أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر الفرسطائي النفوسي
أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر الفرسطائي النفوسي
(ت: 504هـ/1111م)
إعداد د. محمد صالح ناصر
هو أحمد بن محمد بن بكر النفوسي الفرسطائي، نسبة إلى فرسطا بجبل نفوسة. إمام و فقيه موسوعي، من أشهر علماء الإباضية في القرن الخامس الهجري.
نشأ في أحضان أسرة كريمة، مشتهرة بالعلم و العلماء. كان من أبرزها أبوه العالم الفقيه محمد بن بكر بن أبي عبد الله، واضع نظام (حلقة العزابة) (ت: 440هـ).
لم نعثر على سنة ميلاد المترجم له بالتحديد، لكن أحداث حياته تدل على أنه عاش فيما بين (420 و 504هـ)، يعده الشيخ اطفيش من علماء النصف الثاني من القرن الخامس الهجري.
تتفق المصادر على أنه قضى فترة شبابه في (تَمولَسْت) بالجنوب التونسي، حيث كان يطلب العلم في حلقة عالم زمانه الشيخ أبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي (ت:471هـ)
عرف منذ الصغر بحافظته القوية، و حبه للعلم و التحصيل، و تحمل مشاق السفر و التغرب من أجل تحقيق مسألة علمية، و له في ذلك قصص طريفة (أبو الربيع الوسياني، سير المشايخ، (مخ) ص127. الدرجيني، طبقات المشايخ، ص445)
قضى فترة شبابه في (تمولست) في الجنوب التونسي، حيث ألف أكثر من عشرين مؤلفا في الفقه الإباضي. و لعل هذه الفترة -كما نستنتج ذلك من خلال الأحداث- جاءت بعد وفاة والده الشيخ أبي عبد الله الذي توفي سنة 440هـ.
بعد وفاة شيخه أبي الربيع سنة 471هـ انتقل من الجنوب التونسي إلى وادي أريغ و وارجلان بالجنوب الجزائري
هذا ما يذهب إليه الدرجيني و الشماخي
و الذي يبدو أن شهرة أبي العباس كانت في أخريات حياته بعد انتقاله إلى أريغ حيث أقام إلى أن توفي، و أصبح في هذه الفترة شيخا للجماعة، و مرجعا للفتوى، و هناك ذاع صيته، و كثر طلابه، إذ كان يملي كتبه التي ألفها في فترة شبابه.
و إلى جانب مكانته المعتبرة في العلم و الفقه كان إمام دفاع، إذ يذكر الشماخي حادثة وقعت سنة (502هـ) قاد فيها حملة ضد غاز يدعى عنان بن ديلم المطرفي (سير الشماخي، ط1، ص425)
أقام أبو العباس بوادي ريغ متنقلا بينها و بين واحات وارجلان، و كانت أكثر إقامته في قرية (أجلوالغربي)، حيث توفي، و كان ذلك يوم الخميس في ضحوة يوم عرفة من شهر ذي الحجة من سنة 504هـ/1111م. و دفن في "تين يسلي" إلى جانب والده، و ما يزال قبراهما موجودين حتى اليوم في "تين يسلي" تدعى اليوم بلدة عمر قرب مدينة تقرت.
مكانته العلمية:
بلغ أبو العباس في العلم شأوا بعيدا، و أصبح مرجع الناس في الفتوى، بل مرجع الفقهاء المعاصرين له كما تدل على ذلك الأخبار المروية عنه في كتب السير (سير الوسياني، و الدرجيني) يطلق عليه (بيت العلم) (الدرجيني، ج2، ص443).
و من ثم يعد عند الإباضية من العلماء الذين مر عليهم نسب الدين و سعة علمه جعلته محط الرحال، و مقصد الطلاب من كل مكان. و قد كانت حلقته العلمية تضم حوالي سبعمائة طالب (الوسياني، ج2، ص139، مخ)
مؤلفاته:
ترك أبو العباس بعد وفاته حوالي خمسة و عشرين كتابا، وصل بعضها إلينا، و ضاع البعض الآخر، و هذه قائمة بما وصل إلينا.
· كتاب فيه مسائل التوحيد مما لا يسع الإنسان جهله، و غير ذلك من مسائل الكلام. أشار إليه من المحدثين الدكتور عمرو النامي، و قال أنه عثر على مخطوطتين منه في المكتبة البارونية، و (البعطور) بجربة.
· كتاب سيرة الدماء، أو السيرة في الدماء، و هو يبحث في موقف الشريعة الإسلامية في هذا الباب الخطير من قصاص و قثل و ضمان، و هو الكتاب الذي اختصره الشيخ عبد العزيز الثميني في كتاب النيل، كما شرحه القطب اطفيش فيما شرح ضمن كتابه الموسوعي شرح النيل، و توجد منه نسخ متعددة في مكتبات وادي ميزاب جنوب الجزائر.
· كتاب تبيين أفعال العباد (مخطوط)، يبحث في الأخلاق و السلوك، و ما ينبغي أن يتحلى به المرء من صفات و خلال في تعامله مع الناس، و علاقته مع ربه، و يعده الدكتور النامي أول مؤلف في موضوعه عند الإباضية، و قد اختصره الشيخ الثميني في كتاب النيل، و توجد منه نسخ عديدة في مكتبات وادي ميزاب، و جربة (ينظر وصف لمحتويات الكتاب في كتاب القسمة و أصول الأراضين، ت: محمد ناصر و الشيخ بالحاج بكير، المقدمة)
· كتاب الجامع، أو الجامع في الفروع، يقع في جزأين، يتناول فقه العبادات، و قد طبع لأول مرة في زنجبار، المطبعة السلطانية، و طبعته الأولى تمتاز بحاشية للشيخ اطفيش، و أعيد طبع الكتاب بمدينة قسنطينة سنة 1984 بطباعة رديئة دون إضافة تذكر، تحت عنوان كتاب (أبي مسألة) لأن الكتاب عرف منذ القديم عند الإباضية بهذا الإسم.
· كتاب القسمة و أصول الأراضين، و هو يقع في ثمانية أجزاء، طبع بسلطنة عمان سنة 1414هـ/1992م، بتحقيق الدكتور محمد ناصر و الشيخ بالحاج بكير باشعادل، و أعيد طبعه في الجزائر، نشر جمعية التراث، سنة 1418هـ/1997م. و هذا الكتاب يعد من أهم مؤلفات أبي العباس أحمد، إذ يبحث في فقه العمارة الإسلامية، و عمارة الأرض، و حفر الآبار، و الزراعة.
· كتاب الألواح، و هو آخر كتاب تركه أبو العباس في الألواح قبل وفاته، و ما يزال مخطوطا، يوجد بمكتبات وادي ميزاب و جربة.
· كتاب تلخيص القسمة: مخطوط قيم الفائدة، يتناول موضوع نظرة الشريعة الإسلامية إلى بعض المعاملات التجارية بين الشركاء، و كيفية القسمة بينهم قسمة عادلة. و هذا المخطوط يوجد في أغلب النسخ مرتبطا بمخطوط أصول الأراضين، و توجد منه نسخ بمكتبات وادي ميزاب و جربة.
· كتاب الأموات، مخطوط، يتعلق موضوعه بالجنائز و الأموات، و توجد منه نسخ بمكتبات وادي ميزاب و جربة.
· إشترك في تآليف (ديوان العزابة) مع ثمانية من المشايخ الآخرين في عصره، و أسند إليه كتاب الحيض، و ما يزال بعض أجزاء هذا الكتاب (مخطوط) في مكتبات جربة و وادي ميزاب.
و هكذا يتبين لنا مما تقدم فضل أبي العباس على الفقه الإسلامي بما تركه لنا من نفائس ما تزال في حاجة إلى التحقيق و النشر لأن أغلبها بقي مخطوطا. و لعل أبلغ ما يمكن أن نتبين من خلاله فضل أبي العباس و مواهبه تلك الصفة التي أطلقها عليه الدرجيني في طبقاته حيث يسميه "بيت العلم" : "رحم الله أحمد بن محمد، فقد كان رحمة لأهل مذهبنا حيا و ميتا، و ذلك أنه كان في حياته "بيت العلم" يفيد به كل طالب، و كل ذي حاجة، و لما دنت وفاته أودع علومه الكتب…" (الدرجيني، طبقات، 2/443)
اهم المصادر
· أبو العباس أحمد بن محمد، القسمة و أصول الأراضين، تحقيق و مقدمة: د/محمد ناصر، و الشيخ بالحاج بكير، مكتبة الضامري للنشر و التوزيع، سلطنة عمان، 1414هـ/1992م
· الشيخ أبو الربيع الوسياني، سير الوسياني، مخطوط، ج1/ 71-75، ج2/ 152، 236
· أبو اليقظان، الإمام محمد بن بكر، مخطوط
· علي يحي معمر، الإباضية في موكب التاريخ، الحلقة الرابعة، مكتبة الضامري للنشر و التوزيع، سلطنة عمان، 1993م، ص 222-223
· د/فرحات الجعبيري، البعد الحضاري للعقيدة الإباضية، مكتبة الضامري للنشر و التوزيع، 1408هـ/1987م، ج1، ص115
· جمعية التراث، معجم أعلام الإباضية، دار الغرب الإسلامي،بيروت 2000م، ص 48-50