‫‪ ١٤٣٩‬غمي ـ ‪ ٢٠١٨‬م‬ ‫﴿ ے¡‪¦¥¤£¢‬‬ ‫§ ̈©‪ ̄®¬«a‬‬ ‫‪¶ μ ́ 32 ± °‬‬ ‫ ̧ ‪﴾ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 »o 1‬‬ ‫]الحديد‪[١٦ :‬‬ ‫ـ‬ ‫الحمد الله الذي أمر ونهى‪ ،‬بيده الأمر كله وإليه الحكم جميعا وأشــهد أن‬ ‫ال إله إال االله خلق فسوى وقدر فهدى‪ ،‬وأشهد أن محمد عبده ورسوله دعا إلى‬ ‫االله على بصيرة‪ ،‬وكان أسوة في كل خير‪ ،‬وإماما في كل رشد صلى االله وسلم‬ ‫عليه وعلى آله وصحبه الهداة المهتدين‪ ،‬وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫أما بعد‪:‬‬ ‫فإن العادات عندما تسري في حياة الناس يتغلغل أثرها في نفوسهم حتى‬ ‫تصبح كأنما جبلت عليها‪ ،‬فيصعب اقتلاعهــا منها كما يصعب اقتلاع الأطواد‬ ‫الشم الرواسخ من الأرض‪ ،‬ولهذا يلقى المصلحون عنتا شديدا عندما يواجهون‬ ‫في مشروعهم الإصلاحي عادات متحكمة تنجذب إليها النفوس وتتفاعل معها‬ ‫الرغبات‪ ،‬وكم من عادة تتفشــى في الناس فتمتد من مجتمع إلى مجتمع من‬ ‫غير أن تستنكف منها النفوس أو يعترضها معارضون‪.‬‬ ‫ومن العجيب سريان هذه العادات في الخاصة والعامة‪ ،‬وبين أولي العلم‬ ‫والجهلة‪ ،‬فلا تلقى استنكارا وال تجد تحديا‪ ،‬وهذا إنما يعود إلى قابلية النفوس‬ ‫لتلقي كل جديد يســتهويها‪ ،‬إما لما تجــد فيه من التخلص من المســؤولية‬ ‫وتبعاتها‪ ،‬وإما لما تتصور فيه من راحة بسبب بعدها عن االلتزام‪.‬‬ ‫‪٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وما من ريب أن دأب النفوس الميل إلى الأدنى واالنجذاب نحو الأسوأ‪،‬‬ ‫والتأفف من التكاليف التي تراها شاقة عليها ومقيدة لحريتها‪.‬‬ ‫ودأب النفوس السوء من حيث طبعها‬ ‫إذا لــم يصنـهــا للبصائــر نــور‬ ‫وال يخفى أن الهدم أيســر من البنــاء‪ ،‬والتدمير أهون مــن التعمير‪ ،‬فكم‬ ‫يستوجب البناء والتعمير من تخطيط وإتقان واحتراس‪ ،‬وال يتصور أن يتيسرا‬ ‫بعشوائية وتخبط‪ ،‬بخلاف النقض والتدمير‪ ،‬فإنهما ال يحتاجان إلى تخطيط وال‬ ‫إلى إتقان‪ ،‬وهكذا كل فساد يســري في نفوس الناس‪ ،‬وفي أخلاقهم وعملهم‬ ‫بســرعة مذهلة‪ ،‬فينتقل من بيئة إلى أخرى‪ ،‬ومن مجتمع إلى غيره بغير عناء‬ ‫ومشقة‪ ،‬بخلاف الإصلاح؛ لأنه يتوقف أوال على االستبصار من قبل القائم به‬ ‫وإلى تبصيره لمن يدعوهم إليه‪ ،‬كما يتوقف النجاح فيه على تحلي الداعية إليه‬ ‫بالصبر والأناة والحكمة‪ ،‬وبالنظر إلى المدعوين إليه وأحوالهم واســتعدادهم‬ ‫النفسي والذهني لتقبله‪ ،‬وهذا يعني أنهم بحاجة إلى أن ُي َع ‪‬رفُوا بقيمة الإصلاح‬ ‫وي َب ‪‬ي َن لهم بهذا ما ينجم‬ ‫ونفعه والضرورة إليه وأثره الشــخصي واالجتماعي‪ُ ،‬‬ ‫عن الإفساد من الضرر الخاص والعام‪.‬‬ ‫وكم نرى من بين أيدينا ومــن خلفنا وعن أيماننا وعن شــمائلنا من عادات‬ ‫تنتشر بين الناس؛ لعلها تبدأ بين الجهلة الســذج ولكن ال تلبث أن تشمل الذين‬ ‫يعدون من بين أهل العلم‪ ،‬ويعتمد عليهم في تبصير الناس بأمور دينهم‪ ،‬وهذا إنما‬ ‫يعود إما إلى ما ذكرته من انجذاب النفوس نحو تلك العادات لسبب أو لآخر‪ ،‬وإما‬ ‫أن يكون راجعا إلى الغفلة عن حواجز الشرع التي تمنع من االندفاع نحوها‪.‬‬ ‫وبسبب ما نراه من هذه العادات وانتشارها وتقبل الناس لها وغفلتهم عما‬ ‫يتبعها من آثارها رأيت من الضرورة التنبيه عليهــا قياما بالحق الذي فرضه االله‬ ‫تعالى علينا فيما أخذه منــا من عهد وميثــاق‪ ،‬وإن كان ما نقوم به ال يعدو أن‬ ‫يكون تنبيها بالأقل على الأكثر إذ استقصاء هذه العادات يحتاج إلى جهد كبير‬ ‫وفراغ واسع‪ ،‬لذلك رأيت أن أكتفي بذكر نماذج وصور منها‪ ،‬وأكل استكشاف‬ ‫مقدمـة‬ ‫‪٩‬‬ ‫أكثرها وتتبع وجوهها إلى الذين هم أكثر فراغا وأوسع اقتدارا وأيسر ف َُر َصا‪ ،‬لعل‬ ‫االله يحقق علــى أيديهم ما لم يتحقق علــى يدي‪ ،‬فتطلع على أيديهم شــمس‬ ‫الصحوة التي تبخر بوهجها ما يختلف مع شــرع االله تعالى من عادات الناس‪،‬‬ ‫وقد رجوت ـ بما أقدمه هنا من جهد المقل ـ أن أكون بفضل االله ومنته من الذين‬ ‫استثناهم االله سبحانه من الخسر‪ ،‬وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا‬ ‫بالحق وتواصوا بالصبر‪ ،‬واالله المستعان‪.‬‬ ‫وقد رأيت أن أقتصر في هذه الفرصة الســانحة على ذكر أقســام من هذه‬ ‫العادات في أربعة عشر محورا وخاتمة‪.‬‬ ‫المحور الأول‪ :‬فيما يتعلق بالإيمان باالله وتصريفه الخلق‪.‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬فيما يتعلق بتعظيم كتاب االله وتوقير العلم‪.‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‪.‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬في طلب العلم ونشره‪.‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‪.‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬فيما يتعلق بالعقل‪.‬‬ ‫المحور السابع‪ :‬في السكوت عن المنكرات‪.‬‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال‪.‬‬ ‫المحور التاسع‪ :‬فيما يتعلق باللباس‪.‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‪.‬‬ ‫المحور الحادي عشر‪ :‬فيما يتعلق بالبيان‪.‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‪.‬‬ ‫المحور الثالث عشر‪ :‬فيما يتعلق بتربية الأوالد‪.‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‪.‬‬ ‫الخاتمة‪ :‬في تحصيل ما تقدم ذكره‪.‬‬ ‫‪١١‬‬ ‫ا "!ر الأول‬ ‫  لإن الله و‬ ‫ا ‬ ‫إن الفطرة السلمية هادية إلى االله‪ ،‬فالعاقل يفتح عينيه على وجوده‪ ،‬ووجود‬ ‫كل مخلوق في هذا الكون الفسيح‪ ،‬فيرى بعين بصيرته يد االله تعالى تصرف كل‬ ‫شيء في هذا الكون‪ ،‬نشرا وطيا‪ ،‬رفعا وخفضا‪ ،‬عطاء ومنعا‪ ،‬وجاءت شرائع االله‬ ‫تعالى وفق دالئل الفطرة‪ ،‬مصدقة لها فيما تشــهد به‪ ،‬ناهيــك بما في القرآن‬ ‫الكريم ـ كتاب االله تعالى الذي حفظه بعينه‪ ،‬ووقاه كل تحريف وتبديل ـ فكم‬ ‫تجد في تضاعيف آياته وإشراق بيناته ما يرد العقول الزائغة إلى الفطرة السوية‪،‬‬ ‫فيبدد عنها أغشــية الضلال التي حجبتها عن إدراك الحقيقة عندما مالت عن‬ ‫فطرتها‪ ،‬فكم من آية في كتاب االله تؤكد أن كل ما يصيب الإنسان من صحة أو‬ ‫ســقم‪ ،‬أو غنى أو فقر‪ ،‬أو راحة أو تعب‪ ،‬أو سعد أو نحس‪ ،‬أو إقبال أو إدبار‪،‬‬ ‫وكل ما يعتريه من موت أو حياة‪ ،‬أو قــوة أو ضعف‪ ،‬فإنما ذلك كله مرده إلى‬ ‫أمر االله ‪ ، 4‬فهو الذين يهب من يشاء‪ ،‬ويحرم من يشاء‪a © ̈ ﴿ ،‬‬ ‫«¬ ® ̄ ‪1⁄2 1⁄4❁o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 2 ±°‬‬ ‫3⁄4 ¿‪ ﴾ È Ç Æ ÅÄ Ã Â Á À‬الشورى‪ ٤٩ :‬ـ ‪.٥٠‬‬ ‫ولم يكن ما قدره االله له من خير أن يخطئه‪ ،‬أو كتبه عليه من شر أن يجنبه‪،‬‬ ‫فالخير والشــر والنفع والضر كل ذلك بقضاء االله وقدره‪à  Á ﴿ ،‬‬ ‫‪ ﴾ Ò Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë ÊÉ È Ç Æ Å Ä‬الأنعــام‪،١٧ :‬‬ ‫﴿ ! " ‪10 / . - , + *) ( ' & % $ #‬‬ ‫‪١٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ﴾ ; : 9 87 6 5 4 3 2‬يونس‪ ،١٠٧ :‬وقد وجه االله عباده‬ ‫إلى اعتقاد وإعلان أن كل مصيبة تلم بهم‪ ،‬فإنما هي بحسب ما كتبه االله تعالى‪،‬‬ ‫كما في قولــه‪b a `_ ^ ] \ [ Z Y X W V ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ d c‬التوبة‪ ،٥١ :‬وأن كل عطاء أو حرمان فإنما هو بأمر االله‬ ‫تعالــى‪1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 2 ± ° ̄ ® ¬ «﴿ ،‬‬ ‫1⁄23⁄4 ¿ ‪ ﴾ Á À‬فاطر‪.٢ :‬‬ ‫وجاءت ســنة النبي ژ مؤكدة ما توحيه الفطر الزكية‪ ،‬وتدل عليه العقول‬ ‫السليمة‪ ،‬وتصدقه نصوص الكتاب العزيز‪ ،‬فقد وجه النبي ژ خطابه التربوي‬ ‫العظيم إلى ابن عمه حبر الأمة وترجمان القرآن عبد االله بن عباس ^ ‪ ،‬عندما‬ ‫كان غلاما يافعا‪ ،‬فقال له‪» :‬يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ االله يحفظك احفظ‬ ‫االله تجده تجاهك‪ ،‬إذا سألت فاســأل االله‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن باالله‪ ،‬واعلم أن‬ ‫الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إال بشيء قد كتبه االله لك‪،‬‬ ‫وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إال بشيء قد كتبه االله عليك‪،‬‬ ‫رفعت الأقلام وجفت الصحف«)‪.(١‬‬ ‫وجاء بلفظ‪» :‬يا غلام‪ ،‬أو يا غليــم‪ ،‬أال أعلمك كلمات ينفعك االله بهن؟«‬ ‫فقلت‪ :‬بلى‪ .‬فقال‪» :‬احفظ االله يحفظك‪ ،‬احفظ االله تجده أمامك‪ ،‬تعرف إليه في‬ ‫الرخاء‪ ،‬يعرفك في الشدة‪ ،‬وإذا سألت‪ ،‬فاسأل االله‪ ،‬وإذا استعنت‪ ،‬فاستعن باالله‪،‬‬ ‫قد جف القلم بما هو كائن‪ ،‬فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء‬ ‫لم يكتبه االله عليك‪ ،‬لم يقدروا عليه‪ ،‬وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه االله‬ ‫عليك‪ ،‬لم يقدروا عليــه‪ ،‬واعلم أن في الصبر على ما تكــره خيرا كثيرا‪ ،‬وأن‬ ‫النصر مع الصبر‪ ،‬وأن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأن مع العسر يسرا«)‪.(٢‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،٢٩٣/١‬رقم ‪ ،(٢٦٦٩‬والترمذي )‪ ،٦٦٧/٤‬رقم ‪ (٢٥١٦‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ .‬والحاكم‬ ‫)‪ ٦٢٣/٣‬رقم ‪ (٦٣٠٢‬والضياء )‪ ،٢٥/١٠‬رقم ‪ ،(١٥‬أبو يعلى )‪ ،٤٣٠/٤‬رقم ‪.(٢٥٥٦‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمد )‪ ١٨/٥‬رقم‪.(٢٨٠٣ :‬‬ ‫المحور الأول‪ :‬فيما يتعلق بالإيمان باالله وتصريفه الخلق‬ ‫‪١٣‬‬ ‫الس َنن‬ ‫وهو يؤكد أن النبي ژ كان حريصا على أن يربي هذه الأمة وفق هذا ‪‬‬ ‫الذي ينسجم مع الفطرة‪ ،‬ويلتئم مع هداية القرآن‪ ،‬وبهذا كان يطهر عقولهم من‬ ‫كل لوثة من لوثات العقائد الجاهلية‪ ،‬التي رســخت في أتباعها أن االله سبحانه‬ ‫زاحم في خلقه وأمره من قبل شــركاء يزعمونهم‪ ،‬وكم جــاء القرآن الكريم‬ ‫ُم َ‬ ‫بقوارع نذره‪ ،‬وصوادع حججه وبراهينه‪ ،‬ودوامغ آياته البينات ليخلص الإنسانية‬ ‫التعيســة الحائرة من هذه الأوهام‪ ،‬التي حالت بينها وبين إصاخة سمعها إلى‬ ‫نداء الفطرة‪ ،‬الذي يجلجل في جنبات الوجود‪ ،‬وغشــت أبصارها بأغشية أن‬ ‫تستهدي بأنوار العقل الكاشفة لهذه الحقائق من وراء حجب الأوهام‪ ،‬فقد أقام‬ ‫القرآن على الذيــن زاغت عقولهم بينــات ال تدفع ـ من أنفســهم‪ ،‬ومن كل‬ ‫ما يزخر به الوجود من عجائب خلق االله ـ على أن كل شــيء بيد االله‪ ،‬وما كان‬ ‫لأحد من خلق االله تعالى أن يتطاول عليه ســبحانه‪ ،‬فيرد له قضاء‪ ،‬أو يبدل له‬ ‫سنة‪ ،‬أو يدفع له حكما‪.‬‬ ‫وهو عندما يحاورهم في ذلــك يدفعهم إلى التأمل والنظــر في تصاريف‬ ‫الوجود وسنن الخلق‪ ،‬وقد عج‪ ‬بهم من دعاء غيره تعالى لكشف ضر أو تحقيق‬ ‫نفع‪ ،‬كما في قوله سبحانه‪i h g f e d c b a ` _ ﴿ :‬‬ ‫‪wvutsrqponmlkj‬‬ ‫‪ ~ } |{ z y x‬ے ¡ ‪§ ¦ ¥ ¤£ ¢‬‬ ‫ ̈ ﴾ الأنعــام‪ ،٧١ :‬فكيف يترك الإنسان التوجه إلى االله في ملماته‪ ،‬ويتوجه‬ ‫إلى مخلوق مثله ال ينفع وال يضر‪ ،‬بل ال يستطيع أن يجلب لنفسه نفعا أو يدفع‬ ‫عنها ضرا‪ ،‬فضلا عن أن يفعل ذلــك لغيره؟! ومثله قولــه تعالى‪N M L﴿ :‬‬ ‫‪` _^ ] \ [ Z Y X W V U T SR Q P O‬‬ ‫‪o n m l k ji h g f e d c b a‬‬ ‫‪ ﴾ | { z y x w v u ts r q p‬الرعد‪ ،١٦ :‬فإذا كانت‬ ‫الربوبية الله ‪ 4‬وحده؛ فمن الذي يزاحم قضاء االله بقضائه‪ ،‬أو يعاكس أمره بأمره‪،‬‬ ‫‪١٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫أو يدفع حكمه بحكمه‪ ،‬أو يصرف عن أحد ما كتبه لــه أو عليه‪ ،‬أو يجلب إليه‬ ‫ما منعه منــه؟! وإنما العقول إذا زاغــت‪ ،‬والبصائر إذا أظلمــت‪ ،‬خفيت عليها‬ ‫البدائه‪ ،‬والتبســت عليها الحقائق‪ ،‬كما يجادل أعمى البصر في إشراق الشمس‬ ‫برابعة النهار‪ ،‬وهي ال يحجبها سحاب وال قتر‪.‬‬ ‫وقد تكررت مجادلة القرآن الكريم لهــؤالء الذين عطلوا كل ما آتاهم االله‬ ‫تعالى من إدراك وأطفأوا كل ما أناره لهم من بصيرة كما في قوله تعالى‪t﴿ :‬‬ ‫‪ ~ } |{ z y x w v u‬ے ¡ ‪£ ¢‬‬ ‫‪2±° ̄®¬«a© ̈§¦¥¤‬‬ ‫‪ ﴾1⁄2 1⁄4 » o1 ̧ ¶ μ ́ 3‬الزمر‪ ،٣٨ :‬واحتج عليهم‬ ‫بسؤالهم عما عسى أن يكون أولئك الذين يدعونهم من دونه تعالى يملكونه في‬ ‫ملكوت االله تعالى الواسع‪ ،‬أو يشــاركونه فيه كما في قوله تعالى‪ Á ﴿ :‬‬ ‫‪Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë Ê É ÈÇ Æ Å Ä Ã‬‬ ‫‪ ﴾ Û Ú Ù Ø × Ö Õ Ô Ó Ò‬ســبأ‪ ،٢٢ :‬وقولــه‪> = ﴿ :‬‬ ‫?@‪NMLKJIHGFEDCBA‬‬ ‫‪﴾ ^ ] \ [ Z Y X W VU T S R Q P O‬‬ ‫فاطر‪ ،٤٠ :‬وأتبعه بأن حفظ هذا الكون علويه وسفليه إنما هو إلى االله وحده‪ ،‬فلو‬ ‫تخلى عنه في أقل مــن لحظة لهوى إلى غير قرار‪ ،‬وذلــك في قوله‪b a ﴿ :‬‬ ‫‪s r qp o n m l k j i hg f e d c‬‬ ‫‪ ﴾ u t‬فاطر‪.٤١ :‬‬ ‫ومثل ذلك قــول االله تعالــى‪ ~ } | { ﴿ :‬ے ¡ ‪¤ £ ¢‬‬ ‫‪¶ μ ́ 3 2 ± ° ̄ ®¬ « a © ̈ § ¦ ¥‬‬ ‫ ̧ ‪ ﴾ » o 1‬الأحقاف‪ ،٤ :‬وأتبعه تسجيل الضلال المبين على أولئك‬ ‫الذين يؤمون غير االله تعالى بدعائهم! وهم ال يســتجيبون لهم بشيء إلى يوم‬ ‫القيامة‪ ،‬بل ال يســمعون لهم دعاء وال يدركون لهم مطلبا‪ ،‬فقد أتبع ما سبق‬ ‫المحور الأول‪ :‬فيما يتعلق بالإيمان باالله وتصريفه الخلق‬ ‫‪١٥‬‬ ‫قوله‪Ë Ê É È Ç Æ Å Ä Ã Â Á À ¿ 3⁄4 1⁄2﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Î Í Ì‬الأحقاف‪ ،٥ :‬فقد يدعون أوثانا منحوتة من الصخر‪ ،‬أو مصنوعة‬ ‫من الخشب‪ ،‬وقد يدعون بشرا هم أنفســهم أحوج إلى عناية االله ولطفه‪ ،‬وقد‬ ‫يكونون أمواتا طواهم الزمن‪ ،‬وأبلتهم الأرض‪ ،‬فأنى لهم أن يسمعوا لهم دعاء‬ ‫فيكشفوا عنهم ضرا أو يجلبوا لهم نفعا؟! ثم أتبعه أن أولئك عندما يحشرون‬ ‫يوم القيامة يتبرأون إلى االله سبحانه من هؤالء الذين دعوهم من دونه‪ ،‬فيكونون‬ ‫لهم أعداء‪ ،‬وقد تخيلوهم في حياتهم الدنيا أولياء! إذ قال بعد ذلك‪" ! ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ ) ( ' & % $ #‬الأحقاف‪.٦ :‬‬ ‫العجب كيف انحدرت هذه الأمة مع ما أوتيت إلى حضيض الجاهلية‪:‬‬ ‫إن الإنسان ليمتلكه العجب عندما يقارن بين ما أتى هذه الأمة من عند االله‬ ‫تعالى من الآيات البينــات؛ التي تفتح منهم المدارك‪ ،‬وتنــور منهم البصائر‪،‬‬ ‫وتشرح منهم الصدور للحق‪ ،‬وما ر ‪‬باها عليه رسول االله ژ من التربية الإيمانية‪،‬‬ ‫التي ارتقت بها عن حضيض الجاهلية‪ ،‬وعرجت بها إلى ملكوت االله الأعلى‪،‬‬ ‫وبين ما آلت إليه الأمة من ضلال العقول وانطماس البصائر‪ ،‬واالرتكاس في‬ ‫هوة الجاهلية الأولى‪ ،‬واالنغماس في أوحالها‪ ،‬فكم يرى الناظر من بون سحيق‬ ‫بين ما أوتيت هذه الأمــة من الهدى والنور‪ ،‬وبيــن ما تعيش فيه من الضلال‬ ‫والظلام‪ ،‬فإذا كان االله تعالى ُيق ‪َ‬رع بني إسرائيل على إهمالهم التوراة‪ ،‬ويضرب‬ ‫فيهم أسوأ الأمثال عندما يقول‪a ` _ ^ ] \ [ Z ﴿ :‬‬ ‫‪q p o n ml k j i h g f ed c b‬‬ ‫‪ ﴾ r‬الجمعة‪ ،٥ :‬فإن الأمة التي أوتيت القرآن ثم أهملته وضيعته هي أولى‬ ‫بهذا المثل‪ ،‬وما يشــاكله من أمثال‪ ،‬ناهيك أن االله ســبحانه حفظ لهذه الأمة‬ ‫قرآنها‪ ،‬فهو في كل زمان تبزغ شمسه‪ ،‬ويســطع ضياؤه‪ ،‬وينتشر هداه‪ ،‬فكيف‬ ‫تعمى أمة القرآن عن هذا كله وهي تتلوه ويتلى عليها غضا طريا كما أنزله االله‬ ‫‪١٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫على قلب عبده ورسوله ژ ‪ ،‬مصونا محفوظا من أن تعدو عليه عوادي الدهر‪،‬‬ ‫أو تغير شيئا من رســمه حوادث الزمن‪ ،‬فكيف ال تتدبره فتميز به بين الهدى‬ ‫والضلال‪ ،‬والحق والباطل‪ ،‬والإيمان والإلحاد‪e d c b a﴿ ،‬‬ ‫‪ ﴾ g f‬محمد‪.٢٤ :‬‬ ‫فليت شعري؛ هل على شيء من الآيات التي سقتها غيم أو قتر يحجب‬ ‫داللتها على تلك المعاني‪ ،‬أو َي ْلبِ ُس شــيئا منها؟ وكم ترى في أحوال الأمة‬ ‫وتصرفاتها ممــا يناقض القرآن وينأى بها عن هديــه‪ ،‬ال في جزئيات الأمور‬ ‫وحدها‪ ،‬بل في كليات العقيدة وأسس الإيمان‪ ،‬أوال تعجب كيف أنهم نسوا‬ ‫االله ســبحانه فقصدوا غيره بالأمل والرجاء والتضرع والدعاء‪ ،‬كأنما أغلقت‬ ‫أبوابه دونهم‪ ،‬أو حجبوا عن عطائه وآالئه‪ ،‬أوال ينظرون إلى ما يســاق إليهم‬ ‫من رزق‪ ،‬وما يكتنفهم من ألطاف‪ ،‬وما يغشــاهم من رحمات‪َ ،‬أوأتاهم ذلك‬ ‫من غيره تعالى‪ ،‬فكم كشــف عنهم من ضــر‪ ،‬وكم أغدق عليهــم من نفع‬ ‫ال يملك منه الخلق شــروى نقيــر‪ ،‬فكيف ينســونه ويذكــرون غيره ممن‬ ‫ال يملكون ضرا وال نفعا‪ ،‬وال يملكون موتا وال حياة وال نشورا؟؟!‪.‬‬ ‫)لال د'ء ا ‪ $ $%‬دون االله‪:‬‬ ‫كثير من أولئك تستبد بهم الأوهام‪ ،‬حتى يتسارعوا عند كل ملمة أو رجاء‬ ‫إلى دعاء الجن‪ ،‬والتقرب إليهم بالقرابين‪ ،‬مــع أن االله تعالى حكى عن الجن‬ ‫أنفســهم أنهم قالوا عندما أدركتهم عناية االله فآمنوا‪ ،‬واتبعوا الحق الذي أنزل‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ a ` _ ^ ] \ [ Z Y X W‬الجــن‪ ،٦ :‬وكــم تفنن‬ ‫الجهال في ابتكار أنواع الضلال في هذا‪ ،‬فقد أدركنــا من الذين غرقوا في‬ ‫الجهــل والعمى إلى أذقانهم مــن يذهب ببخوره إلى الخرابــات أو غيرها‬ ‫ليشكو إلى الجن ما أصابه‪ ،‬ويعرض عليهم أن يمنحوه الخير ويكشفوا عنه‬ ‫الضر‪ ،‬استجابة لدعائه‪ ،‬وتقديرا لوســيلته‪ ،‬وأنه إن كان السخط من قبل غير‬ ‫المحور الأول‪ :‬فيما يتعلق بالإيمان باالله وتصريفه الخلق‬ ‫‪١٧‬‬ ‫هؤالء المدعوين‪ ،‬فهم يطالبونهم أن ينقلوا هذه الوسيلة إلى أولئك الساخطين‬ ‫ليرفعوا عنهم الضر؟!‪.‬‬ ‫فليت شــعري؛ أوال يدرك هؤالء أن الجن أنفسهم ال يعلمون الغيب‪ ،‬وال‬ ‫يملكون ذرة من أمر هذا الكون‪ ،‬فأنى لهم أن يسمعوا دعاء أو يدفعوا ضرا‪ ،‬أو‬ ‫يجلبوا نفعا‪ ،‬وأن هذا الدعاء نفسه لن ينتج عنه إال زيادة الرهق الذي يأتي من‬ ‫قبل الجن‪ ،‬كما حكى االله عنهم؟؟!‪.‬‬ ‫فيا ترى؛ هل يعد من تردى في هذا الحضيض من الضلال من الإيمان في‬ ‫شيء؟ فإن الإيمان تصديق وطمأنينة وسكينة‪ ،‬فهو ال يتزعزع بما يلم بالمؤمن‬ ‫من زعازع القدر‪ ،‬وإنما يدفعه ذلك إلى التوجه إلى االله الذي بيده كل شــيء‪،‬‬ ‫ومحاسبة النفس وردها إلى جادة الحق إن زاغت‪ ،‬فالمحن والمنح تزيد المؤمن‬ ‫إيمانا وتصقل مرآة قلبه‪ ،‬فيشــرق عليها من أنواره القدســية ما يزكيه‪ ،‬ويقوي‬ ‫صلته باالله ‪. 8‬‬ ‫!‪ 3-‬أن ‪ *  01‬الإ‪,.‬ن إ‪ $ *+, !- .‬ا ‪:‬‬ ‫إن مما يزعزع الإيمان وينقض أسس اليقين؛ أن يعتقد الإنسان أنه لن يصيبه‬ ‫شيء مما يكدر صفو عيشه إال بسبب من الخلق‪ ،‬فيرد كل سقم يلم به أو بلوى‬ ‫تصيبه أو محنة يكابدها إما إلى ســحر ساحر‪ ،‬أو حسد حاســد‪ ،‬أو سطو من‬ ‫الجن‪ ،‬حتى الأمراض المعهودة كالحمى وأوجاع المفاصل والرأس والأسنان‪،‬‬ ‫بل جميع الأوجاع التي تلحق الأبدان ال يتصورونها أنها تكون إال بســبب من‬ ‫هذه الأسباب‪ ،‬كأنما الدنيا هي جنة الخلد التي ال يعتري الإنسان فيها نصب وال‬ ‫لغوب‪ ،‬فلا يكاد من أصيب بهذه اللوثــة يصدق أن هذا هو ابتلاء من االله‪ ،‬وهو‬ ‫من طبيعة هذه الحياة‪ ،‬فقد ابتلي النبيون من قبل بالأمراض والأسقام والبلاوى‪،‬‬ ‫وما كانوا يعلقون أملهم في كشف الضر عنهم إال على االله وحده‪ ،‬كما حكى االله‬ ‫تعالى عن الخليل إبراهيم ‪ ‰‬قوله‪ ﴾ Å Ä Ã Â ﴿ :‬الشــعراء‪،٨٠ :‬‬ ‫‪١٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ومن هو الذي يعيش حياته ســليما ممــا ينغصها عليه من الأســقام والأوجاع‬ ‫والبلاوى؟ مع أن الكدر هو جبلة هذه الحياة كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قــذاء والأَكدار ِ‬ ‫ــن الأَ‬ ‫ريدها‬ ‫نت ُت ُ‬ ‫طُ بِ َعت َعلى كدر ٍ َوأ َ َ‬ ‫َصفو ًا م َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ــد ِط ِ‬ ‫ومكَ ل‪‬ــف الأَيام ِ ِ‬ ‫الماء َجــذوة نار ِ‬ ‫ض ‪‬‬ ‫باعها‬ ‫ُم َتطل‪‬ب فــي‬ ‫َ ُ‬ ‫ــفير هار ِ‬ ‫َتبني الرجــاءَ َعلى َش ٍ‬ ‫المســ َتحيل ف َِإن‪‬ما‬ ‫َو ِإذا َر َج َ‬ ‫وت ُ‬ ‫َ‬ ‫على أن محن الحياة ال تلبــث أن تتحول إلى منح عندمــا تقابل بالصبر‬ ‫والرضا والتسليم لأمر االله‪ ،‬فعن عائشة ‪ ، #‬أن رســول االله ژ ‪ ،‬قال‪» :‬ما من‬ ‫مصيبة يصاب بها المســلم‪ ،‬إال كفر بها عنه حتى الشوكة يشاكها«)‪ ،(١‬وعنها‪:‬‬ ‫»ما يصيب المؤمن يكفر االله عنه من ســيئاته حتى الشــوكة تشوكه«)‪ ،(٢‬وعنها‬ ‫أيضا‪» :‬ال يصيب العبد المؤمن حتى الشوكة يشــاكها والنكبة ينكبها أو شدة‬ ‫الكظم حيث يوجد بــه إال كفر االله به عنه«)‪ ،(٣‬وعن أبي ســعيد‪ ،‬وأبي هريرة‬ ‫أنهما سمعا رســول االله ژ ‪ ،‬يقول‪» :‬ما يصيب المؤمن من وصب‪ ،‬وال نصب‪،‬‬ ‫وال سقم‪ ،‬وال حزن حتى الهم يهمه‪ ،‬إال كفر به من سيئاته«)‪.(٤‬‬ ‫وتجد الناس يتصورون أن الحياة الدنيا خالية من المنغصات‪ ،‬وأن الإنسان‬ ‫فيها يتمتع بكامل قواه البدنية والذهنية في جميــع مراحل عمره‪ ،‬من غير أن‬ ‫يطرأ عليه ضعف بعد قوة‪ ،‬فتجــد أحدهم قد بلغ من العمــر ثمانين عاما أو‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمــد )‪ ،٨٨/٦‬رقم ‪ ،(٢٤٦١٧‬والبخــاري )‪ ،٢١٣٧/٥‬رقم ‪ ،(٥٣١٧‬ومســلم )‪،١٩٩٢/٤‬‬ ‫رقم ‪.(٢٥٧٢‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الحاكم )‪ ،٣٨٥/١‬رقم ‪ (٩٣٦‬وقال‪ :‬صحيح على شرط مسلم‪ .‬والبيهقي في شعب الإيمان‬ ‫)‪ ،٢٥٢/١‬رقم ‪ .(٢٧٠‬وإسحاق بن راهويه )‪ ،٣٦٧/٢‬رقم ‪ ،(٩٠٩‬وأحمد )‪ ،٤٨/٦‬رقم ‪ ،(٢٤٢٦١‬وابن‬ ‫خزيمة )‪ ،٣٠/٢‬رقم ‪ ،(٨٤٩‬وابن حبان )‪ ،٣٧٢/١٦‬رقم ‪.(٧٣٧٢‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه البيهقي في شعب الإيمان )‪ ،١٥٧/٧‬رقم ‪.(٩٨٢٨‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه مسلم )‪ ،١٩٩٢/٤‬رقم ‪ (٢٥٧٣‬وأخرجه بلفظ قريب‪ :‬أحمد )‪ ،٣٠٣/٢‬رقم ‪ ،(٨٠١٤‬وعبد بن‬ ‫حميد )ص ‪ ،٢٩٨‬رقم ‪ ،(٩٦١‬والبخاري )‪ ،٢١٣٧/٥‬رقم ‪.(٥٣١٨‬‬ ‫المحور الأول‪ :‬فيما يتعلق بالإيمان باالله وتصريفه الخلق‬ ‫‪١٩‬‬ ‫تسعين عاما يشكو من ضعف سمعه أو بصره أو جوارحه ويعزو ذلك إلى سحر‬ ‫ساحر‪ ،‬أو حسد حاسد‪ ،‬متجاهلا أن الحياة تبدأ بضعف‪ ،‬وتنتهي إلى ضعف إذا‬ ‫أنسئ للإنسان في أجله‪ ،‬فقد قال تعالى‪N M L K J I H ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Y X W V U T S R Q P O‬الــروم‪ ،٥٤ :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫﴿‪ ﴾» o 1 ̧ ¶ μ ́ 3‬يــس‪ ،٦٨ :‬فكيــف يرجــو ابن‬ ‫التسعين أن يكون كما كان في شــبابه عندما كان ابن عشرين أو ابن ثلاثين‪،‬‬ ‫وإنما هي الأوهام تدع الإنسان يتجاهل سنن الحياة‪ ،‬التي تدل عليها الطبيعة‪،‬‬ ‫وينص عليها الوحي‪ ،‬مع أن الإنسان عندما يتجاوز سني القوة في عمره‪ ،‬ويبدأ‬ ‫في االنتكاس إن حاول معالجة أسقامه فلا يعدو ذلك أن يكون كترميم البيت‬ ‫المتداعي‪ ،‬وإال فخير علاج له رضاه بقضاء االله وقدره‪ ،‬واحتســاب أجره على‬ ‫ما يلقاه من عنت ومشقة عند االله‪ ،‬إذ ال يكون تأثير العلاج عليه في شيخوخته‬ ‫كما كان إبان شبابه وقوته‪ ،‬وقد أحسن من قال‪:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك َلم َي ُكن‬ ‫بيب‬ ‫ــك ِإ ّال أَن َت‬ ‫السبعو َن أ ‪‬م َ‬ ‫لدائ َ‬ ‫َ‬ ‫ِإذا كا َنت ‪‬‬ ‫مــوت طَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫بعين حج‪ً ‬ة‬ ‫َريب‬ ‫سار َس َ‬ ‫مرء ًا قَد َ‬ ‫إلى َم َ‬ ‫نهــل ٍ مــن ورده َلق ُ‬ ‫َوإن ا َ‬ ‫‪ِ َ ‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫نت م ُنه ُم‬ ‫َريب‬ ‫ِإذا ما انقَضى القَر ُن الذي أ َ‬ ‫فت في قَــرن فَأَ َ‬ ‫َو ُخل‪َ ‬‬ ‫نت غ ُ‬ ‫وهذا ال ينافي أن يأخذ الإنســان بالأســباب‪ ،‬ويســعى في علاج أسقامه‬ ‫وأمراضه ما دام حيا‪ ،‬عملا بوصية النبي ژ الذي قال‪» :‬إن االله حيث خلق الداء‬ ‫خلق الدواء فتداووا«)‪ ،(١‬وعنه ژ ‪» :‬ما أنزل االله من داء إال وقد أنزل معه شفاء‬ ‫علمه من علمه وجهله من جهله«)‪ ،(٢‬وعنه ژ ‪» :‬ما وضع من داء في الأرض إال‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،١٥٦/٣‬رقم ‪ ،(١٢٦١٨‬والضياء )‪ ،٣٣٠/٦‬رقم ‪ ،(٢٣٥٢‬وابن أبي شــيبة )‪،٣١/٥‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٣٤١٥‬وأبو يعلى كما في إتحاف الخيرة )‪ ،٥٠١/٥‬رقم ‪ (٥٢٧٦‬وقال‪ :‬هذا إسناد حسن‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمــد )‪ ،٣٧٧/١‬رقم ‪ ،(٣٥٧٨‬والحكيــم )‪ ،(٤٠٢/١‬والحاكــم )‪ ،٢١٨/٤‬رقم ‪،(٧٤٢٤‬‬ ‫والبيهقي )‪ ،٣٤٣/٩‬رقم ‪.(١٩٣٤٤‬‬ ‫‪٢٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وقد جعل له شــفاء علمه من علمــه وجهله من جهله«)‪ ،(١‬فــلا عتب على من‬ ‫تداوى مما ألم به بما جعل االله من دواء للأســقام‪ ،‬وإنما العتب على من ترك‬ ‫العلاج بما جعله االله ســببا للشــفاء‪ ،‬وعدل إلى العلاج بما يزيد الأسقام قوة‬ ‫ورســوخا عندما يصدق الأوهام فترســخ في نفســه حتى تصبح نفســها داء‬ ‫يستعصي على العلاج‪ ،‬وال يجد المصاب به إلى الشفاء سبيلا‪ ،‬فعندما ترسخ‬ ‫هذه المفاهيــم الباطلة والأفكار الزائغة تروج تجارة الدجالين والمشــعوذين‪،‬‬ ‫الذين ال يألون جهدا في إضلال العقول‪ ،‬وطمس البصائر‪ ،‬وترك الناس يعيشون‬ ‫في أوهام ال يجدون إلى الخلاص منها ســبيلا‪ ،‬فلا يكاد يأتيهم مستشف من‬ ‫أمراضه إال ويضاعفون من مرضه بدعواهم أنه أصيب بسحر ساحر‪ ،‬أو حسد‬ ‫حاســد‪ ،‬فيتعمق الوهم فــي نفســه‪ ،‬وال يبالي أن يخســر مالــه للدجاليين‬ ‫المشعوذين‪ ،‬الذين يعيشون على ما يأخذونه بالباطل من أموال ذوي الأوهام‪،‬‬ ‫الذين فقدوا الإيمان فتجاهلوا سنة االله في خلقه‪.‬‬ ‫وال تســأل عن حال هؤالء عندما يصاب لهم مولود بشــيء من الأسقام‪،‬‬ ‫فإنهم ال يكادون يصدقون أن هذه ســنة من ســنن الحياة‪ ،‬وأن كل إنسان منذ‬ ‫صور بعض‬ ‫والدته يســتقبل الحياة بحلوها ومرها وســعدها ونحســها‪ ،‬كما ‪‬‬ ‫الشعراء ما يواجه كل مولود من نذر لأواء الحياة ساعة والدته‪ ،‬فيصرخ باكيا من‬ ‫أول وهلة بقوله‪:‬‬ ‫ل ِ َما ُتؤذن الدنيا به من صروفها‬ ‫بكاء الطفل ســاع َة ُيو َل ُد‬ ‫يكون‬ ‫ُ‬ ‫وإال فمــا يبكيــه منهــا وإنها‬ ‫وأرغ َُد‬ ‫لأف َْس ُ‬ ‫ــح م ‪‬ما كان فيــه ْ‬ ‫اســ َته ‪‬ل كأنه‬ ‫إذا‬ ‫بما سوف يلقى من أذاها ُي َه ‪‬د ُد‬ ‫أبصــر الدنيا ْ‬ ‫َ‬ ‫فإن هؤالء لحرمانهم من العقل الهادي‪ ،‬وبعدهم عن الإيمان باالله وقدره‪،‬‬ ‫وجهلهم بسنته في الحياة‪ ،‬ال يكادون يصدقون أن ما يصاب به الأطفال إنما هو‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الطبراني )‪ ،١٦٣/١٠‬رقم ‪ .(١٠٣٣١‬قال الهيثمي )‪ :(٨٤/٥‬رجاله ثقات‪.‬‬ ‫المحور الأول‪ :‬فيما يتعلق بالإيمان باالله وتصريفه الخلق‬ ‫‪٢١‬‬ ‫ابتلاء من االله تعالى لآبائهم وأمهاتهم‪ ،‬وإنما يستبد بهم الجزع‪ ،‬فيهرعون إلى‬ ‫الدجالين‪ ،‬طالبين منهم كشف الضر عن أطفالهم‪ ،‬وينسون االله تعالى فلا يدعونه‬ ‫لكشف الضر‪ ،‬كما ينسون ســنته في الحياة في وصل المسببات بأسبابها‪ ،‬وما‬ ‫شرعه لعباده من علاج الأدواء بدوائها‪ ،‬وهم إن سعوا إلى العلاج الطبيعي فإنهم‬ ‫يسعون إليه ونفوســهم خالية من الرجاء بنجاحه‪ ،‬وإنما يعلقون النجاح على‬ ‫دجل الدجالين وشعوذة المشعوذين‪ ،‬فكم أغنوا من دجال بما يمطرونهم به من‬ ‫أموالهم التي هم شحاح بها إال في هذا السبيل‪.‬‬ ‫وال يبالي الدجالون المشعوذون أن يستغلوا هذه العقلية الضالة أسوأ استغلال‪،‬‬ ‫فيستحوذوا على آخر ما عســى أن يتبقى عندهم من مال‪ ،‬وال يكفيهم ذلك‪ ،‬بل‬ ‫يضاعفون من إضلال عقولهم حتى يغرسوا فيهم عداوة من هم أحب الناس لهم‪،‬‬ ‫وأكثرهم صفاء‪ ،‬وأعظمهم حقا‪ ،‬وأبرهم قلبا‪ ،‬فقد نمى إلى سمعي منذ عقود من‬ ‫الســنين أن رجلا من هؤالء البله المغفلين مرض له طفل‪ ،‬فذهــب به إلى أحد‬ ‫المشــعوذين‪ ،‬فما كان منه إال أن أجابه بأن امرأة عجوزا ساحرة هي مصدر ضره‬ ‫وسبب بلائه‪ ،‬فخيل إليه الشــيطان أن تلك العجوز هي أمه‪ ،‬وعندما عاد إلى بيته‬ ‫حاملا طفله كانت الأم المسكينة أول من يستقبله بشفقتها وحنانها‪ ،‬وعطفها على‬ ‫حفيدها الطفل المصاب‪ ،‬فما كان منه إال أن قابلها بأشــد قسوة وأعظم جفاء‪ ،‬إذ‬ ‫دفعها بيده بكل ما يملك من قوة‪ ،‬فوقعت علــى الأرض وهوت في حفرة كانت‬ ‫بجنبها‪ ،‬وكال لها من الشتائم والكلام القاذع ما لو خوطبت به الجبال لتصدعت‪،‬‬ ‫ولو وزع على أهل الأرض لملأ صدورهم أسى وقلوبهم حزنا‪.‬‬ ‫فيا ترى؛ هل كان هذا التصرف الأحمق الأرعن إال ثمرة للجهل‪ ،‬وانحسار‬ ‫الإيمان‪ ،‬وتصديق الأوهام‪ ،‬وتكذيب الحق اليقين؟ فلــو أن هذا الرجل كان‬ ‫على خوف من ربه‪ ،‬وبصيرة فــي دينه‪ ،‬لما صدق هذا الإفــك الذي انتحله‬ ‫الدجال ليفرق بينه وبين أمه‪ ،‬وهي أحب الناس له وأبرهم به وأشفقهم عليه‪،‬‬ ‫ولكن ما تراكم علــى عقله وقلبه من الضلال والجهل أنســاه قول االله تعالى‪:‬‬ ‫‪٢٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫﴿ ‪ ﴾E D C B A@ ? > = < ; : 9 8 7‬النمــل‪،٦٥ :‬‬ ‫وأعماه عن قول النبي ژ ‪» :‬من أتى كاهنــا فصدقه بما يقول‪ ...‬فقد برئ مما‬ ‫أنزل على محمد«)‪ ،(١‬وأنى يكون مؤمنا بما أنزل على محمد ژ ‪ ،‬وهو يصدق‬ ‫من يدعي علم الغيب الذي استأثر االله به وحده‪ ،‬فلم يجعل منه نصيبا لأحد من‬ ‫خلقه‪ ،‬حتــى أنبيائه المصطفين الأخيــار إال أن يكون ذلــك وحيا أوحاه االله‬ ‫إليهم؟! كما قال تعالــى‪Ð Ï ❁ Í Ì Ë Ê É È Ç ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Û Ú Ù Ø × Ö Õ Ô Ó Ò Ñ‬الجن‪ ٢٦ :‬ـ ‪.٢٧‬‬ ‫وإذا كان النبي الأكرم محمد ! ال يعلم من الغيب شيئا إال ما أوحي إليه‪،‬‬ ‫كما أمره االله تعالى أن يعلنه للناس بقوله‪) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫* ‪ ﴾ 6 5 4 3 2 1 0 / . - ,+‬الأعراف‪،١٨٨ :‬‬ ‫فكيف بهــؤالء الجهلة الحمقى الذيــن يتطاولون على االله تعالــى فيدعون أنهم‬ ‫مشاركون له فيما استأثر به دون خلقه؟! تعالى االله عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬ ‫ووا أسفا على هؤالء الجهلة الضالين المضلين‪ ،‬الذين ال يبالون أن يغرسوا‬ ‫في صدور الناس من الضلال ما يفرق بينهم وبيــن والديهم‪ ،‬الذين هم أحب‬ ‫الناس لهم وأبرهم بهــم‪ ،‬كل ذلك ليحتالوا علــى ما بأيديهم من المال‪ ،‬فهم‬ ‫يجمعون بين أكل الســحت والتفريق بين المرء وزوجه‪ ،‬أو بين الوالد وولده‪،‬‬ ‫فما أتعسهم وأعماهم عن الحق وأنساهم لعهد االله تعالى‪.‬‬ ‫ووا أسفا على هذه العقول الزائغة الضالة؛ التي تستسيغ هذا الإفك وتتهيأ‬ ‫لقبول كل ما يلقى إليها من شياطين الإنس‪ ،‬الذين يستوحون ما يبثونه من شر‬ ‫من إخوانهم شــياطين الجن‪I HG F E D C B A ﴿ ،‬‬ ‫‪ ﴾ Q P O NM L K J‬الأنعــام‪ ،١١٢ :‬فكيف يرد الإنسان ما قاله‬ ‫االله تعالى‪ ،‬ويتقبل ما تقوله الشياطين؟! إن هذا لهو الضلال المبين‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الترمذي )‪ ،١٥/٤‬رقم‪.(٣٩٠٤ :‬‬ ‫‪٢٣‬‬ ‫ا "!ر ا ‪7.8‬‬ ‫  ‪1 36‬ب االله و!‪ 4‬ا ‪3‬‬ ‫ال يخفى على المؤمن ما لكتاب االله تعالى وآياته وأســمائه ســبحانه من‬ ‫حرمات عظيمة تفوق كل تصور‪ ،‬فإن القرآن الكريم هو خطاب االله سبحانه الحق‬ ‫الذي وجهه إلى عباده‪ ،‬ليهديهم من الضلالة ويبصرهم من العمى ويخرجهم من‬ ‫الظلمات إلى النور‪ ،‬وليصلهم بنفسه وبملكوته حتى يكونوا قائمين في أرض االله‬ ‫بعهده‪ ،‬وعامريها بشرعه‪ ،‬ومسخريها بحكمته‪ ،‬مدركين لمبدئهم ومعادهم وما‬ ‫يجب عليهم أن يقوموا به بين المبدأ والمعاد ـ وهم في هذه الرحلة المحدودة‬ ‫على ظهر هذا الكوكب المظلم ـ بحيث يستلهمون من كتاب االله تعالى ما يأتونه‬ ‫وما يذرونه‪ ،‬فلا يكون منهم إقدام على أمــر‪ ،‬أو إحجام عنه إال ببينة من ربهم‬ ‫سبحانه‪ ،‬وقد بين ‪ 4‬عظم شــأن هذا الكتاب وأثره في حياة الناس في العديد‬ ‫من الآيات‪ ،‬كما في قوله‪: 9 8 7 6 5 4 ﴿ :‬‬ ‫; < = > ? @ ‪I H G F E D ❁B A‬‬ ‫‪ ﴾ L K J‬إبراهيم‪ ١ :‬ـ ‪.٢‬‬ ‫وناهيك بهذا بيانا لقدر هذا الكتــاب وأثره في الخلق‪ ،‬ووصله بين العباد‬ ‫وربهم الذي له ما في السماوات وما في الأرض‪ ،‬وسعة عطائه وإشراق سناه‪،‬‬ ‫وإغداق خيره‪ ،‬فهو النور المبين الذي ال يأفل‪ ،‬وهو الصراط المســتقيم الذي‬ ‫ال يزيغ‪ ،‬وهو النبع المغدق الذي ال ينضب‪ ،‬جمع بيــن خير الدنيا والآخرة‪،‬‬ ‫وضمن لمن اتبعه سلامة المسير وسعادة المصير‪ ،‬وقد أنزله االله بعلمه‪ ،‬واختص‬ ‫‪٢٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫به هذه الأمة‪ ،‬وجعله خاتم الكتب‪ ،‬كما أنزله على خاتم الرسل وجعلها خاتمة‬ ‫الأمم‪ ،‬فما أجدره بالتوقير والتعظيم‪.‬‬ ‫وكل آية من آياته بل كل كلمة من كلماته هي شعاع من هذا النور الساطع‪،‬‬ ‫ولمعة من هذا البيان الهادي‪ ،‬فهي حقيقة بالتعظيم والتكريم‪ ،‬ولذلك توعد االله‬ ‫ســبحانه جميع الذين يلحدون في آياته‪ ،‬كما في قوله‪= < ; :﴿ :‬‬ ‫> ? @ ‪P O NM L K J I H G F E D C BA‬‬ ‫‪ ﴾ V U T S RQ‬فصلت‪ ،٤٠ :‬فالوعيد واقع على كل من ألحد فيما أنزله‬ ‫االله‪ ،‬ولو في كلمة من كلماته تعالى‪.‬‬ ‫أما أسماؤه تعالى الحسنى فهي دالة على ذاته المتصفة بجميع الكماالت‪،‬‬ ‫وإذا كان مدلولها هو االله سبحانه فإن تعظيمها وتسبيحها وتقديسها هو تقديس‬ ‫له تعالى‪ ،‬ولذلك أمرنا بتسبيح أسمائه تعالى كما في قوله‪Ê É È ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Ë‬الواقعة‪ ،٧٤ :‬وقولــه‪ ﴾ r q p o ﴿ :‬الأعلــى‪ ،١ :‬وهذا كما أمرنا‬ ‫بتسبيح ذاته العظيمة في نحو قوله‪ ﴾^ ] \ [ Z ﴿ :‬ق‪،٤٠ :‬‬ ‫وقوله‪ ﴾ á à ß Þ Ý ﴿ :‬الطور‪ ،٤٩ :‬وكذلك أسند التبارك إلى اسمه‬ ‫تعالى كما في قوله‪ ﴾ [ Z Y X W V ﴿ :‬الرحمن‪ ،٧٨ :‬وأســنده إلى‬ ‫نفسه في نحو قوله‪﴾ ¬ « a © ̈ § ¦ ¥ ¤ ﴿ :‬‬ ‫الفرقــان‪ ،١ :‬وقولــه‪¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Ä Ã Â Á À‬الفرقــان‪ ،١٠ :‬وقولــه‪j i h g ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ q p o n m l k‬الفرقان‪ ،٦١ :‬وقوله‪# " ! ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ ) ( ' & % $‬الملك‪ ،١ :‬وهذا الذي جعل بعض الناس يقولون بأن‬ ‫أسماءه تعالى هي عين ذاته‪ ،‬والصواب أن مدلول أسمائه هو الذات العلية كما‬ ‫بينته في غير هذا الموضع‪.‬‬ ‫وإنما تدل الآيات المذكورة وأمثالها على أنه يجب أن تقدس أســماء االله‬ ‫الحسنى كما تقدس ذاته العلية‪ ،‬فلا يجوز بحال أن يصدر من مسلم ما يمكن‬ ‫المحور الثاني‪ :‬فيما يتعلق بتعظيم كتاب االله وتوقير العلم‬ ‫‪٢٥‬‬ ‫أن يفسر بأنه إهانة لأسمائه تعالى‪ ،‬سواء كان ذلك بفعله أو بقوله‪ ،‬ففي المنار‬ ‫ما نصه‪» :‬فكما يعظم االله يعظم اســمه الكريم‪ ،‬فيذكر مقرونا بالحمد والشكر‬ ‫والثناء والتقديس‪ .‬وقد صرحوا بــأن تعمد إهانة أســماء االله تعالى في اللفظ‬ ‫والكتابة كفر؛ لأنه ال يمكن أن يأتي من مؤمن«)‪.(١‬‬ ‫وقد توعد االله الذين يلحدون في أسمائه كما توعد الذين يلحدون في آياته‪،‬‬ ‫فقــد قــال تعالــى‪L K J I HG F E D C ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾R Q P O NM‬الأعراف‪ ،١٨٠ :‬وقد بين المفسرون أن الإلحاد‬ ‫في آياته يدخل فيه كل ميل بها عما جاءت به مــن الهدى والبينات‪ ،‬فقد ذكر‬ ‫الطبري أقوال المفسرين القدامى في معنى الإلحاد في آياته ثم أتبع ذلك قوله‪:‬‬ ‫»وكل هذه الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك هي قريبات المعاني‪ ،‬وذلك أن‬ ‫اللحــد والإلحاد‪ :‬هو الميــل‪ ،‬وقد يكون ميــلا عن آيــات االله‪ ،‬وعدوال عنها‬ ‫بالتكذيب بها‪ ،‬ويكون باالســتهزاء مكاء وتصدية‪ ،‬ويكون مفارقة لها وعنادا‪،‬‬ ‫ويكون تحريفا لها وتغييرا لمعانيها«)‪.(٢‬‬ ‫وقال الرازي‪» :‬يقال ألحد الحافر ولحد إذا مال عن االستقامة فحفر في‬ ‫شق‪ ،‬فالملحد هو المنحرف‪ ،‬ثم بحكم العرف اختص بالمنحرف عن الحق‬ ‫إلى الباطل«)‪.(٣‬‬ ‫وقال القرطبي‪» :‬أي يميلون عن الحق في أدلتنا‪ .‬والإلحاد‪ :‬الميل والعدول‪.‬‬ ‫ومنه اللحد في القبر لأنه أميل إلى ناحية منه‪ .‬يقال‪ :‬ألحد في دين االله أي حاد‬ ‫عنه وعدل‪ .‬ولحد لغة فيه‪ .‬وهذا يرجع إلى الذين قالوا‪» :‬ال تسمعوا لهذا القرآن‬ ‫والغوا فيه« وهم الذين ألحدوا في آياته ومالوا عن الحق فقالوا‪ :‬ليس القرآن من‬ ‫)‪ (١‬محمد رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪.٣٦/١ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪.٤٧٨/٢١ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪.٥٦٨/٢٧ ،‬‬ ‫‪٢٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫عند االله‪ ،‬أو هو شعر أو سحر‪ ،‬فالآيات آيات القرآن‪ .‬قال مجاهد‪» :‬يلحدون في‬ ‫آياتنا« أي عند تلاوة القرآن بالمكاء والتصدية واللغو والغناء‪ .‬وقال ابن عباس‪:‬‬ ‫هو تبديل الكلام ووضعــه في غير موضعه‪ .‬وقال قتــادة‪» :‬يلحدون في آياتنا«‬ ‫يكذبون في آياتنا‪ .‬وقال السدي‪ :‬يعاندون ويشــاقون‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬يشركون‬ ‫ويكذبون‪ .‬والمعنى متقارب«)‪.(١‬‬ ‫وقال قطب الأئمة‪» :‬وألحــد مال وحفر في جنب اســتعير للانحراف في‬ ‫تأويل القرآن عن جهة الصحة وعن موضعه قاله ابن عباس ومنه اللحد في القبر‬ ‫]فِي َآيات ِ َنا[ بالتكذيب والعناد والمشاقة وقال مجاهد بالمكاء والتصدية واللغو‬ ‫وربما في إرادة جميع ذلك«)‪.(٢‬‬ ‫وقال صاحب المنار في تفسير الإلحاد في أسمائه تعالى‪» :‬واتركوا وأهملوا‬ ‫بلا مباالة جميع الذين يلحدون في أسمائه بالميل بألفاظها أو معانيها عن منهج‬ ‫الحق الوســط‪ ،‬إلى بنيات الطريق ومتفرق الســبل‪ ،‬من تحريف أو تأويل‪ ،‬أو‬ ‫تشبيه أو تعطيل‪ ،‬أو شرك أو تكذيب‪ ،‬أو زيادة أو نقصان‪ ،‬أو ما ينافي وصفها‬ ‫بالحســنى وهو منتهى الكمال‪ ،‬ذروا هؤالء الملحدين‪ ،‬وال تبالوا بهم‪ ،‬وكأن‬ ‫قائلا يقول‪ :‬ولمــاذا نذرهم فــي خوضهم يعمهــون؟ فأجاب بقولــه تعالى‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ R Q P O‬الأعراف‪ ،١٨٠ :‬أي‪ :‬سيلقون جزاء عملهم عن قريب‪،‬‬ ‫بعضهم في الدنيا قبل الآخرة‪ ،‬وإنما يعمهم جميعهم عقاب الآخرة‪ ،‬إال من تاب‬ ‫منهم قبل الموت«)‪.(٣‬‬ ‫وقال العلامة ابن عاشور في تفسير الإلحاد‪» :‬الميل عن وسط الشيء إلى‬ ‫جانبه‪ ،‬وإلى هذا المعنى ترجع مشــتقاته كلها‪ ،‬ولما كان وسط الشيء يشبه به‬ ‫)‪ (١‬القرطبي‪ :‬جامع أحكام القرآن‪.٣٦٦/١٥ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬إطفيش‪ :‬هميان الزاد إلى دار المعاد‪.٢٢٠/١٢ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬محمد رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪.٣٦٨/٩ ،‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬فيما يتعلق بتعظيم كتاب االله وتوقير العلم‬ ‫‪٢٧‬‬ ‫الحق والصواب‪ ،‬استتبع ذلك تشــبيه العدول عن الحق إلى الباطل بالإلحاد‪،‬‬ ‫فأطلق الإلحاد على الكفر والإفساد‪ ،‬ويعدى حينئذ ب )في( لتنزيل المجرور‬ ‫بها منزلة المكان للإلحاد‪ ،‬والأكثر أن يكون ذلك عن تعمد للإفســاد‪ ،‬ويقال‪:‬‬ ‫لحد وألحد‪ ،‬والأشهر ألحد«)‪.(١‬‬ ‫وإذا كان الإلحاد لغة بمعنى الميل وفي االصطلاح الشرعي هو الميل بالحق‬ ‫الذي أنزله االله عن نهجه السوي‪ ،‬أ َ َو َيكو ُن بمنأى عنه من تصرف بفعله في آيات‬ ‫االله تعالى المنزلة أو أسمائه الحسنى تصرفا يمكن أن يوحي بإهانة هذه الآيات أو‬ ‫هذه الصفات أو هذه الأسماء‪ ،‬أو إهانة العلم الذي تضمنته والحق الذي قدسته؟‬ ‫فإن االله تعالى بين في كتابه مكانة العلم ومنزلة أهله‪ ،‬وأنه هو الفلك الذي تدور‬ ‫عليه رساالت جميع المرسلين‪ ،‬ال ســيما خاتمهم عليه أفضل الصلاة والسلام‪،‬‬ ‫فقد امتن به على المؤمنيــن في قوله‪1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ ﴿ :‬‬ ‫1⁄2 3⁄4 ¿ ‪Æ Å Äà  Á À‬‬ ‫‪ ﴾ Í Ì Ë Ê É È Ç‬آل عمران‪ ،١٦٤ :‬وامتن بهذا على العرب الأميين‬ ‫في قولــه‪8 7 6 5 4 3 2 1 0 / . ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ B A @ ? > = < ; : 9‬الجمعــة‪ ،٢ :‬وبين التفاوت‬ ‫بين من يعلم ومن ال يعلم في قوله‪Î ÍÌ Ë Ê É È Ç Æ Å ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Ñ Ð Ï‬الزمر‪ ،٩ :‬وقوله‪ ﴾ ́ 3 2 ± ° ̄ ﴿ :‬فاطر‪،٢٨ :‬‬ ‫وبين مكانة العلم والتعليم في أول ما أنزله على نبيه ژ ‪ ،‬إذ قال في فاتحة وحيه‬ ‫إليه‪[ Z ❁ X W V ❁ T S R Q ❁ O N M L K ﴿ :‬‬ ‫\ ❁ ^ _ ` ‪ ﴾ b a‬العلق‪ ١ :‬ـ ‪.٥‬‬ ‫وكم ترى في كتاب االله تعالى ما يدلك على عظم حرمات أسماء االله تعالى‬ ‫الحسنى‪ ،‬ناهيك أن االله ســبحانه جعل للأماكن المختصة بعبادته وذكر أسمائه‬ ‫)‪ (١‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪.١٨٩/٩ ،‬‬ ‫‪٢٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫من الحرمات ما يفوق كل تصور ويربو على كل حساب‪ ،‬فالمساجد التي هي‬ ‫مئنة ذكره تعالى قدست في شــرع االله تعالى تقديســا لأجل ما يذكر فيها من‬ ‫وي َســب‪‬ح فيها بحمده‪ ،‬ولذلك ال يســوغ فيها إال ما أذن االله به فيها من‬ ‫أسمائه ُ‬ ‫رفعها وذكر أســمائه‪ ،‬كما هو صريح قوله تعالــى‪Ù Ø × Ö Õ Ô ﴿ :‬‬ ‫‪&%$#"!❁áàßÞÝÜÛÚ‬‬ ‫' ( ) * ‪﴾ 4 3 2 1 0 / .- , +‬‬ ‫النور‪ ٣٦ :‬ـ ‪ ،٣٧‬وقد شــدد النبي ژ فــي أي عمل يخرج عن تعظيــم االله تعالى‬ ‫والتســبيح بحمده وتقديس أســمائه في هذه المســاجد‪ ،‬فعن ابن عباس عن‬ ‫النبي ژ قال‪» :‬طهرت المساجد من ثلاث من أن ينشد فيها بالضوال أو يتخذ‬ ‫فيها طريق أو يكون فيها سوق«)‪ ،(١‬وعن أبي هريرة‪ ،‬أن رسول االله ژ قال‪» :‬إذا‬ ‫رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد‪ ،‬فقولوا‪ :‬ال أربح االله تجارتك‪ ،‬وإذا رأيتم‬ ‫من ينشــد فيه ضالة‪ ،‬فقولوا‪ :‬ال رد االله عليك«)‪ ،(٢‬وقد شدد العلماء في دخول‬ ‫الجنب والحائض المسجد‪ ،‬وروي في ذلك عن النبي ژ أنه قال‪» :‬إن المسجد‬ ‫ال يحل لجنب وال حائض«)‪.(٣‬‬ ‫وإذا كانت هذه الحرمات لمباني تقام مما يقام بــه البناء من مواد العمران‬ ‫وقد استحقت هذا التقديس والتقدير لأجل ما يذكر فيها من أسماء االله‪ ،‬فما بالك‬ ‫بحرمات تلك الأسماء نفسها‪ ،‬وقد نص االله تعالى في كتابه على مشروعية القتال‬ ‫من أجل الحفاظ على المباني التي تعمر لذكر االله تعالى‪ ،‬فقد قال تعالى‪9 ﴿ :‬‬ ‫‪E D CB A @ ? > = < ; :‬‬ ‫‪ ﴾ R Q P ONM L K J IH G F‬الحج‪،٤٠ :‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الربيع )ص ‪ ١٠٩‬رقم‪.(٢٦٠ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الترمذي )‪ ٦١٠/٣‬رقم‪ (١٣٢١ :‬والحاكم )‪ ،٦٥/٢‬رقم ‪ (٢٣٣٩‬وقال‪ :‬صحيح على شــرط‬ ‫مسلم‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬والبيهقي )‪ ،٤٤٧/٢‬رقم ‪.(٤١٤٢‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه ابن ماجه )‪ ،٢١٢/١‬رقم ‪.(٦٤٥‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬فيما يتعلق بتعظيم كتاب االله وتوقير العلم‬ ‫‪٢٩‬‬ ‫وحسبك ذلك دليلا على عظم حرمات أسماء االله تعالى‪ ،‬فأنى يسوغ مع ذلك أن‬ ‫يتجاهل أحد ما عسى أن يكون في أي كتاب كان من ذكر أسمائه تعالى أو شيء‬ ‫من آياته؟!‪.‬‬ ‫‪ 36‬ا آن  ?‪ 7‬إ > ‪ 36‬ا !م ا < ا ‪!. 7‬ه ‪:9‬‬ ‫ال يخفى ما في هذا الذي ذكرناه من التنويه بقدر مطلق العلم والحط من‬ ‫مكانة الجهل ال سيما العلم المســتوحى مما أنزله االله تعالى في كتابه المبين‬ ‫وذكره الحكيم‪ ،‬فضلا عن مكانة نفس الآيات البينات التي تستوحى منها هداية‬ ‫االله لخلقه ومكانة أسمائه الحســنى التي ال مدلول لها إال ذاته العلية المتصفة‬ ‫بجميع صفات الكمال‪ ،‬فإنها ـ بلا ريب ـ يجب تعظيمها وتجنيبها كل ما يشي‬ ‫بعدم المباالة بها‪.‬‬ ‫وكم رأينا ـ مع الأســف الشــديد ـ فيما يصدر من الناس من تصرف‬ ‫يتنافى مع قدســية آيات االله تعالى البينات‪ ،‬وأسمائه الحسنى‪ ،‬ومع احترام‬ ‫العلم وتقديره وتوقيره‪ ،‬ولربما كان ذلك حتى بالنسبة إلى الكتاب العزيز‬ ‫كله‪ ،‬فكم رأينا الناس في المساجد يتركون المصاحف على الأرض!! غير‬ ‫مبالين بما تحتويه من كلام االله المصون وخطابــه المقدس‪ ،‬ولربما دخل‬ ‫أحدهم المسجد وأتى بالمصحف فتركه على الأرض من بين يديه أو عن‬ ‫جانبه حتى يفرغ من تحية المســجد‪ ،‬ثم يقرأ منه‪ ،‬وليت شعري ما الذي‬ ‫يمنع هذا الداخل أن يدع المصحف في مكانه المخصص له ثم يتناوله بعد‬ ‫فراغه من تحية المســجد؟! وكذلك إذا عارضته في تلاوته ســجدة ترك‬ ‫المصحف على الأرض‪ ،‬ولم يتركه في مكان رفيع حتى يؤدي الســجدة‪،‬‬ ‫وقد كان الواجب عليه أن يتركه في مــكان عالٍ‪ ،‬وإن لم يجد فليحمله في‬ ‫سجوده تحت إبطه‪ ،‬وال يجعله في مكان تدوسه الأقدام‪ ،‬لأن ذلك يتنافى‬ ‫مع مراعاة قدسيته‪.‬‬ ‫‪٣٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وقد نص العلماء على أن من حرمة القرآن أن ال يترك على الأرض كما قال‬ ‫القرطبي‪» :‬ومن حرمته أن يضعه في حجره إذا قرأه أو على شــي بين يديه وال‬ ‫يضعه بالأرض«)‪ ،(١‬لكن الناس في غفلة عن رعاية هذه الحرمات‪ ،‬فكم انتهكت‬ ‫على مســمع ومرأى من جماهيرهم‪ ،‬فكأين رأينا في أيــام الجمع المصاحف‬ ‫مبثوثة على الأرض في المساجد أمام صفوف المصلين!! ليتناول من شاء منهم‬ ‫مصحفا متى أراد‪ ،‬كأن هذه المصاحف مجرد أدوات تلقى في أي مكان كان‪،‬‬ ‫أو كأنها أعلاف تلقى على الأرض أمام الماشية!!‪.‬‬ ‫وال تسأل كيف يتصرف مع كتب العلم ـ سواء كتب التفسير أو الحديث أو‬ ‫الفقه أو غيرها ـ كأنها مســتودعات لإلقاء الأشــياء فيها‪ ،‬فترى أحدهم يخرج‬ ‫هاتفه النقال ويدعه فوق الكتاب‪ ،‬وكذلك إن خلع نظارته عن عينيه تركها على‬ ‫الكتاب الذي بين يديه‪ ،‬فضلا عن آالت الكتابة‪ ،‬وقد انتشرت هذه العادة بين‬ ‫الناس حتى تخالهم أنهم تواصوا بها‪ ،‬ناهيك أن الخاصة والعلماء ال يتأففون‬ ‫منها وال يستنكفونها‪ ،‬بل يقعون فيها‪ ،‬وقد نبهت أحدهم على ذلك المرة بعد‬ ‫المرة‪ ،‬وكان يسلم بأن هذا التصرف خطأ‪ ،‬ولكن ال يلبث أن يعود إليه‪.‬‬ ‫وال أزال أذكر قبل ما يقرب من نصف قرن من الزمن‪ ،‬أن جماعة من الناس‬ ‫جاؤوا من مكان بعيد ونزلوا بمنزلي في مجلس استقبال الزوار‪ ،‬وكانوا يبيتون‬ ‫هنالك‪ ،‬وكنت في كل صباح أجدهم قد وضعوا ساعتهم المنبهة فوق كتاب من‬ ‫كتب التفسير التي كانت في رفوف المجلس‪ ،‬فعجبت من هذا التصرف مع أنه‬ ‫كان من بينهم من يوسم بالفضل والعلم!‪.‬‬ ‫ومن العجيــب أن يألف النــاس هذه العــادة كأنهم ال يجدون مســتقرا‬ ‫ومســتودعا لأدواتهم إال ظهور الكتب أو بطونها‪ ،‬وأن يسكت عن ذلك أهل‬ ‫العلم بل هم يشاركون فيه الجهلة! كأنما لم يعرفوا قط أن لتلك الكتب حرمة‪،‬‬ ‫)‪ (١‬القرطبي‪ :‬الجامع لأحكام القرآن‪.٢٨/١ ،‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬فيما يتعلق بتعظيم كتاب االله وتوقير العلم‬ ‫‪٣١‬‬ ‫ناهيك بما فيها من أســماء االله تعالى وآياته‪ ،‬ولو لم يكن فيها إال البسملة في‬ ‫أولها لكان ذلك كافيا لوجوب مراعاة حرماتها‪.‬‬ ‫ومنذ عقود من السنين اجتمعت بأحد المتخصصين في العلوم الدينية‪ ،‬وإذا‬ ‫به يعمل عمل العوام في هذا‪ ،‬بل وجدته يضع آلة التصوير على الكتاب‪ ،‬ولما‬ ‫أنكرت عليه ذلك طالبني بالدليل الشرعي على المنع غير مكتفٍ بكل ما سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬وإنما كان يطالب بدليل نصي على ذلك!! فعجبت من هذا الجمود في‬ ‫التفكير والضيق في النظر‪ ،‬فليت شــعري؛ هل يســوغ لنفســه أن يقعد على‬ ‫المصحف الشريف بســبب أنه لم يأت دليل نصي يمنع من القعود عليه‪ ،‬ولم‬ ‫تكفه الأدلة الواضحة على وجوب رعاية حرمات آيات االله تعالى وأسمائه؟!‪.‬‬ ‫ومن أعجب ما بلغني أن كثيرا من الطلاب ـ في المدارس والجامعات ـ‬ ‫عندما ال يجــدون ما يقعدون عليــه ويريدون أن يقوا ثيابهــم غبار الأرض‬ ‫وأدرانها يقعدون على كتب الدراســة!! والكيس منهم من ينزع منها كتاب‬ ‫التربية الإسلامية‪ ،‬وهم لم يفكروا في أن كثيرا من تلك الكتب تحتوي على‬ ‫آيات من كتاب االله‪ ،‬وعلى العديد من أســمائه الحســنى‪ ،‬فكيف تصل بهم‬ ‫الوقاحة وقلة الأدب إلى القعود عليها؟ بل لو لم تكن تحتوي على شيء من‬ ‫‪‬‬ ‫ويعظم‪ ،‬وال يستهان به‪ ،‬فكيف يقعد‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن العلم مهما كان يجب أن يقدر‬ ‫طالب على كتاب يستفيد منه علما‪ ،‬وقد علمت كيف نبه القرآن على مكانة‬ ‫العلم وقدره؟؟‪.‬‬ ‫وذكر برهان الدين الزرنوجي في كتابه تعليم المتعلم طريق التعلم ما يجب‬ ‫من مراعاة حرمات العلم والكتاب ـ وقد كنت أحضــر حلقة يدرس فيها هذا‬ ‫الكتاب في أيام الصبا ـ ومما جاء فيه قوله‪» :‬قيل ما وصل من وصل إال بمراعاة‬ ‫الحرمة وما سقط من سقط إال بترك الحرمة«)‪.(١‬‬ ‫)‪ (١‬الزرنوجي‪ :‬تعليم المتعلم طرق التعليم‪ ،‬ص ‪ ١٠‬نسخة مصورة من مخطوطة‪.‬‬ ‫‪٣٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وقوله‪» :‬ومن تعظيم العلم تعظيم الكتاب‪ ،‬فينبغي لطالب العلم أن ال يأخذ‬ ‫الكتاب إال بالطهارة‪ ،‬وحكي عن الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني‬ ‫أنه قال‪ :‬إنما نلت هذا العلــم بالتعظيم‪ ،‬فإني ما أخــذت الكاغد إال بطهارة‪،‬‬ ‫والإمام السرخسي كان مبطونا في ليلة وكان يكرر درس كتابه فتوضأ في تلك‬ ‫الليلة ســبع عشــر مرة‪ ،‬لأنه كان ال يكرر إال بالطهارة‪ ،‬وهــذا لأن العلم نور‬ ‫والوضوء نور‪ ،‬فيزداد نور العلم به‪ ،‬ومن التعظيم الواجب أن ال يمد الرجل إلى‬ ‫الكتاب‪ ،‬ويضع كتب التفسير فوق ســائر الكتب‪ ،‬وال يضع على الكتاب شيئا‬ ‫آخر‪ ،‬وكان أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين يحكي عن شيخ من المشايخ أن‬ ‫)‪(١‬‬ ‫فقيها كان وضع المحبرة على الكتاب‪ ،‬فقال له‪ :‬برنيابي برنيابي«‪ .‬اهـ‬ ‫وأذكر أن كلمة َب ُرن ََيابِي فسرت في الحلقة التي كان ُيدرس فيها هذا الكتاب‬ ‫بأنها كلمة فارسية تدل على أن من فعل هذا ال يبارك له في علمه‪.‬‬ ‫وأنت ترى في هذا الكلام أن كتب العلم يجب التمييز بينها في أقدارها‪،‬‬ ‫فالأفضل منها هو الذي يترك فوقها جميعا‪ ،‬ولما كان تفســير القرآن هو أفضل‬ ‫العلوم على الإطلاق لأنه تفسير كلام االله تعالى وجب أن تكون كتب التفسير‬ ‫فوق ســائر الكتب‪ ،‬وإذا كان هذا في ترتيب وضع الكتب بعضها فوق بعض‪،‬‬ ‫فما بالك بمن يضع شــيئا من أدواته على الكتاب كالقلم أو الهاتف النقال أو‬ ‫الساعة أو المحبرة؟!‪.‬‬ ‫ونجد في فتاوى الفقهاء السابقين التشديد في أي عمل يوحي باالستهانة‬ ‫بما يتشــابه مع صورة شــيء يمكن أن يتركب منه علم‪ ،‬فعندما ســئل الإمام‬ ‫السبكي عن وضع القدم على بســاط مفروش وقد ارتســمت في النسج في‬ ‫البساط أشــكال حروف من حروف المعجم‪ ،‬وانتظمت منها كلمات مفهومة‬ ‫المعنى مثل بركة وســعادة والعز الدائم ونحو ذلك‪ ،‬هل يجوز وطء الإنسان‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.١١‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬فيما يتعلق بتعظيم كتاب االله وتوقير العلم‬ ‫‪٣٣‬‬ ‫مواضع هذه الكلمات من البســاط؟‪ .‬شــدد في الجواب بســبب حرمة هذه‬ ‫الكلمات والحروف التي يمكن أن تستخدم في نشر العلم‪ ،‬ونص على حرمة‬ ‫ذلك في رأيه‪ .‬وعلل ذلك بأن حروف المعجم أوجدها االله تعالى لينتظم منها‬ ‫كلامه وكلام رســوله ژ والأذكار المقربة إلى االله‪ ،‬وما يبث وينشر من العلم‬ ‫النافع‪ ،‬فلا تسوغ إهانتها بحال‪.‬‬ ‫ومما قاله في ذلك‪» :‬وقد قال الفقهاء‪ :‬إن الورقة التي فيها اســم االله تعالى‬ ‫ال يجوز أن تجعل كاغدة يجعل فيها قصة ونحوها‪ ،‬فالتحريم هنا ال شــك فيه‬ ‫لأجل اسم االله تعالى فحيث ال يكون اســم االله ولكن حروف يمكن أن يركب‬ ‫منها اسم من أسماء االله أو غيره إن لم نقل بالتحريم لكان له وجه بالقياس عليه‬ ‫فإن الفرع ال يشترط فيه مساواة الأصل بل يكفي اشتراكهما في علة الحكم«‪.‬‬ ‫ثم أضاف إلى ذلك بأنه لو اعترض معترض بأن هذه الحروف نفسها‬ ‫قد تركب تركيبا آخر فتكون داللتها علــى عكس هذه الداللة على الخير‪،‬‬ ‫كما لو اتخذت في تأليف كلام فيه إشــراك باالله تعالى أو جحده أو وصفه‬ ‫بالقبائح تعالى االله عن ذلك‪ ،‬أو تســفيه الحق وتأييد الباطل‪ ،‬فكيف تكون‬ ‫لها حرمة على الإطلاق؟‪.‬‬ ‫وأجاب عن ذلك‪» :‬نعم ولكنها لم تخلق لها إنما خلقت للأول وكذلك‬ ‫جميع الأشياء خلقت لغرض ومكن الإنسان من استعمالها في ذلك الغرض‬ ‫وفي ضده فإن اســتعمله فيه كان قد وضع الشــيء في موضعه وعدل وإن‬ ‫اســتعمله في غير موضعه فقد جار وقســط‪ ،‬والجور والقســط ظلم وحرام‬ ‫بخلاف العدل والإقســاط‪ ،‬وقد كان بعض العلماء ال يمس الورق إال على‬ ‫وضوء وإن كان الورق محتملا؛ لأن يكتب فيه هــذا وهذا لكن الذي خلق‬ ‫لأجله هو أن يكتب فيه القرآن والحديث والعلم النافع فيعظم لذلك‪ ،‬فلو جاء‬ ‫إنسان يدوس ورقة عمدا وهي بياض وقد بلغه ما يجب من تعظيمها ال يمتنع‬ ‫‪٣٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫أن يقال بالتحريم عليه فكذلك الحروف ال يجوز دوسها لمن بلغه ما ذكرناه‬ ‫من المعنى الذي خلقت له«)‪.(١‬‬ ‫وإذا كان الفقهاء يشــددون في وطء الورقة الخالية من الكتابة لما لها من‬ ‫الحرمة‪ ،‬لأنها مهيــأة لأن يكتب فيها علم نافع للعباد‪ ،‬فمــا بالك بما ُد ‪‬ون فيه‬ ‫العلم؟ مع أن العلوم كلها ولو كانت دنيوية لها حرماتها‪ ،‬ناهيك أن كل علم من‬ ‫هذه العلوم فيه داللــة على االله ‪ 4‬وإقامــة الحجة على جاحــده‪ ،‬ويمكن أن‬ ‫يستظهر منها ما يعضد رساالته التي جاءت بها رسله إلى عباده مع ما فيها من‬ ‫المنافع لخلقه‪ ،‬وقد نص العلماء على وجوب صــون الكتب واحترامها‪ ،‬وأن‬ ‫ذلك يتفاوت بتفاوت أقدارهــا وأقدار مؤلفيها‪ ،‬كما نــص عليه الأمير العلامة‬ ‫الحسين بن الإمام القاســم بن محمد بن علي من فقهاء الزيدية حيث قال في‬ ‫كتابه آداب العلماء والمتعلمين‪» :‬إذا نسخ من الكتاب أو طالعه‪ ،‬فلا يضعه على‬ ‫الأرض مفروش ًا منشوراً‪ ،‬بل يجعله بين شيئين أو كرسي الكتب المعروف‪ ،‬كيلا‬ ‫يسرع بقطع حبكه‪ ،‬وإذا وضعها في مكان مصفوفة‪ ،‬فلتكن على كرسي أو تخت‬ ‫خشب أو نحوه‪ ،‬والأولى أن يكون بينه وبين الأرض خلوا كيلا تندى أو تبلى‪،‬‬ ‫وإذا وضعها على خشب أو نحوه‪ ،‬جعل فوقه وتحتها ما يمنع تآكل جلودها به‪،‬‬ ‫وكذلك يجعل ببينها وبين ما يصادفها أو يســتندها من حائط أو غيره‪ ،‬ويراعي‬ ‫الأدب في وضع الكتب باعتبار علومها وشرفها ومصنفيها أو جلالتهم‪ ،‬فيضع‬ ‫الأشراف أعلى الكل‪ .‬ثم يراعي التدريج‪ ،‬فإن كان فيها المصحف الكريم جعله‬ ‫أعلى الكل‪ ،‬والأولى إن يكون في خريطة ذات عروة في مســمار‪ ،‬أو وتد في‬ ‫حائط طاهر نظيف في صدر المجلس‪ ،‬ثم كتب الحديث الصرف‪ ،‬ثم تفســير‬ ‫القرآن ثم تفســير الحديث‪ ،‬ثم أصــول الدين‪ ،‬ثــم أصول الفقــه‪ ،‬ثم النحو‬ ‫والتصريف‪ ،‬ثم أشعار العرب‪ ،‬ثم العروض‪ .‬فإن اســتوى كتابان في فن أعلى‬ ‫)‪ (١‬ينظر السبكي‪ :‬فتاوى السبكي‪ ٥٦٣/٢ ،‬ـ ‪.٥٦٤‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬فيما يتعلق بتعظيم كتاب االله وتوقير العلم‬ ‫‪٣٥‬‬ ‫أكثرهما قرآن ًا أو حديث ًا فإن استويا فبجلالة المصنف‪ ،‬فإن استويا‪ ،‬فأقدمهما كتابة‬ ‫وأكثرهما وقوع ًا في أيدي العلماء والصالحين‪ ،‬فإن استويا فأصحهما«)‪.(١‬‬ ‫وقال أيضا‪» :‬وال يجعل الكتــب خزانة الكراريــس أو غيرها‪ ،‬وال مخدة‬ ‫وال مروحة‪ ،‬وال مكنس ًا وال مسنداً‪ ،‬وال متكأ‪ ،‬وال مقتلة للبق وغيره‪ ،‬وال سيما‬ ‫في الورق فهو على الورق أشد‪ ،‬وال يطوي حاشية الورقة أو زاويتها‪ ،‬وال يعلم‬ ‫بعود أو شيء جاف‪ ،‬بل بورقة أو نحوها«‪ .‬اهـ)‪.(٢‬‬ ‫وإذا كان التعليم بعود أو نحوه من الأشــياء الجافة ممــا يؤمر بتجنبه في‬ ‫الكتاب‪ ،‬فما بالــك بوضع النظارة أو القلم أو المحبرة أو الســاعة أو الهاتف‬ ‫فوقه‪ ،‬أليســت هذه إهانة للعلم وإهانة لما يحتويه الكتاب من آيات االله تعالى‬ ‫البينات وأسمائه الحسنى‪ ،‬وقد رأيت أن الأدب في التصرف مع الكتاب يقتضي‬ ‫أن تراعــى الكتب في وضعهــا وترتيبها بحســب مقامات العلــوم التي فيها‬ ‫وتفاوتها‪ ،‬وذلك بحســب أ ُ ْو َل َياتِها وأ َ ْو َلو ِ َياتِها‪ ،‬مع أنها كلها تحتوي على علم‬ ‫نافع‪ ،‬فكيف يتســامح أن يوضع فوق الكتاب ما اعتــادوا أن يتركوه عليه من‬ ‫الأدوات من غير التفات إلــى ما يحويه الكتاب من العلــم النافع فضلا عما‬ ‫يشتمل عليه من أسماء االله تعالى وآياته؟‪.‬‬ ‫هذا؛ ومن أسوأ العادات المنتشرة بين الناس عدم المباالة بحرمات القرآن‬ ‫في تلاوتــه‪ ،‬فتجد الداخل علــى التالي ال يبالــي أن يقطع تلاوته بالســلام‬ ‫والكلام‪ ،‬مع أن التالي يتلو كلام االله سبحانه الذي هو ليس ككلام الخلق‪ ،‬فهو‬ ‫أحسن الحديث كما قال تعالى‪> = < ; : 9 8 ﴿ :‬‬ ‫? @ ‪LK J I H G F ED C B A‬‬ ‫‪ ﴾ [ Z Y X W V U TS R Q P O N M‬الزمر‪،٢٣ :‬‬ ‫)‪ (١‬الحسين بن المنصور باالله‪ :‬آداب العلماء والمتعلمين‪ ،‬ص ‪.٢٢‬‬ ‫)‪ (٢‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪٣٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وبين سبحانه كيف أثره على مخلوقات االله تعالى بحسب ما فطرها االله تعالى‬ ‫عليه من تعظيمه ســبحانه وهيبته عندما قــال‪^ ] \ [ Z Y ﴿ :‬‬ ‫_ ` ‪j i h g f ed c b a‬‬ ‫‪ ﴾ k‬الحشر‪.٢١ :‬‬ ‫وبين ســبحانه وجوب قطع الحديث عند تلاوته‪ ،‬إذ قال‪a © ﴿ :‬‬ ‫« ¬ ® ̄ ‪ ﴾ ± °‬الأعراف‪ ،٢٠٤ :‬ولكن الناس لألفتهم‬ ‫مخالفة الأوامر الشرعية واستجابتهم لأهواء نفوسهم ال يلتفتون إلى ما يجب‬ ‫من االستماع والإنصات حال تلاوته‪ ،‬فالتالي للقرآن تلاوته عرضة للقطع ممن‬ ‫يدخل عليه بالسلام والكلام‪ ،‬وإذا كان التسليم يمنع عندما يكون المقصود به‬ ‫مشغوال بأي شــيء كما قال الإمام الثميني ‪» : ƒ‬وال يسلم على مشغول عن‬ ‫رده بكصلاة أو تطهر لها أو أكل أو شرب أو في خلاء أو بأذان أو إقامة أو بذكر‬ ‫أو قراءة أو في مسجد‪ ،‬أو بجنازة أو حفر قبر أو دفنه«)‪.(١‬‬ ‫فكيف ُيســل‪‬م على قارئ القرآن وهو يجب عليه أن يكون غارقا في تدبره‬ ‫للقرآن كأنما يتلقاه من االله تعالى مباشــرة؟! وهب أن أحــدا دخل على غيره‬ ‫فوجده في حديث مع أحد الملوك أو الرؤساء‪ ،‬أيتجرأ أن يقطع عليه حديثه؟‬ ‫أوال يعد ذلك استخفافا بالحاكم الذي يتحدث إليه؟!‪.‬‬ ‫وقد مضى ســلفنا الصالح وهم يتشــددون أيما تشــدد على قطع التلاوة‬ ‫بالتسليم أو الكلام‪ ،‬وقد أدركنا من أدرك الإمامين العدلين الصالحين سالم بن‬ ‫راشــد الخروصي ومحمد بن عبد االله الخليلي رحمهمــا االله تعالى‪ ،‬وحدثونا‬ ‫عنهما أنهما كانا ال يتساهلان في هذا الأمر‪ ،‬بل حدثت عن الإمام الخليلي ‪5‬‬ ‫أنه يترك في أثناء تلاوة القرآن بعض رجاله على المدخل ليمنعوا كل داخل من‬ ‫التسليم إال أن يأتي إلى الحلقة فينضم إليها من غير سلام وال كلام‪.‬‬ ‫)‪ (١‬قطب الأئمة‪ :‬شرح النيل‪.٤٨٩/٩ ،‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬فيما يتعلق بتعظيم كتاب االله وتوقير العلم‬ ‫‪٣٧‬‬ ‫وهكذا كان علماء زمانهما وعلى رأســهم الإمام المجدد العلامة المحقق‬ ‫نور الدين السالمي ‪ ، 5‬بل كانوا يشتدون على من يتحدث في أثناء مذاكرة‬ ‫العلم ومدارسته أو تلاوة كتاب ولو بسلام أو سؤال عن حال‪.‬‬ ‫وقد أخبرني شيخنا العلامة إبراهيم بن سعيد العبري أن الإمام نور الدين‬ ‫السالمي ـ عندما زار شيخ المشايخ العلامة الرضي الذي كان يعد بقية السلف‬ ‫الصالح ماجد بن خميس العبري ومن معه مــن الصالحين ببلدة الحمراء من‬ ‫ِ‬ ‫الك َدم ‪‬ية رحمهم االله جميعا ـ كان في مجلسه ال يفتر عن االستماع إلى‬ ‫الحوزة ُ‬ ‫قارئ يقرأ له من مدونات العلم النافع‪ ،‬وكان شيخنا العبري آنذاك صغير السن‪،‬‬ ‫ولما سمع الإمام السالمي قراءته استحســنها‪ ،‬وأمره بأن يكون دائما في تلك‬ ‫الزيارة هو القارئ الذي يقرأ له‪ ،‬وبينما هو شارع في القراءة له إذ سمع الإمام‬ ‫السالمي همسا من بعيد من بعض مرافقيه‪ ،‬ولعله كان يسأل الأخ الأكبر لشيخنا‬ ‫العبري عن دراسته‪ ،‬فاستشاط الإمام الســالمي غضبا أن يكون في حلقة يتلى‬ ‫فيها العلم حديث جانبي‪ ،‬وضرب بعصاه الســوداء المعهــودة الأرض ثلاث‬ ‫ضربات ثم قال بصوته الأجش الجهوري المهيب‪» :‬ال بورك في مجلس علم‬ ‫يتحدث فيه بأمر الدنيا‪ ،‬ال بورك فيه ال بورك فيه‪ ...‬اســكت« فوجفت قلوب‬ ‫الحاضرين جميعا من هيبته‪ ،‬وأطبق الصمت على المجلس كله‪.‬‬ ‫وإذا كان الإمام السالمي ‪ 5‬استشاط غضبا بسبب سماعه همسا من بعيد‬ ‫في مجلس يتلى فيــه العلم‪ ،‬فما بالــك بأولئك الذين تتعالــى أصواتهم في‬ ‫مجالس مذاكرة العلم حتى ال يبقى للمتحدث بالعلم أو ممليه ذهن يستحضر‪،‬‬ ‫وال لمستمعه ذهن يعي أو سمع يتلقى؟!‪.‬‬ ‫وإذا كان النبي ژ قال فيمن انصرف عن حلقة يستفاد منها علم من غير أن‬ ‫يضج بحديث يزعج الحاضرين ويشوش عليهم بأنه »أعرض فأعرض االله عنه«‪،‬‬ ‫كما ثبت »عن أبي واقد الليثي‪ ،‬أن رسول االله ژ بينما هو جالس في المسجد‬ ‫‪٣٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر‪ ،‬فأقبل اثنان إلى رسول االله ژ وذهب واحد‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فوقفا على رســول االله ژ ‪ ،‬فأما أحدهما‪ :‬فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها‪،‬‬ ‫وأما الآخر‪ :‬فجلس خلفهم‪ ،‬وأما الثالث‪ :‬فأدبر ذاهبا‪ ،‬فلما فرغ رســول االله ژ‬ ‫قال‪» :‬أال أخبركم عــن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلــى االله فآواه االله‪ ،‬وأما‬ ‫الآخر فاستحيى فاستحيى االله منه‪ ،‬وأما الآخر فأعرض فأعرض االله عنه««)‪.(١‬‬ ‫فما بالك بمن يجلس في حلقة العلم فلا يصدر منه إال الضجيج الذي يطير‬ ‫بألباب الحاضرين‪ ،‬ويشوش عليهم حتى ال يفقهوا ما يدور في الحلقة؟!‪.‬‬ ‫وبالجملة؛ فإن لتلاوة القرآن آدابا وحرمــات أصبحت ال تراعى من قبل‬ ‫الناس‪ ،‬وكذلك لحضور مجالس العلم آداب تمسك بها السلف الصالح‪ ،‬فكان‬ ‫لهم الحظ الأوفر من العلــم اللدني‪ ،‬وقد أدرك العلمــاء ما يكون من الجهلة‬ ‫عندما يدخلــون المجالس التي يتلــى فيها القرآن من التشــويش على التالي‬ ‫بالتسليم عليه والتحدث إليه‪ ،‬فلذلك استحب من استحب منهم أن تكون تلاوة‬ ‫القرآن في خلوة لتفادي شــغب الداخلين‪ ،‬كما قال القرطبي‪» :‬ومن حرمته أن‬ ‫يخلو بقراءته حتى ال يقطع عليه أحد بكلام فيخلطه بجوابه‪ ،‬لأنه إذا فعل ذلك‬ ‫زال عنه سلطان االستعاذة الذي استعاذ في البدء«)‪.(٢‬‬ ‫وكم رأينا تاليا يتلو القرآن في المسجد ال يبالي أن يقطع تلاوته ليتحدث‬ ‫إلى من حوله بما شاء من حديث الدنيا‪ ،‬وقد ال يخلو حديثه أحيانا من ضحك‬ ‫أو قهقهة‪ ،‬ثم يعود إلى التلاوة حتى يعرض له حديث آخر!!‪.‬‬ ‫وعندما يدخل على قارئ القرآن داخل ممن يرى له تعظيما وقدرا ال يبالي‬ ‫أن يقطع قراءته ويقوم إجلاال لهذا الداخل‪ ،‬وينســجم معه في الحديث‪ ،‬وال‬ ‫)‪ (١‬أخرجه البخاري )‪ ٢٤/١‬رقم‪ (٦٦ :‬ومسلم )‪ ١٧١٣/٤‬رقم‪ (٢١٧٦ :‬وابن حبان )‪ ٢٨٦/١‬ـ ‪ ٢٨٧‬رقم‪:‬‬ ‫‪ (٨٦‬وأخرجه الربيع عن جابر بن زيد مرسلا )ص ‪ ٣٣‬رقم‪.(٣١ :‬‬ ‫)‪ (٢‬القرطبي‪ :‬الجامع لأحكام القرآن‪.٢٧/١ ،‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬فيما يتعلق بتعظيم كتاب االله وتوقير العلم‬ ‫‪٣٩‬‬ ‫يبالي بما لــكلام االله تعالى من حق وحرمة تجب مراعاتهما‪ ،‬وماذا عســى أن‬ ‫يكون حق هذا الداخل حتــى تقطع من أجله قــراءة القرآن‪ ،‬ويقــوم القارئ‬ ‫والمصحف في يديه؟! مع أنه لو دخل رسول االله ژ على من يقرأ القرآن لما‬ ‫رضي منه أن يقطع من أجل دخوله تلاوته‪ ،‬وأن يقوم له‪ ،‬ويشتغل بدخوله عليه‬ ‫عما كان مقبلا عليه من كلام االله تعالى‪ ،‬فكيف بسائر الناس؟!‪.‬‬ ‫وكم يزعجني عندما أدخل مســجدا أو مجلســا يتلى فيه القرآن‪ ،‬فيقطع‬ ‫التالون تلاوتهم من أجــل دخولي‪ ،‬ويقومون لي‪ ،‬مــع أن الداخل لو كان هو‬ ‫النبي ژ لما رضي بقطع تلاوتهم من أجــل دخوله وقيامهم له‪ ،‬فكيف يكون‬ ‫ذلك لأمثالي ممن ال يســوون شــيئا بجانب قــدر النبي ژ وحقــه‪ ،‬أو قدر‬ ‫أصحابه @ ‪ ،‬وعندما عاتبت أحدهم على قطــع تلاوته وقيامه‪ ،‬رد علي‪ :‬بأن‬ ‫هذا ال يضير شيئا‪ ،‬فسألته‪ :‬أرأيت لو أنك كنت قاعدا بين يدي حاكم من حكام‬ ‫الدنيا تحدثه ويحدثك‪ ،‬فدخلت عليك‪ ،‬أكنت تقطع حديثك معه وتقبل علي‪،‬‬ ‫فكيف وأنت تتلقى عن االله بتلاوة كلامه كأنك تســمع قولــه‪ ،‬فما بالك تترك‬ ‫ما أنت عليه وتقبل علي‪ ،‬فهل هذا هو حســن التأدب مع االله تعالى عند تلاوة‬ ‫كلامه الهادي إلى الحق المبين؟؟!‪.‬‬ ‫وهذه الغفلة عن حرمات القرآن وحقوقه هي التي أقصت الناس عن تدبره‬ ‫كأنما قلوبهم غلف عن ذلــك‪ ،‬فلم ينتبهوا لأوامره وزواجــره ووعده ووعيده‬ ‫ووعظه وأمثاله‪ ،‬مع أن تدبره هو الطريق الأوحد للوصــول إلى حقائق معانيه‬ ‫ودقائق مراميه‪ ،‬وقد نعى االله تعالى على الذين ال يتدبرونه بقوله‪b a﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ g f e d c‬محمــد‪ ،٢٤ :‬وقد قســت بســبب ذلــك القلوب‬ ‫وتحجرت حتى لم تعد تتأثر بالقرآن وإن تكررت تلاوته‪ ،‬مع أنه لو خوطبت به‬ ‫الجبال الشم كما خوطبوا لتدكدكت‪ ،‬ولو خوطبت به البحار الزاخرة لتبخرت‪،‬‬ ‫﴿ ‪f ed c b a ` _ ^ ] \ [ Z Y‬‬ ‫‪ ﴾ k j i h g‬الحشر‪.٢١ :‬‬ ‫‪٤٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ 1‬إ > ا  ٴ!‪,B‬ت ا ‪:‬‬ ‫وأخيرا وليس آخرا‪ ،‬إن على جميع المؤسسات العلمية من رياض الأطفال‬ ‫وكتاتيب القرآن إلى مؤسسات الدراســات العليا أن تربي الناشئة على تعظيم‬ ‫القرآن‪ ،‬وتوقير العلم‪ ،‬ورعاية حرماتهما لتشــرق على قلوبهــم أنوار القرآن‪،‬‬ ‫وتســتبصر بصائرهم به‪ ،‬وتغمرهم بركات العلم‪ ،‬وتقوى في نفوســهم داعية‬ ‫العمل به‪ ،‬فبهذا تتأهل الناشئة لحمل أمانة االله تعالى وتبليغها إلى من بعدها‪،‬‬ ‫وتقوى على مراعاة حرمات االله تعالى‪ ،‬وحرمات ما أنزل من الحق‪ ،‬وما شرع‬ ‫من الدين‪ ،‬واالله ولي التوفيق‪.‬‬ ‫‪٤١‬‬ ‫ا "!ر ا ‪E 8‬‬ ‫  "‪ $,‬أداء ا ‪+‬دات ا ‪D‬و'‬ ‫إن للعبادات آثارا عظمى في حياة الناس‪ ،‬الشــخصية والنوعية‪ ،‬وفي‬ ‫علاقاتهم الخاصة والعامة‪ ،‬وهي تختلف في مشــروعيتها بحسب اختلاف‬ ‫حاجة النفوس إليها‪ ،‬وإلى ممارستها‪ ،‬وللناس غفلة عن كثير من أحكامها‪،‬‬ ‫ولســت الآن بصدد إحصاء أخطائهم فيها‪ ،‬فإن ذلك يستوجب إفراد تلك‬ ‫الأخطاء بمؤلف خاص‪ ،‬ولكنني أنبه على أهم العبادات وأقدسها وأعمقها‬ ‫أثرا وأبلغها تأثيرا‪ ،‬وهي الصلوات الخمس التي فرضت على كل مســلم‬ ‫ومســلمة متكررة في كل يوم وليلة‪ ،‬وما ذلك إال لأهميتها وضرورة حياة‬ ‫الناس إليها‪.‬‬ ‫وكم ُت ْر َتكب فيها من أخطاء من قبل مؤديها‪ ،‬ولذلك ف ُِق َد تأثيرها في‬ ‫النفوس لأنها أصبحت عادة من العــادات تتوارثها الأجيال‪ ،‬فيرثها الولد‬ ‫عن والده‪ ،‬وقد بين ژ أنها إن لم تؤد على الوجه المشروع صارت كأنها‬ ‫لم تؤد‪ ،‬فقد ثبت عن جماعة أن رســول االله ژ دخل المســجد‪ ،‬فدخل‬ ‫رجل‪ ،‬فصلى‪ ،‬فســلم على النبي ژ ‪ ،‬فرد وقال‪» :‬ارجع فصل‪ ،‬فإنك لم‬ ‫تصل«‪ ،‬فرجع يصلي كما صلى‪ ،‬ثم جاء‪ ،‬فســلم علــى النبي ژ ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫»ارجع فصل‪ ،‬فإنك لم تصل« ثلاثا‪ ،‬فقال‪ :‬والذي بعثك بالحق ما أحسن‬ ‫غيره‪ ،‬فعلمني‪ ،‬فقال‪» :‬إذا قمت إلى الصلاة فكبر‪ ،‬ثم اقرأ ما تيسر معك من‬ ‫القرآن‪ ،‬ثم اركع حتى تطمئن راكعا‪ ،‬ثم ارفع حتى تعدل قائما‪ ،‬ثم اسجد‬ ‫‪٤٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫حتى تطمئن ساجدا‪ ،‬ثم ارفع حتى تطمئن جالسا‪ ،‬وافعل ذلك في صلاتك‬ ‫كلها«)‪.(١‬‬ ‫فأنت ترى أن النبي ژ أمر الرجل الذي صلى أن يعيد صلاته لأنه لم‬ ‫يصل‪ ،‬أي لأنه لم يأت بالصلاة المشروعة على وجهها الشرعي‪ ،‬وما ذلك‬ ‫إال لأنه أضاع فيها ما كان يجب عليه من الطمأنينة في ركوعه وســجوده‪،‬‬ ‫وفيما بينهما وبين الســجدتين‪ ،‬إذ الصـلاة يجـب أن يقبل عليها المسلم‬ ‫وقد قطع علاقاته عن الدنيا وأقبل بكله على االله‪ ،‬فلا يشــغل ذهنه عن االله‬ ‫شاغل‪ ،‬وال يصده عن التوجه إليه صاد‪ ،‬فلا يعجله أمر أن يراعي ما يجب‬ ‫عليه في صلاته من السكينة والطمأنينة وعدم العجلة في أدائها‪ ،‬فهو عليه‬ ‫أن يكون فــي وقوفه بين يــدي االله تعالــى مطمئنا وكذلك فــي ركوعه‬ ‫وســجوده‪ ،‬وفي رفعه من الركوع أو الســجود‪ ،‬فلا ينقر نقر الديكة كما‬ ‫ال يلتفت التفات الثعالب‪.‬‬ ‫وكمــا أن النبــي ژ أكد علــى الطمأنينة فــي الصلاة فــي ركوعها‬ ‫وسجودها‪ ،‬وفيما بينهما وبين السجدتين‪ ،‬فإنه بنفسه كان قدوة للمصلين‬ ‫في الحفاظ على هذه الطمأنينة‪ ،‬فعن ثابت‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ، ƒ‬قال‪:‬‬ ‫إني ال آلو أن أصلي بكم‪ ،‬كما رأيت النبي ژ يصلي بنا ـ قال ثابت‪ :‬كان‬ ‫أنس بن مالك يصنع شــيئا لم أركم تصنعونه ـ »كان إذا رفع رأســه من‬ ‫الركوع قام حتى يقول القائل‪ :‬قد نسي‪ ،‬وبين السجدتين حتى يقول القائل‪:‬‬ ‫قد نسي«)‪.(٢‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه البخاري )‪ ١٥٢/١‬رقم‪ ١٥٨/١) ،(٧٥٧ :‬رقم‪ (٧٩٣ :‬ومسلم )‪ ٢٩٧/١‬رقم‪ ،(٣٩٧ :‬والترمذي‬ ‫)‪ ٣٩٣/١‬رقم‪ (٣٠٣ :‬وأبو داود )‪ ٢٢٦/١‬رقم‪ (٨٥٦ :‬والنسائي )‪ ١٢٤/٢‬رقم‪.(٨٨٤ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه البخاري )‪ ١٦٤/١‬رقم‪ ،(٨٢١ :‬ومسلم )‪ ٣٤٤/١‬رقم‪ (٤٧٢ :‬وأحمد )‪ ٧٤/٢١‬رقم‪،(١٣٣٦٩ :‬‬ ‫والبيهقي )‪ ١٤١/٢‬رقم‪ (٢٦٢٥ :‬و)‪ ١٧٤/٢‬رقم‪ (٢٧٤٤ :‬وأبو يعلى )‪ ١٠٢/٦‬رقم‪ ،(٣٣٦٣ :‬وابن حبان‬ ‫)‪ ٢٠٤/٥‬رقم‪ ،(١٨٨٥ :‬وأبو عوانة )‪ ٤٩٤/١‬رقم‪ (١٨٤٢ :‬وابن خزيمة )‪ ٣٠٨/١‬رقم‪.(٦٠٩ :‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٤٣‬‬ ‫وعن حماد‪ ،‬أخبرنا ثابت‪ ،‬وحميد‪ ،‬عن أنس بــن مالك‪ ،‬قال‪» :‬ما صليت‬ ‫خلف رجل أوجز صلاة من رسول االله ژ في تمام وكان رسول االله ژ إذا قال‪:‬‬ ‫سمع االله لمن حمده‪ ،‬قام حتى نقول‪ :‬قد أوهم‪ ،‬ثم يكبر‪ ،‬ويسجد‪ ،‬وكان يقعد‬ ‫بين السجدتين حتى نقول‪ :‬قد أوهم«)‪.(١‬‬ ‫وهكذا نــص علماؤنا الأســبقون‪ ،‬ففي مدونــة أبي غانم بشــر بن غانم‬ ‫الخراساني ‪» : 5‬بلغنا أن رسول االله ژ إذا رفع رأسه من الركعة قام حتى يقال‬ ‫أوهم‪ ،‬وإذا رفع رأســه من الســجدة قعد حتى يقال أوهم«‪ ،‬قال مرتبها قطب‬ ‫الأئمة ‪ : 5‬يرفع رأسه من الركوع فيســتوي في القيام يمكث في القيام مدة‪،‬‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫وكذا يمكث بين السجدتين‪.‬‬ ‫وذكر ‪‬‬ ‫علامة الشريعة والأدب أبو مسلم ‪ 5‬حديث أنس ‪ ƒ‬وأتبعه قوله‪:‬‬ ‫»فهذا مما أنكره أنس على الأئمة حيث كانوا يقصرون هذين الركنين كما أنكر‬ ‫عليهم تقصير الركوع والسجود«)‪.(٣‬‬ ‫السر‪ ،‬فلربما‬ ‫ومثل ذلك إهمال كثير من الأئمة الترتيل خصوصا في قراءة‬ ‫‪‬‬ ‫رتل أحدهم إن جهر‪ ،‬ولكن إن أ َ َس ‪‬ر تسارع حتى ال يكاد المأموم يدرك إال قليلا‬ ‫من الفاتحة‪ ،‬مــع أن النبي ژ كان يرتل في قراءة الســر كمــا يرتل في قراءة‬ ‫الجهر‪ ،‬فعن »أبي ســعيد الخدري ‪ ، ƒ‬قال‪» :‬لقد كانت صــلاة الظهر تقام‬ ‫فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته‪ .‬ثم يتوضأ‪ .‬ثم يأتي ورسول االله ژ‬ ‫في الركعة الأولى مما يطولها««)‪.(٤‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه مسلم )‪ ٣٤٤/١‬رقم‪ (٤٧٣ :‬وأبو داود )‪ ٢٢٥/١‬رقم‪ ،(٨٥٣ :‬وأحمد )‪ ٣٧٥/٢٠‬رقم‪،(١٣١٠٤ :‬‬ ‫وأبو يعلى )‪ ٩٩/٦‬رقم‪.(٣٣٦٠ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أبو غانم الخراساني‪ :‬المدونة الكبرى‪ ،٥٨/١ ،‬ط‪ :‬وزارة التراث القومي والثقافة‪.‬‬ ‫)‪ (٣‬أبو مسلم البهلاني‪ :‬نثار الجوهر‪ ،٣٠٥/٢ :‬مكتبة مسقط ـ مسقط ـ ُعمان‪.‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه أحمد )‪ ٤٠٨/١٧‬رقم‪ (١١٣٠٧ :‬ومسلم )‪ ٣٣٥/١‬رقم‪ (٤٥٤ :‬والنسائي )‪ ١٦٤/٢‬رقم‪(٩٧٣ :‬‬ ‫وابن ماجه )‪ ١٨/٢‬رقم‪ (٨٢٥ :‬وابن حبان )‪ ١٦٤/٥‬رقم‪.(١٨٥٤ :‬‬ ‫‪٤٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وذلك أنه ! كان يحرص في صلاته على تدبر ما يتلوه من القرآن‪ ،‬كما‬ ‫قال العلامة أبو مسلم‪» :‬ونأخذ من هذا الحديث تطويل صلاة العصرين منه ژ‬ ‫لكثرة تدبره الخاص به في االستعاذة والتوجيه والفاتحة«)‪.(١‬‬ ‫وال يخفى أن التدبر إنما هو ناتج عن الترســل في القراءة ال االستعجال‬ ‫فيها‪ ،‬وينشــأ عن التدبر الخشــوع في الصلاة الذي هو روحها‪ ،‬كما دل عليه‬ ‫حديث عائشــة أم المؤمنين ‪ ، #‬قالت‪ :‬قال رسول االله ژ ‪» :‬لكل شيء عمود‬ ‫وعمود الدين الصلاة وعمود الصلاة الخشوع وخيركم عند االله أتقاكم«)‪.(٢‬‬ ‫ولقطب الأئمــة ‪ 5‬كلام نفيس في قوله تعالــى‪﴾ 4 3 2 ﴿ :‬‬ ‫المزمــل‪ ،٤ :‬جاء فيه ما نصه‪» :‬اقرأه على مهل بتبيين الحرف وإشــباع الحركات‬ ‫المشبعة حتى يجيء المتلو منه شــبيه ًا بالثغر المرتل وهو الفلج المشبه بنور‬ ‫الأقحوان وال يســرده ســرداً‪ ،‬قال عمر‪» :‬شر الســير الحقحقة وشــر القراءة‬ ‫الهذرمة«)‪ (٣‬وسئلت عائشة ‪ #‬عن قراءة رسول االله ژ ‪ ،‬فقالت‪» :‬ال كسردكم‬ ‫هذا لو أراد الســامع أن يعد حروفه لعدها«)‪ ،(٤‬وترتيلا مصدر مؤكد اليجاب‬ ‫الرحمن كان ژ إذا قرأ يرتل ويفســر‪ ،‬وكان ابن‬ ‫الترتيل وعن محمد بن عبد‬ ‫ٰ‬ ‫عباس يقرأ الآية ثم يسكت ثم يقرأ الأخرى وقال له جاره صالح مولى التومة‪:‬‬ ‫لم كنت تفعل هذا؟ فقال‪ :‬من أجل تأويل القــرآن)‪ ،(٥‬وقال رجل البن عباس‪:‬‬ ‫)‪ (١‬أبو مسلم البهلاني‪ :‬نثار الجوهر‪.٣٠٥/٢ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الربيع )ص ‪ ١٢٠‬رقم‪.(٢٨٥ :‬‬ ‫)‪ (٣‬لم نجده بهذا اللفظ مسندا‪ ،‬وإنما ذكره الزمخشري‪ :‬الكشــاف‪ ،٦٣٨/٤ ،‬والأبي‪ :‬نثر الدرر‪،‬‬ ‫‪ ،٦٧/٧‬وروي الجزء الأول منه وهو )شر السير الحقحقة( عن بعض السلف‪ ،‬ورواه ابن عدي‬ ‫في الكامل مرفوعا من طريق أبي هريرة‪ ٣٠٠/٢ ،‬ترجمة الحسن بن دينار‪ ،‬والبيهقي في شعب‬ ‫الإيمان )‪ (٣٩٦/٥‬عن معبد الجهني‪ ،‬عن بعض أصحاب النبي ژ ‪ ،‬ولم يسمه‪.‬‬ ‫)‪ (٤‬لم نجده مســندا‪ ،‬وإنما ذكره الزمخشــري في الكشــاف‪ ٦٣٨/٤ ،‬وقال الزيلعي في تخريج‬ ‫الأحاديث والآثار‪» :٤٥٩/٢ ،‬غريب«‪.‬‬ ‫)‪ (٥‬لم نجده مسندا‪.‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٤٥‬‬ ‫إني رجل خفيف القراءة أهذرم القراءة‪ ،‬فقال‪ :‬لأن أقرأ سورة البقرة وأترسل فيها‬ ‫وأتدبرها أحب ألي أن أقرأ القرآن أجمع هذرمة‪ ،‬ولأن أقرأ إذا زلزلت والقارعة‬ ‫ألي من أن أقرأ البقرة وآل عمران تهديــرا)‪ ،(١‬لو كان يأمر بقراءته‬ ‫بتدبر أحب ‪‬‬ ‫ثلاث آيات أو أربعا أو خمس ًا«)‪.(٢‬‬ ‫ثم قال‪» :‬وفائدة الترتيل في الصلاة أو غيرها استشــعار العظة عند ذكر االله‬ ‫وحصول الرجاء والخوف عند الوعد والوعيد واالعتبار عند القصص والأمثال‬ ‫فيستنير القلب عند ذلك بنور المعرفة‪ ،‬فالمقصود حضور القلب وال يتحصل‬ ‫إال بترتيل وفي ترتيله احترام له« اهـ)‪.(٣‬‬ ‫وقال الإمام السالمي ‪ 5‬في الترتيل‪» :‬وهو‪ :‬أن يذكر ا ْل ُح ُروف وا ْلكَ لِمات مب ‪‬ينة‬ ‫ِ‬ ‫يل‪ :‬يقرؤه َع َلى مهل بتبيين ا ْل ُح ُروف وإشباع ا ْل َح َركات ا ْلمشبعة«)‪.(٤‬‬ ‫ظاهرة‪َ .‬وق َ‬ ‫وقال أيضا‪» :‬والفائدة في الترتيل‪ :‬أَن‪‬ه يفهم ا ْلمر ‪‬تل من نفسه معاني تلك‬ ‫فهم غيره تلك ا ْلم َعانِي‪ .‬وإذا قرأها بِسرعة َلم َيفهم و َلم ي ِ‬ ‫الألفاظ‪ ،‬وي ِ‬ ‫فهم‪ .‬وإذا‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فهم ا ْل َم َعانِي استشــعر العظمة عند ذكر االله‪ ،‬وحصول الرجاء وا ْلخَ وف عند‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫الوعد والوعيد‪ ،‬واالعتبار عند القصص والأمثال فيســتنير القلب عند َذل َ‬ ‫بنور ا ْلم ِ‬ ‫عرفَة«)‪.(٥‬‬ ‫َ‬ ‫وتحدث علامة الشــريعة والأدب عن ترتيل القراءة وما ينشأ عنه من تدبر‬ ‫مضامينها عندما قال‪» :‬وهو واجب عيني حيث تتعين القراءة وما أدري ما وجه‬ ‫تنزيله منزلة المســتحب في قول )القواعد( و)حاشية الوضع( مع نص القرآن‬ ‫بالأمر به؟! وعلى كلا الوجهين فهو مشروع بشــرط أن ال يخرج المرتل إلى‬ ‫)‪(١‬‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫)‪(٣‬‬ ‫)‪(٤‬‬ ‫لعل المراد بذلك أنه كتهدير البعير إذا ردد صوته في حنجرته‪.‬‬ ‫لم نجده بهذا اللفظ‪.‬‬ ‫قطب الأئمة‪ :‬هميان الزاد‪.٤٣٢/١٤ ،‬‬ ‫نور الدين السالمي‪ :‬معارج الآمال‪.١٠٦/٨ ،‬‬ ‫)‪ (٥‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪٤٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫اللحن بتمطيط الحروف‪ ،‬فإن للمد حــدا محدودا‪ ،‬وأن ال يباعد بين الحروف‬ ‫مباعدة تخرج القراءة عن حد الترتيل والتبيين إلــى التقطيط والتفكيك‪ ،‬وأن‬ ‫يتجنب الســرعة المولدة للتعمية وعدم التمكن من إفراد الحروف وتجويدها‪،‬‬ ‫وإخراجها من مخارجهــا المخصوصة لها بصفاتها المعينــة في علم التجويد‬ ‫المفضية إلى عدم التبين والتفكر والوقوع على حقائق المعاني ومقاصد كلام‬ ‫االله من القارئ وسامعه‪.‬‬ ‫مع أن الســامع مفروض عليه الإنصات لكلام االله لأخذ معانيه والحصول‬ ‫على فهمه مع التزام استشــعار الرجاء لرحمة االله عند آيــات الرحمة ممزوجا‬ ‫بالخوف منه‪ ،‬واستشعار الخوف من االله عن آيات الغضب ممزوجا بالرجاء منه‪،‬‬ ‫وكل هذه المقامات الشريفة ال يتمكن منه القارئ والسامع إذا قرأ وهو يهذرمه‬ ‫كسقط الكلام‪ ،‬ويصبه صبا ال يبالي بسقوط حرف وال بإخراجه من غير مخرجه‬ ‫وبغير صفته‪ ،‬وال يكترث بعزوب فهمه للمعاني وعدم تدبره فيها‪ ،‬وأين حصول‬ ‫الهيبة والخشية وبشاشــة الإيمان والخشــوع من قراءة كهذه؟! وكلها ثمرات‬ ‫التدبر فيه والتجول بين رياضه‪.‬‬ ‫فمن حيث إن مقصد الشــرع بالقراءة العثور على كنــوز كلام رب العزة‬ ‫والوقوع على مكنون خزائنه‪ ،‬والتطلع إلى فهم أسراره‪ ،‬وهو غير حاصل له هذا‬ ‫المطلب الرفيع إال بالتدبر وهــو مظنته الترتيل‪ ،‬فالتدبــر دليل تلك الخزائن‬ ‫ومفتاح تلك الكنوز‪ ،‬ال جرم شــرع في القراءة‪ ،‬إذ القراءة في الحقيقة ليست‬ ‫مقصودة بالذات‪ ،‬ولكن المقصــود التدبر في معاني المقــروء‪ ،‬والتلذذ بها‪،‬‬ ‫لتستكمل الصلاة أكمل أنواع العبادة وأحب ضروب التزلف إلى من لم يرض‬ ‫منا بالخشــوع حتى ننصرف إلى وجهه الكريم بلباب الإخلاص‪ ،‬وهو الغني‬ ‫المطلق عن كل شيء‪ ،‬ولكنها آداب َسنِ ‪‬ية أدبنا بها لنصلح للحضرة‪ ،‬فمن انسلخ‬ ‫من آداب االله التي اختارها لعباده كان خسيســا رديئا ال يصلــح لمقابلة أبناء‬ ‫جنســه‪ ،‬فما ظنك بمقابلة ملك الملــوك ومدبر الموجــودات؟ وهذا الأدب‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٤٧‬‬ ‫الصالح لمقابلته مصدره الأول القــرآن العزيز‪ ،‬وهو غير متناول منه إال بفهم‪،‬‬ ‫والترتيل ـ ال شك ـ أكبر وسيلة للفهم‪.‬‬ ‫ثم إن الترتيل قشر لبابه الحضور‪ ،‬وإنما شرع لتكمل به حقيقة الحضور‪ ،‬إذ‬ ‫الحضور مع المعانــي مع هذرمة الألفاظ وتهريمهــا ال يتصور‪ ،‬فضلا عن أن‬ ‫يكون كاملا‪ ،‬فتأمل هذا المقام فإنه عظيم« اهـ)‪.(١‬‬ ‫هذا؛ وقد نعى االله سبحانه على الذين ال يتدبرون القرآن‪ ،‬وال يمعنون فيه‬ ‫أبصارهم وبصائرهم ليستجلوا أنواره ويستفتحوا خزائنه ويكتشفوا غرائبه‪ ،‬فقد‬ ‫قال تعالــى‪ ﴾ g f e d c b a ﴿ :‬محمــد‪ ،٢٤ :‬وإذا لم‬ ‫يكن هذا من الإنسان في ســاعة وقوفه بين يدي االله في صلاته‪ ،‬وانخراطه في‬ ‫ســلك أهل االله في ملكوته الأعلى‪ ،‬الدائبين على الذكر‪ ،‬الغارقين في الشعور‬ ‫بعظمة االله تعالى‪ ،‬فمتى يتسنى له أن يقوم بهذا الواجب‪ ،‬ويؤدي هذه الضريبة‬ ‫المفروضة على عبوديته لربوبية االله تعالى؟! فإن الصلاة هي تجرد من العبد عن‬ ‫كل ما يشغله في دنياه عن االله‪ ،‬وإقبال منه على االله سبحانه بقلبه وقالبه‪ ،‬وروحه‬ ‫وجسمه‪ ،‬ومشاعره وأحاسيســه‪ ،‬حتى تكون كل كلمة ينطق بها إبان صلاته أو‬ ‫يسمعها من إمامه تفتح له آفاقا من الفكر‪ ،‬وتعرج به إلى أبعاد من ملكوت االله‪،‬‬ ‫وتقوده إلى الحضرة القدسية بين يدي االله تعالى حتى ينسى نفسه وأهله‪ ،‬وكل‬ ‫ما يشغله في حياته‪ ،‬فلا يستشعر إال بنعمة هذا الوقوف بين يدي من تسبح له‬ ‫الســماوات الســبع والأرض ومن فيهن‪ ،‬وتســجد لجلاله كل ذرة من ذرات‬ ‫الوجود‪ ،‬وكل جزيئة في جنبات الكون‪.‬‬ ‫وأي لذة يجدها الإنســان كلذة مناجاة الجناب الأقــدس الذي تعرج إليه‬ ‫الملائكة والروح‪ ،‬وأي شــرف أعظم له من شرف المثول بين يديه‪ ،‬والإفضاء‬ ‫بما في نفسه إليه‪ ،‬وتهذيب هذه النفس بالتلقي عنه مباشرة‪ ،‬بحيث يعرج إليه‬ ‫)‪ (١‬أبو مسلم البهلاني‪ :‬نثار الجوهر‪ ٣٠٨/٢ :‬ـ ‪.٣٠٩‬‬ ‫‪٤٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫في مدارج العبادة والذكر ومعارج التبتل والخشــوع إلــى أن يصل إلى درجة‬ ‫الإحســان التي عبر عنها النبي ژ بقوله‪» :‬أن تعبد االله كأنك تراه فإن لم تكن‬ ‫تراه فإنه يراك«)‪(١‬؟؟!‪.‬‬ ‫وأين هذا كله ممن تخاله إذا كان في صلاته أنه من سرعته هارب من سبع‬ ‫ضار ٍ يطارده أو عدو متربص يلاحقه ال يكاد يطمئن في ركوعه أو ســجوده أو‬ ‫بينهما أو بين الســجدتين أو في قيامه وقعوده‪ ،‬وإنمــا كل همه أن ينفلت من‬ ‫صلاته بسرعة كأنه فيها في ســباق مع غيره وهو حريص أن ال يفوز بقصبات‬ ‫السبق سواه؟!‪.‬‬ ‫وأنت ترى أن النبي ژ عندما عاب صلاة المسيء وأمره بإعادتها نبهه على‬ ‫أنه لم يصل‪ ،‬فمعنى ذلك أن صلاته ليست بشيء في موازين الشرع‪ ،‬فتسميتها‬ ‫صلاة مغالطة للحقيقة‪ ،‬وقد بين له عندما علمه ماذا يفعل‪ ،‬وكان مما علمه إياه‬ ‫الطمأنينة‪ ،‬وفي هذا ما يدل على أن تركها هادم للصلاة ومسقط لقيمتها‪.‬‬ ‫ولربما جادل الذين تســتهويهم الســرعة في الصلاة زاعمين أنهم بذلك‬ ‫متبعون للسنة ومستمسكون بإرشاد النبي ژ عندما قال‪» :‬أيكم صلى بالناس‬ ‫فليخفف«‪ ،‬وقال لمعاذ ‪» : ƒ‬أفتان أنت يا معاذ؟«)‪ (٢‬وأمثالها‪ ،‬وقد أجاب عن‬ ‫هذا العلامة أبو مســلم بقوله‪» :‬صدق رســول االله ژ ‪ ،‬لكنه قال هذا ليوضع‬ ‫موضعه حيث يريد الشرع‪ ،‬ال حيث تريد الشهوات‪ ،‬على أن هذا القول ينبغي‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الربيع من حديث أنس ‪) ƒ‬ص ‪ ٤٢‬رقم‪ (٥٦ :‬والبزار كما في مجمع الزوائد )‪،(٤٠/١‬‬ ‫ومن حديث ابن عباس أخرجــه أحمد )‪ ،٣١٩/١‬رقم ‪ ،(٢٩٢٦‬ومــن حديث ابن عمر‪ :‬أخرجه‬ ‫الطبراني )‪ ،٤٣٠/١٢‬رقم ‪ ،(١٣٥٨١‬ومن حديث أبــي عامر وأبي مالك‪ :‬أخرجه أحمد )‪،١٢٩/٤‬‬ ‫الرحمن بن غنم‪ :‬أخرجه ابن عساكر )‪.(٣١١/٣٥‬‬ ‫رقم ‪ .(١٧٢٠٧‬ومن حديث عبد‬ ‫ٰ‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمــد )‪ ،١٢٤/٣‬رقم ‪ (١٢٢٦٩‬وأخرجه البزار كما في كشــف الأســتار )‪ ٢٣٥/١‬ـ ‪،٢٣٦‬‬ ‫رقم ‪ (٤٨١‬من حديث أنس‪ ،‬ومن حديث جابر أخرجه النسائي )‪ ،١٠٢/٢‬رقم ‪ .(٨٣٥‬وأبو عوانة‬ ‫)‪ ،٤٧٨/١‬رقم ‪ ،(١٧٧٥‬ومن حديث جابر بن عبد االله أخرجه ابن أبي شيبة )‪ ،٣١٥/١‬رقم ‪.(٣٦٠٥‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٤٩‬‬ ‫االلتفات إلى ما قبله وبعده‪ ،‬نعم ما أنسب هذا الحديث بمن لم تكن الصلاة‬ ‫قرة لعينه ولذة لروحه‪ ،‬بل ال يناسب السراق والنقارين إال نقرة الغراب تباعدا‬ ‫من اســتفراغ الوســع الله لئلا يكون فتانا منفراً‪ ،‬وهل الفتنة والنفرة إال صنيعه‬ ‫وما يأتي به؟‪.‬‬ ‫فهذان الحديثان بظاهرهما أولى بهؤالء اللصوص من حديث‪» :‬كانت صلاة‬ ‫الظهر تقام‪ ،‬فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضــي حاجته‪ ،‬ثم يأتي أهله فيتوضأ‪ ،‬ثم‬ ‫يدرك رسول االله ژ في الركعة الأولى«‪ ،‬وحديث‪» :‬صلاته ژ المغرب بـ ﴿ ! "‬ ‫‪ ﴾ $ #‬الإخــلاص‪ ،١ :‬و﴿ ! " ‪ ﴾ #‬الكافرون‪ ،١ :‬الذي انفرد ابن‬ ‫ماجه بروايته‪ ،‬أولى بهم من الحديث بأنه ‪ ‰‬قرأ فيهــا بطولى الطوليين وهي‬ ‫الأعراف‪ ،‬كل هذا ميل إلى المناسب من السنة‪ ،‬وأخذ بالموافق طاعة للأغراض‪،‬‬ ‫وانقياد ًا للشهوات‪ ،‬وهيهات هم بواد ٍ والسنة بواد‪ ،‬نسأل االله العافية‪.‬‬ ‫ثم قال‪ :‬أيها اللبيب الحازم‪ ،‬دِ ْن الله بما صح عن رسول االله ژ ‪ ،‬وال تتخذ‬ ‫بعضه لك وبعضه عليك‪ ،‬فتأخذ مما لك بالقشــر وتتــأول ما عليك بخلاف‬ ‫الظاهر‪ ،‬أال إن الكل لك ال تفرق بين شــيء من ســننه‪ ،‬فليست هي بالسنن‬ ‫المظلمة المتناقضــة المتغايرة‪ ،‬بل كلها شــرع نير متوافق‪ ،‬عليــك أن تتلقاه‬ ‫بالقبول‪ ،‬وتقابله بالســمع والطاعة‪ ،‬وتتبعه أين توجهت ركائبه‪ ،‬وتنزل حيث‬ ‫نزلت مضاربه‪ ،‬وال تحسب أن الشأن الأخذ ببعضه والترك للبعض‪ ،‬بل الجملة‬ ‫خطاب‪ ،‬فأنزل كل شيء منه منزلته وضعه بموضعه‪.‬‬ ‫أيها الحــازم؛ أنصف نبيك المؤدي إليك رســالة ربه الحــق بحذافيرها‪،‬‬ ‫واحمل سنته الواضحة على محملها‪ ،‬وسر في دربها على خط استقامتها‪ ،‬فإن‬ ‫واجهتك في عمل واحد بإيجاز وتخفيف مأمور به‪ ،‬وتطويل وتثقيل منهي عنه‪،‬‬ ‫فهنا يجب أن تتحقق عدم إمكان الرجوع فيه إلى عادات العباد والبلاد‪ ،‬أو إلى‬ ‫ْ‬ ‫مذهب متأول بباطل‪ ،‬أو إلى شهوة مأموم ورضاه‪ ،‬وال إلى اجتهاد إمام ورأيه‪،‬‬ ‫‪٥٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫إنما هي سنة متبعة‪ ،‬إليها المصير والتحاكم‪ ،‬قالها الشارع وفعلها وقررها‪ ،‬وجاء‬ ‫بها من عند االله وعلم المكلفين حقوقها وحدودهــا وهيآتها وأركانها‪ ،‬أما كان‬ ‫يصلي وراءه الضعيف والكبير وذو الحاجة والصغير‪ ،‬ووقتئذ ال إمام بالمدينة‬ ‫غيره صلوات االله وســلامه عليه‪ ،‬فالذي كان يفعلــه ‪ ‰‬ال يخالف ما أمر به‬ ‫وما نهى عنه‪ ،‬لم يكن ليفعله اللهم إال أن يكون في حكم خاص به‪ ،‬وما أريد‬ ‫أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه« اهـ)‪.(١‬‬ ‫وقال أيضا‪» :‬قد اتفــق الصحابة على أن صلاتــه ‪ ‰‬كانت معتدلة فكان‬ ‫ركوعه ورفعه منه وسجوده ورفعه منه مناسبا لقيامه‪ ،‬ومن أمعن النظر في قوله‬ ‫عليه أشرف الصلوات والتسليم‪» :‬صلوا كما رأيتموني أصلي«)‪ ،(٢‬رأى أن حقيقة‬ ‫الخطاب فيه للأئمــة وإن ورد عاما‪ ،‬فإذا جمع هذا الحديــث إلى فعله وأمره‬ ‫بالتخفيف علم أن ما كان يفعله هو عين ما كان يأمر به‪ ،‬إذ يعلم بالضرورة أنه‬ ‫ما من فعل في الغالب إال وقد يسمى خفيفا بالنسبة إلى ما فوقه‪ ،‬ويسمى طويلا‬ ‫بالنســبة إلى ما هو أخف منه‪ ،‬فلا حد فــي اللغة يرجع فيــه إليه‪ ،‬وليس من‬ ‫الأفعال العرفية التي يرجع فيه إلى العرف كالحرز والقبض وإحياء الموات‪.‬‬ ‫فإن العبادات يرجع فيها إلى الشــارع في مقاديرها وصفاتها وهيئاتها كما‬ ‫يرجع إليه في أصلها‪ ،‬فلو كان مســمى التخفيف والإيجــاز يرجع إلى عرف‬ ‫الناس وعاداتهم فيــه إذا الختلفت أوضاع الصلاة ومقاديرهــا اختلافا متباينا‬ ‫ال ينضبط‪ ،‬ونحن نعترف بأنه ژ كان يخفف بعــض الصلاة كما كان يخفف‬ ‫سنة الفجر حتى تقول عائشــة ‪» : #‬هل قرأ فيها بأم القرآن؟!«‪ ،‬وكان يخفف‬ ‫الصلاة في الســفر حتى كان ربما قرأ في الفجر بالمعوذتين‪ ،‬وكان يخفف إذا‬ ‫)‪ (١‬أبو مسلم البهلاني‪ :‬نثار الجوهر‪ ٣٠٣/٢ :‬ـ ‪.٣٠٥‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه ابن حبان )‪ ٥٤١/٤‬رقم‪ ،(١٦٥٨ :‬والدارمي )ص ‪ ٣٢١‬رقم‪ ،(١٣٨٤ :‬وابن خزيمة )‪٢٠٦/١‬‬ ‫رقم‪ ،(٣٩٧ :‬والبيهقي )‪ ٤٨٦/٢‬رقم‪ ،(٣٨٥٦ :‬والبغوي )‪ ٢٩٥/٢‬رقم‪ ،(٤٣٢ :‬والدارقطني في سننه‬ ‫)‪.(١٠٦٩/٢‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٥١‬‬ ‫ســمع بكاء الصبي‪ ،‬فالســنة التخفيف حيث خفف‪ ،‬والتطويــل حيث أطال‪،‬‬ ‫والتوسط غالبا‪ ،‬فالذي أنكره أنس هو التشــديد الذي ال يخفف صاحبه على‬ ‫نفسه مع حاجته إلى التخفيف‪ ،‬وال ريب أن هذا خلاف سنته‪.‬‬ ‫وأما حديث معاذ وقوله له‪» :‬أفتان أنت يا معاذ« فلم يتعلق لصوص الصلاة‬ ‫إال بمجرد هذه اللفظة وتغافلوا وتجاهلوا في أول الحديث وآخره‪ ،‬وأصل قصة‬ ‫معاذ هو ما رواه جابر بن عبد االله قال‪ :‬أقبل رجــل بناضحين وقد جنح الليل‪،‬‬ ‫فوافق معاذا يصلي‪ ،‬فترك ناضحيه وأقبل إلى معاذ‪ ،‬فقرأ سورة البقرة أو النساء‪،‬‬ ‫فانطلق الرجل وبلغه أن معاذا نال منه‪ ،‬فأتى رســول االله ژ يشكوا إليه معاذا‪،‬‬ ‫فقال النبــي ژ ‪» :‬أفتان أنت؟« أو قــال‪» :‬أفاتن أنت؟ ـ ثــلاث مرات ـ فلوال‬ ‫صليت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى فإنه يصلي‬ ‫وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة«‪.‬‬ ‫وجاء هذا الخبر من طريق أنس بن مالك‪ ،‬قــال‪» :‬كان معاذ بن جبل يؤم‬ ‫قومه‪ ،‬فدخل حزام وهو يريد أن يســقي نخله‪ ،‬فدخل المسجد مع القوم‪ ،‬فلما‬ ‫رأى معاذا طول تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه‪ ،‬فلما قضى معاذ الصلاة‬ ‫قيل له ذلك‪ ،‬قال‪ :‬إنه لمنافق‪ ،‬أيعجل عن الصلاة من أجل سقي نخله؟! فقال‪:‬‬ ‫فجاء حزام النبي ژ ومعاذ عنده‪ ،‬فقال‪ :‬يا نبي االله إني أردت أن أسقي نخلا لي‬ ‫فدخلت المســجد لأصلي مع القوم‪ ،‬فلما طول تجوزت في صلاتي ولحقت‬ ‫بنخلي أسقيه‪ ،‬فزعم أني منافق‪ .‬فأقبل النبي ژ على معاذ‪ ،‬فقال‪» :‬أفتان أنت؟‬ ‫ال تطول بهم‪ ،‬اقرأ سبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوها««‪.‬‬ ‫وعن معاذ بن رفاعة الأنصاري عن ســليم رجل من بني ســلمة‪ ،‬أنه أتى‬ ‫رسول االله ژ فقال‪ :‬يا رسول االله إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام ونكون في‬ ‫أعمالنا فــي النهــار‪ ،‬فينــادي بالصلاة‪ ،‬فنخــرج إليــه فيطول علينــا‪ ،‬فقال‬ ‫رســول االله ژ ‪» :‬يا معاذ بن جبل ال تكــن فتانا‪ ،‬إما أن تصلــي معي وإما أن‬ ‫‪٥٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫تخفف على قومك«)‪ ،(١‬ثم قال‪» :‬يا سليم ما معك من القرآن؟« قال‪ :‬إني أسأل‬ ‫االله الجنة‪ ،‬أو قال‪ :‬أســأل الجنة وأعوذ به من النار‪ ،‬واالله ال أحسن دندنتك وال‬ ‫دندنة معاذ‪ ،‬فقال رسول االله ژ ‪» :‬وهل تصير دندنتي ودندنة معاذ إال أن نسأل‬ ‫االله الجنة ونعوذ به من النار؟!« قال سليم‪ :‬سترون غدا إذا التقى القوم إن شاء‬ ‫االله‪ ،‬قال‪ :‬والناس يتجهزون إلى أحد‪ ،‬فخرج فكان في الشهداء ‪. 5‬‬ ‫فقد ظهر أن التعمق والتنطع والتشــديد الذي نهانا عنه رسول االله ژ هو‬ ‫المخالف لهديه‪ ،‬وهدي أصحابه وما كانوا عليه‪ ،‬وأن موافقته في فعله وموافقة‬ ‫خلفائه من بعده هو محض المتابعة‪ ،‬فكن أيها العبد بين الغالي والجافي‪ ،‬فهي‬ ‫الطريقة المثلى والمنهج القويم والمحمدية الخالصة‪.‬‬ ‫وعن علي‪» :‬خير الناس النمط الأوسط‪ ،‬الذي يرجع إليهم الغالي ويلحق‬ ‫بهم التالي« اهـ)‪.(٢‬‬ ‫والخلاصة؛ أن المحافظة على ترتيل القراءة والتدبر فيها ال بد منهما في‬ ‫الصلاة السرية والجهرية‪ ،‬ليتحقق الخشــوع المطلوب الذي هو روح الصلاة‪،‬‬ ‫كذلك الطمأنينة في الركوع والســجود وفي حال الرفع مــن كل منهما وبين‬ ‫الســجدتين من ضرورات الصــلاة التي ال بد مــن رعايتها‪ ،‬وهــذا ال ينافي‬ ‫التخفيف في الصلاة مراعاة لحال المريض والضعيف وذي الحاجة‪ ،‬إذ ال يعني‬ ‫التخفيف أن ُيخْ َرم شيء من أعمال الصلاة‪ ،‬أو يهمل شيء من هيئاتها‪.‬‬ ‫ال ‪!%‬ز أن ‪K‬ا‪ 'I 3J‬أ‪'% H4‬ت أ‪G‬ى‪:‬‬ ‫هذا؛ ومن العادات المتفشية في الصلاة تزاحم الجماعات‪ ،‬فكم تجد في‬ ‫المسجد الواحد من تعدد الجماعات في الوقت الواحد! ولربما تعللوا لذلك‬ ‫باختلاف الصلاتين بحيث تكون إحدى الجماعتين تصلي الظهر أو المغرب‪،‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،٧٤/٥‬رقم ‪.(٢٠٧١٨‬‬ ‫)‪ (٢‬المرجع السابق‪ ٣٠٦/٢ ،‬ـ ‪.٣٠٨‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٥٣‬‬ ‫والأخرى تصلي العصر أو العشاء‪ ،‬وهذه التعلة ليست مجدية شيئا‪ ،‬إذ ال يسوغ‬ ‫بحال أن تقام صلاة أخرى إذا أقيمت الصلاة في جماعة لما ثبت من طريق أبي‬ ‫هريرة عن النبي ژ أنه قال‪» :‬إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إال المكتوبة«)‪ ،(١‬أي‬ ‫التي أقيمت‪ ،‬وليس لأحد أن ينشئ صلاة أخرى وال أن يقيم تلك الصلاة في‬ ‫جماعة أخرى‪ ،‬والحديث جاء بألفاظ متعددة تؤكد هذا المعنى منها‪» :‬إذا أقيمت‬ ‫الصلاة فلا صلاة إال التي أقيمت«)‪ ،(٢‬ومنهــا‪» :‬إذا أخذ المؤذن في الإقامة فلا‬ ‫صلاة إال المكتوبة«)‪.(٣‬‬ ‫وقد شدد العلماء في هذا فقالوا ال تقام فريضة وال نافلة بعد إقامة المؤذن‬ ‫لصلاة مكتوبــة‪ ،‬حتى أن منهم مــن قال بأن المســتدرك في الظهــر إن قام‬ ‫للاستدراك وأقيمت صلاة العصر عند المسافرين فسدت صلاته‪.‬‬ ‫وإذا كان التشــديد في هذا يصل إلى هذا الحد فما بالــك بأولئك الذين‬ ‫ال يبالون أن ينشــئوا جماعات أخرى حال إقامة الصلاة في الجماعة؟!! وقد‬ ‫بلغني أن االســتخفاف بالعبــادة في هذا قد يصــل ببعضهم إلــى أن تتعدد‬ ‫الجماعات عندهم في مســجد واحد فتصل إلى ســت جماعــات في الوقت‬ ‫نفسه!!! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الصلاة عند هؤالء هي أهون‬ ‫شيء‪ ،‬فلا يبالون بها أن تؤدى كيفما كانت من غير مراعاة لأحكامها الشرعية‪،‬‬ ‫وضرورة أدائها كما أمروا بها‪ ،‬وإنما يؤثرون هواهم ـ واســتعجالهم من أجل‬ ‫)‪ (١‬أخرجه عبد الرزاق )‪ ،٤٣٦/٢‬رقم ‪ ،(٣٩٨٧‬ومســلم )‪ ،٤٩٣/١‬رقم ‪ ،(٧١٠‬وأبو داود )‪،٢٢/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٢٦٦‬والترمذي )‪ ،٢٨٢/٢‬رقم ‪ ،(٤٢١‬والنسائي )‪ ،١١٦/٢‬رقم ‪ ،(٨٦٥‬وابن ماجه )‪،٣٦٤/١‬‬ ‫رقم ‪.(١١٥١‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمد )‪ ،٣٥٢/٢‬رقم ‪ ،(٨٦٠٨‬والطبراني في الأوســط )‪٢٨٦/٨‬رقم ‪ ،(٨٦٥٤‬والطحاوي‬ ‫)‪.(٣٧٢/١‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه الديلمي )‪ ،٣٢٠/١‬رقم ‪ .(١٢٦٦‬وأخرجه أيضا‪ :‬ابن حبان )‪ ،٥٦٤/٥‬رقم ‪ ،(٢١٩٠‬والجرجاني‬ ‫في تاريخ جرجان )‪ ،٣٣٤/١‬رقم ‪.(٦١١‬‬ ‫‪٥٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫دنياهم ـ على أدائها وفق أوامر االله سبحانه‪ ،‬وهو مما يرجع إلى ضحالة إيمانهم‬ ‫وضعف يقينهم باليوم الآخر‪ ،‬وإال لفكروا في مصيرهم وكيف يستعدون له في‬ ‫الدنيا بفعل الواجبات على الوجه المشروع واجتناب المنهيات‪.‬‬ ‫وليت شعري؛ ما الذي يدفع هؤالء إلى مثل هذا التصرف الأهوج المقيت‬ ‫غير الجهل بالدين‪ ،‬وأن العبادات ال تعدو عندهم أن تكون عادات ألِفوها‪ ،‬فلا‬ ‫يبالون كيفما أدوها؟‪.‬‬ ‫إ‪-‬ل ‪ !,‬ا  !ف‪:‬‬ ‫من العادات المتفشية في الجماعات عدم مراعاة تسوية الصفوف‪ ،‬مع‬ ‫أن تســويتها من تمام الصلاة‪ ،‬كما نص على ذلك حديث رسول االله ژ ‪،‬‬ ‫فعن أبي مســعود الأنصاري ‪ ƒ‬قال‪ :‬كان رســول االله ژ يمسح عواتقنا‬ ‫ويقول‪» :‬استووا وال تختلفوا فتختلف قلوبكم‪ ،‬وليليني منكم أولو الأحلام‬ ‫والنهى‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهــم«)‪ ،(١‬وهو دليل على وجوب‬ ‫تسوية الصفوف وتحريم اختلافها‪ ،‬أما وجوب تسويتها فلأن النبي ژ كان‬ ‫يأمرهم بأن يستووا‪ ،‬والأمر للوجوب ما لم تصرفه قرينة عنه‪ ،‬وأما تحريم‬ ‫اختلافها فدليله النهي عن االختلاف والنهي هو للتحريم إال لقرينة صارفة‬ ‫عنه إلى غيره‪ ،‬وقد تعــزز هذا الحكم بتعليلــه أن االختلاف يترتب عليه‬ ‫اختلاف القلوب‪ ،‬وأوامر الشرع ونواهيه تدور على تأليف القلوب وعدم‬ ‫اختلافها‪.‬‬ ‫وقد تعزز هذا بكثيــر من الروايات منها عن أبي مســعود أيضا‪» :‬ليلينى‬ ‫منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذيــن يلونهم وال تختلفوا‬ ‫)‪ (١‬أخرجه ابن أبي شيبة )‪ ،٣٠٨/١‬رقم ‪ ،(٣٥٢٧‬وأحمد )‪ ،١٢٢/٤‬رقم ‪ ،(١٧١٤٣‬ومسلم )‪،٣٢٣/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٤٣٢‬وابن حبان )‪ ،٥٤٥/٥‬رقم ‪.(٢١٧٢‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٥٥‬‬ ‫فتختلف قلوبكم وإياكم وهيشات الأسواق«)‪ ،(١‬ومثله عن ابن مسعود)‪، ƒ (٢‬‬ ‫وعن النعمان بن بشير‪» :‬أقبل رسول االله ژ على الناس بوجهه‪ ،‬فقال‪» :‬أقيموا‬ ‫صفوفكم« ثلاثا‪» ،‬واالله لتقيمن صفوفكــم أو ليخالفن االله بين قلوبكم« قال‪:‬‬ ‫فرأيت الرجل يلزق منكبــه بمنكب صاحبه‪ ،‬وركبته بركبــة صاحبه‪ ،‬وكعبه‬ ‫بكعبه«)‪ ،(٣‬وجاء بلفظ‪» :‬لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن االله بين وجوهكم«)‪،(٤‬‬ ‫وبلفظ آخر‪» :‬كان رسول االله ژ يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح‬ ‫حتى رأى أنا قد عقلنا عنه‪ ،‬ثم خرج يوما فقــام‪ ،‬حتى كاد يكبر فرأى رجلا‬ ‫باديا صدره من الصف‪ ،‬فقال‪» :‬عباد االله لتسون صفوفكم‪ ،‬أو ليخالفن االله بين‬ ‫وجوهكم«)‪ ،(٥‬وعنه بلفظ‪» :‬عباد االله المسلمين لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن‬ ‫االله بين وجوهكم«)‪.(٦‬‬ ‫وكم تجد في هــذه الروايات مــن عناية النبي ژ وأصحابه بتســوية‬ ‫الصفوف في الصلاة‪ ،‬حتى ال يتقدم أحد أو يتأخر‪ ،‬وما ذلك إال لأن عدم‬ ‫تســويتها مخل بصــلاة المصليــن‪ ،‬ويؤكد ذلــك ما جاء »عــن أنس بن‬ ‫)‪ (١‬أخرجــه عبد الــرزاق )‪ ،٤٥/٢‬رقم ‪ ،(٢٤٣٠‬ومســلم )‪ ،٣٢٣/١‬رقم ‪ (٤٣٢‬وأبــو داود )‪،١٨٠/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٦٧٤‬والنسائي )‪ ،٢٨٦/١‬رقم ‪ ،(٨٨١‬وابن ماجه )‪ ،٣١٢/١‬رقم ‪.(٩٧٦‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمــد )‪ ،٤٥٧/١‬رقم ‪ ،(٤٣٧٣‬وابن حبــان )‪ ،٥٤٥/٥‬رقم ‪ ،(٢١٧٢‬والطبراني )‪،٨٨/١٠‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٠٠٤١‬والحاكــم )‪ ،١٠/٢‬رقم ‪ (٢١٥٠‬وقال‪ :‬صحيح على شــرط الشــيخين‪ .‬والترمذي‬ ‫)‪ ،٤٤٠/١‬رقم ‪ ،(٢٢٨‬وقال‪ :‬حسن صحيح غريب‪.‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه أبــو داود )‪ ،١٧٨/١‬رقم ‪ ،(٦٦٢‬والبيهقــي )‪ ،٧٦/١‬رقم ‪ ،(٣٦٢‬وابــن حبان )‪،٥٤٩/٥‬‬ ‫رقم ‪ .(٢١٧٦‬وأحمد )‪ ،٢٧٦/٤‬رقم ‪ ،(١٨٤٥٣‬وابــن خزيمة )‪ ،٨٢/١‬رقم ‪ ،(١٦٠‬والبزار )‪،٢٢٨/٨‬‬ ‫رقم ‪.(٣٢٨٥‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه ابن أبي شيبة )‪ ،٣٠٨/١‬رقم ‪ ،(٣٥٢٥‬والنسائي )‪ ،٨٩/٢‬رقم ‪.(٨١٠‬‬ ‫)‪ (٥‬أخرجه البخاري )‪ ،٢٥٣/١‬رقم ‪ ،(٦٨٥‬ومسلم )‪ ،٣٢٤/١‬رقم ‪ ،(٤٣٦‬وأبو داود )‪ ،١٧٨/١‬رقم ‪،(٦٦٣‬‬ ‫والترمذي )‪ ،٤٣٨/١‬رقم ‪ (٢٢٧‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وابن حبان )‪ ،٥٤٩/٥‬رقم ‪ .(٢١٧٥‬والطيالسي‬ ‫)ص ‪ ،١٠٧‬رقم ‪ ،(٧٩١‬وأحمد )‪ ،٢٧١/٤‬رقم ‪.(١٨٤١٣‬‬ ‫)‪ (٦‬أخرجه عبد الرزاق )‪ ،٤٤/٢‬رقم ‪.(٢٤٢٩‬‬ ‫‪٥٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫مالك ‪ ، ƒ‬عن النبي ژ قال‪» :‬سووا صفوفكم‪ ،‬فإن تسوية الصفوف من‬ ‫إقامة الصلاة««)‪.(١‬‬ ‫وهذا يعني أن صلاة المأمومين ال تتم إال بتســوية الصفوف‪ ،‬كما جاء‬ ‫في رواية أخرى عنه بلفظ‪» :‬أقيموا صفوفكم فإن تســوية الصف من تمام‬ ‫الصلاة«)‪ ،(٢‬وعنه قــال‪ :‬أقيمت الصلاة فأقبل علينا رســول االله ژ بوجهه‪،‬‬ ‫فقال‪» :‬أقيموا صفوفكم‪ ،‬وتراصوا‪ ،‬فإني أراكم من وراء ظهري«)‪ ،(٣‬وعنه أن‬ ‫النبي ژ قال‪» :‬رصــوا صفوفكم وقاربوا بينها وحــاذوا بالأعناق فوالذي‬ ‫نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصفوف كأنها الحذف«)‪،(٤‬‬ ‫وعنه‪» :‬استووا استووا استووا واستقيموا فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من‬ ‫خلفي كما أراكم من بين يدي«)‪ ،(٥‬وعنه عن النبي ژ ‪» :‬اســتووا وعدلوا‬ ‫صفوفكم«)‪ ،(٦‬وعن ابن عمر ^ عن النبي ژ أنــه قال‪» :‬أقيموا الصفوف‬ ‫فإنما يصفون بصفوف الملائكة وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا‬ ‫بأيدي إخوانكم وال تذروا فرجات الشيطان ومن وصل صفا وصله االله ومن‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الطيالســي )ص ‪ ،٢٦٦‬رقم ‪ ،(١٩٨٢‬وأحمد )‪ ،١٧٧/٣‬رقم ‪ ،(١٢٨٣٦‬والدارمي )‪،٣٢٣/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٢٦٣‬والبخاري )‪ ،٢٥٤/١‬رقم ‪ ،(٦٩٠‬ومســلم )‪ ،٣٢٤/١‬رقم ‪ ،(٤٣٣‬وأبو داود )‪،١٧٩/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٦٦٨‬وابــن ماجــه )‪ ،٣١٧/١‬رقم ‪ ،(٩٩٣‬وابن خزيمــة )‪ ،٢١/٣‬رقم ‪ ،(١٥٤٣‬وابن حبان‬ ‫)‪ ،٥٤٨/٥‬رقم ‪ .(٢١٧٤‬وأبو يعلى )‪ ،٣٥٤/٥‬رقم ‪.(٢٩٩٧‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه ابن حبان )‪ ،٥٤٥/٥‬رقم ‪.(٢١٧١‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه البخــاري )‪ ،٢٥٣/١‬رقم ‪ ،(٦٨٧‬والنســائي )‪ ،٩٢/٢‬رقم ‪ ،(٨١٤‬وابــن حبان )‪،٥٤٧/٥‬‬ ‫رقم ‪ (٢١٧٣‬وأحمد )‪ ،١٠٣/٣‬رقم ‪ ،(١٢٠٣٠‬والبيهقي )‪ ،٢١/٢‬رقم ‪.٢١٢٢‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجــه أحمــد )‪ ،٢٦٠/٣‬رقم ‪ ،(١٣٧٦١‬وأبــو داود )‪ ،١٧٩/١‬رقم ‪ ،(٦٦٧‬والنســائي )‪،٩٢/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٨١٥‬وابن خزيمة )‪ ،٢٢/٣‬رقم ‪ (١٥٤٥‬وابن حبان )‪ ،٢٥١/١٤‬رقم ‪ (٦٣٣٩‬والضياء )‪،٤٠/٧‬‬ ‫رقم ‪ (٢٤٣٢‬وقال‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)‪ (٥‬أخرجه النســائي )‪ ،٩١/٢‬رقم ‪ ،(٨١٣‬وأبو يعلــى )‪ ،٤٦/٦‬رقم ‪ ،(٣٢٩١‬وأبــو عوانة )‪،٣٨٠/١‬‬ ‫رقم ‪ .(١٣٧٦‬وأحمد )‪ ،٢٦٨/٣‬رقم ‪.(١٣٨٦٥‬‬ ‫)‪ (٦‬أخرجه أبو داود )‪ ،١٧٩/١‬رقم ‪ ،(٦٦٩‬والبيهقي )‪ ،٢٢/٢‬رقم ‪.(٢١٢٧‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٥٧‬‬ ‫قطع صفا قطعه االله«)‪ ،(١‬وعن البراء بن عازب ‪ ، ƒ‬قال‪ :‬كان رسول االله ژ‬ ‫يتخلل الصــف من ناحية إلــى ناحية يمســح صدورنا ومناكبنــا ويقول‪:‬‬ ‫»ال تختلفوا فتختلف قلوبكم« وكان يقول‪» :‬إن االله وملائكته يصلون على‬ ‫الصفوف الأول«)‪.(٢‬‬ ‫والأحاديث في هــذا أكثر من أن يمكننا إحصاؤها‪ ،‬وهــي جميعا تدل على‬ ‫ضرورة إقامــة الصفوف فــي الصلاة وتجنــب اعوجاجها‪ ،‬ناهيــك ما فيها من‬ ‫التنصيص على أن تسويتها من إقام الصلاة وعلى أن تخالفها يؤدي إلى تخالف‬ ‫القلوب وهو مما يؤدي إلى الفرقة والشــقاق‪ ،‬وقد حــذر االله تعالى من ذلك في‬ ‫العديد من الآيات كقوله تعالى‪< ; : 9 8 7 6 5 4 ﴿ :‬‬ ‫= > ?❁ ‪ ﴾ F E D C B A‬آل عمران‪ ١٠٢ :‬ـ ‪،١٠٣‬‬ ‫وما تبعه من االمتنان على الذين آمنوا اجتماعهم بعد الفرقة وألفتهم بعد الشقاق‬ ‫وإنقاذهم من هلكة كانوا يتدافعون إليها بما كان بينهم من نزاع وصراع‪ ،‬وذلك في‬ ‫قوله‪S R Q P O N M L K J I H ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾\ [ Z Y X W V U T‬آل عمــران‪ ،١٠٣ :‬وقولــه‪v ﴿ :‬‬ ‫‪ ~ } | { z y x w‬ے¡ ‪﴾ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫آل عمران‪ ،١٠٥ :‬وقوله‪ ﴾ ( ' & % $ ﴿ :‬الأنفال‪.٤٦ :‬‬ ‫ا  ‪ $' P‬ا لاة ‪ 7‬ا  !ف الأول‪:‬‬ ‫مما شــاع عند الناس في الصلاة تباطؤهم عن الصف الأول وإنشــاؤهم‬ ‫صفوفا جديدة قبل أن تكتمل الصفوف المقدمة‪ ،‬وقد علمت من بعض ما تقدم‬ ‫ما في الصفوف الأولى من الفضل‪ ،‬وقد وردت بهذا روايات عديدة منها حديث‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،٩٧/٢‬رقم ‪ ،(٥٧٢٤‬وأبو داود )‪ ،١٧٨/١‬رقم ‪ ،(٦٦٦‬والبيهقي )‪ ،١٠١/٣‬رقم ‪.(٤٩٦٧‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الطيالسي )ص ‪ ،١٠٠‬رقم ‪ ،(٧٤١‬وأحمد )‪ ،٢٩٧/٤‬رقم ‪ ،(١٨٦٤٤‬وأبو داود )‪ ،١٧٨/١‬رقم ‪،(٦٦٤‬‬ ‫والنسائي )‪ ،٨٩/٢‬رقم ‪ ،(٨١١‬والروياني )‪ ،٢٦٩/١‬رقم ‪ (٣٩٧‬والبيهقي )‪ ،١٠٣/٣‬رقم ‪.(٤٩٧٧‬‬ ‫‪٥٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫أبي هريرة ‪ ƒ‬عند الربيع ‪ 5‬عن النبــي ژ أنه قال‪» :‬لو يعلم الناس ما في‬ ‫الصف الأول ثم لم يجدوا إال أن يتساهموا عليه لتساهموا‪ ،‬ولو يعلمون ما في‬ ‫التهجير الستبقوا إليه‪ ،‬ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا«)‪،(١‬‬ ‫وهو عند غير الربيع بلفظ‪» :‬لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم‬ ‫يجدوا إال أن يستهموا عليه الستهموا ولو يعلمون ما في التهجير الستبقوا إليه‬ ‫ولو يعلمون ما فــي العتمة والصبــح لأتوهما ولو حبــوا«)‪ ،(٢‬ومن طريقه أن‬ ‫رســول االله ژ قال‪» :‬لو تعلمون ـ أو يعلمون ـ ما في الصــف المقدم لكانت‬ ‫قرعة«)‪ ،(٣‬وعن عائشــة ‪ #‬قالت‪ :‬قال النبي ژ ‪» :‬ال يزال قوم يتخلفون عن‬ ‫الصف الأول حتى يخلفهم االله في النار«)‪ ،(٤‬وفي لفظ‪» :‬ال يزال قوم يتأخرون‬ ‫عن الصف الأول حتى يؤخرهــم االله في النار«)‪ ،(٥‬وال يخفــى ما في هذا من‬ ‫الوعيد على التخلف عن الصف الأول‪ ،‬وعن أبي أمامة ‪ ƒ‬أن النبي ژ قال‪:‬‬ ‫»إن االله وملائكته يصلون على الصف الأول ســووا صفوفكم وحاذوا مناكبكم‬ ‫ولينوا في أيدي إخوانكم وسدوا الخلل فإن الشــيطان يدخل فيما بينكم مثل‬ ‫الحذف«)‪ ،(٦‬وعن العرباض بن سارية‪ ،‬عن رسول االله ژ أنه‪» :‬كان يصلي على‬ ‫الصف الأول ثلاثا وعلى الثاني واحدة«)‪ ،(٧‬وعنه بلفظ‪» :‬كان النبي ژ يصلي‬ ‫على الصف المقدم ثلاثا وعلى الثاني واحدة«)‪ ،(٨‬وعن أبي سعيد الخدري‪ ،‬أن‬ ‫)‪(١‬‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫)‪(٣‬‬ ‫)‪(٤‬‬ ‫)‪(٥‬‬ ‫)‪(٦‬‬ ‫)‪(٧‬‬ ‫)‪(٨‬‬ ‫أخرجه الربيع‪ ،‬ص ‪ ١٢٢‬رقم‪.٢٩٢ :‬‬ ‫أخرجه مالك )‪ ،٦٨/١‬رقم ‪ ،(١٤٩‬وعبد الرزاق )‪ ،٥٢٤/١‬رقم ‪ ،(٢٠٠٧‬وأحمد )‪ ،٢٣٦/٢‬رقم ‪،(٧٢٢٥‬‬ ‫والبخاري )‪ ،٩٥٥/٢‬رقم ‪ ،(٢٥٤٣‬ومســلم )‪ ،٣٢٥/١‬رقم ‪ ،(٤٣٧‬والنســائي )‪ ،٢٦٩/١‬رقم ‪،(٥٤٠‬‬ ‫وابن حبان )‪ ،٥٢٧/٥‬رقم ‪.(٢١٥٣‬‬ ‫أخرجه مسلم )‪ ٣٢٦/١‬رقم‪.(٤٣٩ :‬‬ ‫أخرجه عبد الرزاق )‪ ،٥٢/٢‬رقم ‪ .(٢٤٥٣‬وابن حبان )‪ ،٥٢٩/٥‬رقم ‪.(٢١٥٦‬‬ ‫أخرجه أبو داود )‪ ،١٨١/١‬رقم ‪ ،(٦٧٩‬والبيهقي )‪ ،١٠٣/٣‬رقم ‪.(٤٩٧٩‬‬ ‫أخرجه أحمد )‪ ،٢٦٢/٥‬رقم ‪ (٢٢٣١٧‬والطبراني )‪ ،١٧٤/٨‬رقم ‪.(٧٧٢٧‬‬ ‫أخرجه النسائي )‪ ،٩٢/٢‬رقم ‪.(٨١٧‬‬ ‫أخرجه ابن أبي شيبة )‪ ،٣٣٢/١‬رقم ‪.(٣٨١٣‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٥٩‬‬ ‫رسول االله ژ رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم‪» :‬تقدموا فأتموا بي‪ ،‬وليأتم بكم‬ ‫من بعدكم‪ ،‬ال يزال قوم يتأخــرون حتى يؤخرهــم االله«)‪ ،(١‬وعن أنس ‪ ƒ‬عن‬ ‫النبي ژ أنه قال‪» :‬أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه فما كان من نقص فليكن في‬ ‫الصف المؤخر«)‪ ،(٢‬وعن جابر بن ســمرة‪ ،‬قال‪ :‬خرج علينا رسول االله ژ فقال‪:‬‬ ‫»ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة« قال‪:‬‬ ‫ثم خرج علينا فرآنا حلقا فقال‪» :‬ما لي أراكم عزين« قــال‪ :‬ثم خرج علينا فقال‪:‬‬ ‫»أال تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟« فقلنا يا رســول االله‪ ،‬وكيف تصف‬ ‫الملائكة عند ربها؟ قال‪» :‬يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف«)‪ ،(٣‬وفي‬ ‫مدونة أبي غانم ‪» : 5‬والسنة أن تتم الصفوف الأولى وال يتركوا فيها خللا‪ ،‬فإن‬ ‫للصلاة حقوقا منها إقامة الصفوف‪ ،‬وتمامها التسوية بالمناكب«)‪.(٤‬‬ ‫ا ‪' GT‬ـ‪ $‬ا  !ف الأو > ‪ 7‬ا ‪%‬ت  ٴ!دي إ ـ> ا)‪R‬ار الآ‪$ $‬‬ ‫ إ >  ‪ 7R‬ا ‪4‬ب ‪ U‬أ‪D .‬د  ‪:‬‬ ‫كثيرا ما نرى المبكرين إلى الجمعة يتركون الصفوف الأولى‪ ،‬ويتنافسون‬ ‫على الصف في مؤخرة المســاجد‪ ،‬ويبقى الفراغ في الصفــوف الأولى‪ ،‬فإذا‬ ‫)‪ (١‬أخرجه مسلم )‪ ٣٢٥/١‬رقم‪ ،(٤٣٨ :‬وأبو داود )‪ ١٨١/١‬رقم‪ (٦٨٠ :‬وابن ماجه )‪ ٣١٣/١‬رقم‪،(٩٧٨ :‬‬ ‫والنسائي )‪ ٨٣/٢‬رقم‪.(٧٩٥ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجــه أحمــد )‪ ،٢٣٣/٣‬رقم ‪ ،(١٣٤٦٤‬وأبــو داود )‪ ،١٨٠/١‬رقم ‪ ،(٦٧١‬والنســائي )‪،٩٣/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٨١٨‬وابن خزيمــة )‪ ،٢٢/٣‬رقم ‪ ،(١٥٤٦‬وأبو يعلــى )‪ ،٤٥٠/٥‬رقم ‪ ،(٣١٦٣‬وابن حبان‬ ‫)‪ ،٥٢٨/٥‬رقم ‪ ،(٢١٥٥‬والبيهقي )‪ ،١٠٢/٣‬رقم ‪ ،(٤٩٧٢‬والضياء )‪ ،٣٥٠/٦‬رقم ‪ .(٢٣٧٩‬والنسائي‬ ‫في الكبرى )‪ ،٢٨٩/١‬رقم ‪.(٨٩٢‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه مسلم )‪ ٣٢٢/١‬رقم‪ (٤٣٠ :‬وأخرجه أيضا‪ :‬أخرجه عبد الرزاق )‪ ،٤٦/٢‬رقم ‪ (٢٤٣٢‬وابن‬ ‫أبي شــيبة )‪ ،٣٠٩/١‬رقم ‪ ،(٣٥٣٩‬وأحمد )‪ ،١٠١/٥‬رقم ‪ ،(٢١٠٠١‬وأبو داود )‪ ،١٧٧/١‬رقم ‪،(٦٦١‬‬ ‫والنسائي )‪ ،٩٢/٢‬رقم ‪ ،(٨١٦‬وابن ماجه )‪ ،٣١٧/١‬رقم ‪ ،(٩٩٢‬وابن خزيمة )‪ ،٢١/٣‬رقم ‪،(١٥٤٤‬‬ ‫وابن حبان )‪ ،٥٢٧/٥‬رقم ‪.(٢١٥٤‬‬ ‫)‪ (٤‬أبو غانم الخرساني‪ :‬المدونة الكبرى‪.١١٨/١ ،‬‬ ‫‪٦٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫امتلأت المؤخرة لم يجــد الناس مكانا للصــلاة إال أن يتقدموا إلى الأمام‪،‬‬ ‫حيث ترك الفراغ‪ ،‬فيضطرون إلى تخطي الرقاب‪ ،‬وهو منهي عنه‪ ،‬بل شدد فيه‬ ‫رسول االله ژ فعن عبد االله بن بسر‪ ،‬قال‪ :‬كنت جالسا إلى جانبه يوم الجمعة‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬جاء رجل يتخطى رقاب الناس‪ ،‬فقال له رسول االله ژ ‪» :‬أي اجلس فقد‬ ‫آذيت«)‪ ،(١‬وعن »جابر بن عبد االله ‪ ، ƒ‬أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة‪،‬‬ ‫ورسول االله ژ يخطب‪ ،‬فجعل يتخطى الناس‪ ،‬فقال رسول االله ژ ‪» :‬اجلس‪،‬‬ ‫فقد آذيت وآنيت««)‪ ،(٢‬وعن الحسن مرسلا أن رجلا جاء يتخطى رقاب الناس‬ ‫والنبي ژ يخطب فلما قضى النبي ژ خطبته وصلاته قال يا فلان أجمعت‬ ‫اليوم قال أما رأيتني يا رســول االله قال‪» :‬قد رأيتك وآذيت وآنيت«)‪ ،(٣‬و»عن‬ ‫ابن عباس ^ ‪ ،‬أن النبي ژ كان يخطب يوم الجمعة‪ ،‬فدخل رجل يتخطى‬ ‫رقاب الناس‪ ،‬فقال رســول االله ژ ‪» :‬يبطئ أحدكم‪ ،‬ثم يتخطى رقاب الناس‬ ‫ويؤذيهم«‪ .‬فقال‪ :‬ما زدت على أن ســمعت النداء فتوضــأت‪ .‬قال‪» :‬أو يوم‬ ‫وضوء هو؟««)‪ ،(٤‬وروي بسند ضعيف عن »عثمان بن الأرقم بن أبي الأرقم‬ ‫المخزومي عن أبيه وكان من أصحــاب النبي ژ قال‪ :‬إن النبي ژ قال‪» :‬إن‬ ‫الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بين الإثنين بعد خروج الأمام‬ ‫كالجار قصبه في النار««)‪ ،(٥‬و»عن أبي هريرة أنه كان يقول لأن يصلي أحدكم‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمــد )‪ ،١٨٨/٤‬رقم ‪ ،(١٧٧١٠‬وأبــو داود )‪ ،٢٩٢/١‬رقم ‪ ،(١١١٨‬والنســائي )‪،١٠٣/٣‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٣٩٩‬وابــن خزيمــة )‪ ،١٥٦/٣‬رقم ‪ ،(١٨١١‬وابن حبــان )‪ ،٢٩/٧‬رقم ‪ ،(٢٧٩٠‬والحاكم‬ ‫)‪ ،٤٢٤/١‬رقم ‪ (١٠٦١‬وقال‪ :‬صحيح على شــرط مســلم‪ ،‬ووافقه الذهبــي‪ .‬والبيهقي )‪،٢٣١/٣‬‬ ‫رقم ‪ ،(٥٦٧٨‬والضياء من طريق الطبراني )‪ ،٤٧/٩‬رقم ‪ ،(٢٢‬والبزار )‪ ،٤٣٢/٨‬رقم ‪ ،(٣٥٠٦‬وابن‬ ‫الجارود )ص ‪ ،٨٢‬رقم ‪.(٢٩٤‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه ابن ماجه )‪ ،٣٥٤/١‬رقم ‪.(١١١٥‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه عبد الرزاق )‪ ٢٤٠/٣‬رقم‪.(٥٤٩٨ :‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه الطبراني في الأوسط )‪ ٧٣/٨‬رقم‪.(٨٠٠١ :‬‬ ‫)‪ (٥‬أخرجه أحمد )‪ ٤١٧/٣‬رقم‪.(١٥٤٨٥ :‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٦١‬‬ ‫بظهر الحرة خير له من أن يقعد حتى إذا قام الإمام يخطب جاء يتخطى رقاب‬ ‫الناس يوم الجمعة«)‪.(١‬‬ ‫ولو أن المبكرين إلى الجمعة أخذوا بالسنة في ملء الصفوف الأولى لما‬ ‫كان داع لمن أتى من بعدهم أن يقع في مخالفة السنة بتخطي الرقاب‪ ،‬ولكن‬ ‫الجهل بالسنة هو الذي أدخل الناس في هذه المضايق‪.‬‬ ‫ا  !ف ‪+‬أ ‪ $‬ا !‪ PG VB‬الإم‪:‬‬ ‫ومما شــاع في عادات الناس عدم مباالتهم من أين بــدأوا الصف الذي يلي‬ ‫الصف الأول‪ ،‬مع أن الصفوف يجــب أن تكون منتظمة‪ ،‬فكمــا أن الصف الأول‬ ‫ال يمكن أن يكون جانبا عن الإمام فكذلــك الصفوف التي تليه‪ ،‬مع الحرص على‬ ‫تعادلهــا وإن ترجح جانب على جانــب فليكن جانب اليمين هــو الأرجح لفضل‬ ‫الميامن على المياسر‪ ،‬ولما ثبت عن النبي ژ من حبه التيامن‪ ،‬وجاء عن أبي هريرة‬ ‫عن النبي ژ أنه قال‪» :‬وسطوا الإمام وســدوا الخلل«)‪ ،(٢‬ومهما قيل في إسناده بأنه‬ ‫رواه يحيى بن بشير بن خلاد وهو مجهول عن أمه ولم يرو عنها غيره‪ ،‬فإنه يعتضد‬ ‫ذلك بأن السنة الثابتة في صلاة النبي ژ أن كان يتوســط المأمومين خلفه‪ ،‬وهذا‬ ‫الذي جرى عليه الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬فلا يعدل عنه إلى غيره‪.‬‬ ‫?‪ $ 0‬ا  !ف‪:‬‬ ‫وأما ترجيح الميامن على المياسر فيدل عليه ما عهد من سنة النبي ژ‬ ‫من حبه للتيامن‪ ،‬على أنه جاء من رواية عائشة ‪ #‬عن النبي ژ أنه قال‪:‬‬ ‫»إن االله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف«)‪ ،(٣‬ومهما قيل من ضعفه فإنه‬ ‫)‪ (١‬أخرجه مالك )‪ ١١٠/١‬رقم‪.(٢٤٤ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أبو داود )‪ ،١٨٢/١‬رقم ‪.(٦٨١‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه أبــو داود )‪ ،١٨١/١‬رقم ‪ ،(٦٧٦‬وابن ماجــه )‪ ،٣٢١/١‬رقم ‪ ،(١٠٠٥‬وابن حبان )‪،٥٣٣/٥‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢١٦٠‬والبيهقي )‪ ،١٠٣/٣‬رقم ‪.(٤٩٨٠‬‬ ‫‪٦٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫يعتضد بالقاعدة العامة وهي ما علم من هديه ژ من حب التيامن‪ ،‬على أن‬ ‫المنذري في الترغيب والترهيب ذكر أن إسناده حسن)‪ ،(١‬وكذلك الحافظ ابن‬ ‫حجر في الفتح)‪ ،(٢‬ويعضــده ما ثبت عن البراء ‪ ، ƒ‬قــال‪» :‬كنا إذا صلينا‬ ‫خلف رسول االله ژ ‪ ،‬أحببنا أن نكون عن يمينه‪ ،‬يقبل علينا بوجهه«)‪ ،(٣‬فإنه‬ ‫يعنــي أن الصحابة @ اســتقر عندهم حــب التيامن لما ألفــوه من هدي‬ ‫النبي ژ في ذلك‪ ،‬ويفهم هذا من حديث ابــن عباس ^ قال‪» :‬قمت ليلة‬ ‫أصلي عن يسار النبي ژ فأخذ بيدي ـ أو بعضدي ـ حتى أقامني عن يمينه‪،‬‬ ‫وقال بيده من ورائي«)‪ ،(٤‬إذ لو كانت الميسرة كالميمنة لتركه النبي ژ حيث‬ ‫قام‪ ،‬ولهذا ترجم البخاري في صحيحه بقوله‪» :‬باب ميمنة المسجد والإمام«‬ ‫وذكر بعده حديث ابن عباس‪.‬‬ ‫وإذا أدركت هذا فاعجب لأولئك الذين يتســابقون إلى مياســر الصفوف‬ ‫ويدعون ميامنها‪ ،‬حتى أنك تجد في الجوامع الكبرى ميمنة المسجد لم يكتمل‬ ‫فيها الصف الأول‪ ،‬بينما ميسرته امتلأت إلى الصف الرابع أو الخامس!! وكثيرا‬ ‫ما يبدأون الصف من طرفه ال من وسطه‪ ،‬خصوصا الجانب الأيسر منه‪ ،‬وهذا‬ ‫كله إمعان في مخالفة هدي النبي ژ وعدم المباالة في إقامة الصلاة على أي‬ ‫وجه كانت‪.‬‬ ‫وكثيرا ما تجد المصلي يصف وحده خلف الصــف مع أن الصف الذي‬ ‫أمامه فيه فراغ‪ ،‬وقد شــدد النبي ژ في صف المصلــي وحده‪ ،‬فعن علي بن‬ ‫)‪ (١‬المنذري‪ :‬الترغيب والترهيب‪.١٨٩/١ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬ابن حجر‪ :‬فتح الباري‪.٢١٣/٢ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه أحمد )‪ ٥٢٢/٣٠‬رقم‪ ،(١٨٥٥٣ :‬ومسلم )‪ ٤٩٢/١‬رقم‪ ،(٧٠٩ :‬وأبو داود )‪ ١٦٧/١‬رقم‪،(٦١٥ :‬‬ ‫والنســائي )‪ ٩٤/٢‬رقم‪ ،(٨٢٢ :‬والبيهقي )‪ ٢٤٧/١‬رقم‪ ،(٦٥٣ :‬وابن ماجه )‪ ٣٢١/١‬رقم‪،(١٠٠٦ :‬‬ ‫وابن خزيمة )‪ ٢٨/٣‬رقم‪ (١٥٦٣ :‬وأبو عوانة )‪ ٥٥٩/١‬رقم‪.(٢٠٩٠ :‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه البخاري )‪ ١٤٦/١‬رقم‪.(٧٢٨ :‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٦٣‬‬ ‫شــيبان‪ ،‬قال‪» :‬خرجنا حتى قدمنا على النبي ژ ‪ ،‬فبايعناه‪ ،‬وصلينا خلفه‪ ،‬ثم‬ ‫صلينا وراءه صــلاة أخرى‪ ،‬فقضى الصــلاة‪ ،‬فرأى رجلا فــردا يصلي خلف‬ ‫الصف‪ ،‬قال‪ :‬فوقف عليه نبــي االله ژ حين انصرف قال‪» :‬اســتقبل صلاتك‪،‬‬ ‫ال صلاة للذي خلف الصف«)‪ ،(١‬وجاء عنه بألفاظ متعددة)‪.(٢‬‬ ‫وعن وابصة بن معبد أنه ژ قــال‪» :‬أيها المصلي وحــده أال وصلت إلى‬ ‫الصف فدخلت معهم أو جررت إليك رجلا إن ضاق بك المكان فقام معك أعد‬ ‫صلاتك فإنه ال صلاة لك«)‪ ،(٣‬وجاء عن ابن عباس بلفظ‪» :‬أيها المنفرد بصلاتك‬ ‫أعد صلاتك«)‪.(٤‬‬ ‫وكم تجد يــوم الجمعة أفرادا من الناس يصــف أحدهم في جانب خارج‬ ‫المسجد الجامع ليصلي بصلاة الإمام وحده‪ ،‬مع أن في داخل المسجد فراغا‬ ‫يسع كثيرا من الناس‪.‬‬ ‫وهذا المخالفات كلها راجعــة إلى الجهل بفقه الصــلاة وأحكامها‪ ،‬وأن‬ ‫الناس ال يرونها إال عادة ألفوها فلا يبالون أن تكون إقامتها كيفما كانت‪.‬‬ ‫رص ا  !ف و‪:9I B‬‬ ‫هذا؛ وقد رأيت فيما ســبق من الروايات كيــف كان النبي ژ يأمر برص‬ ‫الصفوف‪ ،‬وعدم إيجاد الفرج بينها‪ ،‬ويحذر من أن يدخل الشــيطان من خلل‬ ‫الصفوف فيفسد على المصلين دينهم وعبادتهم‪ ،‬ومع هذا كم يكون في الصلاة‬ ‫من الفجوات التي ال يبالي الناس بها مع أن النبي ژ كان يأمر بسد الفرج في‬ ‫)‪ (١‬أخرجه ابن ماجه )‪ ٣٣٠/١‬رقم‪.(١٠٠٣ :‬‬ ‫)‪ (٢‬ينظر أحمد )‪ ٢٢٤/٢٦‬رقم‪ (١٦٢٩٧ :‬وابن حبان )‪ ٥٨٠/٥‬رقم‪ ،(٢٢٠٢ :‬وابن خزيمة )‪ ٧٥٤/١‬رقم‪:‬‬ ‫‪ ،(١٥٧٠‬والبيهقي )‪ ١٩٣/١‬رقم‪.(٤٩٨ :‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه الطبراني )‪ ،١٤٥/٢٢‬رقم ‪.(٣٩٤‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه ابن عساكر )‪.(١٤١/٤٣‬‬ ‫‪٦٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫الصفوف حتى بعد الإحرام ومن ذلك ما جاء عن ابن عمر ^ أنه ژ قال‪» :‬من‬ ‫وصل صفا وصله االله ومن قطع صفا قطعه االله«)‪.(١‬‬ ‫وكثيرا ما تخترم الصفوف حتى يكون في الصف الواحد فراغ واســع بين‬ ‫طرفيه خصوصا فــي الجوامع عندما يجمــع بين الصلوات ويأبــى كثير من‬ ‫المصلين إال أن يجمعوا الصلاتين‪ ،‬فلا يبالون أن يتخلل الذين يصلون السنن‬ ‫الراتبة صفوفهم‪ ،‬فإذا أتم هؤالء صلاتهم انسحبوا وبقي الفراغ في مكانهم فلا‬ ‫يوجد من يســده‪ ،‬وهو من مشــكلات الجمع بين الصلوات لغير ضرورة وال‬ ‫حاجة‪ ،‬ولكن لألفة الناس الجمع وارتياحهم لــه ـ حتى يتخيل كثير منهم أن‬ ‫المســافرين ال تحل صلاتهم إال بالجمع بين الظهرين وبين العشاءين ـ تنجم‬ ‫هذه المشــكلات‪ ،‬وقد ذكرت في غير هذا الموضع ما يترتب على الجمع من‬ ‫مشكلات متعددة ال أرى لها حلا إال بترك الجمع لغير ضرورة أو حاجة‪ ،‬إال أن‬ ‫يكون في غير المساجد أو في مساجد ال تزدحم بالمصلين وال تتعاقب عليها‬ ‫الجماعات بغير انتظام‪.‬‬ ‫ ا لاة ‪ $‬ا ‪!,‬اري‪ ،‬وك ا  !ف ا   <‪:9‬‬ ‫زين للناس أن يصلوا بين سواري المســجد ولو كانت في المسجد سعة‬ ‫بحيث يمكنهم تفاديها بل من الناس َم ْن َتخَ ا ُلهم من حرصهم على ذلك أنهم‬ ‫يعتقدون أن الصلاة ال تصح إال أن تكون بين السواري!! مع ما يؤدي إليه ذلك‬ ‫من قطع الصفوف وعدم اتصالها‪ ،‬وقد يترتب عليه وجود فراغ بين السارية ومن‬ ‫يصلي قربها‪ ،‬وقد جاء النهي عن ذلك‪ ،‬وكان السلف رحمهم االله تعالى حراصا‬ ‫على تفاديه‪ ،‬ولكن الجهل بالدين هو آفة الآفات‪ ،‬وإليك بعض ما روي عنهم‬ ‫في ذلك‪ ،‬فعن »عبد الحميد بن محمود قال‪ :‬كنت مع أنس بن مالك فوقفنا بين‬ ‫)‪ (١‬أخرجه النســائي )‪ ،٩٣/٢‬رقم ‪ ،(٨١٩‬والحاكم )‪ ،٣٣٣/١‬رقم ‪ (٧٧٤‬وقال‪ :‬صحيح على شرط‬ ‫مسلم‪ .‬وابن خزيمة )‪ ،٢٣/٣‬رقم ‪.(١٥٤٩‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٦٥‬‬ ‫الســوارى فتأخرنــا فلمــا صلينا قــال أنس إنــا كنا نتقــى هذا علــى عهد‬ ‫رســول االله ژ «)‪ ،(١‬وروى الحاكم بإســناد صححه ووافقه عليــه الذهبي عن‬ ‫معاوية بن قرة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪» :‬كنا ننهى عن الصلاة بين السواري‪ ،‬ونطرد عنها‬ ‫طردا«)‪ ،(٢‬وفي رواية عنه‪» :‬كنــا على عهد النبي ژ نطرد طــردا أن نقوم بين‬ ‫السواري في الصلاة«)‪ ،(٣‬وعن ابن مسعود أنه قال‪» :‬ال تصفوا بين السواري«)‪،(٤‬‬ ‫وروي عن ابن عباس ^ أنه قال‪» :‬عليكم بالصف الأول‪ ،‬وعليكم بالميمنة‪،‬‬ ‫وإياكم وما بين السواري«)‪.(٥‬‬ ‫ ا لاة إ > [ ‪B‬ة ‪ 7‬أ‪ 9  $1‬ا <س‪:‬‬ ‫كم فرض االله تعالى من احتــرام الصلاة وتقديرها‪ ،‬لأنهــا مناجاة للخالق‬ ‫تعالى‪ ،‬فلا ينبغي للإنســان أن يؤديها إال بحضور قلب وهدوء بال‪ ،‬واستقرار‬ ‫فكر‪ ،‬لذلك شدد النبي ژ في مرور الإنسان بين يدي المصلي أثناء صلاته‪ ،‬لما‬ ‫في ذلك من تشويش فكره وطرد الخشوع عنه‪ ،‬ففي مسند الربيع‪ :‬عن جابر بن‬ ‫زيد ‪ 5‬قال‪ :‬قال رسول االله ژ ‪» :‬لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه‬ ‫لوقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه«‪ ،‬قال جابر‪ :‬قال بعض الناس‪ :‬يعني‬ ‫أربعين خريفا‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬أربعين شهرا‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬أربعين يوما«)‪.(٦‬‬ ‫)‪(١‬‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫)‪(٣‬‬ ‫)‪(٤‬‬ ‫)‪(٥‬‬ ‫)‪(٦‬‬ ‫أخرجه عبد الرزاق )‪ ،٦٠/٢‬رقم ‪ ،(٢٤٨٩‬وأبــو داود )‪ ،١٨٠/١‬رقم ‪ ،(٦٧٣‬والترمذي )‪،٤٤٣/١‬‬ ‫رقم ‪ (٢٢٩‬والنسائي )‪ ،٩٤/٢‬رقم ‪ ،(٨٢١‬والحاكم )‪ ٣٣٩/١‬رقم‪.(٧٩٣ :‬‬ ‫أخرجه الحاكم )‪ ٣٣٩/١‬رقم‪.(٧٩٤ :‬‬ ‫أخرجه النسائي في الكبرى )‪ ١٤٨/٣‬رقم‪ ،(٥٢٠٥ :‬والطيالسي )‪ ٤٠٠/٢‬رقم‪.(١١٦٩ :‬‬ ‫أخرجه النسائي في الكبرى )‪ ١٤٨/٣‬رقم‪.(٥٢٠٦ :‬‬ ‫أخرجه الطبراني )‪ ،٣٥٧/١١‬رقم ‪ ،(١٢٠٠٤‬والديلمي )‪ ،١٩/٣‬رقم ‪.(٤٠٣٢‬‬ ‫أخرجه الربيع بن حبيب )ص ‪ ١٠٣‬رقم‪ (٢٤٢ :‬وأخرجه مــن طريق أبي جهيم‪ :‬مالك )‪،١٥٤/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٣٦٢‬وأحمــد )‪ ،١٦٩/٤‬رقم ‪ ،(١٧٥٧٥‬ومســلم )‪ ،٣٦٣/١‬رقم ‪ ،(٥٠٧‬وأبو داود )‪،١٨٦/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٧٠١‬والترمذي )‪ ،١٥٨/٢‬رقم ‪ ،(٣٣٦‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ .‬والنسائي )‪ ،٦٦/٢‬رقم ‪،(٧٥٦‬‬ ‫وابن ماجه )‪ ،٣٠٤/١‬رقم ‪.(٩٤٥‬‬ ‫‪٦٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬ ‫وفي مصنف ابن أبي شيبة عن عبد‬ ‫ٰ‬ ‫الرحمن‪ ،‬عامل عمر بــن عبد العزيز‪ ،‬ومر رجل بين يديه‬ ‫عبد الحميد بن عبد‬ ‫ٰ‬ ‫وهــو يصلــي‪ ،‬فجبذه حتــى كاد يخــرق ثيابــه‪ ،‬فلمــا انصرف‪ ،‬قــال‪ :‬قال‬ ‫رســول االله ژ ‪» :‬لو يعلم المار بين يدي المصلي لأحب أن ينكسر فخذه وال‬ ‫يمر بين يديه«)‪ ،(١‬وقد بلغ التشديد في المرور بين يدي المصلي أن النبي ژ‬ ‫أمر بمقاتلته إن أصر على المرور‪ ،‬وســماه شيطانا‪ ،‬فعن جابر بن زيد عن أبي‬ ‫سعيد الخدري ‪ ƒ‬قال‪ :‬قال رسول االله ژ ‪» :‬إن أحدكم إذا كان في الصلاة فلا‬ ‫يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأ ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان«)‪،(٢‬‬ ‫وجاء من طريقه بلفظ‪» :‬إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها وال يدع‬ ‫أحدا يمر بين يديه فإن جاء أحد يمر فليقاتله فإنه شيطان«)‪.(٣‬‬ ‫وأنت ترى في هذه الحديث الأمر بالصلاة إلى ســترة والأمر بالدنو منها‬ ‫لتفادي مــرور المارين بين يــدي المصلي‪ ،‬وقــد كان الصحابة @ يبتدرون‬ ‫السواري ليصلوا إليها‪ ،‬لتكون واقيا لصلاتهم من أثر مرور المارين بين أيديهم‪،‬‬ ‫فعن أنس ‪ ƒ‬قال‪» :‬كنــا بالمدينة إذا أذن المؤذن ابتدر القوم إلى الســواري‬ ‫فركعوا الركعتين حتى يأتي الرجل الغريب ليدخل المسجد‪ ،‬فيحسب أن الصلاة‬ ‫قد صليت من كثرة من يصليهمــا«)‪ ،(٤‬وفي رواية عنه قــال‪» :‬لقد رأيت كبار‬ ‫أصحاب النبي ژ يبتدرون السواري عند المغرب«)‪.(٥‬‬ ‫)‪ (١‬مصنف ابن أبي شيبة )‪ ٢٥٣/١‬رقم‪.(٢٩١١ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الربيع بن حبيب )ص ‪ ١٠٣‬رقم‪.(٢٤٢ :‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه أحمد )‪ ،٤٣/٣‬رقم ‪ ،(١١٤١٢‬والبخاري )‪ ،١٩١/١‬رقم ‪ ،(٤٨٧‬ومسلم )‪ ،٣٦٢/١‬رقم ‪،(٥٠٥‬‬ ‫وابن أبي شــيبة )‪ ،٢٥٠/١‬رقم ‪ ،(٢٨٧٥‬وأبــو داود )‪ ،١٨٦/١‬رقم ‪ ،(٦٩٨‬وابــن ماجه )‪،٣٠٧/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٩٥٤‬وابن حبان )‪ ١٣٣/٦‬رقم ‪ ،(٢٣٦٨‬والبيهقي )‪ ،٢٦٧/٢‬رقم ‪.(٣٢٥٨‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه الدارقطني )‪ ٥٠٤/١‬رقم‪.(١٠٥١ :‬‬ ‫)‪ (٥‬أخرجه البخاري )‪ ١٠٦/١‬ـ ‪ ١٠٧‬رقم‪.(٥٠٣ :‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٦٧‬‬ ‫وقد بالغ الجهلة في مخالفة هذه التوجيهات النبوية في أمر صلاتهم‪،‬‬ ‫فتجد أحدهم إذا دخل المســجد ال يهنأ له أن يصلي إال حيث يمر الناس‪،‬‬ ‫ويتفادى الســواري أن يصلي إليها‪ ،‬كأنهم يظنون أنهم إذا تعرضوا لمرور‬ ‫المارة بين أيديهم في صلاتهم كان ذلك أعظم لأجرهم‪ ،‬وقد يصلي أحدهم‬ ‫قريبا من الســارية‪ ،‬ولكنه ال يتركها بينه وبين قبلتــه‪ ،‬فتارة يجعلها خلفه‪،‬‬ ‫وتارة يجعلها عن يمينه أو عن شماله‪ ،‬هكذا زين لهم الشيطان ذلك‪ ،‬وحببه‬ ‫إلى قلوبهم إمعانا في مخالفة الأوامر الشرعية وعدم مباالتهم بالصلاة‪ ،‬كأن‬ ‫الصلاة هي أقل ما يمارسونه من الأعمال قيمة‪ ،‬وهو إن دل على شيء فإنما‬ ‫يدل على أنهم اتخذوا الصلاة عادة ورثوها من آبائهم وأجدادهم‪ ،‬وليست‬ ‫عبادة تقيهم عذاب االله وســخطه‪ ،‬وتبلغهم ثوابــه ورضوانه إن أدوها على‬ ‫الوجه المشروع‪.‬‬ ‫ومما يؤســف له أن يســتهين الفقهاء بتوعية الناس في هــذا‪ ،‬فلا يهتموا‬ ‫بتبصيرهم بالحق وردهم إلى الرشد‪ ،‬بل تركوا حبلهم على غاربهم‪ ،‬يتصرفون‬ ‫كما يملي عليهم هواهم‪ ،‬ويرضون به شيطانهم‪.‬‬ ‫ا لاة أول  "‪ ' *B‬ا ‪:+‬‬ ‫هذا؛ وال أعجب إال ممن يفرط في صلاته وهي عمود دينه وأم عباداته فلا‬ ‫يبالي أن يؤديها كيفما كانت‪ ،‬مع أنها هي أول ما يحاسب عليه العبد بين يدي‬ ‫االله تعالى يــوم القيامة‪ ،‬فعــن تميم الــداري‪ ،‬قال‪ :‬قال رســول االله ژ ‪» :‬أول‬ ‫ما يحاســب به العبد‪ ،‬الصلاة‪ ،‬ثم ســائر الأعمال«)‪ ،(١‬وفي روايــة‪» :‬إن أول‬ ‫ما يحاســب به العبد يوم القيامة من عملــه صلاته‪ ،‬فإن صلحــت فقد أفلح‬ ‫وأنجح‪ ،‬وإن فسدت فقد خاب وخسر«)‪.(٢‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الطبراني )‪ ،٥١/٢‬رقم ‪.(١٢٥٥‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الترمذي )‪ ٥٣٥/١‬رقم‪.(٤١٣ :‬‬ ‫‪٦٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وكم في الصلاة من أخطاء ترتكــب وحرمات تنتهك من غير أن يتفطن‬ ‫لها الناس‪ ،‬وقد تعرضت لبعض ذلك في غير هذا الموضع‪ ،‬وال تســأل عن‬ ‫بقية العبادات وما يقع فيها من أخطاء تذهب بما تثمره في نفس العابد من‬ ‫إصلاح وتهذيب‪ ،‬وتؤدي في الآخرة إلى خســران ثوابهــا والعياذ باالله‪ ،‬وال‬ ‫يتسع المقام لتتبعها‪.‬‬ ‫ا  ‪ 7 V‬ا ‪9R‬رات إ‪G‬لال ‪T‬داء ا !ات‪:‬‬ ‫ال ريب أن الطهارة شرط من شــروط صحة الصلاة‪ ،‬فلا تصح صلاة من‬ ‫تلبس بنجاسة في بدنه أو ثوبه أو البقعة التي يصلي فيها‪ ،‬وقد أثنى االله تعالى‬ ‫على الذين يحبون أن يتطهروا في قوله‪F E D C B A ... ﴿ :‬‬ ‫‪﴾U T S RQ P O N M LK J I H G‬‬ ‫التوبة‪ ،١٠٨ :‬ففي هذه الآية هذا الثناء العاطر الــذي خلده االله تعالى لعباده الذين‬ ‫يحبون التطهر‪ ،‬لأن االله يحب المطهرين‪ ،‬وقد اشتهر أنهم كانوا يجمعون ما بين‬ ‫التطيب بالحجارة واالستنجاء بالماء‪.‬‬ ‫قال القرطبي‪» :‬أثنى االله ‪ 4‬في هــذه الآية على من أحــب الطهارة وآثر‬ ‫النظافة وهي مروءة آدمية ووظيفة شرعية‪ ،‬وفي الترمذي عن عائشة رضوان االله‬ ‫عليها أنها قالت‪ :‬مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم قال‪ :‬حديث‬ ‫صحيح وثبت أن النبي ژ كان يحمل الماء معه في االستنجاء فكان يستعمل‬ ‫الحجارة تخفيفا والماء تطهيرا‪ ،‬ابن العربي‪ :‬وقد كان علماء القيروان يتخذون‬ ‫في متوضآتهم أحجارا في تراب ينقون بها ثم يستنجون بالماء«)‪.(١‬‬ ‫وقال قطب الأئمة‪» :‬لما نزلت مشى رســول االله ژ ومعه المهاجرون‪،‬‬ ‫حتى وقف على باب مســجد قباء‪ ،‬فإذا الأنصار جلــوس‪ ،‬منهم عويم بن‬ ‫)‪ (١‬القرطبي‪ :‬الجامع لأحكام القرآن‪.٢٦٢/٢ ،‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٦٩‬‬ ‫ساعدة‪ ،‬فقال‪» :‬أمؤمنون أنتم؟« فسكتوا‪ ،‬ثم أعادها فقال عمر‪ :‬يا رسول االله‬ ‫إنهم لمؤمنون وأنا معهم‪ ،‬فقال ژ ‪» :‬أترضون بالقضاء؟« قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫»أتصبرون على البلاء؟« قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪» :‬أتشــكرون في الرخاء؟« قالوا‪:‬‬ ‫نعم‪ ،‬قال ژ ‪» :‬مؤمنون ورب الكعبة« فجلس ثم قال‪» :‬يا معشر الأنصار إن‬ ‫الطهور فما الــذي تصنعون عند الوضوء وعند‬ ‫االله ‪ 8‬قد أثنى عليكم في ‪‬‬ ‫الغائط؟« فقالوا‪ :‬يا رسول االله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة‪ ،‬ثم نتبع الأحجار‬ ‫الماء‪ ،‬فتلا عليهم الآية«‪.‬‬ ‫فمن ذلك وغيره أخذنا معشر المغاربة الإباضية االستنجاء بالحجارة‪ ،‬ثم‬ ‫الماء‪ ،‬وعليه فرقة من قومنا‪ ،‬وبعض علماء القيروان‪ ،‬وعن بعض‪ :‬أن الثناء على‬ ‫وجة‬ ‫مخلوق بصفة إيجاب لتلك الصفة‪ ،‬وال يجزى االستنجاء بالماء وحده ُ‬ ‫للز َ‬ ‫الغائط‪ ،‬وال بالحجارة وحدها‪ ،‬فإن ذلك المحل ال يطهر بالمسح فبلله نجس‬ ‫قبل االستنجاء بالماء« اهـ)‪.(١‬‬ ‫وهذا الــرأي عندي هــو الأصح‪ ،‬وقد اعتمدتــه في العمــل والفتيا‪ ،‬فإن‬ ‫ما ال يتــم الواجب إال به فهــو واجب‪ ،‬وقد أوجــب االله تعالــى الطهارة من‬ ‫الأنجاس وجعلها شــرطا لصحة الصلاة‪ ،‬فلا تصح إال بطهارة البدن والثوب‬ ‫والموضع‪ ،‬وقد أمر االله تعالى بطهارة الثياب بقولــه‪ ﴾ § ¦ ﴿ :‬المدثر‪،٤ :‬‬ ‫فلا ريب أن البدن آكد في وجوب تطهيره‪ ،‬لأن تطهير الثياب لأجل ملابستها‬ ‫البدن‪ ،‬فعلى الإنسان أن يحسن طهارة بدنه من آثار ما يفرزه من فضلات الطعام‬ ‫والشراب‪ ،‬وإنه ليعسر أن يتحقق التطهير إال بالجمع بين التنشيف بالحجارة أو‬ ‫وجتها‬ ‫ما يشبهها وبين استعمال الماء‪ ،‬ففضلات الطعام كما قال القطب ‪ُ 5‬ل ُز َ‬ ‫تمنع الماء من القضاء على آثارها‪ ،‬وبجانب ذلك فإن لمخرجها تضاعيف تبقى‬ ‫فيها النجاسة إن لم يتم تنظيفها بالمنشفات قبل استعمال الماء‪.‬‬ ‫)‪ (١‬امحمد بن يوسف إطفيش‪ :‬هميان الزاد‪.٩٩/٦ ،‬‬ ‫‪٧٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وأما البول فالطهارة منه أشد عســرا‪ ،‬لأن له مددا‪ ،‬فلذلك يحتاج الإنسان‬ ‫إلى االستبراء منه بنتر الآلة وتنشــيف مخرجه بالمنشفات مع الحركة إلى أن‬ ‫يتأكد عدم وجود بقايا في مجراه‪ ،‬ليكون استعمال الماء بعد ذلك قاضيا على‬ ‫كل أثر له‪ ،‬وقد نبه النبي ژ على ضرورة التوقي من البول كما جاء في حديث‬ ‫»أبي هريرة قال‪ :‬قال رســول االله ژ ‪» :‬أكثر عذاب القبر مــن البول««)‪ ،(١‬وعن‬ ‫»جابر قال‪ :‬بلغنا عن رســول االله ژ أنه مر برجلين يعذبان فــي القبر‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫»يعذبان وما يعذبان بكبيرة‪ ،‬أما أحدهما فقد كان ال يستبريء من البول‪ ،‬وأما‬ ‫الآخر فقد كان يمشي بين الناس بالنميمة««)‪.(٢‬‬ ‫ومراده بقوله‪» :‬وما يعذبان بكبيرة« أن ما يعذبان بســببه ليس هو أمرا كبيرا‬ ‫يشــق عليهما اجتنابه‪ ،‬وإال فلا يخفى أن النميمة ليست صغيرة‪ ،‬فإنها من السعي‬ ‫بالفساد بين الناس‪ ،‬ولذلك حذر االله تعالى من الإصغاء إلى المشائين بها في قوله‪:‬‬ ‫﴿¬ ® ̄ ‪ ﴾ μ ́ 3 ❁ ± °‬القلــم‪ ١٠ :‬ـ ‪ ،١١‬وكــم من فتنة أوقدت‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،٣٨٩/٢‬رقم ‪ ،(٩٠٤٧‬وابن ماجه )‪ ،١٢٥/١‬رقم ‪ ،(٣٤٨‬وقال البوصيري )‪:(٥١/١‬‬ ‫هذا إســناد صحيح رجاله عن آخرهم محتج بهم في الصحيحين‪ .‬وابن أبي شــيبة )‪،١١٥/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٣٠٦‬والحاكــم )‪ ،٢٩٣/١‬رقم ‪ (٦٥٣‬وقال‪ :‬صحيح على شــرط الشــيخين‪ .‬والبيهقي‬ ‫)‪ ،٤١٢/٢‬رقم ‪ ،(٣٩٤٤‬ولدارقطني )‪ (١٢٨/١‬وقال‪ :‬صحيح‪ .‬وقال العجلوني )‪ :(٢٠١/١‬رواه الإمام‬ ‫أحمد وابن ماجه وسنده حسن‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬من طريق جابر بن زيد أخرجه الربيع )ص ‪ ١٩٧‬رقم‪ (٤٨٧ :‬وأخرجه أيضا‪ :‬من طريق أبي بكرة‬ ‫الطيالســي )ص ‪ ،١١٧‬رقم ‪ ،(٨٦٧‬وابــن أبــي شــيبة )‪ ،٥٢/٣‬رقم ‪ ،(١٢٠٤٣‬وأحمــد )‪،٣٥/٥‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٠٣٨٩‬وابن ماجه )‪ ،١٢٥/١‬رقم ‪ ،(٣٤٩‬وأخرجه بلفظ قريب من طريق ابن عباس‪ :‬أخرجه‬ ‫ابن أبي شــيبة )‪ ،١١٥/١‬رقم ‪ ،(١٣٠٤‬وأحمد )‪ ،٢٢٥/١‬رقم ‪ ،(١٩٨٠‬والبخاري )‪ ،٨٨/١‬رقم ‪،(٢١٥‬‬ ‫ومســلم )‪ ،٢٤٠/١‬رقم ‪ ،(٢٩٢‬وأبو داود )‪ ،٦/١‬رقم ‪ ،(٢٠‬والترمذي )‪ ،١٠٢/١‬رقم ‪ ،(٧٠‬والنسائي‬ ‫)‪ ،١٠٦/٤‬رقم ‪ ،(٢٠٦٩‬وابن ماجه )‪ ،١٢٥/١‬رقم ‪ ،(٣٤٧‬ومن طريــق أبي أمامة أخرجه الطبراني‬ ‫)‪ ،٢١٦/٨‬رقم ‪ .(٧٨٦٩‬وأخرجه أيضا‪ :‬أحمــد )‪ ،٢٦٦/٥‬رقم ‪ ،(٢٢٣٤٦‬ومن طريق يعلى بن مرة‪:‬‬ ‫أخرجه الطبرانــي )‪ ،٢٧٥/٢٢‬رقم ‪ (٧٠٥‬ومن طريق أم المؤمنين عائشــة‪ :‬أخرجه الطبراني في‬ ‫الأوسط )‪ ،٣٣٧/٦‬رقم ‪.(٦٥٦٥‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٧١‬‬ ‫النميمة نارها فشــبت‪ ،‬والتهم ضرامهــا الأخضر واليابس‪ ،‬وأتــى على الحرث‬ ‫والنســل‪ ،‬فلا يتصور أن تكون صغيرة‪ ،‬وكذلك عدم االحتراز من البول لأنه قرن‬ ‫بالنميمة في النتيجة والحكم‪ ،‬وقد جاء الحديث بلفظ‪» :‬إنهما ليعذبان وما يعذبان‬ ‫من كبير‪ ،‬ثم قال‪ :‬بلى«)‪ ،(١‬ويحتمل أن يكونا غير مكترثين بما كان منهما مما أدى‬ ‫إلى تعذيبهما‪ ،‬ويؤكد ذلك قوله ژ ‪» :‬بلى«‪ ،‬وفي رواية »وإنه لكبير«)‪.(٢‬‬ ‫وقد تهاون الناس في الحرص على الجمع بيــن الطهارتين‪ ،‬وهذا أمر فيه‬ ‫خطورة‪ ،‬وحســب اللبيب ما في هذه الروايات تحذيرا وتنفيرا من ذلك‪ ،‬ولكن‬ ‫بحمد االله بدأ وعي الناس بهذا‪ ،‬وكثير منهم يوفرون في دورات المياه في بيوتهم‬ ‫المنشفات الورقية‪ ،‬وليتهم يعممون ذلك في الدورات التابعة للمساجد‪ ،‬وإن كان‬ ‫الحريصون على هذه الطهارة يتزودون الأوراق المنشفة في مخابئ ثيابهم‪.‬‬ ‫<ء ا ‪ $ I,‬ا ‪K‬ام ا " وا‪+‬ع ا ‪!9‬ى‪:‬‬ ‫المساجد هي بيوت االله في أرضه‪ ،‬ومرتع أرواح أوليائه وأصفيائه من الناس‪،‬‬ ‫ومتنــزل رحماته عليهم‪ ،‬فــلا يخفى أن بناءهــا وجميع أنواع عمارتها الحســية‬ ‫والمعنوية هي من القربات إلى االله تعالــى‪ ،‬وهي رمز الإيمان باالله واليوم الآخر‪،‬‬ ‫كما بينــه تعالى فــي قولــه‪p o n m l k j i ﴿ :‬‬ ‫‪~ } | { zy x w v u t s r q‬‬ ‫ے ¡﴾ التوبة‪ ،١٨ :‬وقد تضافرت أدلة السنة النبوية على ما يحرزه عمارها‬ ‫من الفضل العظيم‪ ،‬والثــواب الجزيل‪ ،‬فعن النبي ژ أنه قال‪» :‬من بنى مســجدا‬ ‫يبتغي به وجه االله بنى االله له مثله في الجنة«)‪ ،(٣‬والروايات في ذلك كثيرة‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه البخاري )‪ ٩٩/٢‬رقم‪ ،(١٣٧٨ :‬ومسلم )‪ ،٢٤٠/١‬رقم ‪.(٢٩٢‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه البخاري )‪ ١٧/٨‬رقم‪.(٦٠٥٥ :‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه أحمد )‪ ،٦١/١‬رقم ‪ ،(٤٣٤‬والبخاري )‪ ،١٧٢/١‬رقم ‪ ،(٤٣٩‬ومسلم )‪ ،٢٢٨٧/٤‬رقم ‪،(٥٣٣‬‬ ‫والترمذي )‪ ،١٣٤/٢‬رقم ‪ (٣١٨‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وابن ماجه )‪ ،٢٤٣/١‬رقم ‪ ،(٧٣٦‬وابن حبان‬ ‫)‪ ،٤٨٨/٤‬رقم ‪.(١٦٠٩‬‬ ‫‪٧٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وإذا كان بناء المساجد قربة إلى االله تعالى فإنه ال بد أن يتوافر في بنائها‬ ‫أمران‪:‬‬ ‫أولهما‪ :‬خلوص النية الله تعالى‪.‬‬ ‫ثانيهما‪ :‬أن ال يخرج بناؤها عن هدي الإسلام‪.‬‬ ‫وإذا كان ال بد من توافر هذين الأمرين‪ ،‬فإن بناءها يجب أن ال يكون لدافع‬ ‫دنيوي‪ ،‬وأن ال يكون مؤديا إلى مخالفة مقاصد الشريعة الإسلامية‪ ،‬فالمساجد‬ ‫هي أمكنة العبادة‪ ،‬بل تقام فيها أقدس العبادات وأعمقها تأثيرا وأقواها أثرا في‬ ‫النفس وفي المجتمع‪ ،‬ففيها تقام شعائر الصلاة التي جعلها االله ‪ 4‬مصدر النور‬ ‫الذي يشــرق على النفس‪ ،‬فيزكي أعمالها ويهذب طباعها‪ ،‬ويصلها باالله ‪، 4‬‬ ‫ويربط بين قلوب مقيميها‪.‬‬ ‫وال يخفى ـ على كل ذي لب ـ أن جميع العبادات تؤدي إلى هذا الغرض‬ ‫النبيل‪ ،‬وتقــوم إعوجاج الحياة‪ ،‬وتشــد المؤمنين بعضهم إلــى بعض عندما‬ ‫تجمعهم في ظل العبودية الله سبحانه‪ ،‬فلا تكون العبادة إال مصدر وفاق وألفة‬ ‫ومودة ووئام‪ ،‬والصلاة هي في مقدمتها‪ ،‬وســيأتي ـ إن شــاء االله ـ بيان علاقة‬ ‫العبادات جميعا بالأخلاق الحســنة التي تشــد المؤمنين بعضهم إلى بعض‪،‬‬ ‫وتوحد كلمتهم‪ ،‬وتستأصل ما عسى أن يعتمل بين حنايا صدورهم من الحقد‬ ‫والكراهية والحسد‪ ،‬حتى تصفو نفوسهم‪ ،‬وتغدو قلوبهم كقلب الرجل الواحد‪،‬‬ ‫ومن المســتحيل أن تكون العبادة المشروعة في الإســلام مؤدية إلى الصراع‬ ‫والخلاف والتنافس على مظاهر الحياة الدنيا وزخرفها‪.‬‬ ‫لهذا كانت المساجد التي هي مقر أم العبادات جميعا تقام من أجل جمع‬ ‫الشمل‪ ،‬وتأليف القلوب‪ ،‬وتوحيد الكلمة‪ ،‬ففي المســجد الواحد يلتقي أهل‬ ‫الحي ليتوجهوا إلى االله بقلوب ملؤها حب االله تعالى وخوفه ورجاؤه‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫هي ملأى بما يجب أن تكون عليه قلوب المؤمنيــن؛ من التعاطف والتراحم‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٧٣‬‬ ‫والتلاحم والألفة والحنان‪ ،‬فهم يلتقون لأجل أن يتوجهوا إلى االله‪ ،‬الذي يرضى‬ ‫منهم أن يأتلفوا ويتوحــدوا ويخلص بعضهــم لبعض‪ ،‬ويكره منهــم التنافر‬ ‫والشقاق والبغضاء والحسد‪ ،‬وكل ما يفرق كلمتهم ويصدع وحدتهم‪.‬‬ ‫وفي تلاقي أهل الحي في اليوم والليلة خمس مرات‪ ،‬مع ارتمائهم جميعا‬ ‫في نهر الطهر والبر؛ لأجل تنظيف نفوســهم مــن أدران الحياة ما يضمن لهم‬ ‫الوحدة والوئام‪ ،‬ويقيهم الفرقة والشــتات‪ ،‬فلو حاول الشــيطان أن يغري بين‬ ‫اثنين منهــم لكانت المجموعــة له بالمرصاد‪ ،‬ترد كيده و ُتفْ ِشــل وساوســه‪،‬‬ ‫فباجتماعهم من أجل طاعة االله تعالى يظلون مؤتلفين حريصين على كل ما فيه‬ ‫مصلحتهم جميعا‪.‬‬ ‫وبجانب ذلك يلتقي أهل الأحياء المتعددة في المســجد الجامع مرة في‬ ‫الأسبوع لقاء أوسع ســاعين إلى ذكر االله‪ ،‬فيجلجل في آذانهم صوت الخطيب‬ ‫مذكرا لهم باالله واليــوم الآخر‪ ،‬ووجوب طاعته فيما بينهــم وبينه وفيما بينهم‬ ‫وبين أنفسهم‪ ،‬فيتجدد فيهم جميعا الإيمان ويقوى فيهم اليقين‪ ،‬وتتمتن الصلة‬ ‫بين أهل المدينة‪ ،‬فيتجدد إخاؤهم في كل جمعــة‪ ،‬ويتوجهون جميعا إلى االله‬ ‫خاشعين مخبتين‪.‬‬ ‫وإذا كان دور المسجد هو إحياء هذه المشاعر الطيبة بين المؤمنين‪ ،‬وتقوية‬ ‫هاجس الإخاء بينهم‪ ،‬فإنــه ـ بلا ريب ـ يجب أن يتفادى في بناء المســاجد‬ ‫ما ينافي هذه الحكمة البالغة‪ ،‬والهدف الأســمى من بنائها‪ ،‬وعمارتها بالذكر‪،‬‬ ‫وإقامة شعائر االله تعالى فيها‪ ،‬فيجب تجنب ما يؤدي إلى التشتيت والتفريق بين‬ ‫جماعاتها‪ ،‬أو يكون معاكسا لمقاصد الشريعة وحكمها في التشريع‪.‬‬ ‫فلذلك كان بناء المسجد من أول الأمر يجب أن يكون قربة إلى االله وحده‪،‬‬ ‫ال يلتفت فيه إلى نزعة عصبيــة وال إلى حمية حزبية‪ ،‬فــلا يكون بباعث من‬ ‫تنافس قبلي أو مذهبي أو عنصري‪ ،‬وإنما يكون خالصا لوجه االله تعالى‪.‬‬ ‫‪٧٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ومع ذلك فإنه يجب التزام شــرع االله تعالى فــي كل ما يلابس بناءه‪ ،‬فلا‬ ‫يكون في أرض مغصوبــة وال بمال حــرام‪ ،‬وال بكيفية تؤدي إلــى المباهاة‬ ‫والمفاخرة‪ ،‬وإنما تراعى فيه حاجة المســلمين إليه‪ ،‬ومع ذلك ال يكون سبيلا‬ ‫إلى إماتة سنة أو إحياء بدعة أو نشر ضلالة‪.‬‬ ‫وهذا كله ظاهر من قوله تعالى‪% $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫& ' ( ) * ‪2 1 0/ . - , +‬‬ ‫‪ ﴾ : 9 8 7 65 4 3‬التوبة‪ ،١٠٧ :‬فقد أنكر االله تعالى على‬ ‫هؤالء الذين أنشأوا هذا المسجد ما قاموا به للأسباب التي كانت تحيط بإنشائه‬ ‫من الضرار والكفر والتفريق بين المؤمنين‪ ،‬والإرصاد لمن حارب االله ورسوله‪،‬‬ ‫وكل سبب منها يستقل بهذا الحكم‪ ،‬فمتى وجد أي سبب من هذه الأسباب في‬ ‫بناء مسجد من المساجد كان حقيقا أن يسلب وصف المسجد وحكمه عنه‪ ،‬وال‬ ‫يلزم أن تجتمع جميعا‪ ،‬فلو كان في إقامته إضرار بأحد ماديا أو معنويا‪ ،‬أو كان‬ ‫بسببه تفرق بين جماعة المؤمنين‪ ،‬أو اشتمل على غرض مناف لهدي الإسلام‪،‬‬ ‫سواء كان مخرجا من الملة أو كان غير مخرج‪ ،‬أو أريد به الإرصاد لحرب االله‬ ‫ورسوله بحرب دينه أو عباده‪ ،‬كان بأي واحد من هذه الأسباب مسلوبا حكم‬ ‫المسجد‪ ،‬فلا تجوز الصلاة فيه‪ ،‬وال يجوز إبقاؤه‪ ،‬والكفر المراد هنا أعم من أن‬ ‫يكون مليا أو يكون كفر نعمة‪.‬‬ ‫وقد ّبين تعالى بعــد ذلك عدم جواز القيــام ـ أي الدخول للصلاة ـ فيما‬ ‫البسه شيء من هذه الأسباب عندما قال‪C B A @? > = < ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ K J I H G F E D‬التوبــة‪ ،١٠٨ :‬وفــي هذا ما يــدل على أن‬ ‫المسجد الذي يعطى حكم المساجد ـ وتكون له قدســيتها‪ ،‬ويحق القيام فيه‬ ‫لأداء شعائر االله تعالى ـ هو المسجد الذي يؤسس من أول يوم على تقوى االله‪،‬‬ ‫وأنت تدري أن تقوى االله هي التزام حكمه فيما أمر به أو نهى عنه فعلا وتركا‪.‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٧٥‬‬ ‫ال يقال‪ :‬بأن مســجد الضرار المذكور في القرآن اجتمعت فيه الأســباب‬ ‫القاضية بمنع الصلاة فيه‪ ،‬وما وجد فيه سبب واحد ال يعطى حكمه‪.‬‬ ‫لأنا نقول‪ :‬كل ســبب من هذه الأســباب كاف وحده لتأثير هذا الحكم‪،‬‬ ‫أرأيت أن لو كان بعيدا عن المساجد ال يضار شيئا منها‪ ،‬وال يضر بأحد ماديا أو‬ ‫معنويا‪ ،‬ولكنه بني من أجل الكفر‪ ،‬بحيث كان فيه وثن يعبد‪ ،‬أيقال هو مسجد‬ ‫كالمساجد المشروعة‪ ،‬التي أذن االله برفعها وذكر اسمه فيها‪ ،‬أو يقال بأنه يحرم‬ ‫أن يعمر بالصلوات ويجب هدمه إنكارا للمنكر؟!‪.‬‬ ‫ومثل ذلك؛ ما لو أريد به الإرصاد لمحاربة الدين والمؤمنين‪ ،‬أيقر على ذلك؟‪.‬‬ ‫فكذلك عندما يؤدي إلــى التفريق بين جماعة المؤمنين وتشــتيتهم بعد‬ ‫االجتماع من غير أن تكون هناك ضرورة داعية إلى إقامته‪ ،‬بحيث تكون البلدة‬ ‫مترامية الأطراف‪ ،‬وال يمكن لسكانها أن يجتمعوا في مسجد واحد‪.‬‬ ‫وقد أدرك الســلف الصالح هذا البعد في هــذا الحكم‪ ،‬فلذلك حكموا‬ ‫بهدم أي مسجد يقام بجوار مسجد يضاره‪ ،‬وأنه ال تحل الصلاة فيه‪ ،‬وكذلك‬ ‫لو بني في أرض مغصوبة أو بمال محرم أو لــم تكن النية في بنائه خالصة‬ ‫لوجه االله تعالى‪.‬‬ ‫وقد تواردت بهذا آراء فقهاء الأمة على اختلاف مذاهبها‪ ،‬قال ابن حزم‪:‬‬ ‫»وال تجزئ الصلاة في مسجد أحدث مباهاة‪ ،‬أو ضرارا على مسجد آخر‪ .‬إذا‬ ‫كان أهله يسمعون نداء المسجد الأول‪ ،‬وال حرج عليهم في قصده‪ ،‬والواجب‬ ‫هدمه‪ ،‬وهدم كل مسجد أحدث لينفرد فيه الناس كالرهبان‪ ،‬أو يقصدها أهل‬ ‫الجهل طلبا لفضلها‪ ،‬وليست عندها آثار لنبي من الأنبياء ‪ 1‬وال يحل قصد‬ ‫مسجد أصلا يظن فيه فضل زائد على غيره إال مسجد مكة‪ ،‬ومسجد المدينة‪،‬‬ ‫ومسجد بيت المقدس« إلى أن قال‪» :‬وعلى قدر ما بناها ‪ ‰‬بالمدينة‪ ،‬لكل‬ ‫أهل محلة مسجدهم الذي ال حرج عليهم في إجابة مؤذنه للصلوات الخمس‪،‬‬ ‫‪٧٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫فما زاد على ذلك أو نقص مما لم يفعله ‪ ‰‬فباطل ومنكر‪ ،‬والمنكر واجب‬ ‫تغييره‪ .‬وقــد افترض ‪ ‰‬النكاح والتســري ونهــى عــن الرهبانية‪ ،‬فكل‬ ‫ما أحدث بعده ‪ ‰‬مما لم يكن في عهده وعهد الخلفاء الراشــدين فبدعة‬ ‫وباطل وقد هدم ابن مسعود مســجدا بناه عمرو بن عتبة بظهر الكوفة ورده‬ ‫إلى مسجد الجماعة«)‪.(١‬‬ ‫وقال الزمخشري‪» :‬وقيل‪ :‬كل مسجد بني مباهاة أو رياء وسمعة أو لغرض‬ ‫سوى ابتغاء وجه االله أو بمال غير طيب‪ ،‬فهو الحق بمسجد الضرار‪ .‬وعن شقيق‬ ‫أنه لم يدرك الصلاة في مسجد بني عامر‪ ،‬فقيل له‪ :‬مسجد بني فلان لم يصلوا‬ ‫فيه بعد‪ ،‬فقال‪ :‬ال أحب أن أصلى فيه‪ ،‬فإنه بني على ضرار‪ ،‬وكل مســجد بني‬ ‫على ضرار أو رياء أو ســمعة فإ ّن أصله ينتهي إلى المسجد الذي بني ضراراً‪.‬‬ ‫وعن عطاء‪ :‬لما فتح االله تعالى الأمصار على يد عمر ‪ ƒ‬أمر المسلمين أن يبنوا‬ ‫يضار أحدهما صاحبه«)‪.(٢‬‬ ‫المساجد وأن ال يتخذوا في مدينة مسجدين‬ ‫ّ‬ ‫وقال النيسابوري‪» :‬واعلم أنه سبحانه حكى أن الباعث لهم على هذا العمل‬ ‫كان أمــورا أربعــة‪ :‬الأول الضرار وهو المضــارة‪ ،‬والثاني الكفــر بالنبي ژ‬ ‫وبالإسلام وذلك أنهم أرادوا تقوية أهل النفاق‪ ،‬والثالث التفريق بين المؤمنين‬ ‫لأنهم أرادوا أن ال يحضروا مسجد قباء فتقل جماعتهم وال سيما إذا صلى النبي‬ ‫في مســجدهم فيؤدي ذلك إلى اختلاف الكلمة وبطلان الألفة‪ ،‬والرابع قوله‪:‬‬ ‫وإرصادا لمن حارب االله ورسوله«)‪.(٣‬‬ ‫وقال القرطبي‪» :‬ال يجوز أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد‪ ،‬ويجب هدمه‪،‬‬ ‫والمنع من بنائه لئلا ينصرف أهل المســجد الأول فيبقى شاغرا‪ ،‬إال أن تكون‬ ‫)‪ (١‬ابن حزم‪ :‬المحلى‪ ٣٦٣/٢ ،‬ـ ‪.٣٦٤‬‬ ‫)‪ (٢‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪.٣١٠/٢ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬النيسابوري‪ :‬غرائب القرآن‪.٥٢٨/٣ ،‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٧٧‬‬ ‫المحلــة كبيرة فلا يكفي أهلها مســجد واحــد فيبنى حينئــذ‪ .‬وكذلك قالوا‪.‬‬ ‫ال ينبغي أن يبنى في المصر الواحد جامعان وثلاثة‪ ،‬ويجب منع الثاني‪ ،‬ومن‬ ‫صلى فيه الجمعة لم تجزه‪ .‬وقد أحرق النبي ژ مسجد الضرار وهدمه‪ .‬وأسند‬ ‫الطبري عن شــقيق أنه جاء ليصلي في مســجد بني غاضرة فوجد الصلاة قد‬ ‫فاتته‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن مسجد بني فلان لم يصل فيه بعد‪ ،‬فقال‪ :‬ال أحب أن أصلي‬ ‫فيه‪ ،‬لأنه بني على ضرار‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬وكل مســجد بني على ضرار أو رياء‬ ‫وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار ال تجوز الصلاة فيه«)‪.(١‬‬ ‫ونص ما في تفسير الطبري في هذا‪» :‬حدثنا ابن حميد قال‪ ،‬حدثنا هارون‪،‬‬ ‫عن أبي جعفر‪ ،‬عن ليث‪ :‬أن شقيقا لم يدرك الصلاة في مسجد بني عامر‪ ،‬فقيل‬ ‫له‪ :‬مسجد بني فلان لم يصلوا بعد! فقال‪ :‬ال أحب أن أصلي فيه‪ ،‬فإنه بني على‬ ‫ضرار‪ ،‬وكل مسجد بني ضرارا أو رياء أو سمعة‪ ،‬فإن أصله ينتهي إلى المسجد‬ ‫الذي بني على ضرار«)‪.(٢‬‬ ‫ٍ‬ ‫وقال قطب الأئمة في التيسير‪» :‬وعن عطاء‪ :‬لما فتح االله الأَمصار على عمر‬ ‫رضى االله تعالى عنه أَمر المسلمين أَن يبنوا المساجد وأَن ال يتخذوا في مدينة‬ ‫مســجدين يضار أَحدهما صاحبه‪ ،‬وروى عن عمر بن الخطاب‪ ƒ ،‬أَنه كتب‬ ‫ِإلى عماله‪ ،‬وأَمرهــم أَن يهدموا كل مســجد ضار آخر‪ ،‬يعنى هدم المســجد‬ ‫الحادث الضار لسابقه«)‪.(٣‬‬ ‫وقال في الهميان‪» :‬وكل مســجد بنى ضرارا أو رياء وســمعة‪ ،‬أو لغير االله‬ ‫مطلقا فحكمه حكم مسجد الضرار«)‪ ،(٤‬ثم ذكر ما روي عن عمر‪.‬‬ ‫)‪(١‬‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫)‪(٣‬‬ ‫)‪(٤‬‬ ‫القرطبي‪ :‬الجامع لأحكام القرآن‪.٢٥٤/٨ ،‬‬ ‫الطبري‪ :‬جامع البيان‪.٤٧٤/١٤ ،‬‬ ‫امحمد بن يوسف إطفيش‪ :‬تيسير التفسير‪.٢٦/٤ ،‬‬ ‫المرجع السابق‪.٩٧/٦ ،‬‬ ‫‪٧٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وعدد السيد محمد رشيد رضا أسباب تحريق مسجد الضرار‪ ،‬فذكر منها‪:‬‬ ‫»التفريق بين المؤمنين الذين هنالك‪ ،‬فإنهم كانوا يصلون جميعا في مســجد‬ ‫قباء‪ ،‬وفي ذلك من مقاصد الإسلام االجتماعية ما فيه‪ ،‬وهو التعارف والتآلف‬ ‫والتعاون وجمع الكلمة‪ ،‬ولذلك كان تكثير المســاجد وتفريق الجماعة منافيا‬ ‫لمقاصد الإســلام‪ ،‬ومن الواجب على المســلمين في كل بلــد أن يصلوا في‬ ‫مسجد واحد إذا تيسر‪ ،‬فإن تفرقوا عمدا وصلوا في عدة مساجد ـ والحالة هذه ـ‬ ‫كانوا خاطئين‪ ،‬وذهــب بعض الأئمة إلى أن الجمعــة الصحيحة تكون حينئذ‬ ‫لأهل المسجد الذين سبقوا بالتجميع«‪.‬‬ ‫ثم قال‪» :‬وهذا يدل على أن بناء المساجد ال يكون قربة مقبولة عند االله إال‬ ‫إذا كان بقدر حاجة المؤمنين المصلين‪ ،‬وغير ســبب لتفريق جماعتهم‪ ،‬ومنه‬ ‫يعلم أن كثيرا من مســاجد مصر القريب بعضها من بعــض ـ وكذا أمثالها في‬ ‫الأمصار الأخرى ـ لم تبن لوجه االله تعالى‪ ،‬بل كان الباعث على بنائها الرياء‪،‬‬ ‫واتباع الأهواء‪ ،‬من جهلة الأمراء والأغنياء«)‪ ،(١‬وتابعه على كل ما قاله العلامة‬ ‫المراغي)‪ (٢‬في تفسيره‪.‬‬ ‫وقال الجصاص في أحكام القرآن‪» :‬قوله تعالى‪A @? > = < ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ K J I H G F E D C B‬التوبــة‪ ،١٠٨ :‬فيه الداللة على أن‬ ‫المســجد المبني لضرار المؤمنين‪ ،‬والمعاصي ال يجوز القيام فيه وأنه يجب‬ ‫هدمه; لأن االله نهى نبيه ژ عن القيام في هذا المســجد المبني على الضرار‪،‬‬ ‫والفســاد وحرم على أهله قيام النبي ژ فيه إهانة لهم واســتخفافا بهم‪ ،‬على‬ ‫خلاف المسجد الذي أسس على التقوى‪ ،‬وهذا يدل على أن بعض الأماكن قد‬ ‫يكون‪ ،‬أولى بفعل الصلاة فيه من بعــض وأن الصلاة قد تكون منهية عنها في‬ ‫)‪ (١‬محمد رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪.٣٢/١١ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬أحمد مصطفى المراغي‪ :‬تفسير المراغي‪.٢٥/١١ ،‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٧٩‬‬ ‫بعضها ويدل على فضيلة الصلاة في المسجد بحسب ما بني عليه في الأصل‪،‬‬ ‫ويدل على فضيلتها في المسجد السابق لغيره لقوله‪F E D C B ﴿ :‬‬ ‫‪﴾ G‬؟ وهو معنى قوله تعالى‪ ;﴾ K J I H ﴿ :‬لأن معناه أن القيام في‬ ‫هذا المسجد لو كان من الحق الذي يجوز لكان هذا المسجد الذي أسس على‬ ‫التقوى أحق بالقيام فيه من غيره‪ ،‬وذلك أن مسجد الضرار لم يكن مما يجوز‬ ‫القيام فيه لنهي االله تعالى نبيه عن ذلك«)‪.(١‬‬ ‫وذكر حكمة ذلــك العلامة ابن العربي عندما قــال‪» :‬وهذا يدلك على أن‬ ‫المقصد الأكثر والغرض الأظهر من وضــع الجماعة تأليف القلوب‪ ،‬والكلمة‬ ‫على الطاعة‪ ،‬وعقد الذمام والحرمة بفعل الديانة‪ ،‬حتى يقع الأنس بالمخالطة؛‬ ‫وتصفو القلوب من وضر الأحقاد والحسد«)‪.(٢‬‬ ‫وقال الإمام السالمي ‪» : 5‬وينهى عن تكثير المســاجد وتقاربها في البلد‬ ‫الواحد؛ لما يؤول في ذلك من تشــتت الجماعات‪ ،‬وتفرق الأصحاب‪ ،‬وتقليل‬ ‫العمارة للمساجد‪ ،‬وتفويت الأجر الحاصل بكثرة الجماعة‪ .‬قال أبو قلابة‪» :‬غدونا‬ ‫مع أنس بن مالك إلى الزاوية فحضرت صلاة الصبح فمررنا بمسجد‪ ،‬فقال أنس‪:‬‬ ‫لو صلينا في هذا المســجد؟ فقال بعض القوم‪ :‬حتى نأتي المسجد الآخر‪ ،‬فقال‬ ‫أنس‪ :‬أي مسجد؟ قالوا‪ :‬مســجدا حدث الآن‪ ،‬فقال أنس‪ :‬إن رسول االله ژ قال‪:‬‬ ‫»سيأتي على أمتي زمان يتباهون في المساجد وال يعمرونها إال قليلا«)‪.(٤)«(٣‬‬ ‫وقال فــي موضع آخر ـ بعــد أن ذكر أحاديــث فضل بناء المســاجد ـ ‪:‬‬ ‫»ولعمري أن ذلك العموم مخصص فلا يصح إبقــاؤه على ظاهره‪ ،‬إذ لو جاز‬ ‫)‪ (١‬أبو بكر الجصاص‪ :‬أحكام القرآن‪.٢٠١/٣ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬ابن العربي‪ :‬أحكام القرآن‪.٥٨٢/٢ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه البغوي )‪ ٣٥١/٢‬رقم‪ ،(٤٦٦ :‬وأخرجــه أيضا‪ :‬ابن خزيمة )‪ ،٢٨١/٢‬رقم ‪ .(١٣٢١‬والضياء‬ ‫)‪ ،٢٢٤/٦‬رقم ‪ ،(٢٢٣٩‬وأبو يعلى )‪ ،١٩٩/٥‬رقم ‪.(٢٨١٧‬‬ ‫)‪ (٤‬نور الدين السالمي‪ ،‬معارج الآمال‪.٦٦/٦ ،‬‬ ‫‪٨٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ذلك للزم أن يجوز بناء المساجد على عدد البيوت في القرية وال قائل بذلك‪،‬‬ ‫وما هو إال منكر لو فعله أهل قرية وجب الإنكار عليهم‪ ،‬وال يســمع تعللهم‬ ‫بأنهم لم يريدوا ضرارا«)‪.(١‬‬ ‫ولأجل تفادي الشقاق والخلاف في بناء المساجد اشترط علماؤنا أن يكون‬ ‫البناء برأي أهل العلم والصلاح الذين يضعون الأمور في مواضعها‪ ،‬ويدركون‬ ‫حكمة الشــارع فيما أمر به أو نهى عنه‪ ،‬ففي الإيضاح ما نصه‪» :‬وإن أرادوا أن‬ ‫يبنوه فليشاوروا أهل دعوتهم بعد اتفاق من أهل المنزل على ذلك‪ ،‬وإن لم يتفق‬ ‫خيار أهل المنزل على بنيانه‪ ،‬فلا يبنوه حتى يتفقوا«)‪.(٢‬‬ ‫وفي النيل وشرحه‪)» :‬وإن أرادوا بناءه( )شاوروا فيه أهل( أي خيار أهل‬ ‫)دعوتهم وإن من غير منزلهــم بعد اتفاق( خيار )أهلــه( أي أهل المنزل‬ ‫)عليه‪ ،‬ال إن لم يتفق عليه خيــار أهله( وال يعتبر غير الخيــار«)‪ ،(٣‬وقال‬ ‫شيخنا ابن جميل‪:‬‬ ‫يبنونــه مــن بعــد االئتمــار‬ ‫)‪(٤‬‬ ‫على اتفاق الصلحــا الأخيار‬ ‫وبهذا تدرك أن بناء المساجد ال يكون في كل حال برا وقربة إلى االله‪ ،‬بل‬ ‫يكون بخلاف ذلك عندما يعرى من التزام الضوابط الشرعية‪ ،‬كبنائها متقاربة‬ ‫يضار بعضها بعضا‪ ،‬فالمساجد يجب أن تكون جامعة لقلوب المؤمنين‪ ،‬تؤلف‬ ‫بينهم وتوحد كلمتهم‪ ،‬ال أن تكون مثارا للعصبية والجــدل‪ ،‬وتمزيق الكلمة‬ ‫والتفريق بيــن جماعتهم‪ ،‬وكــم رأينا مــن أنــاس يبنونها لدواعــي التفرق‬ ‫واالختلاف‪ ،‬وهو بعكس مقصد الشــارع الحكيم‪ ،‬وتدخل فــي هذا المباهاة‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪.٦٨/٦ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬الشيخ عامر بن علي الشماخي‪ ،‬الإيضاح‪.٦٥٠/٢ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬قطب الأئمة أمحمد بن يوسف إطفيش‪ ،‬شرح النيل‪.٢٣٥/٥ ،‬‬ ‫)‪ (٤‬العلامة خلفان بن جميل السيابي‪ ،‬سلك الدرر‪.٥٠/٢ ،‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة‬ ‫‪٨١‬‬ ‫والمفاخرة‪ ،‬وقد قطع الشــارع وســائل ذلك بما أمر به من تجنب كل ما يثير‬ ‫الظغائن ويؤجج الخلاف بين المؤمنين‪ ،‬فالنبي ژ عندما هاجر أسس مسجد‬ ‫قباء أوال‪ ،‬ثم أسس مسجده الشريف‪ ،‬وكان جيران المسجدين يأتيانهما للصلاة‬ ‫من أماكن متباعدة‪ ،‬ولو كانت هنالك رخصة لأن يتفرقوا في الجماعات ـ ولو‬ ‫مع إمكان االجتماع ـ لتنافس أصحاب النبي ژ في إنشاء المساجد‪ ،‬ولو كان‬ ‫للتحزب القبلي مجال في هــذا لكان كل حي من الأنصار يبنون مســجدهم‬ ‫استقلاال‪ ،‬ويقيمون جماعتهم وحدهم‪ ،‬ولكن لم يكن ذلك‪ ،‬وقد قال ! ‪» :‬من‬ ‫عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد«)‪ ،(١‬وفي روايــة‪» :‬من أحدث في أمرنا هذا‬ ‫ما ليس منه فهو رد«)‪.(٢‬‬ ‫وقد اعتاد النــاس ـ لجهلهم أو تجاهلهم وســكوت العلمــاء عنهم ـ أن‬ ‫يتنافسوا في بناء المساجد في أماكن تكتض بالمســاجد‪ ،‬ال لشيء إال لأجل‬ ‫التنافس العتبارات ال يقيم لها الشرع وزنا‪ ،‬كالتنافس بين الأسر أو بين الأفراد‪،‬‬ ‫بحيث ال تستحسن أســرة أن تصلي في مسجد أسرة أخرى‪ ،‬أو تأنف قبيلة أن‬ ‫تصلي حيث تصلي قبيلة أخرى‪ ،‬ولهذه االعتبارات قد تحرص العشيرة على أن‬ ‫تستقل بجمعتها‪ ،‬وترى من العار عليها أن تصلي حيث تصلي القبيلة الأخرى‪.‬‬ ‫ومما يعجب منه أني وجدت قرية تسكنها قبيلة واحدة‪ ،‬وكلهم ينتسبون إلى‬ ‫جد واحد هاجر إلى هذه القرية وأسسها‪ ،‬ومع تكاثرهم توسعت القرية فانقسمت‬ ‫إلى حارتين متجاورتين‪ ،‬ومع كونهم جميعا نســبهم واحــدا‪ ،‬ودينهم واحدا‪،‬‬ ‫)‪(١‬‬ ‫من طريق ابن عباس أخرجه الربيع )ص ‪ ٣٩‬رقم‪ ،(٤٩ :‬ومن طريق عائشة ‪#‬‬ ‫أخرجه أحمد‬ ‫)‪ ،١٤٦/٦‬رقم ‪ ،(٢٥١٧١‬ومســلم )‪ ،١٣٤٣/٣‬رقم ‪ ،(١٧١٨‬أبو عوانــة )‪ ،١٧١/٤‬رقم ‪،(٦٤٠٩‬‬ ‫والدارقطني )‪.(٢٢٧/٤‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمد )‪ ١٥٧/٤٣‬رقم‪ ،(٢٦٠٣٢ :‬والبخاري )‪ ١٨٤/٣‬رقم‪ ،(٢٦٩٧ :‬ومسلم )‪ ١٣٤٣/٣‬رقم‪:‬‬ ‫‪ ،(١٧١٨‬وأبو داود )‪ ٢٠٠/٤‬رقــم‪ ،(٤٦٠٦ :‬وابن ماجه )‪ ٧/١‬رقم‪ ،(١٤ :‬وابن حبان )‪ ٢٠٧/١‬ـ ‪٢٠٨‬‬ ‫رقم‪ ،(٢٦ :‬وأبو عوانة )‪ ١٧٠/٤‬رقم‪ ،(٦٤٠٧ :‬والبيهقي )‪ ٢٠٤/١٠‬رقم‪.(٢٠٣٧١ :‬‬ ‫‪٨٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ويتبعون مذهبا واحدا‪ ،‬إال أنهم أثر عليهم الشيطان فتحزبوا حزبين‪ ،‬وقد ظل أثر‬ ‫ذلك ساريا في نفوس بعضهم حتى مع ما حصل من التلاحم ونسيان الخلافات‬ ‫القبلية‪ ،‬وكانت الجمعة تقام في أحدى الحارتين‪ ،‬ولكن مسؤول الحارة الأخرى‬ ‫كان مصرا على أن يستقلوا بجمعتهم!! فعجبت من هذا التنافس غير المحمود‬ ‫الذي يعمق الخلاف‪ ،‬ويؤصل الشقاق‪ ،‬ويجعل من العبادات وسيلة لذلك‪.‬‬ ‫وأنت ترى أن علماء الأمة مع تعــدد مذاهبهم الفقهية قالــوا إن الجمعة‬ ‫ال تتكرر في المدينة الواحدة إال لضرورة‪ ،‬بحيث يتعذر أن يجتمع السكان في‬ ‫جامع واحد‪ ،‬فقد اطلعت على تشــدد ابن حزم في بناء مسجد جديد إن ضاق‬ ‫المسجد السابق‪ ،‬بحيث لم يبح ذلك إال أن يكون المسجد الثاني ال يسمع فيه‬ ‫نداء المسجد الأول‪ ،‬فكيف بهذه المساجد المتجاورة‪ ،‬التي ال يؤمن أن يشوش‬ ‫الأئمة فيها بعضهم على بعض في قراءتهم؟!‪.‬‬ ‫وقد كان حريا بالعلماء ـ وهم الذين أخذ منهم العهد أن يبينوا حكم االله ـ‬ ‫أن ال يســكتوا عن العــوام‪ ،‬وأن يبصروهم بالحــق‪ ،‬ويبينوا لهــم الخطأ من‬ ‫الصواب‪ ،‬وأنت ترى كيف كان لسكوتهم وإقرارهم ما َيت‪‬بِ ُعه الناس من أثر في‬ ‫التباس الحكم الشــرعي‪ ،‬حتى رأى الناس كثيرا مما أحدثوه صوابا مع كونه‬ ‫عين الخطأ‪ ،‬وقد رأيت كيــف كان موقف العلماء الغابريــن في هذه القضية‪،‬‬ ‫وتشــددهم في االســتجابة لداعي الهوى‪ ،‬وابتغاء ما عند الناس من الشــهرة‬ ‫والتباهي والتكثير من المســاجد؛ التي تتفرق بها الجماعات‪ ،‬وتكون مصدرا‬ ‫للحمية الممقوتة في الإسلام‪ ،‬وأشد من ذلك حرص كل طائفة على االستقلال‬ ‫بجمعتها!! مع أنها لم تسم جمعة إال لأنها تجمع وال تفرق‪.‬‬ ‫هذا؛ وقد تجد الذين يحرصون على بناء المساجد بجوار أخرى إن عرض‬ ‫لهم أن يبنوها في أمكنة هي أحوج إلى المساجد لخلوها منها امتنعوا من ذلك‬ ‫وشحوا بأموالهم‪ ،‬وأبوا أن يبنوها إال حيث يكون بينها التزاحم والتضار!!‪.‬‬ ‫‪٨٣‬‬ ‫ا "!ر ا ا‪U‬‬ ‫‪ *] 7‬ا ‪ 3‬و‪D.‬ه‬ ‫^‪ .‬ا ‪ 7 3‬الإ‪B‬لام‪:‬‬ ‫إن الفطرة هادية إلى مكانة العلم في حياة الناس‪ ،‬فما أكثر أسباب التفاوت‬ ‫بين الناس في مقاماتهم‪ ،‬ولكن من أعظم هذه الأسباب تفاوتهم في المقامات‬ ‫العلمية‪ ،‬فكم للعلم من قدر رفيع ال يبلغ شــأوه‪ ،‬وكم يخفض الجهل صاحبه‬ ‫حتى يرديه في الحضيض‪ ،‬وقد جاء الإسلام الحنيف منوها بقدر العلم ومبينا‬ ‫مكانته‪ ،‬فقد قال تعالى‪/ . -, + * ) ( ' & % $ # " ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ 1 0‬الرعد‪ ،١٩ :‬وقال سبحانه‪ÍÌ Ë Ê É È Ç Æ Å ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Ñ Ð Ï Î‬الزمر‪ ،٩ :‬وقال سبحانه‪ ̈ § ¦ ¥ ¤﴿ :‬‬ ‫© ‪ ﴾ ́ 3 2 ± ° ̄ ® ¬ « a‬ســبأ‪ ،٦ :‬وقال‬ ‫سبحانه‪ ﴾ ́ 3 2 ± ° ̄ ﴿ :‬فاطر‪.٢٨ :‬‬ ‫وبين تعالى أن ما أوتيه آدم من العلم كان سببا عند االله تعالى الختياره لأن‬ ‫يكون خليفة في الأرض وأن يفضله على الملائكة الكرام حتى أمروا بالسجود‬ ‫له‪ ،‬وذلك في قوله‪*) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫‪65 4 32 1 0 / . - , +‬‬ ‫‪G F E D C B A @ ❁ > =< ; : 9 87‬‬ ‫‪V U T S R Q P ❁N M L K J I H‬‬ ‫‪e d c ba ` _ ^ ❁ \ [ Z Y XW‬‬ ‫‪٨٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪s rq p o n m l k j i h g f‬‬ ‫‪ ﴾t‬البقرة‪ ٣٠ :‬ـ ‪.٣٣‬‬ ‫وقد قرن االله شهادته لنفسه بالوحدانية بشهادة الملائكة والذين أوتوا العلم‪،‬‬ ‫عندما قال‪A @? > = < ; : 9 8 7 6 5 4﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾F E D C B‬آل عمران‪.١٨ :‬‬ ‫ا ‪+‬دات والأ'ل ا  " ال " إال  ‪:3‬‬ ‫إن االله تعالى لم يهمل عباده ولم يتركهم ســدى‪ ،‬وإنما أمرهم بعبادته وجعلها‬ ‫هي الغاية لخلقهم‪ ،‬كما نص عليه في قوله‪﴾ H G F E D C ﴿ :‬‬ ‫الذاريات‪ ،٥٦ :‬وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله ژ ‪ ،‬المبلغ عن االله تعالى‪ ،‬فقد قال تعالى‪:‬‬ ‫﴿ ‪﴾ T S R Q P O N M LK J I H G‬‬ ‫المائدة‪ ،٩٢ :‬وال يتحقق شــيء مــن ذلك إال بالعلم‪ ،‬فــإن العبادات لــم توكل إلى‬ ‫استحسان الناس‪ ،‬فجميع عقولهم قاصرة عن تحديدها‪ ،‬وإنما تدرك بالعلم‪ ،‬وكذلك‬ ‫ما أمر االله به وما نهى عنه‪ ،‬فلا يتسنى لأحد ٍ أن يعبد االله سبحانه كما أمره تعالى‪ ،‬إال‬ ‫إن كان بصيرا بالعبادة خبيــرا بكيفية أدائها‪ ،‬وال غرو في هــذا فإن العلم هو قوام‬ ‫الدين ونور الحياة‪ ،‬وهو الهادي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم‪ ،‬ولهذا بعث االله‬ ‫تعالى رسله وأنزل كتبه لنشر العلم بين الناس‪ ،‬وتبصيرهم بالحق حتى يكونوا على‬ ‫بينة مما يأتون وما يذرون‪ ،‬وقد أجاد العلامة أبو مسلم في قوله‪:‬‬ ‫ورافق دليــل العلم يهــدك إنه‬ ‫طريق يحــار العقل فيــه وعير‬ ‫وفعلك حد المستطاع من التقى‬ ‫على غيــر علم ضيعــة وغرور‬ ‫فما زكــت الطاعات إال لمبصر‬ ‫على نور علم في الطريق يسير‬ ‫أتدخر الأعمــال جهلا بوجهها‬ ‫وأنــت إلى علــم هنــاك فقير‬ ‫فيا طالــب االله ائته مــن طريقه‬ ‫وإال فبالحرمــان أنــت جديــر‬ ‫فلست إذا لم تهتد الدرب واصلا‬ ‫قبيلك في جهل الســلوك دبير‬ ‫المحور الرابع‪ :‬في طلب العلم ونشره‬ ‫‪٨٥‬‬ ‫]* ا ‪+' 3‬دة ب ا ‪ +‬إ > االله‪:‬‬ ‫إذا كان العلم بهذا القدر والدين موقوف عليه والعبادات كلها مرهونة به‪،‬‬ ‫وهو إمام للعبادات يبصر العابدين بكيفية أدائها‪ ،‬وصورة إتقانها‪ ،‬فإنه ال بد من‬ ‫الإخلاص في طلبه لوجــه االله تعالى‪ ،‬فلا يطلب لوجه مــن وجوه الدنيا‪ ،‬كما‬ ‫ال يصلى وال يصــام وال يزكى وال يحــج لأجل غرض دنيوي‪ ،‬فهو وســائر‬ ‫العبادات مندرج فيما يدل عليه قوله تعالى‪è ç æ å ä ã â ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ î í ì ë ê é‬الكهــف‪ ،١١٠ :‬وقوله سبحانه‪k j i h ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ o n m l‬البينة‪ ،٥ :‬فمن طلبه لينال به مكانة بين الناس أو ليتوصل به‬ ‫إلى غرض من أغراض الدنيا كان والعياذ باالله من الهالكين‪ ،‬وقد نص على هذا‬ ‫حديث رســول االله ژ فعن أنس بن مالك عن النبي ژ قال‪» :‬من تعلم العلم‬ ‫ليباهي به العلماء أو ليماري به الســفهاء لقي االله يــوم القيامة وهو خائب من‬ ‫الحســنات«)‪ ،(١‬وعن جابر بن زيد ‪ 5‬قال بلغني أن رسول االله ژ قال‪» :‬من‬ ‫تعلم العلم للعظمة والرفعة أوقفه االله تعالى موقف الــذل والصغار يوم القيامة‬ ‫وجعله االله عليه حســرة وندامة حتى يكون العلم لأهله زينــا«)‪ ،(٢‬وروي عن‬ ‫أنس ‪» : ƒ‬من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف‬ ‫به وجوه الناس إليه فهو في النار«)‪ ،(٣‬وعن أبي هريرة‪» :‬من تعلم العلم ليباهى‬ ‫به العلماء أو يماري به الســفهاء أو يصــرف به وجوه الناس إليــه أدخله االله‬ ‫جهنم«)‪ ،(٤‬ولعلماء الرعيل الأول في هذا بيان يأخذ بمجامع الألباب‪.‬‬ ‫ومما يؤسف له أن نجد كثيرا من طلبة العلم يحرصون على جعل الشهادة‬ ‫العلميــة هي مبتغاهــم‪ ،‬وإذا كانت الشــهادة من ضرورات العلوم الإنســانية‬ ‫)‪(١‬‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫)‪(٣‬‬ ‫)‪(٤‬‬ ‫أخرجه الربيع بن حبيب )ص ‪ ٣٤‬رقم‪.(٣٣ :‬‬ ‫المرجع السابق )ص ‪ ٣٤‬رقم‪.(٣٤ :‬‬ ‫أخرجه الطبراني في الأوسط )‪ ،٣٢/٦‬رقم ‪ ،(٥٧٠٨‬والضياء )‪ ،٧٢/٧‬رقم ‪.(٢٤٨٠‬‬ ‫أخرجه ابن ماجه )‪ ،٩٦/١‬رقم ‪.(٢٦٠‬‬ ‫‪٨٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫المشتركة‪ ،‬ليتسنى لحامليها أن يخدموا أمتهم بما تعلموه من العلم‪ ،‬فإن العلوم‬ ‫الشرعية ليســت موقوفة على ذلك‪ ،‬إال أن تعقيدات الحياة المعاصرة جعلت‬ ‫العمل في المؤسســات العلمية الشــرعية كالعمل في المؤسســات الأخرى‪،‬‬ ‫فالمتخصص في العلوم الشــرعية قد ال يجد مجاال أن يقــوم بواجبه العلمي‬ ‫والعملي والدعوي إال أن تكون بيده شهادة‪ ،‬وعليه فإن هذه الشهادة يجب أن‬ ‫تكون وسيلة ال غاية‪ ،‬فلا يحل لمؤمن أن يطلبه من أجلها‪ ،‬ولكن مع الأسف‬ ‫الشــديد وجدنا الكثير من حملة الشــهادات يفاخرون بما حملــوه‪ ،‬فلا يكاد‬ ‫أحدهم يحمل شهادة الدكتوراه إال ويصر أن يصدر اسمه متى كتبه أو ذكره بهذا‬ ‫اللقب أو بحرف الدال الذي يرمز إليه‪ ،‬بل ويطالب أن يخاطب به وأن يتصدر‬ ‫اسمه عندما يذكر‪ ،‬وقد بلغني أن أحدا من الذين إيفوا بهذا الداء العضال اتصل‬ ‫بهاتف بيته أحد ليســأل عنه‪ ،‬وكان هو بنفســه الذي تلقى االتصال‪ ،‬فســأله‬ ‫المتصل‪ :‬هل هذا بيت فلان؟ فرد‪ :‬عليه‪ :‬ال‪ .‬وأخذ يراجع رقم هاتفه فتأكد أنه‬ ‫لم يخطئ فيه‪ ،‬وأعاد عليه االتصال مرة أخرى‪ ،‬فسأله‪ :‬أليس هذا ببيت فلان؟‬ ‫فرد عليه‪ :‬ال‪ .‬فقــال‪ :‬لقد دللت علــى أن هذا هو رقم هاتــف منزله!! فكيف‬ ‫ال يكون هذا بيته؟! فرد عليه‪» :‬أنت تسأل عن فلان‪ ،‬وهذا بيت الدكتور فلان«‪.‬‬ ‫فانظر كيف أورثنا أعداؤنا هذه العناية البالغة بتوافــه الأمور‪ ،‬بينما وجدناهم‬ ‫أنفسهم ال يكترثون بها‪ ،‬وإنما أرادوا بهذا أن يشغلونا بالسفاسف عن المعالي‪،‬‬ ‫وبالحرص على جمع التراب وإهمال التبر‪ ،‬واقتناء البعر وإضاعة الدرر‪ ،‬وقد‬ ‫انطلت حيلتهم على الأمة وراجت دعايتهم بينها‪ ،‬ويا للأسف‪.‬‬ ‫على أن هذه الألقاب ليست مما يفرح به فإنها جاءتنا من مكان بعيد‪ ،‬فقد‬ ‫صدرها إلينا الغرب‪ ،‬فتقبلت عندنا بانشــراح صدر وسكينة نفس‪ ،‬بل قيل أن‬ ‫بعض هذه الألقاب مصدرها اليهود‪ ،‬فقد تلقاها منهم الغرب‪ ،‬ثم صدرها إلينا‪،‬‬ ‫كالدكتوراه التي تتزاحم من أجلها الأقدام وتتنافس في السبق إليها الهمم‪ ،‬فقد‬ ‫قيل بأن أصله كان يطلق على الحاخام الذي يقوم بتدريس الدين اليهودي‪ ،‬ثم‬ ‫المحور الرابع‪ :‬في طلب العلم ونشره‬ ‫‪٨٧‬‬ ‫انتقل منهم إلى النصارى فكانوا يطلقونه على القس الذي يقوم بالتدريس في‬ ‫الكنيســة‪ ،‬وتطور بعد ذلك فأطلق على درجة علمية تخصصية في الدراسات‬ ‫العليا في الجامعات الغربية‪ ،‬ومنها صدر إلى البلاد الإسلامية‪.‬‬ ‫وقد وجدت اثنين من حملة الدكتوراه يسجلان هذه الحقيقة‪:‬‬ ‫الرحمن عميرة‪ ،‬فقد ذكر ذلك في أحد مؤلفاته ولم‬ ‫أولهما‪ :‬الشيخ عبد‬ ‫ٰ‬ ‫يحضرني الآن‪ ،‬وقد نص فيه على أن هذا اللقــب كان يطلق على الحاخام‬ ‫الواعظ في الكنائس اليهودية‪ ،‬ثم تطور طورا بعد طور حتى أطلق على رتبة‬ ‫علمية معينــة‪ ،‬وكان ذلك في بلاد الغــرب‪ ،‬ثم صدر إلى بلاد الإســلام‪،‬‬ ‫فانشرحت له الصدور وانبسطت له النفوس‪ ،‬وأصبح للناشئة الطموحة هدفا‬ ‫ال بد من تحقيقه‪.‬‬ ‫ثانيهما‪ :‬الشــيخ بكر بن عبد االله أبو زيد في كتابه تغريب الألقاب العلمية‬ ‫وكان مما جاء في هذا قوله‪» :‬إن هذا اللفظ المستورد هو في أصل إطلاقه من‬ ‫عدو لنا في دنيانا وآخرتنــا‪ ،‬وقد علم من نصوص الشــريعة المطهرة‪ :‬أن من‬ ‫مباني الإيمان بغض أهل الإشراك‪ ،‬وعدم مواالتهم‪ ،‬والبعد عن التشبه بأعداء‬ ‫االله الكفرة‪ ،‬حتى في الألفاظ‪ ،‬وهذا اللقب من هذا القبيل‪ .‬وقد أبان جمع من‬ ‫الكاتبين عن ذلك ومنه ما جاء في كتاب منهج البحث الأدبي إذ قال‪) :‬كثير من‬ ‫الدرجات لدى الغربيين من أصــل إغريقي‪ ،‬أو التيني ثم تبناها االســتعمال‬ ‫الديني فكانت من مصطلحات الكنيسة ورجالها‪.‬‬ ‫فالليســانس تعني في الأصل‪ :‬الإجازة التي تمنح صاحبها حق أن يكون‬ ‫محاميا أو معلما‪ ...‬ثم أطلقت على الســنتين اللتين يمضيهما خريج الدراسة‬ ‫الثانوية في دراسة اللاهوت قبل أن يقبل للدكتوراه على مقاعد الدرس‪.‬‬ ‫والدكتور في الأصل هو الذي يعلم علن ًا وأطلقــه اليهود على الرباني أو‬ ‫الحاخام العالم بالشريعة‪ ،‬وأطلقه المسيحيون على الذي يفسر الكتب المقدسة‪.‬‬ ‫‪٨٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ودخل اللقب الجامعات لأول مرة بجامعة بولونيا فــي إيطاليا في القرن‬ ‫الثاني عشر ثم تبعتها جامعة باريس بعد قليل ـ إلى أن قال‪ :‬ـ ولعله بعد يتضح‬ ‫أن في اســتمراء هذا اللفظ واالعتزاز به ضربا من ضروب التشبه في الظاهر‪،‬‬ ‫ونوع ركون في الباطن‪ ،‬وال يجمل بالمسلم تكثير سوادهم‪.‬‬ ‫وعن أبي ذر ‪» ƒ‬من كثر سواد قوم فهو منهم«)‪ ،(١‬رواه أبو يعلى‪ ،‬وغيره‪.‬‬ ‫وأقل ما في هذا الوجه من المحاكاة أنه مــن مظاهر الذلة والضعة وتبعية‬ ‫المغلوب للغالب‪ ،‬والمســلم مطالــب بالعزة والأنفة من التبعيات الماســخة‬ ‫المجردة من العوائد النافعة(«‪.‬‬ ‫ثم قال‪» :‬وأيضا فإنه من مبناه )دكتور( غربي محدث ال يمت إلى اللسان‬ ‫العربي بصلة‪ ،‬فهو أتي ال أصله له‪.‬‬ ‫ففي إطلاقه نبذ للغة العرب في ســنن كلامها‪ ،‬ومناحي لغتها‪ ،‬وغض من‬ ‫شأنها‪ ،‬فهو إذا من مواطن التخذيل‪ ،‬والمسلم مطالب بإحياء لغة القرآن وشد‬ ‫الأمة إليها وتحريرها مما يشوبها‪ ،‬واللغة كما يقول ابن جني‪) :‬أصوات يعبر بها‬ ‫كل قوم عن أغراضهم( فهل نعبر عن أغراضنا بغير لغتنا؟؟‪.‬‬ ‫ويقول ابن تيمية في اقتضاء الصراط المســتقيم ص ‪) :٢٠٣‬إن اللسان‬ ‫العربي شعار الإســلام وأهله‪ ،‬واللغات من أعظم شــعائر الأمم التي بها‬ ‫يتميزون(« اهـ ‪.‬‬ ‫وبعد أن جال فــي هذا أتبع ذلــك كله قولــه‪» :‬إنها ســموم إن تجرعها‬ ‫المســلمون تبدلوا الدخيل بالأصيل‪ ،‬والهجين بالفصيح‪ ،‬وصار سقط الكلام‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫حليفا للغة القرآن«‪ .‬اهـ‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الديلمي )‪ ،٥١٩/٣‬رقم ‪.(٥٦٢١‬‬ ‫)‪ (٢‬بكر بن عبد االله أبو زيد‪ :‬تغريب الألقاب العلمية‪ ،‬ص ‪.٢٣‬‬ ‫‪٨٩‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬في طلب العلم ونشره‬ ‫وقال أيضا بعد أن أشــار إلى وجود تباين الألقاب بحســب التخصصات‬ ‫العلمية‪» :‬أما هذا اللقب )دكتور( فهو مضطرب الداللة إذ يستوي في إطلاقه كل‬ ‫من نال هذه الرتبة النظامية من طبيب وبيطــار ولغوي وأديب وفقيه ومحدث‬ ‫ومهندس‪ ،‬وهكذا مــن كافر أو مســلم‪ ،‬صالح أو غير صالــح‪ ،‬فالرؤوس به‬ ‫مستوية‪ ،‬وإذا استوت الرؤوس فعلى الطهر والصلاح العفاء‪.‬‬ ‫والتســوية من هذا القبيــل مخالفة لســنن الفطرة‪ ،‬وقد علــم أن الألفاظ‬ ‫كالمعارض للمعاني فيجب أن يكون اللفظ ملائما لمعناه وبقدره‪ ،‬كما يجب أن‬ ‫يكون الثوب ملائما للجسم المعروض فيه وبقدره«‪ .‬اهـ)‪.(١‬‬ ‫وال يغني االعتذار عن هذا بأن هذه المعلومــة ربما تكون غير ثابتة‪ ،‬فإن‬ ‫العاقل يتوقى كل ما يعاب كما قيل‪ ) :‬إياك وما يســبق إلى القلوب إنكاره وإن‬ ‫كان عندك اعتذاره( وكما قال الشاعر‪:‬‬ ‫قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا‬ ‫فما اعتذارك من قــول إذا قيلا‬ ‫وإذا كنا ال نجد مناصا من قبول هذه الألقاب في التخصصات العامة التي‬ ‫يعبر عنها بالعلوم الإنسانية‪ ،‬الشــتراك الناس كلهم فيها على اختلاف مللهم‬ ‫وتنوع ألسنتهم‪ ،‬فمالنا واللقب الذي استورد من اليهود‪ ،‬ما بال فقهائنا ـ وهم‬ ‫حملة الشــريعة وتراجمة القرآن‪ ،‬وربابنــة الأمة وربانيوهــا‪ ،‬وورثة الأنبياء ـ‬ ‫يتنافســون فيه‪ ،‬ويحرصون على أن يزينوا به أســماءهم في تآليفهم وفتاواهم‬ ‫وخطابهم إلى الناس‪ !!..‬كم كنت أود أن يربأوا بأنفســهم عن ذلك‪ ،‬ويترفعوا‬ ‫عن هذه التبعية لأمة أخبر االله أنها أشد عداوة للذين آمنوا‪ ،‬ليت شعري ألم يكن‬ ‫فيما أطلق على فقهاء الإسلام الغابرين كالعالم‪ ،‬والعلامة‪ ،‬والفقيه‪ ،‬والحافظ‪،‬‬ ‫والمفسر‪ ،‬والمحدث‪ ،‬والمتكلم‪ ،‬ما يغني عن ذلك؟ وإذا لم يكن اكتفاء بهذه‬ ‫الأوصاف كلها فإنه بإمكانهم أن يضموا إليها الأوصاف الأخرى التي تنم عن‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ١٨‬ـ ‪.٢١‬‬ ‫‪٩٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫مكانة الموصوفين بها‪ ،‬كشيخ الإسلام‪ ،‬والمحقق‪ ،‬والإمام‪ ،‬وأمثالها‪ .‬فكم كنا‬ ‫نتمنى أن يعدل في الألقاب العلمية ال سيما العلوم الشرعية عن التغريب إلى‬ ‫التعريب‪ ،‬وما هو إال إعجام يزال من أحد الحروف فتنتهي المشــكلة‪ ،‬ولكن‬ ‫لقوة نفوذ الجهة المصــدرة لهذه الألقاب صار الأكثرون مع الأســف يلهثون‬ ‫وراءها‪ ،‬كأنما الشهادة التي يدل عليها اللقب تفتح باب السعادة لحاملها على‬ ‫مصراعيه‪ ،‬فيتبوأ بسبب ذلك أعظم درجات الجنان‪.‬‬ ‫مع أن المسلم عليه أن يرفع هامته بإسلامه فلا يطأطئها لما يأتيه من قبل‬ ‫الآخرين‪ ،‬وكم هو حميد أن يكون االعتزاز بالإسلام ومواريثه ديدن المسلم‬ ‫حتى في أمور الحياة العادية‪ ،‬فضلا عما يتعلق بالدين‪ ،‬والله در الشيخ علي بن‬ ‫خلفان البيماني)‪ (١‬الذي كان بشرق أفريقيا‪ ،‬وكان من عادة أكثر الناس هنالك‬ ‫أن يلبســوا معاطف لحمل أغراضهم الضرورية في مخابئها‪ ،‬وقد ذهب إلى‬ ‫خياط ليخيط له معطفا‪ ،‬فســأله الخياط‪ :‬أتريده على الطريقة الإنجليزية أم‬ ‫على الطريقة الألمانية؟ فرد عليه‪ :‬أوال يوجــد إال ما هو على طريقة هاتين‬ ‫الفئتين؟! فقال له‪ :‬ال‪ .‬فقال‪ :‬أخرت عن هذا‪ .‬وذهب إلى أهله وهو يتحســر‬ ‫على هذه التبعية للأمــم الأخرى من قبل أمة الإســلام‪ ،‬فأوصــى بنيه أن‬ ‫ال يلبســوا معطفا قط‪ ،‬وحذرهم أنه لن يرضى عنهم إن خالفوا وصيته هذه‪،‬‬ ‫وقد عهدتهم وهم خلاف غيرهم من الناس في ذلك‪ ،‬فقد كان معظم الناس‬ ‫يلبسون معاطف‪ ،‬أما هم فما كانوا يرضون لبسها‪ ،‬وما كنت عارفا بسبب ذلك‬ ‫حتى حدثني بهذا أحد أبنائه‪.‬‬ ‫وكم كنا نتمنى من كل مسلم أن تكون في نفسه هذه العزة الإيمانية‪ ،‬وهذا‬ ‫الإباء والرفض لكل دخيل‪ ،‬وأولى بهذا حملة الشريعة وأعلام الأمة‪.‬‬ ‫العمانيين الذين ولدوا بزنجبار وكانت منيته فيها‪ ،‬ولكنه أتى إلى ُعمان وتلقى العلم‬ ‫)‪ (١‬هو أحد ُ‬ ‫عن الشيخ العلامة راشد بن سيف اللمكي بمدينة الرستاق ـ قصرى ـ ثم رجع إلى زنجبار‪.‬‬ ‫‪٩١‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬في طلب العلم ونشره‬ ‫على أن الألقــاب كلها ال تقــدم وال تؤخر‪ ،‬فنحن نجد كيــف هي منزلة‬ ‫أصحاب رسول االله ژ عند فئات الأمة‪ ،‬مع أنهم لم يكونوا معنيين بالألقاب‪،‬‬ ‫وال تذكر أسماؤهم إال مجردة من كل لقب‪ ،‬وكم يهتز الإنسان إجلاال وإكبارا‬ ‫عندما يقال له أو يقرأ فــي أثر هذا هو رأي أبي بكــر‪ ،‬أو عمر‪ ،‬أو عثمان‪ ،‬أو‬ ‫علي‪ ،‬أو ابن مســعود‪ ،‬أو أبي هريرة‪ ،‬أو أنــس‪ ،‬أو غيرهم من الصحابة @ ‪.‬‬ ‫وكذلك التابعون لهم بإحســان فإن أولئك لعظمهم وعلو مراتبهم لم يحتاجوا‬ ‫إلى ألقاب يرتقون بها‪ ،‬وإنما أسماؤهم نفسها دالة على رقيهم وأقدارهم‪ ،‬وما‬ ‫كانت الحاجة إلى الألقاب فيمن جاؤوا من بعدهم إال لأنهم لم يبلغوا شــأو‬ ‫أولئك‪ ،‬وقد عجزوا أن يشقوا غبارهم أو يقفوا آثارهم وما هو إال كما قيل‪:‬‬ ‫وما الحلــي إال حيلــة لنقيصةٍ‬ ‫َصرا‬ ‫تتمم من حسن ٍ إذا‬ ‫الحسن ق ‪‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وليس لحلي في الجميلة منظر ًا‬ ‫ولكن في القبيحة منظرا‬ ‫جمال‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫وقد وجدنا كثيرا من فقهاء الأمة يكرهون أن يذكروا بما شاع من ألقابهم‪،‬‬ ‫وينهون عن ذلك لما يخشونه من الفتنة في ذلك‪ ،‬نعوذ باالله منها‪.‬‬ ‫وقد تندر كثير من فقهاء العصر حتى من حملة الدكتوراه بشيوع هذا اللقب‬ ‫بين الفقهاء‪ ،‬وعدولهم إليه عما كانوا يلقبون به من قبل‪ ،‬فقد حكى الشيخ بكر‬ ‫أبو زيد عن الشيخ أحمد بن عبد االله بن محمد بن حميد أنه قال‪:‬‬ ‫اســتبدلوا لفــظ الفقيــه بغيره‬ ‫ومن الغريب محدثــون دكاترة‬ ‫واالله لو علــم الجــدود بفعلنا‬ ‫)‪(١‬‬ ‫لتناقلوها في المجالس نادره‬ ‫هذا؛ وكم تجد في الذين ُح ‪‬لوا بهذا اللقب ففاخروا به الدنيا‪ ،‬وظنوا أنهم‬ ‫اتسعت أذهانهم لخزائن العلوم‪ ،‬والتطمت في صدورهم بحار المعارف‪ ،‬فلم‬ ‫تفتهم شــاردة وال واردة‪ ،‬من هم في البلادة وقلــة الإدراك‪ ،‬ونضوب المعرفة‬ ‫)‪ (١‬بكر بن عبد االله أبو زيد‪ :‬تغريب الألقاب العلمية‪ ،‬ص ‪.٣١٢‬‬ ‫‪٩٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫بدرجة يحار فيه معاشروهم حتى يكادوا يشكون في إنسانيتهم‪ ،‬وال أنسى أن‬ ‫أحد هؤالء جاء من أرض بعيدة ليروي سلطنة ُعمان في بداية نهضتها الحديثة‬ ‫ببحار علمه‪ ،‬وكان ذلك في شهر رمضان من عام ‪١٣٩٧‬هـ ‪ ،‬وكنا نجتمع لصلاة‬ ‫التراويح بمسجد المعهد الإسلامي الثانوي‪ ،‬ومعظم الطلبة في مسقط يصلون‬ ‫في ذلك المسجد‪ ،‬وكذلك النخبة من المثقفين‪ ،‬وكنت بعد صلاة التراويح في‬ ‫كل ليلة ألقي درسا على المصلين‪ ،‬وقد أشعرنا من قبل الجهات المختصة أن‬ ‫الضيف الكريم سيشــرفنا في إحدى الليالي‪ ،‬ويشنف أســماعنا بدرس يلقيه‬ ‫علينا‪ ،‬وكنا نتشــوف إلى طلعته المباركة‪ ،‬فانقضت الصلاة ولم يشــرق علينا‬ ‫محياه‪ ،‬فبدأت في إلقاء الدرس كعادتي وإذا بطلائع مقدمه الميمون تلوح لنا‪،‬‬ ‫فما كان مني إال أن أمسكت عن الدرس وقعدت مع السامعين‪ ،‬لأحظى بنصيب‬ ‫مما ينثره على الحاضرين من فرائد الفوائد‪ ،‬ولكن يا للخيبة؛ ما كاد يشرع في‬ ‫الحديث إال وكانت الأخطاء العربية تصحب كل كلمة يفوه بها‪ ،‬وكان ال يأتي‬ ‫على آية من كتاب االله إال وينكس كلماتها بما يحرف معانيها!! حتى تلا قوله‬ ‫تعالى‪ ﴾ â á à ß Þ ÝÜ Û Ú ﴿ :‬المجادلة‪ ،١١ :‬فرفع‬ ‫الفعل المجزوم ونصب اسم الجلالة!!‪.‬‬ ‫وبعد أقل من ثلاث سنوات من هذا التأريخ حضرت بمكة المكرمة مؤتمرا‬ ‫ثانيا لوزراء الأوقاف والشؤون الإســلامية في العالم الإسلامي‪ ،‬تعقده رابطة‬ ‫العالم الإســلامي‪ ،‬وقد اختير من بين الحاضرين أحــد وزراء الأوقاف بدولة‬ ‫عربية ـ ذات تأريخ عريق في العلوم العربية والشــرعية‪ ،‬وفي إدارة دفة سياسة‬ ‫الأمة في العالم الإسلامي ـ ليكون مقررا عاما للمؤتمر‪ ،‬وعندما صنفت قراراته‬ ‫وتوصياته تولى حسب النظام تلاوتها على أعضاء المؤتمر‪ ،‬فانهالت الأخطاء‬ ‫مع كل لفظة يتلوها‪ ،‬ولما جــاء إلى قوله تعالى‪± ° ̄ ® ¬﴿ :‬‬ ‫‪3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́3 2‬‬ ‫¿ ‪ ﴾À‬النساء‪ ،٦٥ :‬تراســلت الأخطاء تباعا كما تتساقط قطرات الماء‬ ‫‪٩٣‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬في طلب العلم ونشره‬ ‫)ي ْح ُك ُمــوكَ ( بفتح الياء‬ ‫عندما ينهمر القطــر‪ ،‬وكان من أخطائه فيه أنــه قال‪َ :‬‬ ‫وتســكين الحاء وضم الكاف المخففة!! فجعل النبــي ژ محكوما من قبل‬ ‫المخاطبين ال ُم َح ‪‬كما!! وعندما اعترض عليه الحاضرون اعتذر إليهم بما هو‬ ‫أقبح من صنيعه‪ ،‬إذ ادعى أن هذا خط ٌأ في المصحف الشريف المنقول منه‪.‬‬ ‫وقد جلست بعد هذا مع الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ـ آنذاك ـ‬ ‫الشــيخ ‪ /‬محمد بن علي الحركان‪ ،‬فعتبت عليه اختياره لمثل هذا الرجل‬ ‫ليكون مقررا عاما للمؤتمر‪ ،‬وهو ال يقيم كلمة من كتاب االله‪ ،‬فرد علي‪ :‬إنه‬ ‫ـ مع الأسف ـ بجانب كونه المسؤول الأكبر عن الأمور الدينية في بلده هو‬ ‫دكتور أيضا‪ .‬فليت شعري؛ علي أي شــيء تدل هذه المواقف التي تصدر‬ ‫ممن يحمل هذه الشهادة الكبرى؟!‪.‬‬ ‫وإذا كان ممن يحمل هذه الشهادة من هو بهذا المستوى المتدني في العلم‬ ‫والفهم‪ ،‬فإنه يجدر بأولي الفطنة والكياســة أن يربأوا بأنفسهم أن يلز بها مع‬ ‫هؤالء في قرن‪ ،‬فالأسد يأنف أن يشترك مع الثعلب في فريسة واحدة‪ ،‬وقد أجاد‬ ‫من قال‪:‬‬ ‫الذبــاب علــى طعــام ِ‬ ‫دب‬ ‫إذا ‪‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َوتجتنــب الأســود ورود ماء‬ ‫رفعت يدي ونفســي تشــتهيهِ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫الــكلاب ولغــن فيــهِ‬ ‫ِ‬ ‫إذا كان‬ ‫َ‬ ‫وال أنســى حضوري ـ قبل أكثر من ربع قرن مــن الآن ـ اجتماعا لأمناء‬ ‫الجامعة الإسلامية العالمية بباكستان )إســلام أباد( وكنت عضوا في مجلس‬ ‫أمنائها‪ ،‬وقبل انعقاد المجلس تحدث إلي بعــض الطلبة في الجامعة‪ ،‬وطلبوا‬ ‫مني أن أؤكد علــى االعتراف بشــهادة التخرج مــن هذه الجامعــة من قبل‬ ‫الجامعات الأخرى‪ ،‬ليتمكن المتخرج فيها من مواصلة دراسته في أي جامعة‬ ‫كانت‪ ،‬ولما عرضت هذا الطلب على أعضاء المجلس عند انعقاده رد علي أحد‬ ‫الشيخين عبد الفتاح بركة أو عبد الفتاح الشيخ بالآتي‪:‬‬ ‫‪٩٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫»هذه الجامعة إما أن تريدوها أن تخرج لكم علماء أو أن تخرج لكم حملة‬ ‫شهادات‪ ،‬فإن أردتم أن تكون مصنعا للعلماء فلا تشتغلوا بالشهادات‪ ،‬فقد كان‬ ‫الأزهر عندنا يربي العلماء من غير عناية بالشــهادات‪ ،‬فخرج فحول العلماء‪،‬‬ ‫وبعد العناية بالشهادات صار يخرج حملة شهادات«‪.‬‬ ‫هذا؛ مع أن قائل هذا الكلام هو نفسه يحمل شهادة دكتوراه‪ ،‬ولكنه أدلى‬ ‫بشهادة الحق‪ ،‬وكلمة الصدق‪.‬‬ ‫وقد بلغ االعتداد بهذه الشــهادة عند الذين اســتهوتهم أن أحدهم ـ فيما‬ ‫بلغني ـ طلب منه أن يقدم لمحاضرة يلقيها أحد أساتذته في المرحلة الجامعية‬ ‫عندما كان طالبا‪ ،‬لكنه رفض ذلك بسبب أن الأستاذ ال يحمل هذه الشهادة وهو‬ ‫أصبح يحملها!! وهذا ال يدل إال على غرور بالغ واعتداد بما ال وزن له‪.‬‬ ‫‪ D.‬ا ‪ $ 3‬ا ت إ > االله‪:‬‬ ‫إذا كان طلــب العلم عبادة يتقــرب بها إلى االله ســبحانه‪ ،‬وهو كغيره من‬ ‫العبادات في وجوب إخلاصها له سبحانه‪ ،‬من غير أن يكون للنفس فيها حظ‪،‬‬ ‫أو يبتغى بها أي غرض آخر‪ ،‬فكذلك نشــر العلم هو قربــة وعبادة بل هو من‬ ‫أعظم القربات إلــى االله ‪ 4‬لما فيه مــن تعميم الخير‪ ،‬والدعــوة إلى الحق‪،‬‬ ‫وتبصير العمي‪ ،‬وتذكير الغافلين‪ ،‬فلا يسوغ أن يبتغى بنشر العلم غرض دنيوي‪،‬‬ ‫كالتوصل إلى الثراء أو الجاه‪.‬‬ ‫وال يسوغ احتكار العلم لما فيه من الإضرار بالدين والدنيا معا‪ ،‬فقد ثبت‬ ‫عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول االله ژ ‪» :‬من ســئل عن علم فكتمه ألجمه االله‬ ‫بلجام من نار يوم القيامة«)‪ ،(١‬وعن ابن عبــاس ^ عن النبي ژ قال‪» :‬علماء‬ ‫)‪ (١‬أخرجــه أحمــد )‪ ،٣٤٤/٢‬رقم ‪ ،(٨٥١٤‬وأبــو داود )‪ ،٣٢١/٣‬رقم ‪ ،(٣٦٥٨‬والترمــذي )‪،٢٩/٥‬‬ ‫رقم ‪ (٢٦٤٩‬وقال‪ :‬حسن‪ .‬وابن ماجه )‪ ،٩٨/١‬رقم ‪ ،(٢٦٦‬والحاكم )‪ ،١٨٢/١‬رقم ‪ ،(٣٤٥‬والبيهقي‬ ‫المحور الرابع‪ :‬في طلب العلم ونشره‬ ‫‪٩٥‬‬ ‫هذه الأمة رجلان رجل آتاه االله علما فبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعا ولم يشتر‬ ‫به ثمنا فذلك تستغفر له حيتان البحر ودواب البر والطير في جو السماء ويقدم‬ ‫على االله سيدا شريفا حتى يرافق المرســلين ورجل آتاه االله علما فبخل به عن‬ ‫عباد االله وأخذ عليه طمعا واشترى به ثمنا فذاك يلجم بلجام من نار يوم القيامة‬ ‫وينادى مناد هذا الذي آتــاه االله علما فبخل به عن عبــاد االله وأخذ عليه طمعا‬ ‫واشترى به ثمنا وكذلك حتى يفرغ من الحساب«)‪.(١‬‬ ‫وإذا كان هذا وعيد الذي يكتم علما‪ ،‬فما بالك بالذي يحتكر علما أثره وال‬ ‫يرى نشــره إال بطريقة يضمن بها أن عائده المادي يرجع إليه‪ ،‬فكم رأينا فيما‬ ‫ينشر من المؤلفات بأنه ال يسمح بطبعه وال تصويره وال نقل شيء منه إال بإذن‬ ‫خاص من المؤلف! فليت شعري؛ متى كان العلم ملكا لأحد حتى يسوغ له أن‬ ‫يحتكره؟! وإذا كان من يحتكر بضاعة يملكها والناس محتاجون إليها متوعدا‬ ‫بأشــد الوعيد‪ ،‬حتى أنه جاء في بعض الروايات التصريــح بأنه ملعون‪ ،‬وفي‬ ‫بعضها ينتظر اللعنة‪ ،‬فكيف بمن احتكر علما نافعا ال يملكه أحد‪ ،‬وإنما هو حق‬ ‫لكل من ينتفع به؟! فاعجب من شأن أولئك الذين يتجاهلون هذا الأمر‪.‬‬ ‫وقد أصبحت هذه ظاهرة منتشــرة‪ ،‬ولربما تسرع إليها بعض أصحاب‬ ‫المطابع من غير أن يأخذوا في ذلك رأي المؤلف‪ ،‬وهذا الذي وقع لي‪ ،‬فقد‬ ‫قدمت بعض مؤلفاتي للطبع فإذا بي أجد في أوله هذا التحذير من طبعه أو‬ ‫تصوير شــيء منه أو نقله!! فعجبت من ذلك وأمرت أن يسحب ذلك من‬ ‫الكتاب فورا‪ ،‬وكنت أمنع أن يذكر في شيء من مؤلفاتي بأن حقوق الطبع‬ ‫محفوظة‪ ،‬ولكن شــكت إلي دور النشــر بأن عدم التقييــد بهذا يعرضها‬ ‫في شــعب الإيمان )‪ ،٢٧٥/٢‬رقم ‪ .(١٧٤٣‬ومن طريــق أنس ‪ : ƒ‬أخرجه ابــن ماجه )‪،٩٧/١‬‬ ‫رقم ‪ .(٢٦٤‬ومن طريق قيس بن طلق عن أبيه‪ :‬أخرجه الطبراني )‪ ،٣٣٤/٨‬رقم ‪ ،(٨٢٥١‬وابن عدي‬ ‫)‪ ،٣٥٣/١‬ترجمة أيوب بن عتبة(‪ ،‬والخطيب )‪.(١٥٥/٨‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الطبراني في الأوسط )‪ ،١٧١/٧‬رقم ‪.(٧١٨٧‬‬ ‫‪٩٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫للخسارة عندما ينشرون كتابا فتنافســهم دور أخرى في نشره‪ ،‬فأذنت بأن‬ ‫تحفظ حقوق الطبع للناشر ال للمؤلف دفعا للضرر‪ ،‬إذ ال ضرر وال ضرار‬ ‫في الإسلام‪.‬‬ ‫وقد درج السلف الصالح على نقل العلم ونشره بدون استئذان من صاحبه‪،‬‬ ‫ناهيك بهذه القصة التي ذكرها البدر الشماخي ‪ 5‬في السير قال‪:‬‬ ‫»لما وفد أبو غانم بشر بن غانم الخراساني على الإمام عبد الوهاب ومعه‬ ‫مدونته المشهورة في الفقه التي رواها عن تلامذة أبي عبيدة وجاز على جبل‬ ‫نفوسة استودع عمروسا نسخة منها‪ ،‬وأخذ في نسخها وأخته تملي عليه‪ ،‬ويلازم‬ ‫الموضع حتى تدركه الشمس فينتقل حرصا على إحياء العلم‪ .‬فما رجع ب ِ ْشر إال‬ ‫وقد استكمل نســخها وهو في اثني عشــر جزءا‪ ،‬فوجد نقطة حبر على بعض‬ ‫الكراريس فقال‪) :‬سرقت هذه( قال‪) :‬سماني سارق العلم(«)‪.(١‬‬ ‫فترى أن صاحب الكتاب لم يعنف ناقله بأنه نقله بدون إذنه‪ ،‬وإنما قال له‬ ‫مداعبا‪) :‬ســرقت هذه(‪ ،‬فأجابه بقوله‪) :‬سماني ســارق العلم(‪ .‬يعني أن هذا‬ ‫وصف حميد‪ ،‬وليس هو مما يذم‪ ،‬وقد كانت لفعله هذا عاقبة حسنة‪ ،‬فإن الإمام‬ ‫أبا غانم ‪ 5‬أودع كتابه هذا مكتبة المعصومة بتيهرت‪ ،‬وعندما أتلف الغازون‬ ‫تلك المكتبة تلف هذا الكتاب فيما تلف من ذخائر العلم التي كانت تحتويها‬ ‫تلك المكتبة‪ ،‬ولم تبق إال النسخة التي نسخها عمروس ‪ ، 5‬وكانت هي الأم‬ ‫لما نقل عنها من نسخ)‪.(٢‬‬ ‫وما أجدر حملــة العلم الشــريف أن يترفعوا عن المطامــع فيما يؤلفون‬ ‫وينشــرون أو يقولون ويخطبــون‪ ،‬وأن ال يريدوا بذلك إال إصــلاح الناس‪،‬‬ ‫وتبصيرهم بمسالك الحق‪ ،‬وردهم إلى االله تعالى اضطلاعا بمهمة وراثة النبوة‪،‬‬ ‫)‪ (١‬البدر الشماخي‪ :‬السير‪ ،‬ص ‪ ،٢٢٨‬المطبعة البارونية‪ .‬القاهرة‪ .‬مصر‪١٣٠١ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪٩٧‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬في طلب العلم ونشره‬ ‫وقياما بحق الدعوة‪ ،‬ونشرا لتعاليم الإســلام بين الناس‪ ،‬فإن العلم هو أساس‬ ‫الصلاح والإصلاح‪ ،‬وبنشره يســتقيم شــأن الأمة‪ ،‬وينجبر كسرها ويستوسق‬ ‫أمرها‪ ،‬فقد وجدنا دعاة الإصلاح والرشــد يتطلعون إلى فئة تقوم بهذا الأمر‪،‬‬ ‫ال يعنيها إال رضى االله ‪ ، 4‬مــن غير التفات إلى زخرف الحيــاة الدنيا‪ ،‬فهذا‬ ‫الإمام الرباني المحقق الخليلي ‪ ƒ‬ـ عندما كان يفتح عينيه فيرى ليلا موحشا‬ ‫من الجهل والظلم والفســاد‪ ،‬وكان يتطلــع إلى فجر مشــرق بالعلم والعدل‬ ‫والصلاح والإصلاح يبزغ بطلعة شبيبة صالحة همها إقامة دين االله تعالى ـ صاغ‬ ‫أمانيه هذه في قالب شعري رصين‪ ،‬وصف فيه الشبيبة المنشودة بما وصفها به‬ ‫من صفات الزكاء وطهارة النفس وسموها‪ ،‬وترفعها عن حطام الدنيا‪ ،‬وكان مما‬ ‫قاله في ذلك‪:‬‬ ‫أال تنجلي يا ليل عن صبح فتية‬ ‫تظاهر أنــواع المعالــي عليهم‬ ‫يوشــع‬ ‫كرام بهم قد رد للعدل‬ ‫ُ‬ ‫ترفع‬ ‫الجلالــي‬ ‫وألويــة العــز‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أشداء يوم البأس في حومة الوغى‬ ‫تقطع‬ ‫ذوو رحموت بينهــم ال‬ ‫ُ‬ ‫مطمع‬ ‫وما لهم في غيــر ذلك‬ ‫ُ‬ ‫قد انتبدوا في نصرة االله فأعتلت‬ ‫تسطع‬ ‫بهم غرر الدين الحنيفي‬ ‫ُ‬ ‫لربهــم قــد اخبتــوا وتضرعوا‬ ‫شــراة لدين االله بيعت نفوسهم‬ ‫وجوه هدى شم الأنوف مشايخ‬ ‫مخابيــت أحبار ٍ رواســي تبتل ٍ‬ ‫بهم تشرق الدنيا ويستوسق العلا‬ ‫موضع‬ ‫نحورهم للحلم والعلم‬ ‫ُ‬ ‫وتستمطر الأنواء والغوث أجمع‬ ‫كأن مثانــي ذكرهــم في تهجد‬ ‫مزاميــر داود بها قد تســجعوا‬ ‫كأن بهم من نشــوة أذن عاشق‬ ‫ممنع‬ ‫تتوق لما يشــدوا حبيب‬ ‫ُ‬ ‫تتخلع‬ ‫وأوصالهــم من خيفــة‬ ‫ُ‬ ‫كأن الثكالــى منهم فــي نياحةٍ‬ ‫كأن حطام الأرض من لحم ميتةٍ‬ ‫فهم عنه في عليائهم قد ترفعوا‬ ‫كأن من الشهد المصفى لقاءهم‬ ‫لســيدهم يوم ًا ألحوا وأسرعوا‬ ‫‪٩٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫كأن المنايــا منيــ ًة لقلوبهــم‬ ‫فما كاد يثنى القوم بالحتف مصرع‬ ‫تراهــم إذا ما كان يــوم كريهة‬ ‫شرى بالمرهفات تدرعوا‬ ‫أسود‬ ‫ً‬ ‫مروع‬ ‫وغى فيها الشجاع‬ ‫بروق‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫أساطين في يوم اللقا ال تهولهم‬ ‫يخوضون دأماء المنايا بواسم ًا‬ ‫قد اطّ رحوا لبــس الدروع كأنها‬ ‫رتع‬ ‫كأنهــم في جنــة الخلــد ُ‬ ‫أدرع‬ ‫لهم من زكيات المناصب‬ ‫ُ‬ ‫فانظر كيف وصفهم بأنهم ينظرون إلى حطام الأرض نظرتهم إلى جيفة‬ ‫عفنة‪ ،‬فهم يترفعون عنها إباء وشــمما‪ ،‬وقد ســلك هذا المســلك تلميذه‬ ‫العملاق العلامة أبو مســلم ‪ 5‬في دعوته الأمة إلى الصلاح والإصلاح‪،‬‬ ‫ووصفه رواد ذلك والســعاة إليه بما وصفهم به من العــزوف عن الدنيا‪،‬‬ ‫ورغبتهم في الدار الآخرة‪ ،‬وبيعهم نفوســهم رخيصة في سبيل االله تعالى‪،‬‬ ‫وكان مما قاله في ذلك‪:‬‬ ‫إن يشرف الناس في الدنيا بثروتهم‬ ‫فثــروة القوم إخــلاص وإيقان‬ ‫الله مــا جمعــوا الله مــا تركــوا‬ ‫الله إن قربــوا الله إن بانــوا‬ ‫أزكى الصنيعين ما كان الهدى معه‬ ‫لديهم وله في الحــق رجحان‬ ‫تراهم في ضمير الليل صيرهم‬ ‫مثل الخياالت تســبيح وقرآن‬ ‫ثم قال‪:‬‬ ‫لم تلههم زهرة الدنيا وزخرفها‬ ‫إذ همهم صالــح يتلوه رضوان‬ ‫باعــوا بباقية الرضــوان فانيهم‬ ‫كأن لــذة هــذا العيــش أوثان‬ ‫وقف على السنة البيضاء سعيهم‬ ‫وفي الجهادين إن عزوا وان هانوا‬ ‫ما زايلت خطوة المختار خطوتهم‬ ‫وال ثنى عزمهم نفس وشيطان‬ ‫فجاهدوا واستقاموا في طريقته‬ ‫عزومهم لصــروح الدين أركان‬ ‫وســلطوا بحــدود االله حكمهم‬ ‫حتى استقام لحكم االله سلطان‬ ‫‪٩٩‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬في طلب العلم ونشره‬ ‫إلى أن قال‪:‬‬ ‫في الذب عن حرمات االله شأنهم‬ ‫ال شــأن دنياهم نيــل وحرمان‬ ‫رضوا ببلغة محياهم على حذر‬ ‫منهــا كأنهــم بالبلغــة اختانوا‬ ‫سيما التعفف تكسوهم جلال غنى‬ ‫فالقلب في شبع والبطن خمصان‬ ‫سمت الملوك وهدى الأنبياء على‬ ‫أخلاقهم فــكأن الفقــر تيجان‬ ‫تمثلت لهم الدنيــا فما جهلوا‬ ‫حقيقة الأمــر أن العيش ثعبان‬ ‫جازوا الجسور خفاف الحاذ وقرهم‬ ‫زهد وخوف وإصبار وشــكران‬ ‫فاز المخفون من دار الغرور فلا‬ ‫خوف عليهم وال بالقوم أحزان‬ ‫مضــوا وآثارهم نــور وذكرهم‬ ‫رحمى ومضجعهم روح وريحان‬ ‫وقد أبدع أمير البيان الشــاعر الخليلي عندما وصف حامل الشــريعة بما‬ ‫يجب أن يكون عليه من أوصاف‪ ،‬وكان مما وصفه به قوله‪:‬‬ ‫ال ينظــر الدنيا بعيــن الطامع‬ ‫وال يدانيهــا بقلــب خاشــع‬ ‫وال يهــون لعزيــز فيهــا‬ ‫لــو أنــه عــز علــى أهليهــا‬ ‫ترفعــت عــن الحطام نفســه‬ ‫فلــم يرعــه ســعده ونحســه‬ ‫وعليه؛ فكم نتمنى أن يتحلى جميع حملة الشــريعة بهذه الأوصاف‪ ،‬وأن‬ ‫يجعلوا معارفهم ينابيع متدفقــة يردها كل الناس ليرووا بهــا غلتهم من غير‬ ‫احتكار لشيء منها‪ ،‬حتى يعم الخير عندما ينهل كل أحد من هذه المناهل بيسر‬ ‫ال تســدهم عنها حواجز تحول بينهم وبين االنتفاع بها‪ ،‬فبهذا ينتشــر العلم‬ ‫ويتسلســل في كل الأجيال يحمله الخلف عن الســلف‪ ،‬كما قال النبي ژ ‪:‬‬ ‫»يحمل هذا العلــم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريــف الغالين وانتحال‬ ‫المبطلين وتأويل الجاهلين«)‪ ،(١‬وقد أمر النبي ژ بنقل العلم إلى من لم يكن‬ ‫الرحمن العذري‪ :‬أخرجه البيهقي )‪ ،٢٠٩/١٠‬رقم ‪ ،(٢٠٧٠٠‬وابن عساكر‬ ‫)‪ (١‬من طريق إبراهيم بن عبد‬ ‫ٰ‬ ‫)‪ (٣٨/٧‬وأخرجه أيضا‪ :‬العقيلي )‪ ،٢٥٦/٤‬ترجمة ‪ ١٨٥٤‬معان بن رفاعة السلامي(‪ .‬ومن طريق‬ ‫‪١٠٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫عنده‪ ،‬فقد قال‪» :‬نضر االله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها ثم أداها إلى من لم‬ ‫يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه«)‪ ،(١‬وقال‪:‬‬ ‫»بلغوا عنى ولو آية«)‪ ،(٢‬وكيف يتحقق البــلاغ عندما توضع الحواجز ويحجر‬ ‫على الإنسان أن ينقل ما يجده من العلم مدونا‪ ،‬ويحجر عليه حتى تصويره؟!‬ ‫واالله المستعان‪.‬‬ ‫الرحمن العذري‪ :‬أخرجه البيهقي )‪ ،٢٠٩/١٠‬رقم ‪ ،(٢٠٧٠١‬وابن عساكر )‪،(٣٨/٧‬‬ ‫إبراهيم بن عبد‬ ‫ٰ‬ ‫الرحمن( البن عدي‪ .‬ومن طريق‬ ‫وعزاه الحافظ في اللسان )‪ ،٧٧/١‬ترجمة ‪ ٢١٠‬إبراهيم بن عبد‬ ‫ٰ‬ ‫أسامة‪ :‬أخرجه ابن عساكر )‪ .(٣٩/٧‬ومن طريق أنس‪ :‬أخرجه ابن عساكر )‪ .(٢٢٥/٥٤‬ومن طريق‬ ‫ابن عمر‪ :‬أخرجه الديلمي )‪ ،٥٣٧/٥‬رقم ‪ .(٩٠١٢‬ومن طريق أبي أمامة‪ :‬أخرجه العقيلي )‪.(٩/١‬‬ ‫)‪ (١‬من طريق جبير بن مطعم‪ :‬أخرجه أحمــد )‪ ،٨٠/٤‬رقم ‪ ،(١٦٧٨٤‬والدارمي )‪ ،٨٦/١‬رقم ‪،(٢٢٨‬‬ ‫وأبو يعلى )‪ ،٤٠٨/١٣‬رقم ‪ ،(٧٤١٣‬والطبراني )‪ ،١٢٦/٢‬رقم ‪ ،(١٥٤١‬والحاكم )‪ ،١٦٢/١‬رقم ‪(٢٩٤‬‬ ‫وقال‪ :‬صحيح على شــرط الشــيخين‪ .‬ومن طريق زيد بن ثابت‪ :‬أخرجه أبــو داود )‪،٣٢٢/٣‬‬ ‫رقم ‪ ،(٣٦٦٠‬وابــن ماجه )‪ ،٨٤/١‬رقم ‪ ،(٢٣٠‬والطبرانــي )‪ ،١٥٤/٥‬رقم ‪ .(٤٩٢٥‬ومن طريق ابن‬ ‫مسعود‪ :‬أخرجه الترمذي )‪ ،٣٤/٥‬رقم ‪ ،(٢٦٥٨‬وابن ماجه )‪ ،٨٥/١‬رقم ‪ .(٢٣٢‬والحميدي )‪،٤٧/١‬‬ ‫رقم ‪ .(٨٨‬ومن طريق أبي الدرداء‪ :‬أخرجه الدارمي )‪ ،٨٧/١‬رقم ‪ .(٢٣٠‬ومن طريق أبي قرصافة‪:‬‬ ‫الطبراني في الأوسط )‪ ،٢٥٦/٣‬رقم ‪ .(٣٠٧٢‬وفي الصغير )‪ ،١٨٩/١‬رقم ‪ .(٣٠٠‬ومن طريق جابر‪:‬‬ ‫أخرجه الطبراني في الأوسط )‪ ،٢٧٢/٥‬رقم ‪.(٥٢٩٢‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجــه أحمــد )‪ ،١٥٩/٢‬رقم ‪ ،(٦٤٨٦‬والبخــاري )‪ ،١٢٧٥/٣‬رقم ‪ ،(٣٢٧٤‬والترمذي )‪،٤٠/٥‬‬ ‫رقم ‪ (٢٦٦٩‬وقال‪ :‬حســن صحيح‪ .‬وابن حبان )‪ ،١٤٩/١٤‬رقم ‪ .(٦٢٥٦‬وأخرجه أيضا‪ :‬الدارمي‬ ‫)‪ ،١٤٥/١‬رقم ‪ ،(٥٤٢‬والقضاعي )‪ ،٣٨٧/١‬رقم ‪ ،(٦٦٢‬والديلمي )‪ ،٩/٢‬رقم ‪.(٢٠٨١‬‬ ‫‪١٠١‬‬ ‫ا "!ر ا _‬ ‫‪ 7‬ا لا‪4‬ت اال‪ 'I‬و<ء الأ‪B‬ة ا  "‬ ‫ما أحوج الإنسان إلى العلاقات االجتماعية الحسنة‪ ،‬التي تشد الإنسان‬ ‫إلى غيره من بني جنســه‪ ،‬على أســاس متين من تقــوى االله تعالى واتباع‬ ‫وصاياه‪ ،‬وأســاس النجاح في هذه العلاقــات العفة والترفــع عن الرذيلة‬ ‫والفحشاء‪ ،‬فإن الإنسان لم يخلق هملا ولم يترك سدى يلهو ويلعب ويرتع‬ ‫كما يهوى‪ ،‬وإنما خلق ليضطلع بأمانة وينوء بتكاليف ويسير على هدى في‬ ‫كل ما يأتي وما يذر‪.‬‬ ‫وبما أن الإسلام هو دين الفطرة‪ ،‬فإن أحكامه وتعاليمه جميعا قائمة على‬ ‫المحافظة على الفطرة الزكية وتهذيبها وتخليصها وتنقيتها مما عسى أن يشوبها‬ ‫من شــوائب الهوى‪ ،‬فلذلك يبني العلاقات كلها على العفة والطهارة‪ ،‬فإن االله‬ ‫يحب المطهرين‪ ،‬طهارة الظاهر والباطن والروح والجسم والحس والمشاعر‪،‬‬ ‫فلذلك شرع أحكاما شتى تتعلق بهذه الجوانب‪.‬‬ ‫اال‪`aB‬ان أ‪ _.‬و‪:B‬‬ ‫مما شرع لأجل هذا االستئذان‪ ،‬فليس لإنسان أيا كان أن يندفع إلى مسكن‬ ‫غيره أو يرسل نظره إلى ما بداخله من غير استئذان؛ حتى تطمئن القلوب وتهدأ‬ ‫النفوس وتصان المشاعر والأحاسيس من أن تشاب بشائبة مما يكدر صفوها‪،‬‬ ‫وهو ينقسم إلى نوعين‪:‬‬ ‫‪١٠٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫النوع الأول‪ :‬االستئذان العام‬ ‫الذي يشــمل عموم طبقات النــاس على اختــلاف أحوالهــم‪ ،‬فإن هذا‬ ‫االستئذان ال يتقيد بوقت وال بحالة‪ ،‬فهو مطلوب من الصغير والكبير والذكر‬ ‫والأنثى في جميع الأحوال‪ ،‬وهو الذي يعنيه قوله تعالى‪Ä Ã Â Á ﴿ :‬‬ ‫‪Ñ Ð Ï ÎÍ Ì Ë Ê É È Ç Æ Å‬‬ ‫‪- , +* ) ( ' & % $ # " ! ❁ Ó Ò‬‬ ‫‪ ﴾ 9 8 7 6 54 3 2 10 / .‬النــور‪ ٢٧ :‬ـ ‪ ،٢٨‬فليس‬ ‫لأحد أن يغشى بيت غيره ولو كان جاره أو قريبه أو صديقه وحميمه إال بهذا‬ ‫االستئذان الشرعي الذي يترتب عليه االستئناس‪ ،‬لأن الدخول بدونه ال يتبعه‬ ‫إال االستيحاش سواء من الداخل أو المدخول عليه‪.‬‬ ‫أما الداخل‪ :‬فإن الشعور بالوحشة يسري في نفسه بإحساسه أنه آذى وأزعج‬ ‫أهل الدار‪ ،‬بدخوله عليهم واطلاعه بدون إذنهم على ما يحرصون على ســتره‬ ‫عن الأعين‪ ،‬فإن للبيوت عورات يجب أن تستر وتصان‪.‬‬ ‫وأما المدخول عليه‪ :‬فإن الوحشــة تســري في نفســه بهــذا الدخول‬ ‫المفاجئ‪ ،‬وكثيرا ما ينحرج باطلاع الداخل على ما يخبئه من أسراره بيته‬ ‫وخصوصيات أسرته‪.‬‬ ‫النوع الثاني‪ :‬االستئذان الخاص‬ ‫وهو الذي يستأذنه أطفال أهل البيت والذين ملكت أيمانهم‪ ،‬فإن هؤالء‬ ‫ــامح ـ لأجل الضــرورة ـ أن يدخلــوا البيوت التي يتربــى فيها هؤالء‬ ‫ُي َت َس َ‬ ‫الأطفال‪ ،‬ويقوم فيها المماليك بخدمة أصحابها ولو لم يستأذنوا إال في ثلاثة‬ ‫أوقات يشرع لهم االســتئذان فيها لأن دخولهم بدونه كثيرا ما تكون عاقبته‬ ‫حسرة وندامة‪ ،‬بسبب ما قد يترتب عليه من اكتشاف العورات واالطلاع على‬ ‫الأســرار الخفية بين الأزواج في البيوت‪ ،‬وقد بين االله تعالى ذلك في قوله‪:‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٠٣‬‬ ‫﴿| } ~ ے ¡ ‪© ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫‪1⁄4 »o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 2 ± ° ̄ ® ¬ «a‬‬ ‫1⁄2 3⁄4¿ ‪Ê É È Ç ÆÅ Ä Ã Â Á À‬‬ ‫‪ ﴾ Õ Ô Ó ÒÑ Ð Ï Î Í ÌË‬النور‪ ،٥٨ :‬وفي هذه الأوقات‬ ‫الثلاثة ال يســوغ لملك اليمين الدخول علــى الملاك أصحــاب البيوت إال‬ ‫باالستئذان الشرعي‪ ،‬وكذلك الأطفال يجب أن يلتزموا االستئذان فيها من حين‬ ‫تفتح مداركهم واستيعابها لهذا الواجب ا ُ‬ ‫لأ ْسري‪.‬‬ ‫وقد يتساهل بعض الناس في أمر االستئذان بسبب علاقة القربى أو غيرها‬ ‫من العلاقات‪ ،‬أو إن كان الداخل من الخدم الذين يقومون بأعمال البيوت‪ ،‬وهذه‬ ‫مخالفة لشــرع االله تعالى الذي فرض االســتئذان من أجل الطهر‪ ،‬طهر النفوس‬ ‫والبيوت والأحاسيس والمشاعر‪ ،‬وقد بين النبي ژ أن االستئذان إنما شرع من‬ ‫أجل حفظ البصر‪ ،‬كما ثبت عن النبي ژ في قوله‪» :‬إنما جعل االستئذان من أجل‬ ‫البصر«)‪ ،(١‬وبهذا يتبين أن من اســتأذن وهو مقابل لباب البيت فحكمه كمن لم‬ ‫يستأذن إذ قد يســبق بصره فيطلع من عورات البيوت على ما يحرص أصحابها‬ ‫على ستره‪ ،‬ولأجل هذا تسقط حرمة من فعل هذا‪ ،‬إذ ال فرق بينه وبين من اقتحم‬ ‫البيت بدون اســتئذان‪ ،‬فلو رماه صاحب البيت بشيء وأصاب منه ما أصاب لم‬ ‫يحاسب على ذلك كما هو واضح في حديث سهل بن سعد‪ :‬أن رجلا اطلع من‬ ‫جحر في دار النبي ژ ‪ ،‬والنبي ژ يحك رأسه بالمدرى فقال‪» :‬لو علمت أنك‬ ‫تنظر‪ ،‬لطعنت بها في عينك‪ ،‬إنما جعل الإذن من قبل الأبصار«)‪.(٢‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،٣٦٨/٥‬رقم ‪ (٢٣١٧٦‬قال الهيثمــي )‪ :(٤٣/١‬رجاله كلهم ثقات أئمة‪ .‬وأخرجه‬ ‫أيضا‪ :‬البخاري في الأدب )‪ ،٣٧٢/١‬رقم ‪ ،(١٠٨٤‬وأبو داود )‪ ،٣٤٥/٤‬رقم ‪ ،(٥١٧٧‬والنسائي في‬ ‫الكبرى )‪ ،٨٧/٦‬رقم ‪.(١٠١٤٨‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه والبخــاري )‪ ،١٦٤/٧‬رقم ‪ (٥٩٢٤‬ومثله بلفظ آخر عند أحمــد )‪ ،٣٣٠/٥‬رقم ‪،(٢٢٨٥٤‬‬ ‫ومسلم )‪ ،١٦٩٨/٣‬رقم ‪ ،(٢١٥٦‬والترمذي )‪ ،٦٤/٥‬رقم ‪ ،(٢٧٠٩‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬ ‫‪١٠٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ومن آداب االستئذان أن ال يلح المســتأذن على الدخول فإن لم يؤذن له‬ ‫فليرجع‪ ،‬كما ثبت في الحديــث الذي رواه أبو موســى وأبي بن كعب وأبو‬ ‫سعيد @ أن النبي ژ قال‪» :‬االستئذان ثلاثة فإن أذن لك وإال فارجع«)‪.(١‬‬ ‫وهذا مما يجب على الناس أن يكيفوا وفقه تعاملهم فيما بينهم وأن يحملوا‬ ‫على ذلك أوالدهم في تربيتهم على الآداب الشرعية‪ ،‬وجميع الآداب المألوفة‬ ‫المخالفة لهذه التعاليم يجب تجنبها‪.‬‬ ‫اال‪J‬از ‪ $‬ا !ة ‪ $‬ا أة وا ‪ $ 0I‬أ‪ 3-‬ا ?ورات‪:‬‬ ‫ومن أهم الآداب االجتماعية التي تصون الأسر من المشكلات وتحفظها‬ ‫من أســباب التداعي والتفكك رعاية الحرمات بين الذكــور والإناث‪ ،‬وعدم‬ ‫التساهل تعللا بعلاقة نســب أو صهر‪ ،‬لأن الجاذب الفطري في كل من الذكر‬ ‫والأنثى نحو الآخر جاذب قوي‪ ،‬كثيرا ما يتوســل به الشيطان فيتوصل به إلى‬ ‫إشاعة الفحشاء وإسقاط النفوس في الرذائل وتجريدها مما قد تكون من قبل‬ ‫مصونة به من العفة والفضيلة فعن ابن عباس ^ قال سمعت النبي ژ يقول‪:‬‬ ‫»ال يخلون رجل بامرأة إال ومعها ذو محرم«)‪ ،(٢‬وقد بين ژ علة هذا النهي فيما‬ ‫ثبت عن عمر ‪ ƒ‬أنه ژ قــال‪» :‬أال ال يخلون رجل بامــرأة إال كان ثالثهما‬ ‫الشيطان«)‪ ،(٣‬فإن الشيطان يغري النفوس باتباع الشهوات فينسى كل من الرجل‬ ‫)‪ (١‬حديث أبي موســى وأبي ســعيد‪ :‬أخرجه مســلم )‪ ،١٦٩٥/٣‬رقم ‪ ،(٢١٥٣‬والترمذي )‪،٥٣/٥‬‬ ‫رقم ‪ (٢٦٩٠‬وقال‪ :‬حسن‪ .‬ومالك )‪ ،٩٦٣/٢‬رقم ‪ ،(١٧٣٠‬وحديث أبي بن كعب‪ :‬أخرجه مسلم‬ ‫)‪ ،١٦٩٦/٣‬رقم ‪.(٢١٥٤‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الطبراني )‪ ،٤٢٥/١١‬رقم ‪ ،(١٢٢٠٥‬والبيهقي في شــعب الإيمان )‪ ،٣٦٨/٤‬رقم ‪،(٥٤٣٨‬‬ ‫والبخاري )‪ ،١٠٩٤/٣‬رقم ‪ ،(٢٨٤٤‬ومسلم )‪ ،٩٧٨/٢‬رقم ‪.(١٣٤١‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه الشافعي )‪ ،(٢٤٤/١‬والطيالسي )ص ‪ ،٧‬رقم ‪ ،(٣١‬والحميدي )‪ ،١٩/١‬رقم ‪ ،(٣٢‬وأحمد‬ ‫)‪ ،١٨/١‬رقم ‪ ،(١١٤‬والحارث كما بغية الباحث )‪ ،٦٣٥/٢‬رقم ‪ ،(٦٠٧‬وعبد بن حميد )ص ‪،٣٧‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٣‬والترمذي )‪ ،٤٦٥/٤‬رقم ‪ (٢١٦٥‬وقال‪ :‬حســن صحيح غريــب‪ .‬وأبو يعلى )‪،١٣١/١‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٠٥‬‬ ‫والمرأة ربه سبحانه والدار الآخرة‪ ،‬وما أعد االله تعالى فيها لمن أطاعه من النعيم‬ ‫المقيم ولمن عصاه من عذاب الجحيم‪.‬‬ ‫وقد بين ژ خطر دخول الرجل على المرأة ولو كان يمت إليها بصلة‬ ‫فعن عقبة بن عامر ‪ ƒ‬أن رسول االله ژ قال‪» :‬إياكم والدخول على النساء«‬ ‫قيل‪ :‬أفرأيت الحمو؟ قال‪» :‬الحمو المــوت«)‪ ،(١‬وناهيك بهذا تحذيرا بالغا‬ ‫وإنذارا شديدا بخطر دخول الرجل على المرأة وإن كانت بينه وبينها صلة‬ ‫إن لم يكن لها محرما‪ ،‬فقد شبه الرسول ژ حما المرأة ـ وهو أخو زوجها ـ‬ ‫بالموت إذا دخل عليها لخطورة دخوله عليه وعليها‪ ،‬فقد ينســيه الشيطان‬ ‫ما يجب عليه من رعاية حرمة أخيه في أهله عندما تغلبه شــهوته‪ ،‬وكذلك‬ ‫ينســيها ما يجب عليها من حفظ زوجها في نفســها وماله إن غاب عنها‪،‬‬ ‫فتقود كل واحد منهما شهوته إلى هتك هذا الحمى المحظور‪ ،‬وإلى الوقوع‬ ‫في هذه القذارة الشهوانية‪.‬‬ ‫ومثل ذلك إن كانت أخت امرأته أو بنت عمه أو بنت عمته أو بنت خاله أو‬ ‫بنت خالته أو حليلة عمه أو خاله أو بنت أخي امرأتــه أو أختها‪ ،‬فكم اطلعنا‬ ‫على دواهي دهياء وقع فيها الناس بسبب هذا التساهل وعدم المباالة بما فرض‬ ‫الإسلام من آداب وقيود أخلاقية في التعامل بين الأسر‪.‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٤١‬وابن حبان )‪ ،٢٣٩/١٦‬رقم ‪ ،(٧٢٥٤‬والدارقطني في العلل )‪ ،٦٥/٢‬رقم ‪ ،(١١١‬والحاكم‬ ‫)‪ ،١٩٧/١‬رقم ‪ (٣٨٧‬وقال‪ :‬صحيح على شــرط الشــيخين‪ .‬والبيهقــي )‪ ،٩١/٧‬رقم ‪.(١٣٢٩٩‬‬ ‫وأخرجه أيضا‪ :‬النسائي في الكبرى )‪ ،٣٨٨/٥‬رقم ‪..(٩٢٢٥‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،١٥٣/٤‬رقم ‪ ،(١٧٤٣٤‬والبخاري )‪ ،٢٠٠٥/٥‬رقم ‪ ،(٤٩٣٤‬ومســلم )‪،١٧١١/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢١٧٢‬والترمذي )‪ ،٤٧٤/٣‬رقم ‪ (١١٧١‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وأخرجه أيضا‪ :‬النسائي في‬ ‫الكبرى )‪ ،٣٨٦/٥‬رقم ‪ ،(٩٢١٦‬وابن أبي شــيبة )‪ ،٤٨/٤‬رقم ‪ ،(١٧٦٥٩‬والطبراني )‪،٢٧٧/١٧‬‬ ‫رقم ‪ ،(٧٦٢‬والبيهقي في السنن الكبرى )‪ ،٩٠/٧‬رقم ‪ ،(١٣٢٩٦‬وفي شعب الإيمان )‪،٣٦٨/٤‬‬ ‫رقم ‪.(٥٤٣٧‬‬ ‫‪١٠٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ومما نجم ـ من الشر المستطير أخيرا ـ التواصل عبر وسائل االتصال بين‬ ‫الجنســين الذي يبدأ بادئ ذي بدء اتصاال بريئا ال يشاب بما يدنسه فلا يلبث‬ ‫الشيطان أن يجر كل واحد من الجنسين إلى الشغف بالجنس الآخر‪ ،‬وقد يخيل‬ ‫إليهما أو إلى أحدهمــا أن الدافع إليه حب الخير والتعاون على نشــر الدعوة‬ ‫الإســلامية‪ ،‬وتبادل الخبــرات بين الطرفيــن‪ ،‬فلا تلبث الشــهوات الجامحة‬ ‫هون التقارب بين الجانبين خطوة منه وخطوة منها‪ ،‬إلى‬ ‫والنزوات الطائشة أن ُت ‪‬‬ ‫أن يقعا في دركات الرذيلة والعياذ باالله‪.‬‬ ‫وقد تبدأ الفكرة بالرغبة في التعارف من أجل بناء علاقة زوجية مقدســة‪،‬‬ ‫وإذا بهما ُي ْس َت ْد َر َجان شيئا فشيئا حتى يتورطا ورطة ال يجدان المخلص منها‪،‬‬ ‫وقد يبدي الرجل مع المرأة حديثا عفيفا وهو يخفي وراء شــخصيته الصالحة‬ ‫الظاهرة‪ ،‬شخصية ذئب مفترس ال هم له إال أن يفري بأنيابه عفة المرأة ويدنس‬ ‫بقذارته طهرها‪ ،‬وقد يدفع ذلك به إلى أن يلقى الموت الزؤام في سبيل شهوة‬ ‫النفس وهواها‪ ،‬كما قال إمامنا السالمي ‪: 5‬‬ ‫وفتنــة النــاس علــى الأزمان‬ ‫أكثرهــا من شــهوة النســوان‬ ‫فكــم صريــع للغوانــي قتلا‬ ‫وكان بالنفــس شــحيحا أبخلا‬ ‫تـــقـــوده شــهــوتــه فيطمع‬ ‫في امــرأة وهو عليهــا يصرع‬ ‫يا عجبــا مــن هــذه الأحوال‬ ‫أيــن العقول معشــر الرجال؟!‬ ‫وهي أيضا قد تخسر حياتها مع خسرانها لأعز ما تملكه في هذه الحياة من‬ ‫العفة والطهارة والسمعة الطيبة‪.‬‬ ‫وبجانب هذا؛ فإن تفنن المرأة فيما يغري الرجل على الفحشاء له دور كبير‬ ‫في إيقاد هذه الفتنة المستعرة‪ ،‬وما أحسن ما قاله في هذا الداعية الكبير الشيخ‬ ‫العلامة محمد متولي شعراوي عندما وجه خطابه للمرأة المسلمة التي قلدت‬ ‫نساء الغرب في أزيائها ومظاهرها‪ ،‬وبين عاقبة هذا كله في قوله‪:‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫قصــرت أكمام ًا وشــلت ذيوال‬ ‫هلا رحمت إهابــك المصقوال‬ ‫أسئمت من برد الشتاء سجونه؟‬ ‫فطلبت تحرير المصيف عجوال‬ ‫وخطــرت تحت غلالة شــفافة‬ ‫في فتنة تــدع الحليــم جهوال‬ ‫محبوكة لصقت بجســم مشرق‬ ‫دفعتــه فورتــه فبــان فصــوال‬ ‫هل قصر الخدان في صرعاهما‬ ‫أم كان طرفك في الطعان كسوال؟‬ ‫حتى استعنت على القلوب بمغمد‬ ‫وجعلت جســمك كله مسلوال‬ ‫ألححت في عرض الجمال وغرك الـ‬ ‫من نال منك رض ًا فأنت ملاكه‬ ‫لمــا أســمعوك فضوال‬ ‫أغــرار ّ‬ ‫ومن انتهرت قسا فكان عذوال‬ ‫صوني قداسة ما وهبت وحاذري‬ ‫أن تبتغــي بعد الهــوي حلوال‬ ‫واسمي بعرضك فالمضلل فورة‬ ‫وإن اهتدى عبثــا يضل وصوال‬ ‫شــاهدت ضليلا يطــارد غادة‬ ‫فنهرتــه حنقــا فقــال خجوال‬ ‫أبغــي البناء بها فقلــت مداعبا‬ ‫هل كان بــاب وليهــا مقفوال‬ ‫فرنا ولم يرها فجــن وقال لي‬ ‫أبعثــت فينــا يا غيور رســوال‬ ‫لم يبق لــي أرب فما يضطرني‬ ‫حتى أكــون مكلفا مســؤوال؟‬ ‫قــل للفتــاة الغــر هــذا حبه‬ ‫إن بــان ملتاعــا وذاب ميــوال‬ ‫يلقاك كالحمــل الوديع مضللا‬ ‫فــإذا تمكن منك أمســى غوال‬ ‫‪١٠٧‬‬ ‫وما أحسن هذا التحذير للفتاة المســلمة من االغترار بمظاهر الحضارة‬ ‫الغربية‪ ،‬والتقليد الأعمــى لها‪ ،‬واالنســياق وراء زخرفها‪ ،‬ونســيان القيم‬ ‫والفضائل التي تصون المرأة وفطرتها الزكية‪ ،‬وما أبلغ تحذيره لها من َح َمل‬ ‫ال يلبث أن يتحول إلى غول أغول‪ ،‬فكم لهذا من شاهد بين فيما اطلعنا عليه‬ ‫من واقع الفتيات اللاتي غرر بهن‪ ،‬فكن ضحايا هذا التغرير‪ ،‬فكأين من فتاة‬ ‫غريرة نصب لها شاب طائش أرعن شباكا من كلماته المعسولة الواعدة‪ ،‬التي‬ ‫هي أرق من نسيم السحر‪ ،‬وأهنأ من الماء الفرات‪ ،‬وأطيب من الزهر الفواح‬ ‫‪١٠٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫بروضة غناء باكرها قطر الندى‪ ،‬فــازدادت نضارة وطيبا‪ ،‬حتى أســر قلبها‬ ‫الذائب عندما تخيلته فارس أحلامها الأوحد وبطل آمالها المسدد‪ ،‬فاعتقدت‬ ‫أنها ســتجد عنده نعيمها وخلدها‪ ،‬فما كان منها إال أن أسلســت له قيادها‬ ‫وسلمته نفسها‪ ،‬فإذا به يتحول إلى ذئب مسعور ال يرق لضحيته‪ ،‬وال يزيده‬ ‫تضرعها وبكاؤها إال قسوة وضراوة‪ ،‬إذ ال هم له إال أن ينشب أنيابه ومخالبه‬ ‫في أي ضحية يتمكن منهــا‪ ،‬وإلى أرقم أقــرع لو نفث نفثة من ســمه في‬ ‫محيطات البحار لأودى بكل ما في سطحها وأعماقها‪ ،‬وتحولت إلى بحار‬ ‫ميتة‪ ،‬فغدت تلك الضحية تتقطع ألما وتذوب ندما‪ ،‬والت ساعة مندم‪ ،‬بعدما‬ ‫رزأها في أعــز ما تملك وأغلى ما ‪‬‬ ‫تدخر‪ ،‬ولربما خلف في أحشــائها جنينا‬ ‫يزعجها بما تحســه في صمته وســكونه من أنينه وعويله للمستقبل الأسود‬ ‫الذي ينتظره‪ ،‬فإما حياة كلها تعاسة وشقاء وعنت وبلاء واحتقار وازدراء وإما‬ ‫وأ ٌد في مصحات الإجهاض‪.‬‬ ‫وقد ال يكفيه أن يرزأها عرضها ويدوس شرفها بل قد يرزؤها حياتها‪ ،‬وكل‬ ‫ما عسى أن تملك من مال‪.‬‬ ‫فلست أنسى تلك الفتاة التي ألحت على أن تفضي إلي بسرها‪ ،‬الذي كانت‬ ‫تكنه بيــن حنايا صدرها‪ ،‬وتبثنــي همومها المؤرقة‪ ،‬وتعرض علي مشــكلتها‬ ‫المعقدة المستعصية‪ ،‬ومأساتها البالغة المحزنة‪ ،‬وقد أزاحت الستار عن سرها‬ ‫المعمى التي لم تطلع عليه أقرب قرابتها وأخص خاصتها‪ ،‬وهي أنها تحقق لها‬ ‫حلم أن تجد وظيفة تغدق عليها ريعا سخيا‪ ،‬وكان من بين زملائها شاب مظهره‬ ‫‪‬‬ ‫والو َدا َعة‪ ،‬وهو يحمل بين جنبيه قلب سبع فتاك‪ ،‬فأظهر لها حبا عميقا‬ ‫الط ْي ُب َ‬ ‫وإخلاصا بالغا‪ ،‬وبسط لها من الآمال بساطا نثرت عليه ورود فواحة‪ ،‬فتخيلته‬ ‫أنه أملها الوحيد‪ ،‬حتى نســيت حنــان أبيهــا الحاني ولطف أمهــا الرؤوم‪،‬‬ ‫فاســتدرجها إلى أن رزأها في عفتها وشــرفها‪ ،‬وتبين لها فيما بعد أنه مصاب‬ ‫بمرض فقدان المناعة المكتسب وقد نقل إليها هذا الداء العضال‪ ،‬ولم يكتف‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٠٩‬‬ ‫بهذا بل كانت عرضة لتهديده بأنه ســيفضحها ويقدم ضدها شكوى بأنها هي‬ ‫التي نقلت إليه هذا الداء‪ ،‬إال إن عوضته بمبلغ هائل اضطرت أن تقترضه من‬ ‫مصرف ربوي‪ ،‬فلم تجد إال أن تستكين له وتستجيب لجشعه‪ ،‬إذ المرأة غالبا‬ ‫تكون أسيرة الضعف وعرضة االبتزاز واالحتيال‪ ،‬وظلت غير قادرة على البوح‬ ‫بسرها‪ ،‬وهي تكدح في عملها وكل ما ينتج عنه يلتهم بألسنة النار الموقدة في‬ ‫أتون المعاملة الربوية المشــؤومة‪ ،‬وأهلها يســألونها عن راتبها الشهري الذي‬ ‫كانوا يعلقون عليه آمالهم ويســيل من أجله لعابهــم‪ ،‬وإذا بهم ال يجدون منه‬ ‫شروى نقير‪ ،‬وهي غير قادرة أن تبوح لهم بما يقضقض حيزومها‪ ،‬ويقض عليها‬ ‫مضجعها ويطير بلبها‪ ،‬فقد أصبحت بيــن نيران ملتهبة‪ ،‬فهي لم تعد تطمح أن‬ ‫تكون ربة بيت وأن تسعد بزواج وأمومة‪ ،‬فإن علتها التي نقلها إليها ذلك السبع‬ ‫الكاسر تحول دون ذلك‪ ،‬كما أنها لم تعد تستفيد من عملها شيئا‪ ،‬وال تستطيع‬ ‫أن تفيد به أسرتها‪.‬‬ ‫وطلبت مني المخرج مــن هذه الأزمــة الخانقة وهذه الحفــرة المظلمة‬ ‫المدلهمة‪ ،‬فأشرت إليها أن تتحلى بالشجاعة وأن تواجه ذلك المجرم بالتهديد‬ ‫بأنها قادرة على رفع دعوى ضده إن لم يرد إليها ما رزأها من المال على الأقل‪،‬‬ ‫فأجابتني بأن حاجز القدر يحول دون ذلــك‪ ،‬فقد اخترمه ريب المنون قبل أن‬ ‫تأتيني بعامين‪ ،‬وتحول من حيث يمكن أن يحاسب من المخلوقين إلى حساب‬ ‫من ال تخفى عليه خافية في الأرض وال في الســماء‪ ،‬ليلقــى جزاءه الأوفى‪،‬‬ ‫حيث تجزى كل نفس بما كســبت‪ ،‬فأجبتها أن ال ح ‪‬ل إال بيد االله تعالى الذي‬ ‫يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل‪ ،‬فعليها أن تتوب إليه توبة نصوحا‪،‬‬ ‫وتعقد عزمها أن لو استقبلت من أمرها ما استدبرت لم تقبل على شيء يخالف‬ ‫أمره ونهيه‪.‬‬ ‫وقد عجبت من أحوال ذلك السبع الكاسر كلها‪ ،‬وإن كنت ال أدري من أي‬ ‫أحواله أكون أشد عجبا‪.!!..‬‬ ‫‪١١٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫فكم عجبت من قسوته البالغة وقلبه المتحجر‪ ،‬الذي لم تعرف الرحمة إليه‬ ‫سبيلا‪ ،‬إذ لم يكتف أن يرزأ ضحيته هذه في عرضها وشرفها‪ ،‬وفي حياتها بنقل‬ ‫هذا الداء العضال إليها‪ ،‬وحيلولته دون أن تســتمتع في حياتها بزواج ســعيد‬ ‫وذرية تقر بها عينها‪ ،‬وإنما رزأها بجانب ذلك في جهــد عملها بهذا االبتزاز‬ ‫الذي تركها تكدح فيما تبقى من حياتها من غير أن يعود الكدح إليها بعائد‪.‬‬ ‫هذا؛ بجانب ما خلفه في نفســها مــن هموم ووســاوس تنتابها في ليلها‬ ‫ونهارها‪ ،‬فتؤرق ليلها وتزعج نهارها خشية الفضيحة بين أهلها ومجتمعها‪.‬‬ ‫كما عجبت من كون ذلك المجرم لم يرحم نفسه ولم يفكر قط في مصيره‪،‬‬ ‫فإذا كان الإنسان في صحته ونعمته قد ينســى المنقلب إلى االله لما يبطره من‬ ‫نعمة االله التي تبعد عنه شبح نقمته‪ ،‬فما بالك بهذا الإنسان الذي يرى الموت‬ ‫الزؤام بين ناظريه‪ ،‬وينتظره في غدوه وعشيه بما يسري في جسمه من أثر داء‬ ‫عضال ما له من دواء إال المنون‪ ،‬فكيف لم يرحم نفسه ويتب إلى ربه ويصلح‬ ‫من حياته ما أفسده شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء؟؟! وإنما استمر في تحميل‬ ‫نفسه أوزارا تلو أوزار لو ناءت ببعضها السماوات والأرض لتبددت وهوت إلى‬ ‫غير قرار‪A @ ? > ❁ < ; : 9 8 7 ﴿ !!..‬‬ ‫❁‬ ‫‪S ❁ QP O ❁M L K J ❁H G F E D C‬‬ ‫‪fed❁ba`_❁]\[Z❁XWV❁T‬‬ ‫❁‪{z❁xwvuts❁qponm❁kjih‬‬ ‫| } ~ ے¡ ‪ ﴾ ¤ £ ¢‬االنفطار‪ ٦ :‬ـ ‪.١٩‬‬ ‫وإنما يدل هذا على أن الإنسان عندما يفقد الإيمان يغدو أضرى من السبع‬ ‫الجائع وأقسى من الصلدم الصلد‪ ،‬وال يكاد يفيق من سكرة غروره إال عندما‬ ‫يلقى مصيره المحتوم‪ ،‬والت ساعة مندم‪ ،‬فقد ذكرت لي هذه الضحية المبتزة‬ ‫أن جزارها عندما أحاطت به نذر الموت وكشــر له عن أنيابه العصل‪ ،‬وبدأت‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١١١‬‬ ‫مخالبه تنشــب في أوصاله‪ ،‬اتصل بضحيته طالبا الصفح عنه‪ ،‬ظانا أنه بذلك‬ ‫يمكنه تدارك أمره‪ ،‬وأنى له التدارك ولسان حال القضاء المحتوم يناديه تبكيتا‬ ‫وتقريعــا‪ ﴾ Q P O N M L K﴿ :‬يونــس‪ ،٩١ :‬ونذير‬ ‫الوعيد يهتف به‪< ; : 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0 ﴿ :‬‬ ‫= > ? @ ‪ ﴾ B A‬الأنعام‪ ،١٥٨ :‬كيف وقد كان هذا عندما أبصر العاقبة‬ ‫التي كان في غفلة عنها‪f e d c b a ` _ ^ ] ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ h g‬ق‪٢٢ :‬؟؟‪.‬‬ ‫وكم لهذه القصة من نظائر؛ فما أكثر الذئاب الكاسرة التي تظهر في صور‬ ‫البشــر وتلبس لبوســهم وتتظاهر بعطفهم وحنانهم وطيب مشــاعرهم ونبل‬ ‫شــعورهم‪ ،‬وكم من ضحية في الخفــاء تفريها أنياب هذه الذئــاب؟؟!! ولو‬ ‫تكشــفت هذه الأســتار لأذهلت العقول وحيرت أولي الألبــاب‪ ،‬ولكن وإن‬ ‫عظمت العبرة وجلت الذكرى فهل من معتبر أو مدكر؟! فإن الفتيات يتساوقن‬ ‫إلى حتفهن بهذا الســباق المحموم إلى الوظائف في الميادين المشتركة بين‬ ‫الذكور والإناث‪ ،‬وأولياؤهن يزجون بهن في هذه المخاطر طمعا في لعاعة من‬ ‫الكسب وراء وظائفهن‪ ،‬وال يبالون بالعرض والشرف والغيرة والحمية‪ ،‬وإنما‬ ‫كل ذلك يداس بالأقدام في سبيل تحقيق المنافع الوهمية التي تخدع الطامعين‪.‬‬ ‫ولست بناس ما قرأته قبل ما يقرب من عقدين من السنين في رسالة بعثت‬ ‫بها إلي إحدى الفتيات‪ ،‬تذكــر أن أباها زج بها في عمــل بغابة فيها أكثر من‬ ‫عشــرة من الذئاب المســعورة وهي الأنثى الوحيدة بينهم‪ ،‬وكل واحد منهم‬ ‫يعرض عليها أن يقضي وطره منها‪ ،‬ونفســها الأمارة بالســوء تميل إلى ذلك‬ ‫اســتجابة لداعي الفطرة الملح‪ ،‬ولكنها تكابر النفس والشــيطان‪ ،‬وتقاوم من‬ ‫حولها من الذئاب البشرية التي هي أخطر من الذئاب الحيوانية‪ ،‬وتذكر أنها في‬ ‫أشد الحاجة إلى زوج يعفها‪ ،‬ولكن أباها الجشع المنهوم يأبى أن يزوجها من‬ ‫أجل ما يستأثر به من راتبها‪ ،‬فعجبت من هذه الأبوة التي ال ينتج عنها إال هذه‬ ‫‪١١٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫القسوة‪ ،‬وال تفكير لها في كرامة أو عرض أو شرف!! وإنما حصر تفكيرها في‬ ‫ــلت آنذاك رســالة إلى الآباء عبر الإذاعة المرئية في‬ ‫الطمع الدنيء‪ ،‬وقد ْأر َس ُ‬ ‫برنامج سؤال أهل الذكر‪ ،‬دعوتهم فيها إلى االدكار واالستبصار والشفقة على‬ ‫أفلاذ أكبادهم ورياحين قلوبهم‪ ،‬من الدفع بها إلى أن تكون ضحايا أطماعهم‬ ‫وشهوات هؤالء المسعورين الذين يلزون بها نحوهم‪.‬‬ ‫وأكرر الآن هذه الرسالة عبر هذه الكلمات راجيا أن تصل إلى كل أب وأم بل‬ ‫وإلى كل فتاة‪ ،‬وأن تصل إلى المسؤولين الذين أطالبهم بإلحاح أن يتقوا االله‪ ،‬وأن‬ ‫يعطوا هذه المسؤولية حقها‪ ،‬وأن يفكروا في الحساب العسير بين يدي االله سبحانه‬ ‫والجزاء الأوفى عنده‪ ،‬فلا يدعوا ميادين العمل أو مؤسســات الدراســة غابات‬ ‫الصطياد هذه الضحايا وافتراســهن من قبــل أولئك المتنمريــن‪ ،‬وذلك عندما‬ ‫يجمعون بين النار والوقود‪ ،‬أو بين الظباء والأسود‪ ،‬وأن يؤطروا وظائف الجنسين‬ ‫في الإطار الشــرعي مراعين تعاليم الإسلام‪ ،‬وقيود شــرعه الحنيف فيما يتعلق‬ ‫بالرجل والنساء‪ ،‬سواء في الأعمال أو في مجال التعليم مستبصرين بهدي القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬الذي يطبع أخلاق الرجل وأخلاق المرأة بطابع الفضيلة والعفة والوقار‪،‬‬ ‫فقد أدب االله تعالى الرجال بهذا الأدب الرفيع عندما قال‪P O N ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾^ ] \ [ Z YX W V UT S R Q‬النــور‪،٣٠ :‬‬ ‫ثم عطف العنان على النساء فأحاط عفتهن بحائط سميك من الآداب والفضائل‬ ‫عندما قال‪h g f e d c b a ` ﴿ :‬‬ ‫‪w v u t sr q p o nm l k j i‬‬ ‫‪ ~ } | { zyx‬ے¡ ‪£ ¢‬‬ ‫‪32±° ̄®¬«a© ̈§¦¥¤‬‬ ‫ ́ ‪Á À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶μ‬‬ ‫‪Ñ Ð Ï Î Í ÌË Ê É È Ç Æ Å Ä ÃÂ‬‬ ‫‪ ﴾Ô Ó Ò‬النور‪.٣١ :‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١١٣‬‬ ‫وليس هذا إال تكريما للمرأة وحفاظا على قدرها الرفيع وشــرفها العالي‪،‬‬ ‫ولذلك بدأ االله في هذا بأطهر بيت وأقدسه‪ ،‬وهو بيت النبوة عندما قال‪m ﴿ :‬‬ ‫‪{ z y xw v u t s r q p o n‬‬ ‫| } ~ے ¡ ‪ ﴾¤ £ ¢‬الأحزاب‪ ،٥٩ :‬فقد بدأ االله تعالى في هذا‬ ‫الخطاب بأزواج النبي ژ وثنى ببناته وثلث بنساء المؤمنين‪ ،‬وعلل ذلك بأن في‬ ‫وب ‪‬ي َن في هذا السياق أن هذه التعاليم‬ ‫هذا تجنيبا لهن من أذى السفهاء والأوغاد‪َ ،‬‬ ‫تؤجج سعيرا في قلوب المنافقين‪ ،‬لأنها ال تروق لهم وال تنسجم مع شهواتهم‪،‬‬ ‫إذ أتبع ذلك قوله‪° ̄ ® ¬ « a © ̈ § ﴿ :‬‬ ‫‪¿ 3⁄41⁄2 ❁ » o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 2 ±‬‬ ‫‪Î Í ÌË Ê É È Ç Æ Å ❁ à  Á À‬‬ ‫‪ ﴾ Ñ Ð Ï‬الأحزاب‪ ٦٠ :‬ـ ‪ ،٦٢‬وكفى بهــذا دليلا أن كل من لم ترق له هذه‬ ‫التعاليم الربانية فهو من فريق المنافقين والذين في قلوبهم مرض‪.‬‬ ‫وأنتم تــرون كيف خص االله تعالــى أمهات المؤمنين بفــرض المبالغة في‬ ‫االحتياط عندما يتعاملن مع الرجال ـ مع ما لهن من قدر عند كل مؤمن‪ ،‬إذ كل‬ ‫منهم يغار على حرماتهن ويقدر مكانتهن أكثر مما يكون ذلك في حق أمه التي‬ ‫ولدته تعظيما لمقام النبــي ژ ورعاية لحرماته ـ فقد شــدد االله تعالى خطابهن‬ ‫بقوله‪= < ; : 9 8 76 5 4 3 2 1 ﴿ :‬‬ ‫>?@‪LKJIHGF❁DCBA‬‬ ‫‪Z Y X W VU T S R Q P O NM‬‬ ‫[ \ ] ^ _ ` ﴾ الأحزاب‪ ٣٢ :‬ـ ‪.٣٣‬‬ ‫وإذا كان هــذا الخطــاب في حــق أمهــات المؤمنين وهن فــي مجتمع‬ ‫المهاجرين والأنصار‪ ،‬والذين اتبعوهم بإحســان‪ ،‬الذين كانت تنضح دخائلهم‬ ‫بالتقوى‪ ،‬وتشرق على علانيتهم أنوار الإيمان التي تشع من أعماق سرائرهم‪،‬‬ ‫‪١١٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫فما بالك بسائر النساء في أزمنة شاعت فيها الفحشــاء‪ ،‬ومجتمعات فاح فيها‬ ‫نتنها حتى أزكــم الأنوف ولم يكد يشــم فيها للعفة شــميم‪ ،‬أوال تكون هذه‬ ‫المجتمعات في هذه الأزمنة أولى باالحتياط وعــدم التهاون في عواقب هذه‬ ‫الأمور‪ ،‬والكل يرى بأم عينيه ما نتج عن هذا التهاون من بلاء‪ ،‬وما استشــرى‬ ‫بسببه من داء أصاب طبيعة الإنسانية في الصميم؟؟‪.‬‬ ‫وإنما ألفة الناس للفســاد واالنحراف غيرت طباعهم وعطلت حواسهم‪،‬‬ ‫فأصبحوا يســتطيبون نتن الخبائث‪ ،‬ويعافون طيب الطيبــات كالجعلان التي‬ ‫تستروح وتنتعش بالأرجاس وتنكمش وتموت بشــم العطور‪ ،‬وهذا يعني أن‬ ‫الناس بحاجة إلى دورة تردهم إلى الفطرة التي شــطوا عنها‪ ،‬وترجع بهم إلى‬ ‫المنهج السوي الذي انحرفوا عنه‪.‬‬ ‫وأخطر ما في الأمر هو انقلاب الموازين وانتكاس المقاييس‪ ،‬فقد أصبح‬ ‫المعروف منكرا والمنكر معروفا‪ ،‬والباطل حقا والحق باطلا‪ ،‬لأن الناس يتلون‬ ‫القرآن للتسلي والطرب ال للتدبر والعظة والعرفان‪ ،‬فكم لنداء القرآن في هذا‬ ‫من هدير يصــخ الآذان‪ ،‬ولكن الناس صمــوا فلم يعد لهذا النــداء الهادر أثر‬ ‫عليهم‪ ،‬لأن نفوسهم مالت إلى ضجيج الباطل وصخبه فأسرها بزينته وزخرفه‪.‬‬ ‫وقد خيل إليهم أنهم بهذا يصعدون معارج الرقي ويؤمون مقامات التقدم‪،‬‬ ‫لأنهم ظنــوا أن الأمم التي أصبحــت بيدها الصــول والطــول وصلت إلى‬ ‫ما وصلت إليه بالتخلي عن قيود الفضيلة والأخلاق والتجرد من حلية الآداب‬ ‫والشــرف‪ ،‬فهان عليهم دينهم ومروءتهم‪ ،‬بــل لم يفكروا حتــى في النخوة‬ ‫والشهامة التي كان عليها الآباء والأجداد‪.‬‬ ‫وقبيــح بنــا وإن قــدم العهـــ‬ ‫ـــد هــوان الآبــاء والأجــداد‬ ‫ولســت الآن بصدد شــرح ما تعانيه هذه الأمم المتقدمة بسبب التفسخ‬ ‫والميوعة من انحلال الروابط االجتماعية‪ ،‬وتفكك الأسر‪ ،‬وانحطاط الإنسان‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١١٥‬‬ ‫إلى دركات أدنى مما عليه الحيوان‪ ،‬فإن ذلك أمر يطول شرحه‪ ،‬وشواهده بينة‬ ‫مما فاهت به ألســنة هؤالء الذين يعانون هذه المعاناة وســجلته أقلامهم‪ ،‬فلا‬ ‫أعجب إال من طبيــب كان واجبه أن يعالج المرضى بمــا أوتيه من مهارة في‬ ‫الطب ودراية بالعلاج ووفرة في الدواء‪ ،‬ولكنه بدل أن يقوم بهذا ينقل أمراض‬ ‫المرضى إلى نفســه‪ ،‬فأمة الإسلام تحتاج إليها الأمم لشــفاء أسقامها وتقويم‬ ‫اعوجاجها بما آتاها االله من بصيرة القرآن وهــدي النبي ! ‪ ،‬ولكن بدال من‬ ‫ذلك أصبحت ترتكس فيما ارتكســت فيه الأمم‪ ،‬ال تلوي على صوت القرآن‬ ‫الذي يرن في جنبات الوجود‪ ،‬وال على نوره الذي يشعشع في آفاق الكون‪.‬‬ ‫‪ $‬أ'‪ 36‬ا ‪ UDI *b‬الآء و‪ $9J $ 39< 39.J‬ا ‪R‬ي وا  ‪:7‬‬ ‫وكم تكون المصيببة في جشــع الآباء وحرصهم على االســتئثار برواتب‬ ‫بناتهم وخشــيتهم أن تفوتهم عندما يزوجونهن‪ ،‬فلا يجدون ســبيلا لتحقيق‬ ‫مآربهم إال بعضلهن عن الزواج‪ ،‬فيغدون صما بكما عميا‪ ،‬ال يسمعون موعظة‬ ‫وال تنفعهم عبرة‪ ،‬ال يبالون إذا أتتهم بناتهم وقد أثقلت أرحامهن أجنة حملنها‬ ‫من هنا وهناك‪ ،‬حيث االختلاط في العمل ووجود الفرصة للخلوة بالزملاء في‬ ‫أماكن غير محصــورة‪ ،‬وما هؤالء الآبــاء الذين طمســت المطامع أبصارهم‬ ‫وبصائرهم إال آفات المجتمع وجراثيمه الفتاكة التي تسري في جسمه فتتفشى‬ ‫فيه الأوباء التي ال تبقي وال تذر‪ ،‬وقــد عمي هؤالء وصموا عن زواجر القرآن‬ ‫الذي يحذر إيما تحذير من عضل الأوليــاء لمولياتهم عن تحقيق رغبتهن في‬ ‫الزواج‪ ،‬ويؤكد أن العضل ال يكون ممن يؤمن باالله واليوم الآخر كما في قوله‬ ‫تعالى‪d c ba ` _ ^ ] \[ Z Y ﴿ :‬‬ ‫‪vu t s r q p o n ml k j i h g f e‬‬ ‫‪ ﴾ w‬البقرة‪ ،٢٣٢ :‬فإن هؤالء ال يهمهم الزكاء والطهر‪ ،‬وإنما همهم معقود بما‬ ‫يجنونه من المال ولو جنوه بظلم مركب من حرمان بناتهم من حقوقهن المالية‬ ‫‪١١٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫والفطرية واالجتماعية‪ ،‬فهم ال يبالون أن ينغمســوا في الرجس ويرتكسوا في‬ ‫الفجور إن تحقق لهم هذا المطلب‪ ،‬ووصلوا إلى هذا الغاية‪.‬‬ ‫وقد يتمثل جشــعهم في حرصهم على المهور الغالية التي ترهق الشباب‬ ‫فتحول بينهم وبين مبتغاهم من الحياة الزوجية التي هي سبب لعفة الجنسين‪،‬‬ ‫مع ما يتبع هذه المهور من تكاليف الزواج التي تأتي على طارف المال وتليده‪،‬‬ ‫وهذه الظاهرة جديرة بأن تتضافر الجهود الرســمية والشعبية من أجل القضاء‬ ‫عليها‪ ،‬ليتنفس الشباب والفتيات جميعا الصعداء عندما يتمكنون من االستجابة‬ ‫للداعي الفطري الملح بطريقة سليمة‪ ،‬ال إثم فيها وال خزي وال عار‪ ،‬فلا بد من‬ ‫حملة توعية واسعة النطاق بالعلاج الحاســم لهذا الداء العضال‪ ،‬تعزز وتدعم‬ ‫بقرار قضائي يضع حدا لكل جشع جاشع أو عادة متفشية فاسدة‪.‬‬ ‫هذا؛ وقد تكون المشــكلة في طموح الأولياء إلى أن تكــون بناتهم في‬ ‫عصمة رجال لهم مناصب مرموقة وثروات طائلة‪ ،‬وال يلتفتون إلى جانب الدين‬ ‫والأخلاق‪ ،‬مع أن النبي ژ دعا إلى أن يكون االختيار لصاحب الدين والخلق‪،‬‬ ‫كما روي من طريق أبي هريرة أن النبي ژ أنه قال‪» :‬إذا جاءكم من ترضون دينه‬ ‫وخلقه فأنكحوه إال تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض«)‪.(١‬‬ ‫وا‪ *I‬الآء والأ‪9‬ت ‪!c 7‬ن أ<‪ 39b‬و<‪`- $ 39‬ه ا  ]‪:‬‬ ‫ال يخفى على لبيب أن الفطرة الســوية تأبى على كل أب حان وأم رؤم أن‬ ‫يزجا بابنتهما في هذه المخاطــر‪ ،‬وأن يخليا بينها وبين الغــرق في بحارها أو‬ ‫الحرق بنارها فإنها بهذا تكون عرضة لهتك العرض وسلب الحياة وابتزاز المال‪،‬‬ ‫فضلا عن الوقوع في فضائح يتلطخون جميعا بعارهــا‪ ،‬وهذا يعني أنهم يجب‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الترمذي )‪ ،٣٩٥/٣‬رقم ‪ ،(١٠٨٥‬والطبراني في أوسطه )‪ ١٣١/٧‬رقم‪ ،(٧٠٧٤ :‬ومن طريق‬ ‫أبي حاتم المزني أخرجه الطبراني في كبيره )‪ ٢٩٩/٢٢‬رقم‪ ،(٧٦٢ :‬والبيهقي في السنن الكبرى‬ ‫)‪ ١٣٢/٧‬رقم‪ (١٣٤٨١ :‬والصغرى )‪ ١٠/٣‬رقم‪.(٢٣٥٢ :‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١١٧‬‬ ‫عليهم أن ال يلتفتوا إلى مطمع وال غيره في سبيل صون بناتهم وأعراضهن من‬ ‫التدنس بهذه القاذورات‪.‬‬ ‫ومع هذا فإن عليهم أن ال يهملوا أبناءهم من رعاية تصون عفتهم‪ ،‬وتحوط‬ ‫حياتهم من الأخطار‪ ،‬فكم من أبوين رزئا بابنهما في ريعان عمره وزهرة شبابه‬ ‫بســبب الإهمال‪ ،‬فقد يقع الشــباب في مغبة موحشــة مدلهمة بسبب نزقهم‬ ‫وطيشهم ومغامراتهم الغرامية‪ ،‬إذ كثيرا ما تدفعهم شهواتهم الدنيئة إلى االندفاع‬ ‫قدما حيــث ال يجدون إال الموت الزؤام؛ بســبب حرص بعض الأســر على‬ ‫أعراضهم أن تهتك‪ ،‬وال يبالون في سبيل ذلك بسفك دم أو غيره‪.‬‬ ‫ولربما قررت بعض الفتيات أن يثأرن لأعراضهن بعد تمزيق أديم عفتهن‬ ‫بأنياب وأظافر الذئاب المسعورة من البشر‪ ،‬وليس بغريب أن يثأر غزال ـ أثخنه‬ ‫الجراح ـ من مفترسه‪ ،‬ولو كان أســدا هصورا أو ذئبا مســعورا‪ ،‬ففي أضابير‬ ‫الجنايات تدور قضية في هذه الأيام مفادها أن شابا غريرا استطاع بحيله أن يجر‬ ‫إليه فتاة في أول بلوغها الحلم‪ ،‬وتمكن بما بسطه لها من بساط الحلم السعيد‪،‬‬ ‫ونثره لها من فواغي أماني المســتقبل الزاهر الفواحة أن يوقعها في الشــباك‪،‬‬ ‫فواقعها مصورا بهاتفه وقائع هذا الحدث المشــؤوم‪ ،‬وأخــذ يبتزها بعد ذلك‬ ‫ليكرر جريمته ضاغطــا عليها بتهديده إياها أنها إن لم تطاوعه فضحها بنشــر‬ ‫ما بيده من صورها‪ ،‬فلما أفاقت قررت أن تنتقم منه‪ ،‬فدعته في هزيع من الليل‬ ‫إلى البيت الذي تأويه‪ ،‬فلما أتاها طالبته بمسح جميع الصور من هاتفه‪ ،‬فسخر‬ ‫من هذه المطالبــة وأصر على المضي قدما في ابتزازهــا وإذاللها‪ ،‬وكانت قد‬ ‫أخفت ســكينا عندها‪ ،‬فما كان منها إال أن طعنته طعنات ذهبت بأنفاسه‪ ،‬وقد‬ ‫أفادني بتفاصيل هذه القضية محاميها‪.‬‬ ‫وفي هذا ما يدعو الآباء والأمهات جميعا أن يصونوا أوالدهم ذكورا وإناثا من‬ ‫الوقوع في هــذه المزالق‪ ،‬وركوب هذه الأخطار‪ ،‬وأن ال تأخذهم اســتهانة بهذه‬ ‫‪١١٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫العواقب‪ ،‬فإنهم إن لم يدركوا مرارتها قبل أن يذوقوها‪ ،‬فسوف يدركونها بعد أن‬ ‫تغص بها حلاقيمهم‪ ،‬وتتفجر بآثارها حيازيمهم‪ ،‬والله الأمر من قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫ا‪D.‬ر 'دات ‪  7 aB‬ا <‪,‬ء‪:‬‬ ‫كم تفشى في الحياة الزوجية من عادات ذميمة ما أنزل االله بها من سلطان‪،‬‬ ‫ونصوص القرآن تأباها ولكــن الهوى غلب على النــاس فأعماهم عن هداية‬ ‫القرآن‪ ،‬وهداية الســنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام‪ ،‬فرسخت‬ ‫فيهم عادات في العشرة الزوجية وفي الطلاق يبرأ منها االله ورسوله‪ ،‬فلا يخفى‬ ‫أن الحياة الزوجية شــركة بيــن الزوجين لأن كلا منهما ربــط مصيره بمصير‬ ‫الآخر‪ ،‬ال سيما المرأة التي أسلســت للرجل قيادها وسلمت إليه زمامها‪ ،‬فهو‬ ‫المسؤول عنها‪ ،‬وعليه أن يقوم بحسن رعايتها‪ ،‬والحقوق بينهما مشتركة‪ ،‬فلكل‬ ‫منهما على الآخر مثل ما عليه له‪.‬‬ ‫وإنما يتميز الرجل بدرجة القوامة وهذا ما نص االله عليه في قوله‪h ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ p o n ml k j i‬البقــرة‪ ،٢٢٨ :‬فهي شــريك للرجل‬ ‫تستحق منه ما يستحق منها‪ ،‬وليست القوامة التي اختص بها دونها إهانة لها أو‬ ‫وســيلة له إلى أن يســتعبدها ويذلها‪ ،‬وإنما هي حكمة ربانية ناشئة عن علمه‬ ‫تعالى بفطرته وفطرتها‪ ،‬فالمرأة جياشة المشاعر‪ ،‬سريعة االنفعال‪ ،‬تطغى عليها‬ ‫العاطفة إن هاجت‪ ،‬فتتحكم فــي كلا جانبي دماغها‪ ،‬وال تكــون قادرة على‬ ‫التفكير‪ ،‬بخلاف الرجل‪ ،‬فإنه وإن هاجت عاطفته تشغل جانبا من دماغه ويبقى‬ ‫الجانب الآخر صالحا للتفكير‪ ،‬فلذلك جعلت القوامة بيده لأنه الربان الماهر‬ ‫القادر على توجيه ســفينة العشــرة الزوجية في الخط الملاحي الســليم بين‬ ‫العواصف الهوجاء والأمواج المتلاطمة الناشــئة عن العواطــف الرعناء‪ ،‬فلو‬ ‫ت مقود الســفينة لتحطمت بين هياج العواصف‬ ‫وســل‪َ ‬م ْ‬ ‫كانت القوامة بيدها ُ‬ ‫وتلاطم الأمواج قبل أن تقطع أي مسافة‪.‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١١٩‬‬ ‫وهب أن الطــلاق كان بيدها فإنها ال يؤمن أن تطلــق الرجل لأي خلاف‬ ‫يعرض‪ ،‬وتعض بعد ذلك على بنان الندم‪ ،‬وال ريب أن الرجل الذي اختصه االله‬ ‫حري بأن يرعــى خصائص المرأة الفطريــة‪ ،‬فلا يندفع إلى‬ ‫بهذه الدرجة هو‬ ‫ٌ‬ ‫التفاعل مع عواطفها وعواطفه إن ألم بها طائف مما يكون بينهما من شــقاق‬ ‫وخلاف‪ ،‬فعليه أن يتفادى الطلاق وسعه‪ ،‬كما سنبين ذلك إن شاء االله‪.‬‬ ‫وقد بين االله سبحانه أن العشرة بين الزوجين يجب أن تكون عشرة وئام‬ ‫وود وحنان ورحمة‪ ،‬كما يدل عليه قوله تعالى‪] \ [ Z Y﴿ :‬‬ ‫^ _ ` ‪ ﴾ f e d c b a‬الروم‪،٢١ :‬‬ ‫لذلك كان على الرجل أن يعاشــرها بالمعروف‪ ،‬كما أن عليه ـ إن اقتضى‬ ‫الأمر تســريحها لدواعي ال بد منها ـ أن يسرحها بالإحسان كما نص عليه‬ ‫قوله ســبحانه‪ ﴾ } | { z y ﴿ :‬البقرة‪ ،٢٢٩ :‬فإن أمسك‬ ‫فعليه أن يتفادى كل منكر في علاقته بها‪ ،‬وإن سرحها تجنب كل إساءة في‬ ‫تسريحها‪.‬‬ ‫وقد بين االله سبحانه ما ينوء به الرجل من مسؤولية كبرى تجاه امرأته‪ ،‬وأن‬ ‫الرابطة الزوجية تجمع بينهما حتى تكاد تذوب هوية كل واحد منهما فلا تبقى‬ ‫له هوية مســتقلة‪ ،‬وإنما يندمجان في هوية واحدة‪ ،‬كما هــو واضح في قوله‬ ‫تعالى‪ ﴾: 9 8 7 6 ﴿ :‬النســاء‪ ،٢١ :‬إذ لم يقل‪ :‬وقد أفضيتم‬ ‫إليهن‪ ،‬لينبه على أن كلا منهما عليه أن يحس بمشاعر الآخر‪ ،‬وأن يقدر عواطفه‬ ‫وأن يرعى هواجسه وخواطره حتى تصفو الحياة بينهما‪ ،‬ويكون قلباهما كقلب‬ ‫واحد‪ ،‬يتدفقان جميعا حبا وانســجاما ورحمة وحنانا‪ ،‬فلا يكون من أحدهما‬ ‫تجاه الآخر إال البر والإحسان‪ ،‬ثم أتبع ذلك بيان ما ينوء به الرجل من واجب‬ ‫اجتماعي مقدس في حق أهله يســأل عنه بين يدي ربــه‪ ،‬إذ أتبع ذلك قوله‪:‬‬ ‫﴿ ; < = > ﴾ النساء‪.٢١ :‬‬ ‫‪١٢٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ليت شعري؛ ما هو الميثاق الغليظ الذي لفت االله تعالى انتباه الرجال إليه‪،‬‬ ‫وذكرهم بوجوب رعايته؟ ذكر القرطبي أن »فيه ثلاثة أقوال‪ .‬قيل‪ :‬هو قوله ‪: ‰‬‬ ‫»فاتقوا االله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة االله واستحللتم فروجهن بكلمة‬ ‫االله«)‪ ،(١‬قاله عكرمة والربيع‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬قوله تعالــى‪ ﴾ } | { z y ﴿ :‬البقرة‪ ،٢٢٩ :‬قاله‬ ‫الحسن وابن سيرين وقتادة والضحاك والسدي‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬عقدة النكاح قــول الرجل‪ :‬نكحت وملكت عقــدة النكاح‪ ،‬قاله‬ ‫مجاهد وابن زيد‪ .‬وقال قوم‪ :‬الميثاق الغليظ الولد‪ .‬واالله أعلم«)‪.(٢‬‬ ‫وال ريب أن كل من ذلك عهد موثق ومســؤولية كبرى‪ ،‬ما كان للرجل أن‬ ‫يتهاون بها إن كان يرجو االله واليوم الآخر‪ ،‬وحكى صاحب المنار عن شــيخه‬ ‫الإمام محمد عبــده‪» :‬أن هذا الميثاق الذي أخذه النســاء من الرجال ال بد أن‬ ‫يكون مناسبا لمعنى الإفضاء في كون كل منهما من شؤون الفطرة السليمة‪ ،‬وهو‬ ‫ما أشــارت إليه الآية الكريمة‪` _ ^ ] \ [ Z Y﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ f e d c b a‬الــروم‪ ،٢١ :‬فهذه آيــة من آيات‬ ‫الفطرة الإلهية هي أقوى ما تعتمد عليه المرأة في ترك أبويها‪ ،‬وإخوتها‪ ،‬وسائر‬ ‫أهلها‪ ،‬والرضا باالتصال برجل غريب عنها تشاركه السراء والضراء‪ ،‬فمن آيات‬ ‫االله تعالى في هذا الإنســان أن تقبل المرأة باالنفصال مــن أهلها ذوي الغيرة‬ ‫عليها‪ ،‬لأجل االتصال بالغريب‪ ،‬تكون زوجا له ويكون زوجا لها تســكن إليه‬ ‫ويسكن إليها‪ ،‬ويكون بينهما المودة والرحمة أقوى من كل ما يكون بين ذوي‬ ‫القربى‪ ،‬فكأنه يقول‪ :‬إن المرأة ال تقدم على الزوجية وترضى بأن تترك جميع‬ ‫)‪ (١‬أخرجه عبد بن حميد )ص ‪ ،٣٤١‬رقم ‪ (١١٣٥‬ومســلم )‪ ،٨٨٦/٢‬رقم ‪ (١٢١٨‬وأبو داود )‪،١٨٢/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٩٠٥‬وابن ماجه )‪ ،١٠٢٢/٢‬رقم ‪.(٣٠٧٤‬‬ ‫)‪ (٢‬القرطبي‪ :‬الجامع لأحكام القرآن‪.١٠٣/٥ ،‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٢١‬‬ ‫أنصارها وأحبائها لأجل زوجها إال وهــي واثقة بأن تكون صلتها به أقوى من‬ ‫كل صلة‪ ،‬وعيشــتها معه أهنأ من كل عيشــة‪ ،‬وهذا ميثاق فطــري من أغلظ‬ ‫المواثيق‪ ،‬وأشــدها إحكاما‪ ،‬وإنما يفقه هــذا المعنى الإنســان الذي يحس‬ ‫إحساس الإنسان‪ ،‬فليتأمل تلك الحالة التي ينشــئها االله ـ تعالى ـ بين الرجل‬ ‫وامرأته يجد أن المرأة أضعف من الرجل‪ ،‬وأنها تقبل عليه تسلم نفسها إليه‪،‬‬ ‫مع علمها بأنه قادر على هضم حقوقها‪ ،‬فعلى أي شيء تعتمد في هذا الإقبال‬ ‫والتسليم؟ وما هو الضمان الذي تأخذه عليه‪ ،‬والميثاق الذي تواثقه به؟ ماذا‬ ‫يقع في نفس المرأة إذا قيل لها‪ :‬إنك ســتكونين زوجا لفلان‪ .‬إن أول شــيء‬ ‫يخطر في بالها عند سماع مثل هذا القول‪ ،‬أو التفكر فيه‪ ،‬وإن لم تسأل عنه هو‬ ‫أنها ســتكون عنده على حال أفضل من حالها عند أبيها وأمها‪ ،‬وما ذلك إال‬ ‫لشيء استقر في فطرتها وراء الشــهوة‪ ،‬وذلك الشيء‪ :‬هو عقل إلهي‪ ،‬وشعور‬ ‫فطري أودع فيها ميلا إلى صلة مخصوصة لم تعهدها من قبل‪ ،‬وثقة مخصوصة‬ ‫ال تجدها في أحد من الأهل‪ ،‬وحنوا مخصوصا ال تجد له موضعا إال البعل‪،‬‬ ‫فمجموع ذلك هو الميثاق الغليظ الذي أخذته من الرجل بمقتضى نظام الفطرة‬ ‫الذي يوثق به ما ال يوثق بالكلام الموثق بالعهود والأيمان‪ ،‬وبه تعتقد المرأة‬ ‫أنها بالزواج قد أقبلت على سعادة ليس وراءها سعادة في هذه الحياة‪ ،‬وإن لم‬ ‫تر من رضيت به زوجا‪ ،‬ولم تسمع له من قبل كلاما‪ ،‬فهذا ما علمنا االله تعالى‬ ‫إياه‪ ،‬وذكرنا به ـ وهو مركوز في أعماق نفوسنا ـ بقوله‪ :‬إن النساء قد أخذن من‬ ‫الرجال بالزواج ميثاقا غليظا‪ ،‬فما هي قيمة من ال يفي بهذا الميثاق‪ ،‬وما هي‬ ‫مكانته من الإنسانية؟« اهـ)‪.(١‬‬ ‫قلت‪ :‬إن الفطرة هي أساس شــرع االله تعالى‪ ،‬إذ لم يكن الإسلام في فكره‬ ‫الرصين وحكمه العادل وخلقه الرفيع إال استجابة لداعي الفطرة‪ ،‬فما هو مركوز‬ ‫في الطباع من ميل المرأة إلى الرجل ـ مع ما طبعــت عليه من الضعف تجاه‬ ‫)‪ (١‬محمد رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪.٣٧٧/٤ ،‬‬ ‫‪١٢٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫قوته ـ وميل الرجل إلى المرأة إذ ال يمكن أن يستغني عنها مع ما وهبه االله من‬ ‫خصائص فطرية‪ ،‬وقوى عقلية وبدنية‪ ،‬هو أساس ما شرع من الأحكام في كتاب‬ ‫االله تعالى‪ ،‬وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والســلام‪ ،‬وهو أن ال يمسك الرجل‬ ‫المرأة إال بالمعروف‪ ،‬وال يسرحها إال بالإحسان‪ ،‬وال يعاشرها إال بما يرضي‬ ‫ضميره ويريح بالها‪ ،‬فلا تجد في جانبه إال البر والإحســان والعطف والحنان‬ ‫والرحمة والمــودة‪ ،‬وما نبه عليــه النبي ژ من أن الرجل أخذهــا بأمانة االله‪،‬‬ ‫واستحل فرجها بكلمته‪ ،‬فعليه أن يتقي االله ويكون لها وفيا‪.‬‬ ‫على أن عقدة النــكاح بين الزوجين تنــزل كل واحد منهمــا منزلته في‬ ‫المسؤولية‪ ،‬فالرجل عليه أن يراعيها‪ ،‬والمرأة عليها أن تطيعه بالمعروف‪ ،‬وأن‬ ‫تسعى دائما إلى إرضائه وإراحة قلبه وقالبه‪ ،‬وإن من مراعاته لها أن ال يغمطها‬ ‫شيئا من حقوقها المادية أو المعنوية‪ ،‬وأن ال يشاكســها فيما أخذت عليه من‬ ‫الشروط‪ ،‬فعن عقبة بن عامر ‪ ، ƒ‬قال‪ :‬قال رسول االله ژ ‪» :‬أحق الشروط أن‬ ‫توفوا به ما استحللتم به الفروج«)‪.(١‬‬ ‫ومن حقوقها المادية أن يوفر لها ســكنا الئقا بها وما تحتاج إليه لطعامها‬ ‫وكسوتها وعلاجها وسائر نفقاتها الضرورية والحاجية‪ ،‬ومن حقوقها المعنوية‬ ‫أن يراعي مشاعرها‪ ،‬وال يخاطبها إال بما يريح بالها ويطيب نفسها من الكلام‬ ‫الحسن‪ ،‬ويقدر أهلها ويرعاها فيهم‪.‬‬ ‫والرجال يتفاوتون في فضائلهم وفواضلهم بحســب أعمالهم وأخلاقهم‪،‬‬ ‫ومما يدخل في ذلك معاملتهم لأهلهم وهذا ما دل عليه حديث النبي ژ الذي‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمــد )‪ ،١٥٠/٤‬رقم ‪ ،(١٧٤٠٠‬والبخــاري )‪ ،٩٧٠/٢‬رقم ‪ ،(٢٥٧٢‬ومســلم )‪،١٠٣٥/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٤١٨‬وأبــو داود )‪ ،٢٤٤/٢‬رقم ‪ ،(٢١٣٩‬والترمــذي )‪ ،٤٣٤/٣‬رقم ‪ (١١٢٧‬وقال‪ :‬حســن‬ ‫صحيح‪ .‬والنسائي )‪ ،٩٢/٦‬رقم ‪ ،(٣٢٨١‬وابن ماجه )‪ ،٦٢٨/١‬رقم ‪ ،(١٩٥٤‬وابن حبان )‪،٤٠٢/٩‬‬ ‫رقم ‪ ،(٤٠٩٢‬وأخرجه أيضا‪ :‬الروياني )‪ ،١٥٦/١‬رقم ‪ ،(١٧٥‬والطبراني )‪ ،٢٧٤/١٧‬رقم ‪.(٧٥٢‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٢٣‬‬ ‫جاء عنه من عدة طرق بلفظ‪» :‬خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي«)‪ ،(١‬وقد‬ ‫جاء من طريق الإمام علي كرم االله وجهه أنه ژ قال‪» :‬خيركم خيركم لأهله وأنا‬ ‫خيركم لأهلي ما أكرم النساء إال كريم وال أهانهن إال لئيم«)‪ ،(٢‬وال يخلو إسناده‬ ‫من مقال‪ ،‬ولكن معناه يعتضد بما عرف من هديه ژ من إكرام نسائه وإحسانه‬ ‫إليهن ولطفه في معاملتهن‪ ،‬وهو ســيد الكرماء‪ ،‬وعنــوان الفضلاء بل يعتضد‬ ‫ذلك بوصايا القرآن‪ ،‬فكم وصى بالرفق بهن وحســن معاشرتهن‪ ،‬ناهيك قوله‬ ‫تعالى‪1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 ﴿ :‬‬ ‫3⁄4 ¿ ‪ ﴾Á À‬النساء‪ ،١٩ :‬فهو يدعو الرجال إلى أن يتكيفوا في معاشرة‬ ‫النساء مع ما أمروا به من المعروف‪ ،‬ولو تأصلت في نفوسهم كراهتهن‪ ،‬إذ لعل‬ ‫االله يجعل الخير فيما كرهوا‪ ،‬واختلف في معنى ذلك‪» :‬فتارة فسر الخير الكثير‬ ‫بولد يحصل فتنقلب الكراهة محبة‪ ،‬والنفرة رغبة وتارة بأنه لما كره صحبتها ثم‬ ‫إنه يحتمل ذلك المكروه طلبا لثواب االله‪ ،‬وأنفق عليها وأحسن إليها على خلاف‬ ‫الطبع‪ ،‬استحق الثواب الجزيل في العقبى والثناء الجميل في الدنيا«)‪.(٣‬‬ ‫وقــال البقاعــي‪» :‬وإن ﴿ ̧ ﴾ فلا تبــادروا إلــى المضاجرة أو‬ ‫المفارقة‪ ،‬واصبروا عليهن نظر ًا لما هو الأصلح‪ ،‬ال لمجرد الميل النفسي‪ ،‬فإن‬ ‫الهوى شــأنه أن ال يدعو إلى خير ثــم دل على هذه العلــة بقوله‪﴾ 1 ﴿ :‬‬ ‫ولوضوح داللتها على ذلك صح جعلها جواب ًا للشرط«)‪.(٤‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه من طريق عائشة الترمذي )‪ ،٧٠٩/٥‬رقم ‪ (٣٨٩٥‬وقال‪ :‬حسن غريب صحيح‪ .‬وابن حبان‬ ‫)‪ ،٤٨٤/٩‬رقم ‪ ،(٤١٧٧‬والبيهقي في شــعب الإيمان )‪ ،٤١٥/٦‬رقم ‪ .(٨٧١٨‬والدارمي )‪،٢١٢/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٢٦٠‬ومن طريق ابن عباس أخرجه ابن ماجه )‪ ،٦٣٦/١‬رقم ‪ ،(١٩٧٧‬وابن سعد )‪،(٢٠٥/٨‬‬ ‫ومن طريق عبد االله بن شــداد‪ :‬أخرجه ابن ســعد )‪ ،(٢٠٥/٨‬ومن طريق أبــي هريرة‪ :‬أخرجه‬ ‫الخطيب )‪.(١٣/٧‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه ابن عساكر )‪.(٣١٢/١٣‬‬ ‫)‪ (٣‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪.١٣/١٠ ،‬‬ ‫)‪ (٤‬البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪.٢٢٥/٥ ،‬‬ ‫‪١٢٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وقال السيد رشيد رضا‪ ﴾ ̧ ¶ ﴿» :‬لعيب في الخلق‪ ،‬أو الخلق مما‬ ‫ال يعد ذنبا لهــن ; لأن أمره ليس في أيديهن‪ ،‬أو التقصيــر في العمل الواجب‬ ‫عليهن في خدمة البيت‪ ،‬والقيام بشــؤونه‪ ،‬مما ال يخلو عن مثله النساء وكذا‬ ‫الرجال فــي أعمالهم‪ ،‬أو الميــل منكم إلــى غيرهن‪ ،‬فاصبــروا وال تعجلوا‬ ‫بمضارتهن‪ ،‬وال بمفارقتهن‪ ،‬لأجل ذلك فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل االله فيه‬ ‫خيرا كثيرا‪ ،‬فهذا الرجاء علة لما دل عليه السياق من جزاء الشرط‪ ،‬ومن الخير‬ ‫الكثير بل أهمه وأعلاه الأوالد النجباء‪ ،‬فرب امرأة يملها زوجها ويكرهها‪ ،‬ثم‬ ‫يجيئه منها من تقر به عينه من الأوالد النجبــاء فيعلو قدرها عنده بذلك‪ ،‬وقد‬ ‫شاهدنا‪ ،‬وشاهد الناس كثيرا من هذا‪ ،‬وناهيك به‪y x w v u ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ | { z‬الفرقان‪.٧٤ :‬‬ ‫نعم الإله علــى العبــاد كثيرة‬ ‫وأجـلـهــن نـجـابــة الأوالد‬ ‫ومنها أن يصلح حالها بصبره‪ ،‬وحسن معاشرته‪ ،‬فتكون أعظم أسباب هنائه‬ ‫في انتظام معيشته‪ ،‬وحسن خدمته ال ســيما إذا أصيب بالأمراض‪ ،‬أو بالفقر‪،‬‬ ‫والعوز‪ ،‬فكثيرا ما يكره الرجل امرأته لبطره بصحته‪ ،‬وغناه‪ ،‬واعتقاده أنه قادر‬ ‫على أن يتمتع بخير منها‪ ،‬وأجمل‪ ،‬فلا يلبث أن يســلب ما أبطره من النعمة‪،‬‬ ‫ويكون لــه منها إذا صبــر عليها في أيام البطر خير ســلوى‪ ،‬وعــون في أيام‬ ‫المرض‪ ،‬أو العوز‪ ،‬فيجب على الرجل الذي يكره زوجــه أن يتذكر مثل هذا‬ ‫ويتذكر أيضا أنه ال يخلو من عيب تصبر امرأته عليه في الحال‪ ،‬غير ما وطنت‬ ‫نفسها عليه في االستقبال«)‪.(١‬‬ ‫وقال العلامة ابن عاشور‪» :‬أعقب النهي عن إكراه النساء والإضرار بهن بالأمر‬ ‫بحسن المعاشرة معهن‪ ،‬فهذا اعتراض فيه معنى التذييل لما تقدم من النهي‪ ،‬لأن‬ ‫حسن المعاشرة جامع لنفي الإضرار والإكراه‪ ،‬وزائد بمعاني إحسان الصحبة‪.‬‬ ‫)‪ (١‬محمد رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪.٣٧٥/٤ ،‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٢٥‬‬ ‫والمعاشرة مفاعلة من العشرة وهي المخالطة‪ ،‬قال ابن عطية‪ :‬وأرى اللفظة‬ ‫من أعشــار الجزور لأنها مقاســمة ومخالطة‪ ،‬أي فأصل االشتقاق من االسم‬ ‫الجامد وهو عدد العشرة‪ .‬وأنا أراها مشتقة من العشيرة أي الأهل‪ ،‬فعاشره جعله‬ ‫من عشيرته‪ ،‬كما يقال‪ :‬آخاه إذا جعله أخا‪.‬‬ ‫أما العشيرة فلا يعرف أصل اشــتقاقها‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنها من العشرة أي اسم‬ ‫العدد وفيــه نظر‪ .‬والمعروف ضد المنكر وســمي الأمر المكــروه منكرا لأن‬ ‫النفوس ال تأنس به‪ ،‬فكأنه مجهول عندها نكرة‪ ،‬إذ الشأن أن المجهول يكون‬ ‫مكروها ثم أطلقوا اســم المنكر على المكروه‪ ،‬وأطلقوا ضده على المحبوب‬ ‫لأنه تألفه النفوس‪ .‬والمعروف هنا ما حدده الشرع ووصفه العرف‪.‬‬ ‫والتفريــع في قوله‪ :‬فــإن كرهتموهــن علــى الزم الأمر الذي فــي قوله‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ 3‬وهو النهي عن سوء المعاشرة‪ ،‬أي فإن وجد سبب سوء المعاشرة‬ ‫وهو الكراهية‪ .‬وجملة فعسى أن تكرهوا نائبة مناب جواب الشرط‪ ،‬وهي عليه له‬ ‫فعلم الجواب منها‪ .‬وتقديره‪ :‬فتثبتوا وال تعجلوا بالطلاق‪ ،‬لأن قوله‪o 1 ﴿ :‬‬ ‫» 1⁄4 1⁄2 3⁄4 ¿ ‪ ﴾ ...À‬النســاء‪ ١٩ :‬يفيد إمــكان أن تكون المرأة‬ ‫المكروهة سبب خيرات فيقتضي أن ال يتعجل في الفراق‪.‬‬ ‫و)‪ (1‬هنا للمقاربة المجازية أو الترجي‪ ﴾ » o ﴿ .‬ســاد مســد‬ ‫معموليها‪ ،‬ويجعل معطوف على تكرهوا‪ ،‬ومناط المقاربة والرجاء هو مجموع‬ ‫المعطوف والمعطوف عليه‪ ،‬بداللة القرينة على ذلك‪.‬‬ ‫وهذه حكمة عظيمة‪ ،‬إذ قــد تكره النفوس ما فــي عاقبته خير فبعضه‬ ‫يمكن التوصل إلى معرفة ما فيه من الخيــر عند غوص الرأي‪ .‬وبعضه قد‬ ‫علم االله أن فيــه خيرا لكنه لم يظهــر للناس‪ .‬قال ســهل بن حنيف‪ ،‬حين‬ ‫مرجعه من صفين »اتهموا الرأي فلقد رأيتنا يوم أبي جندل ولو نستطيع أن‬ ‫نرد على رسول االله أمره لرددنا‪ .‬واالله ورســوله أعلم«‪ .‬وقد قال تعالى في‬ ‫‪١٢٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫سورة البقرة‪3 2 1 0 /. - , + * ) ( ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ 6 5 4‬البقرة‪.٢١٦ :‬‬ ‫والمقصود من هذا‪ :‬الإرشــاد إلى إعماق النظر وتغلغل الرأي في عواقب‬ ‫الأشــياء‪ ،‬وعدم االغترار بالبــوارق الظاهرة‪ .‬وال بميل الشــهوات إلى ما في‬ ‫الأفعال من ملائم‪ ،‬حتى يسبره بمسبار الرأي‪ ،‬فيتحقق سلامة حسن الظاهر من‬ ‫سوء خفايا الباطن« اهـ)‪.(١‬‬ ‫وقال المفكر الإســلامي الأستاذ ســيد قطب‪» :‬وهذه اللمسة الأخيرة في‬ ‫الآية‪ ،‬تعلق النفس باالله‪ ،‬وتهدئ من فورة الغضب‪ ،‬وتفثأ من حدة الكره‪ ،‬حتى‬ ‫يعاود الإنسان نفسه في هدوء وحتى ال تكون العلاقة الزوجية ريشة في مهب‬ ‫الرياح‪ .‬فهي مربوطة العرى بالعروة الوثقى‪ .‬العروة الدائمة‪ .‬العروة التي تربط‬ ‫بين قلب المؤمن وربه‪ ،‬وهي أوثق العرى وأبقاها‪.‬‬ ‫والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه ســكن ًا وأمن ًا وسلام ًا‪ ،‬وينظر إلى‬ ‫العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنســ ًا‪ ،‬ويقيــم هذه الآصرة على‬ ‫االختيار المطلق‪ ،‬كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب‪..‬‬ ‫هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج‪» o 1 ̧ ¶ ﴿ :‬‬ ‫1⁄4 1⁄2 3⁄4 ¿ ‪ ﴾Á À‬النساء‪..١٩ :‬‬ ‫كي يســتأني بعقدة الزوجية فلا تفصم لأول خاطر‪ ،‬وكي يستمســك بعقدة‬ ‫الزوجية فلا تنفك لأول نزوة‪ ،‬وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها‬ ‫فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة‪ ،‬وحماقة الميل الطائر هنا وهناك‪..‬‬ ‫وما أعظم قــول عمر بن الخطــاب ‪ ƒ‬لرجــل أراد أن يطلــق زوجه »لأنه‬ ‫ال يحبها«‪» ..‬ويحك! ألم تبن البيوت إال على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟«‪..‬‬ ‫)‪ (١‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪.٢٨٦/٤ ،‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٢٧‬‬ ‫وما أتفه الكلام الرخيص الذي ينعق به المتحذلقون باســم »الحب« وهم‬ ‫يعنون به نــزوة العاطفة المتقلبة‪ ،‬ويبيحون باســمه ـ ال انفصــال الزوجين ـ‬ ‫وتحطيم المؤسســة الزوجية ـ بل خيانة الزوجة لزوجها! أليســت ال تحبه؟!‬ ‫وخيانة الزوج لزوجته! أليس أنه ال يحبها؟! وما يهجس في هذه النفوس التافهة‬ ‫الصغيرة معنى أكبر من نزوة العاطفة الصغيرة المتقلبة‪ ،‬ونزوة الميل الحيواني‬ ‫المســعور‪ .‬ومن المؤكد أنه ال يخطر لهــم أن في الحياة مــن المروءة والنبل‬ ‫والتجمل واالحتمال‪ ،‬ما هو أكبر وأعظم من هذا الذي يتشدقون به في تصور‬ ‫هابط هزيل‪ ..‬ومن المؤكد طبع ًا أنه ال يخطر لهم خاطر‪..‬‬ ‫المزوقة! فما تستشعر قلوبهم ما يقوله‬ ‫االله‪ ..‬فهم بعيدون عنه في جاهليتهم‬ ‫ّ‬ ‫االله للمؤمنيــن‪À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Á‬النساء‪.١٩ :‬‬ ‫إن العقيدة الإيمانية هي وحدها التــي ترفع النفوس‪ ،‬وترفع االهتمامات‪،‬‬ ‫وترفع الحياة الإنسانية عن نزوة البهيمة‪ ،‬وطمع التاجر‪ ،‬وتفاهة الفارغ!« اهـ)‪.(١‬‬ ‫وهذه كلها قبسات اقتبسها المفسرون من أنوار القرآن‪ ،‬وإرشادات استمدوها‬ ‫من فيضه الثجاج‪ ،‬وهي ـ بلا ريب ـ هادية إلى النهج السليم في العشرة الزوجية‬ ‫حتى ال تكون عرضة لأن تزعزعها العواطف الرعناء‪ ،‬والنزوات الطائشة‪ ،‬فعلى‬ ‫الرجل أن يوطن نفســه‪ ،‬لأن تكون راسخة رســوخ الجبال الشــم في نظرها‬ ‫وتفكيرها فــي العواقب‪ ،‬فــلا تزلزلها الرواجــف وال تزعزعهــا العواصف‪،‬‬ ‫وال يضيق بها التفكير عندما تجمح بها مؤثراتها‪ ،‬وإنما يتسع تفكيرها للماضي‬ ‫والحاضر والمستقبل‪ ،‬ويجمع بين الدنيا والآخرة‪.‬‬ ‫وفوق ذلك كله يقوم على مراعــاة مرضاة الرب ‪ 4‬والثقــة بأمره ونهيه‬ ‫والتعويل المطلق على وعظه وتذكيره‪ ،‬فعليه أن يرعى في عشرته لأهله ما سبق‬ ‫)‪ (١‬سيد قطب‪ :‬في ظلال القرآن‪.٦٠٦/١ ،‬‬ ‫‪١٢٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫من إحسانها‪ ،‬وما يمكن أن يحتاج إليه في المســتقبل من برها ورعايتها‪ ،‬وما‬ ‫عســى أن يأتيه من قبلها مما تقر به عينه ويكون له زينة في حياته وامتدادا له‬ ‫بعد وفاته‪ ،‬وأن يســتذكر دائما ما أخذته منه من الميثــاق الغليظ‪ ،‬فلا يعجل‬ ‫باتخاذ قرار يخســر بســببه خيرا كثيرا‪ ،‬وقد يندم عليه في المســتقبل حيث‬ ‫ال يجديه الندم‪ ،‬وال يمكن أن يرد إليه ما فات‪.‬‬ ‫هذا؛ وكما أن النبي ژ كان قدوة للرجال في حسن معاشرة الأهل واتساع‬ ‫صدره لما عسى أن يجده في بعض الأحوال من أخطائهن أو مشاكستهن‪ ،‬فإنه‬ ‫كذلك كان حريصا على توجيه الرجال الوجهة الحســنة في ذلك لتعود على‬ ‫الأسرة بالطمأنينة واالســتقرار‪ ،‬ولتضفي عليها مزيدا من المودة والرحمة كما‬ ‫جاء في حديث أبي هريرة ‪ ƒ‬أنه ژ قال‪» :‬استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة‬ ‫خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته‬ ‫وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا«)‪ ،(١‬ومثل ذلك ما سبق ذكره‬ ‫من قوله ژ ‪» :‬اتقوا االله في النساء«)‪ ...(٢‬الحديث‪.‬‬ ‫وكان مما قاله في خطبته بحجة الوداع‪» :‬أال واستوصوا بالنساء خيرا فإنما‬ ‫هن عوان عندكم‪ ،‬ليس تملكوا منهن شيئا غير ذلك‪ ،‬إال أن يأتين بفاحشة مبينة‪،‬‬ ‫فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح‪ ،‬فإن أطعنكم فلا‬ ‫تبغوا عليهن سبيلا أال وإن لكم على نســائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا‪ ،‬فأما‬ ‫حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون‪ ،‬وال يأذن في بيوتكم لمن‬ ‫تكرهون‪ ،‬أال وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن«)‪.(٣‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه البخاري )‪ ،١٢١٢/٣‬رقم ‪ ،(٣١٥٣‬ومســلم )‪ ،١٠٩١/٢‬رقم ‪ .(١٤٦٨‬والنسائي في الكبرى‬ ‫)‪ ،٣٦١/٥‬رقم ‪.(٩١٤٠‬‬ ‫)‪ (٢‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه الترمذي )‪ ،٢٧٣/٥‬رقم ‪ ،(٣٠٨٧‬والنسائي في الكبرى )‪ ،٤٤٤/٢‬رقم ‪ ،(٤١٠٠‬وابن ماجه‬ ‫)‪ ،١٠١٥/٢‬رقم ‪.(٣٠٥٥‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٢٩‬‬ ‫وبين ژ أن الزوجين إن التقيا على الإيمان كان إيمانهما جاذبا لهما إلى‬ ‫التواد والتراحــم والتعاطف‪ ،‬لأن جاذبية العقيدة الصحيحــة والعمل الصالح‬ ‫والإخلاص الله في القول والعمــل ال تعادلها جاذبية في الربــط بين القلوب‬ ‫واستلال سخائمها وأحقادها‪ ،‬وإذابة كرهها وشنآنها‪ ،‬وهو أمر مطلق بين الناس‪،‬‬ ‫كما دل عليه ما رواه النعمان بن بشــير عنه ژ أنه قال‪» :‬تــرى المؤمنين في‬ ‫تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشــتكى عضو تداعى له سائر‬ ‫جسده بالسهر والحمى«)‪.(١‬‬ ‫وإذا كان هذا فيما بين عموم المؤمنيــن جميعا‪ ،‬فما بالك إذا كان الود‬ ‫الإيماني مقرونا بالود العاطفي الزوجي‪ ،‬الذي يصهر الزوجين حتى تغدو‬ ‫نفساهما كنفس واحدة في وحدة المشــاعر والأحاسيس‪ ،‬وانسجام الميول‬ ‫والرغبــات؟! لهذا بين ژ أنــه ليس من شــأن المؤمن أن يفــرك مؤمنة‬ ‫ـ أي يبغضها ـ فإن ساءه منها خلق سرته منها أخلاق‪ ،‬وهو واضح فيما رواه‬ ‫أبو هريرة عنه ژ أنه قال‪» :‬ال يفرك مؤمــن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي‬ ‫منها غيره«)‪.(٢‬‬ ‫وبهذا تدرك أخــي القارئ أن ما يصدر من بعــض الرجال من العنف في‬ ‫معاملة نسائهم وتقطيب وجوههم عند لقائهن‪ ،‬وإغلاظ القول لهن ليس ذلك‬ ‫من الدين في شــيء‪ ،‬واالله تعالى يأبــاه وال يرضــاه‪ ،‬وإذا كان بعض الحمقى‬ ‫يتصورون أن الرجولة والشــهامة في مثل هذا العمل فإن ذلك إنما يرجع إلى‬ ‫جهلهم بالديــن والأخــلاق‪ ،‬وعــدم تدبرهم للقــرآن وتفكرهــم في هدي‬ ‫الرسول ! وهدي السلف الصالح‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه البخاري )‪ ،٢٢٣٨/٥‬رقم ‪ .(٥٦٦٥‬وأحمد )‪ ،٢٦٨/٤‬رقم ‪ ،(١٨٣٨١‬والطبراني في الشاميين‬ ‫)‪ ،٢٩٣/١‬رقم ‪ ،(٥١٢‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪ ،١٠٢/٦‬رقم ‪.(٧٦٠٩‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمــد )‪ ،٣٢٩/٢‬رقم ‪ ،(٨٣٤٥‬ومســلم )‪ ،١٠٩١/٢‬رقم ‪ .(١٤٦٩‬وأبــو يعلى )‪،٣٠٤/١١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٦٤١٩‬وأبو عوانة )‪ ،١٤١/٣‬رقم ‪.(٤٤٩٣‬‬ ‫‪١٣٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ال ?رة وال و‪ 7 _1‬إ‪,‬ك ا أة أو ‪:9",‬‬ ‫هذا؛ وإذا كان إمســاك الرجل للمــرأة يجب أن يكــون بالمعروف‪ ،‬فإن‬ ‫تسريحها أيضا يجب أن يكون بإحسان‪ ،‬فعليه أن يتقي االله في تسريحها كما أن‬ ‫عليه أن يتقيه في إمساكها‪ ،‬بل عليه توفير جميع الحقوق لها من غير أن يبتزها‬ ‫شيئا منها‪.‬‬ ‫وأول ما يجب عليه في ذلــك أن ال يتعجل في قرار الفــراق؛ إذ العلاقة‬ ‫الزوجية هي أسمى وأجل من أن تكون عرضة للتلاعب بها فهي رباط مقدس‪،‬‬ ‫ال يفصم اســتجابة للمزاج المتقلــب‪ ،‬وطاعة للهوى‪ ،‬وإنما شــرع إنهاء هذه‬ ‫العلاقة في حاالت الضرورة التي ال بد منها‪.‬‬ ‫وقد علمت أن االله تعالى إنما جعل القوامة للرجل‪ ،‬وجعل عقدة النكاح بيده‬ ‫لأجل خصائصه الفطرية‪ ،‬وما آتاه االله من قــدرة على التحكم في عواطفه‪ ،‬وأن‬ ‫يكون تصرفه قائما على العقل والتفكير في العواقــب وعدم العجلة في اتخاذ‬ ‫القرار‪ ،‬بل عليه أن يراعي ما عســى أن يطرأ على المرأة في بعض أحوالها من‬ ‫تبدل مزاجها وسرعة انفعالها‪ ،‬خصوصا إبان حملها وفترات عادتها الشهرية‪.‬‬ ‫ دي ا ‪R‬لاق لاج ا ‪K‬وج ‪, .‬‬ ‫‪!D. ^D‬ز أ‪: -‬‬ ‫كم نرى في القرآن الكريم من الدعوة إلى التريث ومعالجة المشــكلات‬ ‫الزوجية بالحكمة واللطف تارة وبشيء من الشدة إن اقتضى الأمر تارة أخرى‪،‬‬ ‫ولما كان الرجل هو الربان الماهر لسفينة الحياة الزوجية كان هو المسؤول عن‬ ‫ذلك عندما يرى من المرأة نشــوزا وإعراضا‪ ،‬فقد قــال تعالى‪9 8 ﴿ :‬‬ ‫‪B A @? > = < ; :‬‬ ‫‪ ﴾ F E D C‬النســاء‪ ،٣٤ :‬فأنتم ترون كيف بدأ االله ســبحانه هنا في‬ ‫توجيه الرجل إلى الموعظة الحســنة في علاج مشــكلته مع أهله‪ ،‬إن عاندته‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٣١‬‬ ‫وشاكســته‪ ،‬إذ ما يتحقق باللطف خير مما يتحقق بالعنــف‪ ،‬وما يتوصل إليه‬ ‫بالموعظة أجدى مما يتوصل إليه بالعقاب‪ ،‬فــإن أجدت الموعظة فذلك وإال‬ ‫هجرها في المضجع لما في ذلك من التأثير عليها‪ ،‬وتذكيرها بضرورة مراجعة‬ ‫النفس والتفكير في العواقب‪ ،‬فإن استرسلت في غيها وتمادت في نشوزها غير‬ ‫الوية على تذكيره القولي والعملي بما يجب عليها كان له أن يتجاوز ذلك إلى‬ ‫تأديبها بالضرب على أن ال يكون مبرحا وال مؤثرا كما جاء في الحديث‪.‬‬ ‫قال القرطبي‪» :‬أمر االله أن يبدأ النساء بالموعظة أوال ثم بالهجران‪ ،‬فإن لم‬ ‫ينجعا فالضرب‪ ،‬فإنه هو الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه‪ .‬والضرب‬ ‫في هذه الآية هو ضــرب الأدب غير المبرح‪ ،‬وهو الذي ال يكســر عظما وال‬ ‫يشين جارحة كاللكزة ونحوها‪ ،‬فإن المقصود منه الصلاح ال غير«)‪.(١‬‬ ‫وأنت ترى كيف كان تعبير القرآن الكريم عن واقع الشقاق بين الزوجين‬ ‫بخوف النشــوز‪ ،‬ولم يقــل )واللاتي نشــزن(‪ ،‬ففي هذا التعبيــر علاج أدبي‬ ‫للمشكلة‪ ،‬لأن فيه تذكيرا للمرأة بأنها جديرة بأن تتجنب النشوز وتتقي الشقاق‪،‬‬ ‫فهي مظنة أن تكون دائما حريصة على الألفة مســارعة إلــى أداء حق الزوج‪،‬‬ ‫ال ترضى لنفسها أن تكون في عداد النواشز‪ ،‬ومثل هذا العلاج الأدبي الراقي‬ ‫يدفع بالمرأة إلى أن تتجنب دائما دواعي الشــقاق ولو لــم يكن مفضيا إلى‬ ‫الفراق‪ ،‬فما بالك بشقاق ال يقف عند حد حتى يصل إلى الفراق‪ ،‬فإن هذا مما‬ ‫يجب أن ال يدور بخلدها‪.‬‬ ‫وقد نبه على هذا الســيد محمد رشــيد رضا بقوله‪» :‬ال جرم أن في تعبير‬ ‫القرآن حكمة لطيفة‪ ،‬وهي أن االله تعالى لما كان يحب أن تكون المعيشــة بين‬ ‫الزوجين معيشة محبة ومودة وتراض والتئام لم يشأ أن يسند النشوز إلى النساء‬ ‫إسنادا يدل على أن من شأنه أن يقع منهن فعلا‪ ،‬بل عبر عن ذلك بعبارة تومئ‬ ‫)‪ (١‬القرطبي‪ :‬الجامع لأحكام القرآن‪.١٧٥/٥ ،‬‬ ‫‪١٣٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫إلى أن من شــأنه أال يقع؛ لأنه خروج عن الأصل الذي يقوم به نظام الفطرة‪،‬‬ ‫وتطيب به المعيشــة‪ ،‬ففي هذا التعبير تنبيه لطيف إلــى مكانة المرأة‪ ،‬وما هو‬ ‫الأولى في شأنها‪ ،‬وإلى ما يجب على الرجل من السياسة لها وحسن التلطف‬ ‫في معاملتها‪ ،‬حتى إذا آنس منها ما يخشــى أن يؤول إلى الترفع وعدم القيام‬ ‫بحقوق الزوجية‪ ،‬فعليــه أوال أن يبدأ بالوعظ الذي يرى أنه يؤثر في نفســها‪،‬‬ ‫والوعظ يختلف باختلاف حال المرأة‪ ،‬فمنهن من يؤثر في نفسها التخويف من‬ ‫االله ‪ 8‬وعقابه على النشــوز‪ ،‬ومنهن من يؤثر في نفسها التهديد والتحذير من‬ ‫ســوء العاقبة في الدنيا‪ ،‬كشــماتة الأعداء والمنع من بعض الرغائب كالثياب‬ ‫الحســنة والحلي‪ ،‬والرجل العاقل ال يخفى عليه الوعــظ الذي يؤثر في قلب‬ ‫أمرأته‪ ،‬وأما الهجر‪ :‬فهو ضرب من ضروب التأديب لمن تحب زوجها ويشق‬ ‫عليها هجره إياها«)‪.(١‬‬ ‫ثم قال‪» :‬وأما الضرب فاشــترطوا فيه أن يكون غير مبرح‪ ،‬وروى ذلك ابن‬ ‫جرير مرفوعا إلى النبي ژ ‪ ،‬والتبريح الإيذاء الشديد‪ ،‬وروي عن ابن عباس ‪ƒ‬‬ ‫تفسيره بالضرب بالسواك ونحوه‪ ،‬أي‪ :‬كالضرب باليد أو بقصبة صغيرة«)‪.(٢‬‬ ‫مبرح ورد فيمــا دل عليه النبي ژ في‬ ‫قلت‪ :‬اشــتراط كون الضرب غير ‪‬‬ ‫خطبة الوداع‪ ،‬كما جاء في الســنن عند الترمذي وابن ماجه والنســائي‪ ،‬وقد‬ ‫تقدم ذكر ذلك‪ ،‬وهذا يعني أن هذا الضــرب إنما هو لأجل التذكير ال لأجل‬ ‫الإيلام‪ ،‬وأين هذا من تصرف القساة من الرجال‪ ،‬الذي يشتدون على نسائهم‬ ‫فيوجعونهن ضربا لأتفه الأسباب؟! وأين هذا مما سنه النبي ژ من المعاشرة‬ ‫الحسنة للنســاء؟ فعلى الرجال أن يتقوا االله وأن يرعوا الميثاق الغليظ الذي‬ ‫أخذته عليهم النساء‪.‬‬ ‫)‪ (١‬محمد رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪.٥٩/٥ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬المرجع السابق‪.٦٠/٥ ،‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٣٣‬‬ ‫ا‪f‬اك أ‪ 7B‬ا ‪K‬و‪ 7 $I‬ردم ‪!-‬ة ا لاف <‪:9‬‬ ‫هذا؛ وإن لم يجد ما يقوم به الزوج بنفسه من علاج مشكلة النشوز بينه وبين‬ ‫أهله‪ ،‬فإن عليه أن يفضي بذلك إلى أهله وأهلها‪ ،‬لتتعاون الأسرتان على حسم‬ ‫الشقاق إن وجدتا ســبيلا إلى ذلك‪ ،‬وذلك باختيار كل واحدة من الأسرتين من‬ ‫بينها من يكــون حصيف الرأي قادرا علــى الإصلاح والتأليــف بين القلوب‪،‬‬ ‫مخلصا في عمله الله تعالى ســاعيا إلــى التقريب جهده‪ ،‬عارفــا بما يجب فعله‬ ‫واتقاؤه في ذلك‪ ،‬فإن االله تعالى بعد أن ذكر علاج الرجل بنفسه لمشكلة النشوز‬ ‫بينه وبيــن أهله أتبع ذلك قولــه‪T S R Q P O N﴿ :‬‬ ‫‪c b a ` _^ ] \ [ Z Y X W V U‬‬ ‫‪ ﴾ d‬النساء‪ ،٣٥ :‬وهذا يعني أن حسم الخلاف بالطلاق ال يكون إال عندما تتعذر‬ ‫جميع الوسائل إلى الإصلاح والتقريب بين الزوجين المتشاقين‪ ،‬وتستنفد جميع‬ ‫المحاوالت التي يمكن أن تردم الهوة وتقرب بين الطرفين‪ ،‬فالزوجان مطالبان أن‬ ‫تعسر ذلك أو تعذر استعانا بأسرتيهما لأن هذه‬ ‫يقوما بهذا من قبل نفسيهما‪ ،‬وإن ‪‬‬ ‫المسؤولية هي في عاتق الكل‪ ،‬وقد جعل االله تعالى المصاهرة علاقة ود واحترام‬ ‫بين الأســرتين‪ ،‬ناهيك أنه ذكرها االله تعالى امتنانا وكرما مع النسب عندما قال‪:‬‬ ‫﴿ 3⁄4 ¿ ‪ ﴾ Æ Å Ä Ã Â Á À‬الفرقان‪ ،٥٤ :‬فكما أن النســب‬ ‫علاقة تشد النسيب إلى نسيبه‪ ،‬فكذلك الصهر علاقة تشد الصهر إلى صهره‪.‬‬ ‫وبهذا يتبين أن ما يكون من بعض الرجال أو من كثير منهم من التسرع إلى‬ ‫الطلاق لأتفه الأسباب؛ حتى يكون أحدهم أســرع إليه من الظمآن إلى الماء‬ ‫الفرات‪ ،‬يطفئ به غلته‪ ،‬هو من أشد الخطأ وأعظم الخطر لأنه تتهدم به الأسر‬ ‫ويتقطع به الشمل‪ ،‬وتتشــتت به الذرية‪ ،‬ويتعقد به الأطفال عندما يفقدون إما‬ ‫حنان الأم الرؤم عندما يحضنهم أبوهم‪ ،‬أو رعاية الأب الحاني عندما تحضنهم‬ ‫أمهم‪ ،‬مع أنهم بحاجة إلى اجتماع حنانها ورعايته‪ ،‬وال غنى لهم عن أحدهما‪.‬‬ ‫‪١٣٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫و‪!I‬ب ا ‪K‬ام ا !د ا ‪ 7 'D‬إع ا ‪R‬لاق‪:‬‬ ‫هذا؛ وإن من أســوأ الخطأ وأقتل الداء أن يضيق الزوج ما وســعه االله له‪،‬‬ ‫ويسد ما فتحه االله‪ ،‬فلا يكتفي بطلقة واحدة كما أرشد إلى ذلك القرآن في قوله‬ ‫تعالى‪ ﴾ } | { z y xw v ﴿ :‬البقرة‪ ،٢٢٩ :‬فإن في هذا‬ ‫إرشادا من االله سبحانه إلى أن ال يزيد الطلاق على طلقة واحدة‪ ،‬بحيث يتمكن‬ ‫المطلق بعدها من مراجعة مطلقته‪ ،‬إبان عدتها منه‪ ،‬وال يكلفه ذلك إال أن يشهد‬ ‫شاهدين على مراجعته إياها‪ ،‬ويبلغها الشاهدان بذلك قبل أن تنتهي عدتها منه‪،‬‬ ‫وقبل أن يفضي إليهــا‪ ،‬وإن انتهت العدة كان له أن يتزوجهــا بعقد جديد مع‬ ‫جميع لوازمه الشرعية‪.‬‬ ‫ولم يأمر االله سبحانه‪ ،‬بل لم يبح إيقاع الطلقات الثلاث دفعة واحدة‪ ،‬لسد‬ ‫ما فتحه من باب اليســر في التراجع بين الزوجين عندما يحسان بالندم على‬ ‫تفارقهما‪ ،‬ولكن الناس أبــوا إال أن يغلقوا ما فتحه االله لهــم من باب اللطف‬ ‫واليسر في هذا‪ ،‬فمن النادر أن يطلق أحد إال بالثلاث فما زاد‪.!!..‬‬ ‫ومع هذا؛ فإن حماقتهم وجهلهم يدفعان بهم إلى أن ال يكون الطلاق غير‬ ‫مصحوب بكفر بما أنزل االله‪ ،‬فقلما يطلق أحد من هؤالء الجهلة المغفلين إال‬ ‫ويرتكب كفرين‪ ،‬عندما يقول المرأته‪) :‬حرمتك على نفسي وأبحتك لأي رجل‬ ‫آخر(!! مع أن التحليل والتحريم لم يجعلهما االله تعالى إلى أحد من خلقه‪ ،‬بل‬ ‫هما من أمره الذي ال يشــارك فيه‪ ،‬ناهيك أن االله ســبحانه عاتب نبيه ژ على‬ ‫شيء من ذلك‪ ،‬عندما قال له‪ ﴾ ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬التحريم‪ ،١ :‬فإذا‬ ‫كان النبي ژ ـ وهو المبلغ عن االله ـ لم يأذن له االله أن يحرم على نفسه ما أحله‬ ‫االله له‪ ،‬فما بالك بهؤالء الجهلة؟!‪.‬‬ ‫وعليه؛ فإن قوله‪) :‬حرمتك على نفسي( كفر بما أنزل االله‪ ،‬فإنه تعالى يقول‬ ‫بعد ذكر عدة المطلقات‪ ﴾f e d c b a ` _ ﴿ :‬البقرة‪،٢٢٨ :‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٣٥‬‬ ‫وكيف يكون البعل أحق بها لو كانت تحــرم عليه؟! وقوله‪) :‬أبحتك لأي رجل‬ ‫آخر( كفر ـ أيضا ـ بما أنزل االله‪ ،‬فإن االله لــم يبحها بعد الطلاق لأي رجل حتى‬ ‫تنتهي عدتها التي فرضها االله تعالى بقوله‪K J I H﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ L‬البقــرة‪ ،٢٢٨ :‬فضلا عن كون المــرأة ال تحل لكل الرجــال‪ ،‬فهناك محارم‬ ‫ال تحل لهم وال يحلون لهــا‪ ،‬وهم الذين يمتون إليها بصلة نســب أو صهر أو‬ ‫رضاع محرمة‪ ،‬ومع ذلك أيضا ال تحل لمن لم يكن على ملة الإسلام‪ ،‬كما نص‬ ‫عليــه تعالــى فــي قولــه‪﴾ μ ́ 3 2 ± ° ̄ ® ¬« a © ̈ ﴿ :‬‬ ‫الممتحنة‪ ،١٠ :‬وقد تفضي بأحدهم اللجاجة في الكفر والأصالة في الحماقة والجهل‬ ‫أن يقول بعد التطليق‪) :‬حرمتك علي وحللتك لكلب أسود‪ ،‬أو للحمار(!! ومن‬ ‫أين له أن يحلها لكلب أســود أو أبيض‪ ،‬أو لحمار أهلي أو وحشــي‪ ،‬أو لأي‬ ‫حيوان كان‪ ،‬مع أنها من جنس البشر الذين فضلهم االله على غيرهم من أجناس‬ ‫المخلوقات‪ ،‬وبوأهم منصب الخلافة في الأرض والسيادة في الكون؟!!‪.‬‬ ‫هذا؛ وقد شــدد االله تعالى النكير على من حرم ما لم يحرمه االله‪ ،‬أو حلل‬ ‫ما لم يحلله‪ ،‬وعــده من افتراء الكذب عليه فــي قوله‪~ } | { ﴿ :‬‬ ‫ے ¡ ‪® ¬ « a© ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫ ̄ ‪ ﴾ 3 2 ± °‬النحل‪ ،١١٦ :‬وقال تعالى‪q p o n m l ﴿ :‬‬ ‫‪ ~ } |{ z y x w v u t s r‬ے ¡﴾‬ ‫يونس‪ ،٥٩ :‬ونادى بالضلال الذين حرموا على أنفسهم ما رزقهم االله وحكم عليهم‬ ‫بالخسران في قوله‪_ ^ ] \ [ Z Y X W﴿ :‬‬ ‫` ‪ ﴾ k j i h g fe d c b a‬الأنعــام‪،١٤٠ :‬‬ ‫وبين أن هذا من دأب الذين أشركوا في قوله‪5 4 3 2 1 0 / ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ < ; : 9 8 7 6‬الأنعــام‪ ،١٤٨ :‬وقولــه‪" ! ﴿ :‬‬ ‫‪210/.-,+*)('&%$#‬‬ ‫‪ ﴾ 5 4 3‬النحل‪.٣٥ :‬‬ ‫‪١٣٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫فليت شــعري؛ هل أدرك الذين ال يعرفون الطلاق إال بالتحليل والتحريم‬ ‫الكاذبين إلــى أي حضيض مــن الكفر ينزلــون‪ ،‬وفي أي واد مــن الضلال‬ ‫يهيمون؟! فإنهم يهوون إلى غير قرار من الأرض‪+ * ) ( ' ﴿ ،‬‬ ‫‪ ﴾ 6 5 4 3 2 1 0 / . - ,‬الحج‪.٣١ :‬‬ ‫هذا؛ وال يكاد أحد هؤالء يقع في هذه الورطة حتى يأخذ في البحث عن‬ ‫المخرج منها‪ ،‬ويتردد على الفقهاء طالبا منهم حل مشكلته‪ ،‬وأنى له من مخرج‬ ‫وهو لم يتق االله فيجعــل له مخرجا؟! كما ثبت عن ابــن عباس ^ فيما رواه‬ ‫أبو داود قال‪» :‬حدثنا حميد بن مسعدة‪ ،‬حدثنا إســماعيل‪ ،‬أخبرنا أيوب‪ ،‬عن‬ ‫عبد االله بن كثير‪ ،‬عن مجاهد قال‪ :‬كنت عند ابن عباس فجاءه رجل‪ ،‬فقال‪ :‬إنه‬ ‫طلق امرأته ثلاثا‪ ،‬قال‪ :‬فســكت حتى ظننت أنه رادها إليه‪ ،‬ثــم قال‪» :‬ينطلق‬ ‫أحدكم‪ ،‬فيركب الحموقة ثم يقول يا ابن عبــاس‪ ،‬يا ابن عباس‪ ،‬وإن االله قال‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ o n m l k j‬الطلاق‪ ،٢ :‬وإنك لم تتق االله فلم أجد لك مخرجا‪،‬‬ ‫عصيت ربك‪ ،‬وبانت منك امرأتك‪ ،‬وإن االله قال‪% $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫& ﴾ الطلاق‪ ،١ :‬في قبل عدتهن«)‪.(١‬‬ ‫قال أبو داود‪ :‬روى هذا الحديث حميد الأعرج‪ ،‬وغيره عن مجاهد‪ ،‬عن ابن‬ ‫عباس‪ ،‬ورواه شــعبة‪ ،‬عن عمرو بن مرة‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪ ،‬عن ابن عباس‪،‬‬ ‫وأيوب‪ ،‬وابن جريج‪ ،‬جميعا عن عكرمة بن خالد‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪ ،‬عن ابن‬ ‫عباس‪ ،‬وابن جريج‪ ،‬عــن عبد الحميد بن رافع‪ ،‬عن عطــاء‪ ،‬عن ابن عباس‪،‬‬ ‫ورواه الأعمش‪ ،‬عن مالك بن الحــارث‪ ،‬عن ابن عبــاس‪ ،‬وابن جريج‪ ،‬عن‬ ‫عمرو بن دينار‪ ،‬عن ابن عباس«)‪.(٢‬‬ ‫)‪ (١‬هذا تفسير من ابن عباس للمراد في قوله تعالى‪ ﴾'& ﴿ :‬الطلاق‪ ،١ :‬وليس‬ ‫هو قرآنا‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أبو داود‪ ٢٦٠/٢) :‬رقم‪.(٢١٩٧ :‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٣٧‬‬ ‫وهذا شــأن من عصى االله وتصامم عن داعيه وأطاع الشيطان‪ ،‬واستجاب‬ ‫لندائه‪ ،‬فإنه ال يلبث أن يعض على بنان الندم لما يفوته من المنفعة في دنياه‪،‬‬ ‫وما بالك بندمه في الدار الآخرة عندما يلقى جزاء عمله إن لم يتب؟! ﴿‪g‬‬ ‫‪ ﴾ q p o n m l k j i h‬الفرقان‪.٢٧ :‬‬ ‫ومن أعجب ما ينتج عن الحماقة والرعونة والتخبط في التصرف أن تجد‬ ‫كثيرا من الرجال ـ عندما تنجم مشكلة بينهم وبين أحد من الناس ـ ال يفزعون‬ ‫إال إلى الطلاق؛ كأنه الحل الأوحد لجميع مشكلاتهم مع الأقربين والأبعدين!!‬ ‫فتسمع أحدهم عندما يشــاكس أباه أو أمه ال يكتفي بعقوقهما وإزعاجهما بل‬ ‫يضيف إلى ذلك إقحام امرأته البريئة في هذه المشاكسة بينه وبين أبويه!! مع‬ ‫أنها ال ناقة لها وال جمل فيها‪ ،‬فلا يلبث أن يقول لهما أو لأحدهما‪) :‬إن دخلت‬ ‫بيتك فامرأتي طالق بالثلاث( وكذلك عندما تكون هذه المشاكســة بينه وبين‬ ‫أحد جيرانه أو أرحامه أو أي أحد كان‪ ،‬فليت شعري؛ ما الذي يقحم حليلته في‬ ‫هذه المشاكســة بينه وبين هؤالء؟! أو أنه يرى أن هذا هو الإمساك بالمعروف‬ ‫والمعاشرة الحسنة التي أمره االله تعالى بها؟! وكم تجد هؤالء بعد هذه العثرة‬ ‫المردية يلحون في طلب المخرج من الفقهــاء كأنهم هم الذين زينوا لهم هذه‬ ‫الحماقة ودفعوا بهم إلى هذه الورطة!!‪.‬‬ ‫و‪!I‬ب ا'ة ‪J‬ل ا أة '< إع ا ‪R‬لاق‪:‬‬ ‫هذا؛ وكم أعرض الناس عن وصايا القرآن واتباع هدي الرسول عليه وعلى‬ ‫آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام في تطليق النساء‪ ،‬إذ تجد أحدهم ال يبالي‬ ‫أن يطلق امرأته في أي حال يزين له شيطانه طلاقها‪ ،‬وال يفكر في أمر االله ونهيه‬ ‫ووعظه وإرشاده‪ ،‬فإن االله تعالى لم يبح الطلاق إال في حالة معينة عندما قال‪:‬‬ ‫﴿ ! " ‪ ﴾ ' & % $ #‬الطــلاق‪ ،١ :‬وبيــن النبي ژ‬ ‫معنى ذلك فيما ثبت »عن عبد االله بــن عمر ^ ‪ :‬أنه طلق امرأته وهي حائض‪،‬‬ ‫‪١٣٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫على عهد رسول االله ژ ‪ ،‬فسأل عمر بن الخطاب رسول االله ژ عن ذلك‪ ،‬فقال‬ ‫رسول االله ژ ‪» :‬مره فليراجعها‪ ،‬ثم ليمسكها حتى تطهر‪ ،‬ثم تحيض ثم تطهر‪،‬‬ ‫ثم إن شاء أمسك بعد‪ ،‬وإن شاء طلق قبل أن يمس‪ ،‬فتلك العدة التي أمر االله أن‬ ‫تطلق لها النساء««)‪.(١‬‬ ‫ومعنى ذلك أن تطليق المرأة لعدتها أن يطلقها في طهر لم يباشرها فيه‪ ،‬وال‬ ‫يسوغ أن يطلقها في حال حيضها أو بعد أن يباشرها في الطهر‪ ،‬وقد بين حكمة‬ ‫ذلك الفقهاء‪ ،‬فقد حكى عنهم ابن القيم أنهم‪» :‬قالوا‪ :‬واالله سبحانه شرع الطلاق‬ ‫على أيســر الوجوه وأرفقها بالزوج والزوجة لئلا يتســارع العبــد في وقوعه‬ ‫ومفارقة حبيبته‪ .‬وقد وقت للعدة أجلاً الستدراك الفارط بالرجعة فلم يبح له أن‬ ‫يطلق المرأة في حال حيضها‪ ،‬لأنه وقت نفرته عنها‪ ،‬وعدم قدرته على استمتاعه‬ ‫بها وال عقيب جماعها لأنه قد قضى غرضه منها وربما فترت رغبته فيها وزهد‬ ‫في إمساكها لقضاء وطره‪ .‬فإذا طلقها في هاتين الحالتين ربما يندم بعد هذا مع‬ ‫ما في الطلاق فــي الحيض من تطويل العدة‪ ،‬وعقيــب الجماع من طلاق َمن‬ ‫لعلها قد اشتمل رحمها على ولد منه فلا يريد فراقها‪.‬‬ ‫فأما إذا حاضت ثم طهرت فنفسه تتوق إليها لطول عهده بجماعها فلا يقدم‬ ‫على طلاقها في هذه الحال إال لحاجته إليه‪ .‬فلم يبح له الشارع أن يطلقها إال‬ ‫في هذه الحال أو في حال استبانة حملها‪ ،‬لأن إقدامه أيض ًا على طلاقها في هذه‬ ‫الحال دليل على حاجته إلى الطلاق‪.‬‬ ‫وقد أكد النبي صلى االله تعالى عليه وآله وسلم هذا بمنعه لعبد االله بن عمر أن‬ ‫يطلق في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلق فيها‪ ،‬بل أمره أن يراجعها حتى تطهر‬ ‫ثم تحيض ثم تطهر‪ ،‬ثم إن بدا له أن يطلقها فليطلقها‪ .‬وفي ذلك عدة حكم‪:‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه مالك )‪ ٥٧٦/٢‬رقم‪ ،(٥٣ :‬وأحمد )‪ ١٢/٥‬رقم‪ ،(٥٢٩٩ :‬والبخاري )‪ ٤١/٧‬رقم‪٥٢٥١ :‬و ‪،(٥٢٥٢‬‬ ‫ومسلم )‪ ١٠٩٣/٢‬رقم‪ (١٤٧١ :‬وأبو داود )‪ ٢٥٥/٢‬رقم‪ (٢١٧٩ :‬والترمذي )‪ ٤٧١/٣‬رقم‪.(١١٧٦٩ :‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٣٩‬‬ ‫منها‪ :‬أن الطهر المتصل بالحيضة هو وهي في حكم القرء الواحد‪ ،‬فإذا‬ ‫طلقها في ذلك الطهر فكأنه طلقهــا في الحيضة التصاله بهــا وكونه معها‬ ‫كالشيء الواحد‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬أنه لو أذن له في طلاقها في ذلــك الطهر فيصير كأنه راجع لأجل‬ ‫الطلاق‪ ،‬وهذا ضد مقصود الرجعة‪ .‬فإن االله تعالى إنما شــرع الرجعة للإمساك‬ ‫ولم شــعث النكاح وعود الفراش‪ ،‬فلا يكون لأجل الطلاق فيكون كأنه راجع‬ ‫ليطلق‪ ،‬وإنما شرعت الرجعة ليمســك وبهذا بعينه أبطلنا نكاح المحلل‪ ،‬فإن‬ ‫االله ‪ 4‬شرع النكاح للإمساك والمعاشرة‪ ،‬والمحلل تزوج ليطلق فهو مضاد االله‬ ‫تعالى في شرعه ودينه‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬أنه إذا صبر عليها حتى تحيض ثــم تطهر ثم تحيض ثم تطهر زال‬ ‫ما في نفسه من الغضب الحامل له على الطلاق‪ ،‬وربما صلحت الحال بينهما‪،‬‬ ‫وأقلعت عما يدعوه إلى طلاقها‪ ،‬فيكون تطويل هذه المدة رحمة به وبها«)‪.(١‬‬ ‫قلت‪ :‬ومع ما جاء في كلام أهل العلم الغابرين من بيان حكمة هذا التشريع‬ ‫الحكيم في تحديد الحالة التي يباح فيها الطلاق‪ ،‬يمكن أن تضم إلى ذلك حكمة‬ ‫أخرى‪ ،‬بل هو متعين مع ظهورها‪ ،‬وهي ما أثبته علم النفس والطب النفسي من‬ ‫أن المرأة في إبان طمثها تكون غير سوية الطبع‪ ،‬فقد تنفعل لأتفه الأسباب فإن‬ ‫أبيح للرجل أن يطلقها أثناء ذلك تســارع الناس إلى الطلاق في وقت الحيض‪،‬‬ ‫وانهدمت بذلك البيوت وتشتت بسببه الأسر‪ ،‬وهو مما يؤدي إلى ندم الفريقين‪،‬‬ ‫أما إن قدر الرجل وضع المرأة الطبيعي في هذه الفترة‪ ،‬واستطاع أن يضبط نفسه‬ ‫ويتحكم في عواطفها‪ ،‬فإنهما يحمدان عاقبة ذلك عندما تزول النفرة ويعود الوئام‬ ‫بينهما وتطيب العشــرة بإمكان إفضاء بعضهما إلى بعض‪ ،‬مع ما يغمر نفسيهما‬ ‫في هذه الحالة من الحب العميق والرحمة الفياضة‪.‬‬ ‫)‪ (١‬ابن القيم‪ :‬إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان‪ ٣٠٥/١ ،‬ـ ‪.٣٠٦‬‬ ‫‪١٤٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ا ‪,‬رة ا ‪ >' * 7‬ا ‪R‬لاق‪:‬‬ ‫هذا؛ وال يخفى ما ينتج عن كثرة الطلاق من خسارة بالغة على المجتمع‪،‬‬ ‫وضياع فلذات الأكباد وثمرات الأفئدة بفقدانها الرعاية الأبوية الحانية أو حنان‬ ‫الأمومة الرؤوم وشــفقتها‪ ،‬والزوجــان بافتراقهما هما أول مــن يحس بهذه‬ ‫الخســارة الفادحة‪ ،‬فالضريبة التي يدفعها كل منهما هي أغلى ما يتصور‪ ،‬ولو‬ ‫أنهما عرفا كيف يصونان علاقتهما ويحافظان على شــركتهما في الحياة لجنبا‬ ‫نفسيهما وأوالدهما وأسرتيهما ومجتمعهما بأسره ما يترتب على افتراقهما من‬ ‫سوء العاقبة‪.‬‬ ‫ <‪ $ 7g+‬إ'اد ا ‪K‬و‪ 0+4 $I‬زوا‪ 0" 9I‬وا‪+I‬ت ا "ة ا ‪K‬و‪:I‬‬ ‫لهذا يتعين أن يعد كل منهما قبل اجتماعه بقرينه إعدادا صالحا علما وخبرة‬ ‫وخلقا ليتدربا على حســن العشــرة بينهما وتجنب كل ما يؤدي إلى انفصام‬ ‫علاقتهما‪ ،‬وهــذا ال يتم إال بأن يدخل الشــاب قبل زواجه فــي دورة تأهيلية‬ ‫عرف فيها بحقيقة علاقة الزوج بزوجه وقدسية هذه العلاقة‪ ،‬ووجوب‬ ‫للزواج‪ُ ،‬ي ‪‬‬ ‫المحافظة عليها وما يترتب على هذه المحافظة من طمأنينة النفوس وأنســها‬ ‫وهدوء الحياة وطيبها‪ ،‬كما يبصر في هذه الدورة بأحكام الطلاق ومتى يكون‬ ‫مباحا‪ ،‬وأنه ال يصار إليه إال مع الضرورة البالغة بعد اســتفراغ وسع الزوجين‬ ‫وأسرتيهما في الحلول التي تبعد عنهما شبح الطلاق المخيف‪.‬‬ ‫وكذلك الفتاة تدخل في دورة مثيلة تعرفها بهذا كله‪ ،‬مع تبصيرها بوجوب‬ ‫محافظتها على هــدوء زوجها‪ ،‬وتجنب كل ما يهيج عواطفــه ويثير انفعاالته‪،‬‬ ‫وحرصها على راحته وطمأنينته وتفننها في اكتساب وده واجتذاب قلبه‪ ،‬إذ بهذا‬ ‫تتفوق على زميلاتها في حســن إدارتها لبيتها‪ ،‬ونجاحها في إســعاد شــريك‬ ‫حياتها‪ ،‬وتكون في ذلك قدوة لهن وأسوة لمن تستفيد من سيرتها من الفتيات‬ ‫الناشئة‪ ،‬أو الداخلات في القفص الذهبي‪.‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٤١‬‬ ‫ومن الضرورة أن يتولى القيام بهذه المهمة الأكفاء من الرجال والنســاء‪،‬‬ ‫الذين جمعوا بين الفقه في الديــن والإخلاص في القــول والعمل‪ ،‬والخبرة‬ ‫الواسعة والإحاطة بتجارب الحياة والقدرة على حل مشكلاتها‪ ،‬فإن قيام هذه‬ ‫الدورات وإقبال الجنسين عليها يجنب الأسر الويلات الناتجة عن االستجابة‬ ‫للعواطف ودواعي الهوى‪ ،‬وعدم المباالة بنداء العقل والضمير‪.‬‬ ‫_ ‪ $‬ا وءة وال ا ‪ $‬ا‪K‬از ا أة '< ‪:9R‬‬ ‫هذا؛ ومن المخالفات الشرعية الممقوتة في المفارقة بين الزوجين ما هو‬ ‫شــائع الآن من ابتزاز الرجل للمرأة بمضايقتها حتى يضطرها إلى االفتداء منه‬ ‫بما دفع إليها من المهر‪ ،‬وقد يتجاوز جشــعه هذا الحد إلــى اضطرارها لأن‬ ‫تفتدي منه بأضعاف ما آتاهــا‪ ،‬وهذا كله حرام بنص الكتــاب العزيز‪ ،‬فإن االله‬ ‫تعالى قال‪° ̄ ® ¬ « a © ̈ § ¦ ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ ±‬النساء‪ ،١٩ :‬وإذا كان االله تعالى يحرم على الرجل أن يعضل حليلته ليذهب‬ ‫ببعض ما آتاها‪ ،‬فكيف إن ذهب بكل ما آتاها أو بأضعافه؟!!‪.‬‬ ‫وقد أكد االله تعالى هذا في آيــات من كتابه كما فــي قوله‪" ! ﴿ :‬‬ ‫‪,+*)('&%$#‬‬ ‫‪8 7 6 5 4 ❁ 2 1 0 / .‬‬‫‪ ﴾ > = < ; : 9‬النساء‪ ٢٠ :‬ـ ‪ ،٢١‬ومثل ذلك قوله‪:‬‬ ‫﴿ ے ¡ ‪° ̄ ® ¬ « a © ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫‪Äà  Á À ¿ 3⁄41⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 2 ±‬‬ ‫‪ ﴾ Ë Ê É È Ç Æ Å‬البقــرة‪ ،٢٢٩ :‬وناهيك بمــا في هذه الآية‬ ‫الكريمة من الزجر الشــديد عن االقتراب من هذا الحمــى المحرم‪ ،‬فقد بين‬ ‫تعالى أن هذا من حدوده الذي يجب أن تصان وتحترم‪ ،‬وأن ال يعتدى عليها‪،‬‬ ‫ومن تعداها فهو من الظالمين‪ ،‬وهذه الآيات كلها تؤدي إلى غاية واحدة‪ ،‬فليس‬ ‫‪١٤٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫بين معانيها تنافــر‪ ،‬وال بين دالالتها تناقض‪ ،‬وهي جميعا تعني أن التســريح‬ ‫بالإحسان ال يتحقق إن رزأ الرجل امرأته شــيئا مما آتاها‪ ،‬اللهم إال في حالة‬ ‫خاصة عبر عنها في آية النســاء بأن يأتين بفاحشــة مبينة‪ ،‬وفي ســورة البقرة‬ ‫بخوفهما أن ال يقيما حدود االله‪.‬‬ ‫فقد فسرت الفاحشــة المبينة بالزنا‪ ،‬ومنهم من فسرها بأنها النشوز البين‪،‬‬ ‫وهذا هو الذي يتفق مع آية البقرة التي تنوط جــواز افتدائها منه وقبوله الفدية‬ ‫منها بخوفهما أال يقيما حدود االله‪ ،‬وفسر ذلك بأن تكون غير قادرة على القيام‬ ‫بالحقوق الزوجية من معاشــرة في الفراش‪ ،‬وطاعتها لأمره وحسن تبعلها له‪،‬‬ ‫وإسعادها له في الحياة‪ ،‬وهذا مما يسبب في نفسه ردة فعل عنيفة‪ ،‬فيقسو في‬ ‫معاملتها‪ ،‬فإذا خشيا ذلك جازت الفدية بينهما لتفادي ما يحذرانه‪.‬‬ ‫قال قطب الأئمــة ‪» : 5‬قال ابن عباس ومالــك والجمهور عدم إقامة‬ ‫حدود االله استخفاف المرأة نحو زوجها‪ ،‬وســوء عشرتها معه‪ ،‬وما يفعله هو‬ ‫معها مما يعد ظلم ًا مجازاة على نشوزها‪ ،‬وذلك أن الإنصاف بين الزوجين‬ ‫واجب يؤدى كل إلــى الآخر حقه‪ ،‬فهو حــدود االله أداء واجبه‪ ،‬ولذلك قال‬ ‫الشعبي‪ ﴾ ¶ μ ́ 3 ﴿ :‬معناه أال يطيعا االله‪ ،‬وذلك أن المغاضبة تدعو‬ ‫إلى مخالفة أمر االله ونهيه‪ ،‬وقيل المراد عدم إقامة المرأة حدود االله أن تنشز‪،‬‬ ‫مثل أن تقول‪» :‬ال أطيع لك أمرا« أو »ال أبر قســمك« أو »ال أضاجعك« أو‬ ‫»ال أغتسل لك من جنابة« أي ال تجامعني جماعا فضلا عن أجنب‪ ،‬فأغتسل‪،‬‬ ‫فأســند إلى الزوج أيضا لأنه بينهمــا يصدر منها إليه‪ ،‬ونســب البن عباس‬ ‫ومالك والجمهور«)‪.(١‬‬ ‫وقال السيد رشيد رضا في بيان حرمة أخذ الفدية منها‪» :‬ومحل هذا الحكم‬ ‫إذا كان الزوج هو الــذي اختار فراق المرأة ورغب عنهــا‪ ،‬وأما إذا كانت هي‬ ‫)‪ (١‬قطب الأئمة‪ :‬هميان الزاد‪.٢٥٨/٢ ،‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٤٣‬‬ ‫الراغبة عنه الطالبة لفراقه‪ ،‬وخيف أن تتوســل إليه بالنشــوز وســوء العشرة‬ ‫لكراهتها إياه أو لســوء خلقها‪ ،‬ال لمضارته لها; فلا جناح عليهما حينئذ فيما‬ ‫يأخذه منها لإطلاق سراحها‪ ،‬إذ ال يكلف خسارة امرأته وماله بغير ذنب منه؛‬ ‫ولذلك قال تعالــى‪ ﴾ ̄ ® ¬ « a © ̈ ﴿ :‬البقــرة‪ ،٢٢٩ :‬التي حدها‬ ‫للزوجين من حسن المعاشرة والمماثلة في الحقوق مع والية الرجل‪ ،‬والتعاون‬ ‫على القيام بأمر المنزل وتربية الأوالد وعــدم المضارة لقوله‪( ' ﴿ :‬‬ ‫) * ﴾ الطلاق‪ ،٦ :‬وغير ذلك‪ ،‬وذلك بأن تخاف المرأة أن تعصي االله في‬ ‫أمر زوجها فتكفــره أو تخونه‪ ،‬ويخاف هو أن يخرج عن الحد المشــروع في‬ ‫مؤاخذة الناشز‪ ،‬ويخافا معا سوء العشرة ﴿ ‪1 ̧ ¶ μ ́ 3 2 ±‬‬ ‫‪ ﴾ 1⁄2 1⁄4 » o‬البقرة‪ ،٢٢٩ :‬الجناح‪ :‬الإثم‪ ،‬أي ال جناح عليها فيما تعطيه إياه‬ ‫ليخلعها; لأن طلبها الطلاق إنما يحظر لغير هذا العــذر‪ ،‬وال جناح عليه فيما‬ ‫يأخذ لأجل ذلك; لأنه برضاها واختيارها من غير إكراه منه وال مضارة«)‪.(١‬‬ ‫وقال في قوله‪ ̄ ® ¬ « a © ̈ § ¦ ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ ± °‬النســاء‪» ،١٩ :‬الفاحشة‪ :‬الفعلة الشنيعة الشــديدة القبح‪ ،‬وكلمة‬ ‫»مبينة« قرأها ابن كثير‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬عن عاصم بفتح الياء المشددة‪ ،‬أي بصيغة‬ ‫اسم المفعول‪ ،‬والباقون بكســرها‪ ،‬أي بصيغة اسم الفاعل أي ظاهرة متبينة أو‬ ‫مبينة حال صاحبها فاضحة له‪.‬‬ ‫وقد ورد‪ :‬بين بمعنى تبين اللازم‪ .‬روي عن ابن عباس‪ ،‬وقتادة‪ ،‬والضحاك‬ ‫أن الفاحشة المبينة هنا هي النشوز وسوء الخلق‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬ويؤيد ذلك قراءة‬ ‫أبي »إال أن يفحشن عليكم«‪ ،‬وروي عنه‪ ،‬وعن ابن مسعود أنهما قرءا‪» :‬إال أن‬ ‫يفحشــن«‪ ،‬دون لفظ »عليكم«‪ ،‬وعندي أنهما ذكرا الآية بالمعنى فظن السامع‬ ‫أنهما رويا ذلك قراءة فعنيا لفظ القرآن‪.‬‬ ‫)‪ (١‬محمد رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪ ٣٠٧/٢ ،‬ـ ‪.٣٠٨‬‬ ‫‪١٤٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وعن الحســن‪ ،‬وغيره أنها‪ :‬الزنا ويجوز أن يراد بها ما هو أعم من الأمرين‪،‬‬ ‫والمعنى ال تعضلوهن في حال من الأحوال‪ ،‬أو في زمن من الأزمان إال الحال أو‬ ‫الزمن الذي يأتين فيه بالفاحشة المبينة دون الظنة والشبهة‪ ،‬فإذا نشزن عن طاعتكم‬ ‫بالمعروف المشروع‪ ،‬ولم ينفع معهن التأديب الذي سيذكر في آية أخرى من هذه‬ ‫السورة‪ ،‬وساءت عشرتهن لذلك‪ ،‬أو تبين ارتكابهن للزنا‪ ،‬أو السحاق فلكم حينئذ‬ ‫أن تعضلوهن; لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق وغيره إذ ال يكلفكم االله أن‬ ‫تخسروا عليهن ما لكم في هذه الحالة التي يجيء فيها الفحش من جانبهن كما‬ ‫في الآية الأخرى ﴿ ے ¡ ‪« a © ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫¬ ® ̄ ﴾ البقرة‪ ،٢٢٩ :‬وقد أشرنا إليها آنفا«)‪.(١‬‬ ‫ثم نقل عن الإمام محمد عبده أنه قال‪» :‬روي عن بعض مفسري السلف‬ ‫أن الفاحشــة هنا هي الزنا‪ ،‬وعن بعضهم أنها النشــوز‪ ،‬وعــن بعضهم أنها‬ ‫الفحش بالقول‪.‬‬ ‫والصواب عدم تعيينها وتخصيصها بأحد هذه الأمور بل تبقى على إطلاقها‬ ‫فتصدق بالسرقة أيضا‪ ،‬فإنها من الأمور الفاحشــة الممقوتة عند الناس‪ ،‬ولكن‬ ‫يعتبر فيها هذا الوصف المنصــوص وهو أن تكون مبينــة‪ ،‬أي ظاهرة فاضحة‬ ‫لصاحبها‪ ،‬وإنما اشــترط هذا القيد لئــلا يظلم الرجل المــرأة بإصابتها الهفوة‬ ‫واللمم‪ ،‬أو بمجرد ســوء الظن والتهم‪ ،‬فمن الرجال الغيور السيء الظن يؤاخذ‬ ‫المرأة بالهفوة فيعدها فاحشة‪ ،‬وقد حرم االله المضارة لأجل أن يأخذ الرجل منها‬ ‫بعض ما كان آتاها من صداق‪ ،‬أو غيره‪ ،‬فعلم منه أن المضارة لأخذ جميع ذلك‪،‬‬ ‫أو أكثر منه حرام بالأولــى‪ ،‬وإنما أبيح للرجل أن يضيق علــى امرأته إذا أتت‬ ‫بالفاحشة المبينة; لأن المرأة قد تكره الرجل وتميل إلى غيره فتؤذيه بفحش من‬ ‫القول‪ ،‬أو الفعل‪ ،‬ليملها ويسأم معاشرتها‪ ،‬فيطلقها‪ ،‬فتأخذ ما كان آتاها‪ ،‬وتتزوج‬ ‫آخر تتمتع معه بمال الأول‪ ،‬وربما فعلت معه بعد ذلك كما فعلت بالأول‪.‬‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪.٣٧٣/٤ ،‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‬ ‫‪١٤٥‬‬ ‫وإذا علم النساء أن العضل‪ ،‬والتضييق بيد الرجال‪ ،‬ومما أبيح لهم إذا هن‬ ‫أهنهم بارتكاب الفاحشــة المبينة فإن ذلك يكفهن عن ارتكابها واالحتيال بها‬ ‫على أرذل الكسب« اهـ)‪.(١‬‬ ‫وإذا أدركت أن أخذ الفدية من المرأة شــدد فيه القرآن أيما تشديد‪ ،‬ونص‬ ‫على أنه ال يحل‪ ،‬ولو كان شــيئا يســيرا وقد أمهرها ماال كثيرا‪ ،‬كما في قوله‬ ‫تعالى‪) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫* ‪ ﴾2 1 0 / .- , +‬النساء‪ ،٢٠ :‬فإنه لو ساق‬ ‫إليها قنطارا من الذهب لما كان له أن يسترد منه شيئا‪ ،‬والشيء يصدق على أقل‬ ‫ما يتصور‪ ،‬وقد أثار االله ســبحانه هواجس الفطرة في نفوس الرجال لتحجزهم‬ ‫عن أخذ أي شــيء مما آتوه نســاءهم‪ ،‬عندما قال علــى أثر ذلك‪4 ﴿ :‬‬ ‫‪﴾> = < ; : 9 8 7 6 5‬‬ ‫النساء‪ ،٢١ :‬فقد أبعد االله رغباتهم في استرداد شيء مما آتوهن بتذكيرهم بما سلف‬ ‫بينهم وبينهن من اشتراكهم معهن في اشتيار أطيب لذات الحياة وأمتعها‪ ،‬مع‬ ‫االنســجام التام في المشاعر والأحاســيس حتى اتحدت هوية الجميع‪ ،‬فكان‬ ‫الإفضاء إليهن إفضاء بعض الشــيء إلى بعضــه ـ كما تقدم ـ مــع تذكيرهم‬ ‫بالميثاق الغليظ الذي أخذنه عليهم‪ ،‬وقد علمت أنه ميثاق فطري وشرعي‪.‬‬ ‫وإنما أباح سبحانه في حالة واحدة أخذ هذه الفدية‪ ،‬وهو عندما تنفر عنهم‬ ‫طباعهن حتى ال يجدن سبيلا إلى أداء ما لهم عليهن من الحقوق‪ ،‬مع خوفهم‬ ‫أيضا أن تكون ردة فعلهم تجاه ذلــك مجحفة بحقوقهن‪ ،‬فهذه الحالة الوحيدة‬ ‫التي أبيح فيها للرجل أن يقبل الفدية من المرأة‪.‬‬ ‫وإذا تبين لك هذا؛ فاعجب من أولئك الذين يشاكسون النساء‪ ،‬ويضيقون‬ ‫عليهن خناق الحياة حتى ينقلبن إلى اليأس‪ ،‬وال يجدن سبيلا إلى الخلاص إال‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪.٣٧٤/٤ ،‬‬ ‫‪١٤٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫أن يعرضن عليهم أن يفتدين‪ ،‬كيف يستحلون هذه الفدية بهتانا وإثما مبينا كما‬ ‫أخبر االله تعالى؟!!‪.‬‬ ‫والأعجب من هذا أن ال يكتفوا باســترداد ما أخذن منهــم‪ ،‬بل يتفننون في‬ ‫تعذيبهن وإنزال الويلات بهن؛ ليأخذوا منهن أضعاف ما آتوهن‪ ،‬أال يفكر هؤالء‬ ‫في المنقلب إلى االله ســبحانه‪ ،‬الذي حــرم عليهم أن يأخذوا شــيئا مما آتوهن‪،‬‬ ‫ومحاســبتهم على ما أخذوا‪ ،‬وجزائهم الجزاء الأوفى؟! أال يشــفق هؤالء على‬ ‫أنفسهم‪ ،‬ويدركوا أن الحرام ممحقة للبركة ومنغصة في الدنيا ومهلكة في الآخرة‪.‬‬ ‫ثم إن عجبي ال ينقضي ممن يتولى الحكم بين الزوجين‪ ،‬وهو مســؤول‬ ‫أمام االله تعالى أن يحكم بينهما بالعدل‪ ،‬كما قال تعالى‪® ¬ « a © ﴿ :‬‬ ‫ ̄ ‪Á À¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o1 ̧ ¶ μ ́ 3 2 ± °‬‬ ‫‪ ﴾ Å Ä Ã Â‬النساء‪ ،٥٨ :‬ويتبين له العنت من الزوج‪ ،‬ويتمثل بين يديه وأمام‬ ‫ناظريه ما كان منه من ظلم بالغ وعنت شــديد‪ ،‬وبدال من أن يأخذ حقها منه‬ ‫ويخلصها من ظلمه خلاصا حســنا يعرض عليها من أن تفتدي منه ولو كانت‬ ‫الفدية أضعافا مضاعفة‪ !!..‬بل يضطرها إلى ذلك بقطع طريق الخلاص عنها‪.!.‬‬ ‫أين هذا مما أمر االله تعالى به من القسط وحذر منه من الجور؟ ألم يقل االله‬ ‫تعالــى‪﴾> = < ; :9 8 7 6 5 ﴿ :‬‬ ‫المائدة‪ ،٤٢ :‬وهو القائل تعالــى‪ ﴾ 1 0 / . - ﴿ :‬الجن‪ ،١٥ :‬لقد‬ ‫كان الواجب على من يتولى الحكم في هذا أن يخلص المظلوم مما وقع عليه‬ ‫من الظلم‪ ،‬ويقطع يد الظالم عن الظلم والبطش كما قال الصديق ‪» : ƒ‬أال إن‬ ‫القوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق والضعيف عندي قوي حتى آخذ له‬ ‫الحق«)‪ ،(١‬ال أن يقــوي الظالم على المظلوم ويخذل المظلــوم‪ ،‬فلا يجد إلى‬ ‫االنتصاف من ظالمه سبيلا‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه البيهقي‪ ٣٥٣/٦) :‬رقم‪.(١٢٧٨٨ :‬‬ ‫‪١٤٧‬‬ ‫ا "!ر ا ‪,‬دس‬ ‫   ‪0‬‬ ‫إن مما يدرك بالفطرة أن العقل في الإنسان هو ميزته وشرفه‪ ،‬وملاك حياته‬ ‫ونور وجوده‪ ،‬وأساس قدره وقيمته‪ ،‬فالناس إنما يتفاضلون بالعقول‪ ،‬وما ينتج‬ ‫عنها من الأخلاق والأعمال‪ ،‬ولذلك ناط االله تعالى في كتابه انتفاع الناس بما‬ ‫أنزله‪ ،‬وادكارهم به‪ ،‬واعتبارهم بتصريف آياته المنزلة‪ ،‬وآياته في فسيح الكون‬ ‫وتضاعيف العالم بما جعــل االله فيهم من عقول‪ ،‬كما فــي قوله‪# " ! ﴿ :‬‬ ‫‪/.-,+*)('&%$‬‬ ‫‪?>=<;:9876543210‬‬ ‫@ ‪J I H G F ED C B A‬‬ ‫‪ ﴾K‬البقرة‪ ،١٦٤ :‬وقوله‪u t s r q p o n﴿ :‬‬ ‫‪ ~ } | { z y x w v‬ے ¡ ‪¥ ¤£ ¢‬‬ ‫¦ § ̈ © ‪ ﴾ a‬الرعــد‪ ،٤ :‬وقولــه‪k j i ﴿ :‬‬ ‫‪x w v u t sr q p on m l‬‬ ‫‪ ﴾ y‬النحل‪ ،١٢ :‬وقوله‪L K J I H G F ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ U T S R Q P ON M‬النحل‪ ،٦٧ :‬وقوله‪m l k ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ q p o n‬العنكبــوت‪ ،٣٥ :‬وقولــه‪2 ± °﴿ :‬‬ ‫‪ Á À¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ 3‬‬ ‫‪ ﴾Æ Å Ä Ã‬الروم‪ ،٢٤ :‬وقولــه‪WV U T S R﴿ :‬‬ ‫‪١٤٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪edcba`_^]\[ZYX‬‬ ‫‪ ﴾n m l k j ih g f‬الروم‪،٢٨ :‬‬ ‫وقوله‪@ ? > = < ; ❁ 9 8 7 6 5 4 3 2 1 ﴿ :‬‬ ‫‪﴾N M L K J I H G F E D C B A‬‬ ‫الجاثيــة‪ ٤ :‬ـ ‪ ،٥‬وقولــه‪` _ ^ ] \ [ Z Y ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾c b a‬آل عمران‪ ،١٩٠ :‬وقوله‪ Á À ¿ 3⁄4 1⁄2﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Ã‬يوســف‪ ،١١١ :‬وقوله‪) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫* ﴾ ص‪ ،٤٣ :‬وقوله‪Ø × Ö Õ Ô Ó Ò Ñ Ð Ï Î ﴿ :‬‬ ‫‪çæ å ä ã â á à ß Þ Ý Ü Û Ú Ù‬‬ ‫‪ ﴾í ì ë ê é è‬الزمر‪ ،٢١ :‬وقوله‪P O N M ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Y X W V ❁ T S R Q‬غافــر‪ ٥٣ :‬ـ ‪،٥٤‬‬ ‫وقولــه‪﴾Ñ Ð Ï Î ÍÌ Ë Ê É È Ç Æ Å ﴿ :‬‬ ‫الزمر‪ ،٩ :‬ودعا االله تعالى أولي الألباب إلى التقوى لأنهم أهلها بما أودع االله فيهم‬ ‫من نور العقل‪ ﴾| { z y x w ﴿ ،‬المائدة‪.١٠٠ :‬‬ ‫ولأجل هذا كان العقل هو مناط التكليف وسبب التشريف في مخلوقات‬ ‫االله تعالى‪ ،‬وقد فضل االله به بني آدم على كثير ممــن خلق تفضيلا‪ ،‬فبه تمكن‬ ‫الإنسان من عمارة الأرض‪ ،‬وبسره تقوى على ما فيه من غرائز الشر ونوازعه‪،‬‬ ‫وهو المعراج الذي عرج به أهل االله إليه في ملكوته‪ ،‬فبه وازنوا بين شــهوات‬ ‫الدنيا ونعيم الآخرة؛ فآثروا الآخرة على الأولى‪ ،‬وبســلطانه انتصروا في قمع‬ ‫رغباتهم وضبط نزعاتهم‪ ،‬وتطويعها لأمر االله ونهيه‪ ،‬وببرهانه ميزوا بين الحق‬ ‫والباطل وبيــن الحقيقة والوهم‪ ،‬وبيــن النافع والضار‪ ،‬فمالوا إلى شــرع االله‬ ‫واستمسكوا بعروته الوثقى‪ ،‬وجمعوا بين الحسنيين فاستناروا بالعقل المطبوع‪،‬‬ ‫واستهدوا بالشرع المسموع‪ ،‬الذي جاءت هدايته متممة لهداية العقل‪ ،‬فاجتمع‬ ‫لمن اجتمعا فيه خير الآخرة والأولى‪.‬‬ ‫‪١٤٩‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬فيما يتعلق بالعقل‬ ‫و‪!I‬ب ا "‪ . >' 6‬ا ‪ 0‬و'م ]_ ‪!.‬ر‪:-‬‬ ‫إذا كان العقل هو مناط تكريم الإنسان حتى فضله االله تعالى على كثير ممن‬ ‫خلق تفضيلا‪ ،‬وهو ملاك حياته ونور وجوده‪ ،‬فاعجب كيف يسعى الإنسان إلى‬ ‫طمس هذا النور الذي آتاه االله إياه‪ ،‬وإتلاف هذه الروح التي يحيا بها وتنتعش‬ ‫بها حياته‪ ،‬فتثمر الخير ويطيب جناه للجانين؟!‬ ‫‪.........................‬‬ ‫كيف يسعى في جنون من عقل؟‪.‬‬ ‫وإذا كان إتلاف المال حمقا وسفها يذم به الإنسان عقلا وشرعا‪ ،‬فكيف بإتلاف‬ ‫العقل وهو أعظم قدرا وأسمى منزلة من المال وغيره من عماد الحياة وزينتها؟!‪.‬‬ ‫وقد شاع عند كثير من الناس إتلاف عقولهم بتعاطي الخمور أو المخدرات‬ ‫وغيرها‪ ،‬علــى أن تعاطيها ليس تلفا للعقول فحســب‪ ،‬بل هــو تلف للصحة‬ ‫وللمال‪ ،‬وأخيرا هو تلف للحياة كلها‪.‬‬ ‫وقد حذر االله تعالى أيما تحذير مــن تعاطي الخمور‪ ،‬وقطع بما قاله جدل‬ ‫كل مجادل فيها عندما قال‪( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫) * ‪6 5 4 3 2 1 ❁/ . - , +‬‬ ‫‪﴾ E D C BA @ ? > = < ; : 9 8 7‬‬ ‫المائدة‪ ٩٠ :‬ـ ‪ ،٩١‬فكم في هاتين الآيتين مــن تحذير من هاتين الآفتين الخطيرتين‬ ‫وهما الخمر والميسر‪ ،‬وكم فيهما من دليل على حرمة تعاطي الخمور‪.‬‬ ‫أولها‪ :‬أن االله تعالى صدرها في قائمة المحظورات في الآية الكريمة حتى‬ ‫أنه قدمها على الأنصاب والأزالم التي ال يتمسك بها إال المشركون‪.‬‬ ‫ثانيها‪ :‬أنه قرنها بالميسر‪ ،‬والميســر هو أكل أموال الناس بغير حق‪ ،‬وهذا‬ ‫مما توعد االله عليه أشد الوعيد عندما قال‪= < ; : 9﴿ :‬‬ ‫> ? @ ‪J I HG F E D C B A‬‬ ‫‪١٥٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪X W VU T S ❁ Q P O N M LK‬‬ ‫‪ ﴾` _ ^ ] \ [Z Y‬النساء‪ ٢٩ :‬ـ ‪ ،٣٠‬وللقرين حكم قرينه‪.‬‬ ‫ثالثها‪ :‬أن االله حكم عليها بأنها رجس‪ ،‬وما أدراك ما الرجس؟ فإنه يصدق‬ ‫على كل قذارة ونجاســة وكفر ومحرم وقبيح من الأعمال‪ ،‬كما يصدق على‬ ‫ما يتبعها من اللعنة والعذاب‪ ،‬قال في اللسان‪» :‬الرجس‪ :‬القذر‪ ،‬وقيل‪ :‬الشيء‬ ‫القذر‪ .‬ورجس الشيء يرجس رجاسة‪ ،‬وإنه لرجس مرجوس‪ ،‬وكل قذر رجس‪.‬‬ ‫ورجل مرجوس ورجس‪ :‬نجس‪ ،‬ورجس‪ :‬نجس‪ ،‬قال ابن دريد‪ :‬وأحسبهم قد‬ ‫قالوا رجس نجس‪ ،‬وهي الرجاسة والنجاســة‪ .‬وفي الحديث‪» :‬أعوذ بك من‬ ‫الرجس النجس«‪ ،‬الرجــس‪ :‬القذر‪ ،‬وقد يعبر به عن الحــرام والفعل القبيح‬ ‫والعذاب واللعنة والكفر«)‪.(١‬‬ ‫وقال أيضا‪» :‬والرجس‪ :‬العذاب كالرجز التهذيب‪ :‬وأما الرجز فالعذاب والعمل‬ ‫الذي يؤدي إلى العذاب‪ .‬والرجس في القرآن‪ :‬العــذاب كالرجز‪ .‬وجاء في دعاء‬ ‫الوتر‪ :‬وأنزل عليهم رجســك وعذابــك‪ ،‬قال أبو منصور‪ :‬الرجــس ههنا بمعنى‬ ‫الرجز‪ ،‬وهو العذاب‪ ،‬قلبت الزاي ســينا‪ ،‬كما قيل الأسد والأزد‪ .‬وقال الفراء في‬ ‫قولــه تعالــى‪ ﴾V U T S R Q ﴿ :‬يونــس‪ ،١٠٠ :‬إنه العقاب‬ ‫والغضب‪ ،‬وهو مضارع لقوله الرجز‪ ،‬قــال‪ :‬ولعلهما لغتان‪ .‬وقال ابن الكلبي في‬ ‫قوله تعالــى‪ ~ ﴿ :‬ے ﴾ الأنعــام‪ ،١٤٥ :‬الرجس‪ :‬المأثم‪ ،‬وقــال مجاهد في‬ ‫قوله ‪ ﴾ : 9 8 7 ﴿ : 8‬الأنعام‪ ،١٢٥ :‬قال‪ :‬ما ال خير فيه«)‪.(٢‬‬ ‫وقال كذلك‪» :‬قال الزجاج‪ :‬الرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل‬ ‫فبالغ االله تعالى في ذم هذه الأشياء وسماها رجسا«)‪.(٣‬‬ ‫)‪ (١‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ٩٤/٦ ،‬ـ ‪.٩٥‬‬ ‫)‪ (٢‬المرجع السابق‪.٩٥/٦ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬فيما يتعلق بالعقل‬ ‫‪١٥١‬‬ ‫وبالجملة؛ فــإن كلمة رجس تصدق على كل شــر‪ ،‬فهي تصدق على كل‬ ‫نجاسة وقذارة‪ ،‬وعلى كل قبح وفساد‪ ،‬وعلى كل لعنة وعذاب‪ ،‬وهل من كلمة‬ ‫أدل على التحريم من كلمة رجس؟‪ ،‬فإن االله تعالى إنما شرع لنا الدين وأمرنا‬ ‫بالتوحيد‪ ،‬وفرض علينا عبادته وطاعته لأجل أن نتطهر بذلك‪ ،‬فالإســلام كله‬ ‫طهارة كما قال تعالى‪_ ^ ] \ [ Z Y ﴿ :‬‬ ‫` ﴾ المائدة‪ ،٦ :‬وقال سبحانه بعد أن أمر بما يصون النفوس من أسباب‬ ‫العفــاف‪ ﴾w v u t s rq p o n ﴿ :‬البقــرة‪ ،٢٣٢ :‬وقال‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾Q P O N M L K J I H G‬الأنفال‪،١١ :‬‬ ‫وقال إثر خطــاب أمهات المؤمنين وما شــرع لهن من الأحــكام التي تصون‬ ‫الأعراض وتســمو بالنفوس إلــى معارج الفضيلــة‪Z Y X W ﴿ :‬‬ ‫[ \ ] ^ _ `﴾ الأحزاب‪ ،٣٣ :‬وقال في بيان تعامل‬ ‫المؤمنين معهن‪o 1 ̧¶ μ ́ 3 2 ± ° ﴿ :‬‬ ‫» 1⁄4﴾ الأحزاب‪ ،٥٣ :‬وقال في توجيــه المؤمنين إلى أدب النجوى مع‬ ‫رسول االله ژ ‪,+ * ) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫ ‪ ﴾ 0 / .‬المجادلة‪ ،١٢ :‬وقال في الذين مردوا على الكفر ودأبوا على‬‫الشــقاق‪ÌË Ê É È ÇÆ Å Ä Ã Â Á À ¿ ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Ñ Ð Ï Î Í‬المائدة‪ ،٤١ :‬وفي معنــى الطهر التزكية التي‬ ‫وردت في القرآن كثيرا‪.‬‬ ‫وإذا كان الإسلام بكل ما جاء به من إيمان وما شرعه من عمل وما سنه من‬ ‫أخلاق إنما يدور بذلك في فلك الطهر‪ ،‬فكيف يقر الرجس ويرضاه لأتباعه؟!‪.‬‬ ‫رابعها‪ :‬أن االله أخبر أنها من عمل الشــيطان‪ ،‬فكيف يكون عمل الشيطان‬ ‫حلاال؟ مع أن االله سبحانه حذر من الشيطان وعمله كما في ثانية هاتين الآيتين‬ ‫وفي قوله‪K J I H G F ED C B A @ ? ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ L‬فاطر‪ ،٦ :‬وقولــه‪ ́ 3 2 ± ° ̄ ® ¬ ﴿ :‬‬ ‫‪١٥٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪Á À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4» o ❁ ̧ ¶ μ‬‬ ‫‪ ﴾ É È Ç Æ Å Ä Ã‬النساء‪ ١١٩ :‬ـ ‪.١٢١‬‬ ‫❁‬ ‫خامسها‪ :‬أن االله قرنها بأركان الكفر ومعالم الجاهلية عندما قرنها بالأنصاب‬ ‫والأزالم‪ ،‬وهي مما جاء الإسلام لدك صرحه واستئصال شأفته‪.‬‬ ‫سادسها‪ :‬أن االله ســبحانه أمر باجتنابها واجتناب ما ذكــر معها في قوله‪:‬‬ ‫] ‪ ،[-‬وأمــره تعالى للوجــوب‪( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫) * ‪8 7 6 5 4 3 2 10 / . - , +‬‬ ‫‪ ﴾ 9‬الأحزاب‪.٣٦ :‬‬ ‫سابعها‪ :‬أن االله تعالى بين ما يهدف إليه الشيطان بتزيين الخمر والميسر‬ ‫في نفوس الذين سلبوا روح الإيمان عندما قال‪5 4 3 2 1 ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ ; : 9 8 7 6‬المائــدة‪ ،٩١ :‬وهذا مما ينافي ما يدعو‬ ‫إليه الإسلام من الوحدة واالنسجام‪ ،‬والألفة والوئام بين عباد االله المؤمنين‪،‬‬ ‫كما هو واضح في قوله تعالى‪﴾ F E D C B A ﴿ :‬‬ ‫آل عمران‪ ،١٠٣ :‬وقوله‪ ﴾e d c b a﴿ :‬التوبة‪ ،٧١ :‬وقوله‪:‬‬ ‫﴿ ¬ ® ̄ ﴾ الحجــرات‪ ،١٠ :‬وقــول النبي ژ ‪» :‬تــرى المؤمنين في‬ ‫تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر‬ ‫جسده بالسهر والحمى«)‪.(١‬‬ ‫ثامنها‪ :‬أنه ضم إلى ذلك هدف الشيطان بتحبيب الخمر والميسر إلى الناس‬ ‫إلى صدهم عن ذكر االله‪ ،‬وماذا عسى أن يبقى من ذكر االله تعالى عند من أدمن‬ ‫الخمر حتى أنســته حياته كلها‪ ،‬ومن المعلوم أن ترك ذكــر االله تعالى خراب‬ ‫للقلوب‪ ،‬وعمى في البصائر‪ ،‬وظلمات في الحياة‪.‬‬ ‫)‪ (١‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬فيما يتعلق بالعقل‬ ‫‪١٥٣‬‬ ‫تاسعها‪ :‬ما بينه من أن من أهداف الشــيطان مــن وراء تزيين هذا المنكر‬ ‫الفاحش للناس الصد عن الصلاة‪ ،‬التي هــي جماع الذكر‪ ،‬والصلة التي تصل‬ ‫المخلوق بخالقه‪ ،‬وتشــد المؤمن إلى أخيه المؤمن‪ ،‬والمعراج التي تعرج به‬ ‫نفوس المؤمنين‪ ،‬إلى حظيرة القدس ومقام الملكوت الأعلى‪.‬‬ ‫عاشرها‪ :‬أنه ختم الآية بقوله‪ ﴾ E D C ﴿ :‬المائدة‪ ،٩١ :‬وهو تحضيض‬ ‫على االزدجار عن الخمر والميسر وما ذكر معهما‪ .‬وهل يبقى بعد هذا شك في‬ ‫تحريم الخمر؟!‪.‬‬ ‫وقد تواترت الســنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والســلام مؤكدة‬ ‫خطورة الخمر على الدين والدنيا‪ ،‬وأنها محرمة في شرع االله‪ ،‬ناهيك قوله‪» :‬لعن‬ ‫االله الخمر وعاصرها ومعتصرهــا وبائعها ومبتاعها وحاملهــا والمحمولة إليه‬ ‫وساقيها وشاربها وآكل ثمنها«‪ ،‬وقد روي بألفاظ متعددة من عدة طرق)‪.(١‬‬ ‫وعنه ژ ‪» :‬كل مخمر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب مسكرا بخست‬ ‫صلاته أربعين صباحا فإن تاب تاب االله عليه فإن عاد الرابعة كان حقا على االله‬ ‫أن يسقيه من طينة الخبال صديد أهل النار ومن سقاه صغيرا ال يعرف حلاله من‬ ‫حرامه كان على االله أن يسقيه من طينة الخبال«)‪.(٢‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه من طريق ابن عمر‪ :‬أبو داود )‪ ،٣٢٦/٣‬رقم ‪ ،(٣٦٧٤‬والحاكم )‪ ،١٦٠/٤‬رقم ‪ (٧٢٢٨‬وقال‪:‬‬ ‫صحيح الإســناد‪ .‬والبيهقي )‪ ،١٢/٦‬رقم ‪ .(١٠٨٢٨‬ومن طريق أنس‪ :‬أخرجه الترمذي )‪،٥٨٩/٣‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٢٩٥‬وقال‪ :‬غريب‪ .‬وابن ماجه )‪ ،١١٢٢/٢‬رقم ‪ ،(٣٣٨١‬ومن طريق عثمان بن أبي العاص‪:‬‬ ‫أخرجه الطبراني في الكبير )‪ ،٥٨/٩‬رقم ‪ .(٨٣٨٧‬وفي الأوسط )‪ ،٢٤٣/٤‬رقم ‪ ،(٤٠٩٠‬وجاء من‬ ‫طريق ابن عمر بلفظ‪ :‬لعنت الخمر على عشرة وجوه‪ ...‬إلخ الحديث أخرجه ابن ماجه )‪،١١٢١/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٣٣٨٠‬وأحمد )‪ ،٢٥/٢‬رقم ‪ ،(٤٧٨٧‬والبيهقــي )‪ ،٢٨٧/٨‬رقم ‪ ،(١٧١١٢‬ومن طريق ابن‬ ‫مسعود‪ :‬أخرجه الطبراني )‪ ،٩٢/١٠‬رقم ‪.(١٠٠٥٦‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه من طريق ابن عباس أبو داود )‪ ،٣٢٧/٣‬رقم ‪ ،(٣٦٨٠‬والبيهقي )‪ ،٢٨٨/٨‬رقم ‪،(١٧١٢١‬‬ ‫وجــاء بألفاظ متعددة مــن عدة طرق‪ ،‬فعنــد أحمد من طريــق جابر بن عبــد االله )‪،٣٦٠/٣‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٤٩٢٣‬وكذلك مسلم )‪ ،١٥٨٧/٣‬رقم ‪ ،(٢٠٠٢‬والنسائي )‪ ،٣٢٧/٨‬رقم ‪ ،(٥٧٠٩‬والبيهقي‬ ‫‪١٥٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وعن أبي موسى‪ ،‬أن النبي ژ قال‪» :‬ثلاثة ال يدخلون الجنة مدمن الخمر‬ ‫وقاطع الرحم ومصدق بالســحر ومن مات وهو مدمن للخمر سقاه االله من نهر‬ ‫الغوطة نهر يجرى من فروج المومسات يؤذى أهل النار ريح فروجهم«)‪.(١‬‬ ‫وعن ابن عمر ^ أن رســول االله ژ قال‪» :‬ثلاثة قد حرم االله عليهم الجنة‬ ‫مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يقر في أهله الخبث«)‪ ،(٢‬وعنه ژ ‪» :‬مدمن‬ ‫الخمر كعابد وثن«)‪.(٣‬‬ ‫وكفى بهذا زجرا شــديدا وتحذيرا بالغا من مداناة الخمر وملابستها بأي‬ ‫وجه‪ ،‬فكل من البســها حلت به لعنــة االله‪ ،‬وهي طرده من رحمته‪ ،‬فشــاربها‬ ‫وساقيها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل‬ ‫ثمنها‪ ،‬كلهــم واقعون في لعنــة االله تعالى‪ ،‬وأي لبيب تهون عليه نفســه حتى‬ ‫يعرضها للعنة االله؟!‪.‬‬ ‫وعن ابن عباس ^ عند الربيع ‪ ، 5‬قال‪» :‬أهدى رجل إلى رســول االله ژ‬ ‫راويتي خمر‪ ،‬فقال له‪» :‬أما علمت أن االله حرمها؟« فقال‪ :‬ال‪ ،‬فســار إنســانا‪ ،‬فقال‬ ‫له ژ ‪» :‬بم ســاررته؟« فقال له‪ :‬أمرته أن يبيعها‪ ،‬فقال له رسول االله ژ ‪» :‬إن الذي‬ ‫حرم شربها حرم بيعها« ففتح المزادتين وهما الروايتان حتى ذهب ما فيهما«)‪.(٤‬‬ ‫في شعب الإيمان )‪ ،٧/٥‬رقم ‪ ،(٥٥٧٩‬ومن طريق ابن عمر عند أحمد )‪ ،١٧٨/٢‬رقم ‪ (٦٦٥٩‬قال‬ ‫الهيثمي )‪ :(٧٠/٥‬رجاله ثقات‪ .‬وكذلك الحاكم )‪ ،١٦٢/٤‬رقم ‪ (٧٢٣٣‬وقال‪ :‬صحيح الإســناد‪.‬‬ ‫والبيهقي )‪ ،٢٨٧/٨‬رقم ‪ .(١٧١١٥‬والطبراني في الأوســط )‪ ،٢٦٦/٦‬رقم ‪ ،(٦٣٧١‬والبيهقي في‬ ‫شعب الإيمان )‪ ،٨/٥‬رقم ‪.(٥٥٨٢‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،٣٩٩/٤‬رقم ‪ ،(١٩٥٨٧‬والطبراني كما في مجمع الزوائد )‪ (٧٤/٥‬قال الهيثمي‪ :‬رواه‬ ‫أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات‪ .‬والحاكم )‪ ،١٦٣/٤‬رقم ‪.(٧٢٣٤‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمد )‪ ،٦٩/٢‬رقم ‪.(٥٣٧٢‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه البخاري في التاريخ الكبير )‪ ،(١٢٩/١‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪ ،١٢/٥‬رقم ‪،(٥٥٩٧‬‬ ‫وأبو نعيم في الحلية )‪ (٢٠٣/٣‬وقال‪ :‬صحيح ثابت‪.‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه الربيع بن حبيب )‪ ٢٤٦/١‬رقم‪.(٦٢٤ :‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬فيما يتعلق بالعقل‬ ‫‪١٥٥‬‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ƒ‬أن رجلا كان يهدي للنبي ژ كل عام راوية من خمر‪،‬‬ ‫فأهداها إليه عاما وقد حرمت‪ ،‬فقال النبي ژ ‪» :‬إنها قد حرمت«‪ ،‬فقال الرجل‪:‬‬ ‫أفلا أبيعها؟ فقال‪ :‬إن الذي حرم شــربها حرم بيعها قال أفلا أكارم بها اليهود‬ ‫قال‪» :‬إن الذي حرمها حرم أن يكارم بها اليهود«‪ ،‬قال‪ :‬فكيف أصنع بها؟ قال‪:‬‬ ‫»شنها في البطحاء«)‪.(١‬‬ ‫والمؤمن هو من ينســاق مع أمر االله تعالى ويستجيب لداعيه ولو حال بينه‬ ‫وبين أحب الأشياء إليه‪ ،‬وأعزها في نفســه‪ ،‬فإن الإيمان ال يتحقق إال باالنقياد‬ ‫لحكم االله فعلا وتــركا‪+ * ) ( ' & % $ # " ! ﴿ ،‬‬ ‫‪ ﴾ 9 8 7 6 5 4 3 2 10 / . - ,‬الأحزاب‪،٣٦ :‬‬ ‫وقد علمت ما هو حكم االله وحكم رسوله ژ في الخمر‪.‬‬ ‫لهذا؛ عندما نزل تحريمها القاطع في كتاب االله تعالى لم يتردد الرعيل الأول‬ ‫من المؤمنين في تركها‪ ،‬ولم يكتفوا بذلك وإنما أتوا بما يدل على أنهم عقدوا‬ ‫عزمهم على القضاء على كل أسباب الخمر حتى ال تبقى نفوسهم متطلعة إليها‬ ‫أو مولعة بذكرياتها‪ ،‬فقد قاموا في ساعتهم إليها فأراقوها وكسروا دنانها‪ ،‬حتى‬ ‫ال يبقى ما يذكرهــم بها‪ ،‬فعن »أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬كنت أســقي أبا عبيدة بن‬ ‫الجراح‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬وأبا طلحة الأنصاري شــرابا من فضيخ‪ ،‬فجاءهم آت‬ ‫فقــال‪ :‬إن الخمر قد حرمت‪ ،‬فقــال أبو طلحة‪ :‬قــم يا أنس إلى هــذه الجرار‬ ‫فاكسرها‪ ،‬قال‪ :‬فقمت إلى مهراس لنا‪ ،‬فضربتها بأسفله حتى تكسرت«)‪.(٢‬‬ ‫وتلك هي ترجمة عملية النقيادهــم المطلق لأمر االله‪ ،‬وعدم االلتفات إلى‬ ‫منادي الشيطان الذي يغريهم بها‪ ،‬وعدم االلتفات إلى ما اعتادوه من قبل‪ ،‬فقد‬ ‫كان العرب من أكثر الناس إدمانا على الخمر وإعجابا بها‪ ،‬وتفاخرا بمعاقرتها‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الحميدي )‪ ٤٤٧/٢‬رقم‪.(١٠٣٤ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه ابن حبان )‪ ١٨٦/١٢‬رقم‪.(٥٣٤٦ :‬‬ ‫‪١٥٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وإنفاق المال فيها‪ ،‬فما كانوا يبالون بأن يغدوا أو يمسوا فقراء معدمين إن كانوا‬ ‫ضحوا بأموالهم في معاقرتها أو المكارمة بها‪ ،‬وقد حفلت أشعارهم بالمفاخرة‬ ‫بذلك كما في قول حسان‪:‬‬ ‫فــدع هــذا ولكن مــن لطيف‬ ‫يؤرقنــي إذا ذهــب العشــاء‬ ‫لشــعثاء التــي قــد تيمتــه‬ ‫فليــس لقلبــه منهــا شــفاء‬ ‫كأن خبيــأة مــن بيــت رأس‬ ‫يكــون مزاجهــا عســل وماء‬ ‫علــى أنيابهــا أو طعــم غص‬ ‫مــن التفــاح هصــره اجتنــاء‬ ‫إذا ما الأشــربات ذكــرن يوما‬ ‫فهــن لطيــب الــراح الفــداء‬ ‫نوليهــا الملامــة إن ألمنــا‬ ‫إذا مــا كان مغــث أو لحــاء‬ ‫ونشــربها فتتركنــا ملــوكا‬ ‫وأســدا مــا ينهنهنــا اللقــاء‬ ‫وإذا ما حيل بين أحدهم وبين شربها لسبب قاهر تسلى بإتلاف ماله فيها‬ ‫من أجل أن يروى بها الشــاربون‪ ،‬كما كان من عمارة بن الوليد الذي خطب‬ ‫امرأة فشرطت عليه أن ال يشرب الخمر‪ ،‬ومع صعوبة ذلك عليه تقبله من أجل‬ ‫هواه فيها‪ ،‬فمر يوما بحانة وحولها رواد من الشاربين‪ ،‬فسقاهم ببرديه ونحر لهم‬ ‫ناقته لما أخذه من الأريحية بما رسخ في نفســه من ذكريات الخمر وشربها‪،‬‬ ‫وعندما عاد إلى أهله قابلته امرأته باللوم والتقريع فرد عليها بقوله‪:‬‬ ‫ولسنا بِشرب ٍ أ ‪‬م ٍ‬ ‫انتشوا‬ ‫عمرو إذا‬ ‫عندهم كالغنائم‬ ‫ثياب ال ّندامى‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ليــس بعائم ِ‬ ‫عمــرو نديمنا‬ ‫ولك ّننــا يــا أ ‪‬م‬ ‫الربــان‬ ‫َ‬ ‫بمنزلــة ّ‬ ‫ِ‬ ‫أســر ِ‬ ‫َير غارم ِ‬ ‫ة‬ ‫نشــو‬ ‫القوم‬ ‫ع‬ ‫صر‬ ‫لما‬ ‫ك‬ ‫ٌ‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫َ‬ ‫خروجي منها ســالم ًا غ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫مرتضى في ال ّتنا ُدم ِ‬ ‫منهم‬ ‫أك‬ ‫الخداع‬ ‫وليس‬ ‫قب ُل لــم ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫بريئ ًا كأن‪‬ــي ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ومع هذا كله كان الإيمان الراســخ في نفوس المؤمنين حائلا بينهم وبين‬ ‫هذه العادة التي رسخت فيهم رسوخ الرواسي في الأرض‪ ،‬ففي ساعة علمهم‬ ‫بتحريمها أبانوا أقداحها من أفواههم وألســنتهم وشفاههم تتلمظها‪ ،‬وحطموا‬ ‫المحور السادس‪ :‬فيما يتعلق بالعقل‬ ‫‪١٥٧‬‬ ‫جرارها امتثاال لأمر االله وعصيانا للهوى‪ ،‬فياله من إيمان جردهم من أنفســهم‬ ‫فأبدلهم بها نفوسا أخرى ال صلة لها بهذا الماضي الذي أولعوا به‪.‬‬ ‫هذا؛ وقد وضحت حقيقة الخمر كما جاءت في الكتاب العزيز وفي الســنة‬ ‫النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام‪ ،‬فكم تجلى للناس اليوم من مضارها‬ ‫وخطرها على الصحة والحياة‪ ،‬فانكشفت بهذا الحكمة الربانية من تحريم هذه‬ ‫الآفة؛ التي تردي العقول وتبيد الصحة وتتلف الحياة‪ ،‬وقد اعترف الغربيون أن‬ ‫ضحايا الخمر الذين يموتون في كل عام يفوقون الضحايا الذي يموتون بسبب‬ ‫تعاطي المخدرات بجميع أنواعها بخمســة أضعاف‪ ،‬وأثبتوا بما وضح لهم من‬ ‫الدراســات الطبية أن الخمر هي منشــأ الأمراض المختلفة بكل أنواعها‪ ،‬وهي‬ ‫جميعا أمراض قاتلة‪ ،‬وهذا ما تناولته المجلات الطبية الصادرة من كليات الطب‬ ‫في الجامعات الغربية‪ ،‬ولم يبق مجادل في هذا‪ ،‬وقد بسطت القول في هذا في‬ ‫»العقل بين جماح الطبع وترويض الشــرع«‪ ،‬وفي »القيم الإسلامية ودورها في‬ ‫تقديم الحلول للمشكلات البيئية العالمية«‪ ،‬فلا داعي إلى تكراره‪.‬‬ ‫وبهذا تبخرت تلك الأوهام التي كانت عند الأطباء القدامى بأن في الخمر‬ ‫منافع صحية للعباد‪ ،‬وســرت منهم إلى علماء التفسير ـ مع الأسف الشديد ـ‬ ‫وقد وقف النبي ژ وحده في وجه هــذه الأوهام معلنا الحقيقة بأن الخمر داء‬ ‫وليســت بدواء‪ ،‬كما ثبــت عن طارق بــن ســويد الحضرمي‪ ،‬قــال‪ :‬قلت‪:‬‬ ‫يا رسول االله‪ ،‬إن بأرضنا أعنابا نعتصرها‪ ،‬ونشرب منها‪ ،‬قال‪» :‬ال تشرب« قلت‪:‬‬ ‫أفنشفي بها المرضى؟ فقال رســول االله ژ ‪» :‬إنما ذلك داء‪ ،‬وليس بشفاء«)‪،(١‬‬ ‫وكان موقفه هذا مصادما لما هو شــائع عند الناس مــن أن في الخمور منافع‬ ‫صحية متعددة‪ ،‬واستمر هذا الوهم إلى العصر الحديث حتى وضح الصبح لذي‬ ‫عينين‪ ،‬فارتفعــت صيحات الإنــذار بمخاطر الخمور من الأطبــاء حتى ذكر‬ ‫)‪ (١‬أخرجه ابن حبان )‪ ٢٣١/٤‬رقم‪ ،(١٣٨٩ :‬وجاءت بلفظ قريب عند مسلم‪ ١٥٧٣/٣) :‬رقم‪.(١٩٨٤ :‬‬ ‫‪١٥٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫صاحب المنار أن‪» :‬لأحد أطباء ألمانيا كلمة اشتهرت كالأمثال وهي »اقفلوا لي‬ ‫نصف الحانات أضمن لكم االستغناء عن نصف المستشفيات والبيمارستانات‬ ‫والملاجئ ـ التكايا ـ والسجون«)‪.(١‬‬ ‫وقد تكرر مثل هذا القول على لســان طبيبة ألمانية في عصرنا هذا عندما‬ ‫عرضت عليها نتيجة فحص دم شيخنا الولي الرضي حمود بن حميد الصوافي‪،‬‬ ‫فتعجبت من صفائه وخلوصه من كل ما يلوث‪ ،‬وقالت له‪» :‬لو كنتم تشــربون‬ ‫الخمر كما نشــربها الســتحال أن يكون دمك هكذا‪ ،‬ولكن ورعكم هو الذي‬ ‫حفظ لكم صحتكم«‪ ،‬وأضافت إلى ذلك قولها‪» :‬لــو كان الناس عندنا مثلك‬ ‫الســتغنينا عن نصف الأطباء وأغلقنا نصف المستشــفيات«‪ ،‬فهل عقل الذين‬ ‫يعاقرون الخمر من المسلمين‪ ،‬ويشربونها كما يشربون الماء القراح هذا الأمر؟‬ ‫ليتهم يعقلون‪.‬‬ ‫على أن في الخمر من الضرر بالأنفــس والأموال والمجتمع ما يفوق كل‬ ‫تصور‪ ،‬ناهيك أن الإنسان الذي فضله االله وكرمه تكريما يفقد إنسانيته بتعاطي‬ ‫الخمر‪ ،‬ويصبح أســوأ حاال من الحيوان الأعجم‪ ،‬حســبك هــذه القصة التي‬ ‫حكاها غير واحد من المفســرين عن ابن أبي الدنيا »أنه مر على سكران وهو‬ ‫يبول في يده ويمسح به وجهه كهيئة المتوضيء‪ ،‬ويقول‪ :‬الحمد الله الذي جعل‬ ‫الإسلام نور ًا والماء طهوراً«)‪.(٢‬‬ ‫وذكر أبو حيان التوحيدي أنه »خرج بعض السكارى من مجلس ومشى في‬ ‫طريق فســقط ونزع‪ ،‬فجاء كلب وجعل يلحس فمه وشــفتيه والسكران يقول‪:‬‬ ‫)‪ (١‬محمد رشيد رضا‪ ،‬تفسير المنار‪.٢٥٩/٢ :‬‬ ‫)‪ (٢‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪ ،٤٠/٦ ،‬والنيسابوري‪ :‬تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان‪،٦٠٤/١ ،‬‬ ‫والحســن بن قاســم المرادي‪ :‬روح البيان‪ ،٢٧٨/١ ،‬أبو حفص الدمشــقي‪ :‬اللباب في علوم‬ ‫الكتاب‪ ،٣٨/٤ ،‬وابن حجر الهيثمي‪ :‬الزواجر‪ ،٨٠٣/٢ ،‬إسماعيل حقي الخلوتي‪ :‬تفسير حقي‪،‬‬ ‫‪ ،٤٦٨/١‬الألوسي‪ :‬روح المعاني‪ ،١١٤/٢ ،‬محمد رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪.٢٦٠/٢ ،‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬فيما يتعلق بالعقل‬ ‫‪١٥٩‬‬ ‫خدمك بنوك وال عدموك‪ ،‬ثم رفع الكلب رجله فبال على وجهه‪ ،‬فجعل يقول‪:‬‬ ‫وماء حار! بارك االله عليك«)‪.(١‬‬ ‫وحدثني أحد أدباء زماننا عن رجل من جيرانه أنه في شــبابه كان مدمن‬ ‫خمر‪ ،‬فجاء يوما وهو ثمل إلى حائط وحاول الدخول إليه من مجرى الماء‪،‬‬ ‫وكان يتخيل أن بين يديه بحرا يهم بأن يخوضه‪ ،‬وفي محاولته دخول الحائط‬ ‫تعرى عن ثيابه وتكشفت سوءاته وهو في هيئة الراكع وكان ذلك على قارعة‬ ‫الطريق!! وكانت النساء تأتي‪ ،‬وكل واحدة رأته كذلك ولت هاربة ولم تستطع‬ ‫اجتياز الطريق‪ ،‬حتى جاءه أحد أصحابه‪ ،‬وقال له‪ :‬ما بالك؟‪ ،‬فقال‪ :‬نريد أن‬ ‫نخوض هذا البحر!! فرد إليه ثيابه وأخذ بيده حتى رده إلى أهله‪ ،‬ولما أفاق‬ ‫رجع إليه فسأله عما كان من شــأنه‪ ،‬فإذا به ال يذكر منه شيئا‪ .‬فحدثه بقصته‬ ‫فاســتحيى وأســف‪ ،‬وعاهد االله أن ال يرجع إلى الخمر‪ ،‬فكانت توبته منها‬ ‫بسبب ذلك‪.‬‬ ‫وال تسأل عما يكون بسبب الخمر من ارتكاب ما يستحيى من ذكره من‬ ‫قبائح الأعمال‪ ،‬فقبل أقل من شــهرين من هذا الوقت حضرت جلسة قضائية‬ ‫الم ِغ َيبة في منتصف الليل‪ ،‬ودخل عليها كما‬ ‫يحاكم فيها شاب جاء إلى أخته ُ‬ ‫يدخل السبع الضاري على فريسته وكانت ترضع طفلها‪ ،‬فما كان منه إال أن‬ ‫ح ‪‬ل ثيابها بالقوة‪ ،‬وقضى وطره منها كما يصنــع الحليل بحليلته‪ ،‬مع البون‬ ‫الشاســع بين ما يكون من الزوج الحبيــب في أثناء المعاشــرة من اللطف‬ ‫وحديث الشفقة والحب والحنان‪ ،‬وبين ما كان من هذا الأخ المتنمر القاسي‬ ‫من العنف والبطش‪.‬‬ ‫وقبل سنين مرت اعتدى ســكران على أمه البارة الرؤم‪ ،‬التي حملته كرها‬ ‫ووضعته كرها‪ ،‬وغمرته بحنانها وحاطته برعايتها‪ ،‬وسهرت من أجله ليالي لم‬ ‫)‪ (١‬أبو حيان التوحيدي‪ :‬البصائر والذخائر‪.٣٣/٤ ،‬‬ ‫‪١٦٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫تذق فيها طعم الغمض‪ ،‬ولم تلامس فيها لين الراحة‪ ،‬كل ذلك من أجل سلامته‬ ‫وراحته‪ ،‬فكان جزاؤها منه أن ذبحها كما تذبح النعاج‪ ،‬وشــدها بحبل وأخذ‬ ‫يجرها بالوادي وهي عارية‪.‬‬ ‫وقد حضرت محاكمته أيضا‪ ،‬فعجبت من أمره بما رأيته من حسن هيئته‪،‬‬ ‫وجمال وقاره‪ ،‬ورزانة حديثه في أخذه ورده‪ ،‬واحترت كيف يتحول هذا الإنسان‬ ‫اللطيف الوادع إلى أشرس سبع وأعنف حيوان‪ ،‬وما ذلك إال أثر من آثار هذا‬ ‫الشــراب الخبيث‪ ،‬الذي زينه الشــيطان اللعين للنفوس الخبيثة وحببه إليها‪،‬‬ ‫فتصورت فيه سعدها ونعيمها‪.‬‬ ‫وكم من فتن ٍ أوقدت ضرامها وألهبت ســعيرها الــراح بين جماعات من‬ ‫الناس‪ ،‬فكانوا وقودها حتى أتت عليهم أو علــى أكثرهم‪ ،‬وهذا مما ال يخفى‬ ‫على من يطلع على أحوال الناس‪ ،‬وقد حفلت بهذا ملفات القضايا الإجرامية‪،‬‬ ‫ولو نشــرت لرأى الناس من ذلك العجب العجاب‪ ،‬وكثيرا ما كان شباب في‬ ‫زهرة العمر وريعانه‪ ،‬تعلق عليهم الآمال‪ ،‬وتعقد على حياتهم الطموحات هم‬ ‫وقود هذا السعير المردي بســبب ما زينه الشــيطان لهم من تناول هذا السم‬ ‫الزعاف‪ ،‬فبادوا في مرحلة من أعمارهم تتألق نضارة‪ ،‬وتتدفق حيوية ونشاطا‪،‬‬ ‫فخسرهم مجتمعهم وخسرتهم الأمة بعدما خسرتهم أسرهم‪ ،‬ناهيك بحوادث‬ ‫السير التي تنهب الأعمار وتحطم الأجسام‪ ،‬وتأتي على قواها وقوى عقولها‪،‬‬ ‫ويا ترى كم ينفق من أموال ويضيع من ثروات في علاج هؤالء وكفالتهم عندما‬ ‫يصبحون عبئا ثقيلا على الدولــة والمجتمع‪ ،‬حتى تغدو حياتهم أعظم مصيبة‬ ‫من وفاتهم؟!‪.‬‬ ‫وكم تخسر المجتمعات شبابا يضيع بسبب تعاطي الخمور! التي تلهيهم‬ ‫عن دراستهم وأعمالهم‪ ،‬فتتعطل ملكاتهم وتتلاشــى مواهبهم فيصبحون كلاً‬ ‫على أسرهم وعلى مجتمعهم‪ ،‬بسبب هذه الآفة القاتلة‪.‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬فيما يتعلق بالعقل‬ ‫‪١٦١‬‬ ‫وإذا كانت هذه هي الخمر وهذه هي عواقبهــا‪ ،‬فاعجب ممن يجادل فيها‬ ‫ويمانع أن تمنــع تناوال وبيعا وتداوال بدعوى أنها تشــجع الســياحة وتنمي‬ ‫االقتصاد!! فكم ترى عائد تجارة الخمور بجانب الخسارة العظيمة في الأنفس‬ ‫والأموال‪ ،‬بسبب ما يتلف بها من أنفس‪ ،‬وما يتعطل من طاقات‪ ،‬وما يهدر من‬ ‫أموال في علاج ضحاياها‪ ،‬وكفالة أرزاقهم‪ ،‬وكفايتهم ما يحتاجون إليه لحياتهم‬ ‫عندما أصبحوا مستهلكين من غير أن يكون من ورائهم إنتاج؟!‪.‬‬ ‫هذا لو كنا ننظر إلى الأمور بالمنظار المــادي وحده‪ ،‬فكيف ونحن علينا‬ ‫أوال أن نتقي االله وأن نحذر كل ما حذرنا منــه‪ ،‬وأن نتجنب كل ما نهانا عنه؟‬ ‫وقد بين لنا النبي ژ أن كل ملابســة للخمر ملعونة‪ ،‬فقد لعنها االله ولعن معها‬ ‫عاصرها ومعتصرها وشاربها وســاقيها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة‬ ‫إليه وآكل ثمنها‪ ،‬فماذا يرجى من تجارة تخللتها اللعنة وأحاطت بها؟!!‪.‬‬ ‫وأي بركة في المال الذي يأتــي من الخمر؟ فإنه ليــس بربح‪ ،‬وإنما هو‬ ‫خســار وبوار‪ ،‬واالله تعالى تكفل بأرزاق عباده وهو القائل بعدما شرع ما كان‬ ‫يظن أنه يســد بابا من أبواب الرزق‪B A @ ? > = ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾D C‬التوبــة‪ ،٢٨ :‬وقــال ســبحانه‪) ( ' & % $ # " ﴿ :‬‬ ‫* ﴾ هود‪ ،٦ :‬وقــال ‪ ﴾ | { z y x ﴿ : 8‬الذاريات‪ ،٢٢ :‬فما على‬ ‫العباد إال أن يســلكوا طريق الحق في طلب الرزق‪ ،‬وسيأتيهم رزقهم من عند‬ ‫ربهم غدوا وعشيا‪ ،‬وقد أغنى االله عباده بحلاله عن الحرام‪ ،‬وبطاعته عن الآثام‪،‬‬ ‫فما كان لهم أن يخالفوا أمره‪ ،‬ويعدلوا عما شرع إلى ما لم يشرع‪ ،‬ولو أن الناس‬ ‫طلبوا الرزق بطاعته تعالى لوجدوا من أبواب الرزق الحلال ما يغنيهم ويكفيهم‬ ‫مؤن الحياة‪ ،‬ويكفل لهم رغد العيش وطيبه‪ ،‬كيف وقد قال تعالى‪k j ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ u t s r q ❁ o n m l‬الطــلاق‪ ٢ :‬ـ ‪ ،٣‬وقــال ســبحانه‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ Ê É È Ç Æ Å Ä Ã‬الطلاق‪.٤ :‬‬ ‫‪١٦٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وأعجب ممن ال يســتحيي من االله الذي منه مبدؤه وإليه منقلبه أن يطلب‬ ‫رزقه بارتــكاب ما حرم‪ ،‬مــع أن آالء االله تترى عليه ونعمــه تحيط به من كل‬ ‫جانب‪ ،‬ومن أحق أن يستحيى منه من االله؟!!‪.‬‬ ‫على أن الســياحة الموقوفة علــى االتجار في الخمر ال تأتي إال بفســاد‬ ‫الأخلاق ونسف القيم وانتكاس الشباب وانغماسهم في الموبقات‪ ،‬وأي خسارة‬ ‫على الأمة أشد من هذا؟!‪.‬‬ ‫إن الأمة بحاجة إلى شباب صالح يتقي االله تعالى ويرعى حرماته‪ ،‬فإنه هو‬ ‫الحصن الحصين الواقي لمجتمعه من كل ما يضر به أو يهدد أمنه‪ ،‬وهو العين‬ ‫الساهرة التي تحرس الأمة وأخلاقها وجميع ثرواتها‪ ،‬وهو الأيدي القوية التي‬ ‫تبني الأمجاد وترفع دعائمها‪ ،‬وأين هذا كله من شــباب يرتع في المحرمات‪،‬‬ ‫ويغدو ويروح يتسكع في الطرقات وهو يترنح من آثار الخمر ونشوتها؟!!‪.‬‬ ‫لقد ربى رسول االله ژ حوله شــبابا كانوا مثاال للشــباب الصالح الواعد‬ ‫الطموح‪ ،‬في كل ما يتصف به من صفــات العظمة والرفعــة والوقار والورع‬ ‫والتقوى‪ ،‬وقد كان ذكرهــم يزلزل عروش الظالمين‪ ،‬ويوجــف قلوب الطغاة‬ ‫المستكبرين‪ ،‬فقد ذكر ابن الأثير أن هرقل سأل رجلا ممن اتبعه كان قد أسر مع‬ ‫المسلمين فقال‪ :‬أخبرني عن هؤالء القوم‪ ،‬فقال‪ :‬أخبرك كأنك تنظر إليهم‪ ،‬هم‬ ‫فرســان بالنهار رهبان بالليل ال يأكلون في ذمتهــم إال بثمن وال يدخلون إال‬ ‫بســلام يقضون على من حاربوه حتى يأتوا عليه‪ ،‬فقال‪ :‬لئــن كنت صدقتني‬ ‫ليملكن موضع قدمي هاتين‪.‬‬ ‫وروى ابن عساكر بإسناده إلى »من سمع يحيى بن يحيى الغساني يحدث‬ ‫عن رجلين من قومه من غسان‪ ،‬قال‪ :‬لما كان المسلمون بناحية الأردن تحدثنا‬ ‫بيننا أن دمشق ستحاصر‪ ،‬فقال أحدنا لصاحبه هل لك أن تدخل المدينة فتتسوق‬ ‫من سوقها قبل حصارها؟ فبينا نحن نتسوق إذ أتانا رسول بطريقها اصطراخيه‬ ‫المحور السادس‪ :‬فيما يتعلق بالعقل‬ ‫‪١٦٣‬‬ ‫فذهب بنا إليه‪ ،‬فقال‪ :‬أنتما من العرب؟ قلنا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬وعلى النصرانية‪ ،‬قلنا‪:‬‬ ‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬ليذهب أحدكما إلى هؤالء فليتجسس لنا من خبرهم ورأيهم وليتثبت‬ ‫الآخر على متاع صاحبه‪ ،‬ففعل ذلك أحدنا فلبث لبثا ثم جاءه‪ ،‬فقال‪ :‬جئتك من‬ ‫عند رجال دقاق‪ ،‬يركبون خيوال مشاق‪ ،‬أما الليل فرهبان‪ ،‬وأما النهار ففرسان‪،‬‬ ‫يريشون النبل ويبرونها‪ ،‬ويثقفون القنا‪ ،‬لو حدثت جليسك حديثا ما فهمه عنك‬ ‫لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر‪ ،‬فالتفت إلى أصحابه‪ ،‬فقال‪ :‬أتاكم منهم‬ ‫ما ال طاقة لكم به«)‪.(١‬‬ ‫وقد درج على هذا أهل الحق الذين عرفوا كيف يربون شبابهم ويصعدون‬ ‫بهم في مدارج العز والشــرف‪ ،‬ويرتقون بهم في معارج الفضل والتقوى‪ ،‬فقد‬ ‫دفع أبو حمزة الشــاري ‪ 5‬في صدور الــذي كانوا يســخرون من أصحابه‬ ‫بدعوى أنهم شباب أغمار ســفيهة أحلامهم‪ ،‬فصعد منبر رسول االله ژ ‪ ،‬وقال‬ ‫منتصرا لأولئك الشباب‪» :‬يا أهل المدينة‪ ،‬بلغني أنكم تنتقصون أصحابي قلتم‬ ‫شــباب أحداث وأعراب جفاة‪ ،‬ويلكــم يا أهل المدينة‪ ،‬وهــل كان أصحاب‬ ‫رسول االله ژ إال شبابا؟!‪ ..‬شباب واالله مكتهلون في شبابهم‪ ،‬غضية عن الشر‬ ‫أعينهم ثقيلــة عن الباطــل أقدامهم‪ ،‬قد باعوا االله ‪ 8‬أنفســا تمــوت بأنفس‬ ‫ال تموت‪ ،‬قد خالطوا كلالهم بكلالهم‪ ،‬وقيام ليلهــم بصيام نهارهم‪ ،‬منحنية‬ ‫أصلابهم على أجزاء القرآن‪ ،‬كلما مروا بآية خوف شــهقوا خوفا من النار وإذا‬ ‫مروا بآية شوق شهقوا شــوقا إلى الجنة‪ ،‬فلما نظروا إلى السيوف قد انتضيت‬ ‫والرماح قد شرعت وإلى السهام قد فوقت وأرعدت الكتيبة بصواعق الموت؛‬ ‫اســتخفوا وعيد الكتيبة‪ ،‬لوعيد االله ‪ ، 8‬ولم يستخفوا وعيد االله لوعيد الكتيبة‬ ‫فطوبى لهم وحسن مآب فكم من عين في منقار طائر فاضت في جوف الليل‬ ‫من خوف االله ‪ ، 8‬وكم من يد زالت عن مفصلها طالما اعتمد بها صاحبها في‬ ‫)‪ (١‬تاريخ دمشق ‪ ٩٦/٢‬ـ ‪ ،٩٧‬وينظر البداية والنهاية‪.١٦/٧ ،‬‬ ‫‪١٦٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫سجوده الله‪ ،‬وكم من ‪‬‬ ‫خد عتيق وجبين رقيق فلق بعمد الحديد‪ ،‬رحمة االله على‬ ‫تلك الأبدان‪ ،‬وأدخل أرواحها الجنان‪ ،‬أقول قولي هذا وأستغفر االله من تقصيرنا‬ ‫وما توفيقي إال باالله عليه توكلت وإليه أنيب«)‪.(١‬‬ ‫وليت شعري؛ أين هؤالء الشــباب الذين كانوا تنضح دخائلهم بالتقوى‪،‬‬ ‫وتتدفق خصالهم بالمكارم وتشع في أعماق قلوبهم أنوار الإيمان‪ ،‬فيتزاحم فيها‬ ‫خوف االله ورجاؤه ويتلاطم في جنباتها حبه والرغبة إليه‪ ،‬فينساقون إلى عبادته‬ ‫وطاعته آناء ليلهم وأطراف نهارهم‪ ،‬أين هؤالء من شباب ال هم له إال كؤوس‬ ‫الخمور‪ ،‬ومغازلة الحسان‪ ،‬واالنســياق إلى الشهوات الدنيئة؟ ﴿ ‪6 5 4‬‬ ‫‪ ﴾ @ ? > = < ;: 9 8 7‬ص‪،٢٨ :‬‬ ‫وأنى يرتجى من هؤالء ما يرتجى من أولئك‪ ،‬من نصرة الحق وعون الضعيف‬ ‫وإغاثة الملهوف؟‪.‬‬ ‫وهذا ما يدعو كل مجتمع أن يفكر في شــبابه‪ ،‬فــلا يرضى إال أن يجنب‬ ‫شبابه هذه الأمراض المعدية‪ ،‬التي تفتك بهم فلا تبقي منهم وال تذر‪.‬‬ ‫وإني ـ معذرة إلــى االله تعالى ـ أكــرر ما ناديت به أكثــر من مرة من‬ ‫المطالبة بمنع الخمور؛ شربا وتجارة واســتيرادا وتصديرا في البر والبحر‬ ‫والجو‪ ،‬حتى يسلم مجتمعنا من هذا الداء الفتاك‪ ،‬وكم دعوت إلى هذا في‬ ‫الخطب والمحاضرات ووسائل الإعلام‪ ،‬وفي خطاب المسؤولين‪ ،‬وال أشك‬ ‫أن الكل يدرك ما أدركته‪ ،‬ويوقن بصــواب ما أدعو إليه‪ ،‬لذلك أعجب من‬ ‫التصامم عن هذا النداء‪ ،‬وتجاهل هذا الواجب‪ ،‬مع أن الخير كله منوط به‬ ‫والشر بأســره معقود على الإعراض عنه‪ ،‬إذ الخمر باب كل شر‪ ،‬فقد روي‬ ‫)‪ (١‬الطبري‪ :‬تفســير الطبري‪ ٣٢٩/٤ ،‬ـ ‪ ،٣٣٠‬الأصفهاني‪ :‬الأغانــي‪ ،٢٥٠/٢٣ ،‬و‪ ،٢٥٦‬ابن الأثير‪:‬‬ ‫الكامل في التأريخ‪ ،٥٠/٥ ،‬ابن أبي الحديد‪ :‬شــرح نهج البلاغة‪ ٦٣/٥ ،‬و‪ ،٦٦‬شــهاب الدين‬ ‫النويري‪ :‬نهاية الأرب في فنون الأدب‪ ،٣٥/٢١ ،‬أحمد زكي‪ :‬جمهرة خطب العرب‪.٤٧٥/٢ ،‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬فيما يتعلق بالعقل‬ ‫‪١٦٥‬‬ ‫من طريق ابــن عباس عن النبي ژ أنــه قال‪» :‬الخمــر أم الفواحش وأكبر‬ ‫الكبائر من شربها وقع على أمه وخالته وعمته«)‪.(١‬‬ ‫وفي رواية من طريق عبد االله بن عمرو‪» :‬الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر‬ ‫ومن شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وعمته وخالته«)‪.(٢‬‬ ‫وروي عنه ژ أنها »جماع الإثم«)‪ ،(٣‬وال غرو فكم ينشأ عن الخمر من فتنة‬ ‫ودمار‪ ،‬وارتكاب للموبقات وانتهاك للأعراض‪ ،‬وترك للواجبات وفســاد في‬ ‫الأخلاق‪ ،‬وقد أدرك العقلاء من الناس حتى في أيام الجاهلية ما فيها من فساد‬ ‫وضرر‪ ،‬فـ »عن العباس بن مرداس أنه قيل له في الجاهلية‪ :‬لم ال تشرب الخمر‬ ‫فإنها تزيد في جراءتك؟ فقــال ما أنا بآخذ جهلي بيــدي فأدخله جوفي‪ ،‬وال‬ ‫أرضى أن أصبح سيد قوم وأمسى سفيههم«)‪ ،(٤‬وإذا كان من أهل الجاهلية من‬ ‫أدرك بفطرته أن شــرب الخمر دناءة يترفع عنها الحليم‪ ،‬فكيف بمن يزعم أنه‬ ‫مســلم مؤمن بما أنزل االله في كتابه وما أخبر به رســوله ژ في سنته‪ ،‬ما باله‬ ‫يتجاهل ما علمه ويعرض عما صدقه فيرضى لنفسه الوقوع في هذه الدركات‪،‬‬ ‫والسقوط في هذه المهاوي؟!!‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الطبراني في الكبير )‪ ،١٦٤/١١‬رقم ‪ .(١١٣٧٢‬وفي الأوســط )‪ ،٢٧٦/٣‬رقم ‪،(٣١٣٤‬‬ ‫والدارقطني )‪.(٢٤٧/٤‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد )‪.(٦٨/٥‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه من طريق عقبة بن عامر الجهني ابن عساكر )‪ .(٢٤٠/٥١‬ومن طريق ابن مسعود أخرجه‬ ‫ابن أبي شيبة )‪ ،١٠٦/٧‬رقم ‪ ،(٣٤٥٥٢‬وأبو نعيم في الحلية )‪ .(١٣٨/١‬وهناد )‪ ،٢٨٦/١‬رقم ‪،(٤٩٧‬‬ ‫وابن عساكر )‪.(١٧٩/٣٣‬‬ ‫)‪ (٤‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪ ،٤٠/٦ ،‬والنيسابوري‪ :‬تفســير غرائب القرآن ورغائب الفرقان‪٦٠٤/١ ،‬‬ ‫‪ ،٦٠٥‬أبو حفص الدمشــقي‪ :‬اللباب في علوم الكتاب‪ ،٣٨/٤ ،‬وابن حجر الهيثمي‪ :‬الزواجر‪،‬‬ ‫‪ ،٨٠٣/٢‬إسماعيل حقي الخلوتي‪ :‬تفسير حقي‪ ،٤٦٨/١ ،‬الألوسي‪ :‬روح المعاني‪.١١٤/٢ ،‬‬ ‫‪١٦٧‬‬ ‫ا "!ر ا ‪U,‬‬ ‫‪ 7‬ا ‪!^,‬ت '‪ $‬ا <^ات‬ ‫ال يستوي المعروف والمنكر‪ ،‬كما ال يســتوي النور والظلمة‪ ،‬فالمعروف‬ ‫تعرفه النفس وتنسجم معه الفطرة فلذلك سمي معروفا‪ ،‬والمنكر تنكره النفس‬ ‫وتأباه الفطرة فلذلك سمي منكرا‪ ،‬وفي موازين القســط التي أنزلها االله تعالى‬ ‫المعروف‪ ،‬هو ما وافق شرع االله‪ ،‬والمنكر ما خالفه‪ ،‬وال يخفى أن المؤمن الذي‬ ‫رضي باالله ربا وبالإســلام دينا‪ ،‬وبالقــرآن حجة ودليــلا‪ ،‬وبمحمد ژ هاديا‬ ‫وإماما‪ ،‬ال يقر ما كان بخلاف أمر االله ورســوله‪ ،‬وال ينكر ما اقتضاه أمرهما‪،‬‬ ‫﴿ ! " ‪10 / . - , + * ) ( ' & % $ #‬‬ ‫‪ ﴾ 9 8 7 6 5 4 3 2‬الأحزاب‪.٣٦ :‬‬ ‫وعليه؛ فإن المؤمن بفطرتــه يأبى إقرار المنكر كمــا يأبى الإعراض عن‬ ‫المعروف‪ ،‬وقد دل القرآن الكريم على ضرورة الأمــر بالمعروف والنهي عن‬ ‫المنكر‪ ،‬لقطع داعية الفساد ونشر الخير بين الناس‪ ،‬فقد قال تعالى‪f ﴿ :‬‬ ‫‪s r qp o n m l k j i h g‬‬ ‫‪ ﴾ t‬آل عمران‪ ،١٠٤ :‬ونبه على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬ ‫في حياة الأمــة‪ ،‬وأن خيرية هذه الأمة مرهونة بالقيــام بذلك‪ ،‬إذ ذكرهما قبل‬ ‫الإيمان باالله في قوله تعالى‪4 3 2 1 0 / . ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ 9 8 7 6 5‬آل عمران‪ ،١١٠ :‬وقبل إقام الصلاة وإيتاء‬ ‫الزكاة في قوله‪hg fe d c b a﴿ :‬‬ ‫‪١٦٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪sr q pon ml k j i‬‬ ‫‪ ﴾{ z y x wv u t‬التوبة‪ ،٧١ :‬وما ذلك إال لأن في الأمر‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر ضمانا لبقاء الإيمان باالله واستمرار إقام الصلاة‬ ‫وإيتاء الزكاة‪ ،‬وفي تركهما إضاعة لواجبات الدين كلها من الإيمان والعمل‪.‬‬ ‫وبينت آية التوبة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما معقد ارتباط‬ ‫هذه الأمة بعضها ببعض بعد إيمانها‪ ،‬فقد وصف االله المؤمنين والمؤمنات بأن‬ ‫بعضهم أولياء بعض وأتبع ذلك ما ذكره مــن مقومات هذه الوالية التي تربط‬ ‫بينهم وتجعلهم في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه‬ ‫عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر‪ ،‬وأول ما ذكره من هذه المقومات‬ ‫أنهم يأمرون بالمعــروف وينهون عن المنكر‪ ،‬ذلك لأنهــم بالأمر بالمعروف‬ ‫والنهي عن المنكر يشــيعون الخير في الأمة‪ ،‬ويدفعون الشر عنها‪ ،‬فينتج عن‬ ‫ذلك امتثالها لأمر االله‪ ،‬وازدجارهــا عن نهيه‪ ،‬وأداء ما عليهــا من الحقوق الله‬ ‫ولعباده‪ ،‬وبشــيوع ذلك يكون بينهم التراحم والتلاحم والتعاون على الخير‪،‬‬ ‫والتناصح في ذات االله تعالى‪ ،‬فلا يبقى معوج إال قوم‪ ،‬وال غاو إال أرشد‪ ،‬وال‬ ‫غافل إال نبه‪.‬‬ ‫وبين سبحانه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما جندان من جنوده‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يعز بهما االله سبحانه من اعتصم بحبله وأوى إلى ركنه وحفظ له عهده‪ ،‬فقد قال‬ ‫تعالى‪W V U T❁ R Q P ONM L KJ ﴿ :‬‬ ‫‪c ba ` _^ ]\ [ Z YX‬‬ ‫‪ ﴾ e d‬الحــج‪ ٤٠ :‬ـ ‪ ،٤١‬فالأمر بالمعروف والنهي عــن المنكر ـ بجانب‬ ‫طاعته تعالى المطلقة‪ ،‬التي رمز إليها بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ـ تجسيد للقيام‬ ‫بنصر االله تعالى الذي يستحق به العبد من االله نصره وتأييده وعونه وتوفيقه‪ ،‬فأي‬ ‫تفريط في ذلك إنما هو تفريط في أقدس المقدسات وأجل الواجبات‪.‬‬ ‫المحور السابع‪ :‬في السكوت عن المنكرات‬ ‫‪١٦٩‬‬ ‫وقد ّبين االله سبحانه أن الســكوت عن المنكر مع ظهوره وشيوعه موجب‬ ‫للعنة االله تعالى وســخطه‪ ،‬فقد قال تعالــى‪= < ; : 9﴿ :‬‬ ‫> ? @ ‪J I H G F ED C B A‬‬ ‫❁ ‪﴾ V U T S RQ P O N M L‬‬ ‫المائدة‪ ٧٨ :‬ـ ‪ ،٧٩‬وال يعني ذكر هذا في بني إسرائيل أنه محصور بينهم‪ ،‬فإنه منوط‬ ‫بهــذا الوصف‪ ،‬فأينمــا وجد تحقق هــذا الحكــم‪ ،‬ويعزز ذلــك حديث ابن‬ ‫مسعود ‪ ƒ‬أن رســول االله ژ قال‪» :‬إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل‬ ‫كان الرجل يلقى الرجل‪ ،‬فيقول‪ :‬يا هذا‪ ،‬اتق االله ودع ما تصنع‪ ،‬فإنه ال يحل لك‪،‬‬ ‫ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده‪ ،‬فلما فعلوا ذلك‬ ‫ضرب االله قلوب بعضهم ببعض‪ ،‬ثــم قال‪= < ; : 9 ﴿ :‬‬ ‫> ? @ ‪ ﴾ D C B A‬المائدة‪ ٧٨ :‬إلى قوله‪﴾ { ﴿ :‬‬ ‫المائدة‪ ،٨١ :‬ثم قال‪ :‬كلا واالله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على‬ ‫يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن االله‬ ‫بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم«)‪.(١‬‬ ‫وعن أبي موسى الأشعري عنه ژ بلفظ‪» :‬إن من قبلكم من بني إسرائيل‬ ‫إذا عمل العامل منهم الخطيئــة فنهاه الناهي تعزيرا فإذا كان من الغد جالســه‬ ‫ووآكله وشــاربه كأن لم يره على خطيئته بالأمس‪ ،‬فلمــا رأى االله ذلك منهم‬ ‫ضرب بقلوب بعضهم على بعض‪ ،‬ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم‪،‬‬ ‫ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون‪ ،‬والذي نفس محمد بيــده لتأمرن بالمعروف‬ ‫ولتنهن عن المنكر‪ ،‬ولتأخذن على أيدي المسيء ولتأطرنه على الحق أطرا‪ ،‬أو‬ ‫ليضربن االله بقلوب بعضكم على بعض‪ ،‬ويلعنكم كما لعنهم«)‪.(٢‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أبو داود )‪ ،١٢١/٤‬رقم ‪ ،(٤٣٣٦‬والبيهقي )‪ ،٩٣/١٠‬رقم ‪.(١٩٩٨٣‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد )‪ ،(٢٦٩/٧‬والشجري في أماليه )‪.(٢٣٠/٢‬‬ ‫‪١٧٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫هذا؛ وال يتوقف وجوب الأمر بالمعــروف والنهي عن المنكر على رجاء‬ ‫امتثال المأمور المنهي فإن من رأى منكرا وجب عليه تغييره ولو كان آيسا من‬ ‫انتهاء مرتكبه عنه‪ ،‬فاالله تعالى أمر بدعوة الكفار إلى الإســلام حتى مع اليأس‬ ‫من إسلامهم فقد قال تعالى‪) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫* ‪9 8 76 5 4 32 1 0 / . - ❁ +‬‬ ‫‪ ﴾:‬البقرة‪ ٦ :‬ـ ‪ ،٧‬ومع ذلك لم يعذر النبي ژ من دعوتهم‪ ،‬كما قال‪M﴿ :‬‬ ‫‪^ ❁ \ [ Z Y X W V U❁ S R Q P O N‬‬ ‫_ ` ‪l k j i❁ g f e d c b a‬‬ ‫‪y x w v❁ t s r q p o n m‬‬ ‫‪ ﴾} | { z‬يس‪ ٦ :‬ـ ‪.١٠‬‬ ‫وعندما حكى االله تعالى قصة بني إســرائيل وعدوانهم في السبت ذكر أنهم‬ ‫كانوا ثلاث فئات‪ ،‬فئة اعتدت ولم تبال بنهي االله ســبحانه‪ ،‬وفئة قامت بواجب‬ ‫الإنكار عليهم‪ ،‬وفئة كانت سلبية سكتت عن المنكر وإن لم ترتكبه‪ ،‬بل عذلت‬ ‫الذين نهوهم بدعوى أن كلمة االله قد حقت عليهم فلا تجدي فيهم الموعظة‪ ،‬ثم‬ ‫بين كيف كانت العاقبة عندما قال‪ ~ } | {﴿ :‬ے ¡‬ ‫‪¬« a © ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫® ̄ ‪" ! ❁o 1 ̧ ¶ μ ́3 2 ±°‬‬ ‫‪3 2 1 0 /. - , + * ) (' & % $ #‬‬ ‫‪A @ ? > = < ; : 9 8 7 ❁5 4‬‬ ‫‪ ﴾ H G F E D C B‬الأعراف‪ ١٦٣ :‬ـ ‪ ،١٦٥‬فقد ذكر سبحانه‬ ‫أنه أنجى الذين ينهون عن الســوء وأهلك من عداهم‪ ،‬قال ابــن عباس‪» :‬كانوا‬ ‫أثلاثا‪ :‬ثلث نهــوا‪ ،‬وثلث قالــوا‪ [ * ) (' & % ] :‬وثلث أصحاب‬ ‫الخطيئة‪ ،‬فما نجا إال الذين نهوا وهلك سائرهم«)‪.(١‬‬ ‫)‪ (١‬ابن كثير‪ :‬تفسير ابن كثير‪.٤٩٦/٣ ،‬‬ ‫المحور السابع‪ :‬في السكوت عن المنكرات‬ ‫‪١٧١‬‬ ‫أما ما رواه الحاكم عن عكرمة أنه قال‪ :‬قال ابن عباس‪» :‬فأســمع االله يقول‬ ‫﴿ < = > ? @ ‪G F E D CB A‬‬ ‫‪ ﴾ H‬الأعراف‪ ،١٦٥ :‬فلا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة؟ قال ابن عباس‪ :‬فكم‬ ‫قد رأينا من منكر فلم ننه عنه‪ ،‬قال عكرمــة‪ :‬فقلت‪ :‬ما ترى جعلني االله فداك؟‬ ‫إنهم قد أنكروا‪ ،‬وكرهــوا حين قالوا لم تعظون قومــا االله مهلكهم أو معذبهم‬ ‫عذابا شديدا؟ فأعجبه قولي ذلك‪ ،‬وأمر لي ببردين غليظين فكسانيهما«)‪ ،(١‬فإن‬ ‫في نفسي منه شيئا‪ ،‬وإن قال الحاكم‪» :‬حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه«‪،‬‬ ‫ذلك لأن االله تعالى أنكر على بني إسرائيل سكوتهم عن المنكر بل لعنهم على‬ ‫ذلك‪ ،‬كما هو منصــوص عليه في قولــه‪= < ; : 9﴿ :‬‬ ‫> ? @ ‪J I H G F ED C B A‬‬ ‫❁ ‪﴾ V U T S RQ P O N M L‬‬ ‫المائدة‪ ٧٨ :‬ـ ‪ ،٧٩‬فلم يقصــر اللعن على المعتدين وحدهــم وإنما عمم ذلك في‬ ‫الذين ركبوا المنكر والذين سكتوا عنه‪ ،‬وقد علمت مما تقدم من الروايات أنهم‬ ‫كان منهم من ينكر ولكنه ال يلبث مع إنكاره أن يعاشــر مــن وقع في المنكر‪،‬‬ ‫فلعنهم االله جميعا‪ ،‬وهؤالء كانوا عاذلين للذين نهوا عن السوء بقولهم‪& % ] :‬‬ ‫'( ) * [‪ ،‬ومجموع هذا كله يدل على أن الصواب في هذا ما روي عن‬ ‫ابن عباس ^ أنه قال‪» :‬فما نجا إال الذين نهوا وهلك سائرهم«‪.‬‬ ‫وال يخفى على ذي لب أن ســكوت الناس عن المنكر من غير أن تنكره‬ ‫ألسنتهم وتشمئز منه قلوبهم وتنفر منه طباعهم هو سبب لألفته‪ ،‬وتدرج الناس‬ ‫من منكر إلى آخر‪ ،‬فإن كل مصيبة تجر وراءها مصائب‪ ،‬والشــيطان يستدرج‬ ‫وي ُدع ُ‪‬هم في الموبقات َدع‪‬ــا‪ ،‬أما إن عافوا المنكــر ورفعوا عقيرتهم‬ ‫أوليــاءه‪َ ،‬‬ ‫بإنكاره ونفروا منه فإن ذلك يصبح حاجزا بينهم وبين ارتكابه‪ ،‬وبسبب ذلك‬ ‫)‪ (١‬الحاكم‪ :‬المستدرك على الصحيحين‪.٣٥٢/٢ ،‬‬ ‫‪١٧٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫كان الأمر بالمعروف والتناهي عن المنكر معقد ارتباط المؤمنين والمؤمنات‬ ‫بعضهم ببعض‪ ،‬وسببا متينا الستمرار واليتهم ونمو قوتهم‪ ،‬ولأجل هذا عقد االله‬ ‫تعالى نصره للمؤمنين على الأمر بالمعــروف والنهي عن المنكر بجانب إقام‬ ‫الصلاة وإيتاء الزكاة‪.‬‬ ‫وقد ّبين النبي ژ خطورة ترك الأمر بالمعــروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وما‬ ‫يجره على الناس من فساد وبلاوى فقد روي من طريق أبي هريرة عند أبي يعلى‬ ‫في مسنده ومن طريق أبي أمامة الباهلي عند ابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف‬ ‫والنهي عن المنكر أنه ژ قال‪» :‬كيف أنتم إذا طغى نســاؤكم‪ ،‬وفسق شبابكم‪،‬‬ ‫وتركتم جهادكم؟«‪ ،‬قالوا‪ :‬وإن ذلك لكائن يا رســول االله؟‪ ،‬قال‪» :‬نعم‪ ،‬والذي‬ ‫نفسي بيده‪ ،‬وأشد منه سيكون«‪ ،‬قالوا‪ :‬وما أشد منه يا رسول االله؟‪ ،‬قال‪» :‬كيف‬ ‫أنتم إذا لم تأمــروا بالمعروف‪ ،‬ولم تنهوا عــن المنكر؟«‪ ،‬قالــوا‪ :‬وكائن ذلك‬ ‫يا رسول االله؟ قال‪» :‬نعم‪ ،‬والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون«‪ ،‬قالوا‪ :‬وما أشد‬ ‫منه يا رســول االله؟‪ ،‬قال‪» :‬كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا‪ ،‬ورأيتم المنكر‬ ‫معروفا؟«‪ ،‬قالوا‪ :‬وكائن ذلك يا رسول االله؟ قال‪» :‬نعم‪ ،‬وأشد منه سيكون‪ ،‬يقول‬ ‫االله تعالى‪ :‬بي حلفت‪ ،‬لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيهم حيرانا«)‪.(١‬‬ ‫والحديث وإن ضعف من حيث الإسناد فإن شــواهد الأحوال تدل عليه‪،‬‬ ‫فكم استدرج الشيطان أقواما في المنكرات شيئا فشيئا‪ ،‬حتى لم يعودوا ينكرون‬ ‫منكــرا أو يعرفون معروفا‪ ،‬بــل زادوا على ذلك باعتقادهــم المعروف منكرا‬ ‫والمنكر معروفا‪ ،‬فإذا دعاهم داع ٍ إلى الحق وحذرهم من االستمرار في غيهم‬ ‫وعماهم أنفوا من دعوته واستنكفوها‪ ،‬واتهموه في عقله ودينه وأخلاقه‪ ،‬وكان‬ ‫عندهم عرضة للسخرية‪ ،‬ونبزهم له بالألقاب‪ ،‬ولمزهم إياه بجوارح الكلمات‪،‬‬ ‫وكم تواتر عليهم بسبب ذلك من فتن عمياء أطبق عليهم ليلها البهيم فلم يعرفوا‬ ‫المخرج منها‪ ،‬وظل ذوو الأحلام منهم حيارى‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه ابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف )‪ (٧٦/١‬وأبو يعلى في مسنده )‪ ٣٠٤/١١‬رقم‪.(٦٤٢٠ :‬‬ ‫المحور السابع‪ :‬في السكوت عن المنكرات‬ ‫‪١٧٣‬‬ ‫الأ  وف وا <‪ $' 79‬ا <^ ‪:3, 01 >' J‬‬ ‫دل الحديث الشريف على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان‬ ‫على كل مكلف‪ ،‬وإنما تختلف كيفية الأمر والنهي بحســب ما أوتوا من قوة‪،‬‬ ‫فعن أبي سعيد ‪ ƒ‬أن النبي ژ قال‪» :‬من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم‬ ‫يستطع أن يغيره بيده فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان«)‪.(١‬‬ ‫فتراه أوجب على كل من رأى منكرا تغييره‪ ،‬فمن قدر على تغييره بيده كان‬ ‫ذلك هو الواجب في حقه‪ ،‬فمن لم يســتطع فعليه أن يغير بلســانه‪ ،‬ومن لم‬ ‫يستطع عاد إلى أضعف الإيمان؛ وهو أن يغيره بقلبه‪ ،‬وذلك أن يمتعض من هذا‬ ‫المنكر ويكرهه ويكره راكبه تقربا إلى االله تعالى‪ ،‬أما لو لم يكن ذلك منه فإنه‬ ‫ـ بلا ريب ـ يسري أثر ذلك المنكر في نفسه‪ ،‬فيتساوى أوال في نفسه ارتكابه‬ ‫وتركه‪ ،‬وال يزال الشيطان يقدح في عقله حتى يحببه إليه فيهون عليه ارتكابه‪،‬‬ ‫ولهذا كان تغييره بالقلب هو أضعف درجات الإيمان‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجــه الطيالســي )ص ‪ ،٢٩٢‬رقم ‪ ،(٢١٩٦‬وأحمــد )‪ ،٤٩/٣‬رقم ‪ ،(١١٤٧٨‬وعبد بــن حميد‬ ‫)ص ‪ ،٢٨٤‬رقم ‪ (٩٠٦‬ومسلم )‪ ،٦٩/١‬رقم ‪ (٤٩‬وأبو داود )‪ ،٢٩٦/١‬رقم ‪ ،(١١٤٠‬والترمذي )‪،٤٦٩/٤‬‬ ‫رقم ‪ (٢١٧٢‬وقال‪ :‬حســن صحيــح‪ .‬والنســائي )‪ ،١١١/٨‬رقم ‪ ،(٥٠٠٨‬وابن ماجــه )‪،١٣٣٠/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٤٠١٣‬وابن حبان )‪ ،٥٤١/١‬رقم ‪ .(٣٠٧‬وأبو يعلى )‪ ،٢٨٩/٢‬رقم ‪ ،(١٠٠٩‬والبيهقي )‪،٩٠/١٠‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٩٩٦٦‬وأبو نعيم في الحلية )‪.(٢٨/١٠‬‬ ‫‪١٧٥‬‬ ‫ا "!ر ا ‪$8‬‬ ‫  لأ!ال‬ ‫المال من نعم االله تعالى إن أحســن التصرف فيه‪ ،‬وهو من أشــد النقم إن‬ ‫أســيء فيه التصرف‪ ،‬فهو صارم ذو حديــن‪ ،‬إما أن يمضى فــي الخير فيعود‬ ‫بالصلاح والتعمير‪ ،‬وإما أن يمضى في الشــر فيعود بالفســاد والتدمير‪ ،‬وقد‬ ‫جبلت النفوس على حبه حبا جما‪ ،‬كما قال تعالى‪﴾ ± ° ̄ ® ﴿ :‬‬ ‫الفجر‪ ،٢٠ :‬وقال في وصف الإنسان‪ ﴾ ¤ £ ¢ ¡ ﴿ :‬العاديات‪ ،٨ :‬ومع‬ ‫ذلك كله فهو مال االله تعالى‪ ،‬وما الإنسان إال مستخلف فيه ومؤتمن عليه‪ ،‬فقد‬ ‫قال تعالى‪ ﴾ Q P O N M L ﴿ :‬النور‪ ،٣٣ :‬وقال‪e d ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ h g f‬الحديد‪ ،٧ :‬لهذا لم تطلق يد الإنسان فيه ليكتسبه بأي وجه‬ ‫وينفقه في أي وجه وعلى أي كيفية‪ ،‬لأن الخليفة ال يتصرف فيما استخلف فيه‬ ‫إال بحسب ما أذن له من استخلفه‪.‬‬ ‫ال  ‪!c $‬ن ا <‪ 'R 3‬االله  > ‪ >J‬ال "!ل إ > ‪:3.‬‬ ‫قد علم االله تعالى طبائع العباد وما تنجذب إليه نفوسهم وما تنفر منه‪ ،‬وكم‬ ‫من شر تنجذب إليه‪ ،‬وكم من صلاح تأباه وتنفر منه‪ ،‬ولأجل ما وقر في نفوس‬ ‫الناس من حب المال حبا جما ـ يعمي مداركهم ويفســد فطرهــم‪ ،‬ويغ ‪‬ور في‬ ‫طبائعهم ينابيع الخير والفضــل ـ كان ال بد من علاج لهذه الشــهوة الجامحة‬ ‫المســتعصية على أي علاج ما عدا العلاج الرباني الصادر عن االله‪ ،‬الذي يعلم‬ ‫‪١٧٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫مسارب النفس ومداخلها ويحيط بكل منافعها ومضارها‪ ،‬ويدرك جميع دوافعها‬ ‫وجواذبها؛ ﴿ ‪ ﴾ 2 1 0 / . - ,‬الملك‪ ،١٤ :‬لأجل هذا أتى وحي االله‬ ‫تعالى بهذا العلاج الرباني الشافي؛ الذي لو أخذ به جميع الناس لجللت الأرض‬ ‫ومن عليها الرحمة والألفة والمودة والحنان‪ ،‬وانحسر كل ما يعتمل في النفوس‬ ‫من حسد وحقد وكراهة وشنآن‪ ،‬وانطفأ كل ما يستعر بينهم من فتن يأتي ضرامها‬ ‫على الأخضر واليابس‪ ،‬ويهلك الحرث والنسل‪ ،‬ويجتاح الطارف والتليد‪.‬‬ ‫)ورة ا  "^‪ 3‬االله  > ‪ *,1 7‬ا ل وإ‪: 4 .‬‬ ‫العلاج الرباني يتعلق في المــال بكلا الطرفين‪ ،‬طرف الكســب وطرف‬ ‫الإنفاق‪ ،‬فلم يكن للإنسان أن يكســب المال من أي وجه كان‪ ،‬وإنما عليه أن‬ ‫يتقيد في كسبه بطلب الحلال الطيب الذي يبارك له فيه وال يؤثر في نفوس بني‬ ‫جنسه إال الخير والود والشفقة والوئام‪ ،‬فلا يثري على حسابهم‪ ،‬وال يهتم بنفسه‬ ‫ويغض الطرف عنهم‪ ،‬وإنما يكتســبه بطريقة ال تضر بأحــد‪ ،‬فإن اتجر وربح‬ ‫كانت تجارته في إطار الفضيلة والمنفعة المشتركة‪ ،‬ليس فيها استغلال لحاجة‬ ‫محتاج‪ ،‬وإنما فيها بســط المعروف لجميع الناس‪ ،‬ولذلك يجدون جميعا فيه‬ ‫الخير والرحمة‪ ،‬لأن من شروط االتجار في الإسلام أن يكون بعيدا عن جميع‬ ‫أنواع الغرر‪ ،‬فلا يتجر إال فيما هو حاضر معروف بنوعه ووصفه وبقدره وثمنه‪،‬‬ ‫اللهم إال أن تكون تجارة بطريقة الســلم‪ ،‬ومن شرط ذلك أن يكون السلم في‬ ‫شــيء معروف نوعه ووصفه وقدره وثمنه‪ ،‬وأن يكون إلى أجل معلوم وبوزن‬ ‫معلوم أو كيل معلوم‪ ،‬فلا يكون في ذلك غرر على بائع وال مبتاع‪.‬‬ ‫وما كانت إباحة الســلم إال لرفع الحرج عن الناس والتيسير لهم فالبائع‬ ‫يقضي مآربه بما يقبضه من الثمن الذي يعينه على ممارســة مهمته في إعداد‬ ‫البضاعة ليقدمها للمشتري في ميقاتها المعلوم بحدها ووصفها‪ ،‬والمشتري يجد‬ ‫مصلحته في ضمان ما يحتاج إليه من البضاعة التي أسلم فيها‪ ،‬ولو قدم ثمنها‪.‬‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال‬ ‫‪١٧٧‬‬ ‫وقد شدد الإسلام في كل المعاملات ذات الغرر‪ ،‬فلذلك منع من بيع الغلة‬ ‫قبل دراكها‪ ،‬ومن بيع ما هو مستور كالثمار التي تكون في أصول الزرع قبل أن‬ ‫تجنى‪ ،‬ومثــل ذلك ما كان مســتورا في ظروفــه وأوعيته ولم تتبيــن كيفيته‬ ‫للمتعاملين‪ ،‬وجعل كل معاملة بدون هذه الشروط من أكل أموال الناس بغير‬ ‫حق‪ ،‬فعن جابر بــن عبد االله‪ ،‬أن رســول االله ژ قال‪» :‬من باع ثمــرا فأصابته‬ ‫جائحة‪ ،‬فلا يأخذ من مال أخيه شيئا‪ ،‬علام يأخذ أحدكم مال أخيه المسلم؟«)‪.(١‬‬ ‫وجاء وعيد ذلك في القرآن مقرونا بوعيد قتل النفس المحرمة بغير حق‪،‬‬ ‫وذلك في قوله تعالى‪? > = < ; : 9﴿ :‬‬ ‫@ ‪O N M LK J I HG F E D C B A‬‬ ‫‪\ [Z Y X W V U T S ❁ Q P‬‬ ‫] ^ _ ` ﴾ النساء‪ ٢٩ :‬ـ ‪ ،٣٠‬وليس هذا االقتران بين أكل الأموال بغير‬ ‫حق وبين سفك الدم الحرام إال دليلا على خطورة أمر المال‪ ،‬وأنه قرين النفس‬ ‫في الحرمة‪ ،‬وجاء الحديث مضيفا إليهما عرض المسلم‪ ،‬وذلك في مقام عرض‬ ‫ما يجب أن يكون بين المســلمين مــن حرص كل أحد منهــم على مصلحة‬ ‫الآخرين‪ ،‬وتوقير بعضهم لبعض وعدم تجني أحد منهم على غيره‪ ،‬وما يجب‬ ‫أن يكون بينهم من وحدة الشعور التي تجعل كلا منهم يتألم بما يصيب أخاه‪،‬‬ ‫فعن أبي هريرة ‪ ƒ‬قال‪ :‬قال رسول االله ژ ‪» :‬ال تحاســدوا وال تناجشوا وال‬ ‫تباغضوا وال تدابروا وال يبع بعضكم على بيع بعض‪ ،‬وكونوا عباد االله إخوانا‪،‬‬ ‫المسلم أخو المسلم ال يظلمه وال يخذله وال يحقره‪ ،‬التقوى ههنا ـ ويشير إلى‬ ‫)‪ (١‬أخرجه ابن ماجه )‪ ،٧٤٧/٢‬رقم ‪ ،(٢٢١٩‬والدارمي )‪ ،٣٢٨/٢‬رقم ‪ ،(٢٥٥٦‬وابن الجارود )ص ‪،١٦١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٦٣٩‬وابن حبان )‪ ،٤١٠/١١‬رقم ‪ ،(٥٠٣٤‬والدارقطني )‪ ،(٣٠/٣‬والحاكم )‪ ،٤٢/٢‬رقم ‪(٢٢٥٦‬‬ ‫وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين‪ .‬وأخرجه أيضا‪ :‬النسائي )‪ ،٢٦٥/٧‬رقم ‪ ،(٤٥٢٨‬والطبراني‬ ‫في الأوســط )‪ ،٣٣/٧‬رقم ‪ ،(٦٧٦٨‬والطبراني في الشــاميين )‪ ،٢٨٩/١‬رقم ‪ ،(٥٠٤‬والديلمي‬ ‫)‪ ،٤٨٧/٣‬رقم ‪.(٥٥١١‬‬ ‫‪١٧٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫صدره ثلاث مرات ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم‪ ،‬كل المسلم‬ ‫على المسلم حرام دمه وماله وعرضه«)‪.(١‬‬ ‫ا  ا ‪ -6‬وا ‪J $R+‬ب ‪ $‬ا ‪  $,+‬و‪ $‬االله‪:‬‬ ‫أما الربا فبكل صنوفه وأبوابه شدد فيه الإسلام وعده حربا بين الوالجين‬ ‫فيه وربهم سبحانه‪ ،‬فقد قال تعالى‪| { z y x w v u ﴿ :‬‬ ‫} ~ ے ¡ ‪ ̄ ® ¬« a © ̈ § ¦ ¥ ¤ ❁ ¢‬‬ ‫‪ ﴾¶ μ ́ 3 2 ± °‬البقرة‪ ٢٧٨ :‬ـ ‪ ،٢٧٩‬وهو ملعون‬ ‫وملعون معه كل من مد يده به أخذا أو عطاء أو شارك في التعامل به بأي وجه‪،‬‬ ‫فعن جابر ‪ ƒ‬قال‪» :‬لعن رسول االله ژ آكل الربا‪ ،‬وموكله‪ ،‬وشاهديه‪ ،‬وكاتبه«‬ ‫وقال‪» :‬هم سواء«)‪.(٢‬‬ ‫وال يحصــر الربا في الظاهر المكشــوف‪ ،‬فإن المراباة فــي أموال الناس‬ ‫بالتحايل والمكر وابتزازها تحت الشعارات الخادعة ال يقل شيء من ذلك عن‬ ‫الربا الصريح في الإثم واستحقاق اللعن والوعيد الشديد‪ ،‬بل هو أعظم حرمة‬ ‫وأشد وعيدا‪ ،‬لأنه ـ مع مشاركته للربا المكشوف في أكل أموال الناس بغير حق‬ ‫واتخاذ حاجتهم وفاقتهم ســبيلا إلى ابتزاز ثرواتهم ـ هو ضــرب من النفاق‬ ‫ال يتولد إال من انحراف المعتقد‪ ،‬فإن من يقدم عليه إنما يقدم على مخادعة االله‬ ‫تعالى‪ ،‬والمخادعة ظاهرة بما يضفيه على هذه المعاملة من صور يظن الجهلة‬ ‫المغرورون أنها من أنواع المعامــلات المحللة‪ ،‬واعتقاد أن ذلك له تأثير على‬ ‫حكم االله تعالى إنما هو اعتقاد بأنه سبحانه يمكن أن يكون عرضة للخداع وأنه‬ ‫يتأثر بحيل عباده‪ ،‬وهو تجاهل للنصوص القاطعة الدالة على أن االله ال يخفى‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،٢٧٧/٢‬رقم ‪ ،(٧٧١٣‬ومســلم )‪ ،١٩٨٦/٤‬رقم ‪ .(٢٥٦٤‬وأخرجه أيضا‪ :‬البيهقي‬ ‫)‪ ،٩٢/٦‬رقم ‪.(١١٢٧٦‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه مسلم )‪ ،١٢١٩/٣‬رقم ‪ ،(١٥٩٨‬وأبو عوانة )‪ ٣٩٥/٣‬رقم‪.(٥٤٥٥ :‬‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال‬ ‫‪١٧٩‬‬ ‫عليه ما يخطــر بالنفوس وما تنطوي عليــه الضمائر ومــا يتلجلج في أعماق‬ ‫الصدور كما نص عليه قوله تعالى‪ ﴾s r q p ﴿ :‬آل عمران‪،١٥٤ :‬‬ ‫وقوله‪ ﴾ X W V U T S R Q P O ﴿ :‬البقرة‪.٢٨٤ :‬‬ ‫وإذا كان هذا التصرف ال يأتي إال من النفاق العقدي الذي يظن صاحبه‬ ‫أنه قادر على مخادعة االله تعالى‪ ،‬فإن جزاء المنافقين بينه سبحانه في قوله‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾¬ « a © ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬النساء‪.١٤٥ :‬‬ ‫ومن هذا الباب؛ ما شاع عند كثير من الجهلة المغرورين‪ ،‬بل ومن بعض‬ ‫أدعياء العلم‪ ،‬من التعامل ببيوع الإقالة معاملة ليس وراءها إال ابتزاز الثروات‪،‬‬ ‫واالســتكثار من المال من غير مباالة من أي باب يدخل على صاحبه‪ ،‬وهي‬ ‫معاملة ظاهرها بيع وباطنها ربا غليظ‪ ،‬وقد طرق ســمعي كثير من الأصوات‬ ‫مستنكرا بعض المعاملات في المصارف الإسلامية‪ ،‬وهذا أمر ال بد من التفطن‬ ‫له لئلا يكون شعار الإسلام في هذه المصارف وسيلة إلى المعاملات الربوية‬ ‫المحرمة‪ ،‬وإنما يجب أن يكون شــعار الإســلام ال يواري تحتــه إال ما يقره‬ ‫الإســلام من المعاملات الشــرعية‪ ،‬التي جعل االله فيها غنى للعباد عما حرم‬ ‫عليهم من الربا‪ ،‬وال يخفى أن الإسلام كله طهر وعفة ورحمة‪ ،‬فيجب أن ال يلز‬ ‫به شيء مما يكدر صفوه ويشوب طهره‪.‬‬ ‫وإنني لأهيــب بمجالــس الإدارة وهيئات الرقابة في هــذه المصارف أن‬ ‫تتحرى السلامة في هذه المعاملات‪ ،‬وأن ال تدفع بالناس إلى مخاطر ورجس‬ ‫المعاملات الربوية‪ ،‬وأن ال يدعوا الحزم فيها وإن كانوا مطالبين بالتيسير فيما‬ ‫يســره شــرع االله تعالى منها ليجد الناس في كنف هذه المؤسســات المالية‬ ‫ما يغنيهم عن الرجوع إلى المؤسسات الربوية‪ ،‬كما أهيب بلجان الفتوى ودور‬ ‫الإفتاء بأن يكون لها دور بارز في تنقيــة المعاملات التي تدور في أنحاء هذه‬ ‫المصارف من كل شــوائب الربا‪ ،‬وأن تطهرها من رجس الحــرام كله لتغدو‬ ‫إسلامية مخبرا ومظهرا‪ ،‬واالله تعالى المستعان‪.‬‬ ‫‪١٨٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ا ‪ 7 D‬و' ‪ $‬أ‪ `G‬ا ل ‪: J g‬‬ ‫جاءت بهذا روايات كثيرة متضافرة‪ ،‬كما تضافرت الروايات في وعيد أكل‬ ‫المال بغير حقه‪ ،‬فعن ابن عبــاس ^ عند الربيع ‪ : 5‬عــن النبي ژ قال‪:‬‬ ‫»القليل من أموال الناس يورث النار«)‪.(١‬‬ ‫وعن أنس بن مالك ‪ ƒ‬عند الربيع ‪ 5‬قال‪ :‬قال رســول االله ژ ‪» :‬من‬ ‫اقتطع حق مسلم بيمينه حرم االله عليه الجنة وأوجب له النار«‪ ،‬قال له رجل‪ :‬وإن‬ ‫كان شيئا يســيرا يا رسول االله ژ ؟ فقال رســول االله ژ ‪» :‬وإن كان قضيبا من‬ ‫أراك«)‪ ،(٢‬ورواه غيره من طريق أبي أمامة الحارثي ‪ ،(٣) ƒ‬وجابر بن عتيك)‪،(٤‬‬ ‫وعن الحارث بن البرصاء الليثي قال‪ :‬سمعت النبي ژ في الحج وهو يمشى‬ ‫بين الجمرتين وهو يقول‪» :‬من اقتطع مال أخيه المســلم بيمين فاجرة فليتبوأ‬ ‫مقعده من النار‪ ،‬ليبلغ شاهدكم غائبكم«)‪.(٥‬‬ ‫وقد تضافرت الروايات في أكل أموال الناس بغير حق مؤذنة بأشد الوعيد‬ ‫وأســوأ المصير لمن وقع في ذلك‪ ،‬فعن وائل بن حجر ‪ ƒ‬قال‪» :‬كنت عند‬ ‫رسول االله ژ ‪ ،‬فأتاه رجلان يختصمان في أرض‪ ،‬فقال أحدهما‪ :‬إن هذا انتزى‬ ‫على أرضي يا رســول االله في الجاهلية ـ وهو امرؤ القيس بن عابس الكندي‪،‬‬ ‫وخصمه ربيعة بن عبدان ـ قال‪» :‬بينتك« قال‪ :‬ليس لي بينة‪ ،‬قال‪» :‬يمينه« قال‪:‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الربيع )ص ‪ ٢٦٨‬رقم‪.(٦٩٠ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الربيع )ص ‪ ٢٥٩‬رقم‪.(٦٦٠ :‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه أحمد )‪ ،٢٦٠/٥‬رقم ‪ ،(٢٢٢٩٣‬ومسلم )‪ ،١٢٢/١‬رقم ‪ ،(١٣٧‬والنسائي )‪ ،٢٤٦/٨‬رقم ‪،(٥٤١٩‬‬ ‫وابن ماجه )‪ ،٧٧٩/٢‬رقم ‪ ،(٢٣٢٤‬والدارمي )‪ ،٣٤٥/٢‬رقم ‪ ،(٢٦٠٣‬وأبو عوانة )‪ ،٤٠/١‬رقم ‪،(٨٨‬‬ ‫والطبراني )‪ ،٢٧٤/١‬رقم ‪.(٧٩٧‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه ابن قانع )‪ ،(١٤١/١‬والطبراني )‪ ،١٩٢/٢‬رقم ‪ ،(١٧٨٢‬والحاكم )‪ ،٣٢٨/٤‬رقم ‪ (٧٨٠٤‬وقال‪:‬‬ ‫صحيح الإسناد‪.‬‬ ‫)‪ (٥‬أخرجه الحاكم )‪ ،٣٢٨/٤‬رقم ‪ (٧٨٠٣‬وقال‪ :‬صحيح الإســناد ولم يخرجاه بهذه السياقة‪،‬‬ ‫ووافقه الذهبي‪.‬‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال‬ ‫‪١٨١‬‬ ‫إذن يذهب بهــا‪ ،‬قال‪» :‬ليــس لــك إال ذاك«‪ ،‬قــال‪ :‬فلما قــام ليحلف‪ ،‬قال‬ ‫رسول االله ژ ‪» :‬من اقتطع أرضا ظالما‪ ،‬لقي االله وهو عليه غضبان««)‪.(١‬‬ ‫ا ل ا م ‪ *%‬اال‪J‬از ‪ $‬اال'اء ' ‪ 1‬ل ا ص أو أ‪:f‬‬ ‫ال فرق في الحرمة والوعيد بين الأموال الخاصة والمال العام‪ ،‬ناهيك أن‬ ‫االله تعالى شدد في الغلول في كتابه‪ ،‬في قوله‪h g fe d c b a ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾w v u t s r q p o nm l k j i‬آل عمران‪،١٦١ :‬‬ ‫فليس لأحد أن يســول لنفســه الأخذ من المال العام بغير حق بدعوى أنه‬ ‫شريك فيه بما له فيه من حق مشاع‪ ،‬وقد أنذر النبي ژ أصحابه فحذرهم من‬ ‫ذلك أيما تحذير‪ ،‬كما في حديث أبي هريــرة عنه أنه قال‪» :‬ال ألفين أحدكم‬ ‫يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رســول االله أغثني فأقول‬ ‫ال أملك لك شيئا قد بلغتك‪ ،‬ال ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته‬ ‫فرس له حممة فيقول يا رسول االله أغثني فأقول ال أملك لك شيئا قد بلغتك‪،‬‬ ‫ال ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول االله‬ ‫أغثني فأقول ال أملك لك شيئا قد بلغتك‪ ،‬ال ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة‬ ‫على رقبته نفس لها صياح فيقول يا رسول االله أغثني فأقول ال أملك لك شيئا‬ ‫قد أبلغتك‪ ،‬ال ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع يخفق فيقول‬ ‫يا رسول االله أغثني فأقول ال أملك لك شــيئا قد أبلغتك‪ ،‬ال ألفين أحدكم‬ ‫يجيء يوم القيامــة على رقبته صامــت فيقول يا رســول االله أغثني فأقول‬ ‫ال أملك لك شيئا قد أبلغتك«)‪.(٢‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،٣١٧/٤‬رقم ‪ ،(١٨٨٨٣‬ومسلم )‪ ،١٢٤/١‬رقم ‪.(١٣٩‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمــد )‪ ،٤٢٦/٢‬رقم ‪ ،(٩٤٩٩‬والبخــاري )‪ ،١١١٨/٣‬رقم ‪ ،(٢٩٠٨‬ومســلم )‪،١٤٦١/٣‬‬ ‫رقم ‪ .(١٨٣١‬وأخرجه أيضا‪ :‬أبو عوانة )‪ ،٣٩٦/٤‬رقم ‪ ،(٧٠٧٧‬وابن حبان )‪ ،١٨٢/١١‬رقم ‪،(٤٨٤٧‬‬ ‫والبيهقي )‪ ،١٠١/٩‬رقم ‪.(١٧٩٨٥‬‬ ‫‪١٨٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ومن طريقه أيضا أنه قال‪ :‬خرجنا مع رســول االله ژ إلى خيبر‪ ،‬فلم نغنم‬ ‫ذهبا وال فضة‪ ،‬إنما غنمنا المتاع والأموال‪ ،‬ثم انصرفنا نحو وادي القرى‪ ،‬ومع‬ ‫رسول االله ژ عبد أعطاه إياه رفاعة بن بدر ـ رجل من بني ضبيب ـ فبينما هو‬ ‫يحط رحل رسول االله ژ إذ أتاه سهم عائر فأصابه فمات فقال له الناس هنيئا له‬ ‫الجنة فقال رسول االله ژ كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها يوم خيبر‬ ‫من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فجاء رجل إلى رسول االله ژ‬ ‫بشراك أو شراكين‪ ،‬فقال رسول االله ژ ‪» :‬شراك من نار أو شراكان من نار«)‪.(١‬‬ ‫وفي هذا ما يكفي مزدجرا لمن يتلاعبون بالمال العام ويثرون على حسابه‬ ‫وال يبالون بتبذيره‪ ،‬وإذا كان صاحب الحق في المال الخاص قد يعفو عن حقه‬ ‫فتسقط التبعة عمن اعتدى عليه‪ ،‬فمن الذي يملك العفو عن المال العام الذي‬ ‫لكل فيه حق من اليتامى والمساكين والفقراء والمحتاجين بأي وجه؟!‪.‬‬ ‫إ‪ .‬ق ا ل ‪ *%‬أن ال  ج '‪ $‬الإ]ر ا ‪ 7'D‬ا `ي أذن  االله‪:‬‬ ‫إذا كان الإســلام تشــدد في أخذ المال واحتيازه‪ ،‬فإن تشدده في الإنفاق‬ ‫ال يقل عن ذلك ولو اكتســبه صاحبه من وجوه محللة خالصة‪ ،‬إذ ليس له أن‬ ‫ينفقه كما يملــي عليه هواه‪ ،‬وإنما ينفقــه فيما أذن بــه االله تعالى‪ ،‬لأن االله في‬ ‫الحقيقة هو مالكه ومالك من مل‪‬كه له‪ ،‬وما هذا التمليك إال اســتخلاف‪ ،‬فهو‬ ‫مستخلف فيه ومؤتمن عليه‪ ،‬وسيحاسب يوم القيامة على إنفاقه وعلى كسبه‪.‬‬ ‫فعن أبي برزة الأســلمي ‪ ƒ‬قال‪ :‬قال رسول االله ژ ‪» :‬ال تزول قدما عبد‬ ‫يوم القيامة حتى يسأل عن‪ :‬عمره فيم أفناه؟ وعن علمه ما فعل به؟ وعن ماله‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الربيع )‪ ١٩١‬رقم‪ ،(٤٧٠ :‬والبخاري )‪ ١٣٨/٥‬رقم‪ ،(٤٢٣٤ :‬ومســلم )‪ ١٠٨/١‬رقم‪،(١١٥ :‬‬ ‫والحاكم )‪ ٤٢/٣‬رقم‪ ،(٤٣٤٧ :‬وابن حبــان )‪ ١٨٨/١١‬رقم‪ (٤٨٥١ :‬وأبو داود )‪ ٦٨/٣‬رقم‪(٢٧١١ :‬‬ ‫والبيهقي في الكبرى )‪ ١٧٠/٩‬رقم‪.(١٨٢٠٢ :‬‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال‬ ‫‪١٨٣‬‬ ‫من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟«)‪ ،(١‬وجاء مثله من طريق‬ ‫معاذ ‪ ƒ‬عند البزار)‪ (٢‬والدارمي)‪ ،(٣‬ومن طريق ابن مسعود ‪ ƒ‬عند البزار)‪.(٤‬‬ ‫لهذا كان الإنسان مأمورا بالقصد في إنفاق ماله بين طرفي التبذير والتقتير‪،‬‬ ‫فقد قال تعالى‪8 7 6 5 4 3 2 1 0 / .﴿ :‬‬ ‫‪﴾ H G F E D CB A @ ? > = < ❁ : 9‬‬ ‫الإســراء‪ ٢٩ :‬ـ ‪ ،٣٠‬وقال‪È Ç Æ Å Ä Ã Â Á À﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ ÔÓ Ò Ñ ÐÏ Î Í Ì Ë ❁ É‬الإسراء‪ ٢٦ :‬ـ ‪،٢٧‬‬ ‫وقال تعالى‪ ﴾ 1 0 / . -, + * ) ﴿ :‬الأعراف‪ ،٣١ :‬وقال‪:‬‬ ‫﴿ ے ¡ ‪ ̄ ® ¬« a © ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫‪ ﴾± °‬الأنعام‪.١٤١ :‬‬ ‫وإذا كان الإنسان ال تطلق يده في إنفاق ماله فيما أمره تعالى بالإنفاق فيه‪،‬‬ ‫وإنما عليه أن ينفق بقدر ما ينفع غيره‪ ،‬وال يضر بنفسه‪ ،‬فما بالك بما حرم االله‬ ‫تعالى عليه أن ينفق فلسا فيه من الوجوه المحرمة؟!‪.‬‬ ‫ويدخل في ذلك إنفاق المال مخيلة وإسرافا كالذين ال يبالون بما يقدمونه‬ ‫للضيوف من صنوف الأطعمة التي قد ال تمتد إليها يد‪ ،‬وال تسد فراغا في معدة‬ ‫جائع‪ ،‬وال تجد من ينتفع بها من الناس‪ ،‬وإنمــا تلقى في المزابل وتلوث بها‬ ‫البيئة‪ ،‬ويكفي صاحبها ما يتخيل أنه يكســبه من الناس من حمده والثناء عليه‬ ‫بأنه جواد كريم‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الترمذي )‪ ،٦١٢/٤‬رقم ‪ (٢٤١٧‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وأبو يعلى )‪ ،٤٢٨/١٣‬رقم ‪،(٧٤٣٤‬‬ ‫وأبو نعيم في الحلية )‪.(٢٣٢/١٠‬‬ ‫)‪ (٢‬ينظر مسند البزار )‪ ٨٧/٧‬رقم‪.(٢٦٤٠ :‬‬ ‫)‪ (٣‬ينظر سنن الدارمي )ص ‪.(٥٧٥/١٩٦‬‬ ‫)‪ (٤‬ينظر مسند البزار )‪ ،٢٦٦/٤‬رقم‪.(١٤٣٥ :‬‬ ‫‪١٨٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫هذا؛ في حين أن جماعات من الناس غير قليلة تبيت طاوية تتضور جوعا‪،‬‬ ‫وال تكاد تجد ما تقتات به‪ ،‬وقد نما إلي أن جماعة من الناس وجدوا عاملة في‬ ‫بلاد عربية أمام أكــوام من اللحوم والأطعمة‪ ،‬وهي تبكي بكل حســرة وألم‪،‬‬ ‫فسألوها عما يبكيها؟ فأجابت‪ :‬بأن أهل البيت الذي تعمل فيه أمروها أن تلقي‬ ‫هذه الأطعمة في المزابل وأوالدها في دارها ال يجدون ما يقتاتون به‪.‬‬ ‫ا ‪'B <  R+‬ن  "! ‪ 9‬إ > ‪:.‬‬ ‫جر هذا البطر الناشئ عن الغرور بالغنى على أهله من مصائب ومحن‬ ‫كم ‪‬‬ ‫لم تقف عند حد‪ ،‬وقد أنذر االله تعالى الذين بطروا معيشــتهم بهلاك في الدنيا‬ ‫يجعلهم عبرة في الأمم وعظة لمن كان له قلب‪ ،‬فقد قال تعالى‪« a﴿ :‬‬ ‫¬ ® ̄ ‪1⁄4 »o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 2 ±°‬‬ ‫1⁄2 3⁄4 ﴾ القصص‪.٥٨ :‬‬ ‫وكم شاهدنا في حياتنا هذه من أحداث عظام قوضت أمما ما كانت تحسب‬ ‫أن دائرة الزمن ســتدور عليها‪ ،‬وال كان يدور بخلدها أن الدهر بعد أن أسلس‬ ‫لهم قياده سينقلب عليهم‪ ،‬وسيسلب منهم ما كانوا يتقلبون في أعطافه من أنواع‬ ‫النعيم‪ ،‬وسيجردهم مما ألبسهم من ثياب العز والفخار‪ ،‬فكم تفجر في التاريخ‬ ‫الجديد من ثورات مدمرة أهلكت الأخضر واليابس‪ ،‬واجتاحت الطارف والتليد‬ ‫بشؤم البطر والإغراق في الترف‪.‬‬ ‫وقد أنذر المفكر الإسلامي الكبير الشــيخ العلامة أبو الحسن علي الحسني‬ ‫الندوي العرب بهذه الثورات العنيفة قبل أن تظهر طلائعها‪ ،‬وذلك عندما كان يفتح‬ ‫عينيه في عواصمهم الكبرى فيرى من نذر العذاب ما يؤذن بشر مستطير‪ ،‬وقد أرسل‬ ‫كلماته في كتابه ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين مدوية بالإنذار والتحذير من‬ ‫عاقبة الغرور بما هم فيه من الترف‪ ،‬ونسيان ما يعقبه من التلف الذي يأتي على كل‬ ‫شيء ويبيد الأمم حتى تكون َخ َب ًرا بعد ُخ ْب ٍر وأثرا بعد عين‪ ،‬وذلك في قوله‪:‬‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال‬ ‫‪١٨٥‬‬ ‫»وقد اعتاد العرب لأســباب كثيرة وبتأثير الحضــارة الغربية حياة الترف‬ ‫والدعة واالعتــداد الزائد بالكماليــات وفضول الحياة والإســراف والتبذير‪،‬‬ ‫واالستهانة بمال االله في سبيل اللذة والشهوة والفخر والزينة‪.‬‬ ‫وبجانب هذا الترف والنعيــم وحياة البذخ والتبذير‪ ،‬جــوع وعري وفقر‬ ‫فاضح‪ ،‬يــرى الناظر مناظره الشــائنة في عواصم البلاد العربيــة فتدمع العين‬ ‫ويحزن القلب وينتكس الرأس حياء وخجــلاً‪ ،‬فبينا هنالك رجل عنده فضول‬ ‫الثياب وزائد الطعام والشراب ال يعرف كيف يستهلكه‪ ،‬إذ ببدوي ال يجد قوت‬ ‫يومه وكسوة جسمه‪ ،‬وبينما أمراء العرب وأغنياؤهم على سيارات تباري الريح‬ ‫وتثير النقع‪ ،‬إذا بفوج من النســاء والأطفال عليهم ثياب ســوداء قد أصبحت‬ ‫خيوط ًا من طول اللبس يعدو لأجل فلس أو قــرص‪ ،‬فما دامت المدن العربية‬ ‫تجمع بين القصور الشــامخة والســيارات الفاخرة‪ ،‬وبين الأكــواخ الحقيرة‬ ‫والبيوت المتداعية الضيقة المظلمة‪ ،‬وما دامت التخمــة والجوع يزخران في‬ ‫مدينة واحدة‪ ،‬فالباب مفتوح على مصراعيه للشيوعية والثورات واالضطراب‬ ‫والقلق ال تقفها دعاية وال قوة‪ ،‬وإذا لم يسد النظام الإسلامي في بلاده بجماله‬ ‫واعتداله يحل محله نظام جائر بعسفه وقهره عقاب ًا من االله كرد فعل عنيف«)‪.(١‬‬ ‫وما لبث بعد هذا الإنــذار إال قليلا حتى أبصر بــأم عينيه كيف تفجرت‬ ‫الثورات في بلاد العرب براكين تقذف حمما أهلكت الأرض ومن عليها‪ ،‬وكان‬ ‫المترفون بعنجهيتهم وغرورهم هم مادة تفجيرها ووقود سعيرها‪.‬‬ ‫ا ف وا ‪ P‬رن ‪ 7‬ا  ‪ j‬و‪Gi‬ن ‪ 7‬ا <>‪:‬‬ ‫كم في القرآن الكريم من تبصير بهذه الأحوال فكم فيه من إنذار للمترفين‬ ‫بهلاك الدنيا والآخرة‪ ،‬فقد ذكر االله تعالى ما أصاب الأمم من عقاب في الدنيا‬ ‫بســبب ترفهم وغرورهم كما في قوله تعالــى‪% $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫)‪ (١‬أبو الحسن الندوي‪ :‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين‪ ،‬ص ‪.٢٤٨‬‬ ‫‪١٨٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫& ' ( ) *❁ ‪2 1 0 / . - ,‬‬ ‫❁‬ ‫‪ ﴾ = < ; : 9 8 7 6 5 4‬الأنبيــاء‪ ١١ :‬ـ ‪،١٣‬‬ ‫وقال سبحانه‪_ ^] \ [ ❁ Y X W V U T S R ﴿ :‬‬ ‫` ‪ ﴾ b a‬المؤمنون‪ ٦٤ :‬ـ ‪ ،٦٥‬وبين تعالى أن ما يصيب القرى من دمار وعذاب‬ ‫يأتي على القليل والكثير إنما منشــؤه فســوق المترفين عندمــا يتركون وغيهم‬ ‫وغرورهم‪ ،‬وال يقبض على أيديهم ليردوا إلى جادة الحق‪ ،‬فقد قال تعالى‪Á﴿ :‬‬ ‫‪Ð ❁Î Í Ì Ë Ê É È Ç Æ Å Ä Ã Â‬‬ ‫‪ ﴾Ý Ü Û Ú Ù Ø ×Ö Õ Ô Ó Ò Ñ‬الإسراء‪ ١٦ :‬ـ ‪.١٧‬‬ ‫وعندما ذكر االله تعالى عقاب الآخرة وأســبابه صدر بذكر الترف من بين‬ ‫سائر أسبابه‪ ،‬فبعد أن ذكر أصحاب الشمال في سورة الواقعة وما أعد لهم من‬ ‫سوء العذاب أتبعه قوله‪ ﴾ À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 ﴿ :‬الواقعة‪ ،٤٥ :‬وذكر تعالى‬ ‫تكذيب الرسل واالســتخفاف بهم وبدعوتهم والســخرية من قبل من أرسلوا‬ ‫إليهم‪ ،‬وبين أن منشــأه االغترار بالترف والبطر بما أوتوه في الحياة الدنيا من‬ ‫البسطة في الأموال والأوالد‪ ،‬فقد قال تعالى‪] \ [ Z Y X W﴿ :‬‬ ‫^ _ ` ‪l k j i h g f ❁d c b a‬‬ ‫‪{ z y x w v u t s r q p o ❁m‬‬ ‫❁‬ ‫}~ے¡‪«a© ̈§¦¥¤£¢‬‬ ‫¬ ® ̄ ‪ ﴾ μ ́ 3 2 ± °‬ســبأ‪ ٣٤ :‬ـ ‪ ،٣٧‬وقال ســبحانه‪:‬‬ ‫﴿!"‪0/.-,+*)('&%$#‬‬ ‫‪@? > = < ; : 9 8 ❁ 5 4 3 2 1‬‬ ‫‪﴾O N M L K JI H ❁ F E D C B A‬‬ ‫الزخرف‪ ٢٣ :‬ـ ‪ ،٢٥‬وقال عز مــن قائل‪` _ ^ ] \ [ Z Y ﴿ :‬‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال‬ ‫‪١٨٧‬‬ ‫‪n m l k j i hg f ed c b a‬‬ ‫‪{❁ y x w v u t s❁ q po‬‬ ‫|}~ے¡‪¬❁a© ̈§❁¤£¢‬‬ ‫® ̄ ‪3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1❁ ¶ μ ́ 3 2 ± °‬‬ ‫¿‪ÎÍÌ❁ÊÉÈÇÆ❁ÄÃÂÁÀ‬‬ ‫‪Ù Ø ×Ö Õ Ô Ó Ò ❁ Ð Ï‬‬ ‫‪ ﴾Ú‬المؤمنون‪ ٣٣ :‬ـ ‪.٤١‬‬ ‫وذكر الذين يقفون في وجوه دعاة الخير الذين يأمرون بالمعروف وينهون‬ ‫عن المنكــر ويضعون العراقيــل في ســبيل دعوتهم‪ ،‬فبين أنهــم من صنف‬ ‫المترفين‪ ،‬وذلك في قوله‪1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ ﴿ :‬‬ ‫3⁄4 ¿ ‪Ì Ë Ê É È ÇÆ Å Ä Ã Â Á À‬‬ ‫‪ ﴾ Ï Î Í‬هود‪.١١٦ :‬‬ ‫وبالجملة؛ فإن الترف ال يكون سببا لخير وال يقترن به‪ ،‬وإنما هو وبال في‬ ‫الدنيا والآخرة وفساد في الأنفس والأموال أذل االله به أمما كانت عزيزة‪ ،‬وأفقر‬ ‫به شعوبا كانت غنية‪ ،‬وأقفرت بسببه ديار كانت عامرة‪n m l k j ﴿ :‬‬ ‫‪| { z y x w v ut s r q p o‬‬ ‫} ~ ے ¡ ‪﴾© ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫الأنعام‪ ،٦ :‬وليس الإنسان بحاجة إلى أن ينقب في أعماق التاريخ عن هذه العبر‬ ‫العظيمة‪ ،‬وإنما حسبه أن يتأمل فيما عايشه من أحوال وأحداث‪ ،‬وفيما شاهده‬ ‫من عبر وذكرى‪ ،‬ليتعظ بما تخلفه في نفوس المؤمنين من عظات تنهنههم عن‬ ‫اتباع مسالك الغي‪ ،‬التي تفضي إلى الدمار والعذاب‪ ،‬وتبصر بمسالك الرشد‬ ‫التي تؤدي إلى سلامة الدنيا وسعادة الآخرة‪.‬‬ ‫‪١٨٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫إ‪ .‬ق ا ل ‪ 7‬ا  'لاج < !س‪ ،‬وأن ‪ $‬ا ‪:$‬‬ ‫وهذا كله إنما هو دليل قاطع على أن المال إن لم يسخر في الخير ويتحر‬ ‫أمر االله تعالى وحكمه في كسبه وإنفاقه كان على أهله دمارا وبوارا ـ والعياذ باالله‬ ‫تعالى ـ ‪ ،‬وقد جعل االله ســبحانه فيمــا أمر به مــن إنفاقه في البر ومواســاة‬ ‫المحرومين به علاجا ناجحا مما يصيب أهله من الغرور بزخرفه واالستئســار‬ ‫لحبه‪ ،‬ولذلك حث االله تعالى على الإنفاق في وجوه الخير جميعا‪ ،‬وقدمه على‬ ‫أعمال البر كلها إذ عطفه على الإيمان وعطف عليه سائر الأعمال والأخلاق في‬ ‫قولــه‪. - , + * ) ( ' & % $ # " ﴿ :‬‬ ‫‪98 7 6 5 4 3 21 0 /‬‬ ‫‪C B A@ ? > = < ; :‬‬ ‫‪PO N M L K J IH G F E D‬‬ ‫‪ ﴾W V U TS R Q‬البقــرة‪ ،١٧٧ :‬وما ذكــره أوال إنما هو‬ ‫حقوق واجبة على المسلم في ماله جميعا من غير نظر إلى صنفه وال إلى قدر‬ ‫ما ينفق منه‪ ،‬وإنما يجب في كل ما فضل عن حاجته مــن المال إن وجد من‬ ‫يحتاج إليه من الناس أو ما يحتاج إليه من مشروع خيري‪ ،‬فهو إنفاق مطلق غير‬ ‫مقيد بشيء بخلاف الزكاة التي أطرت في إطار خاص بحيث تجب في أصناف‬ ‫مخصوصة من المال إن بلغت قدرا مخصوصا ـ وهو النصاب ـ ومر عليها زمن‬ ‫مخصوص وهو الحول فيما يشترط له‪ ،‬وبقدر مخصوص وهو ما يخرج منه‪.‬‬ ‫ويدل على أن كلا منهما حق مستقل المغايرة بينهما بالعطف‪ ،‬فقد ذكر االله‬ ‫تعالى في الآية الزكاة مقرونــة بالصلاة معطوفتين على هــذا الإنفاق المطلق‬ ‫عندمــا قــال‪< ; : 9 8 7 6 5 4 ﴿ :‬‬ ‫= > ? @﴾‪ ،‬ثم قال‪.﴾D C B A ﴿ :‬‬ ‫ومن تدبر هذه الآية الكريمة اتضح له ما ذكرناه وبان له بكل وضوح تعلق‬ ‫هذه الحقوق بالأموال‪ ،‬وما التفريــط فيها إال إعراض عن الذكر وتعام عما فيه‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال‬ ‫‪١٨٩‬‬ ‫من أمر االله تعالــى‪ ،‬فقد قال تعالــى‪Ë Ê É È Ç Æ Å ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Ð Ï Î Í Ì‬طه‪ ،١٢٤ :‬وقــد أدرك ذلك المحققون‪ ،‬وهو‬ ‫ما نص عليه صاحب المنار في وقوله‪» :‬ومشروعية البذل لهذه الأصناف من غير‬ ‫مال الزكاة ال تتقيد بزمن‪ ،‬وال بامتلاك نصاب محدود‪ ،‬وال بكون المبذول مقدارا‬ ‫معينا بالنسبة إلى ما يملك ككونه عشرا أو ربع العشر أو عشر العشر مثلا‪ ،‬وإنما‬ ‫هو أمر مطلق بالإحسان موكول إلى أريحية المعطي وحالة المعطى‪.‬‬ ‫ووقاية الإنسان المحترم من الهلاك والتلف واجبة على من قدر عليها‪ ،‬وما‬ ‫زاد على ذلك فلا تقدير له‪ .‬وقد أغفل أكثر الناس هذه الحقوق العامة التي حث‬ ‫عليها الكتاب العزيز لما فيها من الحياة االشــتراكية المعتدلة الشــريفة‪ ،‬فلا‬ ‫يكادون يبذلون شيئا لهؤالء المحتاجين إال القليل النادر لبعض السائلين‪ ،‬وهم‬ ‫في هذا الزمان أقل الناس اســتحقاقا ; لأنهم اتخذوا الســؤال حرفة وأكثرهم‬ ‫واجدون‪ ،‬ولو أقاموها لكان حال المسلمين في معايشهم خيرا من سائر الأمم‪،‬‬ ‫ولكان هذا من أســباب دخــول الناس في الإســلام‪ ،‬وتفضيلــه على جميع‬ ‫ما يتصور الباحثون من مذاهب االشتراكيين والماليين«)‪.(١‬‬ ‫وقال في هذا المعنى نفسه‪» :‬أما الأمر بالتعاون على البر والتقوى فهو من‬ ‫أركان الهداية االجتماعية في القرآن; لأنه يوجب علــى الناس إيجابا دينيا أن‬ ‫يعين بعضهم بعضا على كل عمل من أعمال البر التي تنفع الناس أفرادا وأقواما‬ ‫في دينهم ودنياهــم‪ ،‬وكل عمل من أعمال التقوى التي يدفعون بها المفاســد‬ ‫والمضار عن أنفسهم‪ ،‬فجمع بذلك بين التحلية والتخلية‪ ،‬ولكنه قدم التحلية‬ ‫بالبر‪ ،‬وأكد هذا الأمر بالنهي عن ضده ; وهو التعــاون على الإثم بالمعاصي‬ ‫وكل ما يعوق عن البر والخيــر‪ ،‬وعلى العدوان الذي يغــري الناس بعضهم‬ ‫ببعض‪ ،‬ويجعلهم أعداء متباغضين يتربص بعضهم الدوائر ببعض‪.‬‬ ‫)‪ (١‬رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪ ٩٤/٢ ،‬ـ ‪.٩٥‬‬ ‫‪١٩٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫كان المســلمون في الصدر الأول جماعــة واحدة ; يتعاونــون على البر‬ ‫والتقوى عن غير ارتباط بعهد ونظام بشري‪ ،‬كما هو شأن الجمعيات اليوم‪ ،‬فإن‬ ‫عهد االله وميثاقه كان مغنيا لهم عن غيره‪ ،‬وقد شــهد االله ـ تعالى ـ لهم بقوله‪:‬‬ ‫﴿ ‪765 4 3 2 1 0 / .‬‬ ‫‪ ﴾ 9 8‬آل عمران‪ ،١١٠ :‬ولما انتثر بأيــدي الخلف ذلك العقد ونكث ذلك‬ ‫العهد‪ ،‬صرنا محتاجين إلى تأليف جمعيــات خاصة بنظام خاص لأجل جمع‬ ‫طوائف من المســلمين وحملهم على إقامة هذا الواجــب‪ :‬التعاون على البر‬ ‫والتقوى في أي ركن من أركانه أو عمل من أعماله‪ ،‬وقلما ترى أحدا في هذا‬ ‫العصر يعينك على عمل من البر‪ ،‬ما لم يكن مرتبطــا معك في جمعية ألفت‬ ‫لعمل معين‪ ،‬بل ال يفي لك بهذا كل من يعاهدك علــى الوفاء‪ ،‬فهل ترجو أن‬ ‫يعينك على غير ما عاهدك عليه؟ فالذي يظهــر أن تأليف الجمعيات في هذا‬ ‫العصر‪ ،‬مما يتوقف عليــه امتثال هذا الأمر‪ ،‬وإقامة هــذا الواجب‪ ،‬وما ال يتم‬ ‫الواجب إال به فهو واجب‪ ،‬كما قــال العلماء‪ ،‬فلا بد لنا من تأليف الجمعيات‬ ‫الدينية والخيرية والعلمية‪ ،‬إذا كنا نريد أن نحيا حياة عزيزة‪ ،‬فعلى أهل الغيرة‬ ‫والنجدة من المسلمين أن يعنوا بهذا كل العناية‪ ،‬وإن رأوا كتب التفسير لم تعن‬ ‫بتفســير هذه الآية‪ ،‬ولم تبين لهم أنها داعية لهم إلى أقــوم الطرق وأقصدها‬ ‫لإصلاح شأنهم في أمر دينهم ودنياهم« اهـ)‪.(١‬‬ ‫هذا؛ وال يخفى ما لشــهوة المال من أثر كبير على النفس البشــرية حتى‬ ‫تصبح أســيرة لها تملي عليها كل ما يصدر عنها من فعل‪ ،‬وال يكون ذلك إال‬ ‫ويغ ‪َ‬و َر في نفوســهم ينابيع الرحمة والشفقة‬ ‫شــرا يقطع الأوصال بين الناس‪ُ ،‬‬ ‫والحنان‪ ،‬فلا يعطــف قريب على قريبه وال قوي علــى ضعيف وال ثري على‬ ‫محتاج‪ ،‬وإنما يزداد الثري كلما أوتي شيئا من المال سعارا في حبه‪ ،‬وبحثا عن‬ ‫وسائل االستزادة منه وأسباب االســتعلاء به في الأرض‪ ،‬ونشر أنواع الفساد‪،‬‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪ ١٠٨/٦ ،‬ـ ‪.١٠٩‬‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال‬ ‫‪١٩١‬‬ ‫وقد جعل االله تعالى في هذا الإنفاق المشروع سواء كان من الزكاة المضبوطة‬ ‫بالقيود الشرعية أو من ســائر النفقات علاجا لهذا الداء العضال‪ ،‬وفكاكا من‬ ‫االستئسار لهذه الشهوات ويدها الحديدية التي تقبض على النفس فتمنعها من‬ ‫كل خير وتدفعها إلى كل شــر‪ ،‬فكم اعتدى قريب على قريبــه فأودى بحياته‬ ‫لأجل أن يستأثر بثروته‪ ،‬وكم قسا قوي على ضعيف من أجل أن يبتز كل ما في‬ ‫يده من خير‪ ،‬حتى ال يعود قادرا على مواجهة شيء من لأواء الحياة‪ ،‬وقضاء أي‬ ‫ضرورة من ضروراتها؟؟‪.‬‬ ‫ولكن حكمة االله اقتضت أن يكون في شريعته الشاملة وحكمه العادل أنجح‬ ‫علاج لهذا الداء المميت‪ ،‬لذلك شرع الإنفاق في الأموال لتفجير ينابيع الرحمة‬ ‫في القلوب‪ ،‬ولتتدفق برا وإحسانا يصل أولي القرابات لتشتد الأواصر وتقوى‬ ‫العلاقات بينهــم‪ ،‬ويغمر أولي الحاجــات فيجدون ما يســدون به حاجاتهم‬ ‫ويقضون به مآربهم‪ ،‬وينتج عن ذلك الوئام بيــن كل الأطراف والحب الغامر‬ ‫الذي يجعل الجميع كأنهم نفس واحــدة‪ ،‬كما صوره النبي ژ في قوله‪» :‬ترى‬ ‫المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجســد إذا اشــتكى عضو‬ ‫تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى«)‪.(١‬‬ ‫وقد بين االله تعالى الحكمة العالية من مشروعية الصدقات في قوله‪j ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ p o n m l k‬التوبة‪ ،١٠٣ :‬وهي حكمة مشــروعية بقية‬ ‫النفقات‪ ،‬فإنها جميعا تقضي على أثرة النفس وشــحها ورغبتها في االستبداد‬ ‫بالمال‪ ،‬فإن كل من اعتاد الإنفاق في الخير والســخاء في أعمال البر ال يكاد‬ ‫يجد محتاجا حتى تهفو نفسه إلى سد حاجته بما يدفعه إليه من مال‪ ،‬بل يتألم‬ ‫لحاجة كل محتاج حتى يكون على يديه قضاؤها‪ ،‬وال يكاد يرى منكوبا حتى‬ ‫يسرع إلى تخفيف مصيبته ورفع آثارها عن نفسه بما يعينه به من الخير‪.‬‬ ‫)‪ (١‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫‪١٩٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وقد بين المفكر الإسلامي الأستاذ الشهيد سيد قطب علاقة الإنفاق بالبر‬ ‫ووجه تخصيص الجهات التي ينفق فيها المال كما أرشدت إليه الآية الكريمة‪،‬‬ ‫وذلك في قوله‪» :‬وما قيمة إيتاء المال ـ على حبه واالعتزاز به ـ لذوي القربي‬ ‫واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب؟‪.‬‬ ‫إن قيمته هي االنعتاق من ربقة الحرص والشــح والضعف والأثرة‪ .‬انعتاق‬ ‫الروح من حب المــال الذي يقبض الأيدي عن الإنفــاق‪ ،‬ويقبض النفوس عن‬ ‫الأريحية‪ ،‬ويقبض الأرواح عن االنطلاق‪ .‬فهي قيمة روحية يشير إليها ذلك النص‬ ‫على حب المال‪ .‬وقيمة شــعورية أن يبسط الإنســان يده وروحه فيما يحب من‬ ‫مال‪ .‬ال في الرخيص منه وال الخبيــث‪ .‬فيتحرر من عبودية المال‪ ،‬هذه العبودية‬ ‫التي تســتذل النفوس‪ ،‬وتنكس الرؤوس‪ .‬ويتحرر من الحرص‪ .‬والحرص يذل‬ ‫أعناق الرجال‪ .‬وهي قيمة إنسانية كبرى في حساب الإسلام‪ ،‬الذي يحاول دائم ًا‬ ‫تحرير الإنسان من وساوس نفسه وحرصها وضعفها قبل أن يحاول تحريره من‬ ‫الخارج في محيط الجماعــة وارتباطاتها‪ ،‬يقين ًا منه بأن عبيد أنفســهم هم عبيد‬ ‫الناس؛ وأن أحرار النفوس من الشهوات هم أحرار الرؤوس في المجتمعات!‪..‬‬ ‫ثم إنها بعد ذلك كله قيمة إنسانية في محيط الجماعة‪ ..‬هذه الصلة لذوي القربى‬ ‫فيها تحقيق لمروءة النفس‪ ،‬وكرامة الأسرة‪ ،‬ووشائج القربى‪ .‬والأسرة هي النواة‬ ‫الأولى للجماعة‪ .‬ومن ثم هذه العناية بها وهذا التقديم‪.‬‬ ‫وهي لليتامى تكافل بين الكبار والصغار في الجماعة‪ ،‬وبين الأقوياء فيها‬ ‫والضعفاء؛ وتعويــض لهؤالء الصغار عن فقدان الحمايــة والرعاية الأبويتين؛‬ ‫وحماية للأمة من تشرد صغارها‪ ،‬وتعرضهم للفســاد‪ ،‬وللنقمة على المجتمع‬ ‫الذي لم يقدم لهم بر ًا وال رعاية‪.‬‬ ‫وهي للمســاكين الذين ال يجــدون ما ينفقون ـ وهم مع ذلك ســاكنون‬ ‫ال يسألون ضن ًا بماء وجوههم ـ احتفاظ لهم بكرامة نفوسهم‪ ،‬وصيانة لهم من‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال‬ ‫‪١٩٣‬‬ ‫البوار‪ ،‬وإشــعار لهم بالتضامن والتكافل في محيط الجماعة المســلمة‪ ،‬التي‬ ‫ال يهمل فيها فرد‪ ،‬وال يضيع فيها عضو‪.‬‬ ‫وهي البن الســبيل ـ المنقطع عن ماله وأهله ـ واجب للنجدة في ســاعة‬ ‫العســرة‪ ،‬وانقطاع الطريق دون الأهل والمال والديار؛ وإشعار له بأن الإنسانية‬ ‫كلها أهل‪ ،‬وبأن الأرض كلها وطن‪ ،‬يلقى فيها أهلاً بأهل‪ ،‬وماالً بمال‪ ،‬وصلة‬ ‫بصلة‪ ،‬وقرار ًا بقرار‪ ..‬وهي للسائلين إسعاف لعوزهم‪ ،‬وكف لهم عن المسألة‬ ‫التي يكرهها الإسلام‪ .‬وفي الإسلام ال يسأل من يجد الكفاية أو من يجد عملاً‪،‬‬ ‫فهو مأمور من دينه أن يعمل وال يسأل‪ ،‬وأن يقنع وال يسأل‪ .‬فلا سائل إال حيث‬ ‫يعييه العمل والمال‪.‬‬ ‫وهي في الرقاب إعتاق وتحرير لمن أوقعه ســوء عملــه في الرق بحمل‬ ‫السيف في وجه الإسلام ـ حتى يسترد حريته وإنسانيته الكريمة‪ .‬ويتحقق هذا‬ ‫النص إما بشراء الرقيق وعتقه‪ ،‬وإما بإعطائه ما يؤدي به ما كاتب عليه سيده في‬ ‫نظير عتقه‪ .‬والإســلام يعلن حرية الرقيق في اللحظة التي يطلب فيها الحرية‪،‬‬ ‫ويطلب مكاتبته عليها ـ أي أداء مبلغ من المال في سبيلها‪ ،‬ومنذ هذه اللحظة‬ ‫يصبح عمله بأجر يحسب له‪ ،‬ويصبح مستحق ًا في مصارف الزكاة‪ ،‬ويصبح من‬ ‫البر كذلك إعطاؤه من النفقات غير الزكاة‪ ..‬كل أولئك ليسارع في فك رقبته‪،‬‬ ‫واسترداد حريته‪ (١)«..‬اهـ ‪.‬‬ ‫وهذا كله يؤكد أن النفس إن أهملت وشــأنها في جمع المال من أي وجه‬ ‫كان‪ ،‬وإنفاقه بحسب ما تملي عليها شهواتها‪ ،‬كان ذلك دمارا للنفس وفسادا في‬ ‫الأخلاق وارتكاسا في القيم حتى يعود الإنسان شرا من السبع الفتاك‪ ،‬ويعود‬ ‫المال وقود ٍ‬ ‫شر وسببا للهلكة‪ ،‬وإن تعهدت بالتوجيه السليم والموعظة الحسنة‬ ‫ودفعت إلى الإنفاق في سبل الخير تهذبت وارتقت حتى تكون ملكية)‪ (٢‬الطبع‬ ‫)‪ (١‬سيد قطب‪ ،‬في ظلال القرآن‪ ١٣١/١ ،‬ـ ‪.١٣٢‬‬ ‫)‪ (٢‬نسبة إلى الملك‪ ،‬واحد الملائكة‪.‬‬ ‫‪١٩٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫روحانية الوجهة ربانية في وردهــا وصدرها‪ ،‬ال يصدر عنها إال ما هو خير لها‬ ‫ولأسرتها ومجتمعها وأمتها والناس أجمعين وجميع أنواع الخلق‪.‬‬ ‫فما أحوج الناس إلى أن يتروضوا على البر والإحسان‪ ،‬ويتكيفوا بما أمرهم‬ ‫االله تعالى به من الخير‪ ،‬وأن يحرزوا أنفسهم من كل ما نهاهم عنه من شر‪ ،‬وأن‬ ‫يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبهم االله يوم القيامة على كسبهم المال وإنفاقه‪.‬‬ ‫‪ J. $ `+‬و ‪ J. $‬أ‪G‬ى‪:‬‬ ‫مما يؤســف له جدا أن نجد كثيرا من أصحاب الأموال إن طرقهم ضيف‬ ‫أغدقوا المال فــي ضيافته‪ ،‬وقدموا إليه ما ال يحتاج إال إلى اليســير منه‪ ،‬ولم‬ ‫يبالوا بعد ذلك بـإلقــاء ما فضل من الأطعمة مع الأوســاخ في المزابل‪ ،‬وإذا‬ ‫ض عليهم أن يبســطوا أيديهــم بالصدقات على الفقراء أو المســاكين‪ ،‬أو‬ ‫ُع ِر َ‬ ‫بالنفقات في وجوه البر كعمارة بيوت االله تعالى وإقامة مراكز العلم ونشر دعوة‬ ‫الخير بين الناس شحت أيديهم وجعلوها مغلولة إلى أعناقهم‪ ،‬كأنهم لم يطرق‬ ‫مسامعهم ما أنزله االله تعالى حثا على إنفاق المال في هذه الوجوه الخيرة‪ ،‬كما‬ ‫في قوله تعالــى‪g f e d c b a ` _ ^ ] \ ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾q p o nm l k j i h‬البقرة‪ ،٢٥٤ :‬وقوله‪¡ ﴿ :‬‬ ‫‪2±° ̄®¬«a© ̈§¦¥¤£ ¢‬‬ ‫‪à  Á À¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ❁ ¶ μ ́ 3‬‬ ‫‪ ﴾ Ä‬المنافقــون‪ ١٠ :‬ـ ‪ ،١١‬وقولــه‪i h g f e d c ﴿ :‬‬ ‫‪v u t s r q po n m l k j‬‬ ‫‪ ~ } |{ z y x w‬ے ¡ ‪ ﴾ ¢‬البقــرة‪ ،٢٦٧ :‬وقولــه‪:‬‬ ‫﴿ } ~ ے¡ ‪a ❁ ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫« ¬ ® ̄ ‪ ﴾ ̧ ¶ μ ́3 2 ± °‬التغابــن‪ ١٦ :‬ـ ‪،١٧‬‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال‬ ‫‪١٩٥‬‬ ‫وقوله‪k j i h g fe d c b a ` _ ^ ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ z y x w vu t sr q p o n m l‬المزمل‪ ،٢٠ :‬وقوله‪:‬‬ ‫﴿‪ZYXWVUTSRQPONM‬‬ ‫[ \ ]^ _ ` ‪ ﴾ f e d cb a‬البقــرة‪ ،٢٦١ :‬وقولــه‪:‬‬ ‫﴿! " ‪* ) ( ' & % $ #‬‬ ‫‪6543210/.-,+‬‬ ‫‪ ﴾ < ; : 9 87‬البقرة‪ ،٢٦٥ :‬وقوله‪| ❁ z y x w ﴿ :‬‬ ‫}❁ے¡❁‪﴾¬«❁© ̈❁¦¥¤£‬‬ ‫الليل‪ ٥ :‬ـ ‪ ،١٠‬إلى غيرها من الآيات الكثيرة الداعية إلى الإنفاق المحذرة من قبض‬ ‫الأيدي عنه‪ ،‬الواعدة خير الدنيا والآخرة لمن بسط يده وأنفق‪ ،‬المتوعدة بسوء‬ ‫الحال وشر المآل الذين يقبضون أيديهم وال ينفقون مما آتاهم االله‪ ،‬المحذرة من‬ ‫الح ْي ُن أو تقوم‬ ‫الندم الشديد بعد فوات الفرصة على عدم الإنفاق عندما يحين َ‬ ‫الساعة‪ ،‬وال يبقى لأحد مجال لتدارك ما فاته‪.‬‬ ‫ال  ‪ $‬الإ‪ .‬ق وا "‪: ' k‬‬ ‫على أن الإسلام الحنيف ال يكتفي بأن ينفق أتباعه مما آتاهم من فضله‬ ‫وإنما يأمرهــم ـ مع ذلك ـ بأن يتحاضوا على الإنفــاق‪ ،‬حتى ال يتوانى عنه‬ ‫أحد‪ ،‬ولذلك توعد الذين ال يتحاضون عليه بشر الوعيد‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ~ } | {z‬ے ❁ ‪ ̈ ❁ ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫© ‪ ﴾ ± ° ̄ ® ❁ «a‬الفجر‪ ١٧ :‬ـ ‪ ،٢٠‬وبين ما يعقب‬ ‫ذلك من الحســرة والندم في قوله‪» ❁ 1 ̧ ¶ μ ́ 3 ﴿ :‬‬ ‫1⁄4 1⁄2 3⁄4 ¿ ❁‪È Ç Æ Å Äà  Á‬‬ ‫‪- , ❁ * ) ( ' & ❁ $ # " ! ❁Ê É‬‬ ‫‪١٩٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ﴾ / .‬الفجــر‪ ٢١ :‬ـ ‪ ،٢٦‬وبين تعالى أن هــذه الخصلة ال تكــون إال ممن كذب‬ ‫بالدين‪ ،‬وأعرض عن أمر االله تعالى‪ ،‬كما فــي قوله تعالى‪8 7 6 ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ D C B A @❁> = <; ❁9‬الماعون‪ ١ :‬ـ ‪.٣‬‬ ‫وحسبك أن يقترن الإنفاق في القرآن الكريم بالإيمان باالله ورسوله‪ ،‬ويجمع‬ ‫بينهما في الأمر كما في قوله تعالى‪f e d c b a﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ p o n m l k j ih g‬الحديد‪.٧ :‬‬ ‫وبالجملة؛ فإن كل مسلم متعبد بالإنفاق من فضل ماله على والديه وذوي‬ ‫قرباه وأولي الحاجات من الناس‪ ،‬كما هو واضح في قوله تعالى‪Ç﴿ :‬‬ ‫‪Ô Ó Ò Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë ÊÉ È‬‬ ‫‪ ﴾ Þ Ý Ü Û Ú Ù Ø × ÖÕ‬البقرة‪.٢١٥ :‬‬ ‫هذا؛ وقد جعل االله الإنفاق في سبيل االله جهادا ماليا يوازي الجهاد بالنفس‪،‬‬ ‫ولذلك قرن بينهما كما في قوله تعالى‪v u t s r q p o ﴿ :‬‬ ‫‪ ~ } | { ❁ y x w‬ے ¡ ‪© ̈ § ¦ ¥¤ £ ¢‬‬ ‫‪»o1 ̧¶μ ́32±° ̄®❁«a‬‬ ‫1⁄41⁄2 3⁄4 ¿ ‪ ﴾ À‬الصف‪ ١٠ :‬ـ ‪ ،١٢‬وكلما كان الإنسان أسرع إلى الإنفاق وكان‬ ‫مبادرا إليه في ساعات العسر والأيام السود كان أحرز للأجر وأعظم درجة من‬ ‫الذين ينفقون بعد ذلك كما دل عليه قوله تعالى‪¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ﴿ :‬‬ ‫‪Ï ÎÍ Ì Ë Ê É È Ç Æ Å Äà  Á À‬‬ ‫‪à ß Þ ÝÜ Û Ú Ù Ø × Ö Õ Ô Ó Ò Ñ Ð‬‬ ‫‪ ﴾ á‬الحديد‪.١٠ :‬‬ ‫‪١٩٧‬‬ ‫ا "!ر ا ‪UB‬‬ ‫   ‪+‬س‬ ‫الإسلام رحب المباءة واســع الأرجاء دقيق الملاحظة‪ ،‬يشمل الحياة وما‬ ‫فيها‪ ،‬فهو يســع حكما كل ما دق وجل وخفي وظهر مما يعني حياة الإنسان‬ ‫الشــخصية والنوعية‪ ،‬إذ ليس لأحد أن يتصرف في حياته وفق هواه ورغباته‪،‬‬ ‫وإنما عليه أن يتقيد بشرع االله تعالى الذي ال يأتي إال بالخير وال يمنع إال من‬ ‫الشر‪ ،‬وعليه فإن على الإنسان المســلم أن يحرص بأن يكون صورة للإسلام‬ ‫الحنيف‪ ،‬في مظهره ومخبره وســره وعلانيته‪ ،‬وكل ما يصــدر منه أو ما يأتي‬ ‫عليه‪ ،‬ليكون محياه ومماته ومسيره ومصيره خالصا الله تعالى‪ ،‬كما قال سبحانه‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ~ } |{ z y x w v u t s r q p‬ے‬ ‫¡ ❁ ‪±° ̄ ® ❁ « a © ̈ § ¦ ¥ ¤ £‬‬ ‫‪ ﴾ ¶ μ ́ 3 2‬الأنعام‪ ١٦١ :‬ـ ‪.١٦٣‬‬ ‫وليس من الإسلام في شيء أن يأخذ المسلم من الإسلام ما راق له وتلاءم‬ ‫مع طبعه ويدع ما كان طبعه مياال إلى غيره‪ ،‬فإن كل ما جاء به الإسلام إنما هو‬ ‫اختبار لإيمان المؤمن‪ ،‬كما قال تعالى‪y x w v u t s ﴿ :‬‬ ‫‪ ~ ❁ | { z‬ے ¡ ‪© ̈ § ¦ ¥ ¤£ ¢‬‬ ‫‪ ﴾ a‬العنكبوت‪ ٢ :‬ـ ‪ ،٣‬وقال سبحانه‪( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫) * ‪8 7 6 5 4 3 2 10 / . - , +‬‬ ‫‪ ﴾ 9‬الأحزاب‪ ،٣٦ :‬وأمر برد كل شــيء إلى االله ورســوله كما نص عليه قوله‪:‬‬ ‫‪١٩٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫﴿ ‪á àß Þ Ý Ü Û Ú Ù Ø × Ö Õ Ô Ó Ò‬‬ ‫‪ ﴾ ä ã â‬النساء‪.٥٩ :‬‬ ‫وال يخفى أن اللبــاس مظهر للإنســان‪ ،‬وقد أمر االله ســبحانه به لســتر‬ ‫السوءات‪ ،‬وليكون زينة للابس كما قال تعالى‪' & % $ # " ﴿ :‬‬ ‫( ﴾ الأعراف‪ ،٣١ :‬وهو شعار يتميز به المســلم من غيره‪ ،‬ولم يدعه الإسلام‬ ‫لرغبات الأنفس وأهوائها‪ ،‬بل ضبطه بضوابط تحفظ للإنسان المسلم شخصيته‬ ‫وكرامته‪ ،‬كما تحفظ له خواطر نفسه لئلا تندفع مع الهوى فتطوح بصاحبها في‬ ‫مكان سحيق من الفساد واالنحراف‪.‬‬ ‫ا ‪ $ K‬ا `‪!1‬ر والإ‪.‬ث ‪ 7‬ا ‪+‬س ‪K 1‬وا ‪ 7‬ا ‪+R‬ع‪:‬‬ ‫جاء شــرع االله تعالى مراعيا للخصائــص الفطرية‪ ،‬والفــوارق المظهرية‬ ‫والمخبرية بين الذكر والأنثى‪ ،‬فحرم على كل منهما أن يتلبس بمظاهر الجنس‬ ‫الآخر‪ ،‬كما جاء ذلك في حديث النبي ژ ‪ ،‬فعن ابن عباس‪ ،‬أن النبي ژ ‪» :‬لعن‬ ‫المتشبهين من الرجال بالنساء‪ ،‬ولعن المتشبهات من النساء بالرجال«)‪.(١‬‬ ‫وقد جعل االله تعالى للباس المرأة هيئة لها خصائصهــا وميزاتها‪ ،‬كما نص‬ ‫عليه قوله تعالــى‪g f e d c b a ` ﴿ :‬‬ ‫‪u t sr q p o nm l k j i h‬‬ ‫‪ ~ } | { zyx w v‬ے ¡‬ ‫‪° ̄®¬«a© ̈§¦¥¤£¢‬‬ ‫‪3⁄41⁄21⁄4»o1 ̧¶μ ́32±‬‬ ‫¿ ‪Í ÌË Ê É È Ç Æ Å Ä Ã Á À‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ١٢٣/٤‬رقم‪ ،(٢٢٦٣ :‬والبخاري )‪ ١٥٩/٧‬رقم‪ ،(٥٨٨٥ :‬وابن ماجه )‪ ٦١٤/١‬رقم‪،(١٩٠٤ :‬‬ ‫والطيالسي )‪ ٤٠٠/٤‬رقم‪ ،(٢٨٠٠١ :‬والطبراني )‪ ١١٧/٢‬رقم‪.(١٤٣٥ :‬‬ ‫المحور التاسع‪ :‬فيما يتعلق باللباس‬ ‫‪١٩٩‬‬ ‫‪ ﴾Ô Ó Ò Ñ Ð Ï Î‬النــور‪ ،٣١ :‬وهــو مما يحفظ‬ ‫للمرأة المسلمة وقارها ومكانتها في المجتمع‪ ،‬لذلك بدأ االله سبحانه في خطاب‬ ‫التكليف به أمهات المؤمنين وبنات النبي ژ ثم عطف عليهن نساء المؤمنين‪،‬‬ ‫وبين كيف يكون أثر هذا الزي الشرعي في الحفاظ على كرامة المرأة المسلمة‪،‬‬ ‫وقطع دابر أطماع السفهاء والأوغاد في تدنيس شرفها‪ ،‬واالجتراء على عرضها‪،‬‬ ‫كما هو نص صريح في قولــه تعالى‪r q p o n m ﴿ :‬‬ ‫‪~ } | { z y xw v u t s‬ے ¡ ‪¢‬‬ ‫‪ ﴾¤ £‬الأحــزاب‪ ،٥٩ :‬وهذا يعني أن يكون لباس المرأة سابغا فضفاضا‪،‬‬ ‫ال يشف وال يصف‪ ،‬يســتر جميع أجزاء جســمها ويواري مفاتنها‪ ،‬لأن جسم‬ ‫المرأة بكل أجزائه ٍ‬ ‫مغر للرجل إن أبدت شــيئا منه‪ ،‬واالله يريد من عباده هدوء‬ ‫أنفسهم وسكينتها‪ ،‬فلا يكون إبراز مطلق جســم المرأة إال لرجل واحد؛ وهو‬ ‫شريك حياتها الذي أبيح له أن يســتمتع بها‪ ،‬كما أبيح لها أن تستمتع به‪ ،‬وال‬ ‫ريب أنها حريصة على استمالة قلبه إليها‪ ،‬وأن تستأثر بهواه دون سواها‪ ،‬فلذلك‬ ‫أبيح لها بمقتضى الفطرة وبحكم الشرع الشريف أن تفعل كل شيء من أجل‬ ‫إثارته وجذبه إليها‪ ،‬وأبيح لها مع ذلك أن تظهر بعــض زينتها للرجال الذين‬ ‫ال يفتنهم حسنها وال تستهويهم زينتها بمقتضى الفطرة التي فطر الناس عليها‪،‬‬ ‫وهم محارمها‪ ،‬سواء كانت العلاقة المحرمية بينهم وبينها بسبب نسب أو صهر‬ ‫أو رضاع‪ ،‬وقد سبق بيان شيء من هذا فيما تقدم‪.‬‬ ‫‪ mbG‬ز< ا ‪I‬ل و ‪ 7 39B+‬الإ‪B‬لام‪:‬‬ ‫للرجال في الإســلام زي خاص يتناســب مع طبيعة رجولتهم ويتفق مع‬ ‫ما ينوؤن به من تكاليــف الحياة فإذا كانت المرأة يجــب بمقتضى فطرتها أن‬ ‫ص ْن كانت أداة لنشــر الفتنة‬ ‫تكون مصونة غير معرضة للابتذال‪ ،‬لأنها إن لم ُت َ‬ ‫والإغراء على الفساد‪ ،‬فإن الرجل يتحمل من تبعات الحياة ما ال تتحمله المرأة‪،‬‬ ‫‪٢٠٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫فهو القوام عليها‪ ،‬وهــذا يقتضي أن يكون مشــمرا ينوء بالصعــاب ويتجرد‬ ‫للمهمات‪ ،‬فكان لباســه المشــروع له يتفق مع هذه الفطرة ويتجاوب مع هذه‬ ‫التكاليف‪ ،‬وقد علمت ما في توجيه الإسلام من التشديد البالغ في خروج أي‬ ‫منهما عن مقتضى فطرته‪ ،‬وتلبســه بخصائص الجنس الآخر‪ ،‬ولهذا حرم عليه‬ ‫جر الثوب وإســباله‪ ،‬فقد حدد النبي ژ إلى أي مدى يجوز للرجل أن يطيل‬ ‫ثوبه‪ ،‬فعن أبي ســعيد الخدري ‪ ƒ‬قال‪ :‬سمعت رســول االله ژ يقول‪» :‬إزرة‬ ‫المؤمن إلى أنصاف ساقيه وال جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين وما أسفل من‬ ‫ذلك ففي النار ـ قــال ذلك ثلاث مــرات ـ وال ينظر االله إلى مــن يجر إزاره‬ ‫بطرا«)‪ ،(١‬وجاء بلفظ‪» :‬إزرة المؤمن إلي نصف الساق وال جناح عليه فيما بينه‬ ‫وبين الكعبين ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار من جر إزاره لم ينظر االله‬ ‫إليه«)‪ ،(٢‬وهو بلفظه من حديث ابن عمر ^ )‪ ،(٣‬وقد استفاضت الروايات بهذا‪،‬‬ ‫وأطلت القول في ذلك في الفتاوى‪ ،‬فارجع إليه‪.‬‬ ‫هذا؛ ولبعد النــاس عن الفقه في الديــن لم يبال كثير مــن الرجال ـ بل‬ ‫أكثرهم ـ بإسبال الثياب‪ ،‬وعدوا هذا من المفاخر التي يتباهون بها‪ ،‬وأصبحت‬ ‫هذه من العادات المتفشية في أوساط الناس‪ ،‬وما كان أجدرهم أن يحترزوا منها‬ ‫حفاظا على دينهم وصونا لرجولتهم أن تتلبس بخصائص الإناث‪.‬‬ ‫ولأجل أن تكون للرجولة سماتها وخصائصها شدد الإسلام على الرجال‬ ‫في لبس الحريــر والذهب لعدم لياقتهما بصلابة الرجولة ومناســبتهما لليونة‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الربيع‪) ،‬ص ‪ ١١٣‬رقم‪.(٢٧٢ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه مالك )‪ ،٩١٤/٢‬رقم ‪ ،(١٦٣١‬والطيالسي )ص ‪ ،٢٩٥‬رقم ‪ ،(٢٢٢٨‬وأحمد )‪ ،٩٧/٣‬رقم ‪،(١١٩٤٤‬‬ ‫والبيهقي )‪ ،٢٤٤/٢‬رقم ‪ ،(٣١٣٥‬وابن حبان )‪ ،٢٦٢/١٢‬رقم ‪ ،(٥٤٤٦‬وأبو داود )‪ ،٥٩/٤‬رقم ‪،(٤٠٩٣‬‬ ‫وابن ماجه )‪ ،١١٨٣/٢‬رقم ‪ ،(٣٥٧٣‬وأبو يعلى )‪ ،٢٦٨/٢‬رقم ‪ .(٩٨٠‬والحميدي ‪ ،٣٢٣/٢‬رقم ‪،(٧٣٧‬‬ ‫والنســائي في الكبــرى )‪ ،٤٩٠/٥‬رقم ‪ ،(٩٧١٤‬وأبو عوانــة )‪ ،٢٥٠/٥‬رقم ‪ ،(٨٦٠٢‬والطبراني في‬ ‫الأوسط )‪ ،٢٤١/٥‬رقم ‪.(٥٢٠٤‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه الطبراني في الكبير )‪ ،٣٤١/١٢‬رقم ‪ .(١٣٢٩٢‬وفي الأوسط )‪ ،١٣١/١‬رقم ‪.(٤١٢‬‬ ‫المحور التاسع‪ :‬فيما يتعلق باللباس‬ ‫‪٢٠١‬‬ ‫الأنوثة‪ ،‬فقد جاء من طريق زيد بــن أرقم ‪ ƒ‬أن النبي ژ قال‪» :‬أحل الذهب‬ ‫والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها«)‪ ،(١‬وعنه بلفظ‪» :‬الذهب والحرير حل‬ ‫لإناث أمتي وحرام على ذكورها«)‪ ،(٢‬وعن علي وابن عمر ^ أنه ژ قال‪» :‬إن‬ ‫هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم«)‪ (٣‬يعني‪ :‬الذهب والحرير‪ ،‬وعن أبي‬ ‫موسى الأشعري عن النبي ژ أنه قال‪» :‬الحرير والذهب حرام على ذكور أمتي‬ ‫وحل لإناثهم«)‪ ،(٤‬وعند عبد االله بن عمرو أنه ژ قال‪» :‬من لبس الذهب من أمتي‬ ‫فمات وهو يلبسه حرم االله عليه ذهب الجنة ومن لبس الحرير من أمتي فمات‬ ‫وهو يلبســه حرم االله عليه حرير الجنة«)‪ ،(٥‬ومن طريقه أيضا أن النبي ژ قال‪:‬‬ ‫»من مات من أمتي يتحلى الذهب حرم االله عليه حليته في الآخرة‪ ،‬ومن مات من‬ ‫أمتي يشرب الخمر حرم االله عليه شربها في الآخرة‪ ،‬ومن مات من أمتي يلبس‬ ‫)‪ (١‬أخرجــه أحمــد )‪ ،٣٩٢/٤‬رقم ‪ ،(١٩٥٢١‬والنســائي )‪ ،١٦١/٨‬رقم ‪ ،(٥١٤٨‬والبيهقــي )‪،٤٢٥/٢‬‬ ‫رقم ‪ (٤٠٢٠‬والطيالســي )ص ‪ ،٦٩‬رقم ‪ ،(٥٠٦‬وعبد الــرزاق عن معمر فــي الجامع )‪،٦٨/١١‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٩٩٣٠‬وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه )‪ ،٤٤٦/١‬رقم ‪.(٥٩٠‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الطحاوي في شــرح معانى الآثار )‪ ،(٢٥١/٤‬والعقيلــي )‪ ١٧٤/١‬ترجمة ‪ ٢١٧‬ثابت بن‬ ‫زيد بن ثابت بن زيد بن أرقم( وقال قال عبد االله بن أحمد‪ :‬سألت أبي عنه فقال‪ :‬له أحاديث‬ ‫مناكير‪ .‬وقال‪ :‬هذا يروى بغير هذا الإسناد بأســانيد صالحة‪ .‬والطبراني )‪ ،٢١١/٥‬رقم ‪.(٥١٢٥‬‬ ‫وأخرجه أيضا‪ :‬الديلمي )‪ ،٢٥٠/٢‬رقم ‪.(٣١٧٥‬‬ ‫)‪ (٣‬حديث علي‪ :‬أخرجــه أحمــد )‪ ،٩٦/١‬رقم ‪ ،(٧٥٠‬وأبو داود )‪ ،٥٠/٤‬رقم ‪ ،(٤٠٥٧‬والنســائي‬ ‫)‪ ،١٦٠/٨‬رقم ‪ ،(٥١٤٤‬وابن ماجه )‪ ،١١٨٩/٢‬رقم ‪ ،(٣٥٩٥‬والبيهقي )‪ ،٤٢٥/٢‬رقم ‪ .(٤٠١٩‬وأخرجه‬ ‫أيضا‪ :‬ابن أبي شــيبة )‪ ،١٥٢/٥‬رقم ‪ ،(٢٤٦٥٩‬والبزار )‪ ،١٠٢/٣‬رقم ‪ ،(٨٨٦‬وأبو يعلى )‪،٢٣٥/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٧٢‬وابن حبان )‪ ،٢٤٩/١٢‬رقم ‪.(٥٤٣٤‬‬ ‫وحديث ابن عمر‪ :‬أخرجه ابن ماجه )‪ ،١١٩٠/٢‬رقم ‪ ،(٣٥٩٧‬الطيالسي )ص ‪ ،٢٩٨‬رقم ‪،(٢٢٥٣‬‬ ‫وابن أبي شيبة )‪ ،١٥٣/٥‬رقم ‪ ،(٢٤٦٦٢‬والحارث كما في بغية الباحث )‪ ،٦١٥/٢‬رقم ‪.(٥٨٥‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه البيهقــي )‪ ،١٤١/٤‬رقم ‪ (٧٣٤٩‬وأخرجــه أيضا‪ :‬ابن أبي شــيبة )‪ ،١٥١/٥‬رقم ‪،(٢٤٦٤٥‬‬ ‫والطحاوي في شرح معانى الآثار )‪.(٢٥١/٤‬‬ ‫)‪ (٥‬أخرجه أحمد )‪ ،٢٠٨/٢‬رقم ‪.(٦٩٤٧‬‬ ‫‪٢٠٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫الحريــر حــرم االله عليه لبســه في الآخــرة«)‪ ،(١‬وعــن أبي هريــرة ‪ : ƒ‬أن‬ ‫رســول االله ژ »نهى عن خاتــم الذهب«)‪ ،(٢‬وعــن علي كــرم االله وجهه عند‬ ‫الربيع ‪ 5‬قال‪» :‬نهاني رسول االله ژ عن لبس القســي وعن لبس المعصفر‬ ‫وعن خاتم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع والسجود«)‪ ،(٣‬وجاء عنه بلفظ‪:‬‬ ‫»نهاني رسول االله ژ عن القراءة في الركوع والســجود وعن التختم بالذهب‬ ‫وعن لباس القسي وعن لباس المعصفر«)‪ ،(٤‬وبلفظ‪» :‬نهاني رسول االله ژ عن‬ ‫التختم بالذهب‪ ،‬وعن لبس المعصفر‪ ،‬وأن أقرأ راكعا أو ساجدا«)‪ ،(٥‬وعن ابن‬ ‫عباس‪ :‬أن رسول االله ژ رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫»يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده«‪ ،‬فقيل للرجل بعد ما ذهب‬ ‫رســول االله ژ خذ خاتمك انتفع به‪ ،‬قال‪» :‬ال واالله‪ ،‬ال آخــذه أبدا وقد طرحه‬ ‫رسول االله ژ «)‪ ،(٦‬وعن عمران بن حصين‪» ،‬أن رسول االله ژ نهى عن الحنتم‬ ‫ولبس الحرير والتختم بالذهب«)‪ ،(٧‬وعن بكر بن سوادة‪ ،‬أن أبا النجيب حدثه‪،‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد )‪.(١٤٦/٥‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه البخاري )‪ ١٥٥/٧‬رقم‪ (٥٨٦٤ :‬ومســلم )‪ ١٦٥٤/٣‬رقم‪ ،(٢٠٨٩ :‬والنسائي )‪ ١٩٢/٨‬رقم‪:‬‬ ‫‪ ،(٥٢٧٣‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪ ٣٤٥/٨‬رقم‪ (٥٩١٩ :‬والطبراني في الأوسط )‪ ٧٨/٣‬رقم‪:‬‬ ‫‪ ،(٢٥٤٦‬وابن حبان )‪ ٢٩٨/١٢‬رقم‪.(٥٤٨٧ :‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه الربيع )ص ‪ ٩٨‬رقم‪.(٢٣١ :‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه مالك )‪ ،٨٠/١‬رقم ‪ ،(١٧٦‬وعبد الرزاق )‪ ،١٤٤/٢‬رقم ‪ ،(٢٨٣٢‬وأحمد )‪ ،١٢٦/١‬رقم ‪،(١٠٤٤‬‬ ‫والبخاري في خلق أفعال العباد )‪ ،(١٠٩/١‬ومســلم )‪ ،١٦٤٨/٣‬رقم ‪ ،(٢٠٧٨‬وأبو داود )‪،٤٧/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(٤٠٤٤‬والترمذي )‪ ،٢٢٦/٤‬رقم ‪ ،(١٧٣٧‬والنسائي )‪ ،١٩١/٨‬رقم ‪ ،(٥٢٧١‬وابن ماجه )‪،١١٩١/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٣٦٠٢‬والطحــاوي )‪ ،(٢٦٠/٤‬وأبــو يعلــى )‪ ،٢٥٩/١‬رقم ‪ ،(٣٠٤‬وابن حبــان )‪،٢٥٦/١٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٥٤٤٠‬والبيهقي )‪ ،٤٢٤/٢‬رقم ‪.(٤٠١٢‬‬ ‫)‪ (٥‬أخرجه البزار في مسنده )‪ ١٣٢/٣‬رقم‪.(٩١٩ :‬‬ ‫)‪ (٦‬أخرجه مسلم )‪ ،١٦٥٥/٣‬رقم ‪ ،(٢٠٩٠‬وابن حبان )‪ ،١٩٢/١‬رقم ‪ ،(١٥‬والبيهقي )‪ ،٤٢٤/٢‬رقم ‪.(٤٠١٤‬‬ ‫)‪ (٧‬أخرجه الطبراني في كبيره )‪ ٢٠١/١٨‬رقم‪ ،(٤٩١ :‬وابــن حبان )‪ ٢٢٧/١٢‬رقم‪ ،(٥٤٠٦ :‬والترمذي‬ ‫)‪ ٢٢٦/٤‬رقم‪ (١٧٣٨ :‬وابن أبي شيبة )‪ ١٥٣/٥‬رقم‪ ،(٢٤٦٦١ :‬وأحمد )‪ ١٩٠/٣٣‬رقم‪.(١٩٩٨٠ :‬‬ ‫المحور التاسع‪ :‬فيما يتعلق باللباس‬ ‫‪٢٠٣‬‬ ‫أن أبا سعيد الخدري حدثه‪ ،‬أن رجلا قدم من نجران إلى رسول االله ژ وعليه‬ ‫خاتم من ذهب‪ ،‬فأعرض عنه رسول االله ژ وقال‪» :‬إنك جئتني وفي يدك جمرة‬ ‫من نار«)‪ ،(١‬والأحاديث في هذا كثيرة‪.‬‬ ‫قال القرطبي في المفهم‪» :‬وقوله ژ للرجل الــذي طرح الخاتم من يده‪:‬‬ ‫»يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده«؛ يدل على تغليظ التحريم‪،‬‬ ‫وأن لباس خاتم الذهب من المنكر الذي يجب تغييره«)‪.(٢‬‬ ‫' ‪+‬س  ‪:  >,‬‬ ‫نرى كثيرا من الرجال ال يتورعون عن التختم بالذهب‪ ،‬وقد شــاعت عند‬ ‫الكثير من الرجال والنســاء بدعة ذميمة وهــي اتباع الغرب فــي خرافاتهم‪،‬‬ ‫ودعواهم أن الدبلة التي ُي ْلبِ ُســها الرجل المرأة و ُت ْلبِ ُســها المرأة الرجل عندما‬ ‫يقصدان الزواج هي ســبب الرتباط قلبيهما وما يهدفان إليه من حسن العلاقة‬ ‫بينهما‪ ،‬وأن قلب كل منهما موصــول ببنصره‪ ،‬فلذلك يحرص كل منهما على‬ ‫شد الآخر إليه‪ ،‬وأسر قلبه بإلباسه هذه الدبلة الذهبية‪ ،‬وال خلاف في كون هذه‬ ‫خرافة ال يقبلها العقل وال يقرها الشرع‪.‬‬ ‫أما رفض العقل لها فمما يدل عليه الواقع من أنها دعوى كاذبة‪ ،‬فكم من‬ ‫زواج كان بدونها وقد كان موفقا شملت فيه الزوجين السعادة والهناء‪ ،‬والمودة‬ ‫والرحمة‪ ،‬والألفة والحنان‪ ،‬وبورك فيهما وفي زواجهما بما نتج عنه من ذرية‬ ‫صالحة قرت بها أعينهما‪ ،‬وكم من زواج تبــادل فيه الزوجان لباس الدبلة فما‬ ‫كانت عاقبته إال البوار والشنآن واالنفصام‪ ،‬وهذا أكبر شاهد على أن هذه العادة‬ ‫ال تعدو أن تكون خرافة‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه النسائي )‪ ١٧٠/٨‬رقم‪ ١٧١/٨) ،(٥١٨٨ :‬رقم‪ ،(٥١٨٩ :‬وابن حبان )‪ ٣٠١/١٢‬رقم‪،(٥٤٨٩ :‬‬ ‫والهيثمي في المورد الظمآن )‪ ١٠/٥‬رقم‪.(١٤٧١ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أبو العباس القرطبي‪ ،‬المفهم‪.٩٥/١٧ ،‬‬ ‫‪٢٠٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وأما رفض الشــرع لها؛ فلأنها مخالفة لهدي النبــي ژ ‪ ،‬وما جرى عليه‬ ‫السلف الصالح‪ ،‬فقد قال عليه أفضل الصلاة والســلام‪» :‬من عمل عملا ليس‬ ‫عليه أمرنا فهو رد«)‪ ،(١‬وثبت عنه ژ أنه قال‪» :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس‬ ‫فيه‪ ،‬فهو رد«)‪ ،(٢‬وعنه ژ ‪» :‬إن أصدق الحديث كتاب االله وأفضل الهدى هدى‬ ‫محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة‬ ‫في النــار«)‪ ،(٣‬وقد نهى رســول االله ژ عن تأثر المســلمين بعــادات غيرهم‬ ‫وأفكارهم ـ كما سيأتي شرح ذلك إن شاء االله ـ على أن هذه العادة كانت عند‬ ‫النصارى‪ ،‬وقد انتقلت منهم إلى ضعاف النفوس من المحسوبين على الإسلام‪،‬‬ ‫على أنه قيل بــأن هذه العادة مــن عــادات الفراعنة وأنها كانــت عند قدماء‬ ‫المصريين‪ ،‬ثم تحولت منهم إلى النصارى‪ ،‬ومهما كان أصلها فهي محرمة على‬ ‫الجنسين لما فيها من التشبه بالآخرين ولما فيها من اعتقاد تأثير خاتم الذهب‬ ‫في البنصر على القلب حتى يكون كما يهوى من أ َ ْل َب َس الخاتم )الدبلة(‪ ،‬وهي‬ ‫حرام على الرجل من عدة أسباب‪.‬‬ ‫أولها‪ :‬أن فيها تقليدا لغير المسلمين وتأثرا بمعتقداتهم‪.‬‬ ‫ثانيها‪ :‬أن الذهب حرام عليه‪ ،‬فلا يستباح في زواج وال غيره‪.‬‬ ‫ثالثها‪ :‬نهي النبي ژ عن تختم الرجل في الوســطى أو التي تليها‪ ،‬ويشــمل‬ ‫ذلك البنصر والسبابة‪ ،‬وقد جاء من طريق علي كرم االله وجهه‪» :‬نهاني رسول االله ژ‬ ‫)‪(١‬‬ ‫أخرجه الربيع من طريق ابن عباس ^ )ص ‪ ٣٩‬رقم‪ ،(٤٩ :‬وأخرجه من طريق عائشــة ‪#‬‬ ‫أحمد )‪ ،١٤٦/٦‬رقم ‪ ،(٢٥١٧١‬ومســلم )‪ ،١٣٤٣/٣‬رقم ‪ .(١٧١٨‬وأبو عوانة )‪ ،١٧١/٤‬رقم ‪،(٦٤٠٩‬‬ ‫والدارقطني )‪.(٢٢٧/٤‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه البخاري )‪ ١٨٤/٣‬رقم‪ (٢٦٩٧ :‬ومســلم )‪ ١٣٤٣/٣‬رقم‪ ،(١٧١٨ :‬وأبو داود )‪٢٠٠/٤‬‬ ‫رقم‪.(٤٦٠٦ :‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه أحمد )‪ ،٣١٠/٣‬رقم ‪ ،(١٤٣٧٣‬ومسلم )‪ ،٥٩٢/٢‬رقم ‪ ،(٨٦٧‬والنسائي )‪ ،١٨٨/٣‬رقم ‪،(١٥٧٨‬‬ ‫وابن ماجه )‪ ،١٧/١‬رقم ‪.(٤٥‬‬ ‫المحور التاسع‪ :‬فيما يتعلق باللباس‬ ‫‪٢٠٥‬‬ ‫عن القسي‪ ،‬والميثرة الحمراء‪ ،‬وأن ألبس خاتمي في هذه وفي هذه«)‪ ،(١‬وأشار إلى‬ ‫السبابة والوسطى‪ ،‬وفي إحدى الروايات عنه‪» :‬نهاني ـ يعني النبي ژ ـ أن أجعل‬ ‫خاتمي في هذه‪ ،‬أو التي تليها ـ لم يــدر عاصم في أي الثنتين ـ ونهاني عن لبس‬ ‫القسي‪ ،‬وعن جلوس على المياثر«)‪.(٢‬‬ ‫وكان من هديه ژ أن يتختم في خنصره‪ ،‬ومضى على ذلك أصحابه وخيار‬ ‫الأمة‪ ،‬ولم يكن الرجــال منهم يتختمون في غير الخنصــر‪ ،‬وقد كان التحلي‬ ‫بالخواتم في غيرها من زينة النساء دون الرجال‪ ،‬وإنما اختلفت الروايات هل‬ ‫كان يتختم في خنصره اليمنى أو في خنصره اليســرى‪ ،‬فعن أنس ‪ ، ƒ‬قال‪:‬‬ ‫»كان خاتم النبي ژ في هذه‪ ،‬وأشــار إلى خنصره من يده اليسرى«)‪ ،(٣‬وعنه‬ ‫أيضا قال‪ :‬صنع النبي ژ خاتما‪ ،‬قال‪» :‬إنا اتخذنا خاتما‪ ،‬ونقشنا فيه نقشا‪ ،‬فلا‬ ‫ينقشن عليه أحد« قال‪ :‬فإني لأرى بريقه في خنصره«)‪.(٤‬‬ ‫وفي شــرح الحافظ ابن حجر لقول البخاري‪) :‬باب الخاتم في الخنصر(‬ ‫قال‪» :‬أي دون غيرها من الأصابع وكأنه أشــار إلى ما أخرجه مسلم وأبو داود‬ ‫والترمذي من طريق أبي بردة بن أبي موسى عن علي قال نهاني رسول االله ژ‬ ‫أن ألبس خاتمي في هذه وفي هذه يعني السبابة والوسطى«)‪ ،(٥‬وقال القاضي‬ ‫عيــاض‪» :‬وال خلاف بين العلماء وال فــي الآثار أن اتخاذ خاتــم الرجال في‬ ‫أبعد عن االمتهان‬ ‫الخنصر«)‪ ،(٦‬وقال ابن عبد الدائم القسطلاني‪» :‬حكم ُته‪ :‬أنه ُ‬ ‫اليد عما تتناو ُله من أشغالها«)‪.(٧‬‬ ‫شغل َ‬ ‫فيما ُيتعاطَ ى باليد لكونه طرفًا‪ ،‬وال َي ُ‬ ‫)‪(١‬‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫)‪(٣‬‬ ‫)‪(٤‬‬ ‫)‪(٥‬‬ ‫)‪(٦‬‬ ‫)‪(٧‬‬ ‫أخرجه الترمذي )‪ ٢٤٩/٤‬رقم‪.(١٧٨٦ :‬‬ ‫أخرجه مسلم )‪ ١٦٥٩/٣‬رقم‪.(٢٠٧٨ :‬‬ ‫أخرجه مسلم )‪ ،١٦٥٩/٣‬رقم‪ ،(٢٠٩٥ :‬والبغوي في شرح السنة )‪ ٦٨/١٢‬رقم‪.(٣١٤٦ :‬‬ ‫أخرجه البخاري )‪ ١٥٧/٧‬رقم‪.(٥٨٧٤ :‬‬ ‫ابن حجر‪ :‬فتح الباري‪.٣٢٤/١٠ ،‬‬ ‫القاضي عياض‪ :‬إكمال المعلم‪.٣١١/٦ ،‬‬ ‫أبو عبد االله محمد بن عبد الدائم القسطلاني‪ ،‬اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح‪،٤٦٧/١٤ ،‬‬ ‫دار النوادر ـ سوريا‪.‬‬ ‫‪٢٠٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وشدد ابن حزم في التختم في غير الخنصر حتى حكم ببطلان صلاة من‬ ‫صلى متختما في أي أصبع غيرها‪ ،‬وهذا نص قوله‪» :‬ومن تختم في السبابة أو‬ ‫الوسطى أو الإبهام أو البنصر الخنصر وحده وتعمد الصلاة كذلك فلا صلاة له‪،‬‬ ‫حدثنا عبد االله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن‬ ‫بشار وهناد بن السري قال محمد بن بشــار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن‬ ‫عاصم بن كليب عن أبي بردة هو ابن أبي موســى الأشــعري قال‪ :‬ســمعت‬ ‫علي بن أبي طالب ‪ ƒ‬يقول‪» :‬نهاني رســول االله ژ عن الخاتم في السبابة‬ ‫والوسطى«‪ ،‬وقال هناد بن السري عن أبي الأحوص عن عاصم بن كليب عن‬ ‫أبي بردة هو ابن أبي موســى الأشــعري عن علي بن أبي طالــب قال نهاني‬ ‫رسول االله ژ أن أتختم في أصبعي هذه وفي الوسطى أو التي تليها«)‪.(١‬‬ ‫وأضاف إلى ذلك‪» :‬حديث شــعبة هذا يقضي على كل خبر شك فيه من‬ ‫رواه عن عاصم‪ ،‬وال فرق بين من صلى متختما في إصبع نهي عن التختم فيها‬ ‫وبين من صلى البس حرير أو على حال محرمة‪ ،‬لأن كلهم قد فعل في الصلاة‬ ‫فعلا نهي عنه؛ فلم يصل كما أمر«)‪.(٢‬‬ ‫واعجب مع هــذا أن ترى بعض من ترى عليهم ملامــح الصلاح والتقوى‬ ‫ويؤمون الناس في صلواتهم وهم يتختمون في بناصرهم تبعا لما يسمى بالموضة‬ ‫المعاصرة‪ ،‬مع أنه »قد استحب العلماء الخروج من الخلاف ما أمكن«)‪ ،(٣‬فكيف‬ ‫إذا كان في ذلك نهي يؤثر عن الرسول ! ؟!‬ ‫)‪ (١‬ابن حزم‪ :‬المحلى‪ ٣٦٩/٢ ،‬ـ ‪.٣٧٠‬‬ ‫)‪ (٢‬المرجع السابق‪.٣٧٠/٢ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬قطب الأئمة‪ ،‬محمد بن يوسف اطفيش‪ :‬شامل الأصل والفرع‪.٥٤/٢ ،‬‬ ‫‪٢٠٧‬‬ ‫ا "!ر ا ‪f‬‬ ‫    ‬ ‫ا ‪ *% 3,‬أن ^!ن '‪KK‬ا ‪  1‬ٴ!‪ n‬وال ‪ nT‬و!د وال <د‪:‬‬ ‫من المعلوم أن الإسلام بعقيدته وفكره‪ ،‬وكل ما اشتمل عليه ـ في جانب‬ ‫العبادات أو الأخلاق أو المعاملات أو العادات ـ إنما يبني الشخصية المسلمة‬ ‫بناء مكينا ال صدع فيه وال وهن‪ ،‬حتى تســتقل بفكرها وتصورها‪ ،‬وعباداتها‬ ‫وعاداتها‪ ،‬وأخلاقها وآدابها‪ ،‬ومخبرها ومظهرها‪ ،‬لتكون دائما هي الشــخصية‬ ‫المؤثرة في الحياة‪ ،‬القابضة على زمامها الموجهة لسيرها‪ ،‬تملي إرادتها على‬ ‫غيرها‪ ،‬وال يملى عليها من ســواها‪ ،‬لأن االله تعالى أراد للمسلم أن يتبوأ مكان‬ ‫قيادة الإنســانية إلى الرشــد والخير‪ ،‬والعزة والكرامة‪ ،‬وال يمكنه القيام بهذه‬ ‫المهمة إن كان ضعيف الإرادة‪ ،‬سريع التأثر‪ ،‬كثير االنبهار بما يرى عليه غيره‪،‬‬ ‫يســتفزه كل عرض‪ ،‬ويجتذبه كل ناعق‪ ،‬وتزعزعه كل زوبعة‪ ،‬وإنما يقوم بهذا‬ ‫الأمر من كان أرسخ من ش ‪‬م الأطواد ثباتا‪ ،‬وأشد من صم الصلاد عزيمة‪ ،‬وأرقى‬ ‫من أبعد النجوم همة ال تضعضعه الأزمات‪ ،‬وال تزعزعه المحن‪ ،‬وال تؤثر عليه‬ ‫الخطوب‪ ،‬وإنما تزيده صروف الدهــر صبرا وعزيمة وطموحا‪ ،‬كالذهب الذي‬ ‫ال يزيده لهيب النار إال صفاء ونقاء‪.‬‬ ‫ذلك لأن المسلم إنما ينوء بأمانة طوقه االله إياها‪ ،‬ويتشرف برسالة فرض االله‬ ‫عليــه حملها وأداءهــا‪ ،‬وهي مواريــث النبوة فــي دعوة الناس إلــى الخير‪،‬‬ ‫وتبصيرهم بالحق‪ ،‬وأمرهم بالمعروف‪ ،‬ونهيهم عن المنكر‪ ،‬وكفهم عن الضلال‬ ‫‪٢٠٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫والفســاد‪ ،‬وأنى يقوم بهذا كله إن كان غير راســخ القدم‪ ،‬ثابت العزم‪ ،‬ماضي‬ ‫الإرادة‪ ،‬مستيقظ الضمير؟!‪.‬‬ ‫وقد بين هذا الدور العظيم الذي يجب أن يقوم به المسلم شاعر الإسلام‬ ‫محمد إقبال في كلماته الذهبية التي تشع بنور الإيمان وتلتهب بوهج الحماس‪:‬‬ ‫»إن المســلم لم يخلق ليندفع مع التيار‪ ،‬ويســاير الركب البشري حيث اتجه‬ ‫وســار‪ ،‬بل خلق ليوجه العالم والمجتمــع والمدنية‪ ،‬ويفرض على البشــرية‬ ‫اتجاهه‪ ،‬ويملي عليها إرادته‪ ،‬لأنه صاحب الرسالة وصاحب العلم اليقين‪ .‬ولأنه‬ ‫المسؤول عن هذا العالم وسيره واتجاهه‪ .‬فليس مقامه مقام التقليد واالتباع‪ ،‬إن‬ ‫مقامه مقام الإمامة والقيادة ومقام الإرشاد والتوجيه‪ .‬ومقام الآمر الناهي‪ .‬وإذا‬ ‫تنكر له الزمان‪ ،‬وعصاه المجتمع وانحرف عن الجادة‪ ،‬لم يكن له أن يستسلم‬ ‫ويخضع ويضع أوزاره ويسالم الدهر‪ ،‬بل عليه أن يثور عليه وينازله‪ .‬ويظل في‬ ‫صراع معه وعراك‪ ،‬حتى يقضي االله في أمره‪ .‬إن الخضوع واالستكانة للأحوال‬ ‫القاســرة والأوضاع القاهرة‪ ،‬واالعتــذار بالقضاء والقدر من شــأن الضعفاء‬ ‫والأقزام‪ .‬أما المؤمن القوي فهو بنفسه قضاء االله الغالب وقدره الذي ال يرد«)‪.(١‬‬ ‫فبهذه الروح الوثابة والهمة العالية استطاع السلف الصالح ـ من المهاجرين‬ ‫والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان @ ـ أن يفتحوا أقفال القلوب‪ ،‬وأن يدخلوا‬ ‫إلى مجاهل طبائع البشــر فيحولوهم من الضلال إلى الهدى‪ ،‬ومن الكفر إلى‬ ‫الإيمان‪ ،‬ومن الحيرة إلــى البصيرة‪ ،‬وكانت تلك النقلــة العظيمة للعالم التي‬ ‫ســجلها التأريخ بمداد مــن ذهب‪ ،‬وبهــذا تمكنوا من دحر جحافل الشــرك‬ ‫والإلحاد‪ ،‬وأن يزعزعوا معاقل البغاة المتسلطين في الأرض‪ ،‬الذين اتخذوا عباد‬ ‫االله خوال‪ ،‬ومالهم دوال‪ ،‬ونصبوا من أنفسهم آلهة تعبد من دون االله‪ ،‬فقد أوجف‬ ‫أولئك المســلمون قلوب هؤالء الجبابرة المتســلطين حتى أحسوا بها كأنها‬ ‫)‪ (١‬أبو الحسن الندوي‪ :‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين‪ ،‬ص ‪.١٥‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٠٩‬‬ ‫تنخلع ما بين جوانحهم‪ ،‬وتتطاير هممها وتذوب عزائمها‪ ،‬وأرجفوا الأرض من‬ ‫تحت أقدامهم حتى شعروا بها تقذفهم من عليها‪ ،‬فيهوون إلى غير قرار‪ ،‬كمن‬ ‫خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق‪.‬‬ ‫وال ريب أن أولئك تربوا عقيدة وفكرا‪ ،‬وســلوكا وعملا‪ ،‬وعزيمة وهمة‪،‬‬ ‫وجلدا وصبرا‪ ،‬وفضيلة وخلقا‪ ،‬على يدي رســول االله ژ ‪ ،‬الذي كان يحرص‬ ‫على استقلالهم في كل جزئية من حياتهم‪ ،‬لئلا يتأثروا بغيرهم في شيء‪ ،‬لأنه‬ ‫جاءهم بمنهج متكامل ال يغادر صغيرة وال كبيــرة إال أحصاها‪ ،‬وبوأها ـ في‬ ‫نظام رتيب ـ مكانها اللائق بها‪ ،‬وكان شديد الحساسية دقيق المراقبة‪ ،‬ال يدع‬ ‫أي قضية ـ ولو دقت ـ أن تمر بهم من غير عرضها على المحك النقدي‪ ،‬فحتى‬ ‫في الأمــور العادية في حيــاة الناس كان ژ يحــرص على تجنيبهــم التأثر‬ ‫بالآخرين‪ ،‬كما جاء عن عبادة بن الصامت قال كان رسول االله ژ إذا اتبع جنازة‬ ‫لم يقعد حتى توضع في اللحــد فعرض له حبر فقال هكــذا نصنع يا محمد‬ ‫فجلس رسول االله ژ وقال‪» :‬خالفوهم«)‪.(١‬‬ ‫وأنت تدري أن القيام والقعود من الأمور الطبعيــة التي تعود إلى ملاءمة‬ ‫وضع الإنســان في أحواله‪ ،‬فتارة يكون القيام أنسب له وتارة يكون القعود هو‬ ‫الأنســب‪ ،‬وكل ذلك من المباح شــرعا‪ ،‬لأنه من الأمور االعتيادية‪ ،‬وإنما سن‬ ‫رسول االله ژ القعود في حال دفن الميت مخالفة لليهود ـ مع أن القيام قد يكون‬ ‫أسمح للحركة فيما لو أراد أحد المشيعين أن يقوم بمشاركة عملية في الدفن ـ‬ ‫حتى ال يقع فــي نفس بعض الضعفاء من المســلمين أن يقــوم متابعة لليهود‬ ‫ومجانســة لأعمالهم‪ ،‬لأن أثر ذلك عظيم على نفس المسلم ولو بدا له أنه أمر‬ ‫تافه‪ ،‬فإن االســتهانة بالجزئيات تسرع في نفس الإنســان فلا يلبث أن يستهين‬ ‫بالكليات وعدم المباالة بالمحقرات يؤدي إلى عدم االكتراث بالعظائم‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه ابن ماجه )‪ ٤٩٣/١‬رقم‪ ،(١٥٤٥ :‬والترمذي )‪ ٣٣١/٣‬رقــم‪ (١٠٢٠ :‬والبزار )‪ ١٣٢/٧‬رقم‪:‬‬ ‫‪ (٢٦٨٥‬والبغوي في شرح السنة )‪ ٣٣١/٥‬رقم‪.(١٤٨٧ :‬‬ ‫‪٢١٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وللشيطان في إغواء الإنسان واالنحراف به عن سواء الصراط مسالك أدق‬ ‫من أن يتفطن لها اللبيب إال بدقة المراقبة وعمق الملاحظة‪ ،‬ووسائل أخفى من‬ ‫أن يتفطن لها إال أولوا البصائر النيرة الثاقبة‪ ،‬وما كان رسول االله ژ ليدع هذه‬ ‫الحادثــة تمر من غيــر أن ينبه على بعدهــا‪ ،‬ويلمح لأصحابــه بآثارها‪ ،‬وقد‬ ‫كانوا @ من الفطنة ودقة الملاحظة أنهم يكفيهم التلميح عن التصريح‪ ،‬وإنما‬ ‫هم يستنتجون بحدسهم ما ينطوي عليه التلميح من الأبعاد التي كان يرمي إليها‬ ‫صاحب الرسالة العظمى ! ‪.‬‬ ‫وهو ـ صلوات االله وســلامه عليــه ـ كان وراء كل واحد مــن أصحابه يراقب‬ ‫تصرفاته‪ ،‬حتى ال يأتي بشيء يفتح ثغرة على نفسه لتأثير أي أحد عليه‪ ،‬أو ليتأثر بأي‬ ‫فكر أو أسلوب خارج عن المنظومة الإسلامية الواسعة التي جاء بها ژ فيما أنزل االله‬ ‫عليه‪ ،‬ناهيك بهذه القصة التي رواها جابر بن عبد االله ‪» ƒ‬أن عمر بن الخطاب ‪ƒ‬‬ ‫أتى النبي ژ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب‪ ،‬فقرأه على النبي ژ فغضب وقال‪:‬‬ ‫»أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب‪ ،‬والذي نفســي بيده لقد جئتكــم بها بيضاء نقية‪،‬‬ ‫ال تسألوهم عن شــيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به‪ ،‬أو بباطل فتصدقوا به‪ ،‬والذي‬ ‫نفسي بيده لو أن موسى كان حيا‪ ،‬ما وسعه إال أن يتبعني««)‪.(١‬‬ ‫وهذا راجع إلى خبرة النبي ژ الواسعة بطبيعة النفس البشرية التي تتأثر‬ ‫بما تتلقاه وتنجذب إلى كل جديد لم يكن لها به عهد‪ ،‬فلو ترك للناس مجال‬ ‫فسيح في التلقي من هذا وذاك لتزعزعت في نفوسهم ثوابت الأفكار‪ ،‬وذابت‬ ‫أخلاقهم الصلبة‪ ،‬وتساقطت قيمهم العالية‪ ،‬بما يتتابع عليها من المؤثرات التي‬ ‫تطرق النفوس‪ ،‬لذلك قطع النبي ژ كل مسلك لأي مؤثر من هذه المؤثرات‪،‬‬ ‫وهو ژ ـ بلا ريب ـ مستهد في هذا بما أنزل االله تعالى عليه من الحق الذي لم‬ ‫يدع مجاال لباطل أن يصل إليه‪ ،‬فضلا عن أن ينال منه‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ٣٤٩/٢٣‬رقم‪ ،(١٥١٥٦ :‬وابن أبي شيبة )‪ ٣١٢/٥‬رقم‪ ،(٢٦٤٢١ :‬والبيهقي في شعب‬ ‫الإيمان )‪ ٣٤٧/١‬رقم‪ ،(١٧٤ :‬وابن أبي عاصم )‪ ٢٧/١‬رقم‪.(٥٠ :‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢١١‬‬ ‫ ا آن لأ ‪g‬س ‪ 39‬روح اال‪B‬لال‪ ،‬و‪ 39‬دوا'‪ 7‬ا ‪nT‬‬ ‫وا ‪:+‬‬ ‫أحاط القرآن الذي أنزله االله تعالى نفوس المؤمنين بحاجز نفسي يقيهم التأثر‬ ‫بسائر أهل الملل والأفكار‪ ،‬حتى ال تنساب إليهم أفكارهم وال عاداتهم‪ ،‬ناهيكم‬ ‫بأن االله ســبحانه حصر والية المؤمنين في الذين آمنوا وحدهم‪ ،‬الذين يتكاتفون‬ ‫على الخير ويتعاونــون على البر والتقوى‪ ،‬ويتآمــرون بالمعروف‪ ،‬ويتناهون عن‬ ‫المنكر‪ ،‬ليغلقوا كل نافذة في وجه الشيطان وأتباعه‪ ،‬فقد قال تعالى‪a﴿ :‬‬ ‫‪l k j ihg fe d c b‬‬ ‫‪ ﴾ r q p onm‬التوبة‪ ،٧١ :‬وفي مقابل ذلك بين أن‬ ‫الكفرة جميعا بعضهم أولياء بعض في قوله‪ ~ } | { ﴿ :‬ے¡‬ ‫‪ ﴾© ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬الأنفال‪.٧٣ :‬‬ ‫وكثيرا ما حذر تعالى من تولــي المؤمنين للكافرين‪ ،‬ولو كانوا من أخص‬ ‫خاصتهم وأقرب قرابتهم‪ ،‬فقد قال تعالى‪2 ± ° ̄ ® ¬ ﴿ :‬‬ ‫‪Äà  Á À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ 3‬‬ ‫‪ ﴾Ë Ê É ÈÇ Æ Å‬آل عمــران‪ ،٢٨ :‬وقال‪7 6 ﴿ :‬‬ ‫‪CB A @ ? > = < ; : 9 8‬‬ ‫‪ ﴾I H G F E D‬التوبــة‪ ،٢٣ :‬وقال‪# " ! ﴿ :‬‬ ‫‪/ . - , + * )( ' & % $‬‬ ‫‪< ; : 9 8 7 65 43 2 1 0‬‬ ‫= >? @ ‪J I HG F E D C B A‬‬ ‫‪ ﴾ X W V U T S RQ P O NM L K‬المجادلة‪ ،٢٢ :‬وقال‪:‬‬ ‫﴿!"‪-,+*)('&%$#‬‬ ‫‪= < ; : 9 8 7 6 54 3 2 1 0 / .‬‬ ‫‪٢١٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫> ? @ ‪M LK J I H G F E D C BA‬‬ ‫‪ ﴾ S R Q P O N‬الممتحنــة‪ ،١ :‬وترى في هذه الآية كيف جاءت‬ ‫قوارع الإنكار والإنذار للذين أرادوا أن يبقوا بينهم وبين أهليهم الذين كانوا على‬ ‫الجاهلية خيطا من االتصال ليصرفوا عن أنفســهم ما يتوجسون منه خيفة أن لو‬ ‫كانت كرة للكافرين ضد المؤمنين‪ ،‬ثم أتبع ذلك ســبحانه تبصير المؤمنين بما‬ ‫يعتمل بين حنايا نفوس الكافرين من حقد وشنآن للذين آمنوا‪ ،‬ولو توددوا إليهم‬ ‫بما عســاهم يأملون أن يكون مجديا لهم‪ ،‬وذلك فــي قوله تعالى‪V U ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ a ` _ ^ ] \ [ Z Y X W‬الممتحنة‪.٢ :‬‬ ‫فإنهم ال يرعوون وال ينثنون عن التشــفي من المؤمنين بالبطش بالأيدي‬ ‫والقدح بالألسنة عندما تسنح لهم سانحة فيتمكنون من بسط نفوذهم عليهم‪،‬‬ ‫مع أن أمنيتهم أن يضلوا كضلالهم ويتبعوهم في غيهم وينقلبوا من إيمانهم إلى‬ ‫الكفر ومن توحيدهم إلى الشــرك‪ ،‬كما قال الأستاذ الشــهيد سيد قطب‪» :‬فلا‬ ‫تعرض لهم فرصة يتمكنون فيها من المســلمين حتى يتصرفوا معهم تصرف‬ ‫العدو الأصيل‪ .‬ويوقعوا بهم ما يملكون من أذى ومن تنكيل بالأيدي وبالألسنة‬ ‫وبكل وسيلة وكل سبيل‪.‬‬ ‫والأدهى من هذا كله والأشــد والأنكى‪ ..﴾ a ` _ ﴿ :‬وهذه عند‬ ‫المؤمن أشد من كل أذى ومن كل سوء يصيبه باليد أو اللسان‪ .‬فالذي يود له أن‬ ‫يخسر هذا الكنز العزيز ـ كنز الإيمان ـ ويرتد إلى الكفر‪ ،‬هو أعدى من كل عدو‬ ‫يؤذيه باليد وباللسان!‪.‬‬ ‫والذي يــذوق حلاوة الإيمان بعــد الكفر‪ ،‬ويهتدي بنــوره بعد الضلال‪،‬‬ ‫ويعيش عيشــة المؤمن بتصوراته ومداركه ومشاعره واستقامة طريقه وطمأنينة‬ ‫قلبه يكره العودة إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار أو أشــد‪ .‬فعدو االله هو‬ ‫الذي يود أن يرجعه إلى جحيم الكفر وقد خرج منــه إلى جنة الإيمان‪ ،‬وإلى‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢١٣‬‬ ‫فراغ الكفر الخاوي بعد عالم الإيمــان المعمور‪ .‬لهذا يتدرج القرآن في تهييج‬ ‫قلوب المؤمنين ضد أعدائه وأعدائهم حتى يصل إلــى قمته بقوله لهم عنهم‪:‬‬ ‫﴿ _ ` ‪.(١)«﴾ a‬‬ ‫ا  ‪ $ c‬ا  ٴ!<‪ $‬وا ^‪ 7- $‬ا‪4‬اء  <‪ $+‬وا ‪ $B‬و‪$‬‬ ‫‪:39+‬‬ ‫ثم إن االله تعالى في هذا السياق يوجه المؤمنين إلى القدوة الصالحة التي‬ ‫يقتدونها والأسوة الحســنة التي يتبعونها في هذه الوقفة الفاصلة بينهم وبين‬ ‫الذين كفروا‪ ،‬عندما يقــول تعالى‪z y x w v u t s ﴿ :‬‬ ‫{|}~ے¡‪¬«a© ̈§¦¥¤£¢‬‬ ‫® ̄‪1⁄4»o1 ̧¶μ ́32±°‬‬ ‫1⁄2 3⁄4 ¿ ‪Î Í Ì ❁ Ê É È Ç Æ Å Ä Ã Á À‬‬ ‫‪ ﴾ Ù Ø × Ö ÕÔ Ó Ò Ñ Ð Ï‬الممتحنة‪ ٤ :‬ـ ‪ ،٥‬ومعنى ذلك‬ ‫أن المؤمنين مطالبون في هذا أن يتبعوا هذه الأسوة ويسيروا على نهج إبراهيم‬ ‫والذين معه من المؤمنين الذين وقفوا هذا الموقف الصارم من الذين كفروا‪ ،‬إال‬ ‫في نقطة واحدة ما كان لهم أن يتبعوها وهي استغفار إبراهيم ‪ ‰‬لأبيه الكافر‪،‬‬ ‫فإن ذلك أمر كان خاصا به‪ ،‬وما كان إال لسبب دعاه إليه وهو الوعد الذي قطعه‬ ‫لأبيه على نفسه بأن يستغفر له‪ ،‬فما كان له ـ وهو الحريص على الوفاء بوعده ـ‬ ‫إال أن ينجز ما وعد‪ ،‬إلى أن تبين له عداوة أبيه الله‪ ،‬فتبرأ إلى االله منه‪ ،‬وقد بين‬ ‫ذلك قوله تعالى‪; : 9 8 7 6 5 4 3 ﴿ :‬‬ ‫< = > ? @ ‪I H ❁F E D C B A‬‬ ‫‪WVUTSRQPONMLKJ‬‬ ‫‪ ﴾ ^ ] \ [ ZY X‬التوبة‪ ١١٣ :‬ـ ‪.١١٤‬‬ ‫)‪ (١‬سيد قطب‪ :‬في ظلال القرآن )‪ ١٧٩/٧‬ـ ‪.(١٨٠‬‬ ‫‪٢١٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ولم يكن هذا التأســي الذي وجه إليه المؤمنون في هذه القضية بإبراهيم‬ ‫ومن معه أمرا اختياريا يعود إلى رغبات النفس وما يلائم طباعها‪ ،‬وإنما هو أمر‬ ‫ضروري لتحقيق االنتماء إلى المؤمنيــن‪ ،‬وتصديق الإيمان باالله واليوم الآخر‪،‬‬ ‫وقد أتبع االله تعالى ما تقدم بقوله‪* ) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ 4 3 2 1 0 / . -, +‬الممتحنــة‪ ،٦ :‬ناهيكم بما في هذا‬ ‫النص أنه نيط الإيمان باالله واليوم الآخر بهذا التأسي‪ ،‬وتبع ذلك التهديد لمن‬ ‫أعرض عنه وتولــى جانبا بأنه تعالى هو الغني‪ ،‬ولــن يضيره هذا الإعراض‬ ‫شــيئا‪ ،‬وإنما يضير المعرضين أنفســهم إذ يحرمون بهذا لطــف االله تعالى‬ ‫وهدايته وبره وتوفيقه ورضاه وثوابه‪ ،‬وفاصلة هذه الآية شــبيهة في داللتها‬ ‫بقوله تعالى‪ ﴾ ® ¬ « a © ̈ § ﴿ :‬آل عمران‪.٩٧ :‬‬ ‫وإذا كان الإســلام والقرآن يقفان هذا الموقف في تجنيب المســلم التأثر‬ ‫بالذين كفروا بما يضعانه من الحواجز التي تقيه االنجذاب نحوهم‪ ،‬والإعجاب‬ ‫بما هم عليه فكرا أو ســلوكا أو خلقا‪ ،‬فإنهما ال يتــركان التنبيه على ضرورة‬ ‫مفاصلة أهل الكتاب أيضا لئلا يغتر المســلمون بما عندهم من الكتاب‪ ،‬وما‬ ‫سبقوا إليه من علم النبوات‪ ،‬فإن كل ذلك ال يجدي شيئا مع ما كان منهم من‬ ‫تحريف الكتاب عن حقيقته التي نزل بها ومن تحريف كلمه عن مواضعه‪.‬‬ ‫ومع ما أخذه االله من عهد على النبيين وجميع الأمم من ورائهم أن يؤمنوا‬ ‫بالرســول الخاتم الذي جاء مصدقا لما سبق من الرســاالت السابقة‪ ،‬كما هو‬ ‫صريــح قولــه تعالــى‪s r q p o n m l k ﴿ :‬‬ ‫‪ ~} | { z y x w v u t‬ے ¡‬ ‫‪2 ❁ ° ̄ ® ¬ « a © ̈ § ¦¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫‪ ﴾1 ̧ ¶ μ ́ 3‬آل عمــران‪ ٨١ :‬ـ ‪ ،٨٢‬فما كان لأحد من‬ ‫أتباع النبيين ـ من قبل ـ بعد أخذ هذا الميثاق عليهم أن ينثني عن اتباع هذا‬ ‫الرسول المبشر به‪ ،‬بالإيمان والنصرة‪ ،‬وعدم مخالفته في شيء‪ ،‬وإنما عليهم‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢١٥‬‬ ‫جميعا أن ينخلعوا من كل ما كانوا عليه إلى اتباعه في كل ما جاءهم به من‬ ‫عند االله‪ ،‬وبهذا يتحقق إيمانهم بالنبيين جميعا‪ ،‬ويوفون حق إيمانهم بما أوتوا‬ ‫من كتاب‪.‬‬ ‫وقد بشرت به ژ الكتب جميعا‪ ،‬فمن عدل ـ بعد هذا ـ عن اتباعه ژ ولم‬ ‫يؤمن برســالته من أهل الكتاب فقد أضاع الكتاب الذي أوتيه سلفه وكفر بما‬ ‫فيه‪ ،‬وكفر بما جاء به نبيه‪ ،‬وإنما المستمسكون حقا بالكتاب هم الذين آمنوا به‬ ‫واتبعوه عندما بلغتهم رسالته‪ ،‬وهؤالء الذين يؤتون أجرهم مرتين‪ ،‬كما نص عليه‬ ‫قوله تعالــى‪5 4 3 2 ❁ 0 / . - , + * ) ﴿ :‬‬ ‫‪FEDCB❁@?>=<;:9876‬‬ ‫‪Q PO❁M L K J I H G‬‬ ‫‪﴾] \ [ Z Y X W V U T S R‬‬ ‫القصص‪ ٥٢ :‬ـ ‪ ،٥٥‬فهم ال يلتفتون إلى عتب أقوامهم عليهم بســبب هذا الإيمان‪،‬‬ ‫وال يصغون إلى جدلهم‪ ،‬وهم المقصودون في قوله تعالى‪$ # " ! ﴿ :‬‬ ‫‪3 2 1 0/ . - , + * ) ( ' & %‬‬ ‫‪B A @ ? > = < ; : 9 8❁ 6 5 4‬‬ ‫‪ ﴾ G F E D C‬المائدة‪ ٨٣ :‬ـ ‪.٨٤‬‬ ‫أما من أصر على الصــدود والإعراض وضرب بما في كتابه من التبشــير‬ ‫برسالته ژ عرض الحائط فإنهم كغيرهم ممن كفروا تجب المفاصلة بينهم وبين‬ ‫المؤمنين‪ ،‬فلا يحل لمؤمن أن يتوالهم كما نص عليه قوله تعالى‪# " ﴿ :‬‬ ‫‪5 43 2 1 0 / .- , + *) ( ' & % $‬‬ ‫‪ ﴾: 9 8 7 6‬المائدة‪ ،٥١ :‬وقد بين االله ســبحانه أن والية من يتوالهم‬ ‫إنما هي ناشئة عن مرض نفساني‪ ،‬يصور لمن ابتلي به أن واليتهم والتعلق بهم‬ ‫أمان لمن تشبث بهما من نوائب الدهر وطوارق الحدثان‪ ،‬فقد أتبع االله ذلك قوله‪:‬‬ ‫﴿ < = > ? @ ‪ ﴾ G F E D C B A‬المائدة‪،٥٢ :‬‬ ‫‪٢١٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وما يدري هؤالء أن الأمر كله بيد االله يصرفه كما شاء‪ ،‬وهو يعز من يشاء ويذل‬ ‫من يشاء‪ ،‬ومن استمسك بأمره واعتصم بحبله آب بالنجاح في الدنيا والفلاح‬ ‫في الآخرة‪ ،‬وقد جاءت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى‪L K J I ﴿ :‬‬ ‫‪[Z❁XWVUTSRQPONM‬‬ ‫\ ] ^ _ ` ‪i h g fe d cb a‬‬ ‫‪ ﴾j‬المائدة‪ ٥٢ :‬ـ ‪.٥٣‬‬ ‫وال يخفى على ذي بال أن ترسم خطواتهم وتقليدهم في عاداتهم والتشبه‬ ‫بهم في صفاتهم‪ ،‬كل ذلك مما يعود إلى مواالتهم‪ ،‬فإن من شــأن الإنسان أن‬ ‫يحذو حذو من يعجب به‪ ،‬ويستحوذ االنبهار به على فكره‪ ،‬فلا يزال يقلده حتى‬ ‫تذوب شخصيته في شخصيته‪ ،‬ويغدو صورة له في هندامه وحركاته وسكناته‪،‬‬ ‫بل وجميع مظهره ومخبره‪ ،‬حتى يستوحي فكره من فكره‪ ،‬وتنبجس أخلاقه من‬ ‫أخلاقه‪ ،‬فيبصر بعينه ويسمع بأذنه ويفكر بعقله ويحتكم إلى نهجه‪.‬‬ ‫وهذا ـ بلا ريب ـ من أمراض النفس الناشئة عن الإحساس بضعفها وهوانها‬ ‫ودناءتها‪ ،‬مع الشعور بعظمة المعجب به وقوته وعزته وكرامته‪ ،‬وهذا يسمى عند‬ ‫علماء النفس بمركب النقص‪ ،‬فإن الشاعر بالنقص من نفسه يطمح إلى استبداله‬ ‫بالكمال‪ ،‬وال يتصور الكمال إال فيمن امتلك لبه واســتحوذ على قلبه وفكره‪،‬‬ ‫فيحرص على التخلي عن قيمه وعاداته ومواريثه الفكرية والأخلاقية‪ ،‬ولو كانت‬ ‫في منتهى الكمال‪ ،‬لينتقل إلى قيم وعادات وفكر وأخلاق من تأثر به‪ ،‬وقد أدرك‬ ‫النبي ژ خطورة هــذا الأمر‪ ،‬لأجــل ذلك بنى الشــخصية الإســلامية على‬ ‫االستقلال في كل شــيء‪ ،‬واالعتزاز بما هي عليه من العقيدة والتصور والقيم‬ ‫والأخلاق‪ ،‬والنظام والسنن‪.‬‬ ‫وكان أصحــاب النبي ژ الذين تربــوا على روح االســتقلالية مثاال في‬ ‫االستمساك بما يميز الشخصية الإسلامية من فكر وأخلاق وعبادة وسلوك‪ ،‬فلم‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢١٧‬‬ ‫يكونوا يلتفتون إلى ما عنــد غيرهم من مظاهر الحيــاة‪ ،‬التي تخلب الألباب‬ ‫وتزلزل المبــادئ والأفكار عند ضعفــاء النفوس‪ ،‬ولهذا لــم ينبهر الفاتحون‬ ‫المســلمون بما كان عند الروم والفرس من مظاهر المدنيــة الخلابة‪ ،‬والحياة‬ ‫المترفة‪ ،‬وما كانوا يتقلبون في أعطافه من نعيم العيش الدغفق كما هو واضح‬ ‫في جواب ربعي بن عامر ‪ ƒ‬لرســتم الفارســي قائد جيوش الإمبراطورية‬ ‫الساســانية عندما ســأله ما الذي جاء بكم؟ فأجابه‪» :‬االله ابتعثنــا واالله جاء بنا‬ ‫لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة االله‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن‬ ‫جور الأديان إلى عدل الإسلام«)‪.(١‬‬ ‫مع أن رســتم اســتقبل ربعيا بكل ما أمكنه من مظاهر الخيلاء وأنواع الزينة‬ ‫والبهرجة‪ ،‬وهي أمــور لم تكن معهودة عند العــرب‪ ،‬وال كانت تدور بخلدهم أو‬ ‫يلمحه خيالهــم‪ ،‬وقد كان متصورا حســب عــادات الناس ـ كما يقــول المفكر‬ ‫الإسلامي الكبير العلامة أبو الحسن الندوي في محاضرته التي سلط فيها الضوء‬ ‫على هذه الإجابة ـ أن ربعيا سيتحلب لسانه ويسيل لعابه عندما يشهد هذه المشاهد‬ ‫التي لم تكن تدور منه على بال‪ ،‬لكنه كان بعكــس ذلك‪ ،‬إذ أجاب بهذا الجواب‬ ‫الذي قطع على رستم تفكيره بأنه يستطيع التأثير عليه وعلى أصحابه بما يرونه من‬ ‫صورة الترف المفحش‪ ،‬وســيؤدي بهم االنبهار بذلك إلى أن تهن نفوسهم وتنهار‬ ‫قواهم أمام هذا التأثير المــادي‪ ،‬ولكن النتيجة كانت عكــس ذلك‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫الكلمات القليلة التي جاءت في جواب ربعي تغني عن مجلدات في شرح مواقف‬ ‫الإسلام وأهدافه ومبادئه وغاياته‪ ،‬وهي كما قال ذلك المفكر الكبير‪) :‬لو وضعت‬ ‫على الجبال لتدكدكت‪ ،‬ولو وضعت على البحار لتبخرت(‪ ،‬فكيف ال تزعزع جيش‬ ‫ِ‬ ‫الع َددِ؟‪.‬‬ ‫العدو وتقهقره‪ ،‬ولو انتهى إلى أي رقم كان في كثرة ال َع َدد ووفرة ُ‬ ‫)‪ (١‬الطبري‪ :‬تاريخ الطبري‪ ،٤٠١/٢ ،‬أبو الربيع الكلاعي‪ :‬الإكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول االله‬ ‫والثلاثة الخلفاء‪ ،١٩٢/٤ ،‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية ‪ ،٣٩/٧‬أحمد زكي‪ :‬جمهرة خطب العرب‬ ‫‪.٢٤٢/١‬‬ ‫‪٢١٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫`ه ا وح الإ‪ .‬اال‪B‬لا  ‪! . 7‬س ا '‪ 0‬الأول ‪ 7- H.1‬أ‪!4‬ى‬‫و‪ q B‬ا !ب ‪ q 0+4‬ا ‪+‬لاد‪:‬‬ ‫بهذه الروح التي امتلأت بها القلوب المؤمنــة‪ ،‬وفاضت منها على أقوالهم‬ ‫وأعمالهم‪ ،‬اســتطاع المســلمون أن يفتحوا العالم ويحولوه إلى عالم آخر‪ ،‬وقد‬ ‫كانت هذه المواقــف الصلبة وعدم التزعزع قيد شــعرة ســببا للفتــح الفكري‬ ‫والأخلاقي بجانب الفتح العسكري والسياسي‪ ،‬فقد كان تأثرهم كبيرا بما كان عند‬ ‫المسلمين من الفكر والأخلاق‪ ،‬وسرى فيهم ذلك سريان النار في الهشيم‪ ،‬حتى‬ ‫تخلوا عن أهم ما يميز عقيدتهم وطقوس عباداتهم‪ ،‬كما قال أستاذ الأدب أحمد‬ ‫أمين‪» :‬ظهر بين النصارى نزعات يظهر فيها أثر الإســلام‪ .‬من ذلك أنه في القرن‬ ‫الثامن الميلادي أي في القرنين الثاني والثالث الهجريين ظهرت في ســبتمانيا‬ ‫)‪ (Septimania‬حركة تدعو إلى إنكار االعتراف أمام القسس‪ ،‬وأن ليس للقسس حق‬ ‫في ذلــك‪ ،‬وأن يضرع الإنســان إلى االله وحده فــي غفران ما ارتكــب من إثم‪،‬‬ ‫والإسلام ليس له قسيسون ورهبان وأحبار‪ ،‬فطبيعي أن ال يكون فيه اعتراف«)‪.(١‬‬ ‫وقد نقل كلامه هذا المفكر الإســلامي الكبير أبو الحســن الندوي وأتبعه‪:‬‬ ‫»وكذلك كانت حركة تدعو إلى تحطيم الصور والتماثيل الدينية )‪ (Iconoclasts‬ذلك‬ ‫أنه في القرن الثامن والتاسع للميلاد أو القرن الثالث والرابع الهجري‪ ،‬ظهر مذهب‬ ‫نصراني يرفض تقديس الصور والتماثيل‪ ،‬فقــد أصدر الإمبراطور الروماني »ليو«‬ ‫الثالث أمر ًا ســنة ‪٧٢٦‬م يحرم فيه تقديس الصور والتماثيل‪ ،‬وأمر ًا آخر سنة ‪٧٣٠‬م‬ ‫يعد الإتيان بهذا وثنية‪ ،‬وكذلك كان قسطنطين الخامس وليو الرابع‪ ،‬على حين كان‬ ‫البابا جريجوري الثاني والثالث وجرمانيوس بطريرك القسطنطينية والإمبراطورة‬ ‫إيريني مــن مؤيدي عبــادة الصور‪ ،‬وجرى بيــن الطائفتين نزاع شــديد ال محل‬ ‫لتفصيله‪ ،‬وكل ما نريد أن نذكره أن بعــض المؤرخين يذكرون أن الدعوة إلى نبذ‬ ‫)‪ (١‬أبو الحسن الندوي‪ :‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين‪ ،‬ص ‪.١١٥‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢١٩‬‬ ‫الصور والتماثيل كانت متأثرة بالإسلام‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن كلوديوس )‪ (Claadius‬أسقف‬ ‫تورين )الذي عين ســنة ‪٨٢٨‬م وحول ‪٢١٣‬هـ( والذي كان يحرق الصور والصلبان‬ ‫وينهى عن عبادتها في أسقفيته‪ ،‬ولد وربي في الأندلس الإسلامي«)‪.(١‬‬ ‫وهذا يعني أن المد الإســلامي لم ينحصر في الذين اتبعوه وآمنوا به‪ ،‬بل‬ ‫كان له تأثير سرى إلى نفوس الأمم حتى في المحيط العام بين الذين لم يؤمنوا‬ ‫به‪ ،‬إذ كانوا يعدون كثيرا من المظاهر في دينهم مظاهر وثنية ال صلة لها بالدين‬ ‫بســبب موقف الإســلام الصلب منها‪ ،‬وهذا ـ بلا ريب ـ إنمــا يعود إلى قوة‬ ‫براهين العقيدة الإسلامية وانسجامها مع العقول وتجاوبها مع الفطرة‪ ،‬كما يعود‬ ‫إلى ما كان للفاتحين الأولين الذين تربوا على يدي النبي ژ ‪ ،‬ومن تربى على‬ ‫أيديهم من مزايا بهرت العقول وأخذت بمجامع أفــكار خصومهم‪ ،‬فكم عبر‬ ‫خصوم الإســلام عن هــذا التأثر والإعجــاب حتى في حين شــنهم الحرب‬ ‫الضروس على الإسلام والمسلمين‪ ،‬كما سبق ذكر ذلك‪.‬‬ ‫وهذا االنبهار وحده كان لهم فتحا مبينا ونصرا عزيزا‪ ،‬إذ النصر في المجال‬ ‫الفكري والأخلاقي أعظم من النصر في الجانب العسكري والسياسي‪ ،‬ومما يذكر‬ ‫أن هذا التأثر في حياة الخاصة والعامة في الغرب بما كان عليه المسلمون استمر‬ ‫زمنا طويلا‪ ،‬فمــن بقي من النصارى بأرض الأندلس تحت حكم الإســلام كان‬ ‫شبابهم وشاباتهم متأثرين بما يجري على ألسنة المسلمين من نحو شعار السلام‬ ‫وذكر االله تعالى عند اللقاء والوداع‪ ،‬فكان الشــاب منهم إذا التقى بزملائه حياهم‬ ‫بتحية السلام‪ ،‬حرصا منه على إظهار نفســه بالمظهر الحضاري الذي يفاخر به‬ ‫أقرانه‪ ،‬وكذلك كانــت الفتاة النصرانية بين زميلاتهــا‪ ،‬وعند الوداع يخاطب كل‬ ‫منهما من حوله بما يجري على ألسنة المسلمين من استيداعهم االله تعالى وتركهم‬ ‫في حفظه ورعايته‪ ،‬وكانوا يعدون ذلك رمزا للتقدم وعنوانا للرقي‪.‬‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ١١٥‬ـ ‪.١١٦‬‬ ‫‪٢٢٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وقد اعترف كثير من الكتاب في الشرق والغرب بما كان للإسلام من أثر كبير‬ ‫في حياة الأمم عندما أشــرق عليهم نوره‪ ،‬وهطل عليهــم مزنه‪ ،‬وفاضت عليهم‬ ‫بركاته‪ ،‬فكان ســببا لتهذيب أخلاقهــم وتزيين مظاهرهم واالرتقــاء بأفكارهم‪،‬‬ ‫وتجنيبهم كثيرا من العادات السيئة والخصال المذمومة‪ ،‬فقد حكى السيد العلامة‬ ‫أبو الحسن الندوي عن الباحث الهندي )‪ ،(K. M. Panikkar‬الذي كان سفيرا للهند‬ ‫بمملكة مصر ســابقا أنه قال‪» :‬من الواضح المقرر أن تأثير الإســلام في الديانة‬ ‫الهندكية كان عميق ًا في هذا العهد )الإســلامي(‪ ،‬إن فكرة عبادة االله في الهنادك‬ ‫مدينة للإســلام‪ ،‬إن قادة الفكر والدين في هذا العصر وإن سموا آلهتهم بأسماء‬ ‫شتى قد دعوا إلى عبادة االله‪ ،‬وصرحوا بإن الإله واحد‪ ،‬وهو يستحق العبادة‪ ،‬ومنه‬ ‫تطلب النجاة والسعادة‪ .‬وقد ظهر هذا التأثير في الديانات والدعوات التي ظهرت‬ ‫في الهند في العهد الإسلامي كديانة » ‪ Bhagti‬ودعوة كبير«)‪.(١‬‬ ‫وقد سرى هذا الإعجاب ـ بما كان للإسلام من تأثير على هذه الأمم ـ إلى‬ ‫كبار ساســتها ومفكريها‪ ،‬فقد نقل كذلك عــن رئيس وزراء الهند ـ ســابقا ـ‬ ‫)جواهر الل نهرو( أنه قال في كتابــه )‪» :(Discovery of India‬إن دخول الغزاة‬ ‫الذين جاءوا من شــمال غرب الهند ودخول الإسلام له أهمية كبيرة في تاريخ‬ ‫الهند‪ ،‬إنه قد فضح الفساد الذي كان قد انتشر في المجتمع الهندوكي‪ ،‬إنه قد‬ ‫أظهر انقسام الطبقات واللمس المنبوذ‪ ،‬وحب االعتزال عن العالم الذي كانت‬ ‫تعيش فيه الهند‪ ،‬إن نظرية الأخوة الإسلامية والمســاواة التي كان المسلمون‬ ‫يؤمنون بها‪ ،‬ويعيشون فيها‪ ،‬أثرت في أذهان الهندوس تأثير ًا عميق ًا‪ ،‬وكان أكثر‬ ‫خضوع ًا لهذا التأثير البؤســاء الذين حرم عليهم المجتمع الهندي المســاواة‬ ‫والتمتع بالحقوق الإنسانية«)‪.(٢‬‬ ‫)‪ (١‬أبو الحسن الندوي‪ :‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين‪ ،‬ص ‪ ١١٧‬نقلا عن‪:‬‬ ‫‪(A Survey of Indian. History p. 132).‬‬ ‫)‪ (٢‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.١١٧‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٢١‬‬ ‫وهذا أقوى دليل على أن الفطرة الإنســانية وجدت في الإســلام ضالتها‬ ‫المنشــودة‪ ،‬وما تبحث عنه من بين ركام المبادئ والأفكار والنظم السياســية‬ ‫واالجتماعية من قيمة للإنســانية أضاعها االنحراف الفكري والسياســي في‬ ‫الديانات والفلسفات الســابقة‪ ،‬فكان تجاوب مع مبادئ الإسلام التي رفعت‬ ‫قيمة الإنسان حتى ممن لم يســتجيبوا له بالإيمان واالتباع‪ ،‬ولوال أن الإسلام‬ ‫رزئ بانحراف سياسي نتج عنه انحراف فكري حصره عن االمتداد‪ ،‬وعرقله عن‬ ‫االنتشار بتلك القوة السابقة‪ ،‬التي كانت في عصره الذهبي‪ ،‬عصر النبوة الهادية‬ ‫والخلافة الراشدة‪ ،‬لكان الإسلام ـ بوضوح عقيدته وسلامة فكره وقوة دليله‪،‬‬ ‫وما ينشره بين الناس من مبادئ الرحمة والخير‪ ،‬وأسباب الشفقة والحنان ـ قد‬ ‫ملأ الدنيا بأسرها‪ ،‬وقضى على كل دين ونظام سواه‪ ،‬وهذا ما اعترف به رجال‬ ‫الفكر والسياسة من الغربيين‪ ،‬وسجله من سجله من مشاهير علماء المسلمين‪،‬‬ ‫مؤكدا ما ذكرته‪ ،‬فقد قال العلامة الكبير والمفكر الشهير السيد رشيد رضا في‬ ‫تفسيره المنار‪» :‬ولوال ما طرأ عليه ـ أي الإسلام ـ من االبتداع‪ ،‬وعلى حكوماته‬ ‫من الظلم واالستبداد‪ ،‬وعلى شعوبه من الجهل والفساد‪ ،‬والتفرق باالختلاف‪،‬‬ ‫لدخل فيه أكثر البشر‪ ،‬ولصارت لغته لغة لكل من دخل في حظيرته من الأمم‪،‬‬ ‫فمن غرائزهم اختيار الأفضل إذا عرفوه‪.‬‬ ‫قال أحد كبار علماء الألمان في الأستانة لبعض المسلمين وفيهم أحد شرفاء‬ ‫مكة‪ :‬إنه ينبغي لنا أن نقيم تمثاال من الذهب لمعاوية بن أبي سفيان في ميدان‬ ‫كذا من عاصمتنا )برلين( قيل له‪ :‬لماذا؟ قال‪ :‬لأنه هو الذي حول نظام الحكم‬ ‫الإسلامي عن قاعدته الديمقراطية إلى عصبية الغلب‪ ،‬ولوال ذلك لعم الإسلام‬ ‫العالم كله‪ ،‬ولكنا نحن الألمان وسائر شعوب أوربة عربا ومسلمين« اهـ)‪.(١‬‬ ‫هذا؛ وذكر العلامة الندوي عن أحد معاصريه ممن كتب عن تأثير الإسلام‬ ‫في الحضارة الهندية »وهو )‪ (N. C. Mehta‬في كتابه الحضارة الهندية والإسلام‬ ‫)‪ (١‬محمد رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪.٢١٤/١١ ،‬‬ ‫‪٢٢٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫)‪ ،(Indian Civilization and Islam‬أنه قال‪» :‬إن الإسلام قد حمل إلى الهند مشعلاً‬ ‫من نور قد انجلت به الظلمات التي كانت تغشــى الحياة الإنســانية في عصر‬ ‫مالت فيه المدنيات القديمة إلى االنحطاط والتدلي‪ ،‬وأصبحت الغايات الفاضلة‬ ‫معتقدات فكرية‪ ،‬لقد كانت فتوح الإسلام في عالم الأفكار أوسع وأعظم منها‬ ‫في حقل السياسة‪ ،‬شــأنه في الأقطار الأخرى‪ ،‬لقد كان من سوء الحظ أن ظل‬ ‫تاريخ الإســلام في هذا القطر )الهنــدي( مرتبط ًا بالحكومــة‪ ،‬فبقيت حقيقة‬ ‫الإسلام في حجاب‪ ،‬وبقيت هباته وأياديه الجميلة مختفية عن الأنظار«)‪.(١‬‬ ‫وهذا يعني أن الإسلام الحنيف ـ بأفكاره المقنعة للعقول ونظامه الجاذب‬ ‫للنفوس ـ أخذ يمتد في عالم الشــرق وعالم الغرب معــا‪ ،‬ويتغلغل في عمق‬ ‫المبادئ والأفكار التي كان عليها الناس من حيث يدرون ومن حيث ال يدرون‪،‬‬ ‫حتى بدل كثيرا من ثوابت معتقداتهم التي كانت متحكمة في نفوسهم ردحا من‬ ‫الزمن‪ ،‬بأفكار ســمحة تقبلتها الفطر وتجاوبت معها النفوس‪ ،‬فعلى الرغم مما‬ ‫كانت عليه الكنيسة في الغرب ـ من التشدد وإحاطة أتباعها بستار حديدي يحول‬ ‫بينهم وبين أن تصل إليهم أفكار من خارج حدود ذلك الســتار ـ امتد شــعاع‬ ‫الإسلام إلى خاصة الناس وعامتهم هناك‪ ،‬فتأثروا به وانسلخوا بسببه مما كانوا‬ ‫يعدونه من ثوابت الدين‪ ،‬فقامت حركات إصلاحية تنقض ما كان راسخا رسوخ‬ ‫شم الرواسي‪ ،‬وتجتثه لبناء فكر حضاري جديد يعكس ما في الإسلام من فكر‬ ‫سليم مبني على إدراك العقول والفطر‪ ،‬ويقول في هذا العلامة الندوي‪» :‬ويمكن‬ ‫لمن يطالع تاريــخ أوربا الديني وتاريخ الكنســية النصرانيــة أن يلتمس تأثير‬ ‫الإسلام العقلي في نزعات المصلحين والثائرين على النظام الأسقفي السائد‪،‬‬ ‫أما دعوة »لوثر« الإصلاحية الكبيرة‪ ،‬فقد كانت ـ على ِع ‪‬لاتها ـ أبرز مظهر للتأ ‪‬ثر‬ ‫بالإسلام وبعض عقائده كما اعترف المؤرخون‪.‬‬ ‫)‪ (١‬العلامة أبو الحسن الندوي‪ :‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين‪ ،‬ص ‪.١١٧‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٢٣‬‬ ‫وترى كذلك تأثيرا للعقلية الإسلامية والشريعة الإسلامية في أخلاق الأمم‬ ‫اجتماعها وتشريعها في أوربا النصرانية وفي الهند الوثنية بعد الفتح الإسلامي‬ ‫تراه وتلمســه في االتجاه إلى التوحيــد ونزعات االحترام للمــرأة وحقوقها‬ ‫واالعتراف بمبدأ المســاواة بين طبقات البشــر‪ ،‬إلى غير ذلك مما سبق إليه‬ ‫الإسلام وامتازت به شريعته ومدنيته«)‪.(١‬‬ ‫ء ‪ VG‬ا ‪:I‬‬ ‫وإذا كان هذا كله إنما يرجع إلى ما يتميز به الإسلام ـ دين االله تعالى الحق ـ‬ ‫من قوة دليله‪ ،‬وتألق نوره ودقة تصوره‪ ،‬وعمق فكره‪ ،‬وشــمول نظامه‪ ،‬وانتظام‬ ‫كلياته وجزئياته‪ ،‬ورسوخ أصوله وسعة فروعه‪ ،‬بجانب ما كان للسابقين الأولين‬ ‫من تمسك دقيق بكلياته وجزئياته‪ ،‬وتتبع عجيب لشريعته وأحكامه‪ ،‬فإن هذا كله‬ ‫بدأ يتقلص في حياة الأمة منــذ بدأ االنحراف في نهجها السياســي والفكري‪،‬‬ ‫وذلك عندما رزئت الأمة بفقدان ذلك النموذج الأمثل الذين تشــربوا الإسلام‪،‬‬ ‫حتى فني كل شــيء من طباعهم بقوة تأثيره‪ ،‬فعاد كل منهم إسلاما يمشي على‬ ‫قدمين في المعاملة والأخلاق‪ ،‬والأخذ والعطاء‪ ،‬والســلم والحرب‪ ،‬والبســط‬ ‫والقبض‪ ،‬كما يصور ذلك فيلسوف الإسلام السيد أبو الحسن الندوي في قوله‪:‬‬ ‫»كان زمام القيادة الإسلامية ـ والعالمية بالواسطة ـ بيد الرجال الذين كان‬ ‫كل فرد منهم معجزة جليلة لمحمد ژ ‪ ،‬إيمانا وعقيــدة وعملا وخلقا وتربية‬ ‫وتهذيبا وتزكية نفس وســمو ســيرة‪ ،‬وكماال واعتداال‪ ،‬لقد صاغهم النبي ژ‬ ‫صوغا‪ ،‬وصبهم في قالب الإســلام صبا‪ ،‬فعادوا ال يشــبهون أنفســهم إال في‬ ‫الأجسام ال في الميول والنزعات‪ ،‬وال في الرغبات والأهواء‪ ،‬ولو دقق مدقق‬ ‫لما رأى في ســيرتهم وأخلاقهم مأخذ ًا جاهلي ًا ينافي روح الإســلام والنفسية‬ ‫الإسلامية‪ ،‬ولو تمثل الإسلام بشر ًا لما زاد على أن يكون كأحدهم‪ ،‬وكانوا كما‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.١١٦‬‬ ‫‪٢٢٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫قلنا أمثلة كاملة وأقيسة تامة للدين والدنيا والجمع بينهما‪ ،‬فكانوا أئمة يصلون‬ ‫بالناس‪ ،‬وقضاة يفصلــون قضاياهم‪ ،‬ويحكمون بينهم بالعــدل والعلم‪ ،‬وأمنة‬ ‫لأموال المســلمين وخزنتهم‪ ،‬وقــواد ًا يقــودون الجيوش ويحســنون تدبير‬ ‫الحروب‪ ،‬وأمراء يباشرون إدارة البلاد ويشرفون على أمور المملكة ويقيمون‬ ‫حدود االله‪ ،‬وكان الواحد منهم في آن واحد تقيا زاهدا وبطلا مجاهدا‪ ،‬وقاضيا‬ ‫فهما‪ ،‬وفقيها مجتهدا وأميرا حازما وسياســيا محنكا‪ ،‬فكان الدين والسياســة‬ ‫يتمثلان في شخص واحد وهو شخص الخليفة وأمير المؤمنين‪ ،‬حوله جماعة‬ ‫ممن تخرجوا ـ إن صــح التعبير ـ في هذه المدرســة‪ ،‬المدرســة النبوية‪ ،‬أو‬ ‫المســجد النبوي‪ ،‬أفرغوا في قالب واحد يحملون روحا واحدة‪ ،‬وتلقوا تربية‬ ‫واحدة‪ ،‬يستشيرهم الخليفة ويستعين بهم‪ ،‬فلا يقطع أمرا ذا بال حتى يشهدوه‬ ‫فسرت روحهم في المدنية ونظام الحكم وحياة الناس واجتماعهم وأخلاقهم‪،‬‬ ‫وانعكســت ميولهم ورغباتهم في المدنية وظهرت خصائصهم فيها‪ ،‬فلا عداء‬ ‫بين الروح والمادة وال صراع بين الدين والسياسة وال تفريق بين الدين والدنيا‪،‬‬ ‫وال تجاذب بين المصالح والمبادئ وال تزاحم بين الأغراض والأخلاق‪ ،‬وال‬ ‫تناحر بين الطبقات‪ ،‬وال تنافس في الشهوات«)‪.(١‬‬ ‫وقد أخذ بعد هؤالء الوضع يتدحرج ويهوي إلى الحضيض عندما تســلم‬ ‫الزمام‪ ،‬من لم ينل حظا من هذه التربية‪ ،‬ولم يســعد بهذا التكوين‪ ،‬فانزلق في‬ ‫مهاوي هوى النفس‪ ،‬وتردى في مهالك الفتن‪ ،‬التي أخذت تتنقص من الإسلام‬ ‫كل يوم حصة منه‪ ،‬كما صور ذلك العلامة الندوي بقوله‪:‬‬ ‫»ولكن من الأسف ومن ســوء حظ العالم البشري أن تولى هذا المنصب‬ ‫الخطير رجال لم يكونوا له أكفاء‪ ،‬ولم ُيعدوا له عدة‪ ،‬ولم يأخذوا له أهبة‪ ،‬ولم‬ ‫يتلقوا تربية دينية وخلقية كما تلقى الأولون وكثيرون في عصرهم وجيلهم‪ ،‬ولم‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.١٢٠‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٢٥‬‬ ‫يسيغوا تعاليم الإسلام إساغة تليق بقيادة الأمة الإسلامية واالضطلاع بزعامتها‪،‬‬ ‫ولم تنق رؤوسهم وال نفوسهم من بقايا التربية القديمة‪ ،‬ولم يكن عندهم من‬ ‫روح الجهاد في سبيل الإسلام ومن قوة االجتهاد في المسائل الدينية والدنيوية‬ ‫ما يجعلهم يضطلعون بأعباء الخلافة الإسلامية ـ وهذا الحكم عام يشمل خلفاء‬ ‫بني أمية وبني العباس‪ ،‬حاشا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز )م ‪١٠١‬هـ(‪.‬‬ ‫فظهر من ذلك ثلمات في ردم الإسلام لم تسد إلى الآن‪ ،‬ووقعت تحريفات‬ ‫في الحياة الإسلامية«)‪.(١‬‬ ‫وأخذ يشرح بعد ذلك ما كان من تباين سحيق بين ما كان عليه الوضع في‬ ‫الحقبة الذهبية للحكم الإســلامي وما انتهى إليه عندما كانت قوة االســتبداد‬ ‫والظلم هي التي تتحكم في الأمة‪ ،‬وتسير بها في خط اتباع الشهوات وإرضاء‬ ‫النزوات‪ ،‬حيث قال‪» :‬وقع فصل بين الدين والسياســة عمليــ ًا‪ ،‬فإن هؤالء لم‬ ‫يكونوا من العلم والدين بمكان يستغنون به عن غيرهم من العلماء وأهل الدين‬ ‫فاســتبدوا بالحكم والسياســة‪ ،‬واســتعانوا ـ إذا أرادوا واقتضت المصالح ـ‬ ‫بالفقهاء ورجال الدين كمشــيرين متخصصين‪ ،‬واســتخدموهم في مصالحهم‬ ‫واستغنوا عنهم إذا شاؤوا‪ ،‬وعصروهم متى شاءوا‪ ،‬فتحررت السياسة من رقابة‬ ‫الدين‪ ،‬وأصبحت قيصرية أو كســروية مســتبدة‪ ،‬وملك ًا عضوض ًا‪ ،‬وأصبحت‬ ‫السياســة كجمل هائج حبله على غاربــه‪ ،‬وأصبح رجال الديــن والعلم بين‬ ‫معارض للخلافة وخارج عليها‪ ،‬وحائد منعزل اشــتغل بخاصة نفسه وأغمض‬ ‫العين عما يقع ويجري حوله‪ ،‬يائســ ًا من الإصلاح‪ ،‬ومنتقــد يتلهف ويتنفس‬ ‫الصعداء مما يرى وال يملك من الأمر شــيئ ًا‪ ،‬ومتعاون مع الحكومة لمصلحة‬ ‫دينية أو شخصية‪ ،‬ولكل‪ ‬ما نوى‪ ،‬وحينئذ انفصل الدين والسياسة‪ ،‬وعادا كما‬ ‫كانا قبل عهد الخلافة الراشدة أصبح الدين مقصوص الجناح مكتوف الأيدي‪،‬‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.١٢٢‬‬ ‫‪٢٢٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وأصبحت السياسة مطلقة اليد حرة التصرف نافذة الكلمة صاحبة الأمر والنهي‪،‬‬ ‫ومن ث ‪‬م أصبح رجال العلم والدين طبقــة متميزة‪ ،‬ورجال الدنيا طبقة متميزة‪،‬‬ ‫والشقة بينهما شاسعة‪ ،‬وفي بعض الأحيان بينهما عداء وتنافس«)‪.(١‬‬ ‫نعم؛ في هذه الفترة الحالكة المظلمة التي ال يجد الإنسان فيها بصيصا من‬ ‫أمل يدعوه إلى التفاؤل بدأ جدار الدين يتصدع‪ ،‬ومكانة الأمة تتضعضع‪ ،‬فكل من‬ ‫أراد أن يقوم بالدعوة إلى الإصلاح ولو تدريجيا نظر إليه شزرا‪ ،‬ووجه إليه االتهام‬ ‫بالزندقة أو المروق‪ ،‬وكان فقهاء السياسة له بالمرصاد لإصدار الأحكام الجائرة‬ ‫في حقه تزلفا إلى الظلمة المستبدين‪ ،‬ليكسبوا رضاهم ولينعموا بما يتساقط من‬ ‫أيديهم من فتات العيش‪ ،‬الذي كان رغده حكرا على المســتبدين‪ ،‬ومن دار في‬ ‫فلكهم‪ ،‬وقد صور العلامة الندوي وضع الناس في ظل هذه السياسة حيث قال‪:‬‬ ‫»ولم يكن رجال الحكومة حتى الخلفاء أمثلة كاملة في الدين والأخلاق‪،‬‬ ‫بل كان في كثير منهم عروق للجاهلية ونزعاتها‪ ،‬فسرت روحهم ونفسيتهم في‬ ‫الحياة العامــة واالجتماع‪ ،‬وأصبحوا أســوة للناس في أخلاقهــم وعوائدهم‬ ‫وميولهم‪ ،‬وزالت رقابة الدين والأخلاق وارتفعت الحسبة وفقدت حركة الأمر‬ ‫المعروف والنهي عن المنكر ســلطانها‪ ،‬لأنها ال تســتند إلى قوة وال تحميها‬ ‫حكومة‪ ،‬وإنما يقوم بهــا متطوعون ال قوة لديهم وال عقــاب‪ ،‬والدواعي إلى‬ ‫خلافها متوافرة قوية‪ ،‬فتنفست الجاهلية في بلاد الإسلام ورفعت رأسها‪ ،‬وأخلد‬ ‫الناس إلى الترف والنعيم وإلى الملاهي والملاعب‪ ،‬وانغمســوا في الملذات‬ ‫والشــهوات واســتهتروا اســتهتاراً‪ ،‬ونظرة في كتاب الأغاني وكتاب الحيوان‬ ‫للجاحظ ُتريك مــا كان هنالك من رغبــة جامحة إلى اللهــو‪ ،‬وتهافت على‬ ‫الملاهي والملــذات‪ ،‬ونهمة للحياة الدنيا وأســبابها‪ ،‬وبهذه الســيرة‪ ،‬وبهذه‬ ‫الأخلاق المنحطة‪ ،‬ومع هذا االنهماك في الملاهي ال تســتطيع أمة أن تؤدي‬ ‫رسالة الإســلام‪ ،‬وأن تقوم في الدنيا مقام خلفاء الأنبياء‪ ،‬وتذكر باالله والآخرة‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.١٢٢‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٢٧‬‬ ‫وتحض على التقــوى والديــن‪ ،‬وأن تكون أســوة للناس فــي أخلاقها‪ ،‬بل‬ ‫ال تستطيع أن تتمتع بالحياة والحرية زمن ًا طويلاً‪É È Ç Æ Å﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Ñ Ð Ï Î Í ÌË Ê‬الأحزاب‪.(١)«٦٢ :‬‬ ‫وكانت هذه االنتكاســة أخذت تهوي بالأمة إلــى الحضيض لحظة بعد‬ ‫أخرى‪ ،‬إذ كان القابضون على ناصية الأمر عارا على الإســلام بانتمائهم إليه‬ ‫وادعائهم أنهــم يمثلونه في سياســتهم وحياتهم الأدبيــة والأخلاقية‪ ،‬مع أن‬ ‫الإسلام منهم براء‪ ،‬وهذا ما أثبته العلامة الندوي بقوله‪:‬‬ ‫»وكان هؤالء في كل ما يأتون ويذرون ممثلين لأنفســهم وسياســتهم‬ ‫فقط‪ ،‬ال يمثلون الإســلام‪ ،‬وال سياسته الشــرعية‪ ،‬ال قانونه الحربي‪ ،‬وال‬ ‫نظامه المدني‪ ،‬وال تعاليمه الأخلاقية إال في النادر ففقدت رسالة الإسلام‬ ‫تأثيرها وقوتها في قلوب غير المسلمين وضعفت ثقتهم به‪ .‬وفي لفظ مؤرخ‬ ‫أوربي ـ بدأ الإســلام باالنحطاط‪ ،‬لأن البشــرية بدأت تشــك في صدق‬ ‫القائمين بتمثيل الديانة الجديدة« اهـ)‪.(٢‬‬ ‫ومع ســريان الشــك إلى نفوس البشــر عندما يجدون هــذا التباين‬ ‫والتناقض بين مبادئ الإســلام وأوضاع أتباعه ـ ال ســيما رجال الحكم‬ ‫والسياسة ـ ال تبقى للإسلام قوة تجتذب الناس إلى اتباعه والإيمان به‪ ،‬وال‬ ‫تأثير على حياة الأمم الفكرية والأخلاقية‪ ،‬لوال ما تبقى من عقيدة التوحيد‬ ‫وبعض الصور في الآداب والأخلاق تتميز بها أمة الإسلام على غيرها من‬ ‫الأمم‪ ،‬وما كان ذلك التأثير ـ بعد مضي تلك القرون على تاريخ الإســلام‬ ‫الذهبي ـ حتى قامت الحركات الإصلاحية عند الأمم الأخرى إال بما تبقى‬ ‫من هذه المزايا‪ ،‬وإن أضعفها الواقع السياسي‪.‬‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ١٢٢‬ـ ‪.١٢٣‬‬ ‫)‪ (٢‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.١٢٣‬‬ ‫‪٢٢٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫اال‪.‬لاب ا ^‪ +‬ا `ي ‪ 7 0J‬ا ‪ !' D+‬و‪ 7‬أ الإ‪B‬لام ‪c!G‬‬ ‫‪1‬ن ‪ %.‬إ‪,‬ك ا ‪g‬ب <‪ c‬ا "ة ا ‪ B,‬والأد وا ‪:8‬‬ ‫كان هذا الواقع المرير الذي أحاط بأمة الإسلام باعثا للغرب إلى أن يلملم‬ ‫شتاته ويستثير شعوبه‪ ،‬وقد بدأت اليقظة عندهم وبدأوا يدركون ما للعلم من‬ ‫مزية في بناء الأمم ورفع صروح الحضارات‪ ،‬وعندما اســتجمع قوته بدأ في‬ ‫اختراق أمة الإسلام‪ ،‬وغزوها عسكريا وسياســيا‪ ،‬مع ما تبع ذلك من غزوها‬ ‫أدبيا وفكريا وأخلاقيا‪ ،‬فانعكست القضية وانقلبت الأحوال‪ ،‬فبدال من أن تكون‬ ‫أمة الإســلام مؤثرة على الأمم أصبحت هي التي تتأثر وتقفو خطى الآخرين‪،‬‬ ‫وترى من الرفعة والتقدم والرقي أن تقلد الآخرين في أنماط الحياة ومظاهرها‪،‬‬ ‫وليتها تعلمــت من غيرها االهتمــام بالعلم والتفاني في العمل والســبق إلى‬ ‫االبتكارات واالختراعات وتطوير الحياة إلى ما هو أفضل‪ ،‬وإنما بقيت في هذا‬ ‫ص ‪‬در إليها بحســب ما يسمح لها من‬ ‫كله عالة على غيرها‪ ،‬ال تعتاش إال بما ُي َ‬ ‫أقســاط‪ ،‬وإنما اهتمت بأن تقفوا خطــوات الآخرين في المجــون والخلاعة‬ ‫واالستهتار بالقيم واالستهانة بالأخلاق‪.‬‬ ‫نعم؛ لقد حرصت على أن تســتورد من عند غيرها اللهو والرقص وأنواع‬ ‫اللعب‪ ،‬والخمر والميسر‪ ،‬والربا والغرر‪ ،‬وســائر ضروب الفساد وراء أسماء‬ ‫براقة وشعارات زائفة‪ ،‬فقد ســمت الرقص واللعب بالفنون الجميلة‪ ،‬والخمر‬ ‫بالمشروبات الروحية‪ ،‬والربا بالفوائد‪ ،‬والفاحشة بالحب‪ ،‬وأعرضت عن حكم‬ ‫االله إلى حكم الطاغوت‪ ،‬وحرصت إلى أن تلتقط كل ســاقطة من قبل أولئك‬ ‫الذين أصبحوا هم القابضين على ناصية السياســة فــي العالم‪ ،‬فأعجبوا بكل‬ ‫ما يصل إليهم من قبلهم حتى تباهوا بإحراز قصبات السبق فيما يسمى بكذبة‬ ‫نيسان أو كذبة إبريل‪ ،‬فبزوا الذين سنوا هذه الكذبة في اختراع أسوأ الأكاذيب‬ ‫حاال وأقبحها صورة وأشدها إزعاجا للنفوس وإرجافا للقلوب‪ ،‬وأشدها تأثيرا‬ ‫في قلب الحقائق‪ ،‬كما قال الشاعر محمد مصطفى حمام‪:‬‬ ‫‪٢٢٩‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫ُجــل‪ ‬مــن قل‪‬ــد الفرنجــة منا‬ ‫فأخذنا الخبيــث منهم ولم نقـ‬ ‫يــوم ســ ‪‬ن الفرنج كذبــ َة إبريـ‬ ‫نشــروا الرجس مجملاً فنشرنا‬ ‫قــد أســاء التقليــد والتمثيلا‬ ‫ِ‬ ‫الطيبــات إال قليلا‬ ‫ـبس مــن ّ‬ ‫ـــل غــدا كل ُع ْمرنــا إبريــلا‬ ‫َ‬ ‫مفصــلاً تفصيــلا‬ ‫ُه كتابــ ًا‬ ‫‪‬‬ ‫مع أن الكذب كله قبيح فطرة وشرعا‪ ،‬مذموم عند أولي الحلوم‪ ،‬ال يعود على‬ ‫الكاذب وال على غيره إال بســوء العواقب‪ ،‬وقد بينت شرور هذه الكذبة وعواقبها‬ ‫الوخيمة وآثارها السيئة في النفس والمجتمع في جواب خاص نشرته قبل سنين‪.‬‬ ‫و ‪ U‬ا ‪ $,‬ك !ار‪ ،398‬و الآ‪:$G‬‬ ‫كم أعرض المسلمون اليوم عن مواريثهم الفكرية والتاريخية‪ ،‬وانساقوا مع‬ ‫جماهير الناس انسياقا‪ ،‬نســوا فيه ما كان عليه ســلفهم الماضون‪ ،‬وما يجب‬ ‫االعتزاز به مــن آثارهم الخالدة‪ ،‬التــي قدمت إلى الزمــان أرقى الحضارات‬ ‫الإنســانية‪ ،‬وأهدت إلى العالم مبادئ الرحمة والإحسان‪ ،‬وكم لهذا من أمثلة؛‬ ‫ناهيك أن العالم كله شــهد حدثا تاريخيا ارتقى به من الحضيض الأدنى إلى‬ ‫المقامات العلا‪ ،‬وانتشله من الضياع وأخرجه من الظلمات إلى النور‪ ،‬وهو بناء‬ ‫الدولة الإســلامية‪ ،‬التي أسســها النبي ! بهجرته من المجتمع المكي إلى‬ ‫المجتمع المدني‪ ،‬فخرجت دعوته بذلك من الضيق إلى السعة‪ ،‬ومن المحلية‬ ‫إلى العالمية‪ ،‬ومــن الكتمان إلى الظهور‪ ،‬ومن الخفــوت إلى الجهر‪ ،‬فرجت‬ ‫أرجاء الدنيا رجا‪ ،‬وبعثت العقول من سباتها العميق‪ ،‬ومن غفلتها المطبقة‪ ،‬ومن‬ ‫ضلالها المبين‪ ،‬فنعمت باليقظة والإدراك والهدى‪.‬‬ ‫إ‪I‬ع ا ‪,‬ـ‪ 9' 7 $‬ا لا ا ا‪f‬ـة '> ‪%- 0I‬ة ا <‪ 7+‬ژ‬ ‫ ‪T‬ر‪ s‬الأ و‪ H !" P1‬الآن إ > ا <‪ $ k‬ذ ‪:r‬‬ ‫لأجل هذا اتخذ المســلمون هذه الهجرة ميقاتا تأريخيا لهم‪ ،‬لأنها كانت‬ ‫فاصلة ما بين عهدين متباينين في تاريخ دعوتهم‪ ،‬على أن هذا التأريخ يدور مع‬ ‫‪٢٣٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫الأشــهر القمرية التي أرادها االله ســبحانه أن تكــون ميقاتا للنــاس كما قال‪:‬‬ ‫﴿ ~ ے ¡‪ ﴾§ ¦ ¥ ¤ £ ¢‬البقرة‪ ،١٨٩ :‬وقد نيطت بها‬ ‫جميع أحكام الإســلام‪ ،‬فهي ذاتها تتباين في أحكامها‪ ،‬فمنها أشهر الحل ومنها‬ ‫الأشــهر الحرم‪ ،‬وقد جعل االله ذلك مما يدخل في صميم الدين عندما قال‪t ﴿ :‬‬ ‫‪ ~} | { z y x wv u‬ے ¡ ‪£ ¢‬‬ ‫‪ ﴾ ° ̄ ® ¬ «a © ̈ §¦ ¥ ¤‬التوبة‪ ،٣٦ :‬وقد‬ ‫ناط االله تعالى بها جميع الأحكام كالصيام والزكاة والحج وعدد النســاء وأحكام‬ ‫الطلاق وأحكام الإيلاء والظهار وجميع ما يتعلق بمعاملات الناس‪.‬‬ ‫فالعجب مع هذا؛ كيف تتناسى أمة الإسلام هذه الأشهر مع هذا االرتباط‬ ‫الوثيق بينها وبين شــعائرها التعبدية وواجباتها الدينيــة‪ ،‬وتتجاهلها تماما مع‬ ‫النص عليها في كتاب ربها ـ سبحانه ـ وتعتمد على شهور أخرى جئ بها من‬ ‫مكان ســحيق؟! مع أنها مضى عليها عهد النبوة والخلافة الراشدة ثم تتابعت‬ ‫العهود عهدا من بعد عهد‪ ،‬ولم تكن تعتمد إال على الشهور القمرية‪ ،‬التي هي‬ ‫مناط عباداتها إلى أن رزئت بالغزو الثقافي والفكري بجانب الغزو العسكري‬ ‫والسياسي‪ ،‬فجردت من مواريثها الفكرية والتأريخية‪ ،‬وفرض عليها ما فرض‪،‬‬ ‫وقد كان حريا بها بعدما نعمت باالستقلال السياسي أن تحرص على أن تستقل‬ ‫فكريا وأدبيا وثقافيا وأن ال تستمر في التبعية العمياء للآخرين‪.‬‬ ‫ولكنها ـ يا للأسف ـ اســتمرت الهثة وراء الآخرين تتبعهم في خطاهم‪،‬‬ ‫وتقفو آثارهم‪ ،‬حتى نســيت عهد االله تعالى إليها فيما فرض عليها من عبادات‬ ‫مرتبطة بالشهور التي نسيتها‪ ،‬وال أنســى عندما أتاني أحد من عامة المسلمين‬ ‫يسألني عن الحج في أي شهر هو؟‪.‬‬ ‫فأجبته بأن‪ :‬للحج أشــهرا معلومات أومى إليها القــرآن الكريم في قوله‬ ‫تعالى‪ ﴾ # " ! ﴿ :‬البقرة‪ ،١٩٧ :‬وهي شوال‪ ،‬وذو القعدة‪ ،‬وعشر من‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٣١‬‬ ‫ذي الحجة‪ ،‬من أحرم فيها بالحج تم إحرامه‪ ،‬ومن أحرم فيها بالعمرة ثم بدا له‬ ‫أن يحج في عامه ذلك بعدما تحلل من عمرته يكون متمتعا بعمرته إلى الحج‬ ‫إن لم يعد بين إحراميه إلى أهله‪ ،‬ويؤمر أن يحرم فــي يوم التروية وهو اليوم‬ ‫الثامن من ذي الحجة‪ ،‬ويذهب إلى منى‪ ،‬وفي صباح اليوم التاســع يغدو إلى‬ ‫عرفة‪ ،‬ويقف فيها بعد الظهر إلى غروب الشــمس‪ ،‬ثم يفيــض إلى المزدلفة‪،‬‬ ‫ويذكر االله عند المشعر الحرام‪ ،‬ويصلي فيها العشــاءين ويبيت فيها ليلة النحر‬ ‫إلى صبيحتها‪ ،‬وبعد صلاة الفجر يغدو إلى منى ويرمي جمرة العقبة‪ ،‬ثم يهدي‬ ‫ويتحلل بعد ذلك من إحرامه‪ ،‬ويطوف في يومه ذلك أو فيما بعده طواف الإفاضة‬ ‫الذي هو مــن أركان الحج‪ ،‬ويبقى في أيام التشــريق بمنى يرمــي فيها الجمار‬ ‫الثلاث‪﴾ 6 5 43 2 1 0 / . - , + * ) ( ﴿ ،‬‬ ‫البقرة‪ ،٢٠٣ :‬وبهذا يتم حجه‪ ،‬وإن شاء عاد إلى أهله بعد أن يودع البيت‪.‬‬ ‫فسألني‪ :‬ولكن في أي شهر يكون هذا؟‪.‬‬ ‫فأجبته‪ :‬في أشهر الحج التي وصفتها لك‪ ،‬غير أنه لم يع ذلك‪ ،‬وأعاد السؤال‬ ‫مرة أخرى! فقلت له‪ :‬نحن الآن في شــعبان وسيأتي بعده شــهر رمضان الذي‬ ‫فرض االله صيامه‪ ،‬وبعده يأتي شــوال ثم ذو القعدة ثــم ذو الحجة‪ .‬ولكن فكره‬ ‫المنغلق على ثقافته البعيدة عن مفاهيم الإســلام لم ينفتح على شيء من هذا‪،‬‬ ‫فعجبت كيف نســيت أمة الإسلام نفســها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من‬ ‫الجهل بهذه البدهيات التي تعد من أوليات تعاليم الإسلام‪ ،‬ومما يحتاج إليه كل‬ ‫مسلم في حياته اليومية‪ ،‬مع أن الرجل كان يسأل عن هذا‪ ،‬لأنه كان عاقدا عزمه‬ ‫على حج بيت االله الحرام في عامه ذلك‪ ،‬وقس على ذلك كثيرا من أمثاله‪.‬‬ ‫ونحن هنا في سلطنة ُعمان لم يكن التأريخ عندنا قبل أقل من نصف قرن‬ ‫من الزمن من يومنا هذا إال التأريخ الهجري الذي يدور مع الأشهر القمرية التي‬ ‫نيطت بها العبادات في الإســلام‪ ،‬غير أن جماهير الناس انســاقوا مع التيار‪،‬‬ ‫‪٢٣٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وطوح بهم في مكان سحيق أقصاهم عن التصورات الصحيحة‪ ،‬والممارسات‬ ‫الموفقة‪ ،‬حتى أولئك الذين نشــأوا في تلك العهود السابقة ولم يكونوا على‬ ‫دراية قط بالأشهر الشمسية والتأريخ الشمسي‪.‬‬ ‫وقد مرت بي قصة طريفة في هذا‪ ،‬وهي أن جماعة من ملاك فلج بعينه ـ وهو‬ ‫قناة مائية أرضية يجري فيها ماء من جوف الأرض‪ ،‬يســقي البساتين والزروع ـ‬ ‫تشاجروا في تقسيم مياههم منه‪ ،‬وقد اعتاد الناس في ُعمان منذ قديم الزمان قسمة‬ ‫هذه المياه بين ملاكها في الليل بمراقبة نجوم بعينها بحســب طلوعها وغروبها‪،‬‬ ‫وفي النهار يعتمدون على ما يســمونه المحاضرة‪ ،‬وهي خشبة ينصبونها وتقسم‬ ‫المياه اعتمادا على ظل هذه الخشبة في ضوء الشمس قبل الزوال وبعده‪ ،‬وكثير‬ ‫من الناس استبدلوا بهاتين الوسيلتين الآن االعتماد على مواقيت الساعة في قسمة‬ ‫المياه‪ ،‬وذلك أبعد عن االلتباس عندما تغيم الســماء فتحجــب النجوم وينعدم‬ ‫الظل‪ ،‬وقد كان أحد ملاك هذا الفلج يملك نصيبا وافرا من مياهه‪ ،‬وأراد االعتماد‬ ‫على الساعة في قســمتها بدال من االعتماد على المحاضرة والنجوم‪ ،‬لما يعرو‬ ‫ذلك من لبس في وقت الغيوم‪ ،‬ولكن الشريحة الواسعة من شركائه عارضوا ذلك‬ ‫بشدة‪ ،‬وقد تحاكموا في هذا إلى محكمة ابتدائية ثم محكمة استئنافية‪ ،‬ثم ترافعوا‬ ‫بعد ذلك إلــى لجنة تمعن نظرها في الأحكام الســابقة‪ ،‬وكنــت أحد أعضائها‪،‬‬ ‫فســألت أولئك المعارضين عما يريدون‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنهــم ال يرضون بالخروج عن‬ ‫العادة المألوفة المتوارثة عن الآباء والأجداد‪ ،‬فســألتهم عمن يتولى السقي‪ ،‬هل‬ ‫يتولونه بأنفســهم أو يكلونه إلى غيرهم؟ فأجابوا‪ :‬أن الذين يســقون هم عمال‬ ‫وافدون‪ .‬فرددت عليهم‪ :‬وأنى للوافد أن يعــرف المحاضرة والنجوم؟ وكيف إذا‬ ‫اختفت معالم المحاضرة بالغيم أو توارت وراءه النجوم؟‪.‬‬ ‫ثم ســألتهم‪ :‬نحن في أي يوم من الشــهر؟ فأجابوا في يوم كذا‪ ،‬وكلهم‬ ‫استحضروا الشهر الشمسي!! فرددت عليهم‪ :‬لعلكم ترجعون البصر فتفكروا في‬ ‫تأريخ غير هذا‪ ،‬فعمي عليهم الأمر‪ ،‬وقلت لهــم‪ :‬عجبا من أمركم‪ ،‬تحرصون‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٣٣‬‬ ‫على المحافظة على قســمة مياهكم بحســب ظل المحاضرة وطلوع النجوم‬ ‫وغروبها‪ ،‬مع ما يعتريها من اللبس في وقت الغيم‪ ،‬ومع أن الذي يتولى السقي‬ ‫قوم وافدون ال دراية لهم بنظام المحاضرة وظلها‪ ،‬أو طلوع النجوم وغروبها‪،‬‬ ‫وقد وجدتم البديل عن ذلك وهي الساعة التي تضبط قسمة مياهكم بالدقائق‬ ‫والثواني‪ ،‬مع أنكم نسيتم التأريخ الذي ولدتم ونشأتم عليه‪ ،‬وقد عقدت عليه‬ ‫عباداتكم جميعا من صــوم وزكاة وحج‪ ،‬ونيطت به أحــكام دينكم من عدد‬ ‫نســائكم ومدة التربص في الإيــلاء والظهار‪ ،‬ولكنكم تحرصــون على اتباع‬ ‫التقاليد الغابرة في قسمة المياه‪ ،‬فأي الأمرين أحق بالمحافظة عليه؟!‪.‬‬ ‫مر بأسلافكم‪ ،‬وهو هجرة‬ ‫ونسيتم مع هذا الحدث التأريخي العظيم الذي ‪‬‬ ‫نبيكم ژ التي كانت منشأ هذا التأريخ وبدايته‪ ،‬وكان بها ميلاد أمتكم وظهور‬ ‫دعوتكم واجتماع شمل أسلافكم‪ ،‬فيا للعجب من هذه العقول!!‪.‬‬ ‫وقد وصل الأمر بكثير من الناس أنهم ـ بســبب جهلهم السنة الهجرية ـ‬ ‫أخذوا يحسبون ميقات زكواتهم بالسنة الميلادية‪ ،‬وفي ذلك إضاعة لحق الزكاة‬ ‫بما بين التأريخين من التفاوت‪ ،‬فبمرور أربعة وثلاثين ســنة تضيع سنة كاملة‬ ‫من السنين الزكوية‪ ،‬والله الأمر‪.‬‬ ‫ت دولة مترامية الأرجاء ـ كان لها تأريخ في الإسلام وقيادة أمته ـ‬ ‫وقد َو َج ْد ُ‬ ‫تحتفل بنزول الوحي على النبي ژ بالتأريخ الميلادي! وهكذا عندما ينتكس‬ ‫الفكر وتعمى الســبيل ويضيع الدليل تبقى الأمم تدور فــي حلقة مفرغة من‬ ‫الجهل ال تعرف كيف الخروج منها‪.‬‬ ‫هذا؛ ومــن تدبر القرآن الكريم انكشــف له أن االعتمــاد على المواقيت‬ ‫الزمنية بحسب الأهلة ليس خاصا بهذه الأمة وحدها‪ ،‬بل هو كان مشروعا في‬ ‫عهود النبوات الســابقة‪ ،‬فقد ذكر االله أن هــذا الميقات منذ خلق الســموات‬ ‫والأرض‪ ،‬ومن رجع إلى ما تبقى من كتب الرســاالت السابقة وجد ما يعزز‬ ‫‪٢٣٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ذلك رغم ما لحقها من التحريف والتبديل‪ ،‬ولم يختلف المفســرون من هذه‬ ‫الأمة أن المواقيت التي درج عليها الأنبياء من قبل كانت تدور بدوران الأشهر‬ ‫القمرية‪ ،‬فقد كانت الســنون في عهد نوح ‪ ‰‬قمريــة)‪ ،(١‬وقد وعد االله تعالى‬ ‫موسى ‪ ‰‬أربعين يوما‪ ،‬وهي موقوتة بالشهور القمرية‪.‬‬ ‫قال الطبري‪» :‬حدثني به المثنى بن إبراهيم قــال‪ ،‬حدثنا آدم قال‪ ،‬حدثنا‬ ‫أبو جعفر‪ ،‬عن الربيع بن أنس‪ ،‬عن أبي العالية قوله‪) :‬وإذ واعدنا موسى أربعين‬ ‫ليلة(‪ ،‬قال‪ :‬يعني ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة«)‪ ،(٢‬وقال الزمخشري‪ :‬وضرب‬ ‫له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذي الحجة«)‪.(٣‬‬ ‫وقال القرطبي‪» :‬والأربعون في قول أكثر المفسرين ذو القعدة وعشرة من‬ ‫ذي الحجة«)‪ ،(٤‬وقال السمرقندي‪» :‬كانت ثلاثين ليلة منها من ذي القعدة وعشر ًا‬ ‫من ذي الحجة‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬ثلاثين كانت من ذي الحجة وعشر ًا من المحرم‬ ‫وكانت مناجاته يوم عاشوراء«)‪ ،(٥‬وقال الرازي‪» :‬وهو الثلاثون من ذي القعدة‬ ‫والعشر الأول من ذي الحجة«)‪ ،(٦‬وقال صاحب المنار‪» :‬يعني ذا القعدة وعشرا‬ ‫من ذي الحجة«)‪ ،(٧‬وقال البقاعي‪» :‬وهي ذو القعدة وعشر من ذي الحجة وقيل‬ ‫ذو الحجة وعشر من المحرم«)‪.(٨‬‬ ‫ويؤكد ذلــك ما ثبت عن ابن عبــاس ^ أن النبي ژ لما قــدم المدينة‬ ‫وجدهم يصومون يوما يعني عاشوراء‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا يوم عظيم وهو يوم نجى االله‬ ‫)‪(١‬‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫)‪(٣‬‬ ‫)‪(٤‬‬ ‫)‪(٥‬‬ ‫)‪(٦‬‬ ‫)‪(٧‬‬ ‫)‪(٨‬‬ ‫انظر‪ :‬مجلة المنار‪.١٧٦/١٥ ،‬‬ ‫الطبري‪ :‬جامع البيان‪ ،(٦٢/٢) ،‬وينظر‪ :‬ابن أبي حاتم‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪.١٠٧/١ ،‬‬ ‫الزمخشري‪ :‬الكشاف‪.١٣٩/١ ،‬‬ ‫القرطبي‪ :‬الجامع لأحكام القرآن‪.٣٩٥/١ ،‬‬ ‫السمرقندي‪ :‬بحر العلوم‪.٥٢/١ ،‬‬ ‫الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪.٥١١/٣ ،‬‬ ‫محمد رشيد رضا‪ :‬تفسيرالمنار‪.١٠٥/٩ ،‬‬ ‫البقاعي‪ :‬نظم الدرر‪.٣٦٢/١ ،‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٣٥‬‬ ‫فيه موسى وأغرق آل فرعون فصام موسى شــكرا الله‪ ،‬فقال‪» :‬أنا أولى بموسى‬ ‫منهم فصامه وأمر بصيامه«)‪.(١‬‬ ‫وجاء في حديث أبي موسى الأشعري‪ :‬دخل النبي ژ المدينة وإذا أناس‬ ‫من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه‪ ،‬فقال النبي ژ ‪» :‬نحن أحق بصومه‪،‬‬ ‫فأمر بصومه«)‪.(٢‬‬ ‫وهو دليل على أنهم كانوا ملتزمين التوقيت بالشهور القمرية‪ ،‬ويؤكد ذلك‬ ‫ما يذكر أنه »كانت غرات الأشــهر قبل القرن الرابع للميلاد تقرر حسب رؤية‬ ‫الهلال«)‪ ،(٣‬وذلك يعني أن بلاد الشــرق كانت ملتزمة توقيت بدايات الشهور‬ ‫برؤية الهلال‪ ،‬وهكذا كانت دياناتها‪ ،‬وإنما طرأ التوقيت بالشهور الشمسية في‬ ‫أمم الشرق عندما وقعت تحت نير السلطة الغربية الرومانية‪ ،‬فالأشهر الشمسية‬ ‫هي أشهر رومية‪ ،‬وقد سميت عندهم بأسماء ملوكهم‪ ،‬وجاء الإسلام والعرب‬ ‫وغيرهم في الجزيرة العربية يوقتون بالأشــهر القمرية‪ ،‬وبنــى القرآن الكريم‬ ‫تشريعه الحكيم على هذا‪ ،‬فوقت بها جميع الأحكام الموقوتة‪ ،‬وأخبر أن ذلك‬ ‫هو حكم االله في كتابه منذ خلق السموات والأرض‪ ،‬وشرع حرمة أربعة أشهر‬ ‫من بين هذه الشهور‪.‬‬ ‫وعندما احتاجت الأمة إلى التوقيت الســنوي عندما التبســت الأحداث‬ ‫عندهم واضطروا إلى التأريــخ من أجل ضبطها أجمعوا علــى أن يكون مبدأ‬ ‫تأريخهم هجرة الرســول ! ‪ ،‬لما ترتب على هذا الحدث العظيم من ميلاد‬ ‫الأمة وظهور دعوتهــا وتبوئها مكان القيادة لإخــراج العالم من الظلمات إلى‬ ‫)‪ (١‬أخرجه البخاري )‪ ١٥٣/٤‬رقم‪ ،(٣٣٩٧ :‬وابن حبان )‪ ،٣٨٩/٨‬رقم ‪.(٣٦٢٥‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه البخاري )‪ ٧٠/٥‬رقم‪.(٣٩٤٢ :‬‬ ‫)‪ (٣‬ينظر‪ :‬الموسوعة العربية العالمية‪ ،‬حرف العين ‪ /‬كلمة )العام(‪ ،‬والموسوعة الحرة ويكبيديا‪:‬‬ ‫‪https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D9%82%D9%88%D9%8A%D9%85_%D8%B9%‬‬ ‫‪D8%A8%D8%B1%D9%8A.‬‬ ‫‪٢٣٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫النور‪ ،‬ومن الضلال إلى الهدى‪ ،‬ومــن الجهل إلى العلم‪ ،‬ومــن التفرق إلى‬ ‫االجتماع‪ ،‬وكان ذلك في عهد عمر بن الخطاب ‪ ، ƒ‬وأجمع على ذلك جميع‬ ‫المسلمين‪ ،‬وعلى رأسهم المهاجرون والأنصار‪ ،‬الذين هم حجة االله في أرضه‪،‬‬ ‫وقادة عباده إلى الرشد‪ ،‬ورادتهم في جميع مسالك الخير‪ ،‬مع أنه من المعلوم‬ ‫أن التأريخ الميلادي الذي حل في عقول الأمة اليــوم وثقافتها محل التأريخ‬ ‫الهجري كان موجودا يومئذ ولم يكن يخفى على المسلمين‪ ،‬لأن منهم من كان‬ ‫من قبل على النصرانية أو كان على صلة بدولة الروم‪ ،‬ومع ذلك أعرضوا عنه‬ ‫وأجمعوا على التأريخ الجديد‪ ،‬لأنه رمز عزتهم وبه تتجدد ذكرى نهضتهم التي‬ ‫قادها رسول االله ژ ‪ ،‬فانتشــلتهم من الضياع وجمعتهم بعد التفرق ووحدتهم‬ ‫بعدما مزقتهم الفتن في الجاهلية‪ ،‬وبهذه الذكرى يستشــعرون نعمة االله عليهم‬ ‫التي ذكرهم بها في قوله‪P O N M L K J I H ... ﴿ :‬‬ ‫‪^ ]\ [ Z Y X W V U T S R Q‬‬ ‫_ ` ‪ ﴾ d c b a‬آل عمــران‪ ،١٠٣ :‬وقوله‪# " ! ﴿ :‬‬ ‫‪. - , + *) ('& % $‬‬ ‫‪ ﴾ 3 2 1 0 /‬الأنفال‪.٢٦ :‬‬ ‫وأي مســلم ال يعتد بهذه الذكرى‪ ،‬وال تنبعث بها في نفسه نخوة الإيمان‬ ‫وعزة الإســلام؟! وأي ذكــرى أحق منهــا باالعتــداد واالعتــزاز والإحياء‬ ‫والتجديد؟! ولكن الأمراض النفســية الناشــئة عما يصيب الناس من مركب‬ ‫النقص تعمي النفوس عن بصيرتها وتضلها عن هداها‪ ،‬فبعد الإجماع القولي‬ ‫والعملي الذي اســتمرت عليه الأمة مدة تتجاوز ثلاثة عشــر قرنا رزئت بهذا‬ ‫االنتكاس‪ ،‬فتخلت عن معقد عزها ومبعث مجدهــا‪ ،‬وانجرت وراء الآخرين‬ ‫ظانة أنها بذلك تسد ثلمتها وتجبر كسرها حتى أصبح التأريخ الهجري عندها‬ ‫رمز الرجعية والتخلف‪ ،‬واستمرت الأمة في هذا االنحدار إلى غاية ال يعلمها‬ ‫إال االله‪ ،‬وهي غير الوية على شــيء من أصوات المخلصين من أبنائها‪ ،‬الذين‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٣٧‬‬ ‫تعالت صيحاتهم وال تزال من أجل ثنيها عن التخبط في هذا الطريق المعوج‪،‬‬ ‫وإخراجها من هذا النفق المظلم‪ ،‬فكم من نذير من أولي البصيرة أرسل كلماته‬ ‫هادرة مشعشعة لتوقظ برنينها النائمين‪ ،‬ولتبصر بسناها التائهين‪ ،‬ولكنها ضاعت‬ ‫﴿ < = > ? @ ‪ ﴾ D C B A‬البقرة‪ ،١٧١ :‬ذلك لأن صوت الباطل‬ ‫اســتهواهم فأصمهم عن نداء الحق واســتهواهم بزخرفه الذي أخذ بمجامع‬ ‫ألبابهم فأعمى أبصارهم عن جمال الهدى‪ ،‬فآثروا التبعية على االستقلال والذل‬ ‫على العز والضعة على الرفعة‪.‬‬ ‫وال تزال تلك الأصوات التي انطلقت من حناجر المخلصين‪ ،‬وســال بها‬ ‫حبر ذوي البصائر‪ ،‬يتردد صداها وإن كانت خافتة‪ ،‬وعسى االله أن يهيء لها من‬ ‫يدعمها بقوة السلطان حتى تخرج من الخفوت إلى الظهور‪ ،‬ويهيء لها أسماعا‬ ‫مرهفة لتتلقفها وتنقلهــا إلى قلوب واعية‪ ،‬فتتحول مــن التنظير إلى التطبيق‪،‬‬ ‫ولأجل التذكير بهذه الأصوات أذكر بعضا منها‪:‬‬ ‫‪ ١‬ـ قال العلامة الداعية المصلح ابن باديس‪:‬‬ ‫»عجبت لمن يســعون في أن نهجر التاريخ الهجري ويفاتحوننا في ذلك‬ ‫كأنهم ال يعلمون أنا نعلم ما يرمون إليه عن بعد‪.‬‬ ‫لكل أمة شعار إذا تركته طمع فيها واســتضعف جانبها وربما صارت بعد‬ ‫مدمجة في غيرها‪ .‬وقد سعى أناس منذ عهد بعيد في أن يضعفوا ما يقوي أمر‬ ‫الإسلام عموم ًا والعرب خصوص ًا فنجحوا بعض النجاح‪ ،‬فطمعوا في أن يقضوا‬ ‫عليه فلم يجدوا أقرب إلى ذلــك من إضعاف أمر اللغة العربية والســعي في‬ ‫تبديل خطها والتزهيد في الكتب التي كتبت به جعلــوا ذلك دأبهم وديدنهم‬ ‫حتى أثروا في كثير من أبناء جلدتنا الذين يظنون أنهــم على غاية من الذكاء‬ ‫والوقوف على أسرار الأمم فكان ما كان مما هو معروف ثم زاد الأمر فطمعوا‬ ‫في تبديل التاريخ الهجري وســاعدهم على ذلك جبت مصــر ففرحوا فرح ًا‬ ‫‪٢٣٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ال مزيد عليه‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬الآن شفينا الغليل من هذه الأمة غير أن كثيرا ممن‬ ‫انتبه لهذا الأمر ســعى في إعادته علــى قدر الإمكان فامتعــض أولئك القوم‬ ‫وصاروا يلمزون كل من يسعى في ذلك‪.‬‬ ‫وهذه المسألة نظرا لتعلقها بتاريخ تأخر الشرق ال يتيسر أن يكتب فيها أقل‬ ‫من تاريخ نحو ثلاثين صفحة نحو ثلاثين يوما‪ .‬وليت شعري كيف يلام المسلم‬ ‫على أن يؤرخ كتابه بالتاريخ الهجري فهل انقرض التاريخ الهجري وهل يريدون‬ ‫أن ينقرض وأصحابه أحياء؟ فإن قالوا‪ :‬إن المقصــود توحيد التاريخ في الأمم‬ ‫وأوربا هي القوية الآن‪ ،‬قيــل‪ :‬أن أوروبا لها تاريخان أحدهما شــرقي والآخر‬ ‫غربي وكل يؤرخ به قوم منهم فهل أوقف ذلك التجارة أو أثر في المدنية شيئا‪.‬‬ ‫ولم ال يكلفون تغيير مكاييلهم وموازينهم وأذرعهم لتتحد المقاييس في الأمم‪.‬‬ ‫وتغيير ذلك ليس فيه غضاضة بخــلاف التاريخ‪ .‬وقد رأيتهــم يعتذرون عنهم‬ ‫)‪(١‬‬ ‫ويعدون ذلك متانة في الأخلاق فانظر ما وصلنا إليه‪«..‬‬ ‫‪ ٢‬ـ قال الإمام محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق‪:‬‬ ‫»ومما يثير الأســف البالغ‪ :‬أن يقتصر المســلم في رســائله‪ ،‬أو عند ذكر‬ ‫الحوادث علــى ما يؤرخ به المســيحيون‪ ،‬وهــو التاريخ القائــم على ميلاد‬ ‫المسيح ‪ ‰‬وقد فشت هذه المحاكاة حتى أصابت أقلام ًا شأنها أن تنهى عن‬ ‫مثل هذا التشبيه‪ .‬وفي االعتماد على التاريخ الهجري محافظة على ذكرى مبدأ‬ ‫علو ِ‬ ‫الإسلام وظهوره على الدين كله«)‪.(٢‬‬ ‫‪ ٣‬ـ قال العلامة محمود شاكر‪:‬‬ ‫»إذا تابعنا أصحاب الفتنة على ما يفتنوننا به من زخرف القول في االقتصار‬ ‫على التاريخ الميلادي في تاريخنا الختلط على شبابنا التاريخ‪ ،‬وما ظنك بألف‬ ‫)‪ (١‬ينظر عبد الحميد محمد بن باديس الصنهاجي‪ :‬آثار ابن باديس‪.١٨٨/٤ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬ينظر علي الرضا الحسيني‪ :‬موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين‪.٢٤٩/٥ ،‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٣٩‬‬ ‫وثلاثمائة سنة كتبت كل كتب التاريخ العربي فيها بالتاريخ الهجري‪ ،‬أيسهل أن‬ ‫نقلب التاريخ الهجري في الكتب العربية إلى تاريخ ميلادي؟ على شبابنا أن‬ ‫يعود ســمعه وبصره وذاكرته على التاريخ العربي وال يضعه بمنزلة أدنى مما‬ ‫رمزا للمجد العربي يكاد‬ ‫تنزل الذكر الجميلة من قلبه‪ ،‬وعلى شبابنا أن يحترم ً‬ ‫يكون هو الباقي في حياتنا من الحياة العربية«)‪.(١‬‬ ‫‪ ٤‬ـ قال الشيخ محمد بن جميل زينو‪:‬‬ ‫»اعتــاد كثير من المســلمين حتى في البــلاد العربية أن يكتبــوا التاريخ‬ ‫بالميلادي بدالً من التاريخ الهجري في السنة والأشهر‪ ،‬وهذا خطأ كبير‪ ،‬فإن‬ ‫الكفرة والنصارى يؤرخون بميلاد عيسى‪ ،‬ثم تبعهم المسلمون‪ ،‬وتركوا تاريخ‬ ‫هجرة نبيهم محمد ژ التي ترمز لعزهم ونصرهم‪ ،‬فعلى المسلمين أن يؤرخوا‬ ‫بالهجري وإذا احتاجوا إلى الميلادي‪ ،‬فليجعلوه بعد الهجري«)‪.(٢‬‬ ‫‪ ٥‬ـ قال الشــيخ الداعية المفكر الإسلامي ســلمان بن فهد بن عبد االله العودة‬ ‫محذرا أهل بلده أن يقعوا فيما وقع فيه الآخرون من التخلي عن التأريخ الهجري‪:‬‬ ‫»قد بدأ الماء الآسن يتسرب إلى المنبع الصافي‪ ،‬فبدأنا نجد من يحاول أن‬ ‫يفرض التاريخ الميلادي‪ ،‬وإذا كان من الصعب على المسلمين في هذه البلاد‬ ‫أن يتقبلوا التاريخ الميلادي هكذا مكشوف ًا عاري ًا‪ ،‬فإننا قد وجدنا من يحاول أن‬ ‫يبدأ عن طريق ما يســمى بالتاريخ الهجري الشمســي؛ وذلــك لأن من ميزة‬ ‫التاريخ الهجري الشمسي أنه يوافق التاريخ الميلادي‪ ،‬بمعنى‪ :‬أنه منضبط معه‪،‬‬ ‫فإذا وضع ـ مثلاً ـ بداية معينة كبداية الدراسة‪ ،‬وحددت بتاريخ ٍ معين على مدار‬ ‫السنين‪ ،‬فهي ال تختلف في التاريخ الميلادي وال تختلف في التاريخ الهجري‬ ‫الشمسي؛ لكنها في التاريخ الهجري القمري تختلف من سنة لأخرى‪.‬‬ ‫)‪ (١‬ينظر عادل سليمان جمال‪ :‬جمهرة مقاالت محمود شاكر‪.٦٦١/٢ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬محمد جميل زينو‪ :‬مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع‪.٢٠٣/٢ ،‬‬ ‫‪٢٤٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ولذلك كان هذا االتفاق والتواطؤ بين التاريخ الهجري الشمسي والتاريخ‬ ‫الميلادي‪ ،‬ذريعة عند بعض الضعفاء لجلب التاريخ الميلادي إلى هذه البلاد‪،‬‬ ‫ومحاولة نشره وترويجه بين المسلمين‪ ،‬والذي ال أشــك فيه‪ :‬أنه يحرم على‬ ‫المســلمين أن يوقتوا بالتاريخ الميلادي استقلاالً‪ ،‬بحيث يعتبرونه دون غيره‪،‬‬ ‫ويلغون التاريخ الهجري وال يعتمدونه وال يعتبرونه‪ ،‬وذلك لأسباب‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬لأنه خلاف الإجماع كما أسلفت‪ ،‬وهو إجماع رائع ربما يكون من‬ ‫أقوى الإجماعات‪ ،‬فإن العلماء الآن يقول الواحد منهم‪ :‬أجمع العلماء على‬ ‫كذا‪ ،‬ويذكر لك مســألة قد يكون فيها خلاف يسير‪ ،‬وليس هناك دليل قاطع‬ ‫على الإجماع‪ ،‬لكن في موضوع التاريخ الهجري نتحدى أي إنسان أن يذكر‬ ‫لنا منذ عهد عمر ـ من يوم اتفق الصحابة على ذلك ـ إلى عصر الناس هذا‬ ‫خلاف ًا للمسلمين في اعتبار هذا التاريخ واعتماده والعمل به‪ ،‬وال يوجد من‬ ‫ذلك شــيء إال بعض التســاهل الذي ينتشر عند بعض المســلمين بسبب‬ ‫مجاورتهم لليهود أو للنصارى أو للفرس أو لغيرهــم‪ ،‬أما أن يكون تاريخ ًا‬ ‫معتمد ًا لدى الأمة الإســلامية فلا‪ ،‬وقد أجمع الصحابة على ذلك فمخالفة‬ ‫إجماعهم ال تجوز‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬أن نقل الأمة مــن التاريخ الهجري القمري‪ ،‬إلــى التاريخ الهجري‬ ‫الشمسي أو الميلادي‪ ،‬فيه عزل للأمة عن تاريخها‪ ،‬وعن كتبها‪ ،‬فإذا نسي الناس‬ ‫التاريخ الهجري القمري واعتمدوا التاريخ الشمسي أو التاريخ الميلادي فكيف‬ ‫ســيقرءون كتبهم؟ ومعنى ذلك أن الإنســان يحتاج إلى مترجم إذا قرأ كتاب‬ ‫البداية والنهاية لـ ابن كثير أو الكامل لـ ابن الأثير أو تاريخ الطبري أو غيره‪،‬‬ ‫ويحتاج أيض ًا إذا قرأ كتاب ًا مــن كتب الرجال والتراجــم وكتب الحديث إلى‬ ‫مترجم يذكر له هذه الســنة وما يقابلها‪ ،‬وهذا فيه عزل للأمة عن ماضيها وعن‬ ‫تاريخها‪ ،‬وحيلولة بين الشــباب وبين تراثهم وثقافتهم‪ ،‬فهو مثل من يريد أن‬ ‫يشــيع اللغة العامية لتكون بديلاً عن اللغة العربية‪ ،‬ويريد أن يجعل في الناس‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٤١‬‬ ‫عجمة وجهالة فلا يســتطيعون أن يقرءوا كتبهم‪ ،‬وال يفهموا ما قال علماؤهم‪،‬‬ ‫وال يفهموا كتاب ربهم وال سنة نبيهم ژ ‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬أن هذا فيه تشــبه بالأمم الكافرة‪ ،‬من الرومان الوثنيين المتلبســين‬ ‫بالنصرانيــة‪ ،‬والفرس واليهــود وغيرهم‪ ،‬وقد قال ! ‪» :‬من تشــبه بقوم فهو‬ ‫منهم«)‪ (١‬وال شك أن التواريخ يرتبط بها أعياد ومناسبات‪ ،‬ويرتبط بها حوادث‬ ‫وعزل ووالية وأشياء كثيرة جداً‪ ،‬فالتواريخ من أعظم الشعارات التي تفاخر بها‬ ‫الأمم وتتعرف بها‪ ،‬ويلتقي بها الحاضر بالغابر‪.‬‬ ‫فالتشبه بهم في التاريخ من أعظم ألوان التشبه وأخطره‪ ،‬وقد قال ژ ‪» :‬من‬ ‫تشبه بقوم فهو منهم«‪.‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬أن التاريخ الهجري القمري هو الذي ُرتبت عليه المواقيت الشرعية؛‬ ‫من دخول الأهلة كدخول رمضان وخروجه‪ ،‬وعشر ذي الحجة‪ ،‬ويوم عاشوراء‬ ‫وغيرها من المناســبات‪ ،‬فإنها مبنية على أســاس رؤية الهلال وعلى أساس‬ ‫التاريخ الهجري القمري ال غيره‪.‬‬ ‫فلذلك ال يجوز بحال ٍ من الأحوال اســتبداله بغيره‪ ،‬ونقول لمن يريد عنه‬ ‫بديلاً‪ ﴾a © ̈ § ¦ ¥ ¤ ﴿ :‬البقرة‪.(٢)«٦١ :‬‬ ‫‪ ٦‬ـ وقال أيض ًا‪:‬‬ ‫»نعم اتفق المسلمون على التاريخ اعتبار ًا من هجرة النبي ژ بعد جدال‬ ‫بينهم‪ ،‬وكان إجماع الرأي عليه طيلة عصور التاريخ‪ ،‬فما عرف المسلمون إال‬ ‫)‪ (١‬من طريق ابن عمر‪ :‬أخرجه أبو داود )‪ ،٤٤/٤‬رقم ‪ .(٤٠٣١‬وأخرجه أيضا‪ :‬ابن أبي شيبة )‪،٢١٢/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٩٤٠١‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪ ،٧٥/٢‬رقم ‪ .(١١٩٩‬ومن طريق حذيفة‪ :‬أخرجه‪ :‬البزار‬ ‫)‪ ،٣٦٨/٧‬رقم ‪ ،(٢٩٦٦‬والطبراني في الأوسط )‪ ،١٧٩/٨‬رقم ‪.(٨٣٢٧‬‬ ‫)‪ (٢‬سلمان بن فهد بن عبد االله العودة‪ :‬دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية‪ ،‬الدرس‬ ‫الرابع ص ‪.٤‬‬ ‫‪٢٤٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫التاريخ الهجري‪ ،‬الــذي يبدأ من هجرة النبي ژ وقــد هاجر ! في اليوم‬ ‫الأول من ربيع الأول‪ ،‬ووصل المدينة في اليوم الثاني عشر كما هو معروف‬ ‫عند جمهور أهل السير‪ ،‬ولكن المسلمين بدءوا العام من شهر المحرم لأنه‬ ‫أول السنة‪.‬‬ ‫واليوم نجد أن هناك محاوالت كثيرة لتقويض هذا االتفاق والإجماع‪،‬‬ ‫وتحويل المسلمين في معظم بلادهم إلى التاريخ الميلادي‪ ،‬حتى أصبح‬ ‫بعضهم ال يعرفون الشهور الهجرية القمرية‪ ،‬وال يعرفون التاريخ الهجري‪،‬‬ ‫وهذا خطر عظيم‪ ،‬لأنه يفصل المسلمين عن تاريخهم وأحداثهم‪ ،‬ويحول‬ ‫بينهم وبين معرفة الأحكام الشــرعية المبنية على هذا التاريخ الإسلامي‬ ‫العريق‪.‬‬ ‫إنه تاريخ له جذوره‪ ،‬يربط المسلمين بحدث عظيم مهم‪ ،‬واستبداله بذلك‬ ‫التاريخ الميلادي هو اتباع لآثار أهل الكتاب من النصارى‪ ،‬مع أنه من المستحيل‬ ‫أن يستطيعوا أن يثبتوا ذلك التاريخ الميلادي‪ ،‬ونحن نعلم أن النصارى يحتفلون‬ ‫بميلادهم‪ ،‬ويقيمون له الأعياد في كل مكان‪ ،‬واعتماد المسلمين لهذا التاريخ قد‬ ‫يقتضي أن يدخلوا جحر الضب وراء النصارى‪ ،‬ويحتفلوا بعيد الميلاد كما احتفل‬ ‫أولئك‪ ،‬ويتقمصوا آثارهم‪.‬‬ ‫وال شك أن هذه القضية قد تبدو في نظر البعض قضية شكلية أو مظهرية‪،‬‬ ‫ولكن هذه الأشــياء المظهرية تؤثر حتى في القلب‪ ،‬فالملابس التي يلبســها‬ ‫الإنسان‪ ،‬والزي الذي يعتمده‪ ،‬والشكل الذي يكون عليه‪ ،‬واللغة التي يتكلمها‪،‬‬ ‫ال شــك تؤثر في عقله‪ ،‬ووجدانــه‪ ،‬وضميره‪ ،‬وهــذه قضية معروفة نفســي ًا‪،‬‬ ‫واجتماعي ًا والحمد الله رب العالمين«)‪.(١‬‬ ‫)‪ (١‬سلمان بن فهد بن عبد االله العودة‪ :‬دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية‪ ،‬الدرس‬ ‫الثالث والستون ص ‪.٢٢‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٤٣‬‬ ‫‪ ٧‬ـ قال الشيخ العلامة صالح بن حميد‪:‬‬ ‫»إن العزة والكرامة من أبرز الخلال التي نادى بها الإســلام‪ ،‬وغرسها في‬ ‫نفوس أفراده‪ ،‬وتعهد نماءها بأحكامه وشرائعه وآدابه‪ ،‬ومما ينبغي أن يذكر في‬ ‫ذكرى الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ضرورة التزام التاريخ‬ ‫الهجري‪ ،‬وأنــه ال ينبغي لأمة الإســلام أن تتخذ تواريخ أعدائهــا من اليهود‬ ‫والنصارى تاريخ ًا لها‪ ،‬وتدع ما سنه لها الخلفاء الراشدون«)‪.(١‬‬ ‫هذا؛ وقد أوضح الإمام ابن عاشور في تفسيره لآية التوبة عن الشهور‪ ،‬أن‬ ‫الشهور القمرية هي التي كانت المعول عليها عند العرب وغيرهم من الأمم‪،‬‬ ‫وهي أقدم توقيت على الأرض وأيسره‪ ،‬لأنها تبدأ وفق نظام الطبيعة بحالة تظهر‬ ‫للجميع‪ ،‬ال تخفى على بدوي وال حضري‪ ،‬وال امــرأة وال رجل‪ ،‬وال جاهل‬ ‫وال عالم‪ ،‬وهاك نص قوله في ذلك‪:‬‬ ‫»والمراد بالشهور‪ :‬الشهور القمرية بقرينة المقام‪ ،‬لأنها المعروفة عند العرب‬ ‫وعند أغلب الأمم‪ ،‬وهي أقدم أشهر التوقيت في البشــر وأضبطها لأن اختلاف‬ ‫أحوال القمر مساعد على اتخاذ تلك الأحوال مواقيت للمواعيد والآجال‪ ،‬وتاريخ‬ ‫الحوادث الماضية‪ ،‬بمجرد المشــاهدة‪ ،‬فإن القمر كرة تابعة لنظام الأرض‪ .‬قال‬ ‫تعالى‪ ﴾ ́ 3 2 ± ﴿ :‬يونس‪ ،٥ :‬ولأن االســتناد إلى الأحوال‬ ‫السماوية أضبط وأبعد عن الخطأ‪ ،‬لأنها ال تتناولها أيدي الناس بالتغيير والتبديل‪،‬‬ ‫وما حدثت الأشهر الشمسية وسنتها إال بعد ظهور علم الفلك والميقات‪ ،‬فانتفع‬ ‫الناس بنظام سير الشــمس في ضبط الفصول الأربعة‪ ،‬وجعلوها حسابا لتوقيت‬ ‫الأعمال التي ال يصلح لها إال بعض الفصول‪ ،‬مثل الحــرث والحصاد وأحوال‬ ‫الماشية‪ ،‬وقد كان الحساب الشمســي معروفا عند القبط والكلدانيين‪ ،‬وجاءت‬ ‫)‪ (١‬صالح بن عبد االله بن حميد‪ :‬دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشــبكة الإســلامية‪ ،‬الدرس‬ ‫العشرون ص ‪.١‬‬ ‫‪٢٤٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫التوراة بتعيين الأوقات القمرية للأشهر‪ ،‬وتعيين الشمســية للأعياد‪ ،‬ومعلوم أن‬ ‫الأعياد في الدرجة الثانية من أحوال البشر لأنها راجعة إلى التحسين‪ ،‬فأما ضبط‬ ‫الأشــهر فيرجع إلى الحاجي‪ .‬فألهم االله البشــر‪ ،‬فيما ألهمهم من تأسيس أصول‬ ‫حضارتهم‪ ،‬أن اتخذوا نظاما لتوقيت أعمالهم المحتاجــة للتوقيت‪ ،‬وأن جعلوه‬ ‫مستندا إلى مشاهدات بينة واضحة لسائر الناس‪ ،‬ال تنحجب عنهم إال قليلا في‬ ‫قليل‪ ،‬ثم ال تلبث أن تلوح لهم واضحة باهرة‪ ،‬وألهمهم أن اهتدوا إلى ظواهر مما‬ ‫خلق االله له نظاما مطردا‪ .‬وذلك كواكب السماء ومنازلها‪ ،‬كما قال في بيان حكمة‬ ‫ذلك‪2 ± ° ̄ ® ¬ « a © ̈ § ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ 3‬يونــس‪ ،٥ :‬وأن جعلــوا توقيتهم‬ ‫اليومي مســتندا إلى ظهور نور الشــمس ومغيبه عنهم‪ ،‬لأنهم وجدوه على نظام‬ ‫ال يتغير‪ ،‬والشتراك الناس في مشاهدة ذلك‪ ،‬وبذلك تنظم اليوم والليلة‪ ،‬وجعلوا‬ ‫توقيتهم الشــهري بابتداء ظهور أول أجزاء القمر وهو المسمى هلاال إلى انتهاء‬ ‫محاقه فإذا عاد إلى مثل الظهور الأول فذلك ابتداء شــهر آخر‪ ،‬وجعلوا مراتب‬ ‫أعداد أجزاء المدة المسماة بالشهر مرتبة بتزايد ضوء النصف المضيء من القمر‬ ‫كل ليلة‪ ،‬وبإعانة منــازل ظهور القمر كل ليلة حذو شــكل من النجوم ســموه‬ ‫بالمنازل‪ .‬وقد وجدوا ذلك على نظام مطرد« اهـ)‪.(١‬‬ ‫هذا؛ وقد يجادل مجادل ويتشبث بأن التأريخ البديل يرتبط أيضا بمناسبة‬ ‫دينية‪ ،‬وهي ميلاد المسيح ‪ ، ‰‬وهو من أنبياء االله الذين صنعوا على عينه‪ ،‬وقد‬ ‫عظمه االله وخلد ذكره بما أنزله في شأنه بكتابه‪.‬‬ ‫والجواب عن هذا من وجهين‪:‬‬ ‫أولهما‪ :‬أن رســالة النبي ژ وإن كانت مصدقة لما تقدمها من الرساالت‪،‬‬ ‫وم َم ‪‬هد ًة بما تقدمها من النبوات‪ ،‬إال أنهــا هي التي يجب الأخذ بها والتعويل‬ ‫ُ‬ ‫)‪ (١‬الطاهر بن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪ ١٨٠/١٠ ،‬ـ ‪.١٨١‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٤٥‬‬ ‫عليها‪ ،‬وهي وحدها مصدر التشــريع لهــذه الأمة إال أن يحكى لها ما ســبق‬ ‫تشريعه للأمم الســابقة في القرآن أو في كلام الرسول ژ على سبيل التقرير‪،‬‬ ‫وقد سبق »أن عمر بن الخطاب ‪ ƒ‬أتى النبي ژ بكتاب أصابه من بعض أهل‬ ‫الكتب‪ ،‬فقرأه على النبي ژ فغضب وقــال‪» :‬أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب‪،‬‬ ‫والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية‪ ،‬ال تسألوهم عن شيء فيخبروكم‬ ‫بحق فتكذبوا به‪ ،‬أو بباطل فتصدقوا به‪ ،‬والذي نفسي بيده لو أن موسى كان‬ ‫حيا‪ ،‬ما وسعه إال أن يتبعني««)‪ ،(١‬فما كان لأحد أن يعدل عما أجمعت عليه أمة‬ ‫النبي ژ من التعويل على ميقات هجرته في بداية تأريخها‪.‬‬ ‫ثانيهما‪ :‬أن ارتباط التأريخ المنسوب إلى الميلاد بميلاد عيسى ‪ ‰‬ليس‬ ‫عليه من دليل يمكن أن يعول عليه‪ ،‬وقد دلت الشواهد على أن ذلك ال يصح‪،‬‬ ‫وقبل بضع سنين من الآن صرح بابا الفاتيكان أنهم وقعوا في خطأ في تاريخ‬ ‫ميلاد المســيح ‪ ، ‰‬وكثير مما ذكروه في ميلاد المســيح هــو الذي يذكره‬ ‫البوذيون في تأريخ والدة بوذا‪ ،‬حتى أنهم ذكروا ـ أيضا ـ أنه كان ميلاده باليوم‬ ‫الخامس والعشرين من الشهر الشمسي الثاني عشر‪.‬‬ ‫وكم فيما ذكروه في ميلاد المسيح ‪ ‰‬من غموض‪ ،‬بل القرآن الكريم يدل‬ ‫على عدم دقتهم في تحديد مكان والدته وزمانها‪ ،‬وذلك واضح في قوله تعالى‬ ‫في حكاية خطاب روح القدس لمريم ‪Ò Ñ Ð Ï Î ﴿ : 7‬‬ ‫‪ ﴾Õ Ô Ó‬مريم‪ ،٢٥ :‬فإنه يدل علــى أن والدته كانت في بلاد ذات نخل‬ ‫وفي وقت الثمر‪ ،‬فكيف يعول على هذا التأريخ الغامض ويترك التأريخ الثابت‬ ‫بالنقل التواتري الأمين‪ ،‬الذي أجمعت عليه الأمة؟!‪.‬‬ ‫وقبل أن أنتقل من الحديث في هذه القضية إلى غيرها‪ ،‬أرى من الضرورة‬ ‫أن أنبه إلى أن العلماء الأفــذاذ الذين دعوا الأمة إلى الرجــوع إلى تأريخهم‬ ‫)‪ (١‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫‪٢٤٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫الإسلامي الهجري قد فات بعضهم ـ مع الأسف ـ التزام التعبير القرآني‪ ،‬الذي لم‬ ‫يســم النصارى وال في موقف واحد بالمسيحيين‪ ،‬وإنما ســماهم النصارى أينما‬ ‫ذكرهم‪ ،‬وهــذا الذي يجب التزامــه لأن ما في القرآن هو تشــريع رباني ال يجوز‬ ‫العدول عنه‪ ،‬وكما أنه تشريع في التعبد والأحكام هو تشريع في التسمية والتعبير‪،‬‬ ‫وذلك لأنه يترتب علــى التســميات ما يترتب من أحــكام‪ ،‬وتســمية النصارى‬ ‫بالمسيحيين تضيفهم إلى المسيح وتوهم أنهم سائرون على هديه‪ ،‬مع أنه ‪ ‰‬تبرأ‬ ‫إلى االله سبحانه من كل ما نسبوه إليه من كونه ابنا الله تعالى‪ ،‬وأنه ارتقى إلى مرتبة‬ ‫الألوهية‪ ،‬ناهيك من ذلك قولــه تعالى‪S R Q PO N M L ﴿ :‬‬ ‫‪e d c b a ` _ ^ ] \ [Z Y X W V U T‬‬ ‫‪z y x wv u t s r q p o n ml k j i h gf‬‬ ‫{ ❁ } ~ ے ¡ ‪ ̄ ® ¬ « a© ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫‪ ﴾¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o1 ̧ ¶ μ ́ 3 2± °‬المائدة‪ ١١٦ :‬ـ ‪،١١٧‬‬ ‫وقال االله تعالــى‪A @? > = < ; : 9 8 7 6﴿ :‬‬ ‫‪Q P O N M L K J IH G F E D C B‬‬ ‫‪ ﴾Y X W V UT S R‬المائدة‪.٧٢ :‬‬ ‫والخلاصة؛ أن عودة المسلمين إلى الأشهر القمرية والتأريخ الهجري عودة‬ ‫إلى ما ال بد منه من أمر دينهم‪ ،‬وهو معقد عزهم وكرامتهم‪ ،‬ورمز استقلالهم‬ ‫وعنوان حريتهم وشرفهم‪ ،‬وقد أدركت ما يترتب على نسيانهم التأريخ الهجري‬ ‫والتوقيت القمري من فساد لما أنساهم ذلك من أمر دينهم‪ ،‬واالله المستعان‪.‬‬ ‫إ‪B‬ـط ‪) 1‬ا‪ ($‬أو )<‪,B 7 (H‬ـ ا <‪ $ *,‬و  ووا    ‬ ‫‪ "c‬لأدن‪ ،‬و? ‪ ,B " 7‬ا <‪:*,‬‬ ‫من أســوأ ما رزئت به الأمة من التقليد الأعمى تركهــم لكلمة )ابن( أو‬ ‫)بنت( عندما تذكر سلسلة النسب‪ ،‬متناسين في ذلك أن التعبير التشريعي في‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٤٧‬‬ ‫القرآن حافظ على كلمة )ابن( أو )بنت( كما في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ے ¡ ‪¢‬‬ ‫‪ ﴾ ¤ £‬البقرة‪ ،٨٧ :‬وقوله‪8 7 6 5 4 3 2 ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾9‬البقرة‪ ،٢٥٣ :‬وقولــه‪Ç Æ Å Ä Ã Â Á À﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Í Ì Ë Ê É È‬آل عمــران‪ ،٤٥ :‬وقوله‪C B A @ ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ H G F E D‬النســاء‪ ،١٥٧ :‬وقولــه‪2 1 0 / . ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ 4 3‬النســاء‪ ،١٧١ :‬وقولــه‪﴾ ® ¬ « a © ̈ ﴿ :‬‬ ‫المائدة‪ ،١١٢ :‬وقولــه‪﴾ + * ) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫المائدة‪ ،١١٤ :‬وقوله‪V U T S R Q P O N M L ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Z Y X W‬المائدة‪ ،١١٦ :‬وقوله‪ ﴿ :‬ے ¡ ‪§ ¦ ¥ ¤£ ¢‬‬ ‫ ̈ © ﴾ مريم‪ ،٣٤ :‬وقوله‪+ * ) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ 1 0 / . - ,‬الصــف‪ ،٦ :‬والآيات في ذلك كثيــرة‪ ،‬وكذلك قوله‬ ‫تعالــى‪ ﴾ 1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ﴿ :‬التحريــم‪ ،١٢ :‬والأحاديــث عن‬ ‫النبي ژ مليئة بهــذا‪ ،‬وقد مضى على هذا نبينا ! ‪ ،‬كمــا مضى عليه جميع‬ ‫الأنبياء وأتباعهم من قبل‪ ،‬وأجمع عليه المهاجرون والأنصار‪ ،‬والذين اتبعوهم‬ ‫بإحسان أمة بعد أمة‪ ،‬واستمر عليه العلماء قاطبة من جميع المذاهب الإسلامية‬ ‫من غير خلاف بينهم‪ ،‬وهو المنصوص عليه في التوراة والإنجيل‪ ،‬وما بأيدي‬ ‫أهل الكتاب اليوم مــن العهد القديــم والعهد الجديد شــاهد على ذلك مع‬ ‫ما أصاب هذين العهدين من التحريف والتبديل‪.‬‬ ‫ولكن عندما رزئت الأمة بالغزو الفكري والسياسي والثقافي والعسكري‬ ‫تخلت عن هذا حتى كبــار العلماء‪ ،‬وفي هــذا من المحاذيــر ما ليس بعده‪،‬‬ ‫فبجانب ـ ما فيه من التقليد الأعمى لغير المســلمين‪ ،‬والتخلي عن كتاب االله‬ ‫تعالى‪ ،‬وهدي جميع النبيين وأتباعهم في جميع الأمم قبل أن يســتحكم هذا‬ ‫الغزو‪ ،‬ويســتولي على فكر الأمة وثقافتهــا ـ هو مدعاة للخطــأ واللبس‪ ،‬إذ‬ ‫ال يمكن أن يفرق في هذه الحالة بين االسم واللقب‪ ،‬وال بين الذكر والأنثى‪،‬‬ ‫‪٢٤٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫لأن كثيرا من الأسماء يشــترك فيها الذكور والإناث‪ ،‬فإن أسقطت لفظة )ابن(‬ ‫و)ابنة( لم يبق سبيل إلى التمييز بينهما‪ ،‬وقد تكون أسماء مركبة فلا يفرق بين‬ ‫االسم المركب وما ينسب إلى الوالد‪ ،‬وكذلك وجد في الأمة من يقلد الآخرين‬ ‫في نسب المرأة إلى زوجها دون والدها‪ ،‬فإذا أسقطت كلمة )ابنة( التبس الأمر‬ ‫في االسم الذي أضيف إليه اسمها‪ ،‬هل هو اسم والدها أو اسم زوجها؟‪.‬‬ ‫ومع هذا اللبس تعمى الأمور وينتشر الجهل بالأنساب‪ ،‬ولذلك قال أحد‬ ‫مشــايخ العلم المصريين عاش بيننا في ســلطنة ُعمان‪» :‬لما سحبت منا كلمة‬ ‫)ابن( عميت الحقائق وتقطعت الأنساب وانحلت الوشائج بين الأسر«‪ ،‬وهي‬ ‫مصيبة عظمى لم ينتبه الناس لها في نشوة الإعجاب بما عند الآخرين‪.‬‬ ‫العماني من انســياق الرجال والنساء‬ ‫ومن العجب ما نجده في مجتمعنا ُ‬ ‫وراء هذا التقليد‪ ،‬مع أنه فرض عليهم رسميا أن يلتزموا بكلمة )ابن( و)ابنة(‬ ‫في ذكر عمود النسب‪ ،‬وأثبت ذلك في جوازاتهم وبطاقاتهم الشخصية‪ ،‬ولكن‬ ‫روح الهزيمة النفسية والرغبة في ارتسام خطوات الآخرين حال بين الناس وبين‬ ‫اتباع ما في القرآن والســنة‪ ،‬واتباع النظام الرسمي‪ ،‬وهذا انجرار من المغلوب‬ ‫وراء الغالب‪ ،‬سواء كان بشعور أو بعدمه‪.‬‬ ‫وقد شرحت هذا في كتابي صيحة إنذار وصرخة استنفار الذي دعوت فيه‬ ‫إلى االستمساك بلغة القرآن وتنقيتها من كل الأخطاء التي زحفت عليها من كل‬ ‫جانب‪ ،‬وأخذت تتنقص منها في كل لحظة باستمرار حتى عادت تشكو الغربة‬ ‫في دارها وبين أهلها‪.‬‬ ‫الإ‪B‬ـلام '! إ > ا‪B‬لال ا ‪  D‬الإ‪B‬ـلا ‪ 7‬ا ‪ 96‬وا  ‪+‬‬ ‫و‪ 7‬ا ‪D‬ر وا !ا‪:U4‬‬ ‫وبالجملة؛ فإن الإسلام يأمر المســلم بأن يكون عزيز النفس راسخ القدم‬ ‫ثابت الموقف‪ ،‬ال يتزعزع لأي داع وال يتضعضــع لأي نائبة‪ ،‬متميزا بمظهره‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫‪٢٤٩‬‬ ‫ومخبره وفي ســره وجهر‪ ،‬وفي جميع حركاته وسكناته‪ ،‬وهو عكس ما جرى‬ ‫عليه المســلمون اليوم من التجرد مــن المظاهر الإســلامية والتلبس بمظاهر‬ ‫الآخرين في البدن واللباس‪ ،‬وكذلك في الأكل والشرب وجميع الأحوال‪.‬‬ ‫وليســت هذه التبعية العمياء للغير إال دليل المواالة لهم‪ ،‬فإن الإنسان‬ ‫يسرع في تقليد من يحب واتباع من يعظم‪ ،‬وقد علمت ما في نفس الآيات‬ ‫التي سبقت أن هذه المواالة ال تنشأ إال عن مرض نفساني وأنها سبيل إلى‬ ‫الردة والعياذ باالله‪.‬‬ ‫!االة الأ لأ'ا‪R 9I 9b‬ـ‪ U‬أو‪ 9 c‬و?"‪4T 7‬ب ا <س إ ‪9‬‬ ‫إر)ء و‪:-‬‬ ‫ما أعظم مصيبة الأمة التي نشــأت مــن مواالة أعدائهــا‪ ،‬فإنها لم تكتف‬ ‫باسلاس قيادها لهم وترسم خطواتهم والتخلي لهم عن ثرواتهم‪ ،‬بل جاوزت‬ ‫ذلك إلى الإجهاز على نفســها وتقديم أبناء ملتها قرابين لهم‪ ،‬فكم سفك من‬ ‫دماء وأزهق من أرواح وانتهك من حرمات وأضيع من حقوق في سبيل التقرب‬ ‫إليهم وإرضائهم‪ ،‬كأن الواقعين في ذلك لم يعرفوا للنفس الإنسانية حرمة‪ ،‬ولم‬ ‫يراعــوا لحياتها حقا‪ ،‬ولم يطرق مســامعهم قــول االله تعالى‪# " ! ﴿ :‬‬ ‫‪10/.-,+*)('&%$‬‬ ‫‪﴾ ...; : 9 8 7 6 5 4 3 2‬‬ ‫المائــدة‪ ،٣٢ :‬ولم يعرفوا للنفس المسلمة من حقوق مضاعفة فوق ذلك‪ ،‬وما أتى‬ ‫من الوعيد الشــديد في إزهاقها بغير حق‪ ،‬فلم يلتفتوا إلى قوله تعالى‪c﴿ :‬‬ ‫‪mlkjihgfed‬‬ ‫‪ ﴾r q p o n‬النساء‪ ،٩٣ :‬وقوله تعالى‪# " ! ﴿ :‬‬ ‫‪/.-,+*)('&%$‬‬ ‫❁ ‪; : 9 8 7 6 54 321‬‬ ‫‪٢٥٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫< = > ﴾ البقرة‪ ٨٤ :‬ـ ‪ ،٨٥‬وال إلى قول النبي ژ ‪» :‬المســلم أخو‬ ‫المسلم‪ ،‬ال يظلمه وال يخذله‪ ،‬وال يحقره«)‪ ،(١‬أو قوله‪» :‬ال ترجعوا بعدى كفارا‬ ‫يضرب بعضكم رقاب بعض«)‪ ،(٢‬وأعجب ما في الأمر أن تقف شريحة كبرى‬ ‫من الأمة بجانب العدو المغتصب‪ ،‬وتسعى إلى ترسيخ أقدامه في الأرض التي‬ ‫اغتصبها‪ ،‬وتناوئ من يطالب برد حقه المغصوب ويسعى إلى تحرير المقدسات‬ ‫المحتلة‪ ،‬والله الأمر‪.‬‬ ‫وليت شعري؛ هل يجدي هؤالء ما يقربونه إلى عدوهم من القرابين‪،‬‬ ‫وما يبذلونه لهم مما جعله االله تعالى تحت أيديهم من المال شــيئا‪ ،‬أو أن‬ ‫الدائرة في النهاية ستدور عليهم كما دارت على من قبلهم‪ ،‬وأنهم سيقولون‬ ‫يوما ما كما قيل من قبل‪» :‬أكلت حين أكل الثور الأبيض«)‪(٣‬؟ ليت القوم‬ ‫يفيقون قبل ذلك‪.‬‬ ‫)‪ (١‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬من حديث أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده‪ :‬أخرجه الطيالسي )ص ‪ ،٩٢‬رقم ‪،(٦٦٤‬‬ ‫وابن أبي شيبة )‪ ،٤٥٥/٧‬رقم ‪ ،(٣٧١٧٦‬وأحمد )‪ ،٣٦٣/٤‬رقم ‪ ،(١٩٢٣٧‬والبخاري )‪،٥٦/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٢١‬ومسلم )‪ ،٨١/١‬رقم ‪ ،(٦٥‬والنسائي )‪ ،١٢٧/٧‬رقم ‪ ،(٤١٣١‬وابن ماجه )‪،١٣٠٠/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٣٩٤٢‬والدارمي )‪ ،٩٥/٢‬رقم ‪ ،(١٩٢١‬وابن حبان )‪ ،٢٦٨/١٣‬رقم ‪ ،(٥٩٤٠‬ومن حديث‬ ‫ابن عمر‪ :‬أخرجه ابن أبي شــيبة )‪ ،٤٥٥/٧‬رقم ‪ ،(٣٧١٧٤‬وأحمــد )‪ ،٨٥/٢‬رقم ‪،(٥٥٧٨‬‬ ‫والبخاري )‪ ،٢٥١٨/٦‬رقم ‪ ،(٦٤٧٤‬وأبــو داود )‪ ،٢٢١/٤‬رقم ‪ ،(٤٦٨٦‬والنســائي )‪،١٢٦/٧‬‬ ‫رقم ‪ ،(٤١٢٥‬وابن ماجــه )‪ ،١٣٠٠/٢‬رقم ‪ ،(٣٩٤٣‬ومن حديث أبي بكرة‪ :‬أخرجه البخاري‬ ‫)‪ ،٢٥٩٣/٦‬رقم ‪ ،(٦٦٦٧‬والنســائي )‪ ،١٢٧/٧‬رقم ‪ ،(٤١٣٠‬ومن حديث ابن عباس‪ :‬أخرجه‬ ‫البخاري )‪ ،٦١٩/٢‬رقم ‪ ،(١٦٥٢‬والترمذي )‪ ،٤٨٦/٤‬رقم ‪ (٢١٩٣‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬ومن‬ ‫حديث أبي ســعيد‪ :‬أخرجه الطبراني )‪ ،٣٧/٦‬رقم ‪ ،(٥٤٤٢‬ومن حديث أبي أمامة‪ :‬أخرجه‬ ‫الطبراني )‪ ،١٣٧/٨‬رقم ‪ ،(٧٦١٩‬ومن حديث ابن مسعود‪ :‬أخرجه أحمد )‪ ،٤٠٢/١‬رقم ‪،(٣٨١٥‬‬ ‫والطبراني )‪ ،١٥٥/١٠‬رقم ‪.(١٠٣٠١‬‬ ‫)‪ (٣‬ينظر‪ :‬ابن سلام‪ :‬الأمثال‪ ،‬ص ‪ ،١٨٤‬وأبو الفضل محمد بن أحمد النيسابوري‪ :‬مجمع الأمثال‪،‬‬ ‫‪.٢٥/١‬‬ ‫‪٢٥١‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد‬ ‫ا !ال ا ‪D‬و' ‪ cG 7-‬الله و‪!B‬‬ ‫وا  ٴ!<‪:$‬‬ ‫هذا؛ وقد أكد االله تعالــى ـ بعد التحذير البالغ من مــواالة من كان يتربص‬ ‫بالأمة الدوائر ـ على أن المؤمن إنما يحصر والءه في االله تعالى ومن أطاعه واتبع‬ ‫هداه‪ ،‬وهو يتولى االله ورسوله والمؤمنين عندما قال تعالى‪o 1 ̧ ¶ ﴿ :‬‬ ‫» 1⁄4 1⁄2 3⁄4 ¿ ‪ ﴾ à  Á À‬المائدة‪ ،٥٥ :‬وبين تعالى َم ْن‬ ‫هؤالء المؤمنون الذين يجب أن يمحضوا الوالية بعد االله ورســوله عندما قال‪:‬‬ ‫﴿‪k j i hg fe d c b a‬‬ ‫‪x wv u t sr q pon ml‬‬ ‫‪ ﴾{ z y‬التوبــة‪ ،٧١ :‬فإن كل ما ذكر في هذه الآية إنما هو من مقومات‬ ‫هذه الوالية وأسبابها‪ ،‬ناهيك أنه تعالى بدأ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬ ‫قبل ذكر إقام الصلاة وإيتاء الزكاة‪ ،‬لأجل أن الحفاظ عليهما وعلى سائر حرمات‬ ‫االله ال يتحقق إال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬ ‫وبعد أن أوجب االله ســبحانه على المؤمن أن تكون واليته الله ولرســوله‬ ‫والذين آمنوا أتبع ذلك بيان أن هذا النهج هو وحده الذي يؤدي إلى االلتحاق‬ ‫بحزب االله الغالب‪ ،‬فمن تولى االله ورســوله والذين آمنــوا كان من حزب االله‬ ‫تعالى‪ ،‬ولن تكون الغلبة إال لحزبه‪ ،‬وهذا متبادر من قوله سبحانه‪Æ Å ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Ï Î Í Ì Ë Ê É È Ç‬المائدة‪.٥٦ :‬‬ ‫وليت شعري؛ ما الذي مكن للفئة المؤمنة في بداية عهدها حتى صدعت‬ ‫بالحق بين ضجيج الباطل‪ ،‬وتحدي كبريائه له إال ما ربط على قلوبهم من حب‬ ‫االله تعالى ورسوله وحب المؤمنين‪ ،‬والتضحية في سبيل ذلك بكل غال وثمين‪،‬‬ ‫وإيثار ما عند االله علــى ما عند الناس‪ ،‬ومــا جعله االله تعالى فيمــا بينهم من‬ ‫التعاطف والتراحم‪ ،‬والشفقة والحنان‪ ،‬والألفة والمودة‪ ،‬حتى أن كلا منهم كان‬ ‫يؤثر أخاه على نفســه‪ ،‬كما وصف االله الأنصــار @ بقوله‪Ê É ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Ï Î Í Ì Ë‬الحشر‪ ،٩ :‬وقد أبان االله تعالى عن صفاتهم العظيمة‬ ‫‪٢٥٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫في قولــه‪. - ,+ * ) ( ' & % $# " ! ﴿ :‬‬ ‫‪> = <; : 9 8 76 54 3 2 1 0 /‬‬ ‫? @‪K J I H G F E D C B A‬‬ ‫‪X W V U T S RQ P O N M L‬‬ ‫‪ ﴾ \ [ Z Y‬الفتــح‪ ،٢٩ :‬فأنت ترى أنه تعالى مع نشــره محامد‬ ‫ذكرهم ومكارم وصفهم بدأ ذلك كله بقوله‪﴾ ...+ * ) ( ' ﴿ :‬‬ ‫الفتح‪ ،٢٩ :‬لأن هذا الوصف العظيم هو أســاس بنائهم الشــامخ ونظام ائتلافهم‬ ‫ووحدة شملهم وسبب نصرتهم على عدوهم‪.‬‬ ‫وأين هذا مما انحدرت إليه الأمة الآن من االستخذاء للكفار والمسارعة في‬ ‫هواهم وتنفيذ رغباتهم في تقطيع أوصال الأمة وتمزيع أشلائها وتقديم ضريبة‬ ‫الطاعة واالنقياد لهم مع استعار الفتنة وتعمق البغضاء بين فئات الأمة؟!‪.‬‬ ‫ال أظن هذا السؤال أنه بحاجة إلى جواب‪ ،‬فنظرة إلى ما آلت إليه الأمة في‬ ‫عهدها الأول ـ عندما أخذت بحجزة أمر االله واستهدت بنوره وسلكت صراطه‬ ‫المســتقيم ـ من عز ومجد وســؤدد وتمكين في الأرض‪ ،‬وتمكــن من قيادة‬ ‫الإنسانية إلى الرشد والخير وإلى ما آلت إليه الأمة اليوم من ذل وهوان وتبعية‬ ‫وتخلف كاف في الداللة على ما حصل في الأمة من تباين بين ماضيها المشرق‬ ‫وحاضرها المظلم في الوســائل والغايات‪ ،‬ولن يجني أحد إال ما غرس‪ ،‬ولن‬ ‫ينتهي إلى قصد إال ما سلك إليه سبيله‪.‬‬ ‫فليت شعري؛ هل ستستيقظ أمة الإسلام يوما ما وستدرك كيف هوت إلى‬ ‫الحضيض من القمم السامقة‪ ،‬وأن ذلك إنما هو بما كسبت أيديها‪ ،‬وال يعيدها‬ ‫إلى سالف عهدها وسابق مجدها إال االستمســاك بما استمسك به سلفها من‬ ‫عروة الدين التي ال تنفصم‪ ،‬ووحدته التي ال تتشــتت؟ عسى أن يكون ذلك‬ ‫قريبا‪ ،‬ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر االله ينصر من يشاء‪.‬‬ ‫‪٢٥٣‬‬ ‫ا "!ر ا "دي '‪D‬‬ ‫   ‪+‬ن‬ ‫إن البيان نعمة من االله أكرم بها الإنسان الذي استخلفه في الأرض وسخر‬ ‫له منافع الكون‪ ،‬فهو بحاجة إلى أن يتعلم أســماء الكائنات التي يتعامل بها‪،‬‬ ‫لذلك علم االله سبحانه آدم الأسماء كلها وأورث علم ذلك ذريته لأنهم يتبوأون‬ ‫منصب الخلافة في الأرض‪ ،‬فهم بحاجة إلى بيان يتفاهمون به وتتم به ترجمة‬ ‫ما في نفس كل أحد منهــم لغيره‪ ،‬مع أنهم ـ بلا ريــب ـ جعلهم االله مدنيين‪،‬‬ ‫وجعل حياتهم حياة اجتماع فيها الأخذ والعطاء والدفع والجذب‪ ،‬ولوال ما من‬ ‫االله به عليهم من البيان لعميت عليهم السبل‪ ،‬وأرتجت بينهم أبواب التفاهم‪،‬‬ ‫وحيل بينهم وبين التعاون والتناصر والتعاضد والتكاتف‪ ،‬وقد امتن االله عليهم‬ ‫بهذه النعمة العظيمة بجانب امتنانه عليهم بتعليم القرآن وخلق الإنسان‪ ،‬إذ قال‬ ‫تعالى‪ ﴾ P O ❁ M L ❁ J I ❁ G ﴿ :‬الرحمن‪ ١ :‬ـ ‪.٤‬‬ ‫‪ ^J $‬االله د أ ‪ <,‬ا <س و و‪:9‬‬ ‫وقد اقتضت حكمته سبحانه أن يتنوع الجنس البشري إلى فئات متعددة‪،‬‬ ‫وينقسموا إلى شــعوب مختلفة‪ ،‬وتتعدد بذلك ألســنتهم‪ ،‬ويختلف تعبيرهم‪،‬‬ ‫فلذلك نشــأت لغات متعددة بتعدد القوميات والمجتمعات البشرية‪ ،‬فكل فئة‬ ‫تجتمع على لســانها وتلتقي على ما اصطلحت عليه في التعبير من المفردات‬ ‫والجمل‪ ،‬وقد امتن االله تعالى عليهم بذلك وعده من آياته في قوله عز من قائل‪:‬‬ ‫‪٢٥٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫﴿‪z y x wvu t s r q p o‬‬ ‫{ |﴾ الروم‪.٢٢ :‬‬ ‫‪ IJ‬الأ الإ‪B‬لا إ > اال ء '> ا ‪ g‬ا ‪:‬‬ ‫إذا كانت الأمم التي توحد بينها مصالح مشتركة‪ ،‬وتجمع شتاتها سياسة‬ ‫موحدة‪ ،‬أو مبادئ منتظمة لهم‪ ،‬ال بد لها من االجتماع على لغة تلتقي عليها‪،‬‬ ‫وإن كانت لهم لغات قومية ولهجات وطنية يتداولونها فيما بينهم‪ ،‬فإن على‬ ‫أمة الإسلام ـ وهي تبصر ما يحاك ضدها وتعرف ضرورة تفاهمها وتعارفها‬ ‫وتآلفها ـ أن تدرك أنها بحاجة إلى لغة تســمو فوق أقدار القوميات‪ ،‬وتعلو‬ ‫على جميع النزعــات والعصبيات‪ ،‬لغــة تحوي أســباب هدايتها ومصادر‬ ‫عقيدتها وشريعتها‪ ،‬ووسائل أخلاقها ومزاياها‪ ،‬لغة خوطبت بها من الجناب‬ ‫الأقدس من أجل إخراجها من الظلمات إلى النور‪ ،‬ومن الحيرة إلى البصيرة‪،‬‬ ‫ومن الشــك إلى اليقين‪ ،‬ومن الفســاد إلــى الصلاح‪ ،‬ومن التشــتت إلى‬ ‫االجتماع‪ ،‬وهي وســيلتها في اتصالهــا بهذا الجناب العظيــم في صلواتها‬ ‫وأذكارها ودعائها وابتهالها‪ ،‬فقد نالت الشرف العظيم عندما خاطبها االله تعالى‬ ‫بها فبصرها من العمى وأنقذها من الردى‪ ،‬وهداها من الضلالة‪ ،‬وعلمها من‬ ‫الجهالة‪ ،‬فصارت خير أمة أخرجت للناس‪.‬‬ ‫إنها لغة القرآن التي اختارها االله تعالــى لأن تكون وعاء له وينبوعا لهدايته‬ ‫ومطلعا لنوره ومعدنا لكنوزه‪ ،‬كما قــال تعالى‪} | { z y ﴿ :‬‬ ‫~﴾ يوســف‪ ،٢ :‬وقــال‪﴾ Z Y X W V U ﴿ :‬‬ ‫الزخرف‪ ،٣ :‬وقال‪o n m ❁ k j i h ❁ f e d c ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ u t s ❁ q p‬الشــعراء‪ ١٩٢ :‬ـ ‪ ،١٩٥‬وقــال‪× Ö Õ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾â á à ß Þ Ý Ü Û Ú Ù Ø‬طه‪ ،١١٣ :‬وقال‪Ë ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Ô Ó Ò Ñ Ð Ï Î Í Ì‬الأحقــاف‪،١٢ :‬‬ ‫المحور الحادي عشر‪ :‬فيما يتعلق بالبيان‬ ‫‪٢٥٥‬‬ ‫وقــال‪ ﴾ h g f e d c b a ` _ ﴿ :‬الشــورى‪،٧ :‬‬ ‫وقال‪ ﴾Z Y X W ﴿ :‬الرعد‪ ،٣٧ :‬وقال‪© ̈ § ¦ ﴿ :‬‬ ‫‪o1 ̧ ¶ μ ́ 3 2± ° ̄® ¬ « a‬‬ ‫» 1⁄4 1⁄2 3⁄4 ¿ ‪Ç Æ Å Äà  Á À‬‬ ‫‪ ﴾ É È‬فصلت‪.٤٤ :‬‬ ‫وما كان اختيار االله تعالى هذا اللسان العربي ـ لأن يكون وعاء لهذا الخير‬ ‫العظيم‪ ،‬الذي ساقه إلى العالمين بإنزاله هذا الكتاب الذي ختم االله به رساالته‪،‬‬ ‫وأتم به نعمته على عباده ـ أمرا اعتباطيا‪ ،‬حاشا وكلا‪ ..‬فإن االله سبحانه منزه عن‬ ‫ذلك‪ ،‬بل كل شــيء عنده بمقدار‪ ﴾  Á À ¿ 3⁄4 ﴿ ،‬الفرقان‪،٢ :‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ â á à ß Þ‬القمر‪ ،٤٩ :‬وإنما كان اختياره له لســابق علمه بأهليته‬ ‫لذلك‪ ،‬وقد كان ذلك بعد تهيئته عبر قرون مرت بهــا هذه اللغة طورتها فيها‬ ‫الألسن وهذبتها آدابها شعرا ونثرا‪ ،‬فارتقت إلى أوج رفيع لم ترتق إليه أي لغة‬ ‫أخرى‪ ،‬فكانت حرية بهذا االختيار‪.‬‬ ‫[ة ا ‪ >' 3%‬ا ‪ g‬ا ‪:‬‬ ‫بســبب هذا خرجت هذه اللغة عن حدود القومية الضيقــة‪ ،‬فلم تعد لغة‬ ‫العرب وحدهم‪ ،‬وإنما صارت لغة أمة الإســلام جميعا‪ ،‬يغار عليها الأعجمي‬ ‫أكثر مما يغار عليها العربي ويندفع إلى الدفاع عنها وتنقية ديباجتها من الأخطاء‬ ‫حتى ولو لقي في ســبيل ذلك الموت الزؤام‪ ،‬كما كان من سيبويه حامل لواء‬ ‫العربية ووارث فصاحتها وآدابها الذي أبت عليه حميته لهذه اللغة إال أن يقدم‬ ‫نفسه فداء لها‪ ،‬فيصبح شهيدا في معركة الشرف والكرامة التي يدافع فيها عن‬ ‫حمى القرآن ما عسى أن يزحف عليه من الدخيل الذي يحجب نوره‪.‬‬ ‫ولو أن سيبويه تعرضت لغته التي رضعها مع لبن أمه لمثل هذا الخطر لما‬ ‫انبرى من أجل الدفاع عنها إلى حد التضحية بحياته‪ ،‬وقد أبان الأستاذ الرافعي‬ ‫‪٢٥٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫إمام الأدب العربي في كتابه الفريد إعجاز القرآن والبلاغة النبوية عن تأثير هذا‬ ‫القرآن على جميع الشــعوب عربا وعجما‪ ،‬واســتثارته غيرتهم على لغته من‬ ‫أعماقها‪ ،‬فقال‪» :‬وإن من أعجب ما يروعنا من أمر الجنسية العربية في القرآن‪:‬‬ ‫أنها تأبى إال أن تحفــظ على‪ :‬أهلها تلك الصفات العربيــة؛ من الأنفة والعزة‬ ‫والصوت وال َغ َلب‪ :‬وما يكون من هــذا الباعث االجتماعي الذي ال يزال يفتح‬ ‫للشعوب عن مقاصير الأرض‪.‬‬ ‫كما أنها تســتبقي طاعة المغلوبيــن الذين أعطوا للفاتحيــن عن أيديهم‪،‬‬ ‫وانطرحوا في غمرهم وكانوا أهل ذمتهم‪ :‬النتحالهم العربية طوع ًا أو كره ًا‪ ،‬ثم‬ ‫بقائها في ألسنتهم على نسبة بينة من الفصيح مهما ركت ومهما رذلت؛ ولوال‬ ‫القرآن وأنه على وجه واحد وهيئة ثابتة‪ ،‬ما بقيت العرب‪ ،‬وال تبينت النسبة بين‬ ‫فروعها العاميــة‪ ،‬بل لذهب كل فرع بما أحدث من الألفاظ‪ ،‬وما اســتجد من‬ ‫ضروب العبارة وأساليبها‪ ،‬حتى يتسلل كل قوم من هذه الجنسية إن كانوا من‬ ‫أهلها أو من أهل ذمتها‪ ،‬ثم ال تستحكم لهم بعد ذلك ناحية من االئتلاف وال‬ ‫يستمر لهم سبب من االرتباط«)‪ (١‬اهـ ‪.‬‬ ‫وهذا يعني أن االله ســبحانه قد حفظ بالقرآن لغة العرب‪ ،‬كما حفظ به‬ ‫دينهــم الحنيف‪ ،‬فلوال تشــريف االله لســانهم بإنزال القــرآن به وخطاب‬ ‫العالمين بهدايته لما بقيت لهم لغة وال حفظ لهم أدب‪ ،‬وإنما حظيت هذه‬ ‫اللغة بما لم تحظ به لغة سواها من العناية بها وحفظ تراثها بسبب القرآن‪،‬‬ ‫ولواله لمزقتها ألسنة العرب أنفسهم حتى تذهب مع الزمن‪ ،‬فتصبح أثرا‬ ‫بعد عين ثم خبــرا بعد أثر‪ ،‬فلأجل القرآن وحــده تزاحمت الركب عليها‬ ‫وتنافســت الهمم في الدفاع عنهــا‪ ،‬فكانت هذه التضحيــات من العرب‬ ‫والعجم على السواء‪.‬‬ ‫)‪ (١‬الرافعي‪ :‬إعجاز القرآن والبلاغة النبوية‪ ،‬ص ‪.٦٤‬‬ ‫المحور الحادي عشر‪ :‬فيما يتعلق بالبيان‬ ‫‪٢٥٧‬‬ ‫ا ‪ U% ,' ' 6‬ا  ال <‪ 7‬إ‪-‬ل ا ‪g‬ت الأ‪G‬ى‪:‬‬ ‫ال يعني التحضيض على دراســة العربيــة مصادرة اللغــات الأخرى أو‬ ‫إهمالها‪ ،‬فإن اختلاف الألســنة من آيات االله تعالى الدالة عليه كسائر آياته في‬ ‫الخلق‪ ،‬وقد نبه علــى ذلك في قولــه‪s r q p o ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾| { z y x wv u t‬الروم‪ ،٢٢ :‬وقد أرسل‬ ‫االله رســله إلى أقوامهم يخاطبونهم بألســنتهم كما نص عليه في قوله‪f ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ n m l k j i h g‬إبراهيم‪ ،٤ :‬وإنما في اجتماع‬ ‫الشعوب المسلمة على لغة القرآن في تفاهمهم وتبادل المعارف والعلوم بينهم‬ ‫)‪ (١‬القلقشندي‪ :‬أحمد بن علي بن أحمد الفزاري‪ ،‬صبح الأعشى في كتابة الإنشا‪ ،٢٠٥/١ ،‬وزارة‬ ‫الثقافة ـ دمشق ـ ‪ ،١٩٨١‬تحقيق‪ :‬عبد القادر زكار‪.‬‬ ‫‪٢٦٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫جمع لهذا الشــتات‪ ،‬وتوحيد لهذه الفئــات‪ ،‬وخرط لها في ســلك التعارف‬ ‫والتآلف بما علمته من أن اللغة ربــاط كالفكر‪ ،‬وال حرج مع هذا في تعلم أي‬ ‫لغة لإبلاغ دعوة الحق إلى الناطقين بهــا‪ ،‬وتبصيرهم بما ينقذهم من الضلالة‬ ‫والردى في حالهم ومآلهم‪ ،‬فإن اللغات وسائل تبلغ الغايات‪ ،‬ومن استكثر منها‬ ‫تعددت عنده وســائل الدعوة والبلاغ‪ ،‬وكان أقدر على إيصال الحق إلى أكبر‬ ‫عدد من الناس‪.‬‬ ‫وتدخل في ذلك اللغات الحية المنتشرة في العالم بما كان لأهلها من‬ ‫نفوذ وســلطان‪ ،‬فالدعوة الإســلامية هي بحاجة إلــى أن تترجم إلى هذه‬ ‫اللغات جميعا‪ ،‬ولكن على أن ال يكون ذلك على حساب لغة القرآن‪ ،‬وأن‬ ‫ال تكون العناية بها ناشــئة عن الإعجاب واالنبهــار بأصحابها المناوئين‬ ‫للإسلام‪ ،‬وأن ال يكون في نفوس المتخاطبين بها من أبناء الأمة الإسلامية‬ ‫استخفاف واستهانة بلغة القرآن‪ ،‬التي فضلها االله تعالى على جميع اللغات‬ ‫بإنزال كتابه بها‪.‬‬ ‫بل يجب االعتزاز بهذه اللغة الفضلــى وأن ال يكون العدول عنها إال مع‬ ‫الحاجة الملحة‪ ،‬وأن ال يورث التخاطب بغيرها هزيمة في النفس وال ارتكاسا‬ ‫في الفكر‪.‬‬ ‫و‪!I‬ب ا ‪ 7,‬إ > إ'‪R‬ء ا  ‪ 9I 7 9J‬و'ء ‪ U%‬ا !م‪:‬‬ ‫هذا؛ ويجب السعي الحثيث إلى إعطاء هذه اللغة حقها من االهتمام‪ ،‬فإذا‬ ‫كانت اللغات القومية ال يفرط فيهــا أهلها وإن عصفت بهم الزعازع وزلزلتهم‬ ‫الأحداث‪ ،‬بل يظلون متمسكين بها ومفاخرين بإدارة حياتهم العلمية والعملية‬ ‫بها دون غيرها‪ ،‬فكيف تهمل أو تهمش لغة وحدت الشعوب والأمم ووصلت‬ ‫بين الفكر والعمل‪ ،‬وربطت بين الدنيا والآخرة عندما أنزل االله بها كتابه المبين‪،‬‬ ‫وجعله رحمة لجميع العالمين؟!‪.‬‬ ‫المحور الحادي عشر‪ :‬فيما يتعلق بالبيان‬ ‫‪٢٦٣‬‬ ‫ولعمر الحــق إن ممــا يدعو إلى الحســرة والأســى أن يهمــل العرب‬ ‫والمســلمون اللغة العربية التي حفظ االله بها دينه‪ ،‬وأتم بإنزاله كتابه بها نعمته‬ ‫عليهم‪ ،‬ويؤثروا عليها اللغات الأجنبية في دراسة العلوم الإنسانية‪ ،‬مع أن مثل‬ ‫هذا التصرف ‪‬‬ ‫يعد نكوصا وهويا إلى الحضيض عند الأمم والشعوب الأخرى‪،‬‬ ‫العمانيين ـ الذين تلقوا العلم بالجامعــة الأردنية ـ أن وفدا‬ ‫فقد أخبرني أحــد ُ‬ ‫كوريا مؤلفا من طلبة الجامعات وأســاتذتها زار هذه الجامعة إبان وجود هذا‬ ‫العماني فيها‪ ،‬وأن ســؤاال طرح على الوفد الزائر مضمونه أنهم‪) :‬بأي‬ ‫الطالب ُ‬ ‫لغة يدرسون العلوم في جامعاتهم؟(‪.‬‬ ‫فكانت الإجابة مصدرة بتعجب من طرح هذا السؤال‪ ،‬وكأنهم شعروا بغباء‬ ‫السائل‪ ،‬وذلك أنهم قالوا‪ :‬بأي لغة عسانا أن ندرس العلوم؟! ألسنا شعبا مستقلا‬ ‫له لغته وثقافته وتأريخه وحضارته؟! فكيف نعدل عن لغتنا التي نعتز بها إلى‬ ‫لغات أخرى؟!‪.‬‬ ‫وفي طي هذه الإجابة ما ال يخفى على ذي بصر أن القوم شعروا بأن طرح‬ ‫السؤال إما أن يكون ناشئا عن إحساس السائل بأن أمته وقومه معدمون من كل‬ ‫ما عساهم يعتزون به من تأريخ أو قومية أو حضارة‪ ،‬وأن لغتهم مهملة ما بقي‬ ‫لها مكان بين الشعوب المتحضرة إال أن تطرح في مزابل التأريخ‪ ،‬وهو يقيس‬ ‫سائر الشعوب والأمم على حالته المتدنية الســافلة‪ ،‬وإما أن يكون ناشئا عن‬ ‫غبش في التصور وجمود فــي الإدراك وضيق في الإلمام بأحوال الشــعوب‬ ‫والأمم‪ ،‬فلذلك طرح هذا السؤال‪.‬‬ ‫وإذا كان هذا االســتنكاف من التدريــس بغير اللغة القوميــة ينبعث من‬ ‫أصحاب لغة ال يصل عدد المتحدثين بها إلى سبعين مليون نسمة‪ ،‬وال تقارب‬ ‫الأرض التي تنتشر فيها ربع مليون كيلومتر مربع‪ ،‬فما بالك بلغة يتحدث بها‬ ‫أكثر من ثلاثمائة مليون عربي ويرتبط بها أكثر مــن مليار ونصف المليار من‬ ‫‪٢٦٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫المسلمين‪ ،‬وبلاد العرب أنفســهم تمتد من الخليج إلى المحيط وتقدر بثلاثة‬ ‫عشــر مليون كيلومتر مربع‪ ،‬وأرض الإســلام ال تكاد تكون قارة من قارات‬ ‫الأرض إال ولها فيها نصيب‪ ،‬فكيف تتناسى هذه اللغة ويهمل التعليم بها؟!!‬ ‫ويرفع المعادون لها عقيرتهم متهمين إياها بأنها عقيم ال يمكن أن تنتج علما!!‬ ‫مع أنها وسعت علوم الدنيا والآخرة‪ ،‬إذ وســعت كتاب االله وآياته‪ ،‬وهو تعالى‬ ‫القائل في وصفه‪ ﴾ U T S R Q P ﴿ :‬الأنعــام‪ ،٣٨ :‬والقائل‪? ﴿ :‬‬ ‫@ ‪ ﴾ D C B A‬النحل‪.٨٩ :‬‬ ‫وكل ما تفرزه العلوم وما تترجمه االكتشافات ليس هو إال أثرا من آثار‬ ‫هذا الكتاب‪ ،‬الذي أنزله من يعلم السر في السماوات والأرض‪ ،‬ووعد عباده‬ ‫بكشــف هذه الآيات ليتبين لهــم أن ما أنزله هو الحــق‪ ̄ ® ¬ ﴿ ،‬‬ ‫‪❁3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 2 ± °‬‬ ‫‪Í Ì ËÊ É È Ç Æ Å Ä Ã Â Á À‬‬ ‫‪ß Þ Ý ÜÛ Ú Ù Ø × Ö Õ ❁ Ó Ò Ñ Ð Ï Î‬‬ ‫‪ ﴾ á à‬فصلت‪ ٥٢ :‬ـ ‪.٥٤‬‬ ‫وأفسح الميدان للعربية نفسها أن تدافع عن مكانتها بين اللغات‪ ،‬وأن تثبت‬ ‫حجتها بأنها ال تضيق مساحتها عن علم يدرس أو حقيقة تكتشف أو شيء مما‬ ‫يخترع‪ ،‬فقد نظم على لسانها شاعر النيل ما يبرز حجتها في قوله‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫همت َحصاتِي‬ ‫ت حياتِي‬ ‫ت لنفْ سي فا ‪‬ت ُ‬ ‫»ر َج ْع ُ‬ ‫فاح َت َس ْب ُ‬ ‫ونادي ُ‬ ‫ت ق َْومي ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫بعقم ٍ في ‪‬‬ ‫الشباب ِ ولي َتني‬ ‫أجز ْع لقَول ِ عداتي‬ ‫مت فلم َ‬ ‫َعق ُ‬ ‫َر َموني ُ‬ ‫رِجــاالً وأ َ‬ ‫دت ول ‪‬ما لم أجِ ْد لعرائســي‬ ‫ت بناتِــي‬ ‫َو َل ُ‬ ‫كفــاء َوأ َ ْد ُ‬ ‫ً‬ ‫ضقْت عــن آي ٍ به ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وما ِ‬ ‫وع ِ‬ ‫تاب االله ِ َلفظ ًا وغاي ًة‬ ‫وس‬ ‫ظات‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ــعت ك َ‬ ‫ٍ‬ ‫أضيق اليوم عن وصفِ‬ ‫فكيف ِ‬ ‫أســماء لمخْ تر ِ‬ ‫و َت ْن ِســيق ِ‬ ‫آلة‬ ‫عات‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أنا البحر في أحشائه الدر كامن‬ ‫فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي‬ ‫‪٢٦٥‬‬ ‫المحور الحادي عشر‪ :‬فيما يتعلق بالبيان‬ ‫فيا ويح ُكم أبلى وتبلى م ِ‬ ‫حاسني‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫للزمــان ِ فإ ّنني‬ ‫فــلا َتك ُلونــي ّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أرى ِ ِ‬ ‫نع ًة‬ ‫وم َ‬ ‫لرجال الغَــرب ع ّز ًا َ‬ ‫ِ‬ ‫أ َتــوا أه َلهم بالمعجِ‬ ‫ــزات َت َفن‪‬ن ًا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُأي ِ‬ ‫طر ُب ُكم من جانب الغَرب ناع ٌب‬ ‫ولو َت ْز ُجرو َن ‪‬‬ ‫الط َير يوم ًا َعلِم ُت ُم‬ ‫ِ‬ ‫االله في َبطْ ن ِ‬ ‫الجزيرةِ أ َ ْعظُ م ًا‬ ‫سقَى ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وح ِفظْ ُته‬ ‫َحفظْ َن وِدادي في البِلى َ‬ ‫هل الغ َْرب ِ والشر ُق ُمطْ ِر ٌق‬ ‫َ‬ ‫وفاخ ْر ُت أ َ َ‬ ‫بالجرائِــد ِ َم ْز َلق ًا‬ ‫أرى ك ‪‬ل يــوم ٍ َ‬ ‫ِ‬ ‫وأسمع ُ ِ‬ ‫ض ّج ًة‬ ‫صر َ‬ ‫َ ُ‬ ‫للك ّتاب في م َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عنهم‬ ‫يهجرني قومي عفــا االله‬ ‫أَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫كما َس َرى‬ ‫َس َر ْ‬ ‫ت لو َث ُة االف َْرنج ِ فيها َ‬ ‫ٍ‬ ‫ض ‪‬م سبعين ُرقْع ًة‬ ‫فجاءَ ْ‬ ‫ت ك َث ْوب َ‬ ‫إلى معشَ ِر ُ ِ‬ ‫مع حافِ ٌل‬ ‫الك ّتاب َ‬ ‫والج ُ‬ ‫َ‬ ‫ت في البِلى‬ ‫فإما َحيا ٌة‬ ‫ُ‬ ‫الم ْي َ‬ ‫ّ‬ ‫تبعث َ‬ ‫عد ُه‬ ‫وإمــا َم‬ ‫قيامــ َة َب َ‬ ‫ٌ‬ ‫مــات ال َ‬ ‫ّ‬ ‫واء أســاتِي‬ ‫كم وإ ْن َع ‪‬ز ّ‬ ‫الد ُ‬ ‫وم ْن ْ‬ ‫حين َوفاتي‬ ‫ُ‬ ‫أخاف عليكــم أن َت َ‬ ‫وكــم عــ ‪‬ز أقــوام ِ‬ ‫بعــ ‪‬ز ُل ِ‬ ‫غات‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫فيا ليت ُكــم تأتــو َن بالكلِم ِ‬ ‫ات‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُينادي ب ِ َوأدي فــي َربيع ِ َحياتي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ــتات‬ ‫وش‬ ‫ــن َع ْث َرةٍ َ‬ ‫بمــا تح َته م ْ‬ ‫تليــن قَناتِــي‬ ‫َي ِعــز‪ ‬عليهــا أن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ــرات‬ ‫الح َس‬ ‫ــن بقلــب دائم ِ َ‬ ‫له ّ‬ ‫ُ‬ ‫حياء بتلك الأَعظُ ــم ِ الن ِ‪‬خراتِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بغيــر أناة‬ ‫القبــر يدنينِي‬ ‫ــن‬ ‫م َ‬ ‫فأع َلــم أن الص ِ‬ ‫ائحيــن ُنعاتــي‬ ‫ُ ّ ‪‬‬ ‫إلــى لغــةٍ لــم تتصل ِ بــرواةِ‬ ‫ْ ّ‬ ‫ُلعاب الأفاعي في مسيل ِ ف ِ‬ ‫ُرات‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ختلفــات‬ ‫مشــ ‪‬كل َة الأَلــوان ِ ُم‬ ‫ِ‬ ‫رجائي بعد بس ِ‬ ‫ط شكاتِي‬ ‫ت‬ ‫َب َسطْ ُ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫الر ُموس ِ ُرفاتي‬ ‫و ُتنبِ ُ‬ ‫ت في تلك ‪‬‬ ‫ِ )‪(١‬‬ ‫ِ‬ ‫لم ُيق َْس بممات«‬ ‫ٌ‬ ‫ممات َل َع ْمري ْ‬ ‫وقد شــدني العجب عندما وجدت الأطباء في مملكة تايلند يتحدثون‬ ‫بلغتهم بينما الأطباء عندنا ـ وإن كانوا جميعا عربــا أقحاحا ـ ال يتحدثون‬ ‫بينهم في قضية طبية إال باللغة الأجنبية!! وما هو إال أثر للهزيمة التي رزئت‬ ‫بها هذه الأمة‪.‬‬ ‫)‪ (١‬حافظ إبراهيم‪ :‬ديوان حافظ إبراهيم‪ :‬ص ‪.٦٦‬‬ ‫‪٢٦٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫)ورة ا  ‪ 7‬ا ‪+‬ن  )‪ 7‬وا‪: +-‬‬ ‫إذا كان البيان من أعظــم النعم التي وهبها االله للإنســان‪ ،‬فإن من واجب‬ ‫الإنسان أن ال يســخر بيانه إال لمرضاة االله‪ ،‬فلا يجعله وســيلة لتفريق الكلمة‬ ‫والتنفير بين الناس‪ ،‬بل عليه أن يسخره لجمع الشتات وتأليف القلوب وتوحيد‬ ‫الصف‪ ،‬وكذلك يجدر به أن ال يجعله وسيلة لنشــر الرذائل وإشاعة الفحشاء‬ ‫وتزيين الباطل وتسفيه الحق‪ ،‬ولكن يجب على الكل أن يتعاونوا ـ بما يبثونه‬ ‫من بيان ـ على نشر الفضائل‪ ،‬وتقليص الرذائل‪ ،‬وتأييد الحق‪ ،‬وطمس الباطل‪،‬‬ ‫والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فإن ذلك كله من شــكر االله تعالى على‬ ‫هذه النعمة‪ ،‬وهل تشكر النعم إال بتسخيرها لما يرضي من أنعم بها؟‪.‬‬ ‫ويجب أن ال يشــوب البيان كذب وال بهتان وأن ال يكون سببا للاغتياب‬ ‫وال النميمة‪ ،‬فكم توعد االله سبحانه الكذابين بسوء العذاب؟‪.‬‬ ‫ومما يؤســف له أن يفوت الناس هــذا الملحظ المهم‪ ،‬فيســخروا حديثهم‬ ‫للسخرية من الحق وأهله‪ ،‬ولمز الناس بالباطل‪ ،‬والسعي بالنميمة بينهم‪ ،‬والإيقاع‬ ‫بينهم‪ ،‬وهذا كثيرا ما يكون في الصحافة وسائر وسائل النشر‪ ،‬ووعيد ذلك شديد‪،‬‬ ‫فعندما وصى رســول االله ژ معاذا ‪ ƒ‬قال له‪ ... » :‬أال أخبرك بملاك ذلك كله؛‬ ‫كف عليك هذا ـ وأشار إلى لسانه ـ ‪ ،‬قال‪ :‬يا نبي االله‪ .‬وإنا لمؤاخذون بما نتكلم‬ ‫به؟! قال‪ :‬ثكلتك أمك يا معاذ‪ ،‬وهل يكــب الناس في النار على وجوههم أو‬ ‫على مناخرهم في النار إال حصائد ألســنتهم«)‪ ،(١‬وقد فرض االله على عباده أن‬ ‫يقولوا قوال سديدا‪ ،‬وقرن ذلك بالتقوى في قوله‪y x w v u ﴿ :‬‬ ‫‪ ~ ❁ | { z‬ے ¡ ‪ ﴾ ¤ £ ¢‬الأحــزاب‪ ٧٠ :‬ـ ‪،٧١‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجــه الطيالســي )ص ‪ ،٧٦‬رقم ‪ ،(٥٦٠‬وأحمــد )‪ ،٢٣١/٥‬رقم ‪ ،(٢٢٠٦٩‬والترمــذي )‪،١١/٥‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٦١٦‬وقال‪ :‬حســن صحيح‪ .‬وابــن ماجــه )‪ ،١٣١٤/٢‬رقم ‪ ،(٣٩٧٣‬والحاكــم )‪،٤٤٧/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٣٥٤٨‬وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين‪ .‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪ ،١٣/٤‬رقم ‪،(٤٢٢٥‬‬ ‫والطبراني )‪ ،١٤٣/٢٠‬رقم ‪.(٢٩٢‬‬ ‫المحور الحادي عشر‪ :‬فيما يتعلق بالبيان‬ ‫‪٢٦٧‬‬ ‫ومفهوم ذلك أن من قال فعليه أن يقول قوال سديدا‪ ،‬وإال فالصمت هو الواجب‬ ‫عليه‪ ،‬كما جاء في الحديث عن النبي ژ ‪» :‬ومن كان يؤمن باالله واليوم الآخر‬ ‫فليقل خيرا أو ليصمت«)‪.(١‬‬ ‫أال فليتق االله الذين يلتذون بتسليط ألسنتهم على أعراض الناس تفريها كما‬ ‫يفرى الأديم‪ ،‬وينبسطون لتسفيه الحق‪ ،‬وتأييد الباطل‪ ،‬وتمزيق الشمل‪ ،‬وتفريق‬ ‫الكلمة‪ ،‬وتشتيت الأمة‪ ،‬وعلى كل من ملك وسيلة للبث والنشر أن يتقي االله في‬ ‫ذلك‪ ،‬وأن يقول قوال سديدا‪ ،‬وعلى من أوتوا ملكة البيان أن ُيس ‪‬‬ ‫خروا بيانهم لما‬ ‫يرضي االله من خدمة الدين‪ ،‬والدعوة إلى الخير‪ ،‬وإصلاح ذات البين‪ ،‬ورتق فتق‬ ‫الأمة وجمع شملها‪.‬‬ ‫هذا؛ وإذا كان النبي ژ يحذر معاذا ‪ ƒ‬من إطلاق العنان للســانه‪ ،‬فإن‬ ‫ما تسجله الأقلام وتبثه وســائل الإعلام وتتناقله الصحف هو أشد خطرا‪ ،‬لأن‬ ‫من قال بلسانه في مجلس محدود ال يسمعه إال من بمجلسه‪ ،‬ولكن ما ينشر في‬ ‫الصحف أو يدون في الكتب أو يتلى في المحافل والمجامع أو يبث بوسائل‬ ‫النقل هو أكثر انتشارا‪ ،‬فبقدر ما يتأثر به المتأثرون يكتب لقائله أو عليه بره أو‬ ‫فجوره‪ ،‬فيبوء بأجره أو بوزره‪ ،‬واالله المستعان‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الربيع من طريق جابر مرسلا )ص ‪ ٢٦٦‬رقم‪ ،(٦٨٣ :‬وبلفظ‪) :‬فليقل خيرا أو ليسكت(‬ ‫جاء من عدة طرق‪ ،‬فمن طريق أبي شــريح‪ :‬أخرجه أحمــد )‪ ،٣١/٤‬رقم ‪ ،(١٦٤١٧‬والبخاري‬ ‫)‪ ،٢٢٤٠/٥‬رقم ‪ ،(٥٦٧٣‬ومســلم )‪ ،٦٩/١‬رقم ‪ (٤٨‬وأبــو داود )‪ ،٣٤٢‬رقم ‪ ،(٣٧٤٨‬والترمذي‬ ‫)‪ ،٣٤٥/٤‬رقم ‪ (١٩٦٧‬وقال‪ :‬حســن صحيح‪ .‬وابن ماجه )‪ ١٢١١/٢‬رقم ‪ .(٣٦٧٢‬وأخرجه أيضا‪:‬‬ ‫أبو عوانــة )‪ ،٤٢/١‬رقم ‪ ،(٩٥‬ومــن طريق أبي هريــرة‪ :‬أخرجه أحمــد )‪ ،٢٦٧/٢‬رقم ‪،(٧٦١٥‬‬ ‫والبخاري )‪ ،٢٢٤٠/٥‬رقم ‪ ،(٥٦٧٢‬ومسلم )‪ ١٠٩١/٢‬رقم ‪ ،(١٤٦٨‬وأبو داود )‪ ،٣٣٩/٤‬رقم ‪(٥١٥٤‬‬ ‫والترمذي )‪ ،٦٥٩/٤‬رقم ‪ (٢٥٠٠‬وقال‪ :‬صحيح‪ .‬وابن ماجــه )‪ ١٣١٣/٢‬رقم ‪ ،(٣٩٧١‬وابن حبان‬ ‫)‪ ،٢٥٩/٢‬رقم ‪ .(٥٠٦‬وأخرجــه أيضا‪ :‬الطيالســي )ص ‪ ،٣٠٨‬رقم ‪ ،(٢٣٤٧‬وأبــو يعلى )‪٨٥/١‬‬ ‫رقم ‪ .(٦٢١٨‬ومن طريق ابن عمرو‪ :‬أخرجه أحمــد )‪ ،١٧٤/٢‬رقم ‪ .(٦٦٢١‬ومن طريق رجل من‬ ‫مزينة‪ :‬أخرجه أحمد )‪ ،٤١٢/٥‬رقم ‪.(٢٣٥٤٣‬‬ ‫‪٢٦٩‬‬ ‫ا "!ر ا ‪D' 7.8‬‬ ‫  لأ‪G‬لاق‬ ‫الأ‪G‬لاق ا "‪) <,‬ورة " ‪J 7‬ة ا ‪:D+‬‬ ‫إن من أهم ما يميز الإنســان ويزينه ويزكي طباعه ويقربه من بني جنسه‪،‬‬ ‫وينشر بينه وبينهم المودة والحنان والألفة والوفاق التحلي بمحاسن الأخلاق‪،‬‬ ‫فإن الأخلاق الحميــدة عندما تتحلى بها الأمم تكون معــارج لها إلى الأقدار‬ ‫العالية ووسائل لها إلى غزو القلوب واحتلالها بالمودة والشفقة والحنان‪ ،‬وقد‬ ‫أبان االله ‪ 4‬عما للأخلاق من قدر عال عنده عندما ميز نبيه ژ بما حلاه به من‬ ‫الأخلاق‪ ،‬إذ قال‪ ﴾ n m l k ﴿ :‬القلم‪.٤ :‬‬ ‫وهو دليل على أن الأخلاق هي بالنسبة إلى المزايا الأخرى كالأرواح‬ ‫للأبدان‪ ،‬فالنبي ژ كان أعلــم الناس بما علمه االله تعالــى إياه‪ ،‬كيف وقد‬ ‫امتن ‪ 4‬عليه بتعليمه ما لم يعلم‪ ،‬عندما قال‪ÏÎ Í Ì Ë Ê ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Ô Ó Ò Ñ Ð‬النساء‪ ،١١٣ :‬إال أنه بجانب ذلك لم يصفه االله‬ ‫تعالى بالعلم الغزير في مقام التفضيل‪ ،‬وإنما فضله بالخلق العظيم‪ ،‬وبين أنه‬ ‫كغيره من عباد االله مهما علموا ال يمكن أن يتجــاوز علمهم حدود فطرهم‬ ‫التــي ال تتعــدى دور المخلوقية‪ ،‬وإنما العلــم المطلــق الله تعالى وحده‪،‬‬ ‫والنبي ژ مع غيره داخل في عموم خطاب االله تعالى القائل‪Ê É ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Î Í Ì Ë‬الإسراء‪.٨٥ :‬‬ ‫‪٢٧٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وبين تعالى إن هذا الخلق الرفيع الذي زين به عبده ورسوله ژ ورفع به‬ ‫قدره بين الناس هو الذي قربه إلى قلوب أصحابــه فأحبوه وأكبروه‪ ،‬وأطاعوا‬ ‫أمره وبذلوا مهجهم في نصرته‪ ،‬فقد قال تعالى‪/. - , + * )﴿ :‬‬ ‫‪= < ; : 9 87 6 5 4 3 2 1 0‬‬ ‫> ?‪ ﴾ ...‬آل عمــران‪ ،١٥٩ :‬وقد جمعت الآية الكريمة بيــن وصفه ژ بمكارم‬ ‫الأخلاق وحثه علــى أن يكون تعامله مــع أصحابه بحســب ما تقتضيه هذه‬ ‫الأخلاق الكريمة‪.‬‬ ‫لهذا امتن االله سبحانه على الذين بعث فيهم هذا النبي الكريم بما حلاه به‬ ‫من مكارم أخلاقه التي ينجذب إليها النــاس بالفطرة‪ ،‬فقد قال تعالى‪| ﴿ :‬‬ ‫} ~ ے ¡ ‪§¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫ ̈ © ‪ ﴾ a‬التوبة‪.١٢٨ :‬‬ ‫ر‪  B‬الإ‪B‬لام ‪ 7-‬ر‪  B‬أ‪G‬لاق‪:‬‬ ‫كانت مهمته ژ في الرسالة العظمى التي حملها إلى الإنسانية أن يبني أمة‬ ‫تمتاز بأخلاقها وتسود بأحلامها‪ ،‬وقد بين ذلك في قوله‪» :‬بعثت لأتمم صالح‬ ‫الأخلاق«)‪ ،(١‬وفي رواية‪» :‬بعثت لأتمم مكارم الأخلاق«)‪ ،(٢‬وفي أخرى‪» :‬وإنما‬ ‫بعثت على تمام محاسن الأخلاق«)‪.(٣‬‬ ‫وبهذا يتبين أن حضارة الإسلام التي جاء بها الرسول ! إنما كانت حضارة‬ ‫أخلاق‪ ،‬وقد وصى القرآن بمخالقة الناس جميعا بالخلق الحسن‪ ،‬فقد ذكر االله‬ ‫تعالى وصيته لبني إســرائيل التي جاء فيها‪ ﴾o 1 ̧ ﴿ :‬البقرة‪،٨٣ :‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الحاكم )‪ ،٦٧٠/٢‬رقم ‪ (٤٢٢١‬وقال‪ :‬صحيح على شــرط مسلم‪ .‬والبيهقي )‪،١٩٢/١٠‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٠٥٧٢‬والديلمي )‪ ،١٢/٢‬رقم ‪.(٢٠٩٨‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه البيهقي )‪ ،١٩١/١٠‬رقم ‪.(٢٠٥٧١‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه الطبراني )‪ ،٦٥/٢٠‬رقم ‪ ،(١٢٠‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪ ،٢٣١/٦‬رقم ‪.(٧٩٨٠‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٧١‬‬ ‫وبهذا وصى النبي ژ ‪ ،‬فعنه ! ‪» :‬اتق االله حيثما كنت وأتبع الســيئة الحســنة‬ ‫تمحها وخالق الناس بخلق حسن«)‪.(١‬‬ ‫وبين ژ مكانة الأخلاق الحسنة وجزاءها الحســن عند االله تعالى بقوله‪:‬‬ ‫»خياركم أحاســنكم أخلاقا«)‪ ،(٢‬وفي حديث عنه‪» :‬أحبكم إلى االله أحاســنكم‬ ‫أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلى االله المشاءون‬ ‫بالنميمة المفرقون بين الإخوان الملتمســون لهم العثــرات«)‪ ،(٣‬وجاء عنه في‬ ‫رواية‪» :‬أكمل المؤمنين إيمانا أحســنهم خلقا الموطئــون أكنافا الذين يألفون‬ ‫ويؤلفون وال خير فيمن ال يألف وال يؤلف«)‪ ،(٤‬وروي عنه‪» :‬إن أحبكم إلى االله‬ ‫أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلى االله‬ ‫المشاءون بالنميمة المفرقون بين الإخوان الملتمسون للبرآء العثرات«)‪ ،(٥‬وعند‬ ‫البخاري من طريق ابن عمرو‪» :‬إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا«)‪.(٦‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،١٥٣/٥‬رقم ‪ ،(٢١٣٩٢‬والترمذي )‪ ،٣٥٥/٤‬رقم ‪ (١٩٨٧‬وقال‪ :‬حســن صحيح‪.‬‬ ‫والدارمي )‪ ،٤١٥/٢‬رقم ‪ ،(٢٧٩١‬والحاكم )‪ ،١٢١/١‬رقم ‪ (١٧٨‬وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين‪،‬‬ ‫ووافقه الذهبي‪ .‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪ ،٢٤٥/٦‬رقم ‪ .(٨٠٢٦‬والبزار )‪ ٤١٦/٩‬رقم ‪(٤٠٢٢‬‬ ‫وأبو نعيم في الحلية )‪.(٣٧٨/٤‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجــه أحمــد )‪ ،١٩٣/٢‬رقم ‪ ،(٦٨١٨‬والبخــاري )‪ ،٢٢٤٥/٥‬رقم ‪ ،(٥٦٨٨‬ومســلم )‪،١٨١٠/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٣٢١‬والترمذي )‪ ،٣٤٩/٤‬رقم ‪ (١٩٧٥‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وابن حبان )‪ ،٢٢٥/٢‬رقم ‪،(٤٧٧‬‬ ‫وابن أبي شيبة )‪ ،٢١٠/٥‬رقم ‪ ،(٢٥٣١٧‬والبزار )‪ ،٣٩٥/٦‬رقم ‪.(٢٤١٧‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه الخطيــب )‪ ،(٣٨٢/١‬وينظر الطبرانــي في الأوســط )‪ ،٣٥٠/٧‬رقم ‪ (٧٦٩٧‬وفي الكبير‬ ‫)‪ ٥٠١/١٣‬رقم‪ ،(١٤٣٧٤ :‬وفي الصغير )‪ ،٨٩/٢‬رقم ‪ (٨٣٥‬وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة )ص ‪،١٦٨‬‬ ‫رقم ‪ ،(١١٧‬وفي الصمت )‪ ،١٥٤/١‬رقم ‪.(٢٥٣‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه الطبراني في الأوســط )‪ ،٣٥٦/٤‬رقم ‪ (٤٤٢٢‬وفي الصغير )‪ ،٣٦٢/١‬رقم ‪ (٦٠٥‬و)‪٨٩/٢‬‬ ‫رقم‪ ،(٨٣٥ :‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪ ،٢٣٢/٦‬رقم ‪.(٧٩٨٣‬‬ ‫)‪ (٥‬أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبــة )ص ‪ ،١٦٨‬رقم ‪ ،(١١٧‬وفي الصمت )‪ ،١٥٤/١‬رقم ‪.(٢٥٣‬‬ ‫وينظر الطبراني في الأوسط )‪ ،٣٥٠/٧‬رقم ‪ ،(٧٦٩٧‬وفي الصغير )‪ ،٨٩/٢‬رقم ‪.(٨٣٥‬‬ ‫)‪ (٦‬أخرجه البخاري )‪ ،١٣٧٢/٣‬رقم ‪.(٣٥٤٩‬‬ ‫‪٢٧٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وجاء عنه‪» :‬إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم‬ ‫أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكــم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشــدقون‬ ‫والمتفيهقون قالوا يا رسول االله ما المتفيهقون قال المتكبرون«)‪ ،(١‬وفي رواية‪:‬‬ ‫»إن أحبكــم إلي وأقربكــم مني في الآخــرة مجالس محاســنكم أخلاقا وإن‬ ‫أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة مساوئكم أخلاقا الثرثارون المتفيهقون‬ ‫المتشــدقون«)‪ ،(٢‬وفي أخرى‪» :‬إن أحبكم إلى االله يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا‬ ‫وإن من أبغضكم إلي يوم القيامة المتشدقون المتفيهقون«)‪ ،(٣‬وفي رواية »عن‬ ‫أنس ‪ ƒ‬قال‪ :‬قالت أم حبيبة زوج النبي ژ ‪ :‬يا رسول االله‪ ،‬المرأة منا يكون لها‬ ‫في الدنيا زوجان‪ ،‬ثم تموت فتدخل الجنة هي وزوجاها لأيهما تكون للأول أو‬ ‫للأخير؟ قال‪» :‬تخير‪ ،‬فتختار أحسنهما خلقا كان معها في الدنيا‪ ،‬فيكون زوجها‬ ‫في الجنة يا أم حبيبة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا‪ ،‬وخير الآخرة««)‪.(٤‬‬ ‫ا  )‪ $ 0‬ا <س "‪ *,‬الأ‪G‬لاق‪:‬‬ ‫هذا كله يدل على أن الأخلاق هــي ميزان التفاضل بيــن الناس‪ ،‬وبقدر‬ ‫التفاضل فيها يكون الإنسان أحب إلى االله وإلى عباده‪ ،‬فالمرأة عندما يكون لها‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الترمذي )‪ ،٣٧٠/٤‬رقم ‪ ،(٢٠١٨‬وينظر الخرائطي في مكارم الأخلاق )ص ‪ ،٣٢‬رقم ‪،(٢٤‬‬ ‫وأخرج بقيته في مساوئ الأخلاق )ص ‪ ،٤٢‬رقم ‪ (٦٣‬وأيضا )ص ‪ ،٢٠٥‬رقم ‪ ،(٥٨٣‬والخطيب‬ ‫)‪ ،(٦٢/٤‬وابن عساكر )‪.(٣٩٧/٣٧‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمد )‪ ،١٩٣/٤‬رقم ‪ ،(١٧٧٦٧‬وابن حبان )‪ ،٣٦٨/١٢‬رقم ‪ ،(٥٥٥٧‬والطبراني )‪،٢٢١/٢٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٥٨٨‬وأبو نعيم في الحلية )‪ ،(١٨٨/٥‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪ ،٢٣٤/٦‬رقم ‪،(٧٩٨٩‬‬ ‫والخرائطي في مكارم الأخلاق )ص ‪ ،٣١‬رقم ‪ ،(٢٣‬وأخرج بقيته في مساوئ الأخلاق )ص ‪،٤٢‬‬ ‫رقم ‪ .(٦٢‬وابــن أبي شــيبة )‪ ،٢١٠/٥‬رقم ‪ ،(٢٥٣٢٠‬وهنــاد في الزهــد )‪ ،٥٩٣/٢‬رقم ‪،(١٢٥٥‬‬ ‫والحارث كما في بغية الباحث )‪ ،٨١٨/٢‬رقم ‪ ،(٨٥٢‬والبيهقي )‪ ،١٩٣/١٠‬رقم ‪.(٢٠٥٨٨‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه الطبراني )‪ ،١٩٠/١٠‬رقم ‪.(١٠٤٢٤‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه عبد بن حميد )ص ‪ ،٣٦٥‬رقم ‪ ،(١٢١٢‬والطبراني )‪ ،٢٢٢/٢٣‬رقم ‪ (٤١١‬وينظر في الأوسط‬ ‫)‪ ٢٧٩/٣‬رقم‪ ،(٣١٤١ :‬والخرائطي في مكارم الأخلاق )ص ‪ ،٣٧‬رقم ‪.(٥٠‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٧٣‬‬ ‫أكثر من زوج في الدنيا ثم تبعث يوم القيامة إلــى الجنة وتجد هناك أزواجها‬ ‫تخير بينهم؛ فتختار من كان في الدنيا ألطفهم معها معاملة وأحســنهم خلقا‪،‬‬ ‫وهو وإن غمز أحد رجال سنده فإنه يعتضد بالأحاديث السابقة الدالة على أن‬ ‫مكارم الأخلاق هي مدارج االرتقاء في الــدار الآخرة إلى المنازل العليا‪ ،‬كما‬ ‫أنها في الدنيا تدني صاحبها من بني جنسه وتحببه إليهم‪.‬‬ ‫ا‪^.‬س الأ‪G‬لاق '> ‪ !J  01‬ا ‪ D‬الإ‪B‬لا‪:‬‬ ‫لهذا؛ كان عنصر الأخلاق هو مدار التشريع في الإسلام‪ ،‬فما من أمر شرع في‬ ‫الإســلام إال وهو مرتبط بالأخلاق‪ ،‬ناهيك أن االله ســبحانه أمر بالقول الحسن‬ ‫لجميع الناس‪ ،‬ولم يحصره في المتقين أو المؤمنين‪ ،‬أو المحسنين‪ ،‬وإنما قال‪:‬‬ ‫﴿ ̧ ‪ ﴾ o 1‬البقــرة‪ ،٨٣ :‬وفي قراءة حمزة والكسائي ويعقوب وخلف‪:‬‬ ‫﴿ ̧ ‪َ 1‬ح َسنا ﴾ بفتح الحاء والسين‪ ،‬أي قوال َحسنا‪ ،‬وهذا يعني أن المسلم‬ ‫مطالب بأن يتلطف في خطابه للناس جميعا‪ ،‬وأن يرد المســيء إلى الإحســان‪،‬‬ ‫والضال إلى لهدى‪ ،‬والمخطئ إلى الصواب بما يأســر قلبه ويجتذبه إلى الطاعة‬ ‫وي َب ‪‬غض الداعي ودعوته‬ ‫واالنقياد‪ ،‬فالدعوة إلى االله تعالى ال تكون بما ينفر الناس ُ‬ ‫إليهم‪ ،‬وإنما يجب أن تكون بما يؤلف قلوبهم ويقرب شــاردهم كما قال تعالى‪:‬‬ ‫﴿‪ ~ }| { z y x w v‬ے ¡ ‪¤ £¢‬‬ ‫‪ ﴾ ° ̄ ® ¬« a © ̈ § ¦ ¥‬النحل‪.١٢٥ :‬‬ ‫وقد أكد االله تعالى أن الدعوة التي يصدقها العمل وتكتنفها الأخلاق الحسنة‬ ‫هي أحسن ما يقال‪ ،‬وذلك في قوله‪S R Q P O N M L ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ X W V U T‬فصلت‪ ،٣٣ :‬وأتبع ذلك توجيه الدعاة إلى الرفق‬ ‫في خطاب المدعوين واللطف في معاملتهم عندما قال‪\ [ Z ﴿ :‬‬ ‫] ^_ ` ‪m ❁ k j i h g f e d c b a‬‬ ‫‪ ﴾ w v u t s r q p o n‬فصلــت‪ ٣٤ :‬ـ ‪ ،٣٥‬ووجه االله‬ ‫‪٢٧٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫تعالى المؤمنين في مجادلتهم لأهل الكتاب أن تكون بالرفق والحسنى إال من‬ ‫ظلم منهم‪ ،‬إذ قال سبحانه‪* ) ( ' & % $ # " ﴿ :‬‬ ‫‪7 6 5 4 3 2 1 0 / .- , +‬‬ ‫‪ ﴾ ; : 9 8‬العنكبــوت‪ ،٤٦ :‬وهذا الذي وجه إليه عبده ورسوله ژ في‬ ‫مجادلته لهم إذ قال‪C B A @ ? > = < ; : ﴿ :‬‬ ‫‪T SR Q P O N M L K J I H G F E D‬‬ ‫‪ ﴾Y X W V U‬آل عمــران‪ ،٦٤ :‬وهو الذي فعله ژ ‪،‬‬ ‫فعندما وجه خطابه إلى هرقل عظيم الروم اختتمه بالآية الشريفة تنفيذا لأمر‬ ‫االله وتبيانا لحجته‪.‬‬ ‫‪ UI‬ا ‪ 0B‬ا ^ام ‪!+] 1‬ا '> الأ‪G‬لاق ا   و` ‪ r‬و‪3-c‬‬ ‫االله  >‪:‬‬ ‫ال ريب أن هذه الأخلاق الكريمة هي وصية االله تعالى لجميع رسله حتى‬ ‫عندمــا يرســلهم إلى أعتــى العتــاة وأعنــف المتكبرين‪ ،‬فقد وجه موســى‬ ‫وهارون ‪ 6‬إلى فرعون الذي بلغ به الغرور والعتــو إلى أن يقول لملئه‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ P O N M L K‬القصــص‪ ،٣٨ :‬وهــو يعني أنــه باغتراره‬ ‫وتكبره أقصى االله تعالى عــن الألوهية ونازعه فيها فاســتأثر بها دونه‪ ،‬ولكنه‬ ‫تعالى أمر موسى وهارون أن يتلطفا معه في الخطاب‪ ،‬إذ قال لهما‪y x ﴿ :‬‬ ‫‪ ~ } | { z‬ے ﴾ طه‪ ،٤٤ :‬مع أنه سبحانه علم منذ الأزل أنه لن يتذكر‬ ‫ولن يخشى‪ ،‬ولكنه جعلها ســنة أنبيائه في مخاطبة أعدائه‪ ،‬وبين سبحانه هذا‬ ‫القول اللين فيما وجه إليه موسى ‪ ‰‬من خطابه بقوله‪3 2 1 0 / . ﴿ :‬‬ ‫❁ ‪ ﴾ 8 7 6 5‬النازعات‪ ١٨ :‬ـ ‪.١٩‬‬ ‫وهذا الذي جرى عليه رسل االله تعالى المصطفون الأخيار‪ ،‬حتى لو واجهوا‬ ‫العتو واالســتكبار من الذين أرســلوا إليهم‪ ،‬فهذا نوح ‪ ‰‬يحكي االله خطابه‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٧٥‬‬ ‫لقومه ومجادلته لهم بعدما سفهوه ونسبوا إليه الضلال وشتموا الذين اتبعوه‪،‬‬ ‫واتهموهم بأنهم أراذلهم‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪Ê É È Ç Æ Å ﴿ :‬‬ ‫‪×ÖÕÔÓÒÑÐÏÎÍÌË‬‬ ‫❁‬ ‫! " ‪21 0 / . - ,+ * ) ( ' &% $ #‬‬ ‫‪@?>=<;❁9876543‬‬ ‫‪P O N M L K J I H G F ❁ D C BA‬‬ ‫‪` _ ^ ] \[ Z Y X W V U T S R Q‬‬ ‫‪o n m l k j i h ❁f e d c ba‬‬ ‫‪~}|{zyxwv❁tsrqp‬ے‬ ‫❁‬ ‫‪3 2 ±° ̄ ® ¬ « a © ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫ ́ ‪ ﴾μ‬هود‪ ٢٨ :‬ـ ‪.٣٤‬‬ ‫ومثل ذلك ما في قوله تعالى‪X W V U T S R Q P ﴿ :‬‬ ‫‪i h g f❁ d c b a ` _ ❁ ] \ [ Z Y‬‬ ‫‪z y x w v u ts r q p o n m l ❁ j‬‬ ‫{| } ~ ے ❁ ‪ ̄ ® ¬ « a ❁ ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫❁‬ ‫‪1⁄21⁄4»o1 ̧¶μ ́32±‬‬ ‫3⁄4¿❁‪ÌËÊÉÈÇÆ❁ÄÃÂÁ‬‬ ‫❁‪'&❁$#"! ❁ÓÒÑÐÏÎ‬‬ ‫()*‪987❁ 543210❁.-,+‬‬ ‫❁‬ ‫;<=>?@‪JIHGFED❁BA‬‬ ‫❁ ‪Z Y X ❁ V U T S R❁ P O N M L‬‬ ‫[ \ ❁ ^ _ ` ‪ ﴾ a‬نوح‪ ١ :‬ـ ‪.٢٠‬‬ ‫‪٢٧٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫واستمرت هذه المجادلة بينه وبينهم مدة ألف سنة إال خمسين عاما‪ ،‬وهو‬ ‫يغدو ويروح على دعوتهم بهذا التلطف والرفق‪ ،‬وإقامة البينات عليهم من خلق‬ ‫أنفسهم وخلق الكون من حولهم‪ ،‬وما هيأه االله لهم من نعمه التي ال تحد بحد ٍ‬ ‫وال تقدر بثمن‪ ،‬لوال فضله عليهم ولطفه بهــم لتعذر عليهم أدناها‪ ،‬فضلا عن‬ ‫أعلاها‪ ،‬وهم معرضون عن كل هذا‪ ،‬قد ُختم على قلوبهم وأسماعهم وغ ‪‬‬ ‫ُشيت‬ ‫أبصارهم‪ ،‬فغدوا كأنهم ال يســمعون للحــق نداء وال يفقهون لــه معنى‪ ،‬وال‬ ‫يبصرون له نورا‪ ،‬إلى أن أتاهم من أمر االله ما أتاهم‪.‬‬ ‫ومثل ذلك ما ذكره االله تعالى عن هود ‪ ‰‬في قوله‪ ~ } | ﴿ :‬ے¡‬ ‫‪2 ❁ ° ̄ ® ¬ «a © ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫‪à ❁ Á À ¿3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧¶ μ ́ 3‬‬ ‫‪ÎÍÌËÊÉÈÇÆÅÄ‬‬ ‫‪ÜÛÚÙØ×ÖÕ❁ÓÒÑÐÏ‬‬ ‫‪&%$#"!❁ãâáàßÞÝ‬‬ ‫'( ) * ‪7 6 54 3 ❁1 0 / . - , +‬‬ ‫‪K JI H G F E D C BA @ ? > = < ❁ : 9 8‬‬ ‫‪[ Z YX W V U T S R Q ❁ O N M L‬‬ ‫\ ] ^ _ `‪ ﴾ g f e d c b a‬هود‪ ٥٠ :‬ـ ‪.٥٧‬‬ ‫وما حكاه عن صالح في قوله‪Å Ä Ã ÂÁ À ¿ 3⁄4 ﴿ :‬‬ ‫‪×Ö Õ Ô Ó Ò Ñ Ð Ï Î Í ÌË Ê É È Ç Æ‬‬ ‫‪ê é è ç æ åä ã â á à ß Þ Ý ❁ Û Ú Ù Ø‬‬ ‫‪'&%$#"!❁òñðïîíìë‬‬ ‫( ) * ‪7 6 5 4 32 1 0 / . - , +‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٧٧‬‬ ‫❁‪E D C B A @ ? > = < ; : 9‬‬ ‫‪ ﴾ I H G F‬هود‪ ٦١ :‬ـ ‪.٦٤‬‬ ‫ومثل ذلك مجادلة لوط لقومه‪ ،‬وكذلك مجادلة شعيب ‪; : 9 ﴿ ، ‰‬‬ ‫<= > ? @ ‪J I H GF E D C B A‬‬ ‫‪W ❁ U T S R Q P O N M LK‬‬ ‫‪b a ` _ ^ ] \[ ZY X‬‬ ‫‪q p o nm l k j i h g ❁ e d c‬‬ ‫‪~ } | { z y x wv u t ❁ r‬‬ ‫ے ¡ ‪° ̄ ® ¬ « ❁ © ̈ § ¦ ¥¤ £ ¢‬‬ ‫‪àÁ À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o1 ̧ ¶ μ ́ 3 2 ±‬‬ ‫‪" ! ❁ Ó Ò Ñ Ð ÏÎ Í Ì Ë ÊÉ È Ç Æ Å Ä‬‬ ‫‪4 3 21 0 / . - , + * ) ( ' & % $ #‬‬ ‫‪B A @ ? >= < ; : 9 ❁ 7 6 5‬‬ ‫❁‬ ‫‪SR Q P ON M L K J I H G F E D‬‬ ‫‪a`_^]\[ZY❁WVUT‬‬ ‫‪po n m l k j ❁ h g f e d cb‬‬ ‫‪} | { zy x w v u t s r q‬‬ ‫~﴾ هود‪ ٨٤ :‬ـ ‪.٩٣‬‬ ‫وانظروا كيف كان تلطف إبراهيم ‪ ‰‬بأبيــه العنيف ومحاولة أخذه بيده‬ ‫إلى الرشــد والهدى‪ ،‬وزحزحته عن الغي والضلالة وما يتبعهما من سخط االله‬ ‫وعذابه‪ ،‬ومع ذلك كله كان الأب الجافي العنيف ال يقابل هذا اللين إال بالشدة‪،‬‬ ‫وال هذا الإرشاد إال بالعناد‪ ،‬وقد حكى االله ذلك كله في قوله‪9 8 7 ﴿ :‬‬ ‫‪٢٧٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪M L K J I H G F E D C B A ❁ ? > = < ;:‬‬ ‫‪]\[ZYXWVUTSRQ❁ON‬‬ ‫❁ _ ` ‪m l k j ❁ h g f e d cb a‬‬ ‫‪z y x w v❁t s r q p o n‬‬ ‫{| } ~ ے ¡‪« a © ̈ § ¦ ❁ ¤ £ ¢‬‬ ‫¬® ̄ ‪1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ ❁2 ± °‬‬ ‫1⁄2 3⁄4 ¿ ‪ ﴾  Á À‬مريم‪ ٤١ :‬ـ ‪.٤٨‬‬ ‫فقد بالغ إبراهيم في التلطف بأبيه في الخطاب وتبصيره بالحقيقة التي كان‬ ‫يجحدها والحق الذي ينكره وإقامة الشواهد على ذلك‪ ،‬ولكن الأب القاسي لم‬ ‫يقابل هذا الرفــق إال بالمبالغة في العنف والتشــدد في الخطــاب‪ ،‬فقد أصر‬ ‫واستكبر استكبارا‪ ،‬وجاهر بعتوه‪.‬‬ ‫وهكذا جميع المرســلين كان منهــم لين الجانب وســعة الصدر واحتمال‬ ‫واجهون به من شراسة‬ ‫المكاره في سبيل إبلاغ دعوة االله إلى الناس‪ ،‬مع ما كانوا ُي َ‬ ‫الأخلاق وسوء المعاملة والغلظة في الخطاب‪ ،‬ولم يثنهم ذلك عن االستمرار في‬ ‫َواضل وإحسان‪،‬‬ ‫الدعوة وإبانة ما يتحلون به من أخلاق سامية وفضائل ث ِ َم ُارها ف‬ ‫ُ‬ ‫وهذا يعني أن الرســل جميعا كانوا يتحلون بالأخلاق العالية لأن االله ســبحانه‬ ‫صنعهم على عينه‪ ،‬واختصهم باجتبائه‪ ،‬وطبعهم على مكارم الأخلاق‪.‬‬ ‫وعندما بزغت على الوجود شــمس خاتم النبيين وتاج المرســلين كانت‬ ‫الأخلاق هي سيماه وجبلته‪ ،‬فعرف أنه كان أبر الناس قلبا وأحسنهم معاشرة‪،‬‬ ‫وأوفرهم عقلا وأحسنهم سيرة‪ ،‬وأطهرهم سريرة‪ ،‬وأصدقهم قوال‪ ،‬وأصلحهم‬ ‫عملا‪ ،‬وآمنهم يدا‪ ،‬وأحبهم للخير‪ ،‬وأحرصهم على نشــره بين جميع الناس‪،‬‬ ‫ناهيك أن االله تعالى عاتبه عتابا لطفيا على مــا كان يحمله من هموم إعراض‬ ‫قومه عن الحق‪ ،‬وصدودهم عن اتباعه‪ ،‬وما يخشى عليهم من عاقبة ذلك‪ ،‬فقد‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٧٩‬‬ ‫قال تعالى له‪﴾> = < ; : 9 8 7 6 5 4﴿ :‬‬ ‫الكهف‪ ،٦ :‬وقال‪ ﴾ - , + * ) ( ﴿ :‬الشعراء‪ ،٣ :‬وهو من حرصه‬ ‫على شيوع الخير بين الناس وقبولهم للهدى وتجنبهم ما يؤدي بهم إلى الردى‬ ‫كان يكبر عليه أن يعرضوا عن الحق ويصدوا عنه‪ ،‬فيح ‪‬مل نفسه من هموم ذلك‬ ‫ما يكاد يبخعه أي يهلكه‪ ،‬وهذا من رحمته البالغة وشفقته على عباد االله‪ ،‬وقد‬ ‫أخبر بهذا عن نفسه عندما وصف حاله بقوله‪» :‬مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد‬ ‫نارا فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهــو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم‬ ‫عن النار وأنتم تفلتون من يدي«)‪.(١‬‬ ‫وقد خشــي المتعصبون في الغرب من ظهور دعوته وانتشار دينه فنسجوا‬ ‫حوله من أقوال الزور ما خيل إليهم أنهــم بذلك قادرون على حجب نوره أن‬ ‫يسطع على العقول فيبصرها من العمى ويهديها إلى الهدى‪ ،‬ولكن أخفقوا‪ ،‬فقد‬ ‫أدرك ذوا البصائر منهم أنه عليه أفضل الصلاة والسلام كان أسمى قدرا وأجل‬ ‫شأنا وأرفع مكانا من كل ما يتصوره البشر‪ ،‬وبعد دراسة واسعة في هذا الميدان‬ ‫تضافرت عليها جهود الباحثين منهم توصلوا إلى هذه النتيجة‪» :‬أن محمدا كان‬ ‫ســليم الفطرة‪ ،‬كامل العقل‪ ،‬كريم الأخلاق‪ ،‬صادق الحديث‪ ،‬عفيف النفس‪،‬‬ ‫قنوعا بالقليل من الرزق‪ ،‬غير طموح بالمال‪ ،‬وال جنوح إلى الملك‪ ،‬ولم يعن‬ ‫بما كان يعنى به قومه من الفخر‪ ،‬والمباراة في تحبير الخطب وال قرض الشعر‪،‬‬ ‫وكان يمقت ما كانوا عليه من الشرك وخرافات الوثنية‪ ،‬ويحتقر ما يتنافسون فيه‬ ‫من الشهوات البهيمية‪ ،‬كالخمر والميسر وأكل أموال ال ّناس بالباطل‪ ،‬وبهذا كله‬ ‫وبما ثبت من ســيرته ويقينه بعد النبوة جزموا بأنه كان صادقا فيما ادعاه بعد‬ ‫اســتكمال الأربعين من ســ ّنه من رؤية ملك الوحي‪ ،‬وإقرائه إياه هذا القرآن‪،‬‬ ‫وإنبائه بأنه رسول من االله لهداية قومه فسائر الناس«)‪.(٢‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الطيالسي )ص ‪ ،٢٤٦‬رقم ‪ ،(١٧٨٤‬وأحمد )‪ ،٣٩٢/٣‬رقم ‪ ،(١٥٢٥٠‬ومسلم )‪ ،١٧٩٠/٤‬رقم ‪.(٢٢٨٥‬‬ ‫)‪ (٢‬محمد رشيد رضا‪ :‬الوحي المحمدي‪ ،‬ص ‪.٥٦‬‬ ‫‪٢٨٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وإن أوفى كلمة وأبلغ بيان في ترجمة أخلاقه ژ قول السيدة أم المؤمنين ‪، #‬‬ ‫عندما سئلت عن خلقه؟‪.‬‬ ‫قالت لسائلها‪» :‬ألست تقرأ القرآن؟« قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قالت‪» :‬فإن خلق نبي االله ژ‬ ‫كان القرآن«)‪ ،(١‬وعن أبي الدرداء »قال‪ :‬ســألت عائشــة عن خلق‪ ،‬رسول االله ژ‬ ‫فقالت‪» :‬كان خلقه القرآن‪ ،‬يغضب لغضبه‪ ،‬ويرضى لرضاه««)‪ ،(٢‬وإذا كان ژ خلقه‬ ‫القرآن فلا ريب أن كل ما يحمد من الأخلاق انطوى عليه‪ ،‬إذ القرآن الكريم جمع‬ ‫جميع مكارم الأخلاق كلياتها وجزئياتها‪ ،‬وما من تشــريع فيــه وال توجيه وال‬ ‫موعظة إال وقد اشــتملت على أحسن ما يتصور في البشــر من الأخلاق‪ ،‬وهي‬ ‫جميعا مترجمة في شخصية النبي ژ وما كان يصدر عنه أو يتصف به‪.‬‬ ‫وكان ژ ينبســط حتى لأشــد أعدائه عندما يلقاهم فعن عائشة‪ ،‬أن رجلا‬ ‫استأذن على النبي ژ ‪ ،‬فلما رآه قال‪» :‬بئس أخو العشيرة‪ ،‬وبئس ابن العشيرة«‬ ‫فلما جلس تطلق النبي ژ في وجهه وانبسط إليه‪ ،‬فلما انطلق الرجل قالت له‬ ‫عائشة‪ :‬يا رسول االله‪ ،‬حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا‪ ،‬ثم تطلقت في وجهه‬ ‫وانبسطت إليه؟ فقال رسول االله ژ ‪ :‬يا عائشــة‪ ،‬متى عهدتني فحاشا‪ ،‬إن شر‬ ‫الناس عند االله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره«)‪.(٣‬‬ ‫وفي رواية‪ :‬أن عائشة‪ # ،‬قالت‪» :‬استأذن رجل على رسول االله ژ فقال‪:‬‬ ‫»ائذنوا له‪ ،‬بئس أخو العشيرة‪ ،‬أو ابن العشيرة« فلما دخل أالن له الكلام‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫يا رســول االله‪ ،‬قلت الذي قلت!! ثم ألنت له الكلام؟ قال‪» :‬أي عائشة‪ ،‬إن شر‬ ‫الناس من تركه الناس‪ ،‬أو ودعه الناس‪ ،‬اتقاء فحشه««)‪.(٤‬‬ ‫)‪(١‬‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫)‪(٣‬‬ ‫)‪(٤‬‬ ‫أخرجه مسلم )‪ ٥١٢/١‬رقم‪.(٧٤٦ :‬‬ ‫أخرجه الطبراني في الأوسط )‪ ٣٠/١‬رقم‪.(٧٢ :‬‬ ‫أخرجه أحمد )‪ ،١٥٨/٦‬رقم‪ ،(٢٥٢٩٣ :‬والبخاري )‪ ،٢٢٤٤/٥‬رقم‪ ،(٥٦٨٥ :‬ومسلم )‪ ،٢٠٠٢/٤‬رقم‪:‬‬ ‫‪ ،(٢٥٩١‬وأبو داود )‪ ،٢٥١/٤‬رقم‪.(٤٧٩٣ :‬‬ ‫أخرجه الترمذي )‪ ،٣٥٩/٤‬رقم ‪ (١٩٩٦‬وقال‪ :‬حســن صحيح‪ .‬والبخاري )‪ ١٧/٨‬رقم‪،(٦٠٥٤ :‬‬ ‫و)‪ ٣١/٨‬رقم‪ ،(٦١٣١ :‬ومسلم )‪ ،٢٠٠٢/٤‬رقم ‪.(٢٥٩١‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٨١‬‬ ‫وإذا كانت هذه الجملة الجوابية منها ‪ #‬ال تفي المجلدات بشرحها‪ ،‬لأن‬ ‫ما جاء به القرآن أوسع من أن تحويه المجلدات‪ ،‬فإنها ألمحت إلى مثال ٍ مما‬ ‫كان يتصــف به من هــذه الأخلاق الرفيعة فعن أبي إســحاق‪ ،‬قال‪ :‬ســمعت‬ ‫أبا عبد االله الجدلي‪ ،‬يقول‪ :‬سألت عائشة ‪ #‬عن خلق رسول االله ژ ‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫»لم يكن فاحشا‪ ،‬وال متفحشــا‪ ،‬وال سخابا في الأســواق‪ ،‬ال يجزي بالسيئة‬ ‫السيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويصفح« أو قالت‪» :‬يعفو ويغفر««)‪.(١‬‬ ‫أ‪G‬لاق ا <‪ 7+‬ژ <^_ '> أ‪: "c‬‬ ‫قد انعكس هذا الخلق الرفيع الذي كان يتحلى به ! على أصحابه @ ‪،‬‬ ‫فلذلك بهروا العالم بأخلاقهم وأدهشوه بفضائلهم وأغرقوه بفواضلهم‪ ،‬فأحدثوا‬ ‫أعظم انقلاب بين أهله‪ ،‬فما كادوا يفتحون قطرا من أقطاره إال وانتشــلوه مما‬ ‫كان غارقا فيه مــن الضلال في الفكر والفســاد في الأخــلاق والإفلاس من‬ ‫الفضائل واالنغماس في الرذائل‪ ،‬فتحولت الأمم إلى أمم أخرى أشرقت عليها‬ ‫أنوار الهداية‪ ،‬واستبدلت طبائعها السيئة بطبائع أخرى بلغت في الرقي والحسن‬ ‫أنها لم تكن تدور على بال أحد‪ ،‬أو يتصورها خياله‪ ،‬فكانوا لهذا العالم رسل‬ ‫سلام ومعالم هداية ومعادن أخلاق‪.‬‬ ‫وما هذا بأمر عجيب‪ ،‬فإن الرســالة التــي حملوها إلى الإنســانية كانت‬ ‫منظومة أخلاق‪ ،‬هيأها االله ‪ 4‬وحــده‪ ،‬ولم يكلها إلى أحد مــن خلقه‪ ،‬إذ لو‬ ‫تلاقحت أفكار البشــر جميعا‪ ،‬واجتمعت متضافرة جهودها‪ ،‬متحدة أهدافها‪،‬‬ ‫على أن ترقى بالمستوى البشري في جانب الأخلاق؛ ما كانت لتصل إلى هذه‬ ‫المنظومة التي تدهش البصائر وتحير الأبصار‪ ،‬وأنى أن يأتي البشر بما جاء به‬ ‫االله تعالى من كمال ٍ وجمال وجلال؟!‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الطيالسي )‪ ١١٤/٣‬رقم‪.(١٦٢٣ :‬‬ ‫‪٢٨٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ 7  01‬الإ‪B‬لام !  لأ‪G‬لاق ا )‪:‬‬ ‫لو أخذ يفتش أحد عما في طوايا هذا الدين الحنيف الذي اختاره االله تعالى‬ ‫لأن يكون الحبل الذي يصل عباده به‪ ،‬والسبب الذي يترابطون به‪ ،‬لوجد كل‬ ‫جزئية فيــه يجملها الخلــق وتجللها الفضيلة‪ ،‬فعقيدة الإســلام نفســها تنأى‬ ‫بالإنســان المؤمن عن كل علو واســتكبار‪ ،‬وتقف به في مصــاف إخوانه من‬ ‫الجنس البشري على قدم المساواة‪ ،‬ال يستعلي أحد على أحد بحسبه وال بنسبه‬ ‫وال بجاهه وال بماله‪ ،‬وال بســلطانه وال بمنصبه‪ ،‬وإنمــا التفاوت بينهم بقدر‬ ‫تقربهم إلى موالهم سبحانه ذي العزة والجلال‪ ،‬الذي انفرد دون خلقه بالخلق‬ ‫وتذللِـهِ‬ ‫‪‬‬ ‫والأمر‪ ،‬والحكم والقهر‪ ،‬والنفع والضر‪ ،‬فمن كان أقرب إليه بتواضعه‬ ‫بين يديه‪ ،‬وتســليم أمره كله إليه‪ ،‬واعتماده في كل أمر عليه‪ ،‬وطاعته في كل‬ ‫ما أمر به ونهى عنه‪ ،‬كان أثقل ميزانا‪ ،‬وأرفع شأنا‪ ،‬وأجل قدرا‪ ،‬وأسمى شرفا‪.‬‬ ‫ذلك لأنهم جميعا خارجون من معدن واحد ٍ وعائدون إلى منقلب واحد‪،‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ U T S R Q P O N‬طــه‪G F E ﴿ ،٥٥ :‬‬ ‫‪VU T S R Q PO N M L K J I H‬‬ ‫‪ ﴾ Z Y X W‬الحجرات‪É È Ç ÆÅ Ä Ã Â Á À﴿ ،١٣ :‬‬ ‫‪ ﴾Ê‬الأنبياء‪Ý Ü Û Ú Ù Ø ❁ Ö Õ Ô Ó ﴿ ،٣٤ :‬‬ ‫‪ ﴾ Þ‬الزمر‪ ٣٠ :‬ـ ‪e d c b a ` _ ^ ] \ ﴿ ،٣١‬‬ ‫‪tsrqponmlkjihgf‬‬ ‫‪ ~ } | { z y x w vu‬ے ¡ ‪¤ £ ¢‬‬ ‫‪± ° ̄ ® ¬ « a © ̈ § ¦¥‬‬ ‫‪ ﴾ ...¶ μ ́ 3 2‬الحج‪.٥ :‬‬ ‫فكل الناس مشــتركون في هذه الخصال‪ ،‬مبدؤهم من التراب‪ ،‬ومعادهم‬ ‫إليه‪ ،‬وهم يتدرجون في أطوار التكوين ومــدارج النمو حتى ينتهوا إلى الغاية‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٨٣‬‬ ‫التي يشتركون في االنتهاء إليها‪ ،‬وعندئذ يفترقون فينتهي كل أحد إلى مصيره‬ ‫الذي يتناسب مع ما كان عليه في مسيره‪ ،‬واالله وحده هو المنفرد بالبقاء الأبدي‬ ‫﴿ ‪ ﴾ o n m l kj i h g f‬القصص‪R Q P O ﴿ ،٨٨ :‬‬ ‫❁ ‪ ﴾ Y X W V U T‬الرحمــن‪ ٢٦ :‬ـ ‪ ،٢٧‬وليس بينه وبين أحد من‬ ‫خلقه نسب وال سبب إال التقوى‪ ،‬فمن وصل نفسه بحبلها فهو الموصول باالله‪،‬‬ ‫ومن انفصم عنها لم يكن بينه وبين االله تعالى اتصال‪.‬‬ ‫‪ I‬ا !‪`- sB 7 1 J‬ه ا ‪:7.‬‬ ‫كل هذه الحقائق تندرج في جملة التوحيد التي دعا إليها رسول االله ژ كما‬ ‫دعا إليها الرســل من قبلــه‪﴾ Ø × Ö Õ Ô Ó ÒÑ Ð Ï ﴿ ،‬‬ ‫البقرة‪ç æå ä ã â á à ß Þ Ý Ü﴿ ،١٦٣ :‬‬ ‫‪ ﴾ê é è‬محمد‪ ،١٩ :‬فإذا اســتقرت هذه الحقائــق في فكر أحد‬ ‫ووجدانه تفاعل معها في أخذه وعطائه‪ ،‬وســلمه وحربه‪ ،‬ورضاه وغضبه‪ ،‬فكانت‬ ‫حياته كلها تحفة ربانية‪ ،‬معدنها التقوى وزينتها الأخلاق‪ ،‬فلا يعود نشاز بينه وبينه‬ ‫بني جنسه إال من شذ منهم‪ ،‬فانفرط من هذا العقد‪ ،‬وانسلخ من هذه الحلية‪.‬‬ ‫ا ‪+‬دات وا ‪D‬ا‪  91 Ub‬ٴ!د إ > ‪`-‬ه ا ‪:g‬‬ ‫كل ما يؤمر به في الإسلام من عبادة أو يشرع له من حكم‪ ،‬فهو يدور في‬ ‫هذا الفلك‪ ،‬ويرجع إلى هذا الأصل؛ لأن غاية ذلك كله ترسيخ الأخلاق العالية‬ ‫في نفوس العابديــن والطائعيــن‪ ،‬وتطبيع النفــوس على التســليم لأمر االله‬ ‫واالستجابة لحكمه واالنقياد لطاعته‪ ،‬وتحقيق النفع لعباده‪.‬‬ ‫فالعبادات ـ وإن كانت صلات بيــن العابد والمعبود ـ هي عوامل في تهيئة‬ ‫النفوس للالتقاء في ظل الطاعة المطلقة للمعبود‪ ،‬والتواد والتراحم فيه والتواضع‬ ‫لكبريائه‪ ،‬حتى ال يستعلي بعضها على بعض‪ ،‬والتآلف حتى ال تتنافر في شيء‪،‬‬ ‫‪٢٨٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫كيف والعبادات كلها تربي هذه النفوس على الإســلام الحق‪ ،‬الذي يجعل من‬ ‫الإنســان المســلم عبدا خالصا الله وحده‪ ،‬له محياه ومماته‪ ،‬ومــن أجله رضاه‬ ‫وســخطه‪ ،‬ال ينظر إلى الدنيا إال من هذا المنظار‪ ،‬وال يأنس إلى شيء فيها إال‬ ‫ما كان سابحا معه في هذا الفلك العظيم‪v u t s r q p ﴿ ،‬‬ ‫‪ ~ } |{ z y x w‬ے ¡ ❁ ‪§ ¦ ¥ ¤ £‬‬ ‫ ̈ © ‪ ﴾ ¶ μ ́ 3 2 ±° ̄ ® ❁ « a‬الأنعام‪ ١٦١ :‬ـ ‪.١٦٣‬‬ ‫فلو أدى الناس عباداتهم خاشــعين الله تعالى ال يشــعرون فيها إال بتسابيح‬ ‫الكون ـ الذي تعج ذراته بما اشــتملت عليه بتقديس االله تعالى وذكره‪ ،‬وتعظيمه‬ ‫وحمده‪ ،‬وتخر جميعا ركوعا وسجودا لعظمته ـ لشعروا باالنسجام مع كل أجناس‬ ‫الخلق‪ ،‬واالنتظام مع كل وحدات الوجود‪ ،‬ولعمهم جميعا الرفق والرحمة والوئام‬ ‫والسلام‪ ،‬إذ ال يبقى علو في الأرض وال فساد‪ ،‬كيف وما من كائن إال وهو مسبح‬ ‫لجلال االله كما أخبر االله عنه بقوله‪k j ih g f e d c b ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ x w v u ts r q p o n m l‬الإسراء‪ ،٤٤ :‬وقوله‪:‬‬ ‫﴿‪RQPONMLKJIHGFEDC‬‬ ‫‪ ﴾ W V U T S‬الحج‪.١٨ :‬‬ ‫وإليك صورا مما تحققه العبادات في حياة العابد من الآثار‪ ،‬التي تجعله‬ ‫يتقزز من العلو واالستكبار‪ ،‬والعتو والفساد‪ ،‬وتملي على ضميره حب الألفة‬ ‫والحنان والرفق بجميع عباد االله تعالى‪.‬‬ ‫‪ ١‬ـ الصلاة‪:‬‬ ‫كم للصلاة من أثر في نفــس المصلي ينعكس على مجتمعه الذي يشــاركه‬ ‫االستجابة لداعي االله‪ ،‬والتواضع لكبريائه‪ ،‬فإنها تطهر النفس من أدرانها وتجردها‬ ‫من عيوبها‪ ،‬وتحليها بأنفس ما تتحلى به النفوس من التواضع الله ولخلقه‪ ،‬وتعظيم‬ ‫االله ســبحانه والرفق بعباده‪ ،‬وهذا ما أشــار إليه النبي ! بقولــه‪» :‬مثل الصلوات‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٨٥‬‬ ‫الخمس كمثل نهر جار عذب على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات‬ ‫فما يبقى ذلك من الدنس«)‪ ،(١‬وقد أراد صلوات االله وسلامه عليه بهذا القول الجزل‬ ‫والتصوير البليغ أن يقــرب إلي الأفهام ما للصلاة من أثــر على النفوس‪ ،‬وتطهير‬ ‫للبواطن وتزكية للأخلاق وتربية للضمائر‪ ،‬فصورها تصويرا حســيا‪ ،‬لأن النفوس‬ ‫أوعى للمحسوســات وأقرب إلى إدراكها‪ ،‬فشــبه الصلاة بالنهر الغمر على باب‬ ‫الإنسان‪ ،‬يتردد إليه في كل يوم وليلة خمس مرات لينقي جسمه مما عسى أن يلحقه‬ ‫من الغبار أو يلتصق به من الأدران‪ ،‬فإن من تعهد هذا النهر بتردده إليه وارتمائه في‬ ‫معينه وعرك جسمه بمائه الثجاج ال يبقى من أثر الأدران على بدنه شيء‪.‬‬ ‫وكذلك الصلوات الخمس مع ما بينهما مــن التفاوت في التأثير والتباين‬ ‫فيما يصل إليه‪ ،‬فالنهر إنما ينقي ظاهر الجسم وال يلج إلى باطنه‪ ،‬بينما الصلاة‬ ‫تنقي الروح وتتغلغل في أعماقها‪ ،‬وتســري في جوانب النفس‪ ،‬فلا تدع فيها‬ ‫ما يكدرها أو يشينها‪ ،‬وشتان بين الروح والجسم وبين الباطن والظاهر‪ ،‬وإنما‬ ‫أراد النبي ژ بهذا البيان البليغ التنبيه على ما للصلاة من أثر‪ ،‬وقد يكون التنبيه‬ ‫على الأمر الجلل بالإشــارة إلى طرف منه‪ ،‬كما ضــرب االله مثلا لنوره الذي‬ ‫ال يضاهيه شيء بمشكاة فيها مصباح‪.‬‬ ‫وإذا كانت الصلاة بما لهــا من قوة روحية تلج في أعمــاق النفس فتزكيها‬ ‫تزكية ال تدع معها شــائبة إال خلصتها منها‪ ،‬فإنها ـ بلا ريب ـ تعدم منها رذائل‬ ‫الطباع ومساوئ الأخلاق‪ ،‬وتنشئ فيها فضائل الطباع ومحاسن الأخلاق‪ ،‬وكيف‬ ‫ال تكون كذلك وكل كلمة من كلماتها تعد بنفسها نبعا رقراقا طهورا يأتي على‬ ‫ما في النفس من الأدناس والأقذار‪ ،‬ناهيك بفاتحتها وهي تكبير االله تعالى‪ ،‬فإنه‬ ‫)‪ (١‬من طريق جابر‪ :‬أخرجه أحمــد )‪ ٣١٧/٣‬رقم ‪ ،(١٤٤٤٨‬وعبد بن حميد )ص ‪ ،٣١٢‬رقم ‪،(١٠١٤‬‬ ‫والدارمي )‪ ٢٨٣/١‬رقم ‪ ،(١١٨٢‬ومسلم )‪ ،٤٦٣/١‬رقم ‪ ،(٦٦٨‬وابن حبان )‪ ،١٢/٥‬رقم ‪ ،(١٧٢٥‬ومن‬ ‫طريق أنس‪ :‬أخرجه أبو يعلى )‪ ،٦٧/٧‬رقم ‪ ،(٣٩٨٨‬ومــن طريق أبي أمامة‪ :‬أخرجه الطبراني‬ ‫)‪ ،١٦٤/٨‬رقم ‪ ،(٧٦٨٤‬والبيهقي )‪ ،٦٣/٣‬رقم ‪ .(٤٧٥٢‬وأبو يعلى )‪ ،٤٤٥/٣‬رقم ‪.(١٩٤١‬‬ ‫‪٢٨٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫يذكر المصلي أنه بيــن يدي االله الذي انفرد بالكبريــاء‪ ،‬وجميع صفات الجلال‬ ‫والكمــال‪ ،‬وأن العباد على العكس مــن ذلك‪ ،‬فهم جميعا يســبحون في بحر‬ ‫العبوديــة الله تعالى في محياهم ومماتهم ودنياهــم وأخراهم‪Ä Ã Â Á ﴿ ،‬‬ ‫‪ÒÑ ❁ Ï Î Í Ì ❁ Ê É È Ç Æ Å‬‬ ‫‪ ﴾Õ Ô Ó‬مريم‪ ٩٣ :‬ـ ‪ ،٩٥‬وحسب كل أحد أن يكون صادقا في عبوديته الله‪،‬‬ ‫ال يجعل منها نصيبا لهواه‪ ،‬وال لشيطانه‪ ،‬وال لأي عات مستكبر في الأرض‪.‬‬ ‫والتكبير يفيض فــي النفس هذه المعاني الســامية ليرتقي بها في ســلم‬ ‫التواضع لجلال االله‪ ،‬فإن كان هذا المصلي من الذين ابتلوا بأسباب الفتنة في‬ ‫هذه الحياة من الجاه والســلطان‪ ،‬والمال والمنصب‪ ،‬وسائر المظاهر الخلابة‪،‬‬ ‫التي تبعث في النفوس الغرور‪ ،‬وتدفعها إلى االســتعلاء‪ ،‬فحسبه هذا الشعور‬ ‫الذي يمليه التكبير محررا له من ربقة الشــيطان‪ ،‬ومخلصا لنفســه من أســر‬ ‫الغرور‪ ،‬وساميا به في مقامات التواضع الله‪ ،‬فلا يستعلي على أحد من خلق االله‬ ‫بما أحاط به من مظاهر الفتنة ومظان الغرور‪ ،‬وإن كان من الطرف الآخر الذي‬ ‫يحتقر ويزدرى لضعة نســبه‪ ،‬أو دناءة حســبه‪ ،‬أو قلة مالــه‪ ،‬أو فقدان جاهه‬ ‫وسلطته‪ ،‬فإنه بما يمليه التكبير على نفسه يتحرر من التواضع لغير االله‪ ،‬والتذلل‬ ‫لخلقه‪ ،‬فلا يكون لغير االله تعالى نصيب في عبوديته‪ ،‬كما ال يكون لغيره نصيب‬ ‫في عبادته‪ ،‬فيتشرف بأن تكون عبوديته وعبادته خالصتين الله ‪ ، 4‬وتلك منزلة‬ ‫في الحياة ال ينالها إال الخاصة من أهل االله تعالى‪.‬‬ ‫وذاك دلــيـــل أن الله أنـفســا‬ ‫عليها من اللطف الخفي ستور‬ ‫ظواهرهــا بله وتحــوي بواطنا‬ ‫لدى علمها جنس الوجود حقير‬ ‫عليها خــدور من غبــار غباوة‬ ‫ولكنهــا تحت الخــدور بدور‬ ‫تجردن من لبس الخياالت وانطوى‬ ‫عليهن ريش من هدى وشــكير‬ ‫ســرين رياح االله تحدو ركابها‬ ‫إليــه وأنــوار اليقيــن خفيــر‬ ‫يغادرن فيــه منزال بعــد منزل‬ ‫يكاد بهــا الشــوق الملح يطير‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٨٧‬‬ ‫وأي خلق أســمى من هذا الخلق الذي يتخلق به العبد‪ ،‬وهو بين يدي االله‬ ‫تعالى ماحضا له إخلاصه ومخلصا له عبادته وعبوديته؟ وال فرق في ذلك بين‬ ‫أن يكون من هذا الفريق أو ذاك‪ ،‬فإن كلا منهم إن لم يخلص الله تعالى عبوديته‬ ‫وعبادته كان عبدا لشهواته‪ ،‬ورغباته ونزعاته ونزغاته‪ ،‬ومخاوفه ومطامعه‪ ،‬وإنما‬ ‫يسمو على ذلك من ارتقى في مقامات العبودية الله‪.‬‬ ‫وإذا التقت جميع الطبقات في هذا المقام العالي تحطمت بينها الحواجز‪،‬‬ ‫وزالت بينها الفوارق‪ ،‬وانعدمت في حياتها النعرات‪ ،‬وتآلفت في ذات االله تعالى‬ ‫حتى تكون كالنفس الواحدة في شعورها وإحساسها‪ ،‬وأملها وألمها‪.‬‬ ‫وهذا يتجسد في أداء الصلاة عندما يجتمع المصلون فيقفون موقفا واحدا‬ ‫بين يدي االله سبحانه‪ ،‬ال تمييز بينهم بعنصرية وال طبقية‪ ،‬ينتظمون في حركاتهم‬ ‫فيركعون معا‪ ،‬ويرفعون معا‪ ،‬ويسجدون معا‪ ،‬ويرفعون معا‪ ،‬فإن استصحبوا مع‬ ‫هذا روح الصلاة ـ وهي الخشوع فيها جميعا ـ كان لذلك أثر في تزكية نفوسهم‬ ‫والقضاء على ما يلابسها من الغرور واالفتتان بمظاهر الحياة الدنيا وزخرفها‪،‬‬ ‫وانتزاع كل ما يلابسها من الشعور بالتميز على الغير والرفعة فوق أقدار الناس‬ ‫فيتطامن كل من يبدو للناس بأنه رفيع القدر عظيم الشــأن بينهم‪ ،‬فلا يتعالى‬ ‫على غيره من الخلق‪ ،‬وال يغمطهم ما كتب االله لهم مــن الحق‪ ،‬بل يحس أنه‬ ‫أحوج إلى االنســجام معهــم‪ ،‬واالنخراط فــي ســلكهم‪ ،‬ومعاملتهم جميعا‬ ‫بالحســنى‪ ،‬وبهذا الشعور نفســه يأبى التصاغر للناس من كان ـ حسب ظاهر‬ ‫حاله ـ نازل القدر حقير الشأن‪ ،‬إذ ال يحس بفرق بينه وبين الآخرين‪ ،‬فهو واحد‬ ‫منهم في العنصر والمبدأ والمآل‪ ،‬وكلهم سواسية في التكليف‪ ،‬ومتحدون في‬ ‫الجزاء‪ ﴾ì ë ê é èç æ å äã â á à ﴿ ،‬فصلت‪،٤٦ :‬‬ ‫وال يتفاضلون إال بمــا يتميزون به من تقــوى االله تعالــى‪ ،‬والتحلي بمكارم‬ ‫الأخلاق‪ ،‬فلا يبقى بهذا مجال للتفريق بين الرفيع والوضيع‪ ،‬وال للتمييز بين‬ ‫الأصيل والهجين‪ ،‬فلا يحجز بعضهم عن بعض حاجز مــن نعرات الجاهلية‬ ‫‪٢٨٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وشعاراتها الباطلة‪ ،‬وبهذا يتحقق بينهم االندماج‪ ،‬وتسودهم الأخوة‪ ،‬ويغمرهم‬ ‫الود والشفقة والحنان‪ ،‬حتى يتحقق فيهم ما قاله النبي ژ ‪» :‬ترى المؤمنين في‬ ‫تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشــتكى عضو تداعى له سائر‬ ‫جسده بالسهر والحمى«)‪.(١‬‬ ‫على أن أثر الصلاة في النفس أثر بالغ ينعكس ـ إيجابا ال سلبا ـ في تصرفها‬ ‫وتعاملها مع الآخرين‪ ،‬فقد أكــد االله تعالى أن الصلاة تنتــزع بتأثيرها من نفس‬ ‫المصلي صفات جبلية خسيسة‪ ،‬لتحل محلها نقائضها‪ ،‬وحسبك دليلا على هذا‬ ‫قول االله تعالى‪X W V U ❁ S R Q P ❁ N M L K ﴿ :‬‬ ‫❁ ‪ ﴾ a ` _ ^ ] ❁ [ Z‬المعارج‪ ١٩ :‬ـ ‪.٢٣‬‬ ‫فأنت ترى أن االله ســبحانه يؤكد هنا أن الإنســان خلق متلبسا بهذا الخلق‬ ‫الدنيء‪ ،‬فهو مع مس الخير منوع‪ ،‬ومع مس الشر جزوع‪ ،‬لكنه بمداومته على‬ ‫الصلاة يتغلب على هذا الخلق حتى يتخلص منه‪.‬‬ ‫وكل ما في الصلاة من قول أو عمل أو حركة أو ســكون مفض ٍ إلى هذه‬ ‫الغاية النبيلة‪ ،‬وهذا الربح الكبير‪.‬‬ ‫‪ ٢‬ـ الزكاة‪:‬‬ ‫هي كاسمها زكاة للنفوس بتنمية فضائلها‪ ،‬وتنقيتها من جميع رذائلها‪ ،‬وهي لغة‬ ‫دالة على النماء والطهارة معا‪ ،‬قال في اللسان‪» :‬وقيل لما يخرج من المال للمساكين‬ ‫من حقوقهم زكاة لأنه تطهير للمال وتثمير وإصلاح ونماء‪ ،‬كل ذلك قيل«)‪.(٢‬‬ ‫قلت‪ :‬هــي ـ بجانب كونها تنمية للمــال‪ ،‬وتطهيرا له مــن أدرانه ـ تزكية‬ ‫للنفس‪ ،‬فمن أدى زكاته كان مزكيا لنفســه بتخليتها عــن الخصال المذمومة‪،‬‬ ‫)‪ (١‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.٣٥٨/١٤ ،‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٨٩‬‬ ‫كالشح وعدم الرفق والرحمة بالمحتاجين‪ ،‬وتحليتها بالخصال المحمودة لأنها‬ ‫تفجر في قلب من اعتادها مشاعر الرحمة‪ ،‬و ُت َع ‪‬و ُده على البذل والإحسان‪ ،‬فإذا‬ ‫اعتادها الإنســان لم يكد يفتح عينه على ضعيف أدقعه الفقــر‪ ،‬أو قعدت به‬ ‫الزمانة‪ ،‬أو أنهكه السقم‪ ،‬إال تألم لحاله ألما ال يشفيه إال مواساته وجبر كسره‬ ‫بما يقدمه إليه من المعروف‪ ،‬وهذا ما دل عليــه قوله تعالى‪l k j ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ p o n m‬التوبة‪.١٠٣ :‬‬ ‫وفي هذا علاج لأســقام النفس التي تتولد عن حب المال‪ ،‬فكم لحبه من‬ ‫أثر سلبي على النفس ينشأ عنه من الداء العضال ما يعجز كل آس ٍ عن علاجه‪،‬‬ ‫وينثني كل دواء عن شــفائه‪ ،‬إذ حب المال عندما يطغى على النفس يســتأثر‬ ‫بهواها‪ ،‬ويسد عليها منافذ الرحمة حتى يغلظ طبعها‪ ،‬فتغدو كالحجارة أو أشد‬ ‫قسوة‪ ،‬وقد ســبق بيان هذا في الحديث عن المال وكسبه وإنفاقه‪ ،‬فكم خلف‬ ‫حب المال من عداوة بين الأقربين‪ ،‬أدت إلى القطيعة‪ ،‬بل وإلى الإجرام أحيانا‪،‬‬ ‫وقد يتعدى قريب على قريبه وإن اتحدت لحمتهما‪ ،‬حتى يتنكر ولد لوالده وال‬ ‫يبالي أن يسعى لتعجيل حتفه‪ ،‬لأجل أن يستأثر بثروته‪.‬‬ ‫وكثيرا ما تكون الجرائم المتفشــية بين الناس التي تقلق الآمنين‪ ،‬وتقض‬ ‫مضاجع الأبرياء‪ ،‬ناشــئة عن حب المال‪ ،‬ناهيك ما يكون من قطاع الطرق من‬ ‫سفك الدماء‪ ،‬وإزهاق الأرواح لأجل حيازة ما بأيدي أهلها من لعاعة من المال‬ ‫ال تســوى شــيئا‪ ،‬وقد أشــار القرآن الكريم إلى هذا الطبع الرديء في النفس‬ ‫الإنسانية في قوله تعالى‪ ﴾ ± ° ̄ ® ﴿ :‬الفجر‪ ،٢٠ :‬وقوله‪¡ ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ ¤ £ ¢‬العاديات‪ ،٨ :‬وقد توعد االله تعالى على ذلك أشد الوعيد‪ ،‬إذ لم‬ ‫ب وعيده على الذيــن يدفعهم هذا الحب الأعمى إلــى الجرائم‪ ،‬وانتهاك‬ ‫ص ‪‬‬ ‫َي ْن َ‬ ‫الحرم وحدهم‪ ،‬وال إلى الذين يمنعون ما فرض االله من حقوق في المال دون من‬ ‫سواهم‪ ،‬وإنما شمل معهم الوعيد الشديد من ال يتواصون ويتحاضون على أداء‬ ‫هذه الحقوق‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ ~ } | {z ﴿ :‬ے ❁ ‪£ ¢‬‬ ‫‪٢٩٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ﴾ ¦ ¥ ¤‬الفجــر‪ ١٧ :‬ـ ‪ ،١٨‬وهو دال ـ بلا ريــب ـ أن النجاة من هذا‬ ‫الوعيد ال تكون ببسط الإنسان يده بالمعروف‪ ،‬مع إهماله حض الآخرين على‬ ‫ذلك‪ ،‬وإنما عليه ـ إن أراد النجاة من الهلكة ـ أن يحض غيره على بســط اليد‬ ‫بالإحســان مع ســبقه إلى ذلك‪ ،‬ومهما كان من قيام المجتمع المســلم بهذا‬ ‫الواجب التكافلي‪ ،‬فإن عليهم دائما أن يتحاضوا على ذلك لتستمر هذه الحالة‬ ‫فيهم وفي أعقابهم‪ ،‬بحيث تكون صفة الزمة ال تنفك عن أحد منهم‪.‬‬ ‫وفي نهج الســلف الصالح @ أســوة حســنة في ذلك‪ ،‬ناهيك ما كان من‬ ‫الأنصار ـ رضــوان االله تعالى عليهــم ـ الذين آووا إخوانهــم المهاجرين‪ ،‬الذين‬ ‫أخرجوا من ديارهــم وأموالهم يبتغون فضلا من االله ورضوانــا‪ ،‬فقد بوأوهم في‬ ‫دورهم مبوأ أنفســهم‪ ،‬وأشــركوهم في أموالهم‪ ،‬وخيروهم فيما يختارونه منها‪،‬‬ ‫وآثروهم على أنفسهم وأهليهم وأفلاذ أكبادهم‪ ،‬مع ما كان ينتابهم من الخصاصة‪.‬‬ ‫وهذا دليل على مبلغ الإيمان في نفوس أولئك السلف‪ ،‬فقد خلصهم من كل‬ ‫ما كان في جاهليتهم من تفشي الطباع ـ التي تستولي على قلوب الناس وتتحكم‬ ‫في تصرفاتهــم ـ من االنجذاب إلى زخرف الحياة واالستئســار لشــهوة المال‬ ‫الجامحة‪ ،‬والإخلاد إلى الدنيا ونعيمها‪ ،‬والحرص على االستئثار بخيراتها‪ ،‬فقد‬ ‫حولهم الإيمان إلى أمة‪ ،‬أخرى كأنه طواهم ثم نشرهم بطبائع ليست من جنس‬ ‫طباع البشــر المعهودة‪ ،‬أو كأنه بدأ يسري في نفوســهم قرونا وقرونا‪ ،‬وهم في‬ ‫أصلاب آبائهم أو أرحام أمهاتهم‪ ،‬يغذيهم بهذه الروح‪ ،‬ويخلصهم بها من شوائب‬ ‫ما كانوا عليه من خصال‪ ،‬حتى إذا ما صفت طباعهم‪ ،‬وسمت نفوسهم‪ ،‬وارتقت‬ ‫أخلاقهم‪ ،‬أخرجهم خلقا آخر‪ ،‬فبرزوا للوجود بهذه الخصال‪.‬‬ ‫وليس للناس اليوم أن يدعــوا أن هؤالء ارتقوا مرتقــى صعبا في معارج‬ ‫الأخلاق يعز على من بعدهم أن يرقى إليه‪ ،‬فإن أولئك إنما خرجوا من جاهلية‬ ‫جهلاء‪ ،‬فتحولوا مــن النقيض إلى النقيض بتأثير القرآن في نفوســهم‪ ،‬ورقي‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٩١‬‬ ‫الإيمان بأرواحهم وأفكارهم‪ ،‬فتحرروا من كل ما كان يأسرهم عن االنطلاق في‬ ‫ميادين الخير‪ ،‬والقرآن بيننا لم يزل كما كان عندهم‪ ،‬نتلوه كما يتلونه‪ ،‬فبإمكان‬ ‫كل منا أن يتقن تدبره ويفكر في كل ما قصه علينا من أخبار الصالحين لنقفوه‪،‬‬ ‫أو من أنباء المجرمين لننأى عنه‪ ،‬فمالنا ال نتدبره كما تدبروه أونرضى لقلوبنا‬ ‫أن يحكم رتاجها بأقفال تحول بينها وبين هــذا الخير كما قال تعالى‪a﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ g f e d c b‬محمــد‪٢٤ :‬؟! أوال نــرى ما ولي نشــر‬ ‫محاســنهم هذه من ذكر أحــوال الذين يأتــون من بعدهم‪ ،‬فيقفــون خطاهم‬ ‫ويسلكون دربهم‪ ،‬فإن أولئك ملحقون بهم في خصائصهم ومزاياهم‪ ،‬فقد أتبع‬ ‫االله ذلك قوله‪) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫* ‪6 5 4 3 21 0 / . - , +‬‬ ‫‪ ﴾ 7‬الحشر‪ ،١٠ :‬أوال يجدر بكل مؤمن أن يحرص على أن يكون ممن جاء من‬ ‫بعدهم يقفو أثرهم ويتحلى بشمائلهم؟‪.‬‬ ‫وإذا أدركت أثــر حب المال في أســر النفوس عن الخيــر وتقييدها عن‬ ‫الإحسان‪ ،‬وأثر الزكاة في إطلاق سراحها حتى تجول في ميادين الخير‪ ،‬وتنطلق‬ ‫في مضامير البر تبين لك ما يولده حب المال من مساوئ الأخلاق‪ ،‬وما ينشأ‬ ‫عن إنفاقه من مكارمها‪ ،‬على أن هذا الإنفاق ال ينحصر في الزكاة وحدها‪ ،‬فكل‬ ‫أحد مطلوب أن يبسط يده بالمعروف‪ ،‬ولو خارج حدود الزكاة‪ ،‬ناهيك أن االله‬ ‫سبحانه ذكر إيتاء المال في صدر أعمال البر مسبوقا بالإيمان وحده‪ ،‬ثم عطف‬ ‫عليه إقام الصلاة وإيتاء الزكاة‪ ،‬كمــا تراه في قوله‪& % $ # " ﴿ :‬‬ ‫'()*‪210/.-,+‬‬ ‫‪=<;:9876543‬‬ ‫> ? @ ‪ ﴾D C B A‬البقــرة‪ ،١٧٧ :‬والعطف دليل‬ ‫التغاير بين المعطــوف والمعطوف عليه‪ ،‬وهو مما يؤكــد أن في المال حقوقا‬ ‫للأصناف المذكورة في الآية من غير الزكاة‪.‬‬ ‫‪٢٩٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫والفرق بين هــذا الحق وحق الــزكاة؛ أن الزكاة إنما تجــب في أصناف‬ ‫مخصوصة من المــال‪ ،‬كالنقدين والأنعــام والحبوب المقتــات بها وكذلك‬ ‫التجارة‪ ،‬وهي مقيدة ببلوغ النصاب‪ ،‬ومرور الحول في غير الثمار‪ ،‬والمخرج‬ ‫منها نســبة محددة من القدر الذي ينتهي إليه المال‪ ،‬بينمــا الحقوق الأخرى‬ ‫ال تتقيد بصنف وال نصاب وال زمان‪ ،‬وال يحدد ما يخرج منها بنســبة معينة‪،‬‬ ‫وإنما هي موكولة إلى ضمائر أهل الخير بقدر ما يرونه من حاجة المحتاجين‪،‬‬ ‫وما يمكنهم االستغناء عنه في الحال مما بأيديهم من المال‪.‬‬ ‫والمتأمل في أصناف المال الــذي يزكى يجد أن كل صنف منه تتطلع‬ ‫إليه نفوس الفقراء‪ ،‬وتشــرئب إليه أعناقهم‪ ،‬لأنه مما ال يكاد يستغنى عنه‪،‬‬ ‫فبهيمة الأنعام والحبوب المقتاتة ال يكاد يستغنى عنها في الغذاء‪ ،‬والنقدان‬ ‫وما يحل محلهما تقضى بهــا الأوطار‪ ،‬ويتوصل بها إلــى تبادل المنافع‪،‬‬ ‫فلذلك خصت بهذا الحق المشروع المحبب دون سائر الأصناف التي وكل‬ ‫إنفاقها إلى نظر أهليها‪.‬‬ ‫وال يخفى ما للزكاة من أثر على نفوس معطيها وآخذيها‪ ،‬فهي كما تزكي‬ ‫نفوس المعطين‪ ،‬تسمو أيضا بنفوس الآخذين‪ ،‬لأنها تقضي مآربهم وتشعرهم‬ ‫بشــركتهم في منافع أموال إخوانهم الأغنياء‪ ،‬فتســتل من قلوبهم الســخائم‬ ‫والأحقاد‪ ،‬وتحل المودة والشفقة والحنان واالنســجام محل الشنآن والقسوة‬ ‫والغلظة والتنافر‪ ،‬فيتعاطف الجانبان وتتحطم الحواجز بينهما بردم هذه الهوة‬ ‫الفاصلة بين أحوالهما‪.‬‬ ‫‪ ٣‬ـ الصيام‪:‬‬ ‫هو مدرســة يتدرب فيها الصائم على كل ما يزكي خلقه‪ ،‬ويهذب نفســه‬ ‫ويعرج بروحه في مقامات الخير‪ ،‬وهو يمحق كل ما اعتاده المرء من الخصال‬ ‫الســيئة والعادات المذمومة‪ ،‬وبقدر هذه التخلية منها تتحلى نفســه بمحامد‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٩٣‬‬ ‫الخصال‪ ،‬وتتعود على أحسن العادات‪ ،‬فهو من ناحية يفطم النفس عن شهواتها‬ ‫المألوفة‪ ،‬ويعودها حســن الرقابة في وقت يعز فيه الرقيــب من الناس‪ ،‬وإنما‬ ‫يمتلئ الصائم بالإحســاس برقابة االله تعالى ورقابة من أمر برقابته من الكرام‬ ‫الكاتبين‪ ،‬فيظل شعوره مفعما بهذا الإحساس‪ ،‬ويجعله ذلك يعتاد دائما خشية‬ ‫االله تعالى ورجاءه والتعلق به‪.‬‬ ‫على أن الصيام ال يعود الصائم ترك شهواته من الطعام والشراب‪ ،‬وقضاء‬ ‫الوطر بين الأزواج فحسب‪ ،‬ويجرد من نفسه رقيبا على نفسه في ذلك‪ ،‬وإنما‬ ‫بجانب هذا يقيد كل جارحة من جوارحه حتى ال تكتسب سوءا قط‪ ،‬فهو يقيد‬ ‫اللســان عن كل محظور من القول ويراقبها لئلا يصدر عنها كذب أو نميمة أو‬ ‫اغتياب أو تنقيص للغير أو أي باطل من القول‪ ،‬ويراقب السمع‪ ،‬فلا ينصت إلى‬ ‫شــيء من ذلك‪ ،‬ويراقب البصر‪ ،‬فلا ينطلق في النطق في مجاالت محارم االله‬ ‫تعالى‪ ،‬بل يتقيد بقول الحق الذي يرضي االله ويراقب اليد‪ ،‬فلا تأخذ حراما وال‬ ‫تعطيه‪ ،‬وال تبطش بغير حق‪ ،‬ويراقب الرجل‪ ،‬فلا تقــدم على الخطو في غير‬ ‫ما أذن االله به‪.‬‬ ‫وهذه الرقابة تظل في اعتياد الصائم حتى حين الفطر‪ ،‬لأن من اعتاد على‬ ‫شيء هان عليه‪ ،‬وهذا كله إنما يعود إلى مدلول التقوى التي جعلها االله غاية في‬ ‫فرض الصيام عندما قال‪: 9 8 7 6 5 4 3﴿ :‬‬ ‫; < = > ? @﴾ البقرة‪ ،١٨٣ :‬فما أوســع مدلول التقوى‪،‬‬ ‫فإن مدلولها إن كان لغة بمعنى التجنب واالبتعاد‪ ،‬فهو شــرعا‪ :‬تجنب كل‬ ‫ما يســخط االله بعدم التفريط في نواهيه‪ ،‬وال االستخفاف بأوامره‪ ،‬فلا يدع‬ ‫مأمورا به إال وفاه حقه في أدائه‪ ،‬وال منهيا عنه إال جعل بينه وبينه حاجزا‬ ‫منيعا يمنعه من الحوم حول حماه‪ ،‬وقد أكد ما دلت عليه الآية ما ثبت عن‬ ‫النبي ژ ‪ ،‬فعند الربيع ‪ 5‬من طريق ابن عبــاس ^ عن النبي ژ قال‪:‬‬ ‫‪٢٩٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫»وال صوم إال بالكــف عن محارم االله«)‪ ،(١‬وفي حديــث أبي هريرة ‪ ƒ‬عن‬ ‫النبي ژ أنه قال‪» :‬من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس الله حاجة‬ ‫في أن يدع طعامه وشرابه«)‪.(٢‬‬ ‫وبجانب ذلك‪ ،‬فكم يرق شــعور الصائم ويرهف إحساســه عندما يشعر‬ ‫بصعوبة الجوع والعطش‪ ،‬فيذكره ذلك حال الفقراء والمساكين الذين ال يجدون‬ ‫كفافا من عيش‪ ،‬وال يتيسر لهم من قوام أبدانهم إال الشيء اليسير‪ ،‬ويضطرون‬ ‫مع ذلك إلــى العمل المضني بين لهيب الحر واســتعار الظمأ لأجل كســب‬ ‫ما عسى أن يسد شيئا من رمقهم أو رمق من يعنون به‪ ،‬وهذا الإحساس ال ‪‬‬ ‫بد‬ ‫من أن يثمر برا وإحسانا إلى هؤالء‪ ،‬لأنه يثمر في القلوب رقة ورأفة ورحمة‪.‬‬ ‫وال يخفى أن التعود على ذلــك كله يدفع النفس إلى عــدم التفريط في‬ ‫مكارم الأخلاق‪ ،‬وما يتبعها من محاســن الأعمال‪ ،‬فتأتلــف القلوب وتتحد‬ ‫المشــاعر لما يغمرها جميعا من المودة والرحمة‪ ،‬فلا تبقــى فجوة بين غني‬ ‫وفقير‪ ،‬وال جفوة بين قوي وضعيف‪.‬‬ ‫على أن أثر الصيام ال ينحصر في هذا فحســب‪ ،‬بل يتجــاوزه إلى تعويد‬ ‫الصائم على ضبط النفس‪ ،‬وعدم االسترسال معها في انفعالها عندما تتعرض‬ ‫لإساءة أو عدوان من قبل أحد‪ ،‬فانظر كيف يربي النبي ژ المؤمنين على ذلك‬ ‫في معرض تذكيرهم بقدسية عبادة الصوم ومنافاتها لما تنجذب إليه النفس من‬ ‫حب التشفي واالنتقام ممن أســاء إليها‪ ،‬فعند الربيع عن أبي هريرة قال‪ :‬قال‬ ‫رســول االله ژ ‪» :‬الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث وال يجهل وإن‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الربيع‪) :‬ص ‪ ٥٤‬رقم‪.(٩١ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمــد )‪ ،٤٤٣/٢‬رقم ‪ ،(٩٧١٧‬والبخــاري )‪ ،٢٢٥١/٥‬رقم ‪ ،(٥٧١٠‬وأبو داود )‪،٣٠٧/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٣٦٢‬والترمــذي )‪ ،٨٧/٣‬رقم ‪ (٧٠٧‬وقــال‪ :‬حســن صحيح‪ .‬وابن ماجــه )‪،٥٣٩/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٦٨٩‬وابن حبــان )‪ ،٢٥٦/٨‬رقم ‪ .(٣٤٨٠‬والبغوي في الجعديات )‪ ،٤١٤/١‬رقم ‪،(٢٨٣١‬‬ ‫والنسائي في الكبرى )‪ ،٢٣٨/٢‬رقم ‪ ،(٣٢٤٦‬والبيهقي )‪ ،٢٧٠/٤‬رقم ‪.(٨٠٩٥‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٩٥‬‬ ‫امــرؤ قاتله أو شــاتمه فليقل إنــي صائم«)‪ ،(١‬وجــاء من طريقــه وطريق ابن‬ ‫مســعود ‪ ƒ‬بلفظ‪» :‬إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث وال يجهل فإن امرؤ‬ ‫شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم«)‪.(٢‬‬ ‫أال ما أسمى هذا الخلق الذي ال يرقى إليه إال بمعارج الصيام‪ ،‬فانظر كيف‬ ‫يربي النبي ژ نفوس المؤمنين على االنضباط عندما تتعرض لما يزعجها أثناء‬ ‫صيامها‪ ،‬فليس للصائم أن يقابل الإساءة بالإساءة‪ ،‬وإنما يقابلها بالإحسان‪ ،‬فهو‬ ‫ال يطلب منه أن يكف أذاه عن الغير فحسب‪ ،‬وإنما يطلب منه أن يتعود تحمل‬ ‫الأذى من الغيــر وأن ال يجزيه به مثــل صنيعه‪ ،‬فإذا قوتل أو شــتم كف يده‬ ‫ولسانه‪ ،‬ولم يزد على قوله‪) :‬إني صائم(‪ ،‬ليذكر نفسه بعظم ما هو فيه‪ ،‬فلا يقدم‬ ‫على ما ينافي قدســيته اســتجابة لداعي غريزة االنتقام‪ ،‬‬ ‫وليذ ‪‬كر من صدر منه‬ ‫الأذى إن كان من جنس المسلمين الصائمين بأنه ارتكب أمرا عظيما‪ ،‬وفرط في‬ ‫حقوق ما هو فيه من الصيام‪ ،‬وإن كان من الآخرين كان في ذلك ما يدعوه إلى‬ ‫الإمعان في هذا الأدب وهذه الأخلاق‪ ،‬والتفتيش عن مصدرها من هذا الدين‬ ‫الحنيف‪ ،‬ولعله بذلك يستجيب لداعي الحق ويصبح من المؤمنين‪.‬‬ ‫‪ ٤‬ـ ا "‪:x‬‬ ‫الحج أعظم فرصة لتظاهر الأمة الإسلامية من أطراف الأرض‪ ،‬ممثلة في‬ ‫وفودها التي تفد إلى االله سبحانه في تلك العراص الطاهرة‪ ،‬فتتجرد من كل‬ ‫ما يلابســها من مذام الصفات ومســاوئ الأخلاق‪ ،‬فهو يؤصل في النفس‬ ‫الإنسانية تســاوي الجنس البشــري‪ ،‬واتحاده في ظل العبودية الله تعالى‪ ،‬إذ‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الربيع‪) :‬ص ‪ ١٣٤‬رقم‪.(٣٣٠ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه من طريق أبي هريرة‪ :‬مالــك )‪ ،٣١٠/١‬رقم ‪ ،(٦٨٢‬والبخــاري )‪ ،٦٧٣/٢‬رقم ‪،(١٨٠٥‬‬ ‫ومســلم )‪ ،٨٠٦/٢‬رقم ‪ (١١٥١‬وأبو داود )‪ ،٣٠٧/٢‬رقم ‪ (٢٣٦٣‬وابن ماجه )‪ ،٥٣٩/١‬رقم ‪(١٦٩١‬‬ ‫وابن حبــان )‪ ،٢٥٨/٨‬رقم ‪ ،(٣٤٨٢‬ومــن طريق ابن مســعود‪ :‬أخرجه الطبرانــي )‪،١٢٩/١٠‬‬ ‫رقم ‪.(١٠١٩٨‬‬ ‫‪٢٩٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫الكل يلهجون بقول واحد ويتحدون في هيئة واحدة‪ ،‬متخلين عن أزيائهم‪،‬‬ ‫تاركين لشعاراتهم‪ ،‬مستأنسين باالله تعالى‪ ،‬مستوحشين من كل ما يشغل عنه‪،‬‬ ‫ولو كان من أعز الأشــياء على النفس‪ ،‬وأحبها إلى القلب‪ ،‬فالكل يستجيب‬ ‫لداعي االله الهجا بلســانه ما ينبعث من أعماق قلبه من حب التوجه إلى االله‬ ‫تعالى‪ ،‬فيقول‪) :‬لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال شــريك لــك لبيك‪ ،‬إن الحمد‬ ‫والنعمة لك والملك‪ ،‬ال شريك لك(‪ ،‬وهو يعني التوجه إلى االله سبحانه بكل‬ ‫ما تعنيه هذه الكلمة من معنى‪ ،‬فيتخلص بهذا من كل عادة مذمومة وخصلة‬ ‫رذلة‪ ،‬جاعلا رضى االله تعالى نصب عينيه ومطمح نفســه‪ ،‬سالكا إلى ذلك‬ ‫طريقه بطاعته في كل ما أمر به أو نهى عنه‪ ،‬ال يلوي على شيء من شهوات‬ ‫النفس ونزعاتها‪ ،‬وال يتأثر بما يعرض له من وساوس الشيطان ونزغاته‪ ،‬فلا‬ ‫يستجيب لنزوة طائشة وال لرغبة جامحة‪ ،‬وال لعصبية ممقوتة‪ ،‬وال لشيء من‬ ‫مؤثرات النفــس أو البيئة أو المجتمع‪ ،‬وإنما يوجــه وجهته إلى االله‪ ،‬مودعا‬ ‫حياته الأولى‪ ،‬وما كان فيها من انحراف عن القصد‪ ،‬أو إخلاد إلى الأرض‪،‬‬ ‫أو ميل إلى الدنيا‪ ،‬أو انجذاب إلى شيء من زخرفها وزينتها‪ ،‬فلا يقيم وزنا‬ ‫إال لما فيه رضى االله وال يلتفت إلى علاقة إال ما كان أساسه حكم االله‪ ،‬ويزن‬ ‫كل ما يصدر منه بموازين االله تعالى‪ ،‬لأنه جرد فكره وسلوكه‪ ،‬ونطقه وعمله‪،‬‬ ‫ودينه وخلقه‪ ،‬ومحياه ومماته‪ ،‬ودنياه وأخــراه‪ ،‬فجعلها جميعا الله الذي لبى‬ ‫نداءه نافيا أن يكون له أي شريك في ذلك‪.‬‬ ‫وهو شعيرة مقدسة تصل القلوب ببارئها سبحانه‪ ،‬وتبعث في النفس عزائم‬ ‫التقوى‪ ،‬وتقوي فيها دواعي الإحسان‪ ،‬فتقرب بين النفوس المتباعدة‪ ،‬وتؤلف‬ ‫بين القلوب المتنافرة‪ ،‬وتفتح آفاقا من التعارف واالطلاع على ما تنوء به الأمة‬ ‫من مشكلاتها‪ ،‬وما تحتاجه من الحلول التي ال تتم إال بتعاون فئاتها‪ ،‬وتلاقح‬ ‫أفكارها‪ ،‬وتعاطف قلوبها والقضاء على كل ما يعكر صفوها‪ ،‬حتى تكون كقلب‬ ‫رجل واحد كما قال ! ‪» :‬تــرى المؤمنين في تراحمهــم وتوادهم وتعاطفهم‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٩٧‬‬ ‫كمثل الجسد إذا اشــتكى عضو تداعى له سائر جسده بالســهر والحمى«)‪،(١‬‬ ‫فلا يكون بينها إال التراحم والتلاحم وانجذاب بعضها إلى بعض‪.‬‬ ‫وهو واضح مما جاء به القرآن في معرض الحديث عن هذه الشعيرة‪ ،‬فكم‬ ‫اقترن ذكرها بذكر التقوى كما في قوله تعالى‪ ...﴾ ¥ ¤ £ ¢ ﴿ :‬إلى‬ ‫قوله‪ ﴾ ô ó ò ñ ð ï î ﴿ :‬البقرة‪ ،١٩٦ :‬ومــا تبعه من بعد من‬ ‫قوله‪- , + * ) ( ' & % $# " ! ﴿ :‬‬ ‫‪< ; : 9 87 6 5 4 3 2 10 / .‬‬ ‫=> ? @ ‪ ﴾A‬البقرة‪ ،١٩٧ :‬وكذلك قوله‪$ # " ﴿ :‬‬ ‫‪5 43 2 1 0 / . - , + * ) ( '& %‬‬ ‫‪ ﴾= < ; : 9 8 76‬البقرة‪ ،٢٠٣ :‬وقوله‪9 8﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ @ ? > = < ; :‬الحج‪ ،٣٢ :‬وقوله في البدن‪ ̧ ¶﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1‬الحج‪ ،٣٧ :‬فما كان هذا الترادف‬ ‫بين ذكر الحج وذكر التقوى إال لما بينهما من الترابط السببي‪ ،‬فإن التقوى تنشأ‬ ‫عن الصلة القلبية باالله تعالى‪ ،‬التي تتولد من أداء عباداته والقيام بشعائره‪ ،‬كما‬ ‫هو منصوص عليه فــي قوله تعالــى‪q p o n m l ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ v u t s r‬البقرة‪ ،٢١ :‬وقد قرنت كل عبادة من هذه العبادات‬ ‫بذكر التقوى نصا أو ضمنا كما تقدم ذكره‪ ،‬وإنما كان الحج أوفر حظا في ذلك‬ ‫حتى ال تشوب أداءه شائبة من الحظوظ الدنيوية‪ ،‬فقد تتهيأ للإنسان منافع شتى‬ ‫في رحلته إلى الحج‪ ،‬غير أنه يجب أن يكــون قصده إلى االله ال إليها‪ ،‬وإن كان‬ ‫ال يضيره مع سلامة القصد وخلوص الطوية إن تحقق له شيء من تلك المنافع‬ ‫نعمة من االله وفضلا‪ ،‬كما قال تعالــى‪G F E D C﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾J I H‬البقرة‪.١٩٨ :‬‬ ‫)‪ (١‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫‪٢٩٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫على أن مما يجب على قاصد الحج أن يجعل نصب عينيه نصرة دين االله‬ ‫تعالى‪ ،‬وشــد أزر المؤمنين جميعا‪ ،‬وجمع كلمتهم علــى ما يحبه االله تعالى‬ ‫ويرضاه‪ ،‬ففي هذا اللقاء الكبير يتســنى لوفود االله التي شدت رحالها من بقاع‬ ‫الأرض جميعا أن تلتقي في ظل دين االله‪ ،‬وإخــلاص الطاعة له‪ ،‬لتطرح على‬ ‫بســاط البحث ما يواجهه أهل كل بقعة من تلك البقاع مما يحتاجون فيه إلى‬ ‫االســتبصار بآراء إخوانهم المؤمنين‪ ،‬فيرجعون وقد أحرزوا جميعا من فوائد‬ ‫لقائهم ما يفدون به إلى أقوامهــم‪ ،‬فيفيدون به مجتمعاتهــم‪ ،‬ويتحقق بذلك‬ ‫ما أشــار االله إليه بقوله‪ ﴾ ...h g f﴿ :‬الحــج‪ ،٢٨ :‬فكم من منفعة‬ ‫للناس تتحقق للأمة عندما تتعاون على حل مشكلاتها‪ ،‬ويكون لكل حاج أدلى‬ ‫برأيه نصيب وافر من ثواب انتشــال الأمة من ضياعها‪ ،‬وتحقيق المنافع لها‪،‬‬ ‫ويكونون جميعا رسل سلام ووئام ومودة ورحمة‪ ،‬ورادة صلاح وإصلاح‪.‬‬ ‫على أنهم جميعا ـ وهم بتلك العراص الطاهرة‪ ،‬التي يختزل كل شبر من‬ ‫ترابها من تاريخ دعوة الإسلام ما يفتح القلوب الغلف‪ ،‬ويبصر العيون العمي ـ‬ ‫يتسنى لهم أن يستنطقوا التاريخ‪ ،‬ويستدروا تلك الذكريات العظمى من أرض‬ ‫الحرم الشريف ـ حيث مهبط الوحي ومشرق النور ـ آكامها ووهادها‪ ،‬ووعرها‬ ‫وسهولها‪ ،‬وبوقوف المســلم على تلك المشــاهد يتأتى له من استلهام العبر‪،‬‬ ‫واستنتاج الفوائد ما ال يتأتى له من بعيد‪ ،‬فإذا عاد أحدهم إلى أهله عاد بطاقة‬ ‫روحانية تذلل له الصعب‪ ،‬وتدني له البعيد في سبيل الدعوة إلى االله‪ ،‬ونشر هذا‬ ‫الخير في أرجاء الأرض‪.‬‬ ‫وبجانب هذه المنافع الجانبية التي يستفيدها الحجاج من رحلتهم إلى تلك‬ ‫البقاع الطاهرة‪ ،‬هناك فائدة كبرى تتحقق لهم بكيفية أداء هذه الشعيرة‪ ،‬عندما‬ ‫يتوجهون جميعا إلى االله ـ على تنائي ديارهم‪ ،‬وتنوع أجناســهم وجنسياتهم‪،‬‬ ‫واختلاف ألسنتهم وألوانهم ـ فيهتفون جميعا بلسان واحد »لبيك اللهم لبيك‪،‬‬ ‫لبيك ال شــريك لك لبيك‪ ،‬إن الحمد والنعمة لك والملك‪ ،‬ال شــريك لك«‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٢٩٩‬‬ ‫وما هذه التلبية إال اســتجابة لداعــي االله وتخل عن أهواء النفــس ونزعاتها‪،‬‬ ‫وانضمام إلى وفد الحق الذي يؤم بوجهه وجه االله‪ ،‬فهي رمز التحرر من علائق‬ ‫النفس التي تثبطهــا عن الخير‪ ،‬وتقعد بها عن التضحيــة‪ ،‬وتجعلها تخلد إلى‬ ‫الأرض ال تبتغي بزخرفها بديلا‪ ،‬فهي بهذا تعرج إلى أوج الخير‪ ،‬وتنفك عن‬ ‫قيود شهواتها وأهوائها‪ ،‬وذلك ـ بلا ريب ـ يفتح لها آفاقا جديدة في التفكير‪،‬‬ ‫فبدال من أن تعيش وتعمل مــن أجل مصلحتها وحدهــا تجعل نصب عينيها‬ ‫مصلحة الأمــة جميعا‪ ،‬فتتألــم بآالمها وتنشــط بآمالها‪ ،‬فيتحقــق بذلك من‬ ‫االنسجام والوحدة والوئام ما تعجز الألباب عن تصوره‪ ،‬والهمم عن تحقيقه‪،‬‬ ‫وهذا عين الخلق الرفيع الذي يدعو إليه الإســلام‪ ،‬ويشير إليه القرآن في قوله‬ ‫تعالى‪ ﴾ ̄ ® ¬ ﴿ :‬الحجرات‪ ،١٠ :‬وينص عليه الحديث الآنف ذكره‪.‬‬ ‫‪bKI UI‬ت ا ‪!" D‬ي '> ^رم الأ‪G‬لاق‪:‬‬ ‫من تأمل ما شــرعه االله من الأحكام تراءى له الخلق الرفيع في كل جزئية من‬ ‫جزئياتها‪ ،‬وهذا يعني أن الشريعة قائمة على رعاية مكارم الأخلاق‪ ،‬سواء ما يتعلق‬ ‫ِ‬ ‫بالصلات التي تكون بين الناس خصوصهم وعمومهم‪ ،‬أو ما يتعلق بمعاملاتهم‪.‬‬ ‫‪ $,J‬ا  ‪ 7‬ا ‪ UI U 0‬ا <س‪:‬‬ ‫سبق أن القرآن الكريم وصى بالقول الحســن في مخاطبة الناس جميعا‪،‬‬ ‫وذلك في قــول االله تعالــى‪ ﴾ o 1 ̧ ﴿ :‬البقــرة‪ ،٨٣ :‬وكذلك أمر‬ ‫النبي ژ بمخالقة الناس جميعا بالخلق الحسن في قوله‪» :‬وخالق الناس بخلق‬ ‫حســن«)‪ ،(١‬وإذا كان هذا النص القرآني وهذا الحديث النبوي قد أجملا القول‬ ‫في ذلك‪ ،‬فإن فيما تضمنته الحكم المنصوص عليها في القرآن والمأثورة عن‬ ‫النبي ! ما يفصــل هذا الإجمال‪ ،‬فقد قــال االله تعالى‪1⁄2 1⁄4 » o ﴿ :‬‬ ‫)‪ (١‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫‪٣٠٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫3⁄4 ¿ ‪ÐÏ Î Í Ì Ë Ê É È Ç Æ Å Ä Ã Â Á À‬‬ ‫‪à ß Þ ÝÜ Û Ú Ù Ø ×Ö Õ Ô Ó Ò Ñ‬‬ ‫‪ ﴾ ã â á‬الحجرات‪ ،١١ :‬فانظر كيف أطلق االله تعالى تحريم الســخرية‬ ‫بين الناس‪ ،‬وليس التنصيص على حرمة ســخرية قوم من قوم ونساء من نساء‬ ‫داال على انحصار هذا الحكم في ســخرية الرجال من الرجال‪ ،‬أو النساء من‬ ‫النساء‪ ،‬وإنما يندرج في ذلك ما لو ســخر رجل من امرأة‪ ،‬أو امرأة من رجل‪،‬‬ ‫ولكن لما كانت المعاشرة والمداخلة بين الرجال والرجال كانت سخرية الرجل‬ ‫من الرجل أقرب إلى المألوف‪ ،‬كذلك تداخل النساء فيما بينهن قد يؤدي إلى‬ ‫سخرية بعضهن من بعض‪ ،‬فلذلك نص على هذا الحكم‪.‬‬ ‫وانظر كيف حرم اللمز بالألسنة بهذا التعبير الدقيق الذي يشي بأنه يزعج‬ ‫ويؤذي كما لو كان طعنا بالأسنة‪ ،‬ولم يأت النهي عن لمز بعض لبعض‪ ،‬وإنما‬ ‫قال‪ [ Ó Ò Ñ ] :‬لأجل تربية الشعور بوحدة المشاعر بين الأمة جميعا‪،‬‬ ‫بحيث يحس كل أحد أن لو طعن غيره كأنما يطعن نفسه‪ ،‬ومنع التنابز بالألقاب‬ ‫لما يتركه من أثر ســيء في النفوس‪ ،‬وما ينشــره في المجتمع من الســخرية‬ ‫المحرمة بهذا النص‪ ،‬فإن الألقاب كثيرا ما تكون ساخرة ال توحي إال باستهزاء‬ ‫واستخفاف‪ ،‬لذلك عدها االله سبحانه من الفسوق المنافي للإيمان‪.‬‬ ‫وأتبع الحق سبحانه ذلك بقوله‪( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫) * ‪7 6 5 4 32 1 0 / . - ,+‬‬ ‫‪ ﴾ C B A @ ?> = <; : 9 8‬الحجــرات‪ ،١٢ :‬وهو يتضمن‬ ‫النهي عن كل ما يؤدي إلى سوء العلاقة بين أبناء المجتمع أو أفراد الأمة‪ ،‬سواء‬ ‫كان من عمل القلوب أو من فعل الألســنة أو أي جارحة أخرى‪ ،‬فقد حرم االله‬ ‫تعالى الظن الســيء لما ينشــره بين الناس من انعدام الثقة‪ ،‬وانطلاق الخيال‬ ‫بأوهام ال تعود على الناس إال بالقطيعة والوحشة فيما بينهم‪ ،‬وكذلك التجسس‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣٠١‬‬ ‫فإنه تفتيش عن العورات ومحاولة اكتشاف ما واراه الستار منها‪ ،‬فهو حرام بين‬ ‫الناس جميعا وال يختص به المؤمنون‪ ،‬لذلك أطلق النهي في الآية‪ ،‬ولم يقيد‬ ‫بما بين المؤمنين‪ ،‬ثم عطف على ذلك نهي المؤمنين أن يغتاب بعضهم بعضا‪،‬‬ ‫فالغيبة هي ذكر الغير بما يكره‪ ،‬سواء كان من فعله أو من طبعه أو من خلقته‪،‬‬ ‫وصور ذلك بهذه الصورة التي يتقزز منها الطبع‪ ،‬وتأنف منها الفطرة‪ ،‬وهي أن‬ ‫ينهش الإنسان من لحم أخيه ميتا‪.‬‬ ‫ثم ولي ذلك قوله تعالى‪M L K J I H G F E ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Z Y X W VU T S R Q PO N‬الحجرات‪ ،١٣ :‬وهو بمثابة‬ ‫التأصيل للنهي عما تقــدم‪ ،‬فقد عــرف االله تعالى عباده أنهم ال فضــل لهم عنده‬ ‫بأصولهم النسبية‪ ،‬وال بشعوبهم وقبائلهم‪ ،‬لأن ذلك كله إنما أريد به أن يتحقق به‬ ‫التعارف بينهم‪ ،‬ال التعالي والتفاخر‪ ،‬فهم جميعا ينحدرون من أصل واحد‪ ،‬أبوهم‬ ‫واحد وأمهم واحدة‪ ،‬ومعادنهم جميعا من التراب كما جاء في خطبة النبي ژ التي‬ ‫خطبها في حجة الوداع‪ ... » :‬أال وإن االله تعالى قــد أذهب نخوة الجاهلية وتكبرها‬ ‫بالآباء كلكم لآدم وآدم من تراب ليس إال مؤمن تقي أو فاجر شقي وأكرمكم عند‬ ‫االله أتقاكم«)‪ ،(١‬وعن ابن عمر ^ مرفوعا‪» :‬يا أيها النــاس إن االله قد أذهب عنكم‬ ‫عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها فالناس رجلان رجل بر تقي كريم على االله وفاجر‬ ‫شقي هين على االله والناس بنو آدم وخلق االله آدم من تراب«)‪ ،(٢‬وعن أبي هريرة عن‬ ‫النبي ژ قال‪» :‬إن االله قد أذهب عنكم عبية الجاهليــة وفخرها بالآباء مؤمن تقي‬ ‫وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب‪ ،‬ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم‬ ‫من فحم جهنم‪ ،‬أو ليكونن أهون على االله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن«)‪.(٣‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الربيع‪) :‬ص ‪ ١٧٠‬رقم‪.(٤١٩ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الترمذي )‪ ،٣٨٩/٥‬رقم ‪ ،(٣٢٧٠‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪ ،٣٠٤/٤‬رقم ‪.(٥١٩٣‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجــه أحمــد )‪ ،٥٢٣/٢‬رقم ‪ ،(١٠٧٩١‬وأبــو داود )‪ ،٣٣١/٤‬رقم ‪ ،(٥١١٦‬والبيهقــي )‪،٢٣٢/١٠‬‬ ‫رقم ‪ .(٢٠٨٥١‬وأخرجه أيضا‪ :‬الترمذي )‪ ،٧٣٥/٥‬رقم ‪ ،(٣٩٥٦‬والرافعى )‪ ،(٦٢/٢‬والخطيب )‪.(١٨٧/٦‬‬ ‫‪٣٠٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وال يخفى أن تعالي الناس بالأحساب والأنســاب مما يعمي قلوبهم عن‬ ‫معدنهم الذي يشتركون فيه جميعا‪ ،‬وهو مما يشيع فيهم تحقير بعضهم لبعض‪،‬‬ ‫وسخرية بعضهم من بعض‪ ،‬ولذلك كان هذا النهي بمثابة التأصيل لما تقدم‪.‬‬ ‫هذا؛ وقد نصت أحاديث النبي ژ على ما يطلب من المؤمن من التعامل‬ ‫بالأخلاق مع الناس جميعا‪ ،‬فعن أبي ذر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول االله ژ ‪» :‬تبسمك في‬ ‫وجه أخيك صدقة لك‪ ،‬وأمرك بالمعروف‪ ،‬ونهيك عن المنكر صدقة‪ ،‬وإرشادك‬ ‫الرجل في أرض الضلالة لك صدقة‪ ،‬وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة‪،‬‬ ‫وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة‪ ،‬وإفراغك من دلوك‬ ‫في دلو أخيك لك صدقة«)‪.(١‬‬ ‫فانظر كيف توسع النبي ژ في مدلول الصدقة‪ ،‬فجعل كل ما يفضي إلى إيناس‬ ‫المســلم أو منفعته في دينه أو دنياه صدقة‪ ،‬فلأن يلقى المســلم أخاه بوجه طلق‬ ‫المحيا منبسط الأسارير باســم الثغر هو من الصدقات التي تقرب إلى االله‪ ،‬لما في‬ ‫ذلك من إيناسه وإبعاد الوحشة عنه‪ ،‬وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬ ‫لما يتحقق بهما من مصالح الدين‪ ،‬وكذلك إرشاد الغير في أرض الضلالة‪ ،‬أو عون‬ ‫رديء البصر‪ ،‬أو إماطــة كل أذى من الطريق‪ ،‬أو الإفراغ فــي دلو الغير‪ ،‬وفي هذا‬ ‫ما يرمز إلى أن كل ما يستأنس به الغير أو ينتفع به فهو من الصدقات‪ ،‬وال يخفى‬ ‫على اللبيب ما في هذا من إشاعة المعروف بين الناس‪ ،‬وبسط الأنس لهم‪ ،‬وهذه‬ ‫هي الأخلاق التي تزكو بها النفوس وتأتلف بها القلــوب‪ ،‬وتؤلف النافر وتقرب‬ ‫الشارد ليكون الناس عصبة واحدة تتعاون على البر وتتكاتف على الإحسان‪.‬‬ ‫وقد حض النبي ژ على تفادي كل ما يؤدي إلى الوحشة والنفور‪ ،‬والحرص‬ ‫على كل ما يؤدي إلــى الألفة والوفاق بين الناس‪ ،‬وقد ســبق ذكــر طائفة من‬ ‫الأحاديث المتعلقة بذلك في المحور السابع فارجع إليه‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه البيهقي‪ ٦٦/٥) :‬رقم‪.(٣١٠٥ :‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣٠٣‬‬ ‫‪!f‬ل الأ‪G‬لاق  ر '‪ $‬ا  ٴ!<‪ 39B 7 $‬و‪:39J‬‬ ‫ال يعفى المســلم عن التحلي بمكارم الأخلاق في أي موقف كان‪ ،‬وفي‬ ‫التعامل مع الناس يجب أن يكون تعاملهم مبنيا على رعاية الأخلاق‪ ،‬فعن أبي‬ ‫سعيد الخدري ‪ ƒ‬عن النبي ژ قال‪» :‬ال يخطبن أحدكم على خطبة أخيه وال‬ ‫يساوم على سوم أخيه«)‪ ،(١‬وعن ابن عمر أن النبي ژ قال‪» :‬ال يبيع الرجل على‬ ‫بيع أخيه وال يخطب على خطبة أخيه إال أن يأذن له«)‪ ،(٢‬ومن طريقه عنه !‬ ‫أنه قال‪» :‬ال يبيع بعضكم على بيع أخيه«)‪ ،(٣‬ومن طريقه أيضا أن النبي ژ قال‪:‬‬ ‫»ال يبيع بعضكم على بيع بعض وال يخطــب بعضكم على خطبة بعض«)‪،(٤‬‬ ‫وعن أبي هريرة بلفظ‪» :‬ال يبيع الرجل على بيع أخيه وال يســوم على ســوم‬ ‫أخيه«)‪ ،(٥‬ومن طريقه أيضا‪» :‬ال يخطب الرجل على خطبة أخيه وال يسوم على‬ ‫سوم أخيه وال تنكح المرأة على عمتها وال على خالتها وال تسأل المرأة طلاق‬ ‫أختها لتكفئ صحفتها ولتنكح فإنما لها ما كتب االله لها«)‪.(٦‬‬ ‫وفي هذه التوجيهات النبوية من النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتســليم‬ ‫ما يؤذن بأن المســلم مطالب بأن يرعى الأخلاق في تعاملــه عند الناس جميعا‬ ‫ـ ال سيما إخوانه المسلمين ـ بحيث تكون أخلاقه رسلا إلى الناس تنشر ما بينهم‬ ‫مبادئ الخير ورســالة الوئام والســلام‪ ،‬وتوطئ منهم الأكنــاف‪ ،‬وتؤلف منهم‬ ‫القلوب‪ ،‬ليلتقوا على كلمة ســواء متحابين في االله‪ ،‬متعاونين على البر والتقوى‪،‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الإمام الربيع )ص ‪ ٢٠٨‬رقم‪.(٥١٦ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمــد )‪ ،١٥٣/٢‬رقم ‪ ،(٦٤١١‬وعبد الرزاق )‪ ،١٩٩/٨‬رقم ‪ ،(١٤٨٦٨‬ومســلم )‪،١٠٣٢/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٤١٢‬وأبو داود )‪ ،٢٢٨/٢‬رقم ‪ ،(٢٠٨١‬والنسائي )‪ ،٢٥٨/٧‬رقم ‪.(٤٥٠٤‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه مالك )‪ ،٦٨٣/٢‬رقم ‪ ،(١٣٦٥‬والبخاري )‪ ،٧٥٢/٢‬رقم ‪ ،(٢٠٣٢‬والنسائي )‪،٢٥٨/٧‬‬ ‫رقم ‪ ،(٤٥٠٣‬وابن ماجه )‪ ،٧٣٣/٢‬رقم ‪.(٢١٧١‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه الترمذي )‪ ،٥٨٧/٣‬رقم ‪ (١٢٩٢‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬ ‫)‪ (٥‬أخرجه ابن ماجه )‪ ،٧٣٤/٢‬رقم ‪.(٢١٧٢‬‬ ‫)‪ (٦‬أخرجه مسلم )‪ ،١٠٢٩/٢‬رقم ‪.(١٤٠٨‬‬ ‫‪٣٠٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫متكاتفين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬ال يعتريهم سأم وال فتور عن‬ ‫دفع عجلة الدعوة إلى الأمام‪ ،‬لتسعد الإنسانية بالخير وتنعم بالعدل‪.‬‬ ‫ا ‪ 0‬لأ‪G‬لاق ‪ $‬ا ‪:c‬‬ ‫إذا كان هذا هو الإسلام في نشــره هذه الأخلاق الرفيعة بين عامة الناس‪،‬‬ ‫فإنه في بناء العلاقات الخاصة بين الأقربين هو أحرص على أن تكون علاقاتهم‬ ‫مبنية على رعاية الأخلاق‪ ،‬وحســن التعامل بينهم والتعاطــف؛ الذي يحول‬ ‫نفوسهم إلى أن تكون كنفس واحدة في الشعور بما يسر وما يحزن‪.‬‬ ‫‪ ١‬ـ معاملة الوالدين‪:‬‬ ‫ال يخفى على كل ذي بصيرة ما ينعم به الوالدان في الإســلام من حسن‬ ‫الرعاية وعظيم التوقير‪ ،‬واللطف في الأخذ والعطاء معهما من قبل أوالدهما‪،‬‬ ‫وهذا ما أكدته نصوص متعــددة في القرآن‪ ،‬كقولــه تعالى‪i h g ﴿ :‬‬ ‫‪v u t s r q p on m l k j‬‬ ‫‪ ~ } | { z yx w‬ے ¡❁‪¥ ¤ £‬‬ ‫¦ § ̈ © ‪ ﴾ ̄ ® ¬ « a‬الإســراء‪ ٢٣ :‬ـ ‪ ،٢٤‬وفي هاتين‬ ‫الآيتين الكريمتين يقرن االله تعالى بيــن واجب العبادة الله وما يجب على الولد‬ ‫من بر والديه والتلطف بهما في المعاملة‪ ،‬والتذلل بين أيديهما في محادثتهما‪،‬‬ ‫وحســن الدعاء لهما بالرحمة من االله‪ ،‬جزاء ما قدماه من التضحيات العظيمة‪،‬‬ ‫ال سيما الأم الذي حملت الولد كرها ووضعته كرها‪ ،‬كما سيأتي إن شاء االله‪.‬‬ ‫وفيما نص االله تعالى عليه هنا ما يدل على وجــوب رعاية حال الوالدين‬ ‫عندما يبلغان أو يبلغ أحدهما من الكبر عتيا‪ ،‬وما يصحب ذلك من الشــكوى‬ ‫والتأفف والتضجر وعدم الرضا عن حال‪ ،‬فإن على ولدهما أن يوســع صدره‬ ‫لهذا كله‪ ،‬وال يتضجر مما عسى أن يصدر منهما من القول الجارح أو المعاملة‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣٠٥‬‬ ‫الخشنة‪ ،‬وأن يتذكر عندما كان طفلا ناشئا‪ ،‬يتقلب بين أحضانهما وال يتضجران‬ ‫من أي شــيء يصدر منه‪ ،‬بــل كانــا يغمرانه بعطفهمــا وحنانهمــا‪ ،‬وبرهما‬ ‫وإحسانهما‪ ،‬ويحوطانه بحسن رعايتهما‪ ،‬ويفديه كل منهما بنفسه‪ ،‬فيسهر لينام‪،‬‬ ‫ويجوع ليشبع‪ ،‬ويظمأ ليروى‪ ،‬وينصب ليرتاح‪ ،‬وهما مع ذلك تنهمر دعواتهما‬ ‫له ليحفظه االله من كل سوء‪ ،‬ويبارك في حياته‪ ،‬ويمد في عمره‪ ،‬ويمنحه القوة‪،‬‬ ‫ويكسوه العزة والشرف‪.‬‬ ‫ولو خير أحدهما أن تمتد حياته أو حياة طفله لآثر امتداد حياة طفله ولو‬ ‫لقي حتفه في سبيل ذلك‪ ،‬فما كان له وقد تحقق ما كانا يصبوان إليه من قوته‬ ‫وفتوته وشبابه ويفاعه أن يجزي هذا الإحســان منهما بالعقوق والإساءة‪ ،‬وقد‬ ‫أخذا في االنتكاس في الخلق والعودة إلى الضعف مع الشيبة‪ ،‬وإنما عليه أن‬ ‫يتحمل كل ما يلقاه من جفــاء في معاملتهما‪ ،‬يفرزه كبرهمــا وضعفهما‪ ،‬وأن‬ ‫يشكر االله تعالى على ما من عليه من طول حياتهما لتكون سببا لفوزه بالأجور‪.‬‬ ‫ومثل ذلك قوله تعالى‪( ' & %$ # " ! ﴿ :‬‬ ‫) *‪ ﴾ .../ . - , +‬الأحقــاف‪ ،١٥ :‬وفــي هــذه الآية‬ ‫الكريمة مع توصية الإنسان بوالديه جميعا إشارة لطيفة إلى ما تتميز به الأم من‬ ‫الحقوق‪ ،‬وما يجب لها من مضاعفة الإحسان‪ ،‬فمع التوصية بهما جميعا ذكر االله‬ ‫تعالى ما قدمته من التضحيات الجســيمة‪ ،‬وما عانته من المشاق العظيمة منذ‬ ‫بداية حملها به إلى حين فصاله من الرضاع‪ ،‬فكم أرهقها حمله ونغص عليها‬ ‫متعة الحياة في ليلها ونهارها‪ ،‬فكان ســببا لســهرها‪ ،‬وقد تغــذى إبان ذلك‬ ‫بخلاصة دمها حتى نما في أحشائها وترعرع‪ ،‬ثم عانت في وضعه ما عانت من‬ ‫مشاق الوالدة التي ال تتصور‪ ،‬ولم يكن خروجها منها إلى ارتياح واسترخاء‪،‬‬ ‫وإنما كان انتقاال من مشقة إلى مشــقة‪ ،‬ومن تعب إلى تعب آخر‪ ،‬فكم أسهر‬ ‫ليلها ببكائه وعويله‪ ،‬ناهيك بهمها عندما يلم به أي سقم أو ينزل به أي بلاء‪،‬‬ ‫فإنها تكون أشد ســقما وأعظم بلاء منه‪ ،‬وهو يتغذى في هذه المدة بما يفرزه‬ ‫‪٣٠٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫جسمها من خلاصة ما تتغذى به‪ ،‬فيتحول إلى دم نقي ثم إلى لبن خالص من‬ ‫جميع الشوائب‪ ،‬هو أصح وأمتع ما يتغذى به الأطفال‪.‬‬ ‫وبعد فطامه ال تخلد إلى الدعة والراحة‪ ،‬بل تظل عينها ســاهرة عليه‪،‬‬ ‫وقلبها يخفق من أجله‪ ،‬ومشــاعر الأمومة تحوطه من كل جانب وعلى كل‬ ‫حال‪ ،‬فإن حضر لم يهدأ لها بال حتى تراقب أي شيء من حوله لئلا يزعجه‬ ‫شيء‪ ،‬وإن غاب انتقل معه قلبها وظلت واردات الأفكار تزعجها‪ ،‬فلا يهدأ‬ ‫لها بال أيضا حتى يعود إليها سالما مطمئنا‪ ،‬كيف وهو قرة عينها وفلذة كبدها‬ ‫ومحط آمالها‪ ،‬وهكذا تظل رعايتها تكتنفه وإن كبر وشاخ‪ ،‬إذ يظل في نفسها‬ ‫كما كان في طفولته‪.‬‬ ‫فما كان له أن يتجاهــل هذه التضحيات العظيمة بعــد أن يترعرع ويقوى‬ ‫ويصلب عوده ويضعف عودها‪ ،‬وكذلك الأب الحاني فهو ـ بلا ريب ـ أساس‬ ‫تربيته‪ ،‬لأنه العين الساهرة عليه‪ ،‬يرعى أخلاقه وشمائله‪ ،‬ويهذب فكره وآدابه‪،‬‬ ‫ويؤثره على نفسه بكل غال وثمين عنده‪ ،‬ويرى حياته امتدادا لحياته‪ ،‬وشبابه‬ ‫امتدادا لشبابه‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫وقلت شباب ابني شبابي وإنما‬ ‫تحول شطر العمر مني إلى شطري‬ ‫فلذلك يؤثر صحة ولده على صحته‪ ،‬وراحته على راحته‪ ،‬ويسره على يسره‪،‬‬ ‫ويتمناه دائما أن يكون أرقى منه خلقا‪ ،‬وأغزر منه علما‪ ،‬وأجمل منه حاال‪.‬‬ ‫وال ريب أنهما يفوقان ســائر أهل الحقوق من البشــر في حقوقهما‪ ،‬وإن‬ ‫كانت للأم مزية على الأب بما أشــار إليه القرآن مــن تضحياتها‪ ،‬وصرح به‬ ‫النبي ژ في جوابه لمن سأله‪ ،‬فقد قال له رجل‪ :‬يا رسول االله من أحق الناس‬ ‫بحسن الصحبة؟ قال‪» :‬أمك‪ ،‬ثم أمك‪ ،‬ثم أمك‪ ،‬ثم أبوك‪ ،‬ثم أدناك أدناك«)‪،(١‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه مسلم )‪ ١٩٧٤/٤‬رقم‪.(٢٥٤٨ :‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣٠٧‬‬ ‫وعن بهز بن حكيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده قال‪» :‬قلت‪ :‬يا رسول االله من أبر؟‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫»أمك«‪ ،‬قلت‪ :‬ثم من؟‪ ،‬قال‪» :‬ثــم أمك«‪ ،‬قلت‪ :‬ثم من؟ قــال‪» :‬ثم أباك‪ ،‬ثم‬ ‫الأقرب فالأقرب«)‪.(١‬‬ ‫ولهذا ذهب أكثر الفقهاء إلى أن حق الأم أعظم من حق الأب‪ ،‬وإن اختلفوا‬ ‫في تحديد النســبة بين حقيهما‪ ،‬بين من يقول‪ :‬إن لها ثلاثــة أرباع الحق وله‬ ‫الربع‪ ،‬لأنها ذكر حقها ثلاث مرات وذكر حقــه مرة واحدة معطوفا على حقها‬ ‫بـ )ثم( التي تقتضي المهلة والترتيب‪ ،‬ومن يقول‪ :‬إن حقها ضعف حقه‪.‬‬ ‫ال يسقط حق الوالدين بشركهما أو فجورهما‪:‬‬ ‫هذا؛ وإن من سماحة الإسلام وإنصافه لكل ذي حق أنه لم يحصر حقوق‬ ‫الوالدين في المســلمين وحدهم‪ ،‬بل جعله حقا مشاعا‪ ،‬يشــترك فيه المسلم‬ ‫والكافر‪ ،‬والبــر والفاجر‪ ،‬فقــد قال تعالــى‪3 21 0 / . ﴿ :‬‬ ‫‪C B A @ ? >= < ; : 9 8 7 6 5 4‬‬ ‫‪ ﴾ D‬العنكبــوت‪ ،٨ :‬وقال تعالى‪K J I H G F﴿ :‬‬ ‫‪Y X❁V U T S R Q P O N M L‬‬ ‫‪ji h g f ed c b a ` _ ^ ] \ [ Z‬‬ ‫‪﴾w v u t s r q po n m l k‬‬ ‫لقمان‪ ١٤ :‬ـ ‪ ،١٥‬فعلى كل أحد أن يبر والديه لما لهما من حق عظيم قرنه االله بحقه‪،‬‬ ‫إذ أمر بشــكرهما مع شكره‪ ،‬فعليه ـ مع قيامه بشــكر ربه الذي خلقه وصوره‬ ‫)‪ (١‬من طريق بهز بن حكيم‪ :‬أخرجه أحمــد )‪ ،٣/٥‬رقم ‪ ،(٢٠٠٤٠‬وأبو داود )‪ ٣٣٦/٤‬رقم ‪(٥١٣٩‬‬ ‫والترمــذي )‪ ،٣٠٩/٤‬رقم ‪ ،(١٨٩٧‬وقال‪ :‬حســن‪ .‬والطبرانــي )‪ ،٤٠٤/١٩‬رقم ‪ ،(٩٥٧‬والحاكم‬ ‫)‪ ،١٦٦/٤‬رقم ‪ (٧٢٤٢‬وقال‪ :‬صحيح الإســناد‪ .‬والبيهقي )‪ ،١٧٩/٤‬رقم ‪ .(٧٥٥٢‬ومن طريق أبي‬ ‫هريرة‪ :‬أخرجه أحمد )‪ ،٣٢٧/٢‬رقم ‪ ،(٨٣٢٦‬وابن ماجه )‪ ،١٢٠٧/٢‬رقم ‪ ،(٣٦٥٨‬وقال البوصيري‬ ‫)‪ :(٩٨/٤‬هذا إسناد صحيح‪.‬‬ ‫‪٣٠٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ورزقه‪ ،‬وأنعم عليه بنعمه ظاهرة وباطنة بإخلاص الدين له وتوحيده وحســن‬ ‫عبادته والتزام طاعته ـ أن يقوم كذلك بشكر والديه‪ ،‬اللذين جعلهما االله أصله‬ ‫ومنبته‪ ،‬فكان وجوده ثمرة لوجودهما‪ ،‬وذلك ببرهما وحســن معاملتهما‪ ،‬وإن‬ ‫كانا مشــركين‪ ،‬فإن شــركهما ال يحول بينهما وبين هذا الحق‪ ،‬وإنما عليه أن‬ ‫يخلص الله تعالى عبوديته وعبادته‪ ،‬وال يميل إلى ما يدعوانه إليه من الشرك باالله‬ ‫تعالى‪ ،‬وإن كان ملزما أن يصاحبهما في الدنيا بالمعروف كما لو كانا مؤمنين‪،‬‬ ‫وله في تلطف خليل االله إبراهيم ‪ ‰‬بأبيه الكافر العنيد أسوة حسنة‪ ،‬وإن تبرأ‬ ‫منه ومن كفره‪.‬‬ ‫وقد حكى االله قصتهما وما كان من تطلع إبراهيم ‪ ‰‬إلى هداية أبيه للحق‬ ‫وثنيه عن الكفر‪ ،‬وتلطفه في خطابه مع تذكيره بخطر اتباعه للشيطان‪ ،‬وتناسيه‬ ‫لحق االله الذي هو أبر وأرأف بعباده‪ ،‬كما هو واضح في قوله تعالى‪8 7 ﴿ :‬‬ ‫‪K J I H G F E D C B A ❁ ? > = < ;: 9‬‬ ‫‪[ZYXWVUTSRQ❁ONML‬‬ ‫\ ] ❁ _ ` ‪k j ❁ h g f e d cb a‬‬ ‫‪yxwv❁tsrqponml‬‬ ‫‪ ~ } |{ z‬ے ¡‪a © ̈ § ¦ ❁ ¤ £ ¢‬‬ ‫« ¬® ̄ ‪1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ ❁2 ± °‬‬ ‫1⁄2 3⁄4 ¿ ‪Ì Ë Ê É È Ç Æ Å Ä❁  Á À‬‬ ‫‪Û Ú Ù Ø × Ö Õ Ô ❁ Ò Ñ Ð ÏÎ Í‬‬ ‫‪ ﴾Ü‬مريم‪ ٤١ :‬ـ ‪.٥٠‬‬ ‫وحسب اللبيب أن يتأمل هذا الخطاب المشحون بالحجج‪ ،‬المقرون باللطف‬ ‫الذي يفيض شــفقة وحنانا من االبن البر بأبيه‪ ،‬الذي يســعى إلى انتشــاله من‬ ‫الضلالة‪ ،‬وإنقاذه من النار‪ ،‬وتبصيره من العمى‪ ،‬وما كان يقابله من قسوة الأب في‬ ‫خطابه‪ ،‬وصدوده عن الإيمان وإخــلاده إلى هواه‪ ،‬وتصاممــه عن حجج الحق‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣٠٩‬‬ ‫الصادعة‪ ،‬وتعاميه عن برهانه الساطع‪ ،‬وما تبع ذلك من يأس االبن البار المؤمن‬ ‫من نجاحه فيما يسعى إليه من هداية أبيه‪ ،‬الذي أسلس قياده للشيطان فصده عن‬ ‫الحق‪ ،‬وصدف به عن الرشد‪ ،‬وما كان من تعويض االله تعالى لهذا االبن المخلص‬ ‫الراشد بذرية صالحة‪ ،‬كانت له زينة وبهجة في دنياه‪ ،‬وذخرا وسعادة في أخراه‪.‬‬ ‫وهكذا يجب على كل ولد أن يســعى إلى رد أبيه ـ إن زاغ ـ إلى الحق‪،‬‬ ‫ويبصره به بلطف العبارة‪ ،‬ويريه من نفسه جانب الشفقة والحنان‪.‬‬ ‫‪ ٢‬ـ ا لا‪ U 4‬ذوي الأر‪J‬م‬ ‫إن لأولي الأرحام في ترتيب الحقوق الواجبة علــى الناس للناس مكان‬ ‫الصدارة بعد حقوق الوالدين‪ ،‬ناهيك أن االله تعالى عطفهم على نفسه في مقام‬ ‫الأمر بالتقوى‪ ،‬عندما قال‪= < ; : 98 7 6 5 4 3 ﴿ :‬‬ ‫> ﴾ النســاء‪ ،١ :‬وعن أبي هريرة قال‪ :‬قال رســول االله ژ ‪» :‬إن االله خلق الخلق‬ ‫حتى إذا فرغ من خلقه قامت الرحم‪ ،‬فقال‪ :‬مه‪ ،‬قالت‪ :‬هذا مقام العائذ بك من‬ ‫القطيعة‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت‪:‬‬ ‫بلى يا رب‪ ،‬قال‪ :‬فذلك فاقرءوا إن شئتم ﴿ ‪S R Q P O N‬‬ ‫‪ ﴾ W V U T‬محمد‪.(١)«٢٢ :‬‬ ‫وال غرو فحسب الرحم منزلة وقدرا أن االله سبحانه شق لها اسما من اسمه‪،‬‬ ‫فهي الرحم وهو الرحمن‪ ،‬وما كان اشتقاقها من هذا االسم الذي يدل على سعة‬ ‫رحمته تعالى وشــمول نعمته إال تنبيها على ما يجب بيــن أولي الأرحام من‬ ‫التعامل بمقتضى الرحمة والبر والإحسان‪ ،‬فعليهم أن يتراحموا ويتلاحموا‪ ،‬فإن‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمــد )‪ ،٣٣٠/٢‬رقم ‪ ،(٨٣٤٩‬والبخــاري )‪ ،٢٢٣٢/٥‬رقم ‪ ،(٥٦٤١‬ومســلم )‪،١٩٨٠/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٥٥٤‬والنســائي في الكبــرى )‪ ،٤٦١/٦‬رقم ‪ ،(١١٤٩٧‬وابن حبــان )‪ ،١٨٤/٢‬رقم ‪،(٤٤١‬‬ ‫والحاكم )‪ ،٢٧٩/٢‬رقم ‪ (٣٠٠٥‬وقال‪ :‬صحيح الإســناد‪ .‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪،٢١٤/٦‬‬ ‫رقم ‪.(٧٩٣٤‬‬ ‫‪٣١٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫لحمة النسب تشد بعضهم إلى بعض‪ ،‬وتعطف قلوب بعضهم على بعض‪ ،‬حتى‬ ‫تتحد مشاعرها وتنسجم أحاسيسها‪.‬‬ ‫وفي الآية الكريمة التي ذكرها النبي ژ في حديثه الشريف تحذير بالغ من‬ ‫قطيعة الرحم ووعيد شــديد عليها‪ ،‬فقد قرنها االله سبحانه بالفساد في الأرض‪،‬‬ ‫وأتبعها بلعنته الماحقة للخيرات‪ ،‬والتي ال ينشأ عنها إال خزي الدنيا والآخرة‬ ‫وعذابهما‪ ﴾ , + * ) ( ' & ﴿ ،‬النساء‪.٥٢ :‬‬ ‫وال ريب أن صلة الرحم واجبة للواصل والقاطع على السواء‪ ،‬فليس لمن لم‬ ‫يؤ ‪‬د له حق رحمه أن يقابل القطيعة بالقطيعــة‪ ،‬وإنما يقابل القطيعة بالصلة‪ ،‬فعن‬ ‫أبي هريرة‪ :‬أن رجلا قال‪ :‬يا رسول االله‪ ،‬إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني‪ ،‬وأحسن‬ ‫إليهم ويســيئون إلي‪ ،‬وأحلم عنهم ويجهلون علي‪ .‬قــال‪» :‬لئن كنت كما تقول‪،‬‬ ‫فكأنما تسفهم المل‪ ،‬وال يزال معك من االله ظهير عليهم‪ ،‬ما دمت على ذلك«)‪.(١‬‬ ‫وهذه المقابلة للإساءة بالإحسان‪ ،‬وللقطيعة بالوصل‪ ،‬وللجهل بالحلم‪ ،‬هي‬ ‫قمة الأخلاق والفضيلة‪ ،‬وهي بالطبع داعية للطرف المسيء إلى مراجعة نفسه‪،‬‬ ‫والعودة إلى مهيع الصواب‪ ،‬وبمثل هذا يتضح لكل متأمل ما يدعو إليه الإسلام‬ ‫من المعاملة بحسن الخلق ونشر مبادئ الرحمة بين الناس‪.‬‬ ‫‪ ٣‬ـ العشرة بين الأزواج‪:‬‬ ‫سبق الحديث فيما يجب في العشرة الزوجية من وجوب كون الزوج لطيف‬ ‫المعشر‪ ،‬واسع الصدر‪ ،‬رقيق الطبع‪ ،‬كل ما يصدر عنه من الأفعال يسيل رقة‪،‬‬ ‫ويتدفق إحســانا‪ ،‬ويضوع لطفا وكرما‪ ،‬وقد تبين لك ـ مما ذكرته من قبل ـ أن‬ ‫الحقوق الزوجية مشتركة بين الزوجين‪ ،‬وإنما يمتاز الرجل بالقوامة التي ردها‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمــد )‪ ،٣٠٠/٢‬رقم ‪ ،(٧٩٧٩‬ومســلم )‪ ،١٩٨٢/٤‬رقم ‪ ،(٢٥٥٨‬وابــن حبان )‪،١٩٥/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٤٥٠‬وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق )ص ‪ ،٨٦‬رقم ‪.(٢٦١‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣١١‬‬ ‫االله تعالى إليه لأنها ملائمة لطبعه‪ ،‬ومتفقة مع مزاياه التي اختصه االله بها‪ ،‬ودليل‬ ‫هذا االشــتراك قول االله تعالــى‪o n ml k j i h ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ p‬البقرة‪ ،٢٢٨ :‬وقد تقــدم بيان ما يجب من التحلي بالأخلاق في إمســاك‬ ‫المرأة أو تسريحها‪ ،‬وللرجال جميعا في هذا أسوة حسنة بالنبي ژ الذي قال‪:‬‬ ‫»خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي«)‪.(١‬‬ ‫‪ ٤‬ـ معاملة الجيران‬ ‫ما أعظم حق الجوار‪ ،‬فكم للجار على جاره من الحقوق والواجبات‪ ،‬وما‬ ‫أبعد الناس اليوم عن رعاية هذه الحقوق ـ نسأل االله العفو والعافية ـ فقد عفت‬ ‫حضارة اليوم على ما كان بين الجوار من حسن المعاملة والمودة واالنسجام‪،‬‬ ‫وإنما أصبح اليوم كل أحد مقطوعا عن الآخرين‪ ،‬مشغوال بشأنه دونهم‪ ،‬وهذا‬ ‫أمر يجب أن يعاد فيه النظر‪ ،‬ليبقي النــاس من وقتهم ما يصلون فيه جيرانهم‪،‬‬ ‫ويؤدون فيه لذوي الحقوق حقوقهم‪.‬‬ ‫وقد جاءت التوصية بالجار في كتاب االله تعالى‪ ،‬فقد ذكر االله حقه على‬ ‫عباده وحق عباده فيما بينهم‪ ،‬فقــال‪ml k j i h g ﴿ :‬‬ ‫‪v u t s r qp o n‬‬ ‫‪ ~ } | { z y x w‬ے¡ ‪¢‬‬ ‫‪ ﴾© ̈ § ¦ ¥ ¤ £‬النساء‪ ،٣٦ :‬ومن حقوق العباد حقوق‬ ‫الجيــران الذين أدرجوا في هــذه الآية بين أصحاب الحقــوق‪ ،‬وأكد هذا‬ ‫النبي ژ في الكثير من الأحاديث‪ ،‬منها ما جاء من عدة طرق أنه ژ قال‪:‬‬ ‫»ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه«)‪ ،(٢‬فانظر كيف كان‬ ‫)‪ (١‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه من طريق ابن عمر‪ :‬أحمــد )‪ ،٨٥/٢‬رقم ‪ ،(٥٥٧٧‬والبخــاري )‪ ،٢٢٣٩/٥‬رقم ‪،(٥٦٦٩‬‬ ‫ومسلم )‪ ،٢٠٢٥/٤‬رقم ‪ ،(٢٦٢٥‬وأبو داود )‪ ،٣٣٨/٤‬رقم ‪ .(٥١٥٢‬وأخرجه من طريق أم المؤمنين‬ ‫‪٣١٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫التأكيد على هذا الحق العظيم من أمين االله تعالى في السماء على أمينه في‬ ‫الأرض‪ ،‬حتى وقع في خلده أن هذه الصلة بين الجار وجاره كصلة النسب‬ ‫تؤدي إلى التوارث بينهما‪.‬‬ ‫وعن أبي هريرة أن رســول االله ژ قال‪» :‬ال يدخل الجنة من ال يأمن جاره‬ ‫بوائقه«)‪ ،(١‬وعن عبد االله بن عمرو أن النبي ژ قــال‪» :‬خير الأصحاب عند االله‬ ‫خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند االله خيرهم لجاره«)‪.(٢‬‬ ‫وقد كان ژ حريصا على أداء حقوق الجــوار‪ ،‬وع ‪‬و َد على ذلك أصحابه‪،‬‬ ‫فما كانوا يغمطون الجار حقه ولو كان من أشد الناس عداوة للذين آمنوا‪ ،‬كما‬ ‫جاء عن مجاهد‪ ،‬أن عبد االله بن عمرو ذبحت له شــاة في أهله‪ ،‬فلما جاء قال‪:‬‬ ‫‪#‬‬ ‫‪ :‬أحمد )‪ ،١٨٧/٦‬رقم ‪ ،(٢٥٥٨٠‬والبخاري )‪ ،٢٢٣٩/٥‬رقم ‪ ،(٥٦٦٨‬ومسلم )‪،٢٠٢٥/٤‬‬ ‫عائشة‬ ‫رقم ‪ ،(٢٦٢٤‬وأبــو داود )‪ ،٣٣٨/٤‬رقم ‪ ،(٥١٥١‬والترمذي )‪ ،٣٣٢/٤‬رقم ‪ (١٩٤٢‬وقال‪ :‬حســن‬ ‫صحيح‪ .‬وابــن ماجــه )‪ ،١٢١١/٢‬رقم ‪ .(٣٦٧٣‬وأخرجه من طريق ابن عمــرو‪ :‬أحمد )‪،١٦٠/٢‬‬ ‫رقم ‪ ،(٦٤٩٦‬والبخــاري في الأدب المفــرد )‪ ،٥٠/١‬رقم ‪ ،(١٠٥‬والبيهقي في شــعب الإيمان‬ ‫)‪ ،٨٤/٧‬رقم ‪ .(٩٥٦٢‬وأخرجه من طريق أبــي هريرة‪ :‬أحمد )‪ ،٥١٤/٢‬رقم ‪ ،(١٠٦٨٦‬وابن حبان‬ ‫)‪ ،٢٦٧/٢‬رقم ‪ .(٥١٢‬وأخرجه من طريق جابر‪ :‬عبد بن حميد )ص ‪ ،٣٣٩‬رقم ‪ ،(١١٢٩‬والبخاري‬ ‫فــي الأدب المفــرد )‪ ،٥٧/١‬رقم ‪ .(١٢٦‬وأخرجه من طريق زيد بن ثابــت‪ :‬الطبراني )‪،١٥١/٥‬‬ ‫رقم ‪ (٤٩١٤‬قال الهيثمي )‪ :(١٦٥/٨‬فيه المطلب بن عبد االله بــن حنطب وهو ثقة وفيه ضعف‬ ‫وبقية رجاله رجال الصحيــح‪ .‬وأخرجه من طريق أبي أمامة‪ :‬أحمــد )‪ ،٢٦٧/٥‬رقم ‪،(٢٢٣٥٢‬‬ ‫والطبراني )‪ ،١٤١/٨‬رقم ‪ (٧٦٣٠‬قــال الهيثمي )‪ :(١٦٤/٨‬فيه بقية وقــد صرح بالتحديث فهو‬ ‫حديث حسن‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه مسلم )‪ ٦٨/١‬رقم‪.(٤٦ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمد )‪ ،١٦٧/٢‬رقم ‪ ،(٦٥٦٦‬والترمذي )‪ ،٣٣٣/٤‬رقم ‪ (١٩٤٤‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ .‬وابن‬ ‫حبان )‪ ،٢٧٦/٢‬رقم ‪ ،(٥١٨‬والحاكم )‪ ،٦١٠/١‬رقم ‪ (١٦٢٠‬وقال‪ :‬صحيح على شــرط الشيخين‪.‬‬ ‫والبيهقي في الشعب )‪ ،٧٧/٧‬رقم ‪ .(٩٥٤١‬وسعيد بن منصور )‪ ،١٨٤/٢‬رقم ‪ ،(٢٣٨٨‬وعبد بن‬ ‫حميــد )ص ‪ ،١٣٦‬رقم ‪ ،(٣٤٢‬والدارمي )‪ ،٢٨٤/٢‬رقم ‪ ،(٢٤٣٧‬والبخــاري في الأدب المفرد‬ ‫)‪ ،٥٣/١‬رقم ‪ ،(١١٥‬وابن خزيمة )‪ ،١٤٠/٤‬رقم ‪ ،(٢٥٣٩‬والقضاعي )‪ ،٢٢٤/٢‬رقم ‪ ،(١٢٣٥‬والديلمي‬ ‫)‪ ،١٧٧/٢‬رقم ‪.(٢٨٨٧‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣١٣‬‬ ‫أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول االله ژ يقول‪:‬‬ ‫»ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه«)‪.(١‬‬ ‫وهذا؛ لأن اختلاف الملة ال يؤدي إلى إسقاط حق الجوار‪ ،‬فقد روي عن‬ ‫جابر بن عبد االله‪ ،‬أن رسول االله ژ قال‪» :‬الجيران ثلاثة‪ :‬جار له حق واحد وهو‬ ‫أدنى الجيران حقا‪ ،‬وجار له حقان‪ ،‬وجار له ثلاثة حقوق وهو أفضل الجيران‬ ‫حقا‪ ،‬فأما الجار الــذي له حق واحد فالجار المشــرك ال رحــم له وله حق‬ ‫الجوار‪ ،‬وأما الذي له حقان فالجار المسلم ال رحم له‪ ،‬وله حق الإسلام‪ ،‬وحق‬ ‫الجوار‪ ،‬وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الإسلام وحق‬ ‫الجوار وحق الرحم وأدنى حق الجوار أن ال تؤذي جارك بقتار قدرك إال أن‬ ‫تقدح له منها«)‪.(٢‬‬ ‫وهو حديث ينسجم مع روح الإسلام ويتفق هدي نبيه ! وما درج عليه‬ ‫أصحابه @ في معاملتهم لجيرانهم غير المسلمين‪.‬‬ ‫ما يجب للجار‪:‬‬ ‫حقوق الجار متعددة‪ ،‬كلها راجع إلى الأخلاق التي يتحلى بها المســلم‪،‬‬ ‫والسماحة التي ينشرها الإسلام‪ ،‬فقد روي عن عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬ ‫جده‪ ،‬أن رســول االله ژ قال‪» :‬من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله‬ ‫فليس ذاك بمؤمن‪ ،‬وليس بمؤمن مــن لم يأمن جاره بوائقــه‪ ،‬أتدري ما حق‬ ‫الجار‪ :‬إذا استعانك أعنته‪ ،‬وإذا استقرضك أقرضته‪ ،‬وإذا افتقر عدت عليه‪ ،‬وإذا‬ ‫مرض عدته‪ ،‬وإذا أصابه خير هنأته‪ ،‬وإذا أصابته مصيبة عزيته‪ ،‬وإذا مات اتبعت‬ ‫جنازته‪ ،‬وال تستطيل عليه بالبناء تحجب عنه الريح إال بإذنه‪ ،‬وال تؤذيه بقتار‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أبو داود )‪ ٣٣٨/٤‬رقم‪.(٥١٥٢ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أبو نعيم في الحلية )‪ ،(٢٠٧/٥‬والبزار في مجمع الزوائد )‪ (١٦٤/٨‬وانظر مسند الشاميين‬ ‫)‪ ٣٥٦/٣‬رقم‪ ،(٢٤٥٨ :‬وينظر أيضا البيهقي في شعب الإيمان )‪ ١٠٥/١٢‬رقم‪.(٩١١٣ :‬‬ ‫‪٣١٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫قدرك إال أن تغرف له منها‪ ،‬وإن اشتريت فاكهة فأهد له‪ ،‬فإن لم تفعل فأدخلها‬ ‫سرا‪ ،‬وال يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده‪ ،‬أتدرون ما حق الجار‪ ،‬والذي نفسي‬ ‫بيده ما يبلغ حق الجار إال قليلا ممن رحم االله«)‪.(١‬‬ ‫ومهما قيل في سنده فإن ما أكده إنما يرجع إلى روح الإسلام‪ ،‬وتلك هي‬ ‫أخلاقه التي كان يطبع عليها أتباعه‪ ،‬فلا غرو إن نبه عليها النبي ! ‪ ،‬وما كل‬ ‫رواية ضعيفة الســند مرفوضة‪ ،‬وإنما يجب النظر فــي مضمونها هل يتفق مع‬ ‫مكارم الأخلاق ومحاســن الطباع‪ ،‬التي دعا إليها الإســلام؟ فإن كان كذلك‬ ‫وجب الأخذ بمدلولها‪.‬‬ ‫هذا؛ وتندرج حقوق اليتامى والمساكين وابن الســبيل في عامة الحقوق‬ ‫التي تجب للناس‪ ،‬وقد أكدها القرآن الكريــم في أكثر من موضع‪ ،‬ونبه عليها‬ ‫النبي ژ في أكثر من رواية‪ ،‬وقد طرقتها أكثر من مرة‪.‬‬ ‫وهذه الحقوق كلها إنما ترجع كما قلت إلى مكارم الأخلاق التي فتح‬ ‫أكمامها القرآن‪ ،‬ونشر طيبها هدي النبي ! ‪ ،‬ودرج عليها السلف الصالح‬ ‫فكانوا مثاال لحســن المعاملة مع الناس‪ ،‬وبهذا اســتطاعوا أن يســتميلوا‬ ‫أفئدتهم‪ ،‬ويغيروا طباعهم حتى تقبلوا الحق الذي دعوهم إليه‪ ،‬فانتشر دين‬ ‫االله في الأرض‪.‬‬ ‫ا ‪ r,‬لأ‪G‬لاق ‪ B‬الإ‪B‬لام ‪ U >J‬ا‪f‬ل )ام ا "ب‪:‬‬ ‫إذا كان الإســلام يأمر بالتحلي بالأخلاق في أثناء المسالمة‪ ،‬فإنه ال يعدم‬ ‫هذه السمة في أثناء الحرب‪ ،‬فالحرب في الإسلام ال تخرج عن إطار الأخلاق‪،‬‬ ‫وال تشــن إال من أجل غاية إنســانية نبيلــة‪ ،‬بحيث ال ينتج عنهــا إال العدل‬ ‫والإنصاف‪ ،‬وإطفاء سعير الفتن‪ ،‬ونشر المرحمة بين الناس‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه البيهقي في شعب الإيمان )‪ ١٠٤/١٢‬ـ ‪ ١٠٥‬رقم‪.(٩١١٣ :‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣١٥‬‬ ‫وفي أثناء تأجج الحماس لها عندما يحمى وطيسها‪ ،‬وتمتد ألسنة ضرامها‪،‬‬ ‫يأمر الإسلام الحنيف أتباعه أن ال يندفعوا إبان ذلك مع العواطف الملتهبة‪ ،‬وأن‬ ‫ال يسلسوا قيادهم لما يعتمل في النفوس من حب التشفي واالنتقام‪ ،‬وإنما يأمر‬ ‫برعاية جانب الأخلاق وجعلها هي المعيار في الإقدام والإحجام‪ ،‬وقد بين االله‬ ‫سبحانه من يشــرع قتاله‪ ،‬وكيف يكون االنضباط في هذا القتال‪ ،‬عندما قال‪:‬‬ ‫﴿ ‪﴾ Î Í Ì Ë Ê ÉÈ Ç Æ Å Ä Ã Â Á‬‬ ‫البقرة‪ ،١٩٠ :‬فقد شــرع االله قتالهم لقطع أيديهم عن الفســاد‪ ،‬وكف عدوانهم عن‬ ‫المســلمين‪ ،‬ونهى مع ذلك عن أي عدوان من قبل المؤمنين‪ ،‬وقد بين تعالى‬ ‫علة مشــروعية هذه الحرب‪ ،‬فيما ولي هذا البيان عندما قال‪" ! ﴿ :‬‬ ‫‪1 0 / . -, + * ) (' & % $ #‬‬ ‫‪B A @ ? ❁ = < ; :9 8 7 65 4 3 2‬‬ ‫‪T S R Q P O NM L K J I H G F ❁ D C‬‬ ‫‪ ﴾ U‬البقرة‪ ١٩١ :‬ـ ‪.١٩٣‬‬ ‫فالحرب في الإسلام إنما تشرع لكف أيدي الظالمين عن الظلم‪ ،‬ومنع‬ ‫بطش المفسدين عن الفساد‪ ،‬وإتاحة الفرصة للناس أن يتبعوا الحق؛ عندما‬ ‫يرونه رأي العين بجماله واعتداله وحجته وبرهانه‪ ،‬فلا تشرع لبسط النفوذ‬ ‫واالستعلاء على الناس‪ ،‬واتخاذ عباد االله خوال ومالهم دوال‪ ،‬ومع هذا فإنه‬ ‫يومي إلى السلم دائما ويركن إليه كما هو صريح قوله تعالى‪Ï Î ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Ú Ù Ø × ÖÕ Ô Ó Ò Ñ Ð‬الأنفال‪.٦١ :‬‬ ‫وقد كان ژ أحرص ما يكون علــى اتباع هذه المبــادئ والتزام هذه‬ ‫الأخلاق إبان الحرب‪ ،‬ونهج نهجه في ذلك الخلفاء الراشدون @ ‪ ،‬فكان‬ ‫من وصيته ژ للمقاتلين‪» :‬انطلقوا بسم االله وفي سبيل االله تقاتلون أعداء االله‬ ‫في ســبـيل االله‪ ،‬ال تقتلـوا شــيخـا فانيا وال طفـلا صغيــرا وال امرأة وال‬ ‫‪٣١٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫تغلــوا«)‪ (١‬وعن ابن عمــر قال‪» :‬وجدت امــرأة مقتولة فــي بعض مغازي‬ ‫رسول االله ژ فنهى رسول االله ژ عن قتل النساء والصبيان«)‪ (٢‬وعن حنظلة‬ ‫الكاتب قال‪» :‬غزونا مع النبي ژ فمررنا بامرأة مقتولة‪ ،‬وقد اجتمع عليها‬ ‫الناس‪ ،‬قال فأفرجوا لــه فقال‪» :‬ما كانت هذه تقاتل فيمــن يقاتل‪ ،‬ثم قال‬ ‫لرجل‪ :‬انطلق إلى خالد بن الوليد فقل له‪ :‬إن رســول االله ژ يأمرك يقول‪:‬‬ ‫ال تقتلن ذرية وال عسيفا«)‪ (٣‬وعن يحيى بن سعيد‪ ،‬قال‪» :‬حدثت أن أبا بكر‬ ‫بعث جيوشا إلى الشام فخرج يتبع يزيد بن أبي سفيان‪ ،‬فقال‪ :‬إني أوصيك‬ ‫بعشر‪ :‬ال تقتلن صبيا‪ ،‬وال امرأة‪ ،‬وال كبيرا هرما‪ ،‬وال تقطعن شجرا مثمرا‪،‬‬ ‫وال تخربن عامرا‪ ،‬وال تعقرن شاة‪ ،‬وال بقرة إال لمأكلة‪ ،‬وال تغرقن نخلا‪،‬‬ ‫وال تحرقنه وال تغل‪ ،‬وال تجبن«)‪.(٤‬‬ ‫ض ‪‬موا‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أبــو داود )‪ ،٣٧/٣‬رقم ‪ .(٢٦١٤‬والبيهقــي )‪ ،٩٠/٩‬رقم ‪ (١٧٩٣٢‬بزيــادة‪َ ... » :‬و ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ين ﴾« وهو جزء من حديث طويل عند ابن‬ ‫غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا ﴿ ِإ ‪‬ن االلهَ ُيح ‪‬‬ ‫ب ا ْل ُم ْحسن َ‬ ‫عساكر )‪ ٤٩/٢‬رقم ‪.(٢٧٦٦٣‬‬ ‫)‪ (٢‬رواه البخــاري )‪ ١٠٩٨/٣‬رقم ‪ ٢٨٥١‬و‪ ،(٢٨٥٢‬ومســلم )‪ ١٣٦٤/٣‬رقم ‪ ،(١٧٤٤‬وأبو داود )‪٥٣/٣‬‬ ‫رقم ‪ ٢٦٦٨‬و‪ (٢٦٦٩‬والترمذي )‪ ١٦٣/٤‬رقم ‪ ،(١٥٦٩‬وابن ماجه )‪ ٩٤٧/٢‬رقم ‪ ،(٢٨٤١‬ومالك )‪٤٤٧/٢‬‬ ‫رقم ‪ ٩٦٣‬و‪ (٩٦٤‬والدارمي )‪ ٢٩٣/٢‬رقم ‪ (٢٤٦٢‬وأحمد رقم )‪ ٢٢/٢‬رقم ‪ ٢٣/٢) (٤٧٣٩‬رقم ‪(٤٧٤٦‬‬ ‫)‪ ٧٥/٢‬رقم‪ ٩٢/٢) (٥٤٥٧ :‬رقم ‪ ١٠٠/٢) (٥٦٥٨‬رقم ‪ ١١٥/٢) (٥٧٥٣‬رقم ‪ ١٢٢/٢) (٥٩٥٩‬رقم ‪(٦٠٣٧‬‬ ‫)‪ ١٢٣/٢‬رقم ‪ (٦٠٥٥‬وابن حبــان )‪ ٣٤٤/١‬رقم ‪ ١٠٧/١١) ،(١٣٥‬رقم ‪ ١١٠/١١) ،(٤٧٨٥‬رقم ‪،(٤٧٨٩‬‬ ‫)‪ ١١٢/١١‬رقم ‪ ،(٤٧٩١‬وسنن النســائي الكبرى )‪ ١٨٥/٥‬رقم ‪ ١٨٦/٥) (٨٦١٨‬رقم ‪ (٨٦٢٥‬والبيهقي‬ ‫)‪ ٧٧/٩‬رقم ‪ ٨٢/٩) (١٧٨٦٧ ،١٧٨٦٦‬رقم ‪ ٩١/٩) (١٧٨٨٤ ،١٧٨٨٣‬رقم ‪ ،(١٧٩٣٦‬وأبو يعلى )‪١١٥/٣‬‬ ‫رقم ‪ (١٥٤٦‬والطبراني في الأوسط )‪ ،٢٠٩/١‬رقم ‪ ،(٦٧٣‬والكبير )‪ ٧٢/٥‬رقم ‪(٤٦٢٢ ،٤٦٢٠ ،٤٦١٧‬‬ ‫و)‪ ٣٨٢/١٢‬رقم ‪ ٧٥/١٩) ،(١٣٤١٦‬رقم ‪ (١٥٠‬وابن الجارود )‪ (٢٦١/١‬وغيرهم‪.‬‬ ‫)‪ (٣‬ابن ماجه )‪ ،٩٤٨/٢‬رقم ‪ ،(٢٨٤٢‬قال البوصيري )‪ :(١٧٢/٣‬هذا إسناد صحيح‪ .‬والطبراني )‪،١٠/٤‬‬ ‫رقم ‪ .(٣٤٨٩‬وعبد الــرزاق )‪ ،٢٠١/٥‬رقم ‪ ،(٩٣٨٢‬وأحمد )‪ ،١٧٨/٤‬رقم ‪ ،(١٧٦٤٧‬والنســائي‬ ‫)‪ ،١٨٧/٥‬رقم ‪ ،(٨٦٢٧‬وابن حبان )‪ ،١١٢/١١‬رقم ‪ ،(٤٧٩١‬والعسيف‪ :‬الأجير‪.‬‬ ‫)‪ (٤‬أخرجه مالك )‪ ،٤٤٧/٢‬رقم ‪ ،(٩٦٥‬وعبد الرزاق )‪ ،١٩٩/٥‬رقم ‪ ،(٩٣٧٥‬وابن أبي شيبة )‪،٤٨٣/٦‬‬ ‫رقم ‪ ،(٣٣١٢١‬والبيهقي )‪ ،٨٩/٩‬رقم ‪ (١٧٩٢٧‬و)‪ ،٩٠/٩‬رقم ‪ (١٧٩٢٩‬و)‪ ،٩٠/٩‬رقم ‪.(١٧٩٣٤‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣١٧‬‬ ‫ا ‪K‬ام أ‪ b‬ا ل ‪ $‬أ‪ 0-‬اال‪ B‬ا <‪ x9‬ا <‪!+‬ي ‪J 7‬و‪:39‬‬ ‫كان أئمة أهل االســتقامة حراصا على اتباع هذا النهج‪ ،‬ســواء في قتالهم‬ ‫لأهل الكفر وقمع فســادهم ورد عدوانهــم‪ ،‬أو في قتالهم لمــن بغى عليهم‬ ‫واعتدى على حرمهــم من هذه الأمة‪ ،‬أمــا في قتالهم لأهل الكفر فحســبك‬ ‫ما تجده في عهد الإمام الصلت بن مالك ‪ 5‬لقواد جيشه الذي بعثه إلى قتال‬ ‫نصارى ســقطرى الذين اعتدوا على والــي الإمام فيها فقتلوه وســفكوا دماء‬ ‫المسلمين‪ ،‬واستحلوا محارمهم‪ ،‬فسبوا نســاءهم وذراريهم‪ ،‬فقد كانت معاملة‬ ‫الإمام التي وصى بها جنده وقادتهم مع هؤالء مثاال للتمسك بمكارم الأخلاق‪،‬‬ ‫حتى أننا وجدنا من الباحثين المنصفين من شدته هذه المعاملة‪ ،‬فسجل شهادة‬ ‫لما صدر عن الإمام من وصيته ـ وهو الأستاذ الدكتور محمد علي البار ـ فقد‬ ‫بهره ما رآه في هذا العهد‪ ،‬وأشــاد به فيما نشــره في الصحف‪ ،‬ســواء داخل‬ ‫المملكة العربية السعودية أو خارجها‪ ،‬حتى أنه ذكر أن جميع المواثيق الدولية‬ ‫لحقوق الإنسان لم ترق إلى مستوى هذا العهد‪.‬‬ ‫وكذلك في كتابــه القيم )معاملة غير المســلمين‪ ،‬الحوار والتســامح في‬ ‫الإسلام‪ ،‬شواهد من التأريخ( الذي جاء فيه‪» :‬وتعتبر وصية الإمام الصلت وثيقة‬ ‫من أرقى الوثائق في الشــؤون الدوليــة‪ ،‬وخاصة في كيفيــة محاربة الأعداء‬ ‫والإنذار إليهم‪ ،‬ومعاملتهم بالحسنى إن هم استجابوا لنداء الحق وتابوا وثابوا‪،‬‬ ‫رغم ما فعلوه من جرائم فظيعة بالمسلمين من قتل وسفك دماء واعتداء على‬ ‫الحرمات‪ ،‬فهم إخواننا لهم ما لنا وعليهم ما علينــا‪ ،‬فإن أبوا ذلك‪ ،‬دعوناهم‬ ‫للعودة إلى العهد واالستمساك به‪ ،‬وأداء الجزية‪ ،‬ومعاقبة الناكثين والتفريق بين‬ ‫من نكث العهد وبين من لم ينكث‪ ،‬وأن ال يؤخــذ بريء من هؤالء النصارى‬ ‫بجريرة وجريمة القتلة والســفاكين منهم‪ ،‬فإذا انتصرنا عليهم وجبت المعاملة‬ ‫بالحسنى‪ ،‬وتسليم الأمر إلى الإمام وأن تعود الأمور إلى سابق عهدها‪.‬‬ ‫‪٣١٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وهذا بالفعل ما أدى إلى عودة نصارى ســقطرى إلى حظيرة العدل وإلى‬ ‫دخول بعضهم في دائرة الإســلام‪ ،‬ومن بقي منهم على دينه كفلت له الدولة‬ ‫المســلمة الحرية التامة في أداء دينه وشــعائره‪ ،‬وبقوا على ذلك حتى الغزو‬ ‫البرتغالي عــام ‪١٥٠٧‬م الذي أدى فــي النهاية إلى محاربة أهل ســقطرى من‬ ‫النصارى للبرتغاليين وإلى الدخول في دين الإسلام داخرين«)‪.(١‬‬ ‫وإليك بعض النصوص مما اشــتمل عليه عهد الإمام‪ ،‬فقد بدأ بالذين لم‬ ‫ينكثوا العهد‪ ،‬فقــال‪» :‬أعلموهم أنهم آمنون على أنفســهم ودمائهم وحريمهم‬ ‫وذراريهم وأموالهــم‪ ،‬وأنكم وافون لهم بالعهد والذمــة والجزية على الصلح‬ ‫الذي يقــوم بينهم وبين المســلمين فيما مضى؛ وال ينقض ذلــك وال يبدله‪،‬‬ ‫وأمروهم بإحضار جزيتهم إليكم‪ ،‬واختاروا إليهم رجاال من خيارهم‪ ،‬من يثبت‬ ‫إلى الصلاح منهم‪ ،‬فوجهوهم إلى هــؤالء الناقضين لعهدهــم الناكثين على‬ ‫المسلمين ببغيهم‪ ،‬واجعلوا ممن توجهون رجلين صالحين ممن يوثق بهم من‬ ‫أهل الصلاة‪ ،‬فإن لــم يمكنكم بعث اثنين صالحين مــن أهل الصلاة فواحد‪،‬‬ ‫فتأمروهم أن يصلوا إلى الذين نقضوا العهد فتدعوهم عن لساني وألسنتكم إلى‬ ‫الدخول في الإســلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة مع حقــوق االله واالنتهاء عن‬ ‫معصيته‪ ،‬فإن قبلوا ذلك فهي أفضل المنزلتين لهــم؛ وذلك يمحو ما كان من‬ ‫حدثهم‪ ..‬وإن كرهوا أن يقبلوا الإسلام ويدخلوا فيه‪ ،‬فلتدعوهم إلى الرجعة عن‬ ‫نكثهم والتوبة من حدثهم إلى الدخول في العهد الأول الذي كان بينهم وبين‬ ‫المســلمين‪ ،‬على أن لهم وعليهم الحق بحكم القرآن وحكم أهل القرآن من‬ ‫أولي العلم باالله وبدينه من أهل ُعمان ممن نزل إليهم أمر المسلمين‪ ،‬فإن أجابوا‬ ‫وتابوا فلتقبلوا ذلك منهم ولتأمروهم بترك ما في أيديهم وأيدي أصحابهم من‬ ‫أهل الحرب من نساء مسلمات‪ ،‬ثم ال يتزوج رســلكم من عندهم حتى يقدم‬ ‫)‪ (١‬د‪ .‬محمد علي البار‪ :‬معاملة غير المســلمين‪ ،‬الحوار والتســامح في الإســلام‪ ،‬شواهد من‬ ‫التأريخ‪ ،‬ص ‪ ٩٦‬ـ ‪ ،٩٨‬دار القلم دمشق‪ ،‬الدار الشامية بيروت‪.‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣١٩‬‬ ‫معهم رؤساء أهل الحرب ويسلموا إليهم النســاء المسلمات اللاتي سبوهن؛‬ ‫واجعلوا لرسلكم أجلا في رجعتهم لمن أجابهم بالسبايا إلى ذلك الأجل‪ ،‬أن‬ ‫ال يظلموهم وال يخادعوهم وال يماكروهم بالمطل والتواني في ذهاب الأيام‪،‬‬ ‫فإن وصلوا إليكــم بمن أجابهم من أهــل الحرب وقد استســلموا وتابوا من‬ ‫حدثهم وجاءوا بالنساء المسلمات فاقبلوا ذلك منهم‪ ،‬وال تعرضوا لأحد ممن‬ ‫جاءكم تائبا مستأمنا مستسلما بسفك دمه وال انتهاك حرمته وال سبي ذريته وال‬ ‫غنيمة ماله‪ ،‬وليكونوا مثلكم آمنين«)‪.(١‬‬ ‫فانظر إلى هذه الأخلاق العالية في معاملة أهل الحرب‪ ،‬الذين نكثوا العهد‬ ‫وســفكوا الدماء وســبوا النســاء وارتكبوا الحرمات‪ ،‬لم يأمر الإمام بإبادتهم‬ ‫واستئصالهم‪ ،‬وانتهاك حرماتهم‪ ،‬وإنما أمر بدعوتهم إلى الحق وعرض الإسلام‬ ‫عليهم‪ ،‬فإن قبلوه كان جبا لما قبله‪ ،‬ومحا كل أثر لجرائرهم التي ارتكبوها في‬ ‫المســلمين‪ ،‬وإن أبوا ذلك عرض عليهم الرجوع إلى عهدهم‪ ،‬والدخول فيما‬ ‫خرجوا منه من الميثاق الذي بينهم وبين المسلمين‪ ،‬فإن فعلوا ذلك كانوا آمنين‬ ‫على أنفسهم وعلى ذراريهم وأهليهم وأموالهم‪ ،‬ال يسفك لهم دم وال تسبى لهم‬ ‫ذرية‪ ،‬وال يســتباح منهم مال‪ ،‬فإن أبوا كل ذلك كانت الحــرب مع الناكثين‬ ‫ٍ‬ ‫موف بجريرة ناكث‪ ،‬وال يحاسب‬ ‫الغادرين دون الباقين على عهدهم‪ ،‬فلا يؤخذ‬ ‫مسالم بما فعل محارب‪.‬‬ ‫فأين هذه الأخلاق فيما يشن من الحروب لشفاء الغيظ وإرضاء العواطف‪،‬‬ ‫المحاربين‪ ،‬من غير تمييز بين‬ ‫ليس من ورائها هدف إال االنتقام واســتئصال‬ ‫َ‬ ‫مســالم وغير مســالم‪ ،‬تلك الحروب التي ال يتقيد فيها المحاربون بعهد وال‬ ‫ميثاق‪ ،‬وال يراعون فيها فضيلة وال خلقا‪ ،‬وال يجري على نفوسهم عطف وال‬ ‫رحمة بأحد‪ ،‬وإنما يأتون على كل شيء‪ ،‬ويبيدون كل ما امتدت إليه أيديهم‪،‬‬ ‫)‪ (١‬الإمام نور الدين السالمي‪ :‬تحفة الأعيان بســيرة أهل ُعمان‪ ،١٤٤/١ ،‬مطبعة الشباب القاهرة‪،‬‬ ‫‪١٣٥٠‬هـ ‪.‬‬ ‫‪٣٢٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ال يرقون لبــكاء طفل‪ ،‬وال يلتفتون إلى اســترحام امــرأة‪ ،‬وال يبالون بصراخ‬ ‫الضعفاء البرآء‪ ،‬لأن الأمجاد في مقاييسهم مقدرة بقدر ما يسفكونه من دماء‪،‬‬ ‫وما يزهقونه مــن أرواح‪ ،‬وما يبيدونه مــن أمم‪ ،‬وما يخربونه مــن ديار‪ ،‬وما‬ ‫يشيعونه من خوف وبذلك يفاخرون؟‪.‬‬ ‫أما حروبهم لأهل ملتهم الظلمة البغاة‪ ،‬فإنها لم يكن من ورائها هدف إال‬ ‫وقف الظلم؛ بكف أيدي الظالمين وإنصاف المظلومين‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق‬ ‫حقه‪ ،‬وحسبك شــاهدا على التزامهم فيها أرقى ما يتصور من الأخلاق‪ ،‬وأدق‬ ‫ما يدور على البال من معايير العدل وموازين الإنصاف‪ ،‬ما كان في ثورة طالب‬ ‫الحق وقائده أبي حمزة المختار رحمهمــا االله تعالى على الدولة الأموية‪ ،‬التي‬ ‫عتت واستكبرت اســتكبارا‪ ،‬وســلبت الأمة حقوقها‪ ،‬وطمست معالم الدين‪،‬‬ ‫وأطلقت أيدي المفسدين للبطش بالناس‪ ،‬وسلبهم ما منحهم الإسلام من حرية‬ ‫وأمان‪ ،‬فقد كانت تلك الثورة مثاال للتمسك بمبادئ الحق والسير على نهجه‪،‬‬ ‫لم تخرج قيد شــعرة عما جاء في القرآن‪ ،‬والتزمه الرسول عليه أفضل الصلاة‬ ‫والسلام‪ ،‬ودرج عليه الخلفاء الراشدون‪.‬‬ ‫فكم عفوا عن مجرمــي الحرب وإن أوقــدوا ضرامها مــرة بعد أخرى‪،‬‬ ‫ولطخوا أيديهم بدماء الذين يدعون إلى الحق‪ ،‬ويأمرون بالمعروف وينهون عن‬ ‫المنكر‪ ،‬فقد وسعهم عفوهم كما كان ذلك من طالب الحق في اليمن فقد ذكر‬ ‫من ذلك أبو الفرج الأصفهاني في قوله‪» :‬ودخل عبد االله بن يحيى صنعاء‪ ،‬فأخذ‬ ‫الضحاك بن زمل وإبراهيم بــن جبلة بن مخرمة فحبســهما‪ ،‬وجمع الخزائن‬ ‫والأموال فأحرزها‪ ،‬ثم أرســل إلى الضحاك وإبراهيم فأرســلهما‪ ،‬وقال لهما‪:‬‬ ‫حبستكما خوفا عليكما من العامة‪ ،‬وليس عليكما مكروه‪ ،‬فأقيما إن شئتما‪ ،‬أو‬ ‫اشخصا فخرجا«)‪.(١‬‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪٢٣‬ص ‪.٢٣٦‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣٢١‬‬ ‫وقد كانت هذه هــي المرة الثانية التــي وقعا فيها في أَس ِ‬ ‫ــر الإمام طالب‬ ‫ْ‬ ‫الحق ‪ ، 5‬وقد أســرا وهما يقاتلان‪ ،‬ولكنه في كل مرة عفــا عنهما وأطلق‬ ‫سراحهما مع ما كان منهما وممن وراءهما من ســفك دماء المؤمنين وابتزاز‬ ‫أموالهم وانتهاك حرماتهم‪ ،‬وكذلك ما كان من قائده أبي حمزة في الحجاز)‪.(١‬‬ ‫ومثل ذلك ما كان من سائر الأئمة؛ كالإمام أبي الخطاب المعافري ‪، 5‬‬ ‫الذي أنجد أهل القيروان عندما استنجدوه على قبيلة ورفجومة الصفرية‪ ،‬التي‬ ‫حكمت القيروان وبطشت بأهلها‪ ،‬فخرج الإمام أبو الخطاب لنجدتهم‪ ،‬وحذر‬ ‫جنده أن يأخذوا من أموال عدوهم شــيئا‪ ،‬فرد عليه أحد أصحابه ـ وهو خالد‬ ‫اللواتي ـ بقوله‪» :‬نأكل من أموالهم كما يأكلون مــن أموالنا«‪ ،‬وكان ذلك منه‬ ‫استنادا على ما تراءى له من قوله تعالى‪ ~ } | ﴿ :‬ے﴾ الشورى‪،٤٠ :‬‬ ‫وقوله‪﴾ f e d c b a ` _ ^ ]\ [ ﴿ :‬‬ ‫البقرة‪ ،١٩٤ :‬ولكن أبا الخطاب ‪ 5‬أبى ذلك ورد عليه بقوله‪ :‬حقيق على االله أن‬ ‫يدخلنا معهم النار‪: 9 8 7 6 5 43 2 1 0 / ﴿ ،‬‬ ‫; < = > ? @ ‪H G F ED C B A‬‬ ‫‪ ﴾ K J I‬الأعراف‪.(٢)«٣٨ :‬‬ ‫وقد كان ‪ 5‬شديدا على جيشه أن يأخذ شيئا من أسلاب العدو‪ ،‬ولو كانوا‬ ‫هم مستبيحين لأموال المســلمين‪ ،‬لأن أموال أهل التوحيد ـ وإن بغوا وقاتلوا‬ ‫أهل الحق واعتدوا على أموالهم ـ هي مصونة بكلمة التوحيد‪ ،‬ولذلك عجب‬ ‫الناس عندما خرجوا من أكنانهم بعدما وضعت الحرب أوزارها‪ ،‬فرأوا كل شيء‬ ‫على ما عهدوه لم يكن عــدوان على متاجرهم أو زروعهم أو أي شــيء مما‬ ‫)‪ (١‬يراجع بتوســع ما ذكرناه في ثورة طالب الحق وأبي حمزة الشــاري في كتابنا )االســتبداد‪:‬‬ ‫مظاهره ومواجهته( ص ‪ ١٣٦‬ـ ‪.٢٢١‬‬ ‫)‪ (٢‬ينظر الشــماخي‪ :‬الســير‪ ١١٦/١ ،‬ـ ‪ ،١١٧‬ويراجع كتابنا )االســتبداد‪ :‬مظاهره ومواجهته(‬ ‫ص ‪ ٢٤٣‬ـ ‪.٢٤٤‬‬ ‫‪٣٢٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ملكته أيديهم‪ ،‬بل كانت المفاجأة بالغة عندما مرت امرأة على جنود ورفجومة‬ ‫صرعى ومعهم أسلابهم لم يسلب منها شيء‪ ،‬فقالت‪ :‬كأنهم رقود!!‪ ،‬وسميت‬ ‫أرض المعركة لذلك رقادة‪ ،‬وال تزال تعرف بذلك إلى عصرنا هذا‪.‬‬ ‫وتفقد أبو الخطاب القتلى فوجد واحدا منهم مســلوبا‪ ،‬فنادى مناديه‪ :‬من‬ ‫أخذ من القتلى شــيئا فليرده‪ ،‬ولما أيس من الرد دعا على من أخذ السلب أن‬ ‫يفضحه االله على رؤوس الأشــهاد‪ ،‬وحق لمثله أن يكون مستجاب الدعاء عند‬ ‫االله‪ ،‬فلما رجع قافلا إلى طرابلس أطلقوا الأعنة لخيلهم لتستبق ابتهاجا بالنصر‬ ‫والظفر بإقامة الحق‪ ،‬فانقطع حزام جميل السدراتي ـ وهو أحد جنود الإمام ـ‬ ‫وسقط‪ ،‬فظهر السلب تحت سرجه‪ ،‬فلم يمهله الإمام وإنما أدبه على صنيعه‪.‬‬ ‫وكم تجد في القديم والحديث من قوم محســوبين على الإسلام قائمين‬ ‫ـ حسب مدعاهم ـ من أجل نصرته وتأييده من أمور تتقزز منها النفس‪ ،‬ويأباها‬ ‫الطبع‪ ،‬ويحرمها الإسلام‪ ،‬من انتهاك الحرمات بعدم المباالة بما يصدر منهم‬ ‫من سفك الدماء‪ ،‬ونهب الأموال‪ ،‬وانتهاك الأعراض‪ ،‬وإضاعة الحقوق‪.‬‬ ‫دعك مما يصدر من الذين يتقمصون الإسلام‪ ،‬وهم أجهل الناس به أصلا‬ ‫وفرعا‪ ،‬ويتظاهرون بتطبيقه وهم أبعد الخلــق عنه روحا ومعنى‪ ،‬الذين ال ه ‪‬م‬ ‫لهم إال ســفك دماء الأمة وتشتيت شــملها وتمزيق جماعتها بفتاوى التكفير‬ ‫والتبديع والتضليل‪ ،‬فإن هؤالء هم أعمل المعاول في نقض بناء هذا الدين ودك‬ ‫معالمه‪ ،‬لأنهم بأعمالهم هذه يشجعون أبناء الإسلام أنفسهم على النفور عنه‪،‬‬ ‫فضلا عمن لم يعرف الإسلام رأسا‪.‬‬ ‫‪ 7%‬ا <س '‪ $‬الأ‪G‬لاق ‪ 399%‬لإ‪B‬لام‪:‬‬ ‫إذا كان الإسلام الحنيف جاء بهذه الأخلاق العالية‪ ،‬وحض على التزامها‬ ‫في السلم والحرب‪ ،‬والمكره والمنشط‪ ،‬فاعجب لأبناء الإسلام كيف يتجافون‬ ‫هذه الأخلاق‪ ،‬حتى تجد أحدهم يتصور من الرجولة والشهامة ـ بل من الورع‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣٢٣‬‬ ‫والتقوى ـ أن يقابــل الناس بعبوس الوجــه واكفهــراره‪ ،‬وتقطيب الجبين‪،‬‬ ‫والغلظة في القول‪ ،‬والجفاء في المعاملة‪ ،‬حتى أن من طلبة العلم من سرى‬ ‫إليه هذا الطبع‪ ،‬واستمكنت من نفسه هذه العادة‪ ،‬فلا يلتفت إلى ما يجب عليه‬ ‫من توقير الكبير والرحمة بالصغير‪ ،‬وحسن معاملتهما‪ ،‬والإحسان إليهما وإلى‬ ‫سائر الناس‪.‬‬ ‫ومنهم من يكون خارج البيت هادئا لطيفا منبسط الأسارير مشرق المحيا‬ ‫باسم الثغر‪ ،‬فإذا دخل البيت عبس وتولى‪ ،‬واكفهر وجهه وقطب جبينه وماتت‬ ‫البسمة التي تشرق من ثغره‪ ،‬وواجه أهله بالجفاء والغلظة في القول‪ ،‬والحدة‬ ‫في الطبع‪ ،‬متجاهلا ما كان عليه رسول االله ژ عندما يكون بين أهله من لطف‬ ‫المعاشرة ورقة الطبع ولين القول ودماثة الأخلاق‪ ،‬وكيف أنه ! حث الرجال‬ ‫على ذلك كما في قوله‪» :‬خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي«)‪ ،(١‬وقد سبق‬ ‫الكلام في ذلك‪ ،‬فمتى يصحو الناس ويدركــون أن البيوت إنما تعمر بمكارم‬ ‫الأخلاق ومحاسن الطباع ولطف المعاملة وحســن المعاشرة‪ ،‬ال بهذا الجفاء‬ ‫وهذه الغلظة في القول والعمل؟!‪.‬‬ ‫وكم تجد في الذين ينتمــون إلى هذا الدين من جفــاء الطبع والحدة في‬ ‫القول والعمل‪ ،‬بحيث ال يعرف أحدهم الرفق في المعاملة وال الطيب في القول‬ ‫وال الرقة في الأخلاق‪ ،‬وال الحكمة في السياسة وفي الدعوة إلى االله‪ ،‬فإن هذا‬ ‫مما يؤدي بالطبع إلى النفور ال من المخالق وحده ولكن بجانب ذلك ينفر مما‬ ‫يتبعه من الدين‪ ،‬وما يدعو إليه من الحق‪ ،‬وهذا مما تفرزه طبيعة البشــر‪ ،‬فقد‬ ‫خاطب االله سبحانه أدمث الناس أخلاقا وأطيبهم معاشرة وألطفهم قوال بقوله‪:‬‬ ‫﴿) * ‪9 87 6 5 4 3 2 1 0 /. - , +‬‬ ‫‪ ﴾ ? > = < ; :‬آل عمــران‪ ،١٥٩ :‬مع أن مــن حوله كانوا‬ ‫)‪ (١‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫‪٣٢٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫أطيب الناس عنصرا وأحسنهم خلقا وأوفاهم عهدا وذمما‪ ،‬ولكن كل ذلك إنما‬ ‫كان انعكاسا لما كان عليه صلوات االله وســلامه عليه من معاملتهم بالحسنى‪،‬‬ ‫وأخذهم بالرفق واللطف‪.‬‬ ‫هذا؛ وإذا كان هؤالء الذين هداهم االله بالإيمان وزينهم بالأخلاق وحلاهم‬ ‫بالفضيلة يصفهم االله ســبحانه بأنهم لو وجدوا من النبي ژ الفظاظة والغلظة‬ ‫لنفروا منــه وانفضوا عنه‪ ،‬فما بالــك بمن لم يعرف الإســلام ولم يذق طعم‬ ‫الإيمان ولم يقدر قيمة الفضيلة‪ ،‬أوال يكــون التعامل معه بغلظة القول وجفاء‬ ‫الأخلاق سببا لنفوره عن الإسلام واتهامه إياه بالقسوة والعنف‪.‬‬ ‫وكذلك الجهلة بالإسلام من المحسوبين عليه من هذه الأمة‪ ،‬فإنهم عندما‬ ‫يجدون من الذين يحسبون على العلم والدين مثل هذه المعاملة الجافة الجافية‬ ‫في دعوتهم إلى ترك الشهوات واتباع الحق‪ ،‬والتخلي عن الرذائل‪ ،‬ال ـ ريب‬ ‫أنهم ـ يجافيهــم ما يجدونه من جفاء المعاملة عما يدعونهــم إليه من الخير‪،‬‬ ‫فيكون الفشل بديلا عن النجاح‪ ،‬والخسران بديلا عن الربح‪.‬‬ ‫ا <‪ 7+‬ژ ‪! ,%‬‬ ‫و' الأ‪G‬لاق ا آ‪ ،.‬ا ‪ H+B 7‬الإ‪f‬رة إ ‪:9‬‬ ‫كان رسول االله ژ مثاال حيا لهداية القرآن‪ ،‬وصورة فذة لما يدعو إليه من‬ ‫مكارم الأخلاق‪ ،‬وبجانب ما كانت الأمة تتعلمه من سلوكه ومعاملته للخلق؛‬ ‫من حسن الخلق وطيب المعاشــرة‪ ،‬واللطف في الأخذ والعطاء‪ ،‬جاءت سنته‬ ‫القولية لتؤكد ذلك كله كما في قوله عليه أفضل الصلاة والسلام‪» :‬إياكم والظن‬ ‫فإن الظن أكذب الحديث وال تحسسوا وال تجسسوا وال تنافسوا وال تحاسدوا‬ ‫وال تباغضوا وال تدابروا وكونوا عباد االله إخوانا‪.(١)«..‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجــه مالــك )‪ ،٩٠٧/٢‬رقم ‪ ،(١٦١٦‬وأحمــد )‪ ،٢٨٧/٢‬رقم ‪ ،(٧٨٤٥‬والبخــاري )‪،١٩٧٦/٥‬‬ ‫رقم ‪ ،(٤٨٤٩‬ومسلم )‪ ،١٩٨٥/٤‬رقم ‪ ،(٢٥٦٣‬وأبو داود )‪ ،٢٨٠/٤‬رقم ‪ ،(٤٩١٧‬والترمذي )‪،٣٥٦/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٩٨٨‬والطبراني في الأوسط )‪ ،٢٢٢/٨‬رقم ‪ ،(٨٤٦١‬والبيهقي )‪ ،١٨٠/٧‬رقم ‪.(١٣٨١٣‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣٢٥‬‬ ‫وعن أبي هريرة عند الربيع قال‪» :‬قال رسول االله ژ إياكم والظن فإن الظن‬ ‫أكذب الحديث وال تجسسوا وال تحسسوا وال تنافسوا وال تحاسدوا وال تدابروا‬ ‫وكونوا عبــاد االله إخوانا« قال الربيع‪» :‬وال تجسســوا أي ال يتتبع بعضكم عورة‬ ‫بعض وال تحسســوا أي ال يمشــي أحدكم بالنمائم وال تنافســوا أي وال ينتقم‬ ‫بعضكم من بعض بما جعل فيه من السوء«)‪.(١‬‬ ‫وعند مسلم من طريقه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول االله ژ ‪» :‬ال تحاسدوا‪ ،‬وال تناجشوا‪،‬‬ ‫وال تباغضوا‪ ،‬وال تدابروا‪ ،‬وال يبع بعضكــم على بيع بعض‪ ،‬وكونوا عباد االله‬ ‫إخوانا المســلم أخو المســلم‪ ،‬ال يظلمه وال يخذله‪ ،‬وال يحقره التقوى هاهنا‬ ‫ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم‪،‬‬ ‫كل المسلم على المسلم حرام‪ ،‬دمه‪ ،‬وماله‪ ،‬وعرضه«)‪.(٢‬‬ ‫فكم تجد فــي هــذه الروايات مــن الأخــلاق العاليــة التي يرشــد إليها‬ ‫رسول االله ژ في بناء العلاقات بين المسلم والمسلم‪ ،‬ولو أخذ الناس بها لعمرت‬ ‫القلوب الرحمة والشفقة والوئام‪ ،‬وساد المجتمعات الهدوء واالستقرار‪ ،‬وانتشرت‬ ‫ِ‬ ‫الم َق ُة الخالصة بين الناس‪.‬‬ ‫ومثل ذلك الدعوة إلــى رحمة الصغير وتوقير الكبيــر‪ ،‬كما جاء في عدة‬ ‫روايات عن النبي ژ منها حديث عبادة بن الصامت ‪ ƒ‬أنه ژ قال‪» :‬ليس منا‬ ‫من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه«)‪ ،(٣‬فترى أن النبي ژ‬ ‫يقطع صلة من تجرد من هذه الأخلاق بهذه الأمة الفاضلة‪ ،‬ذلك لأن الصغير هو‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الإمام الربيع )‪ ٢٧٠/١‬رقم‪.(٦٩٨ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه مسلم )‪ ،١٩٨٥/٤‬رقم ‪.(٢٥٦٤‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه أحمــد )‪ ،٣٢٣/٥‬رقم ‪ ،(٢٢٨٠٧‬قال المنذرى )‪ :(٦٤/١‬إســناده حســن‪ .‬والحكيم )‪،(١٨٧/١‬‬ ‫والحاكم )‪ ،٢١١/١‬رقم ‪ (٤٢١‬وقال مالك بن خير الزيادى مصرى ثقة وأبو قبيل تابعى كبير‪ .‬وأخرجه‬ ‫أيضا‪ :‬البخاري في التاريخ الكبير )‪ ،٣١٢/٧‬تررجمــة ‪ ،(١٣٢٩‬والرافعى )‪ (١٧٦/٤‬والضياء من طريق‬ ‫الطبراني )‪ ،٣٦١/٨‬رقم ‪ .(٤٤٥‬قال الهيثمي )‪ :(١٢٧/١‬رواه أحمد والطبراني في الكبير‪ ،‬وإسناده حسن‪.‬‬ ‫‪٣٢٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫أحوج ما يكون إلى الرحمة والشفقة‪ ،‬وما ينتج عنهما من حسن الرعاية‪ ،‬فبهذا‬ ‫تطمئن نفسه وتسعد حياته‪ ،‬والكبير من حقه التقدير والتوقير‪ ،‬فإن حرمهما كان‬ ‫مجفوا من مجتمعه‪ ،‬وهو مما يؤدي به إلى الشعور بالظلم والحرمان‪.‬‬ ‫وال فرق بين أن يكون كبره بعمره أو بمزاياه‪ ،‬فإنه بأي من ذلك يكون حريا‬ ‫بتوقيره وتقديره‪ ،‬وهذا مما يجب أن تربى عليه الناشــئة وأن يشــاع فيما بين‬ ‫الناس‪ ،‬ال ســيما طلبة العلم؛ فإنهم أحق الناس بالتحلي بهذا الخلق الرفيع‪،‬‬ ‫وهذا يعني أن من الضرورة بمكان أن يدخل في المناهج الدراســية تعليم فن‬ ‫التعامل مع الناس‪ ،‬ال سيما مناهج التربية الإسلامية‪ ،‬لينشأ المسلم منذ طفولته‬ ‫لطيف المعشر رقيق الطبع مياال إلى الإحسان‪ ،‬ال يلقى الناس إال بوجه منبسط‬ ‫وثغر مبتسم يعم كل كبير بتوقيره وإجلاله‪ ،‬ويســع كل صغير بلطفه ورحمته‬ ‫وشفقته وحنانه‪ ،‬وكم نتمنى أن تهتم المؤسسات التعليمية بهذا‪.‬‬ ‫ا "ص '> ا ‪,‬لام ااء وردا ر‪GT 7" K‬لاق الإ‪B‬لام‪:‬‬ ‫إن من أعظم ما يميز الإســلام في شــعاراته‪ ،‬وأســس العلاقة بين أتباعه‪،‬‬ ‫ما شرعه من تبادل الســلام بينهم‪ ،‬وجعله مفتاح التخاطب وجمال التحايا‪ ،‬هذا‬ ‫هو شــعار النبييــن والملائكــة المقربيــن‪ ،‬فقد حكــى االله تعالى عــن إتيان‬ ‫الملائكة ‪ 1‬إلى خليله إبراهيم صلوات االله وسلامه على نبينا وعليه‪2 ± ﴿ ،‬‬ ‫‪ ﴾ 1 ̧ ¶μ ́ 3‬الذاريات‪ ،٢٥ :‬وال غرو فإن السلام بين عباد االله هو الذي‬ ‫ينشــده كل عاقل حصيف‪ ،‬فبه تطمئن القلوب وتهدأ النفوس‪ ،‬وينجذب بعضها‬ ‫إلى بعض في لطف يقضي على ما عسى أن ينجم بينها من نفرة وشقاق ونزاع‪،‬‬ ‫فهو يستل من القلوب الحقد والكراهية‪ ،‬ويغرس فيها الحب والوئام‪.‬‬ ‫ولأجل مزيته جعله االله تعالى شعار عباده الصالحين في دار الجزاء‪ ،‬كما أخبر‬ ‫سبحانه بهذا في قوله‪ ﴾ ) ( ' & %$ # " ! ﴿ :‬الأحزاب‪،٤٤ :‬‬ ‫واالله سبحانه نفسه يؤنسهم بهذه التحية‪ ،‬التي يجدون فيها ما يزيد نفوسهم طمأنينة‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫‪٣٢٧‬‬ ‫وراحة‪ ،‬وما يزيد نعيمهــم لطفا ورحمة‪ ،‬فعندما وصف نعيمهــم أتبع ذلك قوله‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ < ; : 9 8‬يــس‪ ،٥٨ :‬ووعدهم أن تحييهم بهــذه التحية الملائكة‬ ‫الكرام عندما يدخلون عليهم في دار أنسهم ونعيمهم‪ ،‬فقد قال تعالى‪g ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ u t s rq p o n ❁ l k j i h‬الرعد‪ ٢٣ :‬ـ ‪.٢٤‬‬ ‫وأثنى االله سبحانه على عباده المتقين البررة‪ ،‬أنهم يردون بالسلام على من‬ ‫واجههم بالشغب والشــجار‪ ،‬فقد قال تعالى‪¬ « a © ﴿ :‬‬ ‫® ﴾ الفرقان‪ ،٦٣ :‬ووصف مؤمني أهل الكتاب الذين اتبعوا الحق عندما استبان‬ ‫لهم نوره بأنهم يردون على عاذليهم بالسلام فقال‪R Q P O ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾] \ [ Z Y X W V U T S‬القصص‪.٥٥ :‬‬ ‫لهذا؛ جعل النبي ژ إفشاء السلام من أعظم القربات التي ترفع الناس إلى‬ ‫المقامات العلى عند االله‪ ،‬وتبوئهم درجات الزلفى عنده‪ ،‬كما في قوله‪» :‬يا أيها‬ ‫الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام‬ ‫تدخلوا الجنة بسلام«)‪ ،(١‬بل جعل النبي ژ إفشاء السلام علاجا للنفوس مما‬ ‫يلابسها من الحســد والبغضاء‪ ،‬فقد قال‪» :‬دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد‬ ‫والبغضاء والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين ال حالقة الشعر والذي نفس محمد‬ ‫بيده ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا وال تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بشيء إذا‬ ‫فعلتموه تحاببتم أفشــوا الســلام بينكم«)‪ ،(٢‬وفي رواية‪» :‬والذي نفســي بيده‬ ‫)‪ (١‬أخرجه ابن أبي شيبة )‪ ،٢٥٧/٧‬رقم ‪ ،(٣٥٨٤٧‬وأحمد )‪ ،٤٥١/٥‬رقم ‪ ،(٢٣٨٣٥‬وعبد بن حميد‬ ‫)ص ‪ ،١٧٩‬رقم ‪ ،(٤٩٦‬والدارمــي )‪ ،٤٠٥/١‬رقم ‪ ،(١٤٦٠‬والترمذي )‪ ،٦٥٢/٤‬رقم ‪ ،(٢٤٨٥‬وقال‪:‬‬ ‫صحيح‪ .‬وابن ماجه )‪ ،٤٢٣/١‬رقم ‪ (١٣٣٤‬وابن سعد )‪ ،(٢٣٥/١‬والحاكم )‪ ،١٤/٣‬رقم ‪،(٤٢٨٣‬‬ ‫وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين‪ .‬والضياء )‪ ٤٣٣/٩‬رقم ‪.(٤٠٤‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الطيالسي )ص ‪ ،٢٧‬رقم ‪ ،(١٩٣‬وأحمد )‪ ،١٦٤/١‬رقم ‪ ،(١٤١٢‬وعبد بن حميد )ص ‪،٦٣‬‬ ‫رقم ‪ ،(٩٧‬والترمذي )‪ ،٦٦٤/٤‬رقم ‪ ،(٢٥١٠‬والشاشــى )‪ ،١١٤/١‬رقم ‪ ،(٥٤‬وابن قانع )‪،(٢٢٣/١‬‬ ‫والبيهقي )‪ ،٢٣٢/١٠‬رقم ‪ ،(٢٠٨٥٤‬والضياء )‪ ،٨١/٣‬رقم ‪.(٨٨٩‬‬ ‫‪٣٢٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ال تدخلون الجنة حتى تؤمنوا وال تؤمنوا حتى تحابوا أوال أدلكم على شيء إذا‬ ‫فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم«)‪.(١‬‬ ‫والأحاديث في هذا كثيرة جاءت من طرق يشــد بعضها بعضا‪ ،‬وقد جعل‬ ‫النبي ژ التسابق في إلقاء السلام مقياسا للســبق إلى الخير‪ ،‬وارتقاء درجات‬ ‫الفضل عند االله تعالى‪ ،‬فقد ثبت عنه أنه قال‪» :‬ال يحل لمســلم أن يهجر أخاه‬ ‫فوق ثلاث ليال يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام«)‪.(٢‬‬ ‫'ول ا <س '‪ " $‬ا ‪,‬لام ‪ 09I‬وا‪".‬ار ‪ 7‬الأ‪G‬لاق‪:‬‬ ‫من أسوأ ما انتشر بين كثير من الناس العدول عن السلام حال التلاقي‬ ‫وبداية التخاطب‪ ،‬فكثير منهم يفتتح مخاطبة من يلاقيه باسمه من غير أن‬ ‫يسلم عليه‪ ،‬وقد يعدل عن السلام إلى قول‪» :‬صباح الخير« أو »مساء الخير«‬ ‫أو »أهلا وسهلا«‪ ،‬وعند التخاطب في الهاتف يأتون بدال من السلام بكلمة‪:‬‬ ‫‪ hallo‬ويظنون في ذلــك تطورا إلــى الأعلى‪ ،‬وهي انتكاســة في الفكر‪،‬‬ ‫وانطماس في البصيرة‪ ،‬وترد في الأخلاق‪ ،‬كيف يعدل الإنسان عما شرعه‬ ‫االله تعالى ـ وجعله شــعارا لعباده المؤمنين؛ من تحيــة تفيض على النفس‬ ‫الطمأنينة والأمان‪ ،‬وتقرب القلوب بعضها من بعض‪ ،‬وتســتل ما فيها من‬ ‫كراهيــة وحقد وحســد‪ ،‬وقد جعلهــا االله ســبحانه من ســجايا الملائكة‬ ‫)‪ (١‬أخرجه من طريق أبي هريرة‪ :‬أحمد )‪ ،٣٩١/٢‬رقم ‪ ،(٩٠٧٣‬ومسلم )‪ ،٧٤/١‬رقم ‪ ،(٥٤‬وأبو داود‬ ‫)‪ ،٣٥٠/٤‬رقم ‪ (٥١٩٣‬والترمذي )‪ ،٥٢/٥‬رقم ‪ (٢٦٨٨‬وقال‪ :‬حســن صحيح‪ .‬وابن ماجه )‪،٢٦/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٦٨‬وابن حبــان )‪ ،٤٧١/١‬رقم ‪ .(٢٣٦‬وأخرجه من طريق عبد االله بن مســعود‪ :‬الطبراني‬ ‫)‪ ،١٨٣/١٠‬رقم ‪.(١٠٣٩٦‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه مالك )‪ ،٩٠٦/٢‬رقم ‪ ،(١٦١٤‬والطيالسي )ص ‪ ،٨١‬رقم ‪ ،(٥٩٢‬وعبد بن حميد )ص ‪،١٠٣‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٢٣‬وأحمد )‪ ،٤١٦/٥‬رقم ‪ ،(٢٣٥٧٥‬والبخاري )‪ ،٢٢٥٦/٥‬رقم ‪ ،(٥٧٢٧‬ومسلم )‪،١٩٨٤/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٥٦٠‬وأبــو داود )‪ ،٢٧٨/٤‬رقم ‪ ،(٤٩١١‬والترمذي )‪ ،٣٢٧/٤‬رقم ‪ (١٩٣٢‬وقال‪ :‬حســن‬ ‫صحيح‪ .‬وابن حبان )‪ ،٤٨٤/١٢‬رقم ‪.(٥٦٦٩‬‬ ‫‪٣٢٩‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق‬ ‫والمرســلين ـ إلى تحايا أهــل الجاهليــة‪ ،‬أو إلى تحية دخيلــة على أمة‬ ‫الإسلام؟!‪ ،‬قال الإمام السالمي ‪: 5‬‬ ‫حق على المســلم أن يســلما‬ ‫علــى أخيــه قبــل أن يكلمــا‬ ‫وهــو تحيــة أتــى الإســلام‬ ‫بــهــا فـــلا يــخــلــفــهــا كــلام‬ ‫فليــس يغنــى عنه قد مســاكا‬ ‫ربــي بخيــر أو بنحــو ذاكا‬ ‫فإنهــا محدثــة والخيــر فــي‬ ‫)‪(١‬‬ ‫ما قد أتى عن النبــي الرئف‬ ‫وما يدرينا‪ ،‬فلعل ما بين الناس اليوم من القطيعة والبغضاء والكراهية ناشئ‬ ‫من إهمال السلام‪ ،‬وإحلال غيره محله‪.‬‬ ‫رد ا ‪,‬لام ? "!‪:‬‬ ‫إن الإسلام ال يرضى من أتباعه أن يقابلوا الإحسان إال بالإحسان‪ ،‬فلذلك‬ ‫فرض على من تلقى سلاما أن يرد بأحسن مما تلقى أو بمثله على الأقل‪ ،‬فقد‬ ‫قال تعالى‪ß Þ Ý Ü Û Ú ÙØ × Ö Õ Ô Ó Ò Ñ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ à‬النساء‪.٨٦ :‬‬ ‫قال القرطبي‪» :‬الأحسن أن يزيد فيقول‪ :‬عليك السلام ورحمة االله لمن قال‪:‬‬ ‫سلام عليك فإن قال‪ :‬سلام عليك ورحمة االله زدت في ردك‪ :‬وبركاته وهذا هو‬ ‫النهاية فلا مزيد قال االله تعالى مخبرا عن البيت الكريم رحمة االله وبركاته على‬ ‫ما يأتى بيانه إن شاء االله تعالى فإن انتهى بالسلام غايته زدت في ردك الواو في‬ ‫أول كلامك فقلت‪ :‬وعليك الســلام ورحمة االله وبركاته والرد بالمثل أن تقول‬ ‫لمن قال السلام عليك‪ :‬عليك السلام إال أنه ينبغي أن يكون السلام كله بلفظ‬ ‫الجماعة وإن كان المسلم عليه واحدا«)‪.(٢‬‬ ‫)‪ (١‬نور الدين السالمي‪ :‬جوهر النظام‪.٢١٧/٢ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬القرطبي‪ :‬الجامع لأحكام القرآن‪ ٢٩٩/٥ ،‬ـ ‪.٣٠٠‬‬ ‫‪٣٣٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫الم َسل‪‬م ِ لطلب‬ ‫وإذا كان يشرع للراد أن يزيد في رده على ما جاء في تحية ُ‬ ‫مضاعفة الخير‪ ،‬ومقابلة الإحسان بما هو أحسن‪ ،‬فما بالك بمن ال يرد السلام‬ ‫رأســا؟! وإنما يعدل عنه إلى ما لم ينزل االله به ســلطانا مــن العبارات التي‬ ‫تتسابق إلى الألسنة بحســب ما تستحســنها النفوس‪ ،‬فمنهم من يرد بقوله‪:‬‬ ‫»مرحبا«‪ ،‬ومنهم من يقول‪» :‬أهلا وســهلا«‪ ،‬ومنهم من يطور الرد إلى لفظة‬ ‫»أهلين«‪ ،‬وهذا كله تعام عن الحق‪ ،‬وصدود عن الشرع‪ ،‬وإن مما يؤسف له أن‬ ‫يكون العرب هم أكثر الناس عدوال عن رد السلام إلى مثل هذه العبارات التي‬ ‫ال تسمن وال تغني من جوع‪ ،‬وال تسقط عن المســل‪‬م عليه فريضة الرد‪ ،‬والله‬ ‫الأمر من قبل ومن بعد‪.‬‬ ‫وإن مما يحمد عليه العجم من المسلمين التزامهم الرد بالطريقة الإسلامية‬ ‫المشــروعة‪ ،‬فلا تكاد تسلم على مســلم أعجمي إال ويرد عليك بما شرع في‬ ‫الإســلام من الرد‪ ،‬ولكن أكثر العرب أو كثيرا منهم في عمى عن هذا!! حتى‬ ‫أنني كثيرا ما أحتار في أمر السلام‪ ،‬إذ كثيرا ما يبقى سلامي معلقا من غير رد‬ ‫عليه‪ ،‬وهم يحسبون أنهم بهذا يحسنون صنعا!! وقد جادلني أحدهم فقال‪ :‬إن‬ ‫كلمة أهلا وســهلا تدل على الترحيب‪ ،‬فهي كافية عن رد السلام!! وهذا يدل‬ ‫على تعمق الجهل وتزيين الشيطان لهم‪ ،‬ولربما ألححت عليهم أن يردوا السلام‬ ‫لتبرأ ذمتهم من تبعة الرد‪ ،‬ولكنهم يتصاممون‪ ،‬وهذا من أســوأ ما تفشــى في‬ ‫الناس من العادات السيئة‪.‬‬ ‫ومما يؤسف له أن الذين أوتوا شيئا من العلم يهملون دعوة السواد الأعظم‬ ‫من الناس إلى اتباع تعاليم الإســلام في هذا‪ ،‬بل كثير من هؤالء الذين أوتوا‬ ‫شيئا من العلم هم بأنفسهم يقعون في هذا الخطأ الكبير‪ ،‬وهذا يعني أنه ال بد‬ ‫من حملة توعية ترد الناس إلى جادة الحــق‪ ،‬وتبصرهم بخطأ ما يرتكبون في‬ ‫هذا‪ ،‬ويجب أن ينشأ الأطفال من بداية مراحل تربيتهم على تعظيم أمر السلام‪،‬‬ ‫والحرص على ابتدائه ورده‪.‬‬ ‫‪٣٣١‬‬ ‫ا "!ر ا ‪D' E 8‬‬ ‫   الأوالد‬ ‫إن الولد هــو فلذة الكبد‪ ،‬وثمــرة الفؤاد وقرة العيــن‪ ،‬والأمل الواعد‪،‬‬ ‫والمستقبل الباسم لمن أحسن تربيته وتعهده بالتزكية‪ ،‬وكان له قدوة حسنة‬ ‫في مكارم الأخلاق ومحاسن الطباع‪ ،‬وقد أجاد من قال‪:‬‬ ‫وإنــمــا أوالدنــــا بيـنـنــــا‬ ‫أكبادنا تمشــي علــى الأرض‬ ‫لو هبــت الريح علــى بعضهم‬ ‫المتنعــت عيني مــن الغمض‬ ‫فالأوالد حياتهم امتداد لحياة آبائهم وأمهاتهم‪ ،‬وشــبابهم تجديد لشباب‬ ‫أصولهم‪ ،‬كما قال التهامي‪:‬‬ ‫وقلت شباب ابني شبابي وإنما‬ ‫تحول شطر العمر مني إلى شطري‬ ‫فهم بهذا أعظم نعمة دنيوية ينعــم االله بها على عباده‪ ،‬فكم يحس المحرومون‬ ‫من هذه النعمة بأنهم فاقدون ما تتطلع إليه النفس‪ ،‬ويهفو إليه القلب‪ ،‬وتنجذب إليه‬ ‫الأنبياء أقوامهم بهذه النعمة التي أتتهم من‬ ‫الفطرة من نعمة هذه الحياة‪ ،‬ولذلك ذ ‪‬كر‬ ‫ُ‬ ‫االله تعالى‪ ،‬فلم يرعوها ولم يقدروها قدرها‪ ،‬كما في قول هود ‪Ë Ê ﴿ : ‰‬‬ ‫‪ ﴾Õ Ô ❁ Ò Ñ Ð ❁ Î Í Ì‬الشــعراء‪ ١٣٢ :‬ـ ‪ ،١٣٤‬ولهــذا‬ ‫يحرص أولو الصلاح والرشد أن يمتد الخير في أعقابهم‪ ،‬وأن يكون فيهم من يقيم‬ ‫الصلاة ويقوم بواجبــات الدين كما في قــول إبراهيم ‪μ ́ 3 ﴿ : ‰‬‬ ‫¶ ̧ ‪ ﴾ 1⁄2 1⁄4 » o1‬إبراهيم‪ ،٤٠ :‬وذلك بعد أن شكر االله تعالى‬ ‫‪٣٣٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫على نعمة الولد التي أتته على كبر‪ ،‬كما حكى االله عنه في قوله‪¥ ¤ £﴿ :‬‬ ‫¦ § ̈ © ‪ ﴾ ± ° ̄ ® ¬« a‬إبراهيم‪ ،٣٩ :‬والمؤمن‬ ‫يلتفت إلــى ماضيه فيســتذكر نعمة االله عليه التــي أتته من طريق والديه وحســن‬ ‫رعايتهما له وإحسانهما إليه‪ ،‬وينظر إلى مستقبله فيتطلع إلى الصلاح والبر والتقوى‬ ‫في ذريته‪ ،‬كما تضمن ذلك قوله تعالى‪' & %$ # " ! ﴿ :‬‬ ‫( ) *‪7 6 5 4 3 2 1 0/ . - , +‬‬ ‫‪FEDCBA@?>=<;:98‬‬ ‫‪ ﴾ Q P O N M L KJ I H G‬الأحقاف‪.١٥ :‬‬ ‫ولعظم نعمة االله تعالى التي تكون بالأوالد كان التطلع إليهم فطرة مركوزة‬ ‫في طباع البشر ال فرق في ذلك بين ٍ‬ ‫بر وفاجر‪ ،‬وإنما البر يتطلع إليهم لأجل أن‬ ‫يكون برهم موصوال ببــره‪ ،‬فيكتب االله تعالى له أجر بــره وبرهم من غير أن‬ ‫ينقص ذلك من أجورهم شيئا‪ ،‬وأما الفاجر فلا يكتفي بفجوره وإنما يسعى إلى‬ ‫أن يكون له امتداد في أعقابه‪.‬‬ ‫ولم يكن الأنبيــاء ‪ 1‬بعيدين عن هذه الفطرة‪ ،‬فهــم يتطلعون إلى ذرية‬ ‫صالحة تحمل لواء الحق‪ ،‬وتنشر هداية االله تعالى في الناس‪ ،‬كما قصه االله تعالى‬ ‫من نبأ زكريا ‪ ‰‬في قوله‪, + * ) ❁ ' & % $ # ﴿ :‬‬ ‫❁‪:9876543210/‬‬‫;<❁>?@‪HGFEDCBA‬‬ ‫‪ ﴾ T S R QP O N M L ❁ J I‬مريم‪ ٢ :‬ـ ‪.٦‬‬ ‫وا‪ *I‬ا !ا ‪% $‬ه الأوالد‪:‬‬ ‫إذا كان الأوالد أول ما تشرئب إليه أعناق الناس‪ ،‬وتتطلع إليه أفئدتهم من‬ ‫نعمة هذه الحيــاة ونعيمها‪ ،‬فإن هــذه الثروة يجب أن ال تذهب ســدى‪ ،‬وأن‬ ‫المحور الثالث عشر‪ :‬فيما يتعلق بتربية الأوالد‬ ‫‪٣٣٣‬‬ ‫ال تترك لعوادي الزمن تعدو عليها‪ ،‬وإنما يجب أن تحاط بسياج سميك يقيهم‬ ‫شر شــياطين الجنة والناس‪ ،‬وذلك بحسن تربيتهم وترقيتهم في معارج الخير‬ ‫‪‬‬ ‫ومصاعد الأخلاق‪.‬‬ ‫وهذا يبدأ باختيار شريك الحياة من كل واحد ٍ من الذكر والأنثى‪ ،‬فالرجل‬ ‫عليه أن يختار لأوالده أمــا صالحة تربيهم على الإيمــان والتقوى‪ ،‬وتعودهم‬ ‫خصال البر وعشــق الفضائل‪ ،‬وهذا مما يوحي به توجيه النبي ژ في اختيار‬ ‫المرأة الصالحة‪ ،‬فعن أبي هريرة وجابر ^ عــن النبي ژ قال‪» :‬تنكح المرأة‬ ‫لأربع‪ :‬لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها‪ ،‬فاظفر بذات الدين‪ ،‬تربت يداك«)‪،(١‬‬ ‫فانظر كيف وجه النبي ژ إلى ترجيح جانب الديــن على كل الجوانب التي‬ ‫تغري على نكاح المرأة‪ ،‬وعن عبد االله بن عمرو أن رســول االله ژ قال‪» :‬الدنيا‬ ‫متاع‪ ،‬وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة«)‪.(٢‬‬ ‫أ‪ n‬الأم '> ‪TD.‬ة ا ‪:0 R‬‬ ‫إنما كان إرشــاده ژ إلى المرأة الصالحة‪ ،‬لأنها قرة عين الزوج‪ ،‬وسكينة‬ ‫قلبه‪ ،‬وأمينــة بيته‪ ،‬ولها أكبــر الأثر في تنشــئة أوالدها على البــر والتقوى‪،‬‬ ‫والصلاح واالستقامة‪ ،‬فإن الطفل يتأثر أول شيء بأمه‪ ،‬فأخلاقها تنعكس عليه‪،‬‬ ‫)‪ (١‬من طريق أبي هريرة‪ :‬أخرجه البخاري )‪ ،١٩٥٨/٥‬رقم ‪ ،(٤٨٠٢‬ومســلم )‪ ،١٠٨٦/٢‬رقم ‪،(١٤٦٦‬‬ ‫وأبو داود )‪ ،٢١٩/٢‬رقم ‪ ،(٢٠٤٧‬والبيهقي )‪ ،٧٩/٧‬رقم ‪ ،(١٣٢٤٤‬وابن ماجه )‪ ،٥٩٧/١‬رقم ‪،(١٨٥٨‬‬ ‫وابن حبــان )‪ ،٣٤٤/٩‬رقم ‪ .(٤٠٣٦‬ومن طريــق جابر‪ :‬أخرجه الدارمــي )‪ ،١٧٩/٢‬رقم ‪.(٢١٧١‬‬ ‫وأخرجه أيضا‪ :‬أحمــد )‪ ،٤٢٨/٢‬رقم ‪ ،(٩٥١٧‬والنســائي في الكبــرى )‪ ،٢٦٩/٣‬رقم ‪،(٥٣٣٧‬‬ ‫والدارقطني )‪.(٣٠٢/٣‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه مسلم )‪ ١٠٩٠/٢‬رقم‪ (١٤٦٧ :‬وبلفظ قريب أخرجه النسائي )‪ ،٦٩/٦‬رقم ‪ ،(٣٢٣٢‬وابن ماجه‬ ‫)‪ ،٥٩٦/١‬رقم ‪ ،(١٨٥٥‬وأحمد )‪ ،١٦٨/٢‬رقم ‪ ،(٦٥٦٧‬وهناد في الزهد )‪ ،٢٩٥/١‬رقم ‪ (٥١٩‬وعبد بن‬ ‫حميد )ص ‪ ،١٣٣‬رقم ‪ ،(٣٢٧‬والقضاعي )‪ ،٢٣٦/٢‬رقم ‪ ،(١٢٦٤‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪،١٥٠/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(٤٦١٩‬وجاء من طريق جابر عند أبي نعيم في الحلية )‪ ،(٣١٠/٣‬وابن عساكر )‪.(٣٦٨/٦٤‬‬ ‫‪٣٣٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وحديثها ينطبع في نفسه‪ ،‬وسلوكها هو نهجه الذي ينشــأ عليه أول أمره لأنه‬ ‫يفتح عينه عليها‪ ،‬فيرى أنها هي التي تتعهده في نومه وفي يقظته‪ ،‬وترعاه في‬ ‫صحته وفي سقمه‪ ،‬ومن جســمها أول غذائه‪ ،‬وإليها يأنس في جميع أحواله‪،‬‬ ‫فهي مدرسته الأولى كما قيل‪:‬‬ ‫الأم مدرســة إذا أعــددتــهــا‬ ‫أعــددت جيلا طيــب الأعراق‬ ‫الأم ا  " ‪ 7- *] H+< $‬ا ‪`g 7‬ي ا !   ^ ا ‪ 3,‬و‪9‬ه‬ ‫  ا <‪:"I‬‬ ‫كم كان للأم من أثر كبير فــي انتزاع قرة عينها وفلــذة كبدها من تأثير‬ ‫المحيط الأســري الفاســد عليه‪ ،‬خصوصا عندما تكون طيبة المنبت زاكية‬ ‫الأعراق‪ ،‬تجد في أصولها التي تنتمي إليهــا ما تفاخر به العالم‪ ،‬وتباهي به‬ ‫العظماء‪ ،‬ناهيك شــاهدا على ذلك ما كان من أم عمر بن عبد العزيز‪ ،‬التي‬ ‫استطاعت بحسن تربيتها له أن تخلصه من طباع آل مروان‪ ،‬وتغرس في نفسه‬ ‫طباع جدها العظيم عمر بن الخطاب ‪ ، ƒ‬وإذا كان مما شــاع في الأمثال‬ ‫قولهم‪» :‬كل فتاة بأبيها معجبة« فلا عجب أن تكون الفتاة التي تنتســب إلى‬ ‫الفاروق العظيم هو مصدر إعجابها‪ ،‬وموئل افتخارها واعتزازها‪ ،‬حتى تباهي‬ ‫به العالم وتفاخر به الدهر وأن تحاول نقل سجاياه الحميدة ومزاياه العظيمة‬ ‫إلى فلذة كبدها وقــرة عينها‪ ،‬وأن تظل عالقة بذكريــات الفاروق في كوخه‬ ‫المتواضع بالمدينة المنورة‪ ،‬ولو انتقلت إلى قصور آل مروان بالشــام‪ ،‬فلا‬ ‫يروق لعينها ما فيها من زخرف الحياة الدنيا وبهرجتها‪ ،‬وال تراها تســاوي‬ ‫ص ‪‬در إلى العالم الحق والعدل‬ ‫شــيئا من ذلك الكوخ المتواضع الذي كان ُي َ‬ ‫ص ُدر منه القرارات التي تزعزع قصور الأكاســرة والقياصرة‪،‬‬ ‫والإنصاف‪ ،‬و َت ْ‬ ‫وتوجف قلوبهم‪ ،‬وترجف الأرض تحت أقدامهــم‪ ،‬ويمتد ظله الظليل إلى‬ ‫أرجاء الدنيا‪ ،‬فيأوي إليه كل ملهوف ليجد فيه الغوث والأمن والســلامة إن‬ ‫المحور الثالث عشر‪ :‬فيما يتعلق بتربية الأوالد‬ ‫‪٣٣٥‬‬ ‫روع في دنياه بوحشــة الزعازع والخوف والخطر‪ ،‬ويســعى إليه كل خائف‬ ‫ليجد في أنحائه أمنه وطمأنينته من بطش الجباريــن‪ ،‬ويفر إليه كل مظلوم‬ ‫ليجد في أكنافه العدل والإنصاف بعدما عصف به هجير الظلم فكاد يشويه‬ ‫ويرديه‪ ،‬فحسبها ما في ذلك الكوخ المتداعي عما في قصور آل مروان بالشام‬ ‫أو غيرها‪ ،‬التي تستعر بالظلم‪ ،‬فلا يجد مظلوم آوى إليها إال لهيب ظل من‬ ‫يحموم‪ ،‬ال بارد وال كريم‪ ،‬وتغص بالفجور بين جنباتها؛ فلا يستنشــق مما‬ ‫يخرج منها إال نتن ريحه العفن‪ ،‬وأنى لها أن تجد في ســيرة مروان ـ وهو‬ ‫طريد رســول االله ژ وابن طريده‪ ،‬وموقد نار الفتنة في الأمة ـ ما تجده في‬ ‫سيرة الفاروق العظيم صاحب رسول االله ژ ‪ ،‬وقرينه في المحيا والممات؟!‬ ‫فكيف ال تطمح أن تنشئ أملها الوحيد في الحياة على هذه السيرة العظيمة‪،‬‬ ‫وهذا الطموح الرفيع‪ ،‬وتستخلصه من أعراقهم ليظل عرق الفاروق وحده هو‬ ‫الذي يسري أثره في نفسه فيكيف فكره وطموحه‪ ،‬ويحدد نزعته ووجهته‪ ،‬فلا‬ ‫غرو أن تكون هــذه التربية بعناية االله هي التي وجهتــه إلى أن يكون قرآني‬ ‫البصيرة‪ ،‬محمدي الهدي‪ ،‬فاروقي الوجهة‪ ،‬راشدي السيرة‪ ،‬فيتجدد على يديه‬ ‫للأمة من الخير ما لم تكن منه على بال‪ ،‬ويفصــح بذلك خطيبها المصقع‬ ‫عبد االله بن الأهتم عندما وفد إليه مع الوافدين‪ ،‬وصور ما مر بالأمة من زعزاع‬ ‫هدم بنيانها وأســقط أركانها‪ ،‬ثم وجه إليه خطابه قائلا‪» :‬ثم إنك يا عمر ابن‬ ‫الدنيا‪ ،‬ولدتك ملوكها وألقمتك ثديها‪ ،‬فلمــا وليتها ألقيتها حيث ألقاها االله‬ ‫وآثرت ما عند االله‪ ،‬فالحمد الله الذي جلا بك حوبتنا‪ ،‬وكشــف بك كربتنا‪،‬‬ ‫امض وال تلتفت‪ ،‬فإنه ال يعز على الحق شيء‪ ،‬أقول قولي هذا واستغفر االله‬ ‫لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات«)‪.(١‬‬ ‫)‪ (١‬ينظر‪ :‬أبو سعد الأبي‪ :‬نثر الدرر‪ ،١١/٦ ،‬وينظر أيضا‪ :‬سنن الدارمي )‪ ٥٥/١‬رقم‪ ،(٩١ :‬علي بن‬ ‫الحســن بن هبة االله‪ :‬تاريخ دمشــق‪ ،١٠٩/٢٧ ،‬ابن عبد ربه‪ :‬العقد الفريــد‪ ،٨٦/٤ ،‬محمد بن‬ ‫حسن بن محمد‪ :‬التذكرة الحمدونية‪ ،٢٨٦/٦ ،‬أحمد زكي‪ :‬جمهرة خطب العرب‪.٤٢١/٢ ،‬‬ ‫‪٣٣٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وإذا كانت هذه من ثمار الزواج بالمرأة الصالحة‪ ،‬فأي رجل لبيب يعدل‬ ‫عنها إلى غيرهــا‪ ،‬أو يؤثر عليهــا التي تفوقها حســنا وجمــاال‪ ،‬وتبزها قدا‬ ‫واعتداال‪ ،‬رغبة في شهوات الدنيا؟! وهي التي عبر عنها بخضراء الدمن‪ ،‬كما‬ ‫جاء في رواية يؤيدها الواقع وإن لم تصح ســندا عن رســول االله ژ أنه قال‪:‬‬ ‫»إياكم وخضــراء الدمن قيل يا رســول االله وما ذاك قال المرأة الحســناء في‬ ‫المنبت الســوء«)‪ ،(١‬وهذا الكلام إن لم يثبت عن النبي ! ‪ ،‬فإن عقل اللبيب‬ ‫يحجزه عن الورد في هذه المستنقعات الآسنة التي ال تعقب إال الأوبئة المردية‬ ‫ـ والعياذ باالله ـ ‪.‬‬ ‫وإذا كان للأم الصالحة هذا الأثر الكبير ـ في تنشئة قرة عينها على مكارم‬ ‫الأمور‪ ،‬ومحاسن الأخلاق‪ ،‬والطموح إلى المعالي‪ ،‬وتخليصه مما عسى أن‬ ‫يؤثر عليه من الشوائب التي تفرزها الأعراق غير الصالحة ـ فإنني أهيب بكل‬ ‫أم أن تحمل بين جنبيها هذا الهم العظيم‪ ،‬وأن تسعى إلى هذا الطموح الكبير‬ ‫اقتداء بحفيدة الفــاروق وابنة الفتــاة الذكية اللبيبة الصالحــة التي أعجب‬ ‫الفاروق ‪ ƒ‬بجوابها لأمها‪ ،‬فأمر ابنه عاصما بأن يتزوجها متطلعا إلى أن تلد‬ ‫من يتحقق على يديه حلم الأمة‪ ،‬ويتدفق بعدله خيرها وسعادتها‪ ،‬فولدت له‬ ‫أم عمر بن عبد العزيز‪ ،‬التي وجهته هذه الوجهــة المرضية‪ ،‬وكم أتمنى أن‬ ‫تبــذل كل أم ما تمتلك من خبرة وحصافــة في تربية أوالدها هــذه التربية‬ ‫العظيمة‪ ،‬التي تجعل منهم قادة صالحين للأمــة‪ ،‬تنتعش بهم بعد خمودها‬ ‫وتحيا بهم بعد موتها‪ ،‬وتسعد بهم بعد شقائها‪ ،‬فهذا هو مجال التنافس بين‬ ‫الأمهات الصالحات‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الديلمــي )‪ ،٣٨٢/١‬رقم ‪ ،(١٥٣٧‬والرامهرمزي في أمثــال الحديث )‪ ،١٢٠/١‬رقم ‪،(٨٤‬‬ ‫والقضاعــي‪ ،٩٦/٢) :‬رقم ‪ ،(٩٥٧‬والخطيب في تالي تلخيص المتشــابه )‪ ،٥٠٩/٢‬رقم ‪.(٣٠٩‬‬ ‫وأورده القاريء في الموضوعات الكبرى )ص ‪ ،٨٢‬رقم ‪.(٣٠٦‬‬ ‫المحور الثالث عشر‪ :‬فيما يتعلق بتربية الأوالد‬ ‫‪٣٣٧‬‬ ‫وإذا كان صــلاح الأم وبرها وطموحها الكبير وســيلة لتحقيق هذا الأمل‬ ‫وبعث هذا الرجــاء‪ ،‬فما بالك إذا اجتمع صــلاح الأب والأم معا‪ ،‬وتضافرت‬ ‫جهودهما‪ ،‬وتكاملت خبراتهما في تنشــئة جيل يصلح به الدين والدنيا‪ ،‬وكان‬ ‫كل منهما طموح ًا إلى أن يقــدم للأمة أملها الكبير فــي التفافها على من يعد‬ ‫وحده أمة في رجل‪ ،‬تنهض به بعد عثرتها‪ ،‬وتستقيم به بعد اعوجاجها؟‪.‬‬ ‫ا ‪ 0I‬ا  ‪ [ q‬أ‪!D.‬دة ا أة ا  "‪:‬‬ ‫إذا كان الرجل مطالبا بأن يحرص على اختيار المــرأة الصالحة التي تكون‬ ‫ردءا له وعونا على الخير‪ ،‬وتكون نعم المحضن لذريته‪ ،‬فإن المرأة أيضا مطالبة‬ ‫أن تختار الرجل المناسب‪ ،‬الذي تصطفيه ليكون نعم الأب لأوالدها‪ ،‬يجدون فيه‬ ‫الأســوة الحســنة التي يتبعونها في أعمالهم وأخلاقهم‪ ،‬والقدوة الصالحة التي‬ ‫يأتمون بها في أمر دينهم ودنياهم‪ ،‬ولما كانت المرأة ال تباشر بنفسها القيام بهذه‬ ‫المهمة وجه النبي ژ أولياء أمرها إلى أن يتولوا هم اختيار الرجل المناسب الذي‬ ‫يملأ هذا الفراغ وهم يتحملون هذه المســؤولية‪ ،‬كما هو صريح ما روي عنه من‬ ‫قوله‪» :‬إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إن ال تفعلوا تكن فتنة في الأرض‬ ‫وفساد عريض«)‪ ،(١‬ودعك مما قيل في ضعف أسانيده‪ ،‬فإن العقل السليم والشرع‬ ‫الصحيح يؤكدان معناه‪ ،‬فأنى يستوي الراشــد والغوي‪ ،‬أو يتعادل البر والفاجر‪،‬‬ ‫وقد قال تعالى‪= < ;: 9 8 7 6 5 4 ﴿ :‬‬ ‫> ? @ ﴾ ص‪ ،٢٨ :‬وقال‪ ̧ ¶ μ ́ 3 2 ± ﴿ :‬‬ ‫)‪ (١‬من طريق أبي هريرة‪ :‬أخرجه الترمذي )‪ ،٣٩٤/٣‬رقم ‪ ،(١٠٨٤‬وابن ماجه )‪ ،٦٣٢/١‬رقم ‪،(١٩٦٧‬‬ ‫والحاكم )‪ ،١٧٩/٢‬رقم ‪ ،(٢٦٩٥‬الطبراني في الأوسط )‪ ،١٤١/١‬رقم ‪ ،(٤٤٦‬ومن طريق ابن عمر‪:‬‬ ‫أخرجه ابن عــدي )‪ ،٧٢/٥‬ترجمة ‪ ،(١٢٥١‬ومــن طريق أبي حاتم المزنــي‪ :‬أخرجه الترمذي‬ ‫)‪ ،٣٩٥/٣‬رقم ‪ (١٠٨٥‬والطبراني )‪ ،٢٩٩/٢٢‬رقم ‪ ،(٧٦٢‬وابن مردويه كما في تفســير ابن كثير‬ ‫)‪ ،(٣٣٠/٢‬والبيهقي )‪ ،٨٢/٧‬رقم ‪.(١٣٢٥٩‬‬ ‫‪٣٣٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ﴾à  Á À¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1‬الجاثية‪،٢١ :‬‬ ‫وقال‪ ﴾ Å Ä Ã Â ❁ À ¿ 3⁄4 ﴿ :‬القلم‪ ٣٥ :‬ـ ‪ ،٣٦‬فكيف يتصور أن‬ ‫ال يجعل الإســلام الحنيف للرجل الصالح ميزة على الرجل الفاســد في أمر‬ ‫الزواج؟ وإذا كان االله تعالى ينهى الناس عن إيتاء أموالهم للسفهاء كما هو نص‬ ‫قوله تعالى‪ ﴾ ¬ « a © ̈ § ¦ ¥ ¤ ﴿ :‬النســاء‪ ،٥ :‬فكيف‬ ‫يسلمونهم أفلاذ أكبادهم‪ ،‬ويربطون بهم مصيرها؟! فإن الولد أغلى وأعز على‬ ‫النفس من المال‪ ،‬وال ريب أن الولي مؤتمن علــى موليته وهو راع لها‪ ،‬وفي‬ ‫الحديث‪» :‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته«)‪.(١‬‬ ‫وإذا كان هو راعيها فلا غرو أن توكل هذه المسؤولية إليه‪ ،‬وإن كان مطالبا‬ ‫أن يجعل لها خيارا فــي ذلك عملا بقوله ژ ‪» :‬الأيم أحق بنفســها من وليها‬ ‫والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها«)‪ ،(٢‬وإذا كان لها حق الخيار فإن عليها‬ ‫أن ال تعدل بالبر واالستقامة شيئا‪.‬‬ ‫وباجتماع هذه النظرة إلى جانب االستقامة والصلاح من قبل الرجل والمرأة‬ ‫يكونان قد برا بأوالدهما‪ ،‬حيث اختار الأب لهم الأم الصالحة‪ ،‬واختارت الأم‬ ‫لهم الأب الصالح‪ ،‬أما إن أساءا االختيار فهذا هو العقوق للأوالد والعياذ باالله‪،‬‬ ‫وال يلوم ‪‬ن أحد إال نفسه فيما أقدم عليه‪ ،‬فكيف يلوم أحد أوالده إن عقوه وقد‬ ‫ابتدأهم بالعقوق قبل أن يوجدوا؟!‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،٥/٢‬رقم ‪ ،(٤٤٩٥‬والبخاري )‪ ،٨٤٨/٢‬رقم ‪ ،(٢٢٧٨‬ومسلم )‪ ،١٤٥٩/٣‬رقم ‪،(١٨٢٩‬‬ ‫وأبو داود )‪ ،١٣٠/٣‬رقم ‪ ،(٢٩٢٨‬والترمذي )‪ ،٢٠٨/٤‬رقم ‪.(١٧٠٥‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجــه الربيــع‪) :‬ص ‪ ،٢٠٦‬رقــم‪ ،(٥١١ :‬ومالــك )‪ ،٥٢٤/٢‬رقم ‪ ،(١٠٩٢‬وأحمــد )‪،٢٤١/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢١٦٣‬ومســلم )‪ ،١٠٣٧/٢‬رقم ‪ ،(١٤٢١‬والترمذي )‪ ،٤١٦/٣‬رقم ‪ (١١٠٨‬وقال‪ :‬حســن‬ ‫صحيــح‪ .‬والنســائي )‪ ،٨٤/٦‬رقم ‪ ،(٣٢٦٠‬وابــن ماجــه )‪ ،٦٠١/١‬رقم ‪ ،(١٨٧٠‬وابن حبان‬ ‫)‪ ،٣٩٧/٩‬رقم ‪ .(٤٠٨٧‬وأخرجه أيضا‪ :‬الشــافعي )‪ ،(١٧٢/١‬والدارمي )‪ ،١٨٦/٢‬رقم ‪،(٢١٨٨‬‬ ‫والبيهقي )‪ ،١١٥/٧‬رقم ‪.(١٣٤٣٩‬‬ ‫المحور الثالث عشر‪ :‬فيما يتعلق بتربية الأوالد‬ ‫‪٣٣٩‬‬ ‫ا رج ‪  7‬الأوالد‪:‬‬ ‫التربية من ربا يربو بمعنى نشــأ ونمــا‪ ،‬فهي إذن بمعنى تنشــئة الأوالد‬ ‫وتنميتهم حســا ومعنى‪ ،‬فتصدق على الرعاية ودفــع الأذى والوقاية من كل‬ ‫ما يضعفهــم‪ ،‬أو يقعد بهم عن النمو فــي درجات الخير‪ ،‬ناهيــك أن التربية‬ ‫والربوبيــة مادتهمــا واحدة‪ ،‬وما ســمي االله تعالــى ربا إال لأنــه يربي عباده‬ ‫ومخلوقاته بالخلق والإنشاء‪ ،‬وبالرعاية والإنماء‪ ،‬ومن الشواهد الدالة على أن‬ ‫اشتقاق الربوبية والتربية من مادة واحدة قول علقمة الفحل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫يك أَما َنتي‬ ‫بوب‬ ‫فضت ِإ َل َ‬ ‫َوقَب َل َ‬ ‫َوأ َ َ‬ ‫ك َر ‪‬بتنــي فَض ُ‬ ‫امر ٌؤ أ َ َ‬ ‫عت ُر ُ‬ ‫نت ُ‬ ‫ب«)‪ ،(١‬وقال أبو بكر‬ ‫وب جمع َر ‪‬‬ ‫فإن الربوب جمع رب‪ ،‬قال ابن سيده‪»ُ :‬ر ُب ٌ‬ ‫أرباب‪ ،‬وربــوب‪ ،‬وأ َ ُرب«)‪ ،(٢‬قلت‪ :‬الأرباب‬ ‫الرب‪:‬‬ ‫الأنباري‪» :‬ويقال في جمع‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫جمع قلة‪ ،‬وكذلك أرب‪ ،‬وأما الربوب فهو جمع كثرة‪ ،‬وترى أن علقمة أســند‬ ‫تربيته إلى الربوب‪ ،‬فتبينت وحدة مصدر الربوبية والتربية في االشتقاق‪ ،‬وإنما‬ ‫صدق على االله وحده أنه رب العالمين‪ ،‬لأنه منشئ الكائنات ومنميها ومصلحها‬ ‫وواقيها‪ ،‬وهذا يدل أن التربية التي يقوم بها المربون يندرج في تضاعيف معانيها‬ ‫إصلاح الذين يربونهم وتنمية مواهبهم الحســية والمعنوية‪ ،‬وتزكية أخلاقهم‪،‬‬ ‫وتوسعة مداركهم‪ ،‬ووقايتهم من كل ما يضر بهم‪ ،‬وقد ذكر ابن الأثير في التربية‬ ‫أنهم‪» :‬كانوا يربــون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارهــا«)‪ ،(٣‬ومقتضى ذلك‬ ‫رعاية ما يمكن أن تستوعبه مداركهم في ترقيتهم بمراقي العلوم‪.‬‬ ‫وإذا كانت هذه هي التربية المستفادة من تشعب معاني هذه الكلمة في‬ ‫داللتها اللغوية‪ ،‬فإن تربية الأوالد المطلوبة من الوالدين وغيرهما ال تخرج‬ ‫)‪ (١‬ابن سيده‪ :‬المخصص‪.٢٢٧/٥ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬ابن الأنباري‪ :‬الزاهر في معاني كلمات الناس‪.٨٢/٢ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬ابن الأثير‪ :‬النهاية في غريب الحديث والأثر‪.١٨١/٢ :‬‬ ‫‪٣٤٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫عن هذه المعاني‪ ،‬فهي تعني حسن الرعاية لهؤالء الأوالد منذ والدتهم‪ ،‬بل‬ ‫هي تبدأ ـ على الصواب ـ قبل ذلك‪ ،‬من لحظة انتقالهم من أصلاب آبائهم‬ ‫إلى أرحام أمهاتهم‪ ،‬فإن العشــرة بين الزوجين في فراش الزوجية يؤمر أن‬ ‫تســتحضر فيها النية الصالحة‪ ،‬وأن تبدأ بذكر االله تعالــى‪ ،‬فقد قال تعالى‪:‬‬ ‫﴿ = > ? @ ‪ ﴾ A‬البقرة‪ ،١٨٧ :‬وقال كثير من المفسرين إن المراد‬ ‫بابتغاء ما كتب االله هو ابتغاء الولد الصالح‪ ،‬الذي يعمر الأرض بتقوى االله‬ ‫تعالى‪ ،‬وعزا ذلك ابن جرير الطبري إلى طائفة من مفسري السلف)‪ ،(١‬وقال‬ ‫القرطبي في تفسيره‪» :‬قال ابن عباس ومجاهد والحكم بن عيينة وعكرمة‬ ‫والحســن والســدي والربيع والضحاك‪ :‬معناه وابتغوا الولد يدل عليه أنه‬ ‫عقيب قوله‪ :‬فالآن باشروهن«)‪ ،(٢‬وقال صاحب المنار‪» :‬واطلبوا بمباشرتهن‬ ‫ما قدره لجنســكم في نظام الفطرة من جعل المباشــرة ســببا للنسل‪ ،‬أو‬ ‫ما عسى أن يكون كتبه لكل منكم بأن تكون مباشرتكم بقصد إحياء سنة االله‬ ‫تعالى في الخليقــة‪ ،‬زاد بعضهم‪ :‬ال لمحض شــهوة النفــس واللذة التي‬ ‫يشارككم فيها البهائم«)‪.(٣‬‬ ‫وهذا يدل على أن من طاعة االله تعالى والتقرب إليه في المباشرة الزوجية‬ ‫أن تكون للزوجين نية صالحة في إحياء الأرض وعمارتها بالخلف الصالح‪،‬‬ ‫الذي يضطلع بأمانة االله‪ ،‬ويحافظ على دينه‪ ،‬على أن هذه اللحظة التي تندمج‬ ‫فيها المشاعر بين الزوجين‪ ،‬وتنسجم فيها العواطف يؤمران أن ال يعزب عن‬ ‫بالهما ذكر االله تعالى‪ ،‬وتعويذ ما عسى أن يكون للقائهما هذا من ثمرة صالحة‬ ‫بهذا الذكر‪ ،‬فعنه ژ أنه قال‪» :‬لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم االله‬ ‫اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشــيطان ما رزقتنا فإنه إن قضى بينهما ولد من‬ ‫)‪ (١‬ابن جرير الطبري‪ :‬جامع البيان‪.١٦٩/٢ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬القرطبي‪ :‬الجامع لأحكام القرآن‪.٣١٨/٢ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬محمد رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪.١٤٣/٢ ،‬‬ ‫المحور الثالث عشر‪ :‬فيما يتعلق بتربية الأوالد‬ ‫‪٣٤١‬‬ ‫ذلك لم يضره الشــيطان أبدا«)‪ ،(١‬وجاء بلفظ‪» :‬يعجز أحدكم إذا أتى أهله أن‬ ‫يقول بســم االله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشــيطان ما رزقتني فإن قضى‬ ‫بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا«)‪ ،(٢‬وهو يدل على التعجب والتعجيب ممن‬ ‫يهمل ذلك‪.‬‬ ‫وهذه بداية لما يقوم به الوالدان من تربية من يعلقان أملهما بأن يكون لهما‬ ‫قرة عين في أثناء تكونه جنينا‪ ،‬وقبل وضعه ينبغي لهما أن يكثرا الدعاء إلى االله‬ ‫بأن يجعله من عباده الصالحين‪.‬‬ ‫‪D‬ـو' ا ‪T‬ذ‪' $‬ـ> أذن ا ‪^ 0 R‬ـ!ن ا <اء إ > ا ـلاة وا لاح‬ ‫أول  ‪R‬ق ‪: B‬‬ ‫إذا ولد المولود فإن تربيته تبدأ بذكر االله تعالى‪ ،‬فلذلك شرع التأذين على‬ ‫أذنه‪ ،‬كمــا روى الترمذي »عن عبيــد االله بن أبي رافع‪ ،‬عن أبيــه قال‪» :‬رأيت‬ ‫رسول االله ژ أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة«‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫هذا حديث حسن صحيح«)‪ ،(٣‬وقد استحب كثير من العلماء أن يكون التأذين‬ ‫في أذنه اليمنى وتقــام الصلاة في أذنه اليســرى‪ ،‬وروي ذلك في حديث عن‬ ‫النبي ژ ولكنه لم يثبت عنه‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجــه الطيالســي )‪ ،٣٥٢/١‬رقم ‪ ،(٢٧٠٥‬وأحمــد )‪ ،٢٨٦/١‬رقم ‪ ،(٢٥٩٧‬والبخــاري )‪،١١٩٦/٣‬‬ ‫رقم ‪ ،(٣١٠٩‬ومســلم )‪ ،١٠٥٨/٢‬رقم ‪ ،(١٤٣٤‬وأبــو داود )‪ ،٢٤٩/٢‬رقم ‪ ،(٢١٦١‬والترمذي )‪،٤٠١/٣‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٠٩٢‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وابن ماجه )‪ ،٦١٨/١‬رقم ‪ ،(١٩١٩‬وابن حبان )‪ ،٢٦٣/٣‬رقم ‪.(٩٨٣‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمد )‪ ،٢٤٣/١‬رقم ‪ ،(٢١٧٨‬والبخاري )‪ ،١١٩٦/٣‬رقم ‪ ،(٣١٠٩‬وعبد بن حميد )ص ‪،٢٣٠‬‬ ‫رقم ‪ ،(٦٨٩‬وعبد الرزاق )‪ ،١٩٤/٦‬رقم ‪.(١٠٤٦٦‬‬ ‫)‪ (٣‬أخرجه الترمذي )‪ ٩٧/٤‬رقــم‪ ،(١٥١٤ :‬والحاكم )‪ ١٩٧/٣‬رقم‪ ،(٤٨٢٧ :‬وأبو داود )‪ ٣٢٨/٤‬رقم‪:‬‬ ‫‪ ،(٥١٠٥‬والبيهقــي في الكبــرى )‪ ٥١٣/٩‬رقــم‪ (١٩٣٠٣ :‬وفي الشــعب )‪ ١٠٦/١١‬رقم‪،(٨٢٥٥ :‬‬ ‫والطبراني في الكبير )‪ ٣٠٣/١‬رقم‪ ،(٩٢٦ :‬وأحمــد )‪ ١٧٢/٤٥‬رقم‪ ،(٢٧١٩٥ :‬والروياني )‪٤٥٥/١‬‬ ‫رقم‪.(٦٨٢ :‬‬ ‫‪٣٤٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وليست مشروعية التأذين في أذنه إال لأجل أن يكون أول ما تتلقاه أذنه هو‬ ‫تكبير االله تعالى‪ ،‬وذكره الذي يتوج بكلمة الإخلاص‪ ،‬بجانب الدعوة إلى خير‬ ‫عبادة وهي إقام الصلاة التي يقوم عليها قائم الدين‪ ،‬وتستقيم بها حياة العبد‪،‬‬ ‫وما يدرينا لعل هذا التأذين يرتسم في ذهنه ليبقى هاجسا في نفسه يذكره باالله‪،‬‬ ‫والقيام بعبادته‪ ،‬والحفاظ على عهده‪.‬‬ ‫ا‪B‬ار ذ‪ 1‬االله ‪  7‬ا ‪:0 R‬‬ ‫ينبغي أن يكون ذكــر االله تعالى مصاحبا لتربية الطفــل في جميع مراحل‬ ‫عمره‪ ،‬ويلقنه تدريجيا بحسب استعداده الذهني والقولي؛ لينشأ على تعظيم االله‬ ‫ســبحانه ومعرفته وتوحيده‪ ،‬على أن يلقن معنى كلمــة التوحيد عندما يكون‬ ‫متهيئا لذلك بتفتح مداركه‪ ،‬وفهمه لما يقــال‪ ،‬ويعرف وجوب طاعة العباد الله‬ ‫وفي مقدمتها العبادات المشــروعة لوصلهم باالله ‪ ، 4‬كما يلقن أن كل ما في‬ ‫نفسه ومن حوله في هذا العالم الفسيح مما يتمتع به من نعم االله إنما هو من االله‬ ‫وحده‪ ،‬وهو الذي أنعم عليه بخلقه‪ ،‬وتسخير ما سخر له‪ ،‬وبسط له من رزقه‪،‬‬ ‫عد وال يقصيه ‪‬‬ ‫وآتاه من فضله‪ ،‬ويسر له من النعم ما ال يحصيه ‪‬‬ ‫حد‪ ،‬حتى ينشأ‬ ‫عارفا بعظمة االله ونعمته على مخلوقاته‪ ،‬وأنه تعالى محيط بكل شيء‪ ،‬فما من‬ ‫دابة في الأرض إال عليه رزقها‪.‬‬ ‫ويلقن ما تتسع له ملكاته من آيات االله تعالى في تنزيله‪ ،‬عملا بما يدل عليه‬ ‫قول النبي ژ ‪» :‬خيركم من تعلــم القرآن وعلمه«)‪ ،(١‬ومــا نص عليه حديث‪:‬‬ ‫»علموا أوالدكم القرآن فإنه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم االله هو«)‪ ،(٢‬على أن‬ ‫)‪ (١‬من طريق عثمان أخرجه الطيالسي )ص ‪ ،١٣‬رقم ‪ ،(٧٣‬وأحمد )‪ ،٦٩/١‬رقم ‪ ،(٥٠٠‬والبخاري‬ ‫)‪ ،١٩١٩/٤‬رقم ‪ ،(٤٧٣٩‬وأبــو داود )‪ ،٧٠/٢‬رقم ‪ ،(١٤٥٢‬والترمذي )‪ ،١٧٣/٥‬رقم ‪ (٢٩٠٧‬وقال‪:‬‬ ‫حسن صحيح‪ .‬وابن ماجه )‪ ،٧٦/١‬رقم ‪ ،(٢١١‬وابن حبان )‪ ،٣٢٤/١‬رقم ‪ ،(١١٨‬ومن طريق على‪:‬‬ ‫أخرجه الترمذي )‪ ،١٧٥/٥‬رقم ‪ .(٢٩٠٩‬وأخرجه أيضا‪ :‬الدارمي )‪ ،٥٢٨/٢‬رقم ‪.(٣٣٣٧‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الربيع بن حبيب‪) :‬ص ‪ ٢٤‬رقم‪.(٣ :‬‬ ‫المحور الثالث عشر‪ :‬فيما يتعلق بتربية الأوالد‬ ‫‪٣٤٣‬‬ ‫يعود على تعظيم القرآن ومراعاة حرماته‪ ،‬والتنافــس في تعلمه وتلاوته‪ ،‬وقد‬ ‫يكون الإهداء إليه عندما يجتاز مرحلة من ذلك مما يشجعه على المضي قدما‬ ‫في هذه الطريق‪.‬‬ ‫ثم يتدرج به في تعليمه أركان الإيمان وأركان الإســلام‪ ،‬وتفقيهه في دين‬ ‫االله‪ ،‬ويعود على شهود الصلوات وحضور المساجد ليتعلق قلبه بذلك‪ ،‬وقد جاء‬ ‫عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال رسول االله ژ ‪» :‬مروا أبناءكم‬ ‫بالصلاة لســبع ســنين واضربوهــم عليها لعشــر ســنين وفرقــوا بينهم في‬ ‫المضاجع«)‪ ،(١‬وعن أنس ‪ ƒ‬بلفظ‪» :‬مروهم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم‬ ‫عليها لثلاث عشــرة«)‪ ،(٢‬وهذا لأجل أن يتعود الصلاة وال يستخف بها عندما‬ ‫يخاطب بفرضها‪ ،‬ولعل االختلاف بين الروايتيــن الختلاف أحوال الصبيان‪،‬‬ ‫فمنهم من يتسارع نموه وإدراكه‪ ،‬ومنهم من يكون بخلاف ذلك‪ ،‬ولعل في بدء‬ ‫فرض العقوبة على التهاون بها عندما يبلغ عشــر ســنوات احتياطا‪ ،‬لأن من‬ ‫الصبيان من يبلغ الحلم قبل أن يبلغ الثالثة عشرة‪.‬‬ ‫وكذلك يتدرج في أمره بالصيام وغيره من الفرائض عندما تطيق قواه ذلك‪،‬‬ ‫وتراعى ملكاته واستعداده في تلقي العلم‪ ،‬فيعلم االعتقاد الصحيح الذي نص‬ ‫عليه في القرآن‪ ،‬وتواترت به سنة النبي ! ‪ ،‬كما يفقه في دين االله تعالى بقدر‬ ‫ما يتســع له ذهنه‪ ،‬ويلقن من ســيرة النبي ژ والنبيين من قبله ما يشده إليهم‬ ‫ليجعل سيرتهم هي نصب عينيه وملء قلبه‪ ،‬ويعلم أيضا من سير السلف الصالح‬ ‫أصحاب النبي ژ ‪ ،‬فمن بعدهم ما يشحذ همته على أن يحذو حذوهم‪ ،‬ويقتدي‬ ‫بهم في تضحياتهم العظيمة من أجل ديــن االله تعالى‪ ،‬وكذلك يعلم من الآداب‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ١٨٧/٢‬رقم‪ ،(٦٧٥٦ :‬والحاكم )‪ ٣١١/١‬رقم‪ ،(٧٠٨ :‬والبيهقي في السنن الكبرى‬ ‫)‪ ١١٩/٣‬رقم‪ ،(٥٠٩٢ :‬والشعب )‪ ١٢٨/١١‬رقم‪.(٨٢٨٣ :‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه الدارقطني )‪ ،٢٣١/١‬رقم ‪ ،(٦‬والطبراني في الأوسط )‪ ٢٥٦/٤‬رقم ‪ (٤١٢٩‬والحارث‬ ‫)‪ ،٢٣٨/١‬رقم ‪.(١٠٦‬‬ ‫‪٣٤٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫والأخلاق ما يسمو بنفسه ويدفعه إلى الترفع عن الدنايا‪ ،‬وعشق معالي الأمور‬ ‫وكراهة سفاســفها‪ ،‬ويعود الزهد في الدنيا والتعلق بالدار الآخرة‪ ،‬ويرسخ في‬ ‫نفسه زوال الدنيا واضمحلالها‪ ،‬ودوام الآخرة وخلودها‪ ،‬وأن من سعد في الدار‬ ‫الآخرة فقد أحرز الخيــر بحذافيره‪ ،‬وربح ربحا ال خســارة بعده‪ ،‬إذ ال يعقب‬ ‫سعادتها شــقاء‪ ،‬وأن من شقي في الدار الآخرة فشــقاؤه أبدي ال تتبعه سعادة‪،‬‬ ‫فلهذا كان خسرانه مبينا‪ ،‬ويملأ فكره ووجدانه أن الدنيا ال تسوى بجانب الآخرة‬ ‫شــيئا‪ ،‬ولو لم يكن ما بينهما إال فناء الدنيا ودوام الآخرة لكفى‪ ،‬فكيف ونعيم‬ ‫الآخرة يفوق كل تصور‪ ،‬فلا يســوى نعيم الدنيا بأســرها أقل نسبة تتصور من‬ ‫مثقال ذرة من نعيــم الآخرة‪ ،‬وكذلك بــلاء الدنيا ونصبهــا ومحنها ولأواؤها‬ ‫ال تساوي أدنى ما يتصور من عذاب الآخرة وشقائها‪.‬‬ ‫وبجانب هذه التربية الإيمانية والتزكية الدينية يشجع على ما تنجذب إليه نفسه‬ ‫ويميل إليه طبعه‪ ،‬وتتسع له ملكاته من علوم الدنيا والدين‪ ،‬فيختار من التخصص‬ ‫فيها ما هو أنسب بمداركه واســتعداده؛ ليفيد أمته ويفيد الناس جميعا بما يفيض‬ ‫عليه من الخير الذي ينبجس ويتدفق من تخصصــه العلمي‪ ،‬واختصاصه العملي‪،‬‬ ‫على أن يكون في هذا كله متقربا إلى االله ‪ 4‬مخلصا له في علمه وعمله‪ ،‬مستجيبا‬ ‫لداعيه في ســره وعلانيته‪ ،‬جاعلا مرضاة االله تعالى هي معقد عمله‪ ،‬وغاية مبتغاه‪،‬‬ ‫غيورا على دين االله تعالى ال يساوم على شيء منه ولو أوتي الدنيا بحذافيرها‪.‬‬ ‫ا وة ا  " والأ‪!B‬ة ا "‪!B 7 <,‬ك الأ!‪ $‬أ'‪ 36‬و‪%< B‬ح‬ ‫ ا ‪:0 R‬‬ ‫إن الطفل يفتح عينيه أول ما يفتحهما على أبويه‪ ،‬وينعكس على نفســيته‬ ‫ما يكون منهما من بر أو فجور أو استقامة أو انحراف‪ ،‬لأنهما أقرب قدوة يجدها‬ ‫في حياته ليقتدي بها‪ ،‬فالأم كما قلنا هي المدرسة الأولى‪ ،‬وهي المثل الأعلى‬ ‫للطفل في سلوكها التربوي‪ ،‬وأخذها وعطائها عنده أو عند غيره من الناس‪ ،‬ثم‬ ‫المحور الثالث عشر‪ :‬فيما يتعلق بتربية الأوالد‬ ‫‪٣٤٥‬‬ ‫عندما يتدرج في صحبة الأب يتصور أن أباه هو المثل الأعلى‪ ،‬والبطل الوحيد‬ ‫بين الرجال‪ ،‬فيحب أن يقتدي بأبيه في قوله وعمله‪ ،‬وسره وعلانيته‪ ،‬لهذا كان‬ ‫على الأبوين إن رغبا في تنشئة طفلهما على معالي الأمور‪ ،‬ومكارم الأخلاق‪،‬‬ ‫ومحاسن الطباع‪ ،‬أن يحرصا على تكييف أخلاقهما وأعمالهما وأقوالهما‪ ،‬وكل‬ ‫ما يصدر عنهما وفق ما تقتضيه هذه الرغبة‪ ،‬ليجــد الطفل فيهما البر والتقوى‪،‬‬ ‫ومراقبة االله في الســر والعلانية‪ ،‬وااللتزام بدين االله في القول والعمل‪ ،‬والغيرة‬ ‫على حرمات االله في المكره والمنشط‪ ،‬والإخلاص الله تعالى في الفعل والترك‪،‬‬ ‫وإيثار ما عنده على ما عند الناس في الظاهر والباطن‪.‬‬ ‫وهذا يعني؛ أن ال يسمع منهما فحشا في الحديث‪ ،‬فلا يطن على أذنه هجر‬ ‫من القول‪ ،‬وال أي كلمة جارحة للحيــاء‪ ،‬خارجة عن الوقار‪ ،‬مخالفة للآداب‪،‬‬ ‫وأن ال يعثر في حديثهمــا قط على كذب عليه‪ ،‬وال علــى أحد من الناس‪ ،‬إذ‬ ‫الطفل يتعود ما عوده إياه أبواه كما قال أبو العلاء المعري‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وي ــ ُأ ِ‬ ‫ناشــئ ِ‬ ‫الفتيــان ِ م ّنــا‬ ‫بــوه‬ ‫َ َنشَ‬ ‫َعلــى مــا كا َن َع ‪‬‬ ‫ــو َد ُه أ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُيـ َ ‪‬‬ ‫ــد ‪‬ي َ َ‬ ‫َوما دا َن َ‬ ‫جــى َو َل ِكن‬ ‫الفتى ب ِ ِح‬ ‫بــوه‬ ‫ـه الــ َت َ‬ ‫ـمـ ُ‬ ‫قــر ُ‬ ‫ـعــلـ ُ‬ ‫ــن أ َ‬ ‫ً‬ ‫وهذا مما يوحي به قول النبي ژ ‪» :‬كل مولود يولد على الفطرة‪ ،‬فما يزال‬ ‫عليها حتى يعرب عنها لسانه‪ ،‬فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه«)‪ ،(١‬فإنه‬ ‫كما ينحرف به أبواه عن الفطرة التي فطر االله الناس عليها وشرعها لعباده دينا‬ ‫قويما وصراطا مســتقيما إلى أديان الضلال‪ ،‬كذلك ينحرفــان به عن فضائل‬ ‫الأخلاق‪ ،‬وكرائم الأعمال وصادق الأقوال‪ ،‬التي تفرزها الفطرة الســوية إلى‬ ‫ما يعاكســها‪ ،‬من الأخلاق الدنيئة‪ ،‬والأعمال الســاقطة‪ ،‬والأقوال الكاذبة أو‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمــد )‪ ،٤٣٥/٣‬رقم ‪ ،(١٥٦٢٧‬والدارمــي )‪ ،٢٩٤/٢‬رقم ‪ ،(٢٤٦٣‬وابن حبان )‪،٣٤١/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٣٢‬والطبراني )‪ ،٢٨٥/١‬رقم ‪ ،(٨٣٤‬والحاكم )‪ ،١٣٣/٢‬رقم ‪ ،(٢٥٦٦‬وأبو نعيم في الحلية‬ ‫)‪ ،(٢٦٣/٨‬والبيهقي )‪ ،٢٠٣/٦‬رقم ‪ ،(١١٩٢٣‬والضياء )‪ ،٢٤٩/٤‬رقم ‪.(١٤٤٦‬‬ ‫‪٣٤٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫الخبيثة المســتهجنة‪ ،‬لهذا كان النبي ژ يحرص على تربيــة أمته على توقي‬ ‫أمي‬ ‫الكذب في تعاملها مع الأطفال‪ ،‬فعن عبد االله بــن عامر‪ ،‬أنه قال‪» :‬دعتني ّ‬ ‫يوما‪ ،‬ورســول االله ژ قاعد في بيتنا‪ ،‬فقالــت‪ :‬ها‪ ،‬تعال أعطيــك‪ ،‬فقال لها‬ ‫رسول االله ژ ‪ :‬وما أردت أن تعطيه؟ قالت‪ :‬أعطيه تمرا‪ ،‬فقال لها رسول االله ژ ‪:‬‬ ‫أما إ ّنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة«)‪.(١‬‬ ‫وكل هذا يندرج في تضاعيف ما يشتمل عليه التوجيه الرباني في القرآن‬ ‫لعباد االله تعالى‪ ،‬كما فــي قوله‪2 ± ° ̄ ® ¬ « ﴿ :‬‬ ‫‪À¿3⁄41⁄21⁄4»o1 ̧¶μ ́3‬‬ ‫‪ ﴾  Á‬التحريــم‪ ،٦ :‬فإن وقاية الأنفــس من هذه النار تعنــي اتقاء كل‬ ‫ما يسخط االله تعالى من ســيئات الأعمال وخبائث الأقوال ودنايا الأخلاق‪،‬‬ ‫ووقاية الأهلين منها بتجنيبهم التعرض لهــا بالفعل والقول‪ ،‬أما الفعل‪ :‬فهو‬ ‫تجنب رب الأســرة وعميدها لكل ما يؤدي إليها مما توعــد االله عليه‪ ،‬من‬ ‫معاصي الظاهر أو الباطن‪ ،‬ومفاســد الأقوال والأعمال‪ ،‬وأما القول فهو أن‬ ‫يكون ال يفتأ عــن تذكيرهم باالله واليــوم الآخر‪ ،‬وتحذيرهــم من التعرض‬ ‫لسخطه على أي حال‪ ،‬وال ريب أن الأوالد هم أحق الأهلين بذلك‪ ،‬وأولى‬ ‫بأن تتضافر جهود آبائهم وأمهاتهم على إبعادهم من النار بما يجدونه فيهم‬ ‫من الحذر الشديد من التعرض لها‪ ،‬ويسمعونه منهم من التحذير البالغ من‬ ‫كل ما يفضي إليها‪ ،‬فعلا كان أو تركا‪.‬‬ ‫هذا؛ وإذا كان حنــو الأبوة وشــفقة الأمومة يرققان مشــاعر الأبوين‬ ‫ويرهفان حسهما تجاه أوالدهما‪ ،‬حتى يكونا دائما شديدي الحذر عليهم‪،‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجــه أحمــد )‪ ،٤٤٧/٣‬رقم ‪ ،(١٥٧٤٠‬وأبــو داود )‪ ،٢٩٨/٤‬رقم ‪ (٤٩٩١‬والبيهقي )‪،١٩٨/١٠‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٠٦٢٨‬والضياء من طريق الطبراني )‪ ،٤٨٣/٩‬رقم ‪ .(٤٦٦‬وأخرجه أيضا‪ :‬ابن أبي شيبة‬ ‫)‪ ،٢٣٦/٥‬رقم ‪.(٢٥٦٠٩‬‬ ‫‪٣٤٧‬‬ ‫المحور الثالث عشر‪ :‬فيما يتعلق بتربية الأوالد‬ ‫يقلقان من كل ما يؤذيهم‪ ،‬ولو كان قرصة نملة أو لفحة ريح‪ ،‬أو رشة ماء‪،‬‬ ‫كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫لو هبــت الريح علــى بعضهم‬ ‫المتنعــت عيني مــن الغمض‬ ‫فكيف ال يحذران من الأفعال والأقوال والأخلاق‪ ،‬التي تؤدي بهم إلى‬ ‫ســخط االله تعالى‪ ،‬وترديهم في نار جهنم؟ فمن الــذي يطيق عذاب النار‬ ‫ـ والعياذ باالله ـ ؟‪.‬‬ ‫وإذا كان الأبوان هما القدوة لأطفالهما ـ مع أنهمــا يحرصان على نجابتهم‬ ‫ونجاحهم في الدنيا والآخرة ـ فإن عليهما أن يحرصا على تجنب الحرام‪ ،‬وتعويد‬ ‫الأطفال على تجنبه‪ ،‬بحيث يتعففان من كل ما هو محرم‪ ،‬أو مشتبه من الأموال‪،‬‬ ‫أو من المطاعم والمشارب والملابس‪ ،‬فلا يعثر أحد من أطفالهما عليهما أو على‬ ‫أحدهما معاملة محرمة أو مشتبهة أو جرأة على أموال الناس‪ ،‬أو احتياال على شيء‬ ‫منها أو اختلاسا له‪ ،‬وكذلك بالنســبة إلى الأعراض؛ بحيث ال تلغ ألسنتهما في‬ ‫عرض أحد‪ ،‬وال يغتابان أحدا وال ينمان على أحد‪ ،‬فلا يشــهد الأطفال منهما إال‬ ‫العمل الصالح‪ ،‬وال يســمعون إال الكلم الطيب من ذكر االله واســتدامته‪ ،‬والأمر‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وال يجدون منهما إال الخلق الرفيع في التعامل مع‬ ‫جميع الناس‪ ،‬مع الحرص على المسارعة إلى الخيرات‪ ،‬من الصدقة على الفقراء‬ ‫والمساكين‪ ،‬وعون المحتاجين‪ ،‬وإغاثة الملهوفين‪ ،‬ونصرة المظلومين‪ ،‬والعطف‬ ‫على المنكوبين‪ ،‬والرفق بالإنســان والحيوان‪ ،‬وحســن التعامل حتى مع النبات‬ ‫أثر على نفسية الطفل‪ ،‬وتحديد مستقبله ورسم منهجه‪.‬‬ ‫والجماد‪ ،‬فلكل ذلك ٌ‬ ‫ومن أهم ما ينبغــي ويجب أن يراه الطفل في أبويــه الحرص على ابتغاء‬ ‫الكســب الحلال دون غيره‪ ،‬ووضع المال في محله من غير تقتير وال تبذير‪،‬‬ ‫والقصد في الأخذ والعطاء‪ ،‬والإيثار على النفس‪ ،‬ومن الأهمية بمكان أن يكون‬ ‫تعاملهما معه يجمع بين اللطف والشدة والرقة والحزم‪ ،‬فمع إبدائهما العطف‬ ‫والحنان له عليهمــا أن يكونا حازمين في نهي الطفــل وزجره عن الوقوع في‬ ‫‪٣٤٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫سفاســف الأمور‪ ،‬واالنســياق مع رغبات النفــس الأمارة بالســوء‪ ،‬وتقليد‬ ‫المفسدين‪ ،‬والإخلال بالآداب في الأقوال والأعمال‪.‬‬ ‫ومن الأهمية بمكان حرصهما دائما على أن ال يخاطباه بما يجرح مشاعره‪،‬‬ ‫ويقعد بهمتــه‪ ،‬كأن يخاطباه خطاب البهائم‪ ،‬مثل لفــظ )كلب( أو )حمار( أو‬ ‫)حيوان( فإنه إن اعتاد سماع ذلك منهما أسرع ذلك إلى لسانه‪ ،‬فيخاطب غيره‬ ‫بما يســمعه منهما‪ ،‬وكذلك الكلمات النابية التي تمس العرض والشرف‪ ،‬فإن‬ ‫حرصهما على حسن خطابه يزكي طباعه ويرقى بهمته‪ ،‬ويعوده التقزز والتأفف‬ ‫من هذه الكلمات النابية وما توحي به‪.‬‬ ‫ومن الضرورة أن يدعما طموحه بتشــجيعه على ما ينجزه من الخير‪ ،‬وما‬ ‫يحققه من النجاح‪ ،‬من غير دفعه إلى أن يعتد بنفسه وبما ينجزه حتى يصل إلى‬ ‫حد الغرور‪ ،‬فمهما كان تشجيعهما له وإشادتهما بما يحققه ينبغي أن يبقى في‬ ‫قرارة نفســه أن في أقرانه من يفوقه في النجاح‪ ،‬وإنما عليــه أن يطمح ويجد‬ ‫ليصل إلى هذه المرتبة‪ ،‬إذ هي غير بعيدة عنه إن بذل في ذلك جهده‪.‬‬ ‫ا ‪  $ $+‬و‪:‬‬ ‫قارن بين طفل يتربى بين أبوين حانيين عليه راعيين له‪ ،‬طامحين إلى ترقيه‬ ‫مراتب الخير‪ ،‬ال يسمع منهما إال أطايب الكلام‪ ،‬وال يشاهد منهما إال محاسن‬ ‫الأخلاق‪ ،‬وصالحات الأعمــال‪ ،‬وبين طفل يبتلى بأبويــن جاهلين أحمقين‪،‬‬ ‫ال يخاطبانه إال ببذيء القــول‪ ،‬وال يجد منهما إال الشراســة فــي المعاملة‪،‬‬ ‫وال يســمع منهما إال الشــتائم التي يكيلانها له أو لغيــره‪ ،‬أو يتبادالنها فيما‬ ‫بينهما‪ ،‬وال يألف منهما إال الجــرأة على محارم االله‪ ،‬واالســتخفاف بحقوقه‬ ‫وحقوق عبــاده‪ ،‬والجرأة على أموالهم وأعراضهم‪ ،‬وعدم االســتهجان لقبائح‬ ‫الخصال وخبائث الأقوال‪ ،‬وال يجد منهما إال الفظاظة في القول والقسوة في‬ ‫المعاملة‪ ،‬والبعد عن الحنو والشفقة والرحمة‪ ،‬أيكونان سواء؟! فإن مثل هذا إن‬ ‫زكا طبعه وتهذبت خصاله‪ ،‬فتلك فلتة لم تكن إال بعناية االله وحده ورعايته‪.‬‬ ‫المحور الثالث عشر‪ :‬فيما يتعلق بتربية الأوالد‬ ‫‪٣٤٩‬‬ ‫وترى كيف أنكر رسول االله ژ على الرجل القاسي‪ ،‬الذي يستقبح تقبيل‬ ‫الأطفال‪ ،‬فعن عائشــة‪ # ،‬قالت‪» :‬جاء أعرابي إلى النبــي ژ فقال‪ :‬تقبلون‬ ‫الصبيان؟ فما نقبلهــم‪ ،‬فقال النبــي ژ ‪» :‬أوأملك لك أن نــزع االله من قلبك‬ ‫الرحمة««)‪ ،(١‬وعن أبــي هريــرة‪ ،‬أن الأقرع بن حابس أبصــر النبي ژ يقبل‬ ‫الحسن‪ ،‬فقال‪ :‬إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم؛ فقال رسول االله ژ ‪:‬‬ ‫»إنه ال ُيرحم من ال يرحم«‪ .‬وقال يونس‪» :‬من ال يرحم ال يرحم«)‪ ،(٢‬وقد جاءت‬ ‫هذه الرواية من طريق عائشــة وأنس ^ ‪ ،‬وقد اســتبعد عمر ‪ ƒ‬أحد عماله‬ ‫وعزله عن عمله بسبب ما لمس فيه من قسوة على أوالده‪ ،‬فعن محمد بن سلام‬ ‫قال‪» :‬اســتعمل عمر بن الخطاب ‪ ƒ‬رجلا على عمل‪ ،‬فرأى عمر يقبل صبيا‬ ‫له‪ ،‬فقال‪ :‬أتقبله وأنت أمير المؤمنين؟ لو كنت أنا ما فعلته‪ ،‬قال عمر ‪ : ƒ‬فما‬ ‫ذنبي إن كان االله نزع من قلبك الرحمــة إن االله ال يرحم من عباده إال الرحماء‪،‬‬ ‫ونزعه عن عمله‪ ،‬فقال‪ :‬أنت ال ترحم ولدك فكيف ترحم الناس؟«)‪.(٣‬‬ ‫فما بالك بأولئك الآباء القساة الذين ال يتصورون الرجولة والشهامة إال في‬ ‫قســوتهم على أوالدهم‪ ،‬فلا يعاملونهم إال بالغلظة والعنف‪ ،‬وال يبتسمون في‬ ‫وجوههم وال يتلطفون في حديثهم إليهم‪ ،‬مع أن هذه الأخلاق الحسنة من البر‬ ‫والمرحمة هــي التي يدعو إليها الإســلام‪ ،‬وأين ذلك من هدي الرســول ژ‬ ‫والرعيل الأول من المؤمنين‪ ،‬الذين كانوا أفذاذ الرجال والنوادر من الأبطال؟!‬ ‫ولكن لم تحل رجولتهم وبطولتهــم دون التلطف بأوالدهم وأهليهم‪ ،‬وكانت‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمــد )‪ ،٥٦/٦‬رقم ‪ ،(٢٤٣٣٦‬والبخــاري )‪ ،٢٢٣٥/٥‬رقم ‪ ،(٥٦٥٢‬ومســلم )‪،١٨٠٨/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٣١٧‬وابن ماجه )‪ ،١٢٠٩/٢‬رقم ‪.(٣٦٦٥‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه البخاري )‪ ٧/٨‬رقم‪ (٥٩٩٧ :‬ومســلم )‪ ١٨٠٨/٤‬رقم‪ ،(٢٣١٨ :‬وأحمــد )‪ ٢٣٦/١٢‬رقم‪:‬‬ ‫‪ ،(٧٢٨٩‬و)‪ ٨٨/١٣‬رقم‪ ،(٧٦٤٩ :‬وابن حبان )‪ ٢٠٢/٢‬رقم‪ ،(٤٥٧ :‬وأبو داود )‪ ٣٥٥/٤‬رقم‪،(٥٢١٨ :‬‬ ‫والترمذي )‪ ٣٨٢/٣‬رقم‪ ،(١٩١١ :‬والبيهقي )‪ ١٦٢/٧‬رقم‪.(١٣٥٧٦ :‬‬ ‫)‪ (٣‬انظر كنز العمال‪ ٢٤٦/١٦) ،‬رقم‪ ،(٤٥٩٤٩ :‬الدينوري في المجالسة وجوهر العلم )‪٣٢٥/٦‬‬ ‫رقم ‪.(٢٧٠٩‬‬ ‫‪٣٥٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫أخلاقهم هذه هي المعارج التي رقوها‪ ،‬فبلغوا بها درجات الخير‪ ،‬وأحرزوا بها‬ ‫قصبات الســبق في الدنيا والآخرة‪ ،‬كما جاء عن ابن مســعود ‪ ƒ‬قال‪ :‬قال‬ ‫رسول االله ژ ‪» :‬أال أخبركم بمن تحرم عليه النار‪ ،‬كل قريب هين لين سهل«)‪.(١‬‬ ‫ومن أولى بلطف المعاملة وبشاشــة المحيا ورقة القول من الأهل والأوالد‪،‬‬ ‫الذين تطمئن قلوبهم إلى راعيهم يرجون منه نظرة حانية تؤنس قلوبهم‪ ،‬وكلمة لينة‬ ‫تشرح صدورهم؟ ولهذا عزل عمر ‪ ƒ‬عامله عن العمل عندما أخبره أنه لم يقبل‬ ‫أحد أوالده‪ ،‬وهذا كله ال ينافي الحزم والقوة عندما يقتضيهما الأمر‪ ،‬فعمر ‪ ƒ‬ـ‬ ‫الذي أقصى عامله عن العمل بسبب ما المس منه من غلظة الطبع وجفاء المعاملة‬ ‫عند أهله ـ كان نفســه شــديد الحزم في معاملة أهله وأوالده لــم تدفعه عاطفته‬ ‫تجاههم إلى أن يتســاهل معهــم على حســاب العدل والإنصــاف والحذق في‬ ‫المحافظة على حقوق االله وحقوق الناس‪ ،‬حسبكم ما روي »عن عيسى بن معمر‬ ‫قال‪ :‬نظر عمر بن الخطاب عام الرمادة إلى بطيخة في يد بعض ولده فقال‪ :‬بخ بخ‬ ‫يا ابن أمير المؤمنين تأكل الفاكهة وأمة محمد ژ هزلى فخرج الصبي هاربا وبكى‬ ‫فأسكت عمر بعدما سأل عن ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬اشتراها بكف من نوى«)‪.(٢‬‬ ‫وبالجملة؛ فإن الحزم في التربية ال ينافي رقة الطبع والحنو والرحمة‪ ،‬بل‬ ‫الحزم نفسه إنما هو وليد الرحمة‪ ،‬إذ ال يحب الوامق المشفق على أهله وولده‬ ‫أن يتعرضوا لســخط االله تعالى وعقابه‪ ،‬ولهذا يحزم في معاملتهم من أجل أن‬ ‫ينأى بهم عن ذلك‪.‬‬ ‫وكما سبق‪ ،‬فإن القدوة الحسنة في المربي هي أعمق أثر ًا وأبلغ في التأثير‬ ‫على من يربيه‪ ،‬فعليه أن يكون صورة مما يحب أن يكون عليه‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الترمذي )‪ ،٦٥٤/٤‬رقم ‪ (٢٤٨٨‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ .‬والطبراني )‪ ،٢٣١/١٠‬رقم ‪،(١٠٥٦٢‬‬ ‫وابن حبان )‪ ،٢١٦/٢‬رقم ‪ .(٤٧٠‬وأخرجه أيضا‪ :‬هناد )‪ ،٥٩٦/٢‬رقم ‪.(١٢٦٣‬‬ ‫)‪ (٢‬انظر ابن سعد )‪.(٣١٥/٣‬‬ ‫‪٣٥١‬‬ ‫ا "!ر ا ا‪D' U‬‬ ‫   ! وا !‪c‬‬ ‫إن الإنسان ـ وهو ينوء بالتكاليف الشــرعية بين ما يتجاذبه ويتدافعه من‬ ‫رغبــات النفس وأمانيهــا وطموحاتها‪ ،‬وما تتعــرض له من تقلبــات أهوائها‬ ‫واختلاف أحوالها‪ ،‬وما يصحب ذلك من نزغات الشيطان ووساوسه‪ ،‬وتزيين‬ ‫الشــهوات إليه‪ ،‬وتأجيج دوافع الحقد واالنتقام في نفســه ـ هو عرضة لمزلة‬ ‫الأقدام ومضلة الأفهام‪ ،‬كيف وقد توعده الشيطان منذ بداية وجود أصله‪ ،‬بأنه‬ ‫لن يزال يوســوس في صدره‪ ،‬ويزين في نفسه الفساد‪ ،‬ويحبب إليه الشهوات‪،‬‬ ‫ويدفعه إلى كل مخالفة لأمر االله دفعا‪.‬‬ ‫هذا؛ مع وعيد االله الشديد لكل من اتبعه وأعرض عن االله تعالى‪ ،‬فنسي عهده‬ ‫واجترأ على أمره ونهيه فعصاهما‪ ،‬كما في قوله تعالى‪v u t s﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾| { z y x w‬الإسراء‪ ،٦٣ :‬وقوله‪g f e d﴿ :‬‬ ‫‪v ❁t s r q p o n m l k j ❁ h‬‬ ‫‪ ~ } | { ❁ y x w‬ے ¡ ‪ ﴾ £ ¢‬الحجر‪ ٤١ :‬ـ ‪،٤٤‬‬ ‫وقولــه‪﴾ , + * ) ( ' & ❁ $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫جد والخطر كبير‪ ،‬والخسارة فادحة إال فيمن وفق للاستعلاء‬ ‫ص‪ ٨٤ :‬ـ ‪ ،٨٥‬فالأمر ٌ‬ ‫على رغبات نفسه‪ ،‬واالحتراز من وساوس الشيطان‪.‬‬ ‫وأنى للإنسان ذلك وهو واقع بين هذه العواصف‪ ،‬التي تطوح به في هذه‬ ‫المهالك‪ ،‬مع ما جبل عليه من الضعف أمام مغريات الحياة ومكائد الشيطان؟‬ ‫‪٣٥٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫فهو عرضة للتقصير واالنحراف والغواية‪ ،‬لوال أن االله ســبحانه جعل له سبيلا‬ ‫إلى تدارك نفسه عندما يفيق من سكرات حب الدنيا‪ ،‬واالنجذاب إلى رغبات‬ ‫النفس‪ ،‬وذلك بالتوبة النصوح التي فتــح االله له بابها في جميع الأوقات حتى‬ ‫يأتيه أمر االله‪.‬‬ ‫د'!ة االله '‪+‬ده إ > ا !‪:‬‬ ‫إن فضل االله عظيم ورحمته واسعة‪ ،‬فهو أرحم الراحمين‪ ،‬وهو أبر بعباده‪،‬‬ ‫فقد جعل الحبل بينهم وبينه موصوال‪ ،‬يمكنهم أن يعودوا إليه متى أرادوا‪ ،‬لن‬ ‫يغلق دونهم بابه ما دامت هنالك فسحة في الأجل‪ ،‬وقد دعا االله ‪ 4‬من أسرف‬ ‫على نفســه إلى عدم اليأس والقنوط من رحمته تعالى‪ ،‬فقد جعل االله تعالى له‬ ‫مخلصا مما أحاط به من عظائــم الإجرام وكبائر الإثم بالتوبة إليه ســبحانه‪،‬‬ ‫فلذلك حضهم عليها بقوله‪:‬‬ ‫﴿ ‪~ } | { z y x w v u t‬ے ¡ ‪£ ¢‬‬ ‫‪ ́ 3 2 ± ° ̄ ® ¬ ❁ a © ̈ § ¦¥ ¤‬‬ ‫‪ Á À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4❁ o 1 ̧ ¶ μ‬‬ ‫‪Ï Î Í❁ Ë Ê É È Ç Æ Å Ä Ã‬‬ ‫‪%$#"!❁ÚÙØ×ÖÕÔÓÒÑÐ‬‬ ‫& ' ( )❁ ‪3 2 1 0 / . - , +‬‬ ‫‪ ﴾ 6 5 4‬الزمر‪ ٥٣ :‬ـ ‪.٥٨‬‬ ‫فكم تجد فــي هذه الآيــات الكريمة من دعــوة كريمــة رحيمة من رب‬ ‫السماوات والأرض إلى الذين أغرقتهم الخطايا‪ ،‬وأوبقتهم السيئات‪ ،‬أن ينفلتوا‬ ‫من إسارها‪ ،‬ويتحرروا من ربقتها بحســن الرجوع إلى االله تعالى‪ ،‬وليس ذلك‬ ‫بالأمر العسير‪ ،‬وال بالمطلب المستعصي‪ ،‬فقد جعل االله من كل ذنب متابا‪ ،‬وإذا‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٥٣‬‬ ‫كان الشــرك باالله تعالى ـ وهو أكبــر الكبائر وأفحش الضــلال ـ جعل االله منه‬ ‫مخلصا بالإيمان‪ ،‬ووعد الآئبين إليه منه بغفــران ما تقدم منهم‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬ ‫﴿‪ ﴾ | { z y x w v u t s‬الأنفال‪ ،٣٨ :‬فما بالك‬ ‫بما دون الشرك؟‪.‬‬ ‫و»عن أبي موسى قال‪ :‬قال رسول االله ژ ‪» :‬إن االله تعالى يبسط يده بالليل‬ ‫ليتوب مسيء النهار‪ ،‬ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس‬ ‫من مغربها««)‪.(١‬‬ ‫وفي هذا ما يدعو كل إنسان إلى أن يكثر الأوبة إلى االله‪ ،‬ويتدارك نفسه في‬ ‫ليله وفي نهاره باســتغفار االله تعالى‪ ،‬وعقده العزم على عــدم العودة إلى أي‬ ‫معصية‪ ،‬وحسبه أن جبار السماوات والأرض ـ مع بطشه الشديد‪ ،‬ونفاذ أمره في‬ ‫الوجود كله ـ أكرم العبد بهذا القبول‪ ،‬وفتح له أبواب الأوبة إليه‪ ،‬فالعجب ممن‬ ‫يتلكأ ويتثبط عن الدخول إلى االله تعالى من هذه الأبواب التي فتحها له ليصل‬ ‫إلى كرمه؟!‪.‬‬ ‫ا ! ‪f‬ف ^‪:*b 0‬‬ ‫ما أعظم ما يناله العبد من الشرف العظيم‪ ،‬ويسعد به من منازل التكريم‪،‬‬ ‫إن هو تاب إلى ربه‪ ،‬وتحرر من أســر شهوات نفســه‪ ،‬ومن نزغات الشيطان‪،‬‬ ‫فانقلب من المعصية إلى الطاعة‪ ،‬ومن الغي إلى الرشــد‪ ،‬ومن الوحشــة إلى‬ ‫الأنس‪ ،‬ومن البعد عــن االله تعالى إلى القــرب منه‪ ،‬ومن الهوي إلى أســفل‬ ‫الدرجات إلى الرقي إلى عواليها‪ ،‬فليس في التوبة إلى االله تعالى عار ونقيصة‪،‬‬ ‫وإنما هي فضيلة يســعد بها الموفقون‪ ،‬ناهيكم أن االله تعالــى أمر بالتوبة إليه‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،٣٩٥/٤‬رقم ‪ ،(١٩٥٤٧‬ومسلم )‪ ،٢١١٣/٤‬رقم ‪ ،(٢٧٥٩‬والدارقطني في الصفات‬ ‫)‪ ،٢٠/١‬رقم ‪ .(١٨‬وأخرجه أيضا‪ :‬عبد بن حميــد )ص ‪ ،١٩٧‬رقم ‪ ،(٥٦٢‬والروياني )‪،٣٦٤/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٥٥٦‬والبيهقي )‪ ،١٣٦/٨‬رقم ‪.(١٦٢٨١‬‬ ‫‪٣٥٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫واستغفاره من هو أجل البشر قدرا‪ ،‬وأصلحهم عملا‪ ،‬وأبرهم قلبا‪ ،‬وأقربهم إلى‬ ‫االله تعالى‪ ،‬وأخلصهــم له ســريرة وعلانية‪ ،‬فقد قــال االله تعالــى لنبيه ! ‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ å ä ã â‬محمد‪ ،١٩ :‬وامتن عليه تعالى بأن غفر‬ ‫له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في مقام االمتنــان عليه بما آتاه من الفتح المبين‬ ‫والنصر العزيز‪ ،‬إذ قال‪- , + * ) ( ' ❁ % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫‪﴾: 9 8 7 ❁ 5 4 3 2 1 0 / .‬‬ ‫الفتح‪ ١ :‬ـ ‪ ،٣‬وم ‪‬ن عليه تعالى وعلى من معه من المؤمنين الذين كانوا خير القرون‬ ‫بالتوبة عليهم‪ ،‬فقد قال عز من قائل‪ ̄ ® ¬ « a ©﴿ :‬‬ ‫‪1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 2± °‬‬ ‫1⁄2 3⁄4 ¿ ‪ ﴾ Æ Å Ä Ã ÂÁ À‬التوبة‪.١١٧ :‬‬ ‫وقد كان ! أسرع الناس إلى التوبة‪ ،‬وأحرصهم عليها‪ ،‬فعن الأغر المزني‪،‬‬ ‫وكانت له صحبة‪ ،‬أن رسول االله ژ قال‪» :‬إنه ليغان على قلبي‪ ،‬وإني لأستغفر‬ ‫االله‪ ،‬في اليوم مائــة مرة«)‪ ،(١‬وفي حديــث أبي هريرة أنه ! قــال‪» :‬واالله إني‬ ‫لأستغفر االله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة«)‪.(٢‬‬ ‫وقد دعا االله تعالى عباده المؤمنين إلى التوبة إليه في قوله‪" ! ﴿ :‬‬ ‫‪/.-,+*)('&%$#‬‬ ‫‪> =< ; : 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0‬‬ ‫? @ ‪M L K JI H G F E D C B A‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمد )‪ ،٢١١/٤‬رقم ‪ ،(١٧٨٨١‬وعبد بن حميد )ص ‪ ،١٤٢‬رقم ‪ ،(٣٦٤‬ومســلم )‪،٢٠٧٥/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(٢٧٠٢‬وأبو داود )‪ ،٨٤/٢‬رقم ‪ ،(١٥١٥‬والنسائي في عمل اليوم والليلة )ص ‪ ،١٤٤‬رقم ‪،(٤٤٦‬‬ ‫وابن حبان )‪ ،٢١١/٣‬رقم ‪ ،(٩٣١‬والبغوي )‪ ،١٢٤/١‬رقم ‪ ،(٨٩‬والطبراني )‪ ،٣٠٢/١‬رقم ‪.(٨٨٧‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه البخاري )‪ ،٢٣٢٤/٥‬رقم ‪ .(٥٩٤٨‬وأحمد )‪ ،٣٤١/٢‬رقم ‪ ،(٨٤٧٤‬والنســائي في الكبرى‬ ‫)‪ ،١١٤/٦‬رقم ‪ ،(١٠٢٧٠‬وابن حبان )‪ ،٢٠٤/٣‬رقم ‪ ،(٩٢٥‬والبيهقي في شــعب الإيمان )‪،٤٣٨/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٦٣٩‬والديلمي )‪ ،٣٥٦/٤‬رقم ‪.(٧٠٢٤‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٥٥‬‬ ‫‪ ﴾O N‬التحريم‪ ،٨ :‬وقوله‪Ó Ò Ñ Ð Ï Î Í ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Ô‬النور‪ ،٣١ :‬وحصر تعالى توبته فيهم عندما قال‪Í Ì Ë ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Ô Ó Ò Ñ ÐÏ Î‬الأحزاب‪.٧٣ :‬‬ ‫ا ‪ $ $+‬ا ‪ $+b‬وا ‪!T $ $‬ن  ‪:‬‬ ‫إن الفرق شاسع والبون ســحيق بين التوبة والإصرار‪ ،‬فالتائبون إمامهم‬ ‫في التوبة عبد االله وصفيه آدم أبو البشــر وزوجه أم البشــر حواء ‪ ، 6‬فقد‬ ‫تسارعا إلى التوبة عندما وقعا في الخطيئة‪ ،‬كما قال تعالى‪Ò Ñ Ð ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Û Ú Ù Ø ×Ö Õ Ô Ó‬البقرة‪ ،٣٧ :‬وبين تعالى هذه الكلمات‬ ‫في قوله‪﴾, + * ) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫الأعراف‪ ،٢٣ :‬وقال سبحانه‪« a © ̈ § ❁ ¥ ¤ £ ¢ ﴿ :‬‬ ‫¬﴾ طه‪ ١٢١ :‬ـ ‪.١٢٢‬‬ ‫فقد ســن آدم ‪ ‰‬لذريته التوبة إلى االله ســبحانه‪ ،‬وبهــذا أصبح إمام‬ ‫التائبين‪ ،‬أما المصرون فإمامهم إبليس‪ ،‬الذي أصر على مخالفة أمر االله تعالى‪،‬‬ ‫وازداد كبرا وعتوا‪ ،‬إذ أعلن أنه ســيترصد لذرية آدم في كل طريق‪ ،‬وسيفتح‬ ‫لهم كل باب إلى التمرد والعصيان‪ ،‬وســيزين لهم كل مخالفة لأمر االله‪ ،‬فقد‬ ‫حكى االله قصته في أكثر مــن موضع تحذيرا وتنفيرا عن اتبــاع أمره والثقة‬ ‫بقوله‪ ،‬كما في قوله تعالى‪U ❁ S R Q P O N M ﴿ :‬‬ ‫‪﴾d c b a `_ ^ ] \ [ Z Y X W V‬‬ ‫الأعراف‪ ١٦ :‬ـ ‪ ،١٧‬وقولــه‪k j i h g f e d c﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾q p o n m l‬الإسراء‪ ،٦٢ :‬وقوله‪r q p ﴿ :‬‬ ‫‪¡ ❁ ~ } | { z y xw v❁t s‬‬ ‫‪© ̈ §¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫‪ ﴾ a‬النساء‪ ١١٧ :‬ـ ‪.١١٩‬‬ ‫‪٣٥٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وكل واحد من الإمامين يقــود أتباعه إلى مصيره‪ ،‬فآدم ‪ ‰‬يقود من تاب‬ ‫من ذريته وأحسن التوبة إلى النعيم الأبدي والفوز برضوان االله تعالى‪ ،‬وإبليس‬ ‫ـ لعنه االله ـ يقود أتباعه إلى الجحيم الأبدي واالرتكاس في سخط االله تعالى‪،‬‬ ‫قال تعالــى‪¶ μ ́ 3 2 ± ° ̄ ® ¬ ﴿ :‬‬ ‫ ̧ ❁ ‪Å Ä Ã ❁ Á À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4» o‬‬ ‫‪ ﴾É È Ç Æ‬النســاء‪ ١١٩ :‬ـ ‪ ،١٢١‬وقال ســبحانه‪v u t s﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾| { z y x w‬الإسراء‪ ،٦٣ :‬وقال تعالى‪' & ﴿ :‬‬ ‫( ) * ‪ ﴾ , +‬ص‪.٨٥ :‬‬ ‫وعليه فلينظر الإنسان أي المصيرين يبتغي وأي السبيلين يقتفي؟ فإن آثر‬ ‫الإصرار وأخلد إلى هواه فقد ابتغى أن يكون مع الشــيطان في مصيره‪ ،‬ومن‬ ‫خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فخلصها من أسر المعصية فقد ابتغى‬ ‫أن يكون مع جده صفي االله تعالى آدم ‪ ، ‰‬الذي تاب االله عليه وهداه‪ ،‬وبكل‬ ‫واحد من الأمرين يثبت نســبته إلى الإمام الذي اختاره لنفســه‪ ،‬قال الإمام‬ ‫أبو حامد الغزالي‪:‬‬ ‫»وما أجدر بالأوالد الإقتداء بالآبــاء والأجداد فلا غرو إن أذنب الآدمي‬ ‫واجترم فهي شنشنة نعرفها من أخزم ومن أشبه أباه فما ظلم ولكن الأب إذا‬ ‫جبر بعد ما كســر وعمر بعد أن هدم فليكن النزوع إليه في كلا طرفي النفي‬ ‫والإثبات والوجود والعدم ولقد قرع آدم ســن الندم وتندم على ما سبق منه‬ ‫وتقدم فمن اتخذه قدوة في الذنــب دون التوبة فقد زلت به القدم بل التجرد‬ ‫لمحض الخير دأب الملائكة المقربين والتجرد للشــر دون التلافي ســجية‬ ‫الشياطين والرجوع إلى الخير بعد الوقوع في الشر ضرورة الآدميين فالمتجرد‬ ‫للخير ملك مقرب عند الملك الديان والمتجرد للشر شيطان والمتلافي للشر‬ ‫بالرجوع إلى الخير بالحقيقة إنســان فقد ازدوج في طينة الإنســان شائبتان‬ ‫واصطحب فيه سجيتان وكل عبد مصحح نسبه إما إلى الملك آو إلى آدم أو‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٥٧‬‬ ‫إلى الشــيطان فالتائب قد أقام البرهان على صحة نسبه إلى آدم بملازمة حد‬ ‫الإنسان والمصر على الطغيان مسجل على نفسه بنسب الشيطان فإما تصحيح‬ ‫النســب إلى الملائكة بالتجرد لمحض الخير فخارج عن حيز الإمكان فإن‬ ‫الشــر معجون مع الخير في طينــة آدم عجنا محكمــا ال يخلصه إال إحدى‬ ‫النارين نار الندم أو نار جهنم فالإحراق بالنــار ضروري في تخليص جوهر‬ ‫الإنسان من خبائث الشيطان وإليك الآن اختيار أهون النارين والمبادرة إلى‬ ‫أخف الشرين قبل أن يطوى بساط االختيار ويساق إلى دار االضطرار إما إلى‬ ‫الجنة وإما إلى النار«)‪.(١‬‬ ‫ا "‪ >' k‬ا ‪,‬ر' إ > ا ! وا "` ‪:9 !, $‬‬ ‫ما أجدر بالإنســان ـ وهو عرضة للخطايا وغرض لمكائد الشــيطان ـ أن‬ ‫يكون يقظا حذورا‪ ،‬وأن يســارع إلى التوبة في جميع أحواله‪ ،‬وأن ال يسوفها‬ ‫ساعة بعد ساعة‪ ،‬ويوما بعد يوم‪ ،‬طمعا في أن يفوز بها ـ ولو بعد حين ـ بعدما‬ ‫يعطي نفســه هواها ويمتعها بشــهواتها‪ ،‬فأنى له بضمان أن يبلــغ أمنيته وأن‬ ‫يســتطيع أن يخلص نفســه من آثار شــهواتها‪ ،‬وأن يتحرر من طاعة الشيطان‬ ‫واالستئسار لوساوسه؟!! فقد دعاه االله تعالى إلى تعجيل التوبة وحسن الأوبة‬ ‫إليه كما في قوله‪:‬‬ ‫﴿ " ‪+ * ) ( ' &% $ #‬‬ ‫‪6 5 4 32 1 0 / . ❁,‬‬ ‫‪C B A @ ? > = ❁ ; : 9 87‬‬ ‫‪P O N M L KJ I H G F E D‬‬ ‫‪ ﴾S R Q‬آل عمران‪ ١٣٣ :‬ـ ‪.١٣٥‬‬ ‫)‪ (١‬أبو حامد الغزالي‪ :‬إحياء علوم الدين‪ ٢/٤ ،‬ـ ‪.٣‬‬ ‫‪٣٥٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وحذر ســبحانه المؤمنين من مغبة المعاصي وإهمــال التوبة منها‪ ،‬فبعد‬ ‫تحذيرهم من طائفة من المعاصي التي اعتاد الناس التســاهل فيها واالستهانة‬ ‫بها‪ ،‬قال‪ ﴾ ã â á à ß Þ ﴿ :‬الحجرات‪.١١ :‬‬ ‫وبين تعالى لمن تكــون التوبة في قولــه‪N M L K J﴿ :‬‬ ‫‪\ [ ZY X W V U T S R Q P O‬‬ ‫] ^﴾ النساء‪ ،١٧ :‬وقد أوضح االله تعالى في هذه الآية الكريمة أن من‬ ‫فضل االله على عباده أن كتب لهم على نفسه قبول التوبة عندما يسارعون إليها‬ ‫من قريب‪ ،‬قبل أن ترين المعصية على قلوبهم فتصبح أسيرة لها ال تجد سبيلا‬ ‫إلى الفــكاك منها‪ ،‬كمــا قــال تعالــى‪﴾ R Q P O N M LK JI ﴿ :‬‬ ‫المطففين‪ ،١٤ :‬وكما جاء في حديث أبي هريرة‪» :‬عن رسول االله ژ قال‪» :‬إن العبد‬ ‫إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء‪ ،‬فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل‬ ‫قلبه‪ ،‬وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه‪ ،‬وهو الران الذي ذكر االله« ﴿ ‪N M LK JI‬‬ ‫‪.(١)«﴾ R Q P O‬‬ ‫فما أخطر الرين الذي يظلم معه القلــب وتنطمس به البصيرة‪ ،‬ويردي من‬ ‫استســاغ الآثام َو َهو ِ َي المعاصي في دركات الجحيم والعيــاذ باالله‪ ،‬وقد بين‬ ‫الحديث الشريف أن تلك هي عاقبة الإصرار على الخطايا‪ ،‬وعدم الإقلاع منها‬ ‫والنزوع عنها‪ ،‬وهذا ما دل عليه القرآن‪ ،‬فبعد أن رجى االله تعالى عباده التائبين‬ ‫بأن يتوب عليهم ويعفو عنهم عندما يسارعون إلى التوبة بين عاقبة المصرين‬ ‫في قولــه‪h g f e d c b a ` ﴿ :‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه أحمــد )‪ ،٢٩٧/٢‬رقم ‪ ،(٧٩٣٩‬والترمذي )‪ ،٤٣٤/٥‬رقم ‪ (٣٣٣٤‬وقال‪ :‬حســن صحيح‪.‬‬ ‫والنسائي في الكبرى )‪ ،١١٠/٦‬رقم ‪ ،(١٠٢٥١‬وابن ماجه )‪ ،١٤١٨/٢‬رقم ‪ ،(٤٢٤٤‬وابن أبي الدنيا في‬ ‫التوبة )ص ‪ ،١٤٣‬رقم ‪ ١٩٨‬ط مكتبة القرآن(‪ ،‬وابن حبان )‪ ،٢٧/٧‬رقم ‪ ،(٢٧٨٧‬والحاكم )‪،٤٥/١‬‬ ‫رقم ‪ (٦‬وقال‪ :‬صحيح‪ .‬والبيهقي في شعب الإيمان )‪ ،٤٤٠/٥‬رقم ‪.(٧٢٠٣‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٥٩‬‬ ‫‪v u t sr q p o n m l k j i‬‬ ‫‪ ﴾ x w‬النساء‪.١٨ :‬‬ ‫وذكر صاحب المنار في تفسيره للآيتين ما يتميز به كل واحد من الفريقين‪،‬‬ ‫وذلك في قوله‪» :‬لما ذكر ـ تعالى ـ أن التوبة مع الإصلاح تقتضي ترك العقوبة‬ ‫على الذنب في الدنيا ووصف نفسه بالتواب الرحيم‪ ،‬أي الذي يقبل التوبة من‬ ‫عباده كثيرا‪ ،‬ويعفو بها عنهم ـ عقب ذلك ببيان شرط قبول التوبة فقال‪J ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ M L K‬النســاء‪ ،١٧ :‬أي إن التوبة التي أوجب االله ـ تعالى ـ قبولها على‬ ‫نفسه بوعده الذي هو أثر كرمه‪ ،‬وفضله ليست إال للذين يعملون السوء بجهالة‬ ‫ثم يتوبون من قريب فالسوء‪ :‬هو العمل القبيح الذي يسوء فاعله إذا كان عاقلا‬ ‫سليم الفطرة كريم النفس‪ ،‬أو يســوء الناس‪ ،‬ويصدق على الصغائر والكبائر‪.‬‬ ‫والجهالة‪ :‬الجهل وتغلب في السفاهة التي تلابس النفس عند ثورة الشهوة‪ ،‬أو‬ ‫سورة الغضب فتذهب بالحلم‪ ،‬وتنسي الحق‪ ،‬والمراد بالزمن القريب‪ :‬الوقت‬ ‫الذي تســكن فيه تلك الثورة‪ ،‬أو تنكسر به تلك الســورة‪ ،‬ويثوب إلى فاعل‬ ‫الســيئة حلمه‪ ،‬ويرجع إليه دينه وعقله‪ ،‬وذهب جمهور المفسرين إلى تفسير‬ ‫الزمن القريب بما قبل حضور المــوت‪ ،‬واحتجوا على ذلك بالآية الثانية التي‬ ‫تنفي قبول توبة الذين يتوبون إذا حضر أحدهم الموت‪.‬‬ ‫وليس ذلك بحجة لهم; لأن الظاهر أن هذه الآيــة بينت الوقت الذي‬ ‫تقبل فيه التوبــة من كل مذنب حتمــا‪ ،‬والآية الثانية بينــت الوقت الذي‬ ‫ال تقبل فيه توبة مذنب قــط‪ ،‬وما بين الوقتين مســكوت عنه‪ ،‬وهو محل‬ ‫الرجاء والخوف‪ ،‬فكلمــا قرب وقت التوبة من وقــت اقتراف الذنب كان‬ ‫الرجاء أقوى‪ ،‬وكلما بعد الوقت بالإصرار‪ ،‬وعدم المباالة‪ ،‬والتسويف كان‬ ‫الخوف من عدم القبول هو الأرجح؛ لأن الإصــرار قد ينتهي قبل حضور‬ ‫الموت بالرين‪ ،‬والختم‪ ،‬وإحاطة الخطيئة«‪.‬‬ ‫‪٣٦٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫إلى أن قال‪» :‬وكم غرت هذه العبارة النــاس وجرأتهم على الإصرار على‬ ‫الذنوب‪ ،‬والآثام‪ ،‬وأوهمتهم أن المؤمن ال يضره أن يصر على المعاصي طول‬ ‫حياته إذا تاب قبل بلوغ روحه الحلقوم‪ ،‬فصار المغرورون يسوفون بالتوبة حتى‬ ‫يوبقهم التسويف‪ ،‬فيموتوا قبل أن يتمكنوا من التوبة‪ ،‬وما يجب أن تقرن به من‬ ‫إصلاح النفس بالعمل الصالح‪ ،‬كما في الآية السابقة‪ ،‬وآيات أخرى في معناها‪،‬‬ ‫كقوله ـ تعالــى ـ ‪ ﴾ m l k j i h g f e ﴿ :‬طه‪،٨٢ :‬‬ ‫وقوله في حكاية دعاء الملائكة للمؤمنين‪3 2 ± ° ̄ ﴿ :‬‬ ‫ ́ ‪ ﴾ o 1 ̧ ¶ μ‬غافر‪.٧ :‬‬ ‫وال ينافي ذلك ما ورد من الأحاديث‪ ،‬والآثار فــي قبول التوبة إلى ما قبل‬ ‫الغرغرة‪ .‬كحديث ابن عمر عند أحمد‪ ،‬والترمذي‪» :‬إن االله يقبل توبة العبد ما لم‬ ‫يغرغر«‪ ،‬فإن المقصود من هذا أنه ال يجوز لأحد أن يقنط من رحمة ربه‪ ،‬وييأس‬ ‫من قبوله إياه إذا هو تاب وأناب إليه ما دام حيا‪ ،‬وليس معناه‪ :‬أنه ال خوف على‬ ‫العبد من التمادي في الذنوب إذا هو تاب قبيل الموت ولو بســاعة؛ فإن حمله‬ ‫على هذا المعنى مخالــف لهدي كتاب االله في الآيات التــي ذكرنا بعضها آنفا‪،‬‬ ‫ولسننه في خلق الإنسان من حيث إن نفسه تتدنس بالذنوب بالتدريج‪.‬‬ ‫فإذا طال الأمــد على مزاولتها لهــا تتمكن فيها‪ ،‬وترســخ‪ ،‬فلا تزول إال‬ ‫بتزكيتها بالعمل الصالح في زمن طويل يناســب زمن الدنس مع ترك أسباب‬ ‫الدنس‪ ،‬وأما الترك وحده فلا يكفي‪ ،‬كما إذا وردت الأقذار‪ ،‬والأدناس الحسية‬ ‫على ثوب زمنا طويلا‪ ،‬فإنه ال ينظف بمجرد انقطاعها عنه‪ .‬على أن المعاصي‬ ‫إذا تكررت تصير عادات تملك على النفس أمرها حتــى تصير التوبة بمجرد‬ ‫الترك من أعسر الأمور وأشــقها؛ لأنها تكون عبارة عن اقتلاع الملكات التي‬ ‫تكيف بها المجموع العصبي‪ ،‬فما أخسر صفقة المسوفين الذين يغترون بكلام‬ ‫أسرى العبارات وغير المفسرين!« اهـ)‪.(١‬‬ ‫)‪ (١‬محمد رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪.٣٦٢/٤ ،‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٦١‬‬ ‫وقد تبين لك مما ذكره اســتلهاما من القرآن والسنة أن المعصية ـ والعياذ‬ ‫باالله ـ إذا تراكمت آثارها على القلب نســي الإنســان نفســه‪ ،‬بإهمالها وعدم‬ ‫المباالة بمصيرها حتى يردى في دركات الجحيم مع الشيطان وحزبه‪ ،‬ونسي‬ ‫ربه بعدم الحرص على طاعته‪ ،‬وقد حذر االله تعالى من ذلك المؤمنين في قوله‪:‬‬ ‫﴿ ‪< ; :9 8 76 5 4 3 2 1 0 /. -‬‬ ‫= >? ❁‪﴾K J I HG F E D C B A‬‬ ‫الحشر‪ ١٨ :‬ـ ‪ ،١٩‬وأتبع ذلك بيان التباين بين مصيري الفريقين‪ ،‬إذ قال‪N M ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ W V U T SR Q P O‬الحشــر‪ ،٢٠ :‬لذلــك‬ ‫كانت التوبة لمن بادر بها معصيتــه‪ ،‬فأقلع عن غيه‪ ،‬وأنــاب إلى ربه قبل أن‬ ‫تستحكم في هواه‪ ،‬فتسد عليه مسالك التفكير في مصيره‪.‬‬ ‫والقلب سريع التأثر بما يصدر من العبد من أعمال برا أو فجورا‪ ،‬فهو يزكو‬ ‫ويطهر إن ‪‬بر‪ ،‬ويتدســى ويتدنس إن فجر‪ ،‬كما قــال تعالى‪: 9 8 ﴿ :‬‬ ‫< = > ❁ @ ‪ ﴾H G F E ❁ C B A‬الشمس‪ ٧ :‬ـ ‪،١٠‬‬ ‫وليس وراء تزكيتهــا بالبر إال الفلاح‪ ،‬وال وراء تدســيتها بالفجور إال الخيبة‪،‬‬ ‫فلينظر الإنسان إلى ما يراه الأولى به من المصيرين‪.‬‬ ‫وقد أجاد العلامــة صاحب المنــار عندما مثل القلب بالثــوب إن اعتني‬ ‫بتنظيفه مما يدنسه من الأدناس‪ ،‬أو أهمل حتى تراكمت عليه‪ ،‬فإن ُسورِع إلى‬ ‫تطهيره وتنظيفه كان من الســهل أن يعود إلى ما كان عليه‪ ،‬وإن ترك للأدناس‬ ‫تتوالى عليه طبقة بعد أخرى؛ كان من العسير أن يرد إلى طبيعته‪.‬‬ ‫ويصدق عليه ـ أيضا ـ أنه كالمرآة عندما يعرض لها الصدأ؛ فإن تركت كان‬ ‫من العسير أن تجلى بعد ذلك‪ ،‬وإن ُســورِع إلى إزالة الصدأ عنها عادت كما‬ ‫كانت‪ ،‬وهكذا القلوب تصــدأ بالمعاصي وتنجلي بالتوبــة‪ ،‬فما أحرى أولي‬ ‫البصائر أن يتسارعوا إلى تنظيف قلوبهم من رجس الآثام قبل أن ترين عليها‪.‬‬ ‫‪٣٦٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وكم تجد في الناس من ال يبالي بتتابــع خطاياه وإن خوطب بالتوبة أمل‬ ‫ورجى عاذله أن المستقبل فســيح وأن التوبة ستأتي ولو بعد حين‪ ،‬وهنا‬ ‫نفسه ‪‬‬ ‫مكمن الخطر‪ ،‬إذ ال يدري أحد ما بين يديه من فسحة الأجل‪ ،‬فلعله أضيق من‬ ‫سم الخياط‪ ،‬وهو يخاله أوسع من رحاب الفضاء‪ ،‬وإذا كان يعسر عليه في حينه‬ ‫أن يقلع عن خطاياه ويتخلص من أوزاره فكيف به في المستقبل‪ ،‬عندما تتراكم‬ ‫آثار الفجور على قلبه حتى ينسى ربه فينسيه نفسه؟!‪.‬‬ ‫‪ RG‬أ‪ 7.‬ا ‪ g‬ة وإن ‪ 7‬االله  ‪:R‬‬ ‫إن أخطر ما يهدد سلامة الإنسان أن يمني نفسه بمغفرة من ربه ولو أحاطت‬ ‫به خطاياه!! فإن هذا الداء العضال هو الذي أصاب الأمم من قبل فأرداها‪ ،‬كما‬ ‫ذكر االله تعالى ذلك في قولــه‪ ~ } ﴿ :‬ے ¡ ‪¤ £ ¢‬‬ ‫‪ ﴾ ° ̄ ® ¬ « a © ̈ § ¦ ¥‬الأعــراف‪ ،١٦٩ :‬مع‬ ‫أن االله تعالى حذر من االغترار بالأماني وإهمال الحزم في االستعداد للقاء االله‬ ‫تعالى‪ ،‬فقد قال سبحانه‪A @ ?> = < ; : 9 ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾M L K J I H G F E D C B‬النســاء‪ ،١٢٣ :‬وقــال‬ ‫سبحانه‪k j i h g f e dc b a ` _ ^ ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ n m l‬الأنعام‪ ،١٦٠ :‬وقال عز من قائل‪' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫()*‪6543210/.-❁+‬‬ ‫‪ ﴾9 8 7‬النمل‪ ٨٩ :‬ـ ‪ ،٩٠‬وقــال تعالى‪Ð ÏÎ Í Ì Ë Ê É ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Û Ú Ù Ø × Ö Õ Ô Ó Ò Ñ‬القصص‪،٨٤ :‬‬ ‫وقال‪﴾/ . - , +* ) ( '& % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫غافر‪ ،١٧ :‬وقال‪Ä Ã Â Á À ¿3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Ï Î Í Ì Ë Ê É È ÇÆ Å‬غافــر‪،٤٠ :‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٦٣‬‬ ‫وقال ‪ ﴾Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë Ê ﴿ : 2‬الجاثية‪ ،٢٢ :‬وقال‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ k j i h g f e d c‬النجم‪.٣١ :‬‬ ‫وبين تعالى أن الفوز في الدار الآخرة إنما هو للمتقين‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬ ‫﴿ ® ̄ ‪1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ 32 ± °‬‬ ‫3⁄4 ¿ ‪﴾È Ç Æ ÅÄ Ã Â Á À‬‬ ‫آل عمــران‪ ،١٥ :‬وأتبع ذلك كشف خصائصهم في قوله‪$ # " ! ﴿ :‬‬ ‫‪/.-❁+*)('&%‬‬ ‫‪ ﴾2 1 0‬آل عمران‪ ١٦ :‬ـ ‪ ،١٧‬وكذلك قوله‪" ﴿ :‬‬ ‫‪﴾, + * ) ( ' & % $ #‬‬ ‫آل عمــران‪ ،١٣٣ :‬ثم بيــن أوصاف هــؤالء المتقين‪ ،‬فقــال‪1 0 / . ﴿ :‬‬ ‫‪; : 9 87 6 5 4 3 2‬‬ ‫❁‬ ‫=>?@‪HGFEDCBA‬‬ ‫‪ ﴾ S R Q P O N M L K J I‬آل عمران‪ ١٣٤ :‬ـ ‪.١٣٥‬‬ ‫وقوله‪k j i h g f e d c b a﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾v u t s r qp o n m l‬آل عمــران‪ ،١٩٨ :‬وقوله‪x ﴿ :‬‬ ‫‪ ~ }| { z y‬ے ﴾ الأنعــام‪ ،٣٢ :‬وقولــه‪~ } | ﴿ :‬‬ ‫ے ¡‪ ﴾¤ £ ¢‬يوسف‪ ،١٠٩ :‬وقوله‪Ó Ò Ñ Ð Ï Î ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Ö Õ Ô‬مريم‪ ،٦٣ :‬وقوله‪ ﴾4 3 2 1 ﴿ :‬الزخرف‪ ،٣٥ :‬وقوله‪:‬‬ ‫﴿‪ ﴾® ¬ « ❁ © ̈ § ¦ ¥‬الحجــر‪ ٤٥ :‬ـ ‪ ،٤٦‬وقوله‪:‬‬ ‫﴿ ‪﴾ Z Y X W V UT S R Q ❁ O N M L K‬‬ ‫الذاريات‪ ١٥ :‬ـ ‪ ،١٦‬ثم بين كيف بلغوا درجة المتقين المحسنين في قوله‪] \ ﴿ :‬‬ ‫^ _ ` ‪ ﴾ k j i h g ❁ e d c ❁ a‬الذاريات‪ ١٧ :‬ـ ‪،١٩‬‬ ‫‪٣٦٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وقولــه‪ ﴾ 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ ﴿ :‬القلم‪ ،٣٤ :‬وقولــه‪﴾ # " ! ﴿ :‬‬ ‫النبأ‪ ،٣١ :‬وقوله‪ ﴾ 3 2 ± ° ̄ ﴿ :‬المرسلات‪ ،٤١ :‬وقوله‪y x w ﴿ :‬‬ ‫‪ ❁ } | ❁ z‬ے ¡ ﴾ الليل‪ ٥ :‬ـ ‪.٧‬‬ ‫وبين االله ســبحانه أن الناس بين متعلق بالدنيا سالك طريقها‪ ،‬وبين من‬ ‫يريد الآخرة ويســعى لها ســعيها‪ ،‬وأن كل فريق منهما ينتهــي إلى مصيره‬ ‫المحتوم بحسب مســيره المعلوم‪ ،‬وال يشتركان في مصير واحد‪ ،‬وذلك في‬ ‫قوله‪T S R Q P O N M L K J I H G﴿ :‬‬ ‫❁ ‪d c b a ` _ ^] \ [ Z Y X W V‬‬ ‫‪ ﴾ f e‬هود‪ ١٥ :‬ـ ‪ ،١٦‬وقوله‪( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫) * ‪6 5 4❁2 1 0 / . - , +‬‬ ‫‪ ﴾? > =< ; : 9 8 7‬الإسراء‪ ١٨ :‬ـ ‪،١٩‬‬ ‫وقوله‪r q p o nm l k j i h g f e﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾{ z y x w v u t s‬الشورى‪ ،٢٠ :‬وقوله‪° ̄ ® ﴿ :‬‬ ‫❁ ‪à ÂÁÀ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 ❁ o 1 ̧ ¶ ❁ ́ 3 2‬‬ ‫‪ ﴾ É È Ç Æ ❁ Ä‬النازعات‪ ٣٧ :‬ـ ‪.٤١‬‬ ‫وأنت ترى أنه تعالى بين في هذه الآيــات أن المتعلق بالآخرة الذي يفوز‬ ‫بالجنة ال بد له من أن يسعى لها ســعيها مع الإيمان التام‪ ،‬واليقين الصادق‪،‬‬ ‫وخوفه من مقام ربه‪ ،‬ونهيه النفس عن هواهــا‪ ،‬وأين هذه الأحوال ممن يغدو‬ ‫ويمسي على معصية االله تعالى غير مرعو وال مدكر؟!‪.‬‬ ‫وعجب االله تعالى عباده من ظن أن يتساوى عنده البررة والفجرة‪ ،‬فقد قال‪:‬‬ ‫﴿‪? > = <; : 9 8 7 6 5 4‬‬ ‫@ ﴾ ص‪ ،٢٨ :‬وقال‪o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 2 ± ﴿ :‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٦٥‬‬ ‫» 1⁄4 1⁄2 3⁄4 ¿‪ ﴾à  Á À‬الجاثيــة‪ ،٢١ :‬وقــال‪:‬‬ ‫﴿ 3⁄4 ¿ ‪ ﴾ Å Ä Ã Â ❁ À‬القلــم‪ ٣٥ :‬ـ ‪ ،٣٦‬وكثيــرا ما يتعلق‬ ‫الذين يمنون أنفسهم أماني المغفرة من غير توبة بأن االله وصف نفسه أنه غفور‬ ‫رحيم‪ ،‬وأن رحمته وسعت كل شــيء‪ ،‬وذهلوا عن كونه تعالى بين لمن تكون‬ ‫مغفرته‪ ،‬فقد حصر االله مغفرته في التائبيــن في قوله‪» o 1 ̧ ﴿ :‬‬ ‫1⁄4 1⁄2 3⁄4 ﴾ الإســراء‪ ،٢٥ :‬ففي هذه الآية اشــترط للمغفرة صلاح‬ ‫المغفور عليهم أوال‪ ،‬والشرط كما هو معلوم هو الذي »يلزم من عدمه العدم‪،‬‬ ‫وال يلزم من وجوده وجود وال عدم لذاته«)‪ ،(١‬وبيــن ثانيا أن مغفرته للأوابين‬ ‫دون غيرهم‪ ،‬وذلك بتقديم المعمول على العامل‪ ،‬وهو مما يفيد الحصر باتفاق‬ ‫الجميع‪ ،‬والأوابون جمع أواب‪ ،‬وهو كثير الأوبة إلى االله‪ ،‬بحيث ال يتباطأ إن‬ ‫وقع في معصية أن يقلع عنها ويتوب منها‪.‬‬ ‫ونص على هذا المفسرون كما في قول القرطبي‪» :‬وعد بالغفران مع شرط‬ ‫الصلاح والأوبة بعد الأوبة إلى طاعة االله ‪ 4‬قال سعيد بن المسيب‪ :‬هو العبد‬ ‫يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب‪ ،‬وقال ابــن عباس ‪ : ƒ‬الأواب‪ :‬الحفيظ‬ ‫الذي إذا ذكر خطاياه اســتغفر منها‪ ،‬وقال عبيد بن عميــر‪ :‬هم الذين يذكرون‬ ‫ذنوبهم في الخلاء ثم يستغفرون االله ‪ 8‬وهذه الأقوال متقاربة«)‪» ،(٢‬وقال أهل‬ ‫)‪ (١‬تشنيف المسامع بجمع الجوامع ‪ ،٧٢٠/٢‬تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية‬ ‫بحاشــية الفروق ‪ ،٦٠/١‬الفروق ‪ ،١٠٦/٢‬شرح تنقيح الفصول ‪ ،٨٢/١‬شــرح مختصر الروضة‬ ‫‪ ،٤٣٥/١‬البحر المحيط في أصــول الفقه ‪ ،٤٣٧/٤‬القواعد والفوائــد الأصولية وما يتبعها من‬ ‫الأحكام الفرعية ‪ ،١٣٠/١‬التحبير شرح التحرير ‪ ،١٠٦٧/٣‬غاية الوصول في شرح لب الأصول‬ ‫‪ ،١٣/١‬حاشية العطار ‪ ،٥٥/٢‬المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ‪ ،١٦٢/١‬المطلق والمقيد‪ ،‬لحمد‬ ‫الصاعدي ‪ ،٤٥٣/١‬المهذب في علــم أصول الفقه المقارن ‪ ،٤٣٣/١‬الشــرح الكبير لمختصر‬ ‫الأصول ‪ ،١٣٥/١‬التمهيد شــرح مختصر الأصول من علم الأصول ‪ ،١٦/١‬شــرح النيل وشفاء‬ ‫العليل ‪.١٧٦/١٥‬‬ ‫)‪ (٢‬القرطبي‪ :‬الجامع لأحكام القرآن‪.٢٤٧/١٠ ،‬‬ ‫‪٣٦٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫اللغة‪ :‬الأواب الرجاع الذي يرجع إلى التوبة والطاعة‪ ،‬من آب يؤوب إذا رجع‪.‬‬ ‫قال االله تعالى‪ ﴾ Þ Ý Ü ﴿ :‬ق‪.(١)«٣٢ :‬‬ ‫ومثله قوله تعالى‪ ﴾m l k j i h g f e ﴿ :‬طه‪،٨٢ :‬‬ ‫فقد اشترط فيه للمغفرة أربعة شروط‪ ،‬وهي التوبة‪ ،‬والإيمان‪ ،‬والعمل الصالح‪،‬‬ ‫ثم االهتداء‪ ،‬وهذا كله مما يباين الإصرار واالستمرار على المعصية‪ ،‬فأين هذه‬ ‫الأوصاف ممن يغدو ويروح علــى معصية االله تعالى غير مبــال بعواقبها وال‬ ‫مستحي من االله أن يلقاه بها؟‪.‬‬ ‫أما رحمة االله التي وسعت كل شيء‪ ،‬فقد بين االله سبحانه من يستحقها من‬ ‫عباده‪ ،‬إذ قــال‪= < ; : 98 7 6 5 ﴿ :‬‬ ‫> ? @ ‪I H G F E D❁ B A‬‬ ‫‪S R Q PO NM L K J‬‬ ‫‪] \ [ Z Y XW V U T‬‬ ‫^ _ ` ‪j i h g f e d c ba‬‬ ‫‪ ﴾p o n ml k‬الأعراف‪ ١٥٦ :‬ـ ‪ ،١٥٧‬فأنت ترى أن رحمته سبحانه‬ ‫خصصها للمتقين‪ ،‬ووصفهم بالعديد من أوصاف البر والصلاح‪ ،‬في مقدمتها‬ ‫اتباع النبي الأمي والإيمان به وتعزيره ونصرته واتباع النور الذي أنزل معه‪ ،‬ويا‬ ‫ترى هل يتحقق هذا فيمن يغدو ويروح على كبائر الإثم‪ ،‬مع الإصرار عليها؟!!‪.‬‬ ‫‪ -‬ا !‪:‬‬ ‫التوبة لغة‪ :‬بمعنى الأوبة وهي الرجوع‪ ،‬ويراد بها في الشرع‪ :‬الرجوع إلى‬ ‫االله بالإقلاع عن المعصية والتزام الطاعة‪ ،‬قال في اللسان‪» :‬التوبة‪ :‬الرجوع من‬ ‫الذنب« إلى أن قال‪» :‬وتاب إلى االله يتوب توبا وتوبة ومتابا‪ :‬أناب ورجع عن‬ ‫)‪ (١‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.٢١٩/١ ،‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٦٧‬‬ ‫المعصية إلى الطاعة«)‪ ،(١‬ونص على هذا المفسرون قال الطبري في تفسير قوله‬ ‫تعالى‪» ﴾ ô ó ﴿ :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬شــديد عقابه لمن عاقبه من أهل‬ ‫العصيان له‪ ،‬فلا تتكلوا على سعة رحمته‪ ،‬ولكن كونوا منه على حذر‪ ،‬باجتناب‬ ‫معاصيه‪ ،‬وأداء فرائضه‪ ،‬فإنه كما أن ال يؤيــس أهل الإجرام والآثام من عفوه‪،‬‬ ‫وقبول توبة من تاب منهم من جرمه‪ ،‬كذلك ال يؤمنهم من عقابه وانتقامه منهم‬ ‫بما استحلوا من محارمه‪ ،‬وركبوا من معاصيه«)‪.(٢‬‬ ‫والذي يفهم من أدلة الشرع أن التوبة إلى االله تعالى ال تتحقق إال باجتماع‬ ‫أربع أمور‪:‬‬ ‫أولها ـ وهو أهمها ـ ‪ :‬الندم‪ .‬فإن غير النادم ليــس بتائب‪ ،‬وبالندم يتحقق‬ ‫الإقلاع عن المعصية والعزم على عدم العودة إليها‪ ،‬وقد روي عن النبي ژ من‬ ‫أكثر من طريق أنه قال‪» :‬التوبة الندم«)‪ ،(٣‬وال يعني ذلك أن التوبة محصورة في‬ ‫الندم وحده‪ ،‬وأنها ال تســتلزم شــيئا آخر‪ ،‬كلا؛ وإنما الندم أهم أركانها‪ ،‬وبها‬ ‫تتحقق بقية الأركان‪.‬‬ ‫ثانيها‪ :‬الإقلاع عن المعصية‪ ،‬فإن المتمادي في معصيته ليس بتائب‪.‬‬ ‫ثالثها‪ :‬عقد العزم على عدم العودة إليها‪ ،‬كما ال تعود الألبان إلى ضروعها‪.‬‬ ‫رابعها‪ :‬طلب الغفران من االله تعالــى‪ ،‬كما قال ‪ã â ﴿ : 8‬‬ ‫‪ ﴾ å ä‬محمد‪ ،١٩ :‬وقــال‪B A @ ? > =﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ L K J I H G F E D C‬آل عمران‪،١٣٥ :‬‬ ‫)‪ (١‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.٢٣٣/١ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪ ٣٥٠/٢١ ،‬ـ ‪.٣٥١‬‬ ‫)‪ (٣‬جزء من حديث ذكره الحميدي في مســنده )‪ ٣٠١/١‬رقم‪ (٢٨٦ :‬بلفظ‪ :‬قال أبو بكر ربما قال‬ ‫سفيان بسنده‪» :‬إن كنت بذنب ألممت فاستغفر االله فإن التوبة الندم واالستغفار«‪ ،‬وكذلك روي‬ ‫بلفظ قريب عند البيهقي في شعب الإيمان )‪ ،٣٨١/٥‬رقم ‪ .(٧٠٢٧‬وأحمد )‪ ،٢٦٤/٦‬رقم ‪.(٢٦٣٢٢‬‬ ‫‪٣٦٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وقال‪ ~ } | { ﴿ :‬ے ¡ ‪¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫¦ § ̈ © ‪ ﴾ a‬النساء‪ ،٦٤ :‬وهذا الذي فهمه كثير من علماء الأمة‪.‬‬ ‫قال الطبري‪» :‬ما التوبة على االله لأحد من خلقه‪ ،‬إال للذين يعملون السوء‬ ‫من المؤمنين بجهالة ﴿ ‪ ﴾U T S R‬النســاء‪ ،١٧ :‬يقول‪ :‬ما االله براجع‬ ‫لأحد من خلقه إلى ما يحبه من العفو عنه والصفح عن ذنوبه التي سلفت منه‪،‬‬ ‫إال للذين يأتون ما يأتونه مــن ذنوبهم جهالة منهم وهــم بربهم مؤمنون‪ ،‬ثم‬ ‫يراجعون طاعة االله ويتوبون منه إلى ما أمرهم االله به من الندم عليه واالستغفار‬ ‫وترك العود إلى مثله من قبل نزول الموت بهم«)‪.(١‬‬ ‫وذكر في موضع آخر‪» :‬أن التوبة ال تكون توبة إال ممن ندم على ما سلف‬ ‫منه‪ ،‬وعزم منه على ترك المعاودة‪ ،‬وهو يعقل الندم‪ ،‬ويختار ترك المعاودة«)‪.(٢‬‬ ‫وقال ابن عطية‪» :‬وحد التوبة‪ :‬الندم على فارط فعل‪ ،‬من حيث هو معصية‬ ‫االله ‪ ، 8‬وإن كان الندم من حيــث أضر ذلك الفعل في بــدن أو ملك فليس‬ ‫بتوبة‪ ،‬فإن كان ذلك الفعل مما يمكن هذا النادم فعله في المستأنف فمن شروط‬ ‫التوبة العزم على ترك ذلك الفعل في المستأنف‪ ،‬وإال فثم إصرار ال توبة معه‪،‬‬ ‫وإن كان ذلك الفعل ال يمكنه‪ ،‬مثل أن يتوب من الزنا فيجب بأثر ذلك ونحو‬ ‫ذلك‪ ،‬فهذا ال يحتاج إلى شرط العزم على الترك«)‪.(٣‬‬ ‫وقال أيضا‪» :‬وحقيقة التوبة‪ :‬الإقلاع عن المعاصي والإقبال والرجوع إلى‬ ‫الطاعات‪ ،‬ويلزمها الندم على ما فات‪ ،‬والعزم على ملازمة الخيرات«)‪.(٤‬‬ ‫)‪ (١‬الطبري‪ ،‬جامع البيان‪.٨٨/٨ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬المرجع السابق‪.٩٧/٨ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬ابن عطية‪ ،‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪.٢٣/٢ ،‬‬ ‫)‪ (٤‬المرجع السابق‪.٣٥/٥ ،‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٦٩‬‬ ‫وقال كذلك‪» :‬والتوبة الندم على فارط المعصية والعزم على ترك مثلها في‬ ‫المستقبل‪ ،‬وهذا من المتمكن‪ ،‬وأما غير المتمكن كالمجبوب في الزنا فالندم‬ ‫وحده يكفيه«)‪.(١‬‬ ‫وذكر الرازي عن الإمام أبي حامد الغزالي أنه قال‪» :‬التوبة تتحقق من ثلاثة‬ ‫أمور مترتبة‪ ،‬علم وحال وعمل‪ ،‬فالعلم أول والحال ثان والعمل ثالث‪ ،‬والأول‬ ‫موجب للثانــي‪ ،‬والثاني موجب للثالــث إيجابا اقتضته ســنة االله في الملك‬ ‫والملكوت‪ ،‬أما العلم فهو معرفة ما في الذنب مــن الضرر وكونه حجابا بين‬ ‫العبد ورحمة الرب‪ ،‬فإذا عرف ذلك معرفة محققة حصل من هذه المعرفة تألم‬ ‫القلب بســبب فوات المحبوب‪ ،‬فإن القلب مهما شعر بفوات المحبوب تألم‪،‬‬ ‫فإذا كان فواته بفعل من جهته تأسف بسبب فوات المحبوب على الفعل الذي‬ ‫كان سببا لذلك الفوات فسمي ذلك التأســف ندما‪ ،‬ثم إن ذلك الألم إذا تأكد‬ ‫حصلت منه إرادة جازمة ولها تعلق بالحال وبالمستقبل وبالماضي‪ ،‬أما تعلقها‬ ‫بالحال فبترك الذنب الذي كان ملابسا له وأما بالمستقبل فالعزم على ترك ذلك‬ ‫الفعل المفوت للمحبوب إلى آخر العمر‪ .‬وأما بالماضي فبتلافي ما فات بالجبر‬ ‫والقضاء إن كان قابلا للجبر‪ ،‬فالعلم هو الأول وهو مطلع هذه الخيرات وأعني‬ ‫به اليقين التام بأن هذه الذنوب ســموم مهلكة‪ ،‬فهذا اليقيــن نور وهذا النور‬ ‫يوجب نار الندم فيتألم به القلب حيث أبصر بإشــراق نــور الإيمان أنه صار‬ ‫محجوبا عن محبوبه كمن يشرق عليه نور الشــمس وقد كان في ظلمة فيطلع‬ ‫النور عليه بانقشــاع السحاب‪ ،‬فرأى محبوبه قد أشــرف على الهلاك فتشتعل‬ ‫نيران الحب في قلبه فتنبعث من تلك النيران إرادته للانتهاض للتدارك‪ ،‬فالعلم‬ ‫والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال واالستقبال والتلافي للماضي ثلاثة‬ ‫معان مترتبة في الحصــول ]على التوبة[‪ .‬ويطلق اســم التوبة على مجموعها‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪.٣٣٤/٥ ،‬‬ ‫‪٣٧٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وكثيرا ما يطلق اســم التوبة على معنى النــدم وحده ويجعل العلم الســابق‬ ‫كالمقدمة والتــرك كالثمرة والتابع المتأخر‪ .‬وبهــذا االعتبار‪ ،‬قال ‪» : ‰‬الندم‬ ‫توبة«‪ ،‬إذ ال ينفك الندم عن علم أوجبــه وعن عزم يتبعه فيكون الندم محفوفا‬ ‫بطرفيه‪ ،‬أعني مثمره وثمرته«)‪.(١‬‬ ‫وقال أبو الحسن علي النيسابوري‪» :‬معنى التوبة في اللغة‪ :‬الرجوع‪ .‬وفي‬ ‫الشــريعة‪ :‬رجوع العبد من المعصية إلى الطاعة‪ ،‬فالعبد يتوب إلى االله واالله‬ ‫يتوب عليه‪ ،‬أي يرجع عليه بالمغفرة‪ ،‬والعبد تــواب إلى االله أي راجع إليه‬ ‫بالندم‪ ،‬واالله تواب يعود عليه بالكرم‪ ،‬والعبد تواب إلى االله بالســؤال‪ ،‬واالله‬ ‫تواب عليه بالنوال«)‪.(٢‬‬ ‫وذكر ابن القيم أن التوبة »تتضمن العزم على فعل المأمور والتزامه فلا‬ ‫يكون بمجرد الإقلاع والعزم والندم تائبا‪ ،‬حتى يوجــد منه العزم الجازم‬ ‫على فعل المأمــور‪ ،‬والإتيان به‪ ،‬هذا حقيقة التوبة‪ ،‬وهي اســم لمجموع‬ ‫الأمرين‪ ،‬لكنها إذا قرنت بفعل المأمور كانت عبارة عما ذكروه‪ ،‬فإذا أفردت‬ ‫تضمنت الأمرين‪ ،‬وهي كلفظة التقوى التي تقتضي عند إفرادها فعل ما أمر‬ ‫االله به‪ ،‬وترك ما نهى االله عنه‪ ،‬وتقتضي عند اقترانها بفعل المأمور االنتهاء‬ ‫عن المحظور‪.‬‬ ‫فإن حقيقة التوبة الرجوع إلى االله بالتزام فعل ما يحب‪ ،‬وترك ما يكره‪ ،‬فهي‬ ‫رجوع من مكروه إلى محبوب‪ ،‬فالرجوع إلى المحبوب جزء مسماها‪ ،‬والرجوع‬ ‫عن المكروه الجزء الآخر‪ ،‬ولهذا علق سبحانه الفلاح المطلق على فعل المأمور‬ ‫وترك المحظور بهــا‪ ،‬فقــال‪Ó Ò Ñ Ð Ï Î Í ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾Ô‬النور‪ ،٣١ :‬فكل تائب مفلح‪ ،‬وال يكون مفلحا إال من فعل ما أمر به‬ ‫)‪ (١‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪.٤٦٦/٣ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬أبو الحسن النيسابوري‪ ،‬التفسير البسيط‪.٤٠٩/٢ ،‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٧١‬‬ ‫وترك ما نهي عنه‪ ،‬وقال تعالى‪ ﴾ã â á à ß Þ ﴿ :‬الحجرات‪،١١ :‬‬ ‫وتارك المأمور ظالم‪ ،‬كما أن فاعل المحظور ظالم‪ ،‬وزوال اسم الظلم عنه إنما‬ ‫يكون بالتوبة الجامعة للأمرين«)‪.(١‬‬ ‫وقال أيضا‪» :‬فإن التائب من الذنب كمــن ال ذنب له‪ ،‬وإذا محا أثر الذنب‬ ‫بالتوبة صار وجوده كعدمه فكأَنه لم يكن‪ ،‬فيعــود إلى مثل حاله‪ .‬قالوا‪ :‬ولأَن‬ ‫التوبة هي الرجوع إلى االله بعد الإباق منه‪ ،‬فإن المعصية إباق العبد من ربه‪ ،‬فإذا‬ ‫تاب إلى االله فقد رجع إليه«)‪.(٢‬‬ ‫وقال حقي في تفسيره قول االله تعالى‪w v u t s r q ﴿ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تابوا‬ ‫ص َل ُحوا على قوله إ ‪‬ال ال‪‬ذ َ‬ ‫ين ُ‬ ‫‪ ﴾ { z y x‬النور‪» :٥ :‬وعطف قوله َوأ َ ْ‬ ‫يدل على أن التوبة وحدها وهي الندم علــى ما مضى من االرتداد والعزم‬ ‫على تركه في المســتقبل ال تكفي حتى ينضاف إليهــا العمل الصالح أي‬ ‫وأصلحوا باطنهم مع الحق بالمراقبات ومع الخلق بالمعاملات وهذا الندم‬ ‫والتوبة إنما يحصل لمن لم ترسخ فيه بعد هيئة استيلاء النفس الأمارة على‬ ‫قلبه ولم تصر رين ًا وبقي فيه من وراء حجاب صفات النفس مسكة من نور‬ ‫استعداده فيتداركه االله برحمته وتوفيقه فيندم ويواظب على الرياضات من‬ ‫باب التزكية والتصفية«)‪.(٣‬‬ ‫وقال قطب الأئمة‪» :‬والتوبة‪ :‬الرجوع‪ ،‬فتوبــة االله على عبده‪ :‬رجوعه عليه‬ ‫بالرحمة‪ ،‬وقبول ندمه‪ ،‬وتوبة العبد‪ :‬رجوعه عــن الذنب والندم عليه‪ ،‬والعزم‬ ‫على عدم العود إليه«)‪.(٤‬‬ ‫)‪ (١‬ابن القيم‪ :‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪.٣١٣/١ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬ابن القيم‪ :‬طريق الهجرتين وباب السعادتين‪ ،‬ص‪.٢٣١ :‬‬ ‫)‪ (٣‬أبو الفداء حقي‪ ،‬روح البيان‪.٥٩/٢ :‬‬ ‫)‪ (٤‬امحمد يوسف إطفيش‪ :‬هميان الزاد‪.٢٦٨/١ ،‬‬ ‫‪٣٧٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫وقال أيضا‪» :‬وإنما يحصل االستغفار بالندم‪ ،‬وأما مجرد االستغفار باللسان‪،‬‬ ‫فلا يزول بــه الذنب‪ ،‬كما ال يحصــل الذنب بخطأ اللســان‪ ،‬وكما ال يحصل‬ ‫االستغفار بخطأ اللسان باالستغفار«)‪.(١‬‬ ‫وقال أيضا‪» :‬والتوبة باحتراق القلب علــى المعصية‪ ،‬والندم والعزم على‬ ‫تركها‪ ،‬وخوف العقاب‪ ،‬ورد المظالم إن كانت عن المظلمة«)‪.(٢‬‬ ‫وقال العلامة ابن عاشور‪» :‬وأصل معنى تاب رجع ونظيره ثاب بالمثلثة‪،‬‬ ‫ولما كانت التوبة رجوعا من التائب إلى الطاعة ونبــذا للعصيان وكان قبولها‬ ‫رجوعا من المتوب إليه إلى الرضى وحســن المعاملة وصــف بذلك رجوع‬ ‫العاصي عن العصيــان ورجوع المعصي عن العقاب فقالــوا تاب فلان لفلان‬ ‫فتاب عليه لأنهم ضمنوا الثاني معنى عطف ورضى فاختلاف مفادي هذا الفعل‬ ‫باختلاف الحرف الذي يتعدى به وكان أصله مبنيا على المشاكلة«)‪.(٣‬‬ ‫وقال العلامة ابن باديس‪» :‬والتوبة‪ ،‬هي الرجوع عن الذنب وال يكون ّإال‬ ‫بالإقلاع عنه‪ ،‬واعتبر فيها الشرع الندم على ما فات‪ ،‬والعزم على عدم العود‪،‬‬ ‫وتدارك ما يمكن تداركه‪ .‬فيظهر أن الأوبة أعم من التوبة‪ :‬فتشمل من رجع‬ ‫إلى ربه تائب ًا من ذنبه‪ ،‬ومن رجع إليه يسأله ويتفرع إليه أن يرزقه التوبة من‬ ‫الذنوب«)‪.(٤‬‬ ‫وقد تحصحص من هذا أن توبة العبد إلى االله سبحانه هي رجوعه إليه بترك‬ ‫ما نهى عنه‪ ،‬وفعل ما أمر به مع الندم على ما فرط منه‪ ،‬وعقد العزم على عدم‬ ‫العودة إليه مع إصلاح ما أفســد‪ ،‬وهذا يعني أن معصيته إن كانت ترتب عليها‬ ‫)‪ (١‬المرجع السابق‪.٢٦٤/٣ ،‬‬ ‫)‪ (٢‬المرجع السابق‪.١٠٤/٦ ،‬‬ ‫)‪ (٣‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪.٤٣٨/١ :‬‬ ‫)‪ (٤‬ابن باديس‪ :‬في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير‪ ،‬ص‪.٧٦ :‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٧٣‬‬ ‫إفســاد فيما بينه وبين ربه أو بينه وبين خلقه يجب عليه أن يصلح ما أفسده‪،‬‬ ‫ويكون ذلك فيما بينه وبين ربه‪ ،‬فيما لو أمر بالمنكر أو نهى عن المعروف‪ ،‬أو‬ ‫تكلم في حكمه بغيــر علم‪ ،‬فأباح ما حرم أو حرم ما أباح‪ ،‬أو بدل شــيئا من‬ ‫أحكامه‪ ،‬فإن عليه أن يرجع في ذلك فيمحو أثر هذا الفســاد بنهيه عن المنكر‬ ‫الذي أمر به‪ ،‬وأمره بالمعروف الذي نهى عنه‪ ،‬وبيان حكم االله تعالى فيما بدل‪.‬‬ ‫وكذلك إن كان ذلك فيما بينه وبين الناس‪ ،‬ســواء ما يتعلق بأنفســهم أو‬ ‫أموالهم أو أعراضهم‪ ،‬فإن عليه أن يصلح ما أفسد‪ ،‬ويؤدي إليهم ما ترتب على‬ ‫فعله من الحقوق المفروضة لهم‪ ،‬إال إن أسقطوا ذلك الحق طواعية باختيارهم‪،‬‬ ‫ويدل على هذا ما في مســند الربيع بن حبيب عن أبي عبيدة رحمهما االله أنه‬ ‫قال‪» :‬سمعت ناسا من الصحابة يروون عن النبي ژ قال‪ :‬الذنوب على وجهين‬ ‫ذنب بين العبد وربه وذنب بين العبد وصاحبه فالذنب الذي بين العبد وربه إذا‬ ‫تاب منه كان كمن ال ذنب له وأما ذنب بينه وبين صاحبه فلا توبة له حتى يرد‬ ‫المظالم إلى أهلها«)‪.(١‬‬ ‫اال‪ gB‬ر ‪ $‬ا `‪:*.‬‬ ‫ومع هذا؛ فإن عليه أن يستغفر االله تعالى‪ ،‬لأن الإقدام على الذنب اجتراء على‬ ‫االله‪ ،‬واالستغفار هو انكسار وذل بين يديه واعتراف بالخطأ الذي وقع فيه‪ ،‬فلذلك‬ ‫ال بد منه‪ ،‬على أن التوبة المقبولة ال بد أن تكــون توبة نصوحا‪ ،‬فإنها هي التي‬ ‫تمحو الخطيئة‪ ،‬وتجلو القلب مما البســه من الرين الناشيء عن المعصية‪ ،‬ومن‬ ‫السلف من فسر التوبة النصوح باالستغفار مع الإقلاع عن المعصية وعقد العزم‬ ‫على عدم العودة إليها مع الندم‪ ،‬قال البغوي‪» :‬واختلفوا في معناها قال عمر وأبي‬ ‫ومعاذ‪» :‬التوبة النصوح« أن يتوب ثم ال يعود إلى الذنب‪ ،‬كما ال يعود اللبن إلى‬ ‫الضرع‪ .‬قال الحسن‪ :‬هي أن يكون العبد نادما على ما مضى؛ مجمعا على أال يعود‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الربيع بن حبيب )ص ‪ ٢٦٨‬رقم‪.(٦٩١ :‬‬ ‫‪٣٧٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫فيه‪ .‬قال الكلبي‪ :‬أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن‪ .‬قال سعيد بن‬ ‫المسيب‪ :‬توبة تنصحون بها أنفسكم‪ .‬قال القرظي‪ :‬يجمعها أربعة أشياء‪ :‬االستغفار‬ ‫باللسان والإقلاع بالأبدان وإضمار ترك العود«)‪.(١‬‬ ‫وعندي أن االستغفار ال بد منه للتائب‪ ،‬ويدل عليه قوله تعالى‪` ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ f e d c b a‬غافــر‪ ،٥٥ :‬وقوله‪â ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ å ä ã‬محمد‪ ،١٩ :‬والأمر للوجوب ما لم تصرفه عنه قرينة‪،‬‬ ‫وأنى بالقرينة الصارفة عنه؟! مع أن القرائن جميعا تؤكد الوجوب‪.‬‬ ‫أما ما قيل من أن االستغفار هو عين التوبة التي هي الندم والإقلاع وعقد‬ ‫العزم على عدم العودة إلى المعصية ولو لم يســتغفر بلسانه‪ ،‬فهو مردود‪ ،‬لأن‬ ‫النبي ژ أمر بأن يستغفر لذنبه وللمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬مع أنه ليس في وسعه‬ ‫أن يتوب عن المؤمنين والمؤمنات‪ ،‬فــإن التوبة أمر خاص بين العبد وربه‪ ،‬إذ‬ ‫الندم والإقلاع عن المعصية وعقد العزم على عدم العودة إليها ال يمكن إال أن‬ ‫يكون من الشخص العاصي نفسه‪ ،‬أما االستغفار باللسان فيمكنه أن يشرك معه‬ ‫غيره‪ ،‬ويؤكد ذلك أن االستغفار عطف على التوبة في العديد من الآيات كقوله‬ ‫تعالى‪ ~ } | { ❁ y x w v u ts r q p ﴿ :‬ے ¡‬ ‫‪3 2 ± ° ̄ ®¬ « a © ̈ § ¦ ¥ ¤ £ ¢‬‬ ‫ ́ ‪ ﴾ ¶ μ‬هود‪ ٢ :‬ـ ‪ ،٣‬وداللة هاتين الآيتين على وجوب االستغفار ظاهرة‬ ‫من عدة أمور‪.‬‬ ‫أولها‪ :‬ما ذكرناه مــن داللة العطف على ذلك‪ ،‬لأن العطــف يدل على تغاير‬ ‫المتعاطفين‪ ،‬إذ الشــيء ال يعطف على نفســه‪ ،‬وإنما يكفي أن يكون التغاير بين‬ ‫الجزء والكل‪ ،‬أو بين الماهية والركن‪ ،‬أو بين الشرط والمشروط‪ ،‬وبهذا تدرأ شبهة‬ ‫من يقول بأن العطف لما دل على ضرورة التغاير دل على أن التوبة غير االستغفار‪.‬‬ ‫)‪ (١‬البغوي‪ :‬تفسير البغوي‪.١٦٩/٨ :‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٧٥‬‬ ‫ثانيها‪ :‬أن االله تعالى عطف الأمر باالســتغفار على الأمر بعدم عبادة غيره‪،‬‬ ‫ومما يدرك بالبديهة أن الأمر بعدم عبادة غيــره تعالى ال يكون إال للوجوب‪،‬‬ ‫فكذلك ما عطف عليه‪.‬‬ ‫ثالثها‪ :‬أنــه تعالى رتب على مخالفــة هذا الأمر بالتولــي عنه الوعيد‬ ‫بعذاب يوم كبير‪ ،‬وكل ما ترتب عليه الوعيد فهو من كبائر الإثم‪ ،‬وتأكد هذا‬ ‫المعنى بقوله تعالى فيما حكاه من دعوة هــود ‪ ‰‬لقومه‪ ،‬وأنه قال لهم‪:‬‬ ‫﴿‪ÌËÊÉÈÇÆÅÄÃ‬‬ ‫‪ ﴾ Ó Ò Ñ Ð Ï Î Í‬هود‪ ،٥٢ :‬ومثل ذلك ما حكاه‬ ‫من قول صالح ‪ ‰‬لقومــه‪﴾ Û Ú Ù Ø ×Ö Õ Ô Ó ﴿ :‬‬ ‫هود‪ ،٦١ :‬وما حكاه عن شعيب ‪ ‰‬أنه قال لقومه‪; : 9﴿ :‬‬ ‫< => ? @ ‪ ﴾B A‬هود‪ ،٩٠ :‬وقد حكى عــن نوح ‪ ‰‬أنه قال‪:‬‬ ‫﴿ ‪ ﴾ Ó Ò Ñ Ð Ï Î‬نوح‪.١٠ :‬‬ ‫على أنه تعالى وصف المتقين باالستغفار بالأسحار عندما قال بعدما وعدهم‬ ‫الجنة‪+ * ) ( ' & % $ # " ! ﴿ :‬‬ ‫ ‪﴾2 1 0 / .‬‬‫❁‬ ‫آل عمران‪ ١٦ :‬ـ ‪ ،١٧‬وال يخفى أن على المؤمن أن يتصف بصفات أهل التقوى‪.‬‬ ‫ا ! والأو والإ‪:.‬‬ ‫إذا علمت أن التوبة هي رجوع إلى االله ســبحانه أدركت أنه ال فرق بينها‬ ‫وبين الأوبة والإنابة‪ ،‬فــإن كلا منها دال على الرجــوع‪ ،‬فالآيب هو الراجع‪،‬‬ ‫وكذلك المنيب‪.‬‬ ‫ومنهم من فرق بينها فقد حكى الهرري عن الأســئلة المقحمة أن‪» :‬الفرق‬ ‫بين التوبة والإنابة‪ :‬أن التائب يرجع إلى االله تعالى خوفًا من العقوبة‪ ،‬والمنيب‬ ‫‪٣٧٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫حياء منه‪ ،‬وشــوقًا إليه‪ ،‬قال إبراهيم بن أدهم ‪ : 5‬إذا صدق العبد في‬ ‫يرجع‬ ‫ً‬ ‫منيبا؛ لأن الإنابة ثاني في درجة التوبة‪.‬‬ ‫توبته‪ ..‬صار ً‬ ‫ثم قال‪» :‬وفي التأويلات النجمية‪ :‬التوبــة لأهل البداية‪ ،‬وهي الرجوع من‬ ‫المعصية إلى الطاعة‪ ،‬والأوبة للمتوسط‪ ،‬وهي الرجوع من الدنيا إلى الآخرة‪،‬‬ ‫والإنابة لأهل النهاية‪ ،‬وهي الرجوع مما سوى االله إلى االله‪ ،‬بالفناء في االله تعالى‪،‬‬ ‫وقال الجنيد ‪ : 5‬معنى أنيبوا إلى االله‪ :‬انقطعوا عن الكل بالكلية‪ ،‬فما يرجع‬ ‫إلينا بالحقيقة أحد )وال()‪ (١‬للغير عليه أثر‪ ،‬وللأكوان على سره خطر‪ ،‬ومن كان‬ ‫حرا مما سوانا«)‪.(٢‬‬ ‫لنا كان ً‬ ‫والظاهر أن هذه الفروق مستوحاة من وجدانيات الصوفية‪ ،‬وال دليل عليها‬ ‫من اللغة أو الشرع‪.‬‬ ‫وقال الراغب الأصفهاني‪» :‬والتوبة والأوبة واالســتغفار متقاربة وبحســب‬ ‫ما اختلفت فيها االعتبارات اختلفت عليها العبارات‪) ،‬الإنابة( الرجوع عن طريق‬ ‫الضلال إلى الهــدى‪ ،‬والأوبــة‪ :‬رجــوع القلب إلــى الحق والوقــوف عليه‪،‬‬ ‫واالستغفار‪ :‬طلب الغفران قوال وفعلا‪ ،‬أي‪ :‬تعاطي ما يغفر ما تقدم من الذنب‪،‬‬ ‫والتوبة التامة المعتد بها‪ :‬ترك الذنب‪ ،‬والندم عليه‪ ،‬وهو العزم على أن ال يعود‬ ‫إليه‪ ،‬وتدارك ما تقدم وهو رد المظالم ـ مظلمة الخلق‪ ،‬ومظلمة الخالق ـ ومظلمة‬ ‫الخالق‪ :‬هي إعادة ما ترك من العبادات وإذابة ما استفاد جسمه من الحرمات‪ ،‬أال‬ ‫ترى إلى قوله ‪» : ‰‬كل لحم نبت من سحت النار أولى به«)‪.(٤)«(٣‬‬ ‫)‪(١‬‬ ‫)‪(٢‬‬ ‫)‪(٣‬‬ ‫)‪(٤‬‬ ‫كذا في الأصل‪ ،‬والظاهر أن )ال( هنا زائدة‪.‬‬ ‫محمد الأمين الهرري‪ :‬تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن‪.٥٩/٢٥ ،‬‬ ‫لم أجده بهذا اللفظ وإنما أخرجه بلفظ‪) :‬إنه لن يدخل الجنة لحم نبت من ســحت( ســنن‬ ‫الدارمي )‪ ١٨٢٧/٣‬رقم‪ ،(٢٨١٨ :‬والترمذي )‪ ٥١٢/٢‬رقــم‪ ،(٦١٤ :‬والطبراني في الكبير )‪١٤١/١٩‬‬ ‫رقم‪ ،(٣٠٩ :‬وبلفظ قريب أخرجه أيضا الحاكم )‪ ١٤١/٤‬رقــم‪ ،(٧١٦٣ :‬وابن حبان )‪ ٩/٥‬رقم‪:‬‬ ‫‪ ،(١٧٢٣‬والبيهقي في الشعب )‪ ٢٥/١٢‬رقم‪ (٨٩٥٢ :‬و)‪ ٥٠٤/٧‬رقم‪.(٥٣٧٥ :‬‬ ‫أبو القاسم الأصفهاني‪ :‬تفسير الراغب الأصفهاني )‪.(١٦٢/١‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٧٧‬‬ ‫ا ‪ ,  ,‬وا لا‪  .‬لا‪:.‬‬ ‫يختلف حكم التوبة باختلاف حكم الذنب الذي يتاب منه‪ ،‬فقد يكون بينه‬ ‫وبين ربه‪ ،‬بحيث خفي على الناس ولم يظهر لهم‪ ،‬وقد يكون بينه وبين الناس‪،‬‬ ‫وهذا ـ أيضا ـ إما أن يكون بينه وبين خاصة من الناس‪ ،‬بحيث ال يطلع عليه إال‬ ‫القليل‪ ،‬وقد يكون قارفه على ملأ من الناس‪ ،‬واشتهر به بين الخاص والعام‪.‬‬ ‫فإن كان من الذنوب السرية بين العبد وربه‪ ،‬فعليه أن يتوب توبة سرية مما‬ ‫أتاه من تلــك المعصية‪ ،‬لأن االله يحب الســتر لعباده‪ ،‬وكذلــك إن اطلع على‬ ‫معصيته خاصة من الناس‪ ،‬فعليه أن يبين لأولئك توبته مما أتاه‪ ،‬وال يلزمه أن‬ ‫يعلن ذلك لجميع الناس‪ ،‬وهذا ما أرشــد إليه النبــي ژ بقوله‪» :‬اجتنبوا هذه‬ ‫القاذورات التي نهى االله عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر االله وليتب إلى‬ ‫االله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب االله«)‪.(١‬‬ ‫وإن كانت معصيته علانية كالظلمة المجاهرين بظلمهم وفسادهم‪ ،‬فعليه أن‬ ‫يتوب منها علانية‪ ،‬ليتحول عند الناس من ظن السوء به إلى ظن الخير‪ ،‬ومن‬ ‫البراءة منه إلى واليته‪ ،‬وهــذا الذي عناه النبي ژ بقولــه‪» :‬عليك بتقوى االله‬ ‫ما استطعت واذكر االله عند كل حجر وشجر وما عملت من سوء فأحدث الله فيه‬ ‫توبة الســر بالســر والعلانية بالعلانية«)‪ ،(٢‬فمن جاهر بمعصيته ال تجزيه توبة‬ ‫السر‪ ،‬فكم للجهر بها من أثر سيء‪ ،‬فقد تحطم الحواجز التي بين النفوس وبين‬ ‫مواقعة الفواحش بإشاعته للفاحشــة‪ ،‬وتهوين ارتكابها‪ ،‬وتزيينها للناس بفعله‬ ‫وقوله‪ ،‬فيندرج في حكم من سن سنة سيئة للناس‪ ،‬كما قال النبي ژ ‪» :‬من سن‬ ‫في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الحاكم )‪ ،٤٢٥/٤‬رقم ‪ .(٨١٥٨‬والبيهقي )‪ ،٣٣٠/٨‬رقم ‪.(١٧٣٧٩‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه أحمد في الزهد )ص ‪ ،(٢٦‬والطبراني )‪ ،١٥٩/٢٠‬رقم ‪ (٣٣١‬قال المنذرى )‪ ،(٤٨/٤‬وبلفظ‬ ‫قريب أخرجه ابــن أبي شــيبة )‪ ،٧٨/٧‬رقم ‪ ،(٣٤٣٢٥‬والبيهقي في شــعب الإيمان )‪،٤٠٥/١‬‬ ‫رقم ‪ ،(٥٤٨‬وهناد )‪ ،٥٣١/٢‬رقم ‪.(١٠٩٢‬‬ ‫‪٣٧٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل‬ ‫بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا«)‪ ،(١‬ولذلك شاهد من القرآن‪،‬‬ ‫وهو قوله تعالى‪μ ́ 3 2 ±° ̄ ® ¬ « ﴿ :‬‬ ‫¶ ̧ ﴾ العنكبوت‪ ،١٣ :‬وقوله‪±° ̄ ® ¬ «﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾1⁄2 1⁄4 » o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 2‬النحل‪.٢٥ :‬‬ ‫ومن ناحية أخرى؛ فإن المطلعين على ما أتى من الظلم والفحشاء مطالبون‬ ‫بأن يتبرأوا منه‪ ،‬وال يحل المرئ أن يعرض نفسه للبراءة‪ ،‬وإذا تاب توبة صادقة‬ ‫واســتيقنها الناس وجب عليهم أن يتولوه كما وجب عليهم أن يتبرأوا منه من‬ ‫قبل‪ ،‬لهذا كان على المتزانيين أن يبلغ كل واحد منهما الآخر بتوبته إن تاب‪،‬‬ ‫لما في ذلك من دعوة الآخر إلــى الخير‪ ،‬ونهيه عن المنكــر الذي وقع فيه‪،‬‬ ‫ولأجل أن يدرأ المبلغ عن نفسه البراءة منه‪ ،‬لأن الفاجر مطالب بالبراءة ممن‬ ‫تيقن فجوره‪ ،‬وإن كان من جنس فجوره‪.‬‬ ‫^ن ا ! ‪ 7‬الأ'ل ا  "‪:‬‬ ‫تبين مما تقدم أن التوبة إلى االله هي شعار النبيين وسبيل المتقين‪ ،‬بها يتدارك‬ ‫يتصرم‬ ‫المرء ما فاته من خير‪ ،‬ويتخلص مما أحاط به من شر‪ ،‬وال يدري امرؤ متى‬ ‫‪‬‬ ‫أجله ويحين َح ْي ُنه‪ ،‬فالليل والنهار يتقاضيان عمره‪ ،‬والأنفاس التي تتســاقط منه؛‬ ‫كل نفس منها على حســاب حياته‪ ،‬مع ما يعتريه مــن الغفلة والإهمال والطيش‬ ‫والرغبة‪ ،‬وهي جميعا تخلد به إلى الدنيــا‪ ،‬وتجتذبه إلى االنغماس في أوحالها‪،‬‬ ‫فالحزم إذ ًا أن يســارع إلى المتاب مع كل غفلة تعروه‪ ،‬وإهمال يقع منه‪ ،‬وطيش‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الطيالســي )ص ‪ ،٩٢‬رقم ‪ ،(٦٧٠‬وأحمد )‪ ،٣٥٧/٤‬رقم ‪ ،(١٩١٧٩‬ومسلم )‪،٢٠٥٩/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٠١٧‬والترمــذي )‪ ،٤٣/٥‬رقم ‪ ،(٢٦٧٥‬والنســائي )‪ ،٧٥/٥‬رقم ‪ ،(٢٥٥٤‬وابــن ماجه‬ ‫)‪ ،٧٤/١‬رقم ‪ ،(٢٠٣‬وابن حبان )‪ ١٠١/٨‬رقم ‪ ،(٣٣٠٨‬وابن أبي شــيبة )‪ ،٣٥٠/٢‬رقم ‪،(٩٨٠٣‬‬ ‫والطبراني )‪ ،٣٤٣/٢‬رقم ‪ ،(٢٤٣٧‬والبيهقي )‪ ١٧٥/٤‬رقم ‪.(٧٥٣٠‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٧٩‬‬ ‫يدفعه إلى الشر‪ ،‬ورغبة تقوده إلى تجاوز حدود االنضباط بأوامر االله ونواهيه في‬ ‫تعاطيه ما في دنياه‪ ،‬وهــذا الذي كان عليه الأنبيــاء ودرج عليه الصالحون‪ ،‬فهم‬ ‫يتوبون وإن لم يوقنوا بالذنب؛ خشية أن يكونوا واقعوه من حيث ال يدرون‪.‬‬ ‫أما الغافلون فإنهم يسترســلون في الذنوب ذنبا بعد ذنب‪ ،‬وال يفكرون في‬ ‫التوبة لأنهــم أقصوا عن تفكيرهم أمر الدار الآخرة‪ ،‬لأنهم أســارى شــهواتهم‬ ‫ونزواتهم ونزغاتهم‪ ،‬وأسارى ما أوتوه في هذه الدنيا من مال وجاه ومنزلة بين‬ ‫الناس‪ ،‬وإن ســنح لأفكارهم ذكر الدار الآخرة تناســوه بما يتخيلونه من فسحة‬ ‫الأجل‪ ،‬وامتداد الحياة‪ ،‬فــإذا ذكروا بالتوبة تهربوا بتســويفها إلى حين؛ لأنهم‬ ‫يتصورون أن التوبــة الصادقة تحول بينهــم وبين مبتغاهم من شــهوات الدنيا‬ ‫وأمانيها‪ ،‬لذلك يتصاممون عن نذيرها المذكــر بها حتى يفجأهم ريب المنون‪،‬‬ ‫هنالك يعضون على بنان الندم‪ ،‬ويتمنون أن لو اســتقبلوا مــن أمرهم ما فات‬ ‫ليفوزوا بها‪ ،‬وهؤالء هم الذين آيسهم االله تعالى من قبول التوبة بقوله‪` ﴿ :‬‬ ‫‪l k j i h g f ed c b a‬‬ ‫‪ ﴾ x w v u t sr q p o n m‬النساء‪.١٨ :‬‬ ‫وما أكثر هؤالء الذين رانت على قلوبهم المعصية‪ ،‬واستحكم في نفوسهم‬ ‫الهوى‪ ،‬فلا يلوون على قول نذير! وال ينصتون إلى صوت واعظ! لأنهم كلما‬ ‫ازدادوا انغماسا في أوحال الذنوب‪ ،‬تعسر عليهم المخرج منها‪ ،‬فلم يجدوا إلى‬ ‫الفكاك منها ســبيلا‪ ،‬ومع هذا كلــه فإنهم لو أحســنوا الجهاد مع أنفســهم‬ ‫واستبصروا بنور القرآن الهتدوا إلى المخرج من الذنوب واتسع لهم المخلص‬ ‫من التبعات‪ ،‬كيف وقد دعا االله الذين أسرفوا على أنفسهم أن يعودوا إليه غير‬ ‫قانطين من رحمته‪ ،‬ولكن من هو المجاهد لنفسه ورغباتها‪ ،‬المفكر في عواقبها‬ ‫ومآلها؟! اللهم اجعلنا من التائبين المقبولين‪ ،‬واغفــر لنا خطايانا يوم الدين‪،‬‬ ‫وأعنا على أنفسنا الأمارة بالسوء‪ ،‬واجعل لنا من كل شر مخلصا‪ ،‬ومن كل سوء‬ ‫مخرجا‪ ،‬وأعذنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة‪.‬‬ ‫‪٣٨٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ا !‪c‬‬ ‫و‪!I‬ب ا !‪:c‬‬ ‫الوصية واجبة على الإنسان الستدراك ما فاته أداؤه من حقوق االله تعالى؛‬ ‫كالكفارات وسائر الواجبات‪ ،‬أو من حقوق الناس؛ كالديون وسائر التبعات‪،‬‬ ‫فهي بهذا داخلة في ضمن التوبة إلى االله‪ ،‬وإنما وجوبها إن ضاق أداؤها في‬ ‫حياته أو خاف أن يفجأه ريب المنون قبل أن يتمكن من أدائها‪ ،‬ومن ذا الذي‬ ‫يأمن أن يفجأه ريــب المنون؟! وهو فــي كل نفس يتنفســه متوعد به‪ ،‬إذ‬ ‫ال يدري هل تكون له فســحة حتى يستعيد نفســا آخر أو أن ذلك هو آخر‬ ‫أنفاسه؟ وقد حكم عليه بذلك ممن ال راد لحكمه‪ ،‬وال معقب لقضائه‪ ،‬وال‬ ‫تبديــل لكلماتــه‪ ،‬فهــو القائــل‪t s rq p o n ﴿ :‬‬ ‫‪ ~ } | { z y xw v u‬ے ¡‪£ ¢‬‬ ‫‪ ﴾ ̈ § ¦ ¥ ¤‬آل عمران‪ ،١٨٥ :‬وقد خاطب من هو أقرب إليه‬ ‫زلفى وأعظم منه قدرا من خلقه بقوله‪Ú Ù Ø ❁ Ö Õ Ô Ó ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ Þ Ý Ü Û‬الزمر‪ ٣٠ :‬ـ ‪.٣١‬‬ ‫فكيف ال يكون االستعداد للقاء االله تعالى بالوصية بحقوقه وحقوق عباده‬ ‫أمرا محتوما‪ ،‬يجب على الإنســان في كل لحظة من عمره منذ بلوغه الحلم؟‬ ‫على أنه بجانب هذه الوصية بالحقوق والتبعات فرض االله تعالى على كل واجد‬ ‫خيرا أن يوصي لأقربيه الذين ال يرثــون‪ ،‬لتكون صلته لهم موصولة حتى بعد‬ ‫وفاته‪ ،‬فهي حق لذوي قرابته‪ ،‬نص عليه قوله تعالى‪± ° ̄ ® ﴿ :‬‬ ‫‪❁ ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4» o 1 ̧ ¶ μ ́ 3 2‬‬ ‫‪ ﴾ Ï Î Í Ì ËÊ É È Ç Æ Å Ä Ã Â Á‬البقرة‪ ١٨٠ :‬ـ ‪،١٨١‬‬ ‫وناهيك بما في أول هذا الحكم من أنه مكتوب عليهم داللة على أنه مفروض‪،‬‬ ‫فإن الكتب في اصطلاح القرآن في مقام التشريع ال يكون إال بمعنى الفرض‪،‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫‪٣٨١‬‬ ‫وكذلك ما وليه من بيان كونه حقــا على المتقين‪ ،‬ومــا كان حقا على المرء‬ ‫ال يســوغ له ترك أدائه‪ ،‬ومفهوم هذا الخطاب شــاهد على أن من لم يؤد هذا‬ ‫الحق فليس هو من المتقين‪ ،‬مع أن كل مســلم ومسلمة عليهما أن يحرصا أن‬ ‫يكونا من المتقين‪ ،‬ومثله ما تبع ذلك مــن كون تبديل ما أوصي به يبوء بإثمه‬ ‫الذي بدله وحده‪.‬‬ ‫وقد دلت دالئل الســنة والإجماع على أن الوالديــن إن كانا وارثين كان‬ ‫حقهما فــي الإرث‪ ،‬وليس لهما من الوصية شــيء‪ ،‬وبهذا يتبيــن أن المراد‬ ‫بالوالدين في الآية الكريمة هما الوالدان اللذان ال يرثان لرقهما أو شركهما‪،‬‬ ‫فإن اختــلاف الدين إن حجبهما عــن الميراث ال يحجبهما عــن حقهما في‬ ‫الوصية‪ ،‬وهذا من مصاحبتهما في الدنيا بالمعروف‪ ،‬فإطلاق الآية مقيد بدالئل‬ ‫السنة والإجماع‪.‬‬ ‫ولأهمية الوصية في الإسلام قدم االله تعالى ذكرها على الدين‪ ،‬وقدمهما‬ ‫على حقوق الورثة في التركة في أربعة مواضع من سورة النساء‪ ،‬وهي قوله‪:‬‬ ‫﴿ 1⁄2 3⁄4 ¿ ‪ ﴾ à  Á À‬النســاء‪ ،١١ :‬وقوله‪8 7 6 ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ < ; : 9‬النساء‪ ،١٢ :‬وقوله‪T S R Q ﴿ :‬‬ ‫‪ ﴾ W V U‬النساء‪ ،١٢ :‬وقوله‪ ﴾y x w v u t s ﴿ :‬النساء‪.١٢ :‬‬ ‫وجاءت السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام معززة لوجوب‬ ‫الوصية على القادر عليها‪ ،‬فقد أخرج الربيع عن أبي ســعيد الخدري ‪ ƒ‬أن‬ ‫رسول االله ژ قال‪» :‬ال يحل المرئ مســلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إال‬ ‫ووصيته مكتوبة عند رأســه«)‪ ،(١‬ومثله ما ثبت عن ابن عمر ^ عن النبي ژ‬ ‫قال‪» :‬ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إال ووصيته‬ ‫)‪ (١‬أخرجه الربيع )ص ‪ ٢٦٤‬رقم‪.(٦٧٧ :‬‬ ‫‪٣٨٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫مكتوبة عنده«)‪ ،(١‬وفي رواية من طريقه‪» :‬ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه‬ ‫يبيت ثلاث ليال إال وصيته عنده مكتوبة«)‪.(٢‬‬ ‫وإذا كان ليس من حق المسلم عندما يجد ما يوصي به أن يبيت ليلتين أو‬ ‫ثلاث ليالي إال ووصيته مكتوبة استعدادا للقاء االله تعالى‪ ،‬فكيف بمن تمر عليه‬ ‫السنون بعد السنين‪ ،‬وهو ال يفكر في الوصية مع وجدانه الأموال الطائلة التي‬ ‫لأقربيه حق فيها في محياه ومماته‪ ،‬ولربما كان عليه من الحقوق للناس ما ينوء‬ ‫به ظهره‪ ،‬وال يبالي متى يؤدي هذه الحقوق إليهم‪ ،‬مع أن داعي الرحيل يصخ‬ ‫صوته الكائنات منــذرا إياه به في ليله ونهاره‪ ،‬وفي نومــه ويقظته؟ أيطيب له‬ ‫المنام ويهنأ له العيش وهــو غير مبال بهــذا كله؟! أم أن إخــلاده إلى دنياه‬ ‫واغتراره بأمانيها أنساه أنه واحد من البشر‪ ،‬وقد خلت من قبله القرون‪ ،‬وفنيت‬ ‫قبله الأمم‪ ،‬وأن الناس جميعا في سباق إلى ورد المنون؟! أم أن زخرف الحياة‬ ‫الدنيا وهناء العيش فيها أبعد عن خياله شبح الموت الزؤام‪ ،‬فغدا ال يفكر إال‬ ‫في الحياة وال يهتم بما بعدها‪ ،‬وإن أنهكته السنون بتعاقبها‪ ،‬فضعف بعد قوته‪،‬‬ ‫وشاخ بعد شبابه‪.‬‬ ‫أال ما أنســى الإنســان لعهد ربه وأبلغ إهماله للعمل لحياته‪ ،‬كأنما هي‬ ‫محصورة في هذه الدنيا وال منقلب له إلى دار أخرى‪ ،‬فما للإنسان وهذه الغفلة‬ ‫وتناسي هذا الواجب وتعلقه بالأوهام‪:‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه مالك )‪ ،٧٦١/٢‬رقم ‪ ،(١٤٥٣‬والطيالسي )ص ‪ ،٢٥٢‬رقم ‪ ،(١٨٤١‬وابن أبي شيبة )‪،٢٢٧/٦‬‬ ‫رقم ‪ ،(٣٠٩٣١‬وأحمد )‪ ،٨٠/٢‬رقم ‪ ،(٥٥١١‬والبخاري )‪ ،١٠٠٥/٣‬رقم ‪ ،(٢٥٨٧‬ومسلم )‪،١٢٤٩/٣‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٦٢٧‬وأبــو داود )‪ ،١١٢/٣‬رقم ‪ ،(٢٨٦٢‬والترمذي )‪ ،٣٠٤/٣‬رقم ‪ ،(٩٧٤‬وقال‪ :‬حســن‬ ‫صحيح‪ .‬والنسائي )‪ ،٢٣٨/٦‬رقم ‪ (٣٦١٥‬وابن ماجه )‪ ،٩٠٢/٢‬رقم ‪.(٢٧٠٢‬‬ ‫)‪ (٢‬أخرجه عبد الرزاق )‪ ،٥٦/٩‬رقم ‪ ،(١٦٣٢٦‬ومسلم )‪ ،١٢٥٠/٣‬رقم ‪ ،(١٦٢٧‬والنسائي في الكبرى‬ ‫)‪ ،١٠٠/٤‬رقم ‪.(٦٤٤٦‬‬ ‫‪٣٨٣‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية‬ ‫أتأمل بعد شــيب الرأس عمرا‬ ‫ومــن آخيتــه قــد مــات طرا‬ ‫تظنــك خالدا تحصــي الليالي‬ ‫ومر شــهورها شــهرا فشــهرا‬ ‫فسوف يســوق أشــهرهن يوم‬ ‫يســوق إليــك مجــزرة ونحرا‬ ‫‪ P!,‬ا !‪ P!,1 c‬ا !‪:‬‬ ‫إذا تبين لك أن الوصية بهذا القدر من الأهمية في حياة الإنســان‪ ،‬لأجل‬ ‫سلامته‪ ،‬وأنها تدارك لما عسى أن يكون فاته من الخير في حياته‪ ،‬تبين لك أن‬ ‫من أسوأ الإهمال تســويفها من حال إلى حال‪ ،‬فهي كتســويف التوبة‪ ،‬وعلى‬ ‫اللبيب أن ال يعطي نفسه هواها‪ ،‬ويدعها ومناها‪ ،‬بل عليه أن يردها إلى الحق‪،‬‬ ‫ويقتادها إلى الرشد لأجل سلامتها ونجاحها‪ ،‬واالله تعالى المستعان‪.‬‬ ‫هذا؛ ولست الآن في مجال تتبع دقائق مسائل الوصية‪ ،‬أو غوامض أحكام‬ ‫التوبة‪ ،‬وإنمــا أردت بهذا التنبيه على ما يقع الناس فيــه من الخطأ بإهمالهما‬ ‫حتى تتقضى أعمارهم وهم غير مبالين بذلــك‪ ،‬وفي الحديث عن النبي ژ ‪:‬‬ ‫»الكيس من دان نفســه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفســه هواها‬ ‫وتمنى على االله«)‪.(١‬‬ ‫ومن ذا الذي ال يريد أن يكون من الأكياس‪ ،‬أو ال يربأ بنفسه أن يكون من‬ ‫العجزة‪ ،‬الذي ال يفكرون في عواقبهم؟! نسأل االله تعالى خير الدارين ونعوذ به‬ ‫من شرورهما‪.‬‬ ‫)‪ (١‬أخرجه ابن المبــارك )‪ ،٥٥/١‬رقم ‪ ،(١٧١‬والطيالســي )ص ‪ ،١٥٣‬رقم ‪ ،(١١٢٢‬وأحمد )‪،١٢٤/٤‬‬ ‫رقم ‪ ،(١٧١٦٤‬والترمذي )‪ ،٦٣٨/٤‬رقم ‪ (٢٤٥٩‬وقال‪ :‬حسن‪ .‬وابن ماجه )‪ ،١٤٢٣/٢‬رقم ‪،(٤٢٦٠‬‬ ‫وأبو نعيم في الحلية )‪ ،(٢٦٧/١‬والبيهقي )‪ ،٣٦٩/٣‬رقم ‪ ،(٦٣٠٦‬والطبراني )‪ ،٢٨١/٧‬رقم ‪،(٧١٤١‬‬ ‫والحاكم )‪ ،١٢٥/١‬رقم ‪ (١٩١‬وقال‪ :‬صحيح على شرط البخاري‪ .‬وأخرجه أيضا‪ :‬أخرجه البزار‬ ‫)‪ ٤١٧/٨‬رقم ‪ ،(٣٤٨٩‬والقضاعــي )‪ ،١٤٠/١‬رقم ‪ ،(١٨٥‬وابن أبي عاصم فــي الزهد )‪،(٣٨/١‬‬ ‫والديلمي )‪ ،٣١٠/٣‬رقم ‪.(٤٩٣٠‬‬ ‫‪٣٨٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ا !‪ c‬ال  ‪ $‬ا ‪ ،‬وإ‪ 9 -‬ال ‪:  K‬‬ ‫ربما ظن ظــان أن العبد إن أوصــى كانت وصيته صارمــة لأجله‪ ،‬مقربة‬ ‫لحتفه‪ ،‬وهذا من الخطأ البعيد‪ ،‬فكأين رأينا أحدا تعجل في الوصية ومع ذلك‬ ‫يبارك االله في عمره وتســتمر حياته ردحــا من الزمن‪ ،‬فقد أدركــت امرأة من‬ ‫العابدات الصالحات جاوز عمرها تسعين عاما‪ ،‬وعندما توفيت ظهرت وصيتها‬ ‫مكتوبة قبل ثمانيــن عاما أو ما يزيد‪ ،‬ومعنى ذلك أنهــا لم تهمل الوصية منذ‬ ‫بلوغها سن التكليف مسارعة منها إلى القيام بالواجب‪Q P O N ﴿ ،‬‬ ‫‪ ﴾ X W V U TS R‬الجمعة‪.٤ :‬‬ ‫‪٣٨٥‬‬ ‫ا ‬ ‫‪  0" 7‬م‬ ‫بعد هذه الجولــة بين أنحــاء هذه القضايا‪ ،‬وتســليط الضــوء فيها على‬ ‫الممارسات الخاطئة الناشئة عن اتباع العادات فيها‪ ،‬ال بد من تحصيل ما تقدم‪،‬‬ ‫والتأكيد على المنهج الذي يجب اتباعه لأجل تقويم المعوج‪ ،‬وتصويب الخطأ‬ ‫من عمل الناس فيه‪ ،‬وقبل لملمة شتات هذه القضايا‪ ،‬وبيان العلاج الناجح فيها‬ ‫لما يصدر عن الناس مــن الأخطاء‪ ،‬أريــد أن أؤكد للقــارئ الكريم بأن كل‬ ‫ما أوردته في هذا الكتاب من القصص ذات العبرة البالغة‪ ،‬ليست هي قصصا‬ ‫مثالية اســتوحيتها من خيال خصيب‪ ،‬وإنما هي قصص واقعية اطلعت عليها‬ ‫واستيقنت من وقوعها‪ ،‬كما أؤكد بأن هذا البعد عن الصواب في هذه القضايا‬ ‫إنما هو ناتج عن الجهل المركب بما شرع االله تعالى من الدين‪ ،‬وكيفية ممارسة‬ ‫شعائره والتزام شرائعه‪ ،‬كما أنه ينتج عن اتباع اللاحق للسابق‪ ،‬واقتفاء الآخر أثر‬ ‫الأول‪ ،‬من غير بحث وتفتيش عن الصواب‪.‬‬ ‫ومن تتبع أحوال البشر في تأريخهم الطويل وأطوارهم البعيدة؛ استيقن‬ ‫أن للعادة أثرا كبيرا في أفكار الناس وســلوكهم‪ ،‬فهي إن اســتحكمت في‬ ‫طباعهم أصبحت جزءا منها‪ ،‬إذ كثيرا ما تغدو ملكة في النفس تتعامى معها‬ ‫النفس عن كل ما تراءى لهــا من حجج الحق وبراهينــه‪ ،‬وذلك بدافع من‬ ‫التعصب الأعمى المقيت‪.‬‬ ‫‪٣٨٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ومن تأمل ما كان بين الأنبياء ‪ 1‬وبين الأمم التي بعثوا فيها من حوار‬ ‫وجدل وضحت له صورة هذا الأمر ماثلة بين عينيه‪ ،‬فقد أتى الأنبياء أممهم‬ ‫وأقوامهم بالحجج القاطعة والحق اليقين‪ ،‬واقترنت دعواتهم بمعجزات تبهر‬ ‫العقول وتدهش البصائر‪ ،‬ولكن السواد الأعظم من الناس يظل مستمسكا بما‬ ‫ألف‪ ،‬متعاميا عما أبصرته عينه ووعــاه عقله من المعجزات المتحدية لجدل‬ ‫كل معاند المســتأصلة لشــك كل مرتاب‪ ،‬ومتصامما عــن خطاب الحكمة‬ ‫الصادر من ألسنة الأنبياء موقظا لناموس الفطرة في النفس البشرية‪ ،‬وإن صخ‬ ‫أرجاء الوجود‪.‬‬ ‫فليت شــعري؛ ألم يبعث الأنبياء بالحكمة وفصــل الخطاب‪ ،‬ويؤتوا من‬ ‫ملكات البيان ما ينحط دونه طائر المعارضة والتحدي من قبل الذين أرســلوا‬ ‫إليهم؟ غير أنهم لم يجدوا ممن يصيخ إليهم ســمعه‪ ،‬ويصغي إليهم قلبه إال‬ ‫القلة النادرة من الناس‪.‬‬ ‫ألم يلبث نوح ‪ ‰‬في قومه ألف سنة إال خمسين عاما‪ ،‬يجادلهم بالتي هي‬ ‫أحســن‪ ،‬ويتخللهم بالموعظة‪ ،‬ويفتح أبصارهم وبصائرهــم على الحق الذي‬ ‫ال يماري فيه ذو نهية‪ ،‬وال يعدل عنه إال من إيفت فطرته؟‪.‬‬ ‫وقد تلون خطابه لهم بحسب ما كان يرجوه من التأثير عليهم‪ ،‬وتردد بين‬ ‫الجهر والإســرار‪ ،‬معرفا لهم بالإله الحق الذي تنادي بربوبيته ذرات الكون‪،‬‬ ‫وتشــهد بوحدانيته جزيئات الوجود‪ ،‬داعيا إياهم إلى التأمل بما يتجلى على‬ ‫صفحات الوجود من آياته البينات الدالة على صفاته العظيمة‪3 2 1 0 ﴿ ،‬‬ ‫‪D ❁ B A @ ? > = < ;❁ 9 8 7 ❁ 5 4‬‬ ‫‪T S R❁ P O N M L ❁ J I H G F E‬‬ ‫‪﴾a ` _ ^ ❁ \ [ Z Y X ❁ V U‬‬ ‫نوح‪ ١٣ :‬ـ ‪ ،٢٠‬فهو يقيــم عليهم الحجة من خلق أنفســهم‪ ،‬ومن خلق غيرهم في‬ ‫الخاتمة‪ :‬في تحصيل ما تقدم‬ ‫‪٣٨٧‬‬ ‫جميع أنحاء الكون‪ ،‬وأنى يكون شيء من ذلك لما يدعونه من دونه‪ ،‬من أوثان‬ ‫ال تسمع وال تبصر‪ ،‬وال تشــعر وال تحس‪ ،‬وال تنفع وال تدفع‪ ،‬وال تقدم وال‬ ‫تؤخر‪ ،‬وال تنطــق وال تتحرك‪ ،‬ومع ذلك كله كانوا يتواصــون بالتصامم عنه‪،‬‬ ‫وعدم االلتفات إلى دعوتــه‪~ } | { z y x w v u ﴿ ،‬‬ ‫ے ¡ ‪ ﴾ ¢‬نوح‪ ،٢٣ :‬فما آمن له إال قلة ال تكاد تعد بين الجماهير التي‬ ‫كفرت به‪Ó Ò Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë Ê É È Ç Æ ﴿ ،‬‬ ‫‪ ﴾Ö Õ Ô‬هود‪.٣٦ :‬‬ ‫وهكذا كان شأن النبيين جميعا‪) ( ' & % $ # " ! ﴿ ،‬‬ ‫* ‪ ﴾ 5 4 3 2 1 0 / . - , +‬الزخرف‪.٢٣ :‬‬ ‫وهكذا تجد أكثر الناس يخلدون إلى الهوى ويرتكسون إلى الأسفل‪ ،‬وهم‬ ‫مع ذلك كله يرون ما هم عليه هو الرشــد الذي ال يبغون به بديلا‪ ،‬ولكن مع‬ ‫ذلك يظل واجب الإرشاد والدعوة إلى الحق والتبصير بالحقيقة واجبا على كل‬ ‫أحد‪ ،‬وهذه أمراض تنشأ وتتفشى في جســم الأمة بسبب إهمالها فيتعين على‬ ‫كل قادر أن يقوم بعلاجها‪ ،‬بما آتاه االله من حكمة‪1 ̧ ¶ μ ́ ﴿ ،‬‬ ‫‪È ÇÆ Å Ä Ã Â Á À ¿ 3⁄4 1⁄2 1⁄4 » o‬‬ ‫‪ ﴾ Ï Î Í Ì Ë Ê É‬هود‪.١١٦ :‬‬ ‫وال ريب أنك ـ أخي القارئ الكريم ـ بعد تجوالك بين أنحاء هذه القضايا‬ ‫المطروحة في هذا الكتاب‪ ،‬تبين لك ـ بثاقب فهمك ونور بصيرتك ـ الحق من‬ ‫الباطل‪ ،‬وتميز عندك الصواب من الخطأ‪ ،‬لهذا أدعوك ـ بما أخذ االله عليك من‬ ‫عهد‪ ،‬وما أوجــب عليك من التواصي بالحق والتواصــي بالصبر ـ أن ال تألو‬ ‫جهدا في معالجة هذه الأخطاء‪ ،‬بدءا بتنقية ديباجة الإيمان باالله مما علق بها من‬ ‫أي لوثة تشــينها‪ ،‬وذلك برد الناس إلى صــدق هذا الإيمــان‪ ،‬وإيقانهم بأن‬ ‫ما أصابهم إنما هو بقضائه تعالى وقدره‪ ،‬وأن ســنة االله تعالى في هذه الحياة‬ ‫‪٣٨٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫الدنيا أن يجتمع للناس ســراؤها وضراؤها‪ ،‬وأن يتوارد عليهم نفعها وضرها‪،‬‬ ‫وعليه فإنه من الضرورة أن ينقوا عقولهم من أوهام أن كل ما أصابهم من ضر‬ ‫إنما هو بفعل فاعل من الإنس أو الجن‪ ،‬فــإن هذه خياالت تفتح عليهم أبوابا‬ ‫يعييهم سدها‪ ،‬وتجد من الدجالين والمشعوذين من يروج لها بين الناس‪ ،‬حتى‬ ‫يبتزوا منهم كل ما تحت أيديهم من خير وثروة‪ ،‬ليضيفوا إليهم مصائب الأموال‬ ‫مع مصائب الأجسام‪.‬‬ ‫هذا؛ مع تبصير الناس بقدر الكلام الــذي أنزله االله هدى للناس وبينات‬ ‫من الهدى والفرقان وقداســته‪ ،‬بحيث يجب الإنصات عنــد تلاوته‪ ،‬وعدم‬ ‫االلتفات إلى غيــره‪ ،‬وقطع تلاوته بخطاب أي أحد مــن الناس‪ ،‬وتوقي كل‬ ‫ما يشي بعدم توقيره من التصرفات‪ ،‬وكذلك ما يجب عليهم من تعظيم أسماء‬ ‫االله الحســنى وكلماته‪ ،‬بحيث تراعى حرماتها حيث ما وجدت مذكورة‪ ،‬ولو‬ ‫كانت في خضم كلام آخر‪ ،‬وكذلك آياته البينات أينما وجدت في أي كتاب‬ ‫كان‪ ،‬وتوقير العلم النافع أيا كان بتعظيم مصنفاته التي هي أوعيته وخزائنه‪،‬‬ ‫ال سيما العلوم الشرعية وكل ما يمت بصلة إليها‪ ،‬وتقدير العلم في حال نشره‬ ‫وإلقائه ومذاكرته وجميع المداخلات حوله‪ ،‬وإدراج هذا كله فيما يلقنه الطلبة‬ ‫من بداية مراحل تعليمهم‪.‬‬ ‫وكذلك إتقان أداء العبادات على الوجه المشروع من غير إخلال بشيء من‬ ‫واجباتها‪ ،‬وال آدابها‪ ،‬والتزام هدي الرســول ژ في ذلك بجانب االســتنارة‬ ‫بكتاب االله تعالى‪ ،‬الذي هو المصدر الأول للتشريع‪ ،‬وذلك ال يتم إال بتزود زاد‬ ‫الفقه في الدين‪ ،‬فإن االله تعالى إنما يعبد بالبصيرة ال بالجهل‪.‬‬ ‫ومراعاة الإخلاص في طلب العلم ونشــره‪ ،‬بحيث ال يطلب لشــهرة بين‬ ‫الناس‪ ،‬وال لمنفعة دنيوية‪ ،‬سواء كانت معنوية أو مادية‪ ،‬وإنما يطلب تقربا إلى‬ ‫االله تعالى‪ ،‬لأن طلبه من ضمن العبــادات‪ ،‬بل هو أساســها‪ ،‬إذ يتعذر إتقانها‬ ‫الخاتمة‪ :‬في تحصيل ما تقدم‬ ‫‪٣٨٩‬‬ ‫بدونه‪ ،‬وكذلك نشــره فإنه من القربــات إلى االله تعالى‪ ،‬فلا يبتغى به كســب‬ ‫دنيوي‪ ،‬وإنما ينشر لنفع الناس به وتبصيرهم بنوره‪ ،‬وال يحتكر عن أحد‪ ،‬ومما‬ ‫ينبغي تضافر الجهود عليه تنقية الألقاب العلمية ـ خصوصا فيما يتعلق بالعلوم‬ ‫الشــرعية وكل ما يمت بصلة إليها ـ من الدخيل‪ ،‬ال سيما ما كان منها مرتبطا‬ ‫بمفاهيم بعيدة عن الإسلام‪ ،‬واالستغناء عنها بالألقاب الإسلامية‪ ،‬هذا مع عدم‬ ‫االلتفات في الطلب وال في النشر إلى شيء من هذه الألقاب‪.‬‬ ‫ومثل ذلك بناء العلاقات االجتماعية‪ ،‬وشــد الأواصر الأســرية‪ ،‬بحسب‬ ‫تعاليم الإسلام‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق حقه في هذه العلاقات‪ ،‬فلا يغمط الرجل‬ ‫شــيئا من الحق الذي آتاه االله إياه‪ ،‬حيث جعله قواما علــى المرأة‪ ،‬وال تغمط‬ ‫المرأة شيئا من حقوقها الشرعية‪ ،‬فإن لها عليه مثل الذي عليها له بنص القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬وإنما جعل االله تعالى القوامة إليه لخصائصه التي آتاه االله إياها‪ ،‬فعليه‬ ‫إن أمسكها أن يمسكها بالمعروف‪ ،‬وإن سرحها أن يسرحها بالإحسان‪ ،‬مع عدم‬ ‫ابتزازها في الإمساك أو التسريح‪ ،‬فلا يرزأها شيئا مما آتاها وال من غيره‪.‬‬ ‫ومن الضرورة أن تبنى العلاقات االجتماعية على العفة والنزاهة والتعاون‬ ‫من الجانبين على تجنيب أفلاذ أكبادهما كل ما يضر بدينها أو دنياها‪ ،‬بحيث‬ ‫تصــان أعراضها وتقــوم أخلاقها‪ ،‬وتحفــظ كرامتها‪ ،‬وتوقى شــر ما يتربصه‬ ‫المتربصون ويضمره المفسدون فيها‪ ،‬مع توعيتها وتوعية الأسر جميعا وسائر‬ ‫فئات المجتمع بأن العرض هو أغلى ما يحافظ عليه‪ ،‬فلا يفرط فيه لأجل مطمع‬ ‫وال غيــره‪ ،‬فإن العقلاء يفــدون أعراضهــم بحياتهم‪ ،‬وال يرضــون أن تكون‬ ‫الأعراض فداء الحياة‪ ،‬ومن الضرورة أن يكون ترسيخ هذا في الناشئة من أول‬ ‫مراحل العمر‪.‬‬ ‫هذا؛ وبما أن العقل في الإنسان هو ملاك حياته‪ ،‬وجوهرة وجوده‪ ،‬وال قيمة‬ ‫له بدونه‪ ،‬فإنه يجب أن تتضافر الجهود على محاربة كل ما يقضي على العقل‪،‬‬ ‫‪٣٩٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫أو يؤثر عليه من المسكرات والمخدرات والمفترات‪ ،‬ويتبع ذلك تغيير جميع‬ ‫المنكرات ونشر أضدادها من المعروف‪ ،‬فإن الإنسان مدني بطبعه‪ ،‬اجتماعي‬ ‫بفطرته‪ ،‬ينعكس على مجتمعه ما يكون من أفراده‪ ،‬ســلبا أو إيجابا‪ ،‬ويشــمل‬ ‫أفراده ما يصدر عــن مجتمعه من خير أو شــر‪ ،‬فلذلك يجــب أن يكون بناء‬ ‫المجتمع على أسس متينة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬ ‫وبهذا تتحقق المحافظة على الدين والترابط بين أعضاء كيانه وفرائد عقده‬ ‫من المؤمنين والمؤمنات برباط الوالية ـ وهي الحب في ذات االله تعالى ـ حتى‬ ‫يكونوا جميعا كالفرد الواحد في آالمهم وآمالهم‪ ،‬وأحاسيســهم ومشاعرهم‪،‬‬ ‫يكف في إبعاد الإنسان عن‬ ‫ومبادئهم وغاياتهم‪ ،‬ورضاهم وسخطهم‪ ،‬ولهذا لم ْ‬ ‫الخسران الإيمان والعمل الصالح وحدهما حتى يضاف إليهما التواصي بالحق‬ ‫والتواصي بالصبر كما نص عليه في القرآن‪.‬‬ ‫ولما كان المال هو قوام الحياة ومحرك دفتها ووقود حركتها؛ فإن على‬ ‫الناس أن يراعوا فيه العفة والنزاهة‪ ،‬فلا يكتسبوه إال من طيبات المكاسب‪،‬‬ ‫وال ينفقــوه إال في طيبات الوجــوه ليكون دعامة خير ورشــد‪ ،‬ومصدر بر‬ ‫وإحسان‪ ،‬وهذا يعني أن يتقيدوا بشرع االله تعالى في كسب المال وإنفاقه‪ ،‬لأنه‬ ‫في الحقيقة ماله‪ ،‬فلا يتصرف فيه إال بإذنه‪ ،‬وهو أعلم بالطيب والخبيث في‬ ‫الكسب والإنفاق‪.‬‬ ‫هذا؛ وال ريب أن اللباس مكمل لفطرة الإنسان‪ ،‬ومتمم لصورته ومظهره‪،‬‬ ‫لأن االله جعله زينته وستره‪ ،‬وما الإنســان بدونه إال سوأة تسوء رائيها‪ ،‬لذلك‬ ‫كان من الضرورة التزام اللباس الشــرعي‪ ،‬الذي ال مخيلة فيه وال إســراف‪،‬‬ ‫وذلك بأن يكون ساترا للعورة‪ ،‬يحفظ للإنسان كرامته ويقيه الإهانة واالزدراء‪،‬‬ ‫ولما كانت المرأة لها خصوصيتها في طبيعتها وأحكامها كان لباسها ـ أيضا ـ‬ ‫ملائما لفطرتها‪ ،‬ومنســجما مع خصائصها‪ ،‬فلا بد أن يكون لباســا ســابغا‬ ‫الخاتمة‪ :‬في تحصيل ما تقدم‬ ‫‪٣٩١‬‬ ‫فضفاضا‪ ،‬ال يشــف وال يصف‪ ،‬يجنبهــا عيون ذوي المــرض الطامعين في‬ ‫تدنيس عرضها‪ ،‬وإهانة كرامتها‪.‬‬ ‫وتجب مراعاة أن يكون لباس الجنسين بعيدا عن التقليد لغير المسلمين‪،‬‬ ‫بل وعن تقليد الفسقة حتى من هذه الأمة نفسها‪.‬‬ ‫وقد جعل االله تعالى حاجة الإنســان إلى جميع بني جنسه حاجة ملحة‪،‬‬ ‫فلا يكاد يستغني أحد عن أحد‪ ،‬ولو أعطي الحول والتمكين‪ ،‬لهذا كان البيان‬ ‫ضرورة ملحة ليعرب به كل أحد ٍ عما في قرارة نفسه‪ ،‬ويتلقى به كل أحد عن‬ ‫غيره‪ ،‬وقد جعل االله الألسنة متفاوتة في تعبيرها‪ ،‬واختص بينها اللسان العربي‬ ‫بما طبعه عليه من قوة البيان‪ ،‬وبلاغة القول‪ ،‬وفصاحة التعبير‪ ،‬وفضله على‬ ‫غيره تفضيلا بأن جعله وعاء لكلامه المنــزل للهداية والإعجاز‪ ،‬فكان بهذا‬ ‫لسان أمة الإســلام؛ لأنها تلقت به عن االله تعالى خطابه المحكم‪ ،‬الذي هو‬ ‫مصدر فكرها واعتقادها‪.‬‬ ‫وعليه فإن من الإهانة لهذا اللســان ـ الذي فضله االله تعالى ـ أن يعدل‬ ‫المســلمون إلى غيره‪ ،‬وأن يؤثروا عليــه ما فُرض عليهم مــن قبل الذين‬ ‫تســلطوا عليهم من الأمم من الألسنة‪ ،‬التي كانت جســورا لنقل أفكارهم‬ ‫الهدامة إلى هذه الأمة‪ ،‬فما أجدر المســلمين أن يعتزوا بلغة القرآن‪ ،‬وأن‬ ‫يحافظوا عليها كما حافظ عليها ســلفهم‪ ،‬وأن تكون عندهم هي لغة العلم‬ ‫والثقافة‪ ،‬وأن ‪‬‬ ‫تشد بعضهم إلى بعض وإن تعددت ألسنتهم القومية‪ ،‬بحيث‬ ‫يجعلون هذا اللسان وحده هو وسيلة التفاهم بينهم جميعا‪ ،‬وإ ‪‬ن من العار‬ ‫على العربي ـ الذي أكرمه االله تعالى بتشريف لسانه بأن جعله لسان شرعه‬ ‫وبيانه ـ أن يؤثر على هذا اللسان لســان من تسلط عليه وعلى أمته‪ ،‬فسلبه‬ ‫وسلبها ما ألبســهم االله تعالى من لبوس التكريم والشرف والعزة‪ ،‬فإن هذا‬ ‫من استبدال الأدنى بالذي هو خير‪.‬‬ ‫‪٣٩٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫هذا؛ وال ريب أن الأخلاق في الإسلام هي القطب الذي تدور عليه شريعته‬ ‫المحكمة‪ ،‬وهي الغاية من رسالته إلى الناس‪ ،‬وقد كان النبي ژ ـ الذي أرسله االله‬ ‫إلى الكافة بشيرا ونذيرا ـ أسمى الناس خلقا‪ ،‬وألطفهم طبعا‪ ،‬وأطيبهم معاشرة‪،‬‬ ‫وقد كان خلقه هذا تجسيدا لخلق القرآن‪ ،‬وترجمة لقيم الإسلام‪ ،‬فما أجدر الأمة‬ ‫أن تستمسك بهذه الأخلاق وتحافظ عليها‪ ،‬وتربي عليها ناشئتها‪ ،‬بحيث ينشأ كل‬ ‫أحد منها على توقير الكبير والرحمة بالصغير‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬والقول‬ ‫الحسن لجميع الناس‪ ،‬والدفع بالتي هي أحسن‪ ،‬فإن هذا هو خير ما يورثه السلف‬ ‫الخلف‪ ،‬وما يتلقاه الحاضر عن الغابر‪ ،‬ويتأسى فيه الولد بوالده‪.‬‬ ‫ومن المسلم عند الجميع أن الأوالد هم أهم وأغلى ما يوهبه الإنسان من زينة‬ ‫الحياة الدنيا‪ ،‬وثروتها وعدتها‪ ،‬فأي تفريط فيهــم إنما هو تفريط في الحياة كلها‪،‬‬ ‫لهذا يجب أن يربوا على الإيمان‪ ،‬والعمل الصالح‪ ،‬ومــكارم الأخلاق‪ ،‬ومعالي‬ ‫الأمور‪ ،‬وعلى الهمم الوثابة إلى الخير‪ ،‬والعزائم المتوقدة بحرارة الإيمان‪ ،‬ليكونوا‬ ‫خير خلف لأسلافهم‪ ،‬وخير امتداد لأصولهم فتقر بهم أعينهم في الدنيا ويسعدوا‬ ‫بهم في العقبى‪ ،‬ويكونوا لهم ذكرا حسنا في محياهم ومماتهم‪.‬‬ ‫هذا؛ وإن من فضل االله تعالى على عباده ورحمته بهم أن يســر لهم السبيل‬ ‫إلى إصلاح ما فسد من أعمالهم‪ ،‬واستدراك ما فاتهم من الخير بالتوبة النصوح‬ ‫التي تجب ما قبلها من ســيئات الأعمال‪ ،‬وكذلك الوصيــة بالخير التي تفتح‬ ‫للإنسان بابا إلى فعل الخير بعد وفاته إن فاته فعله في حياته‪ ،‬وهذه فرصة متاحة‬ ‫للإنسان‪ ،‬يجب عليه أن يسارع إلى اغتنامها‪ ،‬وأن ال يفوتها بتأخيرها من اليوم‬ ‫إلى الغد‪ ،‬فإن الغد ال يدري به هل يأتيه أو ال يدركه؟ ولو أدركه فإنه ال يدري‬ ‫ما يكتنفه فيه من أحوال‪ ،‬وما يواجهه فيه من الظروف؟ فما يسنح اليوم قد يفوته‬ ‫غدا‪ ،‬فعليه أن ال يؤخر توبته من اليوم إلى الغد‪ ،‬وال من الساعة إلى ما يتبعها‪.‬‬ ‫فــدون مــدارك الآمــال رصد‬ ‫مــن الآجــال منقطــع الظنون‬ ‫‪٣٩٣‬‬ ‫الخاتمة‪ :‬في تحصيل ما تقدم‬ ‫وكذلك الوصية؛ فإنما عليه أن يبادرها فــي لحظته التي أمكنته فيها‪ ،‬قبل‬ ‫اللحظة التي تليهــا‪ ،‬وهذا عين الحزم‪ ،‬وإال فهو الإهمــال الذي قد يندم عليه‬ ‫المرء‪ ،‬والت ساعة مندم‪.‬‬ ‫وبالجملة؛ فإن على كل أحد أن يكون يقظــا حذورا حاذقا لبيبا‪ ،‬ال يؤخر‬ ‫عمل اليوم إلى الغد‪ ،‬وال ما يمكنه في لحظته إلى ما بعدها‪ ،‬ليكون غير ناس‬ ‫حظه من هذه الحياة الدنيا‪ ،‬فإن خير ما يكسبه المرء منها ما يتزوده إلى الدار‬ ‫الآخرة‪ ،‬وفي ذلك فليتنافس المتنافسون‪.‬‬ ‫وبانتهاء هذه الخاتمة؛ التي تلخص فيها ما تشعب في الكتاب‪ ،‬ننتهي بعون‬ ‫االله وتوفيقه من هذا الكتاب القيم‪ ،‬وأسأل االله سبحانه أن يتقبله مني‪ ،‬وأن يجعله‬ ‫خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن ينفع به عباده‪ ،‬ويهدي به من ضل‪ ،‬ويبصر به من‬ ‫حار‪ ،‬ويرشد به من غوي‪ ،‬إنه على كل شيء قدير‪ ،‬وصلى االله وسلم على سيدنا‬ ‫محمد‪ ،‬وعلى آله وصبحه أجمعين‪.‬‬ ‫وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين‬ ‫أحمد بن حمد الخليلي‬ ‫زنجبار‪ /‬بويجوه )بيت الوئام(‬ ‫‪ ٥‬المحرم الحرام ‪١٤٣٩‬هـ‬ ‫ا ا‪ UI‬وا در‬ ‫‪ ١‬ـ إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو العباس شهاب الدين‬ ‫أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي‬ ‫)المتوفى‪٨٤٠ :‬هـ(‪ ،‬تقديم‪ :‬فضيلة الشــيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم‪ ،‬المحقق‪ :‬دار‬ ‫المشكاة للبحث العلمي بإشراف أبو تميم ياسر بن إبراهيم‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الوطن للنشر‪،‬‬ ‫الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٢٠ ،‬هـ‪١٩٩٩/‬م‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يس‪ ،‬المؤلف‪ :‬عبد الحميد محمد بــن باديس الصنهاجي )المتوفى‪:‬‬ ‫‪ ٢‬ـ آث َا ُر ْاب ُن َباد َ‬ ‫‪١٣٥٩‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬عمار طالبي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ومكتبة الشركة الجزائرية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى )عام‬ ‫‪١٣٨٨‬هـ‪١٩٦٨/‬م(‪.‬‬ ‫‪ ٣‬ـ الأحاديث المختارة‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عبد االله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي‬ ‫المقدســي‪ ،‬دار النشــر‪ :‬مكتبة النهضة الحديثة ـ مكة المكرمة ـ ‪١٤١٠‬هـ ‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪،‬‬ ‫تحقيق‪ :‬عبد الملك بن عبد االله بن دهيش‪.‬‬ ‫‪ ٤‬ـ الإحســان في تقريب صحيح ابن حبان‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد بن حبان بن أحمد بن‬ ‫البستي )المتوفى‪٣٥٤ :‬هـ(‪ ،‬ترتيب‪:‬‬ ‫حبان بن معاذ بن َم ْع َ‬ ‫بد‪ ،‬التميمي‪ ،‬أبو حاتم‪ ،‬الدارمي‪ُ ،‬‬ ‫الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي )المتوفى‪٧٣٩ :‬هـ(‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه وعلق‬ ‫عليه‪ :‬شعيب الأرنؤوط‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٠٨ ،‬هـ‪١٩٨٨/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٥‬ـ أحكام القرآن‪ ،‬المؤلــف‪ :‬أحمد بن علي أبو بكر الــرازي الجصاص الحنفي‬ ‫)المتوفى‪٣٧٠ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد السلام محمد علي شاهين‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‬ ‫بيروت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٥ ،‬هـ‪١٩٩٤/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٦‬ـ أحكام القرآن‪ ،‬المؤلف‪ :‬القاضي محمد بن عبد االله أبو بكر بن العربي المعافري‬ ‫االشــبيلي المالكي )المتوفى‪٥٤٣ :‬هـ(‪ ،‬راجع أصوله وخرج أحاديثــه وعل‪‬ق عليه‪ :‬محمد‬ ‫عبد القادر عطا‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪١٤٢٤ ،‬هـ‪٢٠٠٣/‬م‪.‬‬ ‫‪٣٩٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ٧‬ـ إحياء علــوم الدين‪ ،‬المؤلــف‪ :‬أبو حامــد محمد بن محمد الغزالي الطوســي‬ ‫)المتوفى‪٥٠٥ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة ـ بيروت‪.‬‬ ‫‪ ٨‬ـ آداب العلمــاء والمتعلميــن‪ ،‬المؤلف‪ :‬الحســين بن المنصور باالله القاســم بن‬ ‫محمد بن علي اليمني )المتوفى‪١٠٥٠ :‬هـ(‪.‬‬ ‫‪ ٩‬ـ الأدب المفرد بالتعليقات‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد بن إســماعيل بن إبراهيم بن المغيرة‬ ‫البخاري‪ ،‬أبو عبد االله )المتوفى‪٢٥٦ :‬هـ(‪ ،‬حققه وقابله على أصوله‪ :‬سمير بن أمين الزهيري‪،‬‬ ‫مستفيدا من تخريجات وتعليقات العلامة الشيخ المحدث‪ :‬محمد ناصر الدين الألباني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ١٠‬ـ إعجــاز القرآن والبلاغة النبويــة‪ ،‬المؤلف‪ :‬مصطفى صادق بــن عبد الرزاق بن‬ ‫ســعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي )المتوفى‪١٣٥٦ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي ـ‬ ‫بيروت‪ ،‬الطبعة الثامنة ـ ‪١٤٢٥‬هـ‪٢٠٠٥/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١١‬ـ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد‬ ‫شــمس الدين ابن قيم الجوزية )المتوفى‪٧٥١ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد حامد الفقي‪ ،‬الناشر‪:‬‬ ‫مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫‪ ١٢‬ـ الأغاني‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو الفرج الأصبهاني‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر ـ‬ ‫لبنان‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي مهنا وسمير جابر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الم ْعلِم ِ َبف َوائِد ِ ُم ْسلِم؛ َش ْر ُح َص ِحيح ُم ْسلِمِ‪ ،‬المؤلف‪ :‬عياض بن موسى بن‬ ‫كم ُ‬ ‫‪ ١٣‬ـ إ َ‬ ‫ال ُ‬ ‫عياض بن عمرون اليحصبي الســبتي‪ ،‬أبو الفضل )المتوفــى‪٥٤٤ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬الدكتور‬ ‫يحيى ِإســم ِ‬ ‫اعيل‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الوفاء للطباعة والنشــر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪،‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫‪١٤١٩‬هـ‪١٩٩٨/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٤‬ـ أمالي ابن الشــجري‪ ،‬المؤلف‪ :‬ضياء الدين أبو الســعادات هبة االله بن علي بن‬ ‫حمزة‪ ،‬المعروف بابن الشــجري )المتوفــى‪٥٤٢ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬الدكتــور محمود محمد‬ ‫الطناحي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٣ ،‬هـ‪١٩٩١/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٥‬ـ الأمثــال‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو ُعبيد القاســم بن ســلاّم بن عبد االله الهــروي البغدادي‬ ‫)المتوفى‪٢٢٤ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬الدكتور عبد المجيد قطامش‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار المأمون للتراث‪،‬‬ ‫الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٠٠ ،‬هـ‪١٩٨٠/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٦‬ـ الأمر بالمعروف والنهــي عن المنكر‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو بكــر عبد االله بن محمد بن‬ ‫عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشــي المعروف بابن أبي الدنيا )المتوفى‪:‬‬ ‫المراجع والمصادر‬ ‫‪٣٩٧‬‬ ‫‪٢٨١‬هـ( تحقيق‪ :‬صلاح بن عايض الشلاحي الناشر‪ :‬مكتبة الغرباء الأثرية‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة‪:‬‬ ‫الأولى‪١٤١٨ ،‬هـ‪١٩٩٧/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٧‬ـ الإيضاح‪ ،‬المؤلف‪ :‬الشــيخ عامر بن علي الشــماخي‪ ،‬وزارة التــراث القومي‬ ‫والثقافة‪١٤١٧ ،‬هـ‪١٩٩٦/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٨‬ـ البحر المحيط فــي أصول الفقه‪ ،‬المؤلــف‪ :‬أبو عبد االله بــدر الدين محمد بن‬ ‫عبد االله بــن بهادر الزركشــي )المتوفى‪٧٩٤ :‬هـ(‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الكتبــي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪،‬‬ ‫‪١٤١٤‬هـ‪١٩٩٤/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٩‬ـ البداية والنهاية‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري‬ ‫ثم الدمشقي )المتوفى‪٧٧٤ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬عام النشر‪١٤٠٧ :‬هـ‪١٩٨٦/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٢٠‬ـ البصائر والذخائــر‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو حيان التوحيــدي‪ ،‬علي بن محمد بن العباس‬ ‫)المتوفى‪ :‬نحو ‪٤٠٠‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬وداد القاضي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار صادر ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬ ‫الأولى‪١٤٠٨ ،‬هـ‪١٩٨٨/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٢١‬ـ بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو محمد الحارث بن محمد بن‬ ‫داهر التميمي البغدادي الخصيب المعروف بابن أبي أســامة )المتوفى‪٢٨٢ :‬هـ(‪ ،‬المنتقي‪:‬‬ ‫أبو الحســن نور الدين علي بــن أبي بكر بن ســليمان بن أبي بكر الهيثمــي )المتوفى‪:‬‬ ‫‪٨٠٧‬هـ(‪ .‬المحقق‪ :‬د‪ .‬حسين أحمد صالح الباكري‪.‬‬ ‫‪ ٢٢‬ـ تاريخ جرجان‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي القرشي‬ ‫الجرجاني )المتوفى‪٤٢٧ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬تحت مراقبة محمد عبد المعيد خان‪ ،‬الناشر‪ :‬عالم‬ ‫الكتب ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة ‪١٤٠٧‬هـ‪١٩٨٧/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٢٣‬ـ تاريخ دمشق‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو القاسم علي بن الحســن بن هبة االله المعروف بابن‬ ‫عساكر )المتوفى‪٥٧١ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬عمرو بن غرامة العمروي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر للطباعة‬ ‫والنشر والتوزيع‪ ،‬عام النشر‪١٤١٥ :‬هـ‪١٩٩٥/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٢٤‬ـ التحبير شرح التحرير في أصول الفقه‪ ،‬المؤلف‪ :‬علاء الدين أبو الحسن علي بن‬ ‫ســليمان المــرداوي الدمشــقي الصالحــي الحنبلــي )المتوفــى‪٨٨٥ :‬هـ(‪ ،‬المحقــق‪:‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرحمن الجبرين‪ ،‬د‪ .‬عوض القرني‪ ،‬د‪ .‬أحمد الســراح‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة الرشــد ـ‬ ‫السعودية ‪ /‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٢١ ،‬هـ‪٢٠٠٠/‬م‪.‬‬ ‫‪٣٩٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ٢٥‬ـ التحرير والتنوير »تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب‬ ‫المجيد«‪ ،‬المؤلــف‪ :‬محمد الطاهر بــن محمد بن محمد الطاهر بن عاشــور التونســي‬ ‫)المتوفى‪١٣٩٣ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬الدار التونسية للنشر ـ تونس‪ ،‬سنة النشر‪١٩٨٤ :‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ٢٦‬ـ تحفة الأعيان بســيرة أهل ُعمان‪ ،‬المؤلف‪ :‬الإمام نور الدين الســالمي‪ .‬مطبعة‬ ‫الشباب القاهرة‪١٣٥٠ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ٢٧‬ـ تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري‪ ،‬اسم المؤلف‪:‬‬ ‫جمال الدين عبد االله بن يوسف بن محمد الزيلعي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار ابن خزيمة ـ الرياض ـ‬ ‫‪١٤١٤‬هـ ‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد االله بن عبد الرحمن السعد‪.‬‬ ‫‪ ٢٨‬ـ التذكرة الحمدونية‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون‪،‬‬ ‫أبو المعالي‪ ،‬بهاء الدين البغدادي )المتوفى‪٥٦٢ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬ ‫الأولى‪١٤١٧ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ٢٩‬ـ الترغيب والترهيب من الحديث الشريف‪ ،‬المؤلف‪ :‬عبد العظيم بن عبد القوي‬ ‫المنذري أبو محمد‪ ،‬تحقيق‪ :‬إبراهيم شمس الدين‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الكتب العلمية ـ بيروت‬ ‫ـ ‪١٤١٧‬هـ ‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪.‬‬ ‫‪ ٣٠‬ـ تشنيف المسامع بجمع الجوامع لتاج الدين السبكي‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عبد االله بدر‬ ‫الدين محمد بن عبد االله بن بهادر الزركشي الشــافعي )المتوفى‪٧٩٤ :‬هـ(‪ ،‬دراسة وتحقيق‪:‬‬ ‫د‪ .‬سيد عبد العزيز ـ د‪ .‬عبد االله ربيع‪ ،‬المدرسان بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة‬ ‫الأزهر‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة قرطبة للبحث العلمــي وإحياء التراث ـ توزيــع المكتبة المكية‪،‬‬ ‫الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٨ ،‬هـ‪١٩٩٨/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٣١‬ـ تغريب الألقاب العلمية‪ ،‬المؤلف‪ :‬بكر بن عبد االله أبو زيد‪.‬‬ ‫‪ ٣٢‬ـ تفســير ابن باديس »في مجالس التذكير من كلام الحكيــم الخبير«‪ ،‬المؤلف‪:‬‬ ‫عبد الحميد محمد بن باديس الصنهاجي )المتوفى‪١٣٥٩ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬علق عليه وخرج‬ ‫آياته وأحاديثه أحمد شــمس الدين‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة‪:‬‬ ‫الأولى‪١٤١٦ ،‬هـ‪١٩٩٥/‬م‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ــيط‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو الحســن علي بن أحمد بن محمد بن علي‬ ‫ــير َ‬ ‫البس ْ‬ ‫‪ ٣٣‬ـ الت‪‬فْ س ُ‬ ‫الواحدي‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬الشــافعي )المتوفى‪٤٦٨ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬أصل تحقيقه في )‪(١٥‬‬ ‫رسالة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود‪ ،‬ثم قامت لجنة علمية من الجامعة بسبكه‬ ‫المراجع والمصادر‬ ‫‪٣٩٩‬‬ ‫وتنســيقه‪ ،‬الناشــر‪ :‬عمادة البحث العلمي ـ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية‪،‬‬ ‫الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٣٠ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ٣٤‬ـ تفسير الراغب الأصفهاني‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو القاســم الحسين بن محمد المعروف‬ ‫بالراغب الأصفهانى )المتوفى‪٥٠٢ :‬هـ(‪ ،‬جزء ‪ :١‬المقدمة وتفســير الفاتحة والبقرة‪ ،‬تحقيق‬ ‫ودراسة‪ :‬د‪ .‬محمد عبد العزيز بسيوني‪ ،‬الناشر‪ :‬كلية الآداب ـ جامعة طنطا‪ ،‬الطبعة الأولى‪:‬‬ ‫‪١٤٢٠‬هـ‪١٩٩٩/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٣٥‬ـ تفسير الســمرقندي المســمى بحر العلوم‪ ،‬المؤلف‪ :‬نصر بن محمد بن أحمد‬ ‫أبو الليث السمرقندي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمود مطرجي‪.‬‬ ‫‪ ٣٦‬ـ تفسير القرآن الحكيم )تفســير المنار(‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد رشيد بن علي رضا بن‬ ‫محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني )المتوفى‪:‬‬ ‫‪١٣٥٤‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬سنة النشر‪١٩٩٠ :‬م‪.‬‬ ‫‪ ٣٧‬ـ تفسير القرآن العظيم‪ ،‬المؤلف‪ :‬إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء‪،‬‬ ‫دار النشر‪ :‬دار الفكر ـ بيروت ـ ‪١٤٠١‬هـ ‪.‬‬ ‫مسندا عن رســول االله ژ والصحابة والتابعين‪ ،‬المؤلف‪:‬‬ ‫‪ ٣٨‬ـ تفسير القرآن العظيم‬ ‫ً‬ ‫ابن أبي حاتم؛ عبد الرحمن بن محمد بن إدريس التميمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أسعد محمد الطيب‪،‬‬ ‫المكتبة العصرية ـ بيروت‪ ،‬ط‪١٤٢٤ :٣‬هـ‪٢٠٠٣/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٣٩‬ـ تفســير المراغي‪ ،‬المؤلف‪ :‬أحمد بــن مصطفى المراغــي )المتوفى‪١٣٧١ :‬هـ(‪،‬‬ ‫الناشــر‪ :‬شــركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده بمصــر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪،‬‬ ‫‪١٣٦٥‬هـ‪١٩٤٦/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٤٠‬ـ تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن‪ ،‬المؤلف‪ :‬الشيخ العلامة‬ ‫محمد الأمين بن عبد االله الأرمي العلوي الهرري الشافعي‪ ،‬إشراف ومراجعة‪ :‬الدكتور هاشم‬ ‫محمد علي بن حسين مهدي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار طوق النجاة‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪،‬‬ ‫‪١٤٢١‬هـ‪٢٠٠١/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٤١‬ـ التمهيــد ـ شــرح مختصر الأصــول من علم الأصــول‪ ،‬المؤلــف‪ :‬أبو المنذر‬ ‫محمود بن محمد بن مصطفى بن عبد اللطيف المنياوي‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة الشاملة‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٣٢ ،‬هـ‪٢٠١١/‬م‪.‬‬ ‫‪٤٠٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ٤٢‬ـ تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية‪ ،‬المؤلف‪ :‬الشيخ محمد بن‬ ‫علي بن حســين مفتي المالكية بمكة المكرمة )‪١٣٦٧‬هـ(‪ ،‬وفيها اختصر الفروق ولخصه‬ ‫وهذبه ووضح بعض معانيه‪ ،‬والكتاب من ضمن طبعة كتاب الفروق أنوار البروق في أنواء‬ ‫الفروق‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو العباس شــهاب الدين أحمد بن إدريس بــن عبد الرحمن المالكي‬ ‫الشهير بالقرافي )المتوفى‪٦٨٤ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬عالم الكتب‪ ،‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬ ‫‪ ٤٣‬ـ تيسير التفسير‪ ،‬المؤلف‪ :‬امحمد بن يوسف أطفيش )قطب الأئمة(‪ ،‬وزارة التراث‬ ‫القومي والثقافة ـ سلطنة ُعمان‪ ،‬ط‪١٤٠٦ :‬هـ‪١٩٨٦/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٤٤‬ـ تيســير التفســير‪ ،‬امحمد بن يوســف اطفيش )قطب الأئمة(‪ ،‬تحقيق وإخراج‪:‬‬ ‫إبراهيم بن محمد طلاي‪ ،‬المطبعة العربية‪ ،‬غرداية ـ الجزائر‪ ،‬ط‪١٤١٧ :٢‬هـ‪١٩٩٧/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٤٥‬ـ جامع البيان فــي تأويل القرآن‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد بــن جرير بن يزيد بن كثير بن‬ ‫غالب الآملي‪ ،‬أبو جعفر الطبري )المتوفى‪٣١٠ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬الناشر‪:‬‬ ‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٢٠ ،‬هـ‪٢٠٠٠/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٤٦‬ـ الجامع الصحيح مســند الإمام الربيع بن حبيب‪ ،‬المؤلف‪ :‬الربيع بن حبيب بن‬ ‫عمر الأزدي البصري‪ ،‬دار النشــر‪ :‬دار الحكمة‪ ،‬مكتبة االستقامة ـ بيروت‪ ،‬سلطنة ُعمان ـ‬ ‫‪١٤١٥‬هـ ‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد إدريس‪ ،‬عاشور بن يوسف‪.‬‬ ‫‪ ٤٧‬ـ الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول االله ژ وسننه وأيامه‪ ،‬صحيح‬ ‫البخاري‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد بن إســماعيل أبو عبد االله البخاري الجعفــي‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد‬ ‫زهير بن ناصر الناصر‪ ،‬الناشر‪ :‬دار طوق النجاة )مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم‬ ‫محمد فؤاد عبد الباقي(‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٢٢ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ٤٨‬ـ الجامع لأحكام القرآن )تفسير القرطبي(‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عبد االله محمد بن أحمد بن أبي‬ ‫بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شــمس الديــن القرطبي )المتوفــى‪٦٧١ :‬هـ(‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد‬ ‫البردوني وإبراهيم أطفيش‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب المصرية ـ القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪١٣٨٤ ،‬هـ‪١٩٦٤/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٤٩‬ـ جمهرة خطب العرب‪ ،‬اســم المؤلف‪ :‬أحمد زكي صفوت‪ ،‬دار النشــر‪ :‬المكتبة‬ ‫العلمية ـ بيروت‪.‬‬ ‫‪ ٥٠‬ـ جمهرة مقاالت الأســتاذ محمود محمد شــاكر‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمود محمد شاكر‪،‬‬ ‫جمعها وقرأها وقدم لها‪ :‬الدكتور عادل سليمان جمال‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة ـ‬ ‫جمهورية مصر العربية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪٢٠٠٣ ،‬م‪.‬‬ ‫المراجع والمصادر‬ ‫‪٤٠١‬‬ ‫‪ ٥١‬ـ جوهــر النظام في علمي الأديــان والأحكام‪ ،‬نور الدين أبــي محمد عبد االله بن‬ ‫حميد بن سلوم السالمي العماني‪ ،‬تحقيق أبو إسحاق إبراهيم اطفيش‪ ،‬دار الفاروق للطباعة‬ ‫والنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫‪ ٥٢‬ـ حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع‪ ،‬المؤلف‪ :‬حسن بن‬ ‫محمد بن محمود العطار الشافعي )المتوفى‪١٢٥٠ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪:‬‬ ‫بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬ ‫‪ ٥٣‬ـ حليــة الأولياء وطبقــات الأصفياء‪ ،‬المؤلــف‪ :‬أبو نعيم أحمد بــن عبد االله بن‬ ‫أحمد بن إسحاق بن موســى بن مهران الأصبهاني )المتوفى‪٤٣٠ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬السعادة ـ‬ ‫بجوار محافظة مصر‪١٣٩٤ ،‬هـ‪١٩٧٤/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٥٤‬ـ دروس صوتية للشــيخ ســلمان بن فهد بن عبد االله العودة‪ ،‬قــام بتفريغها موقع‬ ‫الشبكة الإسلامية‪ ،‬المكتبة الشاملة‪.‬‬ ‫‪ ٥٥‬ـ دروس صوتية للشــيخ صالح بن عبد االله بن حميد‪ ،‬قام بتفريغها موقع الشبكة‬ ‫الإسلامية‪ ،‬المكتبة الشاملة‪.‬‬ ‫‪ ٥٦‬ـ روح البيان‪ ،‬المؤلف‪ :‬إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي‪،‬‬ ‫المولى أبو الفداء )المتوفى‪١١٢٧ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر ـ بيروت‪.‬‬ ‫‪ ٥٧‬ـ روح المعاني في تفســير القرآن العظيم والسبع المثاني‪ ،‬المؤلف‪ :‬شهاب الدين‬ ‫محمود بن عبد االله الحسيني الألوسي )المتوفى‪١٢٧٠ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬علي عبد الباري عطية‪،‬‬ ‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٥ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ٥٨‬ـ الزاهر في معاني كلمات الناس‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد بن القاسم بن محمد بن بشار‪،‬‬ ‫أبو بكر الأنباري )المتوفى‪٣٢٨ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬حاتم صالح الضامن‪ ،‬الناشــر‪ :‬مؤسسة‬ ‫الرسالة ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٢ ،‬هـ‪١٩٩٢/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٥٩‬ـ الزرنوجي‪ :‬تعليم المتعلم طرق التعليم‪) ،‬مخطوطة(‪.‬‬ ‫الس ِري بن مصعب بن أبي بكر بن شبر بن‬ ‫الس ِري َهن‪‬اد بن ‪‬‬ ‫‪ ٦٠‬ـ الزهد‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو ‪‬‬ ‫صعفوق بن عمرو بن زرارة بن عدس بن زيد التميمي الدارمي الكوفي )المتوفى‪٢٤٣ :‬هـ(‪،‬‬ ‫المحقق‪ :‬عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الخلفاء للكتاب الإســلامي ـ‬ ‫الكويت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٠٦ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪٤٠٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ٦١‬ـ الزواجر عن اقتراف الكبائر‪ ،‬المؤلف‪ :‬أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي‬ ‫السعدي الأنصاري‪ ،‬شهاب الدين شيخ الإسلام‪ ،‬أبو العباس )المتوفى‪٩٧٤ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬ ‫الفكر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٠٧ ،‬هـ‪١٩٨٧/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٦٢‬ـ سنن ابن ماجه‪ ،‬المؤلف‪ :‬ابن ماجه أبو عبد االله محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬وماجه‬ ‫اسم أبيه يزيد )المتوفى‪٢٧٣ :‬هـ(‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء الكتب‬ ‫العربية ـ فيصل عيسى البابي الحلبي‪.‬‬ ‫‪ ٦٣‬ـ سنن الترمذي‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاك‪،‬‬ ‫الترمذي‪ ،‬أبو عيســى )المتوفى‪٢٧٩ :‬هـ(‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬أحمد محمد شاكر )ج ‪،(٢ ،١‬‬ ‫ومحمد فؤاد عبد الباقــي )ج ‪ ،(٣‬وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشــريف‬ ‫)ج ‪ ،(٥ ،٤‬الناشر‪ :‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ـ مصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪،‬‬ ‫‪١٣٩٥‬هـ‪١٩٧٥/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٦٤‬ـ ســنن الدارقطني‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو الحســن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن‬ ‫مســعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني )المتوفى‪٣٨٥ :‬هـ(‪ ،‬حققه وضبط نصه‬ ‫وعلق عليه‪ :‬شــعيب االرنؤوط‪ ،‬حســن عبد المنعم شــلبي‪ ،‬عبد اللطيف حرز االله‪ ،‬أحمد‬ ‫برهوم‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٢٤ ،‬هـ‪٢٠٠٤/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٦٥‬ـ السنن الكبرى‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني‪،‬‬ ‫النسائي )المتوفى‪٣٠٣ :‬هـ(‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه‪ :‬حسن عبد المنعم شلبي‪ ،‬أشرف عليه‪:‬‬ ‫شــعيب الأرناؤوط‪ ،‬قدم له‪ :‬عبد االله بن عبد المحسن التركي‪ ،‬الناشــر‪ :‬مؤسسة الرسالة ـ‬ ‫بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٢١ ،‬هـ‪٢٠٠١/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٦٦‬ـ سيد قطب الشاربي؛ إبراهيم حســين‪ :‬في ظلال القرآن‪ ،‬دار الشروق ـ القاهرة‪،‬‬ ‫ط‪١٤٢٥ :٣٥‬هـ‪٢٠٠٥/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٦٧‬ـ السير‪ ،‬المؤلف‪ :‬البدر الشماخي‪ .‬المطبعة البارونية‪ .‬القاهرة‪ .‬مصر‪١٣٠١ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ٦٨‬ـ شامل الأصل والفرع‪ ،‬قطب الأئمة‪ ،‬امحمد بن يوســف اطفيش‪ ،‬وزارة التراث‬ ‫القومي والثقافة ـ سلطنة ُعمان‪ ،‬ط‪١٤٢٨ :‬هـ‪٢٠٠٧/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٦٩‬ـ الشــرح الكبيــر لمختصر الأصــول من علم الأصــول‪ ،‬المؤلــف‪ :‬أبو المنذر‬ ‫محمود بن محمد بن مصطفى بن عبد اللطيف المنياوي‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة الشاملة‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٣٢ ،‬هـ‪٢٠١١/‬م‪.‬‬ ‫المراجع والمصادر‬ ‫‪٤٠٣‬‬ ‫‪ ٧٠‬ـ شرح النيل وشــفاء العليل‪ ،‬امحمد بن يوســف اطفيش‪ ،‬وزارة التراث القومي‬ ‫والثقافة‪١٤٠٧ ،‬هـ‪١٩٨٧/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٧١‬ـ شرح تنقيح الفصول‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو العباس شــهاب الدين أحمد بن إدريس بن‬ ‫عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي )المتوفى‪٦٨٤ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪،‬‬ ‫الناشر‪ :‬شركة الطباعة الفنية المتحدة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٣٩٣ ،‬هـ‪١٩٧٣/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٧٢‬ـ شــرح مختصر الروضة‪ ،‬المؤلف‪ :‬ســليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي‬ ‫الصرصري‪ ،‬أبو الربيع‪ ،‬نجم الدين )المتوفى‪٧١٦ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد االله بن عبد المحسن‬ ‫التركي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٠٧ ،‬هـ‪١٩٨٧/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٧٣‬ـ شــرح معاني الآثــار‪ ،‬المؤلــف‪ :‬أبو جعفــر أحمد بن محمد بن ســلامة بن‬ ‫عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي )المتوفى‪٣٢١ :‬هـ(‪،‬‬ ‫حققه وقدم له‪) :‬محمد زهري النجار ـ محمد سيد جاد الحق( من علماء الأزهر الشريف‪،‬‬ ‫راجعه ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه‪ :‬د‪ .‬يوســف عبد الرحمن المرعشلي ـ الباحث بمركز‬ ‫خدمة السنة بالمدينة النبوية‪ ،‬الناشر‪ :‬عالم الكتب‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى ـ ‪١٤١٤‬هـ‪١٩٩٤/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٧٤‬ـ شــرح نهج البلاغة‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو حامد عــز الدين بن هبــة االله بن محمد بن‬ ‫محمد بن أبــي الحديد المدائنــي‪ ،‬دار النشــر‪ :‬دار الكتــب العلميــة ـ بيروت ‪ /‬لبنان ـ‬ ‫‪١٤١٨‬هـ‪١٩٩٨/‬م‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد الكريم النمر‪.‬‬ ‫‪ ٧٥‬ـ شعب الإيمان‪ ،‬المؤلف‪ :‬أحمد بن الحســين بن علي بن موسى الخُ ْس َر ْوجِردي‬ ‫الخراســاني‪ ،‬أبو بكر البيهقي )المتوفى‪٤٥٨ :‬هـ(‪ ،‬حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه‪:‬‬ ‫الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد‪ ،‬أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه‪ :‬مختار أحمد‬ ‫الندوي‪ ،‬صاحب الدار الســلفية ببومباي ـ الهند‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة الرشــد للنشر والتوزيع‬ ‫بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٢٣ ،‬هـ‪٢٠٠٣/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٧٦‬ـ صحيــح ابــن خزيمة‪ ،‬المؤلــف‪ :‬أبو بكــر محمد بن إســحاق بن خزيمة بن‬ ‫المغيرة بن صالح بن بكر الســلمي النيســابوري )المتوفى‪٣١١ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬محمد‬ ‫مصطفى الأعظمي‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتب الإسلامي ـ بيروت‪.‬‬ ‫‪ ٧٧‬ـ الضعفاء الكبير‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي‬ ‫المكي )المتوفى‪٣٢٢ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد المعطي أمين قلعجي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المكتبة العلمية‬ ‫ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٠٤ ،‬هـ‪١٩٨٤/‬م‪.‬‬ ‫‪٤٠٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ٧٨‬ـ طريق الهجرتين وباب الســعادتين‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن‬ ‫سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية )المتوفى‪٧٥١ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬دار السلفية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫الطبعة‪ :‬الثانية‪١٣٩٤ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ٧٩‬ـ العقد الفريد‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عمر‪ ،‬شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن‬ ‫حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي )المتوفى‪٣٢٨ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬ ‫الكتب العلمية ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٠٤ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ٨٠‬ـ غاية الوصول في شــرح لب الأصول‪ ،‬المؤلــف‪ :‬زكريا بن محمد بن أحمد بن‬ ‫زكريا الأنصاري‪ ،‬زين الدين أبو يحيى الســنيكي )المتوفى‪٩٢٦ :‬هـ(‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الكتب‬ ‫العربية الكبرى‪ ،‬مصر )أصحابها‪ :‬مصطفى البابي الحلبي وأخويه(‪.‬‬ ‫‪ ٨١‬ـ غرائب القرآن ورغائب الفرقان‪ ،‬المؤلف‪ :‬نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين‬ ‫القمي النيسابوري )المتوفى‪٨٥٠ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬الشيخ زكريا عميرات‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬ ‫العلميه ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى ـ ‪١٤١٦‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ٨٢‬ـ فتاوى السبكي‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو الحســن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي‬ ‫)المتوفى‪٧٥٦ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعارف‪.‬‬ ‫‪ ٨٣‬ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬المؤلف‪ :‬أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل‬ ‫العسقلاني الشافعي الوفاة‪٨٥٢ :‬هـ ‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬محب الدين الخطيب‪.‬‬ ‫‪ ٨٤‬ـ القاموس المحيط‪ ،‬المؤلف‪ :‬مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي‬ ‫)المتوفى‪٨١٧ :‬هـ(‪ ،‬تحقيق‪ :‬مكتب تحقيق التراث في مؤسســة الرسالة‪ ،‬بإشراف‪ :‬محمد‬ ‫العرقسوســي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرســالة للطباعة والنشــر والتوزيع‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪،‬‬ ‫نعيم‬ ‫ُ‬ ‫الطبعة‪ :‬الثامنة‪١٤٢٦ ،‬هـ‪٢٠٠٥/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٨٥‬ـ القلقشــندي‪ :‬أحمد بن علي بن أحمد الفزاري‪ ،‬صبح الأعشى في كتابة الإنشا‪،‬‬ ‫وزارة الثقافة ـ دمشق ـ ‪١٩٨١‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد القادر زكار‪.‬‬ ‫‪ ٨٦‬ـ القواعد والفوائد الأصولية ومايتبعها من الأحكام الفرعية‪ ،‬المؤلف‪ :‬ابن اللحام‪،‬‬ ‫علاء الدين أبو الحســن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشــقي الحنبلي )المتوفى‪:‬‬ ‫‪٨٠٣‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد الكريم الفضيلي‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة العصرية‪ ،‬الطبعة‪١٤٢٠ :‬هـ‪١٩٩٩/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٨٧‬ـ الكامل في التاريخ‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن‬ ‫عبد الكريم بن عبد الواحد الشــيباني الجزري‪ ،‬عز الدين ابن الأثيــر )المتوفى‪٦٣٠ :‬هـ(‪،‬‬ ‫المراجع والمصادر‬ ‫‪٤٠٥‬‬ ‫تحقيق‪ :‬عمر عبد الســلام تدمري‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة‪:‬‬ ‫الأولى‪١٤١٧ ،‬هـ‪١٩٩٧/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٨٨‬ـ الكامل في ضعفــاء الرجال‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو أحمد بن عــدي الجرجاني )المتوفى‪:‬‬ ‫‪٣٦٥‬هـ(‪ ،‬تحقيق‪ :‬عادل أحمــد عبد الموجود ـ علــي محمد معوض‪ ،‬شــارك في تحقيقه‪:‬‬ ‫عبد الفتاح أبو سنة‪ ،‬الناشر‪ :‬الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٨ ،‬هـ‪١٩٩٧/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٨٩‬ـ الكتــاب المصنف فــي الأحاديث والآثــار‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو بكر بن أبي شــيبة‪،‬‬ ‫عبد االله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي )المتوفى‪٢٣٥ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪:‬‬ ‫كمال يوسف الحوت‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد ـ الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٠٩ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ٩٠‬ـ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التنزيل‪ ،‬المؤلف‪:‬‬ ‫أبو القاسم محمد بن عمر الزمخشري‪ ،‬دار الكتب العلمية ـ بيروت‪ .‬ط‪١٤٢٧ :٤‬هـ‪٢٠٠٦/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٩١‬ـ كشف الأستار عن زوائد البزار‪ ،‬المؤلف‪ :‬نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان‬ ‫الهيثمي )المتوفى‪٨٠٧ :‬هـ(‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن الأعظمي‪ ،‬الناشــر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٣٩٩ ،‬هـ‪١٩٧٩/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٩٢‬ـ اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عبد االله محمد بن عبد الدائم‬ ‫القسطلاني‪ ،‬دار النوادر ـ سوريا‪.‬‬ ‫‪ ٩٣‬ـ اللبــاب في علوم الكتاب‪ ،‬اســم المؤلف‪ :‬أبو حفص عمر بــن علي ابن عادل‬ ‫الدمشقي الحنبلي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الكتب العلمية ـ بيروت ‪ /‬لبنان ـ ‪١٤١٩‬هـ‪١٩٩٨/‬م‪ ،‬الطبعة‪:‬‬ ‫الأولى‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض‪.‬‬ ‫‪ ٩٤‬ـ اللباب في علوم الكتاب‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل‬ ‫الحنبلي الدمشقي النعماني )المتوفى‪٧٧٥ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬الشيخ عادل أحمد عبد الموجود‬ ‫والشيخ علي محمد معوض‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ـ بيروت ‪ /‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪،‬‬ ‫‪١٤١٩‬هـ‪١٩٩٨/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٩٥‬ـ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين‪ ،‬أبو الحسن الندوي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬ ‫بيروت‪.‬‬ ‫‪ ٩٦‬ـ المجتبى من الســنن = الســنن الصغرى للنســائي‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عبد الرحمن‬ ‫أحمد بن شعيب بن علي الخراســاني‪ ،‬النســائي )المتوفى‪٣٠٣ :‬هـ(‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الفتاح‬ ‫أبو غدة‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪١٤٠٦ ،‬هـ‪١٩٨٦/‬م‪.‬‬ ‫‪٤٠٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ٩٧‬ـ مجمع الأمثــال‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو الفضــل أحمد بن محمد بــن إبراهيم الميداني‬ ‫النيســابوري )المتوفى‪٥١٨ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار‬ ‫المعرفة ـ بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪ ٩٨‬ـ مجمــع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو الحســن نــور الدين علي بن أبي‬ ‫بكر بن سليمان الهيثمي )المتوفى‪٨٠٧ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬حسام الدين القدسي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة‬ ‫القدسي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عام النشر‪١٤١٤ :‬هـ‪١٩٩٤/‬م‪.‬‬ ‫‪ ٩٩‬ـ مجموعة رســائل التوجيهات الإســلامية لإصلاح الفــرد والمجتمع‪ ،‬المؤلف‪:‬‬ ‫محمد بن جميل زينو‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الصميعي للنشــر والتوزيع‪ ،‬الرياض ـ المملكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬التاسعة‪١٤١٧ ،‬هـ‪١٩٩٧/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٠٠‬ـ المحرر الوجيز في تفســير الكتــاب العزيز‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو محمــد عبد الحق بن‬ ‫غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلســي المحاربي )المتوفى‪٥٤٢ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪:‬‬ ‫عبد السلام عبد الشافي محمد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى ـ ‪١٤٢٢‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ١٠١‬ـ المحلى بالآثار‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي‬ ‫القرطبي الظاهري )المتوفى‪٤٥٦ :‬هـ(‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الفكر ـ بيــروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة‬ ‫وبدون تاريخ‪.‬‬ ‫‪ ١٠٢‬ـ المخصص‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي )المتوفى‪:‬‬ ‫‪٤٥٨‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬خليل إبراهم جفال‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬ ‫الأولى‪١٤١٧ ،‬هـ ‪١٩٩٦‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٠٣‬ـ مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد بن أبي‬ ‫بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية )المتوفى‪٧٥١ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد‬ ‫المعتصم بــاالله البغدادي‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الكتــاب العربي ـ بيــروت‪ ،‬الطبعــة‪ :‬الثالثة‪،‬‬ ‫‪١٤١٦‬هـ‪١٩٩٦/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٠٤‬ـ المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بــن حنبل‪ ،‬المؤلف‪ :‬عبد القادر بن أحمد بن‬ ‫مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد بــدران )المتوفــى‪١٣٤٦ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬عبد االله بن‬ ‫عبد المحسن التركي‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪١٤٠١ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ١٠٥‬ـ المدونة الكبرى‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو غانم الخراســاني‪ ،‬طبعة‪ :‬وزارة التراث القومي‬ ‫والثقافة‪.‬‬ ‫المراجع والمصادر‬ ‫‪٤٠٧‬‬ ‫‪ ١٠٦‬ـ مســتخرج أبي عوانــة‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عوانــة يعقوب بن إســحاق بن إبراهيم‬ ‫النيسابوري الإسفراييني )المتوفى‪٣١٦ :‬هـ(‪ ،‬تحقيق‪ :‬أيمن بن عارف الدمشقي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬ ‫المعرفة ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٩ ،‬هـ‪١٩٩٨/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٠٧‬ـ المستدرك على الصحيحين‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عبد االله الحاكم محمد بن عبد االله بن‬ ‫محمد بن حمدويه بن ُنعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع‬ ‫)المتوفى‪٤٠٥ :‬هـ(‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ـ بيروت‪،‬‬ ‫الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١١ ،‬هـ‪١٩٩٠/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٠٨‬ـ مسند أبي داود الطيالســي‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو داود ســليمان بن داود بن الجارود‬ ‫الطيالسي البصري )المتوفى‪٢٠٤ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي‪،‬‬ ‫الناشر‪ :‬دار هجر ـ مصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٩ ،‬هـ‪١٩٩٩/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٠٩‬ـ مســند أبي داود الطيالســي‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو داود ســليمان بن داود بن الجارود‬ ‫الطيالسي البصري )المتوفى‪٢٠٤ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي‪،‬‬ ‫الناشر‪ :‬دار هجر ـ مصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٩ ،‬هـ‪١٩٩٩/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١١٠‬ـ مســند أبي يعلى‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو يعلى أحمد بن علي بــن الم ُثنى بن يحيى بن‬ ‫عيســى بن هلال التميمي‪ ،‬الموصلي )المتوفى‪٣٠٧ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬حســين ســليم أسد‪،‬‬ ‫الناشر‪ :‬دار المأمون للتراث ـ دمشق‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٠٤ ،‬هـ‪١٩٨٤/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١١١‬ـ مســند إســحاق بن راهويه ـ مســند ابن عبــاس‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو يعقوب إســحاق بن‬ ‫إبراهيم بن مخلد بن إبراهيــم الحنظلي المروزي المعروف بـ ابن راهويــه )المتوفى‪٢٣٨ :‬هـ(‪،‬‬ ‫المحقق‪ :‬محمد مختار ضرار المفتي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٢٣ ،‬هـ‪٢٠٠٢/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١١٢‬ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عبد االله أحمد بن محمد بن حنبل بن‬ ‫هلال بن أســد الشــيباني )المتوفى‪٢٤١ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬أحمد محمد شــاكر‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬ ‫الحديث ـ القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٦ ،‬هـ‪١٩٩٥/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١١٣‬ـ مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو بكر أحمد بن عمرو بن‬ ‫عبد الخالق بن خلاد بن عبيد االله العتكي المعروف بالبــزار )المتوفى‪٢٩٢ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪:‬‬ ‫محفوظ الرحمن زين االله‪) ،‬حقق الأجزاء من ‪ ١‬إلى ‪ ،(٩‬وعادل بن سعد )حقق الأجزاء من‬ ‫‪ ١٠‬إلى ‪ ،(١٧‬وصبري عبد الخالق الشافعي )حقق الجزء ‪ ،(١٨‬الناشر‪ :‬مكتبة العلوم والحكم‬ ‫ـ المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪) ،‬بدأت ‪١٩٨٨‬م‪ ،‬وانتهت ‪٢٠٠٩‬م(‪.‬‬ ‫‪٤٠٨‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ١١٤‬ـ مســند الحميدي‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو بكر عبد االله بن الزبير بن عيســى بن عبيد االله‬ ‫القرشي الأسدي الحميدي المكي )المتوفى‪٢١٩ :‬هـ(‪ ،‬حقق نصوصه وخرج أحاديثه‪ :‬حسن‬ ‫‪‬‬ ‫اني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار السقا‪ ،‬دمشق ـ سوريا‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٩٩٦ ،‬م‪.‬‬ ‫سليم أسد الد َار ّ‬ ‫‪ ١١٥‬ـ مســند الدارمي المعروف بـ )ســنن الدارمي(‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو محمد عبد االله بن‬ ‫عبد الرحمن بن الفضل بن َبهرام بن عبد الصمد الدارمي‪ ،‬التميمي السمرقندي )المتوفى‪:‬‬ ‫‪٢٥٥‬هـ(‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين سليم أسد الداراني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المغني للنشر والتوزيع‪ ،‬المملكة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٢ ،‬هـ‪٢٠٠٠/‬م‪.‬‬ ‫الروياني )المتوفى‪٣٠٧ :‬هـ(‪،‬‬ ‫‪ ١١٦‬ـ مسند الروياني‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو بكر محمد بن هارون ‪‬‬ ‫المحقق‪ :‬أيمن علي أبو يماني‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة قرطبة ـ القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤١٦ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ١١٧‬ـ المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول االله ژ ‪ ،‬المؤلف‪:‬‬ ‫مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري )المتوفى‪٢٦١ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد فؤاد‬ ‫عبد الباقي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ـ بيروت‪.‬‬ ‫‪ ١١٨‬ـ المصنف‪ ،‬المؤلــف‪ :‬أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافــع الحميري اليماني‬ ‫الصنعاني )المتوفى‪٢١١ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬حبيب الرحمن الأعظمي‪ ،‬الناشر‪ :‬المجلس العلمي‬ ‫ـ الهند‪ ،‬يطلب من‪ :‬المكتب الإسلامي ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪١٤٠٣ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ١١٩‬ـ المطلق والمقيد‪ ،‬المؤلف‪ :‬حمد بن حمدي الصاعدي‪ ،‬الناشــر‪ :‬عمادة البحث‬ ‫العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪،‬‬ ‫‪١٤٢٣‬هـ‪٢٠٠٣/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٢٠‬ـ معارج الآمال على مدارج الكمال بنظم مختصر الخصال‪ ،‬المؤلف‪ :‬نور الدين‬ ‫أبي محمد عبد االله بن حميد بن سلوم السالمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬ســليمان بابزيز‪ ،‬وداوود بابزيز‪،‬‬ ‫وإبراهيم بولرواح‪ ،‬وحمزة السالمي‪ ،‬مكتبة الإمام السالمي ـ بدية‪ ،‬ط‪١٤٣١ :‬هـ‪٢٠١٠/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٢١‬ـ معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي‪ ،‬المؤلف‪ :‬محيي السنة‪ ،‬أبو محمد‬ ‫الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي )المتوفى‪٥١٠ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد الرزاق‬ ‫المهدي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٢٠ ،‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ١٢٢‬ـ معاملة غير المســلمين‪ ،‬الحوار والتســامح في الإسلام‪ ،‬شــواهد من التأريخ‪،‬‬ ‫المؤلف‪ :‬د‪ .‬محمد علي البار‪ .‬دار القلم دمشق‪ ،‬الدار الشامية بيروت‪.‬‬ ‫المراجع والمصادر‬ ‫‪٤٠٩‬‬ ‫‪ ١٢٣‬ـ معجم الشــيوخ‪ ،‬المؤلف‪ :‬ثقة الدين‪ ،‬أبو القاســم علي بن الحسن بن هبة االله‬ ‫المعروف بابن عساكر )المتوفى‪٥٧١ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬الدكتورة وفاء تقي الدين‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬ ‫البشائر ـ دمشق‪.‬‬ ‫‪ ١٢٤‬ـ مفاتيح الغيب أو التفســير الكبيــر‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو عبــد االله محمد بن عمر بن‬ ‫الحســن بن الحســين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري )المتوفى‪:‬‬ ‫‪٦٠٦‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ـ بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة ـ ‪١٤٢٠‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ ١٢٥‬ـ المفصل في صنعة الإعراب‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪ ،‬الزمخشري‬ ‫جار االله )المتوفى‪٥٣٨ :‬هـ(‪ ،‬قدم له وبوبه‪ :‬د‪ .‬علي بو ملحم‪ ،‬دار ومكتبة الهلال ـ بيروت‪،‬‬ ‫ط‪٢٠٠٣ :‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٢٦‬ـ مــكارم الأخلاق ومعاليهــا ومحمود طرائقهــا‪ ،‬المؤلــف‪ :‬أبو بكر محمد بن‬ ‫جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر الخرائطي السامري )المتوفى‪٣٢٧ :‬هـ(‪ ،‬تقديم وتحقيق‪:‬‬ ‫أيمــن عبد الجابــر البحيري‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الآفــاق العربيــة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعــة‪ :‬الأولى‪،‬‬ ‫‪١٤١٩‬هـ‪١٩٩٩/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٢٧‬ـ المنتخب من مســند عبد بــن حميد‪ ،‬المؤلــف‪ :‬أبو محمــد عبد الحميد بن‬ ‫حميد بن نصر الكَ ّسي ويقال له‪ :‬الكَ ّشــي بالفتح والإعجام )المتوفى‪٢٤٩ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪:‬‬ ‫صبحي البدري السامرائي‪ ،‬محمود محمد خليل الصعيدي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة السنة ـ القاهرة‪،‬‬ ‫الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٠٨ ،‬هـ‪١٩٨٨/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٢٨‬ـ المنتقى من السنن المســندة‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو محمد عبد االله بن علي بن الجارود‬ ‫النيســابوري المجاور بمكة )المتوفى‪٣٠٧ :‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد االله عمر البارودي‪ ،‬الناشر‪:‬‬ ‫مؤسسة الكتاب الثقافية ـ بيروت‪.‬‬ ‫‪ ١٢٩‬ـ ا ْلمه ‪‬ذب في ِع ْلم ِ أُصول ِ ِ‬ ‫)تحرير لمسائِلِه ودراستها دراس ًة نظري‪ً ‬ة‬ ‫الفقْهِ ا ْل ُمق ََارنِ‪،‬‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫تطبيق ‪‬يةً(‪ ،‬المؤلــف‪ :‬عبد الكريم بن علي بن محمد النملة‪ ،‬دار النشــر‪ :‬مكتبة الرشــد ـ‬ ‫الرياض‪ ،‬الطبعة الأولى‪١٤٢٠ :‬هـ‪١٩٩٩/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٣٠‬ـ موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين‪ ،‬المؤلف‪ :‬الإمام محمد‬ ‫الخضر حســين )المتوفى‪١٣٧٧ :‬هـ(‪ ،‬جمعها وضبطها‪ :‬المحامي علي الرضا الحســيني‪،‬‬ ‫الناشر‪ :‬دار النوادر‪ ،‬سوريا‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٣١ ،‬هـ‪٢٠١٠/‬م‪.‬‬ ‫‪٤١٠‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫‪ ١٣١‬ـ الموطأ‪ ،‬المؤلف‪ :‬مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني )المتوفى‪:‬‬ ‫‪١٧٩‬هـ(‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد مصطفى الأعظمي‪ ،‬الناشــر‪ :‬مؤسســة زايد بن سلطان آل نهيان‬ ‫للأعمال الخيرية والإنسانية ـ أبو ظبي ـ الإمارات‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪١٤٢٥ ،‬هـ‪٢٠٠٤/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٣٢‬ـ ناســخ الحديث ومنســوخه‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن‬ ‫أحمد بن محمد بن أيوب بن أزداذ البغدادي المعروف بـ ابن شاهين )المتوفى‪٣٨٥ :‬هـ(‪،‬‬ ‫المحقق‪ :‬ســمير بن أمين الزهيري‪ ،‬الناشــر‪ :‬مكتبة المنــار ـ الزرقاء‪ ،‬الطبعــة‪ :‬الأولى‪،‬‬ ‫‪١٤٠٨‬هـ‪١٩٨٨/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٣٣‬ـ نثار الجوهر‪ :‬المؤلف‪ :‬أبو مسلم البهلاني ‪ ،‬مكتبة مسقط ـ مسقط ـ ُعمان‪.‬‬ ‫‪ ١٣٤‬ـ نثر الدر في المحاضرات‪ ،‬اسم المؤلف‪ :‬أبو سعد منصور بن الحسين الآبي‪ ،‬دار‬ ‫النشر‪ :‬دار الكتب العلمية ـ بيروت ‪ /‬لبنان ـ ‪١٤٢٤‬هـ‪٢٠٠٤/‬م‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪ ،‬تحقيق‪ :‬خالد‬ ‫عبد الغني محفوط‪.‬‬ ‫‪ ١٣٥‬ـ نظم الدرر في تناسب الآيات والسور‪ ،‬إبراهيم بن عمر البقاعي‪ ،‬دائرة المعارف‬ ‫العثمانية‪ ،‬حيدرآباد ـ الهند‪ ،‬ط‪١٣٨٩ :‬هـ‪١٩٦٩/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٣٦‬ـ نهاية الأرب في فنون الأدب‪ ،‬اسم المؤلف‪ :‬شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب‬ ‫النويري‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الكتب العلمية ـ بيروت ‪ /‬لبنان ـ ‪١٤٢٤‬هـ‪٢٠٠٤/‬م‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪،‬‬ ‫تحقيق‪ :‬مفيد قمحية وجماعة‪.‬‬ ‫‪ ١٣٧‬ـ النهايــة فــي غريب الحديــث والأثر‪ ،‬المؤلــف‪ :‬مجد الدين أبو الســعادات‬ ‫المبارك بن محمد بــن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشــيباني الجــزري ابن الأثير‬ ‫)المتوفى‪٦٠٦ :‬هـ(‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة العلمية ـ بيروت‪١٣٩٩ ،‬هـ‪١٩٧٩/‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬طاهر أحمد‬ ‫الزاوى ـ محمود محمد الطناحي‪.‬‬ ‫‪ ١٣٨‬ـ هميان الزاد إلى زاد المعاد‪ ،‬المؤلف‪ :‬امحمد بن يوسف اطفيش‪ ،‬وزارة التراث‬ ‫القومي والثقافة ـ سلطنة ُعمان‪ ،‬ط‪١٤١١ :‬هـ‪١٩٩١/‬م‪.‬‬ ‫‪ ١٣٩‬ـ الوحــي المحمدي‪ ،‬المؤلف‪ :‬محمد رشــيد بن علي رضا بن محمد شــمس‬ ‫الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحســيني )المتوفى‪١٣٥٤ :‬هـ(‪،‬‬ ‫المكتب الإسلامي ـ بيروت‪ ،‬ط‪١٤٠٥ :١٠‬هـ‪١٩٨٥/‬م‪.‬‬ ‫ا ‪9‬ـس‬ ‫مقدمـة ‪٧ ...................................................................................................................................................‬‬ ‫المحور الأول‪ :‬فيما يتعلق بالإيمان باالله وتصريفه الخلق ‪١١...............................................‬‬ ‫ضلال دعاء الجن من دون االله ‪١٦.........................................................................................................‬‬ ‫توهم أن كل ما يصيب الإنسان إنما هو بسبب من الخلق ‪١٧ ......................................................‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬فيما يتعلق بتعظيم كتاب االله وتوقير العلم ‪٢٣ ...........................................‬‬ ‫تعظيم القرآن يفضي إلى تعظيم العلوم النافعة التي نوه بها ‪٢٩ ...................................................‬‬ ‫كلمة إلى المؤسسات العلمية ‪٤٠ ..........................................................................................................‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬فيما يتعلق بحسن أداء العبادات المشروعة ‪٤١ ..........................................‬‬ ‫ال يجوز أن تزاحم جماعة أقيمت بجماعات أخرى‪٥٢ ..................................................................‬‬ ‫إهمال تسوية الصفوف ‪٥٤ ......................................................................................................................‬‬ ‫التخلف عن الصلاة في الصفوف الأول ‪٥٧ .....................................................................................‬‬ ‫التأخر عن الصفوف الأولى في الجمعات يؤدي إلى اضطرار الآتين من بعد إلى‬ ‫تخطي الرقاب مع أنه مشدد فيه ‪٥٩ .....................................................................................................‬‬ ‫الصفوف تبدأ من الوسط خلف الإمام ‪٦١..........................................................................................‬‬ ‫فضل ميامن الصفوف ‪٦١.........................................................................................................................‬‬ ‫رص الصفوف وسد فرجها ‪٦٣ .............................................................................................................‬‬ ‫تعمد الصلاة بين السواري‪ ،‬وترك الصفوف الخالية منها ‪٦٤ ........................................................‬‬ ‫تعمد الصلاة إلى غير سترة في أماكن يمر بها الناس ‪٦٥ ..............................................................‬‬ ‫الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد‪٦٧ ................................................................................................‬‬ ‫التفريط في الطهارات إخلال بأداء الصلوات‪٦٨ .............................................................................‬‬ ‫بناء المساجد بين التزام الحق واتباع الهوى‪٧١ ...............................................................................‬‬ ‫‪٤١٢‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫المحور الرابع‪ :‬في طلب العلم ونشره ‪٨٣ ...................................................................................‬‬ ‫مكانة العلم في الإسلام ‪٨٣ ..................................................................................................................‬‬ ‫العبادات والأعمال الصالحة ال تتحقق إال بالعلم ‪٨٤.....................................................................‬‬ ‫طلب العلم عبادة تقرب العبد إلى االله ‪٨٥ .........................................................................................‬‬ ‫نشر العلم من القربات إلى االله‪٩٤ ........................................................................................................‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬في العلاقات االجتماعية وبناء الأسرة الصالحة‪١٠١ ..............................‬‬ ‫االستئذان أنس وستر ‪١٠١ ........................................................................................................................‬‬ ‫النوع الأول‪ :‬االستئذان العام ‪١٠٢..........................................................................................................‬‬ ‫النوع الثاني‪ :‬االستئذان الخاص ‪١٠٢....................................................................................................‬‬ ‫االحتراز من الخلوة بين المرأة والرجل من أهم الضرورات ‪١٠٤................................................‬‬ ‫من أعظم المصائب جشع الآباء وحرمانهم بناتهم من حقهن الفطري والمالي ‪١١٥ ...............‬‬ ‫واجب الآباء والأمهات في صون أبنائهم وبناتهم من هذه المخاطر ‪١١٦ ..................................‬‬ ‫انتشار عادات سيئة في معاملة النساء ‪١١٨ .........................................................................................‬‬ ‫ال مضارة وال وكس في إمساك المرأة أو تسريحها ‪١٣٠ .................................................................‬‬ ‫تفادي الطلاق بعلاج الزوج نفسه لمشكلة نشوز أهله ‪١٣٠ ...........................................................‬‬ ‫اشتراك أسرتي الزوجين في ردم هوة الخلاف بينهما ‪١٣٣ ...........................................................‬‬ ‫وجوب التزام القيود الشرعية في إيقاع الطلاق ‪١٣٤ ........................................................................‬‬ ‫وجوب مراعاة حال المرأة عند إيقاع الطلاق ‪١٣٧ ..........................................................................‬‬ ‫الخسارة التي تترتب على الطلاق ‪١٤٠................................................................................................‬‬ ‫ما ينبغي من إعداد الزوجين قبل زواجهما لتحمل واجبات الحياة الزوجية ‪١٤٠.....................‬‬ ‫ليس من المروءة وال الدين ابتزاز المرأة عند تطليقها ‪١٤١ ............................................................‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬فيما يتعلق بالعقل‪١٤٧ .....................................................................................‬‬ ‫وجوب المحافظة على نعمة العقل وعدم طمس نورها ‪١٤٩ .........................................................‬‬ ‫المحور السابع‪ :‬في السكوت عن المنكرات ‪١٦٧ .....................................................................‬‬ ‫الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حق على كل مسلم ‪١٧٣ .....................................................‬‬ ‫الفهـرس‬ ‫‪٤١٣‬‬ ‫المحور الثامن‪ :‬فيما يتعلق بالأموال ‪١٧٥ .....................................................................................‬‬ ‫ال بد من صون النعم بطاعة االله تعالى حتى ال تتحول إلى نقم ‪١٧٥ ..........................................‬‬ ‫ضرورة التقيد بحكم االله تعالى في كسب المال وإنفاقه ‪١٧٦ ........................................................‬‬ ‫الربا الظاهر والمبطن حرب بين المتلبسين به وبين االله ‪١٧٨ .......................................................‬‬ ‫التشديد في وعيد من أخذ المال بغير حقه ‪١٨٠ ...............................................................................‬‬ ‫المال العام يجب االحتراز من االعتداء عليه كالمال الخاص أو أشد ‪١٨١ ...............................‬‬ ‫إنفاق المال يجب أن ال يخرج عن الإطار الشرعي الذي أذن به االله‪١٨٢ ..................................‬‬ ‫البطر بالنعمة سرعان ما يحولها إلى نقمة‪١٨٤ ..................................................................................‬‬ ‫الترف والتلف متقاربان في اللفظ ومتآخيان في المعنى ‪١٨٥ .......................................................‬‬ ‫إنفاق المال في الخير علاج للنفوس‪ ،‬وأمان من الفتن ‪١٨٨ ........................................................‬‬ ‫تبذير من ناحية وتقتير من ناحية أخرى ‪١٩٤ .....................................................................................‬‬ ‫ال بد من الإنفاق والحض عليه ‪١٩٥ ....................................................................................................‬‬ ‫المحور التاسع‪ :‬فيما يتعلق باللباس ‪١٩٧ .....................................................................................‬‬ ‫التمييز بين الذكور والإناث في اللباس كما تميزوا في الطباع ‪١٩٨ ............................................‬‬ ‫خصائص زينة الرجال ولباسهم في الإسلام ‪١٩٩ .............................................................................‬‬ ‫بدعية لباس ما يسمى بالدبلة ‪٢٠٣........................................................................................................‬‬ ‫المحور العاشر‪ :‬فيما يتعلق بالتقاليد ‪٢٠٧ ....................................................................................‬‬ ‫المسلم يجب أن يكون عزيزا كريما يؤثر وال يتأثر ويقود وال ينقاد ‪٢٠٧..................................‬‬ ‫تربية القرآن للأمة تغرس فيهم روح االستقلال‪ ،‬وتقيهم دواعي التأثر والتبعية ‪٢١١ ...............‬‬ ‫المفاصلة بين المؤمنين والكافرين هي اقتداء بالنبيين والمرسلين ومن تبعهم ‪٢١٣ ...............‬‬ ‫هذه الروح الإيمانية االستقلالية في نفوس الرعيل الأول كانت هي أقوى وسيلة‬ ‫لفتح القلوب قبل فتح البلاد ‪٢١٨ .........................................................................................................‬‬ ‫بدء خط الرجعة ‪٢٢٣................................................................................................................................‬‬ ‫االنقلاب الكبير الذي حصل في البشر عموما وفي أمة الإسلام خصوصا كان نتيجة‬ ‫إمساك الغرب بناصية الحياة السياسية والأدبية والثقافية ‪٢٢٨.......................................................‬‬ ‫‪٤١٤‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫ولع المسلمين بترك مواريثهم‪ ،‬وتقليد الآخرين ‪٢٢٩ ......................................................................‬‬ ‫إجماع المسلمين في عهد الخلافة الراشدة على جعل هجرة النبي ژ ميقاتا لتأريخ‬ ‫الأمة وكيف تحولت الآن إلى النقيض من ذلك ‪٢٢٩ .....................................................................‬‬ ‫إسقاط كلمة )ابن( أو )بنت( في سلسلة النسب بين ولد ووالد مخالفة صريحة‬ ‫للأديان‪ ،‬ومعضلة في تحديد سلسلة النسب ‪٢٤٦ .............................................................................‬‬ ‫الإسلام يدعو إلى استقلال الشخصية الإسلامية في المظهر والمخبر وفي الشعار والواقع‪٢٤٨ ...‬‬ ‫مواالة الأمة لأعدائها جعلها تقطع أوصالها وتضحي بأقرب الناس إليها إرضاء لعدوها ‪٢٤٩ ........‬‬ ‫الوالية المشروعة هي خاصة باالله وبرسوله والمؤمنين ‪٢٥١...........................................................‬‬ ‫المحور الحادي عشر‪ :‬فيما يتعلق بالبيان ‪٢٥٣ ..........................................................................‬‬ ‫من حكمة االله تعدد ألسنة الناس وتفاوتها‪٢٥٣ .................................................................................‬‬ ‫حاجة الأمة الإسلامية إلى االلتقاء على اللغة العربية ‪٢٥٤ ............................................................‬‬ ‫غيرة العجم على اللغة العربية ‪٢٥٥ ......................................................................................................‬‬ ‫اللغة جنسية تجمع الشتيت من الناس وإن تعددت أصولهم النسبية ‪٢٥٧ ................................‬‬ ‫الزهد في اللغة العربية مرض أصاب الأمة ال سيما العرب ‪٢٥٨ .................................................‬‬ ‫إضاعة اللغة العربية جناية على الإسلام ‪٢٦٠ ....................................................................................‬‬ ‫المحافظة على العربية ال تعني إهمال اللغات الأخرى ‪٢٦١...........................................................‬‬ ‫وجوب السعي إلى إعطاء العربية حقها في جعلها وعاء لجميع العلوم ‪٢٦٢ ............................‬‬ ‫ضرورة التقيد في البيان بما يرضي واهبه ‪٢٦٦ .................................................................................‬‬ ‫المحور الثاني عشر‪ :‬فيما يتعلق بالأخلاق ‪٢٦٩ .........................................................................‬‬ ‫الأخلاق الحسنة ضرورة ملحة في حياة البشر ‪٢٦٩ .........................................................................‬‬ ‫رسالة الإسلام هي رسالة أخلاق ‪٢٧٠.................................................................................................‬‬ ‫التفاضل بين الناس بحسب الأخلاق ‪٢٧٢.........................................................................................‬‬ ‫انعكاس الأخلاق على كل ما حوته الشريعة الإسلامية ‪٢٧٣ ........................................................‬‬ ‫جميع الرسل الكرام ‪ 1‬طبعوا على الأخلاق العالية وبذلك وصاهم االله تعالى ‪٢٧٤...........‬‬ ‫أخلاق النبي ژ تنعكس على أصحابه‪٢٨١ ......................................................................................‬‬ ‫الفهـرس‬ ‫‪٤١٥‬‬ ‫كل ما في الإسلام مولد للأخلاق الفاضلة ‪٢٨٢................................................................................‬‬ ‫جملة التوحيد كافية في ترسيخ هذه المعاني ‪٢٨٣ ..........................................................................‬‬ ‫العبادات والشرائع كلها مؤدية إلى هذه الغاية ‪٢٨٣ .........................................................................‬‬ ‫‪ ١‬ـ الصلاة‪٢٨٤ ..........................................................................................................................................‬‬ ‫‪ ٢‬ـ الزكاة ‪٢٨٨ ...........................................................................................................................................‬‬ ‫‪ ٣‬ـ الصيام‪٢٩٢ ..........................................................................................................................................‬‬ ‫‪ ٤‬ـ الحج ‪٢٩٥ ............................................................................................................................................‬‬ ‫جميع جزئيات الشريعة تحتوي على مكارم الأخلاق ‪٢٩٩ ............................................................‬‬ ‫حسن الخلق في التعامل مع جميع الناس ‪٢٩٩ ................................................................................‬‬ ‫شمول الأخلاق لما يصدر عن المؤمنين في سلمهم وحربهم ‪٣٠٣ ............................................‬‬ ‫التعامل بالأخلاق بين الخاصة ‪٣٠٤ ....................................................................................................‬‬ ‫‪ ١‬ـ معاملة الوالدين ‪٣٠٤ .........................................................................................................................‬‬ ‫ال يسقط حق الوالدين بشركهما أو فجورهما ‪٣٠٧ ..........................................................................‬‬ ‫‪ ٢‬ـ العلاقة مع ذوي الأرحام ‪٣٠٩ ........................................................................................................‬‬ ‫‪ ٣‬ـ العشرة بين الأزواج‪٣١٠ ..................................................................................................................‬‬ ‫‪ ٤‬ـ معاملة الجيران‪٣١١ ...........................................................................................................................‬‬ ‫ما يجب للجار ‪٣١٣ .................................................................................................................................‬‬ ‫التمسك بالأخلاق سمة الإسلام حتى مع اشتعال ضرام الحرب ‪٣١٤ .......................................‬‬ ‫التزام أئمة العدل من أهل االستقامة النهج النبوي في حروبهم ‪٣١٧ .........................................‬‬ ‫تجافي الناس عن الأخلاق لجهلهم بالإسلام‪٣٢٢...........................................................................‬‬ ‫النبي ژ يجسد بقوله وعمله الأخلاق القرآنية‪ ،‬التي سبقت الإشارة إليها ‪٣٢٤ .....................‬‬ ‫الحرص على السلام ابتداء وردا رمز للتحلي بأخلاق الإسلام‪٣٢٦ ..........................................‬‬ ‫عدول الناس عن تحية السلام جهل وانحدار في الأخلاق‪٣٢٨ ..................................................‬‬ ‫رد السلام فريضة محتومة ‪٣٢٩ .............................................................................................................‬‬ ‫المحور الثالث عشر‪ :‬فيما يتعلق بتربية الأوالد ‪٣٣١ ..............................................................‬‬ ‫واجب الوالدين تجاه الأوالد ‪٣٣٢ .......................................................................................................‬‬ ‫‪٤١٦‬‬ ‫نـداء الحـق‬ ‫أثر الأم على نشأة الطفل ‪٣٣٣ ..............................................................................................................‬‬ ‫الأم الصالحة من منبت طيب هي التي تغذي الولد بالفكر السليم وتتعهده بالتربية الناجحة ‪٣٣٤ .....‬‬ ‫الرجل الصالح غاية أنشودة المرأة الصالحة‪٣٣٧ ............................................................................‬‬ ‫التدرج في تربية الأوالد ‪٣٣٩................................................................................................................‬‬ ‫مشروعية التأذين على أذن الطفل ليكون النداء إلى الصلاة والفلاح أول ما يطرق سمعه ‪٣٤١ .........‬‬ ‫استمرار ذكر االله في تربية الطفل ‪٣٤٢ .................................................................................................‬‬ ‫القدوة الصالحة والأسوة الحسنة في سلوك الأبوين أعظم وسيلة لنجاح تربية الطفل ‪٣٤٤ ........‬‬ ‫التباين بين تربية وتربية ‪٣٤٨ .................................................................................................................‬‬ ‫المحور الرابع عشر‪ :‬فيما يتعلق بالتوبة والوصية ‪٣٥١...........................................................‬‬ ‫دعوة االله عباده إلى التوبة ‪٣٥٢ ..............................................................................................................‬‬ ‫التوبة شرف لكل تائب ‪٣٥٣..................................................................................................................‬‬ ‫التباين بين التائبين والمصرين فيمن يأتمون به ‪٣٥٥ ......................................................................‬‬ ‫الحض على المسارعة إلى التوبة والتحذير من تسويفها ‪٣٥٧.....................................................‬‬ ‫خطر أماني المغفرة وإن لقي االله بالخطايا ‪٣٦٢ ................................................................................‬‬ ‫ماهية التوبة ‪٣٦٦ .......................................................................................................................................‬‬ ‫االستغفار من الذنب‪٣٧٣ ......................................................................................................................‬‬ ‫التوبة والأوبة والإنابة ‪٣٧٥....................................................................................................................‬‬ ‫السر بالسر والعلانية بالعلانية ‪٣٧٧ ....................................................................................................‬‬ ‫مكان التوبة في الأعمال الصالحة ‪٣٧٨ .............................................................................................‬‬ ‫الوصية‪٣٨٠ ................................................................................................................................................‬‬ ‫وجوب الوصية ‪٣٨٠ .................................................................................................................................‬‬ ‫تسويف الوصية كتسويف التوبة ‪٣٨٣ .................................................................................................‬‬ ‫الوصية ال تقصر من العمر‪ ،‬وإهمالها ال يزيد فيه ‪٣٨٤ ...................................................................‬‬ ‫الخاتمة‪ :‬في تحصيل ما تقدم ‪٣٨٥..................................................................................................‬‬ ‫المراجع والمصادر ‪٣٩٥ .......................................................................................................................‬‬ ‫الفهـرس ‪٤١١ ............................................................................................................................................‬‬