قاسم بن سعيد الشماخي
قاسم بن سعيد الشماخي
رائد الصحافة الإباضية
بقلم سلطان بن مبارك الشيباني
قاسم بن سعيد بن قاسم بن سليمان بن محمد بن عمر بن يحيى بن إبراهيم بن موسى بن عامر بن سيفاو الشماخي العامري اليفرني النفوسي الجربي المغربي المصري ؛ مفكر مصلح وكاتب أديب .
ولد بقاهرة مصر في ربيع الأول 1274هـ / نوفمبر 1857م ، بعد أن قدم أبوه إليها للدراسة في جامع الأزهر . ونسبته إليها نسبة مولد ومسكن ووفاة .
و «شماخ» جبل عال ، يقع في أرض الريانية بليبيا الآن ، كان موطن القبيلة المنسوبة إليه ، ولا تزال به آثار تدل على ما كان فيه من عظيم العمران .
ومن «شماخ» نزحت القبيلة شرقا إلى «يفرن» فاستقرت بها ، وديارهم فيها مشهورة بالعلم والبركة ، و «يفرن» اليوم تطلق على مجموعة قرى صغيرة .
أما «نفوسة» فهو الجبل الكبير الذي يضم كل هذه القرى ، ويقع في ليبيا في الغرب منها قريبا إلى الشمال .
و «الجربي» نسبة إلى جزيرة «جربة» بتونس ؛ مدفن كثير من آباء المترجم له ، وقد رحلوا إليها لنشر العلم وتفقيه الناس .
ويجمع «المغرب» كل هذه المناطق المذكورة ، ويختص في العرف الإباضي بالأماكن التي سكنوها وكانت آهلة بهم في ذلك الجزء من العالم الإسلامي .
وتأتي نسبة «العامري» - فيما يتبادر - من «عامر بن سيفاو الشماخي» أحد أجداد الشيخ قاسم ، وهو الجد المباشر للعلامة الفقيه عامر بن علي بن عامر الشماخي (ت792هـ) صاحب الإيضاح ، فهما يلتقيان فيه .
نشأته:
نشأ قاسم في أسرة راسخة أقدامها في العلم ، فوالده الشيخ سعيد بن قاسم بن سليمان الشماخي (ت1301هـ) أحد المشايخ والسياسيين البارزين ، ووكيل تونس بالقاهرة ، وجده قاسم بن سليمان الشماخي (ت بعد 1265هـ) صاحب اللؤلؤة المشهورة في علم التوحيد ، وجده الآخر سليمان بن محمد الشماخي (ت1234هـ) شيخ الجامع الكبير بجربة ودفين مكة المكرمة .
ومن أجداده ورث مقومات الشخصية المسلمة الفذة . وقد ترعرع في أوساط بيئة تتصارع فيها الأفكار ، وتعج بالتيارات والمذاهب المتباينة ، يوم كان الاستعمار الغربي يتربص بأنحاء كثيرة من دول العالم الإسلامي .
أرسله والده في صغره ليحيا حياة البدو في الصحراء ، ثم تعلم على يده مبادئ الفنون ، وبعدها وافق – رغم معارضته بداية – أن يرسله إلى مدرسة حديثة ليتعلم اللغة الإنجليزية والعلوم العصرية .
قضى قاسم معظم حياته بمصر ، ولم يفوت زيارة موطن آبائه بجربة ، ولعل مستقر عائلته في جبل نفوسة نال نصيبا من زياراته ، أما رحلاته الأخرى فلا نعرف عنها شيئا .
عاصر أواخر العهد العثماني التركي الذي تنازعته قوى الاستعمار فما لبث أن تهاوى سنة 1342هـ / 1942م بعد أن كان مسيطرا على جل العالم العربي ، وآخر سلاطينه : عبدالحميد بن عبدالمجيد .
وكان الخديويون حكام مصر آنذاك بتعيين من الآستانة ، وأولهم : الخديوي إسماعيل باشا بن إبراهيم (1279 – 1296هـ) ثم الخديوي محمد توفيق باشا بن إسماعيل (1296 – 1309هـ) ثم الخديوي عباس حلمي الثاني ابن توفيق (1309 – 1333هـ) وبعده تحولت الخديوية المصرية إلى سلطنة ، وأول من وليها : حسن كامل بن الخديوي إسماعيل باشا (1333 – 1335هـ) ، وكان الشماخي على علاقة وطيدة به ، ثم أحمد فؤاد الأول ابن الخديوي إسماعيل باشا (1335 – 1355هـ) وهو أول من لقب بالملك .
أما تونس فكانت ولايتها للبايات تحت الحماية الفرنسية ، وعاصر الشماخي منهم : محمد الصادق بن حسين بن محمود (1276 – 1299هـ) ثم علي بن حسين بن محمود (1299 – 1320هـ) ثم محمد بن علي بن حسين (1320 – 1324هـ) ثم محمد بن محمد بن علي (1324 – 1340هـ) .
وتذكر بعض المصادر أن قاسم بن سعيد ورث أباه في منصبه ، إذ عينته الدولة التونسية قنصلا عاما لها بمصر ، إضافة إلى اشتغاله في عدة وظائف مرموقة أهلته لها معرفته باللغة الإنجليزية .
وفي إطار انتمائه المذهبي عاصر جملة من السلاطين ، كان أبرزهم : السلطان فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان (1305 – 1331هـ) في عمان ، والسلطان علي بن حمود بن محمد (1320 – 1329هـ) في زنجبار ، وله مخاطبات إليهم .
سيرته:
ارتبط الشماخي بعلاقات عديدة مع أفاضل وأعيان وعلماء عصره ، فمن أهل مصر : صاحبه ورفيقه مصطفى بن إسماعيل العمري الفارضي (ت1330هـ تقريبا) الذي تأثر به تأثرا شديدا ، ودخل المذهب الإباضي بسببه . والشيخ المصلح محمد عبده (ت1323هـ) وتلميذه العلامة السيد محمد رشيد رضا (1354هـ) .
قال الشيخ علي يحيى معمر : « وكان من العمالقة الذين أنجبتهم يفرن في أواخر العصر التركي : العلامة قاسم بن سعيد الشماخي ؛ نزيل مصر ، وقد كون هذا العلامة رجة في مصر شغلت أرباب الفكر والعلم والأدب ردحا من الزمن ، وكان إلى جنبه الأديب الصحفي المصري مصطفى بن إسماعيل ، وكان الرجلان يكونان ثنائيا مندفعا في كفاح الأباطيل والخرافات والبدع بقوة وعزم .
وحينما ثار الجامدون في وجه الإمام محمد عبده كان هذا الثنائي من أعظم الأنصار الذين وقفوا في وجه الجمود يردون كيد الخصوم ، ويحاربون منطق التخلف الذي يمليه في أغلب الأحيان حسد ، مبعثه القصور والعجز ، فكانت لهما مقالات رنانة متآزرة في الصحف وكتب متآخية في نصرة الحق » (1) .
ومنهم : شاعر الإباضية عمرو بن عيسى التندميرتي (ت1321هـ) ، والشيخ محمد بن يوسف الباروني (ت بعد1322هـ) صاحب المطبعة البارونية بالقاهرة ، والعلامة الأثري أحمد كمال باشا (ت1341هـ) والشاعر الأديب محمد بن الحسن بن أحمد الحموي (ت1354هـ) .
ومن أعيان المذهب الإباضي : رفيق والده الشيخ عبدالله بن يحيى الباروني النفوسي الليبي (ت1332هـ) ، وابنه الشيخ المجاهد سليمان باشا بن عبدالله الباروني (ت1359هـ) ، وعلامة الجزائر قطب الأئمة امحمد بن يوسف اطفيش (ت1332هـ) ، ومرجع أهل عمان نور الدين السالمي (ت1332هـ) والشاعر الكبير أبو مسلم ناصر بن سالم البهلاني (ت1339هـ) نزيل زنجبار ، وغيرهم .
تلامذته:
لم نعرف تلامذة الشيخ الشماخي ومن جلس عنده للدراسة ، ولعل منهم : الشيخ المحقق أبا إسحاق إبراهيم اطفيش (ت1385هـ) نزيل مصر .
ترك الشماخي من الأبناء ثلاثة : سعيدا ، وليلى ، وسبيعة .
■ أما سعيد فجندي باسل ، سافر إلى موطنه الأصلي ليبيا ليشارك إخوانه في حربهم ضد الطليان بطرابلس سنة 1329هـ / 1911م ، كما شارك في حرب البلقان سنة 1330هـ / 1912م ، ورجع مريضا منهكا من أثر الحروب ، وتوفي بمصر (بعد سنة 1350هـ) . له مساهمة في الحركة العلمية بتعليم الطلاب وكتابة المقالات ، منها مقال وقفت عليه منشورا بآخر عدد «المنهاج» الصادر في : غرة صفر 1344هـ ، ينبئ عن دراية ومتابعة لأحوال عصره .
■ وأما ليلى فسيدة فاضلة ، وعالمة جليلة ، سكنت مصر مع عائلتها ، واقترنت بالأديب الكبير مصطفى بن إسماعيل المصري رفيق والدها .
كانت ذات أدب رائق وقلم سيال ، ولها علاقة وصلة بـ : ملك بنت حفني ناصف (ت1337هـ / 1918م) المعروفة بباحثة البادية ؛ وعائشة عصمة بنت إسماعيل تيمور (ت1320هـ/1902م) المشهورة بعائشة التيمورية ، وبينهن مباحثات ومراسلات تتعلق بقضايا المرأة وغيرها ، وقد كانت ندا لهما .
لم يصلنا شيء مما كتبت ، ولعل الأيام تكشف عنه ، ولا ندري تاريخا محددا لوفاتها سوى أنها توفيت بعد زوجها (المتوفى 1330هـ تقريبا) ، ولم تترك من العقب إلا بنتا واحدة .
■ وأختها الصغرى سبيعة سيدة فاضلة ، سكنت مصر أيضا ، واقترنت بالشيخ المجاهد أبي إسحاق اطفيش (ت1385هـ) ، وكانت رفيقة عمره وأنيسة دربه في مشواره الجهادي الطويل بمصر .
أنجبت له جميع أبنائه الخمسة وأختا لهم ، وربتهم تربية صالحة ، وبسبب ظروف حياتها لم تتفرغ لطلب العلم ، إلا أنها كثيرا ما كانت تغرس في نفوس أبنائها روح الفضيلة ، وتحثهم على اقتفاء أثر والدهم ، وقد توفيت بعده ، وقضت آخر أيامها في «ميزاب» بالجزائر مع ابنها الربيع ، ودفنت هناك .
وفته:
عاش قاسم بن سعيد حياة حافلة بالعطاء ، وتوفي بمصر ، واختلفت الأقاويل في تاريخ وفاته ؛ فقيل قبل وفاة رفيقه مصطفى بن إسماعيل (المتوفى حوالي 1330هـ / 1912م) (2) ، وذكر لويس معلوف (ت1365هـ) في «المنجد في اللغة والأدب والأعلام» أنه توفي سنة 1915م ( 1333هـ ) . وضبطه الشيخ سالم بن يعقوب الجربي - كما نقل عنه - بـ 14 يونيو 1922م (يوافق 18 شوال 1340هـ) ، أما الزركلي في الأعلام فاعتمد سنة 1334هـ / 1916م ، وتابعه على ذلك معجم أعلام الإباضية .
أعماله:
تميز الشماخي بكتاباته الرائعة ، وأسلوبه السلس ، وطرحه الماتع المفيد ، وترك جملة آثار كان منها :
(1) « سرد الحجة على أهل الغفلة » (مط) ؛ كتاب بديع في فنه ، فرغ منه في ربيع الأول سنة 1306هـ ولعله أول تآليفه ، ووضعه في بابين ؛ الأول : في الآفات التي أوجبت وهن العزائم وفتور الهمم عن فعل الطاعات . والثاني : في سرد الحجة على كل مكلف من أهل القبلة بما يجب عليه من واجبات وحقوق .
تطرق في أول البابين إلى آفة هجر القرآن ، وآفة ولاية من وجبت له البراءة ، وآفة التربية ، وآفة الحرية ، وآفة فقد النخوة الإسلامية وترك رباط الخيل العربية ، وكل ذلك من ضرائب الحضارة الأوروبية . أما الباب الثاني فألم فيه بعقائد التوحيد وأحكام الفرائض إلماما سريعا ، ثم سرد الحقوق ومظالم العباد التي يسأل العبد عنها في المعاد ، وختمه بنتف متفرقة في الزهد والرقائق .
وهذا الإجمال الوافي في الكتاب جعل بعض الدارسين يعده شبيها بالكتب التي توضع للطلبة المبتدئين .
صدر الكتاب سنة 1309هـ ، عن المطبعة الإبراهيمية بالإسكندرية ؛ في 88 صفحة من الحجم المتوسط ( 22×15سم ) ملحق بها 15 صفحة مشتملة على ترجمة للمؤلف مؤرخة في 15 جمادى الآخرة 1309هـ (3) .
وتوجد النسخة الأصل بقلم مؤلفها محفوظة بمكتبة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي – حفظه الله – بعمان في 120 صفحة من الحجم المتوسط . وقد أحال الشماخي على كتابه هذا في « القول المتين » (ص95) .
(2) « الحكمة » في شرح رأس الحكمة لعثمان كمال الدين (مط) ؛ كتاب في المواعظ ، طبع على نفقة : محمد حسنين سالم ؛ بمطابع الاتحاد المصري في الإسكندرية ؛ سنة 1313هـ / 1896م ، وصدر في 86 صفحة من المقاس المتوسط ( 24×16سم ) ، أما مؤلف الأصل فلم أتوصل إلى ترجمته .
(3) « بغية الطالب فيما يحتاج إليه الكاتب » (مط) جزءان . لم أطلع عليه ، وقد صار هو والذي قبله في عداد النوادر . ذكره الزركلي في الأعلام ، ولم يقيد تاريخ طبعه أو تأليفه(4) ، ويبدو لي أنه من مؤلفاته الأولى ؛ نظرا لاشتغاله بالدفاع عن مذهبه ونشر مبادئه في تصانيفه المتأخرة .
(4) « مراشد التقية » ؛ كتاب لم أطلع عليه ، وواضح أنه ألفه قبل سنة 1323هـ بدليل إحالته إليه في «القول المتين» (ص75) ، بل قبل سنة 1321هـ بدليل إحالة السيد مصطفى بن إسماعيل إليه في «الهدية الإسلامية» (ص47) ، لكنه تأخر في طباعته ، إذ أشار إليه في «الظهور المحتوم» (ص65) وصرح أنه « لم يطبع بعد » .
ويبدو لي أن الكتاب لم ير نور المطابع إلى الآن فلا نجد إشارة واحدة إلى ذلك ، أضف إليه أن الزركلي لم يذكره ضمن كتب الشماخي المطبوعة ، وعليه فلا ندري مصيره الآن ، ولم نسمع به مخطوطا في شيء من دور الكتب .
(5) « القول المتين في الرد على المخالفين » (مط) ؛ رسالة أنشأها سنة 1323هـ في نقض أغاليط تضمنتها مجلة تدعى « مجلة الإسلام » لصاحبها ومحررها أحمد علي الشاذلي الأزهري ، وتركز الرد في نقطتين : مسألة افتراق الأمة إلى مذاهب ، ومسألة تمييز الإباضية من الخوارج وتوضيح معتقداتهم .
والعدد المشار إليه من المجلة المذكورة هو الثالث والرابع من سنتها الثامنة الصادر في الربيعين سنة 1323هـ . أما صاحب المجلة فلم أظفر بتعريف له سوى أنه أنشأ مجلته في 8 آذار ( مارس ) سنة 1894م (5) ( 1 رمضان 1311هـ ) . وهو يحارب فيها كل دعوات الإصلاح والتجديد ، ويدعو إلى التقيد بالمذاهب الأربعة التي عليها مدار الشريعة أجمع ! وعلى شاكلة أفكاره جاءت كتابات من شاركوا في المجلة بأقلامهم .
فرغ الشماخي من تحرير رسالته في الرد على المجلة مساء الثلاثاء 26 ذي الحجة 1323هـ ، وصدرت طبعتها الأولى عن مطبعة مجلة المنار الإسلامية بمصر سنة 1324هـ / 1907م ؛ في 92 صفحة من الحجم المتوسط (22.5×15سم) ؛ على نفقة الحاج محمد بن الحاج صالح بن عيسى الميزابي تلميذ القطب . ثم صدرت طبعة أخرى لها سنة 1413هـ / 1992م عن مكتبة الضامري بعمان .
هذا ؛ وقد قرظها وقت صدورها العلامة السيد محمد رشيد رضا في مجلة «المنار» عدد المحرم 1325هـ / آذار ( مارس ) 1907م ؛ فقال : « رسالة للشيخ قاسم بن سعيد الشماخي صاحب مجلة نبراس المشارقة والمغاربة ، طبعت في العام الماضي ، وأهدانا نسخة منها في هذه الأيام ، فرأينا في فاتحتها أنه يرد فيها على مجلة اسمها « الإسلام » ، يصدرها في بعض الأحيان رجل اسمه الشيخ أحمد علي الشاذلي .
وكأن الشيخ قاسما ظن أن لهذه المجلة شأنا ، أو لما تكتبه وقعا ، فعني بالرد عليها ، وما هي مما يرد عليه ، ولو عرف حقيقتها لما بذل شيئا من الزمن في قراءتها ، بله الرد عليها . وقد ألقيت إلينا مرة نسخة منها قيل لنا إن فيها ردا علينا ، فلم يحركنا ذلك إلى تناولها حرصا على الوقت أن يضيع في قراءة شيء منها .
وقد وقع نظري في هذه الفاتحة على اسم المنار ، فقرأت أسطرا من الكلام الذي ذكر فيه ، فإذا هو حكاية عن رجل هندي أنكر على المنار إنكار التقليد والدعوة إلى معرفة الدين بالدليل . عرفت ذلك الهندي وما هو بهندي ، إن هو إلا رجل مصري كان يبيع الكتب في أسواق مصر وشوارعها وملاهيها - كما قيل لي - ثم طوحت به الطوائح إلى كلكته ، وهناك عين إماما في مسجد ، وما هو ممن يحفل بقوله ولا باعتراضه ، فعسى أن يسامحني الشماخي إذا لم أجبه إلى قراءة ما كتبه في هذه الرسالة ، وقد علمت أنه دافع عني فأنا أشكر له ذلك ، وأسأل الله لي وله التوفيق » .
(6) « الظهور المحتوم في الرد على العلامة الأزهري طموم » ( مط ) ؛ رسالة مختصرة تعرف بالمذهب الإباضي ، وتنكر على من تهجم عليه دون معرفة ، وتكاد تشبه في مضمونها رسالة قطب الأئمة في رده على العقبي «إن لم تعرف الإباضية» .
أما المردود عليه فهو العلامة محمد طموم أحد المشايخ بأزهر مصر ، وكل ما وجدته عنه أنه تلميذ لشيخ الأزهر سليم بن أبي فراج البشري (ت1335هـ) ، وقرين للشيخ محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكي (ت1352هـ) ، وكلهم من فقهاء المالكية بمصر .
وقد كتب طموم مكتوبا أرسله إلى إسماعيل صبري باشا الطوبجي والد مصطفى بن إسماعيل ؛ يستنكر فيه ما دونه الأخير في كتابه «الهدية الإسلامية» من انتسابه إلى الإباضية ودفاعه عنهم ، ونقل ما قاله الفيروزآبادي في قاموسه والعضد في مواقفه عن الإباضية ، ثم صرح بعـدم جواز اتـباع ( عقائدهم الزائغة ) ولا السكوت عن ( مذاهبهم الفاسدة العاطلة الباطلة ) - في إشارة إلى ما يجب أن يتخذه إسماعيل باشا تجاه ولده - ، وحمد الله على إحكام عقائد المصريين الأصليين التي بقيت على ( الحق المبين ) ! .
فوضع إسماعيل صبري باشا المكتوب بين يدي ولده مصطفى ، وطلب إليه أن يشرح لعلماء الأزهـر معنى انتسابه إلى الإباضية ، وماهية هذا المذهب ، فأرسله مصطفى بدوره إلى صاحبه وأخيه قاسم بن سعيد الشماخي ليتولى هو الرد عليه .
كتب الشماخي رده هذا في عشرة أيام ، افتتحه ببيان حقيقة الاختلاف بين أمة محمد r ، وعاب التعصب الذميم والتقليد الأعمى للأئمة ، مستشهدا بأقوال العلماء من المذاهب الأربعة خصوصا ، ونوه بأصالة المذهب الإباضي ورسوخ قدمه ، ثم شرع في مناقشة ما كتبه طموم حرفا بحرف .
فرغ الشماخي من تحرير الرسالة في 22 ذي القعدة 1327هـ بمنزل الدفراوي بالصليبة ، وأثناء تحريره سبقه مصطفى بن إسماعيل إلى تدوين كلمة تمهيدية صدر بها الرسالة ، تضمنت اعترافا بفضـل العلامة طموم ومرتبته في العلم ، ثم استنكارا لتسرعه في الهجمة على الإباضية . وطبع الكل في مجموع واحد ، في 80 صفحة من الحجم الصغير ( 18×13سم ) دون تأريخ الطبع ، ولا يبدو بعيدا عن سنة 1327هـ .
(7) « مسألة البراءة والتولية والصحابة » . هكذا سميت في ترجمة الشيخ قاسم في معجم أعلام الإباضية ( قسم المغرب ) ، ولم تذكر معلومات أخرى عنها . هذا مجمل ما وقفنا عليه من مؤلفاته .
(8) كما أنشأ الشيخ الشماخي - بالاشتراك مع قرينه السيد مصطفى بن إسماعيل - مجلة « نبراس المشارقة والمغاربة » ، وهي مجلة فكرية علمية ، تصدر ثلاث مرات شهريا ، وتطبع في مطبعة المنار بالقاهرة ، ومتوسط عدد صفحاتها 8 صفحات ، وكان مقررا لها أن توزع في اسطمبول وسائر الإمارات العـثمانية ، والدول العربية ، مع زنجبار والهند وأوروبا .
تناوب الأخوان في تحريرها ، وتنسب في الغالب إلى الشماخي ؛ مؤسسها ومحرر عددها الأول الصادر في 17 جمادى الأولى 1322هـ / 30 تموز (يوليو) 1904م ، وتعد بذلك أول صحيفة إباضية .
وقد انتظم إصدارها - نوعا ما - في سنتها الأولى على النحو التالي :
○ العدد الأول : 17 جمادى الأولى 1322هـ .
○ العدد الثاني : 29 جمادى الأولى 1322هـ .
○ العدد الثالث : 8 جمادى الآخرة 1322هـ .
○ العدد الرابع : 18 رجب 1322هـ .
○ العدد الخامس : 26 رجب 1322هـ .
○ العدد السادس : 7 شعبان 1322هـ .
○ العدد السابع : 17 شعبان 1322هـ .
○ العدد الثامن : 27 شعبان 1322هـ .
○ العدد التاسع : 24 شوال 1322هـ .
ثم واجهت مضايقات ومشكلات أخرت صدور عددها العاشر إلى 6 ذي القعدة 1323هـ / 1 يناير 1906م ، لتحتجب بعد ذلك في مصير لا نعلم عنه شيئا .
وقد اطلع عليها نور الدين السالمي وأثنى عليها ، قال في «بذل المجهود في مخالفة النصارى واليهود» (ص52) : « وكذلك ينبغي الاطلاع على مقاصد النبراس والالتفات إلى مراشده ، فإنها النصائح البليغة والعظات الكاملة » ونوه بها الشماخي في « القول المتين » ، ولم أقف على شيء من أعدادها .
كتب أخرجها:
ومن الكتب التي اعتنى بإخراجها :
(9) رسالة « الصراط المستقيم » للشيخ علي بن محمد بن علي بن محمد المنذري (ت1343هـ) أحد علماء الإباضية بزنجبار . طبعت سنة 1317هـ / 1899م ؛ في 32 صفحة من الحجم المتوسط ( 19.5×14سم ) .
والرسالة تأليف موجز بأسلوب رصين ، جمع فيها كاتبها خلاصة عقائد الإباضية وآرائهم الفقهية ؛ جوابا لسؤال ورده من سالم بن سلطان بن قاسم الريامي . وقد صدرت هذه الطبعة في حياة المؤلف ، وعليها اعتمد الناشرون في إخراج طبعات لاحقة .
(10) « متن الجامع الصحيح » مسند الإمام الربيع بن حبيب البصري بتصحيح العلامة نور الدين السالمي ، وهذه أول طبعة صدرت للكتاب بمطبعة النجاح في مصر سنة 1328هـ ، خدمها السيد قاسم بإذن من مصححها نور الدين ، وقسم المتن إلى أربع كراسات ، كل جزء في كراسة مستقلة ، اطلعت على أولاها في 96 صفحة من الحجم المتوسط.
(11) رسالة « إن لم تعرف الإباضية يا عقبي يا جزائري » لقطب الأئمة ، بتعليق نور الدين السالمي ، وبآخرها أرجوزة «كشف الحقيقة» للإمام السالمي أيضا . قام بتصحيحها مع أخيه مصطفى بن إسماعيل بإشارة من السلطان فيصل بن تركي ، وطبعت في 200 صفحة من الحجم المتوسط ، ويظهر أن تأريخ طبعها بعد سنة 1328هـ .
وقد صدراها بمقدمة في ست صفحات مستفتحة بقولهما : « أما بعد ؛ فيقول الأخوان في الله تعالى : قاسم بن سعيد الشماخي العامري ومصطفى بن إسماعيل العمري الفارضي القائمان بالدعوة إلى الخير في مصر ... » وهذا شأنهما في كل ما يشتركان في كتابته .
(12) وله تقريظ على ديوان « السيف النقاد » للإمام الإباضي أبي إسحاق الحضرمي (ق5هـ) الذي اعتنى بإخراجه سليمان باشا الباروني ، ينم عن أدبيته وبلاغته . والتقريظ مؤرخ في 7 رمضان 1324هـ ، وهو منشور بآخر الديوان مع جملة تقاريظ أخرى ، وقد صدر عن المطبعة البارونية بالقاهرة سنة 1324هـ / 1906م ، وأعيد طبعه وتصويره عدة مرات .
(13) ولا أستبعد وجود مراسلات له مع أهل عصره أو منهم إليه ، إما حررها بنفسه ، أو بالاشتراك مع رفيقه مصطفى . وقد أشار هذا الأخير إلى بعض رسائلهما الموجهة للسلطان العثماني عبدالحميد في تقديمه لرسالة «الظهور المحتوم» .
(14) وذكر الشيخ علي يحيى معمر أن للأخوين قاسم ومصطفى محاضرات ومناقشات كانا يقومان بها في النوادي والمجتمعات « سمعنا عنها ولم يصلنا منها شيء » ، وربما أشارا فيما كتباه إلى طرف منها .
خاتمة:
كان السيد الشماخي حلقة الوصل بين إباضية المشرق والمغرب ، وكانت مجلته نبراسا للمشارقة والمغاربة ، وكانت مؤلفاته ناطقة باسمهم ومدافعة عنهم ، وقدم - وهو في موقعه المهم بمصر - خدمة عظيمة لأبناء مذهبه الذين افتقدوه في الليلة الظلماء ، وانتظروا بعده - ولا زالوا ينتظرون - فردا من أفراد العائلة الشماخية ؛ يجدد شبابها ويبعث ماضيها التليد .
أهم المصادر والمراجع :
1.جميع مؤلفات المترجم له المطبوعة والمخطوطة .
2.علي يحيى معمر : الإباضية في ليبيا .
3.فيليب طرازي : تاريخ الصحافة العربية .
4.خير الدين الزركلي : الأعلام .
5.جمعية التراث : معجم أعلام الإباضية – قسم المغرب .
6.مارتن كوستر : حركة النشر الإباضية في القاهرة 1880- 1960م .