أبو محمد جميّل بن خميس بن لافي بن خلفان السعدي
أبو محمد جميّل بن خميس بن لافي بن خلفان السعدي
( ت بين : 1278ـــ 1285هـ/ 1861 ــ 1868 م )
يتصل نسبه إلى سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان
قاض ، فقيه
من بلدة القَرَط أو من ودام بالمصنعة
عاش في القرن الثالث عشر ، نشأ في وقت كانت الباطنة مزدهرة بالعلم والصلاح .
شيوخه:
كان من أبرز شيوخه: الشّيخ حمد بن خميس السّعدي، والشّيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصي .
معاصروه:
من أبرز المعاصرين له: الإمام المحقق سعيد بن خلفان الخليلي، وهو من كبار علماء عمان المتأخّرين.
تلاميذه:
من أبرز تلاميذه:
- ابنه محمد والذي نسخ بعض أجزاء كتاب قاموس الشّريعة.
- الشّيخ محمد بن سليّم الغاربي، وهو من تولى إرسال نسخة من كتاب قاموس الشّريعة إلى قطب الأئمة الشّيخ أمحمد بن يوسف أطفيش بوادي ميزاب من الجزائر.
قال الشيخ أبوإسحاق إبراهيم اطفيش في تعليقه على تحفة الأعيان للإمام السالمي : "قاموس الشريعة هو أكبر كتاب في الفقه ظهر للآن ، إذ يبلغ تسعين جزءا ، مستقلّ كلّ منها ، و قد وقفت عليه كله من خزانة قطب الأئمة ، فقد استطاع مؤلّفه أن يحشر فيه كل أبواب الفقه و الأصول و الآداب الشرعية وما إليها ، و يوجد منه أجزاء في دار الكتب المصرية بالقاهرة مخطوطة"
- إخوته راشد و محمد و عمير فقد أفادوا منه ومن علمه.
- سالم بن خلوفة بن حميد بن راشد السعدي (حي : 1288ه ) , فقيه ، اشتغل بنسخ الكتب و تصحيحها ، من بلدة الملدّة بولاية المصنعة ، قام بنسخ العديد من أجزاء قاموس الشريعة
- ساعد بن سرور بن هميم بن سالم الشبيبي ، فقيه ، من المصنعة ، ناسخ للكتب أيضا، نسخ العديد من أجزاء القاموس .
- سعيد بن سالم بن سلمان السعدي ، ( حي :1288هج) فقيه وناظم للشعر ، من المصنعة ، له سؤالات فقهية لشيخه محمد بن سليّم الغاربي ، وتوجد عنه أجوبة أيضا .
- حمد بن محمد بن خميّس الخميسي ،( حي: 1285هج) ، فقيه ناظم للشعر ، من بلدة الخبة بالسويق ، درس على يد الشيخ المحقق سعيد بن خلفان الخليلي والشيخ محمد بن سليّم الغاربي .
- محمد بن ناصر بن سليّم السعدي ، ( حي : 1279هج) ، من ولاية المصنعة .
- محمد بن بلعرب المعولي ، من وادي المعاول على ما يبدو ، ويروى أنه جاء عند الشيخ جميّل ليتعلّم، وأمُّه غير راضية بذهابه عنها، لأنها غير مستغنية عن خدمته ، فلم يستفد من رحلته هذه حتى أخبر شيخه بذلك , فأمره باسترضاء أمّه ، فذهب إليها وطلب منها الإذن فأذنت له على أن تكون إقامته عند شيخه ثلاثة أشهر وشهر يرجع فيه إلى وطنه ، ودعت له بالتوفيق والبركة في طلب العلم ، فرجع إلى شيخه فابتهج بمقدمه واستقبله ، وأحسن إليه تعليما وتهذيبا ، ونال من العلم حظا وافرا .
تولى الشيخ جميِّل أمر صحار مع الشيخ حمد بن خميس السعدي فقاما فيها خير قيام ، من أمر بمعروف ونهي عن منكر ، وفصل في خصام وسعي إلى وئام .
كما كان له دور في الإصلاح في موطنه ، وكان يحكم بين الناس .
فقد حكم في دعوى في الرابع من شهر رجب 1245هجربة ، حيث أبطل بيع أرض ادعاها سيف بن خليفة بن خميس السعدي بساحل ودام ، لوصول مدّ البحر إليها ، فلا سبيل لتملّكها أو بيعها .
قال نور الدين السالمي : "وكانت الباطنة قد زهرت زهرة حسنة ، وكثر فيها الأخيار والمتعلّمون ، وفيهم الشيخ جميّل بن خميس مؤلّف قاموس الشريعة ، وكان يسكن القرط، وكان شيخهم حمد بن خميس من خيارهم ، وكان حبُّهم وميلهم إلى ملوك الرستاق ، لأنهم قد تسمّوا بالدين ، وعُرِفوا بالفضل ، وكانوا كثيرا يزورون قيس بن عزّان ، حتى قيل: إنه يجتمع في اليوم الواحد عنده في غرفة الصلاة مقدار أربعين مطوّعا ، وهو اسم لمن تسمّى بالدين ، وكفّ عن المآثم ، وكانوا يقرأون عنده آثار المسلمين ، فما زال كذلك حتى انقضت أيامه" .
آثاره العلمية :
إعادة ترتيب أرجوزة الشّيخ سالم بن سعيد الصّائغي المنحي العماني، وكثيرا ما يورد منها الشّيخ جميّل أبياتا في نهاية كل جزء من قاموس الشريعة .
وأبرز أثر له هو كتاب قاموس الشّريعة الحاوي طرقها الوسيعة، وهو الكتاب الذي اعتبره الشّيخ جميّل مشروع حياته .
قال الشيخ يحيى بن خلفان بن أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي (ت: 1322 هـ/1904 م) في تقريضه هذا الكتاب و عدد أجزائه و محتوى كل جزء :
هو السِفْر ذو الأنوار أكرمْ به سِفْرا يجلّ عن الأسفار إن قسته قدْرا
تضمّن أصل الشرع و الفرع و الذي النبيُّ به قد أوجب النهي و الأمرا
كتاب ترى نور الحقيقة ساطعا بأسطاره ما يخجل الشمس و البدرا
فذلك قاموس الشريعة موضحًا لأهل النهى منها محجَّتها الكبرى
هو اليمُّ والدرُّ المعاني بقعـــره فغصْ فيه مهما رمتَ تلتقط الدرّا
وقال :
مؤلّفه الحَبْر الجليل جمـيّل سليل خميس ذاك أكرم به حَبْرا
له آل سعدٍ أسرة و عصـابة ألا إنهم حازوا بسؤدده فخرا
فشرّدَ في تأليفه طيّب الكرى وسامر كتبًا و المحابر و الحِبْرا
وطاف فسيح الأرض للكتب طالبا مِجدًّا على جِدٍّ و قد وجَدَ اليسرا
كما نظم الشيخ موسى بن عيسى البشري قصيدة في هذا الموضوع أيضا قال في مطلعها :
ألا فخذوا عني عقودا من الدرّ بنظم و مرآه شفاء من الضرّ
تضمّن علما في الدلالة حاويا لأجزاء قاموس الشريعة بالشعر
كتاب كريم فاق كل مصنّف و أنواره أزرت ضيا الشمس و البدر
وقال في قصيدة أخرى :
ألا إن قاموس الشريعة عندنا هو الفخر في الدارين و العز و الغنا
هو الشمس لكن لا يغيب كمثلها لقد خرق السبع السماوت بالسنا
سماء و أسفار البرية أنجم حواها و إن قد قلت كالدَرّ في الإنا
وقال المؤرخ حميد بن محمد بن رزيق في تقريضه لهذا الكتاب :
جميـل جزاك الله خيرا فإنما كتابك كالاسم الشريف جميل
نعم فهو قاموس الشريعة قد حوى جـــــــواهر فضل مالهن مثيل
له الله من سفر بسيط ضيـــاؤه إلى منهج الحق اليقين دليل
الى آخر القصيدة
التّعريف بكتاب قاموس الشّريعة.
1)الاسم الكامل للكتاب: يقول الشّيخ جميّل السّعدي في مقدمة كتابه: "وسمّيته: قاموس الشّريعة الحاوي طرقها الوسيعة
2)منهج مؤلفه في تأليفه، ومصادره فيه: يقول في مقدمة كتابه: "فاعتمدت إلى ربّي، وتناولت قصارى حبيّ، كتاب: «بيان الشرع الجامع للأصل والفرع»، فحذفت منه التكرار، وخالفت بين بعض مسائله في التقديم والتأخير للاستقرار، أعني ما تكرّر لفظا لا معنى، مما رأيت عنه الكفاية والغنى، فوافقت بين أندادها، وفارقت بين أضدادها، ويمّمت كلّ مسألة في مسلكها، ونظمت كلَّ جوهرة في سِلْكها؛ ليحمل التناسب ويكمل التّقارب، ووضعت فيه أيضا كثيرا من مسائل المتقدّمين والمتأخّرين ما استحسنته من أسفار آثار أهل العدل والفضل من المسلمين، وزدت في بعض أجزائه ما اخترته من كتب أهل الملل المخالفين، وأكثر زياداتي فيه عن متأخّري أصحابنا أهل عمان، لاسيّما من تأليف وتصنيف القطب الرباني السيد الباقر الفقيه أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي نوَّر الله ضريحه".
فالمؤلّف رحمه الله جمع نصوص من سبقه وقام بترتيبها وتهذيبها، ولذلك لا يوجد له في الكتاب تحريرات للمسائل ومناقشة لها، ولكنه يكتفي بإيراد نصوص العلماء فيها؛ وقد علَّل هذا بقوله في نهاية الجزء التسعين من كتابه: "والذي حملني على سلوك هذا السبيل من نقل الآثار، ما فيه من وجدان السلامة لي من الأخطار، والتي يتعرّض لها كلّ من يتعاطى من أمر الشّريعة ما لا يقدر عليه، ولا تحقق له فيه، مدعيا صحة ما يأتي به ويبديه"، وهذا من تواضعه رحمه الله، وإقراره بخطر المشروع الكبير الذي كلّف نفسه القيام به، وهو الإلمام بطرق الشّريعة الوسيعة.
(3 بداية تأليفه: ابتدأ تأليف كتابه سنة 1256هـ/ 1840م، وهو ما ذكره بنفسه في مقدّمة كتابه حيث قال: "وكان الابتداء لتحريره وتأليفه وتقريره في أول سنة ألف سنة ومائتي سنة وخمسين سنة وست سنين من هجرة سيد المرسلين، محمد صلى الله عليه وسلّم في كل وقت وحين".
(4 نهاية تأليفه: لم يذكر المؤلّف سنة محددة لنهاية تأليف كتابه، ولكن الظّاهر أنّ الشّيخ ألّف كتابه أوّل مرّة في سنوات معدودة، ثم لم يزل يهذّبه ويرتّبه ويضيف إليه النصوص، وقد يزيد عليه بعض الأبواب إلى قبيل وفاته، فقد عثر بعض الباحثين على نسختين بخط المؤلّف للجزء 44 من كتاب قاموس الشّريعة، الأولى منهما سنة 1260هـ، والأخرى سنة 1277هـ وفي هذه النسخة إضافة باب غير موجود في النسخة الأولى، وسنة كتابة هذه النسخة قريبة من سنة وفاة المؤلّف وهي سنة 1279هـ.
5 )مميّزات كتاب قاموس الشّريعة: مميزات هذا الكتاب كثيرة يمكن ذكر أهمها على النحو الآتي:
- هو أكبر كتاب إباضي على الإطلاق، حيث يقع في 90 جزءا، وهو من أكبر الكتب الإسلامية أيضا.
- بقاء هذا الكتاب كاملا غير منقوص، حتى أنه توجد عدة أجزاء منه بخط مؤلِّفه، بخلاف كثير من كتب المذهب الإباضي المفقودة جزئيا أو كليّا.
- احتواؤه على كل أبواب الشّريعة من العقيدة والفقه والآداب والأخلاق، وأصول الفقه، وجملة كبيرة جدّا من الآثار والأحاديث، فهو يمثّل دائرة معارف عصره.
- الكتاب يحوي على أقوال العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية من القرن الأول الهجري إلى القرن الثالث عشر الهجري، وهو القرن الذي عاش فيه المؤلّف، بل قد نقل المؤلّف حتى ممن عاصره وكان أصغر منه عمرا , مثل الإمام المحقق سعيد بن خلفان الخليلي المتوفى سنة: 1287 هـ /1870م؛ وذلك لغزارة علمه وكثرة تحقيقاته.
- بذل المؤلّف جهدا كبيرا في ترتيب مادة الكتاب فجاء ترتيبه ترتيبا دقيقا وبديعا؛ حتى تسهل الاستفادة منه للقارئ، وقد قام المؤلّف في كثير من مواطن الكتاب عند الكلام عن موضوع عن طريق العرض، بالإحالة على الجزء الذي فَصَّل فيه ذلك الموضوع، ولذلك فكتاب قاموس الشّريعة على كبر حجمه له فهرس لمواضيعه الإجمالية ومواضيعه التفصيلية، بناء على ما وضعه مؤلّفه في بداية كل جزء، حيث يذكر الموضوع الرئيسي الذي يتناوله ذلك الجزء وعناوين الأبواب التي تغطي ذلك الموضوع، وقد رقن فهرس الكتاب الإجمالي والتفصيلي فجاء في 186 صفحة.
- بذل المؤلّف جهدا كبيرا جدّا في اختيار الكتب المفيدة والقيّمة من الإباضية وغيرهم من مختلف المذاهب الإسلامية، والتي لا يزال بعضها مخطوطا إلى اليوم، ونقل منها في مختلف أجزاء كتابه بمنهجية محكمة، حيث أورد كل نص في بابه المناسب له؛ ولهذا ألّفه في سنوات معدودة، ثم لم يزل يضيف إليه النصوص كلّما وقف على كتاب جديد، أو نص مفيد.
وقد نسخه بيده ثلاث مرات .
ويعدّ قاموس الشريعة أوسع كتاب ألّف في المذهب الإباضي من حيث عدد الأجزاء ، ونظرا لما له من مزايا عديدة فقد قرّظه غير واحد من العلماء والأدباء ، منهم ابن رزيق المؤرّخ الأديب حميد بن محمد بن رزيق ، والشيخ موسى بن عيسى البشري، والشيخ يحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصي كما مرّ سابقا.
ومن الأعمال التي قامت حول هذا الكتاب : 1- محاولة الشيخ العلاّمة سالم بن حمود السيابي ( ت: 1414هج ) اختصاره وتسهيله للقارئ ، فشرع في ذلك وسمّى مختصره : " ناموس الوشيعة في اختصار قاموس الشريعة " ، ثم عدل عن ذلك لـمّا رأى أنَّ الأمر يطول .
2. فهرسة أجزاء القاموس إجمالا وتفصيلا (مخ)، أعده الشيخ العلاّمة سالم بن حمد الحارثي ، ويقع في ثمان وثمانين صفحة .
طبعات الكتاب :
لم يسبق أن طبع كتاب قاموس الشّريعة كاملا، بأجزائه التسعين، ولكن قد طبع مرتين، وفي كل طبعة لم يصل عدد الأجزاء المطبوعة منه حتى إلى ربع الكتاب كله.
الطبعة الأولى: طبعة زنجبار.
قال سماحة الشّيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في محاضرة له بعنوان: «العمانيون وأثرهم في الجوانب العلمية والمعرفية بشرق إفريقيا» ما نصه: "فقد ظلَّت العلاقة مستمرة ما بين عمان وما بين زنجبار بشرق أفريقيا في ظلّ حكم السلاطين البوسعيد الموجودين هنا وهناك, ثم جاء بعد ذلك عهد السيد برغش بن سعيد ، فحرص على أن يدخل بالبلاد أي شرق أفريقيا طورا جديدا، فأنشأ المباني العمرانية المتطورة...وأتى بأوّل مطبعة تطبع الكتب العربية هناك ، هذه المطبعة ابتدأت الطباعة فيها في عام ألف ومائتين وسبعة وتسعين (1297هـ/1880م, وابتدأ أول ما ابتدأ بطباعة قاموس الشّريعة الذي يقع في تسعين مجلدا وقد طبع منه السلطان برغش سبعة عشر (17) مجلَّدا.
الطبعة الثانية: طبعة وزارة التراث القومي و الثقافة بسلطنة عمان.
بدأت الوزارة بطباعة كتاب قاموس الشّريعة في ثمانينات القرن المنصرم، ولم تطبع الأجزاء كلها دفعة واحدة، بل كانت تطبعه في دفعات متتالية، فطَبَعتْ الجزء الأول في سنة 1401هـ- 1982م، وقد وصلت في طباعته إلى الجزء 21 الذي طبعته سنة 1428هـ- 2007م.
وطبع في هذا العام 1436هج / 2015م من قبل مكتبة الجيل الواعد ،جزى الله القائمين عليها خيرا، وأثابهم أجرا، وأضيف إليه جزء يشمل مقدمات عن الكتاب وصاحبه والعمل الذي قامت به المكتبة حول إخراج الكتاب من تحقيق وغيره .
توفي الشيخ جميّل عام 1278هجرية/1861م.
رحمه الله رحمة واسعة على بذله وعطائه في سبيل العلم والإصلاح ، وعلى هذه الموسوعة العظيمة الفقهية الشاملة.
المصادر:
- السالمي ، عبدالله بن حميد , تحفة الأعيان 2 / 230.
- المغيري ، سعيد بن علي , جهينة الأخبار 337 .
- السيابي ، سالم بن حمود ، إسعاف الأعيان 26 .
- السعدي ، معجم الفقهاء والمتكلمين الإباضية 1/46.
- السيفي ، محمد بن عبدالله ، النمير ،5/236
- قاموس الشريعة ، جزء المقدمات للطبعة الكاملة من الجيل الواعد.
مصدر الترجمة معجم القضاة العمانيين (١/ ٨٠)