ،فإنه له وجاء«. والشباب بالضم للشين والشد للباء :جمع شاب .والباءة :الجماع؛ من استطاع مؤونة التزوج .فحذف المضاف ،واستعمل الباءة في سببها وآلتها .والوجاء بالكسر والمد أو بالفتح والقصر وفي الوجاء قطع الشهوة ش به به الصوم. ويذكر المؤلف أربعين حديثا في أن لا ي ر د الخاطب ،ووقت التزوج ،والنظر إلى المخطوبة ،والخطبة ،وما يقال للمتزوج ،وما يقول إذا دخل على أهله. قال ژ » :لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك« وذلك بالجزم عن نهي الغائب ،أو بالرفع على النفي بمعنى النهي ،والنهي للتحريم على أصله هنا عند الجمهور ،وهو الصحيح. وإن خطب أو ساوم صح العقد مع أنه للتحريم ،وزعم بعض أن العقد منفسخ وهو مردود .وللمالكية القولان ،وقيل :بفسخه قبل الدخول .وحجة الجمهور أن النهي عنه الخطبة وليست شر طا في صحة النكاح ،فلا يفسخ مائة كتاب إباضي18 لوقوعها ،غير صحيحة ،وأنه لو أذن الأول لغيره في الخطبة لجازت لمن أذن له .وقيل :النهي هنا للندب ،وإذا خطبت امرأة رجلا فلا تخطبه امرأة أخرى إذا مر في خطبة الرجل على خطبة الآخر،عرفت أنه أراد واحدة فقط ،وفيها ما وصرحوا باستحباب أن تخطب المرأة الرجل من أهل الفضل ،وإذا أذن الخاطب الأول لمن يخطب جاز. ثم يقدم المؤلف أحاديث في إعلان النكاح والأكفاء ،والمهر والاستثمار والأولياء والزينة وحقوق الأزواج والعشرة ،ونفقة الزوج والولد ،وفيمن لا يحل من يحل ،وفي الطلاق والفداء ،والإيلاء والظهار واللعان ،والإحداد والرجعة. كما يتناول المؤلف موضوعات المعاملات فيذكر أحاديث في الاقتصاد وطلب الرزق ،وفيما لا يجوز فيه البيوع ،وفي البيوع الفاسدة ،وفي حل عقدة الدين ،وفي القرض والقراض والسلم والشركة والوكالة، البيع والتأثير فيها وفي  والإجارة والعارية والوديعة والشفعة والرهن والولاة والجوار والغصب. كان رسول االله ژ يرخص للولي في الأكل من مال اليتيم بالمعروف بشرط العمل والحاجة ،فيأكل من مال اليتيم فكان قيامه عليه وتحصين ماله غير مسرف ولا مبذر ولا يقي ماله بمال اليتيم .وكان ابن عمر يزكي مال اليتيم ويستودعه ،ويستقرض منه ،ويدفعه مضاربة. ذاكرا قوله ژ » :إقامة حد من كما يعرض المؤلف أحاديث في الحدود حدود االله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد االله « 8فعرض أحاديث حد الزنى والقذف ،وحد السرقة ،وحد شارب الخمر ،وحد الردة ،وحد القصاص والديات. ويقدم المؤلف أحاديث في الجهاد ذكر فيها أن رسول االله ژ كان إذا أ مر خيرا ،ثم قال له:أميرا على جيش أوصاه بتقوى االله ،وبمن معه من المسلمين »اغز بسم االله في سبيل االله ،قاتلوا من كفر باالله ،اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليد ا ،وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث 19وفاء الضمانة بأداء الأمانة في فن الحديث خصال ،ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ،فإن أبوا فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين ،ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء ،إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ،فإن هم أبوا فاسألهم الجزية ،فإن هم أجابوك فاقبل منهم ،فإن هم أبوا فاستعن باالله وقاتلهم«. كما عرض المؤلف أربعين حديثا في الإمامة .فقد كان رسول االله ژ إذا أ مر رجلا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى االله ومن معه من المسلمين خيرا ،وقال» :اغزوا باسم االله ،وفي سبيل االله ،قاتلوا من كفر باالله ،ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليد ا«. ويختم المؤلف كتابه بأجزائه الستة بذكر أحاديث في البعث والحساب والصحف والصراط والحوض والميزان والشفاعة والجنة والنار. 20 π«∏©dG AÉØ°Th π«ædG ìô°T ) ¢û«ØWCG ∞°Sƒj øH óaëe ΩÉeE’Gت ١٣٣٢ه١٩١٤/م( مكتبة الإرشاد جدة المملكة العربية السعودية ،ط،٣ ١٤٠٥ه١٩٨٥/م. ١٧جز ءا هذا الكتاب شرح لكتاب »النيل وشفاء العليل« لمؤلفه الشيخ عبد العزيز الثميني معتمد المذهب الإباضي في الفتوى بالمغرب ،وهو كتاب غزير المادة، يجد فيه عشاق الفقه المقارن بغيتهم ،ويطلون منه على حديقة الفقه الإباضي. وقد قام بشرح هذا الكتاب العالم الشيخ محمد بن يوسف أطفيش ،الملقب بقطب الأئمة. والمؤلف هو ضياء الدين عبد العزيز الثميني )١٢٢٣ - ١١٣٠ه( الجامع بين المعقول والمنقول .ولد الإمام بميزاب سنة ١١٣٠ه ،وشب بها وترعرع. وتعلم القرآن الكريم والمبادئ الأولية ،ثم انتقل به والده إلى وارجلان ،فنشأ بها وقضى فيها معظم شبابه .ب ي د أن كنز مواهبه ظل مدفو نا لم يتح له من قب ماهر يستخرج تبره ،فانصرف إلى تدبير أملاك والده إلى أن أناف على الثلاثين. وكان ذا استعداد قوي ومواهب ونفس جياشة يسوؤها ما تشاهده من مآسي وبعد الناس عن العلم مجتمعه واستفحال الجهل فيه ،وتأصل العادات الفاسدة ، مكتفين بما توارثوه من عادات وتقاليد ،فكثرت البدع ،فكان على العلماء وهم ورثة الأنبياء التصدي لتيار الجهل والانحراف والقيام بمهمة تصحيح العقيدة ونشر العلم. وصادف إذ ذاك عودة عالم جليل من المشرق هو الشيخ أبو زكرياء 21شرح النيل وشفاء العليل يحيى بن صالح الذي أصبح شيخه فيما بعد ،حيث التحق به ولازم حلقته ،فلم يلبث أن ظهر نبوغه حتى تأهل للتأليف وشيخه على قيد الحياة. فصيحا بطبعه أهل الشيخ عبد العزيز لاكتمال شخصيته العلمية أنه كانوقد وورث الفصاحة عن أسرته ،ونشأ في الصحراء موطن الفصاحة والبيان. وقد قرأ الكثير من النثر والشعر البليغ ،فاكتسب منها متانة الأسلوب والاقتدار على التعبير ،لقد كان أبلغ من شيخه وأفصح .وكان أبو زكرياء يعجب بأسلوبه الفصيح القوي فسماه» :العربي السليقة« ودعاه إلى التأليف ،فاستجاب الشيخ عبد العزيز ،وأ لف كتابه» :النيل« ،وعرضه عليه بعد أن اعتزل مدة ثماني عشرة سنة ،فأقره عليه. وقد انتهت إلى الشيخ عبد العزيز الإمامة العلمية ،وأسندت إليه رسم يا رئيسا مشيخة المجلس ببلدته سنة ١٢٠١ه ،ومشيخة ميزاب بأجمعها ،وسمي لمجلس )عمي سعيد( أعلى مجلس تنتهي إليه قضايا مجتمعه ،وأسمى هيئة تجتمع بين سلطتيها :التشريعية ،والتنفيذية ،فقام بما أسند إليه أفضل قيام، وأنهج السبيل أمام من جاء بعده. أما تآليف الشيخ عبد العزيز ،فمنها: ١ كتاب» :النيل وشفاء العليل« ،وهو من أجمل تآليفه وأحسنها. ٢ »التكميل« لما أخل به كتاب النيل ،اختصره من كتاب »الأرضين« في الفن المعماري. ٣ »الورد البسام في رياض الأحكام« ،في الأحكام والمعاملات ،كلاهما جعله تتمة للنيل. ٤ »التاج في التوحيد والفقه« من أج ل كتبه المعتمدة في عشرة مجلدات، اختصر فيه كتاب »منهاج الطالبين وبلاغ الراغبين«. مائة كتاب إباضي22 ٥ »التاج في حقوق الأزواج« كتاب جامع للنظام العائلي والحقوق الزوجية. ٦ »المصباح« مختصر كتابي »أبي مسألة« ،و»الألواح«. ٧ »النور« شرح النونية في علم الكلام. ٨ »مختصر حاشية مسند الربيع بن حبيب« في الحديث في ثلاثة مجلدات. ٩ »تعاظم الموجين ،شرح مرج البحرين« في الفلسفة والمنطق والهندسة، أفرغه في قالب من البيان بديع ،إلا أنه توفي ولم يتمه. ١٠ »معالم الدين« في الفلسفة وأصول الدين .سلك فيه طريقة كتاب: »المواقف« ،والكتاب في مجلدين. وبعد حياة حافلة بالعلم والعمل والإصلاح الاجتماعي ،توفي 5عشية السبت ١١رجب ١٢٢٣ه ،وعمره ثلاث وتسعون سنة. العلامة الشيخ محمد بن يوسف أطفيش ،ولد القطبأما شارح النيل فهو  في بني يسقن في سنة ١٢٣٦ه ،ثم انتقل به والده إلى غرداية ،فقضى فيها مدة طفولته الأولى ،وكان والده 5مح با للعلم ومن أعيان الإصلاح وحماة النهضة الحديثة في وادي ميزاب ،والتي نشأت في القرن الثاني عشر الهجري ومرت في خمسة أدوار ،وقادها في كل دور زعيم مخلص من العلماء الكبار أو جماعة من العلماء المخلصين. وكان القطب في طفولته أقوى التلاميذ حافظة وأكثرهم إقبالا على دروسه فختم القرآن وأتقن حفظه وهو ابن ثماني سنين. ثم درس على أستاذه وشقيقه الشيخ إبراهيم بن يوسف كل العلوم الشرعية والعربية ،وخاصة التفسير والحديث والفقه وأصول التشريع ،وفي العربية: النحو ،والصرف ،والبلاغة ،والعروض ،كما درس سيرة الرسول والخلفاء الراشدين ،وكان 5لطموحه ونبوغه ورسوخه في العربية قد نظم كتاب: »المغني« لابن هشام في خمسة آلاف بيت. 23شرح النيل وشفاء العليل وكانت براعته ونبوغه في العلوم الشرعية ،وفي علم الكلام والمنطق كبراعته ونبوغه في علوم العربية .وجلس للتدريس مع أخيه في مدرسته وهو في سن السادسة عشرة من عمره ،وما إن جاوز العشرين حتى أضحى أكبر عالم دارا للتعليم ،وعكف على التأليف ،وشمر للإصلاحفي وادي ميزاب ،ففتح الاجتماعي ،والسير بالنهضة إلى غاياتها المثلى. وكان الشيخ محمد بن يوسف أطفيش ينوه بالشيخ عبد العزيز الثميني، ويثني عليه ،ويذكر فضله عليه ،ويراه أكبر أساتذته ،وقد درس خزائن كتبه ومؤلفاته ،فكونته. وكان واسع الأفق في القراءة واقتناء الكتب ،لا يتعصب لمذهب إسلامي فيحصر نفسه فيه .إنه يدرس كتب المذاهب الإسلامية كلها ،ويشتريها ويسعى وراءها كما يسعى وراء كتب المذهب الإباضي. لقد كانت مكتبته تحتوي كتب المذهب المالكي الكبرى في الحديث والفقه والتفسير وعلم الكلام ،وكذلك كتب الحنفية والشافعية والحنابلة والمعتزلة والشيعة ،وقد درسها كلها وعرف المذاهب الإسلامية معرفة صحيحة من كتب أصحابها. ورحل إلى المشرق لأداء فريضة الحج ،وزار المدينة المنورة ،واجتمع بكبار علمائها ،وكانت مؤلفاته قد ذاعت وانتشرت واطلع عليها علماء الحجاز، وعرفوا مكانته وجهاده في سبيل الإصلاح والتعليم في الجزائر والمغرب. وقد أ لف الشيخ أطفيش في التفسير ،والحديث ،وفي التوحيد ،والفقه، والعبادات والمعاملات ،وفي أصول التشريع ،وفي النحو والصرف والبلاغة، وفي التاريخ والديانات القديمة ،وفي الأنساب والمذاهب ،وفي العروض، وأ لف في التجويد ،وفي المنطق والحساب ،وفي الميراث ،وفي الفلك ،وفي الفلاحة ،وفي الأخلاق ،وفي غير ذلك من المواضيع. مائة كتاب إباضي24 ويعد كتاب» :شرح النيل وشفاء العليل« دائرة معارف في الفقه الإسلامي استعرض فيه وفي مسائله أقوال المذاهب الإسلامية الكبرى ،وعرضها بأمانة، وناقشها في براعة ونزاهة ،وقارن بينها ورجح منها ما يرجح بالدليل والبرهان والسنة ما أجمع عليه علماء المسلمين. من الكتاب واستمر الشيخ الجليل في جهاده العلمي والتعليمي ،لم ينقطع عن القراءة الطويلة العميقة والتحصيل المستمر إلى أن انتقل إلى جوار ربه 5في عام عاما. ١٣٣٢ه عن عمر يناهز ستة وتسعين أجل كتب الفقه الإسلامي ،وهو من أمهاتعد كتاب »شرح النيل« منوي  كتب المذهب الإباضي المنتشر في شمال إفريقيا وغيرها من البلاد الإسلامية في عصرنا الحاضر .والكتاب جليل بتراثه ،وهو شرح لمتن عظيم وضعه الشيخ ضياء الدين عبد العزيز الثميني إمام الجيل الأخير من القرن الثاني عشر والجيل أجل علماءالأول من القرن الثالث عشر الهجري ،والشرح من عالم جليل من المذهب الإباضي أفاض االله عليه العلم والتفقه في الدين حتى غدا الشرح من السهل الممتنع. ويبدأ الشيخ أطفيش مقدمة الجزء الأول بالحديث عن أن الكتاب في الفقه: أي :الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد؛ كوجوب الصلوات الخمس والزكاة ونحوهما ،وكمية ذلك ومواقيته ،وغير ذلك ،فإنه ليس في القرآن أن ذلك واجب ،بل فيه الأمر ،فحمل الأمر بفن أصول الفقه على الوجوب ،فما ورد في فقها ،ويطلق الفقه على العلم بالأحكام الشرعية التي والسنة لا يسمى القرآن أيضا، أيضا .وقد يطلق لفظ الفقه على الأحكام غير الاجتهادية طريقها الاجتهاد وعلى العلم بها. جامعا لفنون الفقه من صلاة وبيع وغيرهما ،مبي نا لماوهذا الكتاب جاء به الفتوى :أي :لما الفتوى به ،والإفتاء على مذهب الإباضية الوهبية، 25شرح النيل وشفاء العليل ويحتوي الكتاب اثنين وعشرين موضو عا ،ويقع هذا المطبوع في سبعة جزءا. عشر الموضوع الأول :في الطهارات .والطهارة صفة حكمية توجب لموصوفها إباحة الصلاة به أو فيه أو له .فالأولان من خبث والأخيرة من حدث ،ومعنى حكمية أنه يحكم بها ويقدر قيامها بمحلها. ويضم هذا الكتاب الأول أبواب في أدب قضاء حاجة الإنسان ،وكيفية الاستنجاء ،والوضوء ،ونواقض الوضوء ،وغسل الجنابة ،وموجبات الاغتسال، والحيض وعلامات الطهر ،والاعتداد بالحيض ،والانتساب ،وأحكام النفاس، وأحكام الحيض والاستحاضة ،والتيمم وكيفية التطهير من الأنجاس. والطهارة فرض .ودليلها من القرآن قوله تعالىP O N M ﴿ : واجبا ما لم ] ﴾ Qالتوبة [١٠٨ :واالله إذا مدح أحدا بشيء وأطلق كان الشيء يدل دليل ،وكان تطهرهم إمرار الماء على المخرجين. وفرض الوضوء؛ أي :استعمال الماء لأعضاء مخصوصة .وأبيح الوضوء لأن يكون الإنسان على طهارة من غير إرادة الصلاة ،ولزم الوضوء المكلف، أي :المأمور المنهي منا ومن الجن أو الملزم ما فيه مشقة منا ومنهم بدخول وقت الصلاة. ومن فرائض الوضوء المتفق عليها :النية ،وغسل الوجه باستيعاب ،أي: تعميم ،واليدين للمرفقين ،ومسح الرأس وغسل الرجلين مع الكعبين. وسنة الوضوء التسمية ،أي ذكر أي :اسم من أسماء االله ،والأولى أن يقال: والسنة تؤدى ببسم االله ،وإن قال :بسم االله الرحمن بسم االله ،أو يكمل البسملة. الرحيم فقد أداها وزاد وهو أحسن .والمقصود من البسملة التبرك بها في دفع الوسواس وفي إتمام الوضوء ،وهذا يحصل بعبارة بسم االله لا بنحو سبحان االله ولا إله إلا االله. مائة كتاب إباضي26 والحدث معنى قائم بالبدن مانع من العبادة المخصوصة كالصلاة ،وهو كون متنجسا غسل النجس ولم يتوضأ أو لم يغسله ،ويوجبالمكلف فاعلا لكبيرة ،أو الجنابة كالجماع .وحكم النجس تنجيس البدن وامتناع أشياء كالصلاة ،فإنه يجزئ في غسل النجس بالماء المطلق ،وهو الباقي على أوصاف خلقته بلا مخالط. والتيمم لغة القصد ،ومن اللغوي قوله تعالى] ﴾ 1⁄4 ﴿ :النساء[٤٣ : وتستعمل تلك الطهارة عند العجز عن استعمال الماء أو عند عدم الماء. والتطهير به جائز مع الصحة والمرض ،وجد الماء أو فقد ،لأنه ليس بأفعال مخصوصة ،والتيمم هو مما خصت به الأمة المحمدية عن سائر الأمم كالوضوء ،ولو شاركتها فيه الأنبياء لقوله ژ » :هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي« وحكمته اللطف بهذه الأمة والإحسان إليها. وأبيح التيمم لمريض لا يقدر على الماء ،ومسافر في عدم وجود الماء. والمريض المباح له كذلك كل مضن أثقله المرض واه ضعيف الأعضاء ،عاجز عن استعمال الماء أو خائف من استعماله زيادة مرض أو تأخير شفاء. وشرط التيمم النية لرفع الحدث لتسوغ الصلاة أو الصوم أو نحوهما، ودخول وقت العبادة التي يتيمم بها كأوقات الصلوات الخمس ،وأوقات القضاء لمن أراد أن يقضي فيها ،ووقت الذكر من نسيان أو الانتباه من النوم ،فإنه وقت المنسية والمنوم عنها ووقت النفل .فمن تيمم عند الغروب أو الطلوع أو التوسط لنفل أو فرض أو قضاء لم يجز تيممه إلا عند من أجاز التيمم قبل الوقت. ويبدأ الجزء الثاني بالموضوع الثاني :وهو عن الصلاة ووظائفها. والصلاة لغة :الدعاء بالخير ،وشر عا :قربة ذات إحرام وتسليم أو سجود. والصلاة المفروضة من أركان الدين؛ أي :من جوانبه القوية .والدين الطاعة أو الأحكام الشرعية ،المسماة من حيث إنه يخضع لها دي نا ،ومن حيث ورودها من الشارع شريعة. 27شرح النيل وشفاء العليل والدين بمعنى الأحكام الشرعية وضع إلهي سائق لأولي الألباب باختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات .ويتناول الأصول والفروع .والإسلام هو هذا الدين المنسوب إلى سيدنا محمد ژ .المشتمل على العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة. وقد فرضت الصلاة ليلة الإسراء في السابع والعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة ،وقيل :بعد المبعث بخمس سنين ،وقيل :فرضت قبل خمس غدوا وعش يا تسع سنين والنبي ژ بمكة ،ثم فرضت الخمسالصلوات ركعتان  ليلة الإسراء. وعرض الشارع في هذا الموضوع أنواع الصلوات ،مثل :صلاة الجمعة، وصلاة الخوف ،وصلاة السنن ،وصلاة العيدين ،وغيرها. والموضوع الثالث :في الجنائز ،والجنائز جمع جنازة بالفتح والكسر .وقيل: الجنازة بالفتح للنعش وبالكسر للميت. وللميت حق على الأحياء ،ومن حق الميت تلقين الشهادة له إذا حضره الموت أو ملك الموت أو حضره الناس للوصية ،وأجاز بعضهم تلقين الشهادة لمشرك وينبغي أمره بالتوبة والوصية والصدقة ،وينبغي لحاضره قراءة ۤيس أو الملك أو غيرهن ،وتقطع القراءة إذا مات. الرعد أو النحل أو ويعتبر خروج روحه بسكون عرق متحرك بين كعبيه وعرقوبه ،فتحت كل كعب عرق يتحرك بتحرك عرق واحد ،وعرق تحت كفه مما يلي الإبهام. وأولى الناس بالصلاة على الميت أبوه وأبو أبيه ثم الزوج ثم الابن ثم الأخ الشقيق ثم غير الشقيق ،ثم العم ،ثم الأقرب فالأقرب .وإن صلى عليه بعيد ولو أجنب يا فصلاته كافية .وإن صلى عليه واحد سقط الفرض عن الباقي. ويبدأ الجزء الثالث من الكتاب بالموضوع الرابع :وهو عن الزكاة .وهي في مائة كتاب إباضي28 خيرا،اللغة :تطلق على الزيادة ،ولا يخفى أن المال يزيد بها ،ويزيد بها المؤمن وعلى البركة .والبركة تكون في صاحبها وماله ،وتثمر في النفس فضيلة الكرم، وعلى الطهارة ،والمال يطهر بها وصاحبها يطهر بها من الذنوب التي منها البخل. وفي الشرع :تعني ما يخرج من مال أو بدن على وجه مخصوص لطائفة مخصوصة بالنية ،وهي إخراج جزء من المال عن المال أو البدن. وهي فرض قرن بالصلاة في الذكر؛ ولذا ذكرها بعد الصلاة ،وإلا ويقتل مانعها عن إمامففرضها تأخر عن فرض الصوم ،ولا صلاة لتاركها ، عادل أو عامله أو مأموره ،لقوله تعالى¬ « a ©̈ ﴿ : ® ﴾ ]التوبة.[٥ : وتجب الزكاة على كل بالغ مسلم مالك للنصاب ،وأوجب بعضهم إخراجها على من عنده مال يتيم أو غيره ،والنصاب :القدر الذي تجب فيه ملك ا تا ما ناقصا ،ويأتي إجما عا ،وهي في البر والشعير والتمر والزبيب والحبوب،لا ملك ا وفي النقدين :الذهب والفضة. والموضوع الخامس :في الصوم ،وهو لغة :الإمساك ،وشر عا :إمساك المكلف بالنية من الليل عند تناول المطعم والمشرب ،وكل ما يصل الجوف، والاستمناء ،والاستقاء والجماع والكبائر من الفجر إلى المغرب تقربا إلى االله. والصوم إما واجب أو مندوب ،والمسنون داخل في المندوب ،والأول إما في زمن معين كرمضان ،أو لمعنى كالكفارة ونحوها هو كغيره من العبادات يتم ونية. بعلم وعمل والعلم بدخول شهر رمضان يحصل بالرؤية والخبر وإكمال العدة .أما الرؤية فمشاهدة المرء بنفسه الهلال أو غيره .وشهادة العدلين توجب عملا 29شرح النيل وشفاء العليل علما .وأما النية فهي شرط في صحة الصوم لحديث» :لا صوم لمن لم يبيتلا الصيام من الليل«. أما الجزء الرابع من الكتاب فيدور حول فريضة الحج .ويعرفها لغة :بأنها السفر إلى بيت االله الحرام للنسك دون غيره من الأسفار لكثرة اختلاف الناس اصطلاحا :قطع المناسك ،وقيل :القصد إلى بيت االله الحرام بأعمالإليه .والحج مخصوصة. والحج كالصوم والزكاة والصلاة مما بني الإسلام عليه كالتوحيد .ووجوب منصوصا عليه .ويشترط فيه البلوغ والعقل والسنة الحج مما ذكره القرآن والإسلام والحرية والاستطاعة. وقيل :إن الاستطاعة هي الزاد والراحلة .وعلى هذا فيجب على من وجدهما ولو كان غير صحيح البدن غير آمن الطريق وغير واجد للمرافقة ،فيجب عليه من حين وجدهما إلى أن يصح ويأمن الطريق ويجد المرافقة فيحج أو يوصي مريضا أو غير آمن أو غير واجد للمرافقة. به أو يستأجر من يحج له حين كان ثم يعرض المؤلف مناسك الحج من دخول مكة والطواف والسعي، والخروج لمنى والإحرام والتروية وعرفة والرمي والحلق والذبح وغيره حتى طواف الوداع. أيضا موضوعات »في الأيمان والكفارات والذبائح«ويضم هذا الجزء وشروطها وضرورة التسمية ،والنية ،واستقبال القبلة عند التذكية .وفيما تصح به الزكاة منها وفيمن تحرم ذكاته. ويعرض الجزء الخامس لموضوع الحقوق ،ويبدأ بحقوق الوالدين ،إذ فرض على الولد بر والديه ،أي :الإحسان إليهما وموافقتهما فيما أرادا .ويقال: طاعة الوالدين ،لأن معنى طاعتهما مطاوعتهما .ويطيعهما في الواجب والمسنون مائة كتاب إباضي30 أيضا في المكروه لأنه في غير معصية ،وغيروالمندوب والمباح ،ويطيعهما آثما لأن المكروه منهي عنه. مكلف بتركه ،ولو عصاهما فيه لم يكن ومن ضمن الحقوق التي عرضها المؤلف في هذا الجزء ،حقوق الأرحام، وحق اليتيم ،وحق الجار ،وحق الصاحب ،وحق المسلمين ،وحق ابن السبيل، وحق الضيافة وحق المسجد ،وحق المجلس ،وحق السلام والاستئذان. ويتناول الجزء السادس من الكتاب موضوع »النكاح« .وهو يعني شر عا: العقد ،والوطء مجاز ا .ويتحدث المؤلف عما خص به نبينا محمد ژ في النكاح ،ثم عرض ما يحرم فيه وما يمتنع من تزويج المرأة .كما عرض لموضوعات الزواج من الخطبة والهدية على التزويج ،ورضا المرأة وإنكارها، والإشهاد على النكاح ،ونقد الصداق وتأخيره ،وعقد النكاح ،وحق الزوجين، والعدل بين النساء. ويبدأ الجزء السابع من الكتاب بموضوع »الرضاع« ويذكر المؤلف أن المرأة لا ترضع غير ولدها بلا ضرورة إلا بإذن زوجها .والرضاع المحرم وعدد من المسائل الخاصة بالرضاع. كما يتناول هذا الجزء موضوعات فيمن فقد عن زوجة ثم تزوجت غيره، وأنواع من مسائل الفقه .وموضوع »الظهار« ،و»الإيلاء« ،و»الفداء« ،و»الخلع«، و»الإحصان« ،و»اللعان« ،و»المتعة« ،و»الطلاق«. والطلاق هو حل العصمة المنعقدة بين الزوجين .ويستشهد المؤلف برأي إمام الحرمين الجويني بأن الطلاق إما حرام وهو البدعي ،ويقال له :طلاق بدعة وهو الموقع في حيض أو في طهر مس فيه ،أو وقع مرتين أو أكثر في طهر واحد بلفظ واحد أو بأكثر ،وإما مكروه :وهو الواقع بغير سبب ،وإما واجب :وهو في صور منها الشقاق ،وإما مندوب :وهو طلاق غير العفيفة، وإما جائز. 31شرح النيل وشفاء العليل السنة ،وهو ما خالف البدعي فيوالنوع الثاني من الطلاق يقال له :طلاق  السني بقول: عرف تفسيره المذكور فيشمل تلك الأقسام كلها غير البدعي .وقد السنة تطليقة واحدة بطهر لم تمس فيه ،وما يخرج بكل قيد فهو بدعي.طلاق  ويعرض الجزء الثامن موضوع» :البيوع« .والبيوع هو جميع بيع جمع كثرة. والبيع جائز بالإجماع لنحو قوله تعالى] ﴾ 9 8 7 ﴿ :البقرة [٢٧٥ :ومنكره مشرك ،والحكمة تقتضيه؛ لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبه، وصاحبه قد لا يبذله ،ففي تشريع البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج والسنة والإجماع ،وإباحته في آياتوهو نعمة من االله تعالى ،وهو جائز بالقرآن كثيرة .ويستشهد المؤلف برأي ابن رشد وهو مالكي أن البيوع الجائزة هي التي لم يحظرها الشرع ولا ورد فيها نهي. ويشمل هذا الجزء موضوعات في الربا والبيع الفاسد ،والاستحقاق، والصرف والسلم ،وغيرها من موضوعات تتعلق بالمعاملات. ويستكمل الجزء التاسع موضوعات» :البيوع« ويتناول مسائل الرهن ،والبيع بالنقد ،وبيع الدين ،والوكالة في قبض الدين ،وبيع الخيار ،وبيع المشاركة، وبيع المرابحة ،والحوالة ،والحمالة. ويعرض الجزء الحادي عشر موضوعات» :الإجارات« ومعناها ،وهو الشركة بأنواعها والحيازة والإجارة والقسمة وجواز شركة المضاربة ،وشروط المضاربة، وأحكام القراض ،وشركة المفاوضة ،والقسمة وشروطها وأحكامها. والسنة ويتناول الجزء الثاني عشر موضوع» :الرهن« وهو جائز في الكتاب لقوله تعالى] ﴾ * ) ( ' & % $ # " ﴿ :البقرة.[٢٨٣ : كما تضمن هذا الجزء موضو عا عن »الشفعة« ،وعرفت شر عا :بأنها »تمليك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض« .ويجب الحكم مائة كتاب إباضي32 بها لقوله ژ » :الجار أحق بصقبه« أي :بشفعته ،وأركان الشفعة هي :مشفوع فيه، وشافع ،ومشفع عليه ،وصفة أخذها. ويتحدث الجزء الثاني عشر من الكتاب عن موضوع» :الهبة« .وهي لغة: إيصال الشيء لأحد بما ينفعه مالا كان أو غير مال ،وشر عا :تمليك بلا عوض. ولثواب الآخرة صدقة .وهي تصح في كل مملوك ،وتجوز في طيب نفس واهبها بلا خلف إن كانت لا لثواب. أيضا موضوع »الوصايا« .وهي جمع وصية.كما بحث المؤلف في هذا الجزء والوصية شر عا :عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت ،وقد يصحبه التبرع، أيضا على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات.وتطلق شر عا والوصية تبرع بحق مضاف إلى ما بعد الموت ،ليس بتدبير ولا تعليق عتق. ذكرا ويرى المؤلف وجوب الإيصاء ،حيث يلزم كل مكلف بالغ عاقل ، حرا إن ترك مالا إيصاء لأقاربه ،وأن من مات بغير وصية فقد ختمأو أنثى ، حياته بمعصية. ويعرض الكتاب في الجزء الثالث عشر لموضوع» :الأحكام« وبيان آداب شروطه وما يتعلق بشأنه ،وكذا الحاكم ،ويتناول لفظ الحاكم الخليفة والقاضي .والحكم لغة: إثبات الشيء أو نفيه ،وفي أصول الفقه :خطاب االله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من حيث إنه مكلف بالاقتضاء أو التخيير ،وخطاب االله :أمره ونهيه. ومن الأحكام :الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ويرى المؤلف أنهما واجبان في كل زمان على قدر الطاقة ،فرض كفاية على كل مكلف عالم بأن ذلك معروف أو منكر ،إلا ما لا يوسع في معرفة كفر فاعله أو شركه ،والأمر بالمعروف الواجب نهي عن المنكر ،والحكم بين المتخاصمين من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن الأدلة على الأمر والنهي قوله تعالى& % $ # " ﴿ : 33شرح النيل وشفاء العليل ' ﴾ ]النساء ،[١٣٥ :وقوله تعالى] ﴾ x w v ﴿ :الحجرات ،[٩ :وقوله تعالى: ﴿ ] ﴾ N M L Kالنحل.[٩٠ : ومن استطاع الأمر والنهي بلسانه وبيده وقلبه فليفعل ،ومن لم يستطع بلسانه فعل بيده وقلبه ،ومن لم يستطع بيده فعل بلسانه وبقلبه ،ومن لم يستطع بهما فعل بقلبه .وينبغي أن يلي الأمراء العلماء باللسان ،ويبقى القلب للعامة. وليس للعامة إخراج الحدود مطلقا ،ولكن للإنسان أن يؤدب أهله. أحكاما أخرى ،مثل :الشهادة ،والدعاوي ،والتذكية، أيضا ويشمل هذا الجزء والجروح ،والدعوى في المعاملات ،والحيازة ،والإقرار ،والتفليس ،والصلح، والتسعير ،والحجر ،وغيرها من موضوعات تختص بها الأحكام. والجزء الرابع عشر في »النفقات« .والنفقة ما به قوام معتاد حال .والنفقة: الشيء الذي يعطى في الإنفاق ،وأصل النفقة قوله تعالى3 2 1 0 ﴿ : ] ﴾ 4الطلاق .[٦ :ويتناول المؤلف في هذا الموضوع نفقة النساء على أزواجهن. كما يضم هذا الجزء موضوعات في الحرب ،والجهاد ،والإمامة والدفاع ومن يصلح لها ،وطاعة إمام الدفاع ،والقتال والهجوم ،والحرب المحقة والمبطلة ،والمواثيق والعهود والدفاع ،وموقف المرتد وحكم الإسلام فيه. ويتحدث المؤلف في الجزء الخامس عشر من الكتاب عن »الديات« وهي عوضا عن الجروح والكسور والقتل ،وما يحق فيها من القصاص.ما تدفع وكذلك يضم هذا الجزء موضوع» :الفرائض« ،وميراث ذوي الأرحام وأحكامه. والجزء السادس عشر في »الأفعال المنجية من المهلكة« .والمذكور في مندوبا إليها، الكتاب أفعال المكلفين واجبة أو محرمة أو مكروهة أو لا خصوص المنجية من المهلكة ،إلا أن مراعاتها سبب للنجاة. ويتناول المؤلف من أفعال الإنسان :الكبر والرياء ،وبغض الكفر وأهله، مائة كتاب إباضي34 وحب الحمد والشرف والعجب والمداراة ،والفخر والخيلاء ،ويصفهما بأنهما كبيرتان .كما يتناول العديد من الأفعال والمشاعر وب ين موقف الإسلام منها. أما الجزء السابع عشر والأخير من هذا الكتاب فيبدأ بموضوع »الشك والارتياب« .والشك خلاف اليقين ترجح أو لم يترجح ،والمشهور أنه استواء الطرفين ،والشك أصله الجهل ،أي :ينشأ عن الجهل ويتولد عنه ،فهو فرع له وأصل للارتياب .والشاك في الدين كافر ،والشاك في االله مشرك ،ولا يجتمع العلم والشك والجهل في شيء من أمر الدين أو غيره؛ لأن العلم اعتقاد جازم مطابق للواقع ،والجهل عدم تصور الشيء بالكلية ،والشك تردد النفس بين متقابلين. ويتحدث المؤلف في هذا الجزء في أركان الدين ،وهي :الاستسلام ،وهو محبوبا أو مكرو ها بلا معاوضة ،والرضا الانقياد والخضوع لما سيقع من االله، وعدم السخط مما وقع قدره من االله ،والتوكل ،وهو السكون إلى ما عند االله من نعمة أو حكم شرعي ،فإنه م نة من االله تعالى ،ولا ينافيه الكسب ،لأنه بالقلب والكسب بالجوارح ،والتفويض ،وهو رد الأمر إلى االله ،وهذه الأركان متداخلات. ويتحدث المؤلف عن الرضا ،ويعتبره ثمرة من ثمار المحبة ،وأنه من أعلى مقامات المقربين ،لكن تفاوت الناس فيه ،وأنكر قوم الرضا بما يخالف الهوى، وزعم هؤلاء المنكرون أنه لا يتصور فيما يخالف الهوى إلا الصبر ،ويرده أن الحب يورث الرضا بفعل الحبيب .ويستشهد المؤلف ببعض أقوال الصوفية الدالة على مقام الرضا .وأن الدعاء لا يناقض الرضا ،وكذا كراهة المعاصي وبغض أهلها وأسبابها والنهي عنها .فالرضا بالقضاء رضا بفعل االله ،والكراهة بغض لتناولها. كما يتناول المؤلف في هذا الجزء بعض مقامات الصوفية الأخرى، مثل :اليقين ،والإخلاص ،والتقرب ،والنية ،والتفكر ،والشكر ،والصبر ،وغيرها. 35 ́ô`ØdGh π`°UC’G πeÉ°T ) ¢û«ØWCG ∞°Sƒj øH óaëe ï«°ûdGت ١٣٣٢ه١٩١٤/م( وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان١٤٢٨ ،ه٢٠٠٧/م. ج ٢٦٤ :٢صفحةعدد الصفحات :ج ٢٨٧ :١صفحة يبدأ المؤلف هذا الكتاب بتحديد المقصود من هذا الكتاب ،فيذكر أنه وضعه للمبتدئ ،ويشمل أصولا وفرو عا ،وليس فضله عن المتوسط والمتناهي ممنو عا. ويشتمل الكتاب الأساسي على أربعة كتب فرعية .الكتاب الأول :في العلم، ويتكون من خمسة عشر بابا. الباب الأول منه في العلم والإيمان والجائز من الكلام ،والملائكة والجن والشياطين. علما لأنه علاقة يتميز بها العالم ويهتدي ويفسر المؤلف أن العلم سمي بها ،وهو لغة :المعرفة ،وقيل :إدراك المركبات ،والمعرفة إدراك البسائط ،وقيل: العلم يطلق على إدراك البسيط ،وعلى إدراك المركب. وأجل العلم معرفة االله ،وهي أول الواجبات لا التفكر فيه .وبعدها معرفة الأوامر والنواهي .وأصل العلم هو القرآن؛ لأنه هو مفجر العلوم ومنبعها. وعن فضل العلم يقول ژ » :اطلبوا العلم ،فإن فيه حياة القلوب ومصابيح الأبصار وقوة الأبدان« .وأراد بمصابيح الأبصار ما أراد بقوله» :حياة القلوب«، فإن المراد بالأبصار أبصار القلوب ،فالجمع بينهما للتأكيد. مائة كتاب إباضي36 ويحتمل أنه يريد بحياة القلوب :علم القلوب كالخشوع والإجلال ،وتحقير النفس ومعرفة دسائسها ،وبمصابيح الأبصار :علم ما تعمل الجوارح واللسان، وما تترك في حق االله وعباده ،ويحتمل أن يريد أبصار الوجه. وعلى العالم أن يكون أعمل وأصبر وأعفى وأحمل للأذى .فقد روي عن الرسول ژ » :شر الناس العلماء إذا فسدوا« .ويقال :زلة العالم لا تقال ولا تستقال .وزلته كالسفينة تغرق ويغرق فيها كثير. أما العقل فهو نور في القلب ،والعقل الذي يزيد وينقص هو المكتسب. ويفضل المؤلف أن العقل واحد مغروز في الإنسان. واش ت هر أن الملائكة بعقول والبهائم بشهوة .والبشر بعقول وشهوة ،فكلما ازدادوا عملا بمقتضى العقل في أمر الدين أو في أمر المباح ازدادوا ميلا إلى إعراضا عنه ازدادوا ميلا والتحاقا إلى عالم الملائكة والتحاقا به .وكلما ازدادوا عالم البهائم. فأدب يعيش به وإلا فإخوان عقل يو لد معه ،فإن عدم المرء وأفضل ما يؤتى ففم صامت ،وإلا فمال يتجنب به الناس يستره ،وإلايسترون عورته ،وإلا فموت جارف ومن اجتنب المحرمات وأدى الفرائض فهو العاقل ولو كان في عقله قصر وخفة. والسنة ،والإجماع،  ويتناول المؤلف مصادر التشريع ويذكر أنها هي :القرآن، واحدا من الثلاثة الأولى أشرك ،وهن أصل القياس ،وإنماوالقياس ،ومن أنكر كان أصلا في الدين بواسطة اعتماده على الثلاثة. والحديث الموافق للقرآن مقبول .وكذا المجمع عليه ،ويرد ما خالفه لأنه مكذوب منه عنه ژ .وبعض الأحاديث بعد صحتها تحتمل التأويل .وجاحد الشيء المجمع عليه المعلوم من الدين ،حتى أنه كالأمر الضروري مشرك كالصلاة. 37شامل الأصل والفرع والإجماع اتفاق من وجد في عصر بعد النبي ژ من مجتهدين لم يوجد غيرهما أو أكثر ،كذلك من أهل ملة الإسلام على اعتقاد أو قول أو فعل ،أو على القدر المشترك بين الثلاثة أو اثنين منها أو بين اثنين وآخر ،ولا يعتبر على الصحيح ،وفاق غير المجتهدين ولا مخالفتهم للمجتهدين. وحجة الإجماع السكوتي فيه خلاف ،والصحيح أنه حجة؛ لأن سكوت باقيهم على ما حكم به بعضهم مع قدرتهم كالنطق بتصويبه .واخ تلف في القياس فقيل :جائز ،وقيل :لا ،وقيل :جائز في التوحيد ،وقيل :في الأحكام. والصحيح الأول ،وأنه حجة؛ لقوله تعالى] ﴾ 2 ﴿ :الحشر [٢ :أي :قيسوا شائعا مع سكوت الباقين. متكررا الشيء بالشيء ،ولعمل كثير من الصحابة به والقياس :حمل الفرع على الأصل في الحكم لمساواة الأصل في علة حكمه بأن توجد فيه علة الحكم بتمامها عند الحامل المجتهد ،فقد يصيب وقد يخطئ. وأجاز ابن بركة قياس الفرع بالفرع ،وليس منه قياس قاذف المحصن على قاذف المحصنة؛ لأن قاذفها منصوص في الآية ،فهو أصل خلافا لما قيل :إن منه ذلك. وعن الحجة والفتيا يشير المؤلف إلى أن الواحد حجة في فتياه على أهل الأرض إذا كان الحق معه ،وقائم مقام من لا يحصى كأهل الأرض كلهم ،كما قامت الحجة على أهل الأرض بنبينا محمد ژ في نسخ الشرائع وغيره .ولو مؤيدا بالمعجزات غير أنه يكون المأمون في حق المقلد كالنبي في كان النبي حق الأمة لا بد من قبوله ،وقد أشار أهل قباء في صلاتهم عن بيت المقدس إلى الكعبة بخبر واحد أن القبلة تحولت إليها. عالما إلا إن ظهر أنه حق ،ولا حق ولا يحسن الأخذ بقول مخالف ولو ثقة معهم فيما خالفونا فيه مما لا يجوز فيه الاختلاف ،ولا يصدق ثقة منهم فيما مائة كتاب إباضي38 نسبه إلى النبي ژ أو إلى الصحابة أو إلى التابعين ،كما ينسبون إلى جابر بن زيد ،وعدوه في الثقات إن لم تعرف صحته. أما التقليد فهو مقبول القول أو الفعل أو التقرير الدال على الرضا من غير تقييدا، اجتهادا ،بل واسطة تسمى تقليدا ولا دليل ،وأما قبوله بدليل فليس مجتهدا آخر وادعى بعضهم أنه اجتهاد وافق اجتهاد الأول .وأما اتباع مجتهد بعد النظر في دليل الأول فاجتهاد لا تقليد. ويلزم المكلف المأمور والمنهي من االله ،وأن يعرف أن االله موجود بلا أول محمدا ژولا آخر ،ولا شبه ،ولا مكان يحويه ،ولا زمان يجري عليه ،وأن عبده ورسوله ،وأن ما جاء به حق ،وينطق بذلك ،وإن لم ينطق لم يكن بعدم مشركا فيما بينه وبين االله. نطقه والأمر التعبدي لا يصح ولا يثاب عليه إلا بالنية .والذي عقل معناه يصح فرضا بلا نية لزومه لم يسقط عنه ،وإنبدونها ولا يثاب عليه إلا بها ،ومن أدى معلما عند بعض. أداه على أنه إن لزمه فقد أداه .أجزاه إن فقد ولا يسع جهل تحريم إلهين اثنين أو أكثر ،ولا جهل أنه يكون اعتقاد التعدد شركا ،ويعذر في خصال الشرك ما لم يقارف ولو بالرضا بشيء منها ،وفي جهل البعث ونحوه حتى تقوم الحجة ،أو يقارف بالإنكار أو تصويب المنكر .والقاعدة فيما لا ي ع لم الوقوف حتى يعلم لقوله تعالى] ﴾ Ç Æ Å Ä Ã Â Á ﴿ :الإسراء.[٣٦ : وتحدث المؤلف عن الإيمان والإسلام واليقين والكفر .فقال :إن الإيمان التصديق ويتم عند أصحابنا وأكثر المخالفين بالنطق. والإسلام الانقياد للأحكام الشرعية امتثالا ،ويستعمل الإسلام بمعنى التصديق والإيمان بمعنى الانقياد للأحكام :فالأول :من استعمال اللفظ في معنى سبب مدلوله الحقيقي ،والثاني :من استعمال اللفظ في معنى مسبب مدلوله. 39شامل الأصل والفرع وقد يستعمل الإيمان في التصديق والانقياد معا .وكذا الإسلام فحينئذ يكونان حقيقة عرفية لا مجاز ا لغويا ،وقد يطلقان على الأحكام الشرعية كما يطلق عليها الدين والشريعة والملة. ويزداد الإيمان بقوة النظر الاعتباري والفكر والأعمال الصالحة ،وينقص بالغفلة عن ذلك والأعمال المحرمة .والإيمان نفسه علم لا شك ولا ظن. ويزداد بازدياد العلم حتى يرسخ ،فإذا رسخ كان يقي نا .فدرجة العلم الراسخ أفضل من درجة الإيمان لقوله تعالىà ß Þ Ý Ü Û Ú ﴿ : ] ﴾ â áالمجادلة.[١١ : وغالب الأحكام الشرعية ظنية ،فإذا قوي الظن انتقل إلى العلم ،وهو نور يقذفه االله في قلب الإنسان فينشرح له ،وعلامته التجافي عن الدنيا والاستعداد للآخرة .واليقين هو علم راسخ لا يشوبه شك ولا اضطراب كأنه مشاهدة منزها عن معارضة الشكوك ،فإن الشيطانومكاشفة ،وليس صاحب اليقين والنفس قد يعارضانه بالشكوك ،لكن لا يؤثران فيه ،بل يخرقهما نور اليقين. واليقين يدعو إلى قصر الأمل ،وقصره يدعو إلى الزهد الموروث للحكمة للنظر في العواقب ،وعلامته النظر إلى االله في كل شيء ،والرجوع إليه في كل أمر ،والاستعانة به على كل حال. والكفر لغة :الستر ،و عرفا :عدم شكر النعمة :إما بالإشراك وإما بعمل سائر أيضا ،ويسمى عمل الكبائر كفر الكبائر ،ويترتب على الإشراك عمل الكبائر النعمة .وقال به بعض الأشعرية ،وأثبته الإباضية بأصنافها والصفرية والشيعة، ونفاة القدرية والمرجئة وأكثر الأشعرية. والشرك لغة :المساواة ،وشر عا :جحود االله ،أو كتاب من كتبه ،أو نبي من أنبيائه ،أو صفة من صفاته ،أو بعض كتاب ،وتسوية غيره به في شيء ،أو الشك في نحو الجنة والنار أو نبي أو ملك أو كتاب بعد علمه. مائة كتاب إباضي40 وقيل :وإن شك أن لعيسى أبا بعد العلم بأنه لا أب له أشرك ،وإن شك في كفرا دون الشرك إن أقر أن الظهر أربع وإلا أشرك ،وقيل: صلاة الجمعة كفر أشرك ولو أقر أن الصلاة أربع. والنفاق لغة :الخروج من غير المدخل ،وإخفاء غير ما أظهر ،وشر عا: مخالفة الفعل القول ،أو السر العلانية .والمنافق من أظهر التوحيد وأخفى الشرك .والنفاق على كل حال داخل في الكفر. والدعاء فرض وضمن االله فيه الإجابة؛ لقوله تعالى﴾ 1 0 / ﴿ : ]غافر ،[٦٠ :وضمان الإجابة مشروط بالطعام الحلال والشراب الحلال ،وكون المطلوب غير محرم؛ لأن المحرم لا يجوز في صفات االله ضمان بإجابته. وينبغي أن يقيد الدعاء بالصلاح والخير ،وجاز رفع الصوت بالدعاء والذكر في يوم عرفات بلا إسراف ،ويجوز الدعاء بالموت على فاسق مؤذ ويؤ من على دعاء المتولي في أمر الدنيا والآخرة ،إلا إن كان دعا بماللناس ، يجوز عنده لا عند المؤمن كالدعاء بالشر على من هو في البراءة عنده لا عند المؤمن. وندب للمرء إذا عقل أن يتعلم الطهارة ،ولمن قام به أن يرفعه إلى المعلم ليتعلم في صغره الحروف وما يترتب عليها ،والأيام والشهور ،والفاتحة وما بعدها ،أو ما تيسر ويمهد لنفسه قبل البلوغ. ويعلم الوضوء والصلاة والصوم والأوقات ،ويصوم رمضان ،إن لم يخف أن يضعفه ،ويتعلم معرفة االله فإنها أول الواجبات ،ثم معرفة الرسول ،ثم يتدرج إلى ممكن له كالنحو والفقه والفرائض والحساب والطب. ثم عرض المؤلف لجمع القرآن وترتيبه والمحكم والمتشابه ،وذكر أن ويعرف عند سماعه ولا يحتمل وجهينالم حك م هو ما علق حكمه بظاهره ، 41شامل الأصل والفرع كقوله تعالى] ﴾ , + * ) ﴿ :الإخلاص [٣ :و﴿ ﴾ 3 2 1 الم حك م ما عرف بظاهره أو بالتأويل. ]الشورى ،[١١ :وقيل : والمتشابه ما استأثر االله بعلمه كقيام الساعة ،ونحو ﴿ ! ﴾ و ﴿ ﴾ rمن أوائل السور .وقيل :المحكم ما وضح معناه ،والمتشابه نقيضه ،وقيل :المحكم وجها ،والمتشابه ما يحتمل وجهين وما فوق ،وقيل :المحكم ما عقلما يحتمل معناه ،والمتشابه خلافه :كأعداد الصلوات ،واختصاص الصوم برمضان دون شعبان ،وقيل :المحكم ما استقل والمتشابه ما لا يستقل ،بل يرد إلى غيره، وقيل :المحكم ما لم تتكرر ألفاظه ،والمتشابه ما تكررت ألفاظه ،وقيل :المحكم الفرائض والوعد والوعيد ،والمتشابه القصص والأمثال. والقرآن كله إما محكم وإما متشابه؛ لقوله تعالىp o n m l ﴿ : ] ﴾ s r qآل عمران.[٧ : وقد خلق االله الملائكة من نور ،فهم أجسام لها نور ،وقيل :هم نور متجمد كما يجمد الماء ،وقيل :من الريح ،وهم مكلفون؛ أي :مأمورون منهيون ولا تلحقهم مشقة ،وقيل :مقصورون على الطاعة ،ومحبوسون عليها لا مطبوعون عليها. والجن لفظ عام ،والشيطان من كفر منهم ،والخاطر من االله يدعو لفعل وإلزاما للحجة وامتحا نا من الملك إلى حب الطاعة ومبادرتهاإكراما الخير مرشدا ،ومن النفس إلى التزين والراحة والتنعم ،أو إلى خير هو شر،ناصحا ومن الشيطان إلى الأخلاق المهلكة. وعنوان الكتاب الثاني :في الولاية والبراءة والوقوف والذنوب والتوبة وعمل الباطن والأولياء والبعث والزينة والنفث والسواك والأكل والشرب والنوم والأدب والطب والتنجية والعفو والوصل والإذن والسلام ،وما للرجل والنية والمال والجبر. مع امرأته وما أبيح لها، مائة كتاب إباضي42 والسنة والإجماع على كلإن ولاية الجملة وبراءتها فريضتان بالكتاب مكلف عند بلوغه إن قامت عليه الحجة ،وإلا فهو موسع له حتى تقوم ،أو يقارف بخلاف مقتضاهما ثم إذا قامت ولم يفعل نافق وإن أنكر أشرك. ومن عمل حسنات وسيئات كتبت وجوزي بأيها أكثر ،وهو ظاهر الأحاديث ،وقيل :إذا عمل حسنة ثم سيئة محت السيئة الحسنة ،واختلف في صرا ،وإنما النظر إلى ما هو أكثر، حسناته حال الإصرار ،قيل :تكتب ولو مات م  وقيل :لا تكتب حسناته حال إصراره الذي مات عليه ،وقيل :لا تكتب مطلقا. صرا بطل عمله كله، والمشهور في مذهب إباضية المغرب أنه إن مات م تائبا رد االله عمله كله ،وأثابه مكان كل ذنب حسنة من حيث إنه تابوإن مات عنه ،وقيل :يعوض في مستقبل عمره ويضاعف له عمله حتى يجتمع له مثل ما أحبط من عمله. عمدا؛ كالصلاة والصوم والزكاة والتوبة والاستغفاروالكبيرة إما ترك فريضة تسويفاوالندم والقضاء والكفارة في غير الزكاة مما ذكر ،ومن مات ولم يقصد أو جهلا هلك ،وإن تاب وتأهب فف جئ بالموت لم يهلك. وأقذر الذنوب ظلم المرأة صداقها والأجير أجرته .والصغيرة لا تنتقل من كونها صغيرة ونفس الإصرار هو الذي يكون الكبيرة ،وإن قال :أتوب إذا دخل غدا ،وقيل :لا إذ دان بالتوبة ،ومن أذنبوقت الظهر أو كذا أو ساعة كذا أو صغيرا ولم ينو العود إليه ،ولم يتهاون به ،ولم تخطر له التوبة فيؤخرها ولكن بمصر.غفل فليس ومن الكبائر إظهار الإنسان معصية سترها االله عليه .والتوبة من الصغائر واجبة ولو كان لا طاقة للإنسان على ترك الذنب لأن التوبة حق الله وإجلال له ،وإجلاله عاصيا ،ولأنه لا يدري لعله واجب على أي حال ،ولو على من تيقن أنه يموت يموت قبل أن يذنب بذنب آخر ،وإن أذنب فقد غنم التوبة من الأول. 43شامل الأصل والفرع ويجب الاتصاف بأوصاف العبودية؛ كالتواضع والخوف والحذر ،فمن لم يتصف بها ملكته نفسه ،وبمراقبة النفس تنمو الطاعة ويبارك في العمر القصير فينال فيه ما لا ينال في الطول. واختلفت الأمة هل تعمل الأنبياء الكبائر أم تعمل قبل النبوة لا بعد؟ وهل تعمل الصغائر أم لا؟ والجمهور على أنهم لا يعملون الكبائر مطلقا ،واختلف الجمهور في الصغائر .وأثبت المعاصي للأنبياء بدون أن يعلم أنها صغائر أو كبائر عند االله ،وهي مغفورة لهم سواء كن كبائر أو صغار لتوبتهم ،ويدل على ذلك قوله تعالى﴾ ¬ « a ©̈ § ❁ ¥ ¤ £ ¢ ﴿ : ]طه.[١٢٢ - ١٢١ : وأفضل المخلوقات على الإطلاق الملائكة والثقلين .وسيدنا محمد ژ وفضائله بحر لا ندرك قعره ،وأفضل أمته أبو بكر ،ثم عمر ،ويقطع لهما بالجنة، ويلي الصحابة التابعون ،ويلي التابعين تابعوهم. وأجمع أهل الإسلام على أن حشر الأجساد جائز ،وأنه هو الذي سيقع كما يدل عليه القرآن والحديث ،وهما دليل نقلي على الجواز وعلى الوقوع، وأما الجواز عقلا فلأن إعادة ما فني ممكنة لقبوله ذلك .والوجود أمر واحد ابتداء وإعادة ،فلا يقدح في ذلك كون الوجود الأول مطلقا في ذاته لا يختلف والثاني بعد طريان العدم فهو خاص ،ولا كونه لا يلزم من وجود المطلق إمكان الخاص. وتفنى الأجسام إلا عجب الذنب ،فإن الحيوان يركب منه ،وهو كحبة خردل أسفل الصلب عند العصعص حيث ينبت ذنب الدابة. يرد االله 4ما أعدم بعينه ويجمع ما ت  فرق ويؤلفها على الكيفية التي كان عليها وبالطبع الذي مات عليه ،ويرد كل ما زال عنه بطبعه الذي عليه حين زال عنه قبل الموت من جلد وشعر ولحم وعظم. مائة كتاب إباضي44 وسميت الآخرةوسميت الدنيا دنيا لدنو ذهابها وزوالها ،وقيل :لدناءتها ، آخرة لتأخرها ،ووقت الإنسان بعد موته قبل انقراض الدنيا ،ووقته بعد انقراضها وقبل البعث من الآخرة ،وقيل :من الدنيا ،وقيل :واسطة ،ويقال :ليس شيء أقرب من شيء من الدنيا إلى الآخرة ،وليس شيء أبعد من شيء من الآخرة إلى الدنيا لامتناع الرجوع إليها. وتحدث المؤلف عن الأدب ،وقال :يدخل فيه الأبواب كلها لأنه التشرع ندبا ،في حق االله ،أو غير ذلك.وجوبا أو وتركا، بالأمر الشرعي فعلا أما الكتاب الثالث :فهو في الطهارات وما يتصل بها .فيتحدث المؤلف فيه عن أنواع النجاسات من بلل الحيوان ونجاسة المائع ،وفي نجس الغبرة والدخان والنار والريح ،وفي أدب قضاء حاجة الإنسان والاستنجاء بنحو الحجارة. ثم يتكلم المؤلف في التطهير ،فيذكر أنه إذا كان الماء النجس في إناء أو كثيرا بحيث يدخل على الماءموضع وصب عليه الماء بشدة ،وكان المصبوب النجس ويخرجه ويفيضه بشدته ويغلبه لكونه مثيله أو أكثر فقد طهر ما بقي، لأن الخارج هو السابق لا إلى الذي يصب بشدة. ويجوز التطهير بالتراب لقوله ژ » :جعلت لي الأرض مسجد ا وترابها طهورا« بفتح الطاء ،أي :شي ئا يتطهر به كالوضوء بفتح الواو .فإذا حك بالتراب بدون أو حجر أو عود أو غيرهن من الأشياء الصلبة حتى زال بلله النجس أو نجسه اليابس طهر ،وكذا إذا حك إلى التراب ،وسواء في ذلك وجد الماء أو لم يوجد. ويؤذن للأرواح عند النوم فتسجد الله تبارك وتعالى تحت العرش إلا روح من نام على جنابة فترتد من تحت السماء الدنيا إلا من استبرأ وغسل يديه وفرجيه ومضمض ثلاث وتيمم ،وقيل :يكفيه ذلك بلا تيمم. 45شامل الأصل والفرع أما الوضوء فهو بخلاف الجنابة ،فإن البدن كله فيها عضو واحد ،فيجوز غسل عضو من ماء عضو آخر ،ولو من الرأس إلى الرجلين ،وأما في الوضوء فلا تمسح لمعة عضو إلا من مائه المتصل به ،فلكل عضو ماؤه. وينوى بالوضوء رفع الحدث ،وبالغسل رفع الجنابة ،فيكفي ذلك ولو لم بالنية ،ولا عن واحد من أصحابه في الوضوءينطق ،ولم يرد عنه ژ أنه تلفظ ولا في الاغتسال ،لكن قد قال» :إنما الأعمال بالنيات« .فعلمنا أنه كان ينوي، من نوى أداء ما وجب عليه من وضوء أو غسل ،ولم ينو رفع الحدث أو الجنابة ففي الإجزاء قولان. ويستحب تكرير المغسول في الاغتسال والوضوء ثلاثا ،فتكريره في الوضوء في كل عضو بمرة وليس هو أن يتوضأ مرة مرة ،ثم يعيد ،ثم يعيد، وإن فعل ذلك فليس ذلك من سنة التكرير ،وهو أقرب إلى ما روي» :أن الوضوء على الوضوء نور على نور«. وإن حضر ذا ماء جنب وميت وحائض أو نفساء ،وأراد أن يجود به فليجد به على الميت؛ لأن غسله حق على من حضره،ولا يكفي إلا واحد، بخلاف اغتسال هؤلاء فإن غسل كل لا يتعلق بذمة غيره ،فليتيمموا ،وإن كان للميت واحتيج إليه لتنجية تيمموا له وضمنوه لوارثه ،وإن لم يحتج فليغسل به. وغسل الميت واجب لقوله ژ » :اغسلوا موتاكم« ،وهو فرض كفاية ويجري فيه ما يجرى في غسل الجنابة ،والوضوء على الخلاف .فالمختار أنه لا يجوز إلا بالمطلق إلا في الثانية والثالثة فيجوز بمتغير كورق سدر مدقوق يخلط في الثانية ،وكافور في الثالثة؛ لأن الواجب مرة وما فوقها سنة مستحبة. وندب في آخر الغسل كافور يطرح في الإناء ثم يصب على بدنه من رأسه لقدميه وتنقية أظفاره ،وأما قطع الظفر أو شعر إبط أو عانة أو شارب أو حلق ذلك أو قصه كما يفعل في الحياة فلا يفعل بالميت. مائة كتاب إباضي46 وروي عن رسول االله ژ » :لقنوا موتاكم لا إله إلا االله ،وأغمضوا عينيه عند خروج روحه ،وضموا فمه برفق« ،وجاز البكاء من غير نواح ،ولا قول محرم، ولا سخط قضاء وقدر ،وأن يستقبل به عند احتضاره وعند تطهيره وتكفينه إن تكلفا لتذكرأمكن سواء عن غلبة حزن وضيق به يستريح القلب ،أو كان الذنوب ،وهو من أفضل القربات. ويجوز زيارة القبور لتذكر الآخرة والتوبة من الذنوب والخشوع وهي سنة ومنع رفع الصوت بالبكاء فيها وقول الهجر .وقد قال ژ » :كنت نهيتكم عن هجرا«. زيارة القبور فالآن زوروها ولا تقولوا ويعرض الجزء الثاني من الكتاب الكتاب الرابع ،وهو عن الصلاة .قيل: أول من صلى الخمس أبونا آدم ‰حين أهبط إلى الأرض ورأى حرارة الشمس والريح والتراب فاسود ،فصلى حين رأى الفجر بعد الظلمة ركعتين، فابيض إلى صدره ،ثم العصرأربعا في وقت الظهر فابيض رأسه ووجهه ،ثم فابيض إلى وسطه ،ثم المغرب فابيض إلى الركبة ،ثم العتمة فابيض كله .فأمر غدا وتبيض كتبهم من السيئات بالحسنات.االله هذه الأمة بها لتبيض وجوههم فذلك داخل في قول االله تعالى] ﴾ ©̈ § ﴿ :آل عمران ،[١٠٦ :فإن الصلاة من أسباب ابيضاض الوجوه. والصحيح في الصلاة الوسطى أنها العصر وعليه الجمهور ،وقيل :المغرب لأنها بين إقبال وإدبار ولا نقص فيها بسفر ،ولأنها الوسطى في الطول والقصر أربعا كالعصر ،ولا اثنتين كما الفجر ،وشاركها الفجرإذ كانت ركعاتها ثلاثا لا في كونها بين إقبال وإدبار وعدم النقص بالسفر. وقيل :تفسير الوسطى بالفضلى غير متعين ،فيجوز أن تكون الوسطى بمعنى الفضلى ،ولو لزم من تخصيصها بعدم عموم أن تكون لها مزية لجواز أن تكون للعصر مزية من وجه ،وللمغرب فضل من وجه آخر ،مثل كونها 47شامل الأصل والفرع جامعة بين فتح وختم ،وعدم حط عن مسافر ولا مقيم .ولا يعدم القول بأن الوسطى الوتر. تأثيرا في التخفيف كالفطر في إن القصر في السفر رخصة وتخفيف لأن له أربعا .وبعض رمضان ،ولم يقل واحد من أصحابنا إنه يجوز للمسافر أن يصلي أربعا في السفر لأن إتيان ص ر ويجوز أن تصلى منهم قال :إن صلاة السفر ق الرخص ليس بواجب ،ولم يقل أصحابنا بذلك ولا أبو حنيفة وأصحابه ،بل أوجبنا نحن وهم القصر. وعن الأذان والإقامة يذكر المؤلف قول من قال :إن الملك في قريش، والقضاء في الأنصار ،والأذان في الحبشة ،ويعني :أن ذلك اتفق في زمانه ژ حتما في زمان يلي ذلك من تأهل له من المسلمين الأحرار.وليس والأذان للإعلام بالوقت إعلام من يأتي للجماعة وإعلام من يصلي وحده، كما يجوز له التخلف ،ولجمع الناس على الصلاة ،ولتعظيم الإسلام والترغيب فيه والدعاء إليه وإشهار شعائره ،وقيل :لجمعهم على الصلاة ،فيجوز عند بعضهم أول الوقت وهو أفضل ،ووسطه وآخره بحيث لا يفوت الصلاة ،قيل: يجوز أوله ووسطه ما لم يمض أكثر من النصف ،وأوله أفضل. واتفقت الأئمة أنه لا نداء بين الإقامة والأذان إلا للفجر إلا ابن حنبل فإنه ينادى عند إرادة الإقامة للصلاة :حي على الصلاة مرتين ،حي على الفلاح مرتين ،ثم تقام الصلاة. تقربا أو حبس ولا تحل الأجرة على الأذان ونحوه من العبادة ،وإن أعطي عليه كذلك لا استئجار أجاز الأخذ .والقول بجوازها للمؤذن ونحوه كالإمام قول لغيرنا .أما الكراهة ففيه للتحريم ،وممن قال بجوازها على الأذان :مالك، ومنعها ابن حبيب من المالكية. مائة كتاب إباضي48 والوقت كله محل للأداء عندنا ،ولا ينافيه كون آخر الوقت عفو االله؛ لأن التأخير لآخره تقصير فكان العفو عن التقصير لأن التقصير خطيئة ،بل التأخير ضعيفا بالنسبة للتوسط .والتقدم أولا صار كأنه ذنب ،فالصلاةمرجوحا لما كان موسعا ،وجميع الوقت وقت للوجوب .وإذا أديت زالوجوبا تجب بأول الوقت الوجوب .وقيل :وقت الصلاة وقت غير معين ،وأن للمكلف تعيينه بإيقاع الصلاة. وصلاة الظهر مشتقة من الظهيرة ،وهي شدة الحر ،ويقال :ظهر وظهيرة، وتسمى الأولى لأنها أول صلاة صلاها رسول االله ژ من الخمس ،وأول صلاة صلاها جبريل به. عصرا ،وقيل :من طرف وصلاة العصر مأخوذة من العشي؛ لأنه يسمى عصرا في كلام العرب. النهار؛ لأنه يسمى وصلاة المغرب مشتقة من الغروب ،وتسمى الشاهد لنجم يطلع عندها يسمى الشاهد ،وقال بعض المالكية :لكون المسافر لا يقصرها .وتسمى صلاة المغرب صلاة العشاء الأولى ،والتي بعدها صلاة العشاء الأخيرة. ولا يصلى نفل ولا قضاء بعد صلاة العصر ولا بعد صلاة الفجر ،ولو صليا ممتدا إلا صلاة نسيت و ذكر بعد ما صلاهما.أول وقتهما بقي وقتهما ولا يجزى أن يقصد المصلي بنيته إلا إلى الكعبة ،وإن لم يوافقها ،وقيل: من مكة يجزيه قصد المسجد ،ومن فيه الحرم يجزيه قصد مكة ،ومن ليس في الحرم يجزيه قصد الحرم ،وإنما ذلك لمن لم يعاين الكعبة. ويلزم نية القبلة والتوجه إليها لكل صلاة ،وقيل :إن نسي وتذكر في الصلاة نوى ومضى ،وإن تذكر بعد الفراغ صحت صلاته إن استقبل ،وإن تذكر مع التكبير نوى واتجه ،ولا يجزيه التوجه إليها بلا نية على الصحيح ،وقيل: يتحول من موضعه. يجزي ،وقيل :تجزي النية مرة ما لم 49شامل الأصل والفرع ولا تصح الصلاة إلا بستر العورة ،وزاد بعضهم ستر الصدر والظهر والمنكب وهو الصحيح .والصلاة بثياب المشركين جائزة ،لأن تلك الجبة شامية ،والشام إذ ذاك دار كفر ،وكانت من ثياب الروم وصلى بها ولم يغسلها، وادعاءاته ژ صلى بها بعد غسلها خلاف المتواتر إلا أنه يدل عليه قوله تعالى: ﴿ ] ﴾ 4 3 2التوبة .[٢٨ :وكره أبو حنيفة الصلاة في ثياب المشركين قبل الغسل ،وقال مالك :يعيد في الوقت .ومذهب بعض أصحابنا الإعادة مطلقا، ولو خرج الوقت ،وقال بعض كأبي حنيفة ،وبعض كمالك ،وبعض بالإعادة. واختلفوا في لبس الحرير في الصلاة وغيرها للرجل ،فالصحيح أنه محرم على الرجل وإن صلى به ففي صلاته قولان. وفي القراءة :أقر الرسول ژ بقراءة البسملة في أول الفاتحة ،وأول كل سورة غير سورة التوبة ،فمن تعمد تركها من الفاتحة فسدت صلاته على الصحيح ،وإن نسيها حتى ختم الفاتحة فقيل :فسدت ،وقيل :تذكر .ورجع إليها قبل أن يشرع في بسملة السورة فلا فساد عليه .وإن تعمد ترك بسملة السورة فلا فساد عليه لجواز القراءة من وسط السورة وآخرها ،كما جاز من أولها. قائما وحد الركوع من انحناء الظهر إلى تمام تعظيمه ،وقيل :إلى استوائه رافعا من التعظيم ،وقيل :هو استواؤه في ركبتيه إلى تمام تعظيمه. وتكلم المؤلف عن السهو في الصلاة ،ورأى أنه يلزم السجود للسهو لا للنسيان ،والفرق بينهما أن السهو في الشيء تركه عن غير علم بتركه، والسهو عنه تركه مع العلم بتركه ،والنسيان زواله من الحافظة. 50 ôgRC’Ǵô°ûdG o∏Y »a ôgƒédG QÉãf ) »fÓ¡ÑdG oj nóYo øH odÉ°S øH ô°UÉf ï«°ûdG o∏°ùe ƒHCGت ١٣٣٩ه١٩٢٠/م( مكتبة مسقط سلطنة عمان ،ط١٤٣٠ ،٣ه٢٠٠٩/م عدد الصفحات :ج ٥١٠ :١صفحات ج ٥١٦ :٢صفحة ج ٥٥٦ :٣صفحة ج ٤٩٦ :٤صفحة ج ٤٨٦ :٥صفحة يبدأ الكتاب بمقدمة عن المؤلف والكتاب بقلم» :سالم بن حمود بن العلامة شاعر العلماء ،وعالم الشعراء شامس« يذكر فيها أن المؤلف هو الشيخ  بإجماع العلماء ،ناصر بن سالم بن ع ديم بالتصغير بن صالح بن محمد بن عبد االله بن محمد المعروف بالبهلاني ،نسبة إلى )بهلا( إحدى عواصم عمان الداخلية ،إذ كانوا من أهلها ،الرواحي القبيلة المعروفة في عبس ،وهي رواحة ابن ربيعة بن الحارث. قاضيا كان أبوه سالم بن عديم الرواحي أحد أهل العلم في وقته ،فكان قاضيا للإمام عزان بن قيس ، 5ثم بعد انحلال دولة الإمام المذكور صار بعمان.للسلطان تركي بن سعيد جد العائلة المالكة الآن حرم( من الوادي ،انتقل أجداده إلى هذه)م ولد الشيخ أبو مسلم في البلد البلد ،وأنجب مثل هذا الشيخ ،وكان مولده في سنة )١٢٧٣ه( ،ويقال :في سنة أيضا :ولد في )نزوى(.)١٢٧٦ه( ويقال حرم( وقرأ القرآن في بلده ،ثم انتقل إلى مدينة)م نشأ هذا العالم في )زنجبار( سنة ١٢٩٥ه ،وهو إذ ذاك في آخر العقد الثاني من عمره ،أو في أول الثالث ،وزنجبار إذ ذاك في عصرها الذهبي ،بل في عصرها العربي ،بل العماني. في عصرها 51نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر وألقى إليه هذا السلطان بحكم القضاء في زنجبار ،وأسند إليه المهم من تعبر عن الأدب العربيالأحكام ،فكان مع حمله لفقه الشريعة له فكاهة شعرية يتغنى بها في تلك الربوع. وقد أنضجت الأيام هذا الشيخ ،فتجرد للعلم في خلواته ،واجتهد في تحصيله في ساعاته ،وبذل وسعه فب ز أقرانه ،ونبغ له الوعي في الفنون العديدة، كما برع في الفقه وأصول العقيدة. السلوك والدعوات الإلهية في مراحل يعجز أنوكان له اليد الطولى في  يأتي بمثلها شاعر أو ناثر .وله في أصول الأدب العربي ما لم يكن لابن دريد، وله في الملة ما لا يعرف لغيره. منسجما خال من التعقد اللغوي ،أو الغرابة ،أووكان شعر أبي مسلم بليغا التنافر المذموم ،واعترف له أهل الأدب بحسن الصنعة ،وقوة البناء ،والقدرة على التركيب ،فإنه علامة في هذه المجالات ،وله اليد الطولى في البلاغة والفصاحة ،وكان شعره في منتهى الرصانة يسبق إلى الذهن فهمه ،ويأخذ بمجامع القلب فحواه من جميع النواحي ،وتلك مواهب االله ع ز وعلا. وكان شعره في منتهى الجزالة ،وفي غاية البلاغة والفصاحة ،لا يعلق به عاب ولا يوجد فيه انتقاد عند ذوي الألباب ،ولا شك أن شعره يمتاز عن شعر تأثيرا في النفوس الواعية غيره كامتيازه عن غيره من الشعراء بالفقه ،وإن لشعره لخصائص اختص بها في مقتضيات أحوال جاء بها. أما هذا الكتاب فهو أحد مؤلفات هذا الشيخ ،أراد به أن ينثر الجوهر ،كما أراد الإمام السالمي 5أن ينظمه ،ولكل واحد من الشيخين مقصده ونيته، ولكل اسم مقتضى حال دعا إليه ،فحال الإمام السالمي أن ينظمه ليسهل حفظه، والعلامة أبو مسلم أراد أن ينثره ليستطيع تناو ل المنثور ك ل طالب. مائة كتاب إباضي52 ولا شك أن حقيقة نثار الجوهر شرح لنظام الجوهر ،لكن على أسلوب ممتزجا بالنظام امتزاج الدم باللحم ،أو امتزاج بديع ،إذ كان قد وضع الشرح اللبن بالماء ،بحيث لا يعرف الشرح من الأصل ،وهو تحقيق يشهد به العقل، وتدقيق وإيضاح يدعمه النقل. العلامة أبا مسلم له إدراك قوي في الفقه ،فينقل وينتقد ويستدل ويرجح،إن  ويفند ويصحح ،ويؤكد بقوة إدراك ،وبوعي لا يتطرق عليه ارتباك ،وكل ذلك من تخصيص االله لمن ارتضاه من عباده. العلامة أن يكون هذا الكتاب في عدة أجزاء ،يضع فيه مهارته ،ويحققوه م  فيه عبارته ،ويثبت فيه إشارته ،فكان قول كل من اطلع عليه :ليته ت م فيكون نفعه أعظم وأعظم ،فيقال :إن الحاصل منه أربعة مجلدات ،وكان على ما يقال: مجلدا ،فهو أشبه ب »معارج الآمال« من ناحية ،وإنإن لو تم لجاوز العشرين خالفه من نواح ،إلا أن أشباه البحث متقاربة ،وتوسيع الوضع متناسب. أما ترجمة المؤلف ،فقد كتبها »أحمد بن سعود السيابي« فذكر فيها أن مقياس كل تقدم حضاري هو ما تقدمه الأمة لأجيالها من فكر ن ير وأدب جم وعلم غزير يتبلور من خلال مؤلفاتهم. وقد اعتنى أهل عمان الشعب الحضاري بالتأليف منذ خير القرون ،ألا وهو القرن الأول للهجرة ،حيث ظهر المؤلف الكبير ديوان الإمام جابر بن زيد العماني رضي االله عنه وأرضاه.الأزدي وتصنيفا وكثرة ،حتىالعمانيون بطول الباع في التأليف إجادةوقد عرف بلغ المؤلف الواحد من مؤلفاتهم العشرات من المجلدات ،يتجلى ذلك في العمانية. أمهات الكتب العلامة أبو مسلم ناصر بن سالم البهلاني ،الذيوصاحب هذا الكتاب هو  53نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر جزءا لولا أن كان ينوي أن يجعل كتابه )نثار الجوهر( في اثنين وعشرين عاجلته المنية .أما ترجمته ،فيقول السيابي إنه: العلامة المحقق والشاعر أبو مسلم بن ناصر ،ينحدر من سلسلةهو كريمة وعريقة النسب ،حيث إن جده عبد االله بن محمد البهلاني كان قاضيا للإمام قاضيا أيام دولة اليعاربة على وادي محرم .كما إن أباه كان عزان بن قيس 3الذي استولى على زمام الحكم في عمان سنة )١٢٨٧ - ١٢٨٥ه(. ولد المؤلف سنة ١٢٧٣ه ،وهناك رواية أخرى أنه ولد سنة ١٢٧٧ه .أما مكان ولادته :فكان في قرية )محرم( موطن آبائه وأجداده وعشيرته ،ويبعد وادي محرم عن العاصمة مسقط حوالي ) ١٥٠كيلومتر(. وطلب المؤلف العلم منذ صغره ،وكان زميله في الدراسة الشيخ أحمد بن سعيد بن خلفان الخليلي ، 3وكانا صديقين متلازمين حتى شاء االله أن يغادر المؤلف إلى شرق أفريقية زنجبار وكان سفره إليها سنة ١٢٩٥ه. وبقي المؤلف في زنجبار خمس سنوات ،ثم رجع إلى عمان سنة )١٣٠٠ه( ،وعاد إليها مرة ثانية سنة )١٣٠٥ه( وهي عودته الأخيرة حيث بقي هناك حتى وافته المنية. أقام المؤلف في زنجبار ،وعاش في كنف حكامها الذين أحاطوه بالرعاية التامة وأولوه العناية الكاملة .وفي ذلك الجو انكب المؤلف على المطالعة وقراءة نفائس الكتب الفقهية والأدبية حتى نبغ في العربية ،وفي الشعر ،وفي الأدب ،وفي العلوم الشريعة. والذي يقرأ كتابه» :نثار الجوهر« يرى بوضوح نبوغه الفائق وتحقيقه مجتهدا مطلقا. الواسع ،فهو يعتبر بحق مائة كتاب إباضي54 قاضيا في زنجبار ،ثم تولى رئاسة ثم تقلد منصب القضاء حيث صار القضاء بها .وكانت له منزلة رفيعة ومرتبة عالية لدى الحكام. ونبغ في الشعر نبو غا حتى صار لا يشق له غبار في مضماره .وكانت له حلبة السبق في بحوره وأغراضه .وقد تناول في شعره الأغراض الشعرية كالمديح والرثاء والغزل ،وذكر المعاهد والاستنهاض والسلوك .ويتجلى ذلك عبر قصائده في المديح لم يسبقه إليه سابق حتى لقب ب »شاعر العصر« .ومن منطلق نبوغه في الأدب واهتمامه به قيامه بتأسيس جريدة )النجاح( في زنجبار، عنيت بخدمة الأدب العربي والقضايا الإسلامية والأحداث الدولية ،وكان هو رئيس تحريرها لفترة غير قصيرة من الزمن. وقد انسجم مع السيرة النبوية الشريفة فأ لف فيها كتابه» :النشأة المحمدية«، وكتابه» :النور المحمدي« .فإن القارئ يستوحي منهما عظمة النبوة الطاهرة، رائعا في قصائده الطويلة تصويرا وصور ذلك ويتبين له حقيقة الرسالة الخالدة، التي ضمنها ديوانه. وكتاب» :نثار الجوهر« شرح لكتاب» :جوهر النظام« للإمام نور الدين ويتكون في الأصل من ثلاثة أجزاء ،وكان فيعبد االله بن حميد السالمي ، 3 جزءا لولا أن الأجل وافاه قبل بلوغنية المؤلف أن يجعله في اثنين وعشرين الأمل ،ثم طبع في خمسة أجزاء هي التي بين أيدينا. وقد أودع المؤلف في هذا الكتاب خلاصة اجتهاده ونتيجة أبحاثه الطويلة مما يدل على سعة اطلاع المؤلف ورسوخ قدمه في علم الشريعة .وهو كتاب لا يستغني عنه باحث في الفقه المقارن. وقد انتقل المؤلف إلى رحمة االله في اليوم الثاني من شهر صفر سنة خمسا وستين سنة قضاها في خدمة العلم والأدب،)١٣٣٩ه( بعد أن عاش ولزوم طاعة االله ،والدفاع عن الإسلام. 55نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر ينقسم كتاب» :نثار الجوهر« إلى عدة أقسام ،كل قسم يطلق عليه المؤلف عرفه قائلا :العلم إدراك الشيء بحقيقته،وي  اسم كتاب ،وهو يبدأ بكتاب العلم ، وهو ضربان :إدراك ذات الشيء ،والحكم على الشيء بوجوب شيء هو موجود له ،أو نفي شيء هو منفي عنه. ويكون العلم من وجه ضربين :نظري وعملي ،فالنظري ما إذا عل م فقد حصل كماله نحو العلم بموجودات العالم ،والعملي ما لا يتم إلا بأن ي ع مل كالعلم بالعبادات. ويكون العلم من وجه آخر ،ضربين :عقلي وسمعي. والمعرفة فرع من فروع العلم ،إلا أنها تختص بما يتعدى إلى مفعول واحد في اصطلاح اللغة ،أو بإدراك الجزئي ،أو البسيط في اصطلاح المنطق. أما العلم اللدني فينقسم إلى :الوحي ،والإلهام ،والفراسة. واصطلاحا :كلام إلهي يصل إلى القلب النبوي،فالوحي لغة :إشارة بسرعة، مما أنزل صورته ومعناه ولا يكون إلا بواسطة جبريل ،فهو الكلام الإلهي .وقد يكون بنفثه في قلبه ،بأن يلقي معناه من غير أن يتمثل بصورة كما ح دث ژ : »إن روح القدس نفث في روعي«. والإلهام لغة :الإبلاغ ،وهو علم يقذفه االله من الغيب في قلوب عباده. والفراسة :علم ينكشف من الغيب بسبب تفرس آثار الصور .فالفرق بين الإلهام والفراسة أنها تكشف الأمور الغيبية بسبب تفرس آثار الصور ،والإلهام كشفها بلا واسطة ،والفرق بين الإلهام والوحي أنه تابع للوحي ولا عكس. ثم علم اليقين ما كان من طريق النظر والاستدلال ،وعين اليقين ما كان بطريق الكشف والنوال ،وحق اليقين ما كان بتحقيق الانفصال عن لوث الصلصال لورود رائد الوصل. مائة كتاب إباضي56 ومن أسرار االله في هذا الكون أن بعض النفوس البشرية تقتبس بعض العلم بشرا كانت أو غيره بغير واسطة الحواس ولا الاستنباط العقلي.من الموجودات ، والسنة على الوحي والإلهام تحكم بأن لا سلطان للبشرونصوص الكتاب على الملائكة بأخذ العلم منهم مشاهدة كحالتهم مع غير الملائكة ،ولكن بعض الأرواح البشرية قد تصل بطهارتها وعلو مكانتها إلى قابلية التلقي عن الملائكة لما بينها وبينهم من القرب والمناسبة. ويشتمل باب العلم على مبحثين :المبحث الأول :آداب المتعلم ،والمبحث الثاني :في الأدب اللازم للعلماء. ويذكر المؤلف في آداب المتعلم :أنه يلزم المتعلم التذلل لعلمه ،ليغنم علمه ولا يحرم إفادته .فالتملق للعالم مظهر لعلمه ،والتذلل له سبب لإدامة صبره ،وإظهار مكنون العلم. ومن واجبات المتعلم :اعترافه بفضل مرشده ،وشكره على جميله .ومن واجباته الاقتداء بأستاذه في مرضيات أخلاقه ،والتشبه به في حميد أفعاله. ومن واجباته :اعتقاد أن كثرة السؤال ليس إعنا تا ،وأن قبول ما صح في تقليدا .ومن واجباته أخذ العلم من حيث وجده ،ويأخذ من علمالنفس ليس ما علم. أما الأدب اللازم للعلماء واللائق بهم من الأخلاق ،فيذكر المؤلف طرفا منها أن يكون ألزم ما يكون التواضع على العالم والتنزه عن العجب؛ لأن التواضع جالب للثقة وحسن الظن وانعطاف القلوب ،وميل النفوس ،وهو على ظاهرا ،وانصبغ به باط نا. شرفه ،فالعالم أشرف مواضعه وأحجى م ن تلبس به ومن واجبات العالم ولو نال الدرجة السنية من العلم أن لا يستنكف من تعلم ما ليس عنده .ومن ورع الرجل أن لا يقول ما لا يعلم .وأن يتثبت فيما يعلم. 57نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر والباب الثاني أو الكتاب الثاني كتاب »أصول الدين« :والمقصود بالأصول هنا الأصول الاعتقادية التي يقوم عليها دين االله الإسلام ،ولا يصح إلا بها. وقدم العلم لترتب الأصل والفرع عليها .وأول واجب معرفة االله بما يجب له وما يستحيل عليه سبحانه .وهذا وتوابعه يشمله اسم التوحيد ،والبحث فيه اصطلاحا. يط لق عليه علم الكلام والتوحيد لغة :الإفراد ،والمراد به هنا :إفراد االله تعالى في ذاته وصفاته مفردا كله وأفعاله وأقواله وعبادته وسائر كمالاته ،أي :اعتقاد كونه تعالى لا يشاركه شيء ما بوجه من الوجوه كان مع الإقرار به قولا باللسان ،واعتقاد محمدا ژ عبد االله الأمين ورسوله المبين إلى الإنس والجن أجمعين ،وأنهأن خاتم النبيين. درك بالسماع ،وضاق جهلها علىدرك بالعقل ،فكيف لا ت ومعرفة االله ت المكلف ولو طرفة عين .وابتغاء معرفته تعالى من العبادات الأولى في هذا العلم. يتحدث المؤلف في باب الكلام في الذات والصفات ،ومذهبه هو أن صفاته تعالى هي عين ذاته الأزلية .فيقول في وصفه تعالى مثلا بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة وغيرها ،من صفاته تبارك وتعالى أنها ليست بشيء زائد في ذاته لئلا يلزم الحلول في ذاته ،ولا زائد عن ذاته لئلا يلزم التبعيض في ذاته ،ولا زائد على ذاته لئلا يلزم افتقاره إلى ما يزيد على ذاته. والأصل في صفاته تعالى أنها شيء واحد في الحقيقة باعتبار تجلي ذاته المقدسة على كل شيء ،لكنها باعتبار الأمور الخارجية من تعدد التجليات وتنوع المتجليات للذات الكريمة تكون أنوا عا عديدة بحسب ذلك. صف بها الحق تعالى؛ كالعلم والقدرةإن صفاته تعالى معان اعتبارية و والإرادة ،والسمع ،والبصر ،والحياة ،والكلام ،وإنها ليست مغايرة للمعاني الحقيقية القائمة بخلقه الموصوفين بها ،وإنها ليست زائدة على ذات الحق ،بل مائة كتاب إباضي58 هي في حق االله سبحانه على ذاته ،بمعنى أن المقتضيات لتلك الصفات عند الأشاعرة يكفي وجودها ذاته ، 2ولا حاجة إلى دعوة معان زائدة عليه قائمة به توجد بها تلك المقتضيات. وصفات االله سبحانه منها واجبة ،ومنها جائزة ،ومنها ممتنعة .فالواجبة صفات الذات؛ كالحياة ،والعلم ،والقدرة ،والكلام ،والسمع ،والبصر ،والإرادة، والوجود ،والقدم ،والبقاء ،وعدم المثل في الذات والصفات. والجائز في حقه تعالى هو كل ما لا يترتب عليه ولا عدمه نقص في حقه تعالى كالخلق والإفناء ،والإعادة ،والرزق ،والمستحيل في حقه تعالى هو كل نقص وضد لصفات كماله. أما عن أفعاله فيذكر المؤلف أن الخير والشر من االله تعالى خ لق ،ومن وك ف ر من لم يؤمن بالقدر خيره وشره أنه من االله ،وعصى العبد ف عل يكتسب ، من حمل المعاصي على االله ،ولا شك في مجيء الذنب من العبد لورود الوعيد عليه ،فإن عفا فبفضله ،وإن عاقب فبعدله. ويتناول المؤلف مسألة »خلق القرآن« .وموضوع هذا الباب إثبات خلق القرآن والرد على مثبت قدمه. اسما ستعمل تارة عرف المؤلف معنى الإيمان بأنه يوتحت باب» :الإيمان« ي  مقرا باالله للشريعة المحمدية ،ويوصف به الداخل في هذه الشريعة الطاهرة  ويراد به إذعان النفس للحق علىوبنبوة محمد ژ ،وتارة على سبيل المدح ، سبيل التصديق ،اجتماع تحقيق بالقلب وإقرار باللسان ،وعمل بحسب ذلك ويطلق على كل واحد من الثلاثة وهي :الاعتقاد بالقلب والقولبالجوارح ، الصدق والعمل الصالح إيمان؛ قال تعالى﴾ d c b a ` ﴿ : ]البقرة [١٤٣ :أي :صلاتكم. 59نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر وللإيمان شعب أدناها إماطة الأذى عن الطريق ،ومنها الحياء ،وأصل الإيمان التصديق الذي يكون معه أمن ،وأصل الإيمان في ستة أشياء كما جاء في خبر جبريل ‰حين سأله ژ عن الإيمان. وقد اختلف الناس في الإيمان على قولين: فقالت المرجئة :الإيمان هو ما أمر االله به من توحيده ،ونفي الأمثال عنه وما لا يليق به من صفات خلقه ،فأوقفوا الإيمان على هذا الحد ،وجعلوا ما سوى ذلك من أوامر الطاعة ونواهي المعصية ،غير إيمان ولا دين ولا إسلام. وأجمعت الأمة خلافا للمرجئة على أن الإيمان اعتقاد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح. واختلف الناس من وجه آخر ،وهو فيمن جاء بالقول وض يع العمل على خمسة مذاهب: أولها :مذهب الصفرية :مشرك كافر فاسق ضال عاص ،ليس بمسلم ولا مؤمن. ثانيها :مذهب القدرية :فاق عاص ليس بمؤمن ،ولا مسلم ،ولا كافر. ثالثها :مذهب الحشوية :مؤمن مسلم عاص مذنب ،ليس بمشرك ،ولا كافر، ولا ضال ،ولا فاسق. رابعها :مذهب المرجئة :مؤمن مسلم ،ليس بمشرك ولا كافر ولا ضال ولا فاسق. خامسها :مذهب الإباضية بأصنافها والشيعة والزيدية :أنه كافر منافق ضال فاسق عاص ،ليس بمؤمن ولا مسلم ولا مشرك ،أحكامه أحكام م لة الإسلام. ويتناول المؤلف في أحد أبواب أصول الدين موضوع الولاية والبراءة. مائة كتاب إباضي60 متواليا ليس فصاعدا حصولا عرف الولاية :أن الولاء والتوالي :حصول شيئينوي  بينهما ما ليس منهما ،ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ،ومن حيث النسبة ،ومن حيث الدين ،ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد. والولاية بالكسر :النصرة ،وبالفتح :تولي الأمر ،وقيل :بالكسر والفتح الدلالة  والدلالة .وحقيقته تولي الأمر.واحد ،نحو  حب الولي وتصويب أفعاله ،وحقيقة البراءةوحقيقة الولاية الشرعية الشرعية بغض المرء وتخطئة أفعاله ،ولهما أسباب :كالوفاء بالطاعة سبب للولاية ،وارتكاب الكبيرة سبب للبراءة ،ولكل منهما أقسام وأحكام ،كما أن أحكاما. أحكاما وللعدو للولي وجوبا فوريا وحكم الولاية والبراءة الوجوب على المكلف بعد توحيد االله والسنة كثيرة منهاã â ﴿ :بلا فصل ،وأدلة وجوبهما في الكتاب ] ﴾ å äمحمد] ﴾ + * ﴿ ،[١٩ :الفتحÁ À ¿ ﴿ ،[٢٩ : ] ﴾ Âالمائدة.[٢ : ومنها في البراءة] ﴾ 3 2 1 0 / ﴿ :المائدة [٥١ :وأدلة وجوب أحدهما تستلزم الأخرى؛ لأن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده كالعكس، وقد أجمعت الأمة على وجوب الولاية والبراءة في الجملة ،واختلف في ولاية الأشخاص والبراءة من الأشخاص. عرف أصول الفقه أنه:وي  ثم يعرض المؤلف باب )أو كتاب( أصول الفقه ، القواعد الكلية التي ينبني عليها الشرع ،والراجح ،والمستصحب ،والمقيس عليه ،والدليل. والفقه في اللغة :الفهم ،وفي الاصطلاح :العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال. 61نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر أما استمداده فمن ثلاثة أشياء: الأول :علم الكلام :لتوقف الأدلة الشرعية على معرفة الباري سبحانه، وعلى صدق رسوله المبلغ عنه ،وهما مبنيان فيه ،مقررة أدلتهما في مباحثه. والسنة ،والاستدلال بهما يتوقفانالثاني :اللغة العربية :لأن فهم الكتاب على اللغة ،إذ هما عربيان. الثالث :الأحكام الشرعية من حيث تصورها؛ لأن المقصود إثباتها ونفيها. وموضوع الباب ذكر بعض أغراض الأحكام المستخرجة من أبحر للسنة، والسنة ،والإجماع ،فالكتاب أصل الشريعة الثلاثة؛ وهي :الكتاب، السنة، جمع عليه ،وبالعكس فيقضي الرأي على الم والسنة أصل للرأي  السنة على الكتاب.وتقضي  عرفها بأن لها ضربين :طهارة حسيةثم يعرض المؤلف ل»باب الطهارة« في  للجسم ،وطهارة معنوية للنفس ،وحمل على المعنيين عامة الآيات ،وفي الشرع: صفة حكمية توجب لموصوفها إباحة الصلاة به أو فيه أو له ،فالأولان من خبث ببدن أو ثوب أو بقعة أو ماء يلابس هذه الأشياء ،أو شي ئا منها ،والثالث من حدث ،وهو ناقض الوضوء ولو غير نجس. وموضوع علم الطهارة :إزالة خبث أو حدث بطاهر مطهر من ماء أو صعيد أو نار أو ريح أو شمس ،أو أي مؤثر زوال عين النجاسة ،والحكم بزوال كاف للحكم بثبوت الطهارة الشرعية.النجس وارتفاع الحدث بنية ،ومط هر بكسر الهاء ،ومط هر بفتحها.وأركانها :تطهير وحكمها :الوجوب بالأصول الثلاثة. وغايتها :جواز الصلاة. مائة كتاب إباضي62 وفائدتها :تمامها شر طا من شروط ما تقوم به الصلاة وأداء واجبها فعلا على الوجه المأمور به. ثم هي في نفسها أنواع :طهارة بالوضوء ،وطهارة بالاغتسال ،وطهارة بالاستنجاء ،وطهارة بإزالة الأنجاس ،وطهارة بالتيمم. وتحت باب الطهارة يتناول المؤلف أبواب :المياه ،وباب الطهارة بغير الماء ،وأنواع النجاسات ،وباب المتنجسات ،وباب قضاء الحاجة ،وباب الاستنجاء. ثم ينتقل المؤلف إلى موضوع »الغسل من الجنابة« ،ويتناول تحته باب كيفية الغسل ،وباب في أحكام الجنب. أما باب الوضوء فيبدأه المؤلف بتعريف الوضوء .فالوضوء أصله من والحسن .وفي الشرع :فعل المأمور به في قوله تعالى: الوضاءة وهي النظافة ﴿( ) * 0 / . - , + وعرفه البعض بأنه تطهير أعضاء مخصوصة بالماء المطلق] ﴾ 1المائدة .[٦ : لتنظف وتحسن ،ويرفع عنها الحدث لتستباح بها العبادة الممنوعة قبل. والسنة والإجماع .وزعم البعض :أن الوضوءوالوضوء واجب بالقرآن واجب عند إرادة القيام لكل صلاة ،وهو مردود عليه. وتحت باب الوضوء عدة مباحث ،منها :المبحث الأول :تعريف الوضوء، والسنة والإجماع ،والمبحث الثالث: والمبحث الثاني :بيان وجوبه بالكتاب يجب على كل من لزمه فرض الصلاة ،والمبحث الرابع :الخلاف في موجبه هل هو الحدث؟ ،والمبحث الخامس :بيان أن الوضوء نور يعرفنا به ‰يوم القيامة .والمبحث السادس :في أحكام الوضوء ،والمبحث السابع :في نواقض الوضوء ،والمبحث الثامن :عن حكم الماء ولو وقعت فيه نجاسة. 63نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر ثم يعقب هذا الباب أبواب أخرى لها علاقة بالوضوء ،مثل باب النية للوضوء ،وباب صفة الوضوء ،وباب نواقض الوضوء. ثم يعرض المؤلف لموضوع التيمم من خلال عدد من المباحث تتناول مشروعيته وسبب نزول آية التيمم ،وأنه مما اختصت به هذه الأمة ،وفروضه، وغيرها من مسائل ومباحث. وسميتويبدأ المؤلف الصلاة بتعريفها .فمعنى الصلاة لغة :الدعاء بالخير ، صلاة لأنها صلة بين العبد وربه .وقد فرضت الصلوات الخمس على كل ذكرا كان أو أنثى. عبدا ، حرا كان أو مكلف بعينه ،وهو البالغ العاقل  وقد فرضت في الإسراء باتفاق ،واختلفوا في أي سنة كان الإسراء ،فجزم جماعة أنه قبل الهجرة بسنة ،ونقل ابن حزم الإجماع عليه ،وقيل :قبلها بخمس سنين. ويجب على ولي الصبي أن يأمره بالصلاة في سابعة سنه ،ويضربه عليها في العاشرة ،ولا يتجاوز عن ضربه بيده لا بخشبة ليس لأنها مفترضة على غير المكلف ،ولكنه ليتخلق بفعلها ويعتادها. وتحت كتاب الصلاة يتناول المؤلف مسألة القبلة ،وباب الأذان والإقامة، وباب تكبيرة الإحرام ،وباب الاستعاذة والقراءة ،وباب الركوع ،وباب السجود، وباب المسجود عليه ،وباب القعود للتشهد ،وباب السجود للسهو ،وباب حكم تارك الصلاة. ثم ينتقل المؤلف للحديث عن صلاة الجماعة ،والحديث عن المساجد، وصلاة المسافر ،وصلاة الجمعة ،وصلاة التطوع ،والسنن ،وصلاة الضحى، وصلاة العيد ،وسجدة القرآن ،وقضاء الفوائت. أما كتاب الصوم ،فيشير المؤلف إلى أن الصوم ركن من أركان الإسلام، مائة كتاب إباضي64 ومن العبادات المقدمة على غيرها ،وجاء أن الصوم والقرآن يشفعان للعبد، فيقول الصوم :منعته من الشهوات ،ويقول القرآن :منعته من النوم. ومن لم يغفر له في رمضان فمتى ينال المغفرة؟! لأنه شهر تمحى فيه الذنوب مع اعتقاد التوبة ،وهذا ترغيب وإلا فالطاعات من لوازمها الغفران. بالنية من الخيط الأبيض إلىوالصوم لغة :الإمساك ،وشر عا :إمساك المكلف الخيط الأسود عن الأطيبين والاستمناء والاستقاء .و عرف بأنه :إمساك عن الطعام بنية من الليل، والشراب والجماع والمحرمات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وهو تعريف للصوم المعتد به من حيث الثواب .وأما العقد به في الحكم فليس كل محرم ناقض للصوم كالصغائر ،واختلف في غير الغيبة والنميمة من الكبائر. ولما كان الصوم من أشق التكاليف الإلهية المتعبد بها وأشدها على النفوس ،لا جرم كانت الحكمة الإلهية مقتضاها البداية بالأخف ،وهو الصلاة، تمري نا في التعبد ،ورياضة للمكلفين ،ثم يثني بما هو أشق من الصلاة ،والسهل من الصوم وهو الزكاة لغلبة الشح بالمال ،ويثلث بالأشد على النفس وهو الصوم ،فهو ثالث أركان الإسلام بعد كلمة التوحيد. ومن شرف عبادة المكلفين لربهم بالصوم أنه لم تخل منه الشرائع القديمة؛ أسرارا تؤثر في كسر سلطان النفس ،وقمع شهواتها ،وقهرذلك لأن لهذا العمل شيطنتها ،وهو مراد في معاملة العبد للحق سبحانه. ويعرض المؤلف تحت باب الصوم ،حكم الرخصة في الصوم ،ودليل الرخصة بإفطار المريض والمسافر ،وثمرات الصوم وفوائده. ثم يتناول أقسام الصوم التي منها واجب وغيره .والصوم المستحب ،وما يوجب الصوم والفطر من رمضان ،والصوم وما يجوز فيه ،كما يتحدث عن الفطور والسحور ،ونواقض الصوم ،والفطر. 65نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر وآخر موضوعات الكتاب هو عن الجنائز ،فيذكر المؤلف أن االله ع ز وعلا الحي حقوقا تلزم بموت مسلم ،من غسله وكفنه،كتب الفناء على عباده ،وألزم تحول إليها. والصلاة عليه ودفنه ،وتشييعه لغاية وصوله الدار التي مخالفا حق على الأحياء الحاضرين موته ،منهاوللميت الموحد ولو على حاضري سياقه ،تلقينه الشهادة ،وهو من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب مراعاة حقوق المسلم على أخيه المسلم ،والحرص على تنجيته، وتزوده من الدنيا بكلمة التقوى. وكما يلقنه الشهادة كذلك يلقنه الركن الأعظم من الواجبات وهي التوبة: فقلما يخلو المرء من ذنب ،ويلقنه الدينونة بالتبعات والإيصاء بها ما لم يتعلق بالسكرات. وينبغي أن يأمروه بالصدقة ،فإن لم يأذن لهم تصدقوا عنه من أموالهم، الملك أو غيرهن من كلام االله،وينبغي لحاضره قراءة يس أو الرعد أو النحل أو وإن ختموا بسورة ولم يمت قرأوا أخرى ،أو أعادوا تلك ،فإذا خرجت روحه منفردا ولو في قطعوا القراءة ،وإذا قضى نحبه استرجعوا وترحموا ،ولا يترك بيت مغلق .والنهي عن النياحة ،كما تناول المؤلف تغسيل الميت وتكفينه والصلاة على الأموات وغيرها من مسائل. 66 á«Ñ`gƒdG Ió«`≤©dG ) »fÓ¡ÑdG ojóY øH odÉ°S øH ô°UÉf ï«°ûdGت ١٣٣٩ه١٩٢٠/م( تحقيق :صالح سعيد القنوبي ،وعبد االله بن سعيد القنوبي مكتبة مسقط عمان ،ط١٤٢٥ ،٥ه٢٠٠٤/م عدد الصفحات ٤٢٠ :صفحة يتكون الكتاب من مقدمة التحقيق ،ونص كتاب» :العقيدة الوهبية« .وهو يدور حول العقيدة الصافية التي جاء بها القرآن الكريم ،فخاطب بها عقل الإنسان وروحه ووجدانه بأقرب عبارة وأسهل لفظ ،تدعو إلى إفراد االله 8 بالوحدانية والانقياد بالعبودية ،وتنفي عنه كل صفات النقص والحلول، والعوارض الحادثة. وإذا كان أوثق رباط يربط هذه الأمة هو رباط العقيدة الإسلامية التي أمرنا االله بالتمسك بحبلها في قولهH GF E D C B A ﴿ : WVUTSRQPONMLKJI ] ﴾ \ [ Z Y Xآل عمران ،[١٠٣ :فإنه كان من الواجب على هذه واحدا ضد الأمة أن تتمسك بهذا الحبل المتين وتعتصم به ،وتكون ص فا أعدائها ،ولكن بسبب ما غشي هذه الأمة من غواش ،واجتاحها من تيارات، فإنها بعدت عن ذلك الحبل الذي أمرت بالتمسك به؛ فتفرقت وتقطعت أواصرها ،ولكن ق يض االله لنصرة دينه رجالا من هذه الأمة يردون عنه افتراء سعيا حثيثا من أجل توحيد هذه الأمة،المدعين ،وتأويل الجاهلين ،ويسعون ونشر تعاليم الإسلام في كل مكان. ويشير المحققان إلى أن من بين هؤلاء الرجال الأفذاذ الإباضية الذين 67العقيدة الوهبية حملوا هذه العقيدة الصافية في قلوبهم ،وتجسدت في سلوكهم قبل أن تكون دائما حاضة على توحيد شمل هذه الأمة،في مصنفاتهم ،فكانت دعوتهم وسنةوالرجوع بها إلى أصل سعادتها وعز أصالتها بالتحاكم إلى كتاب االله رسوله ژ . وكتاب» :العقيدة الوهبية« نموذج على ما قدمه السلف؛ خدمة للدين وابتغاء فالعلامة أبو مسلم 5قد اطلع على أساليب هذا العصرلرضا رب العالمين، مما تحتاجه أفهام الشباب وعقولهم من تبسيط المعلومة ،وعرضها بأسلوب الحوار الذي يجذب القارئ بسلاسته وبراعته. أما مؤلف الكتاب فهو إمام العلم والأدب ، العلامة الكبير ،أبو مسلم ناصر بن سالم بن عديم بن صالح بن محمد بن عبد االله بن محمد البهلاني الرواحي ،وهو ينحدر من أصل أصيل ،وفرع عريق ،كان أبوه سالم بن عديم قاضيا للإمام عزان بن قيس 3الذيالرواحي أحد أهل العلم في زمانه ،فكان بويع بالإمامة في عمان )١٢٨٥ه ١٢٨٧ه(. ولد الشيخ أبو مسلم في بيت علم وفضل في بلدة »محرم« سنة ١٢٧٧ه ، وقرية »محرم« هي موطن آبائه وأجداده. قاضيا ،وكان واستقى أبو مسلم العلم من معين المعرفة عن والده الذي كان قاضيا أيام دولة اليعاربة .وكما هو معروف أنه لا يختار للقضاء إلا كذلك جده مستقيما في الأخلاق ،فقد أهلته مواهبه وأخلاقه متضلعا في العلم، من كان لهذا المنصب. درس الشيخ أبو مسلم علومه الأولية على يد والده ،فحفظ كتاب االله 8 وسلوكا. وأدبا علما وتدبر معانيه؛ مما كان له الأثر الواضح في بناء شخصيته ثم انتقل بعد ذلك إلى بلدة »السيح« بوادي »محرم« فدرس العلوم الشرعية مائة كتاب إباضي68 واللغوية ،وكانت البيئة والعصر مساعدين على نبوغ أبي مسلم ،إذ شاع الأدب في ذلك العصر وازدهر الشعر. ثم انتقل أبو مسلم إلى »زنجبار« سنة ١٢٩٥ه ،وهو إذ ذاك في آخر العقد الثاني من عمره ،وبقي بها خمس سنوات. وفي عام ١٣٠٠ه عاد إلى عمان وأقام بها خمس سنوات ،ثم عاد مرة أخرى إلى »زنجبار« ،وقضى حياته بها حيث عاش في كنف حكامها الذين أحاطوه بالرعاية التامة ،وأولوه العناية الكاملة. وفي ربوع مدينة »زنجبار« انكب أبو مسلم على المطالعة وقراءة الكتب النفيسة من كتب فقهية وأدبية على اختلاف أنواعها؛ حتى نبغ في العربية والأدب والشعر والعلوم الشرعية ،وصارت له مكانة رفيعة ومنزلة عالية في »زنجبار« لدى الحكام والمحكومين ،اعترافا بعلاميته وشاعريته ،حتى أطلق عليه في الشعر لقب» :شاعر العرب« ،و»شاعر العصر«. وفي آخر أيامه 5أخذ الشوق يشده إلى موطنه عمان ،وكان من أشهر علماء وشعراء عصره ،فهو الأديب الذي لا يش ق له غبار ،وهو الفقيه المحقق المعروف بعمق مناقشاته الفقهية ،وقوة تأصيلاته لمسائل الفقه ،وهو المتكلم البارع الذي يثبت حجة الحق بما يثلج الصدور حتى توفي بمدينة »زنجبار« بإفريقية الشرقية في شهر صفر سنة ١٣٣٩ه بعد أن عاش اثنتين وستين سنة قضاها في خدمة العلم والأدب ،والدفاع عن الإسلام. وقد ترك لنا أبو مسلم ثروة علمية ضخمة ،تدل على علم الرجل وسعة اطلاعه وطول باعه ،ولا يعرف ذلك إلا من اطلع على كتبه ومؤلفاته ،وغاص في أعماقها؛ فمن تلك المؤلفات ما يلي: ١ النشأة المحمدية :مولد نبوي مختصر عن النور المحمدي. ٢ النور المحمدي. 69العقيدة الوهبية ٣ النفس الرحماني )في الأذكار(. ٤ كتاب السؤالات في الفقه. ٥ العقيدة الوهبية كتاب في التوحيد حوار بين أستاذ وتلميذه ،وهو هذا الكتاب الذي تتناوله الدراسة. ٦ نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر. ٧ ديوان شعر. ٨ اللوامع البرقية. ٩ ألواح الأنوار وأرواح الأسرار. ١٠ الكنوز الصمدية )لم يطبع(. ١١ النور الوقاد في علم الاعتقاد )أرجوزة لم تتم(. كما قام بتأسيس جريدة »النجاح« بزنجبار ،تلك التي عنيت بالأدب والقضايا الإسلامية والأحداث الدولية ،وكان أبو مسلم رئيس تحريرها ،وكان يتناول في موضوعات الجريدة ما يهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وناهيا عن المنكر ،مستغلا ما آتاه االله من نعمة آمرا بالمعروففجاهد بلسانه ، البيان والفصاحة في استنهاض إخوانه المسلمين؛ لكي يجتمع شملهم ،وتتوحد كلمتهم ،فينشروا العدل ،وترتفع راية الإسلام خفاقة. أما الكتاب فيشير المؤلف في المقدمة إلى بواعث تأليفه ،حيث يقول في المقدمة» :وبعد فهذه عقيدة أهل الاستقامة حررتها مختصرة للمبتدئين من الطلبة ،ووضعتها في صيغة سؤال تلميذ وتلقين أستاذ متحر يا فيها أهم واجبات الاعتقاد ،مع مراعاة نهاية الاختصار«. وتبين لنا هذه المقدمة أن الشيخ أبا مسلم وضع هذه العقيدة لعدة أسباب، منها: مائة كتاب إباضي70 ١ اقتصاره على أهم واجبات الاعتقاد بشكل موجز لكي لا يصعب على المبتدئين فهمهم لها. ٢ غرس العقيدة الصحيحة في قلوب الناشئين. ٣ انتقاؤه في جذب القراء وتحبيبهم للاطلاع عليها من خلال صياغته للعقيدة صياغة مشوقة ،وذلك بأسلوب حواري بين تلميذ وأستاذه. ٤ تنزيه االله تعالى عن الأشباه والأنداد ،والرد على المجسمة المشبهة الذين يجسمون االله تعالى ،ويصفونه بصفات البشر. أما عن قيمة الكتاب فهي تتمثل في عدة جوانب: الجانب الأول :أن الكتاب يتعلق بمسألة مهمة من مسائل تكوين شخصية الإنسان المسلم ،وهي مسألة العقيدة التي تربط الإنسان بخالقه ،وقد أحسن المؤلف 5تأليفها ،فحررها مختصرة للمبتدئين ،شاملة لأهم واجبات الاعتقاد ،ليست بالطويلة المملة ولا بالقصيرة المخلة. الجانب الثاني :أن الكتاب تميز عن غيره من كتب العقيدة بطريقة عرضه لمسائل العقيدة ،فالأسلوب الحواري بين الأستاذ وتلميذه الذي صاغه المؤلف كان له الأثر الكبير في تحبيبه إلى النفوس. الجانب الثالث :أن هذا الكتاب ليس كتاب توحيد فحسب ،بل هو كتاب وتعلم ،يظهر ذلك جل يا من خلال مخاطبة التلميذ تربية وأخلاق ،كتاب تعليم لأستاذه ،والأستاذ لتلميذه ،فك ل يقوم بالمقام اللائق لمخاطبه ،فالأدب والاحترام من جانب التلميذ ،والتوجيه والنصح والإرشاد من جانب الأستاذ، واضحا لمن مرب روحاني ومصلح اجتماعي ،ويظهر ذلكفالشيخ أبو مسلم قرأ كتابه هذا. الجانب الرابع :أن المؤلف على درجة عالية من المعرفة والاطلاع ،فهو 71العقيدة الوهبية أديب متضلع بالأدب ،وفيه عملاق لا يبارى ،وله في أصول الدين القدم الراسخة ،فإذا أ لف في فن من الفنون أبدع وأتى بما لم يأت به الآخرون. الجانب الخامس :أن هذا الكتاب يبين لنا الفكر الإباضي في مسائل والسنة بالحجة الدامغة القوية التي تدعو إلى تنزيه الاعتقاد ،فمستندهم القرآن المولى تبارك وتعالى وإجلاله. أما عن منهج المؤلف في هذا الكتاب فقد امتاز بعدة سمات منها: ١ أسلوب الحوار في عرض المسائل ،وذلك له كبير الأثر في دفع الملل وكثيرا ما خلت كتب العلوم الشرعية من مثل هذه الأساليبعن النفس، جديدا أجاد من خلاله أسلوبا السهلة المحببة إلى النفس ،فهو قد اخترع عرض العقيدة الإسلامية. منحصرا في المصطلحات الكلامية فقط، ٢ لم يكن أسلوب المؤلف جافا بل إنه كان يمزج ذلك بالأساليب الأدبية والأمثال العربية. ٣ يمتاز المؤلف بالعمق في بحث المسائل وكثرة التفريعات ،فهو يستقصي جميع جوانب المسائل ويناقشها من أغلب وجوهها ،فهو لا يأتي بالاعتراض إلا ويرد عليه من وجوه عدة. ٤ حشد المؤلف عدة معارف وعلوم في مكان واحد ما دامت تخدم المسألة التي يبحثها ،فهو يستعمل المنهج العقلي والنقلي ،مع الاستفادة من علم الكلام ومصطلحاته ،ولا يخلو من علم المنطق الذي يستخدمه لمقارعة الخصم ،مع الاستفادة من كتب المقالات والفرق الإسلامية المختلفة. ٥ تأثر المؤلف في كتابه بمنهج الإمام القطب محمد بن يوسف ، 5 واضحا من خلال دروس الولاية والبراءة ،والعقائدوظهر هذا التأثر الست ،وقواعد الدين. ٦ غيرة المؤلف على دين االله ،ورده الصارم على المشككين في شريعته، مائة كتاب إباضي72 كثيرا ما كان يقول» :بل تعتقد ذلك فرقة ضالة« ،وقوله» :وللمجسمةفهو فيه خبط طويل عريض« ،وقوله» :وقد أيقنت أن اعتقاد رؤية االله ثمرة سوء الاختيار وذهاب القلوب عن رشدها وانصرافها عن سبيل الحق« ،وغيرها من العبارات. عظيما ،فهو يترقى بتلميذه في هذا الكتاب منمصلحا مربيا ٧ يعد المؤلف فكثيرا ما كان يسوق عبارة الثناء على علم إلى علم ،ومن خلق إلى خلق، تلميذه ،وحفز هممه لطلب العلم النافع. ٨ كان في نية المؤلف 5أن يواصل إتمام دروس العقيدة ،ولكن المنية لحقته ،وتوقف عند قواعد الدين ،فتكلم عن العلم والعمل ،وقيمة النية والورع ،وكذا شأنه في نثار الجوهر. أما موضوع الكتاب فهو في العقيدة وعلم الكلام ،وقد قسم المؤلف الكتاب إلى مقدمة وإن لم يعنون لها وسبعة فصول ،وتحت كل فصل أيضا. دروس ،وإن لم يعنون لها عموما ،والغاية من تأليفه. أما المقدمة فتشمل موضوع الكتاب وأما الفصل الأول ،ففيه خمسة دروس: الدرس الأول :في علم التوحيد وشرفه وما يتكفل به. الدرس الثاني :في التعريف بعلم التوحيد. الدرس الثالث :في أول ما يجب على المكلف معرفته. الدرس الرابع :في معرفة الجمل الثلاث. الدرس الخامس :في أن العقل وصل إلى وحدانية االله. عرف المؤلف علم التوحيد بأنه علم الكلام ،وهو الذي يتكفل بإثباتوي  الصانع القديم ،وتوحيده في الألوهية وتنزيهه عن مشابهة الحوادث ،واتصافه 73العقيدة الوهبية بصفات الجلال والإكرام ،وإثبات النبوة التي هي أساس الإسلام ،وعلى هذا العلم مبنى الشرائع والأحكام. وأول الواجبات على المكلف ،معرفة وجود االله تعالى ،ومعرفة وحدته، تقليدا ،ولا عبرة وصناعته للعالم ،وصفاته ،ولا يجوز أن يتلقى هذه المعرفة بإيمان المقلد ،بل لا بد أن تكون المعرفة ناشئة عن الدليل. ويرى المؤلف أن العقل هو سبيل معرفة وحدانية االله تعالى ،كما نص القرآن ،عندما جعل المخلوقات دليلا ،والصنعة تدل على الصانع ،والكتب أيضا حجة في ذلك.والرسل الفصل الثاني ،وفيه ثلاثة دروس: الدرس الأول :في أصول معرفة التوحيد. الدرس الثاني :في نعوت الباري كما قررتها سورة الإخلاص. الدرس الثالث :في أصل لفظ اسم الجلالة. ويذكر المؤلف أصول التشريع ،وأن الشرع المسموع هو ما ثبت بالكتاب للسنة لقوله - , + ﴿ : 8والسنة والإجماع والقياس ،والكتاب أصل  ] ﴾ .النجم ،[٣ :ولقوله] ﴾ s r q p ﴿ :الحشر.[٧ : السنة لقوله ژ » :لا تجتمع أمتي على الضلالة«،وأصل الإجماع مذكور في  أيضا من خبر والإجماع أصل للقياس ،لأنه ما ثبت إلا بالإجماع ،ولو جاء الس نة والقرآن على الآحاد .كما روي عنه ژ قال لمعاذ» :قس ما لم تجد في  ما فيهما«. والسنة ،إلا أنه لا يدري كل واحد موضعوكذلك الإجماع أصله الكتاب استنباطه منهما ،ولا يعتد بنفي نافيه ،وقومنا يقولون :لا يطلق الشرع على والسنة ،والإجماع. ما ثبت بالقياس ،والأصل الكتاب مائة كتاب إباضي74 وأما الفصل الثالث ،ففيه درسان: الدرس الأول :في صفات االله الذاتية والفعلية. الدرس الثاني :في مخالفة االله 8للحوادث. ويشير المؤلف إلى مذهبه في صفات االله ،والذي وافقته عليه المعتزلة ،هو أن المعاني الاعتبارية الموصوف بها ربنا الحق االله تعالى شأنه من الحياة والعلم والقدرة إلى سائر صفاته الذاتية هي مغايرة للمعاني الحقيقية التي اتصف بها الخلق القائمة بذواتهم ،وأن صفات ربنا جلت عظمته ليست زائدة على ذاته سبحانه ولا قائمة بها كقيام صفاتنا بنا. كاف في انكشاف جميع المعلومات له ،ولا حاجةفوجود ذاته تعالى إلى دعوى صفة أزلية قائمة تنكشف بها المعلومات ،مسماة بالعلم كما يقول الأشعرية. فالصفات الذاتية الله عندنا وعند المعتزلة والحكماء صفات اعتبارية ،لا وجود خارجا عن الأذهان؛ كالانكشاف في العلم ،والتمكن في القدرة ،والتخصيصلها كبيرا قائمة بها، علوا في الإرادة ،لا حقيقة زائدة على ذاته تعالى عن ذلك وحالة فيها ،كما تقول الأشعرية ،وقد لزمهم الحلول ،وإن هربوا نفوه عنه. وأما الفصل الرابع ،ففيه أربعة دروس: الدرس الأول :في الدين وأصوله. الدرس الثاني :في الرؤية ،وأدلة النافين والمثبتين لها. الدرس الثالث :ما يجب الله وما يستحيل عليه ،وتأويل المتشابه. الدرس الرابع :في أسماء االله ومسمياتها. عرف المؤلف معنى الدين ،وأنه هو الطاعة والجزاء ،وأصوله ثلاثة:وي  والسنة. الإيمان ،والإسلام، 75العقيدة الوهبية والإيمان شر عا هو :تصديق بالجنان ،وإقرار باللسان ،وعمل بالأركان. والإسلام شر عا على ضربين: أحدهما :دون الإيمان ،وهو الاعتراف باللسان ،وبه تحقن الدماء ،وتمنع الأموال إلا بحقها ،سواء حصل معه الاعتقاد أو لا. والضرب الثاني :فوق الإيمان ،وهو اعتراف باللسان ،واعتقاد بالقلب، ووفاء بالفعل ،واستسلام الله في كل ما قضى  وقدر. وحقيقة الإيمان كما يقول المؤلف على أصولنا التصديق باالله 8 اعتقادا ،وبالجوارح عملا ،فينتج أن حقيقة المؤمنإقرارا ،وبالقلب باللسان والم ق ر على غير هو الموفي بجميع الدين ،وفي أحكام الدين هو المقر . والم ق ر المعتقد للإسلام المنتهك للذنوباعتقاد قلب هو مشرك عند االله، ص ر منافق. الم السنة التي هي ثالثة أصول الدين الثلاثة فهي طريقة رسول االله ژ التيأما  كان يتحراها من قول أو فعل أو تقرير. وأما الفصل الخامس ،ففيه أربعة دروس: الدرس الأول :في الولاية وأنواعها وأحكامها. الدرس الثاني :في البراءة وأنواعها وأحكامها. الدرس الثالث :في مسائل عامة تتعلق بالولاية والبراءة. الدرس الرابع :في الوقف وأحكامه. ويعرض المؤلف في هذا الفصل أدلة وجوب الولاية والبراءة في كتاب االله وسنة رسوله ژ ،فمن دلائل وجوب الولاية قوله تعالىã â ﴿ : ] ﴾ å äمحمد.[١٩ : ومن دلائل وجوب البراءة من عصاة االله قوله تعالى2 1 0 / ﴿ : مائة كتاب إباضي76 مشركا أشرك ،ومن تولى ] ﴾ 3المائدة [٥١ :فوجب بهذا الدليل أن من تولى منافقا نافق. ويشير المؤلف إلى أن الأمة قد أجمعت على وجوب الولاية والبراءة في الجملة ،والخلاف وقع في ولاية الأشخاص ،فأثبتها وأوجبها الإباضية الوهبية، لوجوب العلة الموجبة لولاية الجملة فيها ،وهي الوفاء بالدين ،ولم يوجبها بعض أهل الخلاف مطلقا ،وأوجبها بعضهم في المنصوص عليه أنه من أهل الجنة دون غيره. والولاية شر عا هي :الترحم والاستغفار للمؤمنين لإسلامهم وطاعتهم ،والثناء عليهم مع الحب في القلب ،وللملائكة الترحم عليهم ،وحبهم دون الاستغفار. أما البراءة شر عا :فهي على العكس والضد من الولاية ،وما يراد بها ،فكأنك وتقصيت من الحقوق الواجبة للمؤمن علىإذا برئت من أحد تباعدت عنه، المؤمن كما لو كان عليك دين فتخلصت منه. وتجب البراءة بالكبائر ،ومنهن الإصرار ،أما وجوه الإصرار فهي أربعة: أولها :القيام على فعل الذنب. ثانيها :الإعراض عن التوبة. ثالثها :اعتقاد العود إليه. رابعا :اعتقاد أن لا يتوب. وأما الفصل السادس ،ففيه ثلاثة دروس: الدرس الأول :في الملل الست وأحكامها. الدرس الثاني :في كيفية معاملة أهل الكتاب. الدرس الثالث :في الجزية. 77العقيدة الوهبية وأما الفصل السابع ،ففيه درسان: الدرس الأول :في قواعد الدين والعلم والعمل. الدرس الثاني :في وجوب ارتباط العلم بالعمل. أما قواعد الدين فهي أربعة أشياء ،تفرع عنها أربعة أشياء ،هي :العلم، والواجب منه ما دخل وقته؛ كالتوحيد بالبلوغ والعقل ،والظهر بالزوال ،والصوم لدخول رمضان ،والأنبياء والملائكة ،والحلال والحرام بقيام الحجة ،وصفة االله بالخطور والسؤال عنها. ولا ينفع علم بدون عمل ،أو عمل بدون علم ،فلا يستقيم نفع أحدهما فرضا كيف يؤديه من جميع وجوهه ،لكن لمبدون الآخر ،فإذا علم الإنسان يعمل به ،فكيف ينتفع بشيء تركه وهو مأمور بفعله. ولذا يوجب المؤلف على التلميذ أن يعلم ليعمل ،وأن يعمل بما تعلم صحيحا ،ولا يترك العمل بما تعلم ،ولا يتخلع من العلم والعمل.عملا وصحة العلم :يعني الانتفاع به ،فإذا عمل به بعد انتفع بالعمل كالعلم؛ وعليه فلا يصح للقلب علم توحيد بلا عمل للتوحيد. 78 á«°VÉHE’G ïjQÉJ ô°üàîe ) »fhQÉÑdG ¿Éa«∏°S TM«HQ ƒHCG ï«°ûdGت ١٣٨٢ه١٩٦٢/م( مكتبة الضامري للنشر والتوزيع السيب سلطنة عمان ،ط.٤ عدد الصفحات ٨٨ :صفحة يشير المؤلف في المقدمة إلى أن هذا الكتاب هو عرض لقسم من أقسام التاريخ الإسلامي ،ألا وهو التاريخ الإباضي .والذي دعاه إلى وضع هذا المختصر من تاريخ الإباضية ،وتذييله ببيان بعض المسائل الخلافية جملة كثيرا من الناس لا يعرف عن هذا المذهب شي ئا ،مع ما عليهأسباب ،منها :أن أهله من العظمة التاريخية الخالدة .والبعض قد يعلم شي ئا عنه ،ولكن يعده جهلا في جملة الخوارج )الأزارقة ،والنجدية ،والصفرية( المارقين عن الإسلام بغلوهم في الدين ،وشططهم البعيد عن جادة الصواب ،كإباحتهم أموال الموحدين ودماءهم ،وسبي نسائهم وأطفالهم ،وإبطالهم الإمامة العظمى ولو توفرت شروطها. والإباضية يتبرءون من هذا كله ،فيوجبون الإمامة العظمى ،ويحرمون أموال الموحدين وسبي نسائهم وأطفالهم مطلقا ،وكذلك دماؤهم حرام إلا ما استثناه النبي ژ في قوله» :لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث :كفر بعد إيمان، حرم االله إلا بالحق« فيجب حينئذ العلموزنى بعد إحصان ،وقتل النفس التي ويجب التمييز بين هؤلاء الضالين وبين الإباضية الذين هم أعدل الطوائف الإسلامية ،إذ لا إفراط في معتقدهم ولا تفريط. أيضا؛ لأن بين الفريقين وهكذا نرى البعض يعتبرهم معتزلة ،وهذا باطل 79مختصر تاريخ الإباضية كبيرا ،أهمه مسألة القضاء والقدر وخلق أفعال العباد ،فإن الإباضيةخلافا كالأشعرية في هذا الباب لا يقولون بخلق العبد لأفعاله ،ولا هو مجبور عليها. وإن من شيء في الكون إلا وهو مخلوق الله ،وليس للعبد فيه إلا الكسب والاختيار ،فهم ليسوا من هؤلاء ولا من المرجئة القائلين بأن الإنسان إذا قال لا إله إلا االله دخل الجنة ،وكفته هذه الجملة عن جميع التكاليف المفصلة في الشريعة. ويؤكد المؤلف على وجوب دراسة التاريخ الإسلامي المجهول للتلاميذ كتاريخ الإباضية مثلا وغيره ،فيقفون على سيرة أئمتهم العادلين المغاربة والمشارقة كوقوفهم على سيرة الخلفاء الراشدين والملوك الأمويين والعباسيين ومن بعدهم كالسلاجقة الأيوبيين والفاطميين والعثمانيين ،وغيرهم من ملوك لما بجوانب التاريخ الإسلاميالأندلس والمغرب والمشرق ،فينشأ التلميذ م  بس ير الملوك العادلين والجائرين ،فيقدر بفكره المستقل أولئك ،ويسر بماعالما متصفااتصفوا به من العدل والإحسان ،ويجهد نفسه بأن يكون عادلا في أعماله بالفضيلة في جميع أطوار حياته .ويرفض من هؤلاء ظلمهم ،ويمقت الجور، ويزهد فيه ويتجنب كل نقيصة تشينه .وميزان العقل إذا أطلق من قيوده هو أعدل ميزان ،وحكمه إذا أخذ به على ضوء الإيمان باالله هو أصدق حكم ،ودين الإسلام واحد وتاريخه العام هو مرآته المنطبعة فيه صوره الصحيحة. وهذا المختصر يدعو إلى توحيد المذاهب الإسلامية ،ودراسة تاريخ الإسلام دراسة وافية ،لكي يعرف الدارس ما هنالك من خلافات بين أهل القبلة ،فيعمل الدارسون المصلحون على إزالتها أو تهوينها. ويتحدث المؤلف عن ظهور المذهب الإباضي ،ويشير إلى أنه ظهر في القرن الأول من الهجرة ،فهو أقدم المذاهب الإسلامية على الإطلاق؛ إذ إن إمامه المنسوب إليه عبد االله بن إباض التميمي هو من التابعين الأولين المعاصرين لعبد الملك بن مروان ،الملك الأموي ،وكان له مع هذا مراسلات مائة كتاب إباضي80 نصائح غالية لعبد الملك تحتم عليه أن يعمل بأوامر الشرع فيعدل في الحكم بين الناس ليستوجب الطاعة التي يدعوهم إليها. ويعرض المؤلف إحدى هذه الرسائل المتبادلة ويعقب عليها بأن المتأمل في هذه الرسالة أو الرسائل المتبادلة بين عبد الملك بن مروان وبين الإمام وبعد النظر فيعبد االله بن إباض يتبين له جل يا ما لابن مروان من الباع الطويل الملك ،والمقدرة على توطيد أركانه وتشييد دعائمه ،فهو يريد فوقسياسة ثوبا من الخلافة الصحيحة المؤيدة بموافقة أئمة الدينذلك أن يلبس ملكه وذوي الرأي النافذ في الأمة ،وفي مقدمتهم الإمام ابن إباض الذي مع مسلك الشدة معه لم ينقل إلينا أنه تعمد إلى البطش به؛ فالأمر إذن لا يخلو من أنه سلم بصحة نصيحة الإمام وأذعن لقوة دينه ويقينه ،ولكن حال دون الملك ولذة السلطان من نفسه ،معالعمل بها فساد المحيط وتم كن حب ما للبطانة والقرابة بحكم العادة من اليد القوية في الحيلولة بينه وبين ما يهم به من قبول النصيحة في الدين والرجوع إلى ما عليه ابن إباض وعشيرته .ومهما يكن من الأمر فالإيمان الراسخ والوثوق الشديد باالله ، 8 والزهد الكامل في هذه الدنيا ونعيمها ،والصراحة في الحق ،والإخلاص التام لدين االله كيفما كان الحال ،كل هذه المزايا تتجلى للناظر في شخص ابن إباض من بين سطور كتابه إلى ابن مروان. ويتحدث المؤلف عن الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد ،ويذكره بأنه من أعظم رجال المذهب الإباضي وأئمته ،المولود عام ١٨ه )الموافق ٦٢٨م( العمانية .وتوفي سنة ٩٣ه بقرية قريبة من مدينة )نزوى( عاصمة المملكة بعمان ثم ارتحل إلى البصرة لأجل طلب العلم ،فأقام بها)٧١١م( .نشأ أولا إلى أن مات ف نسب إليها ،وكان أعلم أهل زمانه وأحفظهم للحديث النبوي وأتقاهم الله . 8أخذ العلم عن كثير من الصحابة. 81مختصر تاريخ الإباضية أيضا كثير المناظرة للخوارج المارقين ،وله تأليف في الفقهوكان هذا الإمام كبير يسمى» :ديوان جابر« انتفع به الناس في حياته وبعد مماته ،وكان محفو ظا في مكتبة بغداد ثم أخذ منها وأحرق أو أغرق. ويعقب المؤلف على هذا الإمام قائلا :ولا ندري السبب في عدم نسبة المذهب إليه مع أنه أفقه وأعلم زمانه ،وقد قيل :إن ابن إباض يصدر في كل شؤونه عن فتواه ولا يبت في أمر من الأمور إلا بمشورته ورضاه. ويعرض الكتاب تواريخ بعض أئمة مذهب الإباضية ،ويتكلم عن انتشار المذهب وظهوره بالمغرب ،وحملة العلم والدين إلى المغرب ،وحال الإباضية بعد انقراض الخلافة الرستمية ،وبعض مشاهير أمراء نفوسة وغيرهم. أما أهم ما بين الإباضية والمذاهب الأربعة من المسائل الخلافية فيذكر المؤلف مجموعة من المسائل ،هي: ١ الصفات الإلهية :يقول أصحاب المذاهب الأربعة :إن صفات االله غيره، وهي قديمة بقدمه تعالى ،والإباضية يقولون :هي عين ذاته ،لا حاجة إلى شيء زائد عنها نف يا لتعدد القدماء. ٢ الرؤية :ينفي الإباضية رؤية االله تعالى دنيا وأخرى؛ لأنها تستلزم ما لا يليق بذاته من التحيز وغيره .والأشعرية يثبتونها له في الآخرة بلا كيف ولا انحصار في جهة. ٣ القرآن :الإباضية يقولون :إن القرآن مخلوق حادث ،والأشعرية يقولون :إنه قديم. ٤ مسائل الخلود في جهنم :الإباضية يقولون :داخل النار من عصاة الموحدين أبدا ،فهو في الخلود مثل داخل الجنة ،إلا أنمخلد فيها لا يخرج منها عذابا من غيره .أما الأشعرية فلا يقولون بخلود الموحدالموحد أخف العاصي في النار فإن دخلها عذب على قدر ذنبه ،ثم خرج منها إلى الجنة. مائة كتاب إباضي82 ٥ مسألة الإيمان :الإباضية يقولون :الإيمان قول وتصديق وعمل .والأشعرية معبر عنه فقط. يقولون :هو قول وتصديق .وقيل :هو التصديق ،والقول ٦ ولاية الأشخاص وبراءة الأشخاص :يقول الإباضية بوجوبهما )كولاية الجملة وبراءة الجملة( وصورة الولاية :أن يتولى المكلفون من تثبت ولايته ،وهو الطائع الموفي بما أمره االله فيحبونه لذلك ويستغفرون له ويساعدونه في شؤونه الدنيوية من بيع وشراء وسائر المعاملات. وأما البراءة فصورتها :أن يتبرأوا من العاصي ويقطعون معاملته ويهجرونه بحيث يصير كأنه بمعزل عن العالم إلى أن يتوب إلى االله ،فإذا تاب وأقلع عن معصيته أعيدت إليه هذه الحقوق وعومل بما يعامل به سائر إخوانه. وهو كما ترى حكم من أفعل الأحكام في زجر الناس عن الخروج عن طاعة االله وأنظمة هذه الحياة ،وباعث قوي للنفس على السير في المنهج القويم دي نا ودنيا ،فهو لكونه دين يا يغني عن أشد العقوبات المدنية التي س نتها القوانين الوضعية .وقد شهد لتأثيره الحسن في إصلاح الهيئة قديما وما كانوا عليه من العز الشامخ والثراء الاجتماعية حال النفوسيين العمانيين حال مجدهم حينما كان العمل به جار يا، الواسع ،كما هو شأن وحال الميزابيين اليوم بالجزائر ،وما هم عليه من انتظام الأحوال ،واتساع الثروة والتمسك بالدين أصدق شاهد على ذلك .فإنهم ما زالوا في تطبيق أحكام الولاية والبراءة على ما هو عليه سلفهم الصالح .والمذاهب الأربعة لا يقولون بولاية الأشخاص وبراءة الأشخاص ،ويكتفون بولاية الجملة وبراءة الجملة الخاص حكمها بمن لم يتدين بدين الإسلام ولا ينسحب على عصاة الموحدين عندهم. ٧ مسألة الشفاعة :يقول الأشعرية :إن الشفاعة تنال أصحاب الكبائر من الأمة المحمدية .وأما الإباضية فعندهم لا ينالها إلا من مات منهم على الوفاء والتوبة النصوح ،ولكل أدلته كما في سائر المسائل. 83مختصر تاريخ الإباضية ٨ يطلق الإباضية على الموحد العاصي كلمة كافر :ويعنون بها كافر النعمة ويجرون عليه أحكام الموحدين ،ولهم في ذلك مسوغات شرعية ولغوية ليس هذا محل ذكرها .فالكفر عندهم كفر نعمة ونفاق وهو هذا ،وكفر شرك وجحود وهو الذي يخرج الإنسان من الملة الإسلامية .والأشاعرة عاصيا وفاسقا ،ويمنعون إطلاق الكفر عليه ولو كانيكتفون بتسميته مشعرا بذلك .وكلا المذهبينمقيدا بما قيده الإباضيون ،ويؤولون ما جاء على اتفاق في إجراء أحكام الموحدين عليه .فالخلاف بينهما يقرب أن يكون لفظ يا لا روح له من جهة المعنى كما ترى. ٩ الميزان والصراط يوم القيامة :يقول الأشعريون :إنهما حسيان ،فأعمال إظهارا للحق وتبكي تا للمقصر. الإنسان توزن يوم القيامة بميزان ذي كفتين والصراط جسر ممتد على متن جهنم ،تمر من فوقه الخلائق كل بحسب عمله ،فمن مسرع ومن مبطئ ،ومن مترد في الجحيم .وأما الإباضية فيقول جمهورهم :إن الميزان ليس بحسي واالله غني عن الافتقار إليه، وإنما هو تمييز معنوي للأعمال ﴿ ] ﴾ j i hالأعراف [٨ :كيف والأعمال ليست بأمور محسوسة حتى توزن بميزان من نوعها ،والصراط أيضا ليس بحسي ،وإنما هو دين االله الحق وطريقه القويم ،فمن اتبعه فاز ونجا ،ومن حاد عنه خسر وهوى .ومن الإباضية من يجيز أن يكون الميزان والصراط حسيين على نحو ما قالت الأشعرية. ١٠ من المسائل الخلافية التي ليست من أصول الدين ولكن لها تأثير ذو بال في تغيير مجرى الحياة العامة في الإسلام هي مسألة الصحابة :فالإباضية وأصر المتقدمون يرضون عنهم إلا من أحدث ما يخالف ظاهر الدين على ذلك ،ولم يتب .أما إذا تاب كعائشة أم المؤمنين في توبتها من موافقة طلحة والزبير عند خروجهما على الإمام علي بن أبي طالب في موقعة الجمل فإنهم يرضون عنه وعن كل تائب من عمله الخاطئ. مائة كتاب إباضي84 والمتأخرون منهم يرون التوقف وعدم الخوض أولى .والأشعرية يعذرون جميعا .كذا قيل ،والذي يراه المؤلف جميعا ويرضون عنهم الصحابة أنهم كذلك إلا في قسم الصحابة المخالفين للإمام علي بن أبي طالب فإنهم يرضون عن معاوية ولا ينتقدون أتباعه مع أنهم أشد الناس عداوة للإمام الشرعي ابن أبي طالب .فقد س ن معاوية شتم الإمام على المنابر، السنة السيئة في بني أمية إلى أيام الخليفة عمر بن واستمر العمل بهذه  عبد العزيز فإنه 5قطعها وأبدلها بآية قرآنية وهي قوله تعالىL K ﴿ : VUTSRQPONM ] ﴾ [ Z Y XWالنحل [٩٠ :ولنعم ما فعل هذا الإمام العادل النادر المثال في ملوك المسلمين وأئمتهم .ولكنا نراهم يسخطون ولا يرضون عن أهل النهروان والنخيلة ،وينسبونهم إلى الخطأ والزلل، مع أن أكثرهم أو قادتهم على الأقل من أصحاب رسول االله وخيارهم، ومن أعلمهم بالحلال والحرام وأشدهم تمسك ا بدين االله .وقد روى شديدا، ندما التاريخ أن الإمام عل يا ندم على قتالهم يوم »النهروان« وسمعه جم غفير يردد تأبينهم بقوله :واالله لأنتم أسود النهار رهبان الليل، ولأنتم أصحاب الدار يوم الدار ،وأصحاب الجمل يوم الجمل وأصحاب صفين يوم صفين ،وأصحاب القرآن إذا تلي القرآن ...إلخ ،وينكر المؤلف تماما السبب الحامل للأشعرية في هذا التفريق بين الصحابة ،والخوض في شأن بعضهم دون بعض خلافا لقاعدة مذهبهم. ١١ من المسائل الفرعية المختلف فيها :ولكنها ذات خطر في مجرى الحياة الإسلامية العامة مسألة الإمام العظمى ،فالإباضية يرون وجوب نصب الإمام كالأشعرية ،إلا أنهم لا يحصرونها في عنصر خاص ،بل شرطهم الأساسي هو الكفاءة الشرعية في الشخص المختار لها ،وتجب طاعته ما دام على الحق ،والعدل شعاره ،فإن جار في الحكم وخالف الحق ولم 85مختصر تاريخ الإباضية يتب جاز ،بل وجب الخروج عليه .والأشعرية يقول جمهورهم :لا يجوز الخروج عن الإمام الجائر ،ويقولون عن الخلافة :يجب أن تكون في قريش ،ومن تبوأها من غيرهم فإنما هو غاصب لحقهم. ١٢ مسألة الوقف :يقول الأشعرية كلهم أو جمهورهم :إن الوقف بقسميه من الدين ،ويجب العمل به مطلقا .والإباضية يحرمون وقف الذرية المسمى اليوم بالوقف الأهلي ،ولا سيما المتعلق بحرمان الإناث من إرثهن الشرعي ،وإباضية الشرق لهم في ذلك تفصيل ،والجميع لا يرون خالصا؛ كالمساجد والمدارسبأسا في الوقف الخيري المراد به وجه االله والمستشفيات وغيرها ،وللواقف ثواب عمله. وما عدا ما تقدم فالخلاف فيه سواء في العبادات والمعاملات شأنه شأن الخلافات الواقعة بين المذاهب الأربعة ،فما تجده سائغا عند الإباضية والمالكية قد تجده ممنو عا عند الحنفية والشافعية مثلا والعكس ،وهكذا في أغلب المسائل؛ كالخلاف في المنخنقة والموقوذة والمتردية فإن ذكاتهن عند الإباضية جائزة ،وعند المالكية ممنوعة ،ولك ل دليله ،وفي المذاهب الأربعة من يوافق الإباضية في ذلك ويخالف المالكية والعكس ،وكجواز الطلاق بالإعسار والغيبة عند المالكية والإباضية ،وعدم جوازه بهما عند الحنفية. واستمرار حق الحضانة لأم المحضون ومن يليها إلى بلوغ الذكر وتزوج الأنثى عند المالكية ،والتفصيل والتخيير للمميزين عند الإباضية ،وإلى سبع سنوات للذكور وتسع للإناث عند الحنفية .وكمنع التقصير في الصلاة للمسافر بنية الإقامة أربعة أيام عندهم ،واستمراره ما انتفت النية في الإقامة واتخاذ الوطن عند الإباضية لحديث »صلاة المسافر ركعتان حتى يؤوب إلى أهله أو يموت« ،وعلى هذا الرأي كان الحسن البصري التابعي المشهور فقد روي عنه السنة أن يقصر المسافرون ولو أقاموا عشر سنين ما لم يتخذوها أنه قال :مضت  وط نا .وهكذا الشفعة للغائب ،فإنه باق على حقه فيها عندهم ،ولا شفعة له عند مائة كتاب إباضي86 أيضا للع لة نفسها. الإباضية لما في ذلك من تعطيل الحقوق .ومثله اليتيم وكذلك الجنابة فإنها لا تبطل صوم الصائم عندهم وعند الإباضية تبطله ،ويجب مفطرا إلا مجنبا فقد أصبح على المجنب أن يغتسل قبل طلوع الفجر فإن أصبح إن بادر إلى الاغتسال .وعند الإباضية يحرم نكاح الزانية على الزاني بها، ولا تحرم عليه بذلك عندهم. ولكل من الفريقين أدلة طويلة ومستندات يطول شرحها ،فلا يناسب في هذا المختصر سوقها ،ومثل ذلك الدخان فإنه حرام عند الإباضية ،ومباح أو مكروه عندهم ،وقيل :حرام عند بعضهم .ومنها :أن الإباضية جعلوا النظر في إقامة كافل اليتيم للعشيرة وعلى القاضي التنفيذ ،وعندهم :أن ذلك من اختصاص القاضي لا غير .ومنها :جواز الحكم في الأموال بالشاهد واليمين عند المالكية ،ولا يكون إلا بالشاهدين عند الإباضية وعند الحنفية كسائر الحقوق والحدود إلا في الزنى ،فإن الجميع اتفقوا على أربعة شهداء وإلا أقيم عليهم حد القذف .وكذا الإعذار فإنه لازم في الحكم عند المالكية وغير لازم عند الإباضية والحنفية .ومنها :أن البسملة آية من كل سورة عند الإباضية أيضا ،وليست كذلك عند المالكية؛ ولذا كرهوها فيوالشافعية ،وعند الحنفية الصلاة المفروضة. بكرا أم ثي با لا إجبار عليها ومنها :أن المرأة عند الإباضية سواء أكانت من الولي ولو كان أبا ،بل لا بد من مشورتها ومنحها الحق في اختيار من تريد استبدادا في أن يكون شريك ا لها في الحياة الزوجية ،وإنما للأب أن يزوج ابنته بكرا دون البلوغ لا غير .ومع ذلك فلها حقصورة واحدة فقط ،وهي أن تكون في رد ما فعله الأب وغيره حين بلوغها على الفور ،وما عدا هذه الصورة فالشرط الأساسي في صحة العقد هو رضاها وموافقتها .والحنفية في هذا الباب موافقون للإباضية ،وأما المالكية ففي الثيب كذلك ،وأما البكر فللأب أن يجبرها على التزوج بمن شاء ولو تجاوزت حد البلوغ ،ويسمونه الولي المجبر. 87مختصر تاريخ الإباضية ومن أبسط المسائل الخلافية جواز رفع اليدين وتحريك السبابة والقنوت في الصلاة عندهم ،ومنع هذه الأفعال عند الإباضية لمخالفتها مقتضيات معتبرا عند المذاهب الأربعة من المندوبالخشوع .والرفع المذكور مع كونه ندبا غير أكيد ،فإن العامة منا ومنهم يعتبرونه الفارق الوحيد بين الفريقين. إليه وظهورا وشيو عا. تكرارا والسر في ذلك معلوم وهو أن الصلاة أكثر الفرائض وأما الطرق الصوفية الكثيرة الشيوع في المذاهب الأربعة؛ كالقادرية، والرفاعية ،والعيساوية ،والساعدية ،والتيجانية ،والسنوسية ،والبكطاشية، وغيرها كثير فليس لها وجود في المذهب الإباضي ،وهي في نظره من البدع المحرمة شر عا ،ولا يتوقف الوعظ والإرشاد وتهذيب النفوس على إحداث مثل هذه الطرق والانتساب إلى رجالها على النمط المعهود عندهم .ومع هذا فلا ينكر الإباضيون كرامة الأولياء ووجود الصالحين من عباد االله المخلصين ولزوم احترامهم ،لكن لا على هذا الوجه ﴿ È Ç Æ Å Ä Ã Â ] ﴾ Éالبقرة.[٤٨ : هذا ولا يوجد بين الفريقين خلافا في الصلاة ووجوبها وأدائها في الأوقات الخمسة وعدد الركعات ،ولا في الحج وأركانه ومناسكه ،ولا في الزكاة ونصابها ومواضع صرفها ،ولا في الصوم ووجوبه وأغلب مصححاته ومفسداته. ويختم المؤلف كتابه »فيما يفعله الإباضية مع من تحت حكمهم من العلامة أبيمخالفيهم« .ويورد لمعرفة ذلك بيا نا نقله عن أحد أئمتهم الفحول  يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني صاحب التصانيف المعتبرة في المعقول قدرا وجلالةوالمنقول المتوفى سنة ٥٧٠ه )سنة ١١٧٤م( ومن أعظم مؤلفاته »الدليل والبرهان« الذي ينقل عنه المؤلف ما يلي: »باب ما ينبغي لأمير المؤمنين أن يفعله مع مخالفي الإباضية من المسلمين ،والذي ينبغي له أن يدعوهم إلى ترك ما به ضلوا .فإن أجابوا اهتدوا مائة كتاب إباضي88 وصاروا أخواننا :لهم ما لنا ،وعليهم ما علينا ...وإن امتنعوا من ذلك دعوناهم إلى أن نجري عليهم حكم االله تعالى من دفع الحقوق ،والخضوع بواجب الأحكام ،فإن أذعنوا لذلك تركناهم على ما هم عليه ووجب لهم من الحقوق والأحكام ما يجب لنا وعلينا ،إلا ما كان من الاستغفار فلا حق لهم فيه ما داموا متمادين على ما هم عليه ووسعنا وإياهم العدل .ولهم حقوقهم من الفيء والغنم والصدقات على وجوهها ،ولهم علينا رفع الظلم عنهم كما يجب لسائر المسلمين ،والعدل في الأحكام والدفاع عنهم .وإن غزوا معنا فلهم سهامهم كما لنا .ومن امتنع منهم مما وجب عليه من الحقوق أدبناه بما يقمعه ونرده إلى سواء السبيل ،وإن جاوزوا ذلك سفكنا دماءهم واستحللنا قتالهم .وإن اعترفوا بطاعتنا وانفردوا ببلادهم وأجروا فيها أحكامهم تركناهم .وذلك ما لم يكن ر دا على آية محكمة أو سنة قائمة ،ونستقصي عليهم منهم من يقوم بواجب الحقوق عليهم ولهم ،ونقبل قوله في ذلك على أسلوب القضاة كلهم. ولا يمنعنا من ولاياتهم إلا ما هم عليه .ونأخذ منهم كل ما يجب من الحقوق، ونردها في فقرائهم وذوي الحاجة منهم«. وينهي المؤلف هذا السرد الذي نقله عن الإمام الوارجلاني قائلا :فليتدبر والسنة النبوية، المنصف في هذا الدستور الإسلامي الذي جاء به الكتاب العزيز والذي ما برح يقوم بتطبيقه أئمة الإباضية وعمالهم في جميع أدوار تاريخهم السياسي تطبيقا عمل يا ،خلافا لما عليه الملوك الظلمة الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إلى الرسول وما جاء به :من أمر ونهي ،ووعد ووعيد ،وحلال وحرام، وحدود وأحكام ،ثم لا ترى لاتباع أوامر الشرع أي أثر في أعمالهم وحروبهم. 89 OÉ°TôdG o∏Y ≈∏Y OÉbƒdG QƒædG øH á©aL øH ...hóH øH ôgGR øH odÉ°S øH óaëe ï«°ûdG ) »°û«bôdG á©aL øH óaMCGت ١٣٨٧ه١٩٦٧/م( وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان١٤٠٤ ،ه١٩٨٤/م. عدد الصفحات ١٣٠ :صفحة يتكون الكتاب من مقدمة المحقق ،ومقدمة المؤلف ،وستة أبواب .يذكر الأستاذ خلفان بن محمد المغنسي في مقدمته ترجمة للرقيشي .والرقيشي نسبة إلى رقيش القبيلة المشهورة بالعمل والإقدام ،وتنتمي حسب الشائع والمعروف إلى »كندة« التي يتصل نسبها بالحارث بن مرة. وتتميز هذه القبيلة بالعراقة ،وظهور شخصيات برزت في هذه القبيلة، جهدا في العلم وأسهمت بدور وطني دين يا وعلم يا واجتماع يا ،وبذلت واستحقت لقب شيوخ المذهب ،ولأنه كان لهذا اللقب مدلوله ومعناه .فهو لا ريب أن أوائل المشايخ الملقبين به ،قد وصلوا إلى مرتبة سامية من العلم والعمل والفضل أهلتهم إلى الزعامة الدينية ،وكما تحلى بهذا اللقب أحباؤهم أيضا فكانت لهم مقابر خاصة عليها سمات وعلامات تعرففقد لازم موتاهم بها ،وهذه المقابر لا تزال باقية تعرف بين الأهالي بقبور شيوخ المذهب. تقديرا لهؤلاء وبدهي أن هذه السمات والألقاب جاءت من الأهالي وتخليدا لذكراهم؛ ولأنه كان لبعض المسميات نصيبوتوقيرا لشأنهم الفطاحل من أسمائها ودليل على صحة مآثرها ،فإن في اسم المحلة التي سكنتها هذه الأسرة الحميدة »الشمس« لأكثر من معنى ،وأقوى من دليل. ولد الشيخ الرقيشي في عام ١٣٠٢ه بإزكي ،ونشأ في بيئة الشرف من مائة كتاب إباضي90 أسرة إمارة ،فقد كان والده أحد الزعماء القياديين الذين تدور عليهم سياسة بلدهم »إزكي«. وعندما بلغ الرقيشي السادسة من عمره دخل المدرسة لتعليم مبادئ القراءة والكتابة والقرآن الكريم ،ولم تمض سنة واحدة حتى أجاد قراءة القرآن وحفظ شي ئا منه ،ثم واصل تعليمه لإجادة الخط ومبادئ العربية ومعرفة الواجبات نصيبا لا بأس به. والمعتقدات الدينية ،فأخذ تماما ،ولعل وفي العقد الثاني من عمره ،توقف الرقيشي عن الدراسة ظروف المنطقة القبلية في ذلك الوقت ،ومستلزمات الحياة المعيشية إلى جانب مؤازرا ومعي نا أهم العوامل المانعة له عن مواصلة التعليم. الوقوف مع والده وقام الشيخ الرقيشي في العقد الثالث من عمره بأعمال حرفية هي سببا لرقيه ،وتجددت»الصياغة« ،وقد أجاد وأتقن هذه الحرفة ،وكانت بدورها في هذه الفترة في نفسه فكرة طلب العلم والسعي إليه من الجديد وبما لديه من مبادئ أولية ومؤهلات عالية في الحفظ والفهم والإدراك والعزيمة استطاع أن يجمع بين التعلم والعمل الحرفي في آن واحد ،فقد جعل من مكان مهنته معتمدا على فهمه مدرسة حافلة بأنواع الكتب العلمية التي يحتاج إليها للمطالعة وإدراكه وقوة عزيمته ،موز عا وقته بين القراءة والحفظ ،وبين عمله في مهنته. العلامة عبد االله بن محمدوشاء االله أن تتوفر له أسباب النجاح بعودة الشيخ  علما ومعرفة من الفيض الوفيرأبي زيد الريامي إلى بلده »إزكي« بعد ما تروى الإمام المجدد نور الدين السالمي ،فقام الشيخ أبو زيد فجمع حوله نخبة من أبناء »إزكي« وفي طليعتهم الشيخ الرقيشي فتولى التدريس والتثقيف بمسجد معهدا من معاهد العلم حافلا بالعديدالحواري بمحلة النزار ،فصار المسجد من الطلبة ،وقد تخرج كثير من الطلبة على يد الشيخ أبي زيد ،وفي مقدمتهم الشيخ الرقيشي. 91النور الوقاد على علم الرشاد وكان الشيخ الرقيشي مضرب المثل في قوة الشكيمة والعزيمة والبأس مع واليا العلم والعمل به ،فقد قمع عدة حركات تخريبية وتولى عدة أعمال ،و ع ين ومرجعا للعلم حتى توفي وسندا ومساندا قاضيا في ولايات مهمة ،ثم عمل عاما ،وله مؤلفات وأجوبة وأشعار عديدة،سنة ١٣٨٧ه عن عمر يناهز ٨٥ استفاد منه عدة طلاب. أما الكتاب فيذكر الشيخ الرقيشي في مقدمته أن كتابه هو استكمال العلامة سعيد بن حمد الراشدي ،استكمل فيها أبواب الجهادلمنظومة الشيخ  شرحا يبين معانيها فدعته نفسه إلىومعانيه إجمالا وتفصيلا ،حيث لم يجد لها مختصرا مخلا. شرحا لا طويلا مملا ولا أن يجعل عليها ويتناول المؤلف في مقدمته حد البغي وثمرته. )وبعد فالبغي صراع لصاحبه وهل ترى باغيا إلا وقد خذلا( وقد حد الناظم البغي أنه استطالة المسلمين على بعض بغير الحق ،ولو قيل :البغي الاستطالة من العقلاء على طريقة الحق لكان أعم ،وعد ثمراته بقوله :ومنه تصدر أفعال القبائح مثل القتل ،وأخذ المال ،والانتصار لغير الحق، والغضب لغير االله ،والحمية لأهل الكفر ،وعناد الحق ورده ،ونصر عدو المسلمين ،ومعاداة المسلمين ،وأذاهم وتخويفهم ،وفي المقام مسائل: المسألة الأولى :في البغي. المسألة الثانية :في القبائح .القبح بالضم ضد الحسن في الهبات والأفعال، أما في الهبات فهي المرادة هنا ،وهي ضد ما حسن شر عا؛ لأن الأفعال الواجبة والمحرمة والمندوبة والمكروهة لا ينظر فيها إلى تقبيح العقل لشيء منها، كالصدق الضار ،ولا إلى تحسينه ،وإنما ينظر فيها إلى تقبيح الشارع لها لإيجابه اللوم والعقاب لفاعلها ،وتحسينه لشيء لجعل الثواب لفاعلها والمدح له. مائة كتاب إباضي92 وفي أجوبة الشيخ السالمي 5أن الباغي هو الذي تعدى حدود االله ،كان ذلك بمنع الحق أو بظلم الغير ،أو بالإصرار على الباطل من مكابرة وعناد. وهنا ينشأ الاسم للباغي ،ويثبت عليه البغي شر عا بأمور منها :أن يخرج عن طاعة الإمام العادل بعد وجوب طاعته عليه كخروج طلحة والزبير على علي ،ومنها أن يبطل الإمام الحدود ويتسلط على الرعية ويفعل فيهم بهوى عنيدا ،فيكون بذلكجبارا نفسه فيستتيبونه فيصر على ذلك فيصير بعد الإمامة باغيا على المسلمين يجوز لكل أحد قتله ليريح الناس من ظلمه وفساده. ومنها أن يقصد الرجل رجلا ليقتله أو ليضربه أو ليؤذيه أو ليذله بغير الحق ،أو لينتهك حريمه أو حريم أهله فينهاه فلم ينته ،فإن له في هذه المواضع أن يدافعه بما أمكن وإن أفضى إلى قتله فلا بأس عليه. وكذلك إذا رآه بغى على الناس ،أو علمه أو أقر معه فإنه يجوز لكل أحد أن يرد البغي ،ويجب على كل قادر ذلك ،وهذا معنى قولهم :لا يصح لذي الحق .والباغي المباح دمه شر عا هو من عمل البغي وأصر عليه وكابر ولا يرتفع إلا بقتله. المسألة الثالثة :في القتل .هو إزهاق الروح من الجسد ،وهو إما واجب طبعا كالحية والعقرب وغيرهما ،وإما حرامكقتل المشرك والباغي والمؤذيات مشركا ،وإما عمدا عدوا نا ،وكقتل صيد الحرم وقتل المعاهد ولو كقتل المؤمن مباح كقتل الحيوانات من البهائم لأكل لحمها ،ومراد الناظم هنا القتل المحرم من المكلفين وهو العمد العدواني. المسألة الرابعة :الأخذ هو التناول للشيء ،وهو إما حرام كأخذ الأموال غصبا من غير حلها ،أو واجب كأخذها من حلها بالكسب الحلال ،أو لتنجية نفسه أو صاحبه أو دابته أو أخذها لتنجيته لصاحبها من مهلكها أو متلفها أو غاصبها ،وإما مندوب كأخذها من المباحث كالمعادن والشجر وغيرها. 93النور الوقاد على علم الرشاد المسألة الخامسة :في الانتصار .والانتصار هو أخذ الحق من الظالم شر عا لقوله تعالى] ﴾̧ ¶ μ́ 3 2 ± °̄ ﴿ :الشورى ،[٤١ :وأما الانتصار لغير الحق فهو ظلم محض ،بل هو من أقبح الظلم. المسألة السادسة :في الغضب .والغضب هو غليان دم القلب فيظهر أثره على واجبا عند وأيضا هو حركة النفس مبدأها إرادة الانتقام .والغضب يكونالجسد، حراما وهو الغضب في مخالفة الشرع وهو الملك.انتهاك الحرمات ،ويكون المسألة السابعة :في الحمية .وهي ميل الطلب إلى انتصار المبطل قوله الحمية هي العصبية في الباطل ،قال تعالى] ﴾ j i h ﴿ :الفتح.[٢٦ : المسألة الثامنة :في الكفر .ينقسم إلى قسمين: الأول :أن الكفر لغة التغطية ،وشر عا ينقسم إلى كفر شرك ونفاق. فالكفر الشركي هو القادح في ذات االله وصفاته أو تكذيب أحد من رسله، أو شيء من كتبه ،وضابطه مساواة الخالق بالمخلوق في الذات والصفات والأفعال ،واالله 4لا يماثله شيء. أيضا ينقسم إلى قسمين:والقسم الثاني من الكفر :هو كفر النعمة ،وهو نفاق بعد الحق بالتأويل الفاسد ،ونفاق وعدم الوفاء بالدين كارتكاب المحرمات شر عا ،وترك المفترضات ،وله تفاصيل. المسألة التاسعة :فيما يصدر من الحمية والغضب ،وهو عناد الحق ورده والكفر والخيلاء .أصل هذه الأشياء هو الكبر وثمرته تظهر على الجوارح فينتج منه عناد الحق وهو مخالفته ورده ومفارقته ومعارضته وهو من الكبائر .وقد حرمه االله تعالى بقوله] ﴾ Ù Ø × Ö Õ Ô Ó ﴿ :لقمان.[١٨ : الباب الأول في صنوف البغاة: وقد تقدم الكلام عليها ،بأنه الاستطالة على الغير بغير الحق. مائة كتاب إباضي94 الباب الثاني في أحكام البغاة: والحكم مختلف فيهم فأولهم قتاله واجب لا شك حين غلا والشك في كفره حجر وتركهم إياه يقتلهم حجر كمن فعلا قوما أولهم :أي البعض من أصنافهم فهم الفئة الباغية التي جاءت تقاتل مبغيا عليهم في مكاناتهم كأن تقتل رجالهم وتنهب أموالهم ،وتسبي نسلهم وجوبا مجاهرة بغير حق ،فهؤلاء يجب قتالهم ودفعهم عن الأنفس والأموال حتم يا ،وفي المقام مسائل ،منها: المسألة الأولى :فيما يثبت به البغي .ويثبت البغي في نفس أو مال أو فرج، وفي كل فاحشة ،وأن مع رجال أو نساء ،ويدفع قاصدها ولو عن الغير. المسألة الثانية :فيمن يجب عليه دفع الباغي عن نفسه وماله ويضيق عليه الجهل بتركه وعدم تخطئته ،ويحرم عليه الشك في قتاله .يجب على كل بالغ عاقل ذكر أو أنثى أو عبد .فالدفاع عن النفس فرض عين يجب على الحر والعبد والذكر والأنثى ،والموسر والمعسر. المسألة الثالثة :الدفاع عن المال ينقسم إلى واجب وجائز ،فالواجب: كالسلاح الذي لا غنى عنه في حالته تلك ،والثوب الساتر للعورة ،وقوت نفسه الذي إن تركه مات جو عا ،والماء الذي إن تركه هلك عطش ا .والقسم الثاني: الذي يمكن الاستغناء عنه في تلك الحالة فهذا يجوز له تركه ،ويجوز له القتال بالدفع عنه لقوله ژ » :المقتول دون ماله شهيد ،والدفع عنه من أخلاق الكرام«. المسألة الرابعة :هل الواجب الدفاع عن البلد أو عن القرية أو عن المصر كله؟ وهل عمان كلها مصر واحد أم هي والبحرين؟ سرا فلا يجوز قتاله إلا بعد ثم تناول الشيخ الرقيشي مسألة إن كان البغي  قيام الحجة عليه ،ويدعى إلى أحكام الشرع عند حاكم عالم عادل تراضيا به أو 95النور الوقاد على علم الرشاد نائب عن إمام عدل أو واليه أو الجماعة من المسلمين ،ويدعى إلى حاكم جبار دعاه إليه ونيته أخذ الحق منه لا زيادة ،وإن جار الجبار فعلى نفسه ،وفي هذا المقام مسائل: المسألة الأولى :إن استمسك إلى الحاكم طفله أو عبده برجل في تعدية في الأنفس والأموال أو المعاملات فلا يثبت بينهما الخصومة ،وليدفعهما إلى قاض غيره .وكذلك إن استمسك رجل إلى القاضي بطفل القاضي أو غيره فليرفعهما إلى غيره. المسألة الثالثة :لصاحب المال أن يقصد المكان الذي فيه ماله المأخوذ منه إن علمه فليأخذه ،وإن منعه الباغي عن قصد المكان قاتله على بغيه ،وأما إن لم يعلم المكان أو اختلط المال بما يتميز منه فإنه يدعوه إلى حاكم المسلمين أو جماعتهم. ص ر في الثوب أو ومن الجائز قتل الباغي المغتصب للمال ،ولو كان مما ي مخبوءا في الجيب؛ لأن المقتول دون ماله شهيد ،والقتال عن المال جائز. والانتصار لغة :هو الانتقام ،وانتصر منه انتقم ،وشر عا :أخذ المظلوم من مال الظالم مثل حقه .والدليل عليه في كتاب االله قوله تعالى± °̄ ﴿ : السنة قول النبي ژ لهند] ﴾̧ ¶ μ́ 3 2الشورى ،[٤١ :ودليله من  بنت عتبة لما اشتكت من أبي سفيان عدم النفقة» :خذي من ماله بالمعروف«. فإذا كان للظالم أمانة في يد المظلوم ،والمظلوم لا يقدر أن يأخذ حقه من الظالم هل له أن يأخذ من أمانته التي في يده أم لا؟ إن آية الانتصار والحديث يدلان على أخذ حقه من أمانته .والمانعون يستدلون على المنع بقول النبي ژ » :أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك« ،ويقولون بجواز الانتصار من غير الأمانة. مائة كتاب إباضي96 ثم عرض المؤلف مسألة القتل على البغي والامتناع ،وأورد فيها مسائل: المسألة الأولى :في الباغي إن قدر على تنفيذ الحكم عليه ،فلا يقاتل إلا إذا امتنع عن تنفيذ الحكم فيه. مرتدا ،فإن كان المشرك المسألة الثانية :في الشرك إما أن يكون أصيلا أو كتاب يا أو مجوس يا فإنه يخاطب بدخوله في الإسلام ،فإن امتنع خوطب بالجزية، فإن امتنع قوتل حتى يسلم أو يؤدي الجزية. وإن كان وثن يا خوطب بالإسلام ،فإن امتنع قوتل ولا محيد له عن ذلك إما إسلاما. قتلا أو مرتدا خوطب برجوعه إلى دين الإسلام ،فإن رجع وإلاوإن كان المشرك ذكرا كان أو أنثى ،وقيل :يستتاب ،فإن لم يتب قتل ،وقيل :يستتاب ثلاثقتل مرات ،فإن تاب وإلا قتل. المسألة الثالثة :في المخالف لأهل الدين وهو المخالف لأهل الحق الدائن بتحليل أموال أهل القبلة إن فعلوا الكبائر فإنه إذا حاز المال مستحلا لا يقاتل باقيا، عليه ،وإن أتلفه وتاب فلا غرم عليه ،وقيل :بجواز أخذ المال منه إن كان وأما إن تلف فلا ينتصر منه لأنه أخذه بديانة. المسألة الرابعة :فيمن أخذ المال بدين عن رضى من صاحبه فلا يقاتل عليه ،لأن أصله خرج برضى من ربه. المسألة الخامسة :في المقترض والوكيل فإنهما يؤخذان بأداء القرض وما ب يد الوكيل من مال موكله. المسألة السادسة :فيمن احتسب لرد مال غيره من المغتصب .والأصل في ذلك أنه محسن ،قال االله تعالى] ﴾ w v u t s ﴿ :التوبة.[٩١ : ويقرر الشيخ الرقيشي عدم قتل الشيخ الفاني ولا الصبي ولا المريض 97النور الوقاد على علم الرشاد ولا المرأة ،لكن بشرط أن لا ينصروا الجهلاء المقاتلين على شرك أو بغي. وفي هذا المقام مسائل ،منها: المسألة الأولى :في الأدلة المانعة عن قتل الشيخ والنساء والصبيان. المسألة الثانية :في شيوخ الكفار ،فإن كان فيهم رأي قتلوا ،وإلا ففيهم والرهبان خلاف .قال مالك وأبو حنيفة لا يق تلون ،والأصح في مذهب الشافعي قتلهم. مرجعا في الرأي ،فإنهم يقتلون. والمذهب للشيخ الرقيشي عدم قتلهم إلا إن كانوا المسألة الثالثة :في قتل النساء فإنهن لا يقتلن للنهي عن قتلهن إلا إن قاتلن أو أعمد بشيء ،فإنهن يجوز قتلهن. المسألة الرابعة :في الصبيان لا يجوز قتلهم؛ لأن القلم مرفوع عنهم ،فإن قاتلوا جاز دفعهم عن القتال بغير قصد لقتلهم ،فإن ماتوا في الدفع بلا تعمد فلا ضمان على فاعل ذلك ،وإن قدر على منعهم عن الدفع بما هو أهون قصدا إلى ذلك المنع بما أرفق. كالحبس وغيره من أنواع المنع المسألة الخامسة :في المريض الذي حبسه مرضه فهو كالذي حبسته جراحته ض عليه الإسلام أو الجزية ،إن كان كتاب يا فإنمشركا ع ر عن القتال ،فإن كان أبى قتل ،وأما إن كان من أهل البغي فإن منعته جراحته عن بغيه فلا يقتل إلا مقيما على بغيه ،ويحرض أهل البغي بلسانه فإنه يقتل.إن كان ثم يذكر الشيخ الرقيشي من سقط عنهم الجهاد .وفرض الجهاد يسقط عن وفاء لدينهم ولا ضمي نا عنهم فيه، العبيد وعن أصحاب الدين الذين لا يجدون ولا على من منعاه والداه عن الجهاد إن كانا في ضرر ولا يكفلهم غير ولدهم. وعنوان الباب الثالث» :في أسباب البغي والاستعانة على الباغي« .يذكر الشيخ الرقيشي في هذا الباب معنى البغي والإقرار به وبالمشاهدة له وأقسامه، ويشتمل الباب على عدة مسائل: مائة كتاب إباضي98 المسألة الأولى :في الإقرار ،فإن الإقرار بالشيء هو من أصح ما يثبت به الحكم ،والدليل على ذلك من الكتاب قوله تعالى﴾ Ä Ã Â Á À ﴿ : ]القيامة ،[١٤ :وقول العلماء :لا إنكار بعد إقرار بشروط :أحدها :أن يكون المقر مختارا غير مكره ولا مض يق عاقلا حرا فلا عبرة بإقرار المجنون .ومنها أن يكون عليه في السجن. المسألة الثانية :الحكم بشهادة العدول الأمناء ،فإنه يثبت الحكم بشهادة العدلين لقوله تعالى] ﴾ [ Z Y X ﴿ :الطلاق.[٢ : أحدا أخذ مالك،المسألة الثالثة :في المعاينة للفعل من الفاعل ،فإن عاينت أو أفسده ،بأي أنواع الفساد فاحكم على فاعله بالبغي عليك. ثم ينتقل المؤلف إلى موضوع آخر ،وهو أنه إذا أتى إليك إنسان ولا تدري قصده فلا تبدأه بالضرب والرمي حتى يكون هو المبتدئ بالضرب أو الرمي أو الإغارة ،أو أشهر عليك سلاحه ،ولو لم يصب من رماه أو وصله في ثيابه أو دابته أو أغار عليك بفرسه أو ناقته ،وقيل :إذا جاوز الحجر الذي حجرته عليهم، ففي هذه الحالات كلهم هم بغاة يجوز فيهم ما جاز في البغاة. وفي هذا الموضوع مسائل: المسألة الأولى :ينبغي للمبتلى أن يكون ثابت القلب عارفا بأحوال القبائل والأزمنة والأمكنة؛ لأن لكل مقام مقال .وشاهد الحال أصدق من شاهد المقال، فإن كان الزمان زمان سكون وهدوء فهنا ينبغي التأني والتثبت وعدم الاستعجال ،وكذلك تختلف أحوال الأمكنة بعضها مخوف معروف بأنه مأوى الغزاة وقطاع الطرق وأهل الشر ،فهنا ينبغي التحرز والحزم ،وبعضها معهود بالأمان ولا يصلها قطاع الطرق على الغالب ،فهنا لا يصح الاستعجال ،وكذلك القبائل بعضها معروف بالبغي والتعدي وقتل الأنفس وأخذ الأموال ،فهنا يستعمل الحزم. 99النور الوقاد على علم الرشاد المسألة الثانية :ينبغي للمبتلى أن لا يترك الحزم ويثبت في أمره؛ لأن الدماء أصلها الحرمة ،ولا تسفك إلا بحجة يعتذر بها عند االله تعالى يوم يقضي في الدماء بين عباده. سائرا في طريق ،ورأيت من تخافه أو تخاف منهالمسألة الثالثة :إذا كنت جانبا ،وخاطب من رأيته بالحجر إلى مكان معلوم.الخديعة فاعتزل عن الطريق ويتناول الشيخ الرقيشي بالشرح البيت التالي: نفسا وإن أفسدوا شي ئا ولو سهلا كذلك إن قصدوا مالا وإن قتلوا يفسر الشيخ الرقيشي هذه الأبيات بأنه إذا قصدوا البغاة مالا ليأخذوه أو يفسدوه أو يأكلوه أو يمنعوه من مالكه ولو بتنفيره عنه أو حالوا بينه وصاحبه فكل ذلك منهم بغي يحل دفاعهم عنه ولو أدى إلى إتلاف أنفسهم. أما من يقبل قوله في أهل البغي فيرى الشيخ الرقيشي أنه يقبل قول الإمام ونائبه كقاض ووال وأمير السرية إن كان عالما بأحوال البغي ،ويبرأ منهم بمقال الواحد العدل لأنه حجة ،وقيل :تقبل قول من صدقته ،وقيل :يكتفى بإمارة البغي من البغاة. وإذا رأيت فئتين تقتتلان ولم تعلم المحق من المبطل منهما فمرهما بالكف عن القتال ،واسع بينهما بالصلح امتثالا لقوله تعالى﴾ £ ¢ ﴿ : ]الحجرات [٩ :ومن لم تكف منهما عن الأخرى بعد إذعان الأخرى للحكم فهي باغية لا محالة ،جاز أو وجب قتالها لقوله تعالى{ z y x w v ﴿ : | } ﴾ ]الحجرات [٩ :أي :تنقاد إلى حكم االله. وفي هذا الموضوع مسائل ،منها: المسألة الأولى :أن الأصل لا تحق الفئتان في تقاتلهما ولا في غير تقاتل من جهة واحدة في وقت واحد في نفس الأمر ،وإما بحسب الظاهر لكل واحدة مع أن االله أباح لهما ذلك بحسب ما يظهر لهما. مائة كتاب إباضي100 المسألة الثانية :يصح إبطال الفئتين وذلك أن يكون القتال على فتنة وحمية وتنازع في أمر الدنيا وزينتها. المسألة الثالثة :تحق الفئة بعد بغيها ،وذلك أن يذعن إلى حكم االله وتعطى الحق على يد إمام أو قاض أو جماعة راجعة عن بغيها ولو كان ذلك الرجوع لغرض ديني ،وهو أن تذعن منقادة لأمر االله تائبة عن بغيها خوفا منه ،أو كان ذلك الرجوع لأمر دنيوي كالضعف عن القتال أو خوفا من أخذ الثأر ،وثمرته إعطاء الحق عند حكام المسلمين. المسألة الرابعة :وقد تبغي المحقة فتكون باغية بعد أن كانت محقة ،وذلك إذا رجعت الباغية عليها عن بغيها وأذعنت للحق ولو بإكراه ولم ترض الفئة التي كانت محقة ،بل أرادت أخذ حق زائد عن حقها أو أرادت قتلا لا يحل أو أرادت شي ئا باطلا دون حقها فينعكس الحال بجواز القتال والدفاع عنها. وللمبغي عليه أن يستعين على الباغي بمن أراده من الناس ،واختاره للدفع عنه أو عن ماله ،وعلى المسئول أن ينصره على الباغي على حد طاقته؛ لأن االله عبدا أو أمة أو منمشركا أو نفسا إلا وسعها ،ولو كان المستعينلا يكلف ضعفة النساء ،ولو ثقل على المستعان به ذلك الدفع. ويتناول الباب الرابع» :الدفاع عن البلد والمصر وغير ذلك« ويذكر الشيخ الرقيشي أن االله أوجب الدفاع على القادر عليه بقوله تعالى5 4 3 2 ﴿ : ] ﴾ 7 6آل عمران [١٦٧ :فيجب على أهل البلد الدفاع عنها ممن بغى عليهم منها أو من غيرها ،ويجب على أهل المصر الدفاع عنه من بغى عليه منه أو من غيره ،ويجب الدفاع عن الصاحب والضيف النازل والمسافر. ومعنى الدفع لغة هو المنع ،دفعه كمنعه ،وشر عا هو دفع المشرك أو الباغي عن حريم المسلمين وأموالهم وأنفسهم ،قال االله تعالى< ; : 9 ﴿ : = > ﴾ ]الحج [٤٠ :فقد أوجبه االله ،فالقتال في سبيل االله أو الدفع هو أمر 101النور الوقاد على علم الرشاد واجب على كل مكلف قادر إجمالا وتفصيلا لوجوب معرفة حرمة دم المسلم وماله ووجوب الدفع عنه ،فمن قال بعدم وجوبه فهو مشرك لرده القرآن ،ومن وعبر عنه بعض المغاربة بالشرك لأن في جهله ففيه الخلاف فقيل إنه منافق ، اصطلاحهم شرك دون الشرك وعبارتهم عنه بالشرك الأصغر الذي لا يحل به العمانيين فهو نفاق لا غير. دمه ولا تحرم زوجته ولا يحل ماله ،أما عند والدفاع إما فرض وهو لمريد قتلك أو أخذ لباسك أو سلاحك أو من لزمك الدفاع عنه بما قدرت ،وإن بلا سلاح ،وبما ينجيه من الغرق ،أو بهيمة أو من قبل االله ،ولا يحط عنه من التنجية إلا ما يعطي فيه المال لأخذه عليه، فلا يلزمه إتلاف نفسه إلا عليها. ويسأل الشيخ الرقيشي سؤالا :هل الجهاد والدفاع اسمان لمسمى واحد أم هما نوعان؟ ويجيب :أن الجهاد اسم شامل لما تحته من الأنواع ،وله من الفضل صفات تعرف ،وأن أعلى الوجوه فيه وأشرفها وأرضاها الله وأقربها عنده ما كان لا يراد إلا إظهار الحق ومعزة الإسلام وإعلاء منازل الدين ،ومحق الفساد والظلم والكفر وتوهين أهله ونكايتهم لتكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة االله هي العليا ،فالقتال على ذلك هو الذي افترض بذل المال والنفس عليه. أما دليل وجوب الدفاع وفرضيته فهو قوله تعالى/ .- , + ﴿ : @ ? >= < ; : 9 87 6 5 4 3 2 1 0 ] ﴾ D C B Aآل عمران [١٦٧ :فقد  أخر ذكر الدفاع في الآية الشريفة لتأخره رتبة عن الجهاد .فالمقاتل عن نفسه لا كالبائع نفسه الله لإعزاز دينه لا لشيء يخصه بنفسه من دفع مضرة أو جلب مصلحة ،فالدفاع ضرورة تستعمله حتى البهائم ،والجهاد لمرضاة االله تعالى وكبت أعدائه ،هو شأن الملائكة والأنبياء ،والرسل والنقباء ،والمهاجرين والأنصار ،والخلفاء والأئمة، والعلماء والتابعين لهم بإحسان. مائة كتاب إباضي102 وعنوان الباب الخامس» :الصلح والخفارة« فلا يجوز نقض الأمان والصلح، وكذا الخفارة لا يجوز نقضها لأنها نوع من الأمان. حر بالغ عاقل ولو امرأة ،وفي الصبي المراهق قولان،والأمان يصح من  وفي العبد قولان. والخفارة نوع من الأمان للأحاديث في ذلك المسلمون يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم. ويتناول الباب السادس والأخير» :نصب الإمام للدفاع وغيره« .ويشير الشيخ الرقيشي إلى أن هذا الباب باب عظيم يحتاج إلى تفصيل ك ل في موضعه؛ لأنه الأساس الذي تقوم به أمور المسلمين وبالعدل قامت السماوات والأرض ،وفيه مسائل ،منها: المسألة الأولى :في الإمامة ،وذكر معانيها :إن الإمامة فرض من فروض االله التي أوجبها على عباده ،وهي من فروض الكفاية التي إن قام بها البعض سقطت عن الباقين ،ولها شروط لا تتم إلا بها. والسنة والإجماع .أما من والدليل على وجوب فرضيتها مأخوذ من الكتاب الكتاب فقوله تعالىe d c b a ` _ ^ ] \ ﴿ : ] ﴾ fالأنفال [٢٠ :يعني :يدرأ الإمام عن الزوجة المرماة بالزنا عذاب الحد أن تشهد أربع شهادات باالله أنه لمن الكاذبين ،فدخل في معنى الآية أنه لا يجوز تعطيل الحدود والأحكام ولا يقيم الحدود إلا أئمة العدل فثبت بهذا فرض الإمامة من كتاب االله؛ لأن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب ،وكثير من آيات القرآن دالة على ذلك. السنة والأحاديث الواردة في طاعة أولي الأمر فمنها قوله ژ » :لو وليوأما  عليكم عبد حبشي مجدع الأنف فاسمعوا له وأطيعوا« ،ومنها قوله» :وأطيعوا 103النور الوقاد على علم الرشاد السنة الفعلية فإن كثيرا ،وأما  السنة القولية ولاة أموركم« .وفي هذا المعنى من  أميرا وأمر أصحابه بالسمع والطاعة. النبي ژ إذا ج هز جيش ا أ مر عليه أما شروط الإمامة فهي اجتماع ذوي الرأي والعلم والفضل من المسلمين ويجتهدون في النصيحة الله تعالى وفي دينه ولعباده ولبلاده ،فإذا اجتمعوا وتمت هذه الصفات فيهم اختاروا رجلا منهم طاعة الله تعالى لا لطاعتهم ،ولا يريدون أن يملكوه على الناس ويعلموا ما شاءوا ،ولكن ليملك الأمور بالعدل ،ويكون أفضلهم في الدين وأقواهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وعلى نكاية العدو ،والحفظ لأطراف الرعية وأوساطها وخاصتها وعامتها وعلى الحكم ور عا مشاورا لأهل العلم بصيرا فيما يأتي وما يبقي ،عدلا معروفا بالفضل، في دينه عفيفا من الطمع، ملتمسا عند النازلة من آثار المسلمين، والرأي والعدل، مصلحا بين الناس ،لا تفاضل عنده لرعيةحليما عن الخصوم،محتملا للأئمة، إلا بقدر العلم والدين ،ليس بكذاب ولا مخلف ولا حسود ولا حقود ولا مبذر ولا بخيل ولا غدار ولا خئون ،مأمون على ما قل د من أمر االله .يستعد في المهلة وينتهز الفرصة ،ويتلطف بالحيلة ،غير مداهن ولا متضعضع ولا متخشع إلا الله، عبدا فإذا وجد في المسلمين من هذه صفاته كان هو البغية والمراد ولو كان والملك حبش يا؛ لأنه روي عن عمر بن الخطاب قال» :الخلافة ما ائتمن عليها ، ما أخذ بالسيف« وإن لم يوجد من هذه صفاته وخاف المسلمون على الدولة أن تذهب وعلى البلاد والرعية أن تعطب وألجأت الحاجة والضرورة إلى غيره قدموا رجلا له قوة وورع ونظر ،وشرطوا عليه أن لا يقبض مالا وينفقه ولا يأمر حكما إلا بمشورة أهل العلم والورع،بإنفاقه ،ولا يخرج جيش ا ،ولا يحكم ويجمع منهم الحاضر ويكتب للغائب. إماما إلا رجل حر بالغ أما عن صفة من تجوز إمامته؛ فلا يجوز أن يكون عاقل مميز ،كامل الخلق والأخلاق ،ورع فاضل عالم عامل ،ليس فيه من نقائص الخلق؛ كالصمم ،والخرس ،والعمى ،والجنون ،والبله إلى غيرها. مائة كتاب إباضي104 وتتم البيعة بأن يتقدم أفضل الحاضرين من أهل العلم والفضل فيمد يده إماما اليمنى فيصافح بها الإمام بيده اليمنى فيمسكها ثم يقول له :إنا قدمناك وسنة نبيه محمد ژ على أنفسنا وعلى المسلمين على أن تحكم بكتاب االله وعلى أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ،وتظهر دين االله الذي تعبد به عباده ،وتدعو إليه ما وجدت إلى ذلك سبيلا. إن الإمامة أقل ما يكفي لعقدها عالمان فاضلان ،وذلك بعد مشورة المسلمين إن أمكنت المشورة. ومن شروط الكمال المطلوبة في الإمام العلم ،فالعلم وإن كان هو الأساس الذي لا يقوم الأمر إلا به ،لكن مع وجوده في الإمام فهو المطلوب ،وإن لم عالما جازت إمامة الضعيف إذا قام بأموره العلماء وشرطوا عليه أن إماما يوجد حدا إلا بأمرهم؛حكما ولا  لا يحل ولا يعقد ،ولا يولي ولا يعزل ،ولا يقيم لأنه إن تولى أمره العلماء فقد حصل المطلوب من حصول العلم له؛ لأن الغرض أن يعرف من ذلك ما يأتي وما يذر ،ولا أحد وإن بلغ من العلم ما بلغ أن يحيط بجميع أحكام االله في القضايا السابقة واللاحقة؛ ولذا كان عمر بن الخطاب يجمع أكابر الصحابة للحكم في النوازل. وما يجب على الإمام لرعيته :يجب عليه القيام بأمورهم ،والنظر في مصالحهم والحيطة لهم ،والحماية لهم ،والذب عنهم ،والتدبير والسياسة لأمور دينهم ،والمساواة بينهم في الأحكام ،والإنصاف والتفقد لأمورهم الظاهرة والباطنة ،وبث الولاة ،واختيار القضاة ،وتحصين الثغور بالرجال والآلات ،وتأمين الطرق ،إلى غير ذلك من الواجبات والمندوبات التي لا يقيم العدل إلا بها. 105 ÜGƒédGh ádCÉ°ùadG »a ÜÉ£îdG π°üa ) »HÉ«°ùdG π«aL øH ¿ÉØ∏Nت ١٣٩٢ه١٩٧٢/م( وزارة التراث والثقافة مسقط سلطنة عمان١٤٢٨ ،ه٢٠٠٧/م. عدد الصفحات ٥١٢ :صفحة )جزآن( العلامة الأصولي المحقق أبو يحيى خلفان بنمؤلف الكتاب هو الشيخ  جميل بن مهيل السيابي السمائلي ،من فحول العلماء وجهابذتهم ومجتهديهم، بذل نفسه في طلب العلم منذ نشأ ،وأعطاه ،كله وانقطع فيه ،وفي عبادة ربه زما نا طويلا ،لا يشتغل بشيء من شواغل الدنيا مع أنه كان في حاجة ماسة إلى طلب المعيشة لفقره. كثيرا ما يقرأ في كان العلامة السيابي في مبدأ حبه ورغبته في العلم وطلبه كتاب »إحياء علوم الدين« للشيخ أبي حامد الغزالي ،وهذا هو الذي هذبه وشحذ أفكاره ،حتى ترقى بعناية االله تعالى وعونه إلى دراسة أصول الدين والفقه ،وأكب على كتبها ،وواصل دروسه فيها مع العلماء الموجودين في ذلك العلامة نور الدين السالمي ،ولم يزل هكذا يراجعالعصر ،ومن بينهم الشيخ  أهل العلم ويصوم النهار ويقوم الليل ،ويفتش وينقب عن مسائل العلم ،حتى رسخ فيه وتبحر ،واشتهر بين أقرانه ومعاصريه. وحينئذ احتاج المسلمون إليه ،فتولى وظيفة التدريس ،ثم بعد برهة من الزمان شغل منصب القضاء في عدة مناطق رئيسة ،حين رأوا أهليته العلمية فائقة عديم المثل ،فنصبه الإمام الخليلي مرتين :مرة في بلدة الرستاق ،وأخرى في بلدة سمائل. مائة كتاب إباضي106 ولاه السلطان مرة قضاء مطرح ،وأخرى قضاء صور ،فكانت أحكامهكما  أحكاما ماضية نافذة في جميع المناطق التي تولى الحكم فيها ،ولا يتعقبها رد قاضيا في ولا قدح ،ولما طعن في السن ،وضعفت قوته وكان في ذلك الوقت سمائل ،استعفى الإمام الخليلي عن القيام بالقضاء ،فأعفاه. وبقي مشتغلا بالعبادة والتأليف ،حتى ضعف بصره ،وق لت قدرته للقراءة غاصا بالزائرين بين مسترشد ومستفت ،وبين متعلموالمطالعة ،وكان مجلسه  وعالم ،وهكذا طول حياته حتى عجز وقعد في داخل بيته. و عرف عن الإمام السيابي إعطاء الأحكام حقها ،فشكاه أهلها عند الإمام غضبا وشدة ،فأجابهم الإمام :إنهالخليلي رحمة االله عليهما ،وذكروا له أن فيه في حدة العلماء ،فلا تستنكروا منه ذلك. وكان يرد إليه الأحكام المهمة ،وأتته مسائل من الخارج يطلب منه الجواب جوابا شاملا. عنها كمسألة خبر الهلال بالبرق والهاتف ،فقد أجاب الإمام ويضم هذا الكتاب ما ورد على الإمام من مسائل وجوابه عنها ،ولذا سمي بهذا العنوان .وهذا الكتاب واحد من جملة مؤلفات جليلة منها: »سلك الدر الحاوي غرر الأثر« ٢٨ألف بيت )رجز جزآن( كل جزء ١٤ ألف بيت. كتاب »جلاء العماء« منظومة مع شرحها في الدماء والجروح. كتاب »فصول الأصول« أي :في أصول الفقه. كتاب »بهجة المجالس« أجوبة نظمية. وكل هذه الكتب مطبوعة. إن حياة هذا الشيخ كانت طيبة نيرة زاهرة بالعلم والدين والأخلاق الحسنة، والآداب الرائقة الفائقة ،وتخرج جملة من طلبة العلم الذين سقاهم من منهله 107فصل الخطاب في المسألة والجواب العذب ،فانتعشوا منه ،وترقوا به ،وقد فاضت روحه الكريمة يوم ١٥من شهر جمادى الثانية سنة ١٣٩٢ه. يبدأ الكتاب بمسائل في أصول الدين ،ومن المسائل التي وردت على ورد عليها مسألة :خلق القرآن وعدم خلقه ،وهل المسألة الشيخ في هذا المجال رأي أم دين؟ ويجيب الإمام :أن مسألة خلق القرآن ليست من مسائل الدين التي تعبد االله بها عباده ،ولا ألزمنا إياها كما ألزمنا صنوف العبادة ،وليس على جوابها من السنة ولا في التنزيل ولا في الإجماع ولا قياس جلي ولم تذكر فيدليل في  عصر التشريع ولا في عصر الصحابة من بعده والتابعين ،وإنما حدثت بعدهم. ألقاها رجل يهودي بين المسلمين ،أظهر الإسلام والتنسك ،فألقاها فتنة وحسدا لما رأى عليهم من حسن الحال واجتماع الشمل ،وكانوإضلالا لهم معظمهم يومئذ بالبصرة فارتفعت الحادثة إلى عمان ،وكثر فيها الاختلاف والقيل والقال حتى كاد أن يبرأ بعضهم من بعض ،و عمان يومئذ غاصة بجهابذة العلماء ،فاجتمع رأيهم على أن يقولوا :إن القرآن كلام االله ووحيه وتنزيله، وسكتوا عما وراء ذلك .ومنذ ذلك الوقت قام المسلمون بالنكير على من قديما سمعوه يقول :إن القرآن غير مخلوق ،لأن قوله هذا يستدعي أن يكون ووجود قديم مع االله يوجب تعدد القدماء ،وهو باطل لا محالة. والتحقيق :إن أريد بالقرآن الحروف الملفوظة المتلوة المخطوطة فإنها قطعا ،وإن لوحظ منها علمه تعالى بالمعاني المودعة فيها فإنحادثة مخلوقة علمه 4لا شك أنه قديم؛ لأن العلم من صفات الذات العلية. ومن المسائل التي وردت على الإمام في هذا الباب :مسألة »خطأ المفتي« على من يقع على المفتي أم على المستفتي؟ ويجيب الشيخ السيابي :أن تحقيق كلام العلماء على هذه المسألة أن الإثم مائة كتاب إباضي108 والضمان يسقطان عن المفتي بشروط ،ويلزمان المستفتي العامل بفتوى المفتي أيضا: بشروط ١ فأما الشروط التي بجانب المفتي المسقطة بضمانه وإثمه: عالما بحقيقة الحق وإصابة الصواب فيما أفتى به ،وأنفأحدها :أن يكون يكون علمه لذلك بالدليل لا تقليد فقط. ثانيها :أن يكون قد قصد الحق الذي يعلمه في تلك القضية ،فزل لسانه إلى النطق بخلاف الحق ،فإما أن يكون لا يعلم الحق فيها ،أو بعلمه فتعمد خلافه فعليه الإثم والضمان. ثالثها :أن تكون الفتوى في مسائل الرأي لا في الدين ،والمراد بالرأي: ما كان دليله ظن يا ،والمراد بالدين :ما كان دليله قطع يا وما ثبت بالعقل ،كمعرفة الصانع وتوابعها ،أو بأحد الأصول الثلاثة ،فإن كان الخطأ فيما دليله قطعي ففي سقوط الضمان عن المفتي خلاف ولو كان زلة لسان ،وأما الإثم فيسقط هنا باتفاق. رابعها :أن يكون المفتي غير مجبر للمستفتي على قبول فتواه والعمل بمقتضاها ،فإذا كان كذلك فعليه الضمان دون الإثم؛ لأنه حينئذ يكون كالحاكم المخطئ في الحكم ،إلى غير ذلك. ٢ وأما المستفتي العامل بفتوى الخطأ فإن الإثم والضمان يلزمانه بشروط أيضا ،منها: عالما أن ذلك المفتي أفتاه بغير الحق ،فيقبل فتواه ويعملأولها :أن يكون بمقتضاها ،فعليه الإثم والضمان ،وهو هالك إلا أن يتوب؛ لأنه تعمد العمل بغير الحق. ثانيها :أن تكون الفتوى فيما تقوم حجته بطريق العقل ،فإن ما كان كذلك 109فصل الخطاب في المسألة والجواب فكل أحد من المكلفين قد قامت عليه الحجة بمعرفة الحق فيه من طريق عقله، ولا يحل له أن يقبل في ذلك شي ئا مما يخالف الدليل العقلي فيعمل بخلافه، فإن فعل فعليه الإثم والضمان والهلاك؛ لأنه تعمد العمل بخلاف ما أمره مولاه. ثالثها :أن يفتيه المفتي فيخطئ في فتواه بإحلال شيء من المحرمات المستمر العمل فيها ،أي :مما تبقى ولا يستهلكها العمل على الفور ،فيفتي العين مستعملا عند المستفتي بإحلال فتوى الخطأ ،فعليه أيضا هاهنا الإثم منصوصا على تحريمه بدليل والضمان ،وذلك شرط أن يكون ذلك الشيء قطعي لا يقبل الخلاف ،أما إن كان مما يقبل الخلاف ،ويحتمل الحق فلا إثم ولا ضمان على المفتي ولا على العامل؛ لأن ما كان كذلك يكون الحق فيه مع الكل من المجتهدين. ويتناول المؤلف بعض المسائل التي عرضت له في باب الطهارات وما يتصل بها ،ويجيب عنها .ومن هذه المسائل مسألة عن الطهارة الشرعية ما هي؟ ويجيب الإمام :بأن الطهارة نوعان :طهارة من الحدث ،وطهارة من الخبث، واتفق المسلمون على أن الطهارة من الحدث ثلاثة أصناف :صغرى ،وكبرى، وبدل منهما ،فأما الصغرى فهي الوضوء ،وأما الكبرى فهي الغسل من الجنابة ومن الحيض والنفاس ،والصنف الثالث الذي هو بدل منهما :هو التيمم ،لكنهم أيضا، اتفقوا أنه بدل من الصغرى واختلفوا في الكبرى ،والصحيح أنه بدل منها وتقريرا ،حتى لا يكاد يخفى على أدنى السنة قد جاءت بذلك قولا وفعلافإن  ممارس لكتب الحديث. ومن المسائل التي عرضت على الشيخ في باب الصلاة :سؤال :هل يلزم التلفظ بالنية للصلاة؟ ويجيب الشيخ :أن النيات كلها محلها القلب ،واللسان يؤكد اعتقاد الجنان، فالتأكيد باللفظ مستحب ،والنية بالقلب واجبة ،وهي مجزية في الصلاة وغيرها، مائة كتاب إباضي110 قل أو كثر ،وأقله ركعتان ولا غايةوالوتر الواجب ركعة ،وما يصلى قبلها نفل ، لأكثره ،وندب كونه عشر ركعات ،ولا تسقط النية عن المسافر. وطرح على الشيخ سؤالا :فيمن صلى بناس وسها في صلاته متى يسجد سجدتي السهو؟ فيجيب :إن الفقهاء قد اختلفوا في سجود السهو على أقوال ثلاثة: فقال من قال :يسجد بعد التسليم مطلقا. وقال من قال :قبل التسليم مطلقا. وقال من قال :إن كان السهو بزيادة فبعده ،وإن كان بنقص فقبله. ويفضل الشيخ القول الأول. وسئل الإمام عن مسألة أن الإقامة للذكور دون الإناث ،فهل معنى ذلك أن المرأة لا تك بر في صلاتها؟ أم عليها التكبير والتوجيه والإقامة؟ ويجيب الشيخ :إن المرأة تعذر في صلاتها عن الأذان والإقامة؛ لأن ذلك مما يتعلق بصلاة الجماعة وهي شعار الرجال دون النساء ،وصلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ،وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في البيت ،وإن أقامت فلا بأس ،والإقامة هي التكبير قبل التوجيه إلى لا إله إلا االله. وعرضت على الشيخ مسائل في الزكاة ،ومنها مسألة :هل يجبر مانع الزكاة لقوله ژ » :مانع الزكاة يقتل« أم لا؟ ويجيب الإمام :إن مانع الزكاة يقتل إن منعها عن الإمام العادل للحديث فرق بين الصلاة والزكاة.السابق ،ولقول الصديق : 3لأقتلن من  والحماية الواجبة على الإمام أن يكف رعيته بعضهم عن بعض ،وأن ينصف بعضهم من بعض في الحقوق وأخذ حق الضعيف من القوي ،فبذلك 111فصل الخطاب في المسألة والجواب يحل له أخذ حقوق االله من رعيته ويضعها حيث أمر االله تعالى ،وأما إن قام عليه جميعا عنهم. عدو أجنبي لزم الرعية أن يقوموا عليه مع إمامهم ويدفعوه وكذلك وردت على الإمام مسائل في الصوم ،منها :ما حكم من يصوم ولا يصلي؟ ويصلي ولا يصوم؟ ويجب الشيخ :من يصوم ولا يصلي إن ترك الصلاة تهاو نا فهو منافق ،وإن جاحدا فهو مشرك ،وكذا تارك الصوم.ترك ومسألة :رجل رأى رجلا يأكل في شهر رمضان في وطنه نهارا فقتله فكيف الحكم في ذلك؟ ابتداء؛ لأن له احتمالات ،ربما ويجيب الشيخ :إنه لا يحل قتله إياه راجعا من سفر أو أنه مريض أو بسبب خلل في عقله ،بل حتى ولويكون أقر بعدم العذر فلا يقتل حتى يستتاب ثلاثا فيصر ،بل لا يجوز قتله لكل واحد ،وإنما يتولى قتله الإمام العادل وعلى قاتله القود ،بل لا يجوز البراءة منه إلا بعد الاستتابة. كما ضم هذا الكتاب مسائل في الحج ،منها مسألة :رجل طعن في السن حتى لا يستطيع السفر لأداء فريضة الحج أيجوز له أن يؤجر في حياته خوفا من ورثته أن يصروا على المال إذا أوصى بها في وصيته؟ ويجيب الشيخ :بأنه إذا أيس من القدرة ورجوع الصحة المبلغة ،وكان قد وجد الاستطاعة سابقا وتمت له شروط الوجوب فضيع الأداء حتى ضعفت قواه وتعذرت قدرته ،فهاهنا له جواز الأجرة في حياته؛ لأنه أخذ بالأحزم والأحوط في أمور الدين خوفا من إضاعة الوصية ،وأما إذا لم تستكمل لديه شروط الوجوب بالغنى قبل هرمه ،وإنما وجد الغنى بعد الهرم فهذا لم تكمل عنده شروط الوجوب ،فلا يجب عليه الحج إلا إن تبرع من تلقاء نفسه. مائة كتاب إباضي112 ومن المسائل التي وردت على الشيخ في موضوع النكاح مسألة مفادها: السنة والشيعة التزاوج بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم؛ أي :بين أهل  نظرا إلى حال هذه الظروف الداعية لتضامن المسلمينوالإباضية وغير ذلك وتأييد وحدتهم هل هذا التزاوج مرغوب فيه أم مكروه؟ ويجيب الشيخ :إن الذي نعلمه من الأثر عن أولي العلم والبصر أن الأحرار السنة ،وهم الموالي الموحدين أكفاء بعضهم لبعض إلا من جاء استثناؤهم في  أيضا يوجد الخلاف فيهم.وغيرهم ،وهؤلاء والذي عليه الجهابذة الأعلم أن الحر الموحد المقر بالجملة الدائن بجميع السنة ،وعليه استقر عملأركان الإسلام جائز نكاحه وإنكاحه ،وبذلك جاءت  جميع الأمة من لدن عصر الصحابة رضوان االله عليهم ،إلا أن بعض الأصحاب يمنعون تزويج أهل الخلاف إذا كانوا من أهل البدع والأهواء خوفا على المرأة يجرها الزوج إلى مذهبه الفاسد أو يدعوها إلى بدعته وضلالته ،ولا يجدأن المعبر عنه والسنة إلا من باب قياس الدلالة مستندا من الكتاب الشيخ المنع بالصالح المرسلة .وقد اختلف علماء الأصول في جواز الأخذ به ،والأكثر على منعه هذا في باب التحريم ،وأما إن حملوا ذلك على الاستحسان والتنزه والأخذ بالأحوط فذلك معنى آخر ،وكل ذلك فيما إذا تخالف المرأة وليها في التزويج ،وأما إن اتفقا على قبول شخص موحد ولو رقيقا جاز النكاح، ولا يصح لأحد فسخه. ومن المسائل التي عرضت على الإمام في موضوع الطلاق مسألة :هل تطلق زوجة الغائب حيث لا تناله الحجة إذا طلبت ذلك ،كان له مال أو لم يكن؟ يجيب الإمام :عن زوجة الغائب حيث لا تناله الحجة إذا طلبت التطليق فأما إن اضطرت إلى ذلك لعدم الإنفاق والمؤنة لعدم مال عند الزوج يقدر عليه 113فصل الخطاب في المسألة والجواب أو عدم الكفل عنه بذلك فهاهنا على وليه أو الحاكم أن يطلقها باتفاق ،وأن يخلصها من ضرر ذلك الوثاق. وأما إن كانت النفقة متوفرة من مال زوجها أو كفيله ويبقى الضرر من جهة عدم المعاشرة فهاهنا يختلف الفقهاء :منهم من يقول :يطلقها الحاكم ،ومنهم من يمنع ذلك ،وقد منع عمر 3أن يسافر الرجل عن امرأته ويمكث فوق أربعة أشهر لقضية وقعت في خلافته بالمدينة. وتطرح على الشيخ مسألة فيها خلاف بين العلماء وهي :هل العدة حق للزوج وتسقط بمرور المدة قبل علم المرأة أم حق الله وتحتاج إلى قصد ونية؟ ويجيب الشيخ :إن اختلاف العلماء هنا في العدة أنها :هل هي معقولة المعنى؛ أي :مفهومة التعليل؟ أم هي محض تعبد لا يعقل معناه ولا يدرك فهم علته؛ وذلك أن أحكام االله تعالى كلها شرعت لأجل أسباب وعلل منها ما علته ظاهرة جلية ومنها ما فهمه عسير خفي إلا بطول تأمل ودقيق استنباط ،ومنها لا يدرك فهم معناه أصلا ،وهذا النوع هو الذي يقال فيه :إنه تعبد غير معقول المعنى ،وهو الذي يفتقر أدؤاه إلى نية ولا يصح ولا يتم فعله إلا بها. أما ما عرف أنه مشروع لأجل كذا فإذا جاء به المكلف على تلك الجهة وافيا بالمراد المطلوب فقد صح وقبل وانحط التكليف به ،لكن لا يؤجر عليه إلا بنية أنه امتثال لأمر االله وطاعته. ومن هنا كان اختلافهم في العدة ،وقيل :هي معقول المعنى وهو براءة الرحم من الماء واستكشافه ،فإن مضت المدة الكافية لذلك تمت العدة ولو بدون قصد، وعليه قطب الأئمة ،وقيل :غير معقولة فلا بد من النية ،واحتج أرباب هذا القول أن استبراء الرحم يكتفى فيه بحيضة واحدة ،فما بال الزيادة؟ وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا مضت المدة المشروعة المقررة ولم تعلم هي بطلاق أو موت فتنوي الاعتداد أنها تكفي عند القائلين أنها معقولة ،ولا تكفي عند الآخرين. مائة كتاب إباضي114 وسئل الشيخ عن مسألة في النفقات ،وهي :إذا مرضت المرأة فهل يلزم زوجها علاجها وما تحتاج إليه؟ لازما ويجيب الشيخ :بأن هذا الأمر مما يختلف فيه العلماء ،منهم من يراه على الزوج ومنهم من يعذره .والمشهور أن الأدوية لا تلزم الزوج ،والذي يفضله الشيخ ويراه أقرب إلى العدل والإنصاف أن كل ما اضطرت إليه الزوجة ولم يكن عندها ما تدفع به الضر عنها فعليه دفعه عنها بكل ما يقدر عليه ،ولا يكلف هو ولا هي ما لا يقدر عليه إلا المؤنة اللازمة بسبب الزوجية من النفقة والكسوة المتعارفة في بلدهم ،فإنه يجبر إن حاكمته بأدائها أو يفك نفسه بالطلاق. ويختم الجزء الأول من الكتاب بمسائل في الحضانة ،ومن ضمن المسائل التي وردت على الشيخ في هذا المجال مسألة :هل انتقال الحاضنة من بلد المحضون له يسقط الحضانة على عمومه وإطلاقه أم لا؟ ويجيب الشيخ :إن قصد الشارع بمشروعية الحضانة الرفق بالولد ،وتوفير القيام بمصالحه لأجل حفظ كيانه عن أي ضرر يلحقه ،مع رعاية حق الوالدين واطمئنان قلبيهما ،ويجب النظر في مصلحة الولد من جهتي الوالدين ورعاية مصلحته والأصلحية إلى الكل ،فإذا استوت المصالح أو تعارضت فدرء المفاسد يقوم على جلب المصالح ،وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالىμ ﴿ : ¶̧ ] ﴾ 1⁄2 1⁄4 » o 1لبقرة [٢٣٣ :وعلى كل حال فإن الأم صغيرا ،والعلماء يراعون هنا أشفق بالولد وأقوم بتربيته والمحافظة عليه ما دام اجتماع الأبوين بالولد في وطن واحد والأصل أنه وطن الأب إذا تفرقا ،فإن كثيرا أبطلت حقها ،لكن على الحاكم هنا أن ينظرتركت وطن الأب قليلا أو في حاله كيف تكون إذا تركته فإن رأى وخاف الإضاعة أولاها إياه ،وإن خافها من قبل ذهاب الأم به ولاه الأب ،فإذا عادت إلى وطنه رجع حقها ،وذلك كله إذا كان الولد لا يعقل ولا يميز ،فإن كان عاقل خ ير بين أبويه كما في الحديث. 115فصل الخطاب في المسألة والجواب ويشمل الجزء الثاني من الكتاب مسائل في البيوع وسائر العقود كالرهن والإجارات ،والشفعة وأحكامها ،والعطايا ،والوصايا ،والمواريث والأحكام، وغيرها من مسائل. وتكلم الشيخ عن جملة الحقوق المتعلقة بالتركة ،وأنها أربعة ،وهي: التجهيز فالدين فالوصية فالإرث على حسب ترتيبه ،فأوله التجهيز ،وهو يعم كل ما احتيج إليه بالشراء ولم يجدوه إلا بمال كأرض تشترى لدفنه ،وماء يشترى لغسله ،وآلة الحفر وأجرته .وقيل :كفن المرأة من مال زوجها. أما الدين فيرى الشيخ أن المرتهن يبيع الرهن ،فإن لم يف بحقه فالباقي يحاصص به الجناية إن لم تكن إلا هي ويحاصصها مع الدين إن كان معه، وكالزكاة المتعلقة بالعين .فإذا مات الإنسان قبل إخراج الزكاة التي تجب في ماله أداؤها وجب إخراجها من تركته ومذهب الإباضية أنه تنفذ عن الميت الزكاة إلا إن أوصى بها أو تبرع الورثة من تلقاء أنفسهم إلا زكاة الثمار على الأشجار فتزكى ولو لم يوص بها. والديون المرسلة في الذمة تقدم على الوصية وتقدم حقوق االله على الديون الآدمية على الراجح ،ورجح بعضهم تقديم الحقوق الآدمية. أما الوصية فهي تقدم على الإرث إن كانت بغير وارث بالثلث وما دونه، وتتوقف على الإجازة إن كانت لوارث أو بأكثر من الثلث. والإرث هو آخرها ،وله أركان وشروط. ومن المسائل التي عرضت على الشيخ مسألة :هل يجوز ابتداء الشعر بالبسملة أم يحرم أم يكره؟ ويجيب الشيخ :إن الشعر يأتي على ضروب مختلفة كسائر الكلام المنشور ،وقد ورد في عدة أحاديث بأسانيد مختلفة الألفاظ متفقة المعاني مائة كتاب إباضي116 كلها دالة على أن كل أمر ذي بال لا يبتدأ فيه ببسم االله الرحمن الرحيم فهو أبتر وأقطع ،ومعنى الكل :عديم البركة والمراد بذي بال ذو شأن معتبر في الشرع ،وذلك يشمل الكلام وغيره من سائر الأعمال ،فإذا ثبت هذا ،فالشعر كغيره من ضروب الكلام ،فحيث كان الشعر في هجو مسلم أو مدح كافر أو فاسق أو في المجون والغزل والتشبيب بالنساء الأجنبيات فهذا شعر حرام ويجب تنزيه البسملة وإجلالها عنه ،وحيث كان في أمر مكروه يمدح أرباب الغنى والمناصب بقصد التكسب به فذلك مكروه ،وكذا يكره ابتداؤه بالبسملة، وإن كان في توحيد االله وتنزيهه عما لا يليق به أو في مدح الأنبياء والرسل أو مديح العلماء العاملين ،أو كان في نشر علم الشريعة ونحوها من سائر العلوم والحكم والأمثال ،أو في الوعظ والتخويف فهذا مما يندب إليه وينبغي أن يتبرك فيه بإيراد البسملة الكريمة. 117 ∫ƒ`°UC’G ∫ƒ`°üa ) »HÉ«°ùdG π«aL øH ¿ÉØ∏Nت ١٣٩٢ه١٩٧٢/م( وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان ،طبع مطابع سجل العرب سنة ١٤٠٢ه١٩٨٢/م. عدد الصفحات ٤١٤ :صفحة يتكون الكتاب من مقدمة ،وأربعة كتب داخلية .المقدمة لسالم بن حمود السيابي ،الذي يشير فيها إلى أن علم أصول الفقه من أشرف العلوم وأرفعها صعب في أحكام الشريعة التيعز وما على الدوام ،لأنه المرشد إلى نيل ما هي رحمة االله لخيرته في الأنام. والشيخ خلفان بن جميل من أجلة العلماء في زمانه ،ومن الدعاة إلى أحكام الشريعة في عهده ،وكان له في علم أصول الفقه يد لا تزال بيضاء مبسوطة لطلبة العلم في وقته ،وكان من عظيم رغبته في هذا الفن الجليل أ لف فيه كتابه» :فصول الأصول في أصول الفقه«. كتابا له أهميته الأصولية وله قيمته العلمية ،وقد أ لفه الشيخ خلفانوجاء في وقت تخلى فيه عن الأعمال ،وتفرغ لتأليفه من جميع الأشغال ،وأخذ قواعده الصحيحة ،ومزاياه الرجيحة في بحر الأصول ،وانتقى له أصح الأدلة، وأسس قواعده على منهج خير ملة ،فهو كتاب نافع مفيد ،ومؤلف واسع تناوله قل طالبوه. لطالبيه غير بعيد ،ولم يؤرخه إلا كساد سوق العلم ،إذ وكان 5على حال في الزهد ،وعلى حال الرضى بالكفاف والعفاف عن مرا ،ويعتمد حلوا كان أو  قانعا بميسور العيش ،يقول الحقزخارف الحياة ، الصدق ولو رأى فيه الهلكة موق نا أن فيه النجاة. مائة كتاب إباضي118 الدرر« نظمولم يكن شيخنا من المكثرين للتأليف ،وأول مؤلف له» :سلك  فيه »النيل« وشرحه .وبشهرة النيل وشرحه جعله العلماء المتأخرون معتمدهما في الأحكام. تشحيذا للذهن وخدمة للدين ،وتبيي ناثم أ لف بعد ذلك »فصول الأصول« للحق ،ثم جمع مجموعة السؤال والجواب الذي بينه وبين تلامذته وزاد عليها من مقالته الجميل وسمى الكل »بهجة المجالس«. أما مقدمة المؤلف فيشير فيها إلى أن أصول الفقه هي دلائل الفقه الإجمالية، وقبل العلم بتلك الدلائل ،أي :العلم بالقواعد الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية ،والمراد بالإجمالية كقولهم :الخاص يفيد القطع في مدلوله ،والعام يفيد الظن في مدلوله ،ومطلق الأمر للوجوب مثلا ،ومطلق النهي التحريم ،ونحو هذا. فخرج يقيد »الإجمالية« الأدلة الشرعية التفصيلية نحوb a ` ﴿ : ] ﴾ cالنساء] ﴾ \ [ Z ﴿ ،[٧٧ :الإسراء] ﴾ L K J ﴿ ،[٣٢ :الإسراء.[٣١ : والمراد ب»الأحكام الشرعية« هي الأحكام التكليفية ،وهي أقسام الفقه الخمسة :الوجوب ،ومقابله التحريم ،والندب ،ومقابله الكراهة ،وخامسها الإباحة ،وثمرتها كالصحة والفساد في الأحكام الوضعية كالركن والعلة والشرط. والسنة والإجماع والقياس والاستدلال علىوالمراد ب »بأدلتها« :الكتاب خلاف في بعضها ،ومباحث هذا الفن من حيثية إثبات الأدلة للأحكام ،وثبوت الأحكام بالأدلة ،فموضوعه الأحكام والأدلة ،ومحموله الإثبات والثبوت. والأصولي هو العالم بتلك الدلائل المذكورة ،وبطرق استفادتها؛ أي: المعبر عنها بشروط الاجتهاد ،والفقه هو العلمالمرجحات ،وبصفات المجتهد بالأحكام الشرعية العملية؛ أي :المتعلقة بكيفية عمل قلب يا كان أو غيره. 119فصول الأصول والمكتسب من »أدلتها التفصيلية« فخرج بقيد الأحكام العلم بغيرها من الذوات والصفات ،صور الإنسان والبياض ،وبقيد »الشرعية« العلم بالأحكام العقلية ،والحسية كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين ،وأن النار محرقة ،ويقيد العملية العلم بالأحكام الشرعية العلمية؛ أي :الاعتقادية كالعلم بأن االله واحد ،وأنه لا يرى، ويقيد المكتسب علم االله وعلم جبريل مثلا مكتسب ،وخرج بقيد »التفصيلية« العلم بذلك المكتسب الخلافي من المقتضى ،والنافي المثبت بهما ما يأخذه من الفقيه ليحفظه عن إبطال خصمه ،فعلمه مثلا بوجوب النية في الوضوء. والحكم المتعارف بين الأصوليين هو أثر خطاب االله الأزلي المتعلق بفعل المكلف تعلقا معنويا قبل وجوده ،وتنجيزيا حال وجوده بعد البعثة ،إذ لا حكم قبلها فيتناول الفعل القلبي الاعتقادي وغيره ،والقول العملي والكف ،ويتناول المكلف الواحد كالنبي ژ في خصائصه ،والأكثر من الواحد والخطاب المتعلق بجميع أوجه التعلق من الاقتضاء الجازم وغير الجازم ،والتخيير وغيره. ليتناول حيثية التكليف للكل والحسن والقبح للشيء ،بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته لحسن الحلو وقبح المر .وبمعنى صفة الكمال كحسن العلم ،وقبح الجهل مما يحكم به العقل ،وبمعنى ترتيب المدح والذم عاجلا ،والثواب والعقاب آجلا كحسن الطاعة ،وقبح المعصية شرعي مما يحكم به الشرع ،وشكر المنعم واجب بالشرع .فمن لم تبلغه دعوة رسول لا يأثم بتركه خلافا للمعتزلة حيث قالوا :وجوبه بالعقل ،بل قالوا :إن العقل هو الحاكم مطلقا ،والشرع إنما مؤكد له ويرد عليهم قوله تعالى] ﴾ ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o ﴿ :الإسراء.[١٥ : وذهب الإمامان أبو سعيد وابن بركة إلى أن العقل حاكم فيما لم يرد فيه شرع .واختلف الأصوليون :هل يتعلق الحكم بالمعدوم تعلقا معنو يا؟ بمعنى مأمورا بذلك الأمر الأزلي لا تعلقا أنه إذا وجد بشروط التكليف أيكون مأمورا؟ وذهب الأكثر إلى ثبوت هذا التعلق تنجيزيا بأن يكون حالة عدمه مائة كتاب إباضي120 المعنوي وأبطله المعتزلة إذ الحكم الأزلي عندهم هو نفس الإرادة وهو المذهب للأصحاب. والفرض والواجب اسمان مترادفان ،وقال أبو حنيفة :ما ثبت بدليل قطعي كقراءة القرآن في الصلاة الثابتة بقوله تعالى] ﴾ \ [ Z Y ﴿ :المزمل[٢٠ : فهذا الفرض ،وما ثبت بدليل ظني كقراءة الفاتحة في الصلاة الثابتة بخبر الواحد وهو حديث» :لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب« ،فهو الواجب. والسنة أسماء مترادفة متحدة والمندوب والمستحب والتطوع والطاعة المفهوم ،ونفى بعض الأصوليين ترادفها ،حيث قالوا :هذا الفعل وإن واظب السنة أو لم يواظب عليه كأن فعله مرة أو مرتين فهو المستحب،عليه ژ فهو  أو لم يفعله كالذي ينشئه الإنسان باختياره من الأوراد فهو التطوع ،ولم يتعرضوا للمندوب لعمومه للأقسام الثلاثة. واجبا بالشروع فيه فيجب إتمامه؟ واختلفوا في المندوب هل ينقلب الأكثر على أنه لا يجب ،وعللوا بأنه يجوز تركه وترك إتمامه المبطل لما فعل منه ترك له. فذهب أبو حنيفة إلى جوب إتمامه لقوله تعالى﴾ Y X W ﴿ : قضاء ،وعورض ]محمد [٣٣ :فأوجب بترك إتمام الصلاة والصوم المندوبين بحديث» :الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر« ويقاس الصوم جمعا بين الأدلة. على الصلاة فلا تتناولهما الأعمال في الآية وتشتمل مقدمة المؤلف على عدة فصول منها :الكلام على جنسية المباح للواجب .فقد اختلف الأصوليون في المباح هل هو جنس للواجب أم لا؟ أيضا بفصل الإذنواختص الواجب بفصل المنع من الترك ،واختص المباح في الترك على السواء ،فلا خلاف في المعنى إذ المباح بمعنى المأذون فيه جنس للواجب. 121فصول الأصول ثم يتناول المؤلف الكلام على المباح ،وهل الإباحة حكم شرعي أم لا، ويشير إلى أن الفقهاء قد اختلفوا في الإباحة هل حكم شرعي أم لا؟ فذهب جمهور العلماء إلى الأول إذ هي عندهم التخيير بين الفعل والترك وهو الأصح. وقال بعض المعتزلة :ليست بحكم شرعي فهي عندهم انتفاء الحرج عن الفعل والترك ،وقالوا :وهو ثابت قبل ورود الشرع مستمر بعده ،واختلفوا في الوجوب لشيء إذا نسخ الشارع وجوبه. ثم يتحدث المؤلف على فرض الكفاية ،وفرض الكفاية يقصد حصوله من غير نظر بالذات إلى الحاصل منه ،بل في الجملة ،فلا ينظر إلى فاعله إلا بالتبع للفعل ضرورة أنه لا يحصل بدون فاعل. ويتناول الأمور الدينية كصلاة الجنازة ،والأمر بالمعروف والنهي عن كالحرف والصنائع .وأما فرض العين فإنه ينظر بالذاتالمنكر ،والأمور الدنيوية إلى فاعله لأن حصوله مقصود من كل عين؛ فلذا سمي فرض عين ،أي :من كل فرد من أفراد المكلفين أو من عين مخصوصة كالنبي ژ في خصائصه المفروضة عليه دون الأمة. واختلفوا أيهما الأفضل ،فذهب أبو إسحاق الإسفراييني وإمام الحرمين، وأبوه محمد الجويني :إلى أن فرض الكفاية أفضل من فرض العين لأنه يصان بقيام البعض به الكافي في الخروج عن عهد به جميع المكلفين عن الإثم المترتب عليهم بتركه. وفرض العين إنما يصان عن الإثم القائم به فقط ،وقال بعضهم :إن فرض العين أفضل لشدة اعتناء الشارع به حيث قصد حصوله من كل مكلف، أيضا فذهب الإمام فخر الدين الرازي ومن يتبعه :إلى واختلفوا في كيفية وجوبه أنه واجب على البعض لسقوطه بفعل البعض له عن الكل. وذهب آخرون :إلى أنه على الكل لإثمهم بتركه ،ويسقط بفعل البعض، مائة كتاب إباضي122 وأجيب بأن إثمهم بالترك لتفويتهم ما قصد حصوله من جهتهم في الجملة لا للوجوب عليهم ،ويدل للأول قوله تعالىk j i h g f ﴿ : ] ﴾ p o n m lآل عمران [١٠٤ :وقوله  Á À ¿ ﴿ : 8 ] ﴾ Å Ä Ãالتوبة.[١٢٢ : وتكلم المؤلف عن الأوقات الموسعة وغيرها .وحكم خطاب الموضع، وجواز التكليف بالمحال .فقد أجاز جمهور الأشاعرة التكليف بالمحال مطلقا، أي :سواء كان محالا لذاته؛ أي :عقلا وعادة ،وذلك كالجمع بين السواد ممتنعا عادة لا عقلا كالمشي من الزمن،والبياض أم محالا تغييره ،أي: والطيران من الإنسان ،أو عقلا كالإيمان من علم االله أنه لا يؤمن ،لكنهم قالوا: جائز غير واقع ،ومنعه المعتزلة مطلقا ،وهو مذهب معشر الإباضية ،أما تكليف الكفار فليس من باب التكليف بالمحال أصلا ،إذ الاستحالة عند الإباضية هي تعذر القدرة والاستطاعة البتة .وهؤلاء قد ج ع ل لهم استطاعة وكسب ،فآثروا الكفر والضلال باختيارهم الفاسد. مقصودا بالخطاب إن من علم االله سبحانه منه عدم الإيمان أصلا لم يكن ظاهرا في الجملة ،ألا ترى أنه إنفي نفس الأمر وإن شمله خطاب التكليف ورد نص على معين أنه لا يؤمن أصلا ترك ژ دعاءه وكف عنه. وكذلك سائر الأنبياء كإبراهيم ‰بعد أن تبين له أن أباه عدو الله تبرأ منه، كف عن دعاءواعتزله وقومه وما يعبدون من دون االله ،وكذلك نوح ‰فإنه قومه بعد قوله تعالى] ﴾ Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë Ê É ﴿ :هود.[٣٦ : ضربا من العبثوالتحقيق عدم جواز التكليف بالمحال؛ لأنه يكون كبيرا. علوا والهذيان والشارع يتعالى عن ذلك  وقال جمهور العلماء لا يكون التكليف إلا بفعل ،وذلك إما في الأوامر فظاهر ،وإما في النواهي المقتضية للتروك فلأن التروك أفعال على الصحيح. 123فصول الأصول إن متعلق النهي هو الترك للمنهي عنه ،وأن التروك أفعال لأنها من تأثيرات القلب في الجوارح ،والأمر عند الجمهور يتعلق بالفعل قبل المباشرة له بعد دخول وقته تعلق التزام وقبله تعلقه إعلام ،والأكثر على أنه يستمر تعلقه الإلزامي به حال المباشرة له. والحكم قد يتعلق بأمرين أو أمور لكن تارة يكون على الترتيب فيحرم الجمع بينهما أو بينها ،وذلك كأكل المذكى والميتة فإن كلا منهما حكمه إباحة الأكل ،لكن إباحة الميتة عند العجز عن غيرها الذي من جمله المذكى فيحرم الجمع بينهما لحرمة الميتة حيث قدر على غيرها .وتارة يباح الجمع ،وذلك كالوضوء والتيمم ،فإنهما جائزان لكن جواز التيمم عند العجز عن الوضوء، وقد يباح الجمع بينهما كأن تيمم لخوف بطء البرء من الوضوء ،ثم بدا له أن يتحمل مشقة بطء البرء فتوضأ ،ولو كان قد بطل تيممه بوضوئه لانتفاء فائدته. فالمباح أولا التيمم للضرورة بقصد الانفراد ،فإذا رأى من نفسه القدرة على تحمل تلك المشقة التي هي عدم البرء أو بطؤه وجب الوضوء حينئذ استقلالا؛ لأنه الأصل فلا جمع بينهما. وعنوان الجزء الأول» :الكتاب« ،والكتاب في اللغة اسم لكل مكتوب، والمراد به في عرف أهل الشرع كتاب االله تعالى وهو القرآن العظيم ،غلب عليه من بين سائر الكتب ،كما غلب إطلاق لفظ الكتاب عند النحاة على كتاب سيبويه. والمراد في عرف أهل الأصول النظم المنزل على نبينا محمد ژ للإعجاز المنقول عنه بالتواتر المحتج بأبعاضه ،فخرج بلفظ القرآن الأحاديث الربانية، فإنها منزلة وليست قرآ نا. ومن القرآن البسملة أول كل سورة غير براءة على الصحيح لأنها مكتوبة، كذلك يخط السور في مصاحف الصحابة مع مبالغتهم في أن لا يكتب في مصاحفهم ما ليس قرآ نا مما يتعلق به حتى النقط والشكل. مائة كتاب إباضي124 آحادا فليس بقرآن ولا يعطى حكمه على الأصح كأيمانها فيأما ما نقل قراءة :والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما ،وكمتتابعات في قراءة :ثلاثة أيام متتابعات؛ لأن القراءة لإعجازه الناس عن الإتيان بمثلها قصد سورة منه تتوفر تواترا. الدواعي على نقله ويتناول المؤلف مبحث المنطوق والمفهوم ودلالة اللفظ ،ويقول :إن معنى الدلالة عند علماء الأصول والبيان فهم المعنى من اللفظ إذا أطلق بالنسبة إلى العالم بالوضع ،فاللفظ هو الدليل والمعنى هو المدلول عليه ،والعالم بالوضع الآخذ بالدليل هو المستدل ،وفهم المعنى من اللفظ هو الدلالة الوضعية واللفظية ،والمنطوق هو المعنى الدال عليه اللفظ في محل النطق ،سواء كان حكما كتحريم التأفيف للوالدين المأخوذ من قوله تعالى﴾ z y x w ﴿ : ]الإسراء ،[٢٣ :أو حالا من أحواله .واللفظ الدال على معنى في محل النطق ينقسم إلى قسمين :إلى نص ،وإلى ظاهر ،والأول حقيقة هو المتبادر إلى الذهن وإن تساوى المعنيان أو المعاني سمي اللفظ مجملا ،وإن دل جزء اللفظ على جزء مفردا ،أو دلالة اللفظ على تمام مركبا ،وإن لم يكن كذلك سميمعناه سمي معناه تسمى مطابقة ،ودلالته على جزء معناه تسمى دلالة تضمن ،ودلالته على لازم معناه الذهني تسمى دلالة التزام. ويعرض المؤلف المفهوم وحكمه ،فاللفظ الدال على معناه بدلالته هو دل عليه اللفظ إلا في محلالمسمى مدلوله عندهم بمفهوم الخطاب ،وهو ما النطق ،وينقسم إلى قسمين :مفهوم موافقة ،ومفهوم مخالفة. فإن وافق حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به فموافقة .والقسم الثاني مفهوم أيضا. المخالفة وهو ما خالف حكمه حكم المنطوق به ويسمى دليل الخطاب وقد اختلف الأصوليون في حجية مفاهيم المخالفة أثبت بعضهم حجيتها من حيث اللغة لأن أئمة اللغة؛ احتجوا مثلا بحديث مطل الغني ،أو مطل غيره 125فصول الأصول ظلما ،وهم إنما يقولون ما يعرفونه من لسان العرب ،وبعضهم أثبتها حجةليس من حيث الشرع لمعرفة ذلك من موارد كلام الشارع ،كما فهم ژ من آية الاستغفار أن حكم ما زاد على السبعين بخلاف في حكمها إذ قال» :خيرني ربي وسأزيد على السبعين«. كما يعرض المؤلف الأوضاع اللغوية :الألفاظ ،والمعاني ،والمترادف، والمشترك ،كما يتكلم على الحقيقة والمجاز ،وعلاقات المجاز ،ومعربات الألفاظ ،ووجوه استعمال الألفاظ. كما يعرض المؤلف في هذا الجزء من الكتاب الكتابة والحروف المعنوية، ومبحث الأمر وغيره. عرفه أنه هو اللفظ المستغرق لجميع ما يتناولهوي  ثم يتناول مبحث العام . دفعة واحدة من غير حصر ،فخرج الفكرة في حيز الإثبات مفردة أو مثناة أو مجموعة فإنها تتناول مدلولاتها على سبيل البدلية لا على سبيل الاستغراق. ومن العام اللفظ المستعمل في حقيقته أو حقيقته ومجازه أو في مجازيه على القول بصحة ذلك ،ويدخل هذا في الحد كما يدخل المشترك المستعمل في أفراد معنى واحد لأنه مع قرينة الواحد لا يصلح لغيره. ويطرح المؤلف في هذا الجزء سؤالا :في الخطاب الوارد له ژ هل يعم الأمة معه؟ اختلف الأصوليون في ورود الخطاب للنبي ژ هل هو خاص به أم يتناول الأمة معه ،وذلك نحو قوله] ﴾ $ # " ! ﴿ :الأحزاب ،[١ :وقوله! ﴿ : " ﴾ ]المزمل ،[١ :و﴿ | } ﴾ ]المدثر.[١ : ذهب جمهور المحققين من الأصوليين إلى أن الخطاب الخاص به ژ لا يتناول الأمة معه حيث الوضع؛ لأن الصيغة وضعت لمفرد وما وضع مائة كتاب إباضي126 لمفرد لا يتناول غيره معه ،وأما من حيث الشرع فمثل ذلك يعم بدليل شرعي خارج عن نفس الخطاب كقوله تعالىÆ Å Ä Ã Â Á ﴿ : ] ﴾ È Çالأحزاب [٢١ :فبهذا ونحوه يجب على الأمة اتباعه ژ فيما خوطب به. أيضا مباحث المطلق والمقيد ،والمحكمكما تناول المؤلف في هذا الجزء والمتشابه ،ومبحث النسخ. والسنة في السنة النبوية«، أما الجزء الثاني من الكتاب فهو »في مباحث  تعريفها هي أقوال النبي ژ وأفعاله وتقريراته لأن التقرير كف عن الإنكار والكف فعل على الصحيح. كثيرا ،منها أن خبر الواحد لا يفيدوالأمة اختلفت في خبر الواحد اختلافا العلم إلا بقرين كما في أخبار الرجل يموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش. علما مطلقا ،وما ذكر من القرينة يوجد مع الإعماءوقال الأكثر :لا يفيد وغيره ،والصحيح عند المؤلف أن خبر الآحاد يوجب العمل دون العلم، ووجوب العمل به ثابت بالعقل والنقل. أما من تقبل روايته أو ترد ،فيقول المؤلف :لا يقبل في الرواية مجنون؛ لأنه لا يمكنه الاحتراز عن الخلل لأنه ساقط التكليف. ولا كافر ولو علم منه التدين والتحرز عن الكذب؛ لأنه لا وثوق به في الجملة مع شرف منصب الرواية عن كافر. ولا صبي ،لما يعلم من عدم تكليفه قد لا يحترز عن الكذب فلا يوثق به. وقيل :يقبل إن علم منه التحرز عن الكذب فإن يحتمل الصبي الرواية فبلغ فأدى ما تحمله قبل عند الجمهور لانتفاء المحذور. 127فصول الأصول وقيل :لا يقبل؛ لأن الصغر مظنة عدم الضبط والتحرز ،وكذا الكافر إن تحمل فأسلم فأدى على الخلاف ،وكذا فاسق تحمل فتاب فأدى. و تقبل رواية المبتدع لابتداعه المفسق له وهو الصحيح ،والمراد بالكفر في الأول الشرك ،والعدالة شرط في الرواية ،وهي هيئة راسخة في النفس تمنع عن اقتراف كبيرة أو إصرار على صغيرة وعن الرذائل المباحة في الأصل كالبول قائما أو بمظنة رؤية الناس ،وكالتعري حيث لا يراه أحد ،وكالأكل في السوق، أما صغائر غير الخسة لكذبه لا يتعلق بها ضرر. وتحدث المؤلف عن عدالة الصحابي ،ورأى أن الصحابي من اجتمع ذكرا كان أو أنثى ،ولا يشترط طولا لصحبة ولا الرواية عنه ژ .بالنبي ژ مؤم نا به ويشترط المؤلف أن يكون عدولا قبل الفتن إلا من ظهر منه ما يقدح في العدالة وبعد الفتن كذلك ،إلا من عرف منه الدخول فيها فيوقف فيه حتى يعلم حاله. أما المرسل من الأحاديث ،فهو ما رواه غير الصحابي عن النبي ژ ويسقط الواسطة؛ إذ لا بد من واسطة هناك فلم يذكره ،هذا اصطلاح الأصوليين. وأما في اصطلاح المحدثين فالمرسل عندهم ما يرويه التابعي خاصة عن النبي ژ ويسقط منه الصحابي .فأما ما رواه تابعي التابعي فمن بعده وسقط منه راويان فهو المنقطع ،فإن سقط منه ثلاثة فأكثر فهو المعضل بفتح الضاد. رد الاحتجاج بالمرسل إن لم يوجد معه عاضدوالصحيح عند المؤلف وعليه الأكثر وهو مذهب أهل العلم بالأحاديث وذلك للجهل بعدالة الساقط. والجزء الثالث عنوانه» :الإجماع« .والإجماع هو اتفاق المجتهدين من أمة مجتهدا، محمد ژ بعد وفاة نبيهم في عصر على حكم فلا يتناوله من لم يكن ولا عبرة باتفاق غير المجتهدين دونهم ،واعتبر بعضهم وفاق العوام للمجتهدين مطلقا ،وبعضهم في مشهور الأحكام دون دقائق الفقه. مائة كتاب إباضي128 والإجماع إما أن يقع بعد وقوع الاختلاف على الفور قبل استقرار الخلاف والعمل به أو بعده ،فإن كان الأول فهو منعقد ثابت بلا خلاف ،ومن ذلك إجماع الصحابة @ على دفنه ژ في بيت عائشة بعد اختلافهم في دفنه خلافا فورا. غير مستقر ،فإنهم أجمعوا على ذلك وأما إجماع المختلفين بأنفسهم بعد استقرار الخلاف بينهم فمنعه الإمام وجوزه الآمدي مطلقا. الرازي مطلقا ، حكما في حادثةوأما الإجماع السكوتي فهو أن يقول بعض المجتهدين ويسكت الباقون عنه على علم منهم به .وقد اختلف العلماء في حجيته على أيضا وعليه جل العلماء أقوال .والصحيح عند المؤلف أنه حجة مطلقا وإجماع من قومه وجميع أصحابه من الإباضية. أما الجزء الرابع والأخير فهو »في القياس« .والقياس من الأدلة الشرعية أيضا .وهو في الاصطلاح حمل مجهول الحكم على معلومه لمساواة المجهول للمعلوم في علة حكمه بأن توجد علة المعلوم بتمامها في المجهول عند الحامل له عليه وهو المجتهد. شائعا مع سكوت الباقينمتكررا والقياس حجة لعمل كثير من الصحابة به الذي هو في مثل ذلك من الأصول العامة وفاق العادة .والاعتبار قياس الشيء بالشيء إلا في الأمور العادية والخلقية التي ترجع للعادة. وأركان القياس أربعة :مقيس عليه ،ومقيس ،وجامع ،ومشترك بينهما، ويعبر عن الأولوحكم للمقيس عليه يتعدى إلى المقيس بواسطة ذلك الجامع ، بالأصل وهو محل الحكم المشبه به ،وعن الثاني بالفرع وهو المشبه بالأصل الملحق به في حكمه ،وعن الوصف الجامع بينهما بالعلة. ثم يتناول المؤلف مسالك العلة .وهي الإجماع والنص والإيماء والسبر، 129فصول الأصول والمناسبة والشبه وهو الدوران ،والطرد وتنقيح المناط وإلغاء الفارق .كما عرض مبحث القوادح والاستدلال ،وترجيح الأدلة عند تعارضها ،وترجيح الأقيسة في الاجتهاد. وترجيح الأقيسة بعضها على بعض إذا تعارضت يكون بأمور ،منها :القوة لدليل حكم أصل القياس كأن يكون الدليل في أحد القياسين منطوقا وفي مفهوما فإن المنطوق أقوى ظ نا من المفهوم. الآخر والمرجحات كثيرة لا تنحصر ،وضابطها إن ما كان أقوى في الظن كان مرجوحا ،فمن كان ذا خبرة بأحوال قبوله أرجح ،وما كان أضعف ظنا كان الرواة وقواعد الألفاظ وأحوال النبي ژ ومقاصد الشرع الشريف لا يخفى عليه ترجيح الراجح وتضعيف المرجوح منها. عرف المؤلف الاجتهاد بأنه استفراغ الفقيه الوسع بأن يبذل تمام طاقتهوي  في النظر في الأدلة لتحصيل حكم في حادثة من حيث إنه فقيه .والمجتهد الفقيه وهو البالغ العاقل الذي له م لكة يقتدر بها على إدراك المعلومات، والم لكة هيئة راسخة في النفس وهي العقل وقيل :العقل نفس العلم؛ أي: الإدراك سواء ضروريا كان أو نظريا ،وقيل :الضروري منه فقط دون النظر، وعلى هذا القول قصدك العاقل على ذي العلم النظري للعلم الضروري الذي لا ينفك عن الإنسان. وشروط المجتهد أن يكون: عالما بعلم العربية من النحو والصرف واللغة ،وعلوم البلاغة من عالما بما يحتاج إليه منها في المعاني والبيان والبديع ،أي :متوس طا فيها والسنة عربيان ،ومنها والسنة وآثار الفقهاء؛ لأن القرآنفهم معاني القرآن تؤخذ الأحكام وتنبسط الأدلة. عالما بأصول الديانات من العقائد الإسلامية. أن يكون مائة كتاب إباضي130 عالما بأصول الفقه بالقدر الذي يصير به المجتهد وكذا يشترط كونه متمك نا على استنباط الأحكام من أدلتها ،ولا يشترط ما فوق القدر المجزي من هذه العلوم كلها في صحة الاجتهاد. وكذلك يشترط معرفة القدر المجزي من علم التاريخ؛ لأن به معرفة أسباب النزول والمقدم من المتأخر من الآيات والأخبار. ير والغزوات والوقائع لأن فيها أفعاله ژ وأحكامه وكذا علم  الس وتقريراته وأحواله في الحروب وتصرفاته في الأمور ،وكذا أفعال الصحابة لأنهم هم القدوة بعده. والسنة من محكم ،ومتشابه،عالما بما في الكتاب وكذا يشترط أن يكون وناسخ ومنسوخ ،وخاص وعام ،ومجمل ومبين ،ومطلق ومقيد ،ومتواتر وآحاد ،إلى غير ذلك من أحكامها. عالما بآيات الأحكام ومواضعها وبمواضع الأحاديث التي تؤخذ وأن يكون منها الأحكام ليرجع إليها عند الحاجة ولا يشترط حفظها عن ظهر غيب. عالما بالمسائل التي تقدم فيها إجماع الأمة قبله لئلا ويشترط أن يكون يخالف اجتهاده إجماعهم فيخرقه ،إذ لا يحل خرق الإجماع لأنه من الأصول الثلاثية القطعية التي لا يحل القول بخلافها ،وهو مقدم على القياس. واشترط بعضهم أن لا يخالف اجتهاده أقوال الصحابة إن كان في تلك القضية يوجد قول لأحدهم. أحدا ممن تقدم إلا أن علم تلك النازلة لم تخص واشترط بعضهم أن يوافق أحدا قبله ،وهذا لا يصح عند المؤلف إذ لو كان كذلك لما وجد خلاف في مسألة ظنية ،وإنما مبنى الاجتهاد على راجح النظر في كل شخص. فمن استكمل هذه الشروط جاز له الاجتهاد إجما عا حتى عند مانعي القياس؛ لأنهم إنما منعوه في غير العلل المنصوصة. 131فصول الأصول عالما بشروط الاجتهاد في بعض فنونواختلف الأصوليون فيمن يكون الأحكام دون بعض ،كأن يستكمل ذلك في علم المواريث مثلا أو في علم الطلاق أو البيوع ،ولم يعلم الاجتهاد في سائر علوم الشريعة هل يصح له الاجتهاد في بعض القضايا دون سائرها أجاز له ذلك بعض ومنعه آخرون. والصحيح جوازه وهو قول الأكثر ،وعليه الإمام الكدمي 3؛ إذ لو والسنة حتى لا تشذ على المجتهد شيءاشترطنا الإحاطة بجميع علوم الكتاب منها لضاق ذلك على الأمة إذ لا يكاد يحيط بجميع علوم الشريعة أحد ،وهذه المسألة معروفة عندهم بتجزؤ الاجتهاد. وفي أحد فصول هذا الجزء يتناول المؤلف أحكام المجتهد ،ويرى أن المجتهد إما أن يكون اجتهاده في القطعيات أو الظنيات. وأما الاجتهاد في الظنيات وهي مسائل الفروع التي لا يوجد فيها نص كتاب ولا سنة ولا إجماع ،فقد اختلف العلماء في حكم المجتهد فيها. العمانيون إلا من شذ منهم :إلى أن كلا من المجتهدينفذهب الإباضية فيها مصيب وعلى كل واحد أن يعمل فيها بما أداه إليه اجتهاده وهو الحق فيها في حقه ،وأن حكم االله متعدد فيها بتعدد المجتهدين المختلفين. وذهب أهل المغرب وابن بركة :إلى أن المصيب واحد عند االله ومخالفه غير آثم بل له أجر اجتهاده ،وللمصيب أجر اجتهاده وإصابته ،وعلى هذا العمانيين أبو الحسن الأشعري .ولكل منجمهور الأصوليين منهم ،ووافق القولين حجج ،والخلاف هنا لفظي لا ثمرة له. وقال بعض العلماء أن المصيب في الظنيات واحد ومخالفه مخطئ آثم، وهؤلاء جعلوا الرأي دي نا بجعلهم الدليل الظني كالقطعي وهو خطأ فاحش عند معشر الإباضية. مائة كتاب إباضي132 وأما الاجتهاد في القطعيات كمسائل الاعتقاد أو بالنقلية المتواترة أيضا والصحيح جوازه إذا لم يكن لشكالمنصوصة فقد اختلف العلماء فيها في صدقها ،بل لزيادة يقين واطمئنان. ولا فرق بين قطعي وظني وهو خطأ لا يصح جعل مسائل الدين كمسائل الرأي ،والدليل تفسيق من أخطأ في الدين حيث ورد كثير من الآيات بهلاكهم، بعضا بعد وما ذاك إلا لمخالفتهم الأدلة القاطعة ،وكذا تفسيق الأمة بعضها الافتراق ،فإن كل فرقة تضلل وتفسق من خالفها في مذهبها؛ وذلك دليل على قطع عذر المخالف في الدين. ويجب على العالم البالغ درجة الاجتهاد أن يجتهد وينظر في الأدلة الشرعية ويستخرج حكم القضية منها في ثلاثة مواضع: أحدها :إن كان قد استفتاه مستفت في مسألة هو محتاج للعمل بها. والثاني :إن أراد العمل بنفسه. والثالث :إن ابتلي بالحكم بين الناس فيجب عليه الاجتهاد حينئذ إن لم نصا من كتاب ولا سنة ولا وجد فيها إجماع ممنيجد في تلك القضية  تقدم ،بل كانت من مسائل الرأي التي يجري فيها الاختلاف فيلزمه أن ينظر في أقوى الأمارات ،ويأخذ بمقتضى أرجحها فإن تعارضت عنده الأدلة ولم يقدر على ترجيح بعضها وجب عليه الوقوف حتى يعلم الأرجح فإن غلب في ظنه تعذر وجود الأرجح فالخلاف حينئذ. والصحيح فيما يرى المؤلف أنه يكون في تلك القضية بمنزلة الجاهل الضعيف فيجب عليه إذا أراد العمل فيها أن يأخذ فيها بقول غيره من العلماء، كما يجب ذلك على الضعيف ،ويلزم المجتهد البحث في الدليل الذي يريد نصا فلا يأخذ به حتى يعلم أو يظن أنهالأخذ به عن ناسخه ومخصصه إن كان  غير منسوخ ولا مخصص ولا متأول بتأويل يخالف ظاهره. 133 ôFGõdGh êÉëdG ΩÉμMCG »a ôFÉëdG OÉ°TQEG ) »°TÉ£ÑdG ¢ùeÉ°T øH óaëeت القرن ١٤ه( وزارة التراث القومي والثقافة سلطان عمان ،طباعة دار آمون القاهرة ،ط١٤٠٥ ،٢ه١٩٨٥/م. عدد الصفحات ٢٣٩ :صفحة يتكون الكتاب من مقدمة عن المؤلف ،وخطبة الكتاب ،وعدة أبواب. العلامة محمدوالمؤلف لرسالة »إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر« هو  ابن شامس بن جنجر بن شامس البطاشي من »غسان« ،مسكنه بلدة »المسفاة« من شرقية عمان. كان مولده في عام ١٣٣٠ه ،توفي أبوه وهو ابن أربعة أشهر ،ونشأ في كفالة عمه ،وفي الثامنة من عمره ختم القرآن الكريم ،وفي عام ١٣٤٣ه رحل إلى »نزوى« في طلب العلم بكنف الإمام الخليلي ، 5فأخذ عنه علم النحو ،ثم على الشيخ عبد االله بن عامر العزري ،وأخذ عنه علم أصول الدين وأصول الفقه والفقه ،كما قرأ عليه المعاني والبيان والبديع وشي ئا من علوم الصرف والعروض، وأصبح ذا ملكة في جميع هذه الفنون ،وكان آية في الذكاء والدراية والحفظ. حفظ الشيخ البطاشي عدة متون في مختلف الفنون ،وله أوسع اطلاع بلغة معجبا به وبذكائه وحفظه،وس يرهم وأنسابهم ،وكان الإمامالعرب وأشعارهم حتى أنه بج له وقدمه على سائر أقرانه ،وكانت له اليد الطولى في نظم الشعر، وله قصائد طنانة في مدح الإمام الخليلي وغزواته ،كما له شعر في مختلف مؤخرا في سنة يدون له شعر ،وترك نظم الشعرالمناسبات ،ولكن لا يحب أن ١٣٥٧ه. مائة كتاب إباضي134 تولى الشيخ البطاشي القضاء فترة ،ثم عاد سنة ١٣٦٠ه إلى نزوى ،فولاه الإمام قضاء حمرا العبريين ثم نقله إلى مركز آخر تولى فيه القضاء والولاية ،ثم أيضا لأحوال اقتضت ذلك ،ثم رجعاستقال وعاد إلى بلاده فتولى قضاء قربات ملازما حضرته. إلى حضرة الإمام وبقي وأقبل الشيخ البطاشي على تدوين الأثر ،وشرع في التأليف ،فأ لف كتاب »غاية المأمول« أربعة أجزاء في أصول الدين ،وأصول الفقه والفقه ،ومسائل الفروع ،فلما أكمله شرع في النظم فأ لف كتاب» :سلاسل الذهب« نظما في والس ير والآداب ،فكان مجموع ضمنه أصول الدين وأصول الفقهتسعة أجزاء أبياته مائة ألف بيت وأربعة عشر ألف بيت ،ثم أ لف رسالة »إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر«. فهذه المؤلفات التي أ لفها تعد من أحسن وأنفس وأنفع الكتب ،إذ حشر فيها أهم ما ورد في» :النيل وشرحه« ،و»منهج الطالبين« وبعض الجوامع ،ترى فيها من الترجيح والتصحيح من جهابذة العلماء ما يشفي الغليل ويبرئ العليل. ويذكر المؤلف في خطبة الكتاب أنه عن الحج ،باعتباره رك نا من أركان قصاد بيت االله أكثرهم من العوام،الإسلام التي ليس له دونها قوام .ولما كان الذين لا يعرفون ما للحج من أحكام ،وكانت مؤلفات المذهب منها المطول الذي يشق حمله على صاحب الأسفار ،ومنها المختصر ،رأى أن يضع رسالة في الحج :حرامه ،وحلاله ،يحملها المسافر في ح له وترحله ،تأتي على الغالب من المسائل وما يكثر وقوعه من النوازل .أخذها من »شرح النيل« لقطب الأئمة، ومن بعض كتب مذاهب الأمة أسماها» :إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر«. وسمي السفر إلى بيت االلهعرف المؤلف الحج لغة بأنه يعني :القصد ،ي  الحرام للنسك حج ا دون غيره من الأسفار لكثرة اختلاف الناس إليه ،فهو علم بالغلبة. 135إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر واصطلاحا :قطع المناسك .والحج بفتح الحاء المهملة وكسرها لغتان، وقيل :كسر الحاء لغة نجد ،والفتح لغة غيرهم. وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة التي هي :الصلاة ،والصوم ،والزكاة، والحج ،والجهاد .وعلم الحج من الدين ضرورة ،فإنه منصوص عليه في القرآن والسنة ،مجمع عليه ،واضح مشهور غير محتاج لكسب ونظر وبحث ،حتى كأنه من العلوم الضرورية. وأجمعوا على أن الحج لا يتكرر وجوبه إلا لعارض ،كنذر .وفرض الحج في عام تسعة .والجمهور على أنه فرض عام ستة .وقيل :قبل الهجرة ،وهو شاذ. وقيل :عام عشرة ،واالله أعلم. واصطلاحا: ويبدأ المؤلف كتابه بباب العمرة .والعمرة لغة :القصد ،وقيل :الزيارة. زيارة البيت بإحرام وطواف وسعي ،والأكثر على أن العمرة فرض كالحج. ولا تكرر العمرة في السنة عند جابر بن زيد ،وقيل :تكرر إلا في أشهر الحج ،فلا توقع فيها إلا عمرة الحج .وقال القطب :وهو قول باقي أصحابنا. وقيل :تكرر في السنة كلها متى شاء .ويقول المؤلف :ولعل من يقول بعدم التكرر في أشهر الحج أنه إذا خرج فلا يدخل إلا بالحج. والباب التالي» :باب فيما يجب الحج به« يذكر المؤلف أنه يجب الحج بالبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة ،فلا حج على الصبي حتى يبلغ ،فإن حج قبل البلوغ وإن بلغ بعده أعاده ،وإن بلغ قبل الوقوف لم تلزمه الإعادة ،ولا حج على عبد ،فإن حج قبل العتق أعاده بعد العتق إن أطاقه ،ولو حج بإذن سيده إلا إن عتق قبل الوقوف ،أو في الوقوف عند الغروب. وأجاز ابن محبوب والربيع وبعض فقهاء الأمصار حج الصبي بلا إعادة بعد البلوغ .وأجاز بعض أصحابه حج العبد بلا إعادة بعد العتق ،وعليه ابن محبوب. مائة كتاب إباضي136 والصحيح لزوم الإعادة ،حتى قيل :إذا عتق العبد ،وبلغ الصبي ،وقد جاوز الميقات ،فعليهما أن يرجعا ويعيدا الإحرام من الميقات. والاستطاعة هي الطاقة .والخلاف في الاستطاعة ،فقيل :هي الزاد والراحلة. وإن قدر على المشي بلا ركوب لزمه إن كان الزاد. وقيل :الاستطاعة صحة البدن ،فعلى من صح بدنه أن يتكلف الحج ،وينظر كيف يصله ،وإن لم يصح بدنه وكان له مال لم يلزمه على هذا القول الإيصاء به .فإن من يقول :الاستطاعة وجود المال ،يقول :إن لم يطق في بدنه أو لم يجد أمان الطريق ،أو منع مانع ما ،فإنه يوصي أو يحج أحد عنه. وقيل :إن الاستطاعة :الزاد والراحلة وصحة البدن ،وأمان الطريق ،ومرافقة الأصحاب الأمناء ،ولو لم يتولوا. واستطاعة الحج :فعله ،والفعل :حركة الفاعل وسكونه في أيام الحج ومشاهده ،وهي مع الفعل ،وهي غير استطاعة السبيل ،فهي مثل الفعل مستثناة من سائر الاستطاعة .والواضح أن الاستطاعة كلها قبل الفعل ،وأنها بمعنى القوة عليه ومعه بمعنى معالجته. واستطاعة السبيل :هي المال وانتفاء الموانع ،والخلاف في الزاد والراحلة هل هما من فضلة المال ،وهي غير الأصل وغير أثاث الدار وآلات الصنعة ،أو يعتبران ولو من أصل يباع ويفضل عن مثوبة العيال إلى الفراغ من الحج أو إلى الوصول إلى العيال ،بأن يكون الباقي منه لا يحتاج العيال إلى بيعه ،بل يكتفون بغلته ككراء وثمار ،ولا يبيع مسكنه؛ لأنه من مؤونة العيال. أما عن حج المرأة ،فإذا لزم المرأة الحج فإنها تحج مع زوجها أو ذي محرم منها ،ولا يلزمهما أن يحجا بها ،لكن إن طلبت مصاحبتهما فلا يمنعانها، وإذا صاحبت زوجها لزمته حقوقها ،وإن كان مالها يفي بأجرة من يحج بها ،أو 137إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر بإرضاء محرمها أو زوجها به أن يحج بها لزمها ،وإن منعها زوجها أو أبوها محرما وقد استطاعت ولما مات لم تستطع لم يلزمها الحج ،وإن لم تجد المرأة زوجا فلتحج مع ثقات معهم نساء يمنعونها من الضر كمنعهم أنفسهم.ولا وإن أرادت حج نقل أو إعادة لحج فريضة لأجل خلل فمع زوج أو محرم فقط .قال القطب :والحق أنها تعيد الحج الذي فسد لخلل ولو مع ثقة غير محرم لها في جماعة .وللمرأة أن تحج مع وليها الذي هو محرمها ولو كان لها زوج ،وإن لم يطاوعها زوجها أو محرمها حجت مع ثقات ،وإن لم يطاوعها الزوج ولا المحرم ولا الثقات سقط عنها ،وقيل :يلزمها الإيصاء به، وإن قوي مالها على أن تستأجر زوجها أو محرمها أو ثقات على أن يسافروا بها وجب عليها. ويتساءل المؤلف :هل الحج على التراخي أم على الفور؟ وأجاب :الحج متراخ على الأصح. وعمدة من قال هو على التوسعة ،إن الحج فرض قبل حج النبي ژ ،فلو أخره النبي ژ ،ولو أخره لعذر ليبينه.كان على الفور لما أما الحج عن الغير ،فهو جائز ،وإن كان المحجوج عنه ح يا منع من الحج بمانع ،مثل مشيب أو مرض لا يرجى بحسب الظاهر البرء منه ،وإن أطاق الكبير أو المريض بعدما حج عنه غيره لزمه أن يحج بنفسه ،وقيل :لا .وأما أن يحج أحد عن صحيح قادر فلا يصح ،ولو كان المحجوج عنه امرأة .ومن عرض عليه من يحمله إلى الحج .ويقوم بأمره لزمه الحج ،وقيل :له أن لا يقبل ذلك. ويكره للإنسان أن يحج عن غيره ،ويجزى إن فعل ،وقيل :لا يجوز أن يحج عن غيره ،ولا يجزى إن فعل سواء أكان المحجوج عنه مي تا أم ح يا ،منع بشيب فرضا أم نفلا ،كما لا يصلي أحد عن أحد.أم مرض مائة كتاب إباضي138 وقيل :يجوز حج النافلة عن الغير ،وقد منع أبو حنيفة الحج عن الحي ولو فرضا .وقيل :لا يجوز الحج عن ميت إلا إن أوصىنفلا ،وأجازه عن ميت ولو به .وقيل :لا يحج أحد إلا ولد عن والده. وفي باب» :عقد أجرة الحج عن الغير« يرى المؤلف أنه ينبغي للعاقل أن لا يأخذ حجة غيره بأجرة ،وإذا أخذها بأجرة كان من الذين قيل فيهم :لا يبارك في أرزاقهم .وذلك لعظم أمر الحج .وذلك لما جاء في الخبر» :إن االله ج ل وعلا يدخل الجنة بالحجة الواحدة ثلاثة :الموصي بها ،ومنفذها ومؤديها«. ولبى عن نفسه في بدء إحرامه إلى آخره أجزاهوإن ترك صاحب الحجة لنفسه ،ويعيد لصاحبها من قابل ،والمقصود بالتلبية بعد الميقات مثلا غير من لبى له في الميقات ناو يا بالتلبية له رد الإحرام له ،بل ولم يجز واحد منهما لعدم الإحرام من الميقات الثاني ،وقد أبطله عمن أحرم له منه. وإن أنفذ وصاياه متطوع عليه من ماله أجزأ عنه ،وعن وارثه وخليفته إن لم أخذا منهم ،ولا يجد الآخذ في الحكم إن نواه وأدركه عند االله إن نوىينو وصدقوه ولو لم يشهد. وجاز لخليفة ميت أن يحج عنه بنفسه ويمسك لنفسه المال الذي أوصى به راجعا إلى العناء إن أذن له الميت ،وإن لم يأذنمقدارا ،أو للحج ،معي نا ،أو ورد المال ،هذا هو الصحيح لأنه حينئذ كبائع مشتر وحده فيأجزأ عن الميت شيء واحد ،وقيل له ذلك مطلقا كالوارث. وإن حج عنه وارثان صحت لمحرم بها أو لا ،ولو أحرم قبل الميقات ،إن كان في أشهر الحج ،وكان له ما أوصى به للحج. وإن تسارعوا فليتفقوا ،وإن لم يتفقوا على واحد ،فليقترعا ،وللخليفة أن ينزعها عنهم ويعطيها غيرهم. 139إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر عين شي ئا للحج فقال للورثة :من حج منكم عني أخذه ،ثبت لحاجوإن عنه منهم ،ويتفقوا على واحد إن تسارعوا ،ويأخذه إن وسعه الثلث ،ولا ينظر فيه لعنائه. مر كله إلا أنها تقع في كل وقت ،ولكن إذا كانتوالعمرة كالحج فيما أشهر الحج فلا عمرة إلا عمرة الحج ،ولزم الأجير الإشهاد على الحج إن شرط عليه ،وإلا قبل قوله إنه حج مع يمينه. وصيه ،ونقصت قيمتها ومن أوصى بأرض أن تباع ولا يحج بها عنه ،فمات عن حجه من بلده ،فلوارثه أن يبيعها ويحج بها من حيث بلغت. ويتناول المؤلف في أحد أبواب الكتاب مسألة »الوصية بالحج« ،وهي أنه يندب للعلم أن يحج فريضة وحوطة ويوصي بحجة نافلة ،ولا يهلك من وجب موصيا بالحج عنه ،وفي النسيان خلاف. عليه الحج حتى يموت غير حاج ،ولا ومن استحب أن لا يحج لغيره قبل نفسه حمل الحديث عن الندب يقل :لا يجوز لك الحج عن غيرك قبلوالإرشاد إلى ما هو أصلح؛ ولذلك لم نفسك ،وقد لا يحب الحج عن الإنسان لعدم الاستطاعة ،فيأخذ حجة غيره بالأجرة ،فهذا قد يكون أعرف بأمر الحج ،ولا يتوجه عليه النهي. وصح حج رجل عن امرأة ،وامرأة عن امرأة ،وفي حج المرأة عن الرجل قولان :قيل :بالجواز لما روي أن امرأة من خثعم قالت :يا رسول االله إن فريضة االله على عباده في الحج أدركت أبي شيخ ا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال» :نعم« .وذلك في حجة الوداع .وقول بالمنع لأن المرأة ناقصة عن ندبا أفضل من التقصير ،والمرأة الرجل في بعض المناسك ،لأن الرجل يحلق معا. لا تحلق ،وإحرام المرأة في وجهها فقط ،وإحرام الرجل في الوجه والرأس أما ما يفعله مريد الخروج إلى الحج ،فقد تناوله المؤلف في أحد أبواب مائة كتاب إباضي140 الكتاب فرأى أن يعالج الخروج من كل تباعة مريد الخروج إلى الحج وإن كانت بمعاملة ولو من جهة الصداق ،ومن مثل نذر وتكفير يمين ،وينفذ ما يجب من وصية ،إلا وصية الأقرب ،فإن الواجب الإيصاء له. وأجاز البعض أن يوصي بما يلزمه ويستخلف أمي نا ينفذها ،ويصل رحمه وجاره ويرضيهما ،فإن حاله من لدن خروجه وفراق أهله وأولاده ،وركوب دابته أو غيرها من الركوب ،أو خروجه بلا دابة وسلوك مفاوزه ،وشق البحر ومقاساة أهوالهما ،وتوحشه فيهما ولبس ثوبي الإحرام المخالفين للزي المعتاد في اللباس ،واجتناب كثير من المباح :كالطيب ،والرائحة ،والجماع ،وصيد البر، منكسفا حاله كل فريق بقائده ،وإفاضة كل من عرفات،شاخصا بصره ووقوفه وسرعته ،وغير ذلك ككونهم منقسمين إلى مقبول الحج ومردوده ،ومجتمعين في عرفات وداخلين مكة ،وهي حرم آمن ،واقعة أبصارهم على البيت ،وطائفين بالبيت ،ومستلمين الحجر ،ومتعلقين بأستار الكعبة ،وساعين بين الصفا والمروة ،كل ذلك تمثيل وتذكير بحال الموت والفراق المؤبد ،وركوب النعش ودخول القبر ،ومكابدة أهواله ،والقيام منه ،وإجابة النافخ ،وحشر كل أمة مع نب يها ،والوقوف والوجل والخوف وذهول العقل ،ورجاء الشفاعة والفصل، وانقسام كل فريق بين محروم وفائز .إلى غير ذلك. و ندب للحاج التوسع في الزاد ليتسع خلقه وتحسن معاشرته ،فلا يغضب ولا يشاحن ،ولا يطمع في الناس ،وكرهت له المماكسة في الكراء ،وبيع ما احتاج لبيعه ،وشراء ما احتاج لشرائه ،ولا بأس بمراجعة الكلام في ذلك مرة أو مرتين بلا كذب ولا غضب ولا بخس. والمماكسة من جملة الجدال المنهي عنه في الحج ،قال تعالى. - ﴿ : ] ﴾ 0 /البقرة [١٩٧ :وهو شامل للخصام ،والمماكسة ونحو ذلك ،بل يقول الحق كما يفهمه السامع ويسكت. 141إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر وإذا اكترى دابة لركوبه فلا يحمل عليها شي ئا ولو ورقة ويصلي بمنزله إذا حضرت دابته وخروجه. ويقول بعدهما :الل ه م إنك افترضت الحج وأمرت به فاجعلني ممن استجاب لأمرك وامتثله ،ومن وفدك الذين قدموا إليك للحج ،الذين رضيت حجهم وقبلته ،وكتبت أنهم يحجون وسميتهم من الصالحين ،أو يصلي الركعتين في المسجد أو فيه وفي منزله وهو أ ولى. وينبغي أن يقدم صدقه إذا حضر خروجه قبل أن يضع رجله في الركاب ،وكذا إذا أراد الرجوع ،وأن يصحب المرآة والمكحلة والمقراض طالبا منه الأجر ،ويودع أهلهوالذكر والتلاوة ،ويخلص النية في حجه الله وجيرانه وأرحامه وأقاربه ،ويسلم عليهم بإظهار المحبة والرحمة ،وإظهار حضور الفروق. كبر ثلاثا ،وقالN M L K J I H G F ﴿ :وإذا ركب ❁ ] ﴾ S R Q Pالزخرف.[١٤ - ١٣ : ولو كانت الدابة أو السفينة لغيره »الل ه م إنا نسألك في سفرنا هذا البر هون علينا السفر واطو لنا الأرض ،الل ه م أنت والتقوى والعمل بما ترضى ،االله الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد ،الل ه م أصحبنا في سفرنا وأخلفنا في أهلنا«. كبر أو وإذا سار قال :الحمد الله الذي حملنا في البر والبحر ،فكلما أشرف كان في الصعود قال :لا حول ولا قوة إلا باالله العلي العظيم ،أو هبط سبح. أما المواقيت فشرط الإحرام المكان والزمان ،فالمكان هو :المواقيت المسنونة لأهل كل ناحية ،س نها النبي ژ ،والخلف في ميقات العراق وهو ذات عرق ،فقيل س نه النبي ژ ؛ لأن أهله ولو كانوا غير مسلمين في ذلك مائة كتاب إباضي142 الوقت فإنه يعلم أنه سيسلمون بعد ،ولأنهم مخاطبون بفروع الشريعة على الصحيح ،وهذا القول هو الأصح. ومن جاوز ميقا تا من المواقيت ولم يحرم لزم الرجوع والإحرام من عالما أو جاهلا ،وإذا رجع وأحرم من الميقات فلا دمناسيا، ذاكرا ،أو الميقات عليه ،وقيل :عليه دم .وإن خاف فوت الحج أو منعه مانع من الرجوع فليحرم حيث ذ كر في الحرم ولو في مكة ،أو قبل الحرم ولزمه دم. محرما لم يسقط رجوع هذا عنهوإذا أحرم بعدما جاوز الميقات ورجع إليه الدم ،لأنه قد أحرم بعدما جاوزه فيما يظهر. وقال بعض أصحابنا :إن من أحرم بعد أن تعداه لا شيء عليه إن رجع إليه وأعاد الإحرام .وقيل :لزم الدم رجع أو لم يرجع. ومن ترك الإحرام أصلا لزمه دم .وقيل :إن كان لحج فسد حجه .وقال وليلب يلب حتى جاوز ميقاته فليرجع القطب :وهو الصحيح .ومن أحرم ولم منه ،وجاز الإحرام من أول الميقات مما يلي بلده ،أو من آخره مما يلي الحرم. وزمان الإحرام أصله قوله تعالى] ﴾ # " ! ﴿ :البقرة[١٩٧ :؛ أي: وقت الحج .فقال مالك :أشهر شوال وذو القعدة وذو الحجة ،وقيل :شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة ،قال الثميني :وبه أخذنا ،وقيل :أشهر الحج يوما ،وحجة من قال ثلاثةيوما ،وقيل :شهران وعشرون شهران وثلاثة عشر أمورا من الحج تكون بعد عرفة ،مثل :الرمي،أشهر :أن أقل الجمع ثلاثة ،وأن والحلق ،والنحر ،والمبيت بمنى. وحجة القائل شهران وثلاثة عشر :هذه الأمور كذا قيل. ويتناول المؤلف كيفية الحج في أحد أبواب الكتاب ،فقد س ن للإحرام وجوز الوضوءبالحج أو العمرة أو بهما الاغتسال .وقال :الظاهرة بالوجوب، 143إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر وجوز الإحراموجوز التيمم مع القدرة، فقط بعد الاستنجاء وإزالة الأنجاس، بالجنابة بلا صلاة. ويجوز المغالاة في ثياب الإحرام ،ويحذر الإعجاب والتكبر ،وينبغي الإحرام في ثوبين ،وإدخال ثوبين في نحو جراب لطواف الحج والعمرة، والوقوف احتيا طا أن يكون ذلك بثياب طاهرة ،ويلبس نعلين إن شاء ،ولا يلبس مخيطين دخل في خياطتهما ،وإن لم يدخل في خياطة الثوب فلا بأس، ولا يضر الإحرام بثياب لبست وإن كانت دنسة ،وكانت على جسده حتى أحرم بها ،ولا بثياب متنجسة ،إلا إن أحرم بلا صلاة عند مجيز ذلك. ويعقد بعد الصلاة نية الإحرام بحج ،ويقول عقب التسليم وعقب سجود السهو إن سجد :لبيك الل ه م لبيك لا شريك لك لبيك ،إن الحمد والنعمة والملك لك ،لا شريك لك ،لبيك بحج تمامه وبلاغه عليك يا االله. وإن أحرم بعمرة وحدها قال بقلبه ولسانه ،لا بقلبه فقط أو لسانه :بعمرة تمامها عليك يا االله ،وإن قرن الحج والعمرة قال :بحجة وعمرة تمامهما وبلاغهما عليك يا االله .يقول ذلك ثلاث مرات. والمحرم إما مفرد بحج ،أو متمتع بعمرة في أشهر الحج ،أو قارن بهما ،أو محرم بعمرة قبل أشهر الحج. فالمفرد بالحج فقط يلتزم إحرامه حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر ،وإذا ملبيا بالحج فلا يطف بالبيت ،وليقم بالمسجد إن شاء على إحرامه، قد م مكة وليستلم الحجر وغيره بلا طواف ،وإن طاف وسعى لزمه هدي؛ لأن ذلك تمتع ،لا إن طاف فقط .ويفسخ حجه عمرة وأجزته ،فيجدد الإحرام بالحج. ولبى ،ولم تكن له نية حجومن بلغ الميقات ولبس ثوبي الإحرام وركع ولا عمرة ،ولم يسم شي ئا ،جاهلا لذلك ،ونوى أن إحرامه كإحرام المسلمين مائة كتاب إباضي144 فهو محرم بعمرة ،وإن لم ينو ذلك ،وهو في أشهر الحج فهو محرم بالحج أو في غيرها ،ومن نوى حج ا وإن شاء عمرة ،وأحب أن يكون قار نا. ومن نوى حج ا فقال بلسان بعمرة أو عكس فعلى نيته ،ومن أحرم بأحدهما فنسي كان عند أشهب قار نا ،ومن أحرم بحجتين بطل إحرامه ،وإن لم ينو بواحدة ،وإن أحرم بعمرتين بطلتا كذلك .وقيل :تثبت له واحدة. ومن لزمه حج وأحرم بالحج ناو يا نفلا لم تصح للازمه ،وقيل :تجزيه عن اللازمة وهو ضعيف. ومن أحرم ببعض التلبية فقط ،فليعدها تامة إذا ذكر ،ومن صلى ركعتي الإحرام فمشى أو أكل أو شرب أو تكلم ،ثم أحرم جاز ،ومن باع أو اشترى بعد إحرامه يوم التروية وهو يريد منى أعاده وعليه دم. والمتمتع هو المراد بقوله تعالى] ﴾ Ï Î Í Ì Ë ﴿ :البقرة.[١٩٦ : والتمتع نوعان :أحدهما :أن يهل بعمرة في أشهر الحج من الميقات حتى يصل البيت ويطوف ويسعى ،ثم يحلق رأسه كله أو بعضه ويحل بمكة. والثاني :أن يفرد بحج ثم يحوله لعمرة ،وشرطه أن يكون غير مقلد للهدي، فإن كان معه هدي وجب عليه إتمام حجه ولم يجز له فسخه. متمتعا ،فإذا طاف وسعىفمن أفرد بحج وحوله عمرة لزمه هدي وكان أحل إلى أن يخرج لمنى ،فيهل بحج من بطحاء مكة ما بين جبليها أبي قبيس والأحمر إلى مفترق الطريقين :طريق أهل مكة إلى عرفة ،وطريق العراق. والتمتع بنوعيه أسهل وأرفق .والإفراد أفضل من القران .ولا يحب المؤلف أن يفرد ولا أن يقرن إلا من اعتمر في رمضان أو رجب ،فإنه إن أفرد بعد ذلك في أشهر الحج كان حس نا. ومن أخذ في تلبية فلا يقطعها بشيء ،ومن لبى أول مرة للإحرام فقط 145إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر أساء ،وقيل :عليه دم وشدد من قال :على من تركها أدبار الصلاة دم .ومن لم يلب لعمرة أحرم لها حتى أحل من حجه فعليه دم لها ،ودم له ،ومن لم يلب حين أحرم بالحج حتى قضاه أساء ،وقيل :دم. والقولان فيمن لبى واحدة بعد إحرامه .وقيل :يلزمه دم إذا لم يلب حتى مضى خمس صلوات ،وقيل :إن مضى وقت واحدة إلى وقت أخرى ،ومن لم يدر بما أهل رجع للميقات وأهل بما شاء ،وإن لم يمكنه الرجوع حج وعليه دم. أما ما لا يفعله المحرم ،فقد تناوله المؤلف في باب مستقل ،وقد منع المحرم من استعمال الطيب ،وأجاز ابن عباس والربيع رحمهما االله الريحان العربي وقالا :إنه ليس من الطيب .وكان عطاء لا يرى إلا دهان الفارسية من الطيب. ومنع المحرم من إلقاء التفث؛ كظفر وشارب وشعر العانة وغير ذلك ،وإن طال ذلك نزعه وأعطى كفارة ذلك. ومنع من الجماع والاصطياد ،ومن لبس المخيط للنهي عن القميص والسراويل والعمامة والخف للمحرم ،وليست العمامة من الأطواق المخيطة. ولا يلبس المحرم ولو امرأة القفازين ،والقفاز هو شيء يعمل لليدين يحشى بقطن. وينهى المحرم عن لبس المصبوغ بزعفران ،والمصبوغ بالورس ،ومن لبس ثوبا أو غيره ،ولو بلا خياطة ،وعن تغطية مستديرا المطوق .وهو ما يجعل الرأس إن كان المحرم رجلا ،وعن تغطية الوجه للرجل والمرأة. ولا يشد المحرم على جسده لا على ذراعه أو إصبعه ولو بخيط ولا يحتزم، وقيل :يجوز له أن يحتزم ولو يعقد بخيط أو حبل على بطنه إذا أراد العمل، وإن احتزم لغيره فالفدية. والعقد مكروه .والظاهر أنه لا دم عليه؛ لأن الدم كفارة ولا كفارة على مائة كتاب إباضي146 السنة أو الأثر .وفي الأثر: مكروه ،بل على حرام أو ما جاء به الكتاب أو  لا يحلل المحرم كساءته بعود ولا يعقدها على قفاه ولا يعلق في أذنه قر طا، وإن فعل افتدى إلا إن حلها من ساعته من غير انتفاع بذلك. ومن تعمد لبس منهي عنه أو تغطية رأسه ،أو ما لا يجوز لزمه دم ،ولو نزعه من حينه ولم ينتفع به. ولبى ،ولا فدية عليه إلا إن تركه بعد الذكر ،وإنوإن نسي نزعه من حينه ، ناسيا إلى الليل ولو من وسط النهار أو آخره لزمه دم ،وكذا إن تركه منتركه ليله للصبح ،فإن كان ملبوسه المنهي عنه كقميص ،شقه إن لم يمكنه إخراجه ولبى؛ لأنه يلزمه بلا شق ،حتى يمكنه إخراجه من أسفل وأخرجه من أسفل بذلك أنه غطى رأسه فيلزمه دم. ولبى ،ولا عليه إن لم يتركناسيا نزعه من حين تذكر وإن غطى رأسه لليل ،أو صبح ،وقيل :لا يلزم إلا بكمال يوم وليلة ،وقيل بكمال أحدهما. والمرأة ليست كالرجل في الإحرام ،وتلبس فيه ما في غيره ،ولو مخي طا أو مطوقا ،ولها العقد على نفسها وعقد ثياب إحرامها ،ولها أن تلبس الخ ف وليس ذهبا أو حل يا. حريرا أو لها استعمال الطيب ،ولا أن تغطي وجهها ،ولا تلبس ثوبا إن لم يمسه ولا فدية عليهما في ذلك ،وإنولها أن تسدل على وجهها مسه بلا عمد فلا فدية سواء أكان السدل لخوف أن تفتن الناس بوجهها ،أم مسلحر ،أم برد ،ونص بعضهم :أنها تسدل لخوف أن تفتن .وعلى كل حال إن وجهها فالفدية ولا دم بالنظر في المرآة لغير تزين .ولزم الدم إن كان للزينة. ناعما ذكرا أو أنثى من الطيب وإن بثوبه ،ولا يضر إن غسلومنع المحرم حتى لا ينتقص ولم يبق في الثوب ريح ولو بقي به لون. ويكره له شم الورد والريحان والياسمين وشبهه من غير الطيب المؤنث، 147إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر مسه ،أو علقه ،ولا ضير عليه فيما يصيبه من الكعبة والحجر الأسود،وكذا إن وقيل :ترك تقبله أولى لذلك ،وإن بطلت رائحة الطيب فلا يبيح ذلك استعماله. وندب اجتناب الطيب قبل الإحرام بيومين ،أو ينبغي أن يترك مدة لا يبقى ريحه معه بعد الإحرام .وقل :إن سبق طيب في جسده أو ثوبه ،ولم يقصد حين متطيبا لما بعد الإحرام لم يلزمه غسل ،وإلا لزمه. طيب به أن يكون والصحيح عند المؤلف :أنه لا يجوز قصده قبل الإحرام لما بعده، ولا إبقاؤه بلا غسل ،وإلا فدم ،وأنه لا يجوز تعمد ما فيه طيب إلا إن لم يجد سواه ولم يمكنه غسله. والطيب ضربان :ما غلب لونه رائحته ويسمى الطيب المؤنث لأنه هو الذي تستعمله المرأة كخلوق وزعفران .والخلوق ضرب من الطيب يصنع من زعفران وغيره .وما لم يغلب لونه رائحته ويسمى المذكر ،لأنه الذي يستعمله الرجل كالمسك والغالية. ذهبا ،أو مصبو غا لزمه دم ،للنهي عن حريرا ،أو وإن لبس المحرم ولو امرأة خاتما ،ولزمه دم بغير الخاتم، الحلي فيه وإن التزين في الإحرام ،وعن لبس لا بالخاتم وإن كره الخاتم للرجل والمرأة ولا يحرم عليهما. وتنزع المرأة حليها إن لم تخف كسره بالنزع ،وإلا تركته ولا دم عليها، ولا تتزين وإن تكحل وكذلك الرجل فالكحل زينة ولو لم تقصد ،فيلزم المكتحل دم إلا لضرورة ،ورخص في الكحل ولو لرجل. ويكره لها عقد الشعر ،ولا تعقد في عنقها خي طا ويجوز للمرأة لبس الخ ف ولا غيره ،والخلف في تغطية الرجل أذنيه ،واستظهر القطب أن من عدهما من الرأس وجب عليه أن لا يغطيهما ،ومن عدهما من غيره أجاز تغطيتهما. كما منع المحرم من النساء لقوله تعالى& % $# " ! ﴿ : مائة كتاب إباضي148 ' ( ) * 87 6 5 4 3 2 10 / . - , + ] ﴾ A @ ? >= < ; : 9البقرة [١٩٧ :والخلف في الرفث ،فقيل :الجماع ،وقيل :التعريض به للنساء. ويكره نوم ويكره للمحرم ذكر الجماع حتى تستلذ النفس ،رجلا أو امرأة ، الرجل مع زوجته أو سريته ،وتكليمه إياها بخضوع. ومن جامع زوجته بمطاوعتها ،فعلى كل منهما بدنة وفسد حجهما ،وإن أكرهها فسد حجه ولزمته بدنة وأحجها وأهدى عنها. عمدا كالجماع ،وعلى مقدمات الجماع شاة ،ومن نظر نظرة لغير شهوة،والإنزال أو نظر خطأ أو رحمة ومحبة ،لا لشهوة فأثرت فيه ودافع وأنزل فشاة ،وقيل :لا. وكل ما يمنع منه حاج فرض ومعتمر فرض يمنع منه حاج نفل ومعتمر نفل .وما يلزم من تمتع وجزاء وفداء على فرض ،يلزم على نفل كعمرات التنعيم في رمضان. كما منع المحرم والمحل من صيد الحرم ،ولو من ماء مطر أو عين أو عبرة تولد منه الحيوان ،ومنع من اصطياد في بر ،ومن أكل صيد البر ولو صاده أيضا. محل ،ولو من الحل واختلفوا في المضطر .فقيل :يأكل الميتة .وقيل :صيد الحرم وعليه الجزاء. وقال البعض :إذا أحرم وفي يديه صيد أرسله من يده .وقيل :عليه أن يطعمه ويسقيه ثم يرسله .وحل صيد البحر وهو السمك ،وهو الذي من البحر المالح، وذلك جرى على الغالب لا قيد. وجاز للمحرم أن يحتجم وإن في الحرم ولا جزاء فيه ،وجاز قتل كل مؤذ بعوضا أو نملة أو ب قا أو برغوثا زنبورا أو ذبابا إن أذى أو وإن بالحرم ولو ولا جزاء. 149إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر ويجوز للمحرم أن يدهن شقوق رجله أو وجهه أو يديه وغير ذلك مما ويكره له غمس رأسه في الماء.لا طيب فيه ، وجوز ورخص في قطع شجرة من شجر الحرم مما يؤكل ومنعه بعضهم، نزع السنا المكي بلا قطع أصله وأكله وشربه لإسهال أو لضرس ،ونزع الحطب اليابس الميت والثمر الساقط ،وجوز ولو بنزع كالورق الساقط ،وكذا يجوز عمدا. الانتفاع بالعود أو الغصن إذا نزعه غيرك ولو أما عن كيفية دخوله مكة والطواف فقد تناوله المؤلف في باب خاص، ورأى أن يدخل مكة قادمها من الثنية السفلى إن قدم من المدينة ،وينزل بذي طوى ،ويغتسل فيه وتجزي الوضوء وذلك قبل الدخول .ومن جاء من المشرق دخل من جهته. ملبيا حتى يقف بباب المسجد فيقطع التلبية ،وقيل :حتىيدخل المحرم يستلم الحجر ،وقيل :إذا رأى البيت ،فإذا وقف بالباب وقابل البيت ندب استقباله والتكبير ثلاثا ،ثم يقول عقب التكبير :الل ه م أنت ربي وأنا عبدك، والبلد بلدك ،والبيت بيتك ،والحرم حرمك ،جئت أطلب رفدك وإتمام طاعتك، ويدعو بما أراد من الأدعية. ويدخل من باب بني شيبة ،ويقول عند ذلك :الل ه م أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام ،فحينا ربنا بالسلام ،وأدخلنا دار السلام ،وإذا دنا ويكثر من وتكريما ، وبرا وتعظيما من البيت قال :الل ه م زد بيتك هذا شرفا الدعاء والاستغفار ،ويمسح الحجر بيده اليمنى إن قدر ،ولا يعلوه بيده ،بل يمسحه من جانب .ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ،ويصلي على النبي ژ . وترتيب الأركان على ترتيب الطواف :ركن الحجر ،ثم ركن العراق ،ثم كبر ثلاثا .وهكذا ركن الشام ،ثم ركن اليمن ،فإذا وصل الميزاب أو قرب منه عند كل ركن. مائة كتاب إباضي150 كبر حياله بلا إبداء ،ثمفإذا وصل ركن الحجر استلم الحجر إن قدر ،وإلا كبر عنده ثلاثا ولا يستلم من الأركان على هذا إلا ركن الحجر وركن اليمين.ي وقراءة القرآن في الطواف كرهها بعض ،وقال بعض :إنها جائزة بلا كراهة، سرا ،والذكر أولى. جهرا ولا تكره بل هي أفضل .وقال بعض الإباضية :تكره ويطوف من وراء الحجر الحطيم ،لأنه من البيت .وقيل :بعضه من البيت. فلو طاف من داخله فلا طواف له ،وإن طاف بعض الطواف من داخله أعاد البعض ،وقيل :الكل .ولا ينقض الطواف أكل ولا شرب ولا ضحك ولا عبث. جوابا لقولهم. - , ﴿ :وأصل الطواف أنه لما قال 8لملائكته ﴾ ...0 /إلخ؟ قال] ﴾ > = < ; : ﴿ :البقرة [٣٠ :ظنوا ذلك منه غضبا عليهم فلاذوا بالعرش ،وأشاروا بالأصابع إلى العرش ،وتضرعوا فرحمهم ووضع بي تا تحت عرشه على أربعة أساطين من زبرجد ،وحشاه بياقوتة حمراء، وسماه الضراح؛ وهو البيت المعمور .وكان فوق الكعبة ،ولو وقع شيء منه لوقع عليها ،فأمرهم أن يطوفوا به ويتركوا الالتواء والطواف بالعرش. يدخل للطواف بالبيت المعمور كل يوم سبعون ألف م لك لا يعود كل منهم أبدا لكثرة الملائكة ،ثم أمرهم أن يبنوا في الأرض مثله ،قيل :على قدرهإليه وهو الكعبة ،ثم أمر من في الأرض من الملائكة والجن ،ومن وجد بعد ذلك من آدم وأولاده بطوافه. السنة أنه سبعة أشواط، وبينت وجعل الطواف من أركان الحج والعمرة ، فلو طاف أقل ،وحل وجامع ،فسد حجه أو عمرته ،ومن طاف أكثر ولم ينو السنة ثم نفر ،فعليه دم ،وذلك في طواف الزيارة ،ومن شك قبل الخروجخلاف  من الطواف بنى على يقينه حتى يتم السبعة ،ثم يركع ويطوف سبعة تامة. وتناول المؤلف السعي في أحد أبواب الكتاب ،والسعي بين الصفا والمروة 151إرشاد الحائر في أحكام الحاج والزائر سنة واجبة ،وبذلك قال أصحاب المؤلف والكوفيون ،فمن ترك التردد بين الصفا والمروة تم حجه ،ولزمه دم. وسنن الخروج إلى السعي من بين الأسطوانتين المذهبتين من باب الصفا، ويقال له :باب الجنائز بحيال الحجر الأسود ،ومن خرج إلى الصفا من غير باب الجنائز فقد أخطأ ،ولا شيء عليه. وندب الصعود على الصفا بقدر ما يستقبل البيت بلا زيادة علو ،وقيل: يصعد إلى خمس درجات ،ومن عجز قام بأصل الصفا ،وكذا يصنع في المروة يصعد إلى خمس درجات ،ويقوم بأصلها إن عجز ،وإن قام بأصلهما بلا عجز صح ،والمرأة تقوم بأصلهما. صغيرا هناك مع أمه هاجر وأصل السعي أن إسماعيل ‰لما تركه أبوه فعطش ،فقامت تطلب له ماء من ناحية الصفا والمروة ،مترددة بينهما طالعة زمزما من تحت قدميه ،وكان يحكمهماعليهما تتشرف ،حتى أنبع االله 8 بالأرض ،جعل التردد من المناسك. وندبت في السعي الطهارة للمرأة والرجل ،وإن انتقض وضوؤه أتم ما بقي كذلك ،ويجوز له الوضوء والبناء .ويجوز للحائض والنفساء والجنب. ويلقى وعن »منى« يرى المؤلف أنها سميت »منى« لما يمنى؛ أي :يصب ن فيها من الدماء والشعور ،وزعم بعضهم أنها سميت »منى« لأن االله تعالى م  فيها على إسماعيل بالفداء ،وقيل :لأنه جل وعلا يعطي الناس فيها مناهم. ن المبيت بمنى ،وجمع الصلوات فيها ليلة عرفة ،ولزم من بات فيوس  غيرها دم إن لم يأت من بعيد وفاته المبيت بها لإتيانه من بعيد .ولا يخرج من حد منى حتى تطلع الشمس. ملبيا ،ولا يقطع التلبية في وإذا طلعت الشمس خرج الحاج إلى عرفات مائة كتاب إباضي152 ذهابه إلى عرفات .ويجوز الوقوف للحائض والجنب ،إلا أن الجنب يغتسل عند الصلاة ،أو يتيمم إن لم يستطع. والوقوف بعرفة والإحرام ،وطواف الزيارة بعد الذبح فرض إجما عا، ولا حج لمن فاته واحد منها أو أفسده ،ولا يجبر بالدم ،ولكن يلزم بإفساد واحد منها دم ،ولا حج لمفسده. فإذا غربت الشمس فأفاض من عرفات للمشعر الحرام .ومن أفاض قبل الغروب لم يتم حجه خلافا لبعض الإباضية إلا إن رجع إليها وأدرك الوقوف قبل الغروب ،وذلك عندهم وعند مالك ،وعليه دم .والإفاضة بعد الغروب سنة. وفي الأبواب المتبقية من الكتاب عرض المؤلف شعائر الحج الأخرى مثل الرمي والحلق والذبح وغير ذلك .وما يفعله الحاج بعد جمرة العقبة ،ورمي الجمار ،والفدية والجزاء .وتناول الهدي في أحد الأبواب ،وكذلك الضحايا. وتكلم عن الوداع ،وزيارة قبر الرسول ژ . 153 ¿É`a oY AÉa∏Y ¢†©H ïjQÉJ »a ¿É«YC’G ±ÉëJEG ) »°TÉ£Ñn dG óeÉM øH OƒaM øH ∞«°S ï«°ûdGت القرن ١٤ه( مكتبة المستشار الخاص لجلالة السلطان للشؤون الدينية والتاريخية سلطنة عمان ،ط١٤٢٥ ،٢ه٢٠٠٤/م. عدد الصفحات :ج ٥٨٤ :١صفحة ج ٤٩٣ :٢صفحة ج ٥٦٣ :٣صفحة يتناول هذا الكتاب تاريخ علماء أهل عمان الأقدمين منهم والأخيرين، ابتداء من عصر الصحابة ،وذكر أخبارهم أو مؤلفاتهم أو أجوبتهم العلمية .وفي هذا الكتاب أسماء علماء غير منسوبين إلى قبيلة أو إلى ولاء القبيلة .فكان الانتساب في نظرهم ليس له أهمية ،وإنما همهم تقوى االله R Q ﴿ : 8 ] ﴾ U T Sالحجرات ،[١٣ :وربما نسب أو انتسب الواحد منهم إلى بلده، ونادرا ما كان انتسابه إلى صنعة أو مهنة. وقد يرجع غموض تاريخهم إلى سببين: أحدهما :أن العلماء رحمهم االله كان أكثر اهتمامهم بالتأليف في الفقه والأصول والولاية والبراءة .فأ لفوا في ذلك الجوامع الكبار والكتب المطولة. يكاد بعضها أن يكون موسوعة ،أما التاريخ ،فالظاهر من أمرهم أنه لم يكن لهم عرضا في كتب الفقه كتبا مستقلة إلا ما يوجببه كبير اعتناء ،ولم يؤلفوا فيه والولاية والبراءة مع ما للتاريخ من أهمية لا تنكر وفوائد لا تحصر. والسبب الثاني :فقدان كثير من مؤلفاتهم إما بعوامل طبيعية ،أو حروب قبلية ،أو غزوات جاءت من خارج البلاد ،أو أيادي آثمة جثت على تلك الكنوز الثمينة ،أو إهمال وعدم اعتناء ممن هي في يده. مائة كتاب إباضي154 فمن الكتب المقدم ذكرها ،والتي فقدت ولم توجد» ،ديوان« الإمام جابر العماني ،قيل :إنه حمل خمسة جمال ،وقيل غير ذلك ،وكانابن زيد الأزدي موجودا بمكتبة بغداد قبل حادثة التتار. ومنها :كتاب ضمام بن السائب ،وجامع أبي صفر ،وجامع موسى بن العلامة محمد بنعلي ،وكتاب الشيخ محبوب بن الرحيل ،وكتاب  جزءا ،وكتاب »الخزانة« للشيخمحبوب بن الرحيل ،قيل :إنه في سبعين بشير بن محمد بن محبوب. فهذه أسماء بعض الكتب المفقودة ،التي لو شاء القدر إبقاءها لكانت معي نا عذبا ينهل منه الباحث والمتعلم. نظرا لندرة وميسرا؛ أمرا سهلا إن دراسة تاريخ هؤلاء العلماء لم يكن المراجع ،ما عدا معلومات قليلة متفرقة في كتب الفقه وغيرها. ويبدأ المؤلف الجزء الأول من كتابه بالحديث عن الصحابي »مازن بن غضوبة الطائي« وهو أول من أسلم من أهل عمان ،وهو من أهل سمائل ،إحدى بعمان. المدن المشهورة ومازن أول من أسلم من أهل عمان باتفاق الروايات وسبب إسلامه أنه صنما ،فسمع صو تا من جوف الصنم ينبئ عن ظهور النبي ژ ،كان يسدن قادما من أهل الحجاز ،فسأله ما وراءك؟ فقال :ظهروتكرر ذلك .ثم رأى رجلا رجل يقال له :أحمد ،يقول لمن آتاه أجيبوا داعي االله ،فقلت :هذا واالله ما سمعت من الصنم فوثبت عليه وكسرته ،وركبت راحلتي حتى قدمت على رسول االله ژ بالمدينة .فسألته عما بعث له ،فشرح لي الإسلام ،فأسلمت. وإذا كان إسلام مازن 3سنة ست للهجرة ،هو ومن هداه االله معه للإسلام من أهل سمائل ،فإنهم بلا شك أسبق أهل عمان إلى الإسلام. 155إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان ومن آثار مازن الباقية إلى الآن بسمائل مسجد المضمار الذي بناه بعد بعمان على الإطلاق .أما ثاني مسجدرجوعه من المدينة ،وهو أول مسجد بني بني فهو مسجد رأس العقر بنزوى ،المعروف بمسجد الشواذنة سنة تسع للهجرة ،في حياة النبي ژ . أما الصحابي »صالح بن المتوكل« فهو ثاني صحابي من أهل عمان؛ بل ثاني صحابي من أهل سمائل .وفد صالح مع مولاه مازن على النبي ژ ،وكان رجلا وسيما جميلا ،فقال النبي لمازن» :من هذا الذي معك؟« قال مازن :هذا غلامي خيرا« .فأعتقه مازن عند النبي. صالح بن المتوكل .فقال له ژ » :استوص به وهناك الصحابي »كعب بن برشة الطاحي« وهو من أهل عمان من الصحابة ،من قبيلة الأزد .وكان قد قرأ الكتب السالفة ،وعرف منها صفة النبي ژ .ولما كتب ژ إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام ،ومنهم كسرى مزق كتاب النبي ژ .فسلط االله عليه ابنهأبرويز ملك الفرس وهو الذي بعمانفقتله .وقد اهتم الابن بأمر النبي ژ وما يدعو إليه ،فكتب إلى عامله يطلب منه إرسال رجل صدوق إلى الحجاز ليتعرف خبر هذا النبي ،فبعث كعب بن برشة ،وكان قد تنصر وقرأ الكتب السالفة ،وأتى النبي ژ فكلمه، فرأى فيه الصفات التي يجدها في الكتب ،فعرف أنه نبي مرسل ،فعرض عليه النبي ژ الإسلام ،فأسلم كعب ،ثم رجع إلى عمان وأتى مرسله ،فأخبره أن نبي مرسل ،وقد آمن به. العماني« ،ولد عام الفتح، أيضا الصحابي »أبو صفرة العتكي ومن الصحابة وقد شارك أبو صفرة في الفتوحات الإسلامية ،وخرج للجهاد ببعض قومه من عمان ،وهو رئيسهم ،ومعه مائة فرس ،قطع بهم البحر إلى فارس .ثم رجع إلى سجستان ،ثم رجع إلى البصرة بعد وقعة الجمل بثلاثة أيام وأقام بها .وتوفي تقريبا ،وصلى عليه ابن عباس . 3بعد ذلك بقليل سنة ثمان وثلاثين للهجرة مائة كتاب إباضي156 ويضاف إلى هؤلاء الصحابة عدد كبير من الصحابة ،مما يؤكد أن عمان قد أفرادا شاركت بعدد كبير من الصحابة الذين وفدوا على رسول االله ژ وجماعات ،ولقوه وتشرفوا بصحبته ،ودخلوا في الإسلام طائعين راغبين دون أن توجه إليهم دعوة من الرسول ژ ،أو يرسل إليهم جيش ا .وبعث الرسول ژ بعض أصحابه مع وفودهم ،يعلمونهم أمر دينهم ،وبعد إسلام هؤلاء أرسل ژ عمرو بن العاص إلى ملكي عمان يدعوهما إلى الإسلام ،فأسلما وقومهما طو عا بدون قتال. وتفيدنا الأخبار أن الإسلام قد عرف وانتشر في بلدان وقبائل متعددة من عمان قبل إسلام الملكين .ومن المتبادر أن الذين أسلموا من أهل عمان ،قبل وصول عمرو بن العاص ،كانوا على فترات متتالية ومتقاربة ،إلى أن جاء دور من لم يسلم إلى حين وصول عمرو بن العاص سنة ثماني للهجرة .مما يدل على أن جميع أهل عمان ممن تقدم إسلامه أو تأخر قد اعتنقوا الإسلام عن واحدا أبى رغبة منهم ،لا رهبة من السيف .فلم يحدثنا التاريخ أن عمان يا الدخول في الإسلام ،أو قتل على عدم استجابته للدعوة ،فقد أسلموا بدون قتال وسفك دم ،وكان دعاتهم أحيا نا منهم. مسلما في حياة النبي ژالعماني ،كانومن التابعين كان كعب بن سور ولم يرده ،وكان كعب في الجيش الذي خرج من عمان لقتال الفرس ،وكان لهم في قتالهم أثر كبير ،ثم أقام هو ومن معه من الأزد بأرض فارس ،ومنها فعينه الخليفة على البصرةوفد إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، 3 قاضيا ،وهو أول من قدمها من أهل عمان. جالسا عندوسبب استقضاء عمر بن الخطاب على البصرة أنه كان ذات يوم الخليفة ،فجاءت امرأة فقالت :ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي ،إنه يبيت صائما ،فاستغفر له عمر بن الخطاب وأثنى عليها ،وقال:قائما ،ويظل نهاره ليله 157إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان مثلك أثنى بالخير ،فاستحيت المرأة وقامت راجعة ،فقال كعب :يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها إذ جاءتك تستعديك ،قال :أكذلك علي المرأة ،فردت ،فقال :لا بأس بالحق أن أرادت؟ قال :نعم ،قال :ردوا تقوليه ،إن هذا يزعم أنك جئت تشتكين أنه يجتنب فراشك؟ قالت :أجل إني امرأة شابة ،إني أبتغي ما يبتغي النساء ،فأرسل إلى زوجها ،فجاءه ،فقال لكعب: يوما من أربعة أيام كأن زوجها له أربع اقض بينهما ،فقال كعب :إني أرى لها نسوة .فقال له عمر بن الخطاب :اذهب فأنت قاض على أهل البصرة. وينسب العماني ، أيضا الإمام جابر بن زيد الأزدي ويتناول الجزء الأول أيضا إلى الجوف ،فيقال له :الجوفي ،وهي ناحية من عمان ،تحتوي عدة مدن وقرى ،كان مولده ببلدة )فرق( من أعمال )نزوى( ،وبها نشأ ،وتلقى مبادئ علومه بها ،ثم خرج منها لطلب العلم إلى البصرة ،وكانت آنذاك من المراكز العلمية المهمة؛ لنزول عدد من الصحابة بها ،ولأهل عمان بها صلات وثيقة. رأى جابر بن زيد رجلا يصلي على ظهر الكعبة ،فقال :من المصلي لا قبلة له .فسمعه ابن عباس ،وكان في المسجد ،فقال :إن يكن في البلاد جابر بن زيد ،فهذا قوله. أيضا :اسألوا جابر بن زيد ،فلو سأله أهل المشرق والمغرب ،لوسعهموقال علمه وهو معدود من كبار علماء التابعين .ووجدت له في بطون الكتب أقوالا عديدة ،سواء ذلك في كتب الإباضية ،أو في غيرها من كتب المذاهب الأخرى. أما عدد تلاميذه الذين رووا عنه ،فبلغ ثلاث وسبعين راو يا ،عدا المجاهيل منهم ،وقد جمع من أقواله وفتاواه ما لم يجمعه غيره حتى الآن. ويعتبر مؤلف »ديوان جابر« أول كتاب ألف في الإسلام .قال  العلامة أطفيش في رسالته» :الفرق بين الإباضية والخوارج« :الإباضية اتجهوا إلى علما وعملا منذ ابتدأت الفتنة ،فاشتغلوا بالتدوين ،فكانوا أولخدمة الإسلام مائة كتاب إباضي158 دون الحديث وأقوال الصحابةدون الحديث .أما جابر بن زيد فهو أول من من في ديوانه ،ثم تلاميذه من بعده ،وهم حملة العلم في المشرق والمغرب، السبل ،وتعطيل الأحكام ،ولم يذكروالخوارج جنحوا إلى إراقة الدماء وإخافة عن أحد من الخوارج أ لف كتابا ،والذين يذكرون المؤلفات للخوارج إنما يذكرون الإباضية ،وهم دون شك يريدون بهم التشنيع .أما الصفرية والأزارقة والنجدية فلم تذكر لهم رواية ولا تدوين. ومن المؤسف أن يضيع مثل هذا الكتاب ،فلم يوفق حامله من بغداد إلى المغرب ،وهو العالم »نفاث النفوسي« إلى نشره ،والنسخة الثانية التي بمكتبة بغداد قد قضي عليها وعلى غيرها من نفائس الكتب من التتار ،فأحرقوا هذه كثيرا من المكتبة العظيمة ،جاءوا من المشرق في القرن السابع ،فاكتسحوا الممالك ،وأوقعوا الدمار بأهلها. ولو بقي هذا الكتاب لكان من أكبر المراجع للمذهب الإباضي ،ومن آثار الإمام جابر بن زيد بعض أجوبته. للعالم أن يقول للجاهل اعلم ومن قواعد الإمام جابر المشهورة قوله :ليس للعالم ارجع إلى جهليمثل علمي ،وإلا قطعت عذرك ،وليس للجاهل أن يقول العالم ،وإذا وضعفي ،وإلا قطعت عذرك ،فإذا قال العالم ذلك ،قطع االله عذر قال الجاهل ذلك قطع االله عذر الجاهل ،وقال :نظرت في أعمال البشر ،فإذا الصلاة تجهد البدن ،ولا تجهد المال ،والصيام مثل ذلك ،والحج يجهد المال والبدن ،فرأيت أن الحج أفضل من ذلك كله. وكان جابر يأتي الخوارج الذين استحلوا أموال أهل القبلة ،وسبي ذراريهم ونسائهم ،فيقول لهم :أليس قد حرم االله دماء المسلمين بدين؟ فيقولون :نعم، فيقول :وحرم االله البراءة منهم بدين؟ فيقولون :نعم ،فيقول :أو ليس قد أح ل االله دماء أهل الحرب بدين ،بعد تحريمها بدين؟ فيقولون :بلى ،فيقول :وحرم االله 159إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان ولايتهم بدين ،بعد الأمر بها بدين؟ فيقولون :نعم ،فيقول :هل أحل ما بعد هذا بدين؟ فيسكتون. وأخبار الإمام جابر كثيرة يطول شرحها ،وقد ترجم له كثير من العلماء وأثنوا عليه .إلا أن لبعضهم في مؤلفاتهم طعنات حول علاقة جابر بالإباضية ،وعلاقة الإباضية بإمامهم جابر ،فرووا عنه أنه كان يبرأ من الإباضية ،ومن أهل النهروان، ورواية تبرؤ جابر من الإباضية هو من المكابرة ولا يدري عليهم بأكثر مما ذكره الأشعري وابن أبي الحديد منهم ،أن الإباضية يعتبرون جابر بن زيد أحد أسلافهم. إن مصادر الإباضية تجمع على أن جابر بن زيد هو مؤسس المذهب الإباضي ،وإمام الإباضية بدون منازع ،وقد سجنه الحجاج ،ثم نفاه إلى عمان لعلاقته بالإباضية. أما الإمام »الربيع بن حبيب الفراهيدي« فهو الإمام المحدث الثبت خرج من عمان في طلب العلم إلى البصرة ،فأقام بها زم نا طويلا ،ف نسب إليها لطول قيامه بها ،وأدرك وهو شاب الإمام جابر بن زيد ،ثم رجع إلى عمان في آخر عمره. سمى» :الجامع وي ومن آثار الإمام الربيع كتاب» :المسند« في الحديث ، الصحيح« وهو أصح كتاب بعد كتاب االله ، 8وأكثر أحاديثه ثلاثية يرويها عن أبي عبيدة مسلم عن جابر بن زيد عن ابن عباس ،وغيره من الصحابة. وقد عاد الربيع إلى عمان في آخر عمره ،وأقام ببلده )غضفان( وبها قبره ومسجده وهما معروفان ،ولا يوجد تاريخ لوفاته ،وعلى الأرجح أن يكون قد مات بعد أن ناهز السبعين سنة؛ أي :أنه توفي سنة ثمان وسبعين ومائة. أيضا »الخليل بن أحمد الفراهيدي« صاحب كتاب:ومن علماء عمان »العين« في اللغة ،وأكثر العلماء العارفين باللغة ،وكان الخليل قد بدأ كتابه مخرجا. بحرف العين ،لأنها أقصى الحروف مائة كتاب إباضي160 والخليل هو مكتشف علم العروض ،والعروض :هو ميزان الشعر ،سمي بذلك ،لأن الشعر يعرض عليه ،فيظهر المتزن من المنكسر ،أو لأنه ناحية من العلوم ،فالعروض الناحية ،أو لأن الخليل ألهم هذا العلم بمكة ،والعروض من أسماءها. ويقال :إن الخليل اجتمع وابن المقفع ليلة بطولها يتذاكران ،ثم افترقا، فسئل الخليل عن ابن المقفع ،فقال :رأيت رجلا علمه أكثر من عقله ،وقيل لابن المقفع :كيف رأيت الخليل؟ قال :رأيت رجلا عقله أكبر من علمه. ومن أقوال الخليل :أربع تعرف بهن الآخرة :الصفح قبل الاستقالة ،وتقديم حسن الظن قبل التهمة ،والبذل قبل المساءلة ،ومخرج العذر قبل العتب. أيضا :العلوم أربعة :فعلم له أصل وفرع ،وعلم له أصل ولا فرعومن أقواله له ،وعلم له فرع ولا أصل له ،وعلم لا أصل له ولا فرع؛ فأما العلم الذي له أصل وفرع فالحساب ليس بين أحد من المخلوقين فيه خلاف ،وأما العلم الذي له أصل ولا فرع له فالنجوم ليس لها حقيقة يبلغ تأثيرها في العالم يعني: الأحكام والقضايا على الحقيقة ،وأما العلم الذي له فرع ولا أصل له فالطب أهله منه على التجارب إلى يوم القيامة ،وأما العلم الذي لا أصل له ولا فرع فالجدل ،أي الجدل بالباطل. العلامة صاحب التصانيفأما الشيخ أبو الحسن البسيوي ،فهو الفقيه  المفيدة التي تمتاز بحسن السبك ،ورقة الأسلوب ،ووضوح المعنى .من مؤلفاته كتاب» :الجامع« مطبوع في ثلاثة أجزاء .وكتاب» :المختصر« ،وكان عليه العمل، إلا ثلاث مسائل ،وهي: المسألة الأولى :في الحيض .ذكر في كتاب» :المختصر« :أن أكثره خمسة يوما ،والعمل على أن أكثره عشرة. عشر 161إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان والمسألة الثانية :عطية الزوجين بعضهما لبعض ،ذكر كتاب» :المختصر« أنه إذا أعطى أحد الزوجين صاحبه عطية فردها عليه في الصحة أو في المرض، جاز ذلك؛ والعمل :أنه إذا أراد رد عليه العطية في الصحة ثبت ذلك ،وأما رده في المرض لا يثبت. والمسألة الثالثة :وهي التي قال فيها :إذا حلف الرجل على زوجته على شيء يمنعها منه ،مما يجوز يمنعها عنه ،فعصته فيه أن لا صداق لها؛ والعمل على أن الصداق لها. العالم ومن العلماء الذين ورد الحديث عنهم في الجزء الثاني من الكتاب : مداد ،وهو من علماء النصف الأول من القرنمداد بن عبد االله بن الفقيه الشيخ  العاشر الهجري ،وله أجوبة كثيرة في الأديان والأحكام .أما وفاته فإن المشهور وموجودا. أنه حتى عام ثمانية وعشرين وتسعمائة للهجرة كان ح يا ومن العلماء الطبيب ابن هاشم العيني الرستاقي ،والأطباء من أحفاده. تخرج منه علماء جمع بعضهم بين الفقه وعلم الطب،وبيت ابن هاشم هذا فكان لهم فيه مهارة فائقة ،وشهرة واسعة ،في معرفة الأمراض وعلاجها ،فأ لفوا فيه الكتب المفيدة ،السهلة التناول ،الخالية من التكرار والتعقيد. أما الجزء الثالث من كتاب »إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان«، فهو يتناول أسماء وأخبار علماء القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر الهجريين ،أغلبهم ممن كان أيام دولة اليعاربة منذ بدايتها إلى نهايتها ،في سنة تقريبا وآخرون ممن شهدوا ابتداء دولة آل أبي سعيد بعدستين ومائة وألف انقراض اليعاربة. ففي فترة ما بين منتصف القرن العاشر الهجري ،كانت عمان في تلك الفترة غارقة في الضلال والفوضى ،وتردي الأوضاع ،والنزاع القبلي ،وعدم الاستقرار، فليس هناك روح اجتماعي متوازن ،ولا نظام شامل متماسك ،بل كان من مائة كتاب إباضي162 الحكام من يحكم بما تهواه نفسه ،مما جعل عمان في ذلك الوقت تعيش في ظروف قاسية ،وتنافس وصراع داخلي ،غير خاضعة لحاكم واحد ،وقد اقتسمها الرؤساء ،وتغلب كل أحد منهم على ناحية منها ،على حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار ،وتنافس على الرئاسة ،أشبه ما يكونون بملوك طوائف ،وهم مع ذلك غير قادرين على ضبط البلاد وحماية الرعايا .وكان ذلك من ثمرة الفرقة واختلاف الكلمة. أما من الناحية العلمية ،فقد استهل القرن الحادي عشر ،و عمان بها علماء وزهدا إلا أنهم منقمعون في بيوتهم ،لا نهي لديهموعلما فقها أجلاء ولا أمر ،لغلبة أمراء الجور ،واستبدادهم بالحكم ،لكن لم يمض الوقت طويلا، حتى ظهر العدل والأمان بعد الجور والطغيان ،وإمامهم في الدين خميس بن سعيد بن علي الشقصي الرستاقي هو والعلماء الذين وردوا في الجزء الثالث من الكتاب. والشقصي :نسبة إلى أبي الشقص ،جد لهم .والشيخ خميس من مشهوري علماء عمان في القرن الحادي عشر ،ومن المؤلفين والمتصدرين في الفتيا. جزءا ،متوسط الحجم،من مؤلفاته كتاب» :منهج الطالبين« البالغ عشرين أيضا كتاب» :منهج المريدين« اختصر فيه كتاب »منهج الطالبين«.وله والشيخ خميس هو الذي أشار على إخوانه من العلماء والأكابر بالبيعة للإمام ناصر بن مرشد ، 5لما عرف من فضله وزهده وورعه ،وكان ربيبا له، فبايعوه بالإمامة ،وصار الشيخ خميس أحد أركان دولته ،وقاضيه ،وقائد جيشه لحرب البرتغال في مسقط. ومن فقهاء النصف الثاني من القرن الحادي عشر الشيخ العالم الفقيه سليمان بن بلعرب بن محمد البوسعيدي ،وله كتاب» :زاد المسافر في الرد على من جاء بالباطل بناظر«. 163إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان يذكر الشيخ فيه أنه لما ناظره مناظر من أهل الخلاف لدين المسلمين ،أن أهل الكبائر من المؤمنين لا يخلدون في النار ،وإن ماتوا على غير توبة ،فرد عليه في كتابه» :زاد المسافر« مبطلا لما ادعاه من ذلك. وقد بدأ كتابه بالحديث عن علم التوحيد الذي هو أصل الأديان ،وحياة سببا للسعادة. الأبدان ،والطريق إلى الجنان ،الذي تعبد االله به عباده ،وجعل لهم وكان تأليفه لكتابه هذا في قرية )دبا( وهي بلدة أهل الخلاف لدين أهل أحدا من أهل مذهبه ،ولم يجد فيها كتب التوحيدالاستقامة ،ولم يجد فيها التي هي من تأليف أصحابه ،فلما ناظره هذا المناظر في هذه البلدة رجع إلى كتاب االله العزيز ،وأمعن النظر فيه ،وتذكر ما كان قد حفظه من آثار أصحابه في معنى ذلك .وقدم كتابه» :زاد المسافر«. الباب الأول منه :في الرد على من يقول :إن أهل الكبائر من المؤمنين لا يخلدون في النار وإن ماتوا على غير توبة؛ لقوله تعالىX W ﴿ : ] ﴾ \ [ Z Yالزلزلة ،[٧ :ونفس الإيمان عمل خير ،وأنه لا يمكن أن ي رى جزاؤه قبل دخوله النار؛ لأنه باطل بالإجماع ،فتعين الخروج بذلك لقوله ~ } ﴿ : 4ے ¡ ﴾ ¦ ¥ ¤ £ ¢ ]التوبة ،[٧٢ :وقوله تعالى﴾ o 1̧ ¶ μ́ 3 2 ± ° ﴿ : ]الكهف ،[١٠٧ :إلى غير ذلك من النصوص الدالة على كون المؤمنين من أهل الجنة ،وأن العبد لا يخرج بالمعصية من الإيمان ،والخلود في النار من أعظم العقوبات قد ج عل جزاء للكفر الذي هو أعظم الجنايات .فلو جوزي به غير الكافر كانت زيادة على قدر الجناية ،فلا يكون عدلا. وقد أطال الشيخ في الرد عليه. أيضا :باب في التوحيد ،وباب فيما يسع جهله وما ومن أبواب الكتاب لا يسع جهله إلى غير ذلك. مائة كتاب إباضي164 ومن العالمات :الشيخة الفقيهة الزاهدة عائشة بنت راشد بن خصيب الريامية .عاشت في القرن الثامن عشر للهجرة .ومن آرائها :أن حق المسجد من حقوق االله لا من حقوق العباد ،وأن من عليه حق للمسجد وحقوق للناس فواجب عليه فيما بينه وبين االله أن يسلم حقوق الناس قبل حق المسجد، ولا يهلك بترك حق المسجد إذا لم يجد له وفاء؛ وأما في الحكم ،فقيل :إن حقوق االله أولى ،وقيل :تتزاحم ،وقيل :حق العباد أولى. وكانت لها خزانة كتب أوقفتها ،وأوصت لها بشيء من المال لإصلاحها، وتوفيت بعد سنة ١١٤٣ه١٧٣٠/م ،وقبرها قريب من مساجد العباد ببهلي. أيضا الشيخة فرحا بنت علي بن محمد ،من ذوات العلم والمعرفة في وهناك القرن الحادي عشر ،وكان لها فتوى في تأييد إمامة الإمام بلعرب ابن سلطان. 165 ïjQÉàdG Öcƒe »a á«°VÉHE’G ) ôa©e ≈«ëj »∏Y ï«°ûdGت ١٤٠٠ه١٩٨٠/م( مراجعة :الحاج سليمان بن الحاج إبراهيم بابزيز مكتبة الضامري للنشر والتوزيع السيب سلطنة عمان ،ط،٣ ١٤٢٩ه٢٠٠٨/م. عدد الصفحات ٤٤٥ :صفحة الفهارس ١٠١ :صفحة يشتمل الكتاب على أربع حلقات متوالية ،وقد ب ين المؤلف منهجه في بداية كل حلقة .وتقع الحلقات الأربع في جزأين متواليين في مجلد واحد، حيث تجمع آراء المؤلف داعية إلى وحدة المسلمين ومحبتهم ،وتبلغ بأسلوبها ورصانتها إلى قلب كل مسلم منصف غيور ،يحرص على وحدة الأمة. العلامة الشيخ علي يحيى معمر ،ولد بقرية »تكويت«ومؤلف الكتاب هو  من ضواحي مدينة »نالوت« بجبل »نفوسة« بليبيا سنة ١٣٣٨ه الموافق ١٩١٩م، وتلقى مبادئ العلوم الدينية على يد الفقيه رمضان بن يحيى الليني أحد طلبة القطب أطفيش .كما درس على أيدي علماء عظام مختلف العلوم والفنون. ثم رحل الشيخ علي يحيى معمر إلى الجزائر عندما سمع بالحركة العلمية الإصلاحية بميزاب ،وكان يتزعمها الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض .وانتظم في مقرا له كسائر الوافدين إلى المعهد،سلك طلبة معهد الحياة ،واتخذ دار البعثة  وتلقى أغلب الدروس على الشيخ بيوض .فلما اغترف من منافع الدين والخلق والنشاط رحل إلى بلده وواصل سيرته العلمية والاجتماعية في السعي لإحياء العلى. قدما نحو أمته ،والسير بها مشاركا فعالا في مختلف أنشطة معهد الحياة ،منوكان الشيخ علي جمعيات أدبية ومسرحية ورياضية وكشفية ومدائح نبوية وغيرها. مائة كتاب إباضي166 وفي رحاب »جمعية الشباب« الأدبية تفتقت مواهبه ،وبرز نبوغه في المقالة والخطب والشعر والمحاضرة والمناظرة والمسرحية وغيرها من الأنشطة، ولا يزال المعهد يحتفظ بعدد كبير من هذه الأعمال. وللشيخ علي جهود إصلاحية في مجالات متعددة ،من هذه المجالات: ١ مجال التعليم أ معهد الحياة :قضى ثلاث سنوات متفر غا للعلم وتحصيله ،فلما أحدثت تطويرا في مناهجه ونظمه ،أسندت أغلب الدروس إلىإدارة معهد الحياة معلمين آخرين غير الشيخ بيوض ،حيث أسند إلى الشيخ علي يحيى تدريس المواد الأدبية واللغوية. معلما ،وسعى إلى بناء وتأسيس مدرسةب وفي ليبيا :ابتدأ سيرته التعليمية وأخيرا معهدا للمعلمين .ثم عين رئيسا للتوجيه الفني،ابتدائية ،كما أنشأ استقر به المقام في العاصمة طرابلس حيث عمل على متابعة المناهج والكتب المدرسية المعتمدة. ٢ في المجال الثقافي تجسد نشاطه في أعمال ميدانية كثيرة ،منها :إنشاء بعض المجلات مثل »البراع« ،وطبع بعض الكتب والرسائل ،وقد ساهم الشيخ بمقالات عدة دينية وأدبية واجتماعية في عدد من المجلات ،منها» :المسلمون« ،و»الأزهر«، و»الرسالة« ،و»الأسبوع السياسي« و»المعلم« ،وغيرها. آثارا علمية كثيرة ومتنوعة في شتى المجالات؛ كالعقيدةوقد خلف الشيخ كتبا وبحوثا( ورسائل ومقالات وتعليقاتوشعرا ، )نثرا والفقه والتاريخ والآداب على مصنفات منها المخطوط والمطبوع ،نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر: 167الإباضية في موكب التاريخ ١ الإباضية في موكب التاريخ )وهذا ما يتم عرضه هنا(. ٢ الإباضية بين الفرق الإسلامية )مطبوع(. ٣ سمر أسرة مسلمة )مطبوع(. ٤ الأقانيم الثلاثة )آلهة من الحلوى( )مطبوع(. ٥ بحث في حكم التدخين )مطبوع(. ٦ أحكام السفر في الإسلام )مطبوع(. ٧ الميثاق الغليظ. ٨ الفتاة الليبية ومشاكل الحياة )مطبوع(. ٩ أحكام صلاة الجمعة. ١٠ فلسطين بين المهاجرين والأنصار. ١١ الإسلام والقيم الإنسانية. ١٢ رسالة »الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر«. ١٣ رسالة »الحقوق في الأموال«. ١٤ بحث بعنوان» :الإباضية مذهب من المذاهب الإسلامية المعتدلة« )مطبوع(. ١٥ مناقشة لمذكرة بعنوان »في بيوت االله مع القرآن والدعاة«. وقد توفي الشيخ علي يحيى معمر صبيحة يوم الثلاثاء ٢٧صفر ١٤٠٠ه/ ١٥يناير ١٩٨٠م. عنوان الحلقة الأولى» :نشأة المذهب الإباضي« :يقدم فيها المؤلف لمحة مذهبا سريا ،وليست قصيرة عن الإباضية يذكر فيها أن المذهب الإباضي ليس أصوله التي ينبني عليها خافية أو مجهولة ،وليس أتباعه مما يستترون أو يختفون ،فهم لا يقيمون لغير االله وز نا في هذا الوجود ،ولا ينتظرون من أعمالهم جزاء من غير االله ،ولا يبتغون في تصرفاتهم غير الحق. مائة كتاب إباضي168 إنه مذهب ملأ الدنيا ح قا وعدلا واستقامة ،وضرب المثل الأعلى في النزاهة والإنصاف في أدوار من التاريخ ،إن المذهب الإباضي يستمد قوته من الإسلام الذي اختاره الخالق ليكون دين البشرية جمعاء ،كما جاء به محمد ژ ،لم ينحرف به عن صراط االله السوي بلا غلو ولا تفريط ،ولم تنتشر فيه الخرافات التي يبثها مشايخ طرق يتصيدون بها الدنيا عن طريق الدين ،ولم يتجمد بتحكم فقهاء على العقول والمدارك ،فيمنعون الاجتهاد ،ويقتصرون على عصر أو ناس لا يحق لغيرهم أن يصلوا إليه ،وتعطل العلوم والأفهام فلا تعطي حق الحرية في البحث والتنقيب وإعطاء الأحكام بدعوى أن الاجتهاد أغلقت أبوابه ،واحتفظ الفقهاء الجامدون بالمفاتيح في مخبأ سري لا يهتدي إليه المتأخرون. إن المذهب الإباضي كما سبق وأشار المؤلف يستمد قوته من الإسلام نفسه ،لأنه يحتفظ بصفاء النبع الذي يصدر منه .وعندما يثوب المسلمون إلى نظيفا من الخرافة ، نظيفا مننظيفا من البدعة : رشدهم ،ويعودون إلى دين ربهم نظيفا من الأباطيل التي ألصقها جهل الإنسان بدين نظيفا من الجمود،الغلو، االله القويم ،عند ذلك يجد المسلمون أنفسهم على الإسلام الحق ،الذي لا تزال إماما كما هذه الطائفة التي سماها التاريخ فرقة الإباضية ،وأصر أن يجعل لهم لغيرهم من الفرق أئمة ،ولو أن إمامهم الحق الذي لا يهتدون بغير هديه، ولا يقلدون سواه ،إنما هو محمد بن عبد االله ،ليس لغيره حق الإمامة إلا بالأسوة للسنة الحميدة القويمة ،والإيمان المطلق بأن هديالحسنة ،والتتبع  رسول االله ژ في القول والعمل هو الهدي الذي أمر االله أمة محمد أن يكونوا عليه ،وإذا جارى الإباضية المؤرخين ،وانتسبوا إلى عبد االله بن إباض ،واتخذوا اسما كما لسائر الفرق أسماء ،فلا يعني ذلك أنهم يقلدون الرجال ،ويقدمونلهم أقوالهم ،ويتبعونهم اتبا عا أعمى ،ويرفعون أولئك الرجال إلى مراتب الكمال، وإنما يحرصون أن لا يأخذوا دينهم إلا على من توفرت لهم فيه الثقة والأمانة في دين االله :الأمانة في القول ،والأمانة في العمل. 169الإباضية في موكب التاريخ والإباضية لا يقدمون الرجال ،ولا يجعلونهم علامة على الحق ،ولا يوجبون تقليد غير المعصوم ،ولا يتبعونهم ما لم يثبت الدليل الشرعي صواب مسلكهم، أو يرد النص بأنهم على هدي محمد ژ كما شهد الحديث الشريف لعمار 3 ولبعض الصحابة رضوان االله عليهم. قال فخر المجتهدين قطب الأئمة محمد بن يوسف أطفيش في رده على العقبي» :وإن أردت أنهم مهملون لا إمام لهم فقد سهوت ،فإن إمامهم النبي ژ «. بسنة النبي ژ ولن يعظم في نظر الإباضية إلا المؤمن الذي يستمسك ويسلك المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها ،ومهما بلغ الرجل من العلم ومتروكا غير م ن قال فيه الكتاب الكريم+ ﴿ : والعمل فإن في مقاله مأخو ذا ] ﴾ 4 3 2 1 0 ❁ . - ,النجمÆ Å Ä Ã Â Á ﴿ ،[٤ - ٣ : ] ﴾ È Çلأحزاب.[٢١ : بهذه النظرة الواقعية ينظر الإباضية إلى أئمتهم ،فهم بشر غير معصومين، تحتمل أقوالهم وأعمالهم الخطأ والغفلة والنسيان؛ ولذلك فما يصح تقليدهم لأفعالهم أو لأقوالهم ،وإنما يؤخذ عنهم تلك الأقوال ،ويقتدى بهاتيك الأفعال حين يقيمون على صحتها وصوابها الدليل الذي لا يقبل التأويل ،فاتباعهم في تقليدا لهم ،ولا اتبا عا لرأيهم ،وإنما هو اتباع لمن يتبعون ،وتقليد قول ليس لمن به يقتدون ،وبهديه يهتدون ،وإلى حكمه يرجعون. وهذا الكتاب يعنى أولا بالشئون التاريخية لهذه الفرقة من فرق المسلمين ثانيا في مختلف أوطانها ،ولم يكنالكثيرة المنتشرة في العالم ،ويعنى بها الباعث على وضع هذا الكتاب غير الكشف عن جوانب مشرقة من تاريخ الأمة الإسلامية ،في طائفة من طوائفها المتعددة ،وفي ركن من أركان وطنها الفسيح. ويشير المؤلف أنه حين يكتب عن فرقة الإباضية أو عن غيرها من فرق مائة كتاب إباضي170 المسلمين ،لا يقصد الدعاية لها ،ولا التنقيص من غيرها ،لأنه يؤمن أن هذه الطوائف هي جوانب من الأمة كما يؤمن أن في الفرق الأخرى مثل ما عند هذه تتكون من أيضا أن هذه الأمة الإسلامية ،وهيالفرقة من أمجاد ،ثم هو يؤمن يتكون من تلكهذه الفرق من عباقرة الرجال ،وفي الوطن الإسلامي ،وهو الأماكن من التربة الخصبة التي تنبت المجد والعظمة. وإذا كان قد كتب على الأمة الإسلامية في كثير من أدوار التاريخ أن تنقسم إلى طوائف دينية مختلفة بعض الاختلاف ،ويرى المؤلف أن تلك الطوائف وإعلاما تنطلق إلى غاية واحدة ،وإن تعددت بها السبل ،وأن لكل منها عباقرة أجل الخدمات. قدموا للإسلام من جهة وللبشرية من جهة أخرى وفي هذه الحلقة الأولى يطرح المؤلف تساؤلا :هل الإباضية فرقة من الخوارج؟ وما معنى الخوارج؟ ويحدد المؤلف معنى كلمة »الخوارج« بأن بعض المؤرخين كان يطلق كلمة »الخوارج« على أولئك الناس الذين اعتزلوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عندما قبل التحكيم ورضي به؛ لأنهم في نظر هؤلاء نقضوا بيعة في أعناقهم ،وخرجوا عن إمامة مشروعة. ويطلقها فريق من المتكلمين في أصول العقائد والديانات ،وهم يقصدون بها الخروج من الدين ،وفريق آخر يطلقها ويقصد بها الجهاد في سبيل االله استنادا إلى قوله تعالىà  Á À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ﴿ : ] ﴾ Í Ì Ë Ê ÉÈ Ç Æ Å Äالنساء.[١٠٠ : ويرى المؤلف أنه إذا أباح بعض المؤرخين لأنفسهم أن يطلقوا كلمة الخوارج على هذه الطائفة فإنه يحق له أن يتريث ويتثبت حتى يستبين له طريق الصواب. 171الإباضية في موكب التاريخ وقد كان الأمويون والشيعة يحاولون بكل ما استطاعوا أن يلصقوا هذا اللقب ،لقب الخوارج ،بعد أن فسر بالخروج من الدين بهؤلاء الثائرين الذين ينادون في إصرار وشدة بالمبادئ العادلة في الخلافة ،وكان الشيعة يحاولون علي ،كما كان غيرهم من الطامعين بما أوتوا من براعة أن يحصروها في بيت فيها يشترط لها الهاشمية أو القرشية ،حسب المصلحة السياسية لأصحاب الآراء في ذلك الحين. فلو كان المقصود من كلمة الخوارج ،هو الخروج السياسي عن خليفة تمت له البيعة الشرعية لكان إطلاق هذه الكلمة على طلحة والزبير ،أو على معاوية وأتباعه ،أو على الثائرين على عثمان .أما إذا لوحظ المعنى السياسي مع المعنى الديني ،فإنه لا يمكن إطلاق هذه الكلمة عليهم ،كما أنه من العسير إطلاقها لعلي. على المعتزلين إن كلمة الخوارج أطلقها بعض المؤرخين على أتباع عبد االله بن وهب الراسبي إطلاقا تاريخ يا وأدب يا ،بحيث لا تنصرف إلى غيرهم .وليس في هذا كبير بحث ،فإن إطلاق اسم على مجموعة من الناس ليس بذي أهمية. أما إذا روعي فيه مدلول ديني فإنه يحسن بنا أن نتريث قبل أن نطلق هذا الحكم الرهيب الذي يسلطه التاريخ المغرض على رؤوس بعض الطوائف الإسلامية في قساوة وغلظة. وتحت عنوان» :الخوارج في نظر الإباضية« ..من هم الخوارج في نظر الإباضية؟ يشير المؤلف إلى أن الإباضية ترى أن إطلاق كلمة »الخوارج« على فرقة من فرق الإسلام لا يلاحظ فيه المعنى السياسي الثوري؛ ولذلك فهم لم يطلقوا هذه الكلمة على قتلة عثمان ولا على طلحة والزبير وأتباعهما ،ولا على معاوية وجيشه ،وإنما كل ما يلاحظونه إنما هو المعنى الذي يتضمنه حديث »المروق« في صيغه المختلفة. مائة كتاب إباضي172 والخروج عن الإسلام يكون :إما بإنكار الثابت القطعي من أحكامه ،أو بالعمل بما يخالف المقطوع به من نصوص أحكام الإسلام ديانة ،فيكون هذا العمل في قوة الإنكار والرد. وأقرب الفرق الإسلامية إلى هذا المعنى هم »الأزارقة« ومن ذهب مذهبهم ممن يستحل دماء المسلمين وأموالهم ،وسبى نسائهم وأموالهم .يقول  العلامة أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم في كتابه »الدليل والبرهان«» :وزلة الخوارج نافع بن الأزرق وذويه حين تأولوا قول االله تعالى﴾ e d c b ﴿ : ]الأنعام .[١٢١ :وقال في موضع آخر من نفس الكتاب» :وأما المارقة فقد زعموا أن من عصى االله تعالى في صغير من الذنوب أو كبير أشرك باالله العظيم«. هذا رأي الإباضية الصريح الواضح في الخوارج ،وهو يتلاقى مع رأي الجمهور في التسمية ،ويختلف في التعليل ،فالأزارقة خوارج؛ لأنهم أخطأوا في تأويل آيات الكتاب ،وأدى عملهم بهذا الخطأ إلى رد آيات وإبطال أحكام، وليسوا خوارج ،لأنهم انفصلوا عن علي بن أبي طالب بعد التحكيم ،أو لأنهم ثاروا على الأمويين. إن رأي الإباضية لا يقيم أي وزن للناحية الثورية في إطلاق كلمة الخوارج، ولكنهم يعللونها التعليل الديني المعقول ،فكلمة الخوارج لا تطلق إلا على أولئك الذين خرجوا من الدين ..أما الخروج عن إمام والثورة عليه مهما كانت خروجا من الدين، أسباب تلك الثورة وذلك الخروج لا يمكن أن يعتبر ولا يصح أن يطلق على القائمين به. إن هذا الاسم في نظر الإباضية لا علاقة له بالثورة ،أو الخروج عن أي إمام ،ولا يطلق بحال على جميع الذين اعتزلوا عل يا ،وإنما يطلق على الفرق التي تأولت آيات من كتاب االله فأخطأت التأويل ،وأفضى بها سوء الفهم والتصرف إلى إنكار أو رد بعض أحكام الإسلام القطعية ،ولو من الناحية 173الإباضية في موكب التاريخ العملية ،فخرجوا بذلك عن الإسلام ،وانطبق عليهم حديث رسول االله ژ ،فهم خوارج بالعقيدة والعمل ،لا بالثورة. ويختم المؤلف هذا الأمر بأن الإباضية ليسوا من الخوارج ،حيث إن لهم رأيهم الصريح في الخوارج ،وحكمهم عليهم ،وتعليلهم لذلك الحكم. وعنوان الحلقة الثانية» :الإباضية في ليبيا« :ويتحدث المؤلف في هذه الحلقة عن هؤلاء الناس الذين يسكنون الجزء الواقع بين مصر وتونس من الوطن الإسلامي ،هذا الجزء الذي يسميه الناس اليوم »ليبيا« وما ليبيا ومصر وتونس والمغرب وباكستان وتركيا وغيرها مما يقع بينها ..أو حولها إلا وطن واحد لأمة واحدة ،تنتشر على أغلب ثلاث قارات ،في عظمة وشموخ. كتابا في التاريخ ،يعنى ولا يهدف المؤلف من هذا العرض أن يقدم بتسلسل الحوادث وترابطها ،وإنما يقدم صورة من حياة الأمة المسلمة في أدوار كثيرة من التاريخ انتزعها من سيرة الفرد العادي ،ومن حياة المجتمع الهادئ في بعض الأحيان ،وأخذها من مواطن النضال ،وميادين القتال في بعض الأحيان الأخرى ،وكل ما يرجوه المؤلف من القارئ ،والذي يهدف إليه كتابه: أن تذوب الفوارق بين الأمة ،وأن ترجع هذه الأمة إلى كرامة الإنسان ،وأن تعلق أواصرها باالله ،فإن العزة الله ولرسوله وللمؤمنين. وتقدم هذه الحلقة صورة لارتباط الدولة بالأمة ،وصورة لتماسك الأمة المسلمة في وطنها الواسع رغم الخلافات السياسية والمذهبية ،وصورة مصغرة لدخول المذهب الإباضي إلى ليبيا على يد دعاته الأولين ،وصورة للمذهب الإباضي وهو يقود الأمة الليبية بنظام الإمامة الكبرى المستقلة عن أية تبعية، وصورة للمذهب الإباضي يرعى الأمة الليبية بقيادة عمال ليبيين يتبعون الإمامة الرستيمة ،وصورة للمذهب الإباضي عن الأمة ،بقيادة أمراء يختارهم مستقلين بأنفسهم. مائة كتاب إباضي174 هذه الملاح هي التي يعرضها المؤلف في القسم الأول من هذه الحلقة ،أما في القسم الثاني فنجد الصور الآتية: صورة للكفاح العلمي بعد الفتح الإسلامي ،بإلقاء الدروس ،ونشر المعرفة الإسلامية ،وتأسيس المدارس ،وتكوين البعثات العلمية. صورة لازدهار المعارف الإسلامية ،ونظم التعليم ،وطرق التربية التي وضعت لتكوين أجيال من المؤمنين المعدين لحمل الرسالة الإسلامية. صورة للمنطقة التي عاش فيها المذهب الإباضي ،ولا يزال يعيش منذ تكونت له الإمارات الخاصة به. صورة للمرأة في المجتمع الإباضي. صورة لأحداث تاريخية مشابهة. صورة للمؤرخين المتعصبين الذين تتحكم فيهم رواسب من الدعاية المغرضة. صورة للمجتمع المسلم النظيف. هذه صور تشتمل عليها الحلقة الثانية من الكتاب في قسميها. ويشير المؤلف إلى ملاحظة مهمة ،وهو أنه قد تجاوز في استعمال كلمة ليبيا في كثير من مواضع الكتاب ،وأنه يعني أغلب إقليم فران ،وأغلب إقليم طرابلس ،فإن »برقة« لم تكن في يوم من الأيام تابعة للحكم الإباضي ،لا في دور الإمامات التي تكونت في طرابلس ،ولا في دور تبعيتها للدولة الرستمية، غالبا في بعض جهات من جبلولا في دور الحكومات المحلية التي كان نفوسة ،أو بعض جهات فزان. ويتناول القسم الثاني من هذه الحلقة الثانية صورة الإباضية خلال عشرة تقريبا ،وذلك منذ دخول المذهب الإباضي إلى ليبيا في أوائل القرنقرون الثاني الهجري إلى دخول ليبيا تحت الخلافة العثمانية. 175الإباضية في موكب التاريخ وقد حاول المؤلف أن يقدم في هذا القسم صورة للفرد والمجتمع الإباضي في هذه القرون الطويلة ،فهذا الكتاب نواة لدراسة اجتماعية ،كما أنه بداية صورا للمنطقة التي عمرها الإباضية من قديم، لمحاولة تاريخية ، وقدم ولا يزالون يعمرونها أو يعمرون بعضها ،حتى يتم فهم الرباط الذي يمسك هذا المجتمع المتماسك ،والذي استعصى على قوى جميع الجيوش والدولة والملك. الساعية وراء التوسع فمرت تلك الدولة واحدة إثر أخرى تملك كل ما يجاور ذلك الجبل، ويستعصي هو عليها ،فلا تنال منه منالا إلا غارات تصيب منها دماء أو أموالا، أشجارا وغلالا ،وبقي هذا الجبل يعيش على النظام وإلا عدوا نا تحرق فيه الذي اختاره لنفسه حتى دخلت الخلافة العثمانية إلى ليبيا ،فدخل تحت جناحها وأوى إلى ركنها ،ورضي أن يخضع لسلطانها وحمايتها. أما الحلقة الثالثة فهي بعنوان» :الإباضية في تونس« :وفي هذه الحلقة يصف صورا عن حياة الإباضية منذ الفتح الإسلامي إلى الاحتلال الفرنسيالمؤلف للقطر التونسي ،وعندما يتحدث عن هذه الطائفة من المسلمين في هذا القطر أبدا أن هذه الطائفة قدمت في خدمة دين االله ما لممن بلاد الإسلام لا يدعي أبدا أن هذا القطر قد اختص بأمجاد تقدمه غيرها من الطوائف ،ولا يزعم إسلامية ليس لها مثيل أو شبيه في غيره من البلاد؛ ذلك أن الأمة الإسلامية أمة واحدة بجميع طوائفها ،والوطن الإسلامي وطن واحد بجميع أجزائه ،وما يقوم به الفرد أو الفرقة من المسلمين فإنما هو راجع إلى مجد الأمة الكبرى ،وما يحدث في بلد من بلاد الإسلام رغم انقساماته السياسية فإنما هو حدث في الوطن الإسلامي الكبير. كما تحدث المؤلف عن تاريخ القيروان الطويل الحافل المجيد ،إن دخول المذهب الإباضي فيه كان لفترة قصيرة ،فلقد كانت القيروان من المدن التي مائة كتاب إباضي176 استقر فيها الحكم للإباضية في فترتين تاريخيتين ،كما أن هذه المدينة العظيمة كثيرا من الفحول،مقرا لكثير من علماء الإباضية ،وأنجبت بضواحيها كانت  وتولى فيها التدريس والفتوى أعلام منهم. ففي مطلع القرن الثاني الهجري بدأ المذهب الإباضي ينتشر بسرعة في تونس كما انتشر في مصر وليبيا وبقية المغرب ،وأهم سبب لانتشاره أن أتباعه والدعاة إليه حافظوا على صفاء الرسالة الإسلامية ،فلم ينحرف عن النهج القويم الذي عرفه الناس لرسول االله ژ ولخلفائه الراشدين ،لم تلتصق به البدع الدخيلة، ولم يشنه ظلم الطغاة من الولاة ،فكانت المبادئ التي يدعو إليها هي المبادئ السمحاء الكريمة التي يدعو إليها الإسلام منذ كان محمد ژ ،وكانت السيرة التي يسير عليها ولاته هي السيرة التي حافظ عليها المهتدون من خلفائه . 1 ولقد كان للداعية المسلم الكبير سلمة بن سعد أثر كبير في نشر هذه الدعوة ،ويظهر أن الداعية العظيم اختار لمسيره في نشر الدعوة طريقا وس طا في بلدان المغرب الشاسعة ،فلم يكن طريقا في الصحراء ،كما لم يكن في الشريط الساحلي ،حتى لا يصطدم بأعوان الدول الظالمة التي كانت تسيطر على تلك الجهات ،فيتعرض لمصاعب قد تعوقه عن القيام بمهمته ،كما أنه تجنب الطرق الصحراوية لما يتعرض له من مشاق قطع الصحارى الواسعة واجتياز أخطارها دون أن يكون له ما يساعده على ذلك من رفقة. ولقد كانت المهمة الأولى التي يريد أن يعلمها للناس هي أن يقرر في أذهانهم الصورة الصحيحة للإسلام ،الصورة الصحيحة في الإيمان والعبادة والمعاملة ،ذلك أن الناس تلقوا الرسالة الإسلامية من كتاب االله ،ومن سنة رسول االله ژ ومن سيرة أصحابه فآمنوا بها ،واطمأنوا إليها ،ووثقوا بها ،بعد أن رأى الناس الصورة العملية عند كثير ممن يحكم باسم الإسلام بعيدة عما عرفوه من الإسلام. 177الإباضية في موكب التاريخ وقد استطاع سلمة بن سعد أن يقنع الناس أن نظام الإسلام ليس هو هذا النظام الذي يقوم عليه الولاة الظالمون ،ومن يسير في ركابهم من قادة وجنود وأتباع ممن يفرق كلمة المسلمين ويبث الشقاق بينهم ،ويحكم على مخالفيهم بأحكام المشركين ،فيستبيح منهم ما يستباح من أعداء االله ،وإنما هو في الإيمان الذي يمتلئ به قلب المؤمن ،فتستجيب له جوارحه ،ولا تغلبه نفس أمارة بالسوء. واستجاب الناس لهذه الدعوة الصافية الخالصة ،وكان سلمة ينتقل بين المدن والقرى يوضح للناس تشريع الإسلام في إعداد فرص الحياة ونظامه في الحكم ،ومساواته بين الناس من جميع الأجناس. فهما لهذه الدعوة وتعلقا بها، ولعل السكان في القطر التونسي كانوا أكثر واستجابة لها في ذلك الحين؛ ولذلك فقد كونوا بعثة علمية إلى البصرة لتتم دراستها في مركز من مراكز الإشعاع الإسلامي .وسافر الطالبان النجيبان عبد الرحمن بن رستم من القيروان ،وأبو داود من قبلى ليغترفا العلم من شيخ الإباضية بالعراق إلى عبيدة مسلم بن أبي كريمة. ولقد درس الطالبان على يد الإمام الكبير خمس سنوات كاملة ،ثم رجعا مع زملاء لهم ،فقام عبد الرحمن بكفاح سياسي بدأه في ليبيا ،ثم انتقل به إلى تونس ،ثم انتقل به إلى الجزائر ،حيث أسس الدولة الرستمية الشهيرة ،أما أبو داود فقد انقطع عن الكفاح السياسي والعسكري إلى الكفاح العلمي والإصلاح الديني ،وكان لكفاحه هذا أكبر الأثر في تكوين جيل مثقف ثقافة إسلامية صحيحة ،حريص على المحافظة على دين االله كما جاء عن رسول االله ژ . ويقسم المؤلف تاريخ جربة في العهد الإسلامي إلى عدد من الفترات، تمتاز كل منها بخصائص واتجاهات ،هذه الفترات هي: مائة كتاب إباضي178 ١ الفترة الأولى :من الفتح الإسلامي سنة ٤٧ه إلى سنة ٣٠٠ه. ٢ الفترة الثانية :من سنة ٣١١ه إلى سنة ٤٣١ه. ٣ الفترة الثالثة :من سنة ٤٣١ه إلى سنة ٥٢٩ه. ٤ الفترة الرابعة :من سنة ٥٢٩ه إلى سنة ٩٦٠ه. ٥ الفترة الخامسة :من سنة ٩٦٠ه إلى سنة ١٢٩٨ه. ٦ الفترة السادسة :من سنة ١٢٩٨ه إلى استقلال تونس. ٧ الفترة السابعة :تبدأ من استقلال تونس. ويجمل المؤلف الفترات الثلاث الأولى في عهد واحد ،هو عهد الاستقلال ،والفترة الرابعة داخلة في عهد الجهاد في سبيل االله ،والفترة الخامسة داخلة في عهد الانضمام إلى الجامعة الإسلامية ،أما الفترة السادسة فهي عهد الاستعمار البغيض ،أما الفترة السابعة فهي عهد الاستقلال. ويعرض المؤلف خصائص الفترة الأولى في الملامح الآتية: ١ لم يقع فيها ارتداد عن الإسلام كما وقع في أكثر الجهات المجاورة لها. ٢ لم تنضم إلى فريق من الفرق المتحاربة. ٣ حرصت على أن تباشر شؤونها بنفسها تحت رعاية شيوخ العلم ،ولم تحاول أن تنضم إلى دولة قائمة ،أو تعلن ميلاد دولة قبل انضمامها إلى الإمامة الرستمية. ٤ عكفت على نشر العلم. كانت هذه الفترة في حياة جربة فترة استقرار وهدوء وسلام. وفي الفترة الثانية يوضح المؤلف من الأمور ما يأتي: ١ تعرض أهل جربة لما كان يتعرض له غيرهم من ويلات الحروب. تكون فيهم بسبب العدوان عليهم استعداد للدفاع ،وللقيام بالثورات على٢ الحكم الظالم. 179الإباضية في موكب التاريخ تكون قوة بحرية ضاربة.٣ تكون استعداد حربي داخل الجزيرة.٤ ٥ استقلال جربة عن الدول القائمة ،وحرصها على ذلك الاستقلال. كانت هذه الفترة من حياة جربة فترة فيها خروج عن المألوف من حياة الإباضية واستمساكهم بدين االله ،وحرصهم على ذلك ،وفيها اعتزاز واعتداد بالقوة ،وفيها محاولة لإظهار التسلط ،ولكن في آخر الفترة تغلب دعاة الحق وملتزمو الاستقامة على العامة والدهماء ،واستطاعوا أن يرجعوا بهم إلى المنهج وهروبا من الظلم يقع منهم أو عليهم، ابتعادا عن الفتنة ودعاتها، الإسلامي وحرصا على أحكام الإسلام في الجزيرة. وتحت عنوان» :كفاح التعصب المذهبي« يشير المؤلف إلى أنه منذ النصف الثاني للقرن الأول اختلفت آراء بعض علماء المسلمين في بعض أصول العقائد ،وفي كثير من الفروع ،وتكونت بناء على هذا الاختلاف في فهم والسنة فرق وطوائف ،تتمسك كل واحدة بما اقتنعت بهنصوص الكتاب وحسبته أصح؛ لأنه فيما نرى يستند إلى البراهين القطعية المعتمدة على أصول الشريعة ،وكان الخلاف في مبدأ الأمر علم يا فلسف يا ،يدور بين طبقة مخصوصة من كبار التابعين ومن جاء بعدهم ،ولكن سرعان ما استغلته السياسة من جهة والأيدي المحاربة للإسلام في خفاء من جهة أخرى ،كما استغلته المطامع الشخصية ،وعمل على تقويته وإظهاره في مظهر العنف والشدة ما يتحلى به بعض من ينتمي إلى العلم من تعصب مبني على ضيق الأفق ،والفهم السطحي، والتحجر الفكري. جميعا بقصد أو بدون قصد على توسيع الخلافوتعاونت هذه العوامل بين الأمة ،وإذكاء نار الفتنة بين طوائفها وفرقها ،وتمكنت بعض تلك العوامل أن تستغل هذا الخلاف لأغراضها الخاصة؛ كالهيمنة على الدولة ،والتسلط على مائة كتاب إباضي180 الحكم ،أو الانتقام من بعض الطوائف والأفراد ،أو إدخال بدع في الدين بقصد إفساده ،إلى غير ذلك من الدواعي والأسباب ،وكلما امتد الزمن ازداد الناس عدا عن الدين ،وعن فهمه والعمل به ،فازدادوا عمقا في الخلاف وإيغالا فيه،ب حتى جاءت أزمنة كان يحسب فيها المتفقهون الجامدون إنزال العقوبة بمن يخالفهم في المذهب قربة يتقرب بها إلى االله تعالى. من المواضيع التي تناولها البحث والنقاش في القرن الأول من عصر الدولة الأموية موضوع الدولة الظالمة الجائرة ،هل يجب على الأمة إذا تولى أمرها إمام جائر لا يتقيد بأحكام االله أن تضرب على يده وتطالبه بالعدل أو العزل؟ وإذا امتنع عليها هل يحق لها الخروج عليه وقتاله وقتله إذا اقتضى الأمر؟ وأصبحت هذه الآراء فيما بعد آراء للمذاهب الإسلامية ،كل مذهب يرجح رأ يا منها ،ويذهب في تعليله والتدليل عليه بنفس الحرص والقوة التي يدلل بها على غير ذلك من آراء المذهب. وعنوان الحلقة الرابعة» :الإباضية في الجزائر« :ويتحدث المؤلف في هذه الحلقة عن الإباضية في الجزائر ،سالك ا نفس المسلك الذي سلكه من قبل، وقد قسم المؤلف هذه الحلقة إلى خمسة أبواب: ففي الباب الأول :يعرض المؤلف مجموعة من الصور عن الدولة الرستمية مشهدا عا ما في إطار واحد يبرز تلك الدولة وأسلوب حياتها ،كما كون لها ت  يبرز سيرة وأسلوب حياة الإباضية في تلك الفترة. وفي الباب الثاني :يعرض المؤلف مجموعة من الشخصيات العلمية مشهدا عا ما في إطار واحد لحياة والاجتماعية ،ونماذج من نشاطهم ليعطي علمية واجتماعية استمرت مترابطة عشرة قرون أو تزيد ينبني بعضها على بعض. وفي الباب الثالث :يقدم المؤلف مجموعة من صور مختلفة تصور جوانب 181الإباضية في موكب التاريخ مختلفة يضعها تحت إطار واحد ينتقل فيها النظر بين مشهد ومشهد ،وهي بالنظرة المجزأة تبرز مناظر متعددة ومنفردة ،ولكنها بالنظرة الفاحصة الكلية تبدو منسجمة مع الصور الكاملة التي وضع من أجلها الكتاب. وفي الباب الرابع :يتحدث المؤلف عن عدد من المدن التي كانت أو لا تزال عامرة بالإباضية محاولا أن يعرض صور قريبة من الحقيقة لتلك الحياة الزاخرة بما فيها من مرارة أحيا نا وإشراق وهناء أحيا نا أخرى. وفي الباب الخامس :يورد المؤلف مجموعة من الملاحظات عن بعض أنواع سلوك المجتمع الإباضي في جانب من جوانب الحياة ،أو في فترة من تاريخهم بالجزائر. ويذكر المؤلف أن المذهب الإباضي دخل الجزائر في أواخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني مع تلاميذ الإمام جابر بن زيد نفسه ،ومنهم سلمة بن سعد يكون بعثة علمية في الذي طاف جميع بلاد المغرب الإسلامي ،واستطاع أن المغربين :الأدنى ،والأوسط تحمل العلم من العراق ،وتسير به مع الشمس. ويرى المؤلف أن الإباضية هي الإسلام ،حافظ عليه من تسموا بهذا الاسم، مهما انحرف منحرفون عن الإسلام إما بالقول وإما بالعمل ،وإما بالعقيدة ،وإما جميعا ،وقف أولئك الناس يردون ما يراد إدخاله إلى دين االله من الأباطيل،بها فصورتهم السياسية الماكرة بصورة حزب أو مذهب أو كتلة أو ما شئت من أسماء، وحاولت أن تجعلهم حركة منفصلة قائمة بنفسها ،بينما هي في الواقع ما زالت تلك الاندفاعة المشرقة الأولى التي جاءت تحمل دين االله كما بلغه رسول االله ژ . وقد استمر الإباضية إلا النزر اليسير على المنهاج الإسلامي النظيف يحافظون عليه في أنفسهم ويأملون من غيرهم أن يحافظوا عليه ،ويدعون أولياء الأمر ممن في أيديهم شئون الأمة أن يراعوا حق االله فيها ،وأن يؤدوا الأمانة التي جعلها االله في أعناقهم كما أرادها االله. مائة كتاب إباضي182 ويعتبر المؤلف أن مسلك الإباضية في الجزائر سار على منهجين واضحين: الأول :استمساكهم بالواضح من دين االله ،والعمل به والحرص عليه ،والتزام سيره وآدابه في تشدد يبلغ الجمود أحيا نا ،ودعوة المسلمين إلى تلك المحافظة، ومطالبة القائمين على الحكم منهم ومن غيرهم ،بمراعاة شريعة االله فيما يفعلون وفيما يذرون. الثاني :الحرص على الجهاد المقدس ،والكفاح في سبيل االله ،سواء كان ذلك الجهاد لتأمين الدعوة في البلاد التي يفتحها المسلمون ،أو في الدفاع عن البلاد الإسلامية التي يحاربها المشركون. والشواهد على هذين الاتجاهين في تاريخ الإباضية كثيرة ومتعددة ،ولعل مسلك الأمة في هذين الاتجاهين هي الصورة التي نجدها للأمة المسلمة عندما بدأ الانحراف عن سبيل االله .فبينما كانت جنود منها توالي الفتوح إلى الشرق والغرب لتأمين الدعوة ،كانت أصوات كبار الصحابة والتابعين تنتقد الانحراف عن دين االله ،وتطالب بالرجوع إلى ما عرف من سيرة المؤمنين الصادقين. فإذا كان الإباضية يستمسكون بدين االله كما عرف عن رسول االله ژ ،وكانوا يسيرون بسيرة خير القرون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر داخل أمة الإجابة ،ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم في سبيل االله لتبليغ رسالة االله ،فإن تاريخ دخولهم إلى الجزائر يكون هو تاريخ دخول الإسلام إليها. وعلى هذا فيكون دخول المذهب الإباضي إلى الجزائر ما بين الخمسين والستين من الهجرة ،وهو التاريخ الذي بدأت فيه الفتوح الإسلامية الدخول إلى الجزائر. 183 ¢Vƒ«H ï«°ûdG ΩÉeE’G ihÉàa ) ¢Vƒ«H ôaY øH o«gGôHEG ï«°ûdGت ١٤٠١ه١٩٨١/م( ترتيب وتقديم وتخريج :بكير محمد الشيخ بالحاج مكتبة أبي الشعثاء السيب سلطنة عمان ،ط١٤١١ ،٢ه١٩٩٠/م. عدد الصفحات ٧٣٨ :صفحة يبدأ الكتاب بعرض ترجمة عن حياة المؤلف الذي ولد في ١٢ذي الحجة ١٣١٨ه ٢٢ /إبريل ١٨٩٩م ،وأنجبته عائلة كريمة عريقة في الفضل والصلاح من مدينة القرارة من ولاية غرداية. عاش في بيئة طبيعية اجتماعية طبعته بالنبل والعقل الراجح وحب العلم والصلاح ،فكان من طلائع العلماء الذين هيأوا لأممهم أسباب عزتها وكرامتها بما بذلوه من جهد في نشر الوعي الديني والوطني ،وبما رفعوا من ألوية للإسلام واللغة العربية ،فأيقظوا الشعوب واستنهضوا هممها للسير في طريق العزة والكرامة. أت م حفظ القرآن الكريم واستظهره عن ظهر قلب وهو يناهز الحادية عشرة من السنين فانخرط في الحلقة ،وأقبل على الدروس. دروسا في العربية تلقى على شيخه الحاج إبراهيم بن عيسى لبريكي وأصول العقيدة والفرائض وسيرة الرسول ژ وتاريخ الخلفاء الراشدين ،وفتوح الشام والعراق ومصر وأفريقية. وبعد وفاة الشيخ لبريكي تولى التدريس في المعهد الشيخ عبد االله بن نحوا من سنتين ثم انتقل إلى معهدإبراهيم أبو العلا ،تتلمذ عليه الشيخ بيوض الشيخ عمر بن يحيى المليكي. مائة كتاب إباضي184 نحوا من أربع سنين انتقل بعدها وبقي الشيخ بيوض يدرس في معهد شيخه إلى دار وقفها أبوه للتعليم ،كانت هذه الدار نواة لمعهد الحياة الذي تأسس بافتتاح الدروس فيها في يوم الجمعة ٢٨شوال ١٣٤٣ه ٢١/مايو ١٩٢٥م. سيرا حثيثا في مضمار الرقي والازدهار ،وذاع سار الشيخ بيوض بمعهده صيته فازداد إقبال وفود الطلبة عليه من قرى وادي ميزاب وغيرها من القطر فتخرج على يديه أجيال تلو الأجيال من الرجال المثقفينالجزائري وخارجه، نجوما ساطعة تشع بنورالمستنيرين الذين انبثوا في البلاد فكانوا حيثما حلوا وبذورا طيبة مباركة في شتى الميادين. العلم والصلاح، درس في الحديث النبوي مسند الربيع بن حبيب بحاشية الشيخ أبي ستة، ثم صحيح البخاري بفتح الباري لابن حجر في غضون خمس عشرة سنة. ودرس في التفسير كتاب الشيخ البيضاوي ،ثم تفسير المنار فختمه ،ثم فسر جزء ع م ،وواصل درس التفسير من حيث انتهى كتاب المنار مستعي نا بتفاسير محمد أطفيش ،والرازي ،والقرطبي ،والألوسي ،وغيرهم. درس إلى جانب الحديث والتفسير أصول الدين ،وأصول الحديث ،وأصول الفقه ،كما درس المنطق ،والنحو والصرف ،والبلاغة والأدب. اتخذ من دروس التفسير والوعظ بالمسجد ومن التعليم بالمعهد ،ومن القيمة وتوجيهاته الحكيمة حيثما وجد وأينما حل ،وارتحل لنشر تعاليمخطبه الدين الإسلامي في المجتمع ،وطبعه بفضائل الأخلاق والعقيدة الإسلامية الراسخة ،وتعميق أسس شخصيته العربية المسلمة. فرضا على المؤمنينويشير صاحب المقدمة أنه إذا كان جهاد المشركين فإن محاربة الجهل آكد عليهم وأوجب ،لا سيما الجهل بالدين ،وحري بكل مسلم حريص على سعادته في الدنيا والآخرة أن يتفقه في الدين ،وأن لا يألو 185فتاوى الإمام الشيخ بيوض أمرا إلا وهو علىجهدا ،وإن لم يستطع فواجب عليه أن لا يأتي في سبيل ذلك بصيرة من أمره ،وذلك بسؤال من أوجب االله سؤالهم ،قال االله * ﴿ : 8 ] ﴾ 0 / . - , +النحل.[٤٣ : وممن أخذوا من فقه الدين بحظ وافر ونصيب كبير ،فكانوا مرجع الناس في الفتوى ،وقبلتهم في حل معضلاتهم فقيد العربية والإسلام الشيخ الإمام إبراهيم بن عمر بيوض . 5 ويضم هذا الكتاب مجموعة من فتاواه ،وهذه الفتاوى ليست ثروة فقهية أيضا مجموعة مهمة من الآداب والتوجهات التي يحتاجها منفقط ،ولكنها الموجه إلا يبتلى بمسؤولية الإفتاء للناس ،فعلى مثله لم يتثبت في فهم السؤال إليه ويتعمق فيه ،فإن لم يتضح له السؤال فلا يجرؤ على الفتوى ،ولا يستنكف صرح الشيخ بيوض بذلك. وكثيرا ما عن قوله :لم أفهم السؤال. وقد يضع السائل لفظة في غير موضعها لجهله باللغة ،فيصحح الشيخ وينبه السائل إلى ذلك ثم يفتيه على نحو ما تراءى له من عبارة السائل، السؤال ، وأحيا نا يعيد صياغة السؤال بتعبيره هو وهذا كثير رغبة منه أن يكون مبنيا على سؤال واضح محدد ،وتارة يمتنع عن الإجابة،الجواب منضب طا ويطلب من السائل إعادة الكتابة إليه بعد أن يستوضحه عن جوانب من مسألته كاتبا أو مشكلته ،كما يرشده إذا لم يتيسر له الاتصال المباشر بالمفتي أن يختار خبيرا بالتعبير الصحيح ليفصح عن المراد ويبين المشكل فضل بيان.عليما وربما احتاج إلى أخذ رأي أهل الاختصاص من أطباء وخبراء في مجال المصارف المالية )البنوك( وغيرهم ،فلا يتردد عن مراجعتهم واستشاراتهم قبل استصدار فتواه. ومن خلال هذه الفتاوى ندرك مدى فهم الشيخ لروح التشريع الإسلامي وصلاحيته لكل زمان ،فلم يكن يكتفي بحفظ النصوص الفقهية وذلك شأن مائة كتاب إباضي186 المقلدين ولكنه تجاوزه إلى مناقشة فتاوى العلماء من قبله ،وترجيح بعضها على بعض ،إلى إصدار فتاوى في قضايا العصر ،مما جد في حياة الناس؛ لأن المجتهد كما قيل :لا يجتهد في فراغ ،بل في وقائع تنزل بالأفراد والمجتمعات، ولا بد من مراعاة القواعد الكلية والمقاصد الشرعية التي جاء الدين لتحقيقها، وهو مع ذلك ذو ثقافة عصرية جعلته يتفهم عصره ،ويسبر غوره ،ويواكب وقطعا من الأدبتطوره؛ ولذلك برزت أغلب فتاواه حللا من الفن البديع، الرفيع .تنسيك وأن تقرأ واحدة منها أنك تطالع فتوى فقهية شرعية ،وهو مع هذا لا يجري وراء الخيال ،ولكنه الوصف الأمين للواقع والتصوير الدقيق للحياة. هذا ولا تكاد تخلو فتاواه كلها من توجيه حكيم أو نصح كريم أو دعاء طيب مخلص لأخيه المسلم ..ينصح المريض بالصبر ،ويملأ قلبه طمأنينة ورضا بالقضاء وأملا بالشفاء ،ويرشد شباب الخدمة الوطنية ،ويملأ نفوسهم شجاعة وشعورا بالواجب الوطني ،ويذكرهم بواجب الحفاظ على الدين فيوحماية حدود الاستطاعة مهما كانت الظروف وتقلبات الأحوال. خيرا، ويشجع آخر على نهوضه من كبوة أتت على كل ماله ،ويثني عليه معتمدا على ويتمنى له الربح الوفير ،ويوحي إليه أن ما أتاه من عمارة دكانه قروض اقترضها إنما هو من خلق المؤمن الذي يرضى بالقضاء ،ولا يثني عزمه ما يصيبه من البلاء. إعجابا بالشيخ ويؤكد صاحب التقديم على أن ما يأسر القلب ويملأ النفس روحه العالية التي تنأى به عن التعصب والنزعة الذاتية في أحكامه مهما كانت هوية السائل ،فليس له في إجابته هدف ولا رجاء إلا أن يكون في جوابه قد أصاب كبد الصواب ،كما كان يختم بهذه العبارة غالب فتاواه ،ولا فرق في نظره بين موافق ومخالف في المذهب والمشرب ،كما لا تأخذه في قول الحق رأفة ولا يخاف فيه لومة لائم ،ولا قرابة قريب ،ولا مودة حبيب. 187فتاوى الإمام الشيخ بيوض كثيرا وتعددت أجوبتها ويشير المقدم إلى أن أبرز الأسئلة التي تكررت تلك التي لها علاقة باستعمال حبوب منع الحمل وتنظيم النسل ،أو التي يطلب أصحابها إرشادهم إلى كيفية التنصل مما جنت أيديهم من آثام، وارتكبوا من ذنوب. هذا وربما لاحظ القارئ شي ئا من الاختلاف في بعض الفتاوى مما يوجبه تباعد ما بين القديم والجديد ،ولكن السبب الداعي لذلك تغ ير الظروف والأحوال. وينبه صاحب التقديم القارئ إلى أن ما جمعه في هذا الكتاب من الفتاوى هو ما كان عند الشيخ مما استبقى أصله وبعثه بنسخة منه إلى السائل ،وهذا ما لم يفعله إلا في أواسط الخمسينيات من القرن العشرين ،وأما ما كان قبلها فقد ضاع أغلبه. وهناك فتاوى مسجلة ضمن دروسه المتعددة في مناسبات شهر رمضان ومواسم الأعياد ،وفي دروس التفسير التي امتدت قرابة ستين سنة. يبدأ الكتاب بالحديث عن أصول الدين ،ويعرض لبعض مسائله ،مثل مسألة العدل الإلهي ،ومسألة خلق القرآن. فيطرح على الشيخ سؤال :هل تبلورت فلسفة خاصة للإباضية في الإرادة الإنسانية والعدل الإلهي وخلق القرآن قبل ظهور المعتزلة والأشاعرة؟ وإذا كان ذلك فهل تعتبر الإباضية أستاذة الفرق الإسلامية في تأصيل قضايا العقيدة؟ ويجيب الشيخ بيوض :إن هذا ينبني على معرفة تاريخ إمام المذهب ولادة ووفاة ..وإمام الإباضية بإجماع الإباضية وإجماع سائر الفرق الإسلامية هو »جابر بن زيد« وكانت ولادته سنة ثماني عشرة للهجرة ،وقيل :لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب ،أي :في سنة إحدى وعشرين للهجرة .أما وفاته فقيل: كانت سنة ثلاث وتسعين ،وقيل :سنة مائة وثلاث في خلافة يزيد بن عبد الملك. مائة كتاب إباضي188 وشهر أن موته كان في جمعة واحدة مع موت أنس بن مالك سنة ست وتسعين، وأدرك مئات من الصحابة. وكان الأصل أن ينسب المذهب الإباضي ،والإباضية إلى جابر فيقال: المذهب الجابري ،لكنه اشتهر يومئذ بلقب الإباضي ،والإباضية نسبة إلى عبد االله ابن إباض الذي ذاع صيته واشتهر بمناظراته مع الخوارج وغيرهم من الفروق ،وبقيادته لأتباعه في الحروب. ولا يخفى أن جابر بن زيد معدود في أئمة التابعين وفقهائهم ومن مشاهير رواة الصحاح ،وقد وثقه أئمة الحديث ورجال الجرح والتعديل ،وكانت حياته كلها في القرن الأول الهجري ،وأول مسألة عقائدية افترق المسلمون بسببها )بعد الخلاف السياسي الذي بدأ في أواخر عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان( هي مسألة القدر ،والذي تولى واصل بن عطاء إمام المعتزلة بحثها ،ثم مسألة تحديد معنى الكفر والإيمان ،أو المنزلة بين المنزلتين ،ولا منزلة بين المنزلتين ،والذي تولى تفسيرهما هم الخوارج المستحلون لأموال البغاة من تبعا لدمائهم إذا حلت بالبغي. المسلمين وسبي ذراريهم ثم مسألة خلق القرآن أو قدمه التي أثارها أبو شاكر الديصاني الفارسي ويفرق كلمتهم ،فاغتر به المغفلون من الذي تظاهر بالإسلام ليفتن المسلمين الدهماء وأثاروها فتنة شعواء ،فأما واصل بن عطاء فقد كان في أيام عبد الملك، وهشام ،وولاية عبد الملك كانت سنة خمس وستين ،وولاية هشام من سنة ١٠٥ه إلى سنة ١٢٥ه. ويستفاد من مجموع الروايات والتواريخ أن ذلك كان في أواخر أيام الحسن كثيرا على إمام المعتزلة، متقدما البصري ،وعلى ذلك يكون إمام الإباضية وتكون فلسفة الإباضية في الإرادة الإنسانية والعدل الإلهي »القدر« قد تبلورت قبل أن يظهر واصل ابن عطاء بمذهبه. 189فتاوى الإمام الشيخ بيوض وكان الإباضية ينافحون ويكافحون ضد الفرقتين الضالتين اللتين أحدثتا بدعة الجبر وبدعة خلق الأفعال .فإن المذهبين حادثان ،وفلسفة الإباضية أقدم منهما ،وهي متمسكة بالأصل الذي سبق الإجماع عليه. شركا يحل به الدم وأما بدعة الخوارج الذين جعلوا المعاصي العملية كلها والمال وسبي الذرية ،فإنها محدثة كذلك. وكان جابر بن زيد وأبو عبيدة مسلم من أكبر تلامذته ،وعبد االله بن إباض وغيرهم من أتباع الإمام جابر يناظرون الخوارج ،وقال صاحب السير :إن لعبد االله بن جابرا سبق هذه الفرق وكان إباض مناظرات مع الخوارج وغيرهم .فأنت ترى أن يناظرها ،وسلك تلامذته طريقته هذه في المناظرة في حياته وبعد وفاته. وأما مسألة خلق القرآن أو ق دمه ،فيرى الشيخ بيوض أنه لا يعلم على وجه التحقيق السنة التي أثيرت فيها ،ويبدو أنها متأخرة عن مسألة القدر ومسألة الكفر والإيمان .فإن فتنتها اشتدت في عهد العباسيين ،ومهما يكن فإن مذهب الإباضية وإمامهم جابر بن زيد يرون أن صفة الكلام ذاتية كالحياة والعلم والسمع والبصر ،وهي عينية لا غيرية ،أي :ليست صفة زائدة عن الذات ،فهي بذلك قديمة ق دم الذات. وبناء على ما تقدم يمكن أن نعتبر الإباضية أستاذة الفرق الإسلامية في تأصيل العقيدة. ثم يطرح الشيخ بيوض بعض المسائل التي وردت إليه في علم الكلام الإباضي ،وخاصة: ١ مسألة الولاية والبراءة )والولاية خاصة( :ما هي الجوانب التي تبدو أساسية في الولاية؟ هل كانت الولاية متركزة على ضرورة تماسك المجتمع الإباضي؛ أي :لأسباب اجتماعية ،أم متركزة على أسباب دينية صرفة )مثلا: مائة كتاب إباضي190 الفطرة ،الإيمان باالله ،الانتماء إلى المذهب(؟ هل تطورت فكرة الولاية في الوقت الحديث؟ ويجيب الشيخ بيوض عن هذا السؤال قائلا :تسألون عن الولاية والبراءة في المذهب الإباضي: نظاما من النظم إن الولاية والبراءة مرتكزتان على أسباب دينية ،فليستا الاجتماعية ،إنما أصلهما ما ورد في القرآن الكريم من الأمر بولاية المؤمنين بعضهم لبعض ،وبالبراءة من الكفار والمنافقين والآيات الواردة في هذا كثيرة جدا ،منها قوله تبارك وتعالى| { z y x w v u t s ﴿ : }~ے¡®¬«a© ̈§¦¥¤£¢ ̄¿3⁄41⁄21⁄4»o1 ̧¶μ ́32±° ] ﴾  Á Àالممتحنة.[٤ : فهذا أصل من أصول دين أبينا إبراهيم ‰واالله تبارك وتعالى أمرنا بالاقتداء به ،وبعد إبراهيم جاءت رسل منهم موسى وعيسى 6ثم جاء خاتم النبيين محمد بن عبد االله ژ بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتب. وفي شأن البراءة يقول االله & % $ # " ! ﴿ : 8 '()*210/.-,+ ?> = < ; : 9 8 7 65 4 3 @ NM L K J I HG F E D C B A ] ﴾ X W V U T S RQ P Oالمجادلة ،[٢٢ :ومثل هذا في القرآن كثير .فمحبة المؤمنين والدعاء لهم بخير الدنيا والآخرة هو معنى وبغض الكافرين وترك الدعاء لهم بذلك هو معنى البراءة ،وهذاالولاية ، ما يسمى بولاية الجملة ،وبراءة الجملة ،وهو متفق عليه بين جميع المسلمين. 191فتاوى الإمام الشيخ بيوض أما النوع الثاني من الولاية والبراءة فيسمى ولاية الأشخاص ،وبراءة اعتمادا على أصولهم ،فمن رأينا منهم الأشخاص ،وهذا مما تمسك به الإباضية خيرا أحببناه ودعونا له بالخير ،وهذا معنى الولاية ،ومن رأينا منهخيرا وسمعنا شرا أبغضناه في قلوبنا لوجه االله ،وهذا معنى البراءة ،يقصد شرا أو سمعنا عنه بهما الأشخاص بأعيانهم. أما من حيث معاملة مثل هؤلاء العصاة ،فيلاحظ ما يلي: إذا بلغنا عن شخص ما معصية ولكنها خاصة بنفسه ليس فيها ضرر كبير جهارا بحيث لم ينزع جلباب الحياء عن نفسهللمجتمع ولا هتك للمحرمات فإن مثل هذا يترك لا يعلن عنه البراءة ما لم يجاهر بمعصيته ،ففي الناس عصاة كثيرون نعاملهم معاملة دنيوية بالبيع والشراء ،والأخذ والعطاء ،ونعتقد بالقلب أنهم عصاة ونترك أمرهم إلى االله ،أما إذا كان العاصي قد جاهر بمعصيته بحيث ونساء وصبيا نا يرون الفاحشة ترتكب والحرمات ضررا في الناس رجالا تحدث جهارا فهذا يجب إعلان البراءة منه في المساجد ،وهنا يدخل الاعتبارتنتهك الاجتماعي للمحافظة على المجتمع ،فلو علمنا مثلا أن إنسا نا يشرب الخمر في بيته أو في حانة ولم يظهر منه عربدة في الطرقات سكتنا عنه؛ أي :لا نعلن مر براءته على رؤوس الملأ ،غير أننا نبغضه في قلوبنا لأنه عاص الله ،ولكنه إذا في شارع وهو معربد يسب االله وينطق بالكفر أو يكشف عن عورته ،فهنا يجب إعلان البراءة منه في المساجد وفي مجتمعات المسلمين حتى يقاطع تمام المقاطعة حفا ظا على سلامة المجتمع ،وقل مثل ذلك في السرقة والزنى وسائر الفواحش فمن واجب الهيئة الدينية القائمة بالمحافظة على الآداب العامة ومحاربة الآفات الاجتماعية أن توقفه عند حده. ثم يذكر الشيخ بيوض سؤالا آخر طرح عليه يتعلق بقضايا علم الكلام الإباضي ،وهو :هل صفات االله زائدة على الذات الإلهية أم هي الذات نفسها؟ مائة كتاب إباضي192 الجواب :االله تبارك وتعالى له اسم سمى به نفسه وهو لفظ الجلالة )االله( في اللغة العربية .وبالطبع يوجد في كل لغة اسم يطلق على الذات العلية ،والاسم عند علماء اللغة هو الذي تطلق عليه الصفات ،والاسم في حد ذاته قد لا يكون له معنى ،وهذا الاسم تجري عليه الصفات مثل :عالم ،وجاهل ،وعاقل، ومجنون ،وذكي ،وصالح ،أو نحوها ...واالله تبارك وتعالى وضع لنفسه أسماء بإرادته ووضع لنفسه صفات وسماها في القرآن أسماء لأنه يدعى بها نقول: يا االله ،يا حي ،يا قيوم ،يا قدير ،يا سميع ،يا بصير ،قال تعالىD C ﴿ : ] ﴾ G F Eالأعراف .[١٨٠ :وفي الحديث» :إن الله تسعة وتسعين اسما«. وهذه الأسماء أو الصفات غير لفظ الجلالة ،معقولة المعنى ،أما لفظ الجلالة )االله( فقد اختلفوا فيه :هل هو مشتق أم جامد؟ واختار بعض العلماء أنه جامد اسم للذات العلية لا نتكلف البحث عن معناه .والأسماء الأخرى ،كما في البسملة »بسم االله الرحمن الرحيم« وغيرها إلى التاسع والتسعين كلها أوصاف لها معان كمعنى الرحمة في الرحيم ،معنى القدرة في القدير ،والسمع في السميع ،والبصر في البصير ،والإرادة في المريد ...إلخ. هذه صفات ذاتية في اعتقاد الإباضية بإجماع ،وجمهور الأمة كذلك ،لكنها عند معشر الإباضية ليست زائدة على الذات لأنهم يؤمنون بأن االله تبارك وتعالى واحد في ذاته وواحد في صفاته لا شريك له فيها وإن تشابهت الألفاظ ،ففرق بين سمع مخلوق وسمع االله ،وبين بصره وبصر االله .فاالله قدير القدرة المطلقة التي لا يعتريها عجز ولم يسبقها عجز ولا يأتي بعدها عجز ،وهكذا كل الصفات. أما صفات الأفعال فمثل قولنا :االله خالق ،والخلق يدخل ضمن القدرة، والقدرة على الخلق صفة ذاتية ،ولكن يوصف االله بالخلق عندما يخلق الخلق، ومن هنا جاء الفرق بين صفات الفعل وصفات الذات. 193فتاوى الإمام الشيخ بيوض هذا هو قول المذهب الإباضي المعتمد على قواعد في كتب االله وفي الديانات كلها ،وهذا ما يقتضيه تنزيه االله تبارك وتعالى عن كل نقص قبل أو بعد؛ لأنه حي قيوم لم يزل ولن يزال كذلك ،كما أن وجوده ذاتي لم يسبقه عدم ولا يأتي عليه عدم ،وهنا يتوقف عقل البشر وعلم البشر .ولا يستطيع مهما أوتي من قوة أن يتجاوز هذا الحد. ومن المسائل الأخرى المتعلقة بقضايا العقيدة عند الإباضية و طرحت للفتوى والسؤال على الشيخ بيوض سؤال :اتفق علماء المذهب الإباضي على حر مختار إلا أن بعض العلماء ،مثل الشيخ عامر النفوسي يرى أنأن الإنسان  الإنسان جبل ليعمل أعماله بينما يرى آخرون مثل الشيخ عمر التلاتي أن للإنسان الاختيار والكسب ..فما هو الأرجح؟ المعبر عنها بالعدل وبالقدر ويجيب الشيخ بيوض :أن المسألة الكلامية كذلك ،مسألة كبيرة ،ووقع فيها خلاف كبير بين المسلمين ،أجمعوا كلهم ،بل وأرباب الديانات الأخرى أهل الكتب السماوية كلهم على أن االله عدل لا يجور في أحكامه ،وفي القرآن الكريم4 3 2 1 0 / . ﴿ : عبدا من ] ﴾ 7 6 5يونس [٤٤ :فاالله عدل العدل المطلق لا يحابي عباده لنسب ولا للون ولا لجنس ولا لشيء مطلقا ،وإنما الجزاء على حسب العملa ` _ ^ ❁ \ [ Z Y X W ﴿ : ] ﴾ c bالزلزلة.[٨ - ٧ : هذه هي القاعدة الأساسية لجميع الديانات من آدم إلى آخر الأنبياء لا يتهم أبدا ،لكنه وقع الناس في حيرة في الجمع بين كوناالله تبارك وتعالى بالجور مقدرا له من ذوات العباد ومناالله من جهة عادلا ،وبين كونه خالقا لكل شيء أعمالهم ففي القرآن الكريم] ﴾̈ § ¦ ¥ ﴿ :الصافات.[٩٦ : والعقيدة الصحيحة كذلك أنه لا يقع شيء في ملكه إلا بإرادته ،هو الذي مائة كتاب إباضي194 خلقه فقدره وأراده ،وليس معنى أراده أنه رضيه ،ففرق دقيق بين الإرادة والرضا ،بل كما يقول في الآية القرآنية] ﴾ T S R Q ﴿ :الزمر.[٧ : مغلوبا على أمره ،فلو شاء االله لمنع الناسولكن معنى أراده أنه لم يقع هموا بها ،فيميتهم أو يزيل أبصارهم أو سمعهم أوبالقهر إن أرادوا معصية أو أحدا منهم.بأي شيء آخر ،ولكنه تعالى أعطاهم الحرية بفضله ولم يقهر ذهب المعتزلة إلى القول بخلق الأفعال محافظة على عقيدة العدل الإلهي، أما الإباضية وكافة الأشاعرة فذهبوا إلى الوسط وهو الحق فقالوا الخلق للأفعال من االله والاكتساب من العبد؛ أي :هناك خط دقيق فاصل بين الخلق والاكتساب، فللعبد اكتساب؛ أي :ممارسة وعمل باختياره في كل ما عمل .وهذا القدر المسمى بالكسب وهو متعلق بالثواب والعقاب؛ لأنه مكتسب باختياره، عقابا على إساءته ،وإن كان البشر لقصورثوابا على إحسانه ،واستحق فاستحق تحديدا دقيقا يقين يا. عقولهم وق لة علومهم لا يستطيعون تحديد معنى الاكتساب فهذا غير مستطاع. فمذهب الإباضية في الشرق والغرب ،ومنهم أهل الجبل أنفسهم ،القول إفرادا قليلة. بالكسب ،وإن خالف ذلك بعض علماء الجبل إلا أنهم لا يعدو إلا والدليل اليوم من إباضية وأشاعرة معتقدين أن الخلق الله وحده ،والكسب الاختياري منا وهو متعلق بالثواب والعقاب ،والعلماء يقولون :ستة أمور تنفي معا :المدح والذم ،والأمر والنهي ،والثواب والعقاب ،فأنت ترىالجبر والجبل مدح االله 8للمحسنين وثناءه عليهم وذم المسيئين وإنكاره عليهم ،والمدح والذم عند العقلاء لا يقعان إلا على فاعل مختار فيما يفعله لما أمره ولما نهاه، ولا فائدة في أمر من تجبره على العمل ،ولا في نهي من تجبره على الترك. ويطرح على الشيخ بيوض سؤال في إعجاز القرآن ،مفاده :ما هو رأي الإباضية في إعجاز القرآن؟ 195فتاوى الإمام الشيخ بيوض ويجيب :بأنه قد تجمع له عدة صفحات من بعض المصادر المعتبرة عند قديما وحديثا. الإباضية أما عن رأي الإمام جابر بن زيد وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ،فإنه لم يعثر من مصادر ومراجع ولا فيما حفظته عن شيوخه عن نص صريح بأن جابر بن زيد أو أبا عبيدة قالا كذا وكذا في إعجاز القرآن ،ولكن ما تواتر عند علماء الإباضية وعند أئمتهم ،وعلى رأسهم قطب الأئمة محمد بن يوسف أطفيش في تفسيره الكبير» :هيمان الزاد إلى دار المعاد« حيث قال :إن حكمة سورا تحقيق كون السورة بمجردها معجزة وآية من آيات االله ، 8جعل القرآن وإشارة إلى أن كل سورة طريق مستقل في نوعه ،فسورة يوسف تترجم عن قصته ،وسورة براءة تترجم عن أحوال المنافقين وأسرارهم .والتنبيه على أن الطول ليس من شرط الإعجاز ،إذ كان منه طوال وقصار وأوساط وكلها معجز، وهذه سورة الكوثر آيات ثلاث وهي معجزة إعجاز سورة البقرة فلو تفاوت الإعجاز بالطول والقصر والتوسط لأمكن لهم أن يأتوا بمعجز قصير أو كادوا يأتون به ،ولا يمكن لهم ذلك ولو اجتمع الخلق. وقصرا ثم قال في تفسير الآية وفي حكمة تعدد السور واختلافها طولا ما نصه :وقد اعترف الفصحاء بإعجاز القرآن ،وكان قد تحدى االله به من حيث تأليفه ومعانيه وإخباره بالغيب ،وكان في زمان هاجت فيه فحول الشعراء وفصحاء الكلام فتحداهم بتأليفه كما تحداهم بمعانيه وإخباره بالغيب ،وعجزوا كلهم وانكشفوا. أما أكبر علماء الإباضية بالمشرق ) عمان( الشيخ عبد االله بن حميد السالمي المتوفى سنة ١٣٣٢ه قال في منظومته الألفية المسماة» :شمس الأصول«: أما الكتاب فهو نظم نزلا على نبينا وعنه نقلا تواترا وكان في إنزاله إعجاز من ناواه في أحواله مائة كتاب إباضي196 المنزل على نبيناوقد عرف الكتاب والمراد به كتاب االله تعالى بأنه النظم تواترا ،والحال أن في إنزاله إعجاز من قصد معارضتهمحمد ژ المنقول عنه في شيء من أحواله من نحو بلاغته الباهرة وتراكيبه الظاهرة ،وبراهينه القاهرة. وقال السالمي في منظومته في أصول الدين المسماة »أصول العقول«: والأصل للفقه كتاب الباري إجماع بعد س نة المختار وسنة وقال في شرحه لهذا البيت ما نصه :أصول الفقه ثلاثة :الكتاب رسول االله ژ ،وإجماع المهتدين من الأمة ،فأ ما الكتاب فلأنه معجز وهو من عند االله ولا شك ،ولا يسع جهله ،بل ولا شك فيه لمن قامت عليه حجته، واختلف في وجه إعجازه هل هو من حيث التركيب على أنه أفحم البلغاء ،أو من حيث الإخبار بالغيب ،أو من حيث إخباره عن الأمم الخالية ،أو من حيث عدم التناقض فيه ،مع طوله؟ أقوال ،والظاهر أن كل ذلك معجز. ويسأل البعض الشيخ بيوض :هل العبادات يرتبط بعضها ببعض؟ ويجيب الشيخ بيوض :الصوم والصلاة والزكاة والحج وجميع فرائض الدين غير التوحيد مرتبطة ببعضها باعتبار ومنفصلة باعتبار ،فمن جهة وجوب القضاء وصحة الأداء ،منفصلة تمام الانفصال .فمن حافظ على صلاته وأضاع صومه ثم تاب ،وقضى الصوم دون الصلاة اتفاقا والعكس ،وهكذا فيما عداهما، لا يبطل فرض بتضييع الآخر إلا إن كان شرط صحته؛ كالوضوء مثلا ،أو الوقوف في عرفات للحج ،أو من جهة النجاة في الآخرة فإن جميع الفرائض مضيعا لفريضة من الفرائضمرتبطة بعضها ببعض تمام الارتباط ،فمن مات كالصلاة مثلا غير تائب ولا نادم ،فإنه يخلد في النار ولا ينفعه سائر عمله ،وقل مضيعا لزكاة ماله غير تائب ولا نادم ولا موص بها.مثل هذا في الذي مات ويورد للشيخ سؤالا عما يشاع من نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان، أصحيح هو أم خرافة؟ 197فتاوى الإمام الشيخ بيوض والجواب :قد روى بعض أصحاب الحديث في ذلك أحاديث لا نعلم علما يقي نا ،والاعتقاد في مثل هذه مبلغها من الصحة ،هو في مجموعها لا تفيد الأمور الغيبية لا يمكن أن يبنى إلا على أدلة قطعية .والاشتغال بغير هذا من المهام الدينية والدنيوية أولى وأحرى ،لأن البحث فيه لا يأتي بنتيجة مطلقا تضييعا للعمر فيما لا فائدة فيه. مهما طال وامتد ،فلا يعدو أن يكون و طرح على الشيخ سؤالا عن رأي المذهب الإباضي في أن القرآن الكريم قد أملاه االله على جبريل ‰مرة واحدة ،وجبريل هو الذي ينزله حسب الأسباب والمواقف على الرسول؟ ويجيب الشيخ بيوض :أنه لا يظن بمسلم مؤمن باالله حق الإيمان أن يجرؤ على مثل هذا القول .واالله تبارك وتعالى منزل الكتاب ،يقول في وصفهÁ À ﴿ : منجما في ] ﴾ Ç Æ Å ❁ à Âالبروج .[٢٢ - ٢١ :مع العلم بأن القرآن نزل عاما ،وهذا أمر يقيني لا شبهة فيه ولا ريب ،فرأي بعض العلماءبضعة وعشرين اعتمادا على بعض الروايات أن نزوله في ليلة القدر في رمضان إنما هو نزوله منجما كما هو إلى السماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر ،ومنها إلى الأرض معلوم ،والمحققون على أن نزوله في ليلة القدر إنما هو ابتداء نزوله ،والآية من القرآن تسمى قرآ نا ،ومهما يكن فإنه لا يجوز أن يقال :إن جبريل هو الذي ينزله حسب الأسباب والمواقف على الرسول بعد أن كان حفظه جملة قبل ذلك ،فإن القرآن كلام االله وهو الذي ينزله على رسوله محمد ژ بواسطة جبريل الروح الأمين واالله وحده عالم الغيب والشهادة العليم بمقتضيات وأسباب النزول ،فيوحي بما يشاء إلى الروح الأمين ،ليبلغه إلى الرسول الأمين الذي يبلغه إلى الناس أجمعين ،وهذا من الأمور الغيبية التي لا ينبغي الخوض وختمتفيها؛ لأن حقيقتها لا تعرف إلا بوحي من االله وقد انقطع الوحي الرسالة بموت خاتم النبيين ،فلا مطمع في الوقوف على حقيقة ذلك .فليست المسألة مسألة مذاهب فقهية حتى تسأل فيها عن مذهب الإباضية ونسبة التنزيل مائة كتاب إباضي198 حسب الأسباب والمواقف إلى جبريل من محفوظه المنزل عليه قيل فيه من الخطر ما فيه. عددا من الأسئلةوتحت عنوان» :الطهارات والنجاسات« يورد الشيخ بيوض التي طرحت عليه في هذا الباب منها: سؤال :ما حكم الكحول طهارة ونجاسة؟ وما حكم العطور المختلطة به؟ الجواب :أن أصل هذا إنما هو اختلاف الفقهاء في نجاسة عين الخمر وطهارتها ،وهو يختار القول بطهارة العين ،ولا دليل قطعي على نجاستها، وأما الكحول المتخذ للوقوف أو للتعقيم أو التطهير أو قتل الجراثيم أبدا أن خمرا ،ولا يمكن وللأدوية وللعطور ،فليس في الاصطلاح يسمى يعطى حكم الخمر في نجاسة العين حتى عند القائلين بنجاستها فإنه مطهر مزيل لكل خبث ،قاتل للجراثيم ،فلا يمكن أن يقال فيما هذا طبيعته أنه نجس بالظن. جدا وضرورية ،فقد أصبحهذا مع عموم البلوى باستعماله بصورة واسعة  من لوازم البيوت ،تضمد به الأيدي عند إرادة معالجة الجراح ،و تغسل به عند التلوث ببعض هذه الجروح ،كما تعقم به أدوات العمل واللفافات. سؤال :ما حكم الكحول على اختلاف أنواعه؟ أطاهر هو أم نجس؟ الجواب :الكحول طاهر العين سواء ما كان للوقود أو ما يدخل في الأدوية بمسه ،وتجوز الصلاة بالأثوابوالعطور فلا نجاسة فيه ولا ينتقض الوضوء المضمخة به. سؤال :هل العطور التي فيها كحول نجسة؟ الجواب :إنها طاهرة وإن مادة الكحول طاهرة مطهرة مذهبة لكل درن، معقمة لكل ما يخشى منه عدوى مضرة فلا وجه مطلقا للقول بنجاستها حتى 199فتاوى الإمام الشيخ بيوض عند من يرى نجاسة عين الخمر ،وهو قول مرجوح .وأما الكحول الذي يمتزج مع العطور فإنه طاهر لا نجاسة فيه ولا تنجس الروائح الممتزجة به. وأما الروائح فأصلها من الزهور ،ولكن بعضها يمزج بالكحول ،فما لم قطعا لا شبهة فيه ،وما مزج بالكحول فإن خلافيمزج بهذه المادة فهو طاهر العلماء في طهارته ونجاسته ثابت ،وقد اختار الشيخ إبراهيم أطفيش طهارته وأفتى بها. وتحت عنوان» :الصلاة« يورد الشيخ بيوض بعض الأسئلة التي وردت في هذا الباب ،منها: سؤال :وصلت الشيخ بيوض رسالة تسأل عن تقصير الصلاة في السفر، وهل له مدة محدودة ،وعن مفهوم الوطن ،وحد السفر ،وعن أحكام أخرى تتعلق بالمسألة. والجواب :تقصير الصلاة الرباعية في السفر واجب ما دام الإنسان خارج حدود وطنه ناو يا الرجوع إليه غير متخذ المكان الذي هو فيه وط نا ثاب تا ،وغير دارا فيه ،فإذا اتخذ الأهل والدار وجب عليه الإتمام ،وإلامتأهل فيه ولا متملك مسافرا يقصر الصلاة مهما طالت المدة ،والأفضل في الصلاةفلا حد لاعتباره أداء كل صلاة في وقتها مع تقصير الرباعية ،ويجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء؛ في وقت الأولى أو في وقت الثانية. مسافرا والموظف العامل خارج وطنه الذي هو في حالة تنقل دائم ،يعتبر في كل بلد نقل إليه ،غير وطنه الأصلي ،والزوجة تابعة في الوطن لزوجها، فوطنه هو وطنها ،تتم حيث يتم ،وتقصر حيث يقصر ،والوطن الأصلي للإنسان تقريبا من كل جهة .فمنكيلومترا هو وطن آبائه وأجداده ،وحدوده اثنا عشر ضاربا في أرض االله كان مسافر فرضه التقصيرتجاوز هذه المسافة من وطنه مسافرا فيه ،ولا حد حتى يعود ،أو ينزع وطنه الأصلي ،فإذا عاد إليه كان مائة كتاب إباضي200 لمساحة الوطن ،فيجوز أن يتخذ القطر الجزائري كله بحدوده الأربعة وط نا له، يتم فيه الصلاة ،إنما الذي لا يجوز مطلقا هو أن يتخذ الدنيا؛ أي :الأرض كلها أحكاما؛ فلا بد للإنسان إذن أن وط نا .فإن االله تبارك وتعالى ذكر السفر وشرع له مسافرا. يكون في بعض البلاد حضريا ،وفي بعضها وتحت عنوان» :الإمامة وصلاة الجماعة« يرد للشيخ سؤال حول :أين تقف المرأة في صلاة الجماعة؟ ويجيب :إذا ص لت المرأة وحدها مع إمام ذي محرم منها وقفت عن يساره متأخرة عنه قليلا ،بحيث يكون مسجدها حذاء منكب الإمام أو نحو ذلك ،وإذا كان معها غيرها من الرجال فإن كانوا محارم جاز لها أن تصف معهم ،وإن أبدا أن كانوا أجانب وجب عليها أن تقف خلفهم ولو وحدها ،والأفضل للمرأة تتأخر عن صفوف الرجال ما استطاعت. سؤال :هل تجوز الصلاة وراء الإمام المخالف؟ يجب الشيخ :تجوز الصلاة خلف المخالف إذا كان لا يدخل فيها ما يفسدها واطمأنت النفس إلى طهارته. سؤال :هل تصح الصلاة وراء الإمام المالكي أو الحنفي أو غيرهما من أئمة المذاهب الإسلامية غير الإباضية؟ الجواب :أن الصلاة تجوز وراء كل إمام مسلم في أي مذهب كان يقيم الصلاة على وجهها المشروع ،في مكة أو المدينة أو الجزائر أو غيرها من سائر بلاد الإسلام. وتحت عنوان» :الصوم« توجد عدة أسئلة وجهت للشيخ بيوض للإجابة عنها ،ومن هذه الأسئلة أسئلة عن إثبات الأهلة بالرصد الفلكي .ليس فقط في عبادة الصوم ،ولكن للقيام بالشعائر الدينية. 201فتاوى الإمام الشيخ بيوض ويجيب الشيخ :أن حساب الفلك اليوم قطعي والشهادة ظنية فلا تقبل مطلقا إذا عارضت القطعي .ويعترض الشيخ قائلا :ولسنا مع هذا بالقائلين باعتماد الحساب الفلكي وحده في إثبات الأهلة ،وإن كان ذلك مذهب بعض العلماء من السلف والخلف ،بل نقول بالجمع بين الدليلين :الرؤية ،والحساب. بيان ذلك أن النبي ژ قال عن هلال رمضان» :صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته يوما« وهو حديث متفق عليه ،وأجمعفإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين العلماء أن هذا هو حكم سائر الشهور ،وكان ژ يتراءى الهلال ويأمر أصحابه بذلك ،ويسأل عن رؤيته ،فالاعتناء برؤية الهلال شعيرة من شعائر االله ،ولم يزل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يحتفلون بها. وطريقة الجمع بين الدليلين سهلة ميسورة :أن تعتني لجنة الأهلة بالرؤية، وتحرض جميع المؤمنين على الاعتناء بها ليلة الشك ،وإخبارها بما تثبت من شهادة ،وأن يكون عندها علم مسبق قبل ذلك من المرصد الفلكي بموعد ولادة الهلال وغروبه ومدة بقائه في الأفق بعد غروب الشمس ،فإن جاءت الشهادة بالرؤية وقد أثبت الحساب ولادته وبقاءه بعد غروب الشمس بحيث تمكن رؤيته قبلت شهادته وأعلن عن دخول الشهر ،وإن جاءت شهادة بالرؤية والحساب يثبت أن الهلال لم يولد بعد أو أنه مولود ،ولكنه يغرب بعد غروبها جدا بحيث تستحيل رؤيته ردت الشهادة.بقليل  ومن القواعد الفقهية المسلمة والتي لا جدال فيها أن الشهادة ترد إذا استريبت ،والريبة أنواع ودرجات ،منها القوي ومنها الضعيف وأقواها ما يع بر قطعا بالغا ما بلغ عدد الشهود أو عنه بالريبة المحققة .وهذه ترد بها الشهادة عدالتهم ،ومن هذا النوع ما خالف قطع يا ،فإذا شهد شهود برؤية الهلال والعلم ضرب بشهادتهم عرض الحائط.يثبت أنه لم يولد بعد وقد ضرب العلماء لذلك أمثلة في القديم فقالوا :مثل أن يدعى رؤية الهلال مائة كتاب إباضي202 في زمان لا تمكن فيه كما إذا ادعاها بعد ساعات من غروب الشمس ،أو في مكان لا تمكن فيه كما إذا ادعاها وهو واقف في مكان محجوب عنه أفق الهلال ومطلعه بجبل شاهق بحيث لا يرى منه إلا وسط السماء مثلا ،هذه كلها شهادات مردودة ،وقد ردوا الشهادة بما هو أضعف من ذلك. إن التقويم الفلكي اليوم عالمي ،لا يتطرق إليه أي شك ،ولا تداخله أي ريبة ،وقد بلغ من دقته في حساب سير الأجرام أنه يلاحظ الجزء من المليون من الثانية أو أقل من ذلك. الغراء للسخرية بزعم أنها تعارض فمن السخف تعريض الشريعة الإسلامية القطعي من العلم ،وهي التي جاءت بتقديس العلم. 203 ¥hQÉ`ØdG ió`g »∏FÉa°ùdG »HÉ«°ùdG ¢ùeÉ°T øH OƒaM øH odÉ°S ï«°ûdG )ت ١٤١٤ه١٩٩٣/م( وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان١٤٠٣ ،ه١٩٨٣/م. عدد الصفحات ١٦٥ :صفحة يتناول هذا الكتاب قصيدة وضعها المؤلف تشتمل على كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب 3الذي شاع بين علماء المسلمين ،وتناقله جهابذة مر السنين ،واعتبروه حجة صادقة فيه إلى يومالمؤمنين وجعلوه عمدتهم على والسنة والإجماع كن الدعامة له ،فلا تخرج مقالة منه عنالدين؛ لأن الكتاب هذه الثلاثة الأصول ،كما يؤيد ذلك كله المعقول ،وهذا نفس الكتاب المشار إليه بنصه كما رواه العلماء ،وآخرهم القطب رضوان االله عليه في الجزء الثالث عشر من »شرح النيل« ،ورواه المبرد في »الكامل« ،وابن عبد ربه في »العقد الفريد« ،وغيرهم. تتكون من اثنين وستين بي تا ،اشتملت على والقصيدة التي وضعها الناظم أهم قواعد القضاء التي جاء بها كتاب أمير المؤمنين ،وما جاء عن أهل العلم في هذا الفن ،وما أص له المسلمون للقضاء ولوازمه من حجج ،وما حرروه فيه من اشتراط في صحة الشهادات وإثباتاتها ،وما يرد منها وما يمضي ،وفي أخلاق القضاة ،ومن يتولى القضاء من الرجال الذين يصح استعمالهم لهذا الصدد ،وما يلزم من مخالفة الرجال الذين تكون لهم اتصالات بالقضاء أو بالقاضي ،أو بمحل القضاء من الآداب ،وفي الصلح الجائز وغير الجائز ، ومراجعة الأدلة والرجوع إلى الحق ،والتعمق في فهم الدعاوى التي تساق إلى مائة كتاب إباضي204 القاضي ،وفي القياس على النظائر والأشباه ،إذا لم يكن في القضية نص ،قرآ نا أو سنة ،وفي إمهال الخصوم إن ادعوا حجة غائبة أو نائية ،وفي عدم القلق والضجر من أحوال الخصوم ،وفيما يتعلق بهذه الأحوال. وهذا الكتاب يتناول قضاء عمر 3الذي قال عنه الرسول ژ » :لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب« ،وقال ژ » :أرحم مني بأمتي أبو بكر ،وأشدهم في دين االله عمر« ،وقال ژ » :إن االله جعل الحق على لسان عمر وقلبه«. ضعيفا ،جهوري الصوت، شديدا لا واه نا ولا و عرف عمر 5أنه كان قويا العباد وإمام إذا تكلم أسمع ،وإذا مشي أسرع ،وإذا ضرب أوجع ،وهو سيد ال نساك والزهاد ،وكان بطلا بكل معنى البطولة. ويبدأ الناظم قصيدته بمقدمة يقول فيها: قف حول نور الهدى مستحضر الفكر وانظر بعقلك فيما صح عن عمر أشار الناظم إلى أن ما روي عن عمر 3نور يهتدي به الطالب للحق، لكن يجب أن يكون الحضور حول هذا النور بفكرة حاضرة بكل قواها الصالحة ،والفكرة هي عبارة عن وعي الإنسان ،ذي الذهن اللامع المتوقد الصافي من الأكدار ،فإن ما في طوية عمر 3الحق المحض والدين الخالص، والإخلاص الصادق. عرف المؤلف القضاء لغة :أنه الحكم ،ومنه﴾ ± °̄ ® ﴿ :وي  ]طه ،[٧٢ :والحكم أعم من القضاء ،فإن القضاء حكم الإمامة ،أو من نصبه الإمام للقضاء ،أو نصبه السلطان للقضاء ،أو نصبه الجماعة لذلك ،ويقال :كل قضاء حكم ،وليس كل حكم قضاء ،والقضاء بأوجهه كلها راجع في اللغة إلى انقضاء الشيء وتمامه. 205هدى الفاروق والقضاء كما قال أمير المؤمنين عمر : ƒآية محكمة أو سنة متبعة، صنعا ،يقول االله ] ﴾ j i h g ﴿ : 8هود،[١ :والمحكمة هي المتقنة ويقول تبارك وتعالى] ﴾ q p o n m ﴿ :آل عمران ،[٧ :أي :أصله وعمدته فيرجع إليه المتشابه. السنة ،هذا فيويحكم القاضي بالدليل الواضح من الكتاب أو من  نصا في الكتاب أو فيموجودا  حياته ژ ،أما بعد مماته إذا لم يكن الحكم السنة النبوية رجع الأمر إلى الإجماع ،فإن ما اجتمعت عليه الأمة فهو حق، وإذا لم يوجد الحكم في هذه المقامات الثلاثة رجع الأمر إلى الاجتهاد إن كان القاضي ممن يستطيع ذلك. ويعتبر المؤلف أن علم القضاء من جملة فنون الفقه وأنواعه ،ولكنه يتميز بأمور زائدة قد لا يحسنها كثير ممن لهم إلمام بالفقه أو بالقضايا الحكمية ،فإن حكمة االله 8اقتضت تخصيص بعض الرجال بأشياء دون بعض. وعلم القضاء أحد أنواع الفقه ،إلا أنه يتميز بأمور زائدة لا يحسنها كل والسنة المتبعة هي التي صحتالفقهاء ،وقد يحسنها من لا باع له في الفقه. وإسنادا. وخصوصا ،ومت نا، عموما، عن رسول االله ژ ،وهي عند أهلها معروفة أعم من القضاء لصدقه على حكم من حكمه الخصمان ،وعلىوالحكم حكم من نصبه الإمام أو السلطان أو الجماعة ،وليس فيه أي حكم من حكمه الخصمان نفوذ ،يعني ليس فيه إيصال صاحب الحق إلى حقه بالفعل ،بل باللسان فقط ،وقد يكون فيه النفوذ بخلاف القضاء .فإن القضاء حكم بالفعل، لأنه حكم من نصبه الإمام أو السلطان أو الجماعة ،لا من حكمه الخصمان، فكل قضاء حكم ،وليس كل حكم قضاء. والقاضي من حيث إنه قاض إنما له إلزام الحكم الشرعي ،والمراد بالحكم الشرعي :إلزام الحكم الشرعي .والحكم الشرعي هو إلزام الخصوم الأمر مائة كتاب إباضي206 الشرعي .والقاضي هو الإمام الصغير ،ويختلف عن الإمام الكبير ،إذ ليس له قسم المغانم ،ولا تفريق مال بيت المال ،ولا ترتيب الجيوش والقتال ،وفي إقامة الحدود خلاف. وعرف بعضهم القضاء بأنه :الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام، وعلى هذا فالقضاء والحكم مترادفان. وللقضاء أركان وأهل وحكم .فأما أركانه فقاض ،ومقضي له ،ومقضي عليه ،ومقضي به ،أما المقضي له :فهو الذي يحكم القاضي له بالحق على خصمه ،ومقضي عليه :وهو الذي يقضي عليه القاضي لغيره بالحق ،ومقضي به :وهو الحق الذي يقضي به القاضي ،ومقضي فيه :وهو الزمان والمكان الذي يقع فيه القضاء كبيته ،أو بيت أعد للقضاء ،أو في مسجده أو في أي مكان أبيح لذلك ،وقضى رسول االله ! طيلة حياته في مسجده. وقيل :تجرى الدعوى في المسجد ،وتتم خارجه ،وقيل :يكون الحكم على باب المسجد ذلك لأن رفع الأصوات من الخصوم في المسجد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب ،ويكون القاضي هو السبب لجلوسه للقضاء فيه ،فتصله الحائض والنفساء ،والمشرك ،وأهل العاهات ،والمجانين ،والصبيان الذين أمر الشارع أن تجنبهم مساجدنا. ويعرض المؤلف محل جلوس القاضي للحكم ،وأنه ينبغي أن يكون محله في مكان خاص في وسط البلد ،بمحل معروف يقصده الناس فيه ،وفي وقت الجلوس للحكم من أول النهار في أي وقت أمكنه جلوسه فيه .وقيل :ولو طيلة النهار إذا كان في نشاط ،وقيل :يمسك عن العمل عند الأذان الأول من يوم الجمعة حتى يفرغ الناس من الصلاة ،وقيل :لا ينبغي أن يبقى طيلة النهار، وقيل :حتى يحضر وقت القيلولة. السنة أو أما المقضي به فهو الدليل الذي يتلقاه القاضي من الكتاب أو  207هدى الفاروق إجماع الأمة ،وآثار الصحابة وآثار التابعين لهم بإحسان إلى آخر الزمان؛ لأن من الأدلة ما يستخرجه العلماء طيلة الأزمان ،فإن معاني الاستنباط لا تزال موجودة في كل جيل ،ما بقي الدليل ،ثم من الأدلة ما يتحصل عليه القاضي باجتهاده إن وفق له. ثم يقدم المؤلف ما يكون من شؤون القاضي ،ويحددها بعشرة أشياء: الأول :فصل الحكم بجزم نافذ أو بصلح قاطع ،والقمع للظلم أن تبين وتحقق ،فإن الشرع جاء لدرء المفاسد وجلب المصالح. الثاني :إيصال أهل الحقوق إلى حقوقهم ،برغم كل راغم. الثالث :إقامة الحدود والقيام بحق االله ، 8بحسب ما يكون له. الرابع :النظر في الجروح ،وأحكام الدماء ،وإعطائها حقها وردع أهل التمرد. الخامس :النظر في أموال اليتامى والمجانين ،وتقديم الأوصياء إلى حفظ أموالهم ،ورعاية صلاحها العام لهم. حكما. السادس :النظر في الأحباس ،وما يلزم فيها ،وما يلزم لها السابع :تنفيذ الوصايا كما هي إذا أثبتها الشرع ،ورد ما يلزم رده منها. خصوصا للنساء اللواتي لا أولياء لهن ،أو كان لهنالثامن :عقد الأنكحة عضل من الأولياء ،فإن للنساء عوان ضعيفات. التاسع :النظر في مصالح العامة ،ورعايتها بحسب الإمكان شر عا. العاشر :الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول والفعل مطلق ا ،أو بالقول وحده إن رأى عدم الإمكان ،أو بالقلب إن رأى القول لا يجدي، وللقاضي كل ما للإمام إلا الحدود فيختص بها الأئمة ،وإلا الجمعات وجباية الزكوات. مائة كتاب إباضي208 ذكرا عاقلا ،ذا علمحرا ويصف المؤلف القاضي بعدة صفات :أن يكون مسلما بالغا والسنة وآثار السلف الصالح ،فط نا بالأحكام الشرعية من الكتاب مصر سالما من فسق غير فمقلدا ور عا في الدين، مجتهدا إن أمكن ،وإلا عدلا، موحدا. على صغيرة، وهذه الصفات بعضها مرادف لبعض ،وبعضها يكفي عن ذكر بعض ،لكن للإيضاح والإفصاح لطلبة العلم الذين لم يكونوا على سعة علم. ومن شروط الكمال في القاضي كونه غن يا ،فإن غناه يمنعه عن أشياء عديدة ،والحكم أمانة بل أكبر الأمانات ،ولا أمانة لمحتاج ،لا دين عليه غير محتاج إلى الذين يقضي عليهم أو يقضي لهم ،بلديا غير بدوي ،معروف النسب غير محدود على فاحشة ،ولو تاب منها ،فإن تلك السمة تكون نكتة حليما غير ط ياش ،ولا ه ياب ،لا تأخذه في الحكم لومة لائم،سيئة في حقه؛ سليما من بطانة السوء ،لا يشتغل بالدهاء. أيضا أن لا يترك ح قا يستطيعه ،ولا يبالي بأهل الباطلومن شروط كماله متغطرسا عزوا أو هانوا ،وعليه الثبات في الأزمات ،وعدم الهوادة بمن جاء لا يبالي بحرمة الحق ،فالقاضي يقضي على نعرة الباطل ،ومن تصاعب على الحق ذلله له حتى يأخذ العدل مجراه ،كما صح عن الخليفة الأول أبي بكر ، 3إذ قال :إن قويكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه ،وإن ضعيفكم عندي قوي حتى آخذ الحق له. وعلى هذا الناموس تجري سياسة أهل الحق في الإسلام ،فإن اختل هذا الوضع انحل نظام الشرع ،وسادت الفوضى ،وضاعت الحقوق ،وذهب بهاء الإيمان ،وتزعزعت دعائمه. آدابا وصفات ينبغي أن يتصف بها فيويؤكد المؤلف على أن للقاضي حله وترحله ،فإن لكل نوع من الرجال صفات يختصون بها دون غيرهم ،ومن 209هدى الفاروق صفات القاضي ما يسمونه بآداب القاضي ،كاجتنابه مخالطة سائر الناس وغوغائهم. ويجب على القاضي أن يرتفع عن كل مستهجن ،ويجتنب سفاسف الأمور ودنيائها ويتباعد عن كل مسترذل حتى لا يمشي في الأسواق إلا لحاجة لا بد منها ،وله عيادة المرضى ،وشهود الجنائز ،والتسليم على الوافد والوارد من سفر ومن حج وغزو ،وطلب علم ،ويصحب أهل الفضل ،ويرافق الأخيار، ويجتنب مخالطة الأشرار ،ويقل الضحك وما يكون من نوع الخرافات ،ويتباعد من أهل الكبرياء وأهل الباطل ،ولا يعظم الجبابرة ما لم تدعه إلى ذلك تقية. ومن آدابه الورع والنزاهة والوقار ،وعدم الطيش ،والنباهة والحلم والشجاعة قاضيا حتى يكون اعتمادهوالسماحة ،والكرم إن كان ذا يسر ،ولا يكون القاضي كارها على الحق لا غير ،فإن اعتمد إلى غير الحق فليس بقاض ،وأن لا يكون للعزل ،مستو يا عند المدح والذم ،وأن يكون محتملا لهفوات الخصوم ،وله أن يعاقب من انتقصه ،أو نسبه للجور أو للجهل ،أو طعن فيه بحضرته. بعضا بما لا يليق ولو وللقاضي أن يعاقب الخصوم إن انتقص بعضهم أيضا أن يعاقب الخصوم بما يقتضيه نظره إذا تمردوا عليهبضرب ،وللقاضي في وجهه وبحضرته .وليس له أن يحكم لنفسه مهما كان ،بل عليه أن يرفع أمره إلى الحاكم الأعلى أو إلى قاض مثله. ومن الممنوع أن يتعالى مجلس الخصوم على مجلس القاضي ،ويجوز أن يقعد على مجلس القاضي ،ويجوز أن يقعد على كرسي ما لم يقصد بذلك مضطجعا أو متك ئا ،وله أن قائما أو راكبا أو التشبه بأهل الكبر ،ولا يحكم سيفا أو سو طا إن احتاج ،ولا يوقف الجنود بالسلاح أويمسك بيده درة أو العبيد إلا إن خاف ،ويتربع ليتمكن من المجلس. أيضا أن يكون الخصوم معه كأسنان المشط مع عدلهومن آداب القاضي مائة كتاب إباضي210 أحرارا في حوارهما ،ونقاشهما وحركاتهما ،وسكناتهما منبينهم ،وليجعلهما غير أن يخص أحدهما بشيء ما ،وإن شاء كتب مقالهما ،وجعله حجة عليهما اختلفا أو زادا أو نقصا في شيء مما يقتضيه خصامهما. ويحذر المؤلف القاضي أن يحكم في أمر به أقاربه ،وعلى القاضي أن يدفعهم إلى قاض آخر ،حتى لا يتبرم منه قريبه ،أو يلين هو إلى أحدهم بعاطفة تأثيرا على النفوس. القرابة ،فإن للقرابة وليس للحاكم أن يسير إلى منازل الخصوم ليحكم بينهم ،بل عليهم هم أن يأتوه ،إلا إذا كان الحكم يتوقف على أشياء نظرية لا يمكن الحكم فيها إلا بعد الاطلاع عليها ،وعلى هذا كان عمل الصحابة رضوان االله عليهم ،فإن إتيان القاضي للناس في بيوتهم إذلال للحق وخضوع للباطل ،وإهانة لما أمر االله بإعزازه ،وكيف يحكم على قوم في بيوتهم. وينتقل المؤلف إلى مهمة أخرى من مهام القاضي ،وهي مهمة الإفتاء، ويرى أن الإفتاء والحكم شيئان يرجعان إلى أصل واحد ،إلا أن الإفتاء يكون تشويش ا للحكم ،ذلك لأن الحكم يترتب على مقتضى المنطوق ،فإنه ربما كان الحكم لزيد فينقلب بلسان خصمه إلى عمرو ،وأشار إلى ذلك قول ! » :لعل أحدكم ألحن بحجته فأقضي له على نحو ما أسمع ،فمن قضيت له بشيء من حق خصمه« ،وفي رواية »من حق أخيه ،فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من أيضا علىالنار« .فدل ذلك على أن الحكم لا بد أن يترتب على المنطوق ،ودل أن حكم الحاكم لا يحلل ما حرم االله من حق الخصم خلافا لمن قال بذلك. وأوجب المؤلف المساواة بين الخصوم في الحكم ،واعتبر المساواة هي أول الواجبات في الحكم .فإن االله 8جعل القضاء بين العباد ميزا نا عدلا، بعيدا ،وإن االله يختبر العباد ،وأصدق وأمرا فصلا ،فإن خاف فقد ضل ضلالا مختبر بين العباد الحكم بينهم ،فإن الملائكة تشهده وتسجل حكمه. 211هدى الفاروق وتجب المساواة بين الخصوم في المجلس ،فلا يجلس أحد أو فريق في مجلس أدنى من الآخر ،أو في مكان أعلى من خصمه ،ولا يكلم فريقا بأعم أو أحدا دون خصمه ،فإن ذلك أكبر من المجلسبأخص من الآخر ،ولا يسار والسنة. للوعيد الذي جاء في الكتاب وكذلك يجب العدل في النظر بينهم ،فإنه إن التفت بنظره إلى أحدهم دون الآخر تألم الثاني ودخل في نفسه سوء الظن ،لأن محل الحكم محل سوء الظن للخصام الذي بينهم ،ولذلك تأثير معقول ،لا يخفى على أهل العقول. وأراد الشارع الحكيم أن يكون الناس في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد ،إذا تألم بعضه تألم كله ،وحكمة ذلك معروفة. وغير لائق بمقام العدل والإنصاف أن يرتفع أحد الخصوم على الآخر بين زعيما أو من شريفا أو يدي الحاكم الشرعي ،إلا أن يكون المدعى عليه الرؤوس العالية ،فيزجره الحاكم إن تعدى طوره. أحدا من الخصوم كقريب له أمأما بعد المحاكمة فلا مانع إذا قرب الحاكم صديق ،أو محترم في الناس؛ لأن الرسول ژ يقول» :أنزلوا الناس منازلهم« لكن في غير حال الخصام. ولا يخفى أن فصل الدعوى في الحكم إما بالبينة العادلة المقبولة، المفترض قبولها ،رضي بها الخصم أو لم يرض ،وإما باليمين عند العجز عن تاركا لها ،وليس هادرا بينته ، البينة ،أو رفضها المدعي وطلب يمين الخصم له بعد ذلك إن حضر بينته أن تقام له الدعوى من حيث أهدرها بنفسه ،فإن مختارا غير مجبور ولا مقهور ولا تقية فلا حق له ،فإن اليمينترك حقه بنفسه حق تام. واليمين يقسمها المؤلف إلى قسمين :يمين قطع ،ويمين علم ،أما يمين مائة كتاب إباضي212 قطعا أنه فعل كذا وكذا ،أو أنه لم يفعل أو أمر بالشيءالقطع فهي :أن يحلفن الفلاني أو لم يأمر ،أو قال كذا وكذا. غالبا المواريث والأنساب والمجهولات ،ونحوها،وأما يمين العلم فمحلها نسبا. وصفتها :أن يحلف الخصم أني لم أعلم بهذا المدعي ،ولم أعرف لزيد ويتناول المؤلف موضوع الصلح بين الخصوم .والصلح لغة :قطع المنازعة، وفسادا، وشر عا :عندما يحصل به ذلك ،وأحكامه أحكام البيع والشراء صحة فينقضه ما ينقض البيع من الجهالة والعيب ،أي :أنه إذا صح أنه ابتنى على جهالة لم يصح ،وكذلك إذا وقع الصلح على معيب فسد كالبيع. وقد دعا القرآن إلى الصلح في عدة آيات ،فقال تعالى ̄ ® ¬ ﴿ : ] ﴾ 2 ± °الحجرات ،[١٠ :وقوله تعالى- , + * ) ﴿ : ] ﴾ 2 1 0/ .النساء ،[١٢٨ :وقال رسول االله ژ » :الصلح سيد الأحكام« ،وقال » : ‰ردوا الخصوم لعلهم يصلحون«. وكون الصلح سيد الأحكام يكفي لمدحه والتنويه بشأنه ،وبذلك علا محمد ژ على قومه ،بل وعلى سائر الأنبياء إذ كان سيدهم وجاء في قوله تعالى] ﴾ F E D C B ﴿ :آل عمران.[٣٩ : ويؤكد المؤلف على أن مراجعة الحق أمر مفروض على المسلم ،وبالأخص أهل العلم الذين يعتمد الناس على أقوالهم ،وبالأخص المبتلون بالحكم بين الناس ،فإنهم أحوج إلى معرفة الحق ،فإن للحق طرقا بعضها أوضح من بعض، وبعضها أوصل إليه من بعض. وتناول المؤلف مسألة الشهادة ،وأكد أن الأصل في المسلم العدالة ما لم يظهر منه خلاف ذلك باتفاق أهل الحق في الإسلام ،فيشهد المسلم على المسلم ،ويشهد له ،فإذا ظهر من المسلم ما يخل بشهادته فإنها ترد. 213هدى الفاروق ولا يخفى أن تعديل الشهود وتجريحهم أمر حدث بعد الفتن التي وقعت بين المسلمين ،وبعد افتراق المذاهب ،حيث أصبح الناس في اختلاف وفي منهجا ،وظل كل فريق يعتقد شقاق ونفاق بالتأويل ،وبالجارحة ،ونهج كل قوم الحق عنده والضلال عند غيره ،ومشت على هذا الحال ،وهنا اضطر العلماء إلى التعديل والتجريح وتمحيص الأقوال ،ونسبة المنقول عنه إليه ،سواء كان كتابا عن أحدهم ،فأخذت أقوال ذلك لأجل إمكان مراجعةشيخ ا أخذ عنه أو المنسوب إلى من نسبت إليه. وكادت الأمانة أن تنتفي من الناس إلا ما شاء االله ،ولا يخفى أن المأمون في دينه الموثوق به في علمه لا يلزمه ذكر الأقوال التي يوردها عمن أخذها بعضا ،وليس من الضروري ذلك ،الل ه م عنه ،فإن العلماء يأخذون عن بعضهم إلا إذا كان من المدعين العلم ،أو المنتسبين إليه ،ولا علم معهم ولا أمانة لهم. وشهادة الأعمى جائزة فيما يدرك علمه بالصفة ،سواء كان علمه قبل ذهاب بصره أو بعد ذهابه ،مثل النكاح والطلاق والعتاق والنسب والإقرار في الأنفس وما دونها ،والإقرار في الأموال بالمعاملات والتعديات ،وقيل :تجوز شهادته فيما علمه قبل ذهاب بصره لا فيما علمه بعد ذهابه ،والبصر إذا استشهد في الليل فليشهد فيما تحقق له علمه. وفي الأثر جازت شهادة الأعمى فيما يستدل عليه بالخبر المشهور كالموت والنسب والنكاح ،والتجريح لا يخفى أنه الذي وقع على غير ما وقع للتعديل، ولعل الظاهر أن صفات التعديل ضدها صفات التجريح ،ولا يخفى أن صفات النفاق مبطلة للعدالة؛ لأنها منافية لها. قال رسول االله ژ » :آية المنافق ثلاث :إذا حد ث كذب ،وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ،فمن كان فيه واحدة من هذه الخصال ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها«. مائة كتاب إباضي214 ولا شك إن كانت فيه واحدة من هذه الثلاث الخصال ،لا تقبل شهادته، فإن النفاق من الأخلاق الذميمة التي تسقط بها العدالة ،فغير العدل ،وغير العاقل ،وغير الحر ،وغير الثقة لا تقبل شهادتهم. ويشير المؤلف إلى أن الإسلام جاء لجلب المصالح ودرء المفاسد ،وأن يكون كلهم صغيرهم وكبيرهم ،حرهم وعبدهم كإنسان واحد في أحوالهم ،كما أشار إلى ذلك الحديث» :مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالحمى والسهر« ،وإذا اتفقوا في أحوالهم لم يجد الشيطان وأحزابه خللا يلجون منه إلى الفساد. أما ما يجب على الحاكم في حال اجتماع الخصوم أن يرحب بالخصوم خصوصا إذا جاءوا من بعيد ،حتى ولو كان ويلطف بهم ،ويرحب بمقدمهم الحاكم يكرههم لأحوال سبقت منهم. ولا يخفى أن مجلس الحكم تحضره الملائكة السياحة في الأرض ،فتنظر خصما والملائكة معه ما ترى ،وتكتب ما تسمع ،ويرسل االله منهم من يكون خيرا كتبته في صحفها، خيرا ،أو سمعت لتشهد مجلس الحكم ،فإن رأت ورفعته إلى االله. وعلى الحاكم أن يكون مع الحق من أول وقت جلوسه ،ليستشعر أنه مسؤول عما يفعل أو يقول .ومن كان مع االله كان االله معه ،وإذا اختبر االله عبده داعيا إلى االله ،عاملا بواجباته ،ولا يفارق صابرا الله ،محاف ظا على دينه ووجده مرغما أحبه االله وأيده.أوامر االله في حال من الأحوال إلا ويفرق المؤلف بين الولي ،والثقة ،والأمين .فمن عرف بالأعمال الصالحة والموافقة في الديانة فهو ولي عدل ،ولو قبحت سيرته. وفرق بين العدالة ،والثقة ،والولي فقال :العدل هو المؤتمن على الأمانات، 215هدى الفاروق مصرا على بعض الأحداث المسارع إلى الخيرات ،المجانبولا يعرف تحمل من الأمانات والشهادات ،فتجب ولايته ،ولو للشبهات ،المأمون على ما لم تعرف موافقته ولا انتحاله لغير دين المسلمين ،ويظهر التمسك بأقوالهم، فهذا عدل. حدث به، والثقة هو المأمون على ما حمل من الشهادات ،وفي صدقه فيما ويفي بما عهد به ،ويؤدي أمانته ،وينصف من نفسه إذا عامل ،وينقطع إلى الخيرات ويجتنب الشبهات ،فهذا ثقة ،وقيل :ولي ،والولي هو من يعرف منه ذلك المذكور مع الموافقة في كل ما يستحق به الولاية ،ومن ثم قيل :إنه عدل وثقة وولي ،وعلى ذلك جازت شهادته ولا يسأل عنه في كل ما شهد به حتى يعلم منه غير ذلك. العدل بالمعنى العام المسلم المقر بتوحيد االله ، 8يؤدي الصلاة لوقتها، ويزكي ماله إذا وجبت فيه ،ويصوم رمضان ،ويحج البيت ،ويلتزم كل ما ألزمه الإسلام ،ويجتنب ما نهاه ،ولا يقارف بعمد إلا أن يكون جاهلا بها ،فإذا علمها تجنبها ،يؤدي الأمانة إلى أهلها ،ولا يخالف في العقيدة ما افترضه الإسلام، ويرجع إلى أقوال المسلمين إذا وقع في قضية الحق والباطل فيها ،في عفة تصونه عن الدنيا ،وما كان من الشبهات في الأمور ،ومن كان كذلك فهو ولي وثقة وعدل ،ومن لم يكن كذلك ففي النفس منه حرج ،والتثبت في الدين نجاة ،والتهور بغير روية خطر. ويختم المؤلف كتابه بالصلاة على النبي ! ،ويفسر هذا بأن الصلاة لغة: الدعاء ،وشر عا :الصلاة المعروفة ذات الركوع والسجود والقراءة ،والصلاة على النبي ژ هي :الدعاء له بالتوقير والتعظيم ،وقد أمر االله 8أن نصلي على النبي ژ في قولهL K J I HG F E D C B ﴿ : ] ﴾ O N Mالأحزاب.[٥٦ : 216 á«°VÉHE’G óæY áeÉeE’G ≥«Ñ£àdGh ájô¶ædG ø«H áfQÉ≤e ) »∏Yh êÉë∏H øH ô«`μHت ١٤١٧ه١٩٩٦/م( تقديم :د .عبد الرزاق قسوم مكتبة الضامري للنشر والتوزيع سلطنة عمان١٤٣١ ،ه٢٠١٠/م. عدد الصفحات ٧٢٩ :صفحة )جزءان( أصل الكتاب أطروحة لنيل درجة الماجستير بالمعهد العالي لأصول الدين جامعة الخروبة الجزائر. يتكون الكتاب من تقديم ،ومقدمة ،ومدخل ،وقسمين ،وخاتمة .يشير د. قسوم إلى أن هذه الدراسة قامت بتصحيح عدد من المفاهيم ،منها :إبطال القول الشائع بأن الإباضية خوارج ،فهم ليسوا من الخوارج ،بل هم من الخوارج فروا ،وسبب اختلافهم معهم ،موقفهم من دماء المسلمين. ولا يجتمع الإباضية مع الخوارج إلا في مبدأ واحد هو رفضهم للتحكيم في قضية »الفتنة الكبرى« ،وإن كانت الأهداف حتى في هذه القضية متباينة، السنة والجماعة والإباضية في مسألةوهناك تطابق وجهات النظر بين أهل  الإمامة في معظم الحالات. حير عقول أقطاب وقضية الإمامة ما تزال هي اللغز السياسي الذي الفكر السياسي في الإسلام .فشروط التأهيل للإمامة ،وطريقة الاختيار ،وتحديد مصطلح الحل والعقد ،كلها قضايا لا يزال الناس فيها مختلفين ،وفي هذا الاختلاف يبرز اجتهاد كل مذهب ،ويتبارى علماؤهم لإحراز قصب السبق. أما المقدمة فيذكر فيها المؤلف أن دراسته تتناول الفترة الزمنية المتعلقة 217الإمامة عند الإباضية بالقرون الثلاثة الأولى من الهجرة النبوية ،وذلك لعدة اعتبارات ،منها أن السنة ،وأن النظام النظام الأموي يعتبر أول كيان سياسي إسلامي جمع أهل  كلا من الإمامة في عمان وتيهرت؛ وبهذا تصبح عمليةالعباسي قد عايش  المقارنة ممكنة. السنة وهدف المؤلف من هذه الدراسة هو إزالة الفجوات بين مذهب أهل  ومذهب الإباضية الذي كان بأسباب عوامل تاريخية واختلاف سياسي صوري، من أجل الوصول إلى توحيد الفكر السياسي الإسلامي ،أو على الأقل التقريب بين وجهات النظر ،بحيث يصبح هذا عاملا من عوامل قوة المسلمين بعد أن سببا في ضعفهم.كان السنة والجماعة والإباضية ،ثم تعريفا لأهل قدم المؤلف في هذا المدخل أضاف خلاصة وجيزة عن الشيعة والمعتزلة بصفتها مدارس سياسية قائمة ،لها مساهمتها في بناء النظرية السياسية الإسلامية ،مبي نا الجذور ،وأصل التسمية، وأهم العقائد الدينية والسياسية لها. ويتساءل المؤلف :من هم الإباضية؟ إلى أين تمتد جذورهم التاريخية؟ ومتى كانت نشأتهم؟ وما هي علاقتهم بالخوارج؟ وما هي أصولهم العقدية؟ ١ الجذور إن الإباضية باعتبارها فرقة إسلامية متميزة بمبادئها ،تعود في جذورها التاريخية إلى مؤتمر السقيفة الذي دارت فيه المناقشات السياسية وفق الأساليب الحديثة في عصرنا ،وكانت مشكلة الخلافة أول مسألة أثارت النقاش ،وأدى وأحزابا. شيعا هذا إلى تفريقهم وقد تج لت خلال المناقشات التي جرت بين الصحابة في السقيفة ثلاث نظريات: مائة كتاب إباضي218 النظرية الأرستقراطية :القائلة بحصر الخلافة في بني هاشم وخاصة آل البيت ،وفي قريش ،أو في العرب ،أو في المهاجرين والأنصار. نظرية الإمامة لمن يستحقها :القائلة إن السلطة الزمانية حق للأمة ،بقطع النظر عن الانتماء النسبي. نظرية الوصية :القائلة بأن الإمامة ليست من صالح العامة ،بل هي ركن من أركان الدين ،وإن الأئمة لم يعرفوا بالوصف ،بل ع ينوا بالشخص ،فع ين يعين من بعده. النبي ژ عل يا ،وهو فجذور المذهب الإباضي تعود إلى مؤتمر السقيفة ،وذلك عندما نادى بعض الصحابة بأن الخلافة حق للأمة تختار من ترضاه لذلك من ذوي الكفاءات الدينية ،إذ القرآن لم ينص على ذلك ولا حصر النبي ژ الخليفة في قبيلة ما أو أسرة ما. السنة والجماعة في قول من قال وفي هذه المسألة يلتقي الإباضية مع أهل  بأنهم يعودون في جذورهم إلى مؤتمر السقيفة. فالمذهب الإباضي إذن لم ينطلق من الفراغ ،ولم يكن نتيجة ظروف معينة سياسية كانت أو تاريخية ،وما يؤكد ذلك هو بقاء هذا المذهب بمبادئه إلى يومنا هذا ،في حين اندثرت فرق أخرى لم تكن واقعية في مبادئها كفرق الخوارج ،أو كانت شعوبية في منطلقاتها كالقرامطة. ٢ النشأة والتسمية إن الحركات المذهبية الدينية أو السياسية تتبلور وتتحدد معالمها بعد أطوار قد تكون طويلة الأمد ،وقد تمتد إلى أجيال .والإباضية كفرقة مستقلة ،كغيرها من الفرق الدينية ،لم تتبلور أفكارها ولم تتحدد معالمها إلا بعد زمن طويل، وذلك لتسارع الأحداث ،وعدم استقرار الأوضاع وعدم تميز الفرق بعضها عن 219الإمامة عند الإباضية كثيرا تحديد تاريخ معين لظهور الإباضية كفرقة إسلاميةبعض؛ مما صعب ذات استقلال فكري وأصول واضحة. والإباضية نسبة إلى عبد االله بن إباض هذا من الناحية الاسمية ،أما من الناحية التأسيسية فإن جابر بن زيد يعتبر الزعيم الروحي للإباضية؛ ولهذا فإن اسم الإباضية اسم للتمييز وليس للتشريع. تأسيسا، وتذكر المصادر الإباضية أن المذهب الإباضي أقدم المذاهب اعتبارا من مؤسسه جابر بن زيد التابعي ،كما أن الإباضية يمثلون المجرى الطبيعي لنظام الحكم الإسلامي ،باعتبارهم الذين واصلوا الطريق بعد أفول علي وسيطرة معاوية بالغلبة لا بالشورى. نجم وتتجلى أحقية الإباضية بصفتهم المجرى الطبيعي لمسيرة المسلمين بعد علي بكونهم بقية من محبيه الذين أنكروا عليه فقط قبوله التحكيم ،وانتخابهم إماما بعده ،وعنهم تناثرت الفرق الخارجية بخروجهم لعبد االله بن وهب الراسبي عن أحكام الدين. ٣ الإباضية ليسوا خوارج أساسا على رواية مسألة التحكيم، مبنيا إن الظهور السياسي للإباضية كان والتي انتهت إلى عزل عمرو بن العاص لعلي بن أبي طالب ،وتثبيت معاوية. ووقعت الف رقة وتميزت الفرق بعضها عن بعض ،وكانت المسألة التي أثارت الخلاف بينهم هو موقفهم من دماء المسلمين أصحاب معاوية علي ،فاستحل الخوارج دماء هؤلاء وسبي ذراريهم ونسائهم وغنموأصحاب أموالهم ،أما الإباضية فقد قعدوا عن قتالهم واعتبروهم أهل توحيد ،لا يجوز قتلهم والتعرض لهم وسبي أطفالهم ونسائهم ،وهذا المبدأ هو الذي فرق بين الإباضية والخوارج الذين استباحوا دماء الموحدين. مائة كتاب إباضي220 حربا دعائية ضد معارضيهم منوقد اغتنم الأمويون هذه الفرصة فأشعلوا شيعة علي ،وخوارج ،وإباضية وصفوهم بالخوارج. إلا أن الجماهير أيام ظهور الإباضية لم تكن مستعدة من الناحية الاجتماعية والسياسية لتقبل أفكارهم؛ مما جعلها تتأثر بالدعاية الأموية ضدهم. كثيرا من وقد ظلم هؤلاء الإباضية وألحقوهم بالخوارج وألصقوا بهم الأفكار الخارجية ،وقسموهم إلى فرق لا علاقة لهم بها ،لا من حيث الأئمة، ولا من حيث الأقوال التي نسبت إليهم. فالإباضية يرفضون نسبتهم إلى الخوارج من قريب أو بعيد ،بل يطلقون على أنفسهم »أهل الحق«؛ لأنهم انفصلوا عن علي بن أبي طالب ولم ينفصلوا عن الدين ،وليس يلزم بذلك تكفير ولا تضليل ،بل لكل مجتهد نصيب. ٤ بعض عقائد الإباضية ١ الصفات الإلهية عين الذات. أبدا في الآخرة. ٢ رؤية االله لا تتحقق للإنسان ٣ القرآن مخلوق ،وعلمه تعالى قديم غير حادث. مجبرا عليه ولا خالقا ٤ الإنسان حر في اختياره ،مكتسب لعمله ،ليس لفعله. ٥ الخلود في الجنة والنار أبدي لا يشقى أهل الجنة ،ولا يسعد أهل النار. أيضا للذين عصوا ٦ الشفاعة هي زيادة للمؤمن في أجره ورفع درجته ،وهي ثم تابوا. ٧ الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان ،وعمل صالح تبرهن به الخوارج. ٨ وجوب الولاية للمطيع والبراءة من العاصي ،والتوقف إذا وجب ذلك. ٩ االله صادق في وعده ووعيده. 221الإمامة عند الإباضية ١٠ النفاق منزلة بين الشرك والإيمان ،وهو المنزلة بين المنزلتين في أحكام الدنيا. ١١ ولا منزلة بين المنزلتين في الآخرة ،فإما الجنة وإما النار. ١٢ إذا أطلقت كلمة الكفر على موحد ،فإن ذلك يعني كفر النعمة لا كفر الشرك. ١٣ الصحابة عدول كلهم ،وإنهم أولياء االله ،وروايتهم مقبولة ،إلا في الأحاديث المتعلقة بالفتن لمن خاض فيها. والسنة ،والإجماع ،والقياس ،والاستدلال، ١٤ مصادر التشريع هي القرآن، والقواعد الفقهية العامة ،والمقاصد الكبرى للشريعة. ١٥ الإمامة فرض ،ولا تنحصر في عصر خاص. ١٦ الإمامة أربعة أنواع :الظهور ،والدفاع ،والشراء ،ثم الكتمان. ١٧ لا يحل الخروج على الإمام العادل ،ويجوز الخروج على الجائر إذا غلب ظن النجاح. ١٨ الإمام يختار بالشورى ،وهو مسئول عن تصرفات ولاته. ١٩ وأبرز ما يتصف به الإباضية تمسكهم الشديد بالدين ،بأداء فروضه، وتجنب نواهيه ،وبفضل هاتين الصفتين استطاعوا أن يحققوا لأنفسهم ومجدا سياس يا ،خلد ذكرها التاريخ.  عزا دين يا، ٢٠ يعتمد الإباضية في رواية أحاديثهم على مسند الربيع بن حبيب ،ذي الحلقات الذهبية والسند الثلاثي :أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة ،عن جابر بن زيد عن ابن عباس أو غيره من الصحابة ،عن رسول االله ژ . ٢١ لهم نتاج فقهي غزير ،وفقههم دقيق شامل ،ويقارب فقه المذاهب الأربعة في أكثر الأحوال. وفي تمهيد القسم الأول من الكتاب يشير المؤلف إلى إدراج المذهبين: السني ،والإباضي من مبادئ وأسس متشابهة ،اتبا عا لقوله تعالىÈ Ç ﴿ : ] ﴾ Ð Ï Î Í Ì Ë Ê Éالنساء.[٥٩ : مائة كتاب إباضي222 السنية والإباضية بالتقارب الكبير فيوقد تميزت هاتان المدرستان  أكثر المحاور التي دار حولها الخلاف السياسي ،ولا تتعدى نقاط الخلاف بينهما أكثر من محورين وهذا ما ستعرضه الدراسة. وعنوان الفصل الأول» :مفهوم الإمامة ووجوبها ووحدتها« .فقد أثيرت حول الخلافة عدة مسائل ،كانت حول ماهيتها وشكلها وطريقها وغير ذلك ،كما أمرا دين يا عقديا أو عمل يا. أثيرت مسألة كونها السنة والإباضية إلى القول بأنها مسألة وفي هذه المسألة ذهب بعض أهل  دينية ،بينما يرى آخرون بأنها مسألة عملية لا عقدية ،إذ لو كانت الخلافة دينية لما اختلف العلماء حولها. أمرا دين يا أم عمل يا هو بيان الدرجة التي تحتلها هذه والمراد بكون الخلافة المسألة في حياة المسلمين ،فلم تكن الخلافة شر طا من شروط الإسلام ،أو عقيدة واجبة ،بقدر ما كانت من تنظيمات الحياة الواجبة الاتباع والتنفيذ .إذ كان لا بد من إقامتها حتى يقام الدين ،وتصان الأحكام ،وتنظم مصالح الأمة. أطلق الإباضية لفظ »الإمام« على ولاة أمورهم ،وقد ابتعدوا كل الابتعاد عن مصطلح الملك والسلطان الذي يرافق مفهوم القوة والظلم ،والشيخ أطفيش لا يرى تسمية الإمام العادل بالسلطان. السنة والجماعة ،فيما يخص تحديدولا يختلف الإباضية نظريا مع أهل  مصطلح ومفهوم الإمامة ،ونجد كلا الطرفين يشير إلى عدم التقيد بالأسماء والألقاب إلا بقدر ما يقام بها الخلافة النبوية ،وكذلك اشتراط العدالة والشورى في حال قيام الملك ،والأفضل لديهما الابتعاد عن الملك ،وخاصة إذا كانت مقدورا عليها. الخلافة النبوية السنة والجماعة في مفهوموما يلاحظ في المقارنة بين الإباضية وأهل  223الإمامة عند الإباضية مصطلح الإمامة ،هو التقارب الكبير بين جميع الأقوال الواردة ،وخاصة بين الشيخ ابن تيمية ومحمد الشيخ بلحاج. أما مسألة وجوب الإمامة ،فقد اعتنى الفقه السياسي عند الإباضية بمسألة الإمامة ووجوبها أشد الاعتناء ،فالإباضية كغيرها من الفرق الإسلامية ترى وجوب الخلافة وإقامتها من ق بل المسلمين. تماما عن نظرة وينظر الإباضية إلى قضية وجوب الإمامة نظرة لا تختلف سائر الفرق الإسلامية الأخرى ،ويدافعون عنها .وهذه من النقاط التي يختلفون فيها مع الخوارج. وينطلق الإباضية في نظريتهم القاضية بضرورة إقامة الإمامة من أن عقدها فريضة بفرض االله الأمر والنهي والقيام بالعدل والحقوق والواجبات. عموما يرون نصب الإمام ،بل ويقرر الفكر السياسي لديهم أنهفالإباضية إذا اتفقت الأمة على تولية إمام عادل أهل لتلك المسئولية ،فأبى أن يتقدم قتلوه ،فنظروا في غيره ،وذلك أسوة بالخليفة عمر بن الخطاب في وصيته لصحابة أهل الشورى الذين كلفهم باختيار خليفة من بعده ،حيث أمرهم قتل من يرفض الإمامة إذا اتفقوا عليه .ومثل ذلك فعله الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة مع حملة العلم إلى المغرب. وسنة وإجما عاالسنة والإباضية في قضية الإمامة ونصبها ،قرآ نا ويتفق أهل  والسنة الآمرة بإقامة الدين وتنفيذ الأحكام. واستدلالا ،من خلال أدلة القرآن وهذه الأخيرة لا تتم إلا بإجماع المسلمين حول إمام. ومن ناحية المنطق والمبدأ اللذان ينطلق منهما كلا المذهبين ،وهو اعتقاد السنة والإباضيةالمذهبين بوجوب إقامة الخلافة شر عا أو عقلا ،فإن أهل  وسمعا ،إلى جانب ما تقتضيه حاجةيعتقدون بوجوبها شر عا؛ أي :نقلا مائة كتاب إباضي224 الإنسان باعتباره حيوا نا اجتماع يا لا بد له من تنظيم إنساني ينظم له حياته، ويعكس فيه إنسانيته. أما عن وحدة الإمامة ،فيرى الإباضية أنه لا يجوز أن يكون إمامان للمسلمين في الدنيا إلا في حالة واحدة ،وهو أن يكون بينهما بحر ،فإن لم يكن بحر وعقد لهما في صفقة بطلت إمامتهما ،لأنه لا يجوز أن يكون إمامان مقترنين في الدنيا. والفصل الثاني عنوانه» :الإمامة بين النص والتعيين والاختيار« .ولا يوجد السنة والجماعة والإباضيةأي اختلاف يذكر بالنسبة للطريقة المعتمدة لدى أهل  في تولية الإمامة ،إلا ما كان من التغلب الذي اعتمده بعض فقهاء السياسة السنيين .ودعوا إلى الصبر عليه ما لم يأمر بمعصية ،وإن أكثرالشرعية لدى  ير العملية للصحابة في تولية الحكام لم تخرج منالس فقهائهم اتفقوا على أن  دائرة الاختيار ،بما في ذلك خلافة أبي بكر الذي وقع فيها بعض الاختلاف فيما بينهم .أهي بالنص من الرسول ژ أم بالاختيار؟ فأمر الرسول لأبي بكر أمرا بالصلاة دون الأمور الدنيوية.بالصلاة اعتبره البعض حرا اختيارا  أما الإباضية فلا خلاف عندهم في أن أبا بكر قد تم اختياره وبدون نص ،سواء كان إشارة خفية أو ظاهرة ،إلا ما كان من أمر الصلاة. أما جماعة الحل والعقد فقط أطلق عليها الإباضية مصطلح أهل الشوكة جميعا بعلي .وانطلاقا من أن أهل الحل والعقد يصلحون)أهل الشورى( أسوة لتولي منصب الخلافة مع وجود الأفضلية بينهم ،كما فعل عمر بن الخطاب عندما رشح ستة من أصحاب رسول االله ژ ،فهم يمزجون بين الصفات الدينية كالورع والحلم والنزاهة والبر للمسلمين ،ومن الصفات الأخلاقية كأن لا يكون مخلفا للعهد .والصفات الذاتية الجسدية كالسلامة منكذابا ولا حسودا ولا الجنون والعته والخرس وغيرها. 225الإمامة عند الإباضية ولم يتعرض علماء الإباضية إلى الأسماء التي يجب أن تطلق على أهل الحل والعقد ،بقدر ما تعرضوا ودارسوا واختلفوا في عددهم ،والمشهور عند الإباضية أن من يتولى النصب للإمام ويبايعه أولا خمسة ،وذلك أسوة بما حدث في العقد لأبي بكر وعثمان ،حيث جعلت المشورة في ستة ،وعقد لواحد ،وبقي الخمسة الآخرون حجة للانعقاد. وقد تناول الإباضية مسألة الاستخلاف وولي العهد ،وربطوا بين الاستخلاف والعقد بعاقد واحد للإمام المراد بيعته .وما يمكن استخلاصه السنة والإباضية فيما يخص مسألة الاستخلاف وولايةمن موقف أهل  السنة العهد ،هو النظرة المختلفة إلى الموضوع مبدئ يا ،حيث اعتبر أهل  صحيحا وعملا تا ما نافذا ،في حين اعتبره الإباضيةعمل أبي بكر مبدأ أساسا ،فإن مجرد ترشيح .وإذا كان الإباضية قد رفضوا مبدأ ولاية العهد العهد إلى واحد أو اثنين أو أكثر ،أو إلى ولد أو والد من باب أولى .ويعود السنة فيما بعد يجعل هذا إلى نبذهم لنظام التوريث ،لأن ما آل إليه أمر  السنة من جواز ولاية العهد مسألة غير مستحسنة وفيما يذهب إليه أهل  ولاية العهد للأبناء أو الوالد. وعنوان الفصل الثالث» :شروط الإمام ونصبه ،عزله والخروج عليه« .يطرح المؤلف في بداية هذا الفصل بعض الأسئلة :كيف يتم اختيار الإمام؟ وما هي والخلقية؟ وما هي المراسيم التي يتمأهم شروطه من ناحية الكفاءة الخ لقية بها نصبه؟ وفي حالة انحرافه عما تعهد به ،هل يحق للمسلمين التظاهر والخروج عليه؟ وما هي مراحل ذلك؟ السنية والإباضية اختلفتا حول الأخذ ويجيب المؤلف أن المدرستين  السنية لتنظيم عملية الاختيار والخروج على الإمام الجائر،ببعض النصوص  فقد اختلفت بعض آرائهم حول المسألتين .ومن جهة أخرى يعود هذا الاختلاف مائة كتاب إباضي226 إلى الطريقة التي يسلكها كل مذهب في تفسير تلك الأحاديث ،وإلى مدى تطبيقهم لذلك على ضوء القرآن الكريم. وإذا كان المسلمون قد اتفقوا على مجمل الصفات المخولة للإمام؛ كالصلاح والتقوى والورع والذكاء والرأي والشجاعة ،واعتبروها أصلية ،فإن الخلافات كانت تدور حول بعض الشروط التفضيلية. وبالرغم من عدم اتفاق علماء الإباضية المشارقة منهم والمغاربة حول الشروط الدقيقة للإمامة ،فإن المبدأ السياسي الذي تركز عليه نظريتهم السياسية هو المنهج الديمقراطي وأحقية كل متوفر على شروط الإمامة لمنصب الخلافة، دون إقامة وزن للون والجنس ،وهذا المبدأ لا يختلف فيه الإباضية إطلاقا. واختيار الإباضية لهذا الاتجاه كان مبن يا على أساس أنه المسار الوحيد الذي يضمن الحريات الأساسية للمواطن في إطار التعاليم الإسلامية .ومن أهم تلك الحريات مبدأ حرية اختيار من يتولى شئونه ،وبالتالي فإن أبسط حقوقه أن يتولى هو بنفسه تلك الحقوق. وقد انطلق الإباضية في تسمية الشروط منطلقا له استدلالاته الشرعية من نصوص صحيحة ثبتت عن النبي ژ وسنن عملية للصحابة ،كالإسلام والعقل والبلوغ والذكورية والحرية والعدالة التي تعد من الصفات الأساسية. ولم يلتفت الإباضية إطلاقا إلى شرط القرشية باعتباره من شروط الأفضلية، ويقابلون حديث »الأئمة من قريش« بحديث» :اسمعوا وأطيعوا لمن يحكمكم، ولو كان عبد ا حبش يا رأسه كرأس زبيبة«. والإباضية ليسوا وحدهم الذين تأولوا حديث »الأئمة من قريش« ،بل وافقهم في ذلك بعض القدامى ،مثل :الباقلاني ،وابن خلدون ،وأبو زهرة من المحدثين. 227الإمامة عند الإباضية السنة أما مسألة إمامة المفضول مع وجود الفاضل ،فإن الرأي الغالب لدى أهل  نظرا لقوة الحجج الواردة المجيزة لإمامته ،بينما لم يرد القول بالمنع هو الجواز ، السني على اتفاق في هذه المسألة. عند الإباضية ،وبهذا يكون الجمهور الغالب  وتمر عملية نصب الإمام من الترشيح وبيعته وصفقته بمراحل متشابهة  جدا السني والإباضي. بين المذهبين  إن مسألة الخروج على الإمام الجائر هي النقطة الثانية التي يختلف فيها السنيون في هذه المسألة من النصوصالسنة والجماعة .ينطلق  الإباضية مع أهل  الآمرة بالصبر ،في حين يقابل الإباضية تلك النصوص بأخرى تحث على الضرب على يد الظالمين. السنة ويعرض الفصل الرابع» :أنواع الإمامة« .وقد تميز الإباضية عن أهل  والجماعة بخصوص مسألة تنوع الإمامة .وسبب انعدام هذه الميزة لدى  السنة يعود بالدرجة الأولى إلى ما تمتعت به هذه الفرقة من مكانة سياسية مهمة على الصعيد الإسلامي ،وريادتها للدول الإسلامية. إن الواقع الإباضي قد ظل فترة في مرحلة الكتمان ،وهذه المرحلة قد طالت .فالإباضية لم يظهروا بدولتهم منذ عدة قرون .وقد ساهمت عدة عوامل في عدم ظهور الإباضية بدولتهم من جديد ،وعلى رأس هذه العوامل ق لة عدد الإباضية ،ويرجع هذا إلى انهماكهم في الإصلاح الداخلي للمجتمع ،ثم التخلي عن الدعوة إلى مبادئهم ،وكذلك تعاقب الظروف غير الملائمة كالاستعمار الأجنبي ،والمواقف الإسلامية غير الواضحة نحو المذهب الإباضي .وقد ساعدت هذه الظروف في جعل الإباضية في حالة دفاع مستمرة. كثيرا فيبالإضافة إلى تشتت الإباضية عبر العالم الإسلامي الذي ساهم عدم التحام الإباضية ،فضلا عن السياسات المتبعة إزاء بعض الأقليات الإباضية في بعض الدول الإسلامية ،وخاصة اتباع سياسة الحصار العقدي والتذويب. مائة كتاب إباضي228 تغيرت في وفيما يخص مرحلة الظهور التي ينشدها الإباضية فإن النظرة قد عصرنا الحاضر ،وبحدوث تطور كبير في نظرة الفرق الإسلامية إلى المسألة المذهبية ،بدأت مرحلة التقارب وعملية تنقية الآراء المذهبية من بقايا الشعوبية وتقليد الآراء .وهذه النظرة الجديدة جعلت الإباضية يشعرون بخفة حدة التوتر العقدي؛ وبالتالي ينزلون من أبراجهم الدفاعية )الكتمان الخفي( إلى الساحة الإسلامية الكبيرة ،متعاونين مع الفرق الأخرى فيما اتفقت عليه ،ومتسامحة فيما اختلفت فيه. نظرا لما سبق ذكره منكما أصبحت مرحلة الظهور مرحلة بعيدة المنال عوامل الانفتاح المذهبي. السنة والجماعة والإباضية«. ويتناول القسم الثاني »تطبيق الإمامة عند أهل  وقد انطلق التطبيق العملي للإباضية في بناء نظامهم السياسي في عمان وتيهرت وخلقا .وانطلق أهلعلى أساس شوري ،بالاختيار الحر للإمام أكثر كفاءة خلقا السنة في ذلك بمخالفة أهم قاعدة سياسية إسلامية في الحكم والسياسة ،وهي عضدا. قاعدة الشورى والاختيار .فأصبح الملك استبعد الإباضية من حكمهم نظام ولاية العهد ،واعتبروا ما قام به أبو بكر مع عمر بن الخطاب مجرد ترشيح .واعتمدوا في التولية على العصبية الدينية، ثم مبدأ التوازن الاجتماعي .وهذا ما ظهر في تيهرت عندما التجأت القبائل إلى حصر الإمامة في العائلة الرستمية خشية التنازع عليها .أما في عمان فإن أمر السنة فقد أخذواالإمامة قد سار عاديا بانتقال الإمامة بين عدة قبائل .أما أهل  بمبدأ ولاية العهد ،وحددوا لذلك شرو طا وضوابط ،إلا أن أكثر خلفائهم قد أفرغوه من المضمون والقواعد التي سار عليها أبو بكر وما شرعه فقهاؤهم. اعتمد الإباضية في السياسة بناء الدولة وتسييرها على أساس ديني بمفهومه الواسع ،وبدون إعطاء المذهبية والعرق واللون أي اعتبار ،ولم يتبع الخلفاء 229الإمامة عند الإباضية السنيون نفس السياسية ،بل عمد البعض منهم وهذا خاص بالعباسيين إلى الاستعانة ببعض الموالي من أجل توزيرهم وإدارة الأقاليم ،لضمان الولاء للبيت الحاكم .فكان المقياس هو مدى التأييد ،بدلا من الكفاءة الدينية ،وعلى مستوى السياسية الداخلية التزم الإباضية منهج الحرية في التعبير والمذهبية في شروطها السلمية بين جميع المذاهب الإسلامية كالواصلية والمالكية ،الذين كانوا يمثلون الأغلبية بعد الإباضية ،والأحناف في تيهرت .في حين لم يشهد النظام الأموي والعباسي مثل هذه السياسة ،فقد سار أغلب الخلفاء على سياسة مصادرة الحريات الأساسية ،وعاشت بعض الفرق الإسلامية إما في الداخل مكتفية بأمرها ،أو في الخارج تبني لها كيانات سياسية ،كالفاطميين والإباضية. أما في مسألة وحدة الإمامة ،فقد وفق الإباضية إلى تطبيق هذه النظرية، العماني والنظام الرستمي في زمن واحد ،إلا أنه كان بينهماحيث قام النظام السنة فإنهم لم يبقوا قبلة واحدة حاجز بحري وكيان مخالف لهم .أما أهل  السنة والجماعة .وإذا كانت أنظمة المغرب العربي في ذلك العهد قدلفرقة أهل  سمحت لها نظرية وحدة الإمامة بالقيام ،فإن ذلك غير مسموح به للمشرق الأقصى ،كمنطقة فارس التي قامت على يد بني بويه ،ومنطقة خراسان وما وراء النهر التي كانت في يد السامانيين ،وهما اللتان لم تكونا مفصولتين عن الدولة الإسلامية ببحر أو عدو. اعتمدت المصادر والنفقات المالية في الدولة الإباضية على ما حددها الشرع الإسلامي مع زيادة الضرائب التي كانت تؤخذ من التجارة البعيدة ،وهذا ما خالفت فيه السياسة المالية الأموية والعباسية ،بإنشائهم موارد غير شرعية. وكذلك بالنسبة للنفقات التي كانت في أغلبها تخدم الحكام. وعلى الصعيد الخارجي اتبع الإباضية مبدأ حسن الجوار وسياسة الباب السنية فقد واصل المفتوح ،طبقا لمبدأ »أهل القبلة أمة واحدة« .أما الأنظمة  مائة كتاب إباضي230 بعض الخلفاء وخاصة في العهد الأموي سياسة الفتح الإسلامي وتوسيع رقعته. السنيين لم ينتقل إلى المجتمع،إن الانحراف الذي أصيب به أكثر الحكام  محصورا فيما يخص الأمور السياسية كالإمامة وشروطها وطرقبل بقي الوصول إليها تلك التي بقيت مناقشتها محظورة .وهذه السياسة أدت إلى أن يبتعد العلماء عن هذا الجانب مرغمين. وفي المجال الإداري سار الإباضية على سياسة اختيار الأكثر كفاءة والذي يضمن حسن التنفيذ .واتبع الخلفاء الأمويون والعباسيون سياسة اختيار الأكثر السنة وفاء للقصر .فكان الوزراء الإباضية وزراء تنفيذ ،وأغلب وزراء أهل  وزراء تفويض. وفي مسألة الإقالة لم يكن التطبيق الإباضي فيها واضح ،ويعود ذلك إلى السنة والجماعة عدم وضوح مدى العجز الذي يتسبب في عزل الإمام .أما أهل  نظرا لنمط الحكم الوراثي.فإن هذه المسألة لم ترد في أفكارهم السياسية كثيرا في تطبيق آرائهم إن ما يمكن الخروج به هو أن الإباضية قد وفقوا نظرا السياسية .ولم يسقطوا في الهوة السحيقة الموجودة بين النظرية والتطبيق ، لما تميزت به آراؤهم من الواقعية والابتعاد عن المثالية والحماس الديني. نظروا آراءهم السياسية .وكذلك السنة عندما  وهذه الميزة لم تتوفر لأهل  الجانب التطبيقي الذي بدأ بالضربة التي وجهت إلى نمط الحكم الإسلامي، فجاءت السياسات بعد ذلك منحرفة؛ لأن النتائج عادة لا تكون وفق المقدمات. ويختم المؤلف دراسته بأن الدعوة إلى تقريب المذاهب الإسلامية ليست دعوة إلى نصرة مذهب على حساب آخر ،ولكنها دعوة إلى تنقية المذاهب من الشوائب التي أثارتها العصبيات والنعرات الطائفية ،وأذكتها العقلية الشعوبية، ولن يتم التقارب إلا بالمعرفة والتعارف والاعتراف بين جميع المذاهب. 231الإمامة عند الإباضية تلميذا لواصل تلميذا للإمام زيد بن علي ،وزيد وقد كان الإمام أبو حنيفة تلميذا لجعفر الصادق ،كما جلسابن عطاء ،وكان الإمام مالك بن أنس البخاري إلى عمران بن حطان الخارجي يتلقى عنه الحديث ويدونه .فلماذا التقى هؤلاء وافترقنا نحن؟! 232 á«°VÉHE’G ∫ƒ°UCG »a á«°†ØdG Oƒ≤©dG ) »KQÉëdG ¿Éa«∏°S øH óaM øH odÉ°S ï«°ûdGت ١٤٢٧ه( وزارة التراث القومي والثقافة مسقط سلطنة عمان١٤٠٣ ،ه١٩٨٣/م عدد الصفحات ٣٤٢ :صفحة يتكون الكتاب من مقدمة ،وثلاثة أبواب ،وخاتمة في ذكر ملوك الإباضية، والسنة. وتكملة تبين كيف كان اعتماد الإباضية على الكتاب يشير المؤلف في المقدمة إلى أن من جملة المذاهب الإسلامية مذهب والسنة والإجماع والقياس فيما لم يرد فيه نص.الإباضية المعتمد على الكتاب تأليفا ،فهم أول منتأسيسا ،وعلماؤه أكثرهموهذا المذهب أقدم المذاهب دون الفقه.دون الحديث ،وأول من دون تفسير القرآن ،وأول من الباب الأول :في ذكر شيء من حياة النبي ژ وخلفائه الراشدين .والنبي ژ هو محمد بن عبد االله بن عبد المطلب .وما أجمع عليه المؤرخون في نسبه ژ أنه متصل بالنبي إسماعيل بن إبراهيم . 6وروي عنه ژ أن االله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ،واصطفى قريش ا من كنانة ،واصطفى من قريش بني هاشم ،واصطفى النبي ژ من بني هاشم. وأجمع المسلمون على أنه ژ أفضل المخلوقات على الإطلاق من ملائكة وجن وإنس وغيرهم .وتوفي أبوه وهو في بطن أمه .ولد بمكة ليلة الإثنين عند الفجر لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول ،وفيها يحسن الاحتفال بمولده الشريف وإكثار الصلاة والسلام عليه .وذلك بعد مقدم الفيل بشهر عام ٥٧٠ 233العقود الفضية في أصول الإباضية ميلادية ،وحملت به أمه يوم الإثنين ،وتوفي يوم الإثنين ،وهاجر من مكة يوم الإثنين ،ووصل المدينة يوم الإثنين ،وتوفي يوم الإثنين ،وكان من مبعثه إلى مهاجرا ثلاث عشرة سنة كاملة ،ومكث بالمدينة عشر سنينأن دخل المدينة وشهرين إلى أن مات سنة أربع وستين من عام الفيل وسنة ستمائة وثلاثة وثلاثين للميلاد. ثم تحدث المؤلف عن أبي بكر الصديق .وقد أجمع الصحابة على أنه أحب الناس إلى رسول االله ژ .وأجمعوا على استخلافه ،وتخلف عن بيعته سعد بن عبادة وعلي بن أبي طالب. وظهر جوهر الصديق وصلاحيته للخلافة حيث انتصب في مواقف أهمها أن وجد الصحابة محتارين بعدما فاضت الروح الشريفة الطاهرة .فخطب أن الأنبياء يدفنون في المواضع التي قبضوا فيها. وقال عنه رسول االله ژ » :أرحم أمتي بأمتي أبو بكر« ،سماه االله صديقا ومتقيا حيث قال﴾; : 9 87 6 5 4 3 ﴿ : ]الزمر ،[٣٣ :واستخلفه رسول االله في الصلاة وهي عماد الدين وغيره مأموم. ولما توفي رسول االله ژ خرج عمرو بن العاص بأعيان أهل عمان إلى خطيبا ،فقال بعد أن حمد االلهالمدينة ،ولما اجتمعوا بأبي بكر الصديق قام فيهم وأثنى عليه :معاشر أهل عمان ،إنكم أسلمتم طو عا لم يطأ رسول االله ساحتكم بخف ولا حافر ،فجمع االله على الخير شملكم ،ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح فأجبتموه إذا دعاكم ،فأي فضل أبر من فضلكم ،وأي فعل أشرف من فعلكم ،كفاكم قول رسول االله ژ شرفا إلى يوم المعاد. ثم يذكر المؤلف خلافة عمر بن الخطاب ، 3ولقبه الفاروق ،ولد بعد رسول االله ژ بثلاث عشرة سنة ،وأسلم قبل الهجرة بأربع سنوات ،فما زال الإسلام منذ أسلم في تقدم حتى مات .أحيا االله به سن نا كثيرة ،وأمات على يديه مائة كتاب إباضي234 بد عا كثيرة ،وفتحت على يديه ما يلي جزيرة العرب من العراق والجزيرة والشام ومصر وطرابلس وفارس وكرمان. استخلفه أبو بكر على الناس وكتب الاستخلاف عثمان بن عفان ،ورضي به جميع المهاجرين والأنصار ،فعدل في القضية وقسم بالسوية .وكان أول من دون الديوان ،وأول من سمي بأمير المؤمنين،أمر بقيام شهر رمضان ،وأول من مصر الأمصار ،وأول من جعل أول التاريخ بالهجرة ،وأول من جمعوأول من الناس على أربع تكبيرات في الصلاة على الميت ،وأول من جعل الطلاق بثلاث فأكثر في لفظة واحدة ثلاثا ،وأول من جعل جلد السكران ثمانين جلدة، وأول من قسم الفيء بالتفضيل وكان قسمه بالسوية ،وأول من اتخذ المزكين في الشهادة ،وأول من اتخذ بيت المال. ولعمر بن الخطاب أقوال وآراء يقال :إنها خاصة به ،منها :إسقاط خمس ذوي القربى الثابت في قوله تعالى) ( ' & % $ # " ﴿ : * ] ﴾ , +الأنفال ،[٤١ :ومنها إسقاط حق المؤلفة قلوبهم الثابت في قوله تعالى﴾ x w v u t s r q ﴿ : ]التوبة ،[٦٠ :ومنها إسقاط القطع عن السارق عام الرمادة الثابت في قوله تعالى: ﴿ ] ﴾ 2 1 0 /المائدة ،[٣٨ :ومنها :ترك أخذ الزكاة من الناس عام الرمادة وأخذها في العام الثاني الثابت في قوله تعالى¦ ¥ ﴿ : §̈ ﴾ ]الأنعام ،[١٤١ :ومنها أنه أعتق أمهات الأولاد على أربابها وقد ثبت رقهن في زمان النبي ژ وأبي بكر ،ومنها إسقاط اسم الجزية والذلة عن نصارى تغلب الثابت في قوله تعالىR Q P O N M ﴿ : ...﴾ T Sإلى قوله] ﴾ i h g f e d c ﴿ :التوبة،[٢٩ : ومنها رد الأملاك والأصول من الفيء إلى أربابها بعد أن حازتها جيوش عبيدا لهم. المسلمين وأعتقهم على المسلمين بعد أن كانوا 235العقود الفضية في أصول الإباضية ومنها إجلاؤه اليهود من الحجاز ،والنصارى من فدك ،وكانوا بها زمان النبي ژ وأبي بكر على العهد ،وكل هذا منه آراء ثاقبة وأنظار صائبة ينظر إلى مصلحة أعم وفائدة أتم. وتوفي عمر لسبع بقين من ذي الحجة تمام ثلاث من طعنة أبي لؤلؤة ودفن معإماما للجماعة ، كبر لصلاة الصبح غلام المغيرة بن شعبة بعدما صاحبيه :رسول االله ژ ،وأبي بكر 3وهو ابن ثلاث وستين سنة ،فكان سنه وسن أبي بكر وسن رسول االله ژ متفقا ،ومدفنهم في حجرة عائشة زوج النبي ژ وكانت مدة خلافة عمر عشر سنين وثلاثة أشهر. استعمل عمر بن الخطاب على عمان عثمان بن أبي العاص الثقفي سنة خمس عشرة فكتب إليه أن يقطع البحر إلى كسرى بفارس فندب عثمان العمانيين وانتدب إليه ثلاثة آلاف. وتناول المؤلف بعد ذلك خلافة عثمان بن عفان ،وقد ولد بعد النبي ژ بست سنين ،كان يلقب بذي النورين ،وهما رقية وأم كلثوم ابنتا النبي ژ تزوجهما واحدة بعد الأخرى ،جعل عمر بن الخطاب الأمر بعده شورى بين ستة من أصحاب النبي ژ ،فجعلوا الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف ،فتنازل عن حقه من الخلافة فاختار عثمان بعد مشاورة طويلة مع الصحابة .وتمت البيعة له في اليوم الثالث من شهر محرم عام أربعة وعشرين للهجرة. قدما في الجهاد وفتح الثغور ،فافتتح ما وراء وسلك عثمان مسلك صاحبيه الدروب من الشام وأذربيجان وخراسان بعد الري وسجستان وأفريقية ،وكانت الفتوح هكذا متوالية في أطراف الأرض حتى وقع ما وقع من الافتراق والشقاق ،وقتل عثمان لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين يوما. يوم الجمعة ،وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر ويقال :له أقوال وأفعال خاصة به ،منها أنه أول من جمع بين ابنتي نبي، مائة كتاب إباضي236 وأول من هاجر بأهله ،وأول من جمع الناس على قراءة ،وأول من أتم في صبرا ،وأول خليفة حوصر، السفر ،وأول من اتخذ السجن ،وأول خليفة قتل وأول خليفة أحدث القعود على المنبر في الخطبة لما كبر ،وأول من اتخذ شرطة ،وأول من باع ضالة الإبل. ويعرض المؤلف خلافة علي بن أبي طالب ابن عم رسول االله ژ وصهره على ابنته فاطمة الزهراء وأبي الحسنين ابنيهما .ولد بعد رسول االله ژ باثنتين وربي منذ عقل في أنوار النبوة وثلاثين سنة ،عاش في حجر رسول االله ژ ، وأحضان السعادة ،ولم يتدنس بدنس الجاهلية ،وشهد مع رسول االله ژ جميع الغزوات إلا غزوة تبوك ،بويع له بالخلافة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ،وصارعها خمس سنوات حتى قتل لسبع عشرة خلت من رمضان سنة أربعين للهجرة. كان على آية في غزارة العلم واستنباط للأحكام وحله المشكلات ،وكان عمر بن الخطاب يرجع إليه في القضايا المشكلة ،وفيه يقال» :قضية ولا أبا حاملا. حسن لها« ،وكان يتنفس الصعداء ويقول :عندي علم لم أجد له كان أول من أسلم من الصبيان ،وأول من بارز في الإسلام ،وأول من كفله رسول االله ژ ،وأول من استنبط معضلات الأحكام ،وأول خليفة ترك دار الهجرة ،وأول البارزين يوم بدر ،وأول من قاتل أهل البغي من المسلمين. ويقال :إن له أقوالا خاصة به منها :أن كل مجتهد مصيب ،فيعذر عثمان ويعذر قاتله. رويت عنه أحاديث كثيرة في مسند الربيع بن حبيب من رواياته أحاديث وأبواب مفردة له خاصة. ويذكر المؤلف في هذا الباب تنبيهان: 237العقود الفضية في أصول الإباضية الأول :في الخوارج .والخوارج يسمون المحكمة والحرورية والمارقة والشراة ،كل هذه الأسماء يطلقها عليهم خصمهم ومحبهم من المؤرخين. واختلف الناس في سبب تسميتهم خوارج ،فقيل :لخروجهم عن الإمام علي ،وقيل :لخروجهم عليه .وقيل :لخروجهم عن الدين في رأي مخالفيهم، وهو معنى تسميتهم بالمارقة .وقيل :لخروجهم عن ضلالة التحكيم ،وقيل: جهادا في سبيل االله .وهو معنى الشراة إذ شروا أنفسهم؛ أي :باعوهالخروجهم جهادا في سبيل االله. وأول من فتح باب الخروج المصريون والبصريون والكوفيون وأهل النهروان وأهل المدينة وفقهاء العراق إذ خرجوا على الحجاج وكلهم تابعون صالحون ،وتسميتهم المحكمة لقولهم :لا حكم إلا الله. وأما الحرورية فنسبة إلى »حروراء« الموضع الذي نزلوا به بعد انفصالهم ألفا ،وقيل :أربعة وعشرون ألفا،من جيش الإمام علي ،فنزل بها منهم اثنا عشر وهم من خيار أهل الأرض يومئذ وقراؤهم وزهادهم ممن بقي من كبار الصحابة والتابعين ،وفيهم من أهل بدر ومن شهد له رسول االله ژ بالجنة. علي عن أهل النهروان التنبيه الثاني :في حكم الخوارج .سئل الإمام أمشركون هم؟ قال :من الشرك فروا .قيل :أمنافقون هم؟ قال :المنافقون لا يذكرون االله إلا قليلا ،ولكن إخواننا بغوا علينا. وقال :لا تقاتلوا الخوارج ،فليس من قصد الحق فأخطأه كمن قصد الباطل فأصابه .ويعذر الخوارج من جهات: علي لم تثبت بإجماع الصحابة. أولا :أن إمامة الإمام ثانيا :أن في خروج طلحة والزبير ومن معهما أسوة لخروج هؤلاء فكيف يحل لأولئك الخروج ،ويحرم على هؤلاء. مائة كتاب إباضي238 ثالثا :أن الإمام عل يا أعطى الحكمين العهد والميثاق على قبول ما يحكمان به ،وقد حكما بخلعه فلمن خرج عنه العذر إذا تمسك بهذا. رابعا :ذكر الطبري :أن الإمام عل يا قب ل التحكيم مكر ها خوفا على نفسه، وعليه فقد سقطت إمامته لضعفه. علي أن كل مجتهد خامسا :على رأي بعض المسلمين ومنهم الإمام مصيب ،وهؤلاء اجتهدوا. سادسا :أن فيهم صحابة ،وللصحابة مزية ليست لغيرهم. سابعا :لهم حرمة لا إله إلا االله. أما ما روي أنهم يكفرون عل يا أو يطلبون منه الاعتراف بالكفر ،فهذا الكفر والسنة. إن صح كفر النعمة لا كفر الشرك ،وهو ثابت بالكتاب تكون الأدب عقيدة راسخة لا تزعزعهاوكان في الخوارج كل العناصر التي الأحداث ،وتحمس شديد لها تهون بجانبه الأرواح والأموال ،وصراحة في أحدا وديمقراطية حقة لا ترى الأمير إلابأسا ولا ترهب القول لا تخشى رسما كأحدهم ،ولا العظيم إلا خادمهم ،ورسم الطريق الذي ينبغي أن يسلكوه مستقيما لا عوج فيه ولا غموض يجب أن يعدل الخليفة والأمراء ،وألا يقاتلوا حتى يعزلوا ويقتلوا. والسنة من غير أن ويجب أن يسير المسلمون حسب نصوص الكتاب ينحرفوا عنها قيد شعرة ،وألا يقاتلوا ليحل محلهم مسلمون مخلصون طاهرون، ويجب أن يسلك السبيل إلى ذلك من غير تقية ولا مجاملة ولا مواربة .ويجب أن يقاتل الواقع كما هو ،ويشخص كما هو ،ويعالج كما هو على طريقة عمر بن غالبا الخطاب لا على طريقة عمرو بن العاص ،ووراء ذلك كله نفوس بدوية فيها كل الاستعداد للقول وفصاحة اللسان. 239العقود الفضية في أصول الإباضية من هذا كله ترى الخارجي قد اجتمعت له العاطفة القوية والأداة الصالحة للتعبير عنها .وقد كان لأدبهم لون خاص غير لون الأدب المعتزلي ،وغير لون الأدب الشيعي. أدب المعتزلة أدب فلسفي فيه عنصر المعاني أغلب وأقوى ،وأدب الشيعة باك أو أدب حزين على فقدان الحق ،أو أدب غضبان على أن الخلافة لمأدب توضع موضعها .أما أدب الخوارج فأدب القوة ،أدب الاستماتة في طلب الحق ونشره ،وأدب التضحية فلا تستحق الحياة البقاء بجانب العقيدة ،وأدب التعبير البدوي الذي لا يتفلسف ولا يشتق المعاني ويولدها كما يفعل المعتزلة ،هو في بعض الأحيان أدب غضبان ،ولكنه ليس غضبان من جنس غضب الشيعة، فالشيعة يغضبون لشخص أو أشخاص ،ولكن الخوارج يغضبون للعقيدة وللإسلام عامة بقطع النظر عن الأشخاص. وهم في حياتهم يبحثون عن المثل الأعلى للوجود ،لا يعرفون هزلا في خمرا ولا مجو نا فلا نجد في الحياة ،فلا يعرفون هزلا في الأدب ،ولا يعرفون خمرا ولا مجو نا ،إنما يعرفون الجهاد والقتال والتربية المتزمتة القاسيةأدبهم التي تخرج رجالا أقوياء لا يحرصون على الحياة فكذلك أدبهم .والخوارج في جميع أصنافها تبرأ من الكاذب ومن ذي المعصية الظاهرة ،فكذلك أدبهم. وأكثر ما عيبوا به كثرة الصلاة وتلاوة القرآن والعبادة التي هي صفات الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ،يدعون وطمعا .وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهمربهم خوفا وقياما. سجدا سلاما ،والذين يبيتون لربهمالجاهلون قالوا ويذكر المؤلف أنه بهذا القول لا يدافع عن الصفرية والأزارقة والنجدية الغالية ولكن يدافع عن الصحابة الأكرمين والخلفاء الراشدين. ويختم المؤلف هذا الباب في فضل الصحابة @ ،فقد أثنى االله 4عليهم مائة كتاب إباضي240 في كتابه العزيز في كثير من آيات القرآن العظيم ،ولو لم يكن فيهم إلا قوله ج ل وعلاH G F E D C B A@ ? > = ﴿ : V U T S RQ P O N M L K J I ] ﴾ \ [ Z Y X Wالفتح.[٢٩ : وكان التابعون يسلكون بالصحابة هذا المسلك ،ويقولون في العصاة منهم أربابا بعد ذلك .والصحابة قوم من الناس لهم هذا القول ،وإنما اتخذهم العامة ما للناس وعليهم ما عليهم ،من أساء منهم ذممناه ،ومن أحسن منهم حمدناه، وليس لهم على غيرهم كبير فضل إلا بمشاهدة الرسول ومعاصرته لا غير ،بل ربما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم؛ لأنهم شاهدوا الأعلام والمعجزات ،فمعاصينا أخف لأننا أعذر. والباب الثاني» :في التابعين وانتشار المذهب الإباضي« ،ويذكر المؤلف أن إمام الإباضية هو جابر بن زيد الذي ولد سنة واحد وعشرين ،وقيل :سنة اثنتين وعشرين ،وقيل :سنة ثماني عشرة في خلافة عمر بن الخطاب ، 3 وتوفي عام ثلاثة وتسعين ،وقيل :سنة ثلاثة ومائة ،وقيل :سنة ستة وتسعين، والصحيح الأول. وكان لجابر بن زيد المكانة العليا مع ابن عباس وعائشة أم المؤمنين ،وهما أغلب من أخذ عنهم ،وكانت عائشة تقدم له وسادة إذا دخل معها ،وكان يسألها عما دق وجل ،ودخل عليها هو وأبو بلال مرداس بن حدير فذكرا لها حديث خروجها على الإمام علي ،فتابت من ذلك واستغفرت. أما مرداس بن حدير فهو ممن شهد صفين هو وأخوه ،وأنكرا التحكيم على الإمام علي وفارقه مع أهل النهروان ،وكان من جملة الذين نجوا من مجتهدا كثير الصواب القتل ،لزم جابر بن زيد في غالب أوقاته ،وكان مرداس في لفظه. 241العقود الفضية في أصول الإباضية أما عبد االله بن إباض وإليه ينسب الإباضية فهو الذي فارق جميع الفرق الضالة عن الحق ،وهو أول من بين مذاهبهم ونقض فساد اعتقاداتهم بالحجج القاهرات والآيات المحكمات النيرات والروايات الشاهرات ،نشأ في زمن معاوية بن أبي سفيان وعاش إلى زمان عبد الملك بن مروان ،وكتب إليه بالسيرة المشهورة والنصائح المعروفة. أما أبو عبيدة فهو ثالث الأركان وحامل لواء العلم والإمامة للمذهب الإباضي للمغرب وحضرموت و عمان ،فقد حبس نفسه في التعليم أربعين سنة، تارة يعلم في غاره ،وتارة خارج الغار. مختفيا في غار ومناقبه وصفاته لا يحصيها كتاب ،فقد عاش زما نا طويلا خوفا على نفسه وعلى الدين أن يذهب ،وكان طلبة العلم يتهافتون عليه في ذلك الغار ،فقد أقبل بعضهم من القيروان ،وبعضهم من عمان ،وبعضهم من مصر ،وبعضهم من خراسان ،وبعضهم من المدينة. ولأبي عبيدة مسائل وأقوال عمل على غيرها في المذهب الإباضي منها: يوما، جواز الفصل بين الصلاتين لمن جمع ،ومنها أن أكثر الحيض سبعة عشر ومنها أن حد الحيازة عشرون سنة ،ومنها أن الموالاة والترتيب في الوضوء غير السنة. واجبين ،والممنوع مخالفة  ويذكر المؤلف في هذا الباب تنبيهين: الأول :في التعريف بالربيع بن حبيب .الذي نزل البصرة في محلة يقال لها: الحربية ،لم يعرف تاريخ مولده ولا موته في أي شهر وفي أي سنة ،إلا أن الثابت وجوده في زمان جابر بن زيد المتوفى عام ثلاثة وتسعين هجرية ،كان أبوه حبيب بن عمرو أحد تلامذة جابر بن زيد. الثاني :في أصول الخلاف بين الناس وافتراق الأمة .يشير المؤلف أن مائة كتاب إباضي242 الأصول التي يرجع إليها جميع المسلمين على أنواع الاختلافات بينهم هي والسنة والإجماع ،ولكن الخلاف معهم في الإجماع والقياس ،وهماالكتاب الثالث والرابع من الأركان عند جمهور المسلمين المعتبرة أقوالهم وأفعالهم. وقال بعض الفقهاء إن الاختلاف بين أهل ملتنا من ثمانية أوجه: الأول :اشتراك الألفاظ والمعاني. الثاني :الحقيقة والمجاز. الثالث :الإفراد والتركيب. الرابع :الخصوص والعموم. الخامس :الرواية والنقل. السادس :الاجتهاد فيما لا نص فيه. السابع :الناسخ والمنسوخ. الثامن :الإباحة والتوسيع. أما أصول فرق المسلمين فثلاث :الخوارج ،والشيعة ،والمرجئة ،وأما جدا لا يحصرها الثلاثة والسبعون الواردة في الحديث،فروعهم فكثيرة ولا تكاد تجد فرقة إلا وأهلها مفترقون قولا وعملا وربما يفضي بهم الحال إلى القتال بعد الجدال. ويختم المؤلف هذا الباب في ذكر أقوال العلماء المخالفين والموافقين في المذهب الإباضي .فمن المتقدمين المبرد ،قال في »الكامل« :قول ابن السنة .وابن حزم حسبما حكاه عنه ابن حجرإباض أقرب الأقاويل إلى  في »فتح الباري« قال :أسوأ الخوارج حالا الغلاة ،وأقربهم إلى قول أهل الحق الإباضية. 243العقود الفضية في أصول الإباضية والباب الثالث» :في ذكر انتشار المذهب الإباضي إلى المغرب والمشرق«. وفرخ بالبصرة ،وطار إلى ومما ذكر في كتب الإباضية أن العلم باض بالمدينة ، عمان ،فقد انضم إلى مدرسة جابر بن زيد عدد كبير من العلماء والفقهاء وتخرج منها عدد إلى الآفاق. عددا من الفصول ،منها :فصل في أئمة الإباضيةويضم هذا الباب بحضرموت واليمن ،وفصل عن انتشار دعوة الإباضية إلى مكة والمدينة ،وآخر في أئمة الإباضية في ليبيا وتونس والجزائر وذكر المشهورين من العلماء، وفصل ثالث في أئمة الإباضية في عمان وذكر المشهورين من العلماء. ويضم هذا الباب تنبيهين: الأول :في ذكر بعض مؤلفات علماء الإباضية. والثاني :في بعض مسائل اختلفت فيها المدارس ،ورأي الإباضية فيها. فمن ذلك صفات الباري سبحانه هل هي هو أو هي غيره؟ فمذهب الإباضية أن صفاته الذاتية هي ذاته لا بشيء زائد عليه .ووافقهم على هذا ابن العربي الأندلسي المالكي وقال :لا فرق بين قول القائل :إن صفات االله غيره وقول اليهود :إن االله فقير إلا تحسين العبارة. ومن ذلك خلود الفاسق الذي مات غير تائب في النار ،ووافق على هذا بعض المالكية ،وقليل من الشافعية. ومن ذلك القول برؤية الباري سبحانه في الدار الآخرة ،فالإباضية يمنعون ذلك ،والمنع قول عائشة من الصحابة ،وغيرهم من المعتزلة والشيعة ،والحجة قوله تعالى] ﴾ : 9 8 7 6 5 ﴿ :الأنعام ،[١٠٣ :والإدراك يكون بالقليل كما يكون بالكثير فنفى ذلك عن نفسه. وأيضا قولهم في القرآن ،فعند المحققين من الإباضية أنه مخلوق إذ مائة كتاب إباضي244 لا تخلو الأشياء إما أن تكون خالقة أو مخلوقة ،وهذا القرآن الذي بأيدينا نقرؤه أيضا. مخلوق؛ لا خالق لأنه منزل ومتلو ،وهو قول المعتزلة وكذلك تأخذ الإباضية بنفي التشبيه عن االله ، 4وكل ما ورد مما يوهم التشبيه فهو مؤول بما يليق به كقوله تعالى] ﴾ > = < ﴿ :طه [٣٩ :فد لت هذه الآيات أنها غير مراد ظاهرها. أخذا من قوله ومن ذلك قولهم في مرتكب الكبيرة :إنه كافر كفر نعمة تعالى] ﴾ | { z y x w v u t ﴿ :المائدة ،[٤٤ :وقوله تعالى ~ } | ﴿ :ے ¡ ¬ « a ©̈ § ¦¥ ¤ £ ¢ ® ﴾ ]آل عمران ،[٩٧ :فكل من لم يحكم بما أنزل االله وهو مستطيع فهو كافر، وكل تارك للحج وهو مستطيع فهو كافر نعم االله التي أنعم بها عليه من الاستطاعة. ومن أقوالهم في أصحاب النبي ژ إنهم كغيرهم في الأعمال لا في درجات الصحبة والمنزلة الأخروية ،فالعاصي منهم كغيره من بعده .وقد رجم رسول االله ژ الزاني منهم ،وجلد الشارب ،وقطع يد السارق منهم، وهجر عاصيهم. ومن ذلك براءتهم من العاصي وهي هجرانه وبغضه على معصيته، وهي مأخوذة من فعل النبي ژ في الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم بما رحبت. ومن ذلك أنهم يؤمنون بالقضاء والقدر وأنه من االله ،وأن الخير والشر خلق السنة في هذا. من االله وكسب من العباد ،وهم يوافقون أهل  ومن ذلك أنهم لا يرون لزوم الإمامة في قريش ،وهو قول الأنصار، وعمر بن الخطاب وأبي ذر من الصحابة. 245العقود الفضية في أصول الإباضية ومن ذلك أن الرضاع قليله وكثيره يحرم التزاوج ،وهو ظاهر القرآن. ومن ذلك أنهم يحرمون حلق اللحية ،وقد أجمع على توفيرها الصحابة، ونهى رسول االله ژ عن حلقها. أخذا من قوله تعالىY X ﴿ :ومن ذلك تحريمهم شرب الدخان ] ﴾ Zالأعراف ،[١٥٧ :وهو من الخبائث المبعوث محمد ژ بتحريمها .وقد اتفق الأطباء على أنه مضرة ،وتجنب المضرة واجب شر عا وعقلا ،وفيه إضاعة للمال ،وقد نهى رسول االله ژ عن إضاعة المال. 246 á«aæJ »a ójóéàdGh OÉ¡àL’G ôKCG ¿É«H á«eÓ°SE’G äÉ©aàéadG »∏«∏îdG óaM øH óaMCG ï«°ûdG وزارة الأوقاف والشؤون الدينية سلطنة عمان. عدد الصفحات ٤٣ :صفحة يتكون الكتاب من مقدمة ،وثلاثة محاور ،وخاتمة .يذكر المؤلف في تقديم الكتاب أن الاجتهاد إذا كان ضرورة ملحة في كل عصر تحتمه حاجة الناس إلى الأحكام الشرعية ليلبسوها ما يصدر منهم من أعمال وليحلوا بها ما يستجد عندهم من مشكلات ،ولينزلها على ما يواجهونه من أحداث لم تكن مطروحة من قبل على الساحة الفقهية ،فإن عصرنا هذا بما يشهده من تطور مذهل وما يعايشه من تقدم سريع لقاطرة الحياة ،وما يتقاذف إليه من قضايا وأحداث محيرة للألباب هو أحوج ما يكون إلى مواكبة تطوره وتقدمه في المجالات المادية بحركة علمية أصيلة تستمد من أبحر الشريعة الواسعة ما يضفي على نسيجا متق نا من أحكامها العادلة. كل قضية تستجد ومشكلة تعرض واصطلاحا .والاجتهاد: وتعرض المقدمة معنى الاجتهاد والتجديد لغة الجهد بضم الجيم بمعنى الطاقة ،والاجتهاد هو بذل أقصى الطاقةمن في الشيء. اصطلاحا لا يفترق عن معناه اللغوي ،فقد ع رف بأنه» :بذل الوسع فيوهو وعرفه الآمدي بأنه» :استفراغ الوسع نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط« ، في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه«. 247بيان أثر الاجتهاد والتجديد في تنمية المجتمعات الإسلامية وقريب من هذا تعريف الإمام السالمي له في »طلعة الشمس« ،حيث قال: »هو أن يطلب الفقيه حصول حكم حادثة بشرع ويبذل في ذلك مجهوده بحيث لا يمكنه المزيد عليه في الطلب« .وقد شرح بهذا تعريفه له في متنه »شمس الأصول« ،حيث قال: »الاجتهاد هو أن يستحصلا حادثة بحكم شرع نزلا« جميعا تنتهي إلى وهذه التعريفات لا يوجد بينها فرق كبير ،بل تجدها حقيقة واحدة ،فإن »بذل الوسع« يعني» :استنفاد الطاقة« فإن الوسع هو عين الطاقة التي هي مناط التعبدات الشرعية كما في قوله تعالى©̈ § ﴿ : ] ﴾ ¬ « aالبقرة ،[٢٨٦ :وهي عبارة عما آتاه االله تعالى النفس البشرية من قدرات ذهنية أو بدنية أو مالية؛ ولذلك قال تعالىZ Y X W V U ﴿ : [ ﴾ ]الطلاق.[٧ : وإذا كانت الفرائض البدنية منوطة باحتمال الطاقة البدنية لها والفرائض المالية منوطة باتساع القدرة المالية لها ،فإن الواجبات الذهنية هي في حدود القدرات الذهنية التي أوتيها المتعبد بها ،فالعالم المجتهد عليه أن يبذل وسعه في استنباط الحكم الشرعي لإضفائه على قضية حادثة لم ينص على حكمها السنة ولم يحدث إجماع على حكمها ،كما أن عليه أنفي الكتاب ولا في  يقارن بين الأدلة وأقوال من سبقوه عندما تكون القضية سبق أن طرحت؛ حتى يستخلص الأرجح من الأقوال والأصح من الأدلة فيعتمده. وبهذا يكون قد بذل وسعه واستقصى ما عنده حتى وصل إلى ما يرى أنه لا مزيد عليه مما يمكنه أن يأتي به. جديدا ،وفي الاصطلاح ع رف بالعديد أما التجديد لغة :فهو تصيير الشيء من التعاريف ،منها أنه» :إبراز ما لم يكن بارز ا أو إنشاء ما لم يكن منشأ ،أو من الإيجابية في العمل والاستمرار فيه«. مائة كتاب إباضي248 والتجديد يشمل جانب الاجتهاد الشرعي في الفقه كما يشمل الجانب الاصطلاحي؛ وذلك بالدعوة إلى االله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفع الش به ونصب الحجج ،لإعادة قوة الدين إليه وتمكينه من النفوس، وتحكيمه في شئون الحياة والتبصير بهدايته من العمى ،والإنقاذ بحكمته من الضلال والردى. وبهذا يتضح أن التجديد والاجتهاد بينهما علاقة الخصوص والعموم ،فكل اجتهادا. اجتهاد يأتي بجديد هو تجديد ،وليس كل تجديد عنوان المحور الأول» :في الاجتهاد المشروع وتوقف حياة الأمة عليه«. ويشتمل هذا المحور على ثلاثة مباحث: المبحث الأول :عن »شروط بلوغ درجة الاجتهاد« ،إذ إن الاجتهاد لا بد أن ومؤطرا في الإطار الشرعي الذي أذن االله 4يكون مضبو طا بالضوابط الشرعية بالاجتهاد فيه ،فلا يكون اتبا عا للهوى ولا استجابة لمصلحة شخصية أو نزولا إلى الواقع لإخضاع حكم الشريعة له ،وإنما هو عبادة وتقرب إلى االله تعالى وتطبيق لحكم الشرع على الواقع حتى يكيف بمقتضاه ،ولذلك كان من الواجب أن يحترم مقام الاجتهاد ،فلا يدنس بهوى ولا يتطاول عليه إلا من كان أهلا له ،وهم العلماء الربانيون الذين غاصوا في أعماق لجج الشريعة فسبروا حك مها وأحكامها ،وتصوروا أصولها وفروعها ،وفهموا مقاصدها وغاياتها؛ فتكونت عندهم ملكة تمكنهم من التمييز بين الأدلة قويها وضعيفها ،وبين أقوال من سبقهم راجحها ومرجوحها ،كما تمكنهم من استنباط الأحكام من أصول الشريعة لإنزالها على الوقائع والأحداث المستجدة التي لم يسبق طرحها على ساحة البحث من قبل. عبر عنهم القرآن ب»أولي الأمر« في قوله تعالىd ﴿ :وهؤلاء هم الذين ] ﴾ o n m l k j i h g f eالنساء.[٨٣ : 249بيان أثر الاجتهاد والتجديد في تنمية المجتمعات الإسلامية وشروط بلوغ الاجتهاد هي: الشرط الأول :العلم بالقرآن الكريم. والمراد به أن يكون على علم بالدلالات القرآنية على الأحكام الشرعية، قادرا على التمييز بين محكمه ومتشابهه ،ومجمله ،ومفصله،بحيث يكون وعامه وخاصه ،ومطلقه ومقيده ،ومنسوخه وناسخه ،فلا ينساق مع المتشابه ويدع المحكم ،ولا يدور في حلقة المجمع ويدع الخروج منها من أبواب المفصل ،ولا يتبع العمومات ويعرض عن مخصصاتها ،ولا يتجاوز حدود المقيد ليرتع في سعة المطلق ،ولا يأخذ بالمنسوخ ويدع الناسخ ،وإنما عليه أن بصيرا بهذا كله.يكون بالسنة النبوية. الشرط الثاني :العلم  وهي ما ثبت عن النبي ژ من أقواله وأعماله وتقريراته ،فإن كل ذلك حجة معتبرة ودليل للمجتهد ،وذلك لوجوب طاعته ژ وثبوت أن ما ينطق به من أمر ظاهرا ،إلا أنه وحي باطن، وحيا التشريع داخل في الوحي وإن لم يكن كالقرآن والسنة أوحيت إليه معانيها ،وهو الذي صاغ ألفاظها،فالقرآن أوحي إليه لف ظا ومعنى  وقد دل على أن ما ينطق به داخل في الوحي قوله تعالى1 0 ❁ . - , + ﴿ : ] ﴾ 4 3 2النجم ،[٤ - ٣ :كما دل على وجوب طاعته واتباع قوله تعالى" ! ﴿ : ] ﴾ - , + * ) ( '& % $ #النساء.[٨٠ : بالسنة ما يتعلق بروايتها وما يتعلق بدرايتها.ويدخل في العلم  وقد اختلف العلماء فيما يكفي المجتهد لتمكينه من الاجتهاد من معرفة السنة النبوية ،فمنهم من ذهب إلى التيسير حتى اكتفى بخمسمائة حديث وهي المعروفة بأحاديث الأحكام ومنهم من شدد حتى لم يكتف بما دون خمسمائة ألف حديث. مائة كتاب إباضي250 والسنة رواية ودراية وبالجملة ،فإن من لم يكن ذا مكنة من علوم القرآن قادرا على الاجتهاد؛ لأنه بحاجة إلى الجمع بين ما في المسألة منلا يكون السنة ليتمكن من وضعها في نصابها. دليل من القرآن أو  الشرط الثالث :العلم بمواقع الإجماع. جمع عليها؛ إذ لا اجتهاد فيما سبق فيه الإجماع ،كمالئلا يجتهد في قضية أ أنه لا اجتهاد في المنصوص على حكمه ،ولا اختلاف في اشتراط هذا الشرط عند من يرى الإجماع حجة ويرى إمكانه. كثيرا ويؤكد المؤلف على ضرورة تيقن الإجماع فيما يعول فيه عليه ،فإن من الناس يدأبون على نقل الإجماع من غير تثبت ،ولربما وجد في قضية واحدة نقل إجماعين متناقضين من ق بل طرفين يعزز كل منهما رأيه بالإجماع الذي يدعيه!! ولربما زعم من زعم انعقاد الإجماع في أمر وهو مع ذلك يرد نقول الإجماع المشهورة التي تضافرت عليها الآثار الثابتة بدعوى »أن من ادعى الإجماع فقد كذب وما يدريه لعل الناس اختلفوا وهو لا يدري«. على أن الإجماع إنما يتعزز بالنص فإن اشتهر الإجماع في أمر دل عليه نص ثابت حكمنا بثبوت ذلك الإجماع بلا محالة. وتصريفا وبلاغة.وإعرابا الشرط الرابع :معرفة العربية لغة لأنها وعاء الشريعة ،فبها نزل القرآن ،وفي قالبها صيغت أحاديث النبي ژ ، فيتعذر معرفة الأدلة الشرعية على من لم يتقنها ،فإن االله سبحانه خاطب الأمم بألسنتهم لإقامة الحجة عليهم ،قال تعالىk j i h g f ﴿ : ] ﴾ v u t s r q p on m lإبراهيم [٤ :وقد أرسل نبيه ژ باللسان العربي ،وكان به خطاب جميع البشر بهذا الدين؛ لأن االله تعالى بعثه في محيط العرب فكانوا هم أول من شرفوا بهذا الخطاب الرباني، 251بيان أثر الاجتهاد والتجديد في تنمية المجتمعات الإسلامية يسر لهم معرفةوبلسانهم كان خطاب غيرهم من الأقوام والأمم لأن االله سبحانه  هذا اللسان بالتعلم والممارسة. ويكتفي من دراسة اللغة لبلوغ درجة الاجتهاد في الشريعة أن يتمكن منها المجتهد حتى يستطيع النظر في الأدلة الشرعية ويتفادى الخطأ في حملها على قادرا على الاجتهاد في نفس علوم اللغة. معانيها ،ولا يلزم من هذا أن يكون والحاصل :أن الاجتهاد في الفقه موقوف على ملكة في العربية تمكن صاحبها من تعميق نظره في الأدلة الشرعية ،وما توحي به من المعاني وما تحتمله من الوجوه ،مع المقارنة فيما إذا تعددت وجوه المعاني حتى يتبين ما هو الأرجح منها ،ولا يخفى أن هذه الملكة إنما هي موقوفة على خبرة بالقواعد النحوية والتصريفية ،والاطلاع على النكات اللغوية ،وتذوق لمعاني مفردات الكلمات من خلال تركيب جملها وممارسة لآداب العربية. الشرط الخامس :معرفة أصول الفقه. وهي القواعد الكلية التي يضبط بها الاستدلال بالأدلة الشرعية التفصيلية في فروع الفقه ،ودراستها من أهم ما يجب أن يتوفر للمجتهد ،إذ بدونها يتعذر عليه ضبط الاستدلال حتى يكون في محله. ولم يكن الرعيل الأول بحاجة إلى دراسة هذا الفن ليتمكن من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية؛ لأن ملكة ذلك كانت عندهم متوفرة بما أوتوا من حدة الذهن وعمق النظر وسعة المدرك ،وكانوا على صلة بأهل الشريعة ومصدرها سيدنا محمد ژ الذي كان يتنزل عليه الوحي بين ظهرانيهم ويتلقونه منهم غض ا طريا ،كما أنهم لم يكونوا بحاجة إلى دراسة قواعد النحو لوقاية ألسنتهم من اللحن ،فكانوا يرفعون الفاعل والمبتدأ والخبر ،ويحملون الأمر على الوجوب ما لم تصرفه عنه قرينة ،والنهي على الحظر ما لم يدل دليل على خلافه من غير أن يرجعوا في ذلك إلى قواعد معينة. مائة كتاب إباضي252 وعندما تقادم العهد فقدت هذه الملكات فدعت الضرورة إلى ضبط الاجتهاد بضوابط من هذا الفن تنبجس من ممارستها تعين على الفهم وتقي من الأخطاء والزلل. والواجب توفره من هذا العلم عند المجتهد قدر ما يمكن الاستنباط ويعينه على فهم الأدلة وكيفية أخذ الأحكام منها ،ولا يحدد ذلك بمقدار معين مما يستوعبه منه ،فإن فهوم الناس تتفاوت وملكاتهم تتباين ،فقد تحصل لبعضهم ملكة واسعة بقراءة الشيء اليسير من أصول الفقه ،ويكون غيره بخلافه. الشرط السادس :العلم بمقاصد الشريعة. فإنه علم بالغ الأهمية في فهم الشريعة وإنزال أحكامها على أرض الواقع، فإن الشريعة كما قال ابن القيم » :مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد«. وقد بين الشاطبي ارتباط الشريعة بالمصالح وكيف يراعى هذا الارتباط حيث قال» :الشريعة مبنية على اعتبار المصالح ،وأن المصالح إنما اعتبرت من حيث وضعها الشارع كذلك ،لا من حيث إدراك المكلف ،إذ المصالح تختلف عن ذلك بالنسب والإضافات«. إن المصالح يجب أن تؤطر في الإطار الشرعي ،وكل ما خالف الشرع فليس من المصلحة في شيء ،وهذا يعني أنه يجب أن يوصد الباب في وجوه الذين يتلاعبون بالشريعة من خلال دعواهم أنهم يراعون المصالح ،ويهدفون إلى تحقيق المقاصد ولو كان ذلك على حساب الدين والأخلاق. ولذا وجب على المجتهد أن يضبط اجتهاده من خلال فهمه لمقاصد الشريعة وإدراكه لحكم أحكامها. ولهذا الشرط أهمية في بلوغ درجة الاجتهاد ،وهو وإن لم يذكره كثير من 253بيان أثر الاجتهاد والتجديد في تنمية المجتمعات الإسلامية والسنة وفهم العلماء ،فلعلهم اكتفوا عنه بما اشترطوه من العلم بالقرآن ما فيهما ،إذ لا ريب أن علم المقاصد إنما هو منبجس من ينابيعهما. الشرط السابع :المعرفة بالسيرة النبوية وس ير الصحابة وأحوالهم. نص على هذا الشرط الإمام السالمي في »طلعة الشمس« ،وعلله بأن السيرة النبوية فيها معرفة أحواله وأفعاله عليه أفضل الصلاة والسلام ،وأن الدين وس نة الخلفاء الراشدين من بس نتي ما عليه الصحابة @ ،وقد قال ژ » :عليكم بعدي«. لسنته ،فإنهموقد جعل سلوك أصحابه سنة يقتدى بها وهي بلا ريب امتداد لم يقتبسوا إلا ما يخرج من مشكاته ! من ضياء يمزق رداء الظلام ،ولم يرتووا إلا من كأسه المترعة بالهداية. الشرط الثامن :تصور أحوال الناس والظروف التي يعايشونها. فإن هذا هو فقه الواقع ومعرفة المجتهد بذلك أمر لا مناص منه وإلا كان عاجزا عن إنزال أحكام الشرع بأرض الواقع ،ومعنى هذا أن على فقهاء الأمة أن يكونوا متصورين للعصر الذي يعيشون فيه وما يلابسه من تطورات وما يقارنه من ظروف وملابسات ،إذ من خلال ذلك تتوفر لهم ملكة النظر في الأحداث ،على أن هذا الشرط لا يختص بمجال الاجتهاد فقط ،بل التجديد بمفهومه الواسع يتوقف عليه ،فإن داعية الإصلاح إن لم يكن على خبرة بظروف مجتمعه ومشكلات أمته تعثر في طريق الإصلاح ولم يصل إلى مبتغاه. وما أحوج فقهاء عصرنا إلى الإلمام بظروف العصر وقضاياه التي تحتاج إلى حل فقهي سريع ليتميز الحق فيها من الباطل ويتبين الجائز من المحظور، وقد نبه على هذا الفقهاء المعاصرون. وقد استجدت في عصرنا هذا معاملات متعددة لم يكن لمن سلف من مائة كتاب إباضي254 علماء الأمة اطلاع عليها وهي بحاجة إلى حلول شرعية ،فلا بد للفقيه الذي ملما بجوانبها ليتمكن من إنزال حكم الشرع عليها.يفتي فيها أن يكون  الشرط التاسع :الأمانة والتقوى. من الضروري أن يكون المجتهد راسخ الإيمان باالله واليوم الآخر حتى يحترز من الخطأ ويبتعد عن مخالفة حكم االله ويخلص في أداء أمانته لوجه االله سبحانه ،فإن قليل العلم مع الورع والتقوى كثير البركة ،وكثيره مع عدمهما معلما فحسب.ومعلما ،ولم يبعثه لا بركة فيه ،وقد بعث االله رسوله ژ مزك يا وهناك شروط اخ تلف فيها ،منها» :العلم بأصول الدين« وهي قواعد الاعتقاد ،والتحقيق أنه لا بد للمجتهد من أن يكون على دراية بهذا الفن بقدر ما يصون نفسه من الزلل ويحميها من اتباع الهوى. ومنها» :علم المنطق« ،فقد اشترطه بعضهم وأبى ذلك آخرون ،والحق أن الاجتهاد لا يتوقف عليه؛ لأن معيار التفكير السليم هو الكتاب العزيز والهدي والسنة في قضايا الاجتهاد. النبوي ،فلا داع إلى إقحام ما لا صلة له بالكتاب ومنها» :العلم بفروع الفقه« فقد اشترطه البعض ولم يشترطه غيرهم ،بل قالوا :إن اشتراطه يؤدي إلى الدور ،والصحيح أنه لا بد للمجتهد أن يستبصر بطرق الاجتهاد التي سلكها من قبله من المجتهدين ،وهذا ما لا يتم له إلا إذا كان عارفا بمجالات اجتهادهم ،وبهذا يتم له التصور ،ويتمكن من أداء اجتهاده على الوجه السليم ،وكل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والمبحث الثاني» :في ضرورة الاجتهاد في حياة الأمة«. ويرى المؤلف أن االله تعالى قد جعل حياة البشر غير جامدة على وضع معين وطور محدود ،وإنما جعلها تندرج في مدارج الأطوار .ولا فرق في هذا بين حياة الأفراد وحياة الأمم ،كما أن الفرد لا يجمد على وضع معين كذلك 255بيان أثر الاجتهاد والتجديد في تنمية المجتمعات الإسلامية الأمم تنتقل من وضع إلى آخر وتواجه في انتقالها أحوالا متباينة كل حال منها تفرز مشكلات متنوعة وقضايا مستحدثة ،وقد فرض االله على أمة الإسلام أن تستهدي بهداه ،وأن تسلك صراطه المستقيم. المبحث الثالث» :في خطأ وجمود الذين أغلقوا باب الاجتهاد«. مفتوحا على مصراعيه يرى المؤلف أن الضرورة داعية إلى بقاء باب الاجتهاد ليلج منه أصحاب الفهوم النيرة والبصائر المتوقدة للبحث عن حلول مشكلات الأمة. على أن الحياة بتطورها الدائب تستدعي الاجتهاد والنظر حتى فيما سبق بيانه وحله من ق بل المجتهدين الغابرين؛ ذلك لأن الفتوى قد تتغير بتغير الأزمان في بعض القضايا وهي القابلة للتغير ،فلا معنى لتقليد الذين سلفوا فيما لم يجمعوا عليه. مفتوحا كثير من العلماء النابهين ،ومن وقد نص على بقاء باب الاجتهاد بين هؤلاء علماء الإباضية الذين نصوا على أن حجر الاجتهاد على العالم القادر عليه ضلال ،وقد لخص موقفهم هذا الشيخ علي يحيى معمر في كتابه: »الإباضية في موكب التاريخ«. وقد عرف الإباضية منذ أول وهلة أن هذه الفكرة الجامدة لا تتماشى مع روح الإسلام الذي يصلح لكل زمان ومكان ،فإن الإسلام بعد أن رسم الحدود التي لا ينبغي تخطيها أراد للمسلمين أن ينطلقوا بمواهبهم وأفكارهم، ويفتحون المغاليق وينيرون السبيل أمام أفواج البشرية في جميع الأعصار والأمصار ،لم يحجر على أواخر الأمة ما أباحه لأوائلها ،والمسلمون في جميع العصور لا يتفاضلون إلا بالتقوى والإيمان والعمل الصالح. ولما كان الإباضية يعتقدون أن ما منحه االله لأوائل هذه الأمة لا ينغلق عن مفتوحا على مصراعيه، آخرها ،وإن باب الاجتهاد الذي تركه محمد ژ لا يمكن أن يغلق فقيه مغلق الفهم؛ ولذلك فقد ناقشوا قضية الاجتهاد والمستوى العلمي الذي يؤهل صاحبه للقيام بهذا العبء. مائة كتاب إباضي256 والسنة، ويؤكد المؤلف على أن إغلاق باب الاجتهاد والنظر في أدلة القرآن وحصر الناس فيما تلقفوه من أقوال أئمتهم الغابرين جناية كبرى على الدين ونكاية بالأمة؛ لأنه يؤدي بها إلى الإفلاس والحيرة عندما تحيط بها مشكلات الحياة ولا تجد فيما تصورته أنه الدين أي حل لها ،فيلجئها ذلك إلى أن تمد يدها إلى غيرها وتنحني له من أجل أن يجود عليها بالحل لما أعوزها حله ،في جميعا. الح رية بأن تقدم الحلول للناس حين أنها في الحقيقة هي أما المحور الثاني فهو بعنوان» :في التجديد المطلوب وحاجة الأمة إليه«. وفيه مبحثان: المبحث الأول» :في بيان أن التجديد سنة من سنن الحياة«. إن التجديد هو بعث الحياة من جديد في كل ذلك ،حتى تتواصل أسباب القوة في حياة الأمة ،فلا يسري إليها الوهن ،ولا يطرقها الضعف .وأمة الإسلام هي أحرى أن تسبق الأمم كلها في استغلال ما أودعه االله خزائن الكون من منافع هذه الحياة؛ لأنها الأمة الشهيدة على غيرها .فإن عليها أن تجدد حياتها بتجديد وقوة ،والأخذ في كل وقت بالوسائل المحققة للنجاح ،سواء كانت مادية أو معنوية ،مع عدم الغفلة عما تنهض به الأمم وتتنافس فيه من تحقيق الإنجازات الهائلة في المجالات المادية ،وهو مما يدخل فيما أمر به القرآن الكريم. والمبحث الثاني» :فيما يعنيه تجديد الدين«. إن تجديد الدين إنما يعني نصب ما اندرس من معالمه ،وإظهار ما خفي من حججه ودلائله ،والكشف عما انكتم من جماله واعتداله وتقوية أثره في حياة الناس الفكرية والعملية والأخلاقية. أيضا بحاجة إلى تجديد في كل عصرومن المعلوم أن الفقه في الدين هو 257بيان أثر الاجتهاد والتجديد في تنمية المجتمعات الإسلامية بهذا المعنى ،وهو تحقيق مسائله وربط فروعه بأصوله ،وتحرير ما التبس من طرق بالبحث من مستجدات القضايا ،إذ ليسحججه ودلائله ،وبحث ما لم ي من المعقول أن يجمد الفقهاء على اجترار ما سبق بحثه من مسائل لا داع إلى تناولها بالبحث في هذا العصر ،كقضايا الرق والمكاتبة ،ويدعوا بحث ما هو مطروح على الساحة؛ كالحوالات البنكية وبطاقات الائتمان ،والاتجار في الأسهم ،وأطفال الأنابيب ،ونقل الأعضاء وأمثالها ،إذ ليس ما يدرس لمجرد التنظير كالذي يدرس من أجل الحاجة إليه في العمل والتطبيق. أما المحور الثالث فهو »في أثر الاجتهاد والتجديد على تنمية الثقافة في العالم الإسلامي )النماذج التطبيقية(« .وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول» :في أصل الثقافة«. يذكر سماحة الشيخ أن الثقافة ما هي إلا تسديد العقول والأفكار بأنواع فهما ،ففي اللسان أن: المعارف ،فإنها مأخوذة من ثقف الرجل إذا كان حاذقا ثقف الشيء وهو سرعة التعلم. والثقافة الإسلامية هي عبارة عن مخزون علمي يرفد من فنون علمية شتى يتوصل بها إلى تصور صحيح للإسلام وقيمه ،سواء كانت مقصودة بالذات؛ كالعقيدة والفقه والتفسير والحديث ،أو كانت وسائل للتبحر في هذه الفنون؛ كاللغة والنحو والصرف والبلاغة وأصول الفقه ومصطلح الحديث .فالذي يطلق عليه أنه مثقف ثقافة إسلامية هو الذي يجمع فنو نا من المعارف الإسلامية تمكنه من تصور الإسلام وما يحاط به في العصر من مؤامرات أعدائه ،بحيث قادرا على درء هذه الش به بالحجج الظاهرة والبراهين القاهرة.يكون ويتساءل سماحة الشيخ في المبحث الثاني عن كيف يكون أثر الاجتهاد والتجديد على الثقافة الإسلامية؟ مائة كتاب إباضي258 ويجيب :أنه إذا كانت الثقافة وعاء للعلوم الإسلامية المتنوعة فلا ريب أن الاجتهاد والتجديد يفردانها في كل عصر بالمزيد من هذه العلوم ،فإن حركة العلم إنما تنمو وتطرد بكل ما يطرأ عليها من جدة وكل ما يغذيها من اجتهاد. صورا من حل مشكلات معاصرة باجتهاد منويقدم المبحث الثالث: الفقهاء المعاصرين. هناك مستجدات كثيرة في العصر الحديث ناتجة عن التطور الهائل الذي شهدته الحياة المعاصرة .مما دفع جمهور الناس إلى استفتاء الفقهاء الراسخين في العلم فيما استجد من قضايا ،مما أدى إلى ظهور المجامع الدولية التي لفيفا من العلماء من أجل تقديم البحوث والحوار في القضايا المطروحةتضم على بساط الجميع. ومن المسائل المثارة الآن مسألة مثل :قضية طفل الأنابيب ،ومسألة :نقل الأعضاء ،ومسألة :الاستنساخ البشري ،ومسألة :سندات المقارضة وسندات الاستثمار وغيرها. »صورا من محاولات الباحث المشاركة في حلويعرض المبحث الرابع مشكلات بعض القضايا المعاصرة« .من هذه الصور: الصورة الأولى :في نقل الدم إلى المريض. الصورة الثانية :في حكم الربا في الأوراق النقدية ،ووجوب الزكاة فيها. الصورة الثالثة :في حكم التدخين. ويحدد سماحة الشيخ موقف المذهب الإباضي من هذه القضايا المستجدة والمعاصرة. 259 ihÉ`àØdG »∏«∏îdG óaM øH óaMCG ï«°ûdG مكتبة الأجيال سلطنة عمان ،ج :٣ ،٢ ،١ط١٤٢٣ ،٢ه٢٠٠٣/م ج :٤ط١٤٢٤ ،١ه٢٠٠٤/م ج :٥ط١٤٢٧ ،١ه٢٠٠٦/م عدد الصفحات :ج ٥٢٨ :١صفحة ج ٤٣٤ :٢صفحة ج ٥٠١ :٣صفحة ج ٣٨٣ :٤صفحة ج ٤٧١ :٥صفحة وهذه الفتاوى تشغل خمسة أجزاء .يشتمل الجزء الأول على أبواب العبادات :الصلاة ،والزكاة ،والصيام ،والحج .وركز سماحة الشيخ فيها على القضايا التي يعم نفعها الجم الغفير من المسلمين من كافة الشرائح ،كما وضع القيمة التي أعدها سماحةفي آخر الكتاب ملاحق تضمنت بعض البحوث المؤلف لطلبة العلم والباحثين عن الحقيقة. ويضم الجزء الأول فتاوى الصلاة ،ويتحدث سماحة الشيخ عن فتاوى في الطهارات والغسل وأحكام الحائض والنفساء والوضوء ونواقضه ،والقبلة واللباس والسترة والأوقاف والأذان والإقامة والنية والاستعاذة ،والركوع والسجود والتشهد والتسليم وأحكام الإمامة وصلاة الجماعة ،ونواقض الصلاة وإعادتها ،والسهو وأحكامه ،وصلاة الجمعة ،وصلاة المرأة ،وصلاة السفر، وقيام رمضان ،وصلاة الميت ،وأحكام المساجد ،وفتاوى متنوعة. وتحدث عن مشروعية الزكاة ،وأنهاوعرض سماحة الشيخ لفتاوى الزكاة، ذكرت إجمالا في العهد المكي ،بدليل الآيات المكية التي نصت على ذلك، كقوله تعالى] ﴾ e d c b a ` _ ^ ﴿ :المزمل .[٢٠ :فهي من أول السور القرآنية نزولا ،وما قيل من أن هذه الآية مدنية ليس بصحيح؛ لأنها لو كانت مدنية لما كان هذا الجزء وحده مدني ،ولكانت كلها مدنية ،مع مائة كتاب إباضي260 مفروضا ،وقيل في صدر السورة من أن الجزء الأول منها هو ناسخ لما كان قيام معظم الليل ،وهذا مما كان في العهد المكي ،فذلك دليل واضح على مكية هذه الآية الكريمة. والزكاة حق مخصوص يجب في أصناف مخصوصة ،مضى عليه وقت مخصوص وهو الحول ،فمن شرط وجوب الزكاة في المال أن يكون من الأصناف التي تجب فيها الزكاة ،وأن يبلغ النصاب ،وأن يحول عليه الحول بعد بلوغه النصاب. والزكاة تدخل ضمن الصدقة ،وهي تتميز عن سائر الصدقات بكونها قدرا فريضة محكومة في أصناف مخصوصة من المال ،تجب فيها إذا بلغت مخصوصا ،وعندما يمضي على ذلك زمن مخصوص وهو الحول ،هذا هو حكم معظم الأصناف التي تزكى ،الل ه م إلا الثمار فهي تزكى في أوقاتها من غير نظر إلى الحول. مفروضا وغير مفروض ،وجميع والصدقة أعم من ذلك ،فتشمل ما كان الأنواع التي يتصدق بها الإنسان؛ كالثوب أو قطعة أرض أو خيل أو السلاح... إلخ .فالصدقات أنواعها متعددة ،وكل من الزكاة وعموم الصدقة من الممكن أن يفسر بأنه ضمان اجتماعي ،وفي الصدقة والزكاة ما يسد مسد هذا الضمان الاجتماعي ،وأما الضرائب فهي لا تدخل في الزكاة ،ولا تتعلق بجانب الدين قط. والزكاة تثمر في نفس المزكي الرحمة والعطف على الفقراء والمساكين، وتطهر قلبه من آثار الشح ،وذلك هو المعنى من قوله تعالىl k j ﴿ : ] ﴾ p o n mالتوبة [١٠٣ :فهي تطهر النفس من آثار الشح وتزكيها أي :تنمي ما فيها من أخلاق فاضلة فهي داعية الرحمة والعطف ،وتقضي حاجة المساكين ،وتجعل قلوبهم تميل نحو إخوانهم الأغنياء ،وتستل ما في ن االله عليها بالمال.القلوب من الأحقاد تجاه الطبقة التي م  261الفتاوى وعقوبة من ترك الزكاة نص عليها القرآن الكريم ،فاالله تعالى يقول: ﴿[ Z Y X W V U T S R \ ] ﴾ ]التوبة.[٣٤ : ود لت  السنة النبوية أن من آتاه االله تعالى مالا ولم يؤد زكاته صفح له يوم القيامة صفائح من نار ،يكوى بها جنبه وظهره ووجهه .وهذا ما دلت عليه الآية أيضا. الكريمة وتناول سماحة المفتي تحت موضوع الزكاة عدة مسائل مثل زكاة الأنعام، وزكاة الحرث ،وزكاة النقدين ،وزكاة الجمعيات ،وزكاة الأوراق المالية ،وزكاة الحلي ،وزكاة عروض التجارة ،وزكاة العقارات والأسهم والسندات ،وغيرها من أنواع الزكوات. ثم عرض سماحة الشيخ لفتاوى الصوم ،وذكر أن الصوم منوط بثبوت رؤية الهلال ،إما بالمشاهدة أو بشهادة عدلين أو بالشهرة .واختلف في العدل الواحد، والشروط الواجب توافرها في الشخص الذي يرى هلال رمضان وهو أن يكون عاقلا بالغا رجلا عدلا في دينه ،وأن تكون شهادته لا يكذبها الواقع. يوما. والأصل في الصوم والإفطار رؤية الهلال أو إتمام العدة ثلاثين وعندما تكون الرؤية بالعين المجردة متعسرة ،لا مانع من الاستعانة بالآلات والمراصد الموثوق بها ،شريطة أن تكون بأيدي مسلمين تقوم بهم الحجة في الصوم والفطر. والصيام والإفطار منوط برؤية الهلال بالنص الشرعي ،فالنبي ژ قال: »صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ،فإن غ م عليكم فأكملوا العدة ثلاثين« والحديث مروي من طرق متعددة وبألفاظ متنوعة مؤداها واحد ،ورؤية الهلال تختلف حسب اختلاف البلاد في طلوع الشمس وغروبها؛ فلذلك لا يمكن التعويل تقدما على ثبوتها في بلد ناء يمكن أن يؤثر نأيه في اختلاف الليل والنهار ،إما مائة كتاب إباضي262 وقصرا؛ ذلك لأن المناط في هذا الحكم ثبوت الرؤية في غيروتأخرا أو طولا وجود ما يمنع من سريان حكمها. وقد بحث سماحة الشيخ عدة أمور تحت فتاوى الصوم ،منها الصوم في السفر ،وصيام النذر ،وموقف المريض والعاجز عن الصوم ،وصيام النفل، ومفسدات الصوم ،والقضاء والطعام والكفارة ،وغيرها من مسائل وفتاوى تندرج تحت شعيرة الصوم. ثم ينتقل الشيخ إلى فتاوى الحج ،وعرض فيها للإحرام والطواف ،وطواف الإفاضة ،وطواف الوداع ،والسعي بين الصفا والمروة ،والحلق والتقصير، والخروج من مكة إلى منى والعكس ،والوقوف بعرفة والمزدلفة والخروج منها ،ورمي الجمرات ،والهدي ،والفدية ،والعمرة ،والإجارة في الحج والعمرة. أما الملاحق ،فقد عرض فيها سماحة المفتي للإسبال .ومشروعية تثمير أموال الزكاة. وقد تناول سماحة الشيخ في بحث الإسبال عدة نقاط ،وهي: ١ التشديد في الإسبال. ٢ لا فرق بين الإزار وغيره في حكم الإسبال. ٣ الخيلاء صفة لازمة للإسبال. ٤ صلاة المسبل والمؤتم به. ويذكر المؤلف أن الصلاة هي أم العبادات ،ورأس الأعمال الصالحات، فهي وقفة العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ،الذي عنت له الوجوه، وخشعت له القلوب ،وخضعت لعزته الرقاب .فلا غرو إذا كان من شرائطها حسا ومعنى؛ لأنها عبادة يشترك فيها الجسم ظاهرا وباط نا ، الطهارة المطلقة والروح ،والعقل والقلب ،والفكر والوجدان ،فهي تنافي التلبس بمعاصي االله 263الفتاوى ظاهرا أو باط نا ،كما تنافي التلبس بالنجاسات أو الأحداث ،وكيف تكون الصلاة وهي أم العبادات صحيحة مع اقترانها بمعصية العبد المصلي ،وأين إخلاص الدين من هذا الواقف بين يدي االله في صلاته وهو مكابر لأمره ،صاد عن طاعته ،آت في صلاته بما حذره االله منه من الأعمال ،ومن ثم نجد الفقهاء حرير أو متحلثوب لابسالمحققين يفتون فيمن صلى من الرجال وهو بالذهب المحرم ،فإن صلاته بهما إن دلت على شيء فلا تدل إلا على عدم مبالاته بعبادته وعدم اكتراثه بحرمتها. أيضا بحثا عن »مشروعية تثمير أموال الزكاة«. ويضم هذا الجزء من الكتاب ويذكر المؤلف أن الزكاة عبادة مالية اجتماعية ،ومدلول لفظها من حيث اللغة إما النماء والبركة ،وإما الطهارة والصلاح. ومن أصول دلالات لفظها تتبين الحكمة الربانية في مشروعيتها ،فهي تحقق النماء والطهارة ،وتعود فائدتها على معطيها وآخذها ،وعلى مجتمعها. أما معطيها فإنه يستفيد بها طهارة نفسه ونماء فضائلها؛ لأنها تخلصه من حب الأثرة والاستبداد بالمال ،والشهوة المالية الجامحة ،وتستولي على جميع تصرفاته .ويتحول الإنسان إلى سبع ضار لا يبالي بما يأتي به من الإجرام في سبيل إشباع هذه الشهوة المسعورة. ويلحظ أن الزكاة في الإسلام لم توكل إلى ضمائر الأغنياء ،فتتفاوت ق لة وكثرة بقدر ما في نفوسهم من قوة الدوافع على السخاء أو ضعفها ،بل يبين الشارع مقاديرها ليتساوى الناس كلهم فيها. وللزكاة ح قان :حق رباني ،وحق إنساني ،فالحق الرباني هو حق التعبد الذي هو صلة بين العباد وربهم .يتميز بحسن أدائه لوجه االله الطائع من العاصي .ومن هذه الناحية لا فرق بين الزكاة وبين سائر العبادات كالصلاة والصيام والحج. مائة كتاب إباضي264 وأما الحق الإنساني ،فهو عون الأقوياء للضعفاء على القيام بمطالب العيش ولوازم الحياة ،ويستلزم ذلك من جيشان القلوب بالشفقة والرحمة والحنان، وما يستتبعه من تكافل الأمة وتراص صفوفها ،وشيوع المودة بينها .وقد تتفاوت أنظار الفقهاء في الأصل الذي يبنون عليه اجتهادهم في فروع مسائل الزكاة وتشددا في بعض المسائلتسامحا الجزئية من هذين الأصلين ،ولذلك يختلفون الفرعية من هذا الباب. والجزء الثاني عن فتاوى النكاح .ومن الأسئلة التي طرحت على فضيلة وخصوصا المفتي في هذا المجال :حكم الإسلام في تختم الرجل بالذهب، الدبلة ،وأجاب فضيلة المفتي أن الإسلام دين الفطرة أنزله االله ليوجهها في طريقها الصحيح ،والرجل الباقي على سلامة الفطرة تأبى عليه شهامة الرجولة أن يتحلى بالذهب لمخالفة ذلك سمات الرجولة وخشونة الذكورة. وقد ضم هذا الجزء بحثا عن قضايا الزواج ،والذي فسره المؤلف أنه ربط مصير بمصير .ومن رحمة االله تعالى بالإنسان أن جعل هذا ارتبا طا مضبو طا ميز االله 4بهابضوابط شرعية في إطار من القيود الاجتماعية والخلقية التي الإنسان ،وجعل من ثماره امتداد هذا الجنس البشري. وقد أكد االله تعالى على حق المرأة في اختيار شريك حياتها ،بل إننا نجد في أحاديث الرسول ژ ما يدل على أن للمرأة الحق في اختيار شريك حياتها. وهنا تتجلى عظمة الإسلام واستجابته لداعي الفطرة .فإن الإسلام الحنيف ينزل بكرا وحالةكل شيء منزلته .فالمرأة قد تختلف في وضعها بين حالة كونها كونها ث ي با ،أما الثيب فقد مارست الحياة وجربت الأمور؛ ولذلك كانت أحق بنفسها من وليها .وإنما وليها يأذن بالزواج الشرعي الجائز عندما تختار هي شريك حياتها ،أما البكر فهي بخلاف ذلك ،وإنما لها حق الاستئذان ،وإذنها صمتها؛ لأن من شأنها أن تتجلل بالحياء. 265الفتاوى وهذا يعني أن أولياء أمور النساء ليس لهم أن يجبروا ولياتهم على التزوج بمن يريدون ،بل عليهم أن يقدروا شعورهن ،ويحترموا أحاسيسهن ،فإن المرأة هي التي تشارك الرجل تكاليف الحياة ،وهي التي تعيش معه ،فمن هنا كان هذا التكريم في الإسلام للمرأة إذ لم يكن الأمر برمته موكولا إلى ولي أمرها. أيضا من تكريم الإسلام للمرأة؛أما مشروعية الولاية للرجل على المرأة فذلك لأن من المعلوم أن المرأة تجيش عاطفتها جيشا نا يملأ جميع جوانب نفسها، حتى لا يبقى هنالك مجال للتفكير عندما تتأثر بدافع عاطفي بخلاف الرجل، وهذا الكلام تقرره البحوث الحديثة التي يحررها الباحثون الاجتماعيون. المبالغ فيه لإتمام الزواج؛ لأنه من الأمورويحذر سماحة المفتي من الترف التي تقف عائقا دون تحقيق الرغبة الفطرية .والترف طريقا إلى التلف والعياذ باالله والتقارب اللفظي بين الترف والتلف يوحي بما بينهما من الترابط السببي، والتآخي المعنوي ،فإن الترف مفض إلى التلف؛ ولذلك لم يذكره االله 4في كتابه العزيز إلا مقرو نا بالشر ،فقد ذكر االله 4عذاب الدنيا وب ين من أسبابه الترف عندما قال] ﴾ Y X W V U T S R ﴿ :المؤمنون.[٦٤ : وكثيرا من المترفين يرون أن فالترف يقع عائقا دون تحقيق رغبة الزواج. من السعادة لبناتهم أن يتمرغن في أوحال الترف .فما الداعي إلى هذا إذا كانت شروط الزواج الشرعية متوفرة ،ولو كانت المغالاة دليلا على قيمة المرأة لكانت أولى بذلك بنات النبي ژ مع علو أقدارهن وعظم مرتبتهن؛ لأنهن ينتسبن إلى النبي العظيم رحمة االله للعالمين. ويتناول المؤلف في الجزء الثالث »فتاوى المعاملات« ،وهذا المصطلح المعاملات إنما استعمل لبيان الفرق بينه وبين الشعائر التعبدية؛ كالصلاة والزكاة والحج ،وإلا فإن المعاملات لا تخرج عن نطاق التعبد ،فالتزام المسلم في معاملاته المالية وغيرها بمنهج الإسلام هو تعبد منه الله تبارك وتعالى. مائة كتاب إباضي266 ويحوي هذا الجزء بالإضافة إلى فتاوى المعاملات بعض البحوث المتعلقة بالمعاملات ،ويبدأ المؤلف هذا الجزء بعنوان» :روح الاقتصاد في الإسلام«. فالاقتصاد في كل عصر من العصور هو عصب هذه الحياة ،وهو محرك السياسات الدولية ،ومبدل الأحوال من وضع إلى وضع ،وقد لقي العناية البالغة في الشريعة الإسلامية التي جاءت من العزيز الحميد. جدا ،وجاء في أحاديث رسول االله ژإن موضوع المال موضوع مهم ما يدل على أن الإنسان يسأل عنه من أين اكتسبه ،وفيم أنفقه؟ لأن منهج الإسلام في الاقتصاد مبني على الفطرة السليمة إلى المال ،وهي أن هذا المال مال االله تعالى رب السماوات والأرض ،وإنما الإنسان مستخلف فيه ،قال تعالى: ﴿ ] ﴾ h g f e dالحديد [٧ :ولما كان هذا المال مال االله كان الإنسان أمي نا عليه ،بحيث لا يقدم فيه ولا يحجم إلا ببينة من ربه ،فلا يتصرف فيه تصرفا مطلقا كما يملي عليه هواه ،وجاءت الآيات القرآنية محذرة من أخذ حربا بين االلههذا المال من غير حله ،فقد شدد االله سبحانه في أمر الربا ،وجعله تعالى وبين العباد الذين يأكلونه ،وحرم جميع المكاسب الخبيثة. وجاء في أحاديث الرسول ژ التحذير من الكثير من الأمور التي يكون منها كسب المال ،ولكنه مكسب خبيث ،فقد حرم ثمن الكلب ،وحلوان الكاهن ،ومهر البغي ،وحرم الرشوة والإشارة إليها واضحة في كتاب االله تعالى وجعلها من أسباب اللعن ،وحذر الرسول ژ من جميع بيوعات الغرر، وحذر من الكثير مما يتصرف فيه الناس لمجرد أهوائهم رغبة في تنمية المال، أيضا تحريم الميسر ،وقد قرنه االله بالخمر والأنصاب والأزلام.وفي كتاب االله فكسب المال إنما يجب أن يكون من طريق طيب نظيف ،ومن وجه يفيض بالرحمة وتكتنفه الأخلاق الطيبة ،لا من وجه يصبح الإنسان فيه أشبه بالوحوش المفترسة ،فذلك يؤدي إلى سخط االله. 267الفتاوى مذكرا بأخطر المراحل التي يمر بها الإنسان، والقرآن يحض على الإنفاق ففي معرض التذكير باليوم الآخر تنقلب فيه علاقة المودة إلى عداوة إلا المتقين ،يأمر بإنفاق المال فيقولh g f e d c b a ` _ ﴿ : ] ﴾ q p o nm l k j iالبقرة.[٢٥٤ : والزكاة تؤدي إلى تربية ضمائر الأغنياء ،حيث تتفجر هذه النفوس بمشاعر الرحمة والرغبة في الإحسان ،وتستل الأحقاد التي في نفوس الفقراء الذين يشعرون بالنقمة وحب الانتقام من الأغنياء ،فمن حكمة االله أن يسن هذا الإنفاق ليكون هناك تواؤم وانسجام بين طائفتي :الأغنياء ،والفقراء. وب ين االله تعالى أن الزكاة تطهير ،قال تعالىn m l k j ﴿ : ] ﴾ p oالتوبة [١٠٣ :على أن تسمية الزكاة تدل على الطهارة والنماء ،فمعنى أيضا طهر ،فهي تربي النفوس على الفضائل ،وتبتعد بها عن آثارزكا نما ،وزكا الشح ،فترتفع بها ارتفا عا .والإسلام بهذا النظام المالي يفارق النظامين المشهورين :الشيوعي ،والرأسمالي ،فالشيوعية تمنع الفرد من أن يتملك ،أما قيودا خلقية الرأسمالية فتعطيه حرية التملك المطلق ،فلا تفرض عليه ولا اجتماعية ،بعكس الإسلام الذي أجاز للفرد أن يتملك ،لأن هذه هي الحياة، ولكن هذه الملكية مضبوطة بضوابط. ومن البحوث التي يضمها هذا الجزء بحث عن »بيع الإقالة« ،وهذا هو المصطلح المتعارف عليه عند الإباضية ،أو بيع الخيار ،فالمشهور عند الحنفية تسميته ببيع الوفاء .وهناك من يسميه البيع الجائز ،أو بيع المعاملة ،وسماه آخرون بيع الأمانة وبيع الطاعة أو الإطاعة .أما المالكية فقد اشتهر عندهم ببيع الثنيا ،كما اشتهر عند الشافعية ببيع العهدة ،وعند الحنابلة ببيع الأمانة كحنفية مصر ،ويسمى في طرابلس الغرب بيع الوعدة .وعند أهل اليمن بيع الرجاء، وأشهر أسمائه عند غيرنا بيع الوفاء. مائة كتاب إباضي268 معهودا في الصدر الأول؛ ولذلك لم يرد لهولم يكن التعامل بهذا البيع ذكر في الحديث الشريف ،ولا في الآثار المروية عن الصحابة رضوان االله عليهم ولا في أقوال التابعين ،بل ذهب كثير من الفقهاء الذين بحثوا أحكامه إلى أن نشأته كانت في القرن الخامس الهجري ببلاد ما وراء النهر. ويرى سماحة المفتي أن هذا البيع لم يقصد به إلا التحايل على الربا بأسلوب المخاتلة والخداع يخفي هذا القصد ،فإن المتعاملين به يعهدون إلى إظهار وجه البيع منه ومواراة وجه الربا ،وقد تفطن لذلك أهل العلم ،فمنعه جمهورهم من أصله لما ينطوي عليه من سوء المقصد ،ويترتب عليه من فساد في دين الأمة وأخلاقها ،ولأن الحلال والحرام لا ينظر في حكمهما إلى الصور الظاهرة .وهو سبحانه لا تخفى عليه خافية مما يعتمل بين طوايا النفس ،والعبرة إنما هي بالجوهر لا بالشكل ،وبالحقيقة لا بالخيال. وقد اشتهر الحنفية بالتسامح في المعاملات والتوسع في كثير من الأحكام حسبما يوحي به الظاهر أحيا نا من عدم مجانبة شرع االله؛ لذلك كانوا أكثر توسعا في أحكام البيع. المذاهب وأما الإباضية ،فإن أوائلهم لم يتعرضوا لحكم هذا البيع؛ لأن االله تعالى معهودا في زمانهم ،وإنما سرى من بعدهم إلى أعقابهم،عافاهم منه إذ لم يكن فكان بحاجة إلى بحث أحكامه وتفصيل أدلته من ق بل أولي العلم. وقد تفاوتت فطرة أهل العلم إليه بين واقف على شكله الظاهر وغائص إلى أعماق جوهره الباطن ،وقد جمع الشيخ الخراسيني من فتاواهم وأحكامهم سماه كتابا يشتمل على ثلاثة أسفار كل منها كبير الحجم وأقوالهم في مسائله »خزانة الأخيار في بيوعات الخيار« .وكلامه فيه ينطوي على أن هذا البيع من الربا المبطن. ويخلص المؤلف إلى أمور: 269الفتاوى معهودا في عهد النبي ژ ولا في أولها :أن بيع الخيار بيع مبتدع لم يكن عهود الصحابة والتابعين ومن جاء بعهدهم من أئمة السلف. ثانيها :أن الإباضية لم يختلفوا قط في حرمة التعامل ببيع الخيار عندما يكون القصد منه التوصل إلى ما حرم االله من الربا. ثالثها :أن الخلاف بين علماء المذهب قائم فيما إذا ضبطت هذه المعاملة بالقيود الشرعية لصونها من تسرب آفة الربا إليها .فمنهم من يحرمها على الإطلاق لما يشوبها من العلل ،ومنهم من يبيحها بشرط مراعاة جميع تلك القيود. رابعها :أن المسألة تخرج عن دائرة الرأي إلى حكم الدين القطعي عندما سببا للتذرع إلى ما حرم االله من الربا وأكل المال بالباطل.تكون المعاملة ويتناول المؤلف في الجزء الرابع فتاوى :الوصية ،والوقف ،وبيت المال، والمساجد ،ومدارس تعليم القرآن ،والأفلاج. ويتضمن هذا الجزء بحثا عن تفسير آيات الوصية في سورة البقرة ،في قوله تعالى1̧ ¶ μ́ 3 2 ± °̄ ® ﴿ : ] ﴾ ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4» oالبقرة.[١٨٠ : والوصية أمر ينفذ بعد موت الموصي؛ ولذلك من كان يترقب الموت محكوما عليه بقصاص أحرى بأن يحرص على كتابتها؛بسبب أو بآخر ،أو كان وسببا لفوزه ونجاته. لتكون حجة له عند ربه، إيصاء ،وقد وصى يوصي توصية ،أو أوصى يوصيوالوصية مأخوذة من : جميعا في القرآن الكريم .وإنما شاعت الوصية في عرف الناس في أنجاءوا أحدا بفعل شيء بعد موته في حياته ،ويكون ذلك الشيء فيه مصلحةيأمر أحد للآمر أو المأمور. مائة كتاب إباضي270 وهي في العرف الفقهي في هذا الباب :جزء من المال يأمر صاحبه بأن ينفذ عنه بعد موته في وجه من الوجوه المشروعة. وقد كانت الوصية معهودة عند العرب في جاهليتهم ،ولكنهم كانوا يحيفون فيها ،فقد كان أحدهم يوصي للأباعد لأجل الشهرة والفخر ،ويترك الأقارب لأجل الاحتقار والازدراء .وقد يوصي للأغنياء ويترك الفقراء. ولذلك جاء الإسلام ليؤصل هذه العلاقة في المعاملات ،فكما أن االله 4 أيضا هذه الصلة ما بينفرض حسن المعاملة في الحياة ما بين الأقارب ،فرض الإنسان وقرابته بعد موته ،حتى يكون هذا الميت على ذكر من أولئك الأقرباء، ولا ينسوه بموت. أيضا جعل االله 4أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض،ومن أجل ذلك فجعل الميراث للأقربين ،سواء كانت هذه القرابة قرابة نسب ،أو قرابة سبب. ويذهب المؤلف إلى أن قول أصحابه على وجوب الوصية للأقربين الذين لا يرثون ،وعولوا عليها وحرصوا على تطبيقها ،فما من وصية يكتبها الإنسان منهم إلا ويوصي فيها لأقربائه الذين لا يرثونه ،سواء كانوا أغنياء أو فقراء ،فإن هذه صلة فرضها االله 4للقرابة بعد الموت ،كما فرض االله 4 صلتهم في الحياة. وقد روي عن طائفة من التابعين ،منهم جابر بن زيد : 5أن من أوصى للأبعدين ولم يوص للأقربين ردت الوصية للأقربين ،فأعطوا منها الثلثين، والثلث منها يعطى للأبعدين. والوصية بالمعروف تعني أن تكون الوصية في إطار الحدود الشرعية ولا تتجاوزها ،ومن ذلك: أن لا تكون الوصية متعدية للثلث ،فإن تعدي الثلث مخالف لأمر 271الفتاوى الشارع ! .حيث قال» :الثلث والثلث كثير« .فمن أكثر من الوصية يجب عليه أن لا يتعدى في ذلك الثلث. والوصية بالثلث إنما هي في أبواب البر التي ليست مح تمة على الإنسان، وكذلك وصية الأقربين مهما يكن الحكم فيها .أما الوصية التي تتعلق بالحق الواجب على الموصي للموصى له كالديون والضمانات فإنها تتجاوز الثلث إذا كان الحق يتجاوز الثلث ولا خلاف في ذلك إذا كان حقا للعباد. أن لا يكون في هذه الوصية إيثار للغني على الفقير ،ولا إيثار للأبعد على الأقرب. أما الجزء الخامس والأخير من هذا الكتاب فيضم قسمين :القسم الأول: الأيمان والكفارات والنذور ،والقسم الثاني :الذبائح والأطعمة والتدخين. وهذه الأبواب من أهم أبواب الفقه وتكثر حاجة الناس إليها ،إذ لا بد لهم من الطعام الذي تقوم به أجسامهم ،والذبائح التي يأخذون منها اللحوم .كما أنهم قد يقعون فيما يوجب الكفارات. ويختم المؤلف هذا الجزء بالحديث عن »التدخين« ،ويذكر أن التدخين شر غير مقرون بخير ،وضرر لم يمتزج بمنفعة ،ومفسدة لا تخالطها مصلحة ،فهو مضر بالجسم والعقل ،والمال والنسل ،ومفسد للدين والمروة ،بل هو ذاهب جميعا ومكدر لصفوها ،ومقلق لأمنها ،فهو بلاء يسومه المدخنبخير الحياة إلى نفسه ،وسم زعاف يتناوله بيده ويتجرعه بفيه ،فضرره أظهر من أن يحتاج إلى بيان ،وأثبت من أن يفتقر إلى برهان. والتدخين يسري داؤه في جميع خلايا جسم المدخن حتى لا تبقى خلية في جسمه إلا وقد ضمرت بهذا الداء؛ لذلك يؤدي إلى الإضرار بكل الطاقات الجسمية ،وإضعاف الملكات النفسية والعقلية ،وأن ما يدخنه مائة كتاب إباضي272 عاما يحتوي نيكوتين يكفي لتسميم مدينةالمدخن المعتدل لمدة ثلاثين سكانها عشرة آلاف نسمة. على أن هذه المادة ليست هي السم الوحيد في الدخان ،بل فيه سموم ضررا وفتك ا كما ب ينه الأطباء. أخرى لا تقل تنفيرا عنه أن أنوا عا من السرطان القاتل تتولد منه ،أشدها ويكفي العاقل سرطان الرئة ،وهذا مما لا يتنازع فيه اثنان .وكذلك أنواع من الجلطات المهلكة منشؤها الدخان ،من بينها جلطة القلب. وللتدخين تأثير على جميع أعضاء الجهاز الهضمي ،بداية من الفم بكل ما احتواه إلى المعدة والأمعاء والكبد والبنكرياس ،وله أثر على جميع أعضاء الجهاز التنفسي من الأنف إلى الرئتين ،ومن آثاره عليها سرطان الرئة ،والسل الرئوي ،وله آثار خطيرة على الجهاز الدموي ،فهو يؤثر على القلب والشرايين والأوردة الدموية ،ومن آثاره أمراض ضغط الدم ،وله آثار شديدة الخطر على الجهاز العصبي ،حتى تفقد الأعصاب قدرتها على أداء وظيفتها ،وله آثار على الجهاز البولي :من بينها أمراض الكلى مع ما فيها من خطورة ،وكذلك يؤثر على العضلات ،وعلى الغدد الصماء ،وله تأثير على الحواس الخمس. ومن مضاره التي تتعدى إلى الغير أنه من مهلكات النسل؛ لأنه يضعف أجهزة التناسل عند الرجال والنساء ،كما ينعكس أثره على سلامة الأجنة، فكثيرا ما يكونون لسببه عرضة للإجهاض. ولا ينحصر شر التدخين في المدخنين وذويهم ،بل يتعداهم إلى المجتمع، فإن التدخين عدوان على البيئة وسلامتها .فيؤدي إلى تسمم الأجواء بأنواع من السموم ،ونشر الأوبئة الفتاكة. وما هذه إلا نماذج من مضار التدخين ،وما هي إلا قطرات من محيط ما ذكره الأطباء وغيرهم من ذوي الاختصاص فيما دونوه من مضاره. 273الفتاوى ولئن كان التدخين بهذا القدر من الإضرار بالنفس والعقل والنسل والمال فأي ريبة تبقى في تحريمه ،فإن الإضرار بأي واحد منها من المحرمات المجمع عليها ،والمحافظة على سلامتها هي محور الشريعة الغراء؛ لذلك كانت من مقاصدها. 274 á«°VÉHE’G ∫ƒ°UC’G »a á«eÓ°SEG äÉ°SGQO â°TƒZCG ó«©°S øH ô«μH الجزائر ،ط١٤٠١ ،٢ه١٩٨١/م. عدد الصفحات ١٦٠ :صفحة يتكون الكتاب من مقدمة ،وخمسة فصول ،وخاتمة .يشير المؤلف في المقدمة إلى أن هذا الكتاب قد وضع لجمهور القراء ،فكثير منهم قد يجهل أفكارا عقائد وأصول المذهب الإباضي جهلا تا ما ،والبعض منهم قد يحمله وأساطير خاطئة ،تسربت إليهم من خلال مطالعتهم اليومية من مصادر غير إباضية. خاصا ،يتمثل في اختيار النصوصمنهجا وينتهج المؤلف في هذا الكتاب قديما وحديثا ،من القرن الأول التي كتبت من طرف أعلام الإباضية أنفسهم الهجري إلى القرن الرابع عشر مبي نا أصولهم وعقائدهم ،فعالج الفكرة المطروحة من عدة مصادر إباضية. وعرف حياة الأعلام ،وضبط الاسم ومكان وزمان الولادة والوفاة ،مع الإشارة إلى شيوخهم قدر الإمكان ،وشرح المصطلحات الكلامية ،ثم بين الفرق الإسلامية ،وكل هذا بطريقة موجزة. قدم المؤلف فكرة عامة عن المشكل المطروح منوفي آخر كل موضوع  وبين وجه الاتفاق والاختلاف مع المذاهب الفلسفية الأخرى،خلال النصوص ، أملا في أن يزيل هذا الكتاب عدة مفاهيم خاطئة ،ويوضح آراء الإباضية وعقائدهم ،ووجهة نظرهم في المشاكل الفلسفية الإسلامية التي طرحت من قبل. 275دراسات إسلامية في الأصول الإباضية عنوان الفصل الأول» :الإباضية وكتاب المقالات« :يرى المؤلف أن دراسة وسندا يستند إليه، مصدرا يأخذ منها القارئ والباحث فكرته،النصوص تعتبر وقد قيل :تؤخذ الفكرة من أفواه رجالاتها؛ لذا فإن دراسة النصوص تعتبر عملا ضروريا في شرح وتحليل ونقد فكرة أو مذهب ما ،ثم إنها تقدم الدليل القاطع لإثبات الفكرة أو نفيها ،فهي بالتالي تزرع روح التفكير الاستدلالي، وغرس روح النقد وعدم الاستسلام لسلطة المفكرين السابقين ،والآراء الشائعة عند الغير. إن أغلب ك تاب المقالات في القديم والحديث اعتمدوا على مصادر غير إباضية في دراسة وتحليل ونشر عقائدهم وأفكارهم ،ومما زاد الطين بلة تلك المناورات والدسائس السياسية التي كانت تحاك من طرف حكام الأمويين، وغلاة الشيعة الذين سعوا بكل طاقتهم إلى وأد عقائد الإباضية وتشويهها بالأحاديث المنتحلة والروايات الموضوعة عن الرسول ژ في حق هؤلاء؛ فنتج جدا بين المصادر التي كتبت من طرف أعلام الإباضيةعن هذا تناقض واضح  أنفسهم وبين الأفكار التي وردت في مصادر غير إباضية ،فهذا يتنافى بكل تأكيد مع الروح العلمية التي تتطلب من الباحث أن يلتزم الحقيقة دون سواها. الك تاب ،اعتمدوا في دراسة الفكر الإباضي على غير أننا نجد أن ج ل مصادر غير إباضية سواء في القديم أو العصر الحاضر ،فلا شك أن هؤلاء أخطاء؛ لأنهم لا يعرفون عن المصادر الإباضية شي ئا ،فهذا الك تاب قد ارتكبوا يتنافى مع الروح العلمية ،وفقد الشرط الضروري في البحث العلمي الذي هو عدم نقل أفكار الإباضية إلا من مصادرهم. ويشير المؤلف إلى بعض المصادر الإباضية التي عالجت الفكر الإباضي، وبينت عقائده ووضحت حقيقة آرائه :الدينية ،والاجتماعية ،والسياسية ،ومن هذه المصادر: مائة كتاب إباضي276 ١ »الموجز« لأبي عمار عبد الكافي الإباضي. »الس ير« لأبي العباس الشماخي. ٢ ٣ »طبقات المشايخ« لأبي العباس الدرجيني. ٤ »قواعد الإسلام« لأبي طاهر الجيطالي. ٥ »الدليل والبرهان« لأبي يعقوب الوارجلاني. ٦ »عقيدة التوحيد« لعمرو بن جميع. ٧ »شرح صحيح الربيع بن حبيب« لنور الدين السالمي. ٨ »طلعة الشمس« لنور الدين السالمي. ٩ »مشارق أنوار العقول« لنور الدين السالمي. ١٠ »تيسير التفسير« لقطب الأئمة محمد أطفيش. ١١ »شرح النيل« لقطب الأئمة محمد أطفيش. ١٢ »شامل الأصل والفرع« لقطب الأئمة محمد أطفيش. ١٣ »الذهب الخالص« لقطب الأئمة محمد أطفيش. ١٤ »الإباضية في موكب التاريخ« لعلي يحيى معمر. ١٥ »الإباضية بين الفرق الإسلامية« لعلي يحيى معمر. ويتناول الفصل الثاني» :نشأة المذهب الإباضي«. إن نشأة الفكر الإباضي يعود بالدرجة الأولى إلى العامل الديني والسياسي الذي تمثل في مبايعة عبد االله بن وهب الراسبي من طرف بعض الصحابة كرم االله وجهه ،وفيهم من أهلعلي  والتابعين الذين أنكروا التحكيم على بدر ومن شهد له رسول االله ژ بالجنة. وكانت هذه النشأة في شوال سنة ٣٧ه ،وقد رفع أصحاب عبد االله بن وهب الراسبي الشعار التالي» :لا حكم إلا الله« .وهكذا يرى المؤلف أن الذين 277دراسات إسلامية في الأصول الإباضية كانوا مع علي في صفين متوادعين فروا عليه ،وعرفوا لذلك باسم الخوارج أو الشراة عند المؤرخين عامة ،فالشيء الوحيد الذي يربط الإباضية بالخوارج هو رفضهم المشترك للتحكيم ،والدعوة إلى إمامة المسلمين عن طريق حرية جميعا. الاختيار والكفاءة الشرعية لهذا المنصب بين المسلمين وقد ظهر المذهب الإباضي ،في القرن الأول الهجري في البصرة ،فهو من أقدم المذاهب الإسلامية على الإطلاق ،والتسمية كما هو مشهور عند المذهب جاءت من طرف الأمويين ،ونسبوه إلى عبد االله بن إباض ،وهو تابعي عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبد االله بن مروان ،وعلة التسمية تعود إلى المواقف الكلامية والجدالية والسياسية التي اشتهر بها عبد االله بن إباض في تلك الفترة. ويرجع المذهب الإباضي في نشأته وتأسيسه إلى جابر بن زيد الذي أرسى قواعده الفقهية وأصوله ،فهو إمام متحدث فقيه ،تبحر بعمق في الفقه، وأمضى بقية حياته بين البصرة والمدينة بشكل جعله على صلة بأكبر فقهاء المسلمين حينذاك. ثم اكتملت صورة المذهب الإباضي على يد أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ،المتوفى في خلافة أبي جعفر المنصور ،وإليه انتهت رئاسة الإباضية بعد موت جابر بن زيد ،وبإشارته أسس الإباضية في كل من المغرب وحضرموت وتخرج على يديه رجال الفكر والدين من مختلف الدولدولا مستقلة، الإسلامية آنذاك عرفوا ب »حملة العلم«. ولقد أفلح عبد الرحمن بن رستم في تأسيس الدولة الإباضية ب»تاهرت«، فهو تلميذ من تلاميذ أبي عبيدة وأحد حملة العلم. وظهرت الدولة الجزائرية الإسلامية الأولى مستقلة عن الدولة العباسية ب يد عبد الرحمن بن رستم ،واستمرت قرابة مائة وخمسين سنة من ١٤٤ه ٢٩٦ه. مائة كتاب إباضي278 والسنة ،وأثر السلف الصالح ،وتركت حرية الاعتقاد وكانت مقيدة بالكتاب والرأي ،وازدهر في ظل هذه الدولة حركة علمية عظيمة ،غير أن هذه الحرية الاعتقادية استغلها الخصم فعجلت بسقوط الدولة الإباضية في تاهرت، والمذهب الإباضي لا تزال دعائمه راسخة في جنوب الجزائر وادي ميزاب ، وجنوب تونس وشمال ليبيا جبل نفوسة و عمان. نظرا لأن إمامه الأول وهذا المذهب يعد من أقدم المذاهب الإسلامية جابر بن زيد توفي سنة ٩٣ه ،أما المذاهب الأخرى فلم تظهر مدارسها إلا بعد القرن الثاني الهجري. والفصل الثالث عنوانه» :الإباضية والخوارج«. وفي مطلع هذا الفصل يطرح المؤلف سؤالا :هل الإباضية فرقة من الخوارج؟ استنادا على رأي الأستاذ علي يحيى معمر مدلول كلمةعرف المؤلفوي  »الخوارج« ،فيرى أن بعض المؤرخين أطلقوا كلمة »الخوارج« على أولئك الذين اعتزلوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عندما قبل التحكيم ورضي به؛ لأنهم في نظر هؤلاء نقضوا بيعة في أعناقهم ،وخرجوا عن إمامة مشروعة. ويطلقها فريق من المتكلمين في أصول العقائد والديانات ،وهم يقصدون ناسا من أمتياستنادا إلى قول رسول االله ژ » :إن بها الخروج عن الدين، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية« .وورد الحديث بروايات متعددة وألفاظ مختلفة. استنادا إلى أما الفريق الثالث :فيطلقها ويقصد بها الجهاد في سبيل االله، قوله تعالىÆ Å Ä Ã Â Á À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ﴿ : ] ﴾ È Çالنساء.[١٠٠ : 279دراسات إسلامية في الأصول الإباضية وإذ أباح بعض المؤرخين لأنفسهم أن يطلقوا هذه الكلمة الخوارج على جميع أولئك المتمسكين بالإمامة على أنها حق شرعي لا يجوز فيه التردد، علي نفسه أن يشك في إمامة أجمعت عليها الأمة،وأنه ليس من حق حتى ولا أن يتساهل فيها ،أو يقبل عليها المساومة ،وأن معاوية وأتباعه فرقة باغية، كرها بنصيجب عليهم الرجوع إلى حظيرة الإمامة والأمة إما طو عا وإما الكتاب .فإذا رضخ وتنازل عن الواجب الذي أناطته به الأمة وألزمته به البيعة فإن هذه البيعة تنحل من أعناقهم ،وهم بعد بالخيار. أما المدلول البعيد لكلمة الخوارج ،فيشير المؤلف إلى أن الأمويين كانوا يحاولون بكل ما استطاعوا أن يلصقوا هذا اللقب لقب الخوارج بعد أن ف سر بالخروج عن الدين بهؤلاء الثائرين الذين ينادون في إصرار وشدة بالمبادئ العادلة في الخلافة .وكل هذه الاتجاهات تجتمع على محاربة الاتجاه الذي اتجه إليه أتباع عبد االله بن وهب الراسبي ،ذلك الاتجاه العادل الذي يرى أن المسلمين متساوون في الحقوق والواجبات ﴿ ﴾ U T S R Q ]الحجرات ،[١٣ :لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. عددا من الثورات وقع منذ وفاة الرسول إلى انتهاء خلافة الإمام علي بنإن أبي طالب ،فأي هذه الثورات يحق أن يطلق على القائمين بها لقب »الخوارج« مع ملاحظة الخروج عن الخلافة الشرعية والمروق عن الدين؟ يقسم المؤلف الثورات إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول :ثورة ليس لها تعليل ولا أسباب غير عدم تمكن الإسلام في قلوب القائمين بها ،وعدم إيمانهم الإيمان الصحيح بتكامل الرسالة المحمدية ،ويتجلى هذا في الثورة الأولى التي ارتد فيها فريق ،وامتنع فريق آخر عن أداء الزكاة. القسم الثاني :ليس لها أسباب ظاهرة معقولة ،أما أسبابها الحقيقية الخفية، فهي النزاع على مناصب الدولة ،من خلافة أو عمالة ،ويتمثل ذلك في الثورة مائة كتاب إباضي280 الثالثة التي قام بها طلحة والزبير ،وفي الثورة الرابعة التي قام بها معاوية بن أبي سفيان. القسم الثالث :ثورة استندت إلى أسباب ظاهرة يتراءى للناظر أنها معقولة، ويتمثل ذلك في الثورة الثانية التي قتل فيها عثمان .وفي الثورة الخامسة التي اعتزل فيها جماعة من جيش علي بعد التحكيم ،وعزل أبي موسى الأشعري له. أما المدلول السياسي لكلمة »الخوارج« ،فهو الخروج السياسي عن خليفة تمت له البيعة الشرعية .لكأن إطلاق هذه الكلمة على طلحة أو معاوية وأتباعه، أو على الثائرين على عثمان أظهر وأوضح .أما إذا لوحظ المعنى السياسي مع المعنى الديني فإنه لا يمكن إطلاق هذه الكلمة عليهم ،كما أنه من العسير إطلاقها على المعتزلين لعلي. والسبب في هذا العسر أن هؤلاء الثائرين سواء كانوا من القسم الثاني أو من القسم الثالث إنما ثاروا غير منكرين لأصل من أصول الإسلام، ولا مكذبين بمعلوم من الدين بالضرورة ،ومع كل طائفة منهم فريق من كبار الصحابة ،فيهم بعض المشهود لهم بالجنة. أما أحاديث المروق إذا صحت فلا يكون المقصود منها إلا أصحاب الثورة الأولى ،أولئك الذين خرجوا على خلافة أبي بكر منكرين للشريعة ،أو لأصل من أصولها ،فإن هؤلاء يمكن أن يطلق عليهم كلمة »الخوارج« ،ويقصد بهذه الكلمة معنييها السياسي ،والديني .وذلك لخروجهم عن خلافة مجمع عليها، وإنكارهم للإسلام جملة بعدما آمنوا به ،أو تكذيبهم بركن ثابت بالكتاب حربا إنكارا استحقوا به أن يحاربهم خليفة رسول االله الأول والسنة والإجماع،  لا هوادة فيها ،ومصداقا لقوله » : ‰لئن أدركتموهم اقتلوهم قتل ثمود« .وقد قتلهم خليفة رسول االله ژ قتل ثمود تحقيقا لخبره . ‰ وكما يستأنس بحديث المروق في الرواية التي »سيخرج أو يمرق« فإن 281دراسات إسلامية في الأصول الإباضية استعمال )السين( يدل على قرب الخروج .ويظهر من سياق الحوادث أن هذه الأحاديث التي تتحدث عن الخروج لم تكن معروفة عند حدوث الثورات الأولى ،وإلا فكيف أمكن أن لا تدور على الألسنة وأن لا يوصف بها الخارجون عن الخلافة في زمن أبي بكر وعثمان وعلي ،ولا الخارجون عن الدين في زمن الصديق؟ لماذا تبقى محفوظة لا يستفيد منها أنصار الخلافة أو خصومها في أربع ثورات جامحة ذهب ضحيتها عدد قليل من المسلمين الأبطال. قصدا للتشنيع على أهل النهروان ،وتحمل على إنها وضعت بعد ذلك علي من دمائهم ،ويتردد في علي قتالهم والقضاء عليهم ،وخوفا من أن يتحرج تفكيرا منطق يا على أنه قد يكون لهؤلاء حق ولرأيهم سند، قتالهم ،ويفكر علي ولا يمكن القضاء على هذه الآراء إلا بالقضاء على أصحابها ،فلو تردد في هذا الأمر وتحرز من إراقة الدماء فإن كل شيء سوف يضيع؛ ولذلك فيجب أن يحمل بشتى الوسائل والطرق على اتخاذ هذه الخطوة الحازمة الحاسمة ،وقد استطاعوا أن يقنعوه ،فاقتنع برأي الأشعث ،واتخذ هذه الخطوة، ونفذ فكرة المناجزة ،فقضى على أهل النهروان ،ولكنه لم يستطع أن يقضي على الفكرة التي دعوا إليها ،هذه الفكرة التي تسربت بما فيها من صدق وصراحة وواقعية إلى كثير من العقول ،حتى أصبحت مبدأ يتأصل عنه معتنقوه بصبر وشجاعة وثبات. ويستخلص المؤلف من هذا :أن كلمة »الخوارج« أطلقها بعض المؤرخين على أتباع عبد االله بن وهب الراسبي إطلاقا تاريخ يا وأدب يا ،بحيث لا تنصرف إلى غيرهم ،وليس في هذا كبير بحث ،فإن إطلاق اسم على مجموعة من الناس ليس بذي أهمية إذا كان هذا الإطلاق مجرد تسمية. أما إذا روعي فيه مدلول ديني فإنه يحسن بنا أن نتريث قبل أن نطلق هذا الحكم الرهيب الذي يسلطه التاريخ المغرض على رؤوس بعض الطوائف مائة كتاب إباضي282 الإسلامية في قساوة وغلظة في الحين الذي نعترف فيه بأن هذه الطوائف تؤمن برسالة محمد وبتكاملها وبما جاء فيها ،وتستند في آرائها ونظرياتها إلى كتاب وسنة رسوله ژ .االله العلامة أبو يعقوب الوارجلاني:أما عن الخوارج في نظر الإباضية ،فيقول  إن زلة الخوارج نافع بن الأزرق وذووه حين تأولوا قول االلهc b ﴿ : ] ﴾ e dالأنعام [١٢١ :فأثبتوا الشرك لأهل التوحيد حين أتوا من المعاصي ما أتوا ولو أصغرها .وأما المارقة فقد زعموا أن من عصى االله تعالى ولو في صغير من الذنوب أو كبير أشرك باالله العظيم ،وتأولوا قول االله b ﴿ : 8 ] ﴾ e d cالأنعام [١٢١ :فقضوا بالإثم على جميع من عصى االله 8 أنه مشرك ،وعقبوا بالأحكام ،فاستحلوا قتل الرجال ،وأخذ الأموال والسبي ناسا من أمتي يمرقون من الدين للعيال ،فحسبهم قول رسول الل ژه ژ » :إن مروق السهم من الرمية فتنظر في النصل فلا ترى شي ئا ،وتنظر في القدح فلا ترى شي ئا ،وتتمارى في الفوق«. فليس في أمة محمد ژ أشبه بهذه الرواية منهم؛ لأنهم عكسوا الشريعة، ظهرا لبطن ،وبدلوا الأسماء والأحكام؛ لأن المسلمين كانوا على عهدقلبوها رسول االله يعصون ولا تجري عليهم أحكام المشركين. وترى الإباضية أن إطلاق كلمة »الخوارج« على فرقة من فرق الإسلام لا يلاحظ فيه المعنى السياسي الثوري ،سواء كانت هذه الثورة لأسباب شرعية عندهم أو لأسباب غير شرعية؛ ولذلك فهم لم يطلقوا هذه الكلمة على قتلة عثمان ،ولا على طلحة والزبير وأتباعهما ،ولا على معاوية وجيشه ،ولا على ابن فندين ،والذين أنكروا معه إمامة عبد الوهاب الرستمي ،وإنما كل ما يلاحظونه إنما هو المعنى الديني الذي يتضمنه حديث المروق والخروج عن الإسلام يكون :إما بإنكار الثابت القطعي من أحكامه ،أو العمل بما يخالف 283دراسات إسلامية في الأصول الإباضية المقطوع به من نصوص أحكام الإسلام ديانة ،فيكون هذا العمل في قوة الإنكار والرد .وأقرب الفرق الإسلامية إلى هذا المعنى هم الأزارقة ،ومن ذهب مذهبهم ممن يستحل دماء المسلمين وأموالهم ،وسبي نسائهم وأطفالهم. ويعقب المؤلف على النصوص التي كتبها علي يحيى معمر حول موضوع الخوارج والإباضية ،ويرى أنها تميزت بالعمق الفكري والمنهجية العلمية ،فقد وناقدا مدلول شارحا ومبي نا اعتمدوا فيها على الاستقراء والقياس التاريخي كلمة »الخوارج« من حيث مضمونها الديني والسياسي ،وتطورها التاريخي مستعي نا في ذلك بالوقائع التاريخية وحقائقها من عهد الرسول ژ إلى ظهور الثورة الخامسة التي رفضت مؤامرة التحكيم. كافيا مع النقد والربط بين العلل والمعلولات.إلماما فلقد أ لم بالحوادث وبدأ بالثورة الأولى التي قام بها المرتدون ،ثم بالثورة الثانية التي قتل فيها عثمان ،ثم بالثورة الثالثة التي قام بها طلحة والزبير ،ثم بالثورة الرابعة التي قام عين فيها عبد االله بن وهب الراسبي إماموأخيرا الثورة الخامسة التي بها معاوية، المسلمين بعد مؤامرة التحكيم؛ فتوصل إلى النتيجة الحتمية التي تعرض بداهتها على كل منصف وباحث نزيه يريد الحقيقة العلمية. إن مدلول كلمة »الخوارج« لا ينطبق على أنصار الثورة الخامسة سواء من الجانب الديني أو السياسي ،وهذا الاستنتاج شبيه بالاستنتاج الرياضي التي اضطرارا بالضرورة ،وإلا وقعنا في تناقض. تلزم فيه النتائج على المبادئ العقلية حدا فاصلا العلامة أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني فقد جعل أما  بين الدلالتين المتناقضتين من حيث العقيدة ،الحد الأول أن الأزارقة أقروا الشرك للمسلمين العصاة ،واستحلوا دماءهم وأموالهم ،وهذا الأصل عندهم يخالف أحكام الإسلام .فخرجوا على الإسلام فهو خروج بالعقيدة والعمل .أما الحد الثاني فهم الإباضية لا يستحلون دماء وأموال عصاة المسلمين ،وأن مائة كتاب إباضي284 كبائرهم كالزنا وشرب الخمر ،لا تخرجهم من م لة الإسلام فهم موحدون؛ أي: محمدا رسول االله. يشهدون أن لا إله إلا االله وأن وبعد هذا العرض ينتهي المؤلف إلى أن الإباضية ليسوا من الخوارج. ويعرض الفصل الرابع» :الأصول العقائدية« للإباضية: الأصل الأول :التوحيد .والتوحيد في الإسلام يتمثل في قسمين :قسم يتعلق بقلب الإنسان ويسمى الإيمان ،والقسم الثاني يتمثل في الإقرار برسالة الرسول وتطبيق أركانها .والإيمان لا يكتمل إلا عن طريق توحيد االله ، 8وذلك أن الله تعالى الصفة العليا اللا نهائية في الكمال؛ كالعلم ،والقدرة ،والإرادة ،والسمع، والبصر ،والرزق ،والإحياء ،والإماتة ،وأنه تعالى لا يماثله فيها ولا في ذاته مقدار من المقادير الموجودة في الدنيا ولا في الآخرة. وبينت النصوص أن االله 8واحد لا جنس له ،ولا نوع له ،ولا مضاد له، ولا ند له ،ولا يشاركه في الكمال المطلق اللا نهائي أي شيء ،واالله تعالى يقول] ﴾ 7 6 5 43 2 1 ﴿ :الشورى.[١١ : والفكر الإباضي يرفض كل تيارات الإلحاد والتشبيه سواء كانت مادية ،أو دهرية ،أو يهودية ،أو مجوسية ،أو تجسيمية ،أو فيضية ،أو حلولية. وأما الصفات المستحيلة عن االله 8فهي الحدوث ،والعدم ،والفناء، والموت ،والجهل ،والعجز ،والإكراه ،والصمم ،والعمى ،والتسوية بينه وبين خلقه في الذات أو في الصفات. والتوحيد هو الأساس الأصيل في ترسيخ عقائد الإسلام ،فبدونه لا يمكن أن يتمتع المسلم بعقيدة صلبة ،فإذا استقرت هذه العقيدة في حياة المسلم كانت الثمرة المرجوة في القول والعمل بإذن االله ،وكل المدارس الكلامية أقرت على أن االله واحد ليس كمثله شيء ما عدا المشبهة القائلة :إن االله له صفات مثل صفات الإنسان ،تعالى االله عن ذلك. 285دراسات إسلامية في الأصول الإباضية وتؤكد النصوص الإباضية على أن االله وحده في ذاته وصفاته ،وأن ذات االله وصفاته شيء واحد ،ولا يشاركه فيه شيء ما بأي حال من الأحوال ،وبأي وجه محمدا رسول االله؛ أي :أن االلهكان ،مع الإقرار والاعتقاد بأن لا إله إلا االله ،وأن هو المالك الوحيد الخالق لهذا الكون ،والمدبر الوحيد الكامل لكل ما يقع فيه محمدا رسول االله خاتم الأنبياء والرسل ،ورسالته حق علىمن أحداث ،وأن العالمين مع الإلزام بتطبيقها واتباعها في هذه الحالة. الأصل الثاني :الصفات الإلهية :وتؤكد المصادر الإباضية على صفات الكمال الله 8وأنها جوهره؛ أي :ذاته ،ولكن المذاهب الكلامية الأخرى قد اختلفت في ماهية الصفات الإلهية ،فهل صفات االله عين ذاته؟ ترى الأشعرية أن صفات االله غيره ،وهي قديمة بقدمه ،ولكنها ليست جوهره؛ أي :ذاته .أما الإباضية فتقول :إن صفات االله هي عين ذاته ،واالله قادر بذاته ،أي :أن ذاته كافية في التأثير في جميع المقدورات ،فصفات االله 8هي عين ذاته؛ لأن االله قديم .وصفة القديم مثله في القدم .فإذا كانت شي ئا غيره كان هناك قديمان أو أكثر ،وهو تصور يتنافى مع أصل التوحيد. وتعدد القدماء يتنافى مع أصل التوحيد ،وهذا الأصل الثاني يتطابق مع رأي المعتزلة والشيعة ،ويخالف رأي الأشعرية التي ترى أن صفات االله حقيقة أزلية ،ولكنها ليست عين ذاته. الأصل الثالث :الإيمان :يؤكد المؤلف على أن أصل الإيمان موجود عند واحدا عند هذه المذاهب.كل المذاهب الإسلامية ،إلا أن مدلوله ليس فالإباضية يرون أن الدين والإيمان والإسلام أسماء لشيء واحد وهو طاعة االله تعالى وتطبيق قواعد الإسلام تطبيق ا عمل يا؛ لذا قيل في مقدمة التوحيد عند الإباضية إن قيل لك :ما قواعد الإسلام؟ فقل :أربعة :العلم ،والعمل، والنية ،والورع. مائة كتاب إباضي286 فالإسلام لا يصح إلا بهذه الأركان الأربعة ،ولا يجوز الفصل بين القول والعمل .والقول هو الإقرار باالله أنه لا إله إلا هو ،وبمحمد بن عبد االله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي بأنه عبد االله ورسوله ،أرسله بالهدى ودين الحق وفضله على جميعليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ،وختم به أنبياءه، خلقه .وإتيان بجميع أركان الإسلام ،واجتناب جميع المحرمات والوقوف عند الشبهات ،فهذه الأصول تناقض رأي المرجئة التي ترى أن الأعمال شيء ،وأن الإيمان شيء آخر. فالإيمان في زعمها هو التصديق بالقلب فقط .والإباضية تؤكد أن الإيمان بدون تطبيق فرائض الإسلام لا معنى له ،وإلا أصبح فكرة جوفاء .وأما المرجئة فقد حصرت الإيمان في توحيد االله والخضوع له دون الإتيان بالفرائض ،وقد أثرت البيئة السياسية الأموية على ظهور هذا التيار الإرجائي لتبرير سلطتهم الحاكمة حتى يستقر لها زمام الرئاسة والحكم. وأما الأشعرية فترى أن الإيمان من أتى بالقول ،وض يع العمل ،وهذا عاصيا مذنبا ليس بمشرك .أما الإباضية فتراه فاسقا عاصيا، مسلما الإنسان تراه موحدا ،ولا يخرج عن ملة الإسلام ،وتجري عليه أحكام المسلمين ،وقد اعتنقت المعتزلة والشيعة والزيدية رأي الإباضية في هذا الأصل. الأصل الرابع :نفي رؤية االله . 8وهو أصل فتح فيه الإباضية باب الاجتهاد والتأويل معتمدين في ذلك على الأدلة العقلية والنقلية لتدعيم النص القرآني المتشابه بالدليل اللغوي المتمثل في لغة العرب الجاهلية. ظاهرا وباط نا ،فقول االله - ❁ + * ) ﴿ : 8ويرون في كتاب االله 8 ] ﴾ / .القيامة [٢٣ - ٢٢ :فهذه الآية من المتشابهات يجب تأويلها لغويا وعقل يا في آن واحد؛ لأن اللغة هي الفكر فهي تحمل المعاني الفكرية. ويفهم منها الرجاء وانتظار رحمة االله للدخول في الجنة بعد الفراغ من 287دراسات إسلامية في الأصول الإباضية الحساب ،ولا يعني الرؤية بالإبصار .ثم إن هذه الآية تدعمها وتوافقها هذه الآية الكريمة المحكمة الواضحة﴾ : 9 8 7 6 5 ﴿ : ]الأنعام ،[١٠٣ :وهذا الاستدلال العقلي والاجتهاد النظري يعد وسيلة لإثبات وتوكيد توحيد االله وتنزيهه من كل شيء. ومتحيزا جسما أما الأدلة العقلية فتمثلت فيما يلي :لو أمكنت رؤية االله لكان وموجودا في مكان أمام حواسنا ،أو كونه في حكم المقابلة كما في المرئي بالمرآة ،وكذلك عدم غاية القرب فإن المبصر إذا التصق بسطح البصر بطل إدراكه بالكلية .وبعد هذه الأدلة فإن الإباضية تجزم بامتناع رؤية االله في الدنيا والآخرة .فهذا الأصل قد اعتنقته المعتزلة والشيعة ،ويخالف رأي الأشعرية التي ترى أن االله يرى بالأبصار ،ولكن في غير حلول. دوما بمصير الإنسان عامة الأصل الخامس :القدر .ارتبطت مشكلة القدر والمسلم خاصة .وهذه المشكلة الفلسفية الميتافيزيقية لا تزال مطروحة في المذاهب الفكرية المعاصرة. وفي العصر الأموي والعباسي وما بعدها ظهر اتجاهان متعارضان لهذه المشكلة ،هما: مخير إزاء قدرة االله المطلقة الخالقة لكل شيء ،وهو مسير لا ١ أن الإنسان مذهب الجبرية. ٢ أن الإنسان هو الخالق لأفعاله ،وهو مذهب المعتزلة والقدرية. إلا أن نصوص الإباضية تخالف المذهب الجبري والمذهب القدري على حد سواء ،وترى أن للإنسان قدرة على الفعل ،واالله 8هو الذي يخلق فينا القدرة ولا يحاسبنا على هذه القدرة ،بل أن الحساب ينصب على الأعمال التي اكتسابا عن طريق جوارحه وإرادته الحرة. اكتسبها الإنسان فالكسب إذن عند الإباضية يقوم مقام الخلق عند القدرية ومدرسة الاعتزال. مائة كتاب إباضي288 والمؤمن الصالح عليه أن يعتقد بالقدر :خيره وشره وأنه من االله ،ولن يبلغ اعتمادا على حقيقة الإيمان حتى يؤمن بذلك ،مع العمل الدائم وعدم التوكل سيرة الرسول وأقواله ،حين قال أعرابي للرسول ژ :أرسل ناقتي وأتوكل على االله؟ فقال» :بل اعقلها وتوكل«. الأصل السادس :العدل والوعد والوعيد .يشير المؤلف إلى أن قضية الوعد والوعيد الثواب والعقاب تعد أصلا من أصول العقائد الإباضية ،فهي مرتبطة بالعدل الإلهي الذي يعطي لكل ذي حق حقه ،ولا ينسب إليه الجور والظلم، تعالى االله عن ذلك. فلا يحكم على أحد بما ليس أهلا له ،ولا لأحد بما ليس أهلا له، ولا يفعل بأحد ما لم يكن أهلا له ،فحكمه على القاتل بالقتل عدل ،وقطع يد السارق عدل ،وهذان الأصلان أوجبهما االله على نفسه ،وإلا أصبحت أوامر االله تعالى كاذبة ومتناقضة مع النصوص القرآنية وعدالته المطلقة ،فاالله عادل أحدا. ولا يظلم إن الإباضية يرون أن أهل الكبائر من المسلمين بدون توبة كانوا عصاة أو أبدا ،وأما المؤمنون فهم مخلدون دائما فاسقين أو منافقين فهم مخلدون في النار أبدا ،وهذه العقيدة قد اعتنقها المعتزلة والشيعة بعد. دائما في الجنة الخالدة الأصل السابع :الشفاعة :ترتب على موقف الإباضية حول العدل والوعد والوعيد موقف ثان ،نفوا فيه حدوث الشفاعة من الرسول ژ وحصروا حدوث هذه الشفاعة في المؤمنين فقط دون العصاة والفسقة ومرتكبي الكبائر. إن شفاعة النبي ژ لن تكون لمن مات وهو مصر على الكبائر ،وإنما تكون للمؤمنين كافة لتخفف عليهم يوم الحشر ،والتعجيل بهم للدخول في الجنة أو زيادة درجة لبعض المؤمنين الذين ماتوا على الوفاء والتوبة النصوح. 289دراسات إسلامية في الأصول الإباضية أما الأدلة القطعية التي استشهدوا بها فهي قوله تعالىÅ Ä Ã Â ﴿ : ] ﴾ Í Ì Ë Ê É È Ç Æالبقرة ،[٤٨ :ثم إن الرسول ژ قد أكد ووضح هذه الآية الكريمة حين قال» :يا فاطمة بنت محمد ويا صفية عمة محمد :اشتريا أنفسكما من االله فإني لا أغني عنكما من االله شي ئا«. وهذه العقيدة لها صلة بأصل العدل والوعد والوعيد؛ لأن االله 8عادل ولا يخلف وعده ووعيده .فهذه العقيدة تتطابق مع رأي المعتزلة التي تنفي الشفاعة عن أهل الكبائر. الأصل الثامن :خلق القرآن الكريم .يدلل الإباضية على أن القرآن الكريم كلام االله تعالى ،وأنه مخلوق له تعالى ،لفظه وكلماته ،وسوره ومعناه ،إلا ما قام الدليل على قدم معناه فقط؛ كلفظ الجلالة والرحمن الرحيم لوصفه تعالى له بكونه منزلا من عنده ،وهذه الفكرة مرتبطة بالتصور النقي الخالص لفكرة التنزيه للذات الإلهية عن كل مماثلة لما يحتمل تصور وجوده من المحدثات الحسية الواقعية. لقد دعم أبو عمار عبد الكافي الإباضي نظريته بالأدلة العقلية والنقلية من ورد على كل من زعم أن القرآن غير مخلوق .والخلاصة :أنالقرآن الكريم ، الإباضية تقر أن القرآن مخلوق كالأشياء. الأصل التاسع :لا منزلة بين المنزلتين .وقد كان للإباضية رأي خاص في هذه القضية فقد بينت نصوصهم أن من أقر بوحدانية االله ورسالة الرسول ژ ، موحدا ،وليس بمؤمنولكنه ضيع الفرائض الدينية ،أو ارتكب كبائر فتسميه ولا بمشرك ،ثم يرون أن مرتكب الكبيرة يعد كافر نعمة وليس كافر كفر اعتمادا على قول االله { z y x w v u t ﴿ : 8شرك، | ﴾ ]المائدة.[٤٤ : فالكفر إذن عند الإباضية ينقسم إلى ما يلي: مائة كتاب إباضي290 أ كفر نعمة ونفاق فيتمثل في المسلم الذي ض يع الفرائض الدينية أو ارتكب الكبائر ،وجمع بينهما. ب كفر شرك وجحود :ويتمثل في الإنسان الذي يجحد باالله وآياته ورسالة خارجا عن ملة الإسلام. محمد ژ ،ففي هذه الحالة يعد جدا في شأن عصاة المسلمين .فهي تعدهم في الملةفرأي الإباضية واضح  الإسلامية ،وتجري عليهم أحكام المسلمين ،ويحرم أن تستحل دماؤهم وأموالهم ،فهم لا يختلفون عن إخوانهم الإباضية في العقيدة الإسلامية وجوانبها الاجتماعية؛ فلذا تنكح نساؤهم ،وتؤكل ذبائحهم ،ويحج معهم ويصلى معهم وعلى أمواتهم ...إلخ. حدا فاصلا بين الإباضية والمدارس الكلامية الأخرىفهذه العقيدة جعلت  حول تسمية عصاة المسلمين وأهل الكبائر منهم يكاد أن ينحصر في الجانب اللغوي فقط ،أما دلالة المعنى فواحدة عند الفرق الإسلامية ما عدا المرجئة. أما الفصل الخامس والأخير فهو عن »الأصول الاجتماعية«. يتناول الأصل الاجتماعي الأول :الولاية والبراءة .والنصوص التي كتبها أعلام الإباضية تحت هذا الأصل قد عالجت فكرة اجتماعية حساسة ،لها ارتباط جدا بإصلاح الفرد والمجتمع .إن إصلاح النفس وفسادها مرتبط إلى حدوثيق  كبير بالمجتمع الذي يعيش فيه الإنسان. وقد أكد علماء الاجتماع أن الدين أقوى أنواع الرقابات التهذيبية في المجتمع ،وهذه الرقابة التهذيبية تتمثل في الولاية والبراءة عند الإباضية. وقد ثبتت الولاية :بالود بالجنان والثناء باللسان ،أي :الحب والإخلاص ،والأخوة الصادقة التي يظهرها ويكنها المسلم لأخيه المسلم في االله لا غير .وقد ثبتت الولاية بأدلة قطعية لقول االله ] ﴾ å ä ã â ﴿ : 8محمد.[١٩ : 291دراسات إسلامية في الأصول الإباضية جهرا أما البراءة :هجرة من جاهر بالبغي والعدوان ومن ارتكب الكبائر حتى يتوب ،فهي تنطبق على الكافر والإنسان العاصي الذي خرج عن جادة الإسلام ،وض يع أركان الإسلام ،أو قام بارتكاب الكبائر أو إلحاق الضرر بمصلحة المجتمع الإسلامي ،فإذا تاب واستغفر واعترف بذنبه تعاد له كل حقوقه ،ويعامل كبقية إخوانه. إن هذا الأصل يعد من أصول العقائد الاجتماعية الإباضية في معالجة سلوك المنحرفين ،حتى لا يشهروا الفواحش ولا يقلدهم آخرون .فلا شك أنهم إن وجدوا الجفاء من أبناء مجتمعهم وأحسوا أن مصالحهم قد تعطلت كلية ،ففي هذه الحالة سيقومون بإصلاح أنفسهم عن طريق التربية الذاتية الهادفة التي تغير أنماط سلوكهم والسعي إلى اكتساب الفضيلة الأخلاقية والابتعاد عن الرذيلة. الأصل الاجتماعي الثاني :مسالك الدين :يعد هذا الأصل من أصول الفكر السياسي عند الإباضية ،وهو يحمل مدلولا ثوريا لإزالة الظلم والحيف السياسي عن المجتمع الإسلامي وجث جذوره ،والفرق الكلامية في الإسلام قد أجمعت كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولكن المدارس الإسلامية قد اختلفت في كيفية تنفيذ هذا الأصل ،إن المعتزلة والزيدية والإباضية يرون أن إزالة الظلم واجب على كل أفراد الأمة الإسلامية ،ولو عن طريق الثورة ،وبالمقابل نجد أهل الحديث قد أنكروا الخروج على الحاكم الجائر الفاسد. والإباضية تحصر هذا الركن في مسالك الدين في: المعبر عن السلطة الحاكمةأ الظهور :هو بروز الدولة بالمعنى السياسي والسيادة العامة والتنفيذ ،كظهور الدولة الإسلامية الأولى في عهد الرسول إلى آخر خلافة علي بن أبي طالب .وهذه الدولة لها جميع مقوماتها جهرا. جهرا ،وتنهى عن المنكر الأساسية تأمر بالمعروف مائة كتاب إباضي292 ب الدفاع :هو إجماع المسلمين على إمام يعينونه عند محاربتهم العدو الذي دهمهم واحتل ديارهم ،أو حاكم عبث بمصير الأمة الإسلامية ،وانحرف عن تطبيق كتاب االله ، 8وهذا الإمام الذي عين من طرف الأمة الثائرة تجب عليهم طاعته ،ويلتزم بالأحكام التي تقع حال كونه إمام المسلمين، وإذا زال القتال زالت إمامته ،وله الحق أن يرشح نفسه لإمامة المسلمين من جديد في الدولة الفتية المنتصرة على حسب شروط الإمامة فهي الكفاءة والأهلية. مسلما فما فوق أنفسهم الله ، 8ويعلنون الجهاد ج الشراة :أن يبيع أربعون أمام السلطة الجائرة ،وسموا شراة لأنهم اشتروا الجنة بأنفسهم ،ولا يجوز لهم الرجوع إلى دارهم حتى إن نقصوا عن ثلاثة رجال ،وهم في جهاد دائم ،حتى أن الصلاة تقصر في ديارهم ،إذا دعت الضرورة بالاجتماع فيها مع أنصارهم الذين يعملون داخل المدن وخارجها ،لضرب مضاجع ومعاقل السلطة الجائرة وزعزعة هيبتها حتى تشعر الأمة الإسلامية أن هناك قوة روحية إلهية أقوى وأشد من القوة المادية الحاكمة التي وصلت إلى الحكم عن طريق الوسائل اللا أخلاقية ،لأجل حب الرئاسة ومفاتنها. د الكتمان :يعد أدنى درجة في الجهاد ويتمثل في مساعدة الظالمين والابتعاد عن وظائفهم وإرشاد الناس إلى الخير العام ،وتهذيب نفوسهم عن طريق المساجد ،وجمعيات خيرية دينية تسعى إلى غرس فضائل وقيمه الخلقية وتربية النشء تربية دينية إسلامية سليمة ،ونشر الإسلام الوعي الديني بين طبقات الشعب. الأصل الاجتماعي الثالث :الإمامة :إن قضية الخلافة في الفكر الإسلامي قد تركت اتجاهات متعددة ومتناقضة بين المسلمين .ويمكن أن نقسم هذه التيارات إلى ما يلي: 293دراسات إسلامية في الأصول الإباضية أ الخوارج يرون أن الخلافة لا يجب أن تنحصر في نسل عائلة أو قبيلة معينة أو جنس معين ،والإباضية تتفق معهم في هذا القول. ب أن الشيعة ترى أن الخلافة يجب أن تكون في آل النبي ژ وبيته .وحول هذه الفكرة التقت فرق الشيعة مع اختلاف في بعض التفاصيل. قديما قد حصرتا الإمامة في قريش ،وجوزتاج المدرسة الأشعرية والمرجئة الحكم الوراثي. أما الإباضية فكان رأيهم في الإمامة هو: ١ أن إمامة أبي بكر وعمر ^ قد صحت وتحققت بإجماع الصحابة، وهؤلاء لا يتفقون على الضلال. ٢ أن الرسول قد استخلف في الصلاة أبا بكر حين كرر عدة مرات »مروا أبا بكر يصلي بالناس« فهذا دليل على صحة خلافته بعد الرسول ژ . ٣ أما الحجة العقلية الأخرى فتتمثل في إقامة الحدود الشرعية ،كقطع يد السارق ،وإعلان الحرب على الأعداء .إن هذه الحدود مع وجوبها لا تقوم ولا توجد إلا بالأئمة وولاتهم. وفي إبطال الإمامة إبطال لإقامة حدود االله .إذ إن تنصيب وعقد الإمامة على المسلمين فرض وواجب ،والحدود مع وجوبها لا تقام إلا عن طريق السلطة الحاكمة. ٤ أن النصوص أكدت أن الخلافة لا يمكن حصرها واحتكارها في النظام الوراثي ،أو في الجنس ،أو القبيلة ،أو الأسرة ،أو اللون ،أو طبقة معينة في مجتمع ما ،لأن الناس سواسية أمام االله ،وقد خلقهم من نفس واحدة، يقول االله 8في ذلك﴾ ) ( ' & % $ # " ! ﴿ : ]النساء [١ :فلا تمييز بين أبناء المسلمين لهذا المنصب إذا كان القائم بها مستحقا مهما كانت جنسيته ودرجته. مائة كتاب إباضي294 ذكرا بالغا عاقلا عالماواشترطوا في الإمامة الشروط التالية :أن يكون الإمام بالأصول والفروع ،وله دراية في الشئون السياسية والحربية ،وأن يكون كامل الخلقة؛ أي :غير مصاب بعاهة ،ولا يخاف من إقامة حدود االله ،وأن الاختيار والبيعة هما الطريق لتنصيب الإمام ،وقد دافعت الإباضية عن هذه الفكرة السامية التي أصبحت الفكرة السائدة في الوقت الحاضر لأنها نابعة من طبيعة الإنسان وحريته ،وأصبحت كل الأحزاب السياسية المعاصرة تعتنق هذه الفكرة وتدافع عنها. والملاحظ :أن الإباضية تتفق مع الخوارج وبعض الفرق الاعتزالية في هذا الركن ،وتناقض رأي الشيعة في ذلك؛ ولذا نجد أن بعض الباحثين يخلطون بين آراء الإباضية والخوارج ،ويدعون أن الإباضية خوارج وليس لها رأي في الأصول الدينية والاجتماعية إلا في قضية الخوارج. ولكننا رأينا أن الإباضية قد اتفقت مع الأشعرية في قضية القدر ،واتفقت أيضا مع الشيعة في أصل مع المعتزلة في قضية خلق القرآن الكريم ،واتفقت التوحيد والإيمان والخلود. 295 (Ω909 - 777/`g296 - 160) á«aà°SôdG ádhódG ájôμØdG IÉ«ëdGh ájOÉ°üàb’ǴÉ°VhC’G »a á°SGQO بحاز إبراهيم بكير الجزائر ،ط١٩٨٥ ،١م. عدد الصفحات ٤٧٩ :صفحة أصل هذا الكتاب أطروحة علمية لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي جامعة بغداد كلية الآداب. يتكون الكتاب من مقدمة ،وثلاثة أبواب ،وخاتمة .يشير المؤلف في مسرحا المقدمة إلى أن المغرب العربي في القرون الهجرية الثلاثة الأولى كان للعديد من الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية ،تعرض إلى تحولات وتغييرات عميقة في شخصيته. فمع طوالع الفتح الإسلامي لبلاد المغرب ،ودخول المغاربة في الدين الإسلامي ،وحسن إسلامهم بتركهم دياناتهم النصرانية واليهودية وغيرهما ،كان يمس الشخصية المغربية ويؤثر فيها.تحول عميق هذا أول  ولما كان الخوارج في المشرق العربي يتلقون الضربة تلو الأخرى على أيدي ولاة بني أمية خاصة بالعراق أولى وأهم مراكزهم ،فكروا في اللجوء إلى بعيدا عن السلطة ،فتشتتوا في البلاد أطراف الدولة العربية الإسلامية الشاسعة وغربا ،وفي هذه الأثناء ،ومع نهاية القرن الأول الهجري وبداية الثانيشرقا قدم رجلان إلى المغرب أسهما في تغيير أوضاع المغرب ،وتحريك عجلته أكبر الأثر وأدومه .والرجلان هما سلمة بن سعد )أو سعيد( الذي جاء ليدعو إلى الإباضية ،وعكرمة مولى عبد االله بن عباس الذي قدم بمذهب الصفرية. مائة كتاب إباضي296 تقريبا بدأت حركة الخوارج في المغرب العربي تنمو،منذ هذا التاريخ وعرفت إقبالا عليها من طرف المغاربة منقطع النظير ،بحيث دخلوا ،مرة ثانية، أفواجا على مذهب الإباضية والصفرية .ويمكن اعتبار العقد الثانيفي الإسلام من القرن الثاني الهجري إلى نهاية القرن الثالث منه ،يمكن اعتبار هذه الفترة فترة الهيمنة الإباضية والصفرية في المغرب العربي. وفي هذه الفترة انقسم المغرب إلى مقاطعات ،أو دول مستقلة منفصلة بعضها عن بعض ،فظهر إلى الوجود ما يعرف بالمغرب الأدنى ،وهو ليبيا وتونس حال يا ،والمغرب الأوسط ،وهو الجزائر اليوم ،والمغرب الأقصى أو المملكة المغربية. وفي هذه الفترة الغنية بالأحداث ،العميقة التحولات في بلاد الغرب امتدت جنبا إلى جنب مع جارتهاالدولة الرستمية كإحدى نتائج تلك التحولات ، الشرقية المتمثلة في دولة الأغالبة ،وجارتها الغربية المتمثلة في دولة الأدارسة، أو دولة بني مدرار في الجنوب الغربي منها. إن الدولة الرستمية التي جاء اسمها من اسم مؤسسها عبد الرحمن بن رستم قد نالها في التاريخ ظلم فاحش ،وغمط حقها بصفة جائرة ،إذ تعمد أغلب المؤرخين تناسيها أو الدس عليها. وفي المقدمة يحلل المؤلف أهم المصادر الإباضية القديمة .ويذكر أن ضخما في التاريخ الإباضية بخلاف الفرق الخارجية المتطرفة ،قد خلفت تراثا والسير والعقائد لا يزال الجزء الأكبر منه مخطو طا في حوزة الإباضية بمناطق تواجدهم بميزاب الجزائر ،أو جزيرة جربة بتونس ،أو جبل نفوسة بليبيا ،أو سلطنة عمان ،إضافة إلى بعض المكتبات العامة. ولعل ما ضاع منها بسبب الفتن أو التلف نتيجة إخفائها عن الأعين وبالتالي إلى عدم تداولها أكثر مما تبقى. 297الدولة الرستمية )٢٩٦ - ١٦٠ه٩٠٩ - ٧٧٧/م( تمهيدا للموضوع ،وتناول تطورات الأحداث فيأما المدخل فتناول فيه المؤلف المشرق والمغرب العربيين ،وب ين أن ثورة الخوارج كانت أهم ما تتميز به هذه الفترة. وتحدث عن سقوط الدولة الأموية سنة ١٣٢ه ،وقد كان لثورات الخوارج وفتنهم دور في تفتيت قوتها .كما تحدث عن نشأة الدولة العباسية في نفس السنة .وكانت من الأسباب التي دعت الخوارج إلى اللجوء إلى أطراف البلاد العربية الإسلامية. ومن هنا وجد الإباضية طريقهم نحو المغرب العربي ،فقاموا بنشر مذهبهم ،وخاضوا عدة ثورات أ هلتهم في الأخير إلى تأسيس دولتهم الرستمية سنة ١٦٠ه٧٧٧/م. عنوان الباب الأول» :الأوضاع السياسية« وهو يشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول :المذهب الإباضي :نشأته وبعض عقائده .يشير المؤلف إلى أن الخوارج استقلوا برأيهم في قضية التحكيم والإمامة ،وقالوا» :لا حكم إلا إماما ،ثم قتل هو وعدد كبير منالله« ،وولوا عليهم عبد االله بن وهب الراسبي أصحابه في معركة النهروان المشهورة سنة ٣٨ه ،واستمرت حركتهم متماسكة وبقيادة واحدة ،حتى وقع الخلاف بينهم حول مسألة الخروج لمحاربة الدولة واجبا ،بينما الفريق الأموية المناهضة لهم ،حيث إن فريقا منهم رأى الخروج الآخر التزم القعود واعتبر الخروج لا يحل؛ لأن المخالفين لهم بريئون من الشرك ،وبالتالي لا تجوز مقاتلتهم ،وكان عبد االله بن إباض هو صاحب هذا الرأي الأخير الذي رد به على تطرف نافع بن الأزرق. وابتداء من هذا الاختلاف الذي وقع حوالي سنة ٦٤ه ،انقسم الخوارج إلى متطرفين ومعتدلين ،فكان في الجانب الأول الأزارقة والنجدية ،وفي الجانب الثاني الإباضية والصفرية. وتذكر المصادر أن عبد االله بن إباض الذي تنسب إليه الفرقة ،إنما كان يصدر في أمره عن رأي جابر بن زيد شيخه الذي يعتبر عند الإباضية أصل المذهب ،وهو إمامهم الأول. مائة كتاب إباضي298 جابرا إمام مذهبهم، ومجمل القول :إن الإباضية إلى يومنا هذا يعتبرون وشيخ تلميذه وخليفته في الكتمان أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ،الذي استطاع أن يبث الدعاة في المشرق والمغرب ،وفي عهده خرج سلمة بن سعد )سعيد( من قبله إلى المغرب يدعو للإباضية. إن المذهب الإباضي كغيره من المذاهب الإسلامية لا يوجد كبير اختلاف السنة ،ويورد المؤلف بعضبينه وبينها ،فالمذهب الإباضي أقرب المذاهب إلى  عقائد الإباضية ،ومنها: نفيا لتعدد القدماء. ١ الصفات الإلهية :هي عين ذات االله ، أبدا في الآخرة ،فضلا عن الدنيا. ٢ رؤية االله لا تتحقق للإنسان ٣ القرآن مخلوق عند قسم منها ،المغاربة خاصة ،وغير مخلوق عند القسم الآخر. أبدا، ٤ الخلود في الجنة والنار أبدي ،لا يشقى من سعد في الآخرة ولا يسعد من شقي في الآخرة أبدا. مجبرا عليه ،ولا خالقاحر في اختياره ،مكتسب لعمله ،ليس ٥ الإنسان لفعله. ٦ الإيمان قول وتصديق وعمل ،وليس قولا وتصديقا فقط دون عمل. ٧ ولاية المطيع والبراءة من العاصي والوقوف عند الضرورة واجب. ٨ النفاق منزلة بين الشرك والإيمان ،ولا منزلة بين الإيمان والكفر. ٩ إذا أطلقت كلمة الكفر على الموحد فالمقصود بها كفر النعمة لا كفر الشرك. والسنة والرأي .وهذا الأخير قد يأتي في بعض ١٠ مصادر التشريع هي القرآن الأحيان بمعنى الاجتهاد أو الإجماع أو القياس. ١١ الصحابة كلهم عدول وروايتهم مقبولة إلا في الأحاديث المتعلقة بالفتن. 299الدولة الرستمية )٢٩٦ - ١٦٠ه٩٠٩ - ٧٧٧/م( ١٢ الإمامة فرض ،ولا تنحصر في عنصر خاص ،وإنما شرطها هو الكفاءة الشرعية. ١٣ الإمامة أربعة أنواع ،وتعرف عند الإباضية بمسالك الدين ،وهي :إمامة الظهور ،والدفاع ،والشراء ،والكتمان. وفي الفصل الثاني :استعرض المؤلف تفاصيل بناء العاصمة »تيهرت«، ونشأة الدولة الرستمية ،وحاول تقديم تاريخ لتأسيس هذه المدينة بالمغرب الأوسط ،كما ب ين أهم الأسباب التي دعت إلى اختيار موضعها ،والظروف التي تم فيها البناء. ثم انتقل المؤلف بعد ذلك إلى شخصية عبد الرحمن بن رستم مؤسس هذه الدولة ،فناقش أهم الآراء التي جاءت حول نسبه الفارسي ،وب ين أنه ولد في العراق ،ورحل وهو صبي إلى القيروان ،فنشأ فيها وتربى ،ثم عاد إلى العراق وقد استوى رجلا ،فتعلم في البصرة سنوات ،ثم عاد إلى المغرب ليستقر فيها ،فجعل من هذه العوامل الثلاثة دليلا على أنه كان عربي المنشأ والمربى والتفكير. أما الفصل الثالث :فهو عن حدود الدولة الرستمية ،وقد خاض المؤلف فيه حدودا متموجة ،تمتد أحيا نا، غمار الآراء المختلفة حول هذه الحدود ،ووجدها وتجزر أخرى ،إذ فكرة الحدود في تلك الحقب التاريخية ما زالت لم تتبلور. غربا وكانت سلطة الرستميين تمتد من حدود تلمسان في غرب الجزائر اليوم ، إلى سرت في ليبيا شرقا ،وهي مناطق آهلة بالإباضية تعتبر من رعايا الرستمية، إذ تمثل هذه الفترة القرنين الثاني والثالث الهجريين فترة الهيمنة الإباضية والصفرية على بلاد المغرب العربي. أما الفصل الرابع :وهو الأخير في هذا الباب السياسي ،فقد تتبع فيه إماما بعد آخر ،وتحدث عنالمؤلف الأوضاع السياسية العامة للدولة الرستمية ، مائة كتاب إباضي300 والفرق التي ظهرت ،وتتبع مراحل القوة والضعفالفتن والثورات التي أثيرت ، في الدولة حتى وصلت إلى سقوطها على يد أبي عبد االله الشيعي داعية العبيديين ،وقائد جيشهم سنة ٢٩٦ه٩٠٩ /م. وعنوان الباب الثاني »الأوضاع الاقتصادية« .وفيه سبعة فصول .فقد امتازت جغرافية ذلك القسم من الغرب الأوسط والأدنى الذي قامت فيه الدولة الرستمية بالتنوع في طبيعتها والاختلاف في مناخها ،إذ تشكل سلاسل الجبال حواجز طبيعية ،وتشتمل هذه البلاد على مناطق شمالية خصبة صالحة للزراعة، ومناطق وسطى مخصصة للرعي في أغلبها ،ومناطق جنوبية صحراوية، وتتخللها بعض الواحات ،وامتازت هذه المناطق بالتجارة ،وقد أطلق عليها التجارة العابرة للصحراء ،وأهم هذه التجارة :الذهب والرقيق ،أهم بضاعتين في تلك التجارة. تناول الفصل الأول :الزراعة والرعي ،وقد رجع المؤلف إلى أكبر عدد كبيرا ازدهارا ممكن من الكتب الجغرافية ،وانتهى إلى أن الزراعة والرعي عرفا يساير الازدهار والرخاء الشاملين لجميع البلاد العربية الإسلامية في هذه الفترة. أما الفصل الثاني :الذي يدور موضوعه حول الصناعة والمهن المختلفة فقد حاول المؤلف أن يتبع معالم هذه الصناعات في عهد الرستميين ،وهي صناعات كانت في أغلبها تساير الزراعة ،وتعتمد عليها في أغلب الأحيان. خصص لها المؤلف فصولا ثلاثة ،فكانت النشاط الدائمأما التجارة فقد  والمستمر الذي يقوم به السكان في المغربين :الأوسط ،والأدنى من رعايا وتحدث عن أهمالدولة الرستمية ،لهذا جعل الفصل الثالث للتجارة الداخلية، الأسواق والمراكز التجارية في الدولة ،وتطرق إلى البضائع التي كانت تتداول بين تلك الأسواق ،كما ب ين مدى اهتمام الناس بالتجارة ،ثم انتقل بعد ذلك إلى التعريف بالمكاييل والموازين قدر المستطاع ،فوجد أن ذلك متنوع يخضع 301الدولة الرستمية )٢٩٦ - ١٦٠ه٩٠٩ - ٧٧٧/م( للعرف أكثر مما يخضع لأي شيء آخر؛ لذلك اختلفت المكاييل والموازين باختلاف المناطق ،فضلا عن البلدان ،إلا أن السمة العامة التي تتصف بها أسواق الدولة الرستمية ،أنها كانت رخيصة البضائع بشكل ملحوظ. خصصه المؤلف للتجارة الخارجية مع المغربأما الفصل الرابع :فقد  والمشرق؛ أي :مع البلاد العربية الإسلامية .وتناول الحديث فيه عن المسالك التي تربط تيهرت خاصة بعوالم العالم العربي آنذاك .وب ين أهمية موقع تيهرت التجاري في المغرب العربي ،إذ يتوسط المسالك ،كما ب ين مرافئ المغرب الأوسط حيث منافذ تيهرت إلى الأندلس ،تلك التي تربطها بالدولة الرستمية أمتن العلاقات السياسية واقتصادية وحتى العسكرية. تحدث المؤلف عن البضائع المتداولة بين أسواق هذه الدول ،ووجد أنثم أصدق صفة يمكن أن توصف بها التجارة في العالم العربي الإسلامي آنذاك، هي صفة التجارة التكاملية. فصل المؤلف الحديث عن التجارة الرستميةوفي الفصل الخامس : السودانية ،تلك التجارة التي هيمنت عليها الإباضية والصفرية بشكل ملحوظ، حتى أطلق عليها بعض الباحثين تسمية »التجارة الخوارجية« .إذ كانوا المسيطرين على مسالكها ونهايات تلك المسالك ،بل لقد كان لبعض الأئمة توكيدا للعلاقات الرستميين علاقات سياسية مع ملوك السودان الغربي، الاقتصادية ومحافظة على استمرارها. وتأتي أهمية التجارة مع السودان الغربي من أهمية البضائع المستوردة من هناك ،والمتمثلة خاصة في الذهب والرقيق الأسود. تعرض المؤلف إلى مظاهر هذه التجارةوفي المبحث الأخير من هذا الفصل ومدى مساهمة التجار من رعايا الدولة الرستمية فيها ،ومساهمتها في حد ذاتها في رفع مستوى المعيشة بالدولة ،وبعث الحيوية والنشاط في أسواقها إذ تشكل مائة كتاب إباضي302 أكبر كمية من الذهب والرقيق المستوردين تجارة عبور على أسواق المغرب الأوسط ،فكانت منها توزع شرقا وشمالا؛ وبذلك يكون للدولة الرستمية دورها البارز في مساهمتها بهاتين البضاعتين في اقتصاد العربي الإسلامي آنذاك. أما الفصل السادس :فهو بعنوان» :المؤسسة الاقتصادية« ،ويضم بيوت الأموال ودار الزكاة ،وكانت هذه البضاعة موزعة في مدن وأقاليم الدولة. وفي الفصل السابع والأخير :من هذا الباب يتحدث المؤلف عن العلاقة فتحدث بين الحسبة ومستوى المعيشة في الدولة ،إذ يعبر أحدهما عن الآخر، عن الحسبة وتعريفها ،وأول من نظمها في الدولة الرستمية ،وتطرق إلى بعض مهام المحتسب فيها. أما عن مستوى المعيشة الذي لا شك أنه مرتفع ،والمعيشة مزدهرة ازدهار الحياة الاقتصادية كلها ،فالقصد من التطرق إليه إعطاء خلاصة مستوفية عن الأوضاع الاقتصادية ونتائجها في الدولة الرستمية ،فتتبع مراحل الرخاء والازدهار مرة بعد أخرى ،وانتهى إلى أن المغرب الأوسط والأدنى في عهد الرستميين بلغ درجة راقية في الاقتصاد ،بحيث كثرت الأموال في أيدي الناس ،حتى استغلت عموما .وتلك نتيجة سلبية تردتفي القضاء على حكم الرستميين والإباضيين إليها الأوضاع الاقتصادية ،فأودت بالدولة الرستمية وحكامها من الإباضية. أما الباب الثالث :فهو عن »الحياة الفكرية« .ويعتبر القرنان :الثاني ،والثالث للهجرة انطلاقة حقيقية في ميادين الفكر والثقافة والعلوم المختلفة بالبلاد العربية الإسلامية ،مشرقها ومغربها .إذ في هذين القرنين برز العلماء في العلوم النقلية من تفسير وحديث وفقه ،وعلوم عقلية بدأت تتطور وتنمو كلما تقدمت الأيام ،وأخذت الحياة الفكرية في البلاد العربية الإسلامية تتبلور لتأخذ شكلها التام في القرن الثالث والرابع الهجريين. ول ما كانت الدولة الرستمية قد نشأت ،من حيث الزمان ،في تلك القرون 303الدولة الرستمية )٢٩٦ - ١٦٠ه٩٠٩ - ٧٧٧/م( الأولى من تاريخ العرب والمسلمين الفكري ،ومن حيث المكان في المغرب العربي ،إذ هي من الدول الأولى التي انفصلت عن المشرق في ذلك التاريخ المبكر ،انفصالا سياس يا ،فإن كل ما قدمه أبناء المغربين الأوسط والأدنى تحت جديدا في المغرب العربي. ظل هذه الدولة في الميدان الفكري يعتبر لقد كان للرستميين دور بارز في الحياة الفكرية بالمغرب الأوسط خاصة عظيما للحضارة والعلم في الشمال الإفريقيأن هذه الدولة قد حملت مشعلا فكانت تلي القيروان في ذلك ،وما كان لفاس عاصمة الأدارسة أن تبلغ مبلغ تيهرت الرستمية في الحياة الفكرية الدينية منها خاصة ،بل لقد كانت تيهرت جنبا إلى جنب مع القيروان وقرطبة ،أكبر عاصمتينمن الناحية الثقافية بارزة مغربيتين في تلك الفترة ،تحاكيهما وتنافسهما. والحقيقة أن الرستميين ،بحكم ثقافتهم الواسعة ،شجعوا الحركة الفكرية، فنشطت تيهرت في هذا الميدان ،كما نشطت في الميادين الأخرى ،وطار صيتها في الآفاق مباشرة بعد تعميرها حتى دعيت »عراق المغرب« ،و»بلخ المغرب« إلحاقها بهما في المعارف والعمران والحضارة. وإذا كانت تيهرت قد برزت كمركز ثقافي مشهور في المغرب العربي، خلال القرن الثالث الهجري ،فإن ذلك راجع إلى كونها عاصمة دولة مستقلة، باهرا في مختلف الميادين ،إضافة إلى بعض المراكز الثقافيةعرفت نشا طا التابعة لها ،وكان أبرزها جبل نفوسة وقراه ،ويعتبر كهف العلماء ومقصدهم، كبيرا من التاريخ الثقافي في المغرب.جزءا ويش كل ولعل من أبرز مظاهر الحياة الثقافية في الدولة الرستمية ما قامت به هذه الدولة من تعميق لجذور الإسلام في نفوس المغاربة ،يتجلى ذلك في اهتمام وسلوكا .فإذا كان المؤرخون يتفقون على أن الناس بهذا الدين دراسة وعبادة تعرب بفعل هجرات قبائل بني هلال وبني سليم وغيرهما ،أوالمغرب العربي  مائة كتاب إباضي304 أفواجا كثيرا من المغاربة دخل الإسلام كاد في القرن الخامس الهجري ،فإن على مذهب الخوارج الإباضية والصفرية إذ رأوا فيهما الإسلام الحقيقي. وكان دعاة الخوارج خير رسل للإسلام في بلاد المغرب منذ بداية القرن الثاني للهجرة .وكان للإباضية الدور البارز في ذلك ،بعكس دورهم الذي لا يكاد يظهر في المشرق العربي .فمن خلال الدولة الرستمية تركت الإباضية ودواما تضاهي في ذلك ما تركته الصفرية. بقاء النفوذ الأكثر في الفصل الأول :الذي جعله المؤلف للحديث عن دور الحكام في الحياة الفكرية تتبع جهود الرستميين في نشر الثقافة وشغفهم بالعلوم ،إذ المشهور عن بيتهم أنه بيت علم ،فقد شجعوا المعرفة ،وسهلوا تناولها ،وانتصبوا لنشرها في المساجد ،ولم يكونوا مقلين في التأليف ،بل أ لف بعضهم العديد من الرسائل والكتب التي تناولت مختلف القضايا المطروحة وقتئذ. وفي الفصل الثاني :عرض المؤلف للمؤسسات التعليمية والدراسات المتداولة بها ،وافترض أن الك تاب هو أهم مؤسسة تعليمية للصغار ،إذ يعتبر وتحدث عن حلقات العلم فياللبنة الأولى لدور التعليم في المغرب العربي، المسجد والمكتبات ،وأهم المراحل التي يتلقاها طالب العلم ،وأهم الدراسات التي يتناولها من الشيوخ أو المؤرخين. وأما الفصل الثالث :فقد بحث المؤلف فيه أصناف العلوم ،وذكر أهم العلماء ،وقسمه إلى ثلاثة مباحث: تناول المؤلف في المبحث الأول العلوم النقلية من تفسير وحديث وفقه، وشرح مساهمة العلماء في الدولة الرستمية في تلك العلوم ،وذكر تراجم لبعضهم ،ولم يجد إشارة واضحة إلى اهتمام الإباضية في المغرب العربي بالحديث بقدر ما اهتموا بالفقه والفتوى والحلال والحرام .ويبدو أن هذه الفكرة لم تتبلور عندهم في ذلك الوقت؛ لذلك لم يصرحوا بها. 305الدولة الرستمية )٢٩٦ - ١٦٠ه٩٠٩ - ٧٧٧/م( أما المبحث الثاني فقد خصصه المؤلف للعلوم العقلية ،فتحدث فيه عن المناظرات الكلامية والفقهية التي راجت سوقها بتوافد مختلف الفرق الإسلامية إلى تيهرت ،وبرز في هذا المجال عدد من العلماء المناظرين، وعرض المؤلف أمثلة حية عن تلك المناظرات التي طبعت الحياة الفكرية في الدولة الرستمية بطابعها. تحدث عن العربية والبربرية ،وكيف شجع الأئمةوفي هذا المبحث الرستميون لغة الإسلام بأن جعلوها لغة بلاطهم ،وكيف اهتم المغاربة باكتساب جنبا إلى جنب مع البربرية التي نظم بها الشعر وألفت هذه اللغة ،وكل هذا كان بها الكتب ،إذ تعتبر هذه الفترة بداية تحول المغاربة إلى اللغة العربية ،ولا أدل على ذلك من كتابة البربرية بحروف عربية ،فتلك خطوة عملاقة نحو التعريب الأكمل الذي سوف يكون على يد القبائل العربية الوافدة على المغرب في القرن الخامس الهجري. وفي هذا المبحث كذلك تطرق المؤلف إلى اللغة العربية ونحوها وآدابها فكشف عن عدد من المغمورين في علم النحو ،وترجم لهم ،وأثبت كونهم من رعايا الدولة الرستمية ،أما الآداب فقد برز فيها الأئمة الرستميون خاصة نصوصا للإمام أفلح ،والاعتقاد السائد أن الرستميين لم برسائلهم ،فأثبت يكونوا من مشجعي الآداب ،أو على الأقل لم تصلنا أخبار الأدباء وتراجمهم؛ لأن أصحاب الطبقات والسير الإباضية لم يكونوا يهتمون إلا بالمشايخ أديبا ،ورغم ذلك فهناك شاعرشاعرا أو والفقهاء ،فكانوا بعيدين من أن يذكروا هو بكر بن حماد التيهرتي المتوفى سنة ٢٩٦ه ،أثبت بعض أشعاره ،وهو في حد ذاته يدل على وجود شعراء غيره. وتحدث المؤلف عن علم التاريخ ضمن العلوم العقلية ،وأشهر المؤرخين هو الإمام أبي بكر بن أفلح الذي أل م بأخبار الماضين. مائة كتاب إباضي306 أما المبحث الثالث في الفصل الثالث ،فقد جعله المؤلف للعلوم الدنيوية، علوما برز فيها الأئمة الرستميون ويقصد بها الطب والفلك والحساب .وكانت دون غيرهم. خصصه المؤلف للحديث عن المرأة ودورها فيأما الفصل الرابع :فقد  الحياة الفكرية ،إذ وجدت من بينهن العالمات ،والحاضرات حلقات العلم، والشاعرات بالبربرية .فكانت لها بذلك مساهمتها في هذه الحياة. فقد كان للمرأة في المجتمع الرستمي دور بارز في الحياة الفكرية .وكانت المرأة الإباضية بالخصوص باعتبار أن تلك الفترة كانت فترة سلطان المذهب الإباضي كثيرة الاعتناء بالشعائر الدينية وشرائعه. والدارس لكتب س ير الإباضية يلاحظ أسماء عديدة لنساء برزن في الفقه والعلم وأسدين النصائح للرجال .ولعل من الغريب أن نعرف أن المرأة في هذه الدولة كانت تفتح بيتها للعلماء ،يعقدون فيه مجالسهم. عبر عن المستوى الرفيع الذيإن مجرد فتح البيت للشيخ يلقي فيه دروسه ي بلغه الاهتمام بالعلم في الدولة الرستمية ليس من طرف الحاكم أو الرجل دوما بمعرفة فقه مذهبها ،ومعرفةفحسب ،إنما إلى جانبهما المرأة التي اهتمت دينها بصفة عامة. والأخير :فهو عن وضع العلاقات الثقافية بين الدولة الرستمية وغيرها من دول المغرب والمشرق العربيين .وبينها وبين السودان الغربي ،يمكن اعتباره حصيلة الحياة الفكرية في الدولة الرستمية إذ تعتبر العلاقات الثقافية أهم عوامل التأثير والتأثر التي أبرز ما تكون في الدول العربية الإسلامية مشرقها ومغربها. وقد خرج علماء الإباضية لطلب العلم أو الاستفتاء خاصة من علماء 307الدولة الرستمية )٢٩٦ - ١٦٠ه٩٠٩ - ٧٧٧/م( البصرة ،كما يعتبر الحج من أهم مظاهر العلاقات المشرقية الرستمية ،وكان الإباضية من أهل جبل نفوسة من أكثر الناس حج ا. وكانت للعلاقات الرستمية السودانية أكبر الأثر وأدومه ،إذ بواسطتها تم وجودا إلى يومنا نشر الإسلام في جزء من السودان الغربي ،ويقال :إن للإباضية هذا في بعض قرى تلك المناطق. وكان للتجارة الواسطة التي ربطت المغرب بالسودان آثار واضحة في تكوين لغة خليط من العربية والبربرية والسودانية تعارف عليها التجار العابرون للصحراء لاقتناء المذهب. ويختم المؤلف هذه الدراسة بأن الحياة الفكرية قد بلغت في الدولة عظيما مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل الزمان والمكان وطبيعةشأوا الرستمية السكان ،وبالقياس إلى حالة البلاد قبل هذه الفترة. وتتمثل الحياة الفكرية في هذه الدولة في تلك المناظرات التي كانت تعقد في بعض المناطق أو المساجد .كان مدار الحديث فيها على ما يبدو حول الخلافة أو الإمامة وشروطها والفقه وعلم الكلام .وتدل هذه المناظرة على مدى ما بلغه المغاربة في فهمهم للإسلام. ويبدو أن هذه المناظرات بدأت مع ظهور الدولة الرستمية ،وذلك بعامل تعدد المذاهب الإسلامية في المغرب ،وسياسة الحكام في التسامح المذهبي، ولا غرابة في ذلك ،فإن الأئمة الرستميين كانوا من العلماء الأعلام ،برزت أسرتهم في مختلف فنون المعرفة؛ لذلك نجد همهم إقناع مخالفيهم في ونادرا ما يلجأون إلى العنف. المذهب بالحجة، ومن مظاهر الحياة الفكرية في هذه الدولة وجود تلك المؤلفات للأئمة الرستميين فكانوا خير ممثلين لدولتهم ،وللثقافة في المغربين :الأدنى، مائة كتاب إباضي308 والأوسط ،كما كانوا المشجعين الحقيقيين للمعرفة والتعليم؛ ومن هنا وجدنا أعدادا كبيرة من العلماء والفقهاء خاصة ،عجبت بهم بطون كتب س ير الإباضية. وهكذا كانت تيهرت في المغرب الأوسط؛ كالقيروان في أفريقية أو قرطبة في الأندلس ،ففي الوقت الذي كانت فيه القيروان عاصمة المذهب الحنفي ثم المالكي ،كانت فيه تيهرت عاصمة المذهب الإباضي ،ومروجة فقهه ،وقبلة الإباضية في المغرب ،بل حتى إباضية المشرق في فترة من الفترات. والحقيقة أن اختلاف المذاهب في الإسلام ،لم تكن له إلا سلبياته السياسية ،بل أن إيجابياته أعظم ،إذ أثرى الفكر العربي الإسلامي وشحذ الهمم ،وأشغل العقول ،وألفت الكتب ،ووقع التنافس ،وكان نتاج ذلك كله هذه المكتبة العربية الإسلامية الضخمة المتنوعة. فالإباضية كغيرها من المذاهب فرع من فروع الفكر العربي الإسلامي، ورافد من روافده الزاخرة المعطاءة ،وكانت العلوم النقلية من أبرز ما اهتم به الرستميون ،وكذلك العلوم العقلية. وقد برز جبل نفوسة في العلوم النقلية بكثرة فقهائه حتى أصبحت بيوته لا تحتاج إلى من يفتيها في دينها لانتشار العلم بينها عامة ،وأغلب من ذكر من العلماء في الدولة الرستمية من نفوسة. ومنذ سقوط الرستميين وهروب البعض منهم إلى وارجلان وربما إلى بعيدا عن تيهرت دخل الإباضيةبعض المناطق الإباضية الأخرى آنذاك خطيرا من تاريخ حياتهم ،دخلوا في الكتمان والتقية بعد الظهور، منعطفا نظما تربوية وانتبذوا لهم مكا نا في مواطن جبلية أو صحراوية صعبة ،وأسسوا واجتماعية دقيقة ،حافظ على بقائهم إلى يومنا هذا. 309 á«`°VÉHE’G Ió«≤©∏d ...QÉ°†ëdG ó©Ño dG ...ô«Ñ`©édG äÉMôa .O تونس١٤٠٨ ،ه١٩٨٧/م. عدد الصفحات ٩٢٣ :صفحة أصل الكتاب أطروحة علمية بكلية الآداب بالجامعة التونسية. يتكون الكتاب من ثلاثة أبواب ،وثلاث مقدمات .المقدمة الأولى لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي .الذي يشير فيها إلى أن هذه الأمة كغيرها قد انقسمت إلى شيع وأحزاب] ﴾ 2 ± °̄ ® ﴿ ،المؤمنون [٥٣ :ولما عندهم منتصرون .ومما باعد الثقة بينها وضاعف محنة الانصداع التي تعانيها إخلاء الكثيرين إلى موازينهم الفكرية التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وتلقفوها من أشياخهم وأساتذتهم ،حتى اعتبروها أنها الأصل ،فطوعوا لها نصوص الدين؛ لأن الدين في نظرهم لا يبصر إلا بمنظارها. ومن حيث إن أصول الدين هي قواعده التي يقوم عليها صرحه الشامخ، مقياسا للالتقاء والافتراق ،والتقارب والتباعد بين كان الاتفاق والاختلاف فيها فئات الأمة .وأصول الدين التي يلتقي عندها جمهور الأمة هي :الإيمان باالله، وملائكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم الآخر ،والقدر خيره وشره من االله ،وكان اختلافهم في تفاصيل هذا الإيمان. ويرجع هذا الاختلاف إلى أمرين: أولهما :التفاوت في فهم النص وتأويله. مائة كتاب إباضي310 ثانيهما :تحفظ بعض الفئات من بعض النصوص التي لم تصل إلى درجة القطع .ومن طوائف الأمة من بالغ في تقديس العقل حتى جعله الأصل في فهم الدين ،ومنهم من أهمل جانب العقل فلم يستبصر بنوره في فهم مقاصد النصوص ،ومنهم من وفق للتوسط بين أمرين فجمع بين النص الثابت والعقل السليم. ومن ينظر إلى التراث الإباضي الفكري يدرك أن الإباضية أكثر فئات نظرا ،وأصفاهاهذه الأمة اعتدالا ،وأسلمها فكرا ،وأقومها طريقا ،وأصحها ومصدرا. موردا فهم لم يلقوا بالعقل في زوايا الإهمال؛ لأن االله خاطب بوحيه أولي الألباب ،ونعى على قوم لا يستخدمون عقولهم في فهم الحق ودرك الحقيقة. غير أنهم لم يرفعوا العقل فوق مستواه ،ولم يعطوه أكثر مما يستحق ،فلم يؤثروه على النص ،وإنما جعلوه وسيلة من وسائل فهم مراده ،وتعيين مقاصده. وقد زخر التراث الفكري الإباضي ببحوث واسعة جامعة في أصول الدين فاضت بها أقلام أساطين علماء الإباضية ،فتعاقبوا منذ القرن الأول الهجري على الاضطلاع بهذا الواجب وأداء هذه الرسالة .إلا أن السواد الأعظم من المسلمين ظلوا محرومين من الانتفاع بهذه الكنوز إما لعقد نفسية سببتها القطيعة التي اصطنعت بين أبناء هذه الأمة ،وإما لقصور في تصور ما تعتقده هذه الطوائف من الحق. وهذه الدراسة إحدى الأعمال التي تحاول أن تظهر معالم هذا التراث الإباضي عبر العصور المتتالية منذ القرن الأول الهجري إلى قرننا هذا. أما مقدمة الأستاذ محمد الطالبي فيشير فيها إلى أن عبد االله بن إباض الذي ويعد المذهب الذي وضعمخلصا ، مسلما ينسب إليه المذهب الإباضي كان أسسه من أقدم المذاهب الإسلامية ،إن لم يكن أقدمها كلها .ولم يكن مالك 311ال بعد الحضاري للعقيدة الإباضية إخلاصا إلى الإسلام وغيرة عليه .ولكن استحل مالكإمام دار الهجرة أقل منه دماء الإباضية ومن يدعوهم بأهل الأهواء ،واستحل بصفة أعم أهل القبلة ،على ورعهم وإخلاصهم في كثير من الأحيان .وما تزال موجات التكفير سائدة إلى يومنا هذا ،فما الحل؟ ويجيب الأستاذ الطالبي أن الحل في مجموعة من الدراسات المقارنة لمختلف المذاهب الإسلامية التي تدعو إلى الفهم العميق والمنصف لهذه بعيدا عن آراء الموالين والمخالفين وتدعو إلى المذاهب بصورة موضوعية التسامح واحترام آراء المخالف طالما لم تمس جوهر العقيدة السليم .ومن هذه الدراسات هذه الدراسة التي يقدمها صاحب هذا الكتاب. لأسس التي اعتمد عليها في دراسته ،وهي:أما مقدمة المؤلف :فيشير فيها إلى ا ١ التحري في فهم النصوص الإباضية داخل الفكر الإباضي؛ لأنه ككل فكر يقوم على نظام متكامل يربط بين جميع أوصاله. ٢ التراث الإباضي تراث إسلامي ديني عالمي :ماذا أفاد؟ وماذا استفاد؟ فمحاولة المقارنة حيث تمكن المقارنة ستكشف بقدر الإمكان عن الأخذ والعطاء والإيجابيات والسلبيات في هذا التراث. ٣ التراث الإباضي لا للتراث ،وإنما للحياةÁ À ¿ 3⁄4 1⁄2 ﴿ ، ] ﴾ à Âيوسف.[١١١ : الباب الأول من هذا الكتاب عنوانه» :الإطار العام للقضية« :ويشتمل على فصلين حاول فيهما المؤلف وضع الإطار العام لهذه الفرقة .ففي الفصل الأول يشير المؤلف إلى أن جذور العقيدة الإباضية ضاربة في الأصالة ،لأن منطلقها وسنة رسوله ژ ،مع تميز كعقائد الفرق الإسلامية الأخرى كتاب االله تعالى واضح من وقت مبكر بالدعوة إلى التأويل والاجتهاد. لأ ول أحداث الفتنة الكبرى التيومن هذا المنطلق عايش أئمة الإباضية ا مائة كتاب إباضي312 هزت أركان العالم الإسلامي وما تزال ،ل ما خلقت بين المسلمين من محن استحال عليهم أن يتخلصوا من مخلفاتها إلى يومنا هذا. فالفكر الإباضي نشأ منذ وقت مبكر ،وترجع نشأته إلى الربع الأول من النصف الثاني من القرن الأول الهجري. ويمكن تتبع هذه النشأة في ثلاث مراحل هيأت للمرحلة المقررة في هذا الكتاب: مرحلة تمتد من القرن الثاني إلى الخامس الهجري .ناضل فيها الفكر متماشيا وكتاب الإباضي التيارات التي بدت له منحرفة وانسجم مع ما بدا له رفضا قطع يا ،وب ين أن الإيمان عقيدة وسنة رسوله ژ ،فرفض فكرة الإرجاءاالله موقفا وس طا بين وقول وعمل ،كما رفض اعتبار الموحدين مشركين ،ووقف الجبر والحرية ،وذلك إما أثناء رد مواقف خارجية أو مواقف داخلية ،وفي هذه المرحلة بدأت تتجلى معالم المدرسة الإباضية المغربية بمجموعة من المؤلفات. مختصرا في و تعد هذه المرحلة مرحلة مخاض واصلت توسيع ما جاء يرهم ،وبينت أن العلاقة بقيت متينة بين إباضية رسائل الأئمة الأول وفي س المشرق وإباضية المغرب. ويشير المؤلف هنا إلى ضرورة الالتفات إلى أن مدرستي :الأشعري، والماتريدي قد نشأتا في القرن الرابع الهجري وإن لم يتضح أثرهما في هذه المرحلة ،ولكنه يتجلى في المرحلة اللاحقة. وتنحصر هذه المرحلة في القرن السادس الهجري ،وفيها أدرك التراث العقدي مستوى النضج ،فتصدى للرد على كل ما جد في البيئة الإسلامية من انحراف وإلحاد ،كما جد في إبراز مميزات العقيدة الإباضية بين الفرق الإسلامية الأخرى ،وبصفة خاصة المدرسة الأشعرية التي مدت نفوذها على كامل بلاد المغرب بعد انتهاء التيار الشيعي. ثم تلتها المرحلة اللاحقة من القرن السابع إلى القرن التاسع الهجريين، 313ال بعد الحضاري للعقيدة الإباضية وقد أحس أصحابها أنه ليس في الإمكان أكثر مما كان عدا بعض الاستثناء ،فوقع التركيز خاصة على المختصرات التي يسهل حفظها على من لا يقدر الصبر على المطولات السابقة. والمرحلة التالية هي المرحلة التي يخصصها المؤلف لدراسته وهي من القرن العاشر إلى الثاني عشر ،حيث تميزت هذه المرحلة بالآتي: ١ وفرة الشروح والحواشي على حساب الإنتاج الذاتي. ٢ وفرة الأجوبة والردود. ٣ جربة قطب الدائرة. ٤ ثراء المدرسة الإباضية خاصة والمدرسة الإسلامية عامة. ٥ استمرار النزعة المقارنة. ٦ طغيان النزعة التعليمية. ٧ تعاون بين مناطق الإباضية. ٨ دفاع مستميت عن العقيدة عن طريق الحجة والإقناع. ويرى المؤلف أن تراث هذه المرحلة وإن لم يتميز بالإبداع فإنه تميز بالفهم والاستيعاب وتوفير ما يحتاج إليه الدارس من نصوص حتى تتبين له بضاعة العقيدة الإباضية بين عقائد مختلف الفرق الإسلامية ،وخاصة منها المدرسة الأشعرية. أما المرحلة الأخيرة من القرن الثالث عشر إلى القرن الرابع عشر الهجريين فقد استطاع أقطابها أن يعودوا إلى الإنتاج الذاتي رغبة في زيادة التنظير والتوضيح. والملاحظ أن الإباضية في كل هذه المراحل استمروا يصدرون نصوصهم في العقيدة برد تهمة الخارجية ،وذلك لما نالهم منها من خير من إخوانهم المسلمين. مائة كتاب إباضي314 تلك هي نشأة العقيدة الإباضية ومختلف مراحل تطورها كما وضحه الباب الأول بفصليه :الأول ،والثاني. الباب الثاني عنوانه» :الإلهيات« :وقد حاول المؤلف أن يحدد فيه كل ما يتعلق باالله تعالى من المباحث الكلامية من خلال فصلين :الفصل الأول عنوانه» :الإباضية والمحكم« يشير المؤلف في التمهيد إلى أن من المحاور محكما في القرآن الكلامية في الإلهيات ما يغلب عليه طابع الانطلاق مما جاء الكريم ،ومنها ما يغلب عليه الاعتماد على المتشابه. ويتناول هذا الفصل وجود االله تعالى :ذاته ،وأسمائه ،وصفاته ،وما يحب، وما يستحيل ،وما يجوز في حقه . 8 وقد ثبت أن في محاولة علماء الكلام الربط بين المحكم والمتشابه عاملا من أكبر عوامل إثراء المكتبة الإسلامية ،وللإباضية دور لا يستهان به في هذا الميدان؛ ذلك لأنهم لم يسلكوا مسلك التفويض أو مسلك الاكتفاء بالظاهر، بل أقاموا تحاليلهم على التأويل. ولم يكن غرضهم من هذا التأويل تشويه العقيدة الإسلامية ،بل كانوا حريصين كل الحرص على تحري النصوص المحكمة إن توفرت قبل الغوص في الاستنباط والاستنتاج .وكان الأساس الذي أقاموا عليه فهم المحكم هو نفسه في فهم المتشابه ألا وهو الحرص على تنزيه االله تعالى. أما في نطاق المحكم فقد برهنوا على وجود االله تعالى نقلا وعقلا ،ألحوا على تنزيه الباري في اعتبار الصفات عين الذات حتى اتهمهم غيرهم بالتعطيل، إلا أن ذلك كان رغبة منهم في نفي تعدد القدماء. وتجلى لدى الإباضية إلحاحهم على التنزيه مع النصوص المتشابهة ،خاصة ويدا وما إلى موحيا بأن الله عي نا فيما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف 315ال بعد الحضاري للعقيدة الإباضية ذلك من الجوارح ،وفعلا فقد فهم الإباضية من يومهم الأول أن القرآن الكريم لو حمل على ظاهره في فعل هذه المفاهيم لتناقض ،وأنى لكتاب االله أن يتناقض؟ فعكفوا على كتاب االله تعالى وعلى الحديث الشريف ،وعلى ما في اللغة من مجاز ،وأقروا تفاسير واضحة لكل هذه المفاهيم ،وكان محط الثقل خاصة عند قضيتي الاستواء ونفي الرؤية ،فجاء الاستواء بمعنى الأمر والسلطان، ولهم في ذلك من الأدلة الكثير نقلا وعقلا ،وأما الرؤية فأساس البحث فيها أن االله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ،وقد مكنهم موقفهم الدفاعي ضد من يرون أن الاستواء كاستواء الأمير على السرير ،أو ينهون عن السؤال عن الكيفية ،أو يرون إمكانية الرؤية في الدنيا أو في الآخرة ،من جولات موسعة في أساليب اللغة وفنون البلاغة ،مع من رأوا رأيهم من المعتزلة. دائما إلى نفس الحل ،وموقفإلا أن إعمال الفكر لا يمكن أن يفضي الإباضية في هذا صريح إذ يعذرون المتأول في تأويله ،وإن كانت أحكامهم في بعض الأحيان قاسية على هؤلاء سواء أكانوا من غير الإباضية أم من الإباضية. ومهما يكن من أمر في شأن الاستواء والرؤية فإن الخلاف بين المسلمين بقي نظريا بالنسبة إلى ما عرف عن محنة خلق القرآن ،وإن لم يحترق الإباضية مباشرة بنار هذه الفتنة مثل الحنابلة في البداية والمعتزلة فيما بعد ،فإن شرار العمانية في البداية ،فاضطرت إلى موقف عامهذه الفتنة انعكس على بيئتهم لا يمت بصلة لا بالخلق ولا بالقدم ،لكن إباضية المغرب سرعان ما ردوا الفعل على الدولة العباسية والإمارة الأغلبية ،فأعلن إمامهم أبو اليقظان أن الصواب في رأي القائلين بخلق القرآن ،وكتب رسالته في هذا الشأن ،تلكم الرسالة التي بقيت أساس كل بحث في هذه القضية. الفكر الإباضي إن هذا المبحث الذي يبدو كأنه عديم الجدوى أثرى والإسلامي في مستوى التحليل البلاغي والفلسفي والعقائدي ،وتجلى أن ثورة مائة كتاب إباضي316 نصيبا من علمائهم قال بذلكالإباضية لم تكن عنيفة على القائلين بالقدم؛ لأن خاصة في عمان إلى القرن السادس الهجري. إن المعركة الدامية كانت آنية وإن بقيت آثارها في التحاليل الكلامية إلى يومنا هذا ،وقد أدرك المسلمون أن القضية تجاوزتها الأحداث ،والمهم أن يحافظ المسلمون على وحدة أمتهم الإسلامية التي انقسمت إلى معسكرين إزاء تلك القضية ،وقد آن للمسلمين أن يعتبروا من مثل هذه المحن. وفي هذا الباب يقدم المؤلف موقف الإباضية من قضية خلق القرآن، ويسبقه بلمحة تاريخية عن هذه القضية .ويشير المؤلف إلى أنه لم يجد أية إشارة إلى »خلق القرآن« لا عند الصحابة ولا عند التابعين ،وأن شيوخ الإباضية لم يتطرقوا إليها ،لكن الكشف التاريخي يثبت أن الحضارة اليونانية والديانة اليهودية والمسيحية كلها خاضت في مثل هذه القضية من قبل ،وأن مثل هذه الأفكار تسربت تدريج يا إلى المحيط الإسلامي ،وفعلت فعلها .ويبدو أن روج الحديث في هذه القضية فيالجعد بن درهم )١٢٠ه٧٣٧/م( هو أول من المحيط الإسلامي ،ثم تفشت شي ئا فشي ئا حتى بلغت أوجها مع المأمون. ويبدو أن أول من تعرض للقضية في المحيط الإباضي ابن يزيد الفزاري، وهي قضية دخيلة على إباضية عمان ومنطلقها من مدينة البصرة .ذلك أن أحد اليهود قد ألقى بين الناس فكرة قدم القرآن ،وما إن وصل صداها إلى عمان حتى ثارت فتنة بين علمائها ،وكادت تفضي إلى تصدع بينهم لولا أنهم اصطلحوا بسرعة الوقوف على الإجمال وهو أن االله تعالى خالق كل شيء ،وما سوى االله مخلوق ،وأن القرآن كلام االله ووحيه وكتابه وتنزيله على محمد ژ . ويذكر أبو القاسم البرادي وجود ثلاثة مواقف في عمان في القرن الثالث الهجري /التاسع الميلادي ،وهي: ١ القرآن كلام االله وليس بصفة. 317ال بعد الحضاري للعقيدة الإباضية ٢ القرآن كلام االله ووحيه للرسول ژ وهو مما يسع جهله. ٣ رفض القول بخلق القرآن من التوقف فيمن يقول بذلك. وقد ظلت مشكلة »خلق القرآن« خلافية في عمان إلى القرن السادس الهجري /الثاني عشر الميلادي ،فمنهم من يقول بالقدم ،ومنهم من يقول بالحدوث ،ومنهم من يتوقف دون أن يقطع عذر هؤلاء ولا هؤلاء. هذا عن إباضية المشرق في قضية خلق القرآن ،أما عن إباضية المغرب فقد استقر عندهم رأي واحد من وقت مبكر مع رسالة أبي اليقظان الرستمي )ت ٢٨١ه٨٩٤/م( ،وقد استمر هؤلاء في الدفاع عن هذا المبدأ إلى يومنا هذا. وحاصل القول :إن الإباضية تمسكوا برأي واحد فيما يتعلق بالقول باستحالة رؤية االله تعالى ،إلا أنهم وقفوا مواقف شتى من قضية خلق القرآن. وواضح من خلال النظر في النصوص أن الموقف الذي غلب على جمهور الإباضية وبصفة خاصة بالمغرب ،هو القول بخلق القرآن ،والرد على من يقول بالقدم. وخلاصة القول عند الإباضية في هذه المشكلة :إن كلام االله قديم من حيث هو علم وهو ما اتفقوا فيه مع المعتزلة والإمامية والزيدية والخوارج ،ومن حيث هو كلام نفسي عند الأشاعرة والماتريدية ،ومحدث من حيث هو لفظ منزل جميعا باستثناء الحنابلة الذين يرون قدم هذا الجانب. عند هؤلاء أما الباب الثالث فعنوانه» :الإنسانيات« :ويتناول المؤلف فيه تحليل مسألتين تتعلقان بأسس الصلة بين االله وبين الإنسان ،فجاءت أولاهما في الفصل الأول، وهي قضية القضاء والقدر ،وما يتعلق بها من مباحث ،وجاءت الثانية في الفصل الثاني ،وهي قضية الوعد والوعيد ،وما يتعلق بها من مباحث. في الفصل الأول يذكر المؤلف أن قضية القدر ليست وليدة الفكر الإباضي مائة كتاب إباضي318 أو وليدة ظرف من ظروف الحضارة الإسلامية ،وإنما هي قضية إنسانية لا سبيل إلى تحديد تاريخ مضبوط لنشأتها. وموقف الإباضية باختصار هو وجوب الإيمان بأن القدر خيره وشره من االله .فما معنى القدر؟ وما معنى القضاء؟ القدر من يقدر ،وتقدير االله الخلق تيسيره لما علم أنهم صائرون إليه من السعادة والشقاء .والقضاء :الحكم ،ويقال: قضى يقضي قضاء. وقد غلبت الصبغة العقائدية على الصبغة اللغوية ،ولم يسند هذه الصبغة محكما بالقدر، إلى فرقة دون فرقة ،بل جاءت في سياق عام ويربطها رب طا والمراد بالقدر التقدير وبالقضاء الخلق. فالقضاء والقدر أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس وهو القدر ،والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء ،فمن رام الفصل بينهما فقد رام البناء بنقضه. إن التراث الإباضي كبقية التراث الإسلامي يقرأ الأحداث من منطلقات عقائدية تبلورت عبر السنين فيفهم منه بوضوح أن قضية القدر أثيرت في حياة الرسول ژ ،لكن لم يكن وراء إثارتها خلفيات سياسية أو فلسفية أو اجتماعية، بل كان الصحابة يسألون ليزدادوا إيما نا ،كما أنه ‰ذكر القدر في مواقف شتى دون أن يسأل سائل. إن الإباضية لم يبقوا في معزل عن مجرى الأحداث السياسية ،ولم يقفوا عن الخوض في هذه القضية ،رغم أنهم يعلمون كما يعلم بقية علماء الكلام أنها سر من أسرار االله تعالى. متأثرا لا بالمعتزلة والواضح في كل هذا أن موقفهم كان ذات يا ،فلم يكن الذين أطلقوا عنان الحرية المطلقة للإنسان رغم اتفاقهم والمعتزلة في جل 319ال بعد الحضاري للعقيدة الإباضية الإلهيات ،ولا بالجبرية الذين لم يميزوا بين حركة المضطر وحركة المختار، واعتبروا حركة الإنسان كحركة الشعرة في مهب الريح ،وقد ظهرت بوادر الاعتدال من وقت مبكر بعد التحول من موقف التفويض ،وذلك مع إمام الإباضية الثاني أبي عبيدة مسلم. وفعلا فقد وقفوا مناظرين المعتزلة والجبرية قبل نشأة الأشعرية والماتريدية مستعملين حجج هذا على ذاك .ومع نشأة هاتين المدرستين تبلور مفهوم الكسب، وهو مصطلح اتضحت معالمه ،القائل :إن الفعل من العبد والخلق من االله. ولم يستقر هذا بصفة نهائية إلا بعد أن تناست الأجيال ما جد من خلاف بين أهل جبل نفوسة وبقية أهل المغرب فيما يتعلق بالجبر والاختيار ،واستقر الوضع على مفهوم الكسب مع بلورة مفهوم الإرادة والاستطاعة والعون والخذلان. والمهم في كل هذا أن الإباضية لم يجردوا الإنسان من المسؤولية ،والقول بالكسب شعور من الإنسان أنه مسئول أمام مشيئة االله التي لا تحد ،والفرق كبير بين من يصرح بأنه مجبر ويحمل مسؤولية جميع أعماله على االله تعالى دورا فيه فيفعل ما يطيب له ،وبين من يعتبر أن كل عمل هو من كسبه ،وأن له سيحاسب عليه بين يدي االله. وينادي المؤلف بأنه على المسلم المؤمن بالقضاء أن يؤمن إيما نا راسخ ا، وأن هذا الإيمان لا يزيده إلا ثقة في االله تعالى ومض يا في فعل الخير ،الأمر الذي يعود على الأمة الإسلامية بالخير. ومثل هذا الإيمان الراسخ هو الذي عرفه أصحاب الرسول ،‰ففتح االله خاشعا أمام على أيديهم أطراف العالم .والحقيقة أن العقل مهما تمرد فإنه يركع عظمة االله التي لا تحد ،فإذا استكبر ونأى فإنه يجني مرارة استكباره بعد حين، مدركا أنه لن يستطيع إزاحة الستار عن كل الحقائق الكونية ،فكيفويبقى بعالم الغيب. مائة كتاب إباضي320 جانبا من المسؤولية في كل ما يقوم به فلم يبق لهوإذا أدرك الإنسان أن له إلا أن يفكر في ثمرة العمل في الدنيا والآخرة. البعد الحضاري لهذه القضية فيشير المؤلف إلى أن لقضية القدرأما عن طرفين يتوغل أحدهما في عالم الغيب مع علم االله وقدرته وإرادته ،ويمتد الطرف الثاني في عالم الشهادة ،حيث تتم حركات جميع المخلوقات وسكناتها تعقيدا. بما في ذلك الإنسان ،ويبدو أكثرها والمتأمل في تاريخ البشرية يحس أن القضية انطلقت مع خلق الإنسان واستكبار إبليس عن السجود لآدم ،وما إن هبط الجميع إلى الأرض بعضهم لبعض عدو حتى ظلوا يتجاذبون طرفي حبل القضاء والقدر ،ولا تكاد تخلو حضارة من إثارة هذه القضية سواء كانت وثنية أو قائمة على الوحي المنزل من السماء. وفي محيط عرف الخوض في هذه القضية انتشرت الحضارة الإسلامية بين العرب الذين كانوا يقولون بالجبر وبين اليهود والنصارى ،ثم المجوس والهنود ،وكان التفاعل ،وكان الأخذ والعطاء ،والقبول والرفض. ومعلوم أن منطلق هذه الحضارة الوحي القرآني والنبوي ،وقد جاءا طافحين لأسس التي لا يتم الإيمان إلا بها.أساسا من ا بتوضيح هذه القضية ،وجعلاها وألح النبي خاصة على أنها سر من أسرار االله تعالى ،ونهى عن الخوض فيها. لكن المسلمين لم ينتهوا عن الخوض فيها عدا الرعيل الأول من الصحابة الذين غلب عليهم طابع الإيمان بما يرون من إعجاز في القرآن الكريم ،وبما يلمسون في سيرة الرسول ‰من قدوة حسنة ،وفي كلامه ما يغنيهم عن الجدل والعناد. وما إن هبت عاصفة الفتنة الكبرى حتى ثارت قضية القدر ،وعاد تجاذب طرفي الحبل بشدة ،فأصحاب السلطان ضغطوا على طرف الغيب فجنحوا إلى 321ال بعد الحضاري للعقيدة الإباضية القول بالجبر حتى يقنعوا الناس أنهم يستمدون نفوذهم من االله ،والقوى المعارضة ضغطت على طرف عالم الشهادة بقوة واعتبرت أن هذا النفوذ عمل بشري محض واستبداد لا دخل لعالم الغيب فيه. ولم يغب الإباضية عن هذا الغليان الحضاري ،بل كان لهم موقفهم من المحطة الأولى ،ورغم أنهم من صف المعارضة ،ومواقفهم من الأمويين معروفة ،ولم يجنحوا إلى ما جنح إليه المعتزلة ولا إلى ما جنح إليه الجبرية، بل كان موقفهم مع الإمام جابر موقف الرسول ژ » :من يهده االله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له« ،ثم إن الاحتكاك الحضاري بسائر الفرق الناشئة في مدينة البصرة حيث برزت حلقات المناظرات ،وتمازجت الحضارات ،وأثيرت القضايا العقائدية بقوة ،بحسن نية ،وبسوء نية ،والبصرة هي منطلق دعوة الإباضية ومركزها الأول دفع بأبي عبيدة إمام الإباضية الثاني إلى التمييز بين وبين أن القدر من االله والمقدور منالقدر والمقدور لتبكيت واصل بن عطاء ، الإنسان ،وإلى البراءة من بعض أتباعه الذين ولوا وجوههم شطر نزعة غيلان الدمشقي ،وعلى هذا المسلك درج الربيع بن حبيب حيث جمع كل ما وصله من أحاديث في هذا الموضوع ،وعلق عليها بأن الخلق من االله والفعل من العبد. وفي هذا الجو تولدت عن قضية القدر مسائل كثيرة أبرزها قضية الجبر والاختيار أو ما عرف بخلق الأفعال ،بل صارت مركز الجدل بين المتكلمين، وكلما أثيرت قضية القدر تتجه الأنظار إلى هذه المسائل مع مسائل أخرى مثل الاستطاعة والإرادة والعلم. وبحكم التطور الحضاري وأثر الفكر اليوناني الفلسفي تحول الفكر الإسلامي تدريج يا من طور الجدل المتحمس الدفاعي إلى طور التقعيد والتنظير ،وسلك الإباضية نفس المسلك فنشأت التعريفات الاصطلاحية، وقالوا :إن القضاء هو إيجاد االله تعالى الأشياء في اللوح المحفوظ دفعة واحدة، مائة كتاب إباضي322 والقدر هو انتهاء الأمور إلى أوقاتها وارتجاعها إلى مقدورها ،وثبت أن اللفظتين صعبا ،مما أدى إلى من الحقل الدلالي نفسه وهذا ما جعل التمييز بينهما غموض في التعريفات. والإباضية على الساحة يتأملون ويقارنون بين مختلف التيارات ،وموقفهم ثابت فلم يذوبوا في الفكر الاعتزالي رغم الالتقاء في عدة قضايا ،كما لم يبتلعهم هذا التيار الجديد ،وإن اتفقوا معه في بعض القضايا ،ومن بينها قضية القضاء والقدر وما تفرع عنها من قضية خلق الأفعال التي انصهرت في القول بالكسب. وثبت أن جذور مفهوم الكسب ترجع إلى بداية القرن الثاني الهجري مع أبي عبيدة والربيع ،إلا أن المصطلح لم يتبلور عند الإباضية إلا فيما بعد ،فقالوا :هو صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل مع الإشارة إلى الترجيح والاختيار. والإباضية كبقية الفرق الإسلامية تلمس في تراثهم إدراكهم أن قضية القدر من غوامض علم الكلام ،وأن الالتجاء إلى تحديد جهتين للفعل الواحد الخلق الله والفعل للإنسان ليس معناه الشركة ،وإنما هو مخرج من مضيق؛ ولذا نجد أن هذا الفكر بحكم تفاعله مع الأحداث تقوى فيه نسبة الاقتراب من الجبر ،كما جاء عند جبل نفوسة القائلين بالجبر ،وتقوى فيه نسبة الاقتراب من الاختيار ،كما جاء عند علماء المغرب ،إلا أن النزعة التي بقيت طاغية عند الإباضية عامة هي تقوية نسبة الاختيار حتى يتحمل الإنسان مسؤوليته ،وتتجلى الحكمة في الأمر والنهي فيما يترتب عنهما من الثواب والعقاب ،وتتميز حركات الاختيار عن حركات الاضطرار مع اعتقاد أن االله تعالى خالق كل شيء وأنه على كل شيء قدير. ويتلخص موقفهم في قولهم :إن فعل العبد لا يوجد إلا بخمسة: 323ال بعد الحضاري للعقيدة الإباضية ١ إرادة االله تعالى. ٢ إرادة العبد. ٣ اكتساب العبد. ٤ إعانة االله إن كان طاعة ،وخذلانه إن كان معصية. ٥ خلقه له في وقت الفعل لا قبله ولا بعده. والمنهج المتبع في كل هذا الخضم هو منهج علم الكلام ،إذ يكون وسنة ،ثم يأتي تأويلها وفهمها حسب مقتضيات المنطلق من النصوص قرآ نا اللغة وملابسات القضية وارتباطها بسائر الفكر الإباضي ،وهذا يتجلى بوضوح عند ربط القضية بإرادة االله مع اعتبارها من صفات الذات ،وعند تبيين أن الاستطاعة مع الفعل ،وأن الكسب لا يتم إلا بعون االله إن كان طاعة ،وبخذلان االله إن كان معصية. وقد جاء المنهج العام في تقرير القضية في التحاليل النظرية وحتى في قائما على الرد على المعتزلة وعلى الجبرية ،وبعد استغلال حجج هذاالشروح الطرف على الطرف الثاني يستقر الموقف الوسط ،ويدعم بحجج نقلية وعقلية، فتغلب النزعة العقلية عند البعض ،وتغلب النزعة النقلية عند البعض الآخر. إن نزعة الإباضية والزيدية والأشاعرة والماتريدية جاءت توقيفية دون أن تغفل عن أن الإنسان مجبر فيما هو خاضع للإرادة الكونية مما سموه بالاضطرار ،وأنه مكتسب فيما يقع تحت دائرة الاختيار ،ويبقى االله تعالى خالق كل شيء. ولعل من أحسن ما يمكن أن تفصل به المسألة أن تبقي قضية القدر في دائرة الإيمان ،وأن يوضع الفعل في دائرة الشرع ،وليجتهد الإنسان في العمل مع العلم أن كلا ميسر لما خلق له ،كما أنه على الإنسان ألا يخلط بين الدائرتين ،دائرة مشيئة االله تعالى التي لا تحد ،ودائرة مشيئة الإنسان المحدودة مائة كتاب إباضي324 الضيقة ،وعليه ألا يقيس هذه بتلك فيشتبه الأمر عليه ،ويبعد عن طريق الصواب ،ومن يقارن بين المطلق والمحدود لن يصل إلى نتيجة ثابتة. الفصل الثاني من الباب الثالث عنوانه» :الوعد والوعيد وقضية الخلود«. يشير المؤلف في مقدمة هذا الفصل إلى أن صلة هذه القضية بالقضاء والقدر وثيقة ،بل صلتها أوثق بما اصطلح عليه بعنوان» :الأسماء والأحكام« إشارة إلى المسميات التي تميز بها الفرق بين مستويات الامتثال لأوامر االله تعالى ونواهيه، ومستويات عدم الامتثال ،وما ينبني على ذلك من الأحكام في الدنيا والآخرة. إن لقضية الوعد والوعيد طرفين؛ طرفا غيب يا ،وطرفا في عالم الشهادة ،وإذا علمنا أن الحدود بين الأرض والسماء ليست في منتهى الدقة ندرك أن القضية لا بد من أن تحير المتكلمين ،وقد حيرتهم فعلا ،وجعلتهم بين متفائل تفاؤلا مطل قا يحشر كل من يقول :لا إله إلا االله وإن مات مصر على المعصية في الجنة تشاؤما مطلقا يعتبر أن المعصية شرك ومن بوجه من الوجوه ،وبين متشائم جرؤ عليها يحل دمه وماله وسبي ذراريه ،ولا سبيل له إلى النجاة ،وكان منهم صالحا وآخر سي ئا. المتشائم والمتفائل والمعتدل في شأن مصير من خلط عملا وكثيرا ما لا يحصلكثيرا ما يجنيها الإنسان كاملة، إن ثمرة العمل في الدنيا إلا على نصيب منها ،وقد لا يحصل على أي نصيب منها ،وليعلم أنه في ذلك مبتلى من االله تعالى عسى أن يكون من الفائزين في الدار الآخرة. ومن هنا جاء مبحث الوعد والوعيد وما يرتبط به من خلود في الجنة أو في النار .إن الضجة الكلامية لم تثر حول خلود الصالحين في الجنة أو صالحا خلود المشركين في النار ،وإنما ثارت بعنف حول من خلطوا عملا وآخر سي ئا ،وقد ثارت في الأوساط الإسلامية من مقتل عثمان فتساءل الناس عن مرتكب الكبيرة ،وعن الإيمان والكفر والنفاق والفسق ،وما يترتب عليها من أحكام. 325ال بعد الحضاري للعقيدة الإباضية وكسائر المباحث الكلامية تأرجح المسلمون بين طرفي نقيض ،بين الإرجاء القائل بأنه لا تضر مع الإيمان معصية ،وبين الحكم بالشرك على كل خاصا قالوا فيه بكفر  موقفاأنواع المعاصي ،ووقف الإباضية من يومهم الأول كبيرا على قضية الإصرار ،واعتبروا ألا سبيل إلا نجاةإلحاحا النعم ،ثم ألحوا المصر على المعصية حتى الموت ،ولهذا اتهمهم الطرف المتسامح بالشدة وبالغفلة عن رحمة االله ،إلا أنهم بينوا أنهم لا يرفضون فضل االله ،لكن يربطون القضية بالحكمة ،وليس من الحكمة أن يجمع بين المؤمن الموفي وبين من مستكبرا على االله تعالى في مقام واحد ،وبهذا قالوا بإنفاذ الوعيدمعاندا مات جميعا ،من الإباضية ومن غير الإباضية.في هؤلاء المصرين على المعصية ،وعرضوا فيوترتب على هذا القول خلود كفار النعم والسنة. ذلك من الأدلة الكثير ،وقد غلب على هذه الأدلة طابع النقل من القرآن  وارتبطت بهذين المبحثين قضايا أخرى مثل عذاب القبر والشفاعة ،وما إلى ذلك ،فكانت كلها خادمة للموضوع الأصلي ،وموجهة في اتجاهه ،فعذاب صرا على المعصية ،ولا سبيل له إلى الشفاعة؛ لأنالقبر ثابت لمن مات م  الشفعاء لا يشفعون إلا بإذن االله ،واالله لا يأذن بحكمته في أن يشفع فيمن مات عرضا عن التوبة.مستكبرا م وفي مبحث التوبة ألح الإباضية على ضرورة التحري في حقوق االله تعالى، وفي حقوق العباد مع أداء ما حدده الشرع من الكفارات. الفعال في البيئة الإباضية ،إذ دفعهاوالمهم أن مثل هذا المعتقد بين أثره إلى مزيد من التحري والمحافظة على أحكام الشريعة زمن الإمامة العادلة، رقيبا وزمن فقدانها حين أرسى علماؤها قواعد للولاية .والبراءة تجعل المجتمع على من ينتهك حرمات االله فيحرم من حقوقه المدنية حتى يؤوب إلى االله تعالى ويقلع عن المعصية التي تضر بمصلحة الأمة. مائة كتاب إباضي326 البعد الحضاري لهذه القضية يتناولها المؤلف في الأوساط الإباضيةأما عن في المستوى النظري والمستوى العملي. المستوى النظري: أما في المستوى النظري فنجدهم يلحون على عظمة االله تعالى ،وأنه ليس كمثله شيء ،وبالتالي فثوابه ليس يشبهه ثواب ،وكذلك عقابه لا يشابهه عقاب. كما وقع الإلحاح على أن القول بخلف الوعيد ينتج عنه فقد الأوامر والنواهي قيمتها في النصوص الشرعية؛ ذلك لأن من يعتقد إمكانية الخلاص في النهاية فلا سبيل إلى أن يرتدع أمام الزواجر ،وتصير النواهي عنده غير مختلفة عن الأوامر. المستوى العملي: إن القائلين بإخلاف الوعيد وبعدم الخلود يمكن أن يتلخص بتبرير موقفهم في قول يحيى بن معاذ الرازي» :إلهي :إن كان توحيد ساعة يهدم كفر خمسين سنة ،فتوحيد خمسين سنة كيف لا يهدم معصية ساعة ..فلا أقل من رجاء العفو«. فواضح أن يحيى بن معاذ انطلق من معادلة بين طرفين متناقضين دون أن تائبا ينبه إلى الفارق الأساسي بين هذين الطرفين ،ويتمثل في الأول الذي جاء يجب ما قبله ،بينما الطرف الثاني، بحق وقد عاجلته المنية ،ومعلوم أن الإسلام فإنه قد انحرف عن التوحيد واستمرأ المعصية ،ولم يبادر إلى التوبة حال عصيانه ،وقد عاجلته المنية وهو بعيد عن الإيمان ،إذ لا يزني الزاني حين يزني مقنعا في اللحظة الأولى فإن المتأمل وهو مؤمن ،فتبرير يحيى بن معاذ وإن بدا يتبين فساده. وأما التبرير الثاني الذي أقيم على المعادلة بين الإيمان والكفر ،وبما أنه لا تنفع مع الكفر طاعة ،فالعدل يقتضي أن لا تضر مع الإيمان معصية ،معنى 327ال بعد الحضاري للعقيدة الإباضية ذلك أن الإيمان مطية للمعاصي لا للطاعات واجتناب المعاصي ،ويحيى بن كلاما ختم بالاستناد إلى رجاء العفو. معاذ نفسه لما أحس بأن في المعادلتين يبين في القرآن الكريمصحيح أن االله تعالى عفو يحب العفو لكنه شروط العفو والغفران .ولا ينبغي أن ينقلب الاتكال على العفو سبيلا من سبل انتهاك حرمات االله تعالى ،وهذا ما استند إليه أهل الكتاب إلى جانب تعويلهم وبين أن رد عليهم القرآن الكريم بشدة ،على أنهم شعب االله المختار ،وقد قولهم بعدم الخلود من باب الأماني التي يستحيل أن تتحقق. صحيح أنه وقع الاعتماد على الشفاعة ولكن أتكون الشفاعة بمفهومها حافزا من حوافز الشكر المطلق عاملا من عوامل دفع الناس إلى العصيان ،أم الله تعالى؟ الحقيقة أن المسلم الحق لا ينبغي أن يستغل جانب العفو الإلهي وشفاعة المصطفى ليشبع شهواته مما أراد ،وربك في النهاية غفور رحيم ،ولا يمكن بحال أن يرد شفاعة النبي فيمن في قلبه دون الذرة من الإيمان إن كان ما دون شكرا الله تعالى ،فيقبل على طاعته موجودا ،بل يجب أن يزداد بذلكالذرة وينتهي عن نواهيه؛ وبذلك لا يكون من الذين يأمنون مكر االله لأنه ﴿ M L ] ﴾ R Q P O Nالأعراف.[٩٩ : كثيرا ما يتهمون بالغلو والإباضية ومن يقول بقولهم في الوعيد والخلود في الدين على أساس أن مثل هذه المواقف من شأنها أن تنفر الناس من الدين. والجواب :أن الفرق كبير بين الغلو في الدين ومعناه تجاوز ما تتحمله النصوص من المعاني ،وبين فهم النصوص بوجه معين ،إن منطلقات الإباضية والسنة ،ولم يكن قصدهم تنفير الناس من الدين ،وإنما كان هدفهممن القرآن الأسمى صلاح المسلمين ،ومهما يكن من أمر فمنتظر الخروج من النار وإخلال الوعيد يكون أجرأ على العصيان ممن يعتقد إنفاذ الوعيد والخلود في النار. مائة كتاب إباضي328 إن الإباضية لا يميزون في موقفهم هذا بين مرتكب الكبيرة الإباضي وغير الإباضي ،على عكس ما ينسب إلى الأزارقة إن صح أن من كان في حوزتهم مؤمن وإن ارتكب من المعاصي ما ارتكب ،والشبهة دخلت لجمهور الأمة من هذه الناحية إذ يحشرون الإباضية في زمرة الخوارج عامة ،وقد وسم هؤلاء الناس بسمات هم في أغلب الأحيان منها براء. ثم يعرض المؤلف انعكاسات هذا الموقف على المحيط الإباضي، ويرى أنه إذا استطاعت كتب المقالات أن ترمي من تسميهم بالخوارج والإباضية من بينهم بأنهم أهل البدع والأهواء والنحل لا لشيء إلا لأنهم خالفوا غيرهم في الرأي في فهم النصوص ،فإن هذه الكتب نفسها وكتب التاريخ لم تستطع أن تخفي إعجابها بسلوك هؤلاء ،وإن أ ول على أنه سلوك اعتمادا على الحديث الذي يعتبر أن كل خشوعهم لا يتجاوزلا ينفع حناجرهم. وهناك شهادات كثيرة من قدماء ومحدثين على استقامة هؤلاء الناس، ويشير المؤلف إلى بعض سلوكهم ،من ذلك كثرة خشوعهم عند تلاوة مر أحدهمالقرآن الكريم بشهادة أبي حمزة بمحضر الإمام مالك »كلما مر بذكر جهنم شهق شهقة كأن زفيربذكر الجنة بكى شوقا إليها ،وإذا جهنم بين أذنيه«. ومن ذلك شهادة المحدثين لمن يسمونهم بالخوارج بالأمانة في نقل الحديث لا لشيء إلا لأنهم لا يمكن أن يكذبوا على رسول االله ژ وهم يعلمون أن الكاذب عليه مخلد في النار. ومن ذلك إخلاص الإباضية في مناصرة أهل القيروان ،حيث وقف الجيش أحدا من القتلى؛ ذلك لأن النصرة مطلوبة ،أما سلبعند حدود االله ولم يسلب حقوق الناس فيورث الخلود في جهنم. 329ال بعد الحضاري للعقيدة الإباضية وانظر ما يقول محمد عبده في مأثورته عقيدة الخروج من النار من الاستبداد والقتل والاستغلال لدى أهل السياسة في كل عصر ،فهؤلاء حسب صاحب المنار وإن استكبر الجمهور خلودهم في النار لا سبيل لهم إلى الخروج. كما بين صاحب المنار أن من أسباب انحلال المسلمين جرأتهم على قتل بعضهم البعض ،ومرجع ذلك إلى اعتقاد عدم الخلود .ولو سمح االله أن يفضل أحد شهوته أو حميته على االله ورسوله وكتابه ودينه والمؤمنين ،ووعده بالمغفرة لتجرأ الناس على كل شيء ،ولم يكن للدين ولا للشرع حرمة في قلوبهم. نرى حينئذ مدى الضرر المتولد في مستوى قيادة الأمة عندما يعتقد هؤلاء أن مجرد الإيمان باالله تعالى يمسح كل شيء ولو ماتوا على الإصرار ،وفي أسوأ الأحوال أن يكونوا من الجهنميين الذين يدخلون جهنم دخولا شكل يا ليفتخروا على أهل الجنة فيما بعد. واضح حينئذ أن أكبر عامل لتخلي المسلمين عن الأوامر والنواهي هو تسرب مثل هذه العقيدة عن أهل الكتاب ،رغم أن القرآن الكريم يتصدى لها. ومما يبين حسن أثر هذه العقيدة الإباضية القاعدة التي يقوم عليها فقه العبادات والمعاملات والسلوك عندهم ،وهي ما يسمونه الأخذ بالأحوط، ويعتبره غيرهم من باب التشدد والغلو في الدين. ففي باب العبادات يذكر المؤلف ثلاثة أمثلة في الصوم والصلاة ومن الزكاة. أما في شأن الطهارة للصلاة فحالما رأوا نصوص القرآن التي تمدح المتطهرين والوعيد بعذاب القبر لمن لا يستبرئ من البول ،وفي ذلك إشارة إلى عذاب النار فيما بعد أوجبوا الجمع بين التنشيف والغسل. أما في شأن اعتبار الطهارة الكبرى شر طا من شروط الصوم ،فهم يرفضون مائة كتاب إباضي330 الموقف الذي ينسب إلى الرسول ‰أنه اغتسل في رمضان بعد طلوع الفجر، مفطرا« ،وحتى في ويقرون حديثا آخر ،وهو قوله » : ‰من أصبح جنبا أصبح حالة صحة ورود الخبر الأول العملي ،فالخبر القولي أشمل وأعم وأحوط، عمدا في رمضان مجمع عليه ،فلتكن الطهارةوالوعيد المسلط على المفطر الكبرى شر طا من شروط الصوم ،وهذا يخرج من الوعيد على أية حال. الحلي لا يدخل في النصاب،أما في شأن الزكاة فتروى نصوص على أن إلا أن الإباضية رأوا غير ذلك واعتبروا أنه جزء من الممتلكات وأنه رصيد مدخر يستعمل عند الحاجة زيادة على المتعة بالتزين به. أما أثر هذه العقيدة في باب الفتاوى فهو واضح في أوساط الإباضية، فمن ذلك انتشار مبدأ أداء الكفارات ،فتجد الناس عند العزم على أداء فريضة الحج أو عند التوبة يتحرون التحري التام في أداء حقوق االله تعالى، والتنصل من حقوق العباد ،وقولهم بالكفارات الاحتياطية من باب أن الحسنات يذهبن السيئات ،وهي كفارات اجتهادية اعتمد فيها على القياس على ما نص عليه الشرع. وينبه المؤلف إلى أثر هذه العقيدة في مستوى التعامل المادي والأخلاقي، إذ من يعتقد أن القليل من متاع الناس يورث الخلود في النار لا يمكن أن يقبل على أخذه وإن غلبت عليه شهوته سرعان ما يبادر إلى إرجاع الحق إلى أهله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .وتجار الإباضية مشهورون بمحافظتهم على أمانات الناس. وفي خاتمة هذا التحليل ينبه المؤلف تنبيهين: أولهما :الترابط الوثيق بين الأسس العقائدية ،فقول الإباضية بإنفاذ الوعيد مرتبط ارتبا طا جوهريا بقولهم :إن الإيمان عقيدة وقول وعمل وبتحريهم في مبدأ الولاية والبراءة. 331ال بعد الحضاري للعقيدة الإباضية وثانيهما :بيان الحكمة من القول بإنفاذ الوعيد وبالخلود ،والواقع العملي المعاش أثبت الصلة الوثيقة بين الأسس العقائدية وبين الحياة العملية ،وذلك الغرض الأسمى للعقيدة الإسلامية حيث يتحول العلم إلى عمل وتطبيق .فقد واضحا في أوساطهم عندما كان الناس يخضعونبدا أثر العقيدة الإباضية واضحا في وادي ميزاب ،وإن انخرم فيلسلطان العقيدة ،وما يزال هذا الأثر بقية الأوساط الإباضية بالمغرب. 332 áajôc »HCG øH o∏°ùe Ió«ÑY ƒHCG ΩÉeE’G (`g145 - 45) ¬¡≤ah »a«aàdG ...ó°TGôdG óeÉM øH ˆG óÑY øH ∑QÉÑe مطابع الوفاء المنصورة مصر ،ط١٤١٣ ،١ه١٩٩٣/م. عدد الصفحات ٦٩٨ :صفحة أصل الكتاب أطروحة لنيل درجة الدكتوراه بالجامعة الزيتونية بالجمهورية التوسنية. أجل إمام وموضوع الدراسة» :الإمام أبو عبيدة وفقهه« وهو إمام عظيم، للفرقة المرضية أهل الدعوة الإباضية بعد إمامهم الكبير التابعي الشهير التقي العماني.جابر بن زيد وجاءت الدراسة مستوفية لحياة الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة مستوفيا لجوانب فقهه ومشايخه الذين تتلمذ عليهم ،وتلاميذه الذينالتميمي حملوا عنه العلم إلى عمان واليمن والمغرب ،وفي سعة علمه وعمقه في تفهم معاني الشريعة وأسرارها ،واستنباط الأحكام من أدلتها ،وفيما خالف فيه شيخه الإمام جابر بن زيد ،وما خالف فيه غيره ،وفي اهتمامه بنشر الدعوة في ذلك الوقت الحرج الذي يلقى فيه أشد المضايقة من يطالب السلطة بتطبيق الإسلام الصحيح. ويتكون الكتاب من مقدمة وأربعة أبواب .يشير المؤلف في المقدمة إلى سبب اختياره الإمام أبي عبيدة للدراسة ،إذ إن شخصيات الصحابة والتابعين الذين ب لغوا رسالة الإسلام يجب الاهتمام بهم ،والاعتراف بفضلهم ،والتنويه بحقهم ،فهم الذين صنعوا تاريخ الإسلام وأظهروه على حقيقته ،فكانوا يعقدون 333الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وفقهه )١٤٥ - ٤٥ه( حلقات العلم في المساجد ،ويرسخون مبادئ الإسلام في قلوب الناس ،فغرسوا الروح في الجسم ،ووجهوا الناس إلى الطريق المستقيم وجاهدوا في سبيل ربهم بالسيف والقلم واللسان. ومن هذه الشخصيات شخصية الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي التابعي الشهير عند الإباضية .فمع أنه مشهور عندهم ،ولكنه لم يخصص ببحث مستقل عدا بعض الصفحات في كتب الطبقات الإباضية أو  المحدثين والرواة.الإشارات في كتب غيرهم ،وعدم ذكره أصلا في كتب يتناول الباب الأول» :شخصية الإمام أبي عبيدة« من خلال ثلاثة مباحث: المبحث الأول :نشأة الإمام أبي عبيدة .وهو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة البصري التميمي ،ولد في البصرة ونشأ وعاش فيها ،ويقال :إن أبا عبيدة كان زنج يا أسود اللون ،أعور ،فقير ،يقتات بعمل السعف ولا يعرف على وجه التحديد سنة ميلاده ،وإن كانت في حدود سنة ٤٥ه أو ما قبلها بقليل ،وقد عاما أو عاما ،وأنه انتصب للتعليم أربعين روي أنه نصب نفسه للتعلم أربعين تزيد ،وأنه تولى إمامة أهل الدعوة بعد جابر ،وذلك بعد خروجه من سجن الحجاج بن يوسف عام ٩٥ه ،فتكون بداية دخوله في مرحلة التعلم عام ٥٥ه. وكني الإمام أبو عبيدة بابنته عبيدة التي أخذت العلم عن والدها ،فرويت عنها آثار في كتب الفقه الإباضي ،سواء فيما يتعلق بأخبار النساء أو غير ذلك. كثيرا ممن أخذ عنهمأخذ الإمام أبو عبيدة العلم عن شيوخ أجلاء ،وأدرك كثيرا منها. جميعا ،وعاصر جابر ،واستقى من مناهلهم @ ولذلك فإن الإمام أبا عبيدة يعد من التابعين ،لأنه لقي بعض الصحابة، وإن لم يصحبه مدة طويلة ،فهو من التابعين حسب اصطلاح الباحثين في علوم الحديث. مائة كتاب إباضي334 وكان لأبي عبيدة شيوخ كثيرون منهم ضمام بن السائب ،وصحار بن العباس العبدي. عول الإمام على الأخذ عن الصحابة أكثر من غيرهم ،وأثر عنهوقد قوله في هذا الشأن :من لم يكن له أستاذ من الصحابة فليس هو على شيء من الدين. وروى الإمام أبو عبيدة جملة أحاديث عن جملة من الصحابة ،تدل في مجموعها على لقياه بهم وأخذه عنهم ،ولا ريب في ذلك ،فمواسم الحج كفيلة بالالتقاء بكثير من أهل العلم في زمانه من صحابة وغيرهم ،سوى من كان منهم بالبصرة. كما أثر عن الإمام أن العلم لا يؤخذ إلا من الثقات الصادقين ،لا من أهل البدع والزندقة. شديدا في ذات االله لا يحب التقرب إلى الأمراء ،سواء وكان الإمام أبو عبيدة من حيث أخذه الأعطيات أم من حيث التقرب إليهم بالمناصب وغير ذلك. شديدا على أهل المعاصي بشتى أصنافها ،فقد سئل عن القاذفكما أنه كان فسق المسلمين أو لعنهم أو ظلمهم أو هل يعطى من الزكاة؟ وكذلك الذي شهد بزور على أحد ولو كانت في الغلس فما دونه؟ فأجاب :بأنه لا يجوز أن يعطى مثل هؤلاء من الزكاة حتى يتوبوا ويرجعوا إلى االله تعالى ،وذلك لأن أصحاب المعاصي كلهم في البراءة فيجب هجرانهم ،ولا فرق في ذلك بين الرجل الصالح الذي بدت منه مثل هذه الأمور عيا نا أو كان من غيرهم، فالمعاصي حكمها واحد. وطالما تهرب من الدخول في أمور الأحكام والقضاء لتنفير الشرع الشريف من ذلك خوفا من الهلكة .فعندما طلب منه أن يخرج على ولاة الجور ،وأن 335الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وفقهه )١٤٥ - ٤٥ه( الناس كلهم معه قال :ما أحب ذلك ،ولو أني فعلت فلا أحب الدخول في الأحكام بين الناس؛ لأنها تبعة عظيمة وهلكة. ولهذا أجمع معاصروه ومن جاءوا بعده على عدالته ونزاهته ،ولم ينكر عليه شيء من أقواله وأفعاله طيلة حياته ،ولم يذكر أنه خلط آخر عمره ،بل أثر عنه أنه عندما يشتكي ينيب الربيع أو غيره عنه في الفتوى. أختلف في وفاة الإمام أبي عبيدة كما اختلف في ولادته ،وذلك شأن كثير من الفقهاء في القرن الأول بحيث لم تكن هناك عناية بتاريخ الوفيات ،فقيل :إنه مات حوالي عام ١٤٥ه ،وذلك بعد عودة حملة العلم المغاربة؛ لأنهم رجعوا إلى عام ١٤٠ه قبل نصب الإمام أبي الخطاب بطرابلس بسنة واحدة أو أقل. وتناول المبحث الثاني» :عصر الإمام أبي عبيدة السياسي والاجتماعي والاقتصادي« فقد عاش الإمام في البصرة ،حيث كان لها في ذلك الوقت دور كبير في الحياة السياسية والاقتصادية في العالم الإسلامي ،إذ شهدت اشتعال ثاني فتنة عرفها الإسلام ،وكانت ذات أهمية اقتصادية أدت إلى تطورها ونموها العمراني. ابتداء من معركة وشهدت البصرتان )البصرة والكوفة( صراعات دموية الجمل وصفين والنهروان ،إضافة إلى ما دار قبل ذلك بين والي البصرة وبين طلحة والزبير وعائشة ،لما أرادوا دخول البصرة للدعوة إلى أنفسهم في القيام بطلب دم عثمان. يضاف إلى ذلك ثورات المحكمة والخوارج من بعد ،والمعركة التي دارت بين ابن الزبير وولاة عبد الملك بن مروان ،والثورات المتوالية على الدولة الأموية والعباسية ،كل ذلك جعل البصرة ذات أهمية سياسية جعلت الخلفاء يحفلون بها ،ويهتمون بما يدور فيها. مائة كتاب إباضي336 مهما في الإسلام، دورا  ولعبت البصرة في القرنين الأول والثاني للهجرة مركزا علم يا بارز ا ،وملتقى للثقافة والمعرفة ،وعاصمة لنشأة مختلف فكانت جوا العلوم الإنسانية حيث وفد إليها كثير من الصحابة والتابعين ،وعاشوا  واسعا من الحياة الفكرية والعقلية. مرتعا لنشأة علم الكلام ،لما للحروب التي دارت فيولهذا كانت البصرة العراق من أثر في نشأة ذلك الفن من العلوم الإسلامية ،فكثر تساؤل الناس :من المخطئ ومن المصيب؟ هل أخطأ قتلة عثمان أم أصابوا؟ هل أصاب علي في التحكيم أم لا؟ وغيرها من التساؤلات. دارا للحديث ،إليها يرد الوارد ويؤمها وإلى جانب ذلك فقد كانت البصرة القاصدون ،وكان الزعيم الأول لمدرسة الحديث بالبصرة الصحابي الجليل: أنس بن مالك ،وعبد االله بن عباس ،وغيرهما. وفي هذه البيئة عاش الإمام أبو عبيدة ،وفيها قضى معظم حياته وعاصر وجزءا من الدولة العباسية ،وساير تطورات الدولة الدولة الأموية بكاملها السياسية وغيرها من المتغيرات والأحداث ،مما جعل منه شخصية لها مكانتها في التاريخ. ويتناول المبحث الثالث» :الوسط الفكري في عصر الإمام أبي عبيدة«. ويتناول هذا المبحث أشهر الفرق التي ظهرت حينذاك ،أمثال :الشيعة، والمرجئة ،والجبرية ،والقدرية ،والمعتزلة. أيضا فرقة الخوارج ،إذ أطلق عليهم عدة أسماء؛ كالحرورية،كما تناول والمارقة ،والمح كمة. أما الخوارج في نظر الإباضية فهم يعرفونهم بأنهم الذين مرقوا من الدين؛ كالأزارقة والصفرية والنجدات ،بمعنى أنهم خرجوا من الدين 337الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وفقهه )١٤٥ - ٤٥ه( أمورا لم يأذن بها الإسلام ،وليس لهم من االله فيها من سلطان؛بانتحالهم كوجوب الهجرة ،واستحلالهم دماء مخالفيهم وأموالهم ،وسبي ذراريهم ،إلى غير ذلك من الأحداث. وهم يتفقون في بعض المبادئ مع الإباضية كوجوب إنكار المنكر على أهله ،والقول بجواز أن يكون الإمام من غير قريش ،وأن الإيمان قول وعمل، وأن لا يخلف وعيده كما لا يخلف وعده. عرفهم الإباضية بهذا التعريف تطبيقا للحديث الوارد في المروق منوقد الدين ،وهو في أوصافه يتفق مع الطريقة التي انتحلها الخوارج المارقون. أما بالنظر إلى المعنى الذي قصده غير الإباضية مع دمجهم الإباضية فيهم وهو الخروج على الخليفة فهذا لا ينطبق عليهم وحدهم ،وذلك لأن الخارجين الذين خرجوا على الإمام الشرعي علي بن أبي طالب ،ومن خرج بعدهم على بني أمية ،من الشيعة وغيرهم ،إذ لا يمكن أن يطبق هذا اللقب على فئة دون فئة. خاصة إذا قلنا :إن نشأة المح كمة تمتد جذورها إلى عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان ،والخارجين على عثمان أكثرهم من الصحابة ،وكل من شهد خارجا فهو خارجي ،هذا إذا طبقنا الخروجالوقعة ولم ينصر عثمان أو كان السياسي على الخوارج. أما إذا طبقنا المعنى الديني وهو المروق من الدين فالأزارقة والصفرية والنجدات ينطبق عليهم هذا الاسم. وإذا كان هناك بعض النقاط التي يتفق فيها الخوارج مع الإباضية فإن هناك نقا طا يختلفون فيها معهم ،حتى أنه وقعت بينهم مصادمات سياسية وعسكرية. إن ما يجمع الإباضية والخوارج هو كونهم ينحدرون من أسرة المح كمة مائة كتاب إباضي338 الذين اعتزلوا علي بن أبي طالب بعد التحكيم ،إذ كان إمامهم عندما قاتلوا عل يا عبد االله بن وهب الراسبي الذي استشهد في معركة النهروان. وإنما سموا مح كمة لرفضهم التحكيم ،وقد رضوا هذا الاسم ،كما سموا أيضا ،بمعنى ديني غير المعنى الذي قصده أصحاب المقالاتأنفسهم خوارج والمؤرخون ،وهو الخروج على الجور والظلم ،انطلاقا من قوله تعالىy ﴿ : ] ﴾ ~ } | { zالتوبة.[٤٦ : فالخروج المقصود هنا صفة مدح ،وهو ما يعنيه قدماء الإباضية في س يرهم، أما الذي قصده غيرهم بهم فهو صفة ذم؛ ولذلك رفضوه ،وذلك من باب الاشتراك اللفظي فقط مع اختلاف المعنى. وكانت المح كمة على رأي واحد حين وقع القتال بمكة بين عبد االله بن الزبير وبين الحصين بن نمير السكوتي قائد جيش يزيد بن معاوية. ومن هذا يظهر أن المح كمة ما هم إلا جبهة أو حزب معارض للانحراف السياسي الذي حدث في عهد الأمويين ،وطبق عليه اسم »الخوارج« من منطلق سياسي لأنه معارض ،ثم قلبت التسمية إلى الخروج بمعنى المروق ،وقد كانت للخوارج مع الدولة الأموية مواقف دموية. وبسبب خروج ابن الأزرق افترقت المح كمة إلى :الأزارقة ،والنجدات، والصفرية ،والإباضية ،وتميزت مبادئ الإباضية عن مبادئ الخوارج ،وكتب االله لها البقاء إلى يومنا هذا بسبب تثبتهم في العقيدة ،واعتدالهم في السلوك ،وإن حشرهم غيرهم ضمن الخوارج المارقة ،وأحيا نا يصفهم المؤرخون بالفرقة المعتدلة من الخوارج ،فمن هم الإباضية؟ الإباضية هم فرقة من الفرق المعتدلة في الإسلام ،اتبعت الرأي الإسلامي في السياسة والحكم والسلوك ،وقد استندت في آرائها السياسية والاجتماعية 339الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وفقهه )١٤٥ - ٤٥ه( والسنة وإجماع الأمة ،ولعلها تبنت في هذا رأي الأنصار الذيعلى الكتاب أعلنوه يوم السقيفة حين استنكروا أن تكون الإمامة في قريش فقط. وأطلق عليهم لقب الإباضية نسبة إلى عبد االله بن إباض ،وإذا طالعت كتب الإباضية لم تجد لعبد االله بن إباض شي ئا من المسائل الفقهية سوى ما أورده عبر فيها عن معتقداته في الصحابة والخلفاءمؤرخو الإباضية من رسالته التي الأمويين والخوارج. أيضا بالمح كمة لسلوكهم مسلك أهل النهروان في مسألتهوسمي الإباضية السياسية والاجتماع ،ولكن الإباضية ما كانوا في القرون الأولى يسمون أنفسهم بذلك ،بل يطلقون على أنفسهم :أهل الدعوة أو جماعة المسلمين فقط. إن المذهب الإباضي ينتمي في قواعده وأصوله وفقهه إلى الإمام جابر بن زيد أبي الشعثاء ،وقد امتلأت كتب الإباضية بآثاره العقائدية والفقهية ،ولكن الإباضية لا ينكرون انتماءهم لعبد االله بن إباض ،فهو واحد من أئمتهم. وتنحدر هذه المبادئ التي ينادي بها الإباضية من لدن الصحابة المنكرين علي قبوله للتحكيم ،ثم التابعين أمثال على عثمان وغيرهم ،والمنكرين على أبي بلال وغيره من بقايا أهل النهروان. والمتتبع لآثار الإباضية يجد أن حقيقة المذهب الإباضي مبنية كما والسنة ،ليس فيه غموض ولا تطرف مذهبي.يقولون عن أنفسهم على الكتاب السنة المحمدية الصحيحة. فليس لهم مذهب خاص ،ويعتبرون من أتباع  وخصوصا عند وهم يمقتون التعصب لفرقة من المسلمين دون أخرى، الباحثين المحدثين ،إذ لا مجال لوجود التحيز المذهبي الآن .وقد ظهر في العصر الحديث ما يؤيد نظرتهم في الخلافة وغيرها. ثم يتناول المؤلف منهج الإباضية في الجانب النظري ،وفي علم الكلام. مائة كتاب إباضي340 والمتتبع لآثار الإباضية القدامى والمحدثين في علم الكلام يجد أن منهجهم ق لة الجدل الكلامي والخوض فيه ،فمنهجهم ينبني على تثبيت العقيدة والسنة التي لا تميل إلى التعمق الفلسفي الذي أدى بكثيربالحجة من الكتاب من الفرق إلى الزلل. فقد كان هناك حوار لجابر بن زيد مع الخوارج والحجاج في القدر، ولصحار بن العباس وتلميذه أبي عبيدة مع القدرية والتزموا القول بأن الإيمان كثيرا ،وكان ميزان الولاية والبراءة يدور حول قول وعمل ،فاهتموا بالعمل العقيدة وثباتها وعدمه ،وحول مقارنة العمل للإيمان وعكسه ،ومسألة الخلافة، وذلك لأن التوحيد الخالص في العقيدة ،والعدل في الاجتماع بين الناس، والعمل الصالح في المجتمع هي التي تقوم عليها المجتمعات. ولكن مع هذا فقد اتفقوا فيما بينهم على القواعد الأصولية الكلامية كتنزيه الباري ،وتأويل المتشابه ،والإيمان والكفر ،والوعد والوعيد ،والشفاعة والولاية، منهجا يسيرون عليه والبراءة والخلافة على المسلمين إلى غير ذلك ،فاتخذوا في هذه القضايا وغيرها من القضايا العملية. أما منهج الإباضية في الحياة العملية فقد كان لهم رأيهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأصول المهمة في المجتمع الإسلامي فهو من القواعد الاجتماعية البحتة ،ولا يمكن أن يبقى المجتمع عرض للخطأ والإهمال فيحتاج إلى من يرشدهصالحا إلا بها؛ لأن الإنسان م ويأخذ به نحو الطريقة الصحيحة التي جاء بها الإسلام. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على من قدر عليه عند الإباضية حسب مراتب الاستطاعة ،وذلك عندما تظهر المعاصي سواء منها ما يتعلق بولاة الأمر أو بالأفراد إلا إذا لم يستطع الأفراد مناصحة ولاة الأمر 341الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وفقهه )١٤٥ - ٤٥ه( خوفا من القتل ،فإن المقام حينئذ مقام كتمان فتسعهم التقية ،كما كان الحال في عهد الدولة الأموية إذ سلك الإباضية يومئذ مسلك الكتمان ،وذلك لعدم استطاعتهم مجاهرة الدولة بمنكراتها. وهم ينشدون في تطبيق الإسلام سيرة أبي بكر وعمر .ويجب أن يكون تطبيق أحكام االله تعالى في الحاكم والمحكوم ،فالحاكم كأحدهم يلزمه أن يسلك بالأمة مسلك الإسلام ،وأن ينهج في نفسه منهج الإسلام. كما سبق الإباضية غيرهم إلى تسمية القائم بأمر المسلمين باسم »الإمام« ولم ي تس م به من خلفاء الدولة الأموية أحد ،وتسمى به المأمون من الدولة العباسية ،وقد سمى الإباضية طالب الحق المنصوب في اليمن عام ١٢٩ه إمام المسلمين ،واستمر الحال على ذلك. منصوصا عليه كما هو عند الشيعة ،وليس أما الإمام عند الإباضية فهو ليس بسلطان االله في الأرض وخليفته فيها كما هو عند الدولة العباسية وما قبلها ،فهو عند الإباضية منذ أن جعلوا هذه القاعدة هي السبيل الأمثل لقيادة الناس، لا بد وأن يختار عن طريق الشورى من ذوي الحل والعقد من أهل العلم تأسيا بفعل الصحابة رضوان االله عليهم ،فيختار الإمام الكفء لقيادةوالبصر، الأمة من أي جنس ولون فلا يقدم القرشي إلا بالتفاضل في التقوى ،فلو اجتمع القرشي وغيره وتساووا في الفضل قدم القرشي لمكانته من أجل تسليم الناس يومئذ لقريش. وسنةفيبايع الإمام على أن يقيم العدل بين الناس وأن يعمل بكتاب االله رسوله فإذا حاد عن المنهج المستقيم يستتاب ،فإن تاب وإلا عزل وقدم غيره، ولا يجيزون تولية الجاهل الذي لا يحسن التصرف ،وقد توسعوا في الشروط التي يجب أن تتوفر في الإمامة. صلحا أو والإباضية لا يجيزون التقدم إلى القتال من غير دعوة ،وإذا عقدوا مائة كتاب إباضي342 هدنة فلا يجيزون نقض العهد بحال من الأحوال ،وإذا حدث قتال بين المسلمين والفئة الباغية ،فلا يستحلون إلا الدماء فقط ،ولا يستحلون أخذ المال ولا السلاح ،لأن سيرتهم تبين منهجهم. أما في حال السلم فيجيزون من استجار بهم كما استجار عبد الرحمن الداخل بعبد الرحمن بن رستم عند توجهه إلى الأندلس .ويجيزون الصلاة خلف غيرهم كما صلى الأئمة :أبو بلال ،وأبو الشعثاء ،وأبو عبيدة ،وغيرهم. ويعاملون الناس من غير فرق بين محب لهم وغيره فهم عندهم سواء، ويناكحونهم ويوارثونهم ويؤدون لهم حقوقهم المشروعة من حرمة غيبتهم وقذفهم ،إلى غير ذلك من الحقوق. أما منهجهم الفقهي وإنتاجهم فيه ،فالفقه الإباضي فقه متميز له قواعده وأصوله التي يعتمد عليها ،وهو يعتمد بالدرجة الأولى على الكتاب العزيز، السنة وهو قطعي المتن ،وإن كان ظني الدلالة في بعض المواضع ،ويعتمد على  النبوية الشريفة الثابتة بالسند الصحيح ،ويعتمد بعدها على إجماع الأمة. والسنة ،والإجماع ،ورابعها: فمصادر التشريع عندهم ثلاثة :هي الكتاب، القياس المستكمل للشروط ،وعند المغاربة كلمة الرأي بدل القياس والإجماع، وهما بمعنى واحد ،إذ إن الإجماع والقياس أصلهما الرأي فهم يعترفون واضحا وخاصة موقفهم منبالنسبة الثابتة ،ولكنهم يثبتون في الرواية تثب تا أحاديث الآحاد ،فإذا صح الحديث قدموه على القياس؛ إذ لا قياس عندهم مع ورود النص. فهم لا يأخذون بحديث الآحاد في العقيدة وكذلك في الصلاة لأنها مجاورة للسنة الصحيحة ،إذ لا يمكن تناقض القرآنمعيارا  للعقيدة ،وجعلوا القرآن والسنة فيما عدا النسخ والتخصيص ،ويقبلون مرسل التابعي الثقة. 343الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وفقهه )١٤٥ - ٤٥ه( وقد ساهموا في تدوين العلوم الإسلامية كالتفسير بشروط ،والحديث، كثيرا من كتبهم تلفت ،وقد نبه والفقه ،وعلوم العربية ،والتاريخ وغيرها ،ولكن على ذلك ابن النديم وغيره. وقد تزعم الإمام أبو عبيدة قيادة أهل الدعوة بعد جابر بن زيد ،وكان قبل ذلك له دور واضح في الدعوة كالتدريس والتنظيم ،ولذا سجنه الحجاج مع زميله ضمام بن السائب. فقام الإمام بدور تنظيم المجالس والتعاليم والإرشاد لأهل الدعوة في ذلك المجتمع المغلق المغلوب على أمره ،وكانت في ذلك إشارة إلى أن أهل الدعوة يومئذ لم يكونوا ليراعوا عامل النسب والحسب فبتقديمهم الإمام أبي عبيدة وهو مولى ظهرت الديمقراطية والمساواة بين الأجناس وذابت الفروق؛ ذلك لأن فيهم القرشي والعربي والمولى وغيرهم .وأدى الحال بالإمام يومئذ أن يمنع الزواج من غير الإباضية لفترة مؤقتة إذا اقتضت الحاجة ذلك ثم أباحه. جهدا في حث الناس على التبرع للمجاهدين ،والذي قام بذلكيأل ولم على أكمل وجه هو أبو مودود حاجب الطائي ،ولكن بأمر الإمام أبي عبيدة. وعنوان الباب الثاني» :آثار الإمام أبي عبيدة وتأثيره« ويشتمل هذا الباب على مبحثين: المبحث الأول» :دور الإمام أبي عبيدة في الدعوة« ،ومنها قيامه بالتدريس، جهدا متواصلا في كرس الإمام جهوده للتدريس طيلة حياته .وقد بذلفقد إعداد الجيل الذي حمل لواء العلم من بعده إلى اليمن و عمان والمغرب، بالإضافة إلى العراق والحجاز وخراسان. وكان الإمام أبو عبيدة تارة يعلم تلاميذه في المسجد ،كما هي عادة الفقهاء، ويظهر أنه مسجد الحزبية بالبصرة ،فهناك يجتمع عنده طلبة العلم من كل حدب مائة كتاب إباضي344 وصوب ،وتارة يضطره الحال عندما يقع التطرف من الولاة عليه إلى التدريس في سرداب خاص. وتجمع المصادر المغربية على تسمية طلبة العلم المغاربة الذين وفدوا على الإمام أبي عبيدة ب »حملة العلم« وهو الخمسة ،ولا تطلق على من سبقهم من المغرب إلى الإمام أبي عبيدة. حارسا للسردابوتذكر المصادر الإباضية أن الإمام نفسه هو الذي يقف دروسا فيه ،وهو الذي يحرك السلسلة ،ولم يكن التلاميذ الذينالذي يلقي أخذوا العلم عن الإمام أبي عبيدة من مكان واحد ،بل كانوا من أمكنة مختلفة وخصوصا البعيدة عن عيون السلطة الحاكمة. ولا ريب أن في قدوم هؤلاء التلاميذ إلى البصرة لتلقي العلم من هذا الإمام لخير دليل على شهرته عندهم وعلو مقامه ورسوخ قدمه ،وتفرق هؤلاء الطلبة إلى بلدانهم حاملين مشعل العلم ونور الإسلام فساهموا في إظهار دين االله في هذه المواطن. وقد تقلد الإمام أبو عبيدة أمر الفتوى في زمانه؛ وذلك لأنه هو المقدم يومئذ في جماعة الإباضية فاعتبروه قدوتهم لغزارة علمه وثقتهم به. كثيرا من الفتوى بالرأي مما ليس فيه نصوكان الإمام أبو عبيدة يتحرج والسنة خوفا من الزلل وعدم إصابة الحق ،وكان يستغفر االله خوفامن الكتاب أيضا في أمر الشفعة فلا يوجبهامن الزلل ويشكر االله على الصواب .ويتوقف لليتيم ولا للغائب ،بمعنى أنها لا تحبس الشفعة حتى يبلغ اليتيم ويرجع الغائب ،فابتلي بها بعض أصحابه بالبصرة. وكان يتراجع عن فتواه إذا أحس بشيء من الخطأ ،وتلك هي سمة الفقيه وخصوصا إذا كان في عذر. العامل 345الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وفقهه )١٤٥ - ٤٥ه( كما اهتم الإمام أبو عبيدة بأمر الدعوة إلى االله وبث الروح الإسلامية بين اهتماما بالغا ،وأعطاها جل جهده المتواصل ،ولم يزده الضغطالمسلمين السياسي في البصرة يومئذ إلا تمسك ا بأهداف الشريعة ،ولم تؤثر فيه التناقضات صامدا الاجتماعية والثقافية الموجودة في مجتمعه الذي يعيش فيه ،بل جعلته أمام الأحداث والمؤثرات حتى لقي ربه بنفس راضية مطمئنة. طودا ويتناول المبحث الثاني» :تلاميذ الإمام أبي عبيدة« .فقد كان الإمام خضما يشار إليه بالبنان بين أقرانه في التعلم والتعليم،وبحرا من أطواد العلم إذ هو كبير تلاميذ جابر ،فكان ثالث أركان المذهب الإباضي وحامل لواء العلم والإمامة فيه. عددا ،كانت مدرسة أبي عبيدة رغموأخذ العلم عنه خلق كثير لا يحصون ما يكتنفها من مضايقات الحجاج ومعاكساته ،مصدر إشعاع ديني أضاء مشرقا ومغربا .فقد كانت هذه المدرسة تستقبل البعوث من المغرب وغيره كي يتعلموا فيعودون إلى أوطانهم معلمين داعين إلى االله ،وانضم إليها عدد كبير من التلاميذ النابغين ،وصار التلاميذ يتهافتون في تلك المدرسة. فانتقل عنه العلم بواسطة هؤلاء التلاميذ الذين أقبلوا من العراق نفسها، ومن اليمن والحجاز وخراسان و عمان وشمال إفريقيا ومصر وغيرها. قدرا الربيع بن حبيب ،في المكانة العلمية والمعرفةوأجل هؤلاء التلاميذ التالية ،وهو راويته للحديث الشريف ،وإليه انتهت رئاسة الإباضية بعد الإمام أبي عبيدة بالبصرة ،فلهذا أرسل إليه أهل المغرب رسالة للاستفتاء. أما مفهوم حملة العلم فهم التلاميذ الذين خرجوا من مدرسة الإمام أبي عبيدة ،ثم رجعوا إلى بلدانهم معلمين ،والعدد لا مفهوم له عندما يقولون حملة العلم خمسة إذ قد يكونون أكثر من خمسة .وقد يكون بعضهم أسبق في وصوله إلى بلده من البعض الآخر ،ولكنهم أطلقوا هذا الاسم على من مائة كتاب إباضي346 جاء دفعة واحدة كالخمسة الذين رجعوا إلى المغرب ومعهم أبو الخطاب المعافري اليمني. المبحث الثالث عن »تأثير الإمام أبي عبيدة السياسي« )الإمامة( وعند الإباضية لا يشترط للإمام جنس معين أو طبقة مميزة من الأمة ،فمن كان أكفأ لها هو الأولى ،فليس قريش أولى من غيرها إلا إذا توفرت فيها الكفاءة ،وإلا لزم أن تحكم قريش إلى زماننا لوجودهم على الأرض الإسلامية. والقول بأن إمامة القرشي صحيحة ولو عجز عن القيام بأمر المسلمين ليس بشيء؛ لأن حكمة تنصيبه وهي القيام بأمر الأمة انتفت ،فلا تتم إمامته لانتفاء الحكمة. عالما عدلا ذا كفاءة سليم الحواس مسلما ويشترط في الإمام أن يكون والأعضاء ذا تدبير وسياسة للأمور الدينية والدنيوية؛ وذلك لأن منصب الإمام عظيم جسيم ،فيجب أن يكون ممن تتوفر فيه هذه الصفات ،فإذا تم نصبه وهو على هذه الحال وجب على كل المسلمين طاعته والانقياد لحكمه طالما أطاع االله ورسوله. فإذا كان الإمام بهذه الصفة فلا يجوز الخروج عليه حتى يحدث ما يوجب عزله من عمل كبيرة من الكبائر أو الإصرار على صغيرة أو الإصرار على التوبة من كليهما أو تقصيره في واجب أمر المسلمين أو ارتكابه لخيانة في الدين أو أمر الدولة أو هلكت إحدى حواسه لأعضائه فيطلبون منه الاعتزال ،فإن اعتزل وإلا جاز الخروج عليه وقتاله. إ ذا فإمامة المسلمين واجبة ولا تكون إلا بالشورى في الإسلام ويعقدها أهل الحل والعقد من الأمة ،وتجب له الطاعة ما أطاع االله ورسوله فإن عصاهما فلا طاعة له ،ولم يطبق هذا المبدأ إلا في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة والخليفة الخامس؛ لأن إمامته ثبتت بتسليم الجميع له ولكونه طبق العدل وأظهر المعروف وأنكر المنكر بين الأمة. 347الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وفقهه )١٤٥ - ٤٥ه( وقد دهش الصحابة وكبار التابعين لما رأوه من توريث الحكم مع بني أمية وبني مروان وتهربوا من المبايعة على ذلك ،ولكنهم كانوا أمام الأمر الواقع ولا طاقة لهم إلا بالإنكار باللسان والقلب. وبدافع الغيرة على الدين وعلى تطبيق العدل وإخماد البدعة أصل أئمة الإباضية الأوائل هذه القاعدة ،وظلوا يكافحون من أجلها وذهبت في سبيلها أرواحهم وقطعت بسببها أوصالهم ،وتبنى أبو عبيدة هذا المبدأ وهو مبدأ شريف يقرر للأمة حقها الأصيل فإن المطلوب إقامة العدل لا غير ممن كان ولو من عبد حبشي. فالعدد والعدة شرطان في قيام الإمامة ،وعلى هذا فقد قامت إمامة اليمن و عمان والمغرب ،وكان جميع المنصوبين فيها من تلاميذه وعن رضا منه. ويتناول المؤلف الإمامة في اليمن ،وأسباب قيام الإمامة هناك ،وعقد الإمامة على طالب الحق ،وصفات هذا الإمام وأصحابه ودخوله إلى حصن حضرموت والتوجه إلى الحجاز. الإمامة الثانية ،قيام الإمامة في عمان ،وعقد الإمامة على الجلندي بن مسعود والإصلاحات التي قام بها ،ثم موته. الإمامة الثالثة بالمغرب .ويتحدث المؤلف عن الإباضية قبل أبي الخطاب، وإمامة أبي الخطاب المعافري وعدله ،ثم تولى الإمامة بعده أبو حاتم الملزوزي ،ثم إمامة عبد الرحمن بن رستم. والمبحث الرابع عن أثر الإمام أبي عبيدة في مجالي التفسير ،والحديث. أما موقفه من المسائل الجدلية )علم الكلام( فلم يعثر على مؤلف خاص في الحديث عنه عند الإمام أبي عبيدة ،ولعله كان له شيء من ذلك ،ولكن ضاع فيما ضاع من التراث ،أو لعله لم يكتب شي ئا لانشغاله بالتدريس والدعوة وتنظيم شؤون جماعة المسلمين مما لم يمكنه من الكتابة. مائة كتاب إباضي348 وكانت طريقة الإمام أبي عبيدة في الجدل الكلامي طريقة المتكلمين لا طريقة الفلاسفة إذ لم تسد هذه الطريقة في ذلك العصر ،وإنما كان الجدل عقل يا ونقل يا من غير قضايا جملية وشرطية ،إلى غير ذلك من قواعد الفلسفة المنطقية. كثيرا ،ولكنومع هذا فإنه لم يكن يحب الخوض في المسائل الجدلية يحب أن يسير سيرة السلف في مثل هذه القضية ليحمل الناس على التوحيد السهل الذي لا يتعمق في البحث والجدل .وبهذه الطريقة كان دخول الناس في الإسلام في أول الأمر حتى اختلطوا بغيرهم واختلط بهم الغير. ولم يكن الإمام ممن يشركون أهل القبلة بالمعاصي حتى وصل أمرهم إلى حد التشبيه إذا كان ذلك بتأويل ،وروي عنه أنه لما قيل له :إن مقاتل بن سليمان يقول :إن االله خلق آدم على صورته ،قال الإمام :كذب مقاتل ولم يزد على ذلك بحيث اعتبره متأولا ،ولم يشركه لأنه أخطأ في التأويل فقط. ومن هذا المنطلق فإنه كان يتوقف عن الخوض في فتن الصحابة الكرام؛ وذلك لأن الخوض في هذه المسائل يؤدي بصاحبه إلى إصدار حكم عليهم من غير تثبت ،ومن رأيه الكف عن فتن الصحابة؛ لأن للأوائل أقوالهم وأعمالهم التي شاهدوها وحكموا فيها .إنما هم صحابة وتابعون ونحن نسمع ونكف ولا نصوب باطلا ،ولا نبطل ح قا ﴿ ÖÕ Ô Ó Ò Ñ Ð ÏÎ Í Ì Ë × ] ﴾ Û Ú Ù Øالبقرة.[١٤١ : والباب الثالث عنوانه» :فقه الإمام أبي عبيدة« .ويتضمن الباب مبحثين: الأول» :تكوين الإمام أبي عبيدة الفقهي« .يذكر المؤلف أنه قد اجتمع الإمام أبو عبيدة بجمع من الصحابة ،وقد جاء ذلك في روايته في الجامع الصحيح، كثيرا منهم ،وسمعهم ونقل عنهم. إذ ذكر أنه لقي 349الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وفقهه )١٤٥ - ٤٥ه( نادرا وإلا ورحل أبو عبيدة إلى الحجاز ولم ينقطع عن موسم الحج إلا عندما أقعده المرض آخر عمره ،كما سافر إلى مدن العراق الأخرى ،فكان وبعد النظر وعمق الفهم في القضايا الفقهيةلذلك أثر في اكتسابه العلم والفقه المطروحة يومئذ على ساحة النظر والعمل بالعراق ،وكان لذلك أثر في نظره في الأدلة الفقهية وتطبيقاتها. شيوخا مخصوصين ،فأخذ عنهم الحديثومع هذا فقد لازم أبو عبيدة والفقه وعلوم العربية أكثر من غيرهم. ويتناول المؤلف مكانة الإمام أبي عبيدة بين فقهاء الإباضية حيث تبوأ علما وقيادة بعد وفاة شيخه جابر بن أبو عبيدة مركز الزعامة في أهل الدعوة زيد ،ولذلك جعله صاحب الطبقات أول رجال الخمسين الأولى من المائة الثانية؛ وذلك لأنه اشتهر بين أقرانه بالعلم والفتوى والقيام بشؤون الدعوة والإصلاح ،وهذا لا ينافي قيامه بالدعوة قبل ذلك؛ ولذلك سجنه الحجاج ،ولم يخرج إلا بعد موت الحجاج. وإنما سجنه لعلمه بالدور الذي كان يقوم به في قيادة أهل الدعوة المعارضين للحكم الأموي الوراثي ،ولمكانته بين معاصريه ولو لم يكن كذلك لما سجنه الحجاج ،ولأنه قد خشي جانبه ،ويظهر من هذا أنه قد قام بدور التعليم والدعوة قبل موت شيخه جابر ،ولعل سجنه كان عندما نفى الحجاج إلى عمان. فأبو عبيدة من أكبر علماء الإباضية في عصره ،بل كان أكبرهم وأفقههم، وله قدرة فائقة على تنظيم الدعوة في مرحلته السرية المبكرة ،فاستطاع بذلك أن يواصل مسيرة العمل الذي أرسى قواعده مشايخ أهل الدعوة القدامى. وقد أوكل إليه الدعوة الإباضية في جميع الأمور المتعلقة بالدين والفتوى، يردون إليه الفتوى ويعلمهم أمور الدين ،وقد أخذ أهل خراسان والسند و عمان مائة كتاب إباضي350 والمغرب ومصر وغيرها من الإباضية بأقواله ،إلا أنهم قد يطرحون أقواله في بعض المسائل. ذكرا ومع أن فقه الإمام أبي عبيدة منتشر بين الإباضية إلا أنك لا تجد له في كتب غيرهم ،ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنه من الإباضية؛ بل من رؤسائهم؛ إذ إن كل من ينسب إلى هذه الفرقة من الناس يومئذ تطرح روايته، ويبتعد عن الأخذ به. ونقل فقه الإمام أبي عبيدة من بعده عن طريق تلاميذه الذين حملوا عنه العلم من مشارقة ومغاربة ،وعن طريق أجوبته للاستفتاءات التي توجه إليه وحفظها المستفتون غير التلاميذ في كثير من الأقطار الإسلامية. ولا يوجد لأبي عبيدة فقه مصنف منظم من تأليفه هو بنفسه ،وذلك أمر موجودا ولكن لم يعثر عليه ،كما لم يعثر طبيعي في تلك الفترة ،ولعله كان على فقه مصنف لكثير من التابعين .وهناك عدة احتمالات لعدم وصول شيء من تأليف أبي عبيدة إلينا ،إن كان ثمة تأليف له ،وهي: ١ لعل أبا عبيدة وهو يدرس في غار في الأرض خوفا من بطش الأمويين، لم يكن يرغب في الكتابة في تلك الحقبة خوفا من العثور عليها وتقطيعها والتنكيل بصاحبها. ٢ لعل أبا عبيدة قد أثر عنه فقه مؤلف ،ولكنه ضاع مع ما ضاع من التراث الذي خلفه أهل الدعوة بالبصرة عندما أحرقت مكتبة بغداد العظيمة ،أو أنه أتلف قبل ذلك لأجل إذهاب ما تبقى للإباضية من تراث في ذلك القطر. ٣ أنه كان مشغولا عن التأليف والكتابة ببث الروح الإسلامية وتفقيه الطلبة الذين أصبحوا فيما بعد حملة للعلم إلى المشرق والمغرب ،وقاموا هم وتأليفا.تدريسا ودعوة بدورهم بنقل ما حملهم إياه من أمانة إلى الناس 351الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وفقهه )١٤٥ - ٤٥ه( ٤ أن أبا عبيدة كان عنده نسخة من ديوان شيخه أبي الشعثاء المتوفى عام ٩٣ه ،وكان يرجع إليه ويغترف من الآثار الموجودة فيه ،وتعفف خصوصا وأن الإباضية كان كثير منهم يهربون مننفسه عن التأليف، التأليف خوفا من طلب الشهرة ،فرأى أبو عبيدة أن القيام بأمر الدعوة أهم من التأليف. أما الفقه المدون الذي وصل إلينا فكان عن طريق تلاميذه فقط ،ما عدا رسالته في الزكاة إلى أهل المغرب .وجد بعضه في »الجامع الصحيح« للإمام الربيع بن حبيب ،و»مدونة أبي غانم بشر بن غانم الخراساني« ،وكتاب »النكاح« لأبي سعيد عبد االله بن عبد العزيز وله آثار كثيرة مبثوثة في كتب الإباضية. يعبر عن فقهه ،ذلك لأنها من تعبيره أما رسالته في الزكاة فهي أصدق شيء بنفسه ،وهي جواب إلى أهل المغرب في الزكاة والخراج وغيرهما. إن فقه الإمام أبي عبيدة يتسم بشيء من الاحتياط في كثير من المسائل الفقهية بجانب الأمور العقائدية ،ذلك لأنه كان يعيش بالعراق وهو معروف بكثرة نزعاته العقائدية والفكرية وبالاجتهادات الفقهية ،كما أنه موطن مدرسة مجتمعا الرأي ،فكان من حكمة هذا الإمام أن يكون المجتمع الإباضي هناك متشددا إلى أبعد الحدود ،وقد استعمل سلاح الولاية والبراءة فيمتماسك ا الدين بين الإباضية لئلا تؤثر فيهم الأهواء والنزعات الموجودة بالعراق ،فصار كما أراد ،وقد أخذ بالاحتياط في كثير من المسائل الفقهية سواء في العبادات أو المعاملات أو الجنايات أو غيرها ،وكان فيه شيء من التشدد في الفتوى. ويعرض المبحث الثاني من الباب الثالث» :منهج الإمام أبي عبيدة الفقهي« وقد اعتمد منهجه على أمور أربعة :الأول :أخذه بالقرآن الكريم ،والثاني :موقفه السنة النبوية التي يرى فيها أنها تستقل بحكم تشريعي جديد ،كتحريم غيرمن  الأم والأخت من الرضاعة ،وأخذه بخبر الآحاد الموثوق بهم ،ولا يفرق بين مائة كتاب إباضي352 السنة الثلاثة :القولية ،والفعلية ،والتقريرية في وجوب الأخذ والاحتجاج أنواع  بها ،ولكننا نجده في بعض الأحيان لا يوجب العمل بالحديث إذا اعتبر فيه الخصوصية بالنبي ژ .والأمر الثالث :موقفه من الإجماع ،وهو حجة عنده، وليس إجماع قوم أولى بالعمل من إجماع قوم آخر ،والأمر الرابع :موقفه من والسنة أو الإجماع أو القياس :فالإمام أبو عبيدة يبحث عن الدليل من الكتاب قول الصحابي مثلا ،فإذا لم يجد استعمل القياس ،وقد ظهر ذلك في فقهه ومسلك تلاميذه. وفرع عليها فرو عا ،وذلك أما المصلحة المرسلة فقد اعتنى بها أبو عبيدة كأخذه بفعل عمر بن الخطاب 3في تفضيل أهل الفضل في الدين والفقه، والسبق إلى الإسلام ،ومناصرة الرسول ژ وأهل النكاية للعدو في الزكاة والفيء وغيرهما؛ لأن في ذلك إعزاز للإسلام وأهله. ومن الأدلة التي يأخذ بها الإمام أبو عبيدة »الاستصحاب« ،ومعناه :الحكم كثيرا من العمل بهذا المبدأ. بالبراءة الأصلية ،وباستقراء فقه الإمام نجد ومن الاستدلال الذي يستعمله الإمام أبو عبيدة في كثير من مسائل الفقه مباحا ،ولكنه يكرهه أوالعلمية ما يسمى :ب»سد الذرائع« وهو أن يكون الأمر استنادا إلى دليل آخر يؤدي إلى ابتعاده عن المفاسد يبلغ الأمر به إلى التحريم  سدا للذريعة التي تؤدي إلى المفسدة. أما الباب الرابع والأخير فهو عن» :آراء الإمام أبي عبيدة الفقهية« ،ويضم هذا الباب مبحثين :الأول :خلافه مع الفقهاء .والخلاف أمر طبيعي بين الفقهاء، السنة والوثوق بها .وقد سمع وكان اختلافهم من أجل اختلافهم في استيعاب  بعض الصحابة ما لم يسمعه الآخرون ،وأدى ذلك إلى الاختلاف في العمل والرأي بلا شك ،كما أن مدارك العقول والأفهام بين فقهاء الصحابة والتابعين جدا أن تتفاوت عقول الناس فيومن بعدهم قد تفاوتت؛ لأنه من الضروري 353الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وفقهه )١٤٥ - ٤٥ه( الإدراك ،إذ لو كانت متساوية لم تكن هناك حاجة إلى التفكير؛ لأن النتيجة في هذا واحدة. من هذا المنطلق نجد الإمام أبا عبيدة كغيره من الفقهاء قد اتفق في معظم المسائل مع سلفه ،ولكنه قد يخالفهم في بعضها ،وهكذا فقد يقع الخلاف بين الصحابة في المسألة الواحدة ،فمثلا خلاف الصحابيين :ابن عباس ،وابن عمر وكلاهما تتلمذ عليهما شيخه جابر في قبض الحق من الغريم والمكاتب والوضع عنهما حيث أجازه ابن عباس وكرهه ابن عمر ،وأخذ الإمام بقول ابن عمر في المكاتب. ولهذا نجده قد اختلف مع شيخه جابر في بعض المسائل ،كما اختلف مع غيره من الإباضية غيرهم ،وخالفه تلاميذه في مسائل أخرى. بعضا من آراء أبي عبيدة الفقهية من خلال رسالتهويعرض المبحث الثاني تعبر عن العلاقة الوثيقة بين الإمامفي الزكاة إلى أهل المغرب .وهذه الرسالة أبي عبيدة وأهل المغرب )شمال إفريقيا( ،وذلك يدل على ارتباط إباضية المغرب منذ العهد المبكر بأئمة الإباضية في البصرة ،وفي مقدمتهم الإمام أبو عبيدة. وتحتوي هذه الرسالة على ثماني وأربعين مسألة ،موزعة على ثلاثة أنواع: ففيما تجب فيه الزكاة خمس مسائل فقط ،وفي جمعها ست مسائل ،وبقية المسائل وهي سبع وثلاثون فيمن تعطى له الزكاة. 354 »dƒ°UC’G √ôμah »fÓLQGƒdG ܃≤©j ƒHCG »dGõ ̈dG óeÉM »HCÉH áfQÉ≤e ƒLÉH ídÉ°U øH ≈Ø£°üe سلسلة دراسات ،وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان ،ط،١ ١٤١٥ه١٩٩٥/م. عدد الصفحات ٥٥٠ :صفحة يتكون الكتاب من مقدمة ،وبابين ،وخاتمة .ويتناول هذا الكتاب مقارنة بين ع لمين من أعلام الفكر الإسلامي :الأول هو أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني )٥٧٠ - ٥٠٠ه( ،وقد خ لف تراثا متنو عا شمل أغلب فروع المعرفة والسنة وأصول الدين ،والفقه ،والفلسفة ،والمنطق،في عصره من علوم القرآن مغمورا قرابة عشرة قرون. والحساب ،والجغرافيا ،والتاريخ .وقد ظل تراثه ويعتبر كتابه» :العدل والإنصاف« إلى الآن أقدم مؤلف مستقل في أصول الفقه عند الإباضية .بينما نجد المؤلفات السابقة له تتناول مسائل الأصول متفرقة في معلما ها ما في تطور علم الأصولكتب العقيدة والفقه .ولذلك غدا هذا الكتاب لدى هذه المدرسة .وتبوأ منزلة متميزة بين نتاجها الفكري ،كما نال عناية خاصة عند أعلامها. والمفكر الثاني هو »الإمام أبو حامد الغزالي« صاحب كتاب» :المستصفى من علم الأصول« .وقد حظي الغزالي وكتابه في مجال علم الأصول بمكانة فريدا في مؤلفات هذا العلم .كما يعتبر ممن أكلموانموذجا كبيرة .بل يعد نتاجه بناء مدرسة المتكلمين في أصول الفقه مما جعل كتابه »المستصفى« عمدة ومصدرا أساس يا لكثير من المؤلفات التي أعقبته وكتبت على منهج المتكلمين. وقد عاش الوارجلاني )٥٧٠ - ٥٠٠ه( والغزالي )٥٠٥ - ٤٥٠ه( 355أبو يعقوب الوارجلاني وفكره الأصولي مقارنة بأبي حامد الغزالي متقاربين في الزمن .وعاصرا أحداثا متشابهة في الساحة السياسية والفكرية للمجتمع الإسلامي؛ مما جعل المقارنة بينهما عملا يكشف عن مدى التقارب أو التباين في معالجة قضايا الساحة من خلال أهم العلوم الإسلامية ،وهو علم أصول الفقه. تهتم الدراسة بعرض عصر الوارجلاني وشخصيته ،وتحليل آرائه الأصولية من خلال كتابه» :العدل والإنصاف في معرفة أصول الفقه والاختلاف« وعقد مقارنة مع آراء أبي حامد الغزالي الأصولية من خلال كتابه» :المستصفى من علم الأصول«. يتناول الباب الأول الجانب التاريخي ،ويشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول :عن عصر الوارجلاني في نواحيه السياسية والدينية والاجتماعية والعمرانية والعلمية. ينتمي أبو يعقوب الوارجلاني إلى المذهب الإباضي الذي ساد في وارجلان .وقد ارتبط تاريخها في العصر الإسلامي بهذا المذهب منذ دخوله بلاد المغرب. وينسب المذهب الإباضي إلى عبد االله إباض التميمي .وهي نسبة غير قياسية ،إذ إن الإمام الحقيقي الذي وضع قواعد الفقه والاجتهاد لهذه المدرسة هو التابعي جابر بن زيد الأزدي ،تلميذ ابن عباس وغيره من الصحابة الكرام. وقد سمى الإباضية أنفسهم أهل الدعوة وأهل الاستقامة ،ولكنهم رضوا في الأخير بالأمر الواقع من تسميتهم بالإباضية .وظهر ذلك لأول مرة في كتبهم أواخر القرن الثالث الهجري. نظرا وينكر الإباضية حشر أصحاب المقالات لهم في زمرة الخوارج للاختلافات الأساسية بين الطرفين .وقد تبرأ أئمتهم من الخوارج ومنكراتهم، مائة كتاب إباضي356 مر القرون ،وهم يعتبرون الخروج الواردولكن تهمة الخروج لصقت بهم على خروجا دين يا بمعنى المروق من الدين ،وهو ما ينطبق علىفي الأحاديث النبوية أفاعيل الأزارقة والنجدات من تكفير المسلمين ،واستحلال دمائهم وأموالهم. أما الخروج بالمفهوم السياسي ،وهو الخروج عن طاعة السلطان ،فإن الإباضية اعتزلوا الإمام عل يا بعد مساومته معاوية في ح ق ثابت وبيعة صحيحة. كما أنه لا ينحصر هذا في فئة دون أخرى؛ إذ ينطبق على طلحة والزبير وقد خرجا على إمام شرعي وبيعة في أعناقهما .كما أن معاوية كان قد نازع الإمام عل يا في بيعة صحيحة ،وأعقب ذلك فتن عمياء أودت بحياة الصحابة. أما عن آراء الإباضية ،فإنهم يتفقون مع المذاهب الأخرى في اعتماد مصادر واحدة في العقيدة والفقه والاجتهاد. اعتمادا على في العقيدة :يعرض المؤلف أهم آراء الإباضية في العقيدة كتاب »الإباضية« للشيخ علي يحيى معمر ،مبي نا أن الأصل العام في العقيدة عندهم هو التنزيه المطلق للباري ج ل وعلا ،وكل ما أوهم التشبيه من آية قرآنية أو سنة ثابتة وجب تأويله بما يناسب المقام بلا تعطيل ولا تمثيل. كما يعرض آراءهم السياسية القائمة على أن عقد الإمامة فريضة بفرض االله، والقيام بالعدل وأخذ الحقوق من موضعها ووضعها في مواضعها ومجاهدة والسنة .وأن رئاسة الدولة الإسلامية العدو مما يستدل عليه من الكتاب )الخلافة( ليست مقصورة على قريش أو العرب وإنما يراعى فيها الكفاءة المطلقة ،ولا يحل الخروج على الإمام العادل. والفصل الثاني :عن شخصية الوارجلاني :نشأته ،ورحلاته ،وآثاره الموجود منها والمفقود ،ونظرته إلى بعض العلوم. فقد برع الوارجلاني في عدد من العلوم ،منها: 357أبو يعقوب الوارجلاني وفكره الأصولي مقارنة بأبي حامد الغزالي أ التفسير: تفسيرا للقرآن الكريم وصف بأنه» :كتاب عجيب ،تجاوزترك أبو يعقوب سبعمائة ورقة« فيه تفسير الفاتحة والبقرة وآل عمران .سلك فيه منهج الجمع بين المنقول والمعقول. ب الحديث :وله فيه: ١ ترتيب المسند تناول الوارجلاني كتاب» :مسند الإمام الربيع بن حبيب« فأعاد ترتيبه وفق أبواب الفقه .وكان الكتاب مشتملا في الأصل على جزأين ،و عرف بعنوان: »ترتيب المسند«. ٢ رسالة حول رجال المسند اهتم أبو يعقوب بعلم الحديث ورجاله أيام دراسته بالأندلس ،وقرأ بقرطبة جملة من كتب الحديث .ووضع رسالته للتعريف برجال مسند الربيع وشيوخهم وتلامذتهم .ولكنها في عداد آثاره المفقودة. ج أصول الفقه: ألف أبو يعقوب في أصول الفقه كتابه المسمى» :العدل والإنصاف في معرفة أصول الفقه والاختلاف« .ويقع في ثلاثة أجزاء ،وقد حظي بعناية خاصة من علماء الإباضية ،فتناوله بالشرح والاختصار. د الفقه: كتابا في الفقه ،لم يذكر عنوانه أو محتواه أو نقلت الأخبار أن للوارجلاني حجمه ،وهل هو مختصر أم بسيط أم مبسوط؟ ه أصول الدين وعلم الكلام: اهتم الوارجلاني بميدان أصول الدين ،فأ لف في الفقه ،لم يذكر عنوانه مائة كتاب إباضي358 كاملا »الدليل الأهل لأهل العقول لباغي السبيل بنور الدليل وتحقيق مذهب الحق بالبرهان والصدق« ويقع في ثلاثة أجزاء .ناقش فيه قضايا علم الكلام بطريقة جدلية متماسكة ،أظهر بها خصائص المدرسة الإباضية بصورة واضحة. والكتاب أشبه بصورة مصغرة لدائرة معارف إسلامية لعصر الوارجلاني. كتابا عنوانه» :الاقتصاد في الاعتقاد« في أصول الدين في وذكر الوارجلاني »الدليل والبرهان« ،ولم يعثر لهذا الكتاب على ذكر آخر أو أثر. و الفلسفة: له فيها: ١ كتاب» :مرج البحرين« وهو كتاب في علم المنطق والحساب والهندسة ،وهذه العلوم كانت في ذلك الحين في عداد مواضيع الفلسفة. ٢ كتاب» :مروج الذهب« والسير: ز التاريخ ينسب للوارجلاني كتاب بعنوان» :فتوح المغرب«. هذا بالإضافة إلى بعض العلوم الأخرى. أجل علوم الشريعة ،وهووقد وصف الوارجلاني علم الفقه بأنه» :من دستور المسلم في حياته اليومية وعلاقاته الفردية والجماعية ،وقد أثنى االله عليه ودعا إليه وذم جهله«. ولكن الوارجلاني نعى على الناس انحرافهم في فهم الفقه الحقيقي، وانصرافهم إلى مسائل استخرجوها من وراء الفقه ،كمسائل الظهار والإجارات والبيوع والمحيض والنفاس والطلاق ،وجعلوها أصول الدين وعلوم الأولين. 359أبو يعقوب الوارجلاني وفكره الأصولي مقارنة بأبي حامد الغزالي حوارا هادفا بين أما علم الكلام ،فيرى أبو يعقوب أن الأصل فيه أن يكون أهل التوحيد فيما يتعلق بصفات االله وكمالاته ،ونفي النقائص عنه ،وما يليق في حقه وما لا يليق ،ولكن علماء الكلام لم يلتزموا بهذا الخط ،فانتقد عليهم تحويلهم مجرى هذا العلم إلى مناظرة الدهريين. أما الفلسفة والمنطق ،فهو يرى أن آراء الفلاسفة ليست على صعيد واحد، ولا تصطبغ كلها بالحق ،وإنما دعا إلى التفريق بين حقهم وباطلهم ،فلم يكن متعصبا ضدها فيطرحها كلية ،بل كانمعجبا بالفلسفة فيمجدها بما فيها ،ولا موقفه وس طا .متمثلا فيه قوله ژ » :الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها«. أمرا ضروريا ،لأنه وعلى صعيد آخر فإن الوارجلاني يرى دراسة المنطق وسيلة إيضاح الحق بالقياس الصحيح المؤيد بالبرهان الصحيح ،ليكون المرء على ثقة ويقين من نفسه. وقد خاطب االله 8العقول البشرية بالأدلة العقلية ،ويفسر أبو يعقوب الميزان في قوله تعالى] ﴾ ] \ ﴿ :الرحمن [٧ :بأنه المنطق العقلي، ويرى أن البرهان المنطقي هو رأس العلم وغيره من العلوم فروعه ،وأنه أصل علوم العقلاء. وقد تناول الوارجلاني علم التصوف ،وكانت نظرته إليه تتسم بالواقعية والاعتدال ،فهو ينكر مظاهر الشطحات التي ابتدعها كثير من الصوفية ،ويقر التصوف النقي الذي مثله بحق وصدق الصحابة والتابعين ،ومن قبلهم الرسول ژ في تواضعه وكثرة تأمله في خلق االله ،وصلته الشديدة باالله في الرخاء والبلاء. وقد مدح أبو يعقوب التصوف ،ودعا إليه أحد إخوانه في رسالة له ،مبي نا له سبيل الارتقاء الروحي ،والصفاء النفسي ،واستعمل مصطلحات مثل :النظر، والتذكر ،والتفكر ،والتبصر. مائة كتاب إباضي360 والفصل الثالث :حول كتاب» :العدل والإنصاف« ،محتواه ومنهجه ،ومنزلته بين الإنتاج الأصولي في عصره ،والأعمال التي تتابعت عليه ،ثم المقارنة بينه وبين »المستصفى« ودواعيها ،مع نبذة عن الغزالي وكتابه ومنهجه وخصائصه. وقد انتهج الوارجلاني في كتابه طريقة العدل والإنصاف ،ودعا إلى الموازين التي وضعها االله بين خلقه ،وهي» :كتبه المنزلة ،وأنبياؤه المرسلة، والأولياء المحدثة ،والحواس المطبوعة المسخرة ،والعقول المضيئة المنورة«. فمن وزن بهذه الموازين وعدل ،وتحر الصدق ولم يمل فاز ونجا. كما انتهج أبو يعقوب في مؤلفه الجمع بين المنقول والمعقول لمعرفة الحق وقبوله .وميزان ذلك كله ما أرشد إليه بقوله» :وعول على الأصول التي اجتمعت عليها الأمة« .وهذا منهج دقيق للكشف عن الحقيقة ،لم يتوصل إليه مؤخرا. علماء الغرب إلا مجتنبا والوارجلاني في عرضه لمسائل الكتاب سلك مسلك ا وس طا، عرضا شاملا؛الإسهاب الممل والاختصار المخل .وعرض قضايا الأصول مواز نا ومقار نا بين الآراء ،ومبد يا وجهة نظره فيها حسب ما تأيد لديه ،ورجح بالحجة والدليل. وواضح من خلال سرد محتويات الكتاب أن ثمة عدة قضايا شغلت فكره، جانبا فركز عليها بصفة خاصة ،مثل قضية إنكار الظاهرية للقياس ،إذ أولاها مفندا آراء النفاة ،ومدللا على صحة نظر المثبتين .ولعل مهما في باب القياس  انعكاسا للجدل الذي وجده في الأندلسهذا الموقف من أبي يعقوب كان حول هذا الموضوع بين الظاهرية وخصومهم. كما ركز في مباحث وضوح الألفاظ وخفائها ،وبالتحديد في فصل بعيدا عن أصول الفقه،الظاهر والباطن ،وقد يبدو هذا الموضوع لأول وهلة إلا أن الوارجلاني أراد توظيف قواعد هذا العلم في خدمة الفكر الإسلامي 361أبو يعقوب الوارجلاني وفكره الأصولي مقارنة بأبي حامد الغزالي الصحيح .واستغلاله في معالجة واقع الأمة .فأنحى باللائمة على الباطنية، رأسا على عقب بانتهاكوفند مزاعمهم وآراءهم الشاذة .وقلبهم للشريعة الحرمات واستحلال المحرمات. أيضا للفريق المقابل ،وهم غلاة المشبهة الذين حملوا نصوصوتصدى القرآن على ظاهرها كلها ،وفسروا آيات الصفات بما يعقلونه من أنفسهم وأجسامهم ،فضلوا وأضلوا. جهدا في ربط المسائل الأصولية بجذورها العقدية.ولم يأ ل أبو يعقوب نظرا للترابط الوثيق بين أصول الفقه وأصول الدين .ومثال ذلك قضية التحسين والتقبيح وعلاقتها بالمصالح في التشريع ،فأفردها بمباحث تفصيلية مهمة. وربط كذلك مباحث الحكم الشرعي ،أو الأحكام الخمسة المتعلقة بأفعال العبادة بأصول الدين ،وذلك بالتمهيد لها بحديث عن أفعال المكلفين ،وقضية الجبر والاختيار ،ومناقشة آراء الفرق الإسلامية ،وبخاصة المعتزلة. وعلى نفس المنهج سار في مسائل اللغات والكلام ،وفي الأمر والنهي، والتبليغ وغيرها .كما حرص على تنزيل قضايا الأصول على أرض الواقع واضحا في مسائل الاجتهاد ،فلم يقف عند تعريفوالتطبيق ،وتجلى ذلك الاجتهاد وتحديد مجالاته ،بل أورد نماذج عديدة لقضايا اجتهادية مهمة، حظا ضئيلا من اجتهادات الفقهاءوكثير منها تتعلق بالفقه السياسي الذي نال  رئيسا للنكسات العديدة سببا عبر التاريخ الإسلامي ،وكان ضمور هذا الفقه التي لا زال المسلمون يتجرعون عواقبها .وقد أدلى أبو يعقوب في هذا المجال بآراء مهمة. أما عن أهمية الكتاب بين علم أصول الفقه ،فيشير المؤلف إلى أن علم أصول الفقه هو منهج الاستنباط وقانون فهم النصوص .وقواعد هذا المنهج لم تكن قد تحددت بشكل واضح في الصدر الأول من تاريخ المسلمين .وذلك مائة كتاب إباضي362 أن الصحابة @ كانوا قد أغنتهم ملكتهم اللسانية ومعاينتهم للتنزيل وسيرة الرسول عن الحاجة إلى وضع قواعد للفقه والاجتهاد. وهذا لا يعني غياب المنهج عنهم حين ممارستهم علمية الاجتهاد ،بل المنهج موجود في تفكيرهم فطرة وفي لسانهم سليقة ،شأنه شأن الأصول البدهية من المعارف الأساسية الأولى. ومع تطور الحياة واتساع أرض الإسلام ،وتشعب القضايا المطروحة أمام الفقهاء أخذت ملامح هذا المنهج في التمييز ،وذلك بعد خطوات من الرصد وأخيرا تمت صياغتها وتقعيدها. تم اكتشاف هذه الملامح وبمجيء القرنين الخامس والسادس للهجرة تهيأ لهذا العلم لفيف من أعلام الفكر الإسلامي المتخصصين ،فأوجدوا نشا طا أصول يا لا يضارعه نشاط وتدريسا. في مجال الدراسات الإسلامية تأليفا وقد اتسم الإنتاج الأصولي في هذه الفترة بمميزات عديدة ،منها: ١ وفرة هذا الإنتاج وغزارته وعمقه .وكان الاختلاف حول بعض الموضوعات كحجية الاستحسان ،وأحاديث الآحاد ،وقولي الصحابي، سببا في احتكاك الأفكار وتنشيط حركة النقد الذي كانوحجية القياس ، عصب هذه الانطلاقة الفكرية. ٢ تركيز هذا النقد الأصولي على الألفاظ والمعاني على السواء. غالبا. ٣ اتصاف هذا النقد بالموضوعية والتجرد ٤ ظهور نواة التأليف في علم أصول الفقه المقارن ،حيث تعرض مختلف آراء المذاهب. ٥ ظهور مؤلفات أصولية في أغلب المذاهب الفقهية ترتكز على أصول إمام المذهب ،وتقرير رأيه ومنهجه في الاستنباط والتفريع. 363أبو يعقوب الوارجلاني وفكره الأصولي مقارنة بأبي حامد الغزالي والتوسع فيها ،وهي أدخل تضمن علم الأصول لموضوعات فرعية كثيرة،٦ باللغة ،والجدل والكلام ،كما تأثر بالمنطق ،فلم تخل منه حتى مؤلفات الحنابلة السلفيين. ٧ اعتبار إنتاج هذا العصر أخصب وأحسن ما كتبه علماء الأصول .وأن هذه المرحلة فترة ذهبية في تاريخ علم الأصول. هذا عن الباب الأول .أما عن الباب الثاني ،فهو مخصص لآراء الوارجلاني الأصولية مع مقارنتها بصورة متوازية بآراء الغزالي من خلال أربعة فصول: الفصل الأول :في الحكم الشرعي ،تعريفه وأركانه ،واختار المؤلف بعض مباحث هذه الأركان ،مثل قضية التحسين والتقبيح ،وما ترتب عنها من مسائل فرعية ،وبعض أنواع الواجب ،والتكليف بما لا يطاق وغيرها. والسنة والإجماع والقياس والفصل الثاني :عن أدلة الأحكام من الكتاب وبعض المصادر التبعية كالاستصحاب والاستحسان. والفصل الثالث :حول استنباط الأحكام .ومنهج الوارجلاني في تفسير النصوص في وضوحها وحقائقها وعمومها وخصوصها ،وغير ذلك من قواعد الفقه والاستنباط. والفصل الرابع :عن تعارض الأدلة والاجتهاد ،من خلال بيان حقيقة التعارض بين الأدلة وطرق إزالته ،من أهمها معرفة الناسخ والمنسوخ ،وبيان مجاله ،وب م يقع الفسخ. وختم المؤلف الفصل بمبحث عن الاجتهاد وشروطه ومجالاته ،والآراء حول الصواب والخطأ في الاجتهاد. وفي الخاتمة يعرض المؤلف أوجه المقارنة بين آراء الوارجلاني وآراء الغزالي ،ويكشف عن مواطن الاتفاق ونقاط الاختلاف بين الرجلين ،وهي: مائة كتاب إباضي364 ١ بينت دراسة آراء أبي يعقوب أصالة فكره الأصولي ،فبرغم اعتبار كتابه ضمن نتاج مدرسة المتكلمين ،فإنه كان لا يتحرر من إبداء رأيه وإن السنة خالف هذا العالم أو ذاك الاتجاه ،إذ يوافق الحنفية في تقسيمهم  إلى متواترة ومشهورة وأحادية ،وفي حجية الاستحسان ،كما يخالفهم في موقفا وس طا بين المعتزلة إنكارهم حجية مفهوم المخالفة .ويقف والأشاعرة في قضية التحسين والتقبيح. كما ينفرد الوارجلاني بآراء غير مرضية من الجميع ،مثل إنكاره كون مأمورا به ،وغير ذلك من مسائل ب ين البحث رأي الوارجلانيالمندوب فيها ،وما كان محل وفاق أو خلاف بينه وبين العلماء. ٢ يمكن تصنيف كتاب» :العدل والإنصاف« في دائرة كتب علم الأصول المقارن التي لم تكن تلتزم حرفية قواعد مذهب فقهي بعينه .وإنما تورد الأقوال وتعتمد ما رجح بالدليل. والاتجاه إلى المقارنة في مختلف فروع العلوم الإسلامية ضرورة تستوجبها الدراسة النقدية الواعية لتراثنا الفكري بغية الاستفادة المثلى من هذا التراث ،وإزالة الجفوة التي اصطنعتها ظروف السياسة والتاريخ بين أبناء الأمة الإسلامية. ٣ عمل أبو يعقوب على تأصيل كثير من القضايا الاجتهادية في الفقه الإسلامي بعامة والإباضي بخاصة ،مثل مسالك الدين وأحكامها التي تعتبر خطوات عملية لإقامة الإمامة العادلة. ٤ اتفاق الوارجلاني والغزالي على ضرورة ربط قضايا الأصول بالواقع المعيش، وتوظيفها لمعالجة المشاكل المطروحة على الساحة الفكرية والاجتماعية في العالم الإسلامي .ومن ذلك تناولهما لقضية استشراء الفكر الباطني ،والسعي للحد من خطره على البناء العقدي والسلوكي للمجتمع الإسلامي 365أبو يعقوب الوارجلاني وفكره الأصولي مقارنة بأبي حامد الغزالي موقفا وس طا من قضية إدخال المنطق إلى علم ٥ وقوف الوارجلاني الأصول ،رغم انتصاره للفكرة مبدأ فإنه أخذ جوهر المنطق وهو استعمال عموما ،دون المبالغة في إدراج اصطلاحات المناطقةالاستدلال العقلي في شتى المسائل الأصولية. بينما كان الغزالي أبعد من ذلك ،إذ اعتمد آلة المنطق في معظم مباحثه معتبرا قواعده مقدمة مهمة لكل العلوم ،ومن لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه. نموذجا لتمازج علم الأصول ٦ يعتبر كتابا» :العدل والإنصاف« ،و»المستصفى« وعلم الكلام ،وتداخل قضاياهما في كثير من الأحيان؛ مما أنتج خلافات بين الأصوليين لا صلة لها بمباحث الفقه وميادين الاجتهاد التشريعي. وتجلى هذا التداخل في مسائل عديدة تناولها كل من الوارجلاني والغزالي بفعل اشتغالهما بعلم الكلام؛ مما كان له أثر في كتاباتهما الأصولية. وأبرز مثال على ذلك الخلاف حول حقيقة كلام االله تعالى في معرض الحديث عن الأمر والنهي ،والحال أن الموضوع الأساسي هو دلالة الأمر والنهي على الأحكام ،وأثرهما في أفعال المكلفين من عبادات ومعاملات. ٧ كشفت هذه الدراسة عن كثير من أخلاق العلماء التي حظي بها أبو يعقوب وأبو حامد من أمانة في العلم ،وإنصاف للخصم ،وعمق في مطلبا. البحث ،وأدب في الحوار ،وذلك شأن من لا يبتغي وراء الحق ٨ يمكن اعتبار الوارجلاني بإنتاجه المتنوع ،وبخاصة كتابه» :العدل شاهدا على الحركة العلمية البسيطة التي ازدهرت بوارجلانوالإنصاف« حية لكثير من القضايا الفكرية خلال القرن السادس الهجري ،وصورة والسياسية في العالم الإسلامي في ذلك العصر. 366 á`ÑFÉ ̈dG á≤«≤ëdGh êQGƒ`îdG »©HÉ°ùdG ó«©°S øH ¿Éa«∏°S øH ô°UÉf مسقط سلطنة عمان ،ط١٤٢٠ ،١ه١٩٩٩/م. عدد الصفحات ٤٥٢ :صفحة يتكون الكتاب من :مقدمة ،وبابين .يشير المؤلف في المقدمة إلى أن الكتاب يتناول دراسة واحدة من أقدم الفرق التي برزت على ساحة المجتمع الإسلامي، وكان لها أثر كبير في الحركة السياسية في القرن الهجري الأول ،وهي فرقة الخوارج. وهذه الدراسة تعالج الصلة بين الفئة التي أطلق عليها في التاريخ اسم الخوارج وبين ما رددته كتب التاريخ والفرق ،وغيرها من الأمور المنسوبة إليهم ،والأحكام الصادرة فيهم من ق بل الفئات الإسلامية الأخرى ،وذلك من خلال دراسة مصداقية الدعوى المبنية على أن تلك الأحكام إنما هي نص شرعي جرى على لسان الرسول الكريم ژ . أيضا إلى أهم الأسباب التي دفعته إلى تأليفويشير المؤلف في المقدمة هذه الدراسة ،ومنها: ١ اعتبار بعض المذاهب فرقة الخوارج مارقة من الدين ،بدعوى أنها أنبأ عنها النبي ژ ،رغم استمساكهم الشديد بأحكام الدين ،مما يستدعي وقفة متأنية. ٢ استناد كثير من المذاهب في إصدار الحكم على الخوارج على نصوص نبوية تستدعي بناء على المعطيات التاريخية والقواعد الحديثية إعادة النظر الفاحص في أسانيدها ومتونها. 367الخوارج والحقيقة الغائبة ٣ القسوة من الطوائف الإسلامية على أهل النهروان الذين اعتزلوا الإمام علي بن أبي طالب بعد معركة صفين والذين يراهم مخالفوهم أصلا ممن سموا بالخوارج ووصفوهم بالبلادة والبداوة والفهم الظاهر للنصوص دون التعمق في معانيها ،مع ثبوت وجود أهل الرأي فيهم، وقوة موقفهم في الانفصال. يبدأ المؤلف في الباب الأول بتحليل المصادر والمراجع ذات العلاقة بالقسم التاريخي ،ثم بتمهيد سريع عن الأحداث التاريخية قبل معركة صفين، حيث عاش المسلمون في كنف رسول االله ژ حياة كريمة نعموا فيها بخير عهد من العدل والمساواة والإخاء والوحدة إلى أن أتم االله النعمة وأكمل الدين لهذه الأمة الكريمة. فلما قبض النبي ژ كانت أول محنة تواجه المسلمين هي خلافة الرسول ژ في رئاسة الدولة الإسلامية ،وأسس اختيار الخليفة .ووفق المسلمون إلى اختيار أبي بكر الصديق أول خليفة في الإسلام .وفي خلافته قضى على حركة الارتداد ،ثم خلفه عمر بن الخطاب ،فقام بإدارة شئون الدولة خير قيام وضرب المثل الرائع بحزمه وعدالته ،ومضى عهده دون أن يحدث شقاق بين المسلمين. وبعده بويع لذي النورين عثمان بن عفان الذي سلك مسلك صاحبيه من قبله: صدرا من خلافته ،حتى ظهرت بوادرأبي بكر ،وعمر ،ومضى الأمر على ذلك صريعا على أيدي أولئك الناقمين. الفتنة ،واستفحل خطرها إلى أن سقط الخليفة عقب هذه الحادثة بويع لعلي بن أبي طالب ،ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم ،فشرع في إصلاح أمور الدولة وإعادة النظام والاستقرار إليها ،وبينما هو كذلك إذ بطلحة بن عبيد االله والزبير بن العوام تصحبهما عائشة أم المؤمنين يتجهون نحو البصرة معلنين الطلب بدم عثمان ،والقصاص من قتله. مائة كتاب إباضي368 كرم االله وجهه أن يحل القضية سلم يا ،ولكن ما لبثعلي  حاول الإمام أن نشبت بين الفريقين حرب الجمل التي كان ضحيتها كلا من طلحة والزبير، ورجعت عائشة إلى المدينة .غير أنه ما كادت تهدأ تلك الثائرة حتى أعلن معاوية بن أبي سفيان مواصلة دعوى الطلب بدم عثمان. علي عزله عن ولاية الشام عندما ولي الخلافة ،فرفض معاويةوقد كان الإمام علي الرضوخ لهذا الأمر حتى يقتص للخليفة عثمان حسب زعمه .وحاول الإمام جهده لإخماد ثائرة أهل الشام بقيادة معاوية ،فأرسل إليه الرسل بغية تفادي الفتنة وردعه عن شق عصا المسلمين ومخالفة الخليفة الشرعي ولكن دون جدوى. علي كرم االله وجهه المواجهة ،فزحف من العراق باتجاهوأخيرا قرر الإمام الشام ضمن سلسلة من المحن أول حلقاتها تمرد معاوية على خليفة المسلمين. ويشتمل هذا الباب على فصلين :الفصل الأول عن أهل النهروان ،ويبحث القضايا المهمة ذات العلاقة بهم :المبحث الأول في العرض التاريخي لأحداث اعتزالهم إلى النهروان ،والمبحث الثاني في ذكر الصحابة الذين ورد أنهم كانوا ضمن معارضي التحكيم ،والمبحث الثالث في بيان موقف معارضي التحكيم منه .أما المبحث الرابع فيبحث في أهم قضيتين نسبتا إلى أهل النهروان ،وهما التكفير والاستعراض ،ومحاولة معرفة وجه الصحة في هذه النسبة من خلال الروايات التاريخية وغيرها. أما الفصل الثاني فإنه منصب على الخوارج ،حيث تناول المبحث الأول متى ظهر مصطلح الخوارج ،والمبحث الثاني عبارة عن محاولة لتحديد معنى عرضا لأشهر الآراء المنسوبة إلى ثابت لهذا المصطلح ،وشمل المبحث الثالث المجموعة المسماة تاريخ يا بالخوارج ،وشمل المبحث الرابع بيان الفرق الكبرى المشهورة التي تحسب على الخوارج وبيان حقيقة انتمائها إليهم مع إغفال الفرق الأخرى التي يصعب الاطمئنان إلى وجودها. 369الخوارج والحقيقة الغائبة ويذكر المؤلف أن لفظ الخوارج ذو شهرة واسعة تكثر من استعماله كتب التاريخ والفرق القديمة والحديثة ،ويتردد هذا المصطلح بوفرة عند إيراد الأحداث المبتدئة من رفع المصاحف في صفين .وبدأ بروز مصطلح الخوارج في سنة اثنتين وسبعين ،وقد استعمل الأزارقة هذا المصطلح في الفترة المذكورة. ولفظ الخوارج جمع تكسير لكلمة خارجية ،ولا يبعد أن يراد بالخوارج جمع خارجي من جهة المعنى ،وحينئذ فهو منسوب إلى خارجة ،وإن كان صرف يا يجمع خارجي على خارجين. حدا للفظ الخوارج يمكن من خلاله تصنيف فكروقلما يوجد من وضع  معين على أنه فكر خارجي .ويتفق عدد وافر من الباحثين على أن الخوارج هم علي في حروراء والنهروان ،ومن انتمى إليهم فيما بعد«،»الذين خرجوا على ويفهم من ضم أهل النهروان معوهذا هو أشهر ما يوجد في تعريف الخوارج . من أطلق عليهم الخوارج كالأزارقة والنجدات وغيرهم ممن ينتسب إلى أهل النهروان في نسق واحد أن الجامع بينهم أمران :الخروج على الأئمة ،وتكفير المخالفين ومرتكبي الكبائر. ويبدو أن كلمة الخوارج لم تقتصر في أحيان أخرى على الخارجين على الإمام الحق ،بل أصبحت مع التوسع في الاستعمال تطلق على من يخرج على السلطان أو يثور على الدولة. أما الآراء المنسوبة إلى الخوارج فيتفق عدد من المصادر على أن رأي واحدا منذ أن فارقوا الإمام عل يا إلى أن افترقوا عام أربعة وستين المحكمة كان من الهجرة بعد مشاركتهم عبد االله بن الزبير في الدفاع عن مكة المكرمة حين حاصرها يزيد بن معاوية في عام ثلاثة وستين من الهجرة. أما الآراء التي تنسب إلى من سموا بالخوارج عامة فهي: مائة كتاب إباضي370 ١ رفض التحكيم وصحة نسبة هذا القول إلى من سموا بالخوارج صحيحة وواضحة ،فإن علي، التحكيم هو الأساس الذي انطلق منه أهل النهروان في مخالفتهم للإمام وأما من خرج بعدهم فواضح من خلال عباراتهم وأشعارهم إنكارهم التحكيم ورفضه؛ ولذا يسمى هؤلاء بالمحكمة. ٢ جواز أن تكون الإمامة في غير قريش وقد نسب إليهم أنهم أول من أجاز أن يكون إمام المسلمين من غير قريش، إماما، ويبدو أن هذا مأخوذ من مبايعة أهل النهروان عبد االله بن وهب الراسبي وهو من الأزد. إلا أن الحقيقة التاريخية تأبى أن يكون القول بعدم اشتراط القرشية مبتدأ من قبل أهل النهروان ،بل هو أقدم من ذلك .وبقطع النظر عن مدى شرعية هذا القول ،فإن منطلق الحكمة في ذلك هو مبدأ الشورى الذي جاءت رسالة السماء العالمية لتؤكد حق كل فرد في تحديد مصير الأمة من خلال ممارسة هذا المبدأ العظيم ،ومبدأ »الناس سواسية« الذي أعلنته خطبة النبي ژ في حجة الوداع، فكانوا يرون أن الخلافة حق لكل مسلم مادام كف ئا لا فرق في ذلك بين قرشي وغير قرشي. ٣ الاستعراض وتعد ظاهرة »الاستعراض« من أخطر الظواهر التي اتصف بها الخوارج. والاستعراض هو القتل بلا وجه شرعي يبيحه ،وقد كثرت نسبة هذا الفعل إلى أهل النهروان .وكثر التركيز على أنه السبب المباشر لمعركة النهروان بين جملة علي. من معارضي التحكيم ،وبين الإمام ولا شك أن الاستعراض أمر فظيع تتجلى فيه وحشية كاسرة ،وتتخلى فيه 371الخوارج والحقيقة الغائبة النفس البشرية عن إنسانيتها بسبب عدوانها على نفس بريئة ،وقد قال االله تعالى: ﴿!"0/.-,+*)('&%$# : 9 8 7 6 5 4 3 2 1 ; ﴾ ]المائدة .[٣٢ :ب ي د أن نسبة الاستعراض إلى المحكمة عامة أو انفرادهم به أو ابتدائهم فعله مسألة فيها نظر. وينبغي بادئ الأمر التفرقة بين الخروج الذي كان سمة لكل من سموا بالخوارج وبين الاستعراض .فقد يوجد خروج ولا يوجد استعراض ،وليس الخروج شكلا من أشكال الاستعراض؛ لأن الخروج بمعنى الانقلاب في حد غالبا لا يتم إلا ذاته لا يهدف إلى القتل ،بل إلى تغير وضع معين ،وإن كان بحد السنان ،ولا مراء أن هذه النتيجة اضطرارية ،لأنه إن تحقق الغرض من الخروج بغير مواجهة فلا تحل قطرة دم واحدة تسيل من نفس مؤمنة. وملف المحكمة في مسألة الخروج كان في أغلبه من هذا القبيل ،وما كان من إراقة الدماء ،إنما حدث نتيجة المواجهات بينهم وبين بني أمية وأتباعهم. أما الاستعراض فكان حالات تكاد أن تكون فردية شاذة .وليس في تاريخ الذين سموا بالخوارج ما يدينهم كلهم لا سيما المحكمة في مسألة الاستعراض انتقاما .إن اتهام المحكمة بمقتل إدانة صريحة ،إذ كان الأمر إما مواجهة أو الإمام علي يعتوره شكوك جمة ،ويحيط به إشكالات عديدة. ٤ الخروج على الإمام الجائر منحصرا فيمن ذكروا في التاريخ في عداد ومبدأ الخروج على الجورة ليس الخروج ،فإنه سمة عامة للقرن الأول الهجري .واتفاق المحكمة أو الخوارج مع غيرهم في مبدأ الخروج وتطبيقه يدعو إلى البحث عن أسباب الخروج، فإن الخروج نفسه في هذه الحال لا يختلف من شخص إلى آخر أو من فرقة إلى أخرى. مائة كتاب إباضي372 وكاف لثورةوفي الحوادث التي ارتكبها بنو أمية وولاتهم سبب مقنع جميع التيارات عليهم ،وأقرب مثال لسبب يجمع بين التيارات المختلفة في التصدي لبني أمية هو الدفاع عن الكعبة المشرفة حين توجه جيش يزيد بن معاوية إليها بعد موقعة الحرة لقتل عبد االله بن الزبير بمكة ،فقد اشترك معه كل من المحكمة والمختار بن عبيد الثقفي .كما يروى أن النجاشي أرسل مائتي رجل من الحبشة إلى ابن الزبير للدفاع عن الكعبة. وأفعال بني أمية وولاتهم تفسير لبعض ما يروى عن الخوارج أنهم خرجوا منكرين للجور والظلم ،ولذلك كان من السهل أن ينضم إليهم عدد من الناس كما فعل الأزد عندما مالوا إلى نجدة بن عامر الحنفي في البحرين. وهذه النتيجة منطقية ،وإذا كان التطرف إزاء سياسات القمع أمر محتمل الوقوع فلا علاقة للخروج بما يحدث فيه أحيا نا من الاستعراض ،فإن شرعية الخروج لا تعني شرعية الاستعراض والتطرف. ٥ التكفير ويندرج تحته كل ما ورد من إطلاق الذين ينسبون إلى الخوارج الكفر على مرتكب الكبيرة أو المخالف أو على بعض الصحابة الذين يقف بعضهم موقفا ما .إلا أنه من الأهمية القصوى تحديد معنى الكفر ،فإنه يشمل كفرمنهم النعمة وكفر الملة. أما الكفر الذي يراد به كفر النعمة فإنه لا يعدو المعصية التي هي دون الشرك ،أي :التي لا يخرج مرتكبها عن نطاق الإسلام .وإطلاق الكفر على مطلق وبناء على هذا والسنة النبوية. المعصية اصطلاح شرعي دل عليه الكتاب العزيز فإن مجرد استعمال الكفر لا ينبغي أن يفسر على أنه كفر الملة المقتضي لخروج الموصوف به من الإسلام حتى يدل على تخصيصه أمر صريح. 373الخوارج والحقيقة الغائبة هذا ،وقد تكرر القول بأن أول من حكم بالشرك أو الكفر الملي هو شرخا نافع بن الأزرق ،وهذا الرأي هو الذي أحدث في صفوف المحكمة وأوجد فيما بينهم فرقا .أما قبل نافع فلا يتعين حمل الكفر في صفوف المحكمة على كفر الشرك ما دام الأمر محتملا ،وإلا لساغ أن تحمل عليه كل النصوص الشرعية .وهذا ما لا يتأتى. وفي الحقيقة من الممكن أن نعد القول بتشريك المخالفين أو التكفير الملي ميزة للخوارج .وأما ما يوجد عن كثير من المؤرخين من تسمية أهل النهروان ومن انتسب إليهم بالخوارج فبالنظر إلى عزو هذا الأمر إليهم ،وإذ قد ثبت نفيه عنهم ،فإن من المعقول أن يحصر الخوارج فيمن تحققت فيه تلك الصفة وهو التشريك أو التكفير المخرج من الملة. عددا من الفرق ،وتدرج تحت كل وتنسب كتب المقالات إلى الخوارج عددا آخر من المنشقين عليها أو المتفرعين عنها .ويقتصر المؤلف فيفرقة كتابه هذا على ذكر الفرق الكبرى المشهورة ،وهي :الأزارقة ،والنجدات، والصفرية ،والإباضية التي جعلها الأشعري أصلا لجميع الخوارج. أ الأزارقة وهم المنسوبون إلى نافع بن الأزرق ،وقد شهد نافع الدفاع عن مكة المكرمة مع ابن الزبير ،وكان ممن عاد إلى البصرة ثم خرج إلى الأهواز مع بعض أصحابه ،و تجمع المصادر على أن نافع بن الأزرق هو الذي انتحل مسألة التشريك وابتدأ أمرها ،ورتب على ذلك وجوب الهجرة من دار المخالفين، وكل ما يتعلق بالمشركين من أحكام التعامل معهم. ومما أحدثه نافع استحلال الأمانة وقتل الأطفال وقطع عذر من قعد عن الخروج لقتال الجورة ،واستحلال السبي والغنيمة ،واستعراض المخالفين، أيضا. ويبدو أن هذا كله مبني على الحكم بالشرك ،كما نسب إليهم إنكار الرجم مائة كتاب إباضي374 ب النجدات أو النجدية نسبة إلى نجدة بن عامر الحنفي الذي ثار باليمامة بعد مقتل الحسين بن علي ،وحج نجدة بأصحابه في السنة التي حوصر فيها ابن الزبير ،فلما هجم جيش الأمويين على مكة شارك نجدة في الذب عنها. نافعا في الحكم بالتشريك وما ترتبوتورد المصادر أمر نجدة ،وأنه تابع عليه ،ما عدا قطع عذر القعدة عن القتال وقتل الأطفال واستحلال الأمانة ،وما عدا جواز المناكحة وأكل ذبائح المخالفين .وتنسب إليهم بعض المصادر إجازة الموارثة ،لكن الذي في سيرة سالم بن ذكوان عكس ذلك. ج الصفرية أتباع عبد االله بن الصفار ،وكان ضمن المشاركين مع ابن الزبير في قتال جيش بني أمية ،ثم رجع إلى البصرة ،ولم يخرج مع نافع إلى الأهواز. وبعد أن اعتنق نافع مبدأ التشريك كان عبد االله بن صفار ممن بعث إليه نافعا في أمور ،غير أنه نافع .وتذكر بعض المصادر أن ابن الصفار خالف لا تحدد المصادر نوعية تلك المخالفة. والذي يظهر أن الاتفاق بين عبد االله بن صفار والإباضية إنما هو في أمر القعود عن الخروج ،وهي المسألة التي خالف فيها نافع بن الأزرق. وينسب إلى الصفرية عين ما نسب إلى النجدات من إباحتهم المناكحة والموارثة بينهم وبين مخالفيهم ،وأكل ذبائحهم ،وعدم قتل الأطفال والنساء، أيضا الصلاة وراءوعذر القعدة ،وتضيف بعض المصادر أن الصفرية أجازوا مخالفيهم ،والحج معهم. د الإباضية وهم المنسوبون إلى عبد االله بن إباض التميمي .وكان ممن شارك أصحابه 375الخوارج والحقيقة الغائبة في الذب عن الكعبة ،ثم عاد إلى البصرة .ولم يخرج مع نافع إلى الأهواز ،ثم كان ممن كتب إليه نافع ،فخالفه عبد االله. من خلال ما مضى يتبين أن الفرق الثلاث :الأزارقة ،والنجدات ،والصفرية تتبنى القول بأن محاربيهم مشركون ،ويرتبون على ذلك ما يترتب على حرب المشرك ،ويستثنى من ذلك بعض ما يختلفون فيه. أما الإباضية فتمثل تيار المحكمة السابق على الافتراق .وفيما يتصل بفرقة تماما مع معظم آراء الأزارقة ،وقد أعلن الإباضية فإن عقائدها تتعارض عبد االله بن إباض تبرؤه من قضية التشريك ،وأن أمر المعصية لا يتجاوز كفر والسنة ،وهذا هو ما تثبته بعض المصادر النعمة التي دلت عليه نصوص الكتاب الأخرى ،إذ ذكرت أن إطلاق الإباضية الكفر على الموحدين العصاة لا يتجاوز كفر النعمة الذي لم يحرم المناكحة والموارثة. ونجد المفاضلة بين الخوارج والإباضية في نصوص علماء الإباضية الأوائل ،بالإضافة إلى كلام عبد االله بن إباض .فهذا جابر بن زيد الإمام المنظر للمذهب الإباضي يخرج إلى الخوارج فيناظرهم في قضية استحلال دماء المخالفين ،ومن أقدم ما يبرز آراء الإباضية المخالفين لآراء الخوارج سيرة معبرا عن سالم بن ذكوان التي خصها لمناقشة آراء الخوارج .فقد أعلن الإباضية تبرؤه من القضايا التي تبناها الأزراقة وأمثالهم. أما الباب الثاني فإنه اختص بالدراسة لكل النصوص المنسوبة إلى النبي ژ الواردة في الخوارج ،سواء النصوص الصريحة أو النصوص المؤولة فيهم. وقد اجتمع من تلك النصوص ثمانية ،خصصت الدراسة لكل واحد منها فصلا في ثلاثة مباحث :الأول في تخريج الحديث ،والثاني في دراسة أسانيده، والثالث في دراسة المتن. مائة كتاب إباضي376 ومن هذه الأحاديث: ١ حديث المروق ،حديث صحيح ثبت عن عشرة طرق عن الصحابة. ويمكن أن يحمل حديث المروق على الخوارج الذين ظهروا بعد عام أربعة وستين من الهجرة ،وذلك لانطباقه على صفاتهم المتمثلة في كثرة العبادة مع الانحراف في توجيه بعض الآيات والنصوص الشرعية المتعلقة بالمشركين تجعلها متوجهة إلى أهل القبلة ،فيرتب عليه استباحة القتل مصداقا لقوله ژ في بعض ألفاظ هذا الحديث» :يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان« .وينسحب هذا الحكم على كل من يتبنى قديما وحديثا. الفكر الخارجي ٢ حديث المخدج لا يصح عن رسول االله ژ ،وهو زيادة شاذة. ٣ حديث شيطان الردهة حديث منكر. ٤ حديث المتعبد حديث ضعيف. ٥ حديث الإمام علي» :لقد علمت عائشة بنت أبي بكر أن أهل النهروان ملعونون على لسان محمد ژ « حديث ضعيف. ٦ حديث الإمام علي» :أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين« حديث موضوع. ٧ حديث» :تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق« ،صحت بعض أسانيده ،لكنه غير صريح في قوم مخصوصين. وأما إن حمل على أهل النهروان فلا يصح بالزيادة ،والصحيح منه بلفظ »لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة«. ٨ حديث» :الخوارج كلاب النار« لا يصح رفعه إلى رسول االله ژ ،والأقرب أنه موقوف على أبي أمامة الباهلي. ويذكر المؤلف أن أهل النهروان ومعارضي التحكيم الذي قيل عنهم ما قيل 377الخوارج والحقيقة الغائبة طوال القرون الغابرة ،والذين طالما شوهت حقيقتهم وما لهم من ظلم الفرق الأخرى ومن حيف كثير من المؤرخين والكتاب الشيء الكثير ،كانوا في الحقيقة طلاب حق أصابوه ،وإن قيل عنهم غير ذلك ،وقد جرت الأمور على ما توقعوه .والمتأمل في المجريات التاريخية يتبين له صدق هذه النتيجة ،ولا غرابة في ذلك ،فقد كانوا من أهل الفضل والعلم ،وكان فيهم جملة من أصحاب رسول االله ژ ،بل تدل بعض الروايات على أن فيهم السن الأول من أصحاب رسول االله ژ ؛ أي :الأقدمين منهم. كما وصفوا بأنهم أصحاب البرانس والسواري ،وفي ذلك دلالة واضحة على لقبا اتصافهم بنعوت الخير والتقى والزهد في الحياة ،ووصفوا بالقراء الذي كان للعلماء والفقهاء يومئذ ،وقد ذكر عن ابن عباس ما يكفي للتأكيد على صحة هذا الوصف .فقد قال لعتاب بن الأعور التغلبي أحد معارضي التحكيم» :إني أراك عالما بما قد فصلت ووصلت« ،الأمر الذي دعا راوي القصة إلى وصفهقار ئا للقرآن ، بقوله» :كأنما ينزع بحاجته من القرآن في سورة واحدة«. وبناء عليه فلا مجال لقبول تأويل حديث المروق الصحيح أو غيره فيهم. وقد بان جل يا أن حديث المخدج الذي يقتضي أن يراد به أهل النهروان غير ثابت ،بل حكمت عليه السيدة عائشة #بأنه مكذوب على النبي ژ . أيضا أنهم بريئون من وصمة الخوارج التي تلصق بهم ،والأمركما تجلى نفسه يجري على نهجهم دون غلو ولا شطط كما هو حال الأزارقة والنجدات والصفرية الذين حكموا على مخالفيهم بالشرك والكفر الم خرج من الملة. ورغم ذلك فإن ما ينسب إلى النبي ژ من الأحاديث التي تنص على الذين سموا بالخوارج أو تشير إليهم لا يثبت ،وليس كل ما يروى في الخوارج يكون صحيحا ،وذلك كالأحاديث التي مرت من قبل ،كمثل حديث» :الخوارج كلاب النار« الصريح بلفظه ،فلا يصح أن يكون من كلام خير البشر ژ الذي لا ينطق عن الهوى ،وقد أوتي جوامع الكلم وأفانين البلاغة. مائة كتاب إباضي378 ومن الجدير الإشارة إليه أن مثل هذه الروايات تأتي ضمن الحملة التي شنها الأمويون ضد أهل النهروان وأتباعهم والخوارج والمنسوبين إليهم ،فقد اتخذوا أساليب عدة للتشنيع عليهم وتشويه صورتهم تجاوزت إلى الأحلام. وأما ما ورد عن الصحابة أو بعضهم من ذم الخوارج الأزارقة والنجدات والصفرية فلا يدخل ضمن تلك الحملة ،فإنما قالوا بالحق ،ونطقوا بالصدق. حجما وصدور بعض ألفاظ الذم منهم في حق أناس بعينهم يعطيه بعض الرواة نصا شرع يا. أكبر ليصير ذلك بعد فترة من الزمن  ويضاف إلى هذه الظاهرة وهي ظهور روايات ضد مخالفي السلطة الأموية أو غيرهم الحديث المكذوب على رسول االله ژ » :المرجئة والقدرية والروافض والخوارج يسلب منهم ربع التوحيد ،فيلقون االله 8 كفارا خالدين مخلدين في النار«. رواه ابن الجوزي في الموضوعات ،وقال» :هذا حديث موضوع على رسول االله ژ «. ويقاس على هذا الأمر ما يوجد من الروايات في حق التيارات التي خاضت غمار الصراع السياسي في أدوار التاريخ المتقدمة .ويشمل الأمر الأمويين أنفسهم .فقد وضعت فيهم وفي غيرهم من الذين كانوا يحكمون بمنطق السيف سببا لاختلافهم.روايات لا تصح عن النبي ژ ،كان ذلك المنطق المتعسف وهذا شأن جميع الفرق المنتسبة إلى الإسلام ،الل ه م إلا الذين أطلق عليهم الخوارج ،فقد كانوا أبعد الناس عن الكذب على عامة البشر .فكيف بالكذب على رسول االله ژ .وهذا أمر يشهد به الكل ،ويعترف به الجميع ،وتقره الدراسات .ومن أبسط الأمثلة عليه وأقربها قول ابن تيمية في حق الذين سموا بالخوارج» :لا يعرف فيهم من يكذب« ،وقوله» :ليسوا ممن يتعمدون الكذب، بل هم معروفون بالصدق حتى يقال :إن حديثهم من أصح الحديث«. وهذا الكتاب أحد الدراسات الحديثة التي حاولت أن تصحح وجهة نظر 379الخوارج والحقيقة الغائبة عدد من الدراسات الحديثة الأخرى التي انطلق مؤلفوها من مسلمات لا تقبل النقاش؛ ولذلك فإن النتائج جاءت متكررة ومتشابهة ،مما احتاج إلى إعادة النظر في هذه المسلمات ،كقضية الكفر التي حملت من غير معارضي التحكيم على أن المراد به مطلقا الخروج من الإسلام. ومثل الخلط بين الخوارج الأزارقة ومن نحا نحوهم ،وبين أهل النهروان ،كما أن من الإشكاليات الاقتصار على بعض الروايات دون اللجوء إلى روايات أخرى وأيضا فإن غياب مصادر الإباضية عن ساحةأمرا. متوارية لعلها تحدث بعد ذلك عدد من الدراسات أفقدتها التوازن المنهجي في دراسة كثير من هذه القضايا ،لأن كتب الإباضية تمثل وجهة نظر أهل النهروان تمام التمثيل ،وإن كانت لا تعكس وجهة نظر الفرق الأخرى المنسوبة إلى الخوارج :كالأزارقة ،والنجدات ،والصفرية. بالإضافة إلى الاعتماد على روايات خصوم الخوارج بالدرجة الأولى. السنية والشيعية تحمل على يقول د .محمود إسماعيل» :وإذا كانت المصادر  بني أمية ،وتزيف أخبارهم فإن حملتها على الخوارج أشد وأنكر ،فهم كفرة مارقون يجب بترهم«. ولذا حرص هذا الكتاب على تتبع كل ما ورد في الخوارج من روايات وأقوال العلماء في أسانيدها وتوجيهاتهم لمتونها من خلال منهج استقرائي مقارن. وقد تمت المقارنة بين كتب المذاهب المتعددة سواء منها كتب الحديث والرجال والفرق ،أو ما يتعلق بإثبات الحوادث التاريخية بالاعتماد على القرائن لا على دراسة أسانيدها كأن تتفق كل المصادر على حادثة ما .وأما الأحاديث النبوية فلا يقبل فيها إلا صحة السند في المقام الأول ،ثم خلو المتن من الشذوذ والعلة. ولذا يرى المؤلف أن دراسته هذه محاولة لتصحيح القراءة المغلوطة للتراث الخارجي بوجه عام ،وللتراث الإباضي بوجه خاص ،وتصحيح كثير من الأحكام الصادرة فيهم من قبيل الفرق الإسلامية الأخرى. 380 ...ƒ∏¡ÑdG »a«∏°ùdG ácôH øHG ΩÉeE’G )(Ω972/`g362 ä áfQÉ≤e á°SGQO ` zTMeÉédG{ :¬HÉàc ∫ÓN øe á«°VÉHE’G á°SQóadG »a »¡≤ØdG √QhOh زهران بن خميس بن محمد المسعودي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية سلطنة عمان ،ط١٤٢١ ،١ه٢٠٠٠/م. عدد الصفحات ٥١٦ :صفحة أصل هذا الكتاب أطروحة لاستكمال مرحلة الماجستير في »الفقه وأصوله« بجامعة آل البيت بالمملكة الأردنية. يتكون الكتاب من مقدمة ،وتمهيد ،وبابين ،وخاتمة .يشير المؤلف في خطرا ذكرا وأج لها قدرا ،وأرفعها نفعا ،وأشرفها أجل العلوم المقدمة إلى أن من علم الفقه في الدين ،الذي تعرف به مواطن الحلال والحرام ،ويقف المتمكن فيه على أسرار ومزايا شريعة الإسلام. ولقد برز في المحيط الإسلامي مدارس فقهية عديدة ،أغنت هذا الجانب دونه جهابذة العلماء فيها من كنوز فقهية أظهروا بها جمال الشريعة الخالدةبما في ثوب قشيب ،وأبرزوا مزاياها الرفيعة في صنع عجيب. تعتبر المدرسة الفقهية الإباضية متمثلة في كيانها وتصوراتها واحدة من أوائل المدارس الفقهية الإسلامية المعروفة ،والتي كانت جميعها روافد خصبة، وثمرة جهد متواصل طيلة القرون الماضية حتى عصرنا الحاضر. لقد ظهر في المدرسة الفقهية الإباضية رجال فقهاء بارزون حبسوا أنفسهم للعلم والعمل به ،وواصلوا جهودهم لإخراج كنوز فقهية ،كتب لبعضها البقاء حتى اليوم ،ولحق بعضها الضياع والفناء. 381الإمام ابن بركة السليمي البهلوي )ت ٣٦٢ه٩٧٢/م( عد الإمام ابن بركة من أشهر الفقهاء البارزين في المدرسة الإباضية فيوي  القرن الرابع الهجري من خلال أعماله وكتبه الفقهية ،ومن بينها كتاب: »الجامع« ،وكان له دور بارز في إبراز معالم الفقه من خلال تصورات ونظرة المدرسة الإباضية ظل له صدى في الحياة العلمية والعملية عند مختلف سائر فقهاء هذه المدرسة على اختلاف بيئاتهم ومجتمعاتهم حتى عصرنا الحاضر. وتحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على دور الإمام ابن بركة وجهده الفقهي في المدرسة الإباضية من خلال كتابه» :الجامع«. إن المدرسة الفقهية الإباضية التي كانت من أوائل المدارس الفقهية بروز ا في الواقع كانت وما زالت لها دورها البارز في إثراء الفقه الإسلامي ،وهذه الدراسة تتناول أحد أعلام هذه المدرسة الفقهية الإسلامية ،وتعطي صورة واضحة لمعالم هذه المدرسة وتراثها الفقهي ،وتبرز مدى التقارب بينها وبين المدارس الفقهية الإسلامية. جميعا رغم تنوع وتعدد مذاهبها تلتقي في ول ما كانت المدارس الفقهية الخطوط العريضة العامة للفقه الإسلامي لوحدة المصادر التي استخدمت فيها هذه المدارس الفقهية بشكل عام ،كان لا بد من محاولة الربط بين آراء وتصورات الإمام ابن بركة الفقهية وآراء فقهاء المذاهب الإسلامية الأخرى، وهو ما حاولت هذه الدراسة أن تقوم به. يتناول المؤلف في التمهيد »نشأة المذهب الإباضي ومدرسته الفقهية«. تعتبر المدرسة الإباضية الفقهية إحدى المدارس الإسلامية ،ومع أن المذهب نظرا إلى مواقفه السياسية التي الإباضي جاءت نسبته إلى عبد االله بن إباض ، مؤسسا حقيق يا اشتهر بها إلا أن أتباع هذا المذهب يرون في الإمام جابر بن زيد لهذا المذهب ومدرسته الفقهية. كان الإمام جابر بن زيد أزديا عمان يا من قبيلة اليحمد ،ولد ما بين عام مائة كتاب إباضي382 ثمانية عشر وعام اثنين وعشرين للهجرة في بلدة »فرق« من أعمال ولاية لعمان. »نزوى« حاضرة المنطقة الداخلية وقد هاجر الإمام جابر وهو في عنفوان شبابه إلى مدينة البصرة ،وأخذ طلبا للعلم والمعرفة على يد علماءيتردد ما بين البصرة والمدينة المنورة الصحابة الذين أدركهم ذلك الوقت. مرجعا ووصل الإمام جابر إلى منزلة علمية رفيعة جعلت الكثير يعتبرونه ومفتيا يؤمونه لمعرفة الأحكام الشرعية إزاء ما يستجد عندهم منيرجعون إليه، شئون دينهم ودنياهم ،وقصده تلاميذ عديدون للأخذ عنه. وزعيما لجماعة القعدة إماما وإلى جانب ذلك صار الإمام جابر بن زيد اعتمادا على نظره العميق، الذين صاروا يأخذون بمشورته ،ويصدرون عن رأيه واطلاعه الواسع في العلوم الدينية ،وخاصة ما يتعلق بالتفسير والحديث. سرا ،ويلقي تعليماته وقد أخذ الإمام جابر بن زيد يدبر أمر هذه الجماعة إليها خفية إمعا نا في التستر والتكتم خوفا من بطش ولاة الدولة الأموية. ووضع الإمام جابر بهذه الأعمال التي قام بها من رئاسة دينية حجر الأساس واللبنات الأولى في بناء صرح المدرسة الفقهية الإباضية ،ولم يمت جابر بن زيد إلا وغدت الدعوة الإباضية حركة إسلامية شاملة اجتذبت عناصر مختلفة من قبائل وأجناس شتى. وبعد وفاة الإمام جابر بن زيد عام ثلاثة وتسعين للهجرة انتقلت رئاسة المدرسة الإباضية إلى تلميذه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة الذي كان كبيرا ،ويعتبر أحد الشخصيات اللامعة في مجال التنظيمات السرية فيسياس يا تلك الحقبة. وقد وفد على الإمام أبي عبيدة الطلبة من المناطق التي وصلت إليها 383الإمام ابن بركة السليمي البهلوي )ت ٣٦٢ه٩٧٢/م( الدعوة الإباضية قبل ذلك ،فوفدت عليه تلامذة عمان وحضرموت والمغرب وخراسان وغيرها ،ودرسوا على يديه. وفي عهد الإمام أبي عبيدة ثم عهد تلميذه الإمام الربيع بن حبيب الذي خلفه في رئاسة المدرسة الإباضية بالبصرة انتشرت تعاليم المذهب الإباضي في البلاد ،والتي رجع إليها تلاميذهما .والذين أطلق عليهم لقب »حملة العلم«، فقد قام هؤلاء الرجال العلماء بدور كبير في نقل ثروة البصرة وغيرها الفقهية منها والعقدية ،وظهر للمدرسة الإباضية فقه متميز له قواعده وأصوله التي يعتمد عليها. ونظرا لتنقل الإمام جابر بن زيد وهو يطلب العلم بين البصرة والمدينة معا ،وتلقى طلبته عنه ذلك، المنورة ،وأخذه عن علماء الصحابة من البلدين صارت المدرسة الفقهية الإباضية مدرسة وسط ،تجمع بين مدرسة الحديث ومدرسة الرأي. ولهذا صارت مصادر التشريع عند المدرسة الفقهية الإباضية تتلخص فيما يلي: أولا :القرآن الكريم ،وهو قطعي الورود ،يشرك من رد شي ئا منه ،وأما دلالة لفظه فمنها ما هو قطعي الدلالة ،ومنها ما هو ظني الدلالة. وسنة السنة :وهي تنقسم على سبيل الإجمال إلى :سنة متواترة ،ثانيا : وسنة مستفيضة.أحادية ، ثالثا :الإجماع :وهو على قسمين :إجماع قولي؛ وهو حجة قطعية يفسق مخالفها .وإجماع سكوتي :وهو حجة ظنية غير قطعية ،فلا يفسق مخالفه. رابعا :القياس :وهذا المصدر مرتكز على الأصول الثلاثة التي قبله وهي: واحدا من هذه والسنة ،والإجماع ،ولذا فلا اعتداد بقياس خالفالكتاب، الأصول الثلاثة. مائة كتاب إباضي384 هذا بالإضافة إلى المصادر التبعية ،ويدخل تحت ذلك :الاستصحاب، والمصالح المرسلة ،والاستحسان ..وغيرها. دون الإماممبكرا عند فقهاء المدرسة الإباضية ،منذ أن وقد بدأ التدوين جابر بن زيد ديوانه حتى ظهر ابن بركة في القرن الرابع ،فأ لف كتابه» :الجامع« على نسق مغاير لما تقدمه من الكتب المعروفة بالجوامع. يتناول المؤلف في الباب الأول »الإمام ابن بركة وعصره« من خلال فصلين: الفصل الأول :عصر الإمام ابن بركة .ويشتمل على ثلاثة مباحث: بعمان في عصر الإمام ابن بركة.المبحث الأول :الحياة السياسية بعمان في عصر الإمام ابن بركة.المبحث الثاني :الحياة الاجتماعية بعمان في عصر الإمام ابن بركة.المبحث الثالث :الحياة العلمية فقد شهدت عمان في هذا العصر حركة علمية مزدهرة رغم ما قاسته من مركزا علم يا ،إذ كانت تحتضنحروب وفتن فيه .فقد كانت »صحار« آنذاك مدرسة أبي مالك غسان بن الخضر الصلاتي ،وكان الإمام ابن بركة أحد الطلبة مركزا علم يا آخر فيالوافدين لتلقي العلم في هذه المدرسة ،وكانت »نزوى« ذلك العصر ،إذ كانت تضم نخبة ممتازة من العلماء البارزين. بعمان في هذا العصر مدرستان علميتان هما :المدرسة النزوانية،وقد برزت والتي كان عميدها الإمام أبو سعيد الكدمي ،والمدرسة الرستاقية والتي كان عميدها الإمام ابن بركة .وتناولت كلتا المدرستين قضية عزل الإمام الصلت ابن مالك على يد موسى بن موسى ،ونتج عن ذلك كله تأصيل علمي دقيق لأحكام الولاية والبراءة والوقوف وأحكام الإمامة وموجبات عزل الإمام خاصة دون أبو سعيد الكدمي كتابه» :الاستقامة«،عند أصحاب المدرسة النزوانية ،إذ  385الإمام ابن بركة السليمي البهلوي )ت ٣٦٢ه٩٧٢/م( ومهد فيه قواعد وأصول الولاية والبراءة والوقوف .قابله علماء المدرسة الرستاقية بكتاب» :الموازنة« للإمام ابن بركة. ويعرض الفصل الثاني حياة الإمام ابن بركة من خلال مبحثين: المبحث الأول :حياته الشخصية. المبحث الثاني :حياته العلمية. أما الباب الثاني فعنوانه» :دور الإمام ابن بركة الفقهي في كتابه) :الجامع(«. ويشتمل هذا الباب على ثلاثة فصول: الفصل الأول :كتاب» :الجامع« ومنهجه فيه. الفصل الثاني :القواعد والضوابط الفقهية الواردة في كتاب» :الجامع« للإمام ابن بركة. واصطلاحا ،وتعريف ويبدأ المؤلف هذا الفصل بتعريف معنى »القاعدة« لغة واصطلاحا ،ثم بيان أهمية القواعد الفقهية ،والفرق بين القاعدة »الضابط« لغة الفقهية والقاعدة الأصولية. وقد حوى كتاب» :الجامع« للإمام ابن بركة شأنه في ذلك شأن غيره من كثيرا من القواعد والضوابط الفقهية، كتب الفقه الإسلامي في القرون الأولى جاءت مبثوثة فيه حسبما اقتضاه نظر مؤلفه واجتهاده في صياغة ألفاظها. فقد ذكر الإمام ابن بركة فرو عا فقهية تدخل تحت القاعدة المعروفة: »الضرورات تبيح المحظورات« وذكر فرو عا فقهية تدخل تحت القاعدة المعروفة» :المشقة تجلب التيسير«. كما أورد الإمام ابن بركة فرو عا فقهية تحت القاعدة المعروفة» :العادة يعبر عنها محكمة« وذكر فرو عا فقهية متشابهة يمكن إدراجها تحت قاعدة معينة مائة كتاب إباضي386 ب»كل تصرف صدر من غير أهله ،فنفاه متوقف على إجازة من له حق الإذن به« هذا بالإضافة إلى بعض الفروع الفقهية الدالة على بعض الضوابط الفقهية المعتبرة عنده ،وإن لم ينص على ألفاظها. ويلخص المؤلف استنتاجاته وملاحظاته العامة على القواعد والضوابط الفقهية الواردة عند الإمام ابن بركة من خلال كتابه» :الجامع« في الملاحظات التالية: أولا :أن القواعد والضوابط الفقهية جاءت عند الإمام ابن بركة في زمن بدأ خاصا في الظهور والبروز، طابعا فيه الكثير من القواعد والضوابط الفقهية يأخذ وإن لم يكن مظهره مكتملا بصورة واضحة يصل إلى حد النضج والفرز لهذا الفن من غيره من العلوم ،ففي هذا العصر وهو القرن الرابع الهجري بدأ بعض الفقهاء في جمع أهم القواعد والضوابط الفقهية. ثانيا :يعد الإمام ابن بركة من أوائل العلماء المساهمين في إبراز كثير من القواعد والضوابط الفقهية في الفقه الإسلامي. ومما يوضح ذلك أن الإمام ابن بركة جاء في كتابه» :الجامع« بقواعد كثيرا من القواعد والضوابط الفقهية وضوابط فقهية عديدة ترادف في معناها التي تم تهذيبها وتنقيحها في العصر الحاضر ،وإن اختلفت معها نسب يا في صياغة ألفاظها. ثالثا :يبدو من خلال الاستقراء والتتبع في مواطن ومواضع ورود هذه القواعد والضوابط الفقهية في كتاب» :الجامع« أن هناك عدة بواعث جعلت الإمام ابن بركة يقوم بصياغة هذه القواعد والضوابط الفقهية. ولعل من أهم هذه البواعث وأظهرها باعثين أساسيين ،هما: ١ إرشاد القارئ والمتعلم إلى أن الفروع الفقهية ،سواء كانت من باب واحد أو من أبواب متعددة ،إذا كانت متشابهة في ع لة واحدة جامعة بينها، 387الإمام ابن بركة السليمي البهلوي )ت ٣٦٢ه٩٧٢/م( واحدا تدخل تحته جميعها ،فإذا عرف القارئ أو المتعلمحكما فإنها تأخذ القاعدة أو الضابط الذي تدخل تحته جميع الفروع المتشابهة سهل عليه إعطاء كل فرع منها حكمه الفقهي المناسب له بإدخاله تحت القاعدة أو الضابط الفقهي الذي يعمه ويشمله. بعضا من القواعد والضوابط الفقهية أوردها الإمام ابن بركةرابعا :أن هناك في كتابه» :الجامع« أكثر من مرة بصيغ مختلفة لف ظا متفقة معنى. خامسا :أن هذه القواعد والضوابط الفقهية متنوعة في مصادرها ومأخذها من النصوص ،فمنها ما كان أصل بنائه ومأخذه من القرآن الكريم ،ومنها ما كان السنة النبوية ،ومنها ما حكى الإمام ابن بركة عليهأصل بنائه ومأخذه من  الإجماع من الأمة أو الاتفاق بين علماء المذهب الإباضي ،ومنها ما كان مصدره القياس. كثيرا من القواعد والضوابط الفقهية الواردة في كتاب: سادسا :أن هناك »الجامع« مقارن بآراء فقهاء المذاهب الإسلامية .كما عرض نماذج من الضوابط الفقهية مقارنة بآراء فقهاء المذاهب الإسلامية. ويقدم المؤلف في الفصل الثالث» :نماذج من الآراء الفقهية للإمام ابن بركة في كتابه» :الجامع«. ومن خلال هذا العرض لبعض آراء الإمام ابن بركة الفقهية ومقارنة ذلك بآراء فقهاء المذاهب الإسلامية يمكن للقارئ أن يقف من خلال ذلك على فائدتين: الأولى :الاطلاع على بعض اختيارات الإمام ابن بركة الفقهية في أهم أبواب الفقه ليقف على مدى إدراكه ووعيه الفقهي ،ومدى بعد نظره في فهم مقاصد الشريعة وسبر أسرارها. مائة كتاب إباضي388 ثانيا :موقع فقه الإمام ابن بركة بين فقه المدارس الإسلامية الأخرى. ويشتمل هذا الفصل على تسعة مباحث: المبحث الأول :فقه الطهارات. المبحث الثاني :فقه العبادات. المبحث الثالث :فقه الأيمان والنذور. المبحث الرابع :فقه الأطعمة والأشربة. المبحث الخامس :فقه الأحوال الشخصية. المبحث السادس :فقه العبادات. المبحث السابع :فقه الأحكام القضائية. المبحث الثامن :فقه الجنايات والحدود. ومن فقه الطهارات مسألة »حكم اغتسال الداخل في الإسلام« .ذهب الإمام ابن بركة إلى القول بوجوب الاغتسال على من أسلم من المشركين. وهذا القول هو مشهور مذهب كل من الإباضية والمالكية والحنابلة ،وهو مذهب بعض الإمامية ،وهو ظاهر مذهب الظاهرية ،واختاره الشوكاني. وهناك قول آخر :أن الغسل مستحب لمن أسلم من المشركين ،وإليه ذهب الحنفية والشافعية والزيدية ،وهو مذهب محمد بن محبوب من الإباضية، وبعض متأخري المالكية ،وبعض الحنابلة. واستثنى الحنفية والشافعية على الأصح منهم ما إذا كان الداخل للإسلام قد أجنب في شركه ،فإنه يلزمه الغسل حينئذ. جنبا في رمضان« وقدومن مسائل فقه العبادات »حكم صوم من أصبح اختلفت آراء الفقهاء في المسألة: 389الإمام ابن بركة السليمي البهلوي )ت ٣٦٢ه٩٧٢/م( القول الأول :أن الإصباح على جنابة رمضان حدث لا يصح معه الصوم. وإليه ذهب الإمام ابن بركة ،ونص كلامه في ذلك هو» :ومن أصبح بجنابته وهو صائم من غير عذر بتأخيرها كان عليه قضاء يومه«. وهذا القول هو مذهب الإباضية ومذهب جمهور الإمامية. القول الثاني :أن الإصباح على الجنابة حدث يصح معه الصوم ،ولا يلزم الصائم شيء معه. وإليه ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والظاهرية. ومن مسائل فقه الأيمان والنذور ،مسألة »حكم إخراج كفارة اليمين قبل الحنث في اليمين«. وآراء الفقهاء في المسألة: القول الأول» :أن اليمين تجب بالعقد فيصح إخراج الكفارة قبل الحنث«. وإليه ذهب الإمام ابن بركة ،ونص كلامه في ذلك هو :وكفارة اليمين بالعقد بظاهر الخطاب لقوله تعالى] ﴾ Ë Ê É È Ç ﴿ :المائدة.[٨٩ : وهذا القول هو مذهب ابن حزم خلافا للظاهرية ،وهو رأي موسى بن موسى بن علي من الإباضية ،وهو مذهب الحنابلة ،ورواية عند المالكية. القول الثاني :أنه لا يجوز إخراج كفارة اليمين إلا بعد الحنث في اليمين. وإليه ذهب جمهور الإباضية ،وهو مذهب الحنفية والإمامية والظاهرية خلافا لابن حزم ،وهو رواية عند المالكية ،وهو مذهب الزيدية. القول الثالث :وإليه ذهب الشافعية. أما المبحث التاسع والأخير فهو عن »مسائل فقهية خالف الإمام ابن بركة فيها رأي المذهب الإباضي« .ويشتمل هذا المبحث على ثلاثة مطالب: مائة كتاب إباضي390 المطلب الأول :هل الحج واجب على الفور أم على التراخي؟ للفقهاء آراء في هذه المسألة: القول الأول :أن الحج واجب على الفور على المستطيع .وإليه ذهب الإمام ابن بركة خلافا لمن تقدمه من فقهاء المذهب الإباضي ،ونص كلامه في ذلك هو» :والواجب على القادر على أداء الحج وفعله أن لا يؤخره ،لأن تأخيره مع الإمكان يوجب مخالفة الأمر به«. وهذا الرأي هو مذهب أبي حنيفة ،ومذهب تلميذه أبي يوسف ،ورواية عن مالك ،وهو مذهب الإمامية ،والمختار في مذهب كل من الحنابلة والزيدية. القول الثاني :أن الحج واجب على التراخي .وإليه ذهب جمهور الإباضية قاطبة قبل مجيء ابن بركة وأكثرهم بعد عصره ،وهو مذهب الشافعية، ومحمد بن الحسن من الحنفية ،وهو رواية عند كل من المالكية والحنابلة، وهو مذهب بعض الزيدية. المطلب الثاني :حكم اشتراط الولي في النكاح وآراء الفقهاء في هذه المسألة: القول الأول :أن الولي شرط في نكاح البكر دون الثيب .وإليه ذهب الإمام ابن بركة خلافا لمن تقدمه من علماء المذهب الإباضي ونص كلامه في تزوج نفسها إذا وضعتذلك هو» :والنظر يوجب عندي أن يكون للمرأة أن نفسها في كفء« .فيؤخذ من كلامه هذا ما يلي: أولا :تجويزه أن تزوج المرأة نفسها. ثانيا :أن جواز نكاح المرأة مشروط ومرهون بأن تضع نفسها في كفء من الرجال. أما إذا وضعت نفسها في غير كفء من الرجال فإن الإمام ابن بركة قد نص على أن للأولياء الحق في فسخ هذا النكاح. 391الإمام ابن بركة السليمي البهلوي )ت ٣٦٢ه٩٧٢/م( وأما تخصيصه المرأة الثيب دون المرأة البكر في حق تزويج نفسها إذا وضعت نفسها في كفء من الرجال ،فمأخوذ من قوله» :إلا أني ناظر في تزويج البكر بغير رأي وليها ،والشائق إلى نفسي ألا يجوز«. فخلاصة مذهبه في هذه المسألة هو :جواز نكاح المرأة الثيب نفسها بغير إذن وليها إذا وضعت نفسها في كفء من الرجال. وهذا الرأي هو مذهب داود الظاهري وبعض الإمامية ،ورواية عند الحنابلة. بكرا أو القول الثاني :أن الولي شرط من شروط النكاح ،سواء كانت المرأة ثيبا .وإليه ذهب جمهور الإباضية قبل عصر الإمام ابن بركة وبعده وهو مذهب المالكية والشافعية والزيدية ،وهو الرواية المشهورة عند الحنابلة ،وهو مذهب ابن حزم خلافا لأصحابه من الظاهرية. القول الثالث :أن الولي ليس بشرط في النكاح مطلقا .وإليه ذهب أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف ،وهو رواية عن محمد ،وهو مشهور مذهب الإمامية ،ورواية عند الحنابلة. القول الرابع :اشتراط الولي في العقد على المرأة الشريفة دون الوضيعة. وإليه ذهب الإمام مالك في رواية عنه. صح القول الخامس :أن المرأة إذا عقدت النكاح على نفسها بإذن وليها نكاحها .وإليه ذهب أبو ثور. المطلب الثالث :حكم طلاق السكران .وفيه أقوال: القول الأول :وقوع طلاق السكران المميز دون السكران المطبق .وإليه ذهب ابن بركة خلافا لمن تقدمه من فقهاء المذهب الإباضي ،ونص كلامه في ذلك هو» :فالسكران على ضربين :سكران مميز ،وسكران غير مميز ،فالمميز مائة كتاب إباضي392 إذا أتى فعل وادعى عزوف النية وترك القصد لا تقبل دعواه ،والسكران الذي لا يعقل لا يقع منه طلاق ولا غيره«. وقد تابع الإمام ابن بركة من جاء بعده من فقهاء الإباضية على هذا القول تلميذه أبو الحسن البسيوي ،وهذا الرأي منسوب إلى ابن رشد من المالكية. القول الثاني :أن طلاق السكران واقع ومحكوم عليه به مطلقا .وإليه ذهب فقهاء الإباضية قاطبة قبل مجيء الإمام ابن بركة وجمهورهم من بعد عصره ،وهو مذهب كل من الحنفية والمالكية والشافعية والزيدية ،وهو رواية عند الحنابلة. القول الثالث :أن طلاق السكران غير واقع على الإطلاق .وإليه ذهب الظاهرية والإمامية وبعض الزيدية ،وهو رواية عند الحنابلة ،وهو رأي الكرخي والطحاوي من الحنفية ،وأبي ثور والمزني من الشافعية. مجتهدا فقيها وهكذا ظهر الإمام ابن بركة من خلال عرضه للمسائل الفقهية وقوى حسبما أداه ناشدا للدليل الأقوى ،فرجح وض عف متحررا من ربقة التقليد اجتهاده ،فكانت له آراء عديدة في مسائل أصولية وفقهية خالف فيها ما وقع عليه الاتفاق بين علماء المذهب الإباضي منذ نشأة هذا المذهب وحتى الحقبة التي عاشها الإمام ابن بركة. 393 á«`°VÉHE’G øY äÉ°SGQO »eÉædG áØ«∏N hôaY .O مراجعة :د .ماهر جرارترجمة :ميخائيل خوري راجع أصوله وعلق عليه وق دمه :د .محمد صالح ناصر و د .مصطفى صالح بجو دار الغرب الإسلامي بيروت ،ط٢٠٠١ ،١م. عدد الصفحات ٣٨٧ :صفحة أصل هذا الكتاب أطروحة علمية لنيل درجة الدكتوراه من جامعة كمبردج. يتكون الكتاب من مقدمة ،وتمهيد ،وسبعة فصول .تدور المقدمة حول واقع ف الفكر الإباضي بأئمته وعلمائه الذين حاولوا أنالتراث الإباضي ،فقد ع ر يبنوا قواعد دولته ،وجاهدوا في إرساء أصوله الفكرية ،فأ لفوا في مسائله الفقهية والكلامية ،وكتبوا في مسيرته الحضارية والتاريخية ،ولكنهم كشأن أي حركة دينية ذات طابع سياسي واجهوا المطاردة والملاحقة من خصومهم منذ ظهور هذا الفكر على الساحة السياسية. وكان هذا الواقع المؤسف من أقوى الأسباب التي جعلت أصحاب هذا الفكر مضطرين إلى إخفاء مؤلفاتهم خشية أن يطلع عليها خصومهم ويصادروها. بعيدا عن فلجأ العلماء الأوائل إلى إيصال معارفهم ،عن طريق المشافهة والتلقين أعين الناس ،كما فعل أحد رواد هذا الفكر وهو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة. مصاحبا للمذهب ،وتراثه في المشرق والمغرب ،منذوكان هذا الواقع نشأته في منتصف القرن الثاني الهجري إلى حين قيام أول دولة قوية للإباضية وهي الدولة الرستمية ،أو بعبارة أدق ،من مرحلة الكتمان إلى مرحلة الظهور، ففي ظل الدولة الرستمية التي وفرت الحماية لحرية الفكر والتعبير لمذهبها الذي اعتنقته ولغيرها من المذاهب والطوائف الأخرى ،وبفضل العدالة مائة كتاب إباضي394 الإسلامية التي انتهجتها الدولة الرستمية كطريقة حكم ازدهر التأليف وكثرت حلق المذاكرة ،وشاعت أسواق الجدال والمناظرة ،وأنتجت هذه السياسة الرشيدة مكتبة المعصومة التي أشاد بتراثها المؤرخون. وشهد الفكر الإباضي مرحلة أخرى من الاضطهاد والظلم ،وعاد أصحابه مرة أخرى إلى مرحلة الكتمان ،متسترين بالشعاب والمسالك الصحراوية ،وكان ذلك حالهم إلى حين استقرارهم بوادي »ميزاب« في القرن الخامس الهجري. نضوبا فكريا ،إذ إلا أن هذه المرحلة رغم قساوتها السياسية ،فإنها لم تعرف إن المصادر الخاصة بدراسة العلماء والمشايخ والأئمة تدل على أن الإباضية كانوا مثل غيرهم من المذاهب الأخرى أصحاب عناية بالتأليف والتحقيق والتدوين ،ولا سيما في الشريعة والتاريخ ،فالذي يرجع إلى س ير الشماخي ،أو جواهر البرادي يتأكد من هذا التراث المعرفي الواسع ،ومن خلال عناوين هذه المؤلفات يدرك أن الإباضية أ لفوا في مختلف العلوم الإنسانية ،وأنهم كتبوا في شتى ضروب المعرفة. ولكن الذي يؤسف له ح قا أن هذا التراث ضاع أكثره؛ إذ جنت عليه الظروف الخارجية من حروب وملاحقات ،وأودى ببعضه الآخر الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي لم تساعد أهل العلم على الاستقرار النفسي لمتابعة المسيرة ،بل إنهم زهدوا في نشر هذا التراث وطبعه. ثم يتناول المقدم واقع التراث الإباضي في العصر الحاضر ،فيشير إلى أن علماء الإباضية في العصر الحديث قد قاموا بنشر تراثهم وإخراجه للناس ،ومن هؤلاء الشيخ سليمان الباروني والشيخ أطفيش ،وخرجت كتابات مثل »قناطر الخيرات« ،و»النيل وشفاء العليل« ،و»وفاء الضمانة« ،و»الدليل لأهل العقول«، و»الأزهار الرياضية« ،وغيرها .وكان ذلك قبل الحرب العالمية الأولى. وفي أوائل الستينيات من القرن العشرين برز إلى عالم الفكر الإسلامي 395دراسات عن الإباضية كاتبان إباضيان :أحدهما هو الشيخ علي يحيى معمر الليبي النفوسي ،وثانيهما هو الشيخ محمد علي دبوز الجزائري وإذا اتجه محمد علي دبوز إلى تاريخ المغرب الإسلامي ،ثم إلى الحركات الاصطلاحية يصحح ما فيها من مواقف ومعلومات خاطئة ،في وقفات طويلة ،فإن الشيخ علي يحيى معمر اتجه إلى القيمة »الإباضية في قديما وحديثا ،فأصدر سلسلته الرائعة تاريخ الإباضية موكب التاريخ«. ولقد كشف بمنهجه الدعوي ،وذكائه الوقاد ،وورعه الشديد ،وحبه العارم عرفت القارئ المسلم بشخصيات وزعماء وعلماء لملأمته الإسلامية عن كنوز شيء من قبل. يكن يعرف عنهم ولكن الكتاب الذي يصب في قناة التوحيد بين المسلمين جمع كلمتهم هو كتابه الرائد في منهجه وفحواه »الإباضية بين الفرق الإسلامية« ،وقد هداه فكره النير ،وذهنه الإسلامي الثاقب إلى وضع نظرية يعلي عليها المسلمون وعبد طريقا يسلكونه إلى جمع كلمتهم ولم شملهم ،وقدالمعاصرون وحدتهم ، لخص هذه النظرية في المبادئ الثلاثة :المعرفة ،والتعارف ،والاعتراف. القيمة تلك يعد من أهم الدعاة والشيخ علي يحيى معمر بمؤلفاته الإسلاميين الداعين إلى وحدة المسلمين في هذه العقود الأخيرة. أما في المشرق فقد برز سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان ،فتحمل مسؤولية الدعوة إلى التقارب ونبذ الخلاف ،وقد وهبه االله صفات أهلته لذلك عن جدارة واستحقاق ،فهو عالم راسخ القدم في الشريعة والسنة ،إلى تواضع الإسلامية ،حباه االله بذاكرة فياضة ،تسعفه بالأدلة من القرآن جم يحببه من النفوس ،يجادل بالتي هي أحسن ،ويحاور بالعقل والمنطق والأدلة العقلية والنقلية ،فكانت مؤلفاته المهمة من أهم وسائل التقريب بين المذاهب الإسلامية ،وقد وضحت آثار جهوده تلك في منطقة الخليج والمشرق العربي. مائة كتاب إباضي396 وفي خضم هذا الواقع تأتي هذه الدراسة التي يقدمها د .عمرو النامي »دراسات عن الإباضية« وهي أول دراسة أكاديمية جادة يقدمها باحث إباضي ،مستندة إلى الوثائق والنصوص الأساسية .وهذه الدراسة وضعت لنيل درجة الدكتوراه. ويبدأ المؤلف دراسته بتمهيد عن »الإباضية« أو »الأباضية« وهي أحدى أقدم الفرق الإسلامية ،التي تعود نشأتها إلى النصف الأول من القرن الهجري الأول؛ وقد أخذت اسمها من عبد االله بن إباض ،أحد فقهائها الأولين. ويشمل اسم الإباضية مجموعة إسلامية اعتبرت من قبل معظم الكتاب عددا من الأوساطفر عا معتدلا من حركة الخوارج ،ويشكل أنصار هذا المذهب المستقلة التي لا تزال تتمسك بتعاليمها بقوة ،وأكبر هذه المجموعات تعيش حال يا في عمان في جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية ،ثم إن هناك أقليات أخرى في زنجبار ،مقابل شاطئ إفريقية الشرقي ،وفي جبل نفوسة في ليبيا، وفي جزيرة جربة في تونس ،وفي وادي ميزاب في الجزائر. جدا من المعلومات عن الإباضية ،وتعاليمها،ولا يعرف إلا القليل  وأصولها ،وتطورها ،وهناك باحثون أوروبيون حديثون حققوا إسهامات مفيدة في ميدان الدراسات الإباضية ،غير أن دراساتهم جاءت موجهة بالدرجة الأولى إلى تاريخ الجماعات الإباضية ،أو إلى بعض نواحي حياتهم الدينية والاجتماعية الحالية .وباستثناء عدد قليل من المقالات عن الفقه الإباضي، بقيت التعاليم الإباضية بوجه عام غير معالجة بصورة جادة. والدراسة التي قام بها البحاثة الأوروبيون عن الإباضية تعتمد بالدرجة الأولى مصادر تاريخية .أما الكتابات الإباضية الغزيرة في الفقه والكلام فلم تستخدم بالطريقة الملائمة؛ ومرد ذلك ولا ريب ،إلى صعوبة الوصول إلى مثل هذه المصادر. 397دراسات عن الإباضية وأقدم ورقة تناولت مصادر إباضية ومراجعها ،قدم »موتيلنسكي« في مقال له عن »بيبلوغرافيا مزاب« سرد فيها الأعمال الإباضية التي ذكرها »البرادي«، مضيفا إلى ذلك ملاحظاته ونتائجه ،إلا أنه لم يحدد بدقة مواضع المخطوطات مرضيا لها ،باستثناء الأعمال التاريخية .وتكمن وصفاالتي ذكرها ،ولم يعطها سهلت الأبحاث اللاحقة.قيمة هذه الدراسة في كونها خطوة تمهيدية أما الجدول الأحدث والأكثر فائدة للأعمال الإباضية في »مزاب« فهو من وضع الأستاذ »جوزيف شاخت« في مقال له عن »مصادر ومراجع ومخطوطات إباضية« سرد فيها المخطوطات الإباضية الموجودة في المكتبات الخاصة بمزاب ،مرتبة وفق موضوعاتها ،أما المنطقة التي لم تستكشف كل يا وكان يحتمل أن توجد فيها مخطوطات إباضية أكثر قيمة ،فهي عمان ،ويتطلب ذلك خاصا من دارسي الشؤون الإباضية.اهتماما رئيسا للإباضية وللإمامة الإباضية فإنها حظيت مركزا ولما كانت عمان باهتمام وثيق من الباحثين الأوروبيين؛ وقد عرض »ج .ويلكنسون« ذلك في أطروحة لنيل درجة الدكتوراه بعنوان» :الاستيطان في عمان« في أكسفورد ،إلا لعمان اكتشاف المزيد من المواد مما يسهم في تكوينمطلوبا بالنسبة أنه لا يزال وضوحا لمذهب الإباضية وتطوره في جميع المناطق الإباضية.صورة أكثر لقد انتقلت غالبية المراجع الإباضية الأولى من البصرة إلى عمان حيث جرى تأسيس إمامة قوية وتوفر جو أكثر ملاءمة لأولئك العلماء لتطوير وجهات نظرهم ،والإسهام بصورة أكبر في الأدب الإباضي ،ومنه ما انتقل إلى بلدان إباضية أخرى ،لكن المواد الأصلية للعقيدة الإباضية في فترتها الأولى ربما كانت محفوظة في عمان. اهتماما وثيقا بالإباضية في إفريقيا كذلك أبدى الباحثون الأوروبيون الشمالية ،وبدأت دراساتهم بواسطة »ماسكوراي« الذي ترجم سيرة أبي زكرياء مائة كتاب إباضي398 الوارجلاني إلى الفرنسية ،ولفت عمله انتباه علماء آخرين اهتموا بالدراسات الإباضية في ميادين مختلفة .ففي ميدان التاريخ قدم »موتيلنسكي« في مقاله عن الكتب الإباضية جداول كاملة عن محتويات الأعمال الإباضية بخصوص ير شيوخ الإباضية :سيرة أبي زكرياء ،و»طبقات الدرجيني« ،و»الجواهر« س ير« الشماخي .ثم حقق بعد ذلك ،وترجم إلى اللغة الفرنسية للبرادي ،و»س تاريخ ابن الصغير المالكي عن الأئمة الرستميين. عددا من مقالات علم الكلام الإباضي ،وقد ظهرتعالج البحاثة الغربيون هذه المقالات بعد أن قدم »موتيلنسكي« ترجمة بالفرنسية للعقيدة الإباضية عند »عمرو بن جميع« سنة .١٩٠٥بعد ذلك كتب »نلينو« ملاحظات حول ما اعتبره تأثرا معتزل يا في علم الكلام الإباضي ،وعلى هذا الغرار من الدراسة سار »مورينو« في مقالة »ملاحظات فقهية إباضية« ،وفي هذا الحقل كتب »سموغورفسكي« مقالا عن الفروق بين الإباضية والمالكية مبن يا على عدد قليل من منظومة لإباضي مجهول. وهناك كذلك دراسة عن العقيدة الإباضية لأبي زكرياء الجناوني قدمها »وربيناتشي« مع ترجمة إيطالية ،وبحث عن صلتها بالفرق الإسلامية الأخرى. ثم إن الفقه الإباضي لم يعا لج حتى الوقت الحاضر بصورة جادة ،وثمة عدد قليل من المقالات عولجت فيها نواح ثانوية من هذا الموضوع ،مقالة ل »روبيناتشي« عن الطهارة في المذاهب الإباضية والإسلامية الأخرى ،ومقال تناول المراجع التي نشرت العقيدة الإباضية في إفريقيا الشمالية ،كتبه »غروبي لاروزا« مبني على عمل البحاثة الحديث عبد االله بن يحيى الباروني »سلم العامة والمبتدئين« ،وهنالك عمل باللغة الفرنسية للآنسة »جواشون« عن »الحياة النسائية في مزاب«. أما بالنسبة للعلماء المسلمين غير الإباضية ،فإنهم كانوا باستمرار ينظرون 399دراسات عن الإباضية إلى الإباضية باعتبارهم خوارج متطرفين ومبتدعة ،ولم يعيروا أي اهتمام جدي لدراسة العقيدة الإباضية وإلى تكوين صورة أوضح للمذهب الإباضي. ومنذ وقت وجيز فقط أدخل المذهب الإباضي بين المذاهب الإسلامية، ممثلة في الموسوعتين الجديدتين حول الفقه الإسلامي في مصر والكويت. وكان سليمان باشا الباروني من جبل نفوسة أول من أثار اهتمام المسلمين بشؤون الإباضية بفعل الدور الذي لعبه الباروني في محاربة إيطاليا ،وبكفاحه الصلب في سبيل قضية الإسلام ،إذ كان يدعو إلى التفاهم الأفضل بين المسلمين، وكان أحد أول من دعا المسلمين لنسيان الخلافات التي نشأت عن خلافات في والسنة. الرأي بين الأئمة الأولين لمذاهبهم ،وللعودة إلى الحكم المباشر للقرآن إن المكانة التي رسخها الباروني لنفسه في الأوساط الإسلامية الدولية بفضل نضاله البطولي في وجه الغزو الاستعماري وفرت التقدير للإسهام الإباضي في سبيل الوحدة الإسلامية التي كانت شعار غالبية القادة المسلمين آنذاك ،ومهدت السبيل لسماع وجهات نظر الإباضية. وفي تونس والجزائر جرت نشاطات مماثلة للنشاطات التي قام بها الباروني في ليبيا ،ثم أطفيش في مصر ،فقام في الشمال الإفريقي نشاطات مماثلة من ق بل قادة حزب الإصلاح ،ومن قبل علماء وقادة إباضية في تونس شاركوا في نشاطات الحزب الدستوري لعبد العزيز الثعالبي. مهما في تونس ،المغفوردورا  ومن الشخصيات الإباضية البارزة التي لعبت له »محمد الثميني« فقد شارك في نشر وتوزيع المؤلفات الإباضية ،والشيخ »سليمان الجادوي« من جربة ،وكان محرر الصحيفة الشهيرة »مرشد الأمة«، ومن الشخصيات البارزة في مثل هذه النشاطات »أبو اليقظان إبراهيم« الذي أصدر نحو ثماني صحف مختلفة في ظل العهد الفرنسي ،والشيخ »بيوض إبراهيم بن عمر« الذي كان مسئولا عن الحركة الإصلاحية الحديثة في مزاب. مائة كتاب إباضي400 وقد اتخذت المساهمة الإباضية في الدراسات الإباضية اتجاهين اثنين، هما: أ توفير إنتاجهم الخاص بهم عن طريق تحقيق ونشر أعمالهم الإباضية السابقة ،وإضافة مساهمات جديدة بكتابات جديدة لتلبية المتطلبات الحالية. ب عرض آرائهم وتاريخهم بصورة أوضح لتحقيق فهم أفضل لهم من ق بل المسلمين غير الإباضيين. أما بالنسبة للمسلمين غير الإباضية ،فليست هناك حتى الآن أية محاولة جادة من جانبهم لدراسة الإباضية بعمق عبر مصادرها الخاصة بها ،غير أن علامات على مثل هذا الاهتمام بالدراسات الإباضية بدأت تظهر في الجامعات الحديثة عبر علماء معاصرين توجهوا ولا ريب إلى الدراسات الإباضية بفعل اهتمام العلماء الأوروبيين وإسهامهم. وضوحا ويشير المؤلف إلى أن دراسته هذه تهدف إلى تقديم صورة أكثر للمذهب الإباضي مبنية على مواد إباضية مكتشفة حديثا .وإذا كانت هذه الدراسات معنية بالإباضية في شمال إفريقيا من حيث المنطقة ،إلا أنه كان لا بد له من أن يدرس أصول الحركة الإباضية ومؤسسيها الأوائل في البصرة، وعلاقتها بحركة الخوارج ،وصلتها بالأحداث الأولى للتاريخ الإسلامي والتطور السياسي ،والتأثير الذي كان لهاتين الناحيتين الأخيرتين على المذهب الإباضي بالنسبة للآراء الفقهية والكلامية. أيضا إلى تقديم نظرة واضحة للفقه وعلم الكلاموتهدف هذه الدراسة الإباضيين ونقاط الاتفاق والاختلاف مع حركات المعارضة المعاصرة لها وتحديدا والمدارس الفقهية وبعض الخصائص المميزة للعقيدة الإباضية: »نظام الولاية والبراءة« ومراحل تطور الجماعة الإباضية؛ أي» :مسالك الدين«. 401دراسات عن الإباضية ويصف المؤلف دراسته بأنها الأولى المبنية على أساس واسع من مواد أصلية مكتشفة حديثا للمصادر الإباضية الأولى ،حيث قد ضمت هذه الدراسة ثلاثة نصوص إباضية كنماذج من الإنتاج الإباضي تغطي ميادين الفقه والشرع، معا ،بالإضافة إلى أن هذهوموضوع الولاية والبراءة الذي يدخل في الميدانين الدراسة تعد دراسة تامة شاملة لغالبية الأعمال الإباضية الموجودة في مختلف حقول الدراسة. عنوان الفصل الأول» :نشأة الإباضية ،آراء الإباضية في الخوارج عبد االله بن إباض« .أخذ المذهب الإباضي اسمه من »عبد االله بن إباض المري التميمي«؛ وقد سمي المذهب على اسم أبيه لأنه كان أكثر من ابنه شهرة ،كما هي الحال في علم الأنساب عند العرب ،والملطي هو الوحيد الذي ذكر أن هذه الفرقة سميت على اسم مؤسسها ،وهو كما قال إباض بن عمرو. جدا ،سواء في المصادر الإباضية أووما نعلمه عن عبد االله بن إباض قليل  غير الإباضية ،ولا يعرف شيء عن حياته الأولى ،ويرى العالم الإباضي الحديث »محمد بن يوسف أطفيش« أن ابن إباض انتقل من نجد موطن قبيلته، إلى البصرة ،كذلك ذكر أن هناك روايات تفيد أنه كان صحاب يا لفترة قصيرة ،إلا أن رواة إباضيين أوردوا ابن إباض ضمن التابعين الذين عاشوا في أثناء النصف الثاني من القرن الهجري الأول ،ولا يعرف هل اشترك في الحروب الأهلية التي وقعت بين المسلمين قبل خلافة بني أمية؟ ويبدو أنه كان غير راض عن والسنة. حكم معاوية ،وقد انتقد مخالفته للقرآن والمعلومات الواردة في المصادر الإباضية تبين أن عبد االله بن إباض لعب دورا ثانويا في تأسيس الحركة الإباضية وقيادتها بالمقارنة بإمامها الأول ومؤسسها جابر بن زيد .ويقال :إن ابن إباض كان يعمل في كل نشاطاته وفقا لأوامر جابر بن زيد. مائة كتاب إباضي402 والمعتقد أن ابن إباض دعا عل نا إلى آراء مذهبه مع أن نشاطات المذهب سرا؛ لأنه كان يتمتع بحماية قبيلته ،وهناك سبب آخر الإباضي كانت آنذاك تنفذ هو أن الحركة الإباضية كانت بعد انتفاضة ابن الأزرق مضطرة للإعلان عن آرائها تجاه الأزارقة أمام الناس للاحتفاظ بدعم المسلمين العاديين ،وأمام السلطات لتجنب ملاحقتها. ويظهر أن عبد االله بن إباض أصبح شخصية معروفة بسب آرائه ونشاطاته، حتى أن هناك مجموعة أخرى غير إباضية كالعمرية على سبيل المثال زعمت أنه قائدها. وتدل لائحة المراجع التي أوردها »القلهاتي« أن عبد االله بن إباض وعروة بن حدير هما من تلامذة جابر بن زيد ،وعبد االله بن وهب الراسبي ،وتدل كذلك على أن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة ،وفروة بن نوفل ،ووداع بن حوثرة هم من تلامذة عبد االله بن إباض. أما عن آراء الإباضية في الخوارج ،فتنظر المصادر غير الإباضية إلى المذهب الإباضي باعتباره فر عا من حركة الخوارج انفصل عن الخط ليشكل مجموعة معتدلة بقيادة عبد االله بن إباض ،ومثل هذا العرض للمذهب الإباضي كرره أولئك العلماء الذين درسوا الموضوع على أساس معلومات مستقاة من المصادر غير الإباضية. يكونوا نظرة واضحة عن الحركةلقد كان من الصعب على غير الإباضية أن  الإباضية وعن طبيعة علاقتها بحركة الخوارج ،ومرد ذلك إلى التكتم حول النشاطات والمخططات التي واجهت معظم النشاطات الإباضية الأولى. والسبب الآخر هو كما ذكره ابن النديم أن خوف الإباضية من الاضطهاد من ق بل خصومهم جعلهم يسترون كتبهم. شرحا مفصلا لآرائهم عن التطور السياسي الباكر للأمةلقد حفظ الإباضية 403دراسات عن الإباضية الإسلامية ،وذكر البرادي جدولا للأعمال والوثائق الأولى التي تناولت الموضوع .وهناك وثائق إباضية أخرى قديمة تناولت الموضوع لا تزال موجودة، أيضا خطب لعبد االله بن يحيى وخطبوبالإمكان العودة إليها .يضاف إلى ذلك للمختار بن عوف ألقاها بنفسه في مكة والمدينة ،وقد كانت مسجلة ومحفوظة. وجميع هذه الأعمال التي ترد في مراجع إباضية قديمة تحتوي النظرة الإباضية للتغييرات الباكرة التي حدثت في المجتمع الإسلامي ،وهي التي بدأت بمعارضة سياسة الخليفة الثالث عثمان بن عفان ،وعلى العرض الإباضي للفرق المختلفة التي نشأت في أوائل التاريخ الإسلامي ،وعلى موقف الإباضية منها. استمرارا للمعارضة التي أسقطت الخليفة الثالث اعتبر الإباضية حركتهم رفضا عثمان بن عفان وسبب وفاته ،ونظروا إلى تلك المعارضة باعتبارها إسلام يا صرفا »للأحداث« التي أدخلها عثمان وحاشيته الأموية ،ثم إن هذه الأحداث معروضة في كتاب »صفة أحداث عثمان« .ورسالة عبد االله بن إباض، وسيرة سالم بن ذكوان. ويذكر أن جابر بن زيد وأبا هلال مرداس ناقشا عائشة في موقفها من معركة لعلي الذي كان الخليفة الشرعي الجمل ،ووجها إليها اللوم على مقاومتها آنذاك ،وكذلك وافقوا عل يا في حروبه مع معاوية ،ونظروا إلى معاوية وعمرو بن معا ومناصريهما باعتبارهم الفئة الباغية التي يجب محاربتها حتىالعاص علي بالتحكيم معتبرين أن الذين تخضع لأمر االله ،لكنهم لم يوافقوا على قبول رفضوا التحكيم هم المسلمون الحقيقيون ،وأن زعيمهم عبد االله بن وهب الراسبي هو الخليفة الشرعي الخامس. علي بن أبي طالب حين لحظ أن وبناء على ما قاله جابر بن زيد يذكر أن  مناصريه قلقوا لمقتل المسلمين الأتقياء في معركة النهروان ،وندموا على مائة كتاب إباضي404 ما فعلوه ،طلب منهم في اليوم التالي للمعركة أن يبحثوا عن شيطان بين قتلى أهل النهروان .ومن شأن هذه المعلومات أن تدل على أن المراجع الإباضية علي بن أبي طالب لم يكن على حق في محاربة أهلالأولى اعتقدت أن  النهروان ،وأن موقفه آنذاك كان مبن يا على طموحات دنيوية ،لا على أسس دينية كما هو الحال بالنسبة لأهل النهروان. هكذا كانت نظرة الإباضية بالنسبة للتطورات السياسية الأولى كما فهموها، وعندهم أن المح كمة هم المجموعة الوحيدة التي كانت تكافح من أجل العودة بالإمامة الإسلامية إلى ما كانت عليه أثناء عهدي :أبي بكر ،وعمر، علي قبل أنوالسنوات الأولى من خلافة عثمان ،والسنوات الأولى من خلافة يرضى بالتحكيم. همها أن تضرب أيةبعد هذه المرحلة ترسخت الخلافة الأموية وجعلت مقاومة .وهكذا فإن مؤيدي مجموعة المح كمة ،أو »المسلمين« ،أو »جماعة المسلمين« كما كانوا يدعون في الأدب الإباضي القديم اضطروا لإخفاء سرا. عقيدتهم والقيام بنشاطاتهم  وفي أثناء هذه الفترة ترسخت قيادة جابر لمجموعة المح كمة ،وهو رجل تقي عالم من الأزد ،وكانت نشاطاته فكرية ،بحيث إنه استطاع الدعوة للإسلام والحفاظ على تعاليمه بطريقة لم تثر شك السلطات الأموية ،ثم إن منصبه صلات واسعة معمفيدا ،ومك نه من إقامة غطاء كمفت بارز في البصرة أمن له شخصيات بارزة في مختلف أنحاء البلدان الإسلامية. وتقوم العلاقة بين الإباضية وخصومهم المسلمين على أساس المبادئ التالية: أحدا إلا الذين يقتلونهم ،وليس لهم أن ينهجواأ على الإباضية ألا يقاتلوا سياسة الاستعراض. ب لا يجوز أن تؤخذ ممتلكات المسلمين غنائم ،ولا يجوز قتل نسائهم 405دراسات عن الإباضية وأولادهم أو أن يؤخذوا سبايا ،ويعتمد هذا المبدأ على سيرة المسلمين علي في حربه ضد طلحة الأوائل في قتالهم لعثمان وأنصاره ،وعلى سيرة علي الخليفة الشرعي. والزبير حين كان واجبا ،ويمكن للمسلمين أن يعيشوا في ظل الطغاة ج ليس »الخروج« لاجئين إلى التقية ،عند اللزوم. د الشراء ،أو التضحية بالذات ،واجب اختياري على من اكتمل عددهم شخصا أو أكثر حين يكونون هم الذين اختاروا الخروج. أربعين وأصبحت هذه المبادئ سيرة للمسلمين متبعة لا يجوز تغييرها ،وأيدت قياسا على سيرة الرسول طول كفاحه في سبيل المراجع الإباضية هذه المبادئ الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية وف قا لشريعة االله ،كذلك زعموا أن هذه المبادئ لم تخرق قبل انتفاضة نافع بن الأزرق الذي تصرف خلافا لذلك. ويقدم المؤلف في هذا الفصل النقاط التي اختلف عليها الإباضية والخوارج: ١ مسألة الخروج :إن العقيدة التي أدخلها نافع بن الأزرق هي أن »الخروج« أو »الهجرة« إلى معسكرهم أمر إلزامي ،وقد اعتبر بلاد خصومهم من المسلمين )المخالفين( دار حرب ،ونظر إلى أولئك الذين لا يقومون بأي عمل )القعدة( باعتبارهم مشركين. لقد تمسك الإباضية بعقيدة المح كمة الأوائل ورفضوا موقف نافع ،وقالوا: إن كلا من المجاهدين والقعدة ،هم مسلمون ،وقد ورد في جميع المعتقدات الإباضية للتعبير عن رأيهم بمسألة الهجرة أو الخروج. ٢ والمسألة الثانية هي موقفهم بالنسبة لخصومهم المسلمين »المخالفين«: لقد اعتقد الأزارقة أن خصومهم المسلمين كفار ،ونظروا بالتالي إلى بلادهم باعتبارها دار حرب ،وآمنوا بشرعية قتل نسائهم وأولادهم ،أو بسبيهم مائة كتاب إباضي406 والاستيلاء على ممتلكاتهم .ومن ناحية أخرى فإنهم منعوا أتباعهم من أن يرثوا منهم ومن أن يتزوجوا من نسائهم ،كذلك رأوا شرعية الاحتفاظ بما آمنهم عليه من خالفهم من المسلمين ،وأن ينكروا عليهم حقهم فيه. اعتبر الإباضية هذه العقائد الجديدة التي أدخلها نافع وخوارج آخرون بأنها حربا »بدع« ،وانفصلوا عن حركاتهم ،ورفضوا آراءهم ،حتى أنهم خاضوا ضدهم .وتعد سيرة سالم بن ذكوان من بين الوثائق الإباضية القديمة التي ناقشت مشكلة متطرفي الخوارج وآراءهم. أما الفصل الثاني فعنوانه» :جابر بن زيد ،الإمام الأول للمذهب الإباضي«، جابرا قد حفظ أحاديث الرسول عن الصحابة الذين التقاهمويذكر المؤلف أن بالبصرة والمدينة ومكة ،واستغل مناسبة الحج للقاء الصحابة الذين كانوا يأتون إلى مكة في وقت الحج من شتى أنحاء البلدان الإسلامية. لقد حصل جابر على معرفة واسعة بالقرآن والأحاديث والفتاوى .وكان جابرا بأنه »من العلماء« وسأل راضيا عنه تمام الرضا ،ووصفشيخه ابن عباس الربيع وهو أحد أبناء البصرة ابن عباس عن رأيه الشرعي في مسائل معينة، فرد عليه ابن عباس» :تسألونني وفيكم جابر بن زيد؟«. علما من الحسنوهكذا كان جابر أحد علماء البصرة البارزين ،وكان أوسع مفتيا للبصرة ،وقضى حياته يصدر الفتاوى ،ويدرسالبصري ،ثم أصبح جابر أحاديث الرسول ،وينقل علمه الواسع بالإسلام إلى طلبته. وبالسنة جعلت منه شخصية بارزة فيومعرفة جابر الواسعة بتفسير القرآن هذا الميدان من العلم ،وروايته لأحاديث الرسول مقبولة بوجه عام ،وهو المحدثين .والاستثناء الوحيد لذلك هو الأصيلييوصف ب»الثقة« من ق بل الذي نعته بالمحدث »الضعيف« ،فقد كان الناس يأتون إليه يطلبون منه آراءه الشرعية بخصوص القضايا الدينية. 407دراسات عن الإباضية وميز في هذا أربعة ويعرض المؤلف نهج جابر كإمام للحركة الإباضية ، اتجاهات رئيسة: أولا :تجنب أي صدام علني مع السلطات ،والحفاظ على علاقات ودية مع الحكام. ثانيا :عدم عزل أعضاء الحركة عن الأمة الإسلامية. ثالثا :الاستمرار بتدريس الأحاديث والفتاوى للناس بصرف النظر عن كونهم أعضاء في الحركة أو لا. مصمما على المحافظة على سلامة الحركة بتنفيذ رابعا :لما كان جابر سرا ،وبإبقاء أفراد المنظمة مجهولين لدى الحكام ،فقد اتخذ بعض نشاطاته متشددا ممن يفشون أسماء الأعضاء .وينظر الإباضية إلى جابر باعتباره موقفا أول إمام لمذهبهم ،ويعتبرون فترة إمامة جابر مثالا على حالة الكتمان. ويتناول الفصل الثالث موضوع» :أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة الإمام الثاني للجماعة الإباضية في البصرة« .ذكر الشماخي أن أبا عبيدة توفي في خلافة أبي جعفر المنصور. زاهدا ودرس أبو عبيدة على أساتذة كبار منهم جابر بن زيد ،وكان كبيرا ،وسع ميادين الفقه وعالما ومدرسا ممتاز ا مفوها، وخطيبا وعابدا تق يا، والكلام والحديث. وفي ميدان العقيدة الإباضية نهج أبو عبيدة نهج جابر بن زيد نفسه ،إلا أن إسهامه بالآراء الفقهية كان أكبر؛ لكي يواجه المشاكل المستجدة في هذا الميدان والطريقة التي نهجها هي أن يتمسك بتعاليم الصحابة والتابعين ،لا أن السنة دليل على تقوى المسلم. يتبع أي مسار قد يبعده عنهم .وعنده أن اتباع  متأثرا بالحديث بصفته محدثا ،وكان إلى حد كبير، كما كان أبو عبيدة مائة كتاب إباضي408 وفقيها ،وكان يعارض اللجوء إلى الرأي ،ولما قيل له :إن أهلضليعا في الشرع عمان يلجأون إلى الرأي لإصدار الفتاوى ،قال» :ما نجوا من الفروج والدماء«. وقد غطت نشاطات أبي عبيدة اتجاهين أساسيين: أ العناية بتنظيم الفرقة الإباضية. ب تعليم العقيدة الإباضية للطلبة الذين يتلقون العلم. وقد ظلت البصرة مركز الحركة الإباضية حتى نهاية القرن الثاني لأسباب مختلفة: ١ فزعماء الحركة الدينيون كانوا يعيشون في البصرة ،ويقومون بنشاطاتهم التعليمية كلها هناك. ٢ وفي البصرة نالت الحركة الدعم الكامل من العدد الكبير من أقارب جابر بن زيد ،ومن عائلة آل المهلب البارزة. ٣ وكانت البصرة إحدى عواصم الإسلام الفكرية تشكل إلى جانب مركزا ثقاف يا للدراسات الإسلامية والعربية. الكوفة وأخيرا تقع البصرة في قلب بلدان آسيا الإسلامية ،مما س هل الاتصالات بين مركز الحركة في البصرة والفروع الأخرى في خراسان ،و عمان، واليمن ،ومكة. ويتناول المؤلف في هذا الفصل سبب انتشار الإباضية في شمالي إفريقية، ويشير المؤلف إلى أنه لا يعرف على وجه الدقة متى بدأ المذهب الإباضي يكسب له أنصار في شمالي إفريقية ،وفي الوقت الذي ترسخ فيه المذهب الإباضي في البصرة أثناء النصف الثاني من القرن الأول الهجري ،كان الإسلام نفسه قد ترسخ في شمالي إفريقية برغم ما لقيه في البداية من معارضة من ق بل البربر. 409دراسات عن الإباضية والمحاولة الأولى من ق بل الإباضيين لإنشاء إمامتهم في شمالي إفريقية واليا على طرابلس ،وكان الإباضيون آنذاكبدأت حين ع ين إلياس بن حبيب قوة ذات أثر كبير في طرابلس وما جاورها. وتواصلت الاتصالات بين الجماعتين الإباضيتين في المشرق وفي المغرب طوال الوقت ،وحين انتخب عبد الرحمن بن رستم لإمامة تاهرت .بعد ذلك كان كلما حدث أي نزاع بين إباضي شمالي في إفريقية ،سعى هؤلاء إلى الحل لدى زملائهم في المشرق ،وهناك عدد من »الرسائل« كتبها علماء المشرق يعرضون فيها آراءهم حول القضايا الدينية والسياسية التي كانت تنشأ بين الإباضيين في المغرب. وكانت المؤلفات الإباضية التي يكتبها علماء المشرق تقدم إلى الإباضيين كتبافي المغرب ،وطلب الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم في عهده من المشرق .ونسخ زملاؤه الإباضيون في المشرق حملة أربعين جملا من المواد .وظلت الاتصالات الثقافية بين الجماعتين قائمة مترسخة. وبوجه عام كان الدور الذي لعبه إباضيو شمالي إفريقية في تطوير الفكر الإباضي ضئيلا ،لكنهم حافظوا عليه من الناحيتين :النظرية ،والعملية .وبعد رجوع »حملة العلم« برز عدد من العلماء الكبار بين إباضي المغرب عرفوا بطلبة »حملة العلم«. تقريبا دورا مستقلا ولعب جبل نفوسة ،برغم ضعف اتصالاته بإمامة تاهرت في الحفاظ على التعاليم الإباضية ،ونشأ عدد كبير من العلماء الإباضيين الكبار بين الجماعات الثلاث في جبل نفوسة وجزيرة جربة ،ووسط شمالي إفريقية، كبيرا ،ولا تزال الغالبية من هذه إسهاما وأسهموا في الدراسات الإباضية الأعمال الهامة التي كتبها هؤلاء العلماء عبر القرون موجودة. ويقدم الفصل الرابع »الفقه الإباضي« .يذكر المؤلف أن الفقه الإباضي ي  عد مائة كتاب إباضي410 أحد أقدم المذاهب الباقية بين مذاهب الفقه الإسلامي ،ويعود قيامه إلى التابعي ودل جابر بن زيد وزميله المعاصر له ،وتلميذه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة . البحث الدقيق على أن عبد االله بن إباض لم يقدم أي إسهام للفقه الإباضي ،وأن دوره الرئيس انحصر في الكلام وفي العقيدة السياسية للإباضية. والرجل الذي كان مسؤولا فعل يا عن تأسيس مدرسة الفقه الإباضي هو محدث ،وفقيه ،وبسبب معرفته الواسعة بالقرآن وبأحاديثجابر بن زيد وهو عددا من مذهبا مستقلا ،وأن يجذب إليه قادرا أن ينشئ الرسول ،فقد كان المتعلمين ،وفي وقت لاحق راح هؤلاء يطورون آراءه وينشرونها. واتخذ الفقه الإباضي شكله النهائي على يدي تلميذه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة في سنواته الأخيرة ،وعلى يدي الربيع بن حبيب ،تلميذ جابر بن جابرا ظل الشخصية ذات الأهمية الكبرى فيمعا ،غير أن زيد وأبي عبيدة تأسيس هذا المذهب. مفتيا صرف معظم حياته لإصدار الأحكام الشرعيةوبالإضافة إلى مهارته وضبط آرائه باستشارة صحابة الرسول والتابعين ،وكان كذلك حلقة الوصل الأساسية بين أتباع مذهبه وأولئك الصحابة الذين لعبوا الدور الرئيس في صياغة الآراء حول الشئون الدينية والشرعية ونشرها. وقد كانت مصادر الأحكام الشرعية المعروفة لدى جابر ،والتي استخدمها والسنة ،وآراء الصحابة )الآثار( ،ثم رأيه الخاص. هي القرآن بالنسبة للقرآن كان جابر يملك معرفة تامة بتفسيره من شيخه ابن عباس الذي يعتبر خير مرجع في تفسير القرآن .وأما بالنسبة لدراسات جابر ،فقد اكتسب معرفته بالإسلام ونظامه الديني والفقهي عبر عدد من الصحابة لا سيما ابن عباس ،وابن عمر ،وعبد االله بن مسعود ،وعائشة. 411دراسات عن الإباضية ثم إن الإمام الإباضي أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة يزعم أنه تتلمذ في المذهب الإباضي على الصحابي عبد االله بن عباس. والسنة وهي أقوال الرسول وأعماله وتقريراته كانت معروفة لدى الثقات السنة هي مصدر ثان للفقه الإباضي،الإباضية الأولين بأوسع معانيها .وكان دور  وتمسك تلاميذ أبي عبيدة بهذا النهج. إن العمل الذي يضم المجموعة الإباضية للأحاديث هو الجامع الصحيح، أو مسند الربيع بن حبيب .وغالبية الأحاديث التي رواها الربيع مذكورة في السنية الأخرى بالنص نفسه ،أو بفروق طفيفة .وفي التعليق علىالمراجع  المسند أبرز السالمي الأحاديث المذكورة بشكل فريد غير الشكل الوارد في السنية ،إلا أن هناك أحاديث أخرى مماثلة تعبر عن الآراء نفسها،المجموعات  اصطلاحا بالشواهد. تسمى عددا من الصحابة ،والحجة الإباضية لهذا الموقفوقد جرح الإباضية مذكورة في »العدل والإنصاف« للوارجلاني ،وهناك عمل آخر خاص بهذا العماني أحمد بن عبد االله النزوي، للعلامة الموضوع هو كتاب »التخصيص« جميعا وبالنسبة للتابعين ،حتى زمن قيام المذاهب الشرعية المختلفة ،فقد كانوا لعلي أو مؤيدين لمعاوية وسلالة بنيمتأثرين بالفتنة الأولى ،وكانوا إما شيعة أمية ،أو مناصرين فئة المح كمة. ويورد المؤلف بعض الأمثلة على الفوارق بين المذهب الإباضي والمذاهب الإسلامية الأخرى في الأحكام الفقهية ،ورأى أن الإباضيين كانوا قد استمدوا والسنة نظامهم الفقهي من المصادر ذاتها للمذاهب الأخرى؛ أي :من القرآن تقريبا للاجتهاد في تكوين الأحكام التيوالإجماع ،واستعملوا نفس الأساليب تتناولها المصادر السابقة ،فإن الفروق التي ظهرت بين نظامهم الفقهي وأنظمة المذاهب الإسلامية الأخرى محصورة في الفروع .وقد نشأت هذه الفروق في مائة كتاب إباضي412 حالات كانت فيها للإباضيين أحاديث روتها مراجعهم ولم توافق عليها المذاهب الأخرى. ومن هذه الأمثلة التي عرضها المؤلف: ١ المسح على الخفين كجزء من الوضوء :فقد رفض الإباضيون بالإجماع المسح على الخفين. ٢ الصلاة :نقاط الاختلاف الرئيسة حول هذا الموضوع ثلاث :تتعلق النقطة الأولى بقراءة القرآن في صلاة الظهر والعصر ،وفي فقه الإباضية أن سورة »الفاتحة« هي التي يجب أن تقرأ في الركعتين معا. الأولين ونقطة الخلاف الثانية هي القنوت )أي :لعن الخصوم السياسية أثناء السنة والشيعة بصحة ذلك .أما الإباضيون فإنهمالصلوات( وتقر مذاهب  يرفضون القنوت ،ويرون أن الصلاة مع الأئمة الذين يمارسون القنوت لا تصح ،وأن تلك الصلاة ينبغي لها أن تعاد. عددا من النقاط التيوالنقطة الثالثة هي بشأن صلاة السفر؛ لأن هناك السنة أو عن كلها. يختلف فيها الإباضيون عن بعض مذاهب  ٣ الصوم :نقطة الخلاف الرئيسة حول هذا الموضوع تتعلق بغسل الجنابة بالنسبة للصوم .يرى الإباضية أن التطهر من الجنابة ضروري للصوم كما هو ضروري للصلاة ،وموقفهم هذا مبني على أحاديث تروى عن أبي معا. هريرة والفضل بن عباس ويعرض المؤلف في الفصل الخامس »علم الكلام الإباضي« ويذكر أن خلافا للفقه الإباضي ،فإن علم الكلام الإباضي جذب إليه انتباه البحاثة الأوروبيين ،واهتم ماسكيراي بدراسة علم الكلام الإباضي. 413دراسات عن الإباضية وجاء نشر المصادر الإباضية الأصلية ليقدم مادة جديدة حول الموضوع، ويشجع على إسهامات إضافية. واعتبر الإباضية أن القرآن هو المصدر الأساس لعلم الكلام الإسلامي، مدرسين للقرآن ولتفسيره للمسلمين يمكنوالصحابة الذين نصبوا أنفسهم اعتبارهم الفئة الأولى من علماء الكلام المسلمين .ولقد كانت مناقشتهم للمشاكل الكلامية التي عالجها القرآن أو نشأت عن التعابير القرآنية. وبالنسبة للإباضية فإن إمامهم الأول ،جابر بن زيد ،حمل وجهات نظره عن عدد كبير من الصحابة ،لا سيما ابن عباس ،ومن شأن هذه الحقيقة الكبيرة الأهمية أن تكون دليلا على صحة وجهة نظر الإباضيين فيما يتعلق بالمسائل الكلامية التي تتصل بالقرآن. ويمكن تصنيف المسائل الكلامية التي ظهرت في المصادر الإباضية في وقت باكر في ثلاث مجموعات: ١ مسائل تتعلق بالخالق. ٢ مسائل تتعلق بالعلاقات بين الخالق والمخلوق. ٣ مسائل تتعلق بين الإنسان والإنسان. كبيرا من الإباضية ،ولم تكتب أية أعمالاهتماما لقي علم العقيدة خاصة حول هذا الموضوع في زمن جابر بن زيد أو في زمن أبي عبيدة مسلم ،والوثائق الباقية عن القادة الإباضيين الأولين كانت تتعلق بالدرجة الأولى بالتغيرات الاجتماعية والسياسية التي وقعت في المجتمع الإسلامي .غير أنها كانت تحتوي بذور الكلام الإباضي حول بعض القضايا المحددة. وبدأت الأعمال الخاصة حول الكلام تظهر بعد وقوع نزاعات بين الإباضية مائة كتاب إباضي414 حول قضايا محددة ،وكان عبد االله بن يزيد الفزاري أول من تناول الموضوع بين عددا من الكتب للتعبير عن آرائه. إباضية المشرق ووضع وأقدم عمل كتبه إباضيو شمالي إفريقية هو كتاب »التوحيد الكبير« لعيسى بن علقمة المصري .وكذلك ظهر كتاب من مجلدين عرف باسم كتاب »التحف« .وبمقارنة هذا الكتاب بأعمال سابقة باقية نجد أنه العمل الأكثر شمولا ،وهو يحتوي موضوعات كثيرة ،مثل :الولاية والبراءة ،والأمر والنهي، وكلام االله ،والإيمان والكفر ،وإباحة الطيبات وتحريم الخبائث ،والعلم والجهل، والنبوة والرسالة ،وبراهين على وجود العالم الآخر ،بالإضافة إلى موضوعات أخرى كثيرة. فيعرفويعرض المؤلف في الفصل السادس »نظام الولاية والبراءة« . معناهما ويحدد قواعد الولاية التي تنقسم إلى: ١ الولاية الله؛ أي :طاعة أوامره واجتناب نواهيه. ٢ الولاية لجميع المسلمين بوجه عام. ٣ الولاية للمعصومين للذنب ،وهم الملائكة والأنبياء ،ورسل االله ،وأولياء االله الآخرون. أما قواعد البراءة فهي: عموما ،معروفين كانوا أو غير معروفين ،أحياء أو ١ البراءة من الكافرين أموات. ٢ براءة الحقيقة أو براءة أهل الوعيد. ويختم المؤلف كتابه بالفصل السابع عن »مسالك الدين مراحل المجتمع الإباضي« إذ يستعمل علماء الإباضية عبارة »مسالك الدين« ،وهي تعني حرف يا طرق الدين للتعبير عن مراحل مجتمعهم الذي يجب أن تن فذ قوانين الشريعة 415دراسات عن الإباضية فيه؛ ولذلك يذكرون المراحل الأربع التالية :الظهور ،والدفاع ،والشراء )التضحية بالذات( ،والكتمان .ولكل مرحلة قواعدها وأنظمتها .وقد خبرها الإباضيون عبر تاريخهم ،ويتفق علماء الإباضية على أنه لا مراحل أخرى غير هذه الأربع. 416 á«°VÉHE’G óæY OÉ¡àL’G è¡æe ƒLÉH ídÉ°U ≈Ø£°üe .O مكتبة الجيل الواعد مسقط سلطنة عمان ،ط١٤٢٦ ،١ه٢٠٠٥/م. عدد الصفحات ٩٠٨ :صفحة أصل الكتاب أطروحة لنيل درجة دكتوراه الدولة في الفقه وأصوله جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسطنطينة الجزائر. يتكون الكتاب من مقدمة ،وفصل تمهيدي ،وثلاثة أبواب ،وخاتمة .يشير المؤلف في المقدمة إلى أن رسالة الإسلام تتميز بكونها سماوية المصدر ونظاما شاملا للحياة ،وضمن حفظهامحكما دستورا بشرية التطبيق ،أنزلها االله من التبديل والتحريف .وقد أسهب علماء الإسلام في بيان خصائص هذا التشريع الإلهي الحكيم ،فكان من نتائج تلك الجهود فيض من الكتابات في مختلف العلوم. وعرف العالم في ظل حضارة الإسلام ثورة فكرية أيقظت العقل البشري من سبات طويل ،وفتحت أمامه سبل المعرفة العلمية على هدى الحجة والدليل. ومن أهم العلوم التي نالت عناية متميزة من ق بل علماء الإسلام »علم الفقه« ،باعتباره قانون حياة المسلم في كل مناحيها :العامة ،والخاصة ،وليس عجيبا أن تعرف به حضارة المسلمين ،فيقال عنها :إنها »حضارة فقه« لأنه احتل الصدارة بين منتجاتها الفكرية دون منازع. 417منهج الاجتهاد عند الإباضية ولئن كان للفقه هذه المنزلة في حياة المسلمين؛ فإن لأصول الفقه نفس الأهمية أو تزيد؛ ذلك أنه دستور الفقه الذي قامت عليه أركانه واتضحت مسالكه ،وتحددت مجالاته. وصل بها إلى استنباط الأحكامويعرف علم الأصول بأنه القواعد التي ي ت  الشرعية من أدلتها ،أو هو »معرفة أدلة الفقه إجمالا ،وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد«. فأصول الفقه منهج يرسم للفقيه خط الاجتهاد ،ويضبط مساره في التعامل مع أدلة الأحكام .وكل ما كانت بنود هذا الدستور واضحة المعالم غدا الأمر ميسورا أمام الفقهاء للاجتهاد واستنباط الأحكام. وقيام الفقهاء والمجتهدين بمهمتهم على الوجه الأمثل شرط ضروري لسلامة بناء المجتمع المسلم ،حتى يتمكن من المضي ق د ما في مسايرة ركب الحضارة على هدى الإسلام .دون أن يند عن شرع االله في شأن من شؤون الحياة. مقدما لأجل هذا أولى العلماء علم الأصول عناية بالغة ،واعتبروا تعلمه على غيره من العلوم ،وصرحوا بأن »الواجب على من أنعم االله عليه بالإسلام، وخصه بشريعة الإيمان ،أن يبدأ بتعلم الأصول قبل الفروع ،وأن يثبت قواعد البنيان قبل أن يرفع شواهق الأركان .ومن عرف معاني الأصول عرف كيف يبني عليها الفروع .ومن لم يعرف حقيقة الأصول كان حريا أن تخفى عليه أحكام الفروع«. إذا كانت مهمة الفقه هي التشريع للمجتمع ،فإن مهمة أصول الفقه هي التشريع للعقل ،وليس للعقل الفقهي وحده ،بل للعقل المسلم كله ،ويحق أن نعتبر أصول الفقه منهج العلوم الإسلامية؛ لأنه غدا محور إنتاج الحضارة الإسلامية في كل مجالاتها الفكرية. مائة كتاب إباضي418 هذا العلم المحوري في حضارة الإسلام أسهم في إرساء قواعده وإعلاء بنائه علماء الإسلام من كل المدارس الفقهية والكلامية .مساهمات متفاوتة امتدت عبر امتداد هذا الدين في الزمان والمكان ،وعرف المسلمون هذا النتاج موفورا من الشرح والبيان ،وبقي جزء غيرفأقبلوا عليه درسا وحف ظا ،ونال  حظا يسير من هذا التراث في طي النسيان. هذا التراث هو تراث المدرسة الإباضية .وهذا النسيان كان وليد أسباب عديدة ،بعضها مفروض ،وبعضها من إسهام أبناء هذا المذهب. وتآزرت هذه العوامل لتشكيل صورة ضبابية وقاتمة أحيا نا عن هذه المدرسة وأتباعها لدى أكثر المسلمين ،فوسموهم بالمروق عن صف الجماعة، والسنة ،كما ألصقت بهم تهم كافية عند تحقيقها وبالابتعاد عن هدي الكتاب لإخراجهم من زمرة أهل القبلة. ويتوارث هذا التصور المغلوط حتى لدى الأكاديميين ،ممن يفترض فيهم الموضوعية في البحث ،وتوثيق المعلومات من مصادرها الأصلية .إن المذهب الإباضي كان يرتكز على عدد من الأصول والتقاليد المتمثلة في: ١ القرآن الكريم ،رواية عبد االله بن مسعود. ٢ الأحاديث النبوية ،رواية عبد االله بن عباس بصفة خاصة. موقفا شديد ٣ أقوال الراشدين ،باستثناء عثمان بن عفان الذي وقفوا منه العداء. ٤ أقوال علماء المذهب الأوائل من أهل البصرة ،مثل أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة. ٥ مآثر أئمة تاهرت من الرستميين. ير وأقوال مشايخ أهل الدعوة على طبقاتهم .فهم الذين وأخيرا تأتي س ٦ يعرفون »مكنون العلم الذي لا يقال لقوم جهال«. 419منهج الاجتهاد عند الإباضية والدارس لتراث هذه المدرسة الممتد عبر أربعة عشر قر نا من الزمان أثرا لهذه المقالات؛ بل يتملكه العجب من البون الشاسع بين ما فيلا يجد هذه المصادر وبين ما يشاع عنها بالأقلام والأقوال. لهذه الأسباب المجتمعة يقدم المؤلف دراسته وهي محاولة تستهدف التوفيق لتصحيح الرؤية ،والتعريف بجهود هذه المدرسة في تأصيل أهم علوم الشريعة ،متمثلا في علم أصول الفقه؛ لأنه المنطلق الأول لبناء مجتمع مسلم ملتزم بأحكام الشرع في كل مناحي الحياة. وقد تعددت الآراء حول الإباضية ،بعضها ينكر أن يكون لها فقه ،أو نتاج بالسنة ،ولا فقه حيث لا تكون سنة، أساسا ،ويرى أنها طائفة لا علم لها فكري وبعضها ينسب إليها آراء فقهية شاذة كإنكار الرجم ،وإيجاب قضاء الصلاة على الحائض ،وجواز الجمع بين المرأة وعمتها ،أو المرأة وخالتها ،وغيرها من الك تاب يقرون أن الآراء التي توشك أن تخرجهم من زمرة المسلمين ،وبعض كتبا فقهية ،ولكنها مدو نا .بينما يقول آخرون :إن لها جيدا وتراثا فقها للإباضية مستورة عن الناس .فما موقع الإباضية الحقيقي من هذه الأقاويل؟ الحقيقة أن المطلع على تراث المدرسة الإباضية الفقهي يتملكه الاندهاش المدونة عندهم ،منذ فجر التدوين إلى العصر الحديث،من ضخامة التآليف ولكنها ظلت في منأى عن أعين الناظرين والدارسين ،بحكم عوامل الجهل والتعصب والقطيعة بين طوائف المسلمين وامتداد ظلال الفتنة الكبرى على فكر المسلمين وعلاقاتهم ،طيلة أربعة عشر قر نا من الزمان حتى قام من جراء ذلك جدار من حديد بين أبناء عقيدة التوحيد. والسؤال الذي يفرض نفسه :هل كان للإباضية منهج في هذه التآليف والموسوعات الفقهية الضخمة؟ وكيف كان منهجهم في الاجتهاد؟ وما هي تنظيرا وتطبيقا؟ وهل كان الفقه معالم هذا المنهج وأثره على نتاجهم الفقهي مائة كتاب إباضي420 الإباضي مستقلا بأصوله ومصادره؟ أم استمدها من غيره؟ وما طبيعة علاقته بنتاج المدارس الأصولية والفقهية الأخرى؟ أهي الانفصال والاستقلال أم التأثر والتأثير؟ ويعتبر الفصل التمهيدي مدخلا ضروريا للدراسة ،تناول المؤلف فيه قضيتين أساسيتين :الأولى :في ضبط مصطلحات الدراسة ،وهي ثلاثة :المنهج، والاجتهاد ،والإباضية .والقضية الثانية :عن تطور الفكر الأصولي وروافده، وموقع الإباضية من ذلك. أما عن الاجتهاد فقد مارس الفقهاء المسلمون الاجتهاد الفقهي على مدار العصور الإسلامية وفق منهج علمي منظم ناشئ من تفهم طبيعة الشريعة الإسلامية وخصوصياتها ،وإدراك مقاصدها؛ ونتيجة لذلك قننوا قواعد الاجتهاد، وحددوا مبادئه ،ونظموا خطواته. وتتجلى مبادئ الاجتهاد وخطواته فيما يلي: أولا :التأكد من صحة النصوص الواردة والمنقولة عن النبي ژ قرآ نا كانت أو حديثا ،بحيث ينتهي البحث إلى يقين أنها موصولة النسب إليه وليست منقولة عنه. ثانيا :الوقوف على ما تتضمنه تلك النصوص من معان ،وما تهدف إليه من مقاصد. ثالثا :فهم النصوص وإدراك دلالتها يخضع لقواعد اللغة وموازين العقل وضوابط الشرع ،وهنا مجال للاجتهاد فسيح. رابعا :استلهام تلك المعاني والمقاصد للوصول إلى أحكام لم يرد بخصوصها نص شرعي ،وهذا ما يعرف بالاجتهاد بالمعنى الخاص. وبهذا المفهوم العام نجد أن أصول الفقه هو »منهج البحث عند الفقيه 421منهج الاجتهاد عند الإباضية ومنطق مسائله« ،وبمعنى أوسع هو قانون عاصم لذهن الفقيه من الخطأ في الاستدلال على الأحكام. أساسا ،تنطلق فالاجتهاد عملية فكرية مجالها الحيوي هو النص الشرعي منه وتعود إليه ،وتسير وفق هديه وما يرشد إليه ولا تنقطع عنه. تفسيرا واستنبا طا، فالنص الشرعي مجال عمل المجتهد توثيقا وإثبا تا ،أو واستلهاما. قياسا ترجيحا ،أو أو كما أن هذا لا يتناقض ومقولة» :لا اجتهاد مع ورود النص« ،أو عبارة» :إذا ورد الأثر فلا حظ للنظر«؛ إذ معنى هذا مراد به النصوص الثابتة القطعية الدلالة. أما مصطلح الإباضية فيذكر المؤلف أن الإباضية مذهب من المذاهب الإسلامية ،كانت نشأته على يد التابعي الجليل جابر بن زيد الأزدي. عالما جليلا تتلمذ على يد الصحابة الكرام ،وشهد له بالعلم أستاذهوكان ابن عباس وآخرون ،ولم ينسب المذهب إلى جابر ،بل نسب إلى عبد االله بن إباض المري التميمي .وهي نسبة غير قياسية ،وسببها يعود إلى اشتهار ابن إباض بين الناس بجرأته ومواقفه من قضايا الساحة الإسلامية يومئذ .ولمناظرته مع الخوارج بسبب انحرافهم في المعتقد والسلوك ،إذ كفروا المسلمين واستباحوا الحرمات ،كما ناظر الأمويين وانتقد عليهم عدم التزامهم منهج الخلفاء الراشدين في تسيير أمور المسلمين ،واستئثارهم بالسلطة واتخاذها عضودا. ملك ا لأجل هذه الأسباب كانت نسبة الإباضية إليه دون الإمام جابر الذي آثر التقية حفا ظا على الجماعة من ضربات الأمويين ،واشتغل بالفقه والإفتاء ونشر ودون علمه فيالعلم في طلبته ،وعنه أخذوا قواعد المذهب في الاجتهاد ، ديوان كبير أتت عليه الأيام. مائة كتاب إباضي422 كان الإباضية يدعون أنفسهم أهل الحق ،وأهل الاستقامة ،وأهل الدعوة، وجماعة المسلمين ،ولم يسموا أنفسهم بالإباضية ،بل دعاهم بها غيرهم ،ثم واقعا ،وظهرت في مؤلفاتهم أواخر القرن الثالثأمرا ارتضوا هذه التسمية الهجري في مدونة عمروس بن فتح »الدينونة الصافية«. واكتملت صورة هذه المدرسة ،وتم تحرير أقوالها وآرائها في صورتها جابرا على الإمامة العلمية النهائية في أواخر أيام أبي عبيدة مسلم الذي خلف بالبصرة ،وعنه حمل طلبته الذين وفدوا عليه من المشرق والمغرب إلى بلدانهم سياسيا بارز ا في دورا التي أضحت فيما بعد مراكز لدول إباضية مهمة لعبت كل من جنوب الجزيرة العربية وشرقها وفي شمال إفريقيا .و عرف هؤلاء الس ير الإباضية ب »حملة العلم« إلى المشرق ،و»حملة العلم« التلاميذ في كتب  إلى المغرب. مددا متفاوتة عمرت بعضها طويلا ،ودامت بعضهاودامت تلك الدول قرو نا كما هو حال الإمامة في عمان ،وأنجبت علماء أسهموا بنتاج وفير في مختلف العلوم ،وبخاصة علوم الشريعة وعلى رأسها علم الأصول. وقد نشأت الإباضية جماعة أفرزتها الظروف السياسية التي ابتلي بها المسلمون أواخر العهد الراشدي ،ولكنها لم تكن حبيسة آراء سياسية متناثرة، بل كان لها تصور شامل لقضايا الدين كلها ،سواء ما تعلق منها بالعقيدة أو بالشريعة ،في السياسة والحروب والأمن ،والعلاقات الفردية والعامة للمسلمين. وهذا ما تجلى في نتاج علمائها الفكري ،إذ نجد فيه العقيدة ممزوجة بالفقه، والسياسة مع الأخلاق والتزكية ،ولهذا المزج تفسير واضح هو انطلاق الإباضية من أساس أن الإيمان ثلاثة أركان متكاملة :عقيدة ،وقول ،وعمل ،لا يغني بعضها عن بعض ،ولا يقوم بعضها مقام بعض. وللإباضية مواقف في قضايا وآراء عقدية ميزتها عن كثير من فرق 423منهج الاجتهاد عند الإباضية المسلمين ،ب ي د أن القواسم المشتركة ظلت تمثل الجانب الأكبر من هذه القضايا ،كما أن الجدل الذي قام بين المسلمين عبر تاريخهم الطويل قوى من علاقات التأثر والتأثير بين مختلف المدارس والمذاهب. وتتناول هذه الدراسة جانب الاجتهاد أو استنباط الأحكام ،والتعرف على معالم المنهج الذي اختطه الإباضية في مجال الفقه ،وتحديد أصول فقههم، كيف أصلوها؟ وكيف بنوا عليها اجتهادهم؟ ودونوه في تلقى العلم عن جابر تلامذة عديدون حملوه في الصدور مهما من ديوانه الذي ضاع ،ووصلنا عبر هذهجزءا  السطور ،وأنقذوا بتآليفهم الآثار معظم فقه جابر ،بل أن كتب التفسير والفقه والحديث لعلماء المسلمين ومفسرا. فقيها ومحدثا تطفح بآراء جابر بن زيد لشهرته بينهم مطردا وتوالى عبر نموا ونما التدوين الفقهي لدى الإباضية بعد جابر  القرون وأنتج لنا موسوعات تعد بالعشرات ،تناولت جميع أبواب الفقه الإسلامي ،وكان بده يا أن يقوم هذا الصرح الفقهي على أصول ثابتة ومنهج متناسبا مع النتاج الفقهي، مرسوم ،ولكن النتاج الأصولي للإباضية لم يكن وهذا ما لفت الانتباه إلى تفسير هذه الظاهرة. وعنوان المبحث الثاني من الفصل التمهيدي» :علم الأصول ،التطور والروافد« .ويشير المؤلف إلى أن علم الفقه علم إسلامي أصيل ،نبت في تربة والسنة وعلوم اللغة العربية ،وإن وفد إسلامية ،ونما وترعرع في رحاب القرآن عليه في مرحلة لاحقة دخيل من المنطق ومباحث علم الكلام ،فإن تلك العلوم علوما إسلامية برغم ما شابها من تأثر بفلسفة اليونان وتراثظلت إلى حد كبير غير المسلمين. وليدا ثم شب واكتهل ،ورعاهوعلم أصول الفقه كغيره من العلوم ،بدأ العلماء المجتهدون ،ووضعوا له الأساس ،ثم أعلوا فوقه البناء. مائة كتاب إباضي424 ولم تكن مصطلحات هذا العلم متعارفا عليها بين الصدر الأول في عهد الصحابة ،فإنهم مارسوها في اجتهاداتهم تطبيقا ،ثم تلاهم عهد التدوين والتقعيد ،وتمييز القواعد وضبطها وجمعها في منظومة متكاملة ،وتم ذلك على يد الإمام الشافعي. ولكن المسار لم يسلم من عقبات ،إذ نشأ خلاف بين مدرسة الحديث بالحجاز ومدرسة الرأي بالعراق لظروف تاريخية موضوعية أفرزت ذلك الخلاف؛ وقد وصل أحيا نا درجة حادة من التوتر والجدل الساخن لفقدان قواعد مشتركة تحسم الخلاف .وجاء الإمام الشافعي ليحسم الخلاف ،فوضع كتاب» :الرسالة«. ومن جهة أخرى فإن الرسالة تمثل صورة صادقة للمشكلات الأصولية التي شغلت بال الأصوليين آنذاك ،ومن ذلك الخلاف حول حجية خبر الآحاد في خصبا للحوار العلمي الرصين حجية الاستحسان وحجية القياس .فكان المجال أساسا لانطلاقة مباركة في بناء صرحالذي أنجب هذه الرسالة التي غدت الأصول ،ظهرت نتائجه الطيبة في القرون التالية. مهما جانبا أما عن تدوين الأصول عند الإباضية فيمثل النتاج الفكري لهم من جهود هذه الطائفة لخدمة الإسلام وبناء حضارته معنويا وماديا ،وقد بلغت كبيرا جعل الدارسين يتساءلون في اندهاش :كيف تدون كل هذهحجما تآليفهم الآلاف من الآثار ،ولا يسمع عنها إلا عدد يسير من الناس ثم لا يراها من هؤلاء غير فئة قليلة؟! كبيرا في تفسيردورا مرت بها هذه الجماعة إن للظروف التاريخية التي هذه الظاهرة .وفي البدء لم يستقل علم الأصول بالتدوين لدى الإباضية إلا في زمن متأخر في حدود القرن الرابع الهجري حسب المعلومات التي أمدتنا بها المصادر ،إذ كانت قواعد الأصول ممزوجة بمسائل الفقه وقضايا 425منهج الاجتهاد عند الإباضية أساسا لتدوين علم العقيدة؛ ولهذا كانت المصادر الأولى للمؤلفات الإباضية الأصول عندهم. ولم ينكر الإباضية تأخر التدوين الأصولي عندهم بمعناه الاصطلاحي، ولم يشاركوا في الجدل الذي قام حول أول من ص نف في أصول الفقه ،وإن وجودا. كانوا أسبق المدارس الفقهية القائمة وفي معرض حديث الإمام السالمي عن ضرورة الأصول للفقيه ،وأنه لا يتوصل أحد إلى معرفة الفقه حتى يكون عارفا بأصول الفقه تصريح منه بتأخر التدوين الأصولي الاصطلاحي عند الإباضية ،رغم أنه في القرن الثاني الهجري كانت قد تأسست آراء الإباضية في معظم القضايا الفقهية والدينية، وذلك أواخر سنوات أبي عبيدة مسلم ،إذ نشط تلاميذه حينها في حوار علمي قائم على قواعد الاجتهاد. إن إمام المدرسة الإباضية جابر بن زيد ،قد أخذ قواعد الأصول ومنهج الاجتهاد عن أساتذته من الصحابة الأجلاء ،ومن هؤلاء ابن عباس الذي أحبه إماما في التفسير وتأثر بمنهجه الفكري ،وعنه تلقى تفسير القرآن حتى صار وحجة في التأويل. وتجلت نزعة ابن عباس العقلية في آثار تلميذه جابر ،إذ لم يكن وقافا عند ملتزما بضوابط ظواهر النصوص ،بل كان يبحث عن العلل ومآلات الأفعال اللغة ومقاصد الشارع دون أن يستهويه الفقه الافتراضي. بل إن أهم آراء ابن عباس نجدها نفسها هي آراء الإباضية ولو خالفت منسوخا ،وأن جمهور فقهاء المسلمين ،ومن ذلك اعتبار المسح على الخفين لا ربا إلا في النسيئة ،وإن كانت المسألة خلافية بين الإباضية أنفسهم. وكذلك الأمر بالنسبة لتفسير الملامسة في قوله تعالى¶ μ ﴿ : مائة كتاب إباضي426 فسرها ابن عباس والإباضية بمعنى الجماع .أما مجرد ̧ ﴾ ]النساء [٤٣ :فقد  الملامسة بين الزوجين الذي يفهم من ظاهر اللفظ فإنه لا ينقض الوضوء. وكان الإمام جابر همزة وصل بين الصحابة وتلاميذه من أئمة الفقه الإباضي .وقام هذا الفقه على هذه الأصول التي اعتمدها الإمام جابر :القرآن، والسنة ،وأقوال الصحابة ،ثم الرأي.  وتشدد بعض تلامذة جابر في استعمال الرأي فلم يبيحوه إلا عند الضرورة القصوى ،من ذلك أن أبا عبيدة لما سمع أن أهل عمان يستعملون الرأي قال: إنهم لم يسلموا من الفروج والدماء. وبدهي أن تتباين الآراء الفقهية في مسائل عديدة في إطار الاختلاف المشروع .من ذلك اختلاف تلامذة جابر حول بعض القضايا بسبب »القياس« جميعا :لا ينفذ ،وهو مثل الطلاق قبل النكاح،ففي مسألة العتق قبل الملك قالوا فلا طلاق ولا عتق إلا بعد ملك .وكان بعض تلاميذه يقول بالعتق قبل الملك. كما خالف الربيع بن حبيب جمهور الإباضية في مسائل ،منها: إجازة سجود السهو لكل صلاة. أن الصلاة لا يقطعها شيء. واجبا. الاستنجاء بالماء لا يراه أساسا على الأدلة الشرعية ،ولم يول والواقع أن الفقه الإباضي اعتمد قداسة للأشخاص ولا حجة لأقوال الرجال. وفي مجال الاجتهاد إذا وقع بين المجتهدين اختلاف ،قال » :نظر ما أيده الدليل وعمل به أهل العلم قبلهما ،ولم يرجع في ذلك إلى تقليد واحد منهما بغير دليل«. وسار التدوين الأصولي على هذا المنهج ،ثم ظهرت فيه سمة الاتجاه 427منهج الاجتهاد عند الإباضية ظهورا الكلامي مع مؤلفات ابن بركة والوارجلاني ،وإن كانت هذه السمة أقل عند ابن بركة لارتكازه على الجانب اللغوي وعلى التعليل الظاهري للأحكام دون الإغراق في دقائق العلة التي عني بها المناطقة وأتباعهم من المتكلمين أمثال الغزالي والآمدي. والقاسم المشترك بين تآليف الإباضية في الأصول هو اهتمامها بالتقعيد تقص للفروع الفقهية ،وتلك هي السمة الأساسية المميزةوالتأصيل دون  لمدرسة المتكلمين. ولئن كان جامع ابن بركة نقلة نوعية في التدوين الأصولي لدى الإباضية، إلا أن الجهود لم تتواصل بنفس الوتيرة من بعده ،فلم نر مؤلفات مستقلة في هذا العلم إلا قليلا. ورغم النتاج الفقهي الهائل الذي تلا عصر ابن بركة ،والذي تجسد في مجلدا فقد بقي علم الأصول لدىموسوعات ضخمة بلغ بعضها تسعين المشارقة حبيس تراث ابن بركة ،يردد ما ورد في الجامع حرف يا أحيا نا، وباختصار أو بإضافات قليلة في بعض الأحيان. ولم يختلف الأمر بالنسبة للمغاربة ،إذ غدا كتاب »العدل والإنصاف« محور التآليف الأصولية بعد الوارجلاني إلى القرن العشرين؛ إذ كتب فيه الشيخ محمد أطفيش موسوعته الأصولية. ولم يكن الإباضية بد عا من الناس في مجال التأليف الأصولي ،بل كانت الخطى لدى الجميع متسقة أو متقاربة ،ما دام الحديث عن منهج وعن علم معياري موحد المصادر والموارد ،فانطلاقه من الوحي وغايته الحكم الشرعي. ولكن الاختلاف في بعض قضايا العقيدة صبغ تراث الإباضية الأصولي بهذا اللون العقدي ،وتجلى ذلك في كثير من مباحثه وقضاياه. مائة كتاب إباضي428 غير أن الجانب الكلامي أو النظر التجديدي الذي نحا المتكلمون نهجه لم يبرز بصفة مماثلة لدى أصوليي الإباضية؛ بل تجلى فيه الجانب العملي للعقيدة بصورة واضحة ،وبخاصة فيما يتعلق بالتشديد على من أنكر أحد الأصول سلوكا. اعتقادا أو القطعية أو النصوص القطعية ،أو استخف بها وكذلك الحال في بناء كثير من الأحكام الاجتهادية على قواعد الاحتياط، والتوسع في مبدأ سد الذرائع ،ومحاربة الحيل ،وتوظيف مبدأ الولاية والبراءة في كثير من القضايا الأصولية والفرعية. هذا المسلك نابع من العقيدة الإباضية التي ترى الإسلام كلا لا ينفصل ،وأنه هرم قائم على أركان ثلاثة :العقيدة في الجنان ،والقول باللسان ،والعمل بالأركان. وهذا ما سيجلبه البحث التفصيلي لقضايا الأصول ومعالم منهج الإباضية في الاجتهاد ،أما في الفقه فلا جديد يميز الإباضية عن غيرهم ،سوى مسائل اختلفوا فيها مع المذاهب الأخرى كانت وليدة منهجهم في استنباط الأحكام. وقواعد اللغة كانت متفقة بين المدارس الاجتهادية في الغالب الأعم ،لأنها لعرفهم في الاستعمال ،ولا دخل للمتأخرين فيمن وضع العرب وتخضع تحديدها ،وإنما قد تتباين الأنظار حول قوة بعض الدلالات والترتيب والترجيح بينها عند التعارض. فاسدا، وقد يعتمد بعض الفقهاء دليلا للاستنباط ،بينما يراه البعض تمسك ا ويكتفي بدلالة المنطوق وحده. ويرى البعض دلالة العام قطعية ،بينما لا يجاوز به آخرون درجة الظن إلى خصبا لاجتهاد المجتهدين واختلاف أنظارهم.ما هنالك من قواعد كانت مجالا محدودا ،لم يبلغ الدرجة ويرى المؤلف أن أثر المنطق في الفقه الإباضي التي وصل إليها الغزالي وأتباعه من الأصوليين المتكلمين ،ففي القرون الأولى 429منهج الاجتهاد عند الإباضية ظلت الكتابات الأصولية عند الإباضية في منأى عن هذا التأثير ،واكتفت برعاية القواعد العقلية البدهية في التفكير والبرهان ،وهو ما نجده لدى المشارقة واضحا في جامع ابن بركة. وفي كتاب» :المحاربة« لبشير بن محمد بن محبوب إشارات إلى استعمال المنهج المنطقي مثل اللزوم والاستدلال ،ولعل هذا مما يرجح توجه المدرسة الإباضية الأصولية إلى نهج المتكلمين منذ بذورها الأولى ،ثم لحقتها الصناعة المنطقية مع كتابات نجاد بن موسى في مؤلفه »الأكلة وحقائق الأدلة« ،ثم لم يتبعه على هذا النهج معظم الإباضية المشارقة ،بل ظلوا يرددون ما كتبه ابن ترديدا أمي نا دون إضافة تذكر. بركة في جامعه وفي جناح المغرب الإسلامي برز أبو يعقوب الوارجلاني حاملا لواء المنطق ،فوضع فيه رسالته »مرج البحرين« في المنطق والفلسفة ،وكتب في هذا متميزا ،هو» :الدليل والبرهان« ،فظهر أثر نهجه الكلامي في كتابه مؤلفاالمجال الأصولي» :العدل والإنصاف في معرفة أصول الفقه والاختلاف«. وقد جعل الوارجلاني المنطق أحد أركان العلم الأربعة :فأصول اللسان: اللغة والنحو ،وأصول الجنان :المنطق والفقه ،وهذه الأصول الأربعة لا غنى لسبيل الهداية عنها .إذ باللغة يكون البيان ،وبالنحو يكون التبيان ،وبالمنطق تظهر حجج البرهان ،وبأصول الفقه تظهر معاني القرآن ،فنسبة المنطق إلى العقل في المعقولات كنسبة النحو إلى اللسان في المقولات. وعلى نفس النهج في رفع المنطق وتوظيف قواعده في التصنيف سار أبو عمرو السوفي في» :السؤالات« .ثم تنامى الاهتمام بالصناعة المنطقية لدى أبي القاسم البرادي إذ وضع رسالة» :الحقائق« في التعاريف وضبط الاصطلاحات والحدود .وتجلى هذا الاهتمام بالمنطق في كتابه »البحث الصادق والاستكشاف« الذي شرح فيه» :العدل والإنصاف« للوارجلاني. مائة كتاب إباضي430 وأكمل الشماخي البناء ،بكتابه» :مختصر العدل والإنصاف« ،ثم ب» :شرح المختصر« وسار على طريقة المناطقة في تقسيم الألفاظ ودلالتها ،وفي ضبط الحدود والتعاريف ،كما عرض لمسائل كلامية. نموا حتىولم تخل الشروح التالية للشماخي من هذا التأثير ،بل ازدادت  بلغت أوجها على يد الشيخ محمد أطفيش. وجاء الإمام السالمي فاقتصد في الأمر وأوجز الحديث عن هذه القضايا في كتابه »طلعة شمس الأصول« ولم يخل من اهتمام بالتعارف وإيراد الاعتراضات منهجا وس طا أخذ فيه لب المنطق ،وحاولعليها والردود ،وتميز تأليفه بسلوكه التركيز على قضايا أصول الفقه الجوهرية ،والابتعاد عن الاستطرادات الهامشية. الباب الأول عنوانه» :اجتهاد التأصيل« ويشتمل أربعة فصول: الفصل الأول في» :المعرفة والدليل« يبين فيه المؤلف مفهوم الحجة ،وقيام حجية العقل وأدلة الأحكام ،وإشكالية العقل والنقل .ويشتمل هذا الفصل على ثلاثة مباحث :المبحث الأول :نظرية المعرفة .المبحث الثاني :مفهوم الدليل وقيام الحجة .المبحث الثالث :حجية العقل وأدلة الأحكام. وقد أسهم الإباضية في مجال علم الأصول مساهمة لها وزنها بين التراث الفكري للمسلمين ،وتناولت جهودهم كل مجالات الاجتهاد .وتجلت لنا من مباحث هذه الرسالة انسجامهم مع أعلام الأصول في جل القضايا ،سواء ما تعلق منها بالتأصيل أو بالتفسير أو بالترجيح ،وتلك طبيعة المنهج التي تقتضي الاتفاق على أسسه وقواعده العامة ،ثم يكون التنوع واختلاف الأنظار حول فروعه ومسائله الخاصة. إسهاما في الجهد العام كان للإباضية دورهم في تأصيل نظرية المعرفة، لعلماء المسلمين في هذا المجال الهام ،وعنوا بضرورة النظر ووجوبه، 431منهج الاجتهاد عند الإباضية ولزوم السؤال لمن عجز عن الاستقلال بالنظر والاجتهاد ،لأن ذلك مفض وفصلوا ما يسع الناس جهله وماإلى معرفة الخالق والقيام بعهدة التكليف، سائرا في عماية من أمور دينه وجهل بمالا يسع جهله ،حتى لا يظل الإنسان يلزمه معرفته. وتؤكد هذه الدراسة أن المصادر التي استقى منها الإباضية فقههم هي والسنة ،والاجتهاد بأوسع المصادر المتفق عليها بين المسلمين :الكتاب، معانيه ،وكانت نشأة هذه المدرسة على يد جابر بن زيد وتلاميذه بالبصرة ،وقد مزيجا بين تتلمذ جابر على الصحابة بالمدينة ومكة .فكانت أصول اجتهاده مدرسة العراق ومدرسة الحجاز ،واتسم بالاعتدال بين التزام النص وبين إعمال الرأي والتعليل ،واعتماده الدليل الشرعي في كل الأحوال. وبالنسبة لأصول الأدلة فإن الإباضية يعتمدون في إثبات الأحكام نفس المصادر التي ارتضاها جمهور المسلمين ،متمثلة في العقل والنقل .وتحت كل صنف توجد أدلة متعددة ،وبعض الأدلة مختلف في تصنيفها ،إذ جعلها بعضهم من أدلة العقل ،بينما صنفها آخرون ضمن الأدلة النقلية. والسنة وقد حصر ابن بركة حجج االله التي تعرف بها الأحكام في الكتاب واتفاق الأمة ،وحجة العقل ،ثم قيد الكدمي حجة العقل فيما وافق هذه الأصول سيرا مع منهج الإباضية في تقديمهم النقل على العقل .أما الوارجلانيالثلاثة فيؤكد على اعتبار الأدلة أربعة ،وأنه لا خامس لها إلا التقليد ،والحق في التقييد والسنة، دون التقليد .وهو ما ذهب إليه الغزالي أن الأدلة أربعة :الكتاب، والإجماع ،ودليل العقل المقرر على النص الأصلي. وسنة خامسا مبي نا أن الحق يعرف من كتاب االله ثم يضيف ابن بركة دليلا الرسول ژ وإجماع الأمة ،ومن حجة العقل ،ومن الأخبار المتواترة .واتفقت كلمة ابن بركة في هذا التقسيم مع بعض العلماء ،إذ جعلوا المتواتر من الأخبار مائة كتاب إباضي432 خامسا .ولكن لم يتابع أصوليو الإباضية هذا التقسيم ،إذ عدوا الأخباردليلا السنة. المتواترة ضمن دليل  السنة ودليل الأخبار مطلقا دون تقييدهب ي د أن البرادي فصل بين دليل  السنة لدى الإباضية يعني القطعي الثابت عنبالتواتر ،معللا ذلك بأن مصطلح  السنة المتواترة ،و تعد حجة قطعية يكفر جاحدها .أما الأخباررسول االله ،وهو  فالسنة على أصولهم وجهين :وجهفهي ما دون ذلك ،وتشمل المشهور والآحاد . يقطع به ،ووجه لا يقطع به. السنة والأخبار ،بل سارولم ينفرد الإباضية بهذا المنهج في الفصل بين  عليه إمام الحرمين الجويني من قبل ،معللا بنفس التعليل الذي أورده البرادي، آحادا ،فلاقطعا .وأما الخبر فهو ما نقل السنة ما ثبت عن الرسول ژ وهو أن  نجزم يقي نا بثبوت نسبته إلى النبي ژ . والسنة(« ويب ين المؤلف كيفوعنوان الفصل الثاني» :دليل الوحي )الكتاب السنة عند الإباضية وأقسامها،كان القرآن أصلا لسائر الأدلة ،وأوضح منزلة  السنة بالقرآن ،وحجية الأخبار .كما تناول هذا الفصل منهج نقد الروايةوعلاقة  وشروط الحديث المقبول. وتؤكد هذه الدراسة أن المصادر التي استقى منها الإباضية فقههم هي والسنة ،والاجتهاد بأوسع المصادر المتفق عليها بين المسلمين :الكتاب، معانيه .وكانت نشأة هذه المدرسة على يد جابر بن زيد وتلاميذه بالبصرة ،وقد مزيجا بين تتلمذ جابر على الصحابة بالمدينة ومكة ،فكانت أصول اجتهاده مدرسة العراق ومدرسة الحجاز ،واتسم بالاعتدال بين التزام النص وبين إعمال الرأي والتعليل ،واعتماده الدليل الشرعي في كل الأحوال. للسنة بمفهومها الاصطلاحي ،فقد أرسيت قواعدها مع الأئمةبالنسبة  صنوا مصدرا للتشريع ،الأوائل :جابر ،وأبي عبيدة ،والربيع ،وتم اعتمادها 433منهج الاجتهاد عند الإباضية وحيا من االله ،وتتلوه في المرتبة عند التعارض باعتبارها غير للقرآن باعتبارها قطعية الثبوت التي تعد وليدة مباحث الأمر والنهي ،فبينهما ترابط عضوي، ارتباط النتيجة بالسبب. ودعا السياق إلى تناول بعض أركان هذه النظرية ،متمثلة في الحكم الشرعي نفسه ،وبعض أقسامه .سواء ما تعلق منها بالحكم التكليفي أو بالحكم الوضعي .ثم عرج إلى المحكوم فيه وهو فعل المكلف ،ثم المحكوم عليه وهو المكلف ،وما يشترط فيه من فهم للخطاب وقدرة على الامتثال ،وبين مدى إسهام الإباضية في هذا المجال ،وقد اختلف الإباضية كغيرهم في كون الكفار مخاطبين بفروع الشريعة أو هم مخاطبون بالتوحيد دون الشريعة. ذهب بعضهم إلى أنهم خوطبوا بالتوحيد والإقرار بالجملة ،فإذا أقروا بذلك لزمهم ما لزم المسلمين من الخطاب بأحكام الشريعة ،احتجوا بواقعة قوما إرسال النبي ژ لمعاذ بن جبل إلى اليمن .إذ قال له النبي ژ » :إنك تأتي من أهل الكتاب ،فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا االله ،فإن هم أجابوك فأعلمهم أن االله افترض عليهم «...وذكر له فرائض الإسلام .والبدء بالتوحيد دلالة على أنهم غير مخاطبين بالفروع قبل الإقرار بالشهادة. وذهب جمهور الإباضية إلى أن الكفار خوطبوا بالشريعة كما خوطبوا بالتوحيد ،ولا فرق وهو قول الأشاعرة إلا أن هؤلاء الكفار أمروا بتقديم التوحيد على ما سواه ،كما أمر المسلمون بتقديم الطهارة على الصلاة. ولم يرجح ابن بركة قولا على آخر ،وعقب على الخلاف بقوله» :واالله أعلم بأعدل القولين«. والقول الثاني هو الراجح ،وهو قول جمهور الإباضية ،وترجيحه منطقي مستندا لأنه لا يتنافى مع القدرة على الامتثال الذي اتخذه أصحاب القول الأول مائة كتاب إباضي434 ودليلا لما ذهبوا إليه .وقالوا بأن الكفار في حال كفرهم غير قادرين على فعل الطاعات ،لأنها لا تقبل منهم فهو تكليف بالمحال. والصواب :أنهم مأمورون بجميع التكاليف ،عقيدة وشريعة ،ونهوا عن الشرك والمعاصي كلها ،ولا عذر لأحد في عصيان االله بعد البلوغ والبلاغ. ولا تناقض بين تكليف الكفار بالتوحيد وتكليفهم بالفروع ،وبين كون الفروع لا تقبل منهم إلا بعد التوحيد؛ لأن ذلك من باب تقديم الشرط ،وليس من شروط التكليف حصول الشرط الشرعي .فإيجاب الصلاة لا يتعلق بحصول جميعا شروطها وهو الوضوء ،وستر العورة ونحوهما ،بل الطلب متجه إليهما مع مراعاة الترتيب .ولو توقف التكليف على تحقيق شروطه التي في قدرة مكلفا بالصلاة ما لم تتوضأ ولو إلى عشرالمكلف لقلنا لغير المتوضئ :لست سنين ،ولا قال بهذا من علماء الإسلام. وأما الباب الثالث فهو بعنوان» :اجتهاد الترجيح والاستدلال« ،وهو يشتمل على الثبوت في جميع نصوصها. السنة عندهم يشمل ما أثر عن النبي ژ ،وقد يضيق المعنى أحيا نا مصطلح  بالسنة ما ثبت بالقطع .وأما ما دون ذلك فهو من الأخبار. فيقصد  لذلك كان المنهج المتبع من ق بل علماء الإباضية الأوائل في قضايا الاجتهاد الاعتماد أولا على القرآن ،فإن تعذر استخراج الحكم منه وجب السنة هذه القضية كان الملاذ إجماع الصحابة،السنة ،فإن لم تعالج  اللجوء إلى  فإن اختلفوا وجب اختيار أحسن هذه الآراء ،وكان جابر يرى عدم الخروج فسيحا للنظر والاجتهاد. عنها .وإن عدم رأيهم في المسألة كان المجال حرصا على سلامة نسبتها إلىوقد تشدد الإباضية في رواية الأحاديث، الرسول ژ ؛ ولذلك كانت مروياتهم من الأحاديث قليلة مقارنة بغيرهم .وإن 435منهج الاجتهاد عند الإباضية خلت ساحتهم من الوضاعين لاعتقادهم أن الكذب كبيرة تخ لد صاحبها في النار ،فكيف بالكذب على رسول االله ،وقد توعد صاحبه بمقعده في النار. السنة القولية على ومن القواعد التي اعتمدت في اجتهاد الإباضية تقديم  السنة الفعلية عند التعارض؛ لأن الحجة في القول عموم الخطاب فيه للمكلفين، موجها للأمة ،وإن ثبت دليل التأسي بالنبي ژ ،أما الفعل فهو ليس عا ما ولا فإن تعارض قوله مع فعله يجعل الفعل محتملا للخصوصية؛ لضعف دلالته عن السنة القولية. ويدور الفصل الثالث حول» :دليل الإجماع بين التصور والواقع« .يبين المؤلف في هذا الفصل مفهوم الإجماع وكيفية حصوله ،ومن هم أهله ،وما هي شروط انعقاده ،ورأي الإباضية في الإجماعات الجزئية كإجماع العمرين وإجماع أهل المدينة ،وموقفهم من منكري الإجماع ،وأثر هذا الدليل في اجتهاداتهم. إن الإباضية لم يقصروا الإجماع على شخص أو فئة ،كما فعلت الشيعة باشتراطها وجود الإمام المعصوم ضمن المجتهدين ،أو حصره على زمن معين، كما فعل الظاهرية الذين منعوا وقوعه بعد عصر الصحابة ،بل متى حصل اتفاق مجتهدي الأمة في زمان كان حجة على من بعدهم. كما لم يعتبروا الإجماعات الجزئية حجة شرعية ،كإجماع العمرين ،وإجماع الخلفاء الأربعة بالنظر إليهم كأفراد ،ولا بإجماع أهل المدينة ،وإجماع أهل البيت وغيرها؛ لأن العصمة ثبتت للأمة بكليتها عند اتفاق مجتهديها ،لا لبعض أفرادها .ولأن ذلك ليس إجما عا بالمعنى المقصود .وتظل تلك الإجماعات اجتهادات راجحة عند الاختلاف لا مانعة من الاختلاف .فلها وزنها عند تعدد أنظار المجتهدين ،لكنها ليست حجة ملزمة للناس. ويتناول المؤلف في الفصل الرابع »القياس« باعتباره رابع أدلة الأحكام عند الجمهور .ويبين المؤلف مفهومه واختلاف أوائل الإباضية حول حجيته، مائة كتاب إباضي436 وما استقر عليه أمرهم بعد ذلك ،ثم إسهامهم في إثراء هذا المجال ،ووضع قواعد توظيف القياس وتحديد مجالاته ،وكيف تجسد ذلك في الفقه الإباضي. فقد وقع الخلاف بين الأئمة الأوائل حول حجية القياس ومدى اعتماده لاستنباط الأحكام ،فارتضاه أكثرهم ورده بعضهم ،ثم حصل الاتفاق على القول به ،وتوسع فيه اللاحقون فأجروه في المعاملات وفي العبادات ،وجاوزوا به إلى ميدان الحدود والكفارات. والسنة ،والإجماع، وضم مصطلح الرأي ما عدا الأصول الثلاثة :الكتاب، وأحيا نا يقصدون برأي المسلمين الإجماع ،فهم يعتمدون المصادر التبعية عموما ،وقد أدى المختلفة ،وظهر ذلك جل يا في اجتهاداتهم وفي أبواب الفقه عدم وضوح المصطلح عند بعض الدارسين إلى اعتبار الإباضية من المنكرين ب الحقيقة. فهم جا ن للرأي ،وهو وعنوان الباب الثاني» :اجتهاد التفسير« ،وتضمن هذا الباب فصولا أربعة م هد لها المؤلف ببيان علاقة اللغة بتفسير النصوص .وخصص الفصل الأول وضوحا للحديث عن »البيان« بما فيه من حقيقة ومجاز ،وتقاسيم الألفاظ وخفاء ،ومناهج المجتهدين في هذه التقاسيم ،وموضع الإباضية من هذه المناهج ،وإسهامهم في مباحث الدلالات بالمنطوق والمفهوم ،وتطبيقاتها في مسائل فقهية عديدة. وكان اعتماد الإباضية على الرأي في الاستنباط معتدلا ،فلم يجمدوا على حرفية النصوص صنيع أهل الظاهر ،ولم يوغلوا في التأويل البعيد فعل أهل الباطن الذين أغرقوا في التفسير الإشاري الذي يجافيه وضع اللغة و عرف الشارع. وتمثل اعتدال الإباضية في التأويل في أنهم يلجأون إليه بعد استنفاد طاقة العقل في سبر النصوص ومعرفة دلالاتها وعللها ومقاصدها ،والالتزام بروح النص. 437منهج الاجتهاد عند الإباضية أما الفصل الثاني فهو عن »العموم والخصوص« وما يتعلق بهما من قضايا تأصيلية وتخريجات فقهية. ويعرض المؤلف في الفصل الثالث المحور الأساسي في التكليف ،وهو مباحث الأمر والنهي .ويبين المؤلف المفهوم والدلالة من حيث اللغة ومن حيث الشرع ،إلى ما هنالك من قضايا بعضها يخص الأمر كعلاقة الأمر بالزمن ،وبعضها يخص النهي كدلالته على الفساد وأثر ذلك على كثير من مسائل الاجتهاد. وختم المؤلف الباب الثاني بفصل رابع هو »نظرية الحكم الشرعي« التي تعد وليدة على ثلاثة فصول: الفصل الأول عن »التعارض والترجيح« ،وهدف المؤلف من هذا الفصل بيان حقيقة التعارض بين الأدلة الشرعية والقواعد المرسومة لإزالة هذا التعارض ،ومن أبرزها النسخ وقضاياه. ثم كان الفصل الثاني عن »الاستدلال« ومفهومه ،وهو الاجتهاد عند فقدان النص .تناول فيه المؤلف الأدلة التبعية النقلية منها كحجية قول الصحابي وشرع من قبلنا ،والأدلة العقلية كالمصالح المرسلة والاجتهاد المقاصدي، مفهوما وممارسة ،ثم والاستحسان وغيرها ،وموقف الإباضية من هذه الأدلة العرف وضرورته وسدتحدث في الفصل نفسه عن القواعد الفقهية ومن أبرزها الذرائع ،وأثر هذه القواعد في الفقه والاجتهاد. أما الفصل الثالث والأخير فهو عن عملية الاجتهاد ،كيفية حدوثها ومشروعيتها وشروط المجتهد وتحديد مسئوليته وبيان مجال عمله ،ما يجوز منه وما لا يجوز ،وما نجم عن ذلك من اختلاف الأصوليين حول الصواب والخطأ في الاجتهاد. مائة كتاب إباضي438 وقد تناول المؤلف في هذا الفصل بعض مسائل مما تميز به الإباضية ،وهي قضايا الولاية والبراءة .ومسالك الدين وبيان علاقتها بالاجتهاد .وختم المؤلف هذا الفصل بالحديث عن العاجز وعن الاجتهاد وهو المقلد بيا نا لحقيقة الاجتهاد وحكمه ومجاله ،ومتى يجوز تقليده؟ وهل للمقلد التخيير بين أقوال المجتهدين؟ وفي الخاتمة يرصد المؤلف أبرز معالم الاجتهاد عند الإباضية وما كان محل وفاق أو خلاف بينهم وبين الأصوليين ،سواء في ذلك مدرسة الحنفية أو مدرسة المتكلمين. وقد تأثر الفقه الإباضي واجتهاد علمائه بالظروف السياسية والتاريخية التي مر بها المذهب وأتباعه سواء في المشرق أو في المغرب ،وهو ما تجلى في الاهتمام بالإمامة وأحكامها ،وعلاقة الفرد بالسلطان في مختلف حالاته من أيضا، العدل والجور .ولهذا المجال صلة وثيقة بقضية الولاية والبراءة قديما وحديثا. وحضورها القوي في كتابات فقهاء المذهب كما برز في فقههم الاهتمام بالجانب المقاصدي وتحري إصابة الغاية من التشريع عند الاجتهاد والعناية بالباعث والتعرف عليه للحكم على الأفعال. والاجتهاد للنظر إلى مآلات أفعال المكلفين ،وعدم الاكتفاء بالجانب الظاهري سبيلا ،وإن تعذر الأمر فالقاعدة أن الحكم علىما وجد المجتهد إلى ذلك الظواهر واالله يتولى السرائر. وكان تركيز الإباضية على الجانب المقاصدي وسيلة لمحاربة الحيل ورصد المتحيلين على الشارع ،حتى لا تفضي الأحكام إلى عكس مقصودها .وقد متناثرا في كتبهم ،دون أن يعنوا بوضعتجلى هذا في اجتهاد علماء الإباضية هيكل متكامل لعلم المقاصد ،وما تعلق به من مباحث الباعث والمآلات. 439 á«°VÉHE’G óæY ...ó≤©dG ôμØdG ...ôé¡dG »fÉãdG ¿ô≤dG ájÉ¡f ≈àM »Ñ«gƒdG »∏Y øH odÉ°S øH o∏°ùe .O مكتبة الضامري للنشر والتوزيع السيب سلطنة عمان ،ط،١ ١٤٢٧ه٢٠٠٦/م. عدد الصفحات ٥٧٦ :صفحة يتكون الكتاب من أصل الكتاب أطروحة علمية لنيل درجة الدكتوراه. مقدمة وبابين وخاتمة. يشير المؤلف في المقدمة إلى أن المسلمين بعد عدة أحداث جسام انقسموا إلى ثلاث كتل: كتلة علي بن أبي طالب. كتلة معاوية بن أبي سفيان. الم ح كمة :أي التي رفضت التحكيم ،ثم بايعت عبد االله بن وهب كتلة الراسبي في النهروان. الم ح كمة أبى التاريخ إلا أن يلقبها بالخارجية ،على أنهاومعلوم أن كتلة تختار لنفسها الأسماء التالية :جماعة المؤمنين ،أهل حروراء ،أهل النهروان الم ح كمة .وإلى هذه الكتلة تنتمي المدرسة الإباضية التي تنسب إلى إمامها السياسي عبد االله بن إباض ،ذاك الذي يصدر رأيه عن الإمام الروحي جابر ابن زيد. الم ح كمة في موقعة النهروان إلا أن أتباعها استمرواوعلى الرغم من هزيمة محافظين على أفكارهم ،وشاركوا في أحداث سياسية أهمها مناصرة عبد االله بن مائة كتاب إباضي440 الزبير ،في حركته ضد الأمويين ،إلى أن بدأ للإمامين جابر بن زيد وعبد االله بن الم ح كمة ،خاصة منهم نافع بن الأزرق، إباض تحول في مواقف بعض رؤوس وهناك تم الانفصال سنة ٦٤ه بعد اجتماع صومعة البصرة .ومن هذا التاريخ انطلقت المدرسة الإباضية في بناء كيانها متبعة مسلك ا من مسالك الدين عندها، ألا وهو مسلك الكتمان الذي يقوم على إقامة الحلقات العلمية ،وترمي إلى تكوين الدعاة الذين سيقيمون أركان الإمامة الإسلامية. ويشير المؤلف في المقدمة إلى أهمية هذه الدراسة فيرى أن التراث الفكري الإباضي قد زخر ببحوث واسعة جامعة في أصول الدين فاضت بها أساطين علماء الإباضية المتبحرين الذين نذروا حياتهم لنصرة الحق وقمع الباطل بنصب الحجج ودرء الش به ،فتعاقبوا منذ القرن الأول الهجري على الاضطلاع بهذا الواجب وأداء هذه الرسالة. غير أن السواد الأعظم من المسلمين ظلوا محرومين من الانتفاع بهذه الكنوز الغالية ،إما لعقد نفسية سببتها القطعية التي اصطنعت بين أبناء هذه واحدا ،وتدين بملة واحدة ،وإما لقصور في تصور إلها الأمة ،رغم كونها تعبد ما تعتقده هذه الطائفة من الحق ،وما تستند إليه من الحجج ،وإما لضعف في أتباعها عن القيام بواجب نشر فكرهم ،وبهذا يكون المذهب الإباضي مظلوم من طرف أهله وغيرهم. وكانت الغاية من هذه الدراسة المساهمة في تضييق شقة الخلاف بين طوائف الأمة الواحدة؛ لأن الجهل مصدر العداءات والخصومات ،فالناس أعداء ما جهلوا ،وأن في ارتفاع الجهل الأمل الكبير في استئصال هذا الداء ،فإن العصبية المذهبية لا يمكن إزاحتها من سبيل وحدة المسلمين إلا بالمعرفة والتعارف والاعتراف. أما عن أسباب اختيار هذه الدراسة يشير المؤلف إلى أن دراسة هذا 441الفكر العقدي عند الإباضية جزءا من الكيان الإسلامي ضرورة لا غنى عنها لكل مهتمالفكر الذي يعد بالفكر الإسلامي. إن دراسة نصوص الإباضية في القرون الأولى تب ين مدى صحة أو بطلان ما نسب إليها من ق بل ك تاب الفرق والمقالات. وجود هوة بين الإباضية والمذاهب الأخرى ،يرجع إلى عدم المعرفة بأصولها وظروف نشأتها ،الأمر الذي يجعل الكتابة في أصول الإباضية من ملحا وضروريا لكشف ما لديها. أمرا  خلال تراثها الفكري في القرون الأولى تعتبر مؤلفات الإباضية في القرنين الأول والثاني الهجريين بمثابة المصادر الأساسية والأسس النظرية ،وبالتالي فإن استخراج الأفكار العقدية من خلال أقدم النصوص لهو أصدق من ينقض الزيف ويعطي الصورة الصحيحة للمذهب الإباضي. دراسة الفكر العقدي عند الإباضية في القرنين الأول والثاني الهجريين بمثابة متابعة السند الذي يوصل هذا الفكر بالإسلام حين